كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

الخلافة فبايعوه بالخلافة وأجاز إلى مالقة فملكها ودخل قرطبة سنة سبع وأربعمائة وتلقب بالناصر لدين الله واتصلت دولته إلى أن قتله صقالبته بالحمام سنة ثمان وأربعمائة
فولي مكانه أخوه القاسم بن حمود الذي كان بطنجة وتلقب بالمأمون
ثم غلبه على ذلك يحيى ابن أخيه علي وزحف إلى قرطبة فملكها سنة ثنتي عشرة وأربعمائة وتلقب بالمعتلي وكانت له وقائع كان اخرها أن اتفقوا على تسليم المدائن والحصون له فعلا سلطانه واشتد أمره وأخذ في حصار ابن عباد بإشبيلية فكبا به فرسه وقتل وانقطعت دولة بني حمود بقرطبة
ثم استدعى قومه أخاه إدريس بن علي بن حمود من سبته وطنجة فبايعوه على أن يولي سبتة حسن ابن أخيه يحيى فتم له الأمر بمالقة وتلقب بالمتأيد بالله وبايعه أهل المرية وأعمالها ورندة والجزيرة ومات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة
وبايع البربر بعده حسن بن يحيى المعتلي ولقبوه المستنصر وبايعته غرناطة وجملة من بلاد الأندلس ومات مسموما سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة
وكان إدريس بن يحيى المعتلي معتقلا فأخرج وبويع له سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وأطاعته غرناطة وقرمونة وما بينهما ولقب العالي ثم قتل محمدا وحسنا ابني عمه إدريس فثار السودان بدعوة أخيهما محمد بمالقة فأسلموه

وبويع محمد بن إدريس المتأيد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقب بالمهدي وأقام بمالقة وأطاعته غرناطة وجيان وأعمالها ومات سنة أربع وأربعين وأربعمائة
وبويع إدريس بن يحيى بن إدريس المتأيد ولقب الموفق ولم يخطب له وزحف إليه إدريس المخلوع الملقب بالعالي ابن يحيى المعتلي من قمارش فبويع له بمالقة إلى أن هلك سنة سبع وأربعين
وبويع محمد الأصغر ابن إدريس المتأيد ولقب المستعلي وخطب له بمالقة والمرية ورندة وهلك سنة ستين وأربعمائة
وكان محمد بن القاسم بن حمود قد لحق بالجزيرة الخضراء سنة أربع عشرة وأربعمائة فملكها وتلقب بالمعتصم وبقي بها إلى أن مات سنة أربعين وأربعمائة
ثم ملكها من بعده ابنه القاسم ولقب الواثق وهلك سنة خمسين وصارت الجزيرة الخضراء للمعتضد بن عباد وانقرضت دولة بني حمود بالأندلس

الطبقة الثامنة ملوك الطوائف بالأندلس
لما اضمحل أمر الخلافة من بني أمية وبني حمود بعدهم بالأندلس وثب الأمراء على الجهات وتفرق ملك الأندلس في طوائف من الموالي والوزراء وكبار العرب والبربر وقام كل منهم بأمر ناحية وتغلب بعضهم على بعض

وضعف أمرهم حتى أعطوا الإتاوة لملوك الفرنجة من بني أدفونش حتى أدركهم الله بأمير السلمين يوسف بن تاشفين
فأما إشبيلية وغرب الأندلس فاستولى عليهما بنو عباد
كان أولهم القاضي أبو القاسم محمد بن ذي الوزارتين أبي الوليد ابن إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف ابن نعيم اللخمي واستبد بإشبيلية بعد فرار القاسم بن حمود عن قرطبة انتزعها من أبي زيري وكان واليا عليها من جهة القاسم بن حمود المذكور وبقي بها إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
ولما مات قام بأمره ابنه عباد وتلقب المعتضد وطالت أيامه وتغلب على أكثر الممالك بغرب الأندلس وبقي حتى مات سنة إحدى وستين وأربعمائة
وولي مكانه ابنه أبو القاسم محمد الملقب بالمعتمد فجرى على سنن أبيه واستولى على دار الخلافة بقرطبة من يد ابن جهور وفرق أبناءه على قواعد الملك واستفحل ملكه بغرب الأندلس وغلب على من كان هناك من ملوك الطوائف وبقي حتى غلب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين على الأندلس فقبض عليه ونقله إلى أغمات قرية من قرى مراكش سنة أربع وثمانين وأربعمائة واعتقله بها إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

وأما قرطبة فاستولى عليها بنو جهور
وكان رئيس الجماعة بقرطبة أيام فتنة بني أمية أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور بن عبد الله بن محمد بن الغمر بن يحيى بن أبي المعافر بن أبي عبيدة الكلبي وأبو عبيدة هذا هو الداخل إلى الأندلس وكانت لهم وزارة بقرطبة بالدولة العامرية
ولما خلع الجند المقتدر بالله اخر خلفاء بني أميه بالأندلس استبد جهور بالأمر واستولى على المملكة بقرطبة سنة ثنتين وعشرين وأربعمائة وكان على سنن أهل الفضل فأسندوا أمرهم إليه إلى أن يوجد خليفة ثم اقتصروا عليه فدبر أمرهم إلى أن هلك في المحرم سنة خمس وثلاثين وأربعمائة
وولي مكانه ابنه أبو الوليد محمد بن جهور فخلعه أهل قرطبة سنة إحدى وستين وأربعمائة وأخرجوه ثم فوض التدبير إلى ابنه عبد الملك بن أبي الوليد فأساء السيرة فأخرجوه عن قرطبة فاعتقل بشلطيلش إلى أن مات سنة ثنتين وستين
وولي ابن عباد على قرطبة ابنه سراج الدولة وقتله ابن عكاشة سنة سبع وستين ودعا لابن ذي النون يحيى بن إسماعيل وقدمها ابن ذي النون من بلنسية وقتل بها مسموما
وزحف المعتمد بن عباد بعد مهلكه إلى قرطبة فملكها سنة أربع وثمانين وأربعمائة

وأما بطليوس فكان بها عند فتنة بني أمية بالاندلس أبو محمد عبد الله بن مسلمة التجيبي المعروف بابن الأفطس واستبد بها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة ثم هلك
فولي من بعده ابنه المظفر أبو بكر وعظم ملكه
وكان من أعظم ملوك الطوائف ومات سنة ستين وأربعمائة
وولي بعده ابنه المتوكل أبو حفص عمر بن محمد المعروف بساجة ولم يزل بها إلى أن قتله يوسف بن تاشفين سنة تسع وثمانين وأربعمائة بإغراء ابن عباد به
وأما غرناطة فملكها أيام الفتنة زاري بن زيري بن مياد ثم ارتحل إلى القيروان واستخلف على غرناطة ابنه فبدا لأهل غرناطة أن بعثوا إلى ابن أخيه حيوس بن ماكس بن زيري من بعض الحصون فوصل وملك غرناطة واستبد بها وتوفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة
وولي مكانه ابنه باديس وكانت بينه وبين بني عباد حروب وتوفي سنة سبع وستين وأربعمائة
وولي حافده المظفر أبو محمد عبد الله بن بلكين بن باديس وولى أخاه تميما بمالقة بعهده جده إلى أن خلعهما يوسف بن تاشفين سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة

وأما طليطلة فاستولى عليها بنو ذي النون
وذلك أن الظافر إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذي النون الهواري تغلب أيام الفتنة على حصن أفلنتين سنة تسع وأربعمائة وكانت طليطلة ليعيش بن محمد بن يعيش وليها في أول الفتنة فلما مات سنة سبع وعشرين مضى إسماعيل الظافر إلى طليطلة فملكها وامتد ملكه إلى جنجالة من عمل مرسية ولم يزل بها إلى أن هلك سنة تسع وعشرين
فولي مكانه ابنه المأمون أبو الحسن يحيى فاستفحل ملكه وعظم بين ملوك الطوائف سلطانه ثم غلب على بلنسية وقرطبة ومات مسموما سنة سبع وستين وأربعمائة
وولي بعده طليطلة حافده القادر يحيى بن إسماعيل بن المأمون يحيى بن ذي النون
وكان الطاغية أدفونش ملك الفرنج بالأندلس قد استفحل أمره عند وقوع الفتنة بين ملوك الأندلس فضايق ابن النون حتى تغلب على طليطلة وخرج له عنها القادر يحيى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة وشرط عليه أن يظاهره على أخذ بلنسية فقبل شرطه وتسلمها الأدفونش ملك الفرنج وبقيت معه إلى الان أعادها الله تعالى إلى نطاق الإسلام
وأما شاطبة وما معها من شرق الأندلس فاستولى عليها العامريون
بويع للمنصور عبد العزيز بن الناصر عبد الرحمن بن أبي عامر بشاطبة سنة إحدى عشرة وأربعمائة أقامه الموالي العامريون عند الفتنة البربرية في زمن بني أمية فاستبد بها ثم ثار عليه أهل شاطبة فترك شاطبة ولحق يبلنسية فملكها وفوض أمره للموالي

وكان خيران العامري من مواليهم قد تغلب قبل ذلك على أربونة سنة أربع وأربعمائة ثم ملك مرسية سنة سبع ثم جيان والمرية سنة تسع وبايعوا جميعا للمنصور عبد العزيز
ثم انتقض خيران على المنصور وسار إلى مرسية وأقام بها ابن عمه أبا عامر محمد بن المظفر بن المنصور بن أبي عامر وجمع الموالي على طاعته وسماه المؤتمن ثم المعتصم ثم أخرج منها ثم هلك خيران سنة تسع عشرة وأربعمائة
وقام بأمره بعده الأمير عميد الدولة أبو القاسم زهير العامري وزحف إلى غرناطة فبرز إليه باديس بن حيوس فقتله بظاهرها سنة تسع وعشرين وأربعمائة وصار ملكه للمنصور عبد العزيز صاحب بلنسية
وكان قائده صمادح وابنه معن يتوليان حروبه مع مجاهد العامري صاحب دانية فولى على المرية معن بن صمادح سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وغزا الموالي العامريين بشاطبه فغلبهم عليها
وولى على بلنسية ابنه عبد الملك فقام بأمره وجاهد المأمون بن ذي النون فغلبه على بلنسية وانتزعها منه سنة سبع وخمسين

ولما مات المأمون وولي حافده القادر على ما تقدم ذكره ولى على بلنسية أبا بكر بن عبد العزيز بقية وزراء ابن أبي عامر فحسن له ابن هود الانتقاض على القادر ففعل واستبد بها سنة ثمان وستين وأربعمائة حين تغلب المقتدر على دانية ثم هلك لسنة ثمان وسبعين لعشر سنين من ولايته
وولي ابنه القاضي عثمان فلما سلم القادر بن ذي النون طليطلة للأدفونش وزحف إلى بلنسية خلعوا القاضي عثمان خوفا من استيلاء ملك الفرنج عليها
ثم ثار على القادر سنة ثلاث وثمانين القاضي جعفر بن عبد الله بن حجاف فقتله واستبد بها ثم تغلب النصارى عليها سنة تسع وثمانين وقتلوه ثم جاءهم يوسف بن تاشفين
وأما معن بن صمادح قائد عبد العزيز بن أبي عامر فإنه أقام بالمرية لما ولاه المنصور سنة ثلاث وثلاثين وتسمى ذا الوزارتين ثم خلعه
وولى ابنه المعتصم أبا يحيى محمد بن معن بن صمادح سنة أربع وأربعين ولم يزل بها أميرا إلى أن مات سنة ثمانين وأربعمائة
وولي ابنه أحمد وبقي حتى خلعه يوسف بن تاشفين

وأما سرقسطة والثغر فاستولى عليهما بقية بني هود إذ كان منذر بن يحيى بن مطرف بن عبد الرحمن بن محمد بن هاشم التجيبي صاحب الثغر الأعلى بالأندلس وكانت دار إمارته سرقسطة
ولما وقعت فتنة البربر اخر أيام بني أمية استقل منذر هذا بسرقسطة والثغر وتلقب بالمنصور ومات سنة أربع عشرة وأربعمائة
وولي مكانه ابنه يحيى وتلقب بالمظفر
وكان أبو أيوب سليمان بن محمد بن هود بن عبد الله بن موسى مولى أبي حذيفة الجذامي من أهل نسبهم مستقلا بمدينة تطيلة و لاردة من اول الفتنة
وجدهم هود هو الداخل إلى الأندلس فتغلب سليمان المذكور على المظفر يحيى ابن المنذر وقتله سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وملك سرقسطة والثغر من أيديهم وتحول إليها وتلقب بالمستعين واستفحل ملكه ثم ملك بلنسية ودانية
وولي على لاردة ابنه أحمد المقتدر ومات سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة
فولي ابنه أحمد الملقب بالمقتدر سرقسطة وسائر الثغر الأعلى وولى ابنه يوسف الملقب بالمظفر لاردة
ومات أحمد المقتدر سنة أربع وسبعين لتسع وثلاثين سنة من ملكه
فولي بعده ابنه يوسف المؤتمن وكان له اليد الطولى في العلوم الرياضية وألف فيها التاليف الفائقة مثل المناظر والاستكمال وغيرهما ومات سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
وولي بعده ابنه أحمد الملقب بالمستعين ولم يزل أميرا بسرقسطة إلى أن مات شهيدا سنة ثلاث وخمسمائة في زحف ملك الفرنج إليها
وولي بعده ابنه عبد الملك وتلقب عماد الدولة وزحف إليه الطاغية أدفونش ملك الفرنج فملك منه سرقسطة وأخرجه منها واستولى عليها سنة ثنتي عشرة وخمسمائة ومات سنة ثلاث عشرة

وولي ابنه أحمد وتلقب سيف الدولة والمستنصر وبالغ في النكاية في الطاغية ملك الفرنج ومات سنة ست وثلاثين وخمسمائة
وكان من ممالك بني هود هؤلاء طرطوشة وقد كان ملكها مقاتل أحد الموالي العامريين سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ومات سنة خمس وأربعين
وملكها بعده نبيل أحدهم إلى أن نزل عنها لعماد الدولة أحمد بن المستعين سنة ثنتين وخمسين وأربعمائة فلم تزل في يده ويد بنيه بعده إلى أن غلب عليها العدو المخذول فيما غلب عليه من شرق الأندلس
وأما دانية وميورقة فاستولى عليهما مجاهد بن علي بن يوسف مولى المنصور بن أبي عامر وذلك أنه بعد الفتنة كان قد ملك طرطوشة ثم تركها وسار إلى دانية واستقر بها وملك ميورقة ومنورقة وبياسة واستقل بملكها سنة ثلاث عشرة وأربعمائة وولى عليها ابن أخيه عبد الله ثم ولى عليها بعد ابن أخيه مولاه الأغلب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة
وهلك مجاهد سنة ست وثلاثين وأربعمائة
وولي ابنه علي وتلقب إقبال الدولة ودام ملكه ثلاثا وثلاثين سنة ثم غلبه المقتدر بن هود على دانية سنة ثمان وستين وأربعمائة ونقله إلى سرقسطة فمات قريبا من وفاة المقتدر سنة أربع وسبعين وأربعمائة وبقي الأغلب مولى مجاهد على ميورقة وكان كثير الغزو في البحر فاستأذن علي بن مجاهد في الغزو واستخلف على ميورقة صهره سليمان بن مشكيان نائبا عنه فأقام سليمان خمس سنين ثم مات فولى علي بن مجاهد مكانه مبشرا وتسمى ناصر الدولة فأقام

خمس سنين وانقرض ملك علي بن مجاهد وتغلب عليه المقتدر بن هود فاستقل مبشر بميورقة ولم يزل يردد الغزو إلى بلاد العدو حتى جمع له طاغية برشلونة وحاصره بميورقة عشرة أشهر ثم اقتلعها منه واستباحها سنة ثمان وخمسمائة وكان مبشر قد بعه بالصريخ إلى علي بن يوسف صاحب المغرب فلم يواف أسطوله بالمدد إلا بعد تغلب العدو عليها وموت مبشر فلما وصل العساكر والأسطول دفعوا عنها العدو وولى على بن يوسف عليها من قبه وانود بن أبي بكر اللمتوني ثم عسف بهم فولى عليها يحيى بن علي بن إسحاق ابن غانية صاحب غرب الأندلس فبعث إليها أخاه محمد بن علي فأقام في ولايتها عشر سنين إلى أن هلك أخوه يحيى وسلطانهم علي بن يوسف واستقرت ميورقة في ملك بني غانية وكانت لهم بها دولة ثم ملكها الموحدون وانقرض أمر بني غانية وبقيت في أيدي الموحدين حتى ملكها الفرنج من أيديهم اخر دولتهم
وأما غرناطة فاستولى عليها زاري بن زيري بن مياد الصنهاجي ثم عن له أن قدم على المعز بن باديس صاحب أفريقية وهو حفيد أخيه بلكين فقدم عليه واستخلف مكانه بغرناطة ابنا له فأساء السيرة فيهم فأرسلوا إلى ابن عمه حيوس بن ماكس بن زيري فحضر إليهم فبايعوه وعظم فيها سلطانه إلى أن مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة
وولي من بعده ابنه باديس بن حيوس وتلقب بالمظفر وهو الذي مصر غرناطة واختط قصبتها وشيد قصورها وحصن أسوارها ومات سنة سبع وسبعين وأربعمائة وقد ظهر أمر المرابطين بالمغرب
وولي من بعده حافده عبد الله بن بلكين بن باديس فبقي بها إلى أن أجاز

يوسف بن تاشفين إلى الأندلس ونزل بغرناطة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فقبض على عبد الله المذكور

الطائفة التاسعة ملوك المرابطين من لمتونة ملوك الغرب المتغلبين على
الأندلس
لما غلب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين أمير المرابطين على بلاد المغرب واستولى عليها وكان الأندلس قد تقسم بأيدي ملوك الطوائف كما تقدم وكان الطاغية ابن الأدفونش ملك الجلالقة قد طمع في بلاد الأندلس بعث أهل الأندلس إلى أمير المسلمين يستصرخون به فلبى دعوتهم وسار إلى الأندلس
ونزل الجزيرة الخضراء في سنة تسع وسبعين وأربعمائة ودفع الأدفونش وسار تارة ببلاد المغرب وتارة ببلاد الأندلس وملك إشبيلية وبلنسية واستقل عبد الله بن بلكين عن غرناطة وأخاه تميما عن مالقة وغلب المعتمد بن عباد على جميع عمله واستنزل ابنه المأمون عن قرطبة وابنه الراضي عن رندة وقرمونة وانتزع بطليوس من صاحبها عمر بن الأفطس وانتزع عامة حصون الأندلس من أيدي ملوك الطوائف ولم يبق منها إلا سرقسطة في يد المستعين بن هود وانتظمت بلاد الأندلس في ملكه وانقرض ملك الطوائف أجمع منها واستولى على العدوتين وخاطب المستظهر الخلفية العباسي ببغداد في زمنه فعقد له على المغرب والأندلس وكتب له بذلك عهدا وأرسله إليه ولم يزل الأمر على ذلك حتى توفي سنة خمسمائة
وقام بالأمر بعده ابنه علي بن يوسف وفي أيامه تغلب الأدفونش على سرقسطة واستولى عليها

وعقد علي بن يوسف لولده تاشفين على غرب الأندلس سنة ست وعشرين وخمسمائة وأنزله قرطبة وإشبيلية وعقد لأبي بكر بن إبراهيم على شرق الأندلس وأنزله بلنسية وعقد لابن غانية على الجزائر الشرقية دانية وميورقة ومنورقة
وبقي الأمر على ذلك إلى أن غلب الموحدون على بلاد المغرب وانتزعوها من يد تاشفين بن علي في سنة إحدى وخمسين وملكوها
ثم عقد عبد المؤمن أمير الموحدين لابنه أبي يعقوب على إشبيلية ولابنه أبي سعيد على غرناطة ثم كانت أيام يوسف بن عبد المؤمن فغزا الأندلس ثم رجع إلى إشبيلية سنة ثمان وستين وولى عمه يوسف على بلنسية وعقد لأخيه أبي سعيد على غرناطة وعقد على قرطبة لأخيه الحسن وعلى إشبيلية لأخيه علي
ثم عقد لأبي زيد ابن أخيه أبي حفص على غرناطة ولابن أخيه أبي محمد عبد الله بن أبي حفص على مالقة
ثم عقد لابنه أبي إسحاق على إشبيلية ولابنه يحيى على قرطبة ولابنه أبي يزيد على غرناطة ولابنه أبي عبد الله على مرسية
وقتل في قتال النصارى في صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
وولي ابنه أبو يعقوب ورغب ابن أدفونش في مهادنته فهادنه
وعقد على إشبيلية للسيد أبي زيد بن الخليفة وعلى بطليوس لأبي الربيع بن أبي حفص وعلى غرب الأندلس لأبي عبد الله بن أبي حفص
ورجع إلى مراكش سنة أربع وتسعين وخمسمائة ومات بعدها
وولي ابنه الناصر محمد بن المنصور ونزل إشبيلية وذلك في صفر سنة تسع وستمائة ثم رجع إلى مراكش فمات بها
وولي بعده ابنه المستنصر يوسف وكان الوالي بمرسية أبا محمد عبد الله بن المنصور فدعا لنفسه وتسمى بالعادل وكان إخوته أبو العلاء صاحب قرطبة وأبو الحسن صاحب غرناطة وأبو موسى صاحب مالقة فبايعوه سرا وخرج من مرسية إلى إشبيلية فدخلها وبعث إليه الموحدون بالبيعة ودخل مراكش فكانت

بالأندلس فتن اخرها أن ثار ابن هود على الأندلس واستولى عليه وأخرج منه الموحدين

الطائفة العاشرة بنو الأحمر ملوك الأندلس إلى زماننا هذا
وقد تعرض القاضي شهاب الدين بن فضل الله إلى الذي كان في زمانه منهم وهو يوسف ولم ينسبه غير أنه قال إنه من ولد قيس بن سعد بن عبادة
ثم ذكر أنه فاضل له يد في الموشحات
واعلم أن بني الأحمر هؤلاء أصلهم من ارجونة من حصون قرطبة وينتسبون إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج ولم أقف على نسبهم إليه ويعرفون ببني نصر وكان كبيرهم اخر دولة الموحدين الشيخ أبو دبوس محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الأحمر وأخوه إسماعيل وكان لهما وجاهة ورياسة في تلك الناحية
ولما ضعف أمر الموحدين بالأندلس واستقل بالأمر محمد بن يوسف بن هود الثائر بمرسية وقام بدعوة العباسية بالأندلس وتغلب على جميع شرق الأندلس ثار محمد بن يوسف بن نصر جد بني الأحمر على محمد بن يوسف بن هود وبويع له سنة تسع وعشرين وستمائة على الدعاء للأمير أبي زكريا يحيى صاحب أفريقية من بقية الموحدين وأطاعته جيان وشريش في السنة الثانية من مبايعته
ثم بايع لابن هود سنة إحدى وثلاثين عند وصول تقليد الخليفة من بغداد لابن هود
ثم تغلب على إشبيلية سنة اثنتين وثلاثين واستعيدت منه بعد شهر ورجعت لابن هود ثم تغلب على غرناطة سنة خمس وثلاثين وبايعوه وهو بجيان فقدم إليها ونزلها وابتنى بها حصن الحمراء منزلا له وهو المعبر عنه بالقصبة الحمراء وهي القلعة ثم تغلب على مالقة وأخذها من يد عبد الله بن زنون الثائر بها بعد

مهلك ابن هود ثم أخذ المرية من يد محمد بن الرميمي وزير ابن هود الثائر بها سنة ثلاث وأربعين
ثم بايعه أهل لورقة سنة ثلاث وستين وانتزعها ممن كانت بيده
وفي أيامه وأيام ابن هود الثائر استعاد العدو المخذول من المسلمين أكثر بلاد الأندلس وحصونه وهي بيدهم إلى الان فإنا لله وإنا إليه راجعون
وبقي حتى مات سنة إحدى وسبعين وستمائة
وقام بأمره من بعده ابنه الفقيه محمد ابن الشيخ محمد بن يوسف واستجاش بني مرين ملوك المغرب على أهل الكفر فلبوه بالإجابة وكان لهم مع طاغية الكفر وقائع أبلغت فيهم التأثير وبلغت فيهم حد النكاية وبقي حتى هلك سنة إحدى وسبعمائة
وولي من بعده ابنه محمد المخلوع ابن محمد الفقيه
ثم غلب عليه أخوه أبو الجيوش نصر بن محمد الفقيه واعتقله سنة ثمان وسبعمائة واستولى على مملكته فأساء السيرة في الرعية والصحبة لمن عنده من غزاة بني مرين
فبايعوا أبا الوليد إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر وزحف من مالقة إلى غرناطة فهزم عساكر أبي الجيوش فصالحه على الخروج إلى وادياش ولحق بها فجدد له بها ملكا إلى أن مات سنة ثنتين وعشرين وسبعمائة فدخل أبو الوليد إلى غرناطة وملكها وكان بينه وبين ملك قشتالة من ملوك النصارى واقعة بظاهر غرناطة ظهرت فيها معجزة من معجزات الدين لغلبة المسلمين مع قلتهم المشركين مع العدد الكثير وغدر به بعض قرابته من بني نصر فطعنه عندما انفض مجلسه بباب داره فقتله
وبويع لابنه محمد بن أبي الوليد إسماعيل فاستولى عليه وزيره محمد ابن المحروق وغلب عليه حتى قتله بمجلسه غدرا في سنة تسع وعشرين وسبعمائة واستبد بأمر ملكه واستجاش بني مرين على طاغية الكفر حتى

استرجع جبل الفتح من أيديهم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة وغدروا به بعد رجوعه من الجبل المذكور إلى غرناطة فقتلوه بالرماح
وقدموا مكانه أخاه أبا الحجاج يوسف بن أبي الوليد إسماعيل وهو الذي ذكر في التعريف أنه كان في زمانه
وفي أيامه تغلب النصارى على الجزيرة الخضراء وأخذوها وأخذوا صلحا سنة ثلاث وأربعين بعد حروب عظيمة قتل ولد السلطان أبي الحسن المريني في بعضها وكان هو بنفسه في بعضها
ولم يزل حتى مات يوم الفطر سنة خمس وخمسين وسبعمائة طعن في سجوده في صلاة العيد وقتل للحين قاتله
وولي مكانه ابنه محمد بن يوسف وقام بأمره مولاهم رضوان الحاجب فغلبه عليه وحجبه
وكان أخوه إسماعيل ببعض قصور الحمراء وكانت له ذمة وصهر من محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن محمد ابن الرئيس أبي سعيد فسلط محمد هذا بعض الزعانفة فتسور حصن الحمراء على الحاجب فقتله وأخرج صهره إسماعيل ونصبه للملك وخلع أخاه السلطان محمدا وكان بروضة خارج الحمراء ففر إلى السلطان أبي سالم بن أبي الحسن المريني ملك المغرب فأحسن نزله وأكرمه
واستقل أخوه إسماعيل بن يوسف بالملك في ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان المعظم قدره سنة ستين وسبعمائة وأقام السلطان إسماعيل في الملك بالأندلس إلى أن مات أول سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة
وأقيم مكانه أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل وبايعه الناس ومات سنة أربع وتسعين وسبعمائة

وبويع ابنه محمد وهو محمد بن يوسف بن محمد المخلوع بن يوسف بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر وقام بأمره محمد الخصاصي القائد من جماعة أبيه وقد شغل الله طاغية الكفر بما وقع بينه وبين أخيه من الفتن المستأصلة فامتنع صاحب الأندلس عما كان يؤديه من الإتاوة للنصارى في كل سنة وامتنع ذلك من استقبال سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة وإلى هذا الوقت
( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال )
واعلم أنه لما افتتح المسلمون الأندلس أجفلت أمم النصرانية أمامهم إلى سيف البحر من جانب الجوف وتجاوزوا الدروب من وراء قشتالة واجتمعوا بجليقية وملكوا عليهم بلاية بن قاقلة فأقام في الملك تسع عشرة سنة وهلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة
وولي ابنه قاقلة سنتين ثم هلك فولوا عليهم بعده أدفونش بن بطرة من الجلالقة أو القوط واتصل الملك في عقبه إلى الان فجمعهم أدفونش المذكور على حماية ما بقي من أرضهم بعد ما ملك المسلمون عامتها وانتهوا إلى جليقية وهلك سنة ثنتين وأربعين ومائة لثمان عشرة سنة من ملكه
وولي بعده ابنه فرويلة إحدى عشرة سنة قوي فيها سلطانه وقارنه اشتغال عبد الرحمن الداخل أول خلفاء بني أمية بتمهيد أمره فاسترجع مدينة لك وبرتقال وسمورة وسلمنقة وشقوبية وقشتالة بعد أن فتحها المسلمون وصارت في مملكتهم وهلك سنة ثنتين وخمسين
وولي ابنه أور بن فرويلة ست سنين وهلك سنة ثمان وخمسين

وولي ابنه شبلون عشر سنين وهلك سنة ثمان وستين
فولوا من بني أدفونش مكانه رجلا اسمه أدفونش فوثب عليه مورفاط فقتله وملك مكانه سبع سنين
ثم ولي منهم اخر اسمه أدفونش ثنتين وخمسين سنة وهلك سنة سبع وعشرين ومائتين
فولي ابنه ردمير واتصل الملك في عقبه على التوالي إلى أن ولي منهم ردمير بن أردون اخر ملوكهم المستبدين بأمرهم
قال ابن حيان في تاريخ الأندلس وكانت ولايته بعد ترهب أخيه أدفونش الملك قبله وذلك سنة تسع عشرة وثلثمائة في زمن الناصر الأموي الخليفة بالأندلس وتهيأ للناصر الظهور عليه إلى أن كانت وقعة الخندق سنة سبع وثلاثين وثلثمائة وحصل للمسلمين فيها الابتلاء العظيم وهلك ردمير سنة تسع وثلاثين وثلثمائة
وولي أخوه شانجة وكان معجبا تياها فوهن ملكه وضعف سلطانه ووثب عليه قوامس دولته وهم ولاة الأعمال من قبل الملك الأعظم فلم ينتظم لبني أدفونش بعدها ملك مستقل في الجلالقة إلا بعد حين وصاروا كملوك الطوائف
قال ابن حيان وذلك أن فردلند قومس ألية والقلاع وكان أعظم القوامس انتقض على شانجة المتقدم ذكره ونصب للملك مكانه ابن عمه أردون بن أدفونش واستبد عليه فمالت النصرانية عن شانجة إليه وظاهرهم ملك البشكنس على شانجة ووفد شانجة على الناصر الأموي بقرطبة صريخا فجهز معه عساكر واستولى على سمورة فملكها وأنزل المسلمين بها واتصلت الحرب بين شانجة وفردلند القومس
وفي خلال ذلك ولي الحكم المستنصر الأموي ثم هلك شانجة بن أدفونش ببطليوس
وقام بأمرهم بعده ابنه ردمير وهلك أيضا فردلند قومس ألية والقلاع

وقام بأمره بعده ابنه غريسة ومات الحكم المستنصر فقوي سلطان ردمير وعظمت نكايته في المسلمين إلى أن قيض الله لهم المنصور بن أبي عامر حاجب هشام فأثحن في عمل ردمير وغزاه مرارا وحاصره وافتتح شنت مانكس وخربها فتشاءمت الجلالقة بردمير ورجع إلى طاعة المنصور سنة أربع وسبعين وثلثمائة وهلك على أثرها فأطاعت أمه
واتفقت الجلالقة على برمند بن أردون فعقد له المنصور على سمورة وليون وما اتصل بهما من أعمال غليسية إلى البحر الأخضر فقبل ثم انتقض فغزاه المنصور سنة ثمان وسبعين وثلثمائة فافتتح ليون وسمورة ولم يبق بعدها للجلالقة إلا حصون يسيرة بالجبل الحاجز بينهم وبين البحر الأخضر ولم يزل المنصور به حتى ضرب عليه الجزية وأنزل المسلمين مدينة سمورة سنة تسع وثمانين وثلثمائة وولى عليها أبا الأحوص معن بن عبد العزيز التجيبي وسار إلى غرسية بن فردلند صاحب ألية فملك عليه لشبونة قاعدة غليسية وخربها وهلك غرسية
وفولي ابنه شانجة فضرب عليه الجزية وصارت الجلالقة بأجمعهم في طاعة المنصور وهم كالعمال له
ثم انتقض برمند بن أردون فغزاه المنصور حتى بلغ شنت ياقب مكان حج النصارى ومدفن يعقوب الحواري من أقصى غليسية فأصابها خالية فهدمها ونقل أبوابها إلى قرطبة فجعلها في نصف الزيادة التي أضافها إلى المسجد الأعظم
ثم افتتح قاعدتهم شنتمرية سنة خمس وثمانين وثلثمائة ثم هلك برمند بن أردون ملك بني أدفونش
وولي ابنه أدفونش وهو سبط غرسية بن فردلند صاحب ألية وكان صغيرا فكفله منند بن غند شلب قومس غليسية إلى أن قتل منند غلية سنة ثمان

وتسعين وثلثمائة فاستقل أدفونش بأمره وطلب القواميس المتعذرين على أبيه وعلى من سلف من قومه مثل بني أرغومس وبني فردلند المتقدم ذكرهم بالطاعة فأطاعوا ودخلوا تحت أمره
ثم جاءت الفتنة البربرية على رأس المائة الرابعة فضعف أمر المسلمين وتغلب النصارى على ما كان المنصور تغلب عليه بقشتالة وجليقية ولم يزل أدفونش بن برمند ملكا على جليقية وأعمالها ثم كان الملك من بعده في عقبه إلى أن كان ملوك الطوائف وتغلب المرابطون ملوك الغرب من لمتونة على ملوك الطوائف بالأندلس على ما سيأتي في الكلام على مكاتبة ابن الأحمر ملك المسلمين بالأندلس
وفي بعض التواريخ أن ملك قشتالة الذي ضرب الجزية على ملوك الطوائف في سني خمسين وأربعمائة هو البيطبين وأنه لما هلك قام بأمره بنوه فردلند وغرسية وردمير
وولي أمرهم فردلند ثم هلك وخلف شانجة وغرسية والفنش فتنازعوا ثم خلص الملك للفنش واستولى على طليطلة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة وعلى بلنسية سنة تسع وثمانين وأربعمائة ثم ارتجعها المرابطون من يده حتى استعادها النصارى سنة ست وثلاثين وستمائة
وهلك الفنش سنة إحدى وخمسمائة
وقام بأمر الجلالقة بنته وتزوجت ردمير ثم فارقته وتزوجت بعده قمطا من أقماطها فأتت منه بولد كانوا يسمونه السليطين
وأوقع ابن ردمير بابن هود سنة ثلاث وخمسمائة الواقعة التي استشهد فيها وملك منه سرقسطة
وفي بعض التواريخ أن النصارى في زمن المنصور أبي يعقوب ابن امير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن كان دائرا بين ثلاثة من ملوكهم الفنش والبيبوح وابن الزند وكبيرهم الفنش

ولما فشلت ريح بني عبد المؤمن في زمن المستنصر بن الناصر استولى الفنش على جميع ما فتحه المسلمون من معاقل الأندلس ثم هلك الفنش
وولي ابنه هراندة وكان أحول وبذلك يلقب فارتجع قرطبة وإشبيلية من أيدي المسلمين
وزحف ملك أرغون في زمنه فاستولى على ماردة وشاطبة ودانية وبلنسية وسرقسطة والزهراء والزاهرة وسائر القواعد والثغور الشرقية وانحاز المسلمون إلى سيف البحر وملكوا عليهم ابن الأحمر بعد ولاية ابن هود
وكان استرجاع الطاغية ماردة سنة ست وعشرين وستمائة وميورقة سنة سبع وعشرين وبلنسية سنة ست وثلاثين وسرقسطة وشاطبة قبل ذلك بزمن طويل
ثم هلك هراندة وولي ابنه شانجة ثم هلك سنة ثلاث وتسعين
وولي ابنه هراندة وكان بينه وبين عساكر يعقوب بن عبد الحق سلطان الغرب الواصلة إلى الأندلس حروب متصلة الغلب فيها لعساكر ابن عبد الحق ثم خرج على هراندة هذا ابنه شانجة فوفد هراندة على السلطان يعقوب بن عبد الحق فقبل يده واستجاشه على ولده شانجة فقبل وفادته وأمده بالمال والعساكر ورهن عنده على المال التاج المعروف من ذخائر سلفهم فهو عند بني عبد الحق إلى الان
ثم هلك هراندة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة واستقل ابنه شانجة بالملك ووفد على يوسف بن يعقوب بالجزيرة الخضراء بعد مهلك أبيه يعقوب ابن عبد الحق وعقد معه الهدنة ثم نقض واستولى على مدينة طريف سنة ثلاث وتسعين وستمائة ثم هلك سنة ثنتي عشرة وسبعمائة

فولي ابنه بطرة صغيرا وكفله عمه جوان وهلكا جميعا على غرناطة عند زحفهما إليها سنة ثمان عشرة وسبعمائة
فولي ابنه الهنشة بن بطرة صغيرا وكفله زعماء دولته ثم استقل بأمره وهلك محاصرا جبل الفتح سنة إحدى وخمسين وسبعمائة في الطاعون الجارف
وولي ابنه بطرة وفر ابنه القمط إلى برشلونة فاستجاش صاحبها على أخيه بطرة فأجابه وزحف إليه بطرة فاستولى على كثير من بلاده ثم كان الغلب للقمط سنة ثمان وستين وسبعمائة واستولى على بلاد قشتالة وزحفت إليهم أمم النصرانية ولحق بطرة بأمم الفرنج الذين وراء قشتالة في الجوف بجهات الليمانية وبرطانية إلى ساحل البحر الأخضر وجزائره فزوج بنته من ابن ملكهم الأعظم المعروف بالبنس غالس وأمده بأمم لا تحصى فملك قشتالة والقرنتيرة واتصلت الحرب بعد ذلك بين بطرة وأخيه القمط إلى أن غلبه القمط وقتله سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة واستولى القمط على ملك بني أدفونش أجمعه واستقام له أمره قشتالة ونازعه البنس غالس ملك الإفرنجة بابنه الذي هو من بنت بطرة وطلب له الملك على عادتهم في تمليك ابن البنت واتصلت الحرب بينهما وشغله ذلك عن المسلمين فامتنعوا عن أداء الإتاوة التي كانوا يؤدونها إلى من كان قبله وهلك القمط سنة إحدى وثمانين وسبعمائة
فولي ابنه دن جوان وفر أخوه غريس ولحق بالبرتغال واستجاش على أخيه بجموع كثيرة ثم رجع إليه واصطلح عليه ثم هلك دن جوان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ونصب قومه في الملك ابنه بطرة صبيا صغيرا لم يبلغ الحلم وقام بكفالته وتدبير دولته اليركيش خال جده القمط بن الهنشه والأمر على ذلك إلى الان وفتنهم مع البنس غالس ومع الفرنج متصلة وأيديهم عن المسلمين مكفوفة

( والله من ورائهم محيط )
قلت والممالك القائمة بجزيرة الأندلس الان من ممالك النصرانية أربع ممالك

المملكة الأولى مملكة قشتالة
التي عليها سياقة الحديث إلى أن صارت إلى بطرة بن دن جوان المتقدم ذكره
وهي مملكة عظيمة وعمالات متسعة تشتمل على طيطلة واشبيلية وقشتالة وغليسية والقرنبيرة وهي بسط من الغرب إلى الشرق ويقال لملكها الأدفونش والعامة تسميه الفنش
المملكة الثانية مملكة البرتغال
وهي في الجانب الغربي من قشتالة وهي عمالة صغيرة تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس وهي الان من أعمال جليقية إلا أن صاحبها متميز بسمته وملكه
المملكة الثالثة مملكة برشلونة
وهي بجهة شرق الاندلس وهي مملكة كبيرة وعمالات واسعة تشتمل على برشلونة وأرغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة وكان ملكهم بعد العشرين والسبعمائة اسمه بطرة وطال عمره وهلك سنة سبع وثمانين وسبعمائة وانفرد أخوه الدك بملك سرقسطة مقاسما لأخيه ثم سار بعد

ذلك في أسطول فملك جزيرة صقلية من أيدي أهلها وصارت داخلة في أعمالهم

المملكة الرابعة مملكة نبرة مما يلي قشتالة من جهة الشرق فاصلا بين
عمالات ملك قشتالة وعمالات ملك برشلونة
وهي عمالة صغيرة وقاعدتها مدينة ينبلونة وملكها ملك البشكنس
أما ما وراء الأندلس من الفرنج فأمم لا تحصى وسيأتي الكلام على ذكر ملكهم الأكبر ريدفرنس فيما بعد إن شاء الله تعالى
الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة
أما مملكة المسلمين فلا يخفى أنها في معنى بلاد المغرب
وفي كثير من الأوقات يملكهم ملوك المغرب الأقصى فبالضرورة إن ترتيبهم جار على ترتيب بلاد الغرب
وقد ذكر في مسالك الأبصار أن أهل الأندلس في الجملة لا يتعممون بل يتعهدون شعورهم بالتنظيف والحناء ما لم يغلب الشيب ويتطيلسون فيلقون الطيلسان على الكتف أو الكتفين مطويا طيا ظريفا والمتع مم فيهم قليل ويلبسون الثياب الرفيعة الملونة من الصوف والكتان ونحو ذلك وأكثر لباسهم في الشتاء الجوخ وفي الصيف البياض
قال وأرزاق الجند به ذهب بحسب مراتبهم وأكثرهم من بر العدوة من بني مرين وبني عبد الواد وغيرهم
والسلطان مسكنه القصور الرفيعة ويقعد السلطان للناس بدار العدل في مكان يعرف بالسبيكة من القصبة الحمراء التي هي القلعة يوم الاثنين ويوم الخميس صباحا ويحضر معه المجلس الرؤساء من أقاربه ونحوهم ويقرأ بمجلسه عشر من القران وشيء من الحديث النبوي ويأخذ الوزير القصص من الناس فتقرأ عليه
وأما

الحرب فإنهم فيها سجال تارة لهم وتارة عليهم والنصر في الأغلب للمسلمين على قلتهم وكثرة عدوهم بقوة الله تعالى
وبالبلاد البحرية أسطول الحراريق المفرق في البحر الشامي يركبها الأنجاد من الرماة والرؤساء المهرة فيقاتلون العدو على ظهر البحر وهم الظافرون في الغالب ويغيرون على بلاد النصارى بالساحل وما هو بقربه فيأسرون أهلها ذكورهم وإناثهم ويأتون بهم بلاد المسلمين فيبرزون بهم ويحملونهم إلى غرناطة إلى السلطان فيأخذ منهم ما يشاء ويهدي ويبيع
وقد كانت لهم وقيعة في الإفرنج سنة تسع عشرة وسبعمائة على مرج غرناطة قتل فيها من الإفرنج أكثر من ستين ألفا وملكان وهما بطرة وجوان عمه ففديت جيفة جوان بأموال عظيمة
وحملت جثة بطرة إلى غرناطة فعلقت على باب قلعتها في تابوت واستمرت معلقة هناك وحاز المسلمون غنيمة من أموالهم قلما يذكر مثلها في تاريخ ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم )
وقد تقدم في المقالة الأولى في الكلام على النوع الرابع مما يحتاج إليه الكاتب وهو حفظ كتاب الله تعالى أن بعض ملوك الفرنج إلى ابن الأحمر صاحب غرناطة كتابا يهدده فيه فكان جوابه أن قلبه وكتب على ظهره ( ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون )
وأما ملوك الفرنج به فعلى ترتيب سائر ممالك الفرنج مما هو غير معلوم لنا

الفصل الثالث من المقالة الثانية في الجهة الجنوبية عن مملكة الديار المصرية من مصر والشام والحجاز ومضافاتها مما هو واقع في الثاني والثالث والرابع من الأقاليم السبعة
اعلم أنه قد دخل في جهتي الشرق والغرب المتقدمتين ذكر أماكن مما هو في جهة الجنوب على مملكة الديار المصرية ومضافاتها انساق الكلام إليها استطرادا واستتباعا كأطراف اليمن والهند والصين الجنوبية الخارجة عن الإقليم الثاني إلى جهة الجنوب مما استتبعته ممالك الشرق والمقصود الان الكلام على ما عدا ذلك وهو بلاد السودان
وهي بلاد متسعة الارجاء رحبة الجوانب حدها من الغرب البحر المحيط الغربي ومن الجنوب الخراب مما يلي خط الاستواء ومن الشرق بحر القلزم مما يقابل بلاد اليمن والأمكنة المجهولة الحال شرقي بلاد الزنج في جنوبي البحر الهندي ومن الشمال البراري الممتدة فيما بين الديار المصرية وأرض برقة وبلاد البربر من جنوبي المغرب إلى البحر المحيط
والمشهور منها ست مماليك

المملكة الأولى بلاد البجا
والبجا بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وألف في الاخر
وهم من أصفى السودان لونا
قال ابن سعيد وهم مسلمون ونصارى وأصحاب أوثان ومواطنهم

في جنوبي صعيد مصر مما يلي الشرق فيما بين بحر القلزم وبين نهر النيل على القرب من الديار المصرية
وقاعدتهم سواكن بفتح السين المهملة والواو وكسر الكاف ونون في الاخر
وقال في تقويم البلدان في الكلام على بحر القلزم وهي بليدة للسودان حيث الطول ثمان وخمسون درجة والعرض إحدى وعشرون درجة
قلت وقد أخبرني من راها أنها جزيرة على طرف بحر القلزم من جهته الغربية قريبة من البر يسكنها التجار
وصاحبها الان من العرب المعروفين بالحداربة بالحاء والدال المهملتين المفتوحتين وألف ثم راء مهملة وباء موحدة مفتوحة وهاء في الاخر وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية ويقال في تعريفه الحدربي بضم الحاء وسكون الدال وضم الراء على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد إن شاء الله تعالى
وقد عد في تقويم البلدان من مدن البجا العلاقي بفتح العين المهملة واللام المشددة ثم ألف وقاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت
من اخر الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول ثمان وخمسون درجة والعرض ست وعشرون درجة
قال في تقويم البلدان وهي بالقرب من بحر القلزم ولها مغاص ليس بالجيد وبجبلها معدن ذهب يتحصل منه بقدر ما ينفق في استخراجه
قال المهلبي إذا أخذت من أسوان في سمت المشرق تصل إلى العلاقي بعد اثنتى عشرة مرحلة
قال وبين العلاقي وعيذاب ثمان مراحل ومن العلاقي يدخل إلى بلاد البجا

المملكة الثانية بلاد النوبة
بضم النون وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وهاء في الاخر
ولون بعضهم يميل إلى الصفاء وبعضهم شديد السواد
قال في مسالك الأبصار وبلادهم مما يلي مصر في نهاية جنوبيها ممايلي المغرب على ضفتي النيل الجاري

إلى مصر
قال في تقويم البلدان في الكلام على الجانب الجنوبي وبينها وبين بلاد النوبة جبال منيعة
وقاعدتها مدينة دنقلة
قال في تقويم البلدان الظاهر أنها بضم الدال المهلمة وسكون النون وقاف مضمومة ولام مفتوحة وهاء في الاخر
وما قاله هو الجاري على ألسنة أهل الديار المصرية ورأيتها في الروض المعطار مكتوبة دمقلة بإبدال النون ميما مضبوطة بفتح الدال وباقي الضبط على ما تقدم
وأنشد بيت شعر شاهدا لذلك
وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وخمسون درجة وعشر دقائق والعرض أربع عشرة درجة وخمس عشرة دقيقة
قال وفي جنوبيها وغربيها مجالات زنج النوبة الذين قاعدتهم كوشة خلف الخط وفي غربي دنقلة وشماليها مدنهم المذكورة في الكتب
قال الأدريسي وهي في غربي النيل على ضفته وشرب أهلها منه
قال وأهلها سودان لكنهم أحسن السودان وجوها وأجملهم شكلا وطعامهم الشعير والذرة والتمر يجلب إليهم
واللحوم التي يستعملونها لحوم الإبل طرية ومقددة ومطبوخة
وفي بلادهم الفيلة والزراريف والغزلان
قال في مسالك الأبصار ومدنها أشبه بالقرى والضياع من المدن قليلة الخير والخصب يابسة الهواء
قال وحدثني غير واحد ممن دخل النوبة أن مدينة دنقلة ممتدة على النيل وأهلها في شظف من العيش والحبوب عندهم قليلة إلا الذرة وإنما تكثر عندهم اللحوم والألبان والسمك وأفخر أطبختهم أن تطبخ اللوبيا في مرق اللحم ويثرد ويصف اللحم واللوبيا على وجه الثريد
وربما عملت اللوبيا بورقها وعروقها
قال ولهم انهماك على السكر بالمزر وميل عظيم إلى الطرب

ولما خاف بنو أيوب نور الدين الشهيد صاحب الشام على أنفسهم حين هم بقصدهم بعث السلطان صلاح الدين أخاه شمس الدولة إلى النوبة ليأخذها لتكون موئلا لهم إذا قصدهم فرأوها لا تصلح لمثلهم فعدلوا إلى اليمن واستولوا عليها وجعلوها كالمعقل لهم
قال ابن سعيد ودين أهل هذه البلاد النصرانية
قال في مسالك الأبصار ومن هذه البلاد نجم لقمان الحكيم ثم سكن مدينة أيلة ثم دخل إلى بيت المقدس ومنها أيضا ذو النون المصري الزاهد المشهور وإنما سمي المصري لأنه سكن مصر فنسب إليها
وكان ملوكها في الزمن القديم وسائر أهلها على دين النصرانية فلما فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر غزاهم
قال في الروض المعطار فراهم يرمون الحدق بالنبل فكف عنهم وقرر عليهم إتاوة في كل سنة
قال صاحب العبر وعلى ذلك جرى ملوك مصر بعده وربما كانوا يماطلون بذلك ويمتنعون من أدائه فتغزوهم عساكر المسلمين من مصر حتى يطيعوا إلى أن كان ملكهم في أيام الظاهر بيبرس رحمه الله رجلا اسمه مرقشنكز وكان له ابن أخ اسمه داود فتغلب عليه وانتزع الملك من يده واستفحل ملكه بها وتجاوز حدود مملكته قريب أسوان من اخر صعيد الديار المصرية فقدم مرقشنكز المذكور على الظاهر بيبرس بالديار المصرية واستنجده على ابن أخيه داود المذكور فجهز معه العساكر إلى بلاد النوبة فانهزم داود ولحق بمملكة الأبواب من بلاد السودان فقبض عليه ملكها وبعث به مقيدا إلى الظاهر بيبرس

فاعتقل بالقلعة حتى مات واستقر مرقشنكز في ملك النوبة على جزية يؤديها في كل سنة إلى أن كانت دولة المنصور قلاوون ثم استقر بمملكة دنقلة في الدولة المنصورية قلاوون رجل اسمه سيمامون وغزته عساكر قلاوون سنة ثمانين وستمائة
ثم ملكهم في أيام الناصر محمد بن قلاوون رجل اسمه أمي وبقي حتى توفي سنة ست عشرة وسبعمائة
وملك بعد دنقلة أخوه كرنبس
ثم خرج من بيت الملك منهم رجل اسمه نشلى فهاجر إلى مصر وأسلم وحسن إسلامه وأقام بمصر بالأبواب السلطانية وأجرى عليه السلطان الملك الناصر رزقا ولم يزل حتى امتنع كرنبس من أداء الجزية سنة ست عشرة وسبعمائة فجهز إليه السلطان العساكر مع نشلى المقدم ذكره وقد تسمى عبد الله ففر كرنبس إلى بلاد الأبواب فاستقر عبد الله نشلى في ملك دنقلة على دين الإسلام ورجعت العساكر إلى مصر وبعث الملك الناصر إلى ملك الإبواب في أمر كرنبس فبعث به إليه فأسلم وأقام بباب السلطان وبقي نشلى في الملك حتى قتله أهل مملكته سنة تسع عشرة وسبعمائة فبعث السلطان كرنبس إليهم فملكهم وانقطعت الجزية عنهم من حين أسلم ملوكهم
قال في العبر ثم انتشرت احياء جهينة من العرب في بلادهم واستوطنوها وعاثو فسادا وعجز ملوك النوبة عن مدافعتهم فصاهروهم مصانعة لهم وتفرق بسبب ذلك ملكهم حتى صار لبعض جهينة من أمهاتهم على رأي العجم في تمليك الأخت وابن الأخت فتمزق ملكهم واستولت جهينة على بلادهم ولم يحسنوا سياسة الملك ولم ينقد بعضهم إلى بعض فصاروا شيعا ولم يبق لهم رسم ملك وصاروا رحالة بادية

على عادة العرب إلى هذا الزمان
وذكر في مسالك الأبصار أن ملكها الان مسلم من أولاد كنز الدولة قال وأولاد الكنز هؤلاء أهل بيت ثارت لهم ثوائر مرات
فيحتمل أن أولاد الكنز من جهينة أيضا جميعا بين المقالتين
وقد ذكر في مسالك الأبصار أن سلطانهم كواحد من العامة وأنه تأوي الغرباء إلى جامع دنقلة فيرسل إليهم فيأتونه فيضيفهم وينعم عليهم هو وأمراؤه وأن غالب عطائهم الدكاديك وهي أكسية غلاظ غالبها سود وربما أعطوا عبدا أو جارية
وقد ذكر في الروض المعطار أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قصد قتال النوبة فراهم يرمون الحدق بالنبل فكف عنهم وقرر عليهم إتاوة من الرقيق في كل سنة ولم تزل ملوك مصر تأخذ منهم هذه الإتاوة في أكثر الأوقات حتى ذكر في مسالك الأبصار أنه كان عليهم في زمنه مقرر لصاحب مصر في كل سنة من العبيد والإماء والحراب والوحوش النوبية
قلت أما الان فقد انقطع ذلك
( وربك يخلق ما يشاء ويختار )

المملكة الثالثة بلاد البرنو
وبلاد البرنو بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وضم النون وسكون الواو
وهم مسلمون والغالب على ألوانهم السواد قال في التعريف وبلاده تحد بلاد التكرور من الشرق ثم يكون حدها من الشمال بلاد أفريقية ومن الجنوب الهمج

وقاعدتهم مدينة كاكا بكافين بعد كل منهما ألف فيما ذكر لي رسول سلطانهم الواصل إلى الديار المصرية صحبة الحجيج في الدولة الظاهرية برقوق
وقد تعرض إليها في مسالك الأبصار في تحديد مملكة مالي على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى
ومن مدنهم أيضا مدينة كتنسكي بكاف مضمومة وتاء مثناة فوقية ساكنة ونون مكسورة وسين مهملة ساكنة وكاف مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية
وهي شرقي كاكا على مسيرة يوم واحد منها
قلت وقد وصل كتاب ملك البرنو في أواخر الدولة الظاهرية برقوق يذكر فيه أنه من ذرية سيف بن ذي يزن إلا أنه لم يحقق النسب فذكر أنه من قريش وهو غلط منهم فإن سيف بن ذي يزن من أعقاب تبابعة اليمن من حمير
على ما يأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد إن شاء الله تعالى
ولصاحب البرنو هذا مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية يأتي ذكرها هناك إن شاء الله تعالى

المملكة الرابعة بلاد الكانم
والكانم بكاف بعدها ألف ثم نون مكسورة وميم في الاخر
وهم مسلمون أيضا والغالب على ألوانهم السواد
قال في مسالك الأبصار وبلادهم بين

أفريقية وبرقة ممتدة في الجنوب إلى سمت الغرب الأوسط
قال وهي بلاد قحط وشظف وسوء مزاج مستول عليها
وغالب عيشهم الأرز والقمح والذرة وببلادهم التين والليمون واللفت والباذنجان والرطب
وذكر عن أبي عبد الله السلايحي عن الشيخ عثمان الكانمي وغيره أن الأرز ينبت عندهم من غير بذر
ومعاملتهم بقماش ينسج عندهم اسمه دندي طول كل ثوب عشرة أذرع فأكثر
قال ويتعاملون أيضا بالودع والخرز والنحاس المكسور والورق لكنه جميعه يسعر بذلك القماش
وذكر ابن سعيد أن في جنوبيها صحارى فيها أشخاص متوحشة كالغول أقرب الحيوانات إلى الشكل الادمي تؤذي بني ادم ولا يلحقها الفارس
وذكر أبو عبد الله المراكشي في كتابه التكملة عن أبي اسحاق إبراهيم الكانمي الأديب الشاعر أنه يظهر ببلاد الكانم في الليل أمام الماشي بالقرب منه قلل نار تضيء فإذا مشى بعدت منه فلا يصل إليها ولو جرى بل لا تزال أمامه
وربما رماها بحجر فأصابها فيتشظى منها شرارات
قال في مسالك الأبصا وأحوالها وأحوال أهلها حسنة وربما كان فيهم من أخذ في التعليم ونظر من الأدب نظرة النجوم فقال إني سقيم فما يزال يداوي عليل فهمه ويداري جامح علمه حتى تشرق عليه أشعتها ويطرز بديباجه أمتعتها
وقاعدتها مدينة جيمي
قال في تقويم البلدان بكسر الجيم وبالياء المثناة تحت الساكنة وكسر الميم ثم ياء مثناة تحتية في الاخر
حسب ما هو في خط ابن سعيد
وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثلاث وخمسون درجة والعرض تسع درج وبها مقرة سلطانهم
قال في مسالك الأبصار ومبدأ هذه المملكة من جهة مصر بلدة اسمها دلا واخرها طولا بلدة يقال لها كاكا وبينهما نحو ثلاثة أشهر
وقد تقدم أن كاكا هي قاعدة سلطان البرنو
وبينها وبين جيمي أربعون ميلا
قال وبها فواكه لا تشبه فواكه بلادنا وبها الرمان والخوخ وقصب السكر
قال في مسالك الأبصار

وسلطان هذه البلاد رجل مسلم
قال في تقويم البلدان وهو من ولد سيف بن ذي يزن
قال في مسالك الأبصار وأول من بث الإسلام فيهم الهادي العثماني ادعى أنه ولد عثمان بن عفان رضي الله عنه وملكها ثم صارت بعده لليزنيين
وذكر في التعريف أن سلطان الكانم من بيت قديم في الإسلام وقد جاء منهم من ادعى النسب العلوي في بني الحسن
ثم قال وتمذهب بمذهب الشافعي رضي الله عنه
قال في مسالك الأبصار وملكهم على حقارة سلطانه وسوء بقعة مكانه في غاية لا تدرك من الكبرياء يمسح برأسه عنان السماء مع ضعف أجناد وقلة متحصل بلاد لا يراه أحد إلا في يوم العيدين بكرة وعند العصر
أما في سائر السنة فلا يكلمه أحد ولو كان أميرا إلا من وراء حجاب
قال والعدل قائم في بلادهم ويتمذهبون بمذهب الإمام مالك رضي الله عنه وهم ذوو اختصار في اللباس يابسون في الدين وعسكرهم يتلثمون وقد بنوا مدرسة للمالكية بالفسطاط ينزل بها وفودهم

المملكة الخامسة بلاد مالي ومضافاتها
ومالي بفتح الميم وألف بعدها لام مشددة مفخمة وياء مثناة تحت في الاخر
وهي المعروفة عند العامة ببلاد التكرور
قال في مسالك الأبصار وهذه المملكة في جنوب المغرب متصلة بالبحر المحيط
قال في التعريف وحدها في الغرب البحر المحيط وفي الشرق بلاد البرنو وفي الشمال جبال البربر وفي الجنوب الهمج
ونقل عن الشيخ سعيد الدكالي أنها تقع في جنوب مراكش ودواخل بر العدوة جنوبا بغرب إلى البحر المحيط
قال في مسالك الأبصار وهي شديدة الحر قشفة المعيشة قليلة أنواع الأقوات وأهلها طوال

في غاية السواد وتفلفل الشعور وغالب طول أهلها من سوقهم لا من هياكل أبدانهم
قال ابن سعيد والتكرور قسمان قسم حضر يسكنون المدن وقسم رحالة في البوادي
وقد حكى في مسالك الأبصار عن الشيخ سعيد الدكالي أن هذه المملكة مربعة طولها أربعة أشهر أو أزيد وعرضها مثل ذلك
وجميعها مسكونة إلا ما قل وهذه المملكة هي أعظم ممالك السودان المسلمين
وتشتمل على ثمان جمل
الجملة الأولى في ذكر أقاليمها ومدنها
وقد ذكر صاحب العبر أنها تشتمل على خمسة أقاليم كل إقليم منها مملكة بذاتها

الإقليم الأول مالي
وقد تقدم ضبطه
وهو إقليم واسطة الأقاليم السبعة الداخلة في هذه المملكة واقع بين إقليم صوصو وإقليم كوكو صوصو من غربيه وكوكو من شرقيه
وقاعدته على ما ذكره في مسالك الأبصار مدينة بني قال في مسالك الأبصار بالباء الموحدة والنون ثم الباء الموحدة ايضا
قال وهي ممتدة تقدير طول بريد في عرض مثل ذلك ومبانيها متفرقة وبناؤها بالبالستا
وهو أنه يبنى بالطين بقدر ثلثي ذراع ثم يترك حتى يجف ثم يبنى عليه مثله وكذلك حتى

ينتهي وسقوفها بالخشب والقصب وغالبها قباب أو جملونات كالأقباء وأرضها تراب مرمل وليس لها سور بل يستدير بها عدة فروع من النيل من جهاتها الأربع بعضها يخاض في أيام قلة الماء وبعضها لا يعبر فيه إلا في السفن
وللملك عدة قصور يدور بها سور واحد

الإقليم الثاني صوصو
بصادين مهملتين مضمومتين بعد كل منهما واو ساكنة
وربما أبدلوا الصاد سينا مهملة سمي بذلك باسم سكانه
قال في العبر وهم يسمونها الانكارية
وهو في الغرب عن إقليم مالي المقدم ذكره فيما ذكره في العبر عن بعض البقلة
الإقليم الثالث بلاد غانة
بفتح الغين المعجمة وألف ثم نون مفتوحة وهاء في الاخر
وهي غربي إقليم صوصو المقدم ذكره تجاور البحر المحيط الغربي
وقاعدته مدينة غانة التي قد أضيف إليها
قال في تقويم البلدان وموقعها خارج الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب
قال ابن سعيد حيث الطول تسع وعشرون درجة والعرض عشر درج
قال في تقويم البلدان وهي محل سلطان بلاد غانة
وقد حكى ابن سعيد أن لغانة نيلا شقيق نيل مصر يصب في البحر المحيط الغربي عند طول عشر درج ونصف وعرض أربع عشرة
وإليها تسير التجار المغاربة من سجلماسة في بر مقفر ومفاوز عظيمة في جنوب الغرب نحو خمسين يوما فيكون بين غانة وبين مصبه نحو أربع درج
وهي مبينة على ضفتي

نيلها هذا
قال في العبر وكان أهلها قد أسلموا في أول الفتح الإسلامي
وقد ذكر في تقويم البلدان أنها مدينتان على ضفتي نيلها إحداهما يسكنها المسلمون والثانية يسكنها الكفار
وقد ذكر في الروض المعطار أن لصاحب غانة معلفين من ذهب يربط عليهما فرسان له أيام مقعده

الإقليم الرابع بلاد كوكو
وهي شرقي إقليم مالي المقدم ذكره
قال في الروض المعطار وملكها قائم بنفسه له حشم وقواد وأجناد وزي كامل وهم يركبون الخيل والجمال ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم
قال وبها ينبت عود الحية وهو عود يشبه العاقر قرحا إلا أنه أسود من خاصته أنه إذا وضع على جحر الحية خرجت إليه بسرعة ومن أمسكه بيده أخذ من الحيات ما شاء من غير جزع يدركه أو يقع في نفسه
ثم قال والصحيح عند أهل المغرب الأقصى أن هذا العود إذا أمسكه ممسك بيده أو علقه في عنقه لم تقربه حية البتة
وقاعدته مدينة كوكو بفتح الكاف وسكون الواو وفتح الكاف الثانية وسكون الواو بعدها
وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال ابن سعيد حيث الطول أربع وأربعون درجة والعرض عشر درج
قال وهي مقر صاحب تلك البلاد
قال وهو كافر يقاتل من غربيه من مسلمي غانة ومن شرقيه من مسلمي الكانم
وذكر المهلبي في العزيزي أنهم مسلمون وبينهما وبين مدينة غانة مسيرة شهر ونصف
قال في الروض المعطار وهي مدينة كبيرة على ضفة نهر يخرج من ناحية الشمال يمر بها ويجاوزها بأيام كثيرة ثم يغوص في الصحراء في رمال كما يغوص الفرات في بطائح العراق
قال ابن سعيد وكوكو في شرقي النهر ولباس عامة أهلها الجلود يسترون بها عوراتهم وتجارهم يلبسون الأكسية وعلى

رؤوسهم الكرازين ولبس خواصهم الأزرق
قال في مسالك الأبصار وسكانها قبائل يرنان من السودان

الإقليم الخامس بلاد تكرور
وهي شرقي إقليم كوكو المقدم ذكره ويليه من جهة الغرب مملكة البرنو المتقدمة الذكر وبها عرفت هذه المملكة على كبرها واشتهرت
وقاعدتها مدينة تكرور بفتح التاء المثناة فوق وسكون الكاف وضم الراء المهملة وسكون الواو وراء مهملة في الاخر
قال في الروض المعطار وهي مدينة على النيل على القرب من ضفافه أكبر من مدينة سلا من بلاد المغرب وطعام أهلها السمك والذرة والألبان وأكثر مواشيهم الجمال والمعز ولباس عامة أهلها الصوف وعلى رؤوسهم كرازين صوف ولباس خاصتهم القطن والمازر
قال وبينها وبين سجلماسة من بلاد المغرب أربعون يوما بسير القوافل وأقرب البلاد إليها من بلاد لمتونة بالصحراء اسفي بينهما خمس وعشرون مرحلة
قال وأكثر ما يسافر به تجار الغرب الأقصى إليها الصوف والنحاس والخرز ويخرجون منها بالتبر والخدم
قلت وذكر في مسالك الأبصار أن هذه المملكة تشتمل على أربعة عشر إقليما وهي غانة وزافون وترنكا وتكرور وسنغانة وبانبغو وزرنطابنا وبيترا ودمورا وزاغا وكابرا وبراغودي وكوكو ومالي
فذكر أربعة من الأقاليم الخمسة المتقدمة الذكر وأسقط إقليم صوصو وكأنها قد اضمحلت وزاد باقي ذلك فيحتمل انها انضافت إلى صاحبها يومئذ بالفتح والاستيلاء عليها
قال في مسالك الأبصار وفي شمالي بلاد مالي قبائل من البربر بيض تحت حكم سلطانها وهم نيتصر ونيتغراس ومدوسة ولمتونة ولهم أشياخ تحكم عليهم إلا نيتصر فإنهم يتداولهم ملوك منهم تحت حكم صاحب مالي
قال وكذلك في طاعته قوم من الكفار بعضهم يأكل لحم الادميين
ونقل عن

الشيخ سعيد الدكالي أن في طاعة سلطانها بلاد مغارة الذهب
وهم بلاد همج وعليهم إتاوة من التبر تحمل إليه في كل سنة ولو شاء أخذهم ولكن ملوك هذه المملكة قد جربوا أنه ما فتحت مدينة من هذه المدن وفشا بها الإسلام ونطق بها داعي الأذان إلا قل بها وجود الذهب ثم يتلاشى حتى يعدم ويزداد فيما يليه من بلاد الكفار فرضوا منهم ببذل الطاعة وحمل قرر عليهم
وذكر نحو ذلك في التعريف في الكلام على غانة

الجملة الثانية في الموجود بهذه المملكة
قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ سعيد الدكالي أن بها الخيل من نوع الأكاديش التترية
قال وتجلب الخيل العراب إلى ملوكهم يتغالون في أثمانها وكذلك عندهم البغال والحمير والبقر والغنم ولكنها كلها صغيرة الجثة وتلد الواحدة من المعز عندهم السبعة والثمانية ولا مرعى لمواشيهم إنما هي جلالة على القمامات والمزابل
وبها من الوحوش الفيلة والاساد والنمورة وكلها لا تؤذي من بني ادم إلا من تعرض لها
وعندهم وحش يسمى ترمي بضم التاء المثناة والراء المهملة وتشديد الميم في قدر الذئب يتولد بين الذئب والضبع لا يكون إلا خنثى له ذكر وفرج متى وجد في الليل ادميا صغيرا أو مراهقا أكله
ولا يتعرض إلى أحد في النهار وهو ينعر كالثور وأسنانه متداخلة
وعندهم تماسيح عظام منها ما يكون طوله عشرة أذرع وأكثر ومرارته عندهم سم قاتل تحمل إلى خزانة ملكهم
وعندهم بقر الوحش وحمير الوحش والغزلان
وفيما يسامت سجلماسة من بلادهم جواميس متوحشة تصاد كما يصاد الوحش
وبها من الطيور الدواجن الإوز والدجاج والحمام
وبها من الحبوب الأرز والغوثي وهو دق مزغب يدرس فيخرج منه حب أبيض شبيه بالخردل في المقدار

أو أصغر منه فيغسل ثم يطحن ويعمل منه الخبز وهذا الحب هو والأرز هما غالب قوتهم وعندهم الذرة وهي أكثر حبوبهم ومنها قوتهم وعليق خيولهم ودوابهم وعندهم الحنطة على قلة فيها أما الشعير فلا وجود له عندهم البتة وعندهم من الفواكه البستانية الجميز وهو كثير لديهم وعندهم أشجار برية ذوات ثمار مأكولة مستطابة منها شجر يسمى تادموت يحمل شيئا مثل القواديس كبرا في داخلها شيء شبيه بدقيق الحنطة ساطع البياض طعمه مز لذيذ يأكلون منه وإذا جف جعلوه على الحناء فيسوده كالنوشادر ومنها شجر يسمى زبيزور تخرج ثمرته مثل قرون الخروب فيخرج منها شيء شبيه بدقيق الترمس حلو لذيذ الطعم له نوى
ومنها شجر يسمى قومي يحمل شبيه السفرجل لذيذ الطعم يشبه طعم الموز وله نوى شبيه بغضروف العظم يأكله بعضهم معه
ومنها شجر اسمه فاريتي حمله شبيه بالليمون وطعمه يشبه طعم الكمثرى بداخله نوى ملحم يؤخذ ذلك النوى وهو طري فيطحن فيخرج منه شيء شبيه بالسمن يجمد وتبيض به البيوت وتوقد منه السرج ويعمل منه الصابون وإذا قصد أكله وضع في قدر على نار لينة ويسقى الماء حتى يقوى غليانه وهو مغطى الرأس ويسارق كشف الغطاء في افتقاده فإنه متى كشف القدر فار ولحق بالسقف
وربما انعقد منه نار فأحرق البيت فإذا نضج برد وجعل في ظروف القرع وصار يستعمل في المأكل كالسمن
ومتى جعل في غير ظروف القرع من الانية خرقها
ويوجد بها من الثمرات البرية ما هو شبيه بكل الفواكه البستانية على اختلاف أنواعها ولكنها حريفة لا تستطاب يأكلها الهمج من السودان وهي قوت كثير منهم
وبها من الخضراوات اللوبياء واللفت والثوم والبصل والباذنجان والكرنب أما الملوخية فلا تطلع عندهم إلا برية والقرع عندهم بكثرة
وعندهم شيء شبيه بالقلقاس إلا أنه ألذ من القلقاس يزرع في الخلاء فإن سرق منه

سارق قطع الملك رأسه وعلقه مكان ما قطع منه عادة عندهم يتوارثونها خلفا عن سلف لا توجد فيها رخصة ولا تنفع فيها شفاعة
وجبالها ذوات أشجار مشتبكة غليظة السوق إلى الغابة تظل الواحدة منها خمسمائة فارس
وفيها بغانة وما وراءها في الجنوب من بلاد السودان الهمج معادن الذهب
وقد حكى في مسالك الأبصار عن الأمير أبي الحسن علي بن أمير حاجب عن السلطان منسا موسى سلطان هذه المملكة أنه سأله عند قدومه الديار المصرية حاجا عن معادن الذهب عندهم فقال توجد على نوعين نوع في زمان الربيع ينبت في الصحراء له ورق شبيه بالنجيل أصوله التبر
والثاني يوجد في أماكن معروفة على ضفات مجاري النيل تحفر هناك حفائر فيوجد فيها الذهب كالحجارة والحصى فيؤخذ
قال وكلاهما هو المسمى بالتبر
ثم قال والأول أفحل في العيار وأفضل في القيمة
وذكر في التعريف نحوه
وذكر عن الشيخ عيسى الزواوي عن السلطان منسا موسى المقدم ذكره أيضا انه يحفر في معادن الذهب كل حفيرة عمق قامة أو ما يقاربها فيوجد الذهب في جنباتها
وربما وجد مجتمعا في سفل الحفيرة وأن في مملكته أمما من الكفار لا يأخذ منهم جزية إنما يستعملهم في إخراج الذهب من معادنه
ثم قد ذكر في مسالك الأبصار أن النوع الأول من الذهب يوجد في زمن الربيع عقيب الأمطار ينبت في مواقعها والثاني يوجد في جميع السنة في ضفات مجاري النيل
وذكر في التعريف أن نبات الذهب بهذه البلاد يبدأ في شهر

أغشت حيث سلطان الشمس قاهر وذلك عند أخذ النيل في الارتفاع والزيادة
فإذا انحط النيل تتبع حيث ركب عليه من الأرض فيوجد منه ما هو نبات يشبه النجيل وليس به
ومنه ما يوجد كالحصى
فجعل الجميع مما يحدث في هذا الزمن في أماكن النيل خاصة وفيه مخالفة لما تقدم
بل قد قال إن شهر أغشت الذي يطلع فيه الذهب وهو من شهور الروم ويقع والله أعلم أنه يركب من تموز واب يعني من شهور السريان وهذا غلط فاحش
فقد تقدم في المقالة الأولى أن شهور الروم منطبقة على شهور السريان في الابتداء والانتهاء دون ابتداء أول السنة وشهر أغشت من شهور الروم هو شهر اب من شهور السريان بعينه
ثم قد حكى في مسالك الأبصار عن والي مصر عن منسا موسى المقدم ذكره أن الذهب ببلاده حمى له يجمع له متحصله كالقطيعة إلا ما يأخذه أهل تلك البلاد منه على سبيل السرقة
وحكي عن الشيخ سعيد الدكالي أنه إنما يهادي بشيء منه كالمصانعة وأنه يتكسب عليهم في المبيعات لأن بلادهم لا شيء بها ثم قال وكلام الدكالي أثبت وعليه ينطبق كلامه في التعريف حيث ذكر غانة
ثم قال وله عليها إتاوة مقررة تحمل إليه في كل سنة
وبهذه البلاد أيضا معدن نحاس وليس يوجد في السودان إلا عندهم
قال الشيخ عيسى الزواوي قال لي السلطان موسى إن عنده في مدينة اسمها نكوا معدن نحاس أحمر يجلب منه قضبان إلى مدينة بنبى قاعدة مالي فيبعث منه إلى بلاد السودان الكفار فيباع وزن مثقال بثلثي وزنه من الذهب يباع كل مائة مثقال من هذا النحاس بستة وستين مثقالا وثلثي مثقال من الذهب
وبهذه البلاد معدن ملح وليس في شيء من السودان الوالجين في الجنوب والمسامتين لسجلماسة وما وراءها ملح سواه
قال المقر الشهابي بن

فضل الله حدثني أبو عبد الله بن الصائغ أن الملح معدوم في داخل بلاد السودان فمن الناس من يغرر ويصل به إلى أناس منهم يبذلون نظير كل صبرة ملح مثله من الذهب
قال ابن الصائغ وحدثت أن من أمم السودان الداخلة من لا يظهر لهم بل إذا جاء التجار بالملح وضعوه ثم غابوا فيجيء السودان فيضعون إزاءه الذهب فإذا أخذ التجار الذهب أخذ السودان الملح
قال في مسالك الأبصار قال لي الدكالي وأهل هذه المملكة كثير فيهم السحر ولهم به عناية حتى إنهم في بلاد الكفار منهم يصيدون الفيل بالسحر حقيقة لا مجازا وفي كل وقت يتحاكمون عند ملكهم بسببه ويقول أحدهم إن فلانا قتل أخي أو ولدي بالسحر والسلطان يحكم على القاتل بالقصاص وقتل الساحر
وحكى عنه أيضا أن السموم بهذه المملكة كثيرة فإن عندهم حشائش وحيوانات يركبون منها السموم القتالة ولا سيما من سمك يوجد عندهم
قال الشيخ سعيد الدكالي ومن خصيصة هذه البلاد أن يسرع فيها فساد المدخرات لا سيما السمن فإنه يفسد وينتن فيها في يومين

الجملة الثالثة في معاملة هذه المملكة
ذكر في مسالك الأبصار عن ابن أمير حاجب أن المعاملة عندهم بالودع وأن التجار تجلبه إليهم كثيرا فتربح فيه الربح الكثير
وكأن هذا في المعاملات النازلة من مثل الماكل وما في معناها وإلا فالذهب عندهم على ما تقدم من الكثرة

الجملة الرابعة في ذكر ملوك هذه المملكة
قد تقدم أن هذه المملكة قد اجتمع بها خمسة أقاليم وهي إقليم مالي وإقليم صوصو وإقليم غانة من الجانب الغربي عن مالي وإقليم كوكو وإقليم تكرور في الجانب الشرقي عن مالي وأن كل إقليم من هذه الخمسة كان مملكة مستقلة ثم اجتمع الكل في مملكة صاحب هذه المملكة وأن مالي هي أصل مملكته
قال في مسالك الأبصار وهو وإن غلب عليه عند أهل مصر اسم سلطان التكرور فإنه لو سمع هذا أنف منه لأن التكرور إنما هو إقليم من أقاليم مملكته والأحب إليه أن يقال صاحب مالي لأنه الإقليم الأكبر وهو به أشهر
ونقل عن الشيخ سعيد الدكالي أنه ليس بمملكته من يطلق عليه اسم ملك إلا صاحب غانة وهو كالنائب له وإن كان ملكا وكأنه إنما بقي اسم الملك على صاحب غانة دون غيره لعدم انتزاعها منه والاستيلاء عليها استيلاء كليا
فقد قال في التعريف وأما غانة فإنه لا يملكها وكأنه مالكها يتركها عن قدرة عليها لأن بها وبما وراءها جنوبا منابت الذهب
وذكر ما تقدم من أن بلاد منابت الذهب متى فشا فيها الإسلام والأذان عدم فيها نبات الذهب وصاحب مالي يتركها لذلك لأنه مسلم وله عليها إتاوة كبيرة مقررة تحمل إليه في كل سنة
وقد ذكر صاحب العبر أن هذه الممالك كانت بيد ملوك متفرقة وكان من أعظمها مملكة غانة
فلما أسلم الملثمون من البربر تسلطوا عليهم بالغزو حتى دان كثير منهم بالإسلام وأعطى الجزية اخرون وضعف بذلك ملك غانة واضمحل فتغلب عليهم أهل صوصو المجاورون لهم وملكوا غانة من أيدي أهلها
وكان ملوك مالي قد دخلوا في الإسلام من زمن قديم

قال ويقال إن أول من أسلم منهم ملك اسمه برمندانة بباء موحدة وراء مهملة مفتوحتين وميم مكسورة ونون ساكنة ودال مهملة بعدها ألف ثم نون مشددة مفتوحة وهاء في الاخر فيما ضبطه بعض علمائهم
ثم حج بعد إسلامه فاقتفى سننه في الحج ملوكهم من بعده
ثم جاء منهم ملك اسمه ماري جاظة ومعنى ماري الأمير الذي يكون من نسل السلطان ومعنى جاظة الأسد فقوي ملكه وغلب على صوصو وانتزع ما كان بأيديهم من ملكهم القديم وملك غانة الذي يليه إلى البحر المحيط
ويقال إنه ملك عليهم خمسا وعشرين سنة
ثم ملك بعده ابنه منساولي ومعنى منسا بلغتهم السلطان ومعنى ولي علي وكان من أعظم ملوكهم وحج أيام الظاهر بيبرس صاحب مصر
ثم ملك من بعده أخوه والي
ثم ملك من بعده أخوه خليفة وكان أحمق يغلب عليه الحمق فيرمي الناس بالسهام فيقتلهم فوثب به أهل مملكته فقتلوه
وملك بعده سبط من أسباط ماري جاظة المقدم ذكره اسمه أبو بكر على قاعدة العجم في تمليك البنت وابن البنت
ثم تغلب على الملك مولى من مواليهم اسمه ساكبورة
ويقال سيكره فاتسع نطاق مملكته وغلب على البلاد المجاورة له وفتح بلاد كوكو واستضافها إلى مملكته واتصل ملكه من البحر المحيط الغربي إلى بلاد التكرور فقوي سلطانه وهابه أمم السودان ورحل إليه التجار من بلاد الغرب وأفريقية
وحج أيام السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ورجع فقتل في أثر عوده
وملك بعده قو ابن السلطان ماري جاظة

ثم ملك من بعده محمد بن قو ثم انتقل الملك من ولد ماري جاظة إلى ولد أخيه أبي بكر
فولي منهم منسا موسى بن أبي بكر
قال في العبر وكان رجلا صالحا وملكا عظيما له أخبار في العدل تؤثر عنه وعظمت المملكة في أيامه إلى الغاية وافتتح الكثير من البلاد
قال في مسالك الأبصار حكى ابن أمير حاجب والي مصر عنه أنه فتح بسيفه وحده أربعا وعشرين مدينة من مدن السودان ذوات أعمال وقرى وضياع
قال في مسالك الأبصار قال ابن أمير حاجب سألته عن سبب انتقال الملك إليه فقال إن الذي قبلي كان يظن أن البحر المحيط له غاية تدرك فجهز مئين سفن وشحنها بالرجال والأزواد التي تكفيهم سنين وأمر من فيها أن لا يرجعوا حتى يبلغوا نهايته أو تنفد أزوادهم فغابوا مدة طويلة ثم عاد منهم سفينة واحدة وحضر مقدمها فسأله عن أمرهم
فقال سارت السفن زمانا طويلا حتى عرض لها في البحر في وسط اللجة واد له جرية عظيمة فابتلع تلك المراكب وكنت اخر القوم فرجعت بسفينتي فلم يصدقه فجهز ألفي سفينة ألفا للرجال وألفا للأزواد واستخلفني وسافر بنفسه ليعلم حقيقة ذلك فكان اخر العهد به وبمن معه
قال في العبر وكان حجه في سنة أربع وعشرين وسبعمائة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون
قال في مسالك الأبصار قال لي المهمندار خرجت لملتقاه من جهة السلطان فأكرمني إكراما عظيما وعاملني بأجمل الاداب ولكنه كان لا يحدثني إلا بترجمان مع إجادته اللسان العربي
قال ولما قدم قدم للخزانة السلطانية حملا من التبر ولم يترك أميرا ولا رب وظيفة سلطانية إلا وبعث إليه بالذهب
وكنت أحاوله في طلوع القلعة للاجتماع بالسلطان حسب الأوامر السلطانية فيأبى خشية تقبيل الأرض للسلطان ويقول جئت للحج لا لغيره ولم أزل به حتى وافق على ذلك

فلما صار إلى الخصرة السلطانية
قيل له قبل الأرض فتوقف وأبى إباء ظاهرا
وقال كيف يجوز هذا فأسر إليه رجل كان إلى جانبه كلاما فقال أنا أسجد لله الذي خلقني وفطرني ثم سجد وتقدم إلى السلطان فقام له بعض القيام وأجلسه إلى جانبه وتحدثا طويلا ثم قام السلطان موسى فبعث إليه السلطان بالخلع الكاملة له ولأصحابه وخيلا مسرجة ملجمة
وكانت خلعته طرد وحش بقصب كثير بسنجاب مقندس مطرز بزركش على مفرج إسكندري وكلوتة زركش وكلاليب ذهب وشاش بحرير ورقم خليفتي ومنطقة ذهب مرصعة وسيف محلى ومنديل مذهب خز وفرسين مسرجين ملجمين بمراكب بغل محلاة وأعلام وأجرى عليه الأنزال والإقامات الوافرة مدة مقامه
ولما ان أوان الحج بعث إليه بمبلغ كبير من الدراهم وهجن جليلة كاملة الأكوار والعدة لمركبه وهجن أتباع لأصحابه وأزواد جمة وركز له العليق في الطرق وأمر أمير الركب بإكرامه واحترامه
ولما عاد بعث إلى السلطان من هدية الحجاز تبركا فبعث إليه بالخلع الكاملة له ولأصحابه والتحف والألطاف من البز السكندري والأمتعة الفاخرة وعاد إلى بلاده
وذكر عن ابن أمير حاجب والي مصر أنه كان معه مائة حمل ذهبا أنفقها في سفرته تلك على من بطريقه إلى مصر من القبائل ثم بمصر ثم من مصر إلى الحجاز توجها وعودا حتى احتاج إلى القرض فاستدان على ذمته من تجار مصر بمالهم عليه فيه المكاسب الكثيرة بحيث يحصل لأحدهم في كل ثلثمائة دينار سبعمائة دينار ربحا وبعث إليهم بذلك بعد توجهه إلى بلاده
قال في العبر ويقال إنه كان يحمل الته اثنا عشر ألف وصيفة لابسات أقبية الديباج

قال في مسالك الأبصار وذكر لي عنه ابن أمير حاجب أنه حكى له أن من عادة أهل مملكته أنه إذا نشأ لأحد منهم بنت حسناء قدمها له أمة موطوءة فيملكها بغير تزويج مثل ملك اليمن فقلت له إن هذا لا يحل لمسلم شرعا فقال ولا للملوك فقلت ولا للملوك واسأل العلماء
فقال والله ما كنت أعلم ذلك وقد تركته من الان
قال في العبر ودام ملكه عليهم خمسا وعشرين سنة ومات
فملك بعده ابنه منسا مغا ومعنى مغا عندهم محمد يعنون السلطان محمدا ومات لأربع سنين من ولايته
وملك بعده أخوه منسا سليمان بن أبي بكر وهو أخو منسا موسى المقدم ذكره
قال في مسالك الأبصار واجتمع له ما كان أخوه افتتحه من بلاد السودان وأضافه إلى يد الإسلام وبنى به المساجد والجوامع والمنارات وأقام به الجمع والجماعات والأذان وجلب إلى بلاده الفقهاء من مذهب الإمام مالك رضي الله عنه وتفقه في الدين
قال في العبر ودام ملكه أربعا وعشرين سنة ثم مات
وولي بعده ابنه قنبتا بن سليمان ومات لتسعة أشهر من ملكه
وملك بعده ماري جاظه بن منسا مغا بن منسا موسى فأقام أربع عشرة سنة أساء فيها السيرة وأفسد ملكهم وأتلف ذخائرهم بسرفه وتبذيره حتى انتهى به الحال في السرف أنه كان بخزائنهم حجر ذهب زنته عشرون قنطارا منقولا من المعدن من غير سبك ولا علاج بالنار
وكانوا يرونه من أنفس ذخائرهم لندور وجود مثله في المعدن فباعه على تجار مصر المترددين إليه بأبخس ثمن وصرف ذلك كله في الفسوق وكان اخر أمره أن أصابته علة النوم وهو مرض كثيرا ما يصيب أهل تلك البلاد لا سيما الرؤساء منهم يأخذ أحدهم النوم حتى لا يكاد يفيق

فأقام به سنتين حتى مات سنة خمس وسبعين وسبعمائة
وملك بعده ابنه موسى فنكب عن طريق أبيه وأقبل على العدل وحسن السيرة
وتغلب على دولته وزيره ماري جاظه فحجره وقام بتدبير الدولة وكان له فيها أحسن تدبير وبقي منسا موسى حتى مات سنة تسع وثمانين وسبعمائة
وملك بعده أخوه منسا مغا وقتل بعده بسنة أو نحوها
وملك بعده صندكي زوج أم موسى المقدم ذكره ومعنى صندكي الوزير ووثب عليه بعد أشهر رجل من بيت ماري جاظة
ثم خرج من ورائهم من بلاد الكفرة رجل اسمه محمود ينسب إلى منساقو بن منسا ولي بن ماري جاظة ولقبه منسا مغا وغلب على الملك في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة
قال في التعريف وصاحب التكرور هذا يدعي نسبا إلى عبد الله بن صالح بن الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجوههم
قلت هو صالح ابن عبد الله بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى ابن الحسن السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وقد ذكر في تقويم البلدان أن سلطان غانة يدعي النسب إلى الحسن ابن علي عليهما السلام فيحتمل أنه أراد صاحب هذه المملكة لأن من جملة من هو في طاعته غانة أو من كان بها في الزمن القديم قبل استيلاء أهل الكفر عليها

الجملة الخامسة في أرباب الوظائف بهذه المملكة
وقد ذكر في مسالك الأبصار أن بهذه المملكة الوزراء والقضاة والكتاب والدواوين وأن السلطان لا يكتب شيئا في الغالب بل يكل كل أمر

إلى صاحب وظيفته من هؤلاء فيفصلة
وكتابتهم بالخط العربي على طريقة المغاربة

الجملة السادسة في عساكر سلطان هذه المملكة وأرزاقهم
أما مقدار العساكر فقد ذكر الشيخ سعيد الدكالي أن مقدار عسكره مائة ألف نفر منهم خيالة نحو عشرة الاف فارس وباقيهم رجالة لا خيل لهم
وأما الإقطاعات لأمراء هذا السلطان وجنده والإنعامات عليهم فقد قال الدكالي إن من أكابرهم من يبلغ جملة ماله على الملك في كل سنة خمسين ألف مثقال من الذهب وأنه يتفقدهم مع ذلك بالخيل والقماش وإن همته كلها في تجميل زيهم وتمصير مدنهم
الجملة السابعة في زي أهل هذه المملكة
قال الدكالي لباسهم عمائم بحنك مثل الغرب وقماشهم بياض من ثياب قطن تنسج عندهم في نهاية الرقة واللطف تسمى الكمصيا ولبسهم شبيه بلبس المغاربة جباب ودراريع بلا تفريج والأبطال من فرسانهم تلبس أساور من ذهب فمن زادت فروسيته لبس معها أطواقا من ذهب فإن زادت لبس مع ذلك خلاخل من ذهب وكلما زادت فروسية البطل ألبسه الملك سراويل متسعة وسراويلاتهم ضيقة أكمام الساقين متسعة الشرج وأهل هذه المملكة يركبون بالسروج وهم في غالب أحوالهم في الركوب كأنهم من العرب إلا أن هؤلاء يبدأون في الركوب بأرجلهم اليمنى بخلاف غيرهم من سائر الناس جميعا ولا يعرف عندهم ركوب جمل بكور

الجملة الثامنة في ترتيب هذه المملكة
أما جلوس السلطان في قصره فإنه يجلس على مصطبه كبيرة على دكة كبيرة من ابنوس كالتخت على قدر المجلس العظيم المتسع عليها أنياب الفيلة في جميع جوانبها الناب إلى الناب وعنده سلاح له من ذهب كله سيف ومزراق وقوس وتركاش ونشاب وعليه سراويل كبير مفصل من نحو عشرين نصفية لايلبس مثله أحد منهم بل هو من خصوصيته ويقف خلفه نحو ثلاثين مملوكا من الترك وغيرهم ممن تبتاع له من مصر بيد واحد منهم جتر من حرير عليه قبة وطائر من ذهب صفة بازي يحمل على يساره وأمراؤه جلوس حوله يمنيا وشمالا ثم دونهم أعيان من فرسان عسكره جلوس وبين يديه شخص يغني له وهو سيافه واخر سفير بينه وبين الناس يسمى الشاعر وتنهى إليه الشكاوى والمظالم فيفصلها بنفسه ولا يكتب شيئا في الغالب بل يأمر بالقول بلسانه وحوله أناس بأيديهم طبول يدقون بها وأناس يرقصون وهو يضحك منهم وخلفه صنجقان منشوران وأمامه فرسان مشدودان محصلان لركوبه متى أحب ومن عطس في مجلسه ضرب ضربا مؤلما لا يسامح أحد في مثل ذلك فإن بغت أحدا منهم العطاس انبطح في الأرض وعطس حتى لا يعلم به
أما الملك فإنه إذا عطس ضرب الحاضرون بأيديهم على صدورهم
ولا يدخل أحد دار السلطان منتعلا كائنا من كان ومن لم يخلع نعليه قتل بلا عفو عامدا كان أو ساهيا وإذا قدم عليه أحد من أمرائه أو غيرهم وقف أمامه زمانا ثم يومي القادم بيده اليمنى مثل من يضرب الجوك ببلاد توران وإيران من بلاد المشرق
وصفة ذلك أن يكشف مقدم رأسه ويرفع الذي يضرب الجوك يده اليمنى إلى قريب أذنه ثم يضعها وهي قائمة منتصبة ويلقيها بيده اليسرى فوق فخذه واليد اليسرى مبسوطة الكف لتلقي مرفق اليمنى مبسوطة الكف مضمومة الأصابع بعضها إلى جانب بعض كالمشط تماس شحمة الأذن
قال ابن أمير حاجب وقد رأيت هذا عند خدمتهم للسلطان موسى لما قدم الديار المصرية
فإذا أنعم على أحد بإنعام أو وعده وعدا

جميلا أو شكره على فعل تمرغ المنعم عليه بين يديه من أول المكان إلى اخره فإذا وصل إلى اخر المكان أخذ غلمان المنعم عليه أو من هو من أصحابه من رماد يكون موضوعا في اخر مجلس الملك معدا لهذا الشأن فيذر في رأس المنعم عليه ثم يعود ويتمرغ إلى أن يصل بين يدي الملك ويضرب جوكا اخر بيده ثم يقوم
وأما في الركوب فقد جرت عادة سلطان هذه المملكة أنه إذا قدم من سفر أن يحمل على رأسه الجتر راكب وينشر على رأسه علم وتضرب أمامه الطبول والطنابير والبوقات بقرون لهم فيها صناعة محكمة
قال ابن أمير حاجب وشعار هذا السلطان أعلام وألوية كبار جدا ورنكه أصفر في أرض حمراء
وأما غير ذلك من سائر أموره فقد ذكر الشيخ سعيد الدكالي أن من عادة هذا السلطان أنه إذا عاد إليه أحد ممن بعثه في شغل له أو أمر مهم أن يسأله عن كل ما حدث له من حين مفارقته له وإلى حين عوده مفصلا
قال ابن أمير حاجب وقد رأيت السلطان موسى وهو بمصر لا يأكل إلا منفردا وحده لا يحضره عند الأكل أحد البتة

المملكة السادسة من ممالك بلاد السودان مملكة الحبشة
بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة والشين المعجمة وهاء في الاخر
وهي مملكة عظيمة جليلة المقدار متسعة الأرجاء فسيحة الجوانب
قال في مسالك الأبصار وأرضها صعبة المسلك لكثرة جبالها الشامخة وعظم أشجارها واشتباك بعضها ببعض حتى إن ملكها إذا أراد الخروج إلى جهة من جهاتها تقدمه قوم مرصدون لإصلاح الطرق بالات لقطع الأشجار وإحراقها بالنار

قال وهم قوم كثير عددهم ولم يملك بلادهم غيرهم من النوع الإنساني لأنهم أجبر بني حام وأخبر بالتوغل في القتال والاقتحام طول زمنهم في الأسفار وصيد الوحش وقتالهم إنما يكون عريا من غير لأمه تدفع عنهم ولا عن خيلهم
ثم وصفهم بعد ذلك بأوصاف لولا ما هم عليه من الشرك لكانوا في الرتبة العليا من مراتب بني ادم فذكر أن المشهور عنهم مع ما هم عليه من المجاعة أنهم يقبلون الحسب ويصفحون عن الجرائم
ومن عادتهم أن من رمى سلاحه في القتال حرم قتاله ويكرمون الضيف ولا ينقض الصديق منهم عهد صديقه وإذا أحبوا أظهروا المحبة وإذا أبغضوا أظهروا البغض والغالب عليهم الذكاء والفطنة وصدق الحدس ولهم علوم وصناعات خاصة بهم ولهم قلم يكتبون به من اليمين إلى الشمال كما في العربي عدة حروفه ستة عشر حرفا لكل حرف منها سبعة فروع فيكون عدتها مائة واثنين وثمانين حرفا سوى حروف اخر مستقلة بذاتها لا تفتقر إلى حرف من الحروف المذكورة مضبوطة بحركات نحوية متصلة بالخط لا منفصلة عنه
ومع كونهم جنسا واحدا فلغاتهم تزيد على خمسين لسانا ويميل الكثير من ألوانهم إلى الصفاء ولكل طائفة منهم وسم في وجوهم يعبر عنه بالتلعيط بعضهم يسم في الخدين وسما خفيفا وأمحرا يسمون في الخدين والجبهة إلى الأنف خطوطا طوالا
ويقال إن أول بلادهم من الجهة الغربية بلاد التكرور مما يلي جهة اليمن وأولها من الجهة الشرقية المائلة إلى بعض الجهة الشمالية بحر الهند واليمن وفيها يمر النهر المسمى سيحون الذي يرفد منه نيل مصر
وقد عد منها أحد عشر إقليما من جهة الغرب بمفازة بمكان يسمى وادي بركة يتوصل منه إلى إقليم يسمى سحرت ويسمى قديما تكراي وكان به في الزمن القديم مدينة اسمها احسرم بلغة أخرى من لغاتهم وتسمى أيضا زرفرتا
بها كان كرسي ملك النجاشي وكان مستوليا على أقاليم الحبشة
ويليه من جهة الشرق إقليم أمحرا الذي به الان مدينة المملكة ثم

إقليم شاوة ثم إقليم داموت ثم إقليم لامنان ثم إقليم السيهو ثم إقليم الزلح ثم إقليم عدل الأمراء ثم إقليم حماسا ثم إقليم باريا ثم إقليم الطراز الإسلامي
قال وبها أقاليم كثيرة العدد مجهولة الأسماء غير مشهورة ولا معلومة
ثم هي على قسمين

القسم الأول بلاد النصرانية
وهي القسم الأوفر عددا الأوسع مجالا وهو الذي يملكه ملك أمحرا بفتح الألف وسكون الميم وفتح الحاء والراء المهملتين وألف في الاخر
وهم جنس من الحبشة
ويشتمل على ست جمل
الجملة الأولى في ذكر قواعدها
وقاعدتها مدينة مرعدي بفتح الميم وكسر الراء وسكون العين وكسر الدال المهملتين وياء مثناة تحت في الاخر
وهي مدينة بإقليم امحرا المقدم ذكره فيما ذكره في مسالك الأبصار إلا أنه لم يذكر صفتها والذي ذكره في تقويم البلدان أن قاعدة الحبشة مدينة جرمي بالجيم المفتوحة والراء المهملة الساكنة ثم ميم مكسورة ثم ياء مثناة تحتية في الاخر كما ضبطه ابن سعيد
وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول خمس وخمسون درجة والعرض تسع درج وثلاثون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة ذكرها أكثر المصنفين في كتب المسالك والممالك والأطوال والعروض وأنها كرسي مملكة الحبشة وقاعدتهم ولم يزد على ذلك فيحتمل أنها قاعدة قديمة ويحتمل أنها القاعدة المستقرة

الجملة الثانية في الموجود بها
قد ذكر في مسالك الأبصار أن بها من المواشي ذوات الأربع الخيل والبغال والبقر والغنم وما في معناها وأغنامهم تشبه أغنام عيذاب واليمن
ومن الوحوش الأسد والنمر والفهد والفيل والزرافة والغزال وبقر الوحش وحمار الوحش والقردة وغيرها من الوحوش
وبها من الطيور الجوية الصقورة والبزاة بكثرة والنسور البيض والسود والغراب والحجل وطير الواجب بجملته والحمام والعصفور وغير ذلك مما لم يوجد بالديار المصرية
ومن الطيور البرية دجاج الحبش وأمثالها
ومن الطيور المائية البط وعندهم بنهرهم سمك يشبه البوري وسمك يشبه الثعبان يطول إلى مقدار ذراعين ونصف ويغلظ إلى مقدار كبار الخشب وبنهرهم أيضا التمساح وفرس البحر وغير ذلك
وبها من الحبوب الحنطة والشعير والحمص والعدس والبسلا والذرة وبعض الباقلا وحبوب أخرى غير ذلك منها حب يسمى قنابهول يستعملونه قوتا كالحنطة
والحنطة عندهم على مثال الحنطة الشامية والشعير حبه عندهم أكبر من حب الشعير المصرية والشامية ومنه ضرب يسمى طمجة
ولون الحمص عندهم إلى الحمرة
والباسلا عندهم عزيز الوجود في أكثر البلاد ولكنهم لا يفتقرون إليه للعلف لكثرة المراعي ببلادهم
وعندهم حب يسمى طافي على قدر الخردل ولونه إلى الحمرة ومكسرة إلى السواد يتخذون منه الخبز
وعندهم ببعض الأقاليم حب شبيه بالحنطة إلا أن له قشرين ينزع قشره بالهرس كالأرز ويتخذون منه طعاما يكون مغنيا عن الحنطة
وعندهم بزر الكتان وحب الرشاد وهم يزرعون على المطر في كل سنة مرتين مرة في الصيف ومرة في الشتاء تتحصل في كل مرة الغلات

ونقل البطرك بنيامين أنه يقع عندهم المطر الكثير وتحصل مع المطر الصواعق العظيمة
وعندهم من أصناف المقاثيء القرع وفي بعض الأقاليم بطيخ صغير
وعندهم من البقول الثوم والبصل والكزبرة الخضراء ومن الرياحين الريحان والقرنفل ونبات أبيض يسمى بعتران
وعندهم الياسمين البري ولكنه ليس بمشموم لهم
وعندهم من الفواكه العنب الأسود على قلة والتين الوزيري وأصناف الحوامض خلا النارنج
وعندهم شجر يسمى جان بجيم بين الجيم والشين لا ثمر له وإنما له قلوب تشبه قلوب النارنج تؤكل فتزيد في الذكاء والفهم وتفرح إلا أنها تقلل الأكل والنوم والجماع
وعنايتهم به عناية أهل الهند بالتنبل وإن كان بينهما مباينة
وأي نفع فيما فائدته تقليل النوم والأكل والجماع اللاتي هي لذات الدنيا حتى يحكى أنه وصف لبعض ملوك اليمن فقال أنا لا يذهب متحصل ملكي إلا على هذه الثلاث فكيف أسعى في ذهابها بأكل هذا
ومن أشجارهم الزيتون والصنوبر والجميز وفي بعض بلادهم الابنوس وفي بعضها المقل وفي بعضها القنا المجوف والمسدود
ومأكلهم شحوم البقر والمعز وبعض شحوم الضأن ومشروبهم اللبن البقري وفي ضعفهم يتداوون باللبن المداف بالماء وسمن البقر
وعندهم عسل النحل بكثرة في جميع الأقاليم تختلف ألوانه باختلاف المراعي منه ما يوجد في الجبال فيؤخذ من غير حجر على أخذه
ومنه ماله خلايا

من خشب منقورة له ملاك يختصون به
ووقود مصابيحهم شحوم البقر
أما الزيت الطيب فيجلب إليهم
وادهانهم بالسمن
وأواني طعامهم فخار مدهون أسود
واغتسالهم بالماء البارد وربما استعملوا الحار منه
وحكى البطرك بنيامين أن عندهم من المعادن معدن الذهب ومعدن الحديد
وحكي عن الشريف عز الدين التاجر أن في بعض بلادهم يوجد معدن الفضة
ومصاغهم الذهب والفضة والنحاس والرصاص كل أحد منهم بحبسه

الجملة الثالثة في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم
أما معاملاتهم ذكر في المسالك الأبصار أن معاملتهم مقايضة بالأبقار والأغنام والحبوب وغير ذلك
وأما الأسعار فالقمح والشعير اللذان هما أصل المطعومات ليس لهما عندهم قيمة تذكر لاستغنائهم عن ذلك باللحم واللبن
وسيأتي ذكر معاملة الطراز الإسلامي فيما بعد إن شاء الله تعالى
الجملة الرابعة في ذكر زيهم وسلاحهم
أما زيهم فقد ذكر في مسالك أن لباسهم في الشتاء والصيف واحد لكل واحد منهم ثوبان غير مخيطين أحدهما يشد به وسطه والاخر يلتحف به ولا يعرفون لبس المخيط جملة إلا أن الخواص والأجناد يفضلون في اللبس فيلبسون الحرير والأبراد اليمنية والعوام يلبسون ثياب القطن على ما تقدم
وأما سلاح المقاتلة منهم فالسيوف والحراب والمزاريق والقسي يرمون عنها بالنبل وهو نشاب صغير وربما رمى بعضهم بالنبل عن قوس طويل يشبه قوس البندق ولهم درق مدورة ودراق طوال يتقون بها

الجملة الخامسة في ذكر بطاركة الإسكندرية الذين عن توليتهم تنشأ ولاية
ملوك الحبشة
اعلم أنه قد تقدم في المقالة الأولى في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب عند ذكر النحل والملل أن البطاركة عند النصارى عبارة عن خلفاء الحواريين الذين هم أصحاب المسيح عليه السلام وأنه كان لهم في القديم أربعة كراسي كرسي برومية قاعدة الروم وكرسي بالإسكندرية من الديار المصرية وكرسي بأنطاكية قاعدة العواصم من بلاد الشام وكرسي ببيت المقدس
وأن كرسي روميه قد صار لطائفة الملكانية وبه بطركهم المعبر عنه بالبابا إلى الان
وكرسي الإسكندرية قد صار اخرا لبطرك اليعاقبة تحت ذمة المسلمين بالديار المصرية من لدن الفتح الإسلامي وهلم جرا إلى زماننا
وأن كرسي بيت المقدس وكرسي أنطاكية قد بطلا باستيلاء دين الإسلام عليهما
ثم كرسي الإسكندرية بعد مصيره إلى اليعاقبة قد تبع البطرك القائم به على مذهب اليعاقبة الحبشة والنوبة وسائر متنصرة السودان وصار لديهم كالخليفة على دين النصرانية عندهم يتصرف فيهم بالولاية والعزل لا تصح ولاية ملك منهم إلا بتوليته حتى قال في التعريف في الكلام على مكاتبة ملك الحبشة ولولا أن معتقد دين النصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصح تعمد معمودي إلا باتصال من البطريرك وأن كرسي البطريرك كنسية الإسكندرية فيحتاج إلى أخذ مطران بعد مطران من عنده وإلا كان شمخ بأنفه على المكاتبة لكنه مضطر إلى ذلك
قال ولأوامر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة وإذا كتب إليه كتابا فأتى ذلك الكتاب إلى أول مملكته خرج عميد تلك الأرض فحمل الكتاب على رأس علم ولا يزال يحمله بيده حتى يخرجه من أرضه وأرباب الدولة في تلك الأرض كالقسوس والشمامسة حوله مشاة بالأدخنة فإذا خرجوا من حد أرضهم تلقاهم من يليهم أبدا كذلك في كل أرض

بعد أرض حتى يصلوا إلى أمحرا فيخرج صاحبها بنفسه ويفعل مثل ذلك الفعل الأول إلا أن المطران هو الذي يحمل الكتاب لعظمته لا لتأبي الملك ثم لا يتصرف الملك في أمر ولا نهي ولا قليل ولا كثير حتى ينادى للكتاب ويجمع له يوم الأحد في الكنيسة ويقرأ والملك واقف ثم لا يجلس مجلسه حتى ينفذ ما أمره به
ولما تعذر الوقوف على معرفة تواريخ ملوكهم اكتفينا بذكر البطاركة الذين عنهم تنشأ ولاياتهم فكانوا هم ملوكهم حقيقة
اعلم أن أول من ولي من البطاركة كنسية الإسكندرية مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس الحواري الذي أرسله المسيح عليه السلام إلى رومية
وإنما سمي بمرقص الإنجيلي لأن بطرس الحواري حين كتب إنجيله كتبه بالرومية ونسبه إلى مرقص المذكور فتقلب بالإنجيلي وأقام مرقص المذكور في بطركية الإسكندرية سبع سنين يدعو إلى النصرانية بالإسكندرية ومصر وبرقة والمغرب ثم قتله نيرون قيصر بن اقليوديش قيصر سادس القياصرة
وولي مكانة حنانيا ويسمى بالعبرانية أنانيو ثم مات لسبع وثمانين سنة للمسيح
وولي مكانه فلبو فأقام ثلاث عشرة سنة ثم مات
فولي مكانة كرتيانو ومات لإحدى عشرة سنة من ولايته في أيام طرنبش قيصر
وولي مكانة إيريمو ثنتي عشرة سنة
ثم ولي بعده نسطس في أيام أندريانوس قيصر وكان حكيما فاضلا فأقام في البطركية إحدى عشرة سنة ثم مات
وولي مكانه أرمانيون إحدى عشرة سنة أيضا ومات في أيام أندريانوس قيصر أيضا
وولي بعده موقيانو فلبث تسع سنين ومات في أيام أنطونيس قيصر

في الخامسة من ملكه
وولي بعده كلوتيانو فأقام أربع عشرة سنة في أيام انطونيس قيصر ومات
وولي بعده أغريتوس فبقي اثنتي عشرة سنة ومات
فولي بعده يليانس في أيام أوراليانس قيصر فلبث عشر سنين ومات
فولي مكانه في أيام أوراليانس ديمتريوس فأقام ثلاثا وثلاثين سنة
وولي بعده تاوكلا فأقام ستة عشرة سنة ومات
وولي بعده دونوشيوش فلبث تسع عشرة سنة ومات
وولي مكانه مكسيموس فأقام ثنتي عشرة سنة ومات
وولي مكانه ثاونا فلبث عشر سنين ومات وكان النصارى إذ ذاك يقيمون الدين خفية فلما صار بطركا صانع الروم ولا طفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم وأعلنوا فيها بالصلاة
ثم ولي بعده بطرس فلبث عشر سنين وقتله ديقلاديانوس قيصر
وولى مكانه تلميذه اسكندروس وكان كبير تلامذته فلبث ثلاثا وعشرين سنة
وقيل ثنتين وعشرين سنة وقيل ست عشرة سنة وكسر صنم النحاس الذي كان في هيكل زحل بالإسكندرية وبنى مكانه كنيسة وبقيت حتى هدمها العبيديون عند ملكهم الإسكندرية ومات لإحدى وعشرين سنة من ملك قسطنطين ملك الروم
وولي مكانه تلميذه ايناسيوس ووثب عليه أهل إسكندرية ليقتلوه لانتحاله مذهبا غير مذهبهم فهرب
وتولى مكانه لوقيوش ثم رد ايناسيوس المتقدم ذكره إلى كرسيه بعد

خمسة أشهر وطرد لوقيوس وأقام ايناسيوس بطركا إلى أن مات
فتولى بعده تلميذه بطرس سنتين ووثب عليه أصحاب لوقيوس فهرب ورد لوقيوس إلى كرسيه فأقام ثلاث سنين ثم وثبوا عليه وردوا بطرس ومات لسنة من إعادته وقيل أنه حبس وأقيم مكانه أريوس من أهل سميساط
ثم ولي طيماناواس أخو بطرس فلبث فيهم سبع سنين ومات
ويقال إن ايناسيوس المتقدم ذكره رد إلى كرسيه ثم مات
فولي مكانه كاتبه تاوفينا فأقام سبعا وعشرين سنة ومات
وتولى مكانه كيرلس ابن أخته فأقام اثنتين وثلاثين سنة ومات
فولي مكانه ديسقرس فأحدث بدعة في الأمانة التي يعتقدونها فأجمعوا على نفيه
وولوا مكانه برطارس وافترقت النصارى من حينئذ إلى يعقوبية وملكانية ووثب أهل الإسكندرية على برطارس البطرك فقتلوه لست سنين من ولايته وأقاموا مكانه طيماناوس وكان يعقوبيا وهو أول من ولي البطركية من اليعاقبة بالإسكندرية فأقام فيها ثلاث سنين ثم جاء قائد من القسطنطينية فنفاه وأقام مكانه سوريس من الملكية فأقام تسع سنين
ثم عاد طيماناوس المتقدم ذكره إلى كرسيه بأمر لاون قيصر
ويقال أنه بقي في البطركية اثنتين وعشرين سنة ومات
فولي مكانه بطرس وهلك بعد ثمان سنين
وولي مكانه اثناسيوس وهلك لسبع سنين وكان قيما ببعض البيع في بطركية بطرس ومات

فولي مكانه يوحنا وكان يعقوبيا ومات بعد سبع سنين
وولي مكانه يوحنا الحبيس ومات بعد إحدى عشرة سنة
فولي مكانه ديسقرس الجديد ومات بعد سنتين ونصف
ثم ولي مكانه طيماناوس وكان يعقوبيا فمكث فيهم ثلاث سنين وقيل سبع عشرة سنة ثم نفي
وولي مكانه بولص وكان ملكيا فلم تقبله اليعاقبة وأقام على ذلك سنتين
ثم ولي قيصر قائدا من قواده اسمه اثوليناريوس فدخل الكنيسة على زي الجند ثم لبس زي البطاركة وحملهم على رأي اليعقوبية وقتل من امتنع وكانوا مائتين ومات لسبع عشرة سنة من ولايته
وولي مكانه يوحنا وهلك لثلاث سنين
وانفرد اليعاقبة بالإسكندرية وكان أكثرهم القبط وقدموا عليهم طودوشيوش بطركا فمكث فيهم ثنتين وثلاثين سنة
ثم جعل الملكية بطركهم داقيانوس وطردوا طودوشيوش عن كرسيه ستة أشهر ثم أمر قيصر بأن يعاد فأعيد ثم نفاه بعد ذلك
وولي مكانه بولس التنيسي فلم يقبله أهل الإسكندرية ولا ما جاء به ثم مات وغلقت كنائس القبط اليعقوبية ولقوا شدة من الملكية ومات طودوشيوش الذي كان قد نفي
وتولى البطركية بطرس ومات بعد سنتين
وولي مكانه داميانو فمكث ستا وثلاثين سنة وخربت الديرة في أيامه
ثم ولي على الملكية بالإسكندرية ومصر يوحنا الرحوم وهو الذي عمل البيمارستان للمرضى بالإسكندرية ولما سمع بمسير الفرس إلى مصر هرب إلى

قبرس فمات بها لعشر سنين من ولايته وخلا كرسي الملكية بعده بالإسكندرية سبع سنين
وكانت اليعاقبة بالإسكندرية قدموا عليهم انسطانيوس فمكث فيهم ثنتي عشرة سنة واسترد ما كانت الملكية استولوا عليه من كنائس اليعقوبية ومات
ثم ولي اندرانيكون بطركا على اليعاقبة فأقام ست سنين خربت فيها الديرة ثم مات
وولي مكانه لأول الهجرة بنيامين فمكث تسعا وثلاثين سنة
وفي خلال أيامه غلب هرقل ملك الروم على مصر وملكها
وولي أخاه منانيا بطركا على الاسكندرية وواليا وكان ملكيا
ورأى بنيامين البطرك في نومه من يأمره بالاختفاء فاختفى ثم غضب هرقل على أخيه منانيا لمعتقد في الدين فأحرقه بالنار ثم رمى بجثته في البحر وبقي بنيامين مختفيا إلى أن فتح المسلمون الإسكندرية فكتب له عمرو بن العاص بالأمان فرجع إلى الإسكندرية بعد أن غاب عن كرسيه ثلاث عشرة سنة وبقي حتى مات في سنة تسع وثلاثين من الهجرة واستمرت البطركية بعده في اليعقوبية بمفردهم وغلبوا على مصر وأقاموا بجميع كراسيهم أساقفة يعاقبة وأرسلوا أساقفتهم إلى النوبة والحبشة فصاروا يعاقبة
وخلفه في مكانه أغاثوا فمكث سبع عشرة سنة ثم مات في سنة ست وخمسين من الهجرة وهو الذي في أيامه قد انتزعت كنائس الملكية من اليعاقبة وولي عليهم بطرك بعد أن أقاموا من لدن خلافة عمر بغير بطرك نحوا من مائة سنة ورياسة البطرك لليعاقبة وهم الذين يبعثون الأساقفة إلى النواحي
ومن هنا

صارت النوبة ومن وراءهم من الحبشة يعاقبة وهو الذي بنى كنيسة مرقص وبقيت حتى هدمت أيام العادل أبي بكر بن أيوب
وولي مكانه بطرك اسمه يوحنا
ثم ولي البطركية بعده ايساك فأقام سنتين وأحد عشر شهرا ومات
وكانت تقدمته في الثامنة عشرة ليوشطيان ملك الروم وتقرر أن لا يقدم بطرك إلا يوم الأحد
وقدم عوضه سيمون السرياني فأقام سبع سنين ونصفا ومات في الرابع والعشرين من أبيب سنة أربعمائة وست عشرة للشهداء في خلافة عبد الملك بن مروان
ويقال إنه وصل إليه رسول من الهند يطلب منه أن يقدم لهم أسقفا وقسوسا فامتنع إلى أن يأمره صاحب مصر فمضى إلى غيره ففعل له ذلك
وقدم بعده في البطركية الاسكندروس في سنة إحدى وثمانين من الهجرة في يوم عيد مرقص الإنجيلي سنة أربعمائة وعشرين للشهداء فمكث أربعا وعشرين سنة ونصفا وقيل خمسا وعشرين سنة وقاسى شدة عظيمة وصودر دفعتين أخذ منه في كل دفعة ثلاثة الاف دينار ومات في سنة ثمان ومائة وكانت وفاته بالإسكندرية
وقدم عوضه قسيما فأقام خمسة عشر شهرا ومات
فقدم مكانه تادرس في سنة تسع ومائة فأقام إحدى عشرة سنة ومات

فقدم مكانه ميخائيل في سنة عشرين ومائة وفأقام ثلاثا وعشرين سنة ولقي شدائد من عبد الملك بن موسى نائب مروان الجعدي على مصر ثم من مروان لما دخل إلى مصر إلى أن قتل في أبي صير وأطلق البطرك والنصارى نائب أبي العباس السفاح
وفي سنة إحدى وثلاثين ومائة رسم بإعادة ما استولى عليه اليعاقبة من كنائس الملكية بالديار المصرية إليهم فأعيدت وأقيم لهم بطرك وكانت الملكية قد أقاموا بغير بطرك سبعا وتسعين سنة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين الفتح الإسلامي إلى خلافة هشام بن عبد الملك
وفي سنة سبع وأربعين ومائة صرف أبو جعفر المنصور ميخائيل بطرك اليعاقبة وأقام عوضه مينا فأقام تسع سنين ومات في خلافة الهادي محمد بن المهدي
وقدم مكانه يوحنا فاقام ثلاثا وعشرين سنة ومات سادس عشر طوبة سنة خمسمائة وخمس عشرة للشهداء
ثم في سنة اثنتين وسبعين ومائة في خلافة الرشيد قدم في البطركية مرقص الجديد فأقام عشرين سنة وسبعين يوما
وفي أيامه رسم الرشيد بإعادة كنائس الملكية التي استولى عليها اليعاقبة ثانيا إليهم وثارت العربان والمغاربة وخربوا الديرة بوادي هبيب ولم يبق فيها من الرهبان إلا اليسير ثم مات في سنة إحدى عشرة ومائتين
وقدم عوضه في البطركية يعقوب قيل في السنة الثالثة من خلافة المأمون
وفي أيامه عمرت الديارات وعادت الرهبان إليها ومات في سنة اثنتين وعشرين ومائتين

وقدم عوضه سيماون في السنة المذكورة في خلافة المعتصم فأقام سنة واحدة
وقيل سبعة شهور وستة عشر يوما
وخلا الكرسي بعده سنة واحدة وتسعة وعشرين يوما
وفي سنة سبع وعشرين ومائتين قدم في البطركية بطرس ويقال يوساب وكانت تقدمته في دير يومقار بوادي هبيب حادي عشري هاتور سنة خمسمائة وسبعة وأربعين للشهداء
وقيل إنه قدم في أيام المأمون وإنه أقام ثماني عشرة سنة وسير أساقفة إلى أفريقية والقيروان ومات سنة اثنتين وأربعين ومائتين وخلا الكرسي بعده ثلاثين يوما
وقدم عوضه جاتيل في السنة العاشرة من خلافة المتوكل
ويقال إنه كان قسا بدير بوحنس فأقام سنة واحدة وخمسة أشهر ثم مات ودفن بدير بومقار وهو أول من دفن فيه من البطاركة
وخلا الكرسي بعده أحدا وثمانين يوما
وقدم عوضه قسيما في سنة أربع وأربعين ومائتين من الهجرة وهي الثانية عشرة من خلافة المتوكل وكان شماسا بدير بومقار فأقام سبع سنين وخمسة شهور ثم مات ودفن بدنوشر وخلا الكرسي بعده أحدا وخمسين يوما
وقدم مكانه بطرك اسمه اساسو ويقال سالوسو في أول سنة من خلافة

المعتز وأحمد بن طولون بمصر فأقام إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر ومات وهو الذي علم مجاري المياه التي تجري تحت الأرض من خليج الإسكندرية إلى ادرها
ولما مات قدم مكانه ميخائيل في خلافة المعتمد في سنة ثلاث وستين ومائتين فأقام خمسا وعشرون سنة
وصادره أحمد بن طولون في عشرين ألف دينار فباع في المصادرة رباع الكنائس بالإسكندرية وبركة الحبش بظاهر مصر ومات
فبقي الكرسي بعده أربع عشرة سنة شاغرا إلى سنة ثلثمائة
وفي يوم الاثنين ثالث شوال سنة ثلثمائة احترقت الكنيسة العظمى بالإسكندرية التي كانت بنتها كلابطره ملكة مصر هيكلا لزحل
ثم قدم البطرك غبريال في السنة السابعة من خلافة المقتدر وهي سنة أحدى وثلثمائه فأقام إحدى عشرة سنة ومات
فقدم مكانه البطرك قسيما فأقام اثنتي عشرة سنة ومات
وفي السنة الأخيرة من رياسته وهي سنة ثلاث عشرة وثلثمائة أحرق المسلمون كنيسة مريم بدمشق ونهبوا ما فيها وتتبعوا كنائس اليعاقبة والنساطرة

ولما مات قسيما المذكور قدموا عليهم بطركا لم أقف على اسمه فأقام عشرين سنة ثم مات
وقدم في البطركية تاوفانيوس من أهل اسكندرية في السنة الحادية عشرة من خلافة المطيع فأقام أربع سنين وستة أشهر ومات مقتولا في سنة ثمان وأربعين وثلثمائة
وقدم مكانه البطرك مينا في السنة الخامسة عشرة من خلافة المطيع والأخشيد نائب بمصر فأقام إحدى عشرة سنة ثم مات
وخلا كرسي اليعاقبة بعد موته سنة واحدة
ثم قدم مكانه بطرك اسمه افراهام السرياني في سنة ست وستين وثلثمائة فأقام ثلاث سنين وستة أشهر ومات في أيام العزيز الفاطمي بمصر مسموما من بعض كتاب النصارى لإنكاره عليه التسري وقطعت يد ذلك الكاتب بعد موته ومات لوقته
وخلا الكرسي بعده ستة أشهر
وقدم عوضه بطرك اسمه فيلاياوس في سنة تسع وستين وثلثمائة
وقيل في السنة الخامسة للعزيز الفاطمي فأقام أربعا وعشرين سنة وسبعة أشهر ومات
وقدم بعده بطرك اسمه دخريس في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة في أيام الحاكم الفاطمي فأقام ثمانا وعشرين سنة ثم مات ودفن ببركة الحبش
وخلا كرسي اليعاقبة بعده أربعة وسبعين يوما
ثم قدم اليعاقبة بعده سابونين بطركا في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة فأقام خمس عشرة سنة ومات فخلا الكرسي

بعده سنة وخمسة أشهر
ثم قدم بعده بطرك اسمه اخرسطوديس في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة في خلافة المستنصر الفاطمي فأقام ثلاثين سنة ومات في السنة الحادية والأربعين من خلافة المستنصر المذكور بالكنيسة المعلقة بمصر
وهو الذي جعل كنيسة بومرقورة بمصر وكنيسة السيدة بحارة الروم بطركية
وخلا الكرسي بعده اثنين وسبعين يوما
ثم قدم بعده البطرك كيرلص فأقام أربع عشرة سنة وثلاثة أشهر ونصفا ومات بكنيسة المختارة بجزيرة مصر سلخ ربيع الاخر سنة خمس وثمانين وأربعمائة
وخلا الكرسي بعده مائة وأربعة وعشرين يوما
وقدم عوضه بطرك اسمه ميخائيل في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة في أيام المستنصر الفاطمي صاحب مصر وكان قبل ذلك حبيسا بسنجار فأقام تسع سنين وثمانية أشهر ومات في المعلقة بمصر
وقدموا عوضه بطركا اسمه مقاري سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة بدير بومقار ثم كمل بالإسكندرية وعاد إلى مصر وقدس بدير بومقار ثم في الكنيسة المعلقة
وفي أيامه هدم الأفضل بن أمير الجيوش كنيسة بجزيرة مصر كانت في بستان اشتراه
ولما مات قدم عوضه بطرك اسمه غبريال أبو العلا صاعد سنة خمس وعشرين وخمسمائة في أيام الحافظ الفاطمي وكان قبل ذلك شماسا بكنيسة بومرقورة فقدم بالمعلقة وكمل بالإسكندرية فأقام أربع عشرة سنة ومات بكنيسة بومرقورة
وخلا الكرسي بعده ثلاثة أشهر
وقدم بعده بطرك اسمه ميخائيل بن التقدوسي في السنة الخامسة عشرة من

خلافة الحافظ أيضا وكان قبل ذلك راهبا بقلاية دنشري قدم بالمعلقة وكمل بالإسكندرية ومات بدير بومقار في رابع شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وخلا الكرسي بعده سنة واحدة وسبعين يوما
وقدم عوضه بطرك اسمه يونس بن أبي الفتح بالمعلقة بمصر وكمل بالإسكندرية فأقام تسع عشرة سنة ومات في السابع والعشرين من جمادى الأخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة
وخلا الكرسي بعده ثلاثة وأربعين يوما
وقدم بعده بطرك اسمه مرقص أبو الفرج بن زرعة في سنة إحدى وستين وخمسمائة بمصر وكمل بالإسكندرية فأقام اثنتين وعشرين سنة وستة أشهر وخمسة وعشرين يوما وفي أيامه أحرقت كنيسة بومرقورة بمصر ثم مات
وخلا الكرسي بعده سبعة وعشرين يوما
وقدم بعده بطرك اسمه يونس بن أبي غالب في عاشر ذي الحجة سنة أربع وثمانين وخمسمائة بمصر وكمل بالإسكندرية وأقام ستا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما ومات في رابع عشر رمضان المعظم قدره سنة اثنتي عشرة وستمائة بالمعلقة بمصر ودفن ببركة الحبش
وقدم بعده بطرك اسمه داود بن يوحنا ويعرف بابن لقلق بأمر العادل بن الكامل فلم يوافق عليه المصريون فأبطلت بطركيته وبقي الكرسي بغير بطرك تسع عشرة سنة
ثم قدم بطرك اسمه كيرلس داود بن لقلق في التاسع والعشرين من رمضان المعظم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة فأقام سبع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام ومات في السابع عشر من رمضان المعظم سنة أربعين وستمائة ودفن بدير الشمع بالجيزة
وخلا الكرسي بعده سبع سنين وستة أشهر وستة وعشرين يوما
وقدم بعده بطرك اسمه سيوس بن القس أبي المكارم في رابع رجب سنة ثمان وأربعين وستمائة وكمل بالإسكندرية وأقام إحدى عشرة سنة وخمسة

وخمسين يوما ومات في ثالث المحرم سنة ستين وستمائة
وخلا الكرسي من بعده خمسة وثلاثين يوما
ثم قدم بعده في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون البطرك بنيامين وهو الذي كان معاصرا للمقر الشهابي بن فضل الله ونقل عنه بعض أخبار الحبشة
ثم قدم بعده المؤتمن جرجس بن القس مفضل في شهور سنة أربع وستين وسبعمائة
ثم قدم بعده البطرك متى وطالت مدته في البطركية ثم مات في شهور سنة اثنتي عشرة وثمانمائة
واستقر بعده الشيخ الأمجد رفائيل في أواخر السنة المذكورة وهو القائم بها إلى الان
أما ملوكهم القائمون ببلادهم فلم يتصل بنا تفاصيل أخبارهم غير أن المشهور أن ملكهم في الزمن المتقدم كان يلقب النجاشي سمة لكل من ملك عليهم إلى أن كان اخرهم النجاشي الذي كان في زمن النبي وأسلم وكتب إليه بإسلامه ومات وصلى عليه صلاة الغائب وكان اسمه بالحبشيه أصحمة ويقال صحمة ومعناه بالعربية عطية
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله مسالك الأبصار أن الملك الأكبر الحاكم على جميع أقطارهم يسمى بلغتهم الحطي بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة المكسورة وياء مثناة تحت في الاخر
ومعناه السلطان اسما موضوعا لكل من قام عليهم ملكا كبيرا
ثم قال ويقال إن تحت يده تسعة وتسعين ملكا وهو لهم تمام المائة
وذكر أن الملك القائم بمملكتهم في زمانه

اسمه عمدسيون ومعناه ركن صهيون
قال وصهيون بيعة قديمة البناء بالإسكندرية معظمة عندهم
قال ويقال إنه من الشجاعة على أوفر قسم وإنه حسن السيرة عادل في رعيته
قال في التعريف وقد بلغنا أن الملك القائم عليهم أسلم سرا واستمر على إظهار دين النصرانية إبقاء لملكه
فيحتمل أنه عمدسيون المقدم ذكره ويحتمل أنه غيره
قال في التعريف ومدبر دولته رجل يقرب إلى بني الأرشي الأطباء بدمشق
قال في مسالك الأبصار ومع ما هم عليه من سعة البلاد وكثرة الخلق والأجناد مفتقرون إلى العناية والملاحظة من صاحب مصر
لأن المطران الذي هو حاكم شريعتهم في جميع بلادهم من أهل النصرانية لا يقام إلا من الأقباط اليعاقبة بالديار المصرية بحيث تخرج الأوامر السلطانية من مصر للبطرك المذكور بإرسال مطران إليهم
وذلك بعد تقدم سؤال ملك الحبشة الذي هو الحطي وإرسال رسله وهداياه
قال وهم يدعون أنهم يحفظون مجاري النيل المنحدر إلى مصر ويساعدون على إصلاح سلوكه تقربا لصاحب مصر
وقد ذكر ابن العميد مؤرخ النصارى في تاريخه أنه لما توقف النيل في زمن المستنصر بالله الفاطمي كان ذلك بسبب فساد مجاريه من بلادهم وأن المستنصر أرسل البطرك الذي كان في زمانه إلى الحبشة حتى أصلحوه وأستقامت مجاريه
لكن قد تقدم في الكلام على النيل عند ذكر مملكة الديار المصرية من هذه المقالة ما يخالف ذلك

الجملة السادسة في ترتيب مملكتهم
قال في مسالك الأبصار يقال إن الحطي المذكور وجيشه لهم خيام

ينقلونها معهم في الأسفار والتنزهات وإنه إذا جلس الملك يجلس على كرسي ويجلس حول كرسيه أمراء مملكته وكبراؤها على كراسي من حديد منها ما هو مطعم بالذهب ومنها ما هو ساذج على قدر مراتبهم
قال ويقال إن الملك مع نفاذ أمره فيهم يتثبت في أحكامه
ولم يزد في ترتيب مملكتهم على ذلك
ولملك الحبشة هذا مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية يأتي ذكرها في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى

القسم الثاني من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة
وهي البلاد المقابلة لبر اليمن على أعالي بحر القلزم وما يتصل به من بحر الهند ويعبر عنها بالطراز الإسلامي لأنها على جانب البحر كالطراز له
قال في مسالك الأبصار وهي البلاد التي يقال لها بمصر والشام بلاد الزيلع
قال والزيلع إنما هي قرية من قراها وجزيرة من جزائرها غلب عليها اسمها
قال الشيخ عبد المؤمن الزيلعي الفقيه وطولها برا وبحرا خاصا بها نحو شهرين وعرضها يمتد أكثر من ذلك لكن الغالب في عرضها أنه مقفر أما مقدار العمارة فهو ثلاثة وأربعون يوما طولا وأربعون يوما عرضا
قال في مسالك الأبصار وبيوتهم من طين وأحجار وأخشاب مسقفة بجملونات وقباب وليست بذوات أسوار ولا لها فخامة بناء ومع ذلك فلها الجوامع والمساجد وتقام بها الخطب والجمع والجماعات وعند أهلها محافظة على الدين إلا أنه لا تعرف عندهم مدرسة ولا خانقاه ولا رباط ولا زاوية
وهي بلاد شديدة الحر وألوان أهلها إلى الصفاء وليست شعورهم في غاية التفلفل كما في أهل مالي وما يليها من جنوب المغرب وفطنهم أنبه من غيرهم من السودان وفطرهم أذكى وفيهم الزهاد والأبرار والفقهاء والعلماء ويتمذهبون بمذهب أبي حنيفة خلا وفات فإن ملكها وغالب أهلها شافعية

وتشتمل على ست جمل

الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال
مقتضى ما ذكره في مسالك الأبصار والتعريف أن هذه البلاد تشتمل على سبع قواعد كل قاعدة منها مملكة مستقلة بها ملك مستقل
القاعدة الأولى وفات
قال في تقويم البلدان بالواو المفتوحة والفاء ثم ألف وتاء مثناة فوق في الاخر والعامة تسميها أوفات
ويقال لها أيضا جبرة بفتح الجيم والباء الموحدة والراء المهملة ثم هاء في الاخر والنسبة إلى جبرة جبرتي
وموقعها بين الإقليم الأول وخط الاستواء
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض ثمان درج
قال وعن بعض المسافرين أنها من أكبر مدن الحبشة
وهي على نشز من الأرض وعمارتها متفرقة ودار الملك فيها على تل والقلعة على تل ولها واد فيه نهر صغير وتمطر في الليل غالبا مطرا كثيرا وبها قصب السكر
قال في مسالك الأبصار وقال الشيخ عبد الله الزيلعي وطول مملكتها خمسة عشر يوما وعرضها عشرون يوما بالسير المعتاد
قال وكلها عامرة اهلة بقرى متصلة وهي أقرب أخواتها إلى الديار المصرية وإلى السواحل المسامتة لليمن وهي أوسع الممالك السبع أرضا والإجلاب إليها اكثر لقربها من البلاد
قال في مسالك الأبصار وعسكرها خمسة عشر ألفا من الفرسان ويتبعهم عشرون ألفا فأكثر من الرجالة وسيأتي الكلام على سائر أحوالها عند ذكر أحوال سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى
ومن مضافاتها زيلع
قال في تقويم البلدان الظاهر أنها بفتح الزاي العجمة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح اللام ثم عين مهملة في الاخر

وهي فرضة من فرض هذه البلاد وموقعها بين الإقليم الأول وخط الاستواء
قال في القانون حيث الطول إحدى وستون درجة والعرض ثمان درج
قال في تقويم البلدان وهي في جهة الشرق عن وفات وبينهما نحو عشرين مرحلة
قال ابن سعيد وهي مدينة مشهورة وأهلها مسلمون وهي على ركن من البحر في وطاءة من الأرض
قال في تقويم البلدان وعن بعض من رآها أنها مدينة صغيرة نحو عيذاب في القدر وهي على الساحل والتجار تنزل عندهم فيضيفونهم ويبتاعون لهم
قال ابن سعيد وهي شديدة الحر وماؤها عذيبي من جفارات وليس لهم بساتين ولا يعرفون الفواكه
قال في القانون وفيها مغاص لؤلؤ
وقد ذكر في مسالك الأبصار أنها تلي في مملكة صاحب أوفات
وذكر في تقويم البلدان عن بعض من راها أن فيها شيوخا يحكمون بين أهلها وقال إن بينها وبين عدن من اليمن في البحر ثلاث مجار وهي عن عدن في جهة الغرب بميلة إلى الجنوب

القاعدة الثانية دوارو
بفتح الدال المهملة وواو ثم ألف وراء مهملة وواو وهي مدينة ذكرها في مسالك الأبصار والتعريف
ولم يتعرض لصفتها
وذكر في مسالك الأبصار أنها أوفات المقدمة الذكر وأن مملكتها طولها خمسة أيام وعرضها يومان
ثم قال وهي على هذا الضيق ذات عسكر جم نظير عسكر أوفات في الفارس والراجل
وسيأتي الكلام على تفصيل أحوالها مع أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى

القاعدة الثالثة أرابيني
وهي مدينة ذكرها في المسالك والتعريف أيضا ولم يذكر شيئا من صفتها
ثم ذكر أن مملكتها مربعة طولها أربعة أيام وعرضها كذلك وعسكرها يقارب عشرة الاف فارس
اما الرجالة فكثيرة للغاية
القاعدة الرابعة هدية
قال في تقويم البلدان بالهاء والدال المهملة والياء المثناة التحتية ثم هاء في الاخر على ما ذكره بعض من راها
وموقعها بين الإقليم الأول من الأقاليم السبعة وبين خط الاستواء
قال والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض سبع درج
وذكر عن بعض المسافرين أنها جنوبي وفات
قال في مسالك الأبصار وهي تلي أرابيني المقدم ذكرها وطول مملكتها ثمانية أيام وعرضها تسعة أيام وصاحبها أقوى إخوانه من ملوك هذه الممالك السبعة وأكثر خيلا ورجالا وأشد بأسا على ضيق بلاده عن مقدار أوفات
قال ولملكها من العسكر نحو أربعين ألف فارس سوى الرجالة فإنهم خلق كثير مثل الفرسان مرتين أو أكثر
قال في تقويم البلدان ومنها تجلب الخدام وذكر أنهم يخصونهم بقرية قريبة منها
وذكر في مسالك الأبصار أن الخدام تجلب إليها من بلاد الكفار
ثم حكى عن الحاج فرج الفوي التاجر انه حدثه أن ملك امحرا يمنع من خصي العبيد وينكر ذلك ويشدد فيه
وإنما السراق تقصد بهم مدينة اسمها وشلو بفتح الواو والشين المعجمة واللام أهلها همج لادين عندهم فتخصى بها العبيد لا يقدم على هذا في جميع بلاد الحبشة سواهم
قال ولذلك التجار إذا اشتروا العبيد يخرجون بهم إلى وشلو فيخصونهم بها لأجل زيادة الثمن ثم يحمل من خصي منهم إلى مدينة هدية لقربها من وشلو فتعاد عليهم الموسى مرة ثانية لينفتح مجرى البول لأنه يكون قد استد عند الخصي

بالقيح فيعالجون بهدية إلى أن يبرءوا ولأن أهل وشلو وإن كان لهم معرفة بالخصي فليس لهم معرفة بالعلاج بخلاف أهل هدية فإنهم قد دربوا على ذلك وعرفوه
ثم قال ومع هذا فالذي يموت منهم أكثر من الذي يعيش وأضر ما عليهم حملهم بلا معالجة من مكان إلى مكان فإنهم لو عولجوا في مكان خصيهم كان أرفق بهم

القاعدة الخامسة شرحا
بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة وحاء ثم ألف
وهي مدينة تلي هدية المقدمة الذكر
ذكرها في مسالك الأبصار والتعريف ولم يصرح لها بوصف
قال في مسالك الأبصار وطول مملكتها ثلاثة أيام وعرضها أربعة أيام
قال وعسكرها ثلاثة الالف فارس ورجالة مثل ذلك مرتين فأكثر وسيأتي الكلام على سائر أحوالها مع سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى
القاعدة السادسة بالي
بفتح الباء الموحدة وألف ثم لام وياء اخر الحروف
وهي مدينة تلي شرحا المقدمة الذكر ذكرها في المسالك والتعريف قال في المسالك ولكنها أكثر خصبا وأطيب سكنا وأبرد هواء وسيأتي الكلام على سائر أحوالها مع سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى
القاعدة السابعة دارة
بفتح الدال المهملة وألف بعدها راء ثم هاء
وهي مدينة تلي بالي المقدمة الذكر ذكرها في المسالك والتعريف
قال في المسالك

وطولها ثلاثة أيام وعرضها كذلك
وهي أضعف أخواتها حالا وأقلها خيلا ورجالا
قال وعسكرها لا يزيد على ألفي فارس ورجالة كذلك وسيأتي الكلام على سائر أحوالها في الكلام على سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى

الجملة الثانية في الموجود بهذه الممالك على ما ذكره في مسالك الأبصار
قد ذكر أن عندهم من المواشي الخيل العراب والبغال والحمير والبقر والغنم بكثرة
أما المعز فقليل عندهم
ومن الوحش البقر والحمر والغزلان والمها والإبل والكركدن والفهد والأسد والضبعة العرجاء وتسمى عندهم مرعفيف وعندهم جواميس برية تصاد كما تقدم في إقليم مالي
وعندهم من الطيور الدواجن الدجاج ولكن لا رغبة لهم في أكله استقذارا له لأكله القمامات والزبالات ودجاج الحبش يصيدونه ويأكلونه وهو عندهم مستطاب
وعندهم من الحبوب الحنطة والشعير والذرة والطافي وهو حب نحو الخردل أحمر اللون على ما تقدم ذكره في الكلام على القسم الأول من بلاد الحبشة
وعندهم الخردل أيضا
وعندهم من الفواكه العنب الأسود على قلة والموز والرمان الحامض والتوت الأسود على قلة فيه والجميز بكثرة
وعندهم من المحمضات الأترج والليمون والقليل من النارنج
وعندهم تين بري وخوخ بري ولكنهم لا يأكلون الخوخ دون التين
وعندهم فواكه أخرى لا تعرف بمصر والشأم والعراق منها شجر يسمى كشباد ثمره أحمر على صفة البسر وهو حلو ماوي وشجر يسمى كوشى ثمره مستدير كالبرقوق ولونه أصفر خلوقي كالمشمش وهو مز ماوي وشجر يسمى طانة ثمره أصغر من البسر وفي وسطه شبه النوى وهو حلو صادق الحلاوة ونواه يؤكل معه لعدم صلابته
وشجر اسمه أوجاق بفتح الواو والجيم ثمره أكبر من حب الفلفل وطعمه شبيه به في الحرافة مع بعض الحلاوة
وعندهم شجرجان المقدم ذكره في القسم الأول من بلاد الحبشة وهو الذي يؤكل عندهم للذكاء والفطنة ولكنه يقل النوم والنكاح على ما تقدم ذكره هناك
وعندهم من أنواع المقاثيء البطيخ الأخضر والخيار والقرع

ومن الخضروات اللوبيا والكرنب والباذنجان والشمار والصعتر
أما الملوخيا فإنها تطلع عندهم برية

الجملة الثالثة في معاملاتهم وأسعارهم
أما معاملاتهم فعلى ثلاثة أنواع
منها ما هو بالأعراض مقايضة تباع البقر بالغنم ونحو ذلك كما في القسم الأول من بلاد الحبشة
ومنها ما هو بالدنانير والدراهم كمصر والشأم ونحوهما وهو وفات وأعمالها خاصة
قال في مسالك الأبصار وليس بأوفات سكة تضرب بل معاملاتهم بدنانير مصر ودراهمها الواصلة إليهم صحبة التجار وذلك أنه لو ضرب أحد منهم سكة في بلاده لم ترج في بلد غيره
ومنها ما هو بالحكنات جمع حكنة بفتح الحاء المهملة وضم الكاف والنون كما ضبطه في مسالك الأبصار وهي قطع حديد في طول الإبرة ولكنها أعرض منها بحيث تكون في عرض ثلاث إبر يتعامل بها في سائر هذه البلاد سوى ما تقدم ذكره
قال وليس لهذه الحكنة عندهم سعر مضبوط بل تباع البقرة الجيدة بسبعة الاف حنكة والشاة الجيدة بثلاثة الاف حكنة
وتكال غلتهم بكيل اسمه الرابعية بمقدار ويبة من الكيل المصري
وزنة أرطالهم أثنتا عشرة أوقية كل أوقية عشرة دراهم بصنجة مصر
وأما الأسعار فكلها رخية حتى قال في مسالك الأبصار إنه يباع بالدرهم الواحد عندهم من الحنطة بمقدار حمل بغل والشعير لا قيمة له
وعلى هذا فقس
الجملة الرابعة في ملوكهم
قد تقدم في الكلام على القسم الأول من بلاد الحبشة أن الحطي الذي هو سلطانهم الأكبر تحت يده تسعة وتسعون ملكا وهو لهم تمام المائة
وقد ذكر في

التعريف أن هذه السبعة من جملة التسعة والتسعين الذين هم تحت يده
قال في مسالك الأبصار والملك منهم في بيوت محفوظة إلا بالي اليوم فإن الملك بها صار إلى رجل ليس من أهل بيت الملك تقرب إلى سلطان أمحرا حتى ولاه مملكة بالي فاستقل ملكا بها
على أنه قد وليها من أهل بيت الملك رجال أكفاء ولكن الأرض لله يورثها من يشاء
قال وجميع ملوك هذه الممالك وإن توارثوها لا يستقل منهم بملك إلا من أقامه سلطان امحرا وإذا مات منهم ملك ومن أهله رجال قصدوا جميعهم سلطان أمحرا وتقربوا إليه جهد الطاقة فيختار منهم رجلا يوليه فإذا ولاه سمع البقية له وأطاعوا فهم له كالنواب وأمرهم راجع إليه
ثم كلهم متفقون على تعظيم صاحب أوفات منقادون إليه
ثم قال وهذه الممالك السبع ضعيفة البناء قلية الغناء لضعف تركيب أهلها وقلة محصول بلادهم وتسلط الحطي سلطان أمحرا عليهم مع ما بينهم من عداوة الدين ومباينة ما بين النصارى والمسلمين
قال وهم مع ذلك كلمتهم متفرقة وذات بينهم فاسدة
ثم حكي عن الشيخ عبد الله الزيلعي وغيره أنه لو اتفقت هذه الملوك السبعة واجتمعت ذات بينهم قدروا على مدافعة الحطي أو التماسك معه ولكنهم مع ما هم عليه من الضعف وافتراق الكلمة بينهم تنافس
قال وهم على ما هم عليه من الذلة والمسكنة للحطي سلطان أمحرا عليهم قطائع مقررة تحمل إليه في كل سنة من القماش الحرير والكتان مما يجلب إليهم من مصر واليمن والعراق
ثم قال قد كان الفقيه عبد الله الزيلعي قد سعى في الأبواب السلطانية بمصر عند وصول رسول سلطان أمحرا إلى مصر في تنجز كتاب البطريرك إليه بكف أذيته عمن في بلاده من المسلمين وعن أخذ حريمهم
وبرزت المراسيم السلطانية للبطريرك لكتابة ذلك فكتب إليه عن نفسه كتابا بليغا شافيا فيه معنى الإنكار لهذه الأفعال وأنه حرم هذا على من يفعله بعبارات أجاد فيها ثم قال وفي هذا دلالة على الحال
قلت وقد كتب في أوائل الدولة الظاهرية برقوق كتاب عن السلطان في معنى ذلك وقرينه كتاب من البطريرك متى بطريرك الإسكندرية يومئذ بمعناه

وتوجه به إلى الحطي سلطان الحبشة برهان الدين الدمياطي فذهب وعاد بالحباء من جهة الملك لكن ذكر عنه أنه أتى أمورا هناك تقدح في عقيدة ديانته والله أعلم بحقيقة ذلك
وستأتي الإشارة إلى المكاتبة إلى هؤلاء الملوك السبعة في المقالة الرابعة في الكلام على المكاتبات إن شاء الله تعالى

الجملة الخامسة في زي أهل هذه المملكة
أما لبسهم فإنه قد جرت عادتهم أن الملك يعصب رأسه بعصابة من حرير تدور بدائر رأسه ويبقى وسط رأسه مكشوفا والأمراء والجند يعصبون رؤوسهم كذلك بعصائب من قطن والفقهاء يلبسون العمائم والعامة يلبسون كوافي بيضا طاقيات والسلطان والجند يتزرون بثياب غير مخيطة يشد وسطه بثوب ويتزر باخر ويلبسون مع ذلك سراويلات
ومن عداهم من الناس يقتصرون على شد الوسط والاتزار خاصة بلا لبس سراويل
وربما لبس القمصان منهم بعض الفقهاء وأرباب النعم
وأما ركوبهم الخيل فإنهم يركبونها بغير سروج بل يوطأ لهم على ظهورهم بجلود مرعزى حتى ملوكهم
وأما سلاحهم فغالبه الحراب والنشاب
الجملة السادسة في شعار الملك وترتيبه
أما شعار الملك فقد جرت عادتهم أن الملك إذا ركب تقدم قدامة الحجاب والنقباء لطرد الناس ويضرب بالشبابة أمامه ويضرب معها ببوقات من خشب في رؤوسها قدون مجوفة ويدق مع ذلك طبول معلقة في أعناق

الرجال تسمى عندهم الوطواط
ويتقدم أمام الكل بوق عظيم يسمى الجنبا وهو بوق ملوي من قرن وحش عندهم من نوع بقر الوحش اسمه عجرين في طول ثلاثة أذرع مجوف يسمع على مسيرة نصف يوم يعلم من سمعه ركوب الملك فيبادر إلى الركوب معه من له عادة به
وأما ترتيب الملك عندهم فإن من عادتهم أن الملك يجلس على كرسي من حديد مطعم بالذهب علوه أربعة اذرع من الأرض ويجلس أكابر الأمراء حوله على كراسي اخفض من كرسيه وبقية الأمراء وقوف أمامه ويحمل رجلان السلاح على رأسه
ويختص صاحب وفات بأنه إذا ركب حمل على رأسه جتر على عادة الملوك
ثم إن كان الملك راكبا فرسا كان حامل الجتر ماشيا بازائه والجتر بيده وإن كان راكبا بغلا كان حامل الجتر رديفه والجتر بيده على رأس الملك
وبالجملة فإنه يعد من حشمة الملك أو الأمير عندهم أنه إذا كان راكبا بغلا أن يردف غلامه خلفه بخلاف ما إذا كان راكبا فرسا فإنه لا يردف خلفه أحدا
ومما يعد ب وفات من حشمة الملك أو الأمير أنه إذا مشى يتوكأ على يدي رجلين
وملوكهم تتصدى للحكم بأنفسهم وإن كان عندهم القضاة والعلماء
وليس لأحد من الأمراء ولا سائر الجند إقطاعات على السلطان ولا نقود كما بمصر والشام بل لهم الدواب السائمة
ومن شاء منهم زرع واستغل ولا يعارض في ذلك
وليس لأحد من ملوكهم سماط عام بل إنما يمد سماطه له ولخاصته ولكنه يفرق على أمرائه بقرا عوضا عن أمر أكلهم على السماط
وأكثر ما يعطى الأمير الكبير منهم مائتا بقرة
قلت وأهمل المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار والتعريف عدة بلاد من ممالك الحبشة المسلمين
منها جزيرة دهلك
قال في تقويم البلدان بفتح الدال المهملة وسكون الهاء ثم لام مفتوحة وكاف
وهي جزيرة في بحر القلزم واقعة في الإقليم

الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول إحدى وستون درجة والعرض أربع عشرة درجة
قال في تقومي البلدان وهي جزيرة مشهورة على طريق المسافرين في بحر عيذاب إلى اليمن
قال ابن سعيد غربي مدينة حلي في بلاد اليمن فطولها نحو مائتي ميل وبينها وبين بر اليمن نحو ثلاثين ميلا وملك دهلك من الحبش المسلمين وهو يداري صاحب اليمن
ومنها مدينة عوان بفتح العين المهملة والواو وألف ثم نون
وهي مدينة على ساحل بحر القلزم مقابل تهامة اليمن حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض ثلاث عشرة درجة ونصف درجة
قال في تقويم البلدان وإذا كان وقت الضحى ظهر منها الجناح وهو جبل عال في البحر
ومنها مدينة مقدشو بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المهملة ثم شين معجمة وواو في الاخر كما نقله في تقويم البلدان عن ضبطه في مزيل الارتياب بالشكل
وموقعها بين الإقليم الأول من الأقاليم السبعة وخط الاستواء
قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وسبعون درجة والعرض درجتان
قال في مزيل الارتياب وهي مدينة كبيرة بين الزنج والحبشة
قال وهي على بحر الهند ولها نهر عظيم شبيه بنيل مصر في زيادته في الصيف
قال وقد ذكر أنه شقيق لنيل مصر في مخرجه من بحيرة كورا ومصبه ببحر الهند على القرب من مقدشو
قلت وقد أتى الحطي ملك الحبشة النصارى على معظم هذه الممالك بعد الثمانمائة وخربها وقتل أهلها وحرق ما بها من المصاحف وأكره الكثير منهم على الدخول في دين النصرانية ولم يبق من ملوكها سوى ابن مسمار المقابلة بلاده

لجزيرة دهلك تحت طاعة الحطي ملك الحبشة وله عليه إتاوة مقررة والسلطان سعد الدين صاحب زيلع وما معها وهو عاص له خارج عن طاعته بينه وبينه الحروب لا تنقطع وللسلطان سعد الدين في كثير من الأوقات النصرة عليه والغلبة والله يؤيد بنصره من يشاء
واعلم أن ما تقدم ذكره من ممالك السودان هو المشهور منها وإلا فوراء ذلك بلاد نائية الجوانب بعيدة المرمى منقطعة الأخبار
منها بلاد الزنج
وهي بلاد شرقي الخليج البربري المقدم ذكره في الكلام على البحار تقابل بلاد الحبشة من البر الاخر
وقاعدتها سفالة الزنج
قال في تقويم البلدان بالسين المهملة والفاء ثم ألف ولام وهاء في الاخر
وموقعها جنوبي خط الاستواء
قال في القانون حيث الطول خمسون درجة والعرض في الجنوب درجتان
قال في القانون وأهلها مسلمون
قال ابن سعيد وأكثر معايشهم من الذهب والحديد ولباسهم جلود النمور
وذكر المسعودي أن الخيل لا تعيش عندهم وعسكرهم رجالة وربما قاتلوا على البقر
ومنها بلاد الهمج جنوبي بلاد التكرور
فقد ذكر ابن سعيد أنه خرج على أصناف السودان طائفة منهم يقال لهم الدمادم يشبهون التتر خرجوا في زمن خروجهم فأهلكوا ما جاورهم من البلدان
وذكر في مسالك الأبصار عن ابن أمير حاجب والي مصر عن منسا موسى ملك التكرور أنهم كالتتر في تدوير وجوههم وأنهم يركبون خيولا مشققة الأنوف كالأكاديش وأن همج السودان عدد لا يستوعبهم الزمان وأن منهم قوما يأكلون لحم الناس

الفصل الرابع من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشمالية عن ممالك الديار المصرية ومضافاتها خلا ما تقدم ذكره مما انضم إلى ممالك المشرق من شمالي الشرق نحو أرمينية وأران وأذربيجان وشمالي خراسان وشمالي مملكة توران من خوارزم وما وراء النهر وبلاد الأزق وبلاد القرم وما والى ذلك وما انضم إلى ممالك المغرب من شمالي الغرب وهو الأندلس
وينقسم ذلك إلى قسمين

القسم الأول ما بيد المسلمين مما في شرقي الخليج القسطنطيني فيما بينه
وبين أرمينية وهي البلاد المعروفة ببلاد الروم
قال في التعريف وتعرف الان ببلاد الدربندات
وقد سماها في التعريف ومسالك الأبصار بلاد الأتراك وكانه يريد بالأتراك التركمان فإنهم هم الذين انضاف ملكها بعد ذلك إليهم على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى
وقد ذكر في تقويم البلدان أنه يحيط بهذه البلاد من جهة الغرب بحر الروم وعامة الخليج القسطنطيني وبحر القرم
ومن جهة الجنوب بلاد الشام

والجزيرة
ومن جهة الشرق أرمينية
ومن جهة الشمال بلاد الكرج وبحر القرم
وذكر في التعريف ما يخالف ذلك فقال إنها منحصرة بين بحري القرم والخليج القسطنطيني تنتهي من شرقيها إلى بحر القرم المسمى ببحر نيطش وما نيطش وفي الغرب إلى الخليج القسطنطيني وتنتهي متشاملة إلى القسطنطينية وتنتهي جنوبا إلى بلاد لاون وهي بلاد الأرمن يحدها البحر الشامي
وبالجملة فإنها مفارقة ما يسامت شرقيها من بلاد الأرمن المضافة إلى بلاد الشام من ممالك الديار المصرية
والحاصل أن هذه البلاد مبتدؤها من الشرق مما يلي المغرب حدود أرمينية في شمالي بلاد الجزيرة وما والاها من بلاد الأرمن المضافة الان إلى مملكة حلب وتأخذ في جهة الغرب إلى بجر الروم فيصير البحر في جانبها من الجنوب ويمتد عليها حتى يتصل بالخليج القسطنطيني فيدور عليها الخليج وما يتصل به من بحر القرم من جهة الغرب ثم من جهة الشمال كالجزيرة ويحيط بها البحر من جميع جوانبها خلا جهة الشرق
وقد كانت هذه البلاد في زمان الروم من مضافات القسطنطينية وأعمالها قال في مسالك الأبصار وقد كانت هذه البلاد على عهد الروم محتك الأعنة ومشتبك الأسنة دار القياصرة ومكسر الأكاسرة
ثم وصفها بأتم الأوصاف فقال بعد أن ذكر انها أثرى البلاد صخورها تتفجر ماء وجوها يسخر أنواء تعقد دون السماء سماء فيخصب زرعها ويخصم المحل ضرعها ويخصف ورق الجنة على الحدائق ثمرها وينعها ويطرب ورقها منظرها البديع ويحبرها من صناعة صنعاء الربيع فلا تسمع إلا كل مطربة تناجي النجي وتشجي الشجي وتخلب قلب الخلي وتهب الغواني ما في أطواقها من الحلي يعجب ثوبها السندسي ونباتها المتعلق بذيل البهار بسجافها القندسي
فلا تجول في أرضها إلا على أرائك ولا تنظر إلا نساء كالحور العين وولدانا كالملائك
ثم قال بعد كلام طويل وهي شديدة البرد لا يوصف شتاؤها إلا أن سكانها تستعد للشتاء بها قبل دخوله وتحصل ما تحتاج إليه وتدخره في بيوتها وتستكثر من القديد والأدهان والخمور فتأكل وتشرب مدة أيام الشتاء ولا تخرج من بيوتها ولو أرادت ذلك

لم تقدر عليه حتى تذوب الثلوج
قال وهذه الأيام هي بلهنية العيش عندهم
وينحصر المقصود من ذلك في خمس جمل

الجملة الأولى فيما اشتملت عليه القواعد وهي على ضربين
الضرب الأول القواعد المستقرة بها الملوك والحكام ممن يكاتب عن الأبواب
السلطانية بالديار المصرية
فأما ما ذكره المقر الشهابي بن فضل الله من ذلك في التعريف ومسالك الأبصار فست عشرة قاعدة عبر عنها في مسالك الأبصار بممالك
ونحن نوردها على ما أوردها وإن كان قد أخل بها في الترتيب
القاعدة الأولى كرميان بكسر الكاف وسكون الراء المهملة والميم وفتح المثناة تحت وألف ثم نون في الاخر
وهي مدينة في شرق هذه البلاد متوسطة في المقدار مبنية بالحجر عليها سور دائر
وبها مساجد وأسواق وحمامات وبوسطها قلعة حصينة على جبل مرتفع وخارجها أنهار تجري وبساتين ذات أشجار وفواكه متنوعة وأراض مزدرعة
القاعدة الثانية طنغزلو بضم الطاء المهملة وسكون النون وضم الغين المعجمة وسكون الزاي المعجمة وضم اللام وواو في الاخر
وهي مدينة متوسطة في أوساط هذه البلاد وبناؤها بالحجر وليس لها سور
وبها المساجد والأسواق والحمامات
وخارجها أنهار تجري وبساتين محدقة ذات فواكه وثمار
القاعدة الثالثة توازا بضم التاء المثناة فوق وواو مفتوحة بعدها ألف ثم

زاي معجمة وألف في الاخر وهي مدينة عظيمة
قال في مسالك الأبصار وهذه المملكة تقع شرقي كرميان محضا وموقعها ما بين جنوبي بركى إلى قوله وكرسيه توازا
قال ولصاحبها أربع قلاع ونحو ستمائة قرية وعساكره نحو أربعة الاف فارس وعشرة الاف راجل
وقد عدها في مسالك الأبصار من جملة مضافات كصطمونية الاتي ذكرها
وذكر أنه كان بها إذ ذاك أمير من قبل صاحبها اسمه مرادبك وذكر في التعريف أن اسمه أرينة
القاعدة الرابعة حميدلي
قال في مسالك الأبصار وحميدلي اسم للإقليم وقاعدته مدينة بركو وموقعها من قوله إلى قراصار
قال ولصاحبها أيضا إقليم بلواج وإقليم قراغاج وإقليم اكرى دوز
قال وهذه البلاد مدنها قليلة وقراها كثيرة وبها خمس عشرة قلعة وعسكر صاحبها خمسة عشر ألف فارس ومثلهم رجالة وهي نهاية ما أخذ إلى الشمال وقد ذكر في التعريف أن صاحبها كان اسمه في زمانه دندار
قال وهو أخو يونس صاحب أنطاليا وحينئذ فتكون من مملكة بني الحميد د
القاعدة الخامسة قسطمونية قال في تقويم البلدان بفتح القاف وسكون السين وبالطاء المهملتين وضم الميم وسكون الواو وكسر النون وبالياء المثناة من تحت وهاء في الاخر وربما أبدلوا القاف كافا وعليه جرى في التعريف ومسالك الأبصار وهي مدينة في شرقي هذه البلاد داخلة في حدودها موقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ست وأربعون درجة وثمان وأربعون دقيقة
قال وهي قاعدة التركمان وتراكمتها يغزون القسطنطينية وهي شرقي هرقلة وفي الجنوب عن سنوب على ثلاث مراحل منها وقيل

خمس مراحل وهي في الشرق عن أنكوريه على خمسة أيام منها
وقد أخبرني بعض أهل تلك النواحي أنها مدينة متوسطة المقدار مبنية بالحجر ذات مساجد وأسواق وحمامات وليس عليها سور وخارجها أنهر وبساتين ذات فواكه
قال في مسالك الأبصار وبها الأكاديش الرومية الفائقة المفضل بعضها على كل سابق من الخيل العراب ولها أنساب محفوظة عندهم كخيل العرب يتغالى في أثمانها لا سيما في بلادها حتى تبلغ قيمة الواحد منها ألف دينار فما فوقه بل لا يستكثر فيها من يعرفها بذل مال
قال في التعريف وكانت اخر وقت لسليمان باشاه وكان أميرا كبيرا كثير العدد موفور المدد ذا هيبة وتمنع ثم مات
وورث ملكه ابنه إبراهيم شاه وكان عاقا لأبيه خارجا عن مراضيه وكان في حياته ينفرد بمملكة سنوب
قال وهي الان داخلة في ملكه منخرطة في سلكه قال وعسكره على ما يقال لنا ويبلغنا نحو ثلاثين ألف فارس
القاعدة السادسة فاويا
قال في مسالك الأبصار ومملكتها تجاور سمسون من غربيها
قال ولصاحبها عشر مدن ومثلها قلاع وعسكره نحو سبعة الاف فارس أما الرجالة فكثير عددهم ودرهمها نصف درهم فضة خالصة ورطلها ستة عشر رطلا بالمصري ومدها نحو إردب بالمصري وأسعارها رخية وقد ذكر في التعريف أن اسم صاحبها في زمانه مراد الدين حمزة قال وهو ملك مضعوف ورجل بمجالس أنسه مشغوف
القاعدة السابعة برسا بضم الباء الموحدة وسكون الراء وفتح السين المهملتين وألف في الاخر
وربما أبدلت السين صادا مهملة
والموجود في التعريف ومسالك الأبصار وغيرهما إثبات السين دون الصاد
وهي مدينة كبيرة في شمالي هذه البلاد مبنية بالطوب والحجر وسقوفها من الخشب

وغالبها جملونات وبها مساجد وأسواق وحمامات وبعض حماماتها من أعين حارة تنبع من الأرض كذلك كما في طبرية بالشام ولها سور عظيم وبوسطها قلعة شاهقة مرتفعة البناء بها سكن سلطانها وفيها قصور عظيمة متعددة وجامع وثلاث حمامات
وخارج ربض المدينة نهران
أحدهما يسمى ككدار بضم الكاف الأولى وسكون الثانية وفتح الدال والراء المهملتين وألف في الاخر ومعناه واد أزرق سمي بذلك لأنه يخرج من جبل أزرق وتقطع منه الحجارة بشدة جريه فتجري منه بجريان الماء فيأخذها من عليه من أهل تلك النواحي فيعمر بها ومعظم عمارة برسا منها
والنهر الثاني يسمى منرباشي في قدر الفرات يشق المدينة ويمر في جامعها وبها جبل عظيم اسمه كمش به معدن فضة سمي باسم الفضة
وبرسا هذه هي مقر مملكة أولاد عثمان جق الذين هم الان رؤوس ملوكها
وقد ذكر في التعريف أن صاحبها في زمانه كان أرخان بن عثمان وذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ حيدر العريان أن عسكره نحو خمسة وعشرين ألفا وأن بينه وبين صاحب القسطنطينية الحروب وأيامها بينهم تارات له في غالبها على صاحب القسنطنطينية الغلب وملك الروم يداريه على مال يحمله إليه في كل هلال
قال ولقد جاز الجزيرة إلى بلاد النصارى وعاث في نواحيها وشد على بطارقتها لا على فلاحيها وألقى علوجها بحيث تعتلج سيول الدماء وتختلج سيوف النصر من الأعداء وسيأتي ذكر ما انتهى إليه فتحه من بر القسطنطينية بعد هذا في الكلام على ملوك هذه المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى
القاعدة الثامنة أكيرا
قال في مسالك الأبصار وهي تجاور مملكة برسا اخذة إلى الشمال وجبل القسيس جنوبيها وسنوب شماليها وهي طريق من طرق سنوب وقلاعها وعساكرها كثيرة
ومنها يخرج الحرير الكثير واللاذن إلى

غيرها من البلاد ورطلها ثمانية أرطال بالمصري ومدها نحو إردب ونصف وأسعارها رخية وقد ذكر في التعريف أن صاحبها في زمانه كان صاروخان ابن قراسي ولم يبين من أي طوائف التركما هو
القاعدة التاسعة مرمرا بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الميم الثانية والراء المهملة الثانية وألف في الاخر
وهي مدينة في شمالي هذه البلاد بها جبل فيه مقطع رخام
قال في الروض المعطار والروم تسمي الرخام مرمرا فسميت بذلك
وذكر في التعريف أن صاحبها في زمانه كان اسمه بخشى بن قراسي ولم يبين من أي طوائف التركمان هو
وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنها قد خربت ودثرت ولم يبق بها عمارة
القاعدة العاشرة فغنيسيا بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وكسر النون وسكون الياء المثناة تحت وكسر السين المهملة وفتح الياء الثانية وألف في الاخر
وهي مدينة في أوساط هذه البلاد متوسطة في المقدار مبنية بالحجر وعليها سور دائر وبها مساجد وأسواق وحمامات وبساتين ومروج
وقد ذكر في التعريف أنه كان اسم صاحبها في زمانه صاروخان ولم يزد على ذلك
القاعدة الحادية عشرة نيف بكسر النون وسكون الياء المثناة تحت وفاء في الاخر
وهي مدينة لطيفة بأوساط هذه البلاد بالقرب من مغنيسيا المقدم ذكرها على نحو مرحلتين منها
وهي مبنية بالحجر وبها المساجد والأسواق والحمامات وخارجها الأنهار والزروع والبساتين المختلفة الفواكه
القاعدة الثانية عشرة بركي بفتح الباء الموحدة وكسر الراء المهملة وكسر الكاف وياء مثناة تحت في الاخر
وهي مدينة متوسطة القدر على القرب من نيف المقدم ذكرها على نحو مرحلتين منه وبها المساجد والأسواق والحمامات والمياه والبساتين والزروع
القاعدة الثالثة عشرة فوكه
وقد ذكر في التعريف أن صاحبها في زمانه كان اسمه أرخان بن منتشا واقتصر على ذلك

القاعدة الرابعة عشرة أنطاليا قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء المهملة وألف ولام مكسورة وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول أربع وخمسون درجة واثنتان وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وأربعون درجة وأربعون دقيقة
قال ابن سعيد وهي بلدة مشهورة
وقال ابن حوقل هي حصن للروم على شط البحر منيع واسع الرستاق كثير الأهل
قال في تقويم البلدان وهي على دخلة في البحر وسورها من حجر في غاية الحصانة ولها بابان باب إلى البحر وباب إلى البر
وأخبرني من راها أنها ذات أشجار وبساتين ومياه تجري وبها قلعة حصينة بوسطها وبها نهر يعرف بالصباب قال في تقويم البلدان وهي كثيرة المحمضات من الأترج والنارنج والليمون وما أشبه ذلك
قال ابن سعيد وكانت للروم فاستولى عليها المسلمون في عصرنا
قال بها أسطول صاحب الدروب وميناها غير مأمونة في الأنواء
قال في تقويم البلدان وكان الحاكم بها شخصا من أهل تلك البلاد فخرج منها إلى بعض جهاتها فكبسها التركمان وملكوها ثم أمسكوه فقتلوه
قال وصاحبها في زماننا واحد من بني الحميد ملوك التركمان
وقد ذكر في التعريف أن صاحبها في زمانه كان اسمه خضر بن يونس
وذكر في مسالك الأبصار أن صاحبها في زمانه كان اسمه خضر بن دندار من أولاد منتشا
وقال إن عسكره نحو أربعين ألف فارس
ثم قال إن لبني دندار هؤلاء إلى ملوك مصر انتماء بمصر منهم من له إمرة ثم عاد إلى بلاده
القاعدة الخامسة عشرة قراصار بفتح القاف والراء المهملة وألف ثم صاد مهملة مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة في الاخر
وتعرف بقراصار التكا بفتح

التاء المثناة فوق
وهي قلعة على جبل مرتفع يحف بها ربض بأعلى الجبل وحول الربض في الجبل زراعاتهم وبساتينهم
وقد ذكر في التعريف أن اسم صاحبها في زمانه زكريا ولم يزد على ذلك
وهي غير مدينة قراصار الصاحب
وهي مدينة لطيفة بأوساط بلاد الروم في الغرب عن قراصار هذه وفي الشمال عن أنطاليا
القاعدة السادسة عشرة أرمناك بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الميم وفتح النون وألف ثم كاف في الاخر
وهي مدينة في مشارق الروم مبنية بالحجر غير مسورة وبها مساجد وأسواق وحمامات وبها بساتين كثيرة وفواكه جمة إلا أنها شديدة البرد
وقد ذكر في التعريف أنها بيد أولاد قرمان
وذكر في مسالك الأبصار أن المملكة كانت بيد محمد بن قرمان
وذكر في التثقيف أن اخر من استقر بها في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة علاء الدين علي بك بن قرمان
وأما ما زاد ذكره في التثقيف فخمس قواعد
القاعدة الأولى العلايا بفتح العين المهملة واللام وألف بعدها ثم ياء مثناة تحت وألف في الاخر
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول اثنتان وخمسون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
قال وهي بلدة محدثة أنشأها علاء الدين علي بعض ملوك بني سلجوق بالروم فنسبت إليه
وقيل لها العلائية على النسب ثم خففها الناس فقالوا العلايا ثم قال والذي تحقق عندي من جماعة قدموا منها أنها بليدة صغيرة أصغر من أنطاليا على دخلة في بحر الروم
وهي من فرض تلك البلاد
وذكر أنها في الجنوب عن أنطاليا على مسيرة يومين وعليها سور دائر وأنها كثيرة المياه والبساتين
وقد ذكر في التثقيف أن الحاكم بها في زمانه كان اسمه حسام الدين محمود بن علاء الدين
وقال إنه كتب إليه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية في شوال سنة سبع وستين

وسبعمائة ولم يبين من أي طوائف التركمان هو
وذكر في مسالك الأبصار أنها في ساحل بلاد بني قرمان وأن الحاكم بها من قبلهم حينئذ كان اسمه يوسف
القاعدة الثانية بلاط بفتح الباء الموحدة واللام وألف ثم طاء مهملة في الاخر
وهي بلدة بأوساط الروم على نحو ثمان مراحل من برسا وهي مدينة صغيرة بغير سور وبها قلعة خراب كانت مبنية بالرخام وبها مساجد وأسواق وأربع حمامات
ذكر لي بعض أهل تلك البلاد أنها بيد أولاد منتشا من ملوك التركمان
القاعدة الثالثة أكردور بفتح الهمزة والكاف وسكون الراء وضم الدال المهملتين وسكون الواو وراء مهملة في الاخر
قال في التثقيف ويقال أكردون بالنون بدل الراء الأخيرة
وهي بلدة غير مسورة بها قلعة عظيمة على جبل شاهق وبها مساجد وأسواق وحمامات إلا أن بساتينها قليلة وبها برج عظيم
القاعدة الرابعة أياس لوق بفتح الهمزة والياء المثناة تحت وألف ثم سين مهملة ساكنة ولام مضمومة بعدها واو ساكنة ثم قاف في الاخر
وهي مدينة عظيمة على ساحل البحر الرومي بها المساجد والأسواق والحمامات وبها أعين وأنهار تجري وبساتين ذات فواكه
وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنها في ملك بني أيدين
القاعدة الخامسة سنوب
قال في تقويم البلدان بالسين المهملة والنون والواو وباء موحدة في الاخر ولم يقيدها بالضبط وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض ست وأربعون درجة وأربعون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي فرضة مشهورة يعني على بحر القرم
ثم قال وهي في الشمال عن كسطمونية وفي الغرب عن سامسون
قال وعن بعض الثقات أن بسنوب سورا حصينا يضرب البحر في بعض أبراجه
ولها بساتين كثيرة إلى الغاية وبينها

وبين سامسون نحو أربع مراحل
ثم قال وصاحب سنوب في زماننا من ولد البرواناه وله شوان يغزو بها في البحر ولا يكاد أن ينقهر
وذكر في مسالك الأبصار أنها من مضافات كسطمونية المقدم ذكرها وأنه كان بها في زمانه نائب من جهة إبراهيم بن سليمان باشاه صاحب كسطمونية اسمه غازي جلبي
وقال في التثقيف يقال إن بها إبراهيم بك بن سليمان باشا فإن كان يريد الذي كان في زمن صاحب مسالك الأبصار بكسطمونية فقد أبعد المرمى
وإن كان اخر بعده كان سمي باسمه فيحتمل أنه في التعريف قد ذكر صاحبها في جملة ملوك الكفر وكأن ذلك كان قبل أن تفتح
الضرب الثاني من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية ممن هو بصدد أن تطرأ له مكاتبة فيحتاج إلى معرفته
وهي عدة قواعد
منها سيواس
قال في تقويم البلدان بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الواو ثم ألف وسين مهملة في الاخر
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربعون درجة وعشر دقائق
قال ابن سعيد وهي من أمهات البلاد مشهورة على ألسنة التجار وهي في بسيط من الأرض
قال في تقويم البلدان وهي بلدة كبيرة مسورة وبها قلعة صغيرة ذات أعين والشجر بها قليل ونهرها الكبير بعيد عنها بمقدار نصف فرسخ
قال ويقول المسافرون إن فيها اربعا وعشرين خانا للسبيل وهي شديدة البرد وبينها وبين قيسارية ستون ميلا وكانت سيواس هذه قد غلب عليها في

الأيام الظاهرية برقوق صاحب الديار المصرية قاضيها القاضي إبراهيم وملكها
ومنها أماسية
قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة والميم وألف وكسر السين المهملة ثم ياء مثناة تحتية مفتوحة وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمس وأربعون درجة
قال في تقويم البلدان ذكر بعض من راها أنها بلدة كبيرة ذات سور وقلعة وفيها بساتين ونهر كبير عليه نواعير يمر عليها ثم يصب في بحر سنوب يعني بحر القرم
قال ابن سعيد وهي من مدن الحكماء وهي مشهورة بالحسن وكثرة المياه والبساتين والكروم وهي في الشرق عن سنوب وبينهما ستة أيام ثم قال وذكر بعض من راها أن بها معدن فضة
ومنها هرقلة قال في تقويم البلدان بكسر الهاء وفتح الراء المهملة وسكون القاف وفتح اللام ثم هاء في الاخر
وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشرون دقيقة والعرض إحدى وأربعون درجة وثلاثون دقيقة
قال ابن سعيد وهي في شرقي نهر ينزل من جبل العلايا إلى نحو سنوب وهرقلة عليه في قرب البحر
قال وهي التي هدمها الرشيد قال وفي شرقيها جبل الكهف
وقد حكى ابن خرداذبة في كتابه المسالك والممالك عن بعضهم أنه سار إلى هذا الكهف ودخل بمساعدة صاحب الروم فوجد به أمواتا برواق في كهف في جبل عليهم مسوح قد طال عليها الزمن حتى صارت تنفرك باليد وقد طليت أجسادهم بالمر والصبر فلم يبلوا ولصقت جلودهم بعظامهم وجفت وعندهم سادن يخدمهم وأنه أنكر أن يكون أولئك هم أهل الكهف المذكورون في القران للاختلاف في محل الكهف هل هو في هذه البلاد أو غيرها
ومنها أقسرا
قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون القاف

وفتح السين والراء المهملتين وألف في الاخر وربما أبدلت السين صادا مهملة
قال ويقال إن أصلها أخ سرا يعني بالخاء المعجمة بدل القاف
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة والعرض أربعون درجة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة ذات أشجار وفواكه ولها نهر كبير ينجر وسط البلد ويدخل الماء منه بعض بيوتها ولها قلعة حصينة في وسطها
قال ابن سعيد وبها تعمل البسط الأقصرية الفائقة ومنها إلى قونية ثمانية وأربعون فرسخا وكذلك بينها وبين قيسارية
ومنها قيسارية
قال في اللباب بفتح القاف وسكون المثناة من تحتها وفتح السين المهملة وألف ثم راء مهملة وياء مثناة تحتية مفتوحة مشددة وهاء في الاخر قال في تقويم البلدان وتقال بالصاد المهملة بدل السين
قال ابن سعيد وهي منسوبة إلى قيسر وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول ستون درجة والعرض أربعون درجة
قال ابن سعيد وهي مدينة جليلة يحلها سلطان البلاد
قال في تقويم البلدان وهي بلدة كبيرة ذات أشجار وبساتين وفواكه وعيون تدخل إليها وداخلها قلعة حصينة وبها دار للسلطنة
وقيسارية هذه كان بها تخت السلطنة لبني سلجوق بهذه البلاد
ولما ملك التتر هذه البلاد بقوا بقاياهم في الملك إلى أن دخلها السلطان الملك الظاهر بيبرس صاحب الديار المصرية وجلس على تخت ال سلجوق بها ثم عاد إلى الديار المصرية فزال ملك السلجوقية منها من حينئذ على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك هذه البلاد

ومنها قونية
قال في تقويم البلدان بضم القاف وسكون الواو وكسر النون وبعدها ياء مثناة من تحت مفتوحة وهاء في الاخر
وموقعها في الأقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وخمسون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة
قال ابن سعيد وهي مدينة مشهورة وبها دار للسلطنة والجبال مطيفة بها من كل جانب وتبعد عنها من جهة الشمال
وينزل من الجبل الجنوبي منها نهر يدخل إليها من غربيها وبها البساتين من جهة الجبل على نحو ستة فراسخ ونهرها يسقي بساتينها ثم يصير بحيرة ومروجا وبها الفواكه الكثيرة وفيها يوجد المشمش المعروف بقمر الدين وهي ثاني قاعدة مملكة السلجوقية ببلاد الروم كان الملك ينتقل منها إلى قيسارية ومن قيسارية إليها
قال ابن سعيد وبقلعتها تربة أفلاطون الحكيم
ومنها أق شهر بفتح الهمزة ثم قاف ساكنة وشين معجمة مفتوحة وهاء ساكنة وراء مهملة في الاخر كما في تقويم البلدان عمن يوثق به من أهل المعرفة وربما أبدلوا الهاء ألفا فقالوا أقشار
وفي كتاب الأطوال أخ شهر بإبدال القاف خاء معجمة
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول خمس وخمسون درجة والعرض إحدى وأربعون درجة
قال ابن سعيد وهي من أنزه البلدان وبها بساتين كثيرة وفواكه مفضلة
قال في تقويم البلدان وأخبرني من راها أنها على ثلاثة أيام من قونية شمالا بغرب
ومنها عمورية
قال في تقويم البلدان بفتح العين المهملة وميم مشددة مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة وهاء في الاخر
قال وهي بلدة كبيرة ولها قلعة داخلها حصينة وأكثر ساكنيها التركمان وبها بساتين قليلة ولها نهر وأعين جارية وهي التي فتحها المعتصم

ابن الرشيد أحد خلفاء بني العباس وكان المنجمون قد زعموا أنها لا تفتح إلا في زمان التين والعنب فلما فتحها أنشده أبو تمام قصيدته التي أولها
( السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب ! ) - بسيط -
ومنها أنكورية
قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون النون وضم الكاف وسكون الواو وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية مكسورة وهاء في الاخر
ويقال لها أنقرة أيضا بفتح الهمزة وسكون النون ثم قاف وراء مهملة وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول أربع وخمسون درجة والعرض إحدى وأربعون درجة
قال ابن سعيد وهي بلدة لها قلعة على تل عال وهي بين الجبال وليس بها بساتين ولا ماء وشرب أهلها من الابار وهي عن قسطمونية في جهة الغرب على خمسة أيام
ومنها فلك بار
قال في تقويم البلدان الفلك معروف وبار بباء موحدة وألف وراء مهملة في اخرها
قال وهي مدينة أنشأها ملك من ملوك بني الحميد اسمه فلك الدين وهي في مستو من الأرض في وسط الجبال على قريب من منتصف الطريق بين قونية والعلايا في الغرب من قونية على مسيرة خمسة أيام وهي في الشرق عن أنطاليا على مسيرة خمسة أيام
قال وليس في تلك الجبال الان مدينة أكبر منها وقد صارت قاعدة لبني الحميد ملوك التركمان بتلك الناحية
ومنها لارندة
قال في تقويم البلدان بلام وألف وراء مهملة مفتوحة ونون ساكنة ثم دال مهملة وهاء في الاخر
قال وهي قريبة من قونية على

مسافة يوم من الشرق والشمال حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة
وقد تقدم في الكلام على مملكة الشام من مضافات الديار المصرية أن مدينة ملطية دخلت في مملكة مصر ومضافاتها فصارت في معاملة حلب
واعلم أنه قد تقدم أن خليج القسطنطينية وما اتصل به من بحر نيطش المعروف ببحر القرم يطيف بهذه البلاد من غربيها وشماليها وعلى ساحل هذا البحر عدة فرض منتظمة في سلك هذه البلاد قد ذكرها في تقويم البلدان في الكلام على مملكة أرمينية وما معها وأشار إليها في الكلام على هذا البحر عند ذكره له في جملة البحار على ما تقدمت الإشارة إليه في الكلام على البحار في أول هذه المقالة غالبها في مملكة ابن عثمان صاحب برسا
أولها الجرون وهي قلعة خراب عند فم الخليج القسطنطيني من الجهة الشمالية مقابل القسطنطينة حيث الطول خمسون درجة والعرض خمس وأربعون درجة وعشر دقائق
ويليها من جهة الشمال بميلة إلى الشرق مدينة اسمها كربي بكاف وراء مهملة ثم باء موحدة وياء مثناة تحت في الاخر
ويليها في الشرق مدينة اسمها بنتر بباء موحدة ونون وتاء مثناة فوق وراء مهملة
ويليها في الشرق والشمال بلدة اسمها سامصرى بسين مهملة وألف ثم ميم وصاد وراء مهملتين وألف في الاخر
ويليها في الشرق أيضا مدينة اسمها كترو بكاف وتاء مثناة من فوق ثم راء وواو في الاخر وهي اخر أعمال قسطنطينية
ويليها في الشرق مدينة اسمها كينولي بكسر الكاف وسكون المثناة التحتية وضم النون وسكون الواو وكسر اللام وياء مثناة من تحت في الاخر

ويليها في جهة الغرب فرضة سنوب المقدم ذكرها في الكلام على ما زاده في التثقيف
ويليها من جهة الشرق مدينة سامسون المقدم ذكرها في الكلام على الضرب الثاني من هذه البلاد
ويليها في جهة الشرق أيضا مدينة أطرابزون بألف وطاء وراء مهملتين وباء موحدة بعدها زاي معجمة ثم واو ونون
وهي اخر مدن هذه البلاد على الساحل ومنها ينتهى إلى ساحل بلاد الكرج على ما تقدم الكلام عليه في الكلام على بحر نيطش

الجملة الثانية في ذكر الموجود بهذه البلاد
قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ حيدر العريان الرومي أن بها من المواشي الخيل والبقر والغنم ما لا يقع عليه عدد ولا يدخل تحت الإحصاء ونتاج بلادهم من الخيل هي البراذين الرومية الفائقة
وقد تقدم الكلام على القسطمونيات منها في الكلام على قسطمونية وتجلب إليهم العربيات من بلاد الشأم وغيرها وأكثر مواشيهم نتاجا الغنم
قال في مسالك الأبصار وهي مما يبسط فرش الأرض منها
قال ومنها المعز المرعزى ذوات الأوبار المضاهية لأنعم الحرير
ثم قال وغالب قنية أهل الشام وديار بكر والعراق وبلاد العجم وذبائحهم مما يفضل عنها ويجلب إليها منها وهي أطيب أغنام البلاد لحما وأشهاما شحما ويترتب على ذلك في كثرة الوجود الألبان وما يتحصل عنها من السمن والجبن وغير ذلك
وبها من الحبوب القمح والشعير والباقلا ونحوها ويزرع بها الكتان والقطن الكثير وبها من الفواكه كل ما يوجد بمصر والشأم من التفاح والسفرجل والكمثرى والقراصيا والإجاص والرمان الحلو والمز والحامض وغير ذلك
أما المحمضات فلا توجد إلا ببلاد السواحل من بلادهم على ما تقدم ذكره والموز والنخيل لا يوجد ببلادهم وبها من العسل ما يضاهي

الثلج بياضا والسكر لذاذة وطعما لا حدة فيه ولا إفراط حلاوة توقف الأكل عنه إلى غير ذلك من الأشياء التي يطول ذكرها
وقد تقدم أن بها معدن فضة بمدينة برسا ومعدن فضة بأماسية
وذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ حيدر العريان أن بها ثلاثة معادن فضة مستمرة العمل معدن بمدينة ركوة ومعدن بمدينة كش ومعدن بأراضي مدينة تاخرت

الجملة الثالثة في معاملاتها وأسعارها
أما معاملاتها فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ حيدر العريان أن لملوك التركمان هؤلاء نقودا ولكن لا يروج نقد واحد منهم في بلاد الاخر
قال ودرهمهم في الغالب تقدير نصف وربع درهم من نقد مصر وأرطالهم مختلفة وأكثرها بالتقريب زنة اثني عشر رطلا بالمصري وأقلها ثمانية أرطال وكيلهم الذي تباع به الغلات يسمى الوط تقدير إردب ونصف بالمصري
وأما أسعارها فقد ذكر أنها رخية رخيصة الأسعار للغاية لقلة المكوس وكثرة المراعي واتساع أسباب التجارة واكتناف البحر لها من كل جانب بحيث يحمل إليها على ظهره كل شيء مما لا يوجد فيها
قال وقيمة الغلات بها دون قيمتها بمصر والشام أو مثلهما في الغالب
والأغنام في غاية الرخص حتى إن الرأس الغنم الجيد لا يجاوز اثني عشر درهما من دراهمهم يكون بنحو تسعة دراهم من دراهم مصر إلى ما دون ذلك ويترتب على ذلك رخص اللحم
أما اللبن وما يعمل منه فإنه لا يكاد يوجد من يشتريه لاستغناء كل أحد بما عنده من لبن مواشيه لاسيما في زمن الربيع
قال والعسل لا يتجاوز الرطل منه ثلاثة دراهم برطلهم ودرهمهم وهو ذلك الرطل الكبير والدرهم الصغير والفواكه في أوانها في حكم اللبن وما في معناه في زمن الربيع في عدم وجود من يشتريه
ثم قال وبالجملة فبلاد الروم إذا غلت وأقحطت كانت كسعر الشام إذا أقبل وأرخص

الجملة الرابعة في ذكر من ملك هذه البلاد
قد ذكر ابن سعيد أن هذه البلاد كانت بيد اليونان وهم بنو يونان بن علجان بن يافث بن نوح عليه السلام من جملة ما بيدهم قبل أن يغلب عليهم الروم ثم غلب عليها الروم بعد ذلك فيما غلبوهم عليه واستمرت بأيديهم في مملكة صاحب القسطنطينية على ما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة القسطنطينية فيما بعد إن شاء الله تعالى
وكان كل من ملك هذه البلاد التي شرقي الخليج القسطنطيني يسمى الدمستق بضم الدال المهملة وفتح الميم وسكون السين المهملة والتاء المثناة فوق وقاف في الاخر وله ذكر في حروب الإسلام
قال في العبر وكان ثغور المسلمين حينئذ من جهة الشام ملطية ومن جهة أذربيجان أرمينية إلى أن دخل بعض قرابة طغرلبك أحد ملوك السلجوقية في عسكر إلى بلاد الروم هذه فلم يظفروا منها بشيء
ثم دخلها بعد ذلك مماني أحد أمرائهم بعد الثلاثين وأربعمائة ففتح وغنم وانتهى في بلادهم حتى صار من القسطنطينية على خمس عشرة مرحلة وبلغ سبيه مائة ألف رأس والغنائم عشرة الاف عجلة والظهر مالا يحصى
ثم فتح قطلمش بن إسرائيل بن سلجوق قونية وأقصرا وأعمالهما ثم وقعت الفتنة بين قطلمش وبين ألب أرسلان السلجوقي بعد طغرلبك وقتل قطلمش في حربه في سنة ست وخمسين وأربعمائة
وملك البلاد من بعده ابنه سليمان ثم كان بين سليمان ومسلم بن قريش صاحب الشأم حروب انهزم سليمان في بعضها وطعن نفسه بخنجر فمات في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
وملك بعده ابنه قليج أرسلان تلك البلاد ثم قتل قليج أرسلان في

بعض الوقائع
وولي مكانه بقونية وأقصرا وسائر بلاد الروم ابنه مسعود واستقام له ملكها ثم توفي مسعود بن قليج أرسلان سنة إحدى وخمسين وخمسمائة
وملك بعده ابنه قليج أرسلان
ثم قسم قليج أرسلان المذكور هذه البلاد بين أولاده فأعطى قونية وأعمالها لابنه غياث الدين كيخسرو وأقصرا وسيواس لابنه قطب الدين ودوفاط لابنه ركن الدين سليمان وأنكورية لابنه محيي الدين وملطية لابنه عز الدين قيصر شاه والأبلستين لابنه غيث الدين وقيسارية لابنه نور الدين محمود وأعطى أماسية لابن أخيه
ثم ندم على هذه القسمة وأراد انتزاع الأعمال من أولاده فخرجوا عن طاعته إلا ابنه غياث الدين كيخسرو صاحب قونية فإنه بقي معه
وحاصر ابنه محمودا في قيسارية فتوفي وهو محاصر لها في منتصف شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة
واستقل غياث الدين كيخسرو بقونية وما والاها
ثم ملكها من يده أخوه نور الدين محمود
ثم ملك قطب الدين صاحب أقصرا وسيواس قيسارية من يد أخيه محمود غدرا ثم مات قطب الدين في أثر ذلك
فملك أخوه ركن الدين سليمان صاحب دوفاط ما كان بيد أخيه قطب الدين من سيواس وأقصر وقيسارية
ثم ملك قونية بعد ذلك من يد أخيه غياث الدين
ثم ملك أماسية ثم سار إلى ملطية فملكها من يد عز الدين قيصر شاه سنة سبع وتسعين وخمسمائة
ثم ملك أنكورية بعد ذلك في سنة إحدى وستمائة واجتمع لركن الدين سليمان سائر أعمال إخوته وتوفي عقب ذلك
وتولى بعده ابنه قليج أرسلان فأقام يسيرا ثم قبض عليه أهل قونية وملكوا عمه غياث الدين كيخسرو مكانه فقوي ملكه وعظم شأنه وبقي حتى قتل في حرب صاحب القسطنطينية سنة سبع وستمائة

وملك بعده ابنه كيكاوس وتلقب الغالب بالله وبقي حتى مات سنة ست عشرة وستمائة وخلف بنين صغارا
وملك بعده أخوه علاء الدين كيقباد محمد شاه وبقي حتى توفي سنة أربع وثلاثين وستمائة
وملك بعده ابنه غياث الدين كيخسرو وتوفي سنة أربع وخمسين وستمائة
وملك بعده ابنه علاء الدين كيقباد بعهد من أبيه
وفي أيامه أرسل القان منكوقان بن جنكزخان صاحب التخت بقراقوم عسكرا فاستولوا على قيسارية ومسيرة شهر معها ورجعوا إلى بلادهم
ثم عادوا في سنة خمس وخمسين وستمائة واستولوا على ما كانوا استولوا عليه أولا وزادوا عليه فسار علاء الدين كيقباد إلى القان بهدايا استصحبها معه مصانعا له فمات في طريقه فوصل رفقته بما معهم من الهدايا إلى القان فأخبروه الخبر ورغبوا إليه في ولاية عز الدين كيكاوس أخي كيقباد المذكور فكتب القان إليه بالولاية ثم أشرك بعد ذلك بينه وبين أخيه ركن الدين قليج أرسلان على أن يكون من سيواس إلى تخوم القسطنطينية غربا لعز الدين كيكاوس
ومن سيواس إلى أرزن الروم شرقا متصلا ببلاد التتر لركن الدين قليج أرسلان على إتاوة تحمل إلى القان بقراقوم وجهز القان من أمرائه أميرا اسمه بيدو على أن يكون شحنة له ببلاد الروم لا ينفذون في شيء إلا عن رأيه ورجعوا إلى بلادهم وقد حملوا معهم جثة كيقباد إلى قونية فدفنوه بها
ولم يزل الأمر على ذلك حتى سار هولاكو بن طولى بن جنكزخان بعد استيلائه على بغداد إلى الشام في سنة ثمان وخمسين وستمائة بعث إلى عز الدين كيكاوس وركن الدين قليج أرسلان المذكورين بالطلب فحضرا إليه وحضرا معه فتح حلب ومعهما معين الدين سليمان البرواناه صاحب دقليم فاختار هولاكو

أن يكون البرواناه المذكور سفيرا بينه وبينهما ثم هلك بيدو الشحنة ببلاد الروم
وولي بعده ابنه صمغان ثم غلب ركن الدين قليج أرسلان على أخيه عز الدين كيكاوس وبقي في الملك وحده وفركيكاوس إلى ميخائيل اللشكري صاحب القسطنطينية فأقام عنده حتى بلغه عنه ما غير خاطره عليه فقبض عليه واعتقله حتى مات
واستبد ركن الدين قليج أرسلان بسائر بلاد الروم فغلب على أمره معين الدين سليمان البرواناه المقدم ذكره ولم يزل حتى قتله
وأقام ابنه غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان مكانه واستولى عليه وحجره وصار البرواناه هو المستولي على بلاد الروم والقائم بملكها
ثم دخل الظاهر بيبرس صاحب الديار المصرية إلى بلاد الروم في سنة خمس وسبعين وستمائة ولقيه صمغان بن بيدو الشحنة من جهة التتار على بلاد الروم في جيش التتر فهزمهم وقتل وأسر وسار إلى قيسارية فملكها وجلس على تخت ال سلجوق بها ثم رجع إلى بلاده
وبلغ ذلك أبغا بن هولاكو صاحب إيران فسار في جموعه إلى قيسارية ورأى مصارع قومه فشق عليه واتهم البرواناه في ممالأة الظاهر فقبض عليه وقتله
واستقل غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قليج أرسلان بالملك بعده
ثم لما ولي أرغون بن أبفا مملكة إيران بعد أبيه قبض على غياث الدين كيخسرو وقتله في سنة إحدى وثمانين وستمائة
وأقام مكانه مسعودا ابن عمه كيكاوس وعزل صمغان بن بيدو

الشحنة
وولى مكانه أميرا اسمه أولاكو وبقي مسعود بن كيخسرو في الملك وليس له منه سوى الاسم والمتحدث هو الشحنة الذي من جهة التتر إلى أن مات في سنة ثمان عشرة وسبعمائة واستقل الشحنة بالمملكة
وبقي أمراء التتر يتغالبون على الشحنكية واحدا بعد واحد إلى أن كان منهم الأمير سلامش وبقي بها مدة
ثم انحرف عن طاعة بيت هولاكو صاحب إيران وكتب إلى الملك المنصور لاجين صاحب الديار المصرية يطلب تقليدا بأن يكون حاكما بجيمع بلاد الروم وأن يكون أولاد قرمان ومن عداهم في طاعته فكتب له تقليد بذلك بإنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي على ما سيأتي ذكره الكلام على التقاليد فيما بعد إن شاء الله تعالى في المقالة الخامسة
ثم خاف على نفسه من غازان صاحب إيران ففر إلى الديار المصرية في الدولة المنصورية لاجين ثم عاد إلى بلاد الروم لإحضار من تأخر من أهله فقبضت عليه عساكر غازان وحملته إليه فقتله
ولم يزل أمرهم على التنقل من أمير إلى أمير من أمراء التتر إلى أن كان منهم الأمير برغلي وهو الذي قتل هيتوم ملك الأرمن صاحب سيس
ثم كان بعده في سنة عشرين وسبعمائة الأمير إبشبغا
ثم ولى أبو سعيد صاحب إيران بعد ذلك على بلاد الروم هذه دمرادش ابن جوبان سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فقوي بها ملكه
ثم قتل أبو سعيد جوبان والد دمرداش المذكور فهرب دمرداش إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية
وكان سنقر الأشقر أحد أمراء الملك الناصر قد هرب إلى السلطان أبي سعيد فوقع الصلح بين السلطانين على أن كلا منهما يقتل الذي عنده ففعلا ذلك
وكان قد بقي ببلاد الروم أمير من أمراء دمرداش اسمه أرتنا فبعث إلى

أبي سعيد بطاعته فولاه البلاد فملكها فنزل سيواس واتخذها كرسيا لملكه ثم خرج عن طاعة أبي سعيد وكتب إلى الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية وسأله كتابة تقليد بالبلاد فكتب إليه بذلك وجهزت إليه الخلع فأقام دعوة الخطبة الناصرية على منابر البلاد الرومية وضرب السكة باسمه وجهز بعض الدراهم المضروبة إلى الديار المصرية وصارت بلاد الروم هذه من مضافات الديار المصرية ولم يزل أرتنا على ذلك إلى أن توفي سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
واستولى على الروم أولاده من بعده إلى أن كان بها محمد بن أرتنا في سنة ست وستين وسبعمائة وبقي حتى توفي في حدود الثمانين والسبعمائة وخلف ابنا صغيرا
فاستولى عليه الأمير قليج أرسلان أحد أمراء دولتهم وكفله
ثم غدر به القاضي إبراهيم صاحب سيواس وقتله في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة واستولى على مملكة سيواس
قال في العبر وكان من طوائف التركمان ببلاد الروم جموع كثيرة كانوا يستعينون يستعيون بهم حروبهم على أعدائهم وكان كبيرهم في المائة الرابعة أميرا من أمرائهم اسمه جق فلما ملك سليمان بن قطلمش المقدم ذكره قونية وأقصرا بعد أبيه على ما تقدم ذكره خرج جق هذا مع مسلم بن قريش صاحب الموصل على سليمان بن قطلمش فلما التقى الجمعان مال جق بمن معه من التركمان إلى سليمان بن قطلمش فانهزم مسلم بن قريش وقتل وأقام أولئك التركمان أيام سليمان بن قطلمش بجبال تلك البلاد وسواحلها
فلما ملك التتر هذه البلاد وصار الملك لقليج أرسلان بعد غلبة أخيه كيكاوس كان أمراء التركمان يومئذ محمد بك وأخوه إلياس بك وصهره علي بك وقريبه سونج فخرجوا عن طاعة قليج أرسلان وبعثوا بطاعتهم إلى هولاكو صاحب إيران وتقدير إتاوة عليهم على أن يبعث إليهم بلواء الملك على عادة

الملوك وأن يبعث شحنة من التتر تختص بهم فأجابهم إلى ذلك وقلدهم الملك وبعث إليهم بلواء
فملكوا عليهم محمد بك
ثم أرسل هولاكو يطلب محمد بك فامتنع عليه وخالفه صهره علي بك فقدم على هولاكو فقدمه على قومه مكان محمد بك
ثم جاء محمد بك إلى قليج أرسلان صاحب بلاد الروم مستأمنا فأمنه ثم قتله واستقر علي بك في امرة التركمان
ولما تناقص أمر التتر وضعف ببلاد الروم المذكورة واستقر بنو أرتنا بسيواس وأعمالها غلب هؤلاء على ما وراء الدروب وما كان فتحه التتر من نواحي الشمال إلى خليج القسطنطينية
واشتهر من ملوكهم ست طوائف

الطائفة الأولى أولاد قرمان
وهم أصحاب أرمناك وقسطمونية وما والاها من شرق هذه البلاد كما تقدم
قال في مسالك الأبصار وهم أهل بيت توارثوا هذه البلاد ولا يخاطب قائم منهم إلا بالإمارة
قال في التعريف وهم أجل من لدى ملوكنا من التركمان لقرب ديارهم وتواصل أخبارهم ولنكايتهم في متملك سيس وأهل بلاد الأرمن واجتياحهم لهم من ذلك الجانب مثل اجتياح عساكرنا لهم من هذا الجانب
قال وأكبرهم قدرا وأفتكهم نابا وظفرا الأمير بهاء الدين موسى وحضر إلى باب السلطان وتلقي بالإجلال وأحل في ممتد الظلال وأورد موارد الزلال وأري ميامن أسعد من طلعة الهلال وحج مع الركب المصري وقضى المناسك وأسبل في ثرى تلك الربا بقية دمعه المتماسك وشكر أمراء الركب دينه المتين وذكروا ما فيه من حسن اليقين وعاد إلى الأبواب السلطانية وأجلس في المرتين مع امراء المشورة فأشرك في الرأي وسأل السلطان في منشور يكتب له بما يفتح

بسيفه من بلاد الأرمن ليقاتل بعلمه المنشور ويجتني من شجر المران جنى عسله المشور فكتبه له
ثم قال وهم على ما هم عليه يدارون ملوك التتار وهو ومن سلف من أهل بيته مع ملوك مصر لا تغب المكاتبات بينهم ولا ينقطع بذل خدمته لهم وإقبالهم عليه واعتدادهم بموالاته
قال في مسالك الأبصار وهم عصبة ذات أيد ويد وجيوش كثيرة العدد وهم أصحاب الحروب التي ضعضعت الجبال ولهم مع الأرمن وبلاد التكفور وقائع لا يجحدها إلا الكفور يتخطفهم عقبانهم القشاعم وتلتهمهم أسودهم الضراغم
قال وهم أهل بيت ألقى الله عليهم محبة منه وإذا شاء أميرهم جمع أربعين ألفا
ثم ذكر بعد ذلك بكلام طويل أنهم هم الذين كانوا ألفوا بين سلامش وبين المنصور لاجين وأنهم هم الذين لا يرتاب في رأيهم ولا يطعن في دينهم بل مهما ورد من جهتهم تلقي بالقبول وحمل على أحسن المحامل
ثم قال وحكي عمن تردد إليهم وعرف ما هم عليه انهم رجال صدق وقوم صبر لا تستخف لهم حفيظة ولا ترد بحنقها لهم صدور مغيظة ولهذا أمراء الروم لا يطأون لهم موطئا بغيظ ولا يواطئون لهم عدة شهور في مشتى ولا مقيظ وما أحد ممن يحسدهم على ما اتاهم الله من فضله إلا من يستجيش عليهم بالتتار ويعدد عليهم عظام الذنوب الكبار ووقاية الله تكفيهم وحياطته عن عيون القوم تخفيهم ولذلك كان السلطان محمود غازان يقول أنا أطلب الباغي شرقا وغربا والباغي في ثوبي يرد أولاد قرمان وتركمان الروم ومع هذا لم يسلط عليهم
وحكي عن الصدر شمس الدين عبد اللطيف أخي النجيب أنه قال يوما لولا الأكراد وأولاد قرمان وتركمان الروم دست بخيلي مغرب الشمس

الطائفة الثانية بنو الحميد
وهم أصحاب أنطاليا وفلك بار على ما تقدم ذكره وهم من عظماء ملوك التركمان
الطائفة الثالثة بنو أيدين
وهم أصحاب بركي وما معها على ما تقدم ذكره
قال في مسالك الأبصار وقد ذكر محمد بن ايدين صاحب بركي المذكورة وهذا ابن أيدين ما أعرف أن له بمن حوله من ملوك الممالك إلماما ولا أن له أخبارا ترد طروقا ولا إلماما بل هو في عزلة من كل جانب لا مخالط ولا مجانب
الطائفة الرابعة بنو منتشا وهم أصحاب فوكة وما معها
وقد ذكر في مسالك الأبصار أن منهم أولاد دندار
ثم قال ولهؤلاء بني دندار إلى ملوك مصر انتماء ولهم من تحف سلاطينها نعماء
قال وكان بمصر منهم من له إمرة فيها ثم عاد إلى بلاده بعد مهلك تمرتاش بن جوبان لأنه كان قد ترك بلاده لأجله وفر هاربا من يده لعداوة كان قد اضطرمت بينهما شرورها واضطربت أمورها فلما خلت من مجاورة تمرتاش تلك البلاد عاد
ويقال إنه قتل ولم يصل إلى بلاده
الطائفة الخامسة بنو أورخان بن عثمان جق
وهو صاحب برسا على ما تقدم ذكره
قال في العبر وكان قد اتخذ برسا دارا لملكه ولكنه لم يفارق الخيام إلى القصور وإنما كان ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها ولم يزل على ذلك إلى أن مات

وملك بعده ابنه مرادبك وتوغل في بلاد النصرانية فيما وراء الخليج القسطنطيني في الجانب الغربي وفتح بلادهم إلى أن قرب من خليج البنادقة وجبال جنوة وصير أكثرهم أمراء ورعايا له وعاث في بلاد الكفار بما لم يعهد قبله من مثله وأحاط بالقسطنطينية من كل جانب حتى أعطاه صاحبها الجزية
ولم يزل على ذلك حتى قتل في حرب الصقالبة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة
وملك بعده ابنه أبو يزيد فجرى على سنن أبيه وغلب على قطعة من بلاد الروم هذه فيما بين سيواس وانطاليا والعلايا بساحل البحر إلى قريب مدينة بني قرمان ثم تزوج في بني قرمان بنت أحدهم وغلب على ما بيده من تلك النواحي ودخل بنو قرمان وسائر التركمان في طاعته ولم يبق خارجا عن ملكه إلا سيواس التي كانت بيد قاضيها إبراهيم المتغلب عليها وملطية الداخلة في مملكة الديار المصرية ومضافاتها على ما تقدم
ولم يزل على ذلك حتى قصده تمرلنك بعد تخريب الشام في سنة ثلاث وثمانمائة وقبض عليه فبقي في يده حتى مات
وملك بعده ابنه سليمان جلبي وبقي حتى مات
فملك بعده أخوه محمد بن أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان جق وهو القائم بمملكتها إلى الان
قال في مسالك الأبصار ولو قد اجتمعت هذه البلاد لسلطان واحد وكفت بها أكف المفاسد لما وسع ملوك الأرض إلا انتجاع سحابه وارتجاع كل زمان ذاهب في غير جنابه ثم قال الله أكبر إن ذلك لملك عظيم وسلك نظيم وسلطنة كبرى ودنيا أخرى ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )

الجملة الخامسة في زي أهل هذه المملكة وترتيب الملك بها
أما زي أهلها فإن لبس السلطان والأمراء والجند أقبية تترية ضيقة الأكمام مزندة على الأكف والأمراء منهم يلبسون فوق ذلك أقبية قصار الأكمام من رقيق الخام مضربة تضريبا واسعا وعلى رؤوسهم عمائم من لانس متوسطة المقدار بين الكبر والصغر مكورة تكويرا خاصا حسن الصنعة متداخل بعض اللفات في بعض ويلبسون خفافا من أدم وقد شاهدت أميرا من أمرائهم ورد رسولا عن أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان إلى الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية وهو على هذه الهيئة وكثير من الجند يلبسون الطراطير البيض والحمر المتخذة من اللبد
وأما ترتيب مملكتهم فلم تتحرر لي كيفية ذلك إلا أنه قد تقدم نقلا عن صاحب العبر أنهم كانوا يسكنون الخيم ثم نزلوا المدن بعد ذلك فلا يبعد أن يكون ترتيب ملكهم على نحو من ترتيب التتر والله أعلم
القسم الثاني من الجهة الشمالية عن الديار المصرية ما بيد ملوك النصارى
وهو ثلاثة أضرب
الضرب الأول جزائر بحر الروم
وهو البحر الشامي الممتد من البحر المحيط الغربي المسمى بحر أوقيانوس إلى ساحل الشام وما على سمته من بلاد الأرمن الممتد ساحله الجنوبي

على ساحل الديار المصرية ثم على ساحل برقة ثم على ساحل أفريقية ثم على ساحل الغرب الأوسط ثم على ساحل الغرب الأقصى إلى البحر المحيط
وساحله الشمالي على بلاد الروم التي شرقي الخليج القسطنطيني ثم على سواحل بلاد الروم والفرنجة من غربي الخليج المذكور إلى ساحل الأندلس إلى البحر المحيط على ما تقدم ذكره في الكلام على البحار في أول هذه المقالة
وبه إحدى عشرة جزيرة
إحداها جزيرة قبرس
قال في اللباب بضم القاف وسكون الباء الموحدة وضم الراء المهملة وفي اخرها سين مهلمة
وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة
وهي جزيرة في مشارق هذا البحر
قال ابن سعيد على القرب من ساحل الشام بينها وبين الكرك بضم الكاف وسكون الراء المهملة من بلاد الأرمن نحو نصف مجرى
قال وطولها من الغرب إلى الشرق مائتا ميل ولها ذنب دقيق في شرقيها
قال الإدريسي ودورها مائتان وخمسون ميلا ولصاحبها مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
الثانية جزيرة رودس
قال في تقويم البلدان بضم الراء المهملة ثم واو ساكنة ودال مهملة ويقال معجمة مكسورة ثم سين مهملة
وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول إحدى وخمسون درجة وأربعون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة
قال في تقويم البلدان وهي على حيال الإسكندرية بين جزيرة المصطكى وجزيرة أقريطش
قال وامتدادها من الشمال إلى الجنوب بانحراف نحو خمسين ميلا وعرضها نصف ذلك
وبين هذه الجزيرة وبين ذنب جزيرة أقريطش مجرى واحد وهي من الغرب عن جزيرة قبرس بانحراف إلى الشمال
قال وبعضها للفرنج وبعضها

لصاحب اصطنبول وهي القسطنطينية ومن رودس يجلب العسل الطيب العديم النظير ولصاحبها مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
الثالثة جزيرة أقريطش
قال في اللباب بفتح الألف وسكون القاف وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وكسر الطاء وشين معجمة في الأخر
قال في الروض المعطار سميت بذلك لأن أول من عمرها كان اسمه قراطي قال وتسمى أيضا أقريطش البترليش ومعناها بالعربية مائة مدينة
وهي على سمت برقة وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد ومدينتها حيث الطول سبع وأربعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة
قال ابن سعيد وهي جزيرة عظيمة مشهورة وامتدادها من الغرب إلى الشرق ودورها ثلثمائة وخمسون ميلا
وقيل هذه الأميال إنما هي طولها شرقا بغرب لا دورها وذكر في كتاب الأطوال أن دورها سبعة عشر يوما
قال في تقويم البلدان ومنها يجلب إلى الإسكندرية العسل والجبن وغير ذلك
قال في الروض المعطار وهي جزيرة عامرة كيثرة الخصب ذات كروم وأشجار وبها معدن ذهب
وأكثر مواشيها المعز وليس بها إبل ولم يكن بها سبع ولا ثعلب ولا غيرهما من الدواب الدابة بالليل وكذلك ليس بها حية وإن دخلت إليها حية ماتت في عامها
ويقال إن صناعة الموسيقى أول ما ظهرت بها وبينها وبين ساحل برقة يوم وليلة وبينها وبين قبرس أربعة مجار وإليها ينسب الأنتيمون الأقريطشي المستعمل في الأدوية
وكان عبد الله بن أبي سرح أمير مصر قد افتتحها في زمان إمارته في خلافة عثمان رضي الله عنه وبقيت بأيدي المسلمين حتى تغلب عليها النصارى في سنة خمس وأربعين وثلثمائة
قال في الروض المعطار وهي بيد صاحب القسطنطينية
الرابعة جزيرة المصطكى بفتح الميم وسكون الصاد وفتح الطاء

المهملة والكاف وألف في الاخر
وسميت بذلك لأنه ينبت بها شجر المصطكى
قال في تقويم البلدان وهي جزيرة بالقرب من فم الخليج القسطنطيني
وقال ابن سعيد هي داخلة في بحر الروم على مائة وخمسين ميلا من فم الخليج القسطنطيني
قال وطولها من الشمال إلى الجنوب نحو ستين ميلا
قال وهي شرقي جزيرة التغريب وبينهما نحو ثلاثين ميلا
قال في تقويم البلدان وبها ديورة وقرى ومنها تجلب المصطكى إلى البلاد وهي صمغ شجر ينبت بها يشبه شجر الفستق الصغار يشرط في فصل الربيع بمشاريط فتسيل منها المصطكى ثم تجمد على الشجر وربما قطر منه شيء على الأرض والأول أجود
الخامسة جزيرة التغريب بالتاء المثناة فوق المفتوحة وسكون الغين المعجمة وكسر الراء المهملة وياء مثناة تحت وباء موحدة في الاخر
قال في تقويم البلدان وهي من الغربة وموقعها في أواخر الإقليم السادس من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد وطرفها الشرقي حيث الطول ثمان وأربعون درجة وخمسون دقيقة والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وخمسون دقيقة
وهي جزيرة كبيرة في الغرب عن جزيرة المصطكى المقدم ذكرها وامتدادها من المغرب إلى المشرق بانحراف إلى الجنوب مائة وخمسون ميلا وفي العرض من عشرين ميلا إلى نحو ذلك
قال في تقويم البلدان وهي معروفة بخروج الشواني والقطائع منها
السادسة جزيرة لمريا
قال في تقويم البلدان بفتح اللام وسكون الميم وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية وألف في الاخر
قال وعن بعض المسافرين أن بعد المثناة هاء
قال ابن سعيد وتعرف في الكتب بجزيرة بلونس وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد ووسطها حيث

الطول خمس وأربعون درجة واثنتان وأربعون دقيقة والعرض ثلاث وأربعون درجة وثلاث عشرة دقيقة
قال وهي أكبر جزائر الروم ودورها على التحقيق سبعمائة ميل وفيها أخوار وتعريجات ومدينتها في وسطها
السابعة جزيرة صقلية
قال في اللباب بفتح الصاد المهملة والقاف ولام وياء مثناة من تحت وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة وبين ذنبها الغربي وبين تونس مجرى وستون ميلا ودورها خمسمائة ميل
وهي على صورة شكل مثلث حاد الزاوية فالزاوية الأولى شمالية وهناك المجاز الضيق إلى الأرض الكبيرة يعني التي وراء الأندلس وهو نحو ستة أميال
والزاوية الثانية جنوبية وهي تقابل بر طرابلس من أفريقية من بلاد الغرب والزاوية الثالثة غربية وهناك بركان النار في جزيرة صغيرة منقطعة شمالي الزاوية المذكورة وشمالي صقلية بلاد قلفرية الاتي ذكرها في الكلام على الضرب الثاني
قال في تقويم البلدان وصاحب صقلية في زماننا هذا فرنجي من الكيتلان اسمه الريد افريك
وقاعدتها مدينة بلزم بفتح الباء الموحدة واللام وسكون الزاي المعجمة وميم في الاخر
قال ابن سعيد وهي حيث الطول خمس وثلاثون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وبها عدة مدن غير هذه القاعدة
منها مدينة مازر
قال في المشترك بفتح الزاي المعجمة وبعدها راء مهملة وإليها ينسب الإمام المازري المالكي شارح موطإ مالك وغيره
ومنها قصر يانة بلفظ قصر المعروف ويانة بفتح الياء المثناة تحت وألف

ونون مشددة وهي مدينة كبيرة على سن جبل
الثامنة جزيرة سردانية
قال في تقويم البلدان بضم السين وكسر الراء وفتح الدال المهملات ثم ألف ونون مكسورة وياء مثناة تحت مفتوحة وهاء في الاخر
قال واسمها بالفرنجية صرداني يعني بإبدال السين صادا مهملة وحذف الهاء من الاخر
وهي غربي الجزر المتقدمة الذكر
وموقعها في الإقليم الرابع بين مرسى الخرز من البر الجنوبي وبين مملكة بيزة من البر الشمالي
قال في الأطوال وطولها إحدى وثلاثون درجة وعرضها ثمان وعشرون درجة
قال ابن سعيد وامتدادها من الطول من الشمال إلى الجنوب مجرى ونصف وفي غربيها مغاص المرجان الفائق الذي ليس له نظير وبها معدن فضة وهي الان بيد الفرنج الكيتلانيين ولملك الكيتلان نائب بها
التاسعة جزيرة قرسقة بفتح القافى وسكون الراء المهملة وفتح السين المهملة والقاف وهاء في الاخر
وهي مقابل جنوة الاتي ذكرها في الضرب الثاني وبينها وبين سردانية المتقدمة الذكر مجاز نحو عشرة أميال وامتدادها من الشمال إلى الجنوب مجرى ونصف ووسطها متسع ورأسها من جهة جنوة ضيق
العاشرة جزيرة أنكلطرة بألف ونون ساكنة وكاف مفتوحة ولام مفتوحة وطاء مهملة ساكنة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الاخر
قال ابن سعيد ويقال أنكلترة بإبدال الطاء تاء مثناة من فوق
قال وطول هذه الجزيرة من الجنوب إلى الشمال بانحراف قليل أربعمائة وثلاثون ميلا واتساعها في الوسط نحو مائتي ميل وفيها معدن الذهب والفضة والنحاس والقصدير وليس فيها كروم لشدة

البرد بها وأهلها يحملون الذهب إلى بلاد الفرنج ويعتاضون عنه الخمر لعدمه عندهم
وقاعدتها مدينة لندرس بلام ونون ودال وراء وسين مهملات
وصاحب هذه الجزيرة يسمى الانكتار بنون وكاف وتاء مثناة فوقية وألف وراء مهملة في الاخر
وهو الذي عقد الهدنة بينه وبين الملك العادل أبي بكر بن أيوب في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة والملك العادل على عسقلان
وكان من أمره أنه لم يحلف على الهدنة بل أخذت يده وعاهدوه واحتج بأن الملوك لا يحلفون وكانت الهدنة بينهما ثلاث سنين وثلاثة أشهر أولها كانون الأول الموافق لحادي عشري شعبان من السنة المذكورة
الحادية عشرة جزيرة السناقر
جمع سنقر وهو الجارح المعروف المقدم ذكره في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في المقالة الأولى
وهي جزيرة على القرب من جزيرة انكلترة المقدمة الذكر
قال ابن سعيد وامتدادها في الطول شرقا بغرب سبعة أيام وفي العرض أربعة أيام
قال في تقويم البلدان ومنها ومن الجزائر التي شماليها تجلب السناقر التي هي أشرف أنواع الجوارح وإلى ذلك أشار في التعريف في الكلام على أوصاف السناقر بقوله وهي مجلوبة من البحر الشامي
قلت وجزيرة جربة تقدم ذكرها مع بلاد أفريقية
وجزيرة ميورقة وجزيرة يانسة وجزيرة قادس تقدم ذكرها مع جزيرة الاندلس

الضرب الثاني ما شمالي بحر الروم المقدم ذكره من غربي الخليج القسطنطيني مما يمتد غربا إلى البحر المحيط الغربي وما يتصل بذلك مما شمالي بحر نيطش المعروف ببحر القرم إلى أقصى الشمال وهو جهتان

الجهة الأولى ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطيني وهو قطران
القطر الأول ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس وما على سمت ذلك
ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار
فأما الممالك الكبار فالمشهور منها خمس ممالك
المملكة الأولى مملكة القسطنطينية
قال في اللباب بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون النون وكسر الطاء الثانية وسكون المثناة من تحت ثم نون يعني مفتوحة ثم هاء في الاخر
قال في تقويم البلدان وتسمى بوزنطيا يعني بالباء الموحدة والواو والزاي المعجمة والنون والطاء المهملة ثم ياء مثناة من تحت وألف في الاخر
وربما قالوا بوزنطية بابدال الألف هاء
وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول ثمان وأربعون درجة والعرض خمس وأربعون درجة ووافقه على ذلك صاحب الأطوال وصاحب القانون وابن سعيد وهي قاعدة الروم بعد رومية وعمورية وهي المستقرة قاعدة ملك لهم إلى الان
قال في الروض المعطار نزل رومية من ملوك الروم عشرون ملكا ثم نزل عمورية منهم ملكان ثم عادت المملكة إلى رومية فنزلها منهم ملكان ثم

ملك قسطنطين بن هيلاني فجدد بناء بوزنطية وزاد في بنائها وسماها قسطنطينية نسبة إليه ونزل بها فصارت دار ملك للروم بعده إلى الان
قال وهي على ضفة الخليج المنصب من بحر نيطش ومانيطش إلى بحر الروم وقد صار هذا الخليج مشهورا بها
فيقال فيه الخليج القسطنطيني كما تقدم
وجهاتها الثلاث من الشرق والغرب والجنوب إلى البحر والجهة الرابعة وهي الشمال إلى البر وقطرها من الشرق إلى الغرب ثمانية وعشرون ميلا ولها سوران من حجارة بينهما فضاء ستون ذراعا وعرض السور الداخل اثنا عشر ذراعا وارتفاعه اثنان وسبعون ذراعا وعرض السور الخارج ثمانية أذرع وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعا وفيما بين السورين نهر يسمى قسطنطينيانوس مغطى ببلاط من نحاس يشتمل على اثنين وأربعين ألف بلاطة طول كل بلاطة ستة وأربعون ذراعا وعمق النهر اثنان وأربعون ذراعا
ولها نحو مائة باب أكبرها باب الذهب وهو باب في شماليها طوله أحد وعشرون ذراعا وهو مضبب بالحديد وبه أعمدة من ذهب وبها قصر في غاية الكبر والعلو وطريقه الذي يتوصل إليه منه يعرف بالبدندون
وهو من عجائب الدنيا يمشى فيه بين سطرين من صور مفرغة من النحاس البديع الصناعة على صور الادميين وأنواع الخيل والسباع وغير ذلك وفي القصر ضروب من عجائب المصنوعات
قال في تقويم البلدان وحكى لي بعض من سافر إليها أن داخلها مزدرع وبساتين وبها خراب كثير وأكثر عمارتها في الجانب الشرقي الشمالي وكنيستها مستطيلة وإلى جانب الكنيسة عمود عال دوره أكثر من ثلاثة باعات وعلى رأسه فارس وفرس من نحاس وفي إحدى يديه حربة كبيرة وقد فتح أصابع يده الأخرى وهو مشير بها
قيل إن ذلك صورة قسطنطين باني المدينة
قال في العزيزي ولها أربع عشرة معاملة
واعلم أن هذه المملكة كانت أولا بيد اليونان
قال البيهقي وهم بنو يونان

ابن علجان بن يافث بن نوح عليه السلام
وفي التوراة أن يونان ابن يافث لصلبه واسمه فيها يافان بفاء تقرب من الواو
وخالف الكندي فنسبهم إلى عابر بن فالغ فجعل يونان أخا لقحطان وذكر أنه خرج من اليمن بأهله وولده مغاضبا لأخيه قحطان فنزل ما بين إفرنجة والروم فاختلط نسبة بنسبهم
ورد عليه أبو العباس الناشي في ذلك بقوله
( و تخلط يونانا بقحطان ضلة ... لعمري لقد باعدت بينهما جدا ! ) - طويل -
وقيل إنهم إنما نجموا من رجل يقال له الكن ولد سنة سبع وأربعين لوفاة موسى عليه السلام
وكانت قاعدة ملكهم الأولى مدينة أغريقية
وهي مدينة بناها أغريقش ابن يونان المقدم ذكره على الجانب الغربي من الخليج القسطنطيني وهي أول مدنهم ثم هدمها هيليوس أحد ملوكهم وبنى مدينة مقدونية في وسط المملكة بالجانب الغربي أيضا ونزلها فصارت منزلا لملوكهم من بعده وإليها ينسب ملوكهم فيقال ملوك مقدونية وقد كان يقال للإسكندر بن فيلبس المقدوني نسبة إلى مقدونية هذه
ومن طائفة اليونان كان معظم الحكماء الذين عنهم أخذت علوم الفلسفة ومنهم بقراط وسقراط وأفلاطن وأرسطوطاليس وإقليدس وغيرهم من الحكماء

وكان لهم عدة ملوك أولهم يونان بن يافث بن نوح
ثم ملك بعده ابنه أغريقش وهو الذي بنى مدينة أغريقية المتقدم ذكرها
وتوالى الملك في ولده وقهروا اللطينيين ودال ملكهم في أرمينية
ثم ملك هرقل الجبار بن ملكان بن سلقوس بن أغريقش
ثم ملك بعده ابنه بلاق وإليه تنسب الأمة البلاقية التي هي الان على بحر سوداق واتصل الملك في عقب بلاق المذكور إلى أن ظهر عليهم إخوانهم الروم واستبدوا بالملك
فكان أولهم هردوس بن مطرون بن رومي بن يونان فملك الأمم الثلاثة وصار اسمه لقبا لكل من ملك بعده
ثم ملك بعده ابنه هرمس وحاربه الفرس فقهروه وضربوا عليه الإتاوة
ثم ملك بعده ابنه مطرنوس فحمل الإتاوة للفرس
ثم ملك بعده فيلبوس فظهر على الأعداء وهدم مدينة أغريقية وبنى مدينة مقدونية المتقدم ذكرها وكان محبا في الحكمة فكثر الحكماء في دولته
ثم ملك بعده ابنه الإسكندر فاستقام له الأمر وملك الشام وبيت المقدس والهند والسند وبلاد الصين والتبت وخراسان وبلاد الترك وذلت له سائر الملوك وهاداه أهل المغرب والأندلس والسودان وبنى مدينة الإسكندرية بالديار المصرية عند مصب النيل على ساحل البحر الرومي وبنى بالسند أيضا مدينة سماها الإسكندرية ورجع إلى بابل فمات بها وعرض الملك على ابنه إسكندروس فأبى واختار الرهبانية
ثم ملك بعده لوغوس من بيت الملك وتلقب بطليموس فصار ذلك علما على كل من ملك منهم
وقيل هو بطليموس بن لاوى صاحب عسكر الإسكندرية
وهلك لأربعين سنة من ملكه

وملك بعده ابنه فلديفش فأقام ثمانيا وثلاثين سنة وترجمت له التوارة من العبراني إلى الرومي
ثم ملك بعده ابنه أنطرطيش فأقام ستا وعشرين سنة وهلك
فملك بعده أخوه قلوباظر فأقام سبع عشرة سنة وهلك
فملك بعده ابنه أبيفانش فأقام أربعا وعشرين سنة
وملك بعده ابنه قلوماظر فأقام خمسا وثلاثين سنة
وكان مقره الإسكندرية وهلك
فملك بعده ابنه إبرياطش فأقام سبعا وعشرين سنة
وعلى عهده استفحل ملك رومة وملكوا الأندلس وأفريقية وهلك
فملك بعده ابنه شوظا فأقام سبع عشرة سنة وهلك
فملك بعده أخوه الإسكندر فأقام عشر سنين وهلك
فملك بعده دنونشيش بن شوظا فأقام ثمانيا وثلاثين سنة وفي أيامه ملك الروم بيت المقدس وأنطاكية وهلك
فملك بعده بنته كلابطرة فأقامت سنتين وكان سكنها الإسكندرية
وكان الملك على الروم يومئذ أغشطش قيصر ملك الروم فقصدها فاحتالت بأن اتخذت حية توجد بين الحجاز والشام فلمست الحية فيبست مكانها وبقيت الحية في رياحين حولها وحضر اغشطش فوجدها جالسة ولم يشعر بموتها فتناول من الرياحين ليشمها فلسعته الحية فمات
وزالت دولة اليونان بزوالها
هكذا رتبهم هروشيوش مؤرخ الروم وسبب ذلك أن الروم واليونان كانوا متجاورين متلاصقين لعلاقة النسب فقد نقل ابن سعيد عن البيهقي أن الروم من ولد رومي بن يونان المقدم ذكره
وقيل هم بنو لطين بن يونان أخي رومي المذكور ولذلك يقال لهم اللطينيون
وقيل هم من بني كيتم بن ياثان وهو يونان
وقيل بل هم من بني عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام

قال صاحب حماة في تاريخه وكان أول ظهورهم في سنة ست وتسعين وثلثمائة لوفاة موسى عليه السلام
قال وهم يعرفون ببني الأصفر والأصفر هو رويم بن العيص
قال في العبر وذلك أنه لما خرج يوسف عليه السلام من مصر بأبيه يعقوب ليدفنه بالشأم عند الخليل عليه السلام اعترضه بنو عيصو فحاربهم وهزمهم وأسر منهم صفوا بن إليفار بن عيصو وبعث به إلى أفريقية فأقام بها واتصل بملكها واشتهر بالشجاعة ثم هرب من أفريقية إلى أسبانية فزوجوه وملكوه عليهم فأقام في الملك خمسا وخمسين سنة وبقي الملك في عقبه إلى أن كان منهم ملك اسمه روميش فبنى مدينة رومية وسكنها فعرفت به
وبالجملة فإنهم كانوا مجاورين لهم الروم في المغرب واليونان في المشرق فوقعت الحرب بينهم وكانت الغلبة للروم على اليونان مرة بعد أخرى إلى أن كانت غلبة أغشطش على قلوبطرا على ما تقدم ذكره
ثم ملوك الروم على طبقات

الطبقة الأولى من ملك منهم قبل القياصرة
قال هروشيوش مؤرخ الروم وأول من ملك منهم بيقش بن شطونش ابن يوب في اخر الألف الرابع من أول العالم على زمن تيه بني إسرائيل
ثم ملك بعده ابنه بريامش واتصل الملك في عقب بيقش المذكور وإخوته إلى أن كان منهم كرمنش بن مرسية بن شبين بن مزكة بعد أربعة الاف وخمسين لأول العالم في زمن بار بن كلعاد من ملوك بني إسرائيل وهو الذي ألف حروف اللسان اللطيني ولم تكن قبله
ثم كان منهم أناش من عقب بريامش بن بيقش المتقدم ذكره لأربعة الاف ومائة وعشرين للعالم
وفي أيامه خرب الأغريقيون مدينة طروبة المتقدم ذكرها في قواعد مملكتهم

ثم ملك بعده ابنه أشكنانيش وهو الذي بنى مدينة ألبا ثم اتصل الملك فيهم إلى أن افترق أمرهم ثم كان من أعقابهم برقاش على عهد عزيا بن أمصيا من ملوك بني إسرائيل
واتصل الملك لابنه ثم لحافديه روملش وراملش لأربعة الاف وخمسمائة سنة للعالم
وهما اللذان اختطا مدينة رومية وكان الروم بعد روملش وراملش وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهم فصيروا أمرهم شورى بين سبعين وزيرا
وقال ابن العميد كانوا يقدمون شيخا بعد شيخ ولم يزل أمرهم على ذلك مدة سبعمائة سنة تقترع الوزراء في كل سنة فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية على ما توجيه القرعة فيحاربون الأمم والطوائف ويفتحون الممالك حتى ملكوا الأندلس وأثخنوا في الجلالقة وملكوا سمورية مدينة القوط واستولوا على الشأم وأرض الحجاز وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها وكانت الحرب بينهم وبين الفرس سجالا إلى أن كانت القياصرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى

الطبقة الثانية القياصرة قبل ظهور دين النصرانية فيهم
قال ابن العميد لم يزل تدبير المشايخ الذين رتبوهم نافذا فيهم إلى أن كان اخرهم أغانيوش فدبرهم أربع سنين وتسمى قيصر وهو أول من تسمى بذلك من ملوكهم ثم صار سمة لمن بعده
وسيأتي الكلام على معنى هذه اللفظة
ثم ملك بعده بوليوش قيصر ثلاث سنين
ثم ملك بعده أوغشطش قيصر بن مونوخس وهروشيوش يسميه أكتبيان قيصر وهو الثاني من القياصرة وهو الذي سلب ملك كلابطرا اخر ملوك اليونان المقدم ذكرها
واستولى على مصر والإسكندرية وسائر ممالك اليونان الروم

ويقال إنه كان اخر قواد الشيخ مدبر رومة وإنه توجه بالعساكر لفتح الأندلس ففتحها ثم عاد إلى رومة فملكها وطرد الشيخ عنها ووافقه الناس على ذلك ثم قتل نائبه بناحية المشرق واستولى عليها لثنتي عشرة سنة من ملكه ولثنتين وأربعين سنة من ملك أغشطش ولد المسيح بعد مولد يحيى بثلاثة أشهر وذلك لتمام خمسة الاف وخمسمائة سنة شمسية للعالم
ثم ملك من بعده ابنه طباريش قيصر فاستولى على النواحي وفي أيامه كان رفع المسيح عليه السلام وافتراق الحواريين في الافاق لإقامة الدين وحمل الأمم على عبادة الله تعالى
ومات لثلاث وعشرين سنة من ملكه بعد أن جدد مدينة طبرية واشتق اسمها من اسمه
ثم ملك من بعده غابيش قيصر وهو الرابع من القياصرة
وقال هروشيوش هو أخو طباريش وسماه غابيش قليفة بن أكتبيان
قال ابن العميد ووقعت في أيامه شدة على النصارى وقتل يعقوب أخاه يوحنا من الحواريين وحبس بطرس رأسهم ثم وثب عليه بعض قواده فقتله
وملك من بعده فلوديش قيصر وهو الخامس من القياصرة
قال هروشيوش وهو ابن طباريش المتقدم ذكره فيكون أخا غابيش وعلى عهده كتب متى الحواري إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية ونقله يوحنا بن زندي إلى الرومية وكتب بطرس رأس الحواريين إنجيله بالرومية وبعث به إلى بعض أكابر الروم وهلك فلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه
وملك بعده ابنه نيرون قيصر وهو السادس من القياصرة وكان غشوما

فاسقا فأنكر على من أخذ بدين المسيح وقتلهم وقتل بطرس وبولس الحواريين وقتل مرقص الإنجيلي بطرك الإسكندرية لثنتي عشرة سنة من ملكه
وفي أيامه هدم اليهود كنيسة النصارى بالقدس ودفنوا خشبتي الصليب بزعمهم في الزبالة
قال هروشيوش وقتله جماعة من قواده لأربع عشرة سنة من ملكه وانقطع ملك ال يوليوش قيصر لمائة وست عشرة سنة من أول ملكهم قال هروشيوش وكان نيرون قيصر قد وجه قائدا إلى جهة الأندلس فافتتحها وعاد إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملكه الروم عليهم
وكان لنيرون قيصر صهر على أخته يسمى يشبشيان وابن العميد يسميه إشبا شيانس وكان نيرون قيصر قد وجهه لفتح بيت المقدس ففتحه وعاد فقتل ذلك القائد الذي استولى على المملكة بعد نيرون قيصر وملك مكانه وتسمى قيصر كمن كان قبله واستقام له الملك هكذا ذكره هروشيوش
والذي ذكره ابن العميد أنه لما هلك نيرون قيصر وإشباشيانس الذي سماه هروشيوش يشبشيان محاصر للقدس ملك الروم عليهم غلياش قيصر فأقام تسعة أشهر وكان رديء السيرة فقتله بعض خدمه
ثم ملكوا عوضه أنون ثلاثة أشهر وملكوا بطالس ثمانية أشهر وسار إليه اشباشيانس الذي يسميه هروشيوش يشبشيان فقتله وهلك اشباشيانس المذكور لتسع سنين من ملكه
وملك بعده ابنه طيطش قيصر لأربعمائة سنة من ملك الإسكندر فأقام فيهم سنتين وقيل ثلاثا وقيل أربعا وكان حسن السيرة متفننا في العلوم
ثم ملك بعده أخوه دومريان قيصر وقيل اسمه دوسطيانوس وقيل

دوماطيانوس فأقام خمس عشرة سنة وقيل ست عشرة سنة وقيل تسع سنين وهو ابن أخت نيرون قيصر المتقدم ذكره وكان ظلوما غاشما فحبس يوحنا الحواري وأمر بقتل النصارى ونفيهم وقتل اليهود من نسل داود حذار أن يملكوا وهلك في حرب الفرنج
وملك بعده نربا ابن أخيه طيطش وقيل اسمه تاوداس وقيل قارون وقيل برسطوس فأقام نحوا من سنتين أو سنة ونصفا فأحسن السيرة وأمر برد من نفي من النصارى وخلاهم ودينهم ولم يكن له ولد
فعهد بالملك إلى طريانش من عظماء قواده وقيل اسمه أنديانوش وقيل طرينوس فملك بعده وتسمى قيصر فأقام تسع عشرة سنة ولقي النصارى في أيامه شدة وتتبع أئمتهم بالقتل واستعبد عامتهم وفي زمنه كتب يوحنا إنجيله برومة في بعض الجزائر وهلك طريانش المذكور لتسع عشرة سنة من ولايته
وملك بعده أندريانوس فأقام إحدى وعشرين سنة وقيل عشرين سنة وهو الذي بنى مدينة القدس وسماها إيليا وكان شديدا على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا وأخذ الناس بعبادة الأوثان وألزم أهل مصر حفر خليج من النيل إلى القلزم فحفروه وأجروا فيه ماء النيل ثم ارتدم بعد ذلك
ولما جاء الفتح الإسلامي ألزمهم عمرو بن العاص رضي الله عنه حفره

فحفروه وجرى فيه الماء ثم ارتدم أيضا وبقي على ذلك مردوما إلى زماننا
ومات أندريانوس لإحدى وعشرين سنة من ملكه
فملك بعده ابنه انطونيش وتسمى قيصر الرحيم فأقام ثنتين وعشرين سنة وقيل إحدى وعشرين سنة وهلك
فملك بعده أخوه أوراليانس وقيل اسمه اورالش وقيل اسمه أنطونيش الأصغر وأصاب الأرض في زمنه قحط ووباء عظيم وأصاب النصارى في أيامه شدة عظيمة وقتل منهم خلقا كثيرا وهلك لتسع عشرة سنة من ملكه
وملك من بعده ابنه كمودة ويقال بالقاف بدل الكاف فأقام ثلاث عشرة سنة وقيل اثنتي عشرة سنة
وفي عاشرة ملكه ظهر أردشير بن بابك أول ملوك الساسانية من الفرس
وفي زمنه كان جالينوس اليوناني المشهور بالطب وبقراطس الحكيم ومات كمودة المذكور
فملك بعده ورمتيلوش قيصر وقيل اسمه برطنوش وقيل اسمه فرطيخوس وقيل برطانوس وقيل ألبيش بن طنجيش فأقام ثلاثة أشهر وقيل شهرين وقيل سنة وقتله بعض قواده
فملك بعده يوليانوس قيصر فأقام شهرين ومات
فملك بعده سوريانوس قيصر وقيل اسمه سورس وقيل طباريش فأقام تسع عشرة سنة وقيل ثمان عشرة وقيل ست عشرة وقيل ثلاث عشرة وقيل ست سنين واشتد على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر والإسكندرية فقتلهم وهدم كنائسهم وشردهم في البلاد وهلك
فملك من بعده أنطونيش قيصر وقيل أنطونيش قسطس لخمس وعشرين سنة وخمسمائة لغلبة الإسكندر فأقام ست سنين وقيل سبع سنين

وضعف عن مقاومة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشأم ونواحي أرمينية وهلك في حروبهم
فملك بعده مقرين قيصر بن مزكة وقيل اسمه مقرونيوس وقيل مرقيانوس فأقام سنة وقتله قواد رومة
ثم ملك من بعده أنطونيش قيل ثلاث سنين وقيل أربع سنين وفي أول سنة من ملكه بنيت مدينة عمواس بأرض فلسطين من الشأم وملك سابور بن أردشير مدنا كثيرة من الشأم ومات
فملك من بعده اسكندروس فأقام ثلاث عشرة سنة وقيل عشرين سنة وكانت أمه نصرانية فكانت النصارى معه في سعة من أمرهم
قال هروشيوش ولعشر من ملكه غزا فارس وقتل سابور بن أردشير ملك الفرس وثار عليه أهل رومة فقتلوه
وملك بعده مخشميان بن لوجيه وقيل اسمه نقيموس فأقام ثلاث سنين ولقي النصارى منه شدة عظيمة
قال ابن العميد وفي ثالثة ملكه مات سابور ابن أردشير وهو خلاف ما تقدم من كلام هروشيوش أنه قتله اسكندروس في العاشرة من ملكه وهلك
فملك بعده يونيوش وقيل اسمه لوكيوش قيصر وقيل بلينايوس فأقام ثلاثة أشهر وقتل
ثم ملك بعده غرديانوس قيصر وقيل اسمه فودينوس وقيل فرطانوس وقيل غرديان بن بلنسيان فأقام ست سنين وقيل سبع سنين وطالت حروبه مع الفرس وقتله أصحابه على نهر الفرات
وملك بعده فلفش قيصر بن أوليان بن أنطونيش فأقام سبع سنين وقيل ست سنين وقيل تسع سنين ودان بدين النصرانية وهو أول من تنصر من ملوك الروم وقتله قائد من قواده

وملك ذلك القائد الذي قتله مكانه من أولاد الملوك
واسمه داجية ابن مخشميان فأقام خمس سنين وقيل سنتين وقيل سنة وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة قيل وفي أيامه كانت قصة أهل الكهف مع ملكهم وهلك
فملك من بعده غالش قيصر فأقام سنتين وقيل ثلاث سنين واستتبع في قتل النصارى وكان في أيامه وباء عظيم أقفرت منه المدن ومات
فملك بعده والاريانس لسبعين وخمسمائة لغلبة الإسكندر وقيل اسمه غاليوش وقيل أقيوس وغاليوش ابنه وقيل أورليوس وقيل غليوش وقيل أدرياليانوس فأقام إحدى عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة وقيل أربع عشرة سنة وقيل خمس سنين وكان يعبد الأصنام فلقي النصارى منه شدة عظيمة ووقع في أيامه وباء عظيم فرفع الطلب عن النصارى بسببه
وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلبوا على بلاد مقدونية وبلاد النبط واقتلعوها منه وقتله بعض قواد رومة
وملك بعده افلوديوش قيصر لثمانين وخمسمائة للإسكندر فأقام سنة واحدة وقيل سنة وتسعة أشهر وقيل هو فلوديش بن بلاريان ولم يكن من بيت الملك وأقام سنتين وقيل ملك بعده أخوه قنطل فأقام سبعة عشر يوما ودفع القوط عن مقدونية وأرمينية وقتله بعض قواده
ثم ملك أوريليانس وقيل اسمه أوراليوس وقيل أورينوس وقيل أروليوس وقيل أوراليان بن بلنسيان فأقام ست سنين وقيل خمس سنين وأشتد على النصارى وجدد بناء رومة وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين ثم قتل
وملك بعده طافيش بن اليش وقيل اسمه طافسيوس وقيل طافساس فأقام نحو سنة وقيل تسعة أشهر وقيل ستة أشهر

ثم ملك بعده فروفش قيصر وقيل اسمه فرويس وقيل برويش وقيل ولاكيوش وقيل أرفيون فأقام خمس سنين وقيل ست سنين وقيل سبع سنين وقتله قواد رومة
ثم ملك بعده قاريوش قيصر وقيل اسمه قوروش وقيل قاروش لخمسمائة وثنتين وتسعين للإسكندر في زمن سابور ذي الأكتاف أحد ملوك الساسانية من الفرس فأقام سنتين وقيل ثلاث سنين وتغلب على كثير من بلاد الفرس واشتد على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا وهلك في الحرب
فملك بعده ابنه مناريان وقتل لوقته
ثم ملك من بعده ديقلاديانوس لخمسمائة وخمس وتسعين سنة للإسكندر وقيل اسمه دقلطيانوس وقيل غرنيطا فأقام إحدى وعشرين سنة وقيل عشرين سنة وقيل ثمان عشرة ولقي النصارى منه شدة وأمر بغلق الكنائس وقتل جملة من أعيان النصارى وهلك
فملك بعده ابنه مقسيمانوس قيصر فأقام سبع سنين وقيل سنة واحدة
وكان شريكه في الملك مفطوس وهو أشد كفرا منه ولقي النصارى منهما شدة عظيمة وقتل منهم خلقا كثيرا ووقع في كلام هروشيوش ما يخالف هذا الترتيب ولا حاجة بنا إلى ذكره

الطبقة الثالثة القياصرة المتنصرة إلى الفتح الإسلامي
وكانوا يدينون أولا بدين الصابئة ثم دانوا بدين المجوسية ثم بعد ظهور الحواريين وتسلطهم عليهم مرة بعد أخرى أخذوا بدين النصرانية وكان أول من أخذ منهم به قسطنطين بن قسطنش بن وليتنوش وكان قد خرج على مقسيمانوس قيصر اخر القياصرة من الطبقة الثانية فهزمه ورجع مقسيمانوس إلى رومة فازدحم عسكره على الجسر فغرق فيمن غرق ودخل قسطنطين رومة وملكها فبسط العدل ورفع الجور وتنصر لثنتي عشرة سنة من ملكه وهدم بيوت

الأصنام وتوجهت أمه هلانة إلى القدس واستخرجت خشبة الصلبوت بزعمهم من تحت القمامات وبنت مكانها كنيسة قمامة وذلك لثلثمائة وثمان وعشرين سنة من مولد المسيح عليه السلام
وفي السنة التاسعة عشرة من ملكه كان مجمع الأساقفة بنيقية ولما تنصر قسطنطين وخرج عن دين المجوسية خاف من قومه فارتحل من رومة إلى مدينة بوزنطية فجددها وزاد فيها وسماها القسطنطينية باسمه وأقام في الملك خمسين سنة منها ببوزنطية ست وعشرون سنة قبل غلبة مقسيمانوس وأربع وعشرون بعد استيلائه على الروم وهلك لستمائة وخمسين للإسكندر
وملك بعده ابنه قسطنطين الأصغر بن قسطنطين بن قسطنطين بن قسطنش فأقام أربعا وعشرين سنة ومات
فملك بعده ابن عمه يوليانش فأقام سنة واحدة وقيل سنتين فكان على غير دين النصرانية فقتل النصارى وعزلهم عن الكنائس واطرحهم من الديوان وسار لقتال الفرس فمات من سهم أصابه وقيل ضل في مفازة فقتله أعداؤه
وملك بعده يليان بن قسطنطين سنة واحدة وهلك
فملك بعده بوشانوش فأقام سنة واحدة وقيل إنما هو بلنسيان بن قسطنطين وقيل واليطينوش وانه ملك ثنتي عشرة سنة أو خمس عشرة سنة ثم هلك بالفالج
وملك بعده أخوه واليش وقيل اسمه والاش فأقام أربع سنين وقيل ثلاث سنين وقيل سنتين وقيل إنه كان شريك واليطينوش المتقدم ذكره في الملك ثم خرج على واليش خارج من العرب وقتل في حربه
وملك بعده اغراديانوس قيصر وهو أخو واليش ويقال إن ولنطيانش ويقال والنطوش بن واليش كان شريكا له في الملك فأقام سنة واحدة وقيل سنتين وقيل ثلاث سنين ومات اغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة

وملك بعدهما تاوداسيوس ويقال إنه طودوشيوش لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر فأقام سبع عشرة سنة وفي الخامسة عشرة من ملكه ظهر أهل الكهف وأفاقوا من نومهم فأرسل في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أن تبنى عليهم كنيسة ويتخذ يوم ظهورهم عيدا وفي أيامه كان المجمع بقسطنطينية لمائتين وخمسين سنة من مجمع نيقية
ثم ملك اركاديش بن تاوداسيوس فأقام ثلاث عشرة سنة وولد له ولد سماه طودوشيوش فلما كبر هرب إلى مصر وترهب وأقام في مغارة في الجبل المقطم ومات فبنى الملك على قبره كنيسة وديرا يسمى دير القصير وهو دير البغل وهلك
فملك بعده ابنه طودوشيش قيصر الأصغر فأقام ثنتين وأربعين سنة
وفي أيامه كان المجتمع الثالث للنصارى بمدينة أفسس وولى أخاه أنوريش على رومة واقتسما الملك بينهما وقيل إن أركاديش بن طودوشيوش ولى أخاه أنوريش على رومة واقتسما الملك وإنه لما هلك أركاديش استبد أخوه أنوريش قيصر بالملك خمس عشرة سنة وإنه لما هلك ملك من بعده طودوشيش المقدم ذكره
ثم ملك مرقيان قيصر ويقال بالكاف بدل القاف فأقام ست سنين
وفي أيامه كان المجمع الرابع بخلقدونية وانقسم النصارى إلى يعقوبية وملكية ونسطورية
وفي أيامه سكن شمعون الحبيس الصومعة بأنطاكية وترهب فيها وهو أول من فعل ذلك من النصارى ثم مات مرقيان
وملك بعده لاون قيصر ويعرف بلاون الكبير لسبعمائة وسبعين سنة من ملك الإسكندر وقيل اسمه ليون بن شميخلية وكان ملكيا فأقام ست عشرة سنة ومات
وملك بعده لاون قيصر ويعرف بلاون الصغير وكان يعقوبيا فأقام سنة واحدة وهلك

حذف 0

فملك بعده زينون قيصر وقيل اسمه سينون بالسين المهملة بدل الزاي وكان يعقوبيا فأقام سبع عشرة سنة وهلك
فملك بعده يشطيانش قيصر لثمانمائة وثلاث سنين للإسكندر فأقام سبعا وعشرين سنة وكان يعقوبيا وسكن حماة من الشام وأمر أن تشاد وتحصن فبنيت في سنتين وأمر بقتل كل امرأة قارئة كاتبة وهلك
فملك بعده يشطبانش قيصر لثمانمائة وثلاثين للإسكندر وكان ملكيا فأقام تسع سنين وقيل سبع سنين ويقال إنه كان معه شريك في ملكه يقال له يشطيان وهلك
فملك بعده يشطينانش قيصر لثمانمائة وأربعين للإسكندر وكان ملكيا وهو ابن عم يشطيانش الملك قبله وقيل كان شريكه فأقام أربعين سنة وقيل ثلاثا وثلاثين سنة وأمر بأن يتخذ عيد الميلاد في الرابع والعشرين من كانون والغطاس في ست منه وكانا قبل ذلك جميعا في سادسه وكانت كنيسة بيت لحم بالقدس صغيرة فزاد فيها ووسعها حتى صارت على ما هي عليه الان
وفي أيامه كان المجمع الخامس للنصارى بالقسطنطينية وهلك
فملك بعده يوشطونش قيصر لثمانمائة وثمانين سنة للإسكندر في زمن كسرى أنوشروان فأقام ثلاث عشرة سنة وقيل إحدى عشرة سنة وهلك
فملك بعده طباريش قيصر لثمانمائة وثنتين وتسعين للإسكندر فأقام ثلاث سنين وقيل أربع سنين وهلك
فملك موريكش قيصر لثمانمائة وخمس وتسعين للإسكندر فأقام عشرين سنة وكان حسن السيرة ووثب عليه بعض مماليكه فقتله
وملك بعده قوقاص قيصر قريب موريكش الملك قبله وكان هو الذي بعث مملوكه على قتله
وفي أيامه ثار كسرى أبرويز على بلاد الروم وملك الشام ومصر
فأقاما في مملكة الفرس عشر سنين وحاصر القسطنطينية طلبا لثأر

موريكش لمصاهرة كانت بينهما فثار الروم على قوقاص فقتلته بسبب ما جلبه إليهم من الفتنة
وملك بعده هرقل بن أنطونيش وقيل هرقل بن هرقل بن أنطونيش لستمائة وإحدى عشرة من تاريخ المسيح ولألف ومائة من بناء رومة ولتسعمائة وثنتين وعشرين سنة للإسكندر ولأول سنة من الهجرة وقيل لإحدى عشرة سنة منها وقيل لتسع سنين
فارتحل أبرويز عن القسطنطينية راجعا إلى بلاده وأقام هرقل في الملك إحدى وثلاثين سنة ونصفا وقيل ثنتين وثلاثين سنة وثار على بلاد الفرس فخربها في غيبة كسرى وضعفت مملكة الفرس بسبب ذلك واستولى هرقل على ما كان كسرى استولى عليه من بلاده وهو مصر والشأم وأعاد بناء ما كان خرب من الكنائس وكتب إليه النبي يدعوه للإسلام
قال المسعودي وقيل إن مولد النبي كان في أيام يوشطيانش وإن ملكه كان عشرين سنة
ثم ملك هرقل بن نوسطيونس خمس عشرة سنة وإليه تنسب الدراهم الهرقلية
ثم ملك بعده مورق بن هرقل
قال والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين كان ملك الروم لهرقل
قال وفي كتب السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق ثم كان بعده قيصر بن قيصر ايام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمر وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشأم

الطبقة الرابعة ملوك الروم بعد الفتح الإسلامي إلى زماننا
قد تقدم أن النبي بعث وهاجر وهرقل ملك الروم وكتب إليه يدعوه إلى

الإسلام
وبقي هرقل إلى أن افتتح المسلمون الشأم في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فلما غلب المسلمين على أكثر بلاد الشام خرج إلى الرها ثم علا على نشز من الأرض والتفت إلى الشأم وقال السلام عليك يا سوريا سلام لا اجتماع بعده ولا يعود إليك رومي بعدها إلا خائفا وسار حتى بلغ القسطنطينية فأقام بها واستولى المسملون على الشأم ومصر والإسكندرية وأفريقية والأندلس واستولوا على جزائر البحر الرومي مثل صقلية ودانية وميورقة وغيرها مما كان بيد الروم
وأقام في الملك إحدى وثلاثين سنة وهلك لإحدى وعشرين سنة من الهجرة
وملك بعده على الروم بقسطنطينية ابنه قسطنطين بن هرقل فأقام ستة أشهر وقتله بعض نساء أبيه
وملك بعده أخوه هرقل بن هرقل فتشاءم به الروم فخلعوه وقتلوه
وملكوا عليهم قسطينو بن قسطنطين فأقام ست عشرة سنة
وفي أيامه غزا معاوية بن أبي سفيان بلاد الروم وهو أمير على الشأم من قبل عمر بن الخطاب في سنة أربع وعشرين من الهجرة فدوخ البلاد وفتح منها مدنا كثيرة ثم أغزى عساكر المسلمين إلى قبرص في البحر في سنة سبع وعشرين ففتح منها حصونا وضرب الجزية على أهلها
ومات قسطينو سنة سبع وثلاثين من الهجرة
فملك بعده ابنه يوطيانس فأقام اثنتي عشرة سنة ومات سنة ثمان وأربعين من الهجرة
وملك بعده ابنه لاون فأقام ثلاث سنين ومات سنة خمسين من الهجرة
فملك بعده طيباريوس قيصر فمكث سبع سنين
وفي أيامه غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في عساكر المسلمين وحاصرها مدة ثم أفرج عنها واستشهد أبو أيوب الأنصاري في حصارها ودفن في ساحتها وقتل طيباريوس المذكور

سنة ثمان وخمسين من الهجرة
وملك بعده أغشطش قيصر فذبحه بعض عبيدة
وملك بعده ابنه إصطفانيوس في أيام عبد الملك بن مروان ثم خلع
وملك بعده لاون ومات سنة ثمان وسبعين من الهجرة
وملك بعده طيباريوس سبع سنين ومات سنة ست وثمانين من الهجرة
وملك بعده سطيانوس في أيام الوليد بن عبد الملك باني الجامع الأموي بدمشق
ثم ملك بعده تداوس في سنة إحدى ومائة من الهجرة فأقام سنة ونصفا
ثم ملك بعده لاون فأقام أربعا وعشرين سنة
وملك بعده ابنه قسطنطين
وفي أيامه غزا هشام بن عبد الملك الصائفة اليسرى من بلاد الروم وأخوه سليمان الصائفة اليمنى في سنة ثلاث عشرة ومائة فلقيهم قسطنطين المذكور في جموع الروم فانهزم وأخذ أسيرا ثم أطلق
ثم ملك بعده رجل اسمه جرجس من غير بيت الملك فبقي أيام السفاح والمنصور وأمره مضطرب ثم مات
وملك بعده قسطنطين بن لاون وبنى المدن وأسكنها أهل أرمينية وغيرهم ثم مات
وملك بعده ابنه لاون وهلك
فملك بعده نقفور وهلك في خلافة الأمين بن الرشيد
وملك بعده ابنه استيراق قيصر وأقام إلى خلافة المأمون
وفي أيام المأمون غلب قسطنطين بن فلفط على مملكة الروم وطرد ابن نقفور

هكذا رتبه ابن العميد
وفي كلام المسعودي ما يخالفه
قال المسعودي ثم ملك بعد قسطنطين نوفيل أيام المعتصم
ثم ملك من بعده ميخائيل بن نوفيل أيام الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين
ثم تنازع الروم وملكوا عليهم نوفيل بن ميخائيل أيام المعتز والمهتدي وبعض أيام المعتمد
ثم ملك من بعده ابنه أليون بن نوفيل بقية أيام المعتمد وصدرا من أيام المعتضد

ثم ملك من بعده الإسكندروس بن أليون فنقموا سيرته فخلعوه
وملكوا عليهم أخاه لاوي بن أليون فأقام بقية أيام المعتضد والمكتفي وصدرا من أيام المقتدر ثم هلك
وملك ابنه قسطنطين صغيرا وقام بتدبير دولته أرمنوس بطريق البحر وزوجه ابنته وتسمى بالدمستق والدمستق هو الذي يلي شرق الخليج القسطنطيني واتصل ذلك أيام المقتدر والقاهر والراضي والمتقي
ثم افترق أمر الروم
ثم ظاهر كلام ابن الأثير أن أرمنوس المتقدم ذكره صار إليه الملك بعد قسطنطين
قال وكان الدمستق على عهده قوقاس فملك ملطية من يد المسلمين بالأمان في سنة ثنتين وعشرين وثلثمائة وولى تقفور دمستقا وهلك أرمنوس وترك ولدين صغيرين وكان تقفور الدمستق غائبا ببلاد المسلمين فلما رجع اجتمع إليه زعماء الروم وقدموا لتدبير أمر الصغيرين وألبسوه التاج ثم دست عليه

زوجة أرمنوس أم الصغيرين فقتلته في سنة ستين وثلثمائة
وقام ابنها الأكبر وهو بسيل بن أرمنوس بتدبير ملكه فطالت مدته وأقام في الملك نيفا وسبعين سنة وهلك بسيل سنة عشر وأربعمائة
وملك بعده أخوه قسطنطين فأقام تسع سنين ثم هلك عن ثلاث بنات
فملك الروم عليهم الكبرى منهن وقام بأمرها ابن خالها أرمانوس وتزوجت به فاستولى على مملكة الروم ثم مالت زوجته إلى المتحكم في دولته واسمه ميخائيل فدسته عليه فقتله واستولى على الأمر ثم أصابه الصرع ودام به
فعهد لابن أخت له اسمه ميخائيل فأحسن السيرة وطلب من زوجة خاله أن تخلع نفسها من الملك فأبت فنفاها إلى بعض الجزر واستولى على المملكة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وأنكر عليه البطرك خلع المرأة فهم بقتله فنادى البطرك في النصارى بخلعه فخلعوه واستدعى الملكة التي خلعها وأعادها إلى الملك ونفت ميخائيل كما نفاها ثم اتفق البطرك والروم على خلعها فخلعت
وملكوا عليهم أختها ندورة وسملوا ميخائيل فوقع الخلف بسبب ذلك فأقرعوا بين المترشحين للملك منهم فخرجت على رجل منهم اسمه قسطنطين فملكوه عليهم وزوجوه بندورة الملكة في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ثم توفي قسطنطين المذكور سنة ست وأربعين وأربعمائة
وملك على الروم أرمانوس وذلك لأول دولة السلجوقية وخرج لبلاد الإسلام فزحف إليه ألب أرسلان من أذربيجان فهزمه وحصل في أسره ثم فاداه على مال يعطيه وأجروه عليه وعقد معه صلحا
فوثب ميخائيل بعده على مملكة الروم
فلما انطلق من الأسر وعاد إلى

قسطنطينية دفعه ميخائيل عن الملك والتزم لألب أرسلان ما انعقد عليه الصلح
وترهب أرمانوس وترك الملك
إلى هنا انتهى كلام ابن الأثير
ثم توالت عليها ملوك الروم واحدا بعد واحد إلى اخر المائة السادسة
وكان ملك القسطنطينية يومئذ قد تزوج أخت الفرنسيس ملك الفرنجة فولد له منها ابن ذكر
ثم وثب بالملك أخوه فسمله وملك مكانه ولحق الابن بخاله الفرنسيس فوجده قد جهز الأساطيل لارتجاع بيت المقدس وفيها ثلاثة من ملوك الفرنجة وهم كيدقليس أحد ملوكهم وهو أكبرهم ودوقس البنادقة والمركين مقدم الفرنسيس فأمرهم الفرنسيس بالجواز على القسطنطينية ليصلحوا بين ابن أخته وبين عمه ملك الروم
فلما وصلوا إلى مرسى القسطنطينية خرج إليهم عمه وحاربهم فهزموه ودخلوا البلد وأجلسوا الصبي على سرير الملك وساء أمرهم في البلد وصادروا أهل النعم وأخذوا أموال الكنائس وثقلت وطأتهم على الروم فعقلوا الصبي وأخرجوهم من البلد وأعادوا عم الصبي إلى الملك
ثم هجم الفرنج البلد وأستباحوها ثمانية أيام حتى أقفرت وقتلوا من بها من القسيسين والرهبان والأساقفة وخلعوا الصبي واقترع ملوك الفرنج الثلاثة على الملك فخرجت القرعة على كيدقليس كبيرهم فملكوه على القسطنطينية وما يجاورها
وجعلوا لدوقس البنادقة الجزائر البحرية مثل أقريطش ورودس وغيرهما وللمركين البلاد التي في شرقي الخليج مثل أرسوا ولارتو في جوار سليمان بن قليج أرسلان فلم يحصل لأحد منهم شيء من ذلك إلا لمن أخذ شرقي الخليج
ثم تغلب على القسطنطينية بطريق من بطارقة الروم شهرته لشكري واسمه ميخائيل فدفع عنها الفرنج وملكها وقتل الذي كان ملكا قبله وعقد معه الصلح الملك المنصور قلاوون الصالحي صاحب مصر والشام وتوفي سنة إحدى وثمانين وستمائة
وملك بعده ابنه ياندر وتلقب الدوقس وشهرتهم جميعا اللشكري

وبقي بنوه في ملكها إلى الان
ولم أقف على تفاصيل أخبارهم غير أنه لم يبق بيدهم سوى قسطنطينية وبعض أعمالها المجاورة لها
وقد استولى الفرنج على جهاتها الغربية واستولى المسلمون على ما هو شرقي الخليج القسطنطيني وعلى أعمال كثيرة من غربيه إلى ما يقارب خليج البنادقة على ما تقدم بيانه في الكلام على القسم الأول من هذا المقصد مع تسلط صاحب السراي ملك تتر الشمال من بني جنكزخان عليه بالبعوث والسرايا قبل ذلك
حتى إن القان أزبك صاحب هذه المملكة قرر عليه إتاوة تحمل إليه في كل سنة ليكف عنه كما أشار إليه في التعريف في الكلام على مكاتبة صاحب القسطنطينية
قال ابن سعيد ومنتهى حكم اللشكري صاحب القسطنطينية الان إلى إيثنية
قال في تقويم البلدان بالهمزة والياء المثناة التحتية والثاء المثلثة ونون ثم ياء مثناة تحتية ثانية وهاء في الاخر
قال ابن سعيد وهي غربي الخليج القسطنطيني بشمال
قال ابن حوقل وهي مدينة بها مجمع النصارى بقرب البحر وهي دار حكمة اليونان في القديم وبها تحفظ علومهم وحكمهم
ولصاحب القسطنطينية المستقر بها مكاتبة تخصه من الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما يأتي بيانه في الكلام على مكاتبات ملوك الكفر في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى

المملكة الثانية مملكة الألمان
قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه وهم أكبر أمم النصارى يسكنون في غربي القسطنطينية إلى الشمال وملكهم كثير الجنود
قال وهو الذي سار إلى الشأم زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة ست وثمانين وخمسمائة فهلك قبل وصوله إلى الشام
وكان قد خرج بمائة ألف مقاتل فسلط الله عليهم الغلاء والوباء فمات أكثرهم في الطريق ولما وصل إلى بلاد الأرمن نزل يغتسل في نهر هناك فغرق فيه وبقي من عسكره قدر ألف مقاتل

لا غير فعادوا إلى بلادهم
( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا )
وقاعدتهم فيما ذكر ابن سعيد مدينة برشان
قال في تقويم البلدان بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة ثم ألف ونون في الاخر
قال ويقال لها أيضا برجان بالجيم وذكر ابن سعيد أنه كان بها الأمة المسماة برجان في قديم الزمان فاستولت عليهم الألمانية وأبادوهم حتى لم يبق منهم أحد ولم يبق لهم أثر
وهؤلاء البرجان هم الذين كان يقاتلهم قسطنطين ورأى في منامه أعلاما عليها صلبان فتنصر

المملكة الثالثة مملكة البنادقة
وهم طائفة مشهورة من الفرنج وبلادهم شرقي بلاد الأنبردية الاتي ذكرهم
وقاعدة مملكتهم البندقية
قال في تقويم البلدان بضم الباء الموحدة وسكون النون ثم دال مهملة وقاف ومثناة تحتية وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة والعرض أربع وأربعون درجة
قال ابن سعيد وهي على طرف الخليج المعروف بجون البنادقة وقد تقدم الكلام عليه عند ذكره في الكلام على بحر الروم
قال وعمارتها في البحر وتخترق المراكب أكثرها تتردد بين الدور ومركب الإنسان على باب داره وليس لهم مكان يتمشون فيه إلا الساباط الذي فيه سوق الصرف صنعوه لراحتهم إذا أرادوا التمشي وملكهم من أنفسهم يقال له الدوك يعني بضم الدال المهملة وسكون الواو وكاف في الاخر
ودنانيرهم أفضل دنانير الفرنجة وقد تقدم في الكلام على معاملة الديار المصرية في أول هذه المقالة أن دينارهم يقال له دوكات نسبة إلى الدوك الذي هو

ملكهم وإليها ينسب الجوخ البندقي الفائق لكل نوع من الجوخ
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وهي قريبة من جنوة في البر وبينهما نحو ثمانية أيام
أما في البحر فبينهما أمد بعيد أكثر من شهرين
وذلك أنهم يخرجون إلى بحر الروم في جهة الشرق ثم يسيرون في بحر الروم إلى جهة الغرب
قال في تقويم البلدان ومن أعمال البندقية جزائر النقر بنت بفتح النون وسكون القاف والراء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون النون وتاء مثناة فوقية في الاخر
قال وكثيرا ما يكمن بين تلك الجزائر شواني الحرامية
ثم قال وفي شمالي هذه الجزائر مملكة أستيب بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وكسر المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية وباء موحدة في الاخر
وفي مملكة أستيب هذه يعمل الأطلس المعدني

المملكة الرابعة مملكة الجنويين
وهم طائفة من الفرنج مشهورة أيضا
وقاعدة مملكتهم مدينة جنوة
قال في تقويم البلدان بفتح الجيم والنون والواو ثم هاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول إحدى وثلاثون درجة
والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة
قال وهي على غربي جون عظيم من البحر الرومي والبحر فيما بينها وبين الأندلس يدخل في الشمال
وهي غربي بلاد البيازنة
قال الشريف الإدريسي وبها جنات وأودية وبها مرسى جيد مأمون ومدخله من الغرب
قال في تقويم البلدان وعن بعض أهلها أنها في ذيل جبل عظيم وهي على حافة البحر وميناها عليها سور وأنها مدينة كبيرة إلى الغاية وفيها أنواع الفواكه ودور أهلها عظيمة كل دار بمنزلة قلعة ولذلك اغتنوا عن عمل سور

عليها ولها عيون ماء منها شربهم وشرب بساتينهم
قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه ولها بلاد كثيرة

المملكة الخامسة بلاد رومية
بضم الراء المهملة وسكون الواو وكسر الميم وفتح الياء المثناة تحت المشددة وهاء في الاخر
قال في تقويم البلدان ويقال لها أيضا رومة يعني بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم وهاء في الاخر
وهي مدينة واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول خمس وثلاثون درجة وعشرون دقيقة والعرض أربعون درجة وخمسون دقيقة
قال ابن سعيد وهي مدينة مشهورة في جنوبي جون البنادقة على جانبي نهر يعرف بنهر الصفر
وقد ذكر هروشيوش مؤرخ الروم أنها بنيت لأربعة الاف وخمسمائة سنة من أول العالم على زمن حزقيا بن احاز رابع عشر ملوك بني إسرائيل
وذكر ابن كريون أنها بنيت في زمن داود عليه السلام وبينهما تفاوت كثير في المدة
قال في الروض المعطار وهي من أعظم المدن وأحفلها
يقال إنه كان طولها من الشمال إلى الجنوب عشرين ميلا وعرضها من الشرق إلى الغرب اثني عشر ميلا وقيل دورها أربعون ميلا وقطرها اثنا عشر ميلا وارتفاع سورها ثمانية وأربعون ذراعا
وقيل اثنان وسبعون ذراعا في عرض اثني عشر شبرا مبني بالحجر وهي في سهل من الأرض تحيط بها الجبال على بعد وبينها وبين البحر الرومي أثنا عشر ميلا ويشقها نهر ينقسم داخلها قسمين ثم يلتقيان اخرها وأرضه مفروشة بالنحاس الأصفر مسافة عشرين ميلا وفي وسطها صحن في صخرة مرتفعة لم يظفر به عدو قط

وفي داخلها كنيسة طولها ثلثمائة ذراع وارتفاعها مائتا ذراع لها أربعة أبواب من فضة سبكا واحدا مسقفة بالنحاس الأصفر الملصق بالقصدير وحيطانها ملبسة بصفائح النحاس وبها كنيسة أخرى بها برج طوله في الهواء مائة ذراع وعلى رأس ذلك البرج قبة مبنية بالرصاص وعلى رأس القبة زرزور من نحاس إذا أدرك الزيتون انحشرت إليه الزرازير من الأقطار البعيدة في منقار كل زرزور زيتونة وفي رجليه زيتونتان فيطرحها على ذلك البرج فيعصر ويؤخذ زيته فيستصبح به في الكنيسة جميع السنة
قال وأهل رومية أجبن خلق الله تعالى ومن سنتهم أنهم لا يدفنون موتاهم وإنما يدخلونهم في مغائر ويتركونهم فيها فيستوبيء هواؤهم ويقع الذباب على الموتى ثم يقع على ثمارهم فيفسدها ولذلك هم أكثر بلاد الله تعالى طواعين حتى إن الطاعون يقع فيها ولا يتعداها إلى غيرها فوق عشرين ميلا وجميع أهلها يحلقون لحاهم ويزعمون أن كل من لا يحلق لحيته فليس نصرانيا كاملا زاعمين أن سبب ذلك أن شمعون الصفا والحواريين جاءوهم وهم قوم مساكين ليس مع كل واحد منهم إلا عصا وجراب فدعوهم إلى النصرانية فلم يجيبوهم وأخذوهم فعذبوهم وحلقوا رؤوسهم ولحاهم
فلما ظهر لهم صدق قولهم واسوهم بأن فعلوا بأنفسهم مثل ذلك
ولم تزل رومية هي القاعدة العظمى للروم حتى بنيت القسطنطينية وتحول إليها قسطنطين وصارت قسطنطينية هي دار ملك الروم على ما تقدم ذكره في الكلام عليها مع بقاء رومية عندهم على رفعة المحل وعظم الشأن إلى أن غلب عليها الفرنج وانتزعوها من أيديهم ورفعوا منها قواعدهم واستولوا على ما وراءها من النواحي والبلدان والجزائر كجنوة والبندقية وأقريطش ورودس واسترجعوا كثيرا مما كان المسلمون استولوا عليه من بلاد الروم كغالب الأندلس
ثم حدثت الفتن بينهم وبين الروم بالقسطنطينية وعظمت الفتن بينهم ودامت نحوا من مائة سنة وملك الروم بالقسطنطينية معهم في تناقص حتى إن رجار

صاحب جزيرة صقلية صار يغزو القسطنطينية بأساطيله ويأخذ ما يجد في ميناها من سفن التجار وشواني المدينة وانتهى أمره ان جرجا بن ميخائيل صاحب أساطيله دخل إلى مينا القسطنطينية في سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورمى قصر الملك بالسهام فكان ذلك أنكى على الروم من كل نكاية
ثم تزايد الحال إلى أن استولى الفرنج على القسطنطينية نفسها في اخر المائة السادسة وأوقعوا بأهلها وفتكوا وخربوا على ما تقدم بيانه في الكلام على ملوك القسطنطينية
وبالجملة فرومية اليوم من قواعد الفرنج وهي مقر بابهم الذي هو خليفة النصارى الملكانية وإليه مرجعهم في التحليل والتحريم
ولهذا الباب مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية كما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
وأما الممالك الصغار فسبع ممالك

الأولى مملكة المرا
قال في تقويم البلدان بفتح الميم والراء المهملة وألف
وهي مملكة تبتديء من الخليج القسطنطيني من الغرب على ساحل بحر الروم وتمتد مغربا وتشتمل على قطعة من ساحل بحر الروم وعلى بلاد وجبال خارجة عن البحر
قال وهذه المملكة مناصفة بين صاحب قسطنطينية وبين جنس من الفرنج يقال لهم القيتلان بالقاف والياء الساكنة اخر الحروف والمثناة الفوقية ولام ألف ونون ويقال الكيتلان بإبدال القاف كافا وهذا هو الجاري على ألسنة الناس في النطق بهم

الثانية بلاد الملفجوط
قال في تقويم البلدان بفتح الميم وسكون اللام وفتح الفاء وضم الجيم وسكون الواو وطاء مهملة في الاخر
وهم جنس من الروم لهم لسان ينفردون به وبلادهم من أعمال قسطنطينية على ساحل بحر الروم مما يلي مملكة المرا المقدم ذكرها من جهة الغرب في مقابلة مشاريق برقة من البر الاخر على ما تقدم ذكره في الكلام على بحر الروم في أول هذه المقالة
الثالثة بلاد إقلرنس
قال في تقويم البلدان بكسر الهمزة وسكون القاف وكسراللام والراء المهملة وسكون النون وسين مهملة في الاخر
وهي بلاد على ساحل بحر الروم غربي بلاد الملفجوط المقدم ذكرها وشرقي بلاد الباسليسة الاتي ذكرها وهم في مملكة الباسليسة المذكورة
الرابعة مملكة بولية
بضم الباء الموحدة وسكون الواو ولام وياء اخر الحروف وهاء
قال ويقال لها أنبولية أيضا يعني بزيادة همزة في أولها ونون ساكنة بعدها
وهي مملكة على بحر الروم عند فم جون البنادقة من غربيه في مقابل مملكة الباسليسة من بر الجون المذكور من الجهة الشرقية وببولية هذه يعرف الزيت المعروف بالبولية
قال في تقويم البلدان وملك بولية هذه في زماننا يقال له الريدشار
الخامسة بلاد قلفرية
قال في تقويم البلدان بفتح القاف واللام وسكون الفاء وكسر الراء

المهملة وفتح المثناة تحت وهاء في الاخر
قال ويقال لها قلورية أيضا بإبدال الفاء واوا
وهي من جملة بولية المقدمة الذكر واقعة في غربيها وشرقي مملكة رومية المتقدمة الذكر وقد تقدم في الكلام على بحر الروم أنه يقابلها طرابلس الغرب في البر الاخر

السادسة بلاد التسقان
قال في تقويم البلدان بضم المثناة الفوقية وسكون السين المهملة وقاف وألف ونون
قال وهم جنس من الفرنج ليس لهم ملك بعينه يحكم عليهم بل لهم أكابر يحكمون بينهم ثم قال وبتلك البلاد يكون نبات الزعفران وقد تقدم في الكلام على البحر الرومي أنه يقابلها مدينة تونس من البر الاخر
السابعة بلاد البيازنة
بفتح الباء الموحدة والياء المثناة تحت وألف ثم زاي معجمة مكسورة ونون مفتوحة وهاء في الاخر
وهم فرقة من الفرنج
وقاعدة ملكهم مدينة بيزة
قال في تقويم البلدان بباء موحدة مكسورة وياء اخر الحروف ساكنة وزاي معجمة يعني وهاء في الاخر
قال وقد تبدل الزاي شينا معجمة
وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال والقياس أنها حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة والعرض ست وأربعون درجة وسبع وعشرون دقيقة
وقد ذكر في تقويم البلدان أنها على الركن الشمالي من بلاد الاندلس في مقابل جزيرة سردانية المقدمة الذكر
وهي غربي بلاد رومية وليس لهم ملك وإنما مرجعهم إلى الباب خليفة النصارى وإلى بيزة هذه تنسب الفرنج البيازنة والحديد البيزاني
وقد تقدم في الكلام على البحر الرومي أنه يقابلها من البر الاخر مرسى الخرز

القطر الثاني مما غربي الخليج القسطنطيني الأرض الكبيرة
قال صاحب حماة وهي أرض متسعة في شمالي الاندلس بها ألسن كثيرة مختلفة
وقد ذكر في التعريف أنها في شرق الاندلس ولايصح ذلك إلا أن يريد منها ما هو شرق شمالي الأندلس
ويتعلق الغرض منها بثلاث ممالك
المملكة الأولى مملكة الفرنج القديمة
وقاعدتها مدينة فرنجة بالفاء والراء المهملة المفتوحتين وسكون النون وفتح الجيم وهاء في الاخر وقد تبدل الجيم منها سينا مهملة فيقال فرنسة
ويقال لملكهم ريدإفرنس ومعناه ملك إفرنس والعامة تقول الفرنسيس
وهو الذي قصد ديار مصر وأخذ دمياط وأسره المسلمون ثم أطلقوه
يشير بذلك إلى قضية تاريخية وهي أن الفرنج في سنة خمس عشرة وستمائة وهم مستولون على سواحل الشام يومئذ سار منهم نحو عشرين ملكا من عكا وقصدوا دمياط في أيام الملك العادل أبي بكر بن أيوب رحمه الله وسار العادل من مصر إليهم فنزل مقابلهم وأقاموا على ذلك أربعة أشهر ومات العادل في أثناء ذلك واستقر بعده في الملك ابنه الملك الكامل محمد فوقع في عسكره اختلاف تشاغل به فهجم الفرنج دمياط وملكوها عنوة في سنة ست عشرة وستمائة وطمعوا بذلك في مملكة الديار المصرية فبنى الملك الكامل بلدة عند مفرق النيل الفرقة الذاهبة إلى دمياط والفرقة الذاهبة إلى أشموم طناح وسماها المنصورة ونزلها بعساكره ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن دخلت سنة ثمان عشرة وستمائة وقد اشتد طمع الفرنج في الديار المصرية وتقدموا عن دمياط إلى المنصورة وضايقوا المسلمين

إلى أن سألهم الملك الكامل في الصلح على أن يكون لهم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وسائر ما فتحه السلطان صلاح الدين من سواحل الشأم خلا الكرك والشوبك فأبوا إلا أن يكون لهم الكرك والشوبك أيضا وأن يعطوا مع ذلك ثلثمائة ألف دينار في نظير ما خربوه من سور القدس فاعمل المسلمون حينئذ الحيلة في إرسال فرع من النيل في إبان زيادته حال بين الفرنج وبين دمياط انقطع بسببه الميرة عنهم وأشرفوا على الهلاك وكان اخر أمرهم أن أعرضوا عن جميع ما كانوا سئلوا به من الأماكن المتقدمة الذكر ونزلوا عن دمياط للمسلمين وتسلمها الملك الكامل منهم ثم عاد إلى مصر وبقيت دمياط بيد المسلمين إلى أن قصدها الفرنسيس في خمسين ألف مقاتل ومعه الأدفونش صاحب طليطلة في أيام الملك الصالح أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب في سنة سبع وأربعين وستمائة وهجم دمياط وملكها عنوة وسار الملك الصالح فنزل بالمنصورة وسار الفرنج فنزلوا مقابله ثم قصدوا دمياط فتبعهم المسلمون وبذلوا فيهم السيف فقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا وأسر الفرنسيس وحبس بالمنصورة بدار الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء ووكل به الطواشي صبيح المعظمي ومات الصالح في أثناء ذلك واستقر ابنه الملك المعظم مكانه في الملك ثم قتل عن قريب وفوض الأمر إلى شجرة الدر زوجة الملك الصالح وقام بتدبير المملكة معها أيبك التركماني ثم تسلم المسلمون دمياط من الفرنسيس وأطلقوه فسار إلى بلاده فيمن بقي معه من جماعته
وفي ذلك يقول جمال الدين يحيى بن مطروح الشاعر

( قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق من قؤول نصوح )
( أتيت مصرا تبتغي ملكها ... تحسب أن الزمر يا طبل ريح )
( وكل أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضريح ! )
( خمسين ألفا لا ترى منهم ... غير قتيل أو أسير جريح ! )
( وفقك الله لأمثالها ... لعل عيسى منكم يستريح )
( اجرك الله على ما جرى ... أفنيت عباد يسوع المسيح )
( فقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثار أو لقصد صحيح ! )
( دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باق والطواشي صبيح ! ) - سريع -
وقد تعرض في التعريف للإشارة لهذه الواقعة في الكلام على مكاتبة الأدفونش صاحب طليطلة من الاندلس واقتصر من هذه الأبيات على الأول والأخير فقط

المملكة الثانية مملكة الجلالقة
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وهم أمة كالبهائم يغلب عليهم الجهل والجفاء
ومن زيهم أنهم لا يغسلون ثيابهم بل يتركونها عليهم إلى أن تبلى ويدخل أحدهم دار الاخر بغير إذن
قال وهم أشد من الفرنج ولهم بلاد كثيرة شمالي الاندلس ونسبتهم إلى مدينة لهم قديمة تسمى جليقية
قال في اللباب بكسر الجيم واللام المشددة وبعدها ياء اخر الحروف وقاف
قال في تقويم البلدان ثم ياء ثانية وهاء
وقاعدتها مدينة سمورة بسين مهملة وميم مشددة مضمومة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن

سعيد حيث الطول عشر درج والعرض ست وأربعون درجة
قال في اللباب وهي من بلاد الروم المتاخمة للأندلس وكأنه يريد أنها كانت للروم أولا
قال في تقويم البلدان وعن بعضهم انها مدينة جليلة معظمة عندهم قال ابن سعيد وهي قاعدة جليقية أكبر مدن الفنش في جزيرة بين فرعين من نهر يعرف بها
قال وكان المسلمون قد ملكوها ثم استرجعها الجلالقة زمن الفتنة ونهرها يصب في البحر المحيط الغربي حيث الطول خمس درج وثلاثون دقيقة من الجزائر الخالدات والعرض ست وأربعون درجة

المملكة الثالثة مملكة اللنبردية
قال في تقويم البلدان باللام المشددة المضمومة والنون الساكنة والباء الموحدة المفتوحة والراء المهملة الساكنة والدال المهملة والياء المثناة التحتية والهاء
قال ويقال لها النوبردية والأنبردية
وموقعها في أول الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثلاثون درجة وسبع وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وأربعون درجة وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي ناحية من الأرض الكبيرة وبلادها تحيط بها جبال إلى حد جنوة قال وملكها في زماننا صاحب القسطنطينية ورثها من خاله المركيش
ثم قال وغربي هذه البلاد الريدراقون بكسر الراء المهملة وسكون المثناة التحتية ثم دال مهملة وراء مهملة وألف وقاف مضمومة وواو ونون في الاخر
ومعناه ملك راقون وقد تبدل القاف غينا معجمة
فيقال ريدراغون وهو الموجود في مكاتبات أهل الأندلس وهدنهم

الجهة الثانية ما شمالي مدينة القسطنطينية وبحر نيطش إلى نهاية المعمور
في الشمال
ويشتمل على عدة ممالك وبلاد
منها بلاد الجركس قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وهم على بحر نيطش من شرقيه وهم في شظف من العيش
قال والغالب عليهم دين النصرانية
قلت وقد جلب منهم الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية المماليك أيام سلطنته ما يربو على العدد حتى صار منهم معظم جند الديار المصرية وصار بهم جمال مواكبها والملك باق فيهم بالديار المصرية إلى الان
ومنها بلاد الاص بفتح الهمزة الأولى والثانية وصاد مهملة في الاخر وهم طائفة وبلادهم على بحر نيطش
وقاعدتهم مدينة قرقر
قال في تقويم البلدان بكسر القاف وسكون الراء المهملة وسكون القاف الثانية وكسر الراء المهملة في الاخر
وموقعها في الشمال عن الإقليم السابع أو في اخره
قال والقياس انها حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمسون درجة
وهي قلعة عاصية منيعة في جبل لا يقدر أحد على الطلوع إليه وفي وسط الجبل وطاءة تسع أهل تلك البلاد
وعندها جبل عظيم شاهق يقال له جاطر طاغ يظهر لأهل السفن من بحر القرم
وهي في شمالي صاري كرمان على نحو يوم منها

ومنها بلاد البرغال بضم الموحدة وسكون الراء وفتح الغين المعجمة وألف ثم لام في الاخر
ويقال لهم أولاق أيضا بقاف في الاخر
وقاعدتهم مدينة طرنو
قال في تقويم البلدان بالطاء المكسورة والراء الساكنة المهملتين والنون المفتوحة وواو في الاخر وموقعها في الإقليم السابع
قال والقياس أنها حيث الطول ست وأربعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمسون درجة
وهي غربي صقجي على ثلاثة أيام وأهلها كفار
قال بعض المسافرين وهي على خور البرغال
ومنها بلاد البلغار والسرب وهما طائفتان على بحر نيطش
فأما البلغار فبضم الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الغين العجمة وألف ثم راء مهملة
قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه وهم منسوبون إلى المدينة التي يسكنونها وقد سماها في كتابه تقويم البلدان بلار بضم الباء وفتح اللام وألف وراء مهملة في الاخر
ثم قال ويقال لها بالعربية بلغار
وأما السرب فبفتح السين وسكون الراء المهملتين وباء موحدة في الاخر وهم في مملكة صاحب البلغار
وقاعدة ملكهم مدينة بلغار المذكورة وموقعها في الشمال عن الإقليم السابع من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة
قال وهي بلدة في نهاية العمارة الشمالية قريبة من شط إثل من الجانب الشمالي الشرقي وهي وصراي في بر واحد وبينهما فوق عشرين مرحلة وهي في وطاءة والجبل عنها أقل من يوم وبها ثلاث حمامات ولا يكون بها شيء من الفواكه ولا أشجار الفواكه من العنب وغيره لشدة بردها وبها الفجل الأسود في غاية الكبر قال المؤيد صاحب حماة وحكى لي بعض أهلها أن في أول فصل الصيف لا يغيب الشفق عنها ويكون ليلها في غاية القصر
ثم قال وهذا الذي حكاه صحيح موافق لما يظهر بالأعمال الفلكية لأن من عرض ثمانية وأربعين ونصف يبتديء

عدم غيبوبة الشفق في أول فصل الصيف وعرضها أكثر من ذلك فصح ذلك على كل تقدير
وقد حكى في مسالك الأبصار عن حسن الرومي عن مسعود الموقت بها أن أقصر ليلها أربع ساعات ونصف تحريرا وأنهم جربوه بالالات الرصدية فوجدوه كذلك
قال صاحب حماة في تاريخه وكان الغالب عليهم النصرانية ثم أسلم منهم جماعة
وذكر في تقويم البلدان أن أهلها مسلمون حنفية وذكر المسعودي في مروج الذهب أنه كان بالسرب والبلغار دار إسلام من قديم
قال في مسالك الأبصار أما الان فقد تبدلت بإيمانها كفرا وتداولها طائفة من عباد الصليب ووصلت منهم رسل إلى صاحب مصر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بكتاب من صاحب السرب والبلغار يعرض نفسه على مودته ويسأله سيفا يتقلده وسنجقا يقهر أعداءه به فأكرم رسوله وأحسن نزله وجهز له معه خلعة كاملة طرد وحش بقصب بسنجاب مقندس على مفرج إسكندري وكلوته زركش وشاش بطرفين رقم ومنطقة ذهب وكلاليب كذلك وسيف محلى وسنجق سلطاني أصفر مذهب قال في التعريف وجهز له أيضا الخيل المسرجة الملجمة
وربما أنه يظهر لصاحب السراي الانقياد والطاعة
قال في مسالك الأبصار وذلك لعظمة سلطانه عليهم وأخذه بخناقهم لقربهم منه
ولصاحب السرب والبلغار مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها بلاد أفتكون بألف وفاء وتاء مثناة ثم كاف وواو ونون
وهي بلاد تلي بلاد البلغار في جهة الشمال
وقاعدتهم مدينة تسمى قصبة أفتكون والقصبة في مصطلحهم المدينة الصغيرة
قال في مسالك الأبصار وبينها وبين البلغار مسافة عشرين يوما

بالسير المعتاد وحكي عن مسعود الموقت بالبلغار أنه حرر ليلها فوجد أقصر ليلها ثلاث ساعات ونصف أقصر من ليل البلغار بساعة واحدة
ومنها بلاد الصقالبة بفتح الصاد المهملة والقاف وألف وكسر اللام وفتح الباء الموحدة وهاء في الاخر
ويقال لبعض بلادها بلاد سبراوير
وهي تلي بلاد أفتكون في جهة الشمال قال في مسالك الأبصار وهي بلاد شديدة البرد لا يفارقها الثلج مدة ستة أشهر لا يزال يسقط على جبالهم وبيوتهم ولهذا تقل المواشي عندهم
وحكى عن الفاضل شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن منها يجلب السمور والسنجاب ثم قال وليس بعدهم في العمارة شيء
وذكر أنه جاء جده فتيا من بعض أهلها يسأل فيها كيف تكون صلاة أهل بلد لا يغيب عندهم الشفق حتى يطلع الصبح لسرعة انقضاء الليل وهذا ظاهر في أن هذه البلاد مسلمون أو فيهم المسلمون
ومنها بلاد جولمان بجيم وواو ولام ثم ميم وألف ونون
وهي تلي بلاد سبراوير المقدمة الذكر في جهة الشمال
وهي على مثل حال بلاد سبراوير في شدة البرد وكثرة الثلج وأشد من ذلك
قال في مسالك الأبصار قال حسن الرومي وهؤلاء هم سكان قلب الشمال والواصل إليهم من الناس قليل والأقوات عندهم قليلة حتى يحكى عنهم أن الإنسان منهم يجمع عظام أي حيوان كان ثم يغلي عليه بقدر كفايته ثم يتركها وبعد سبع مرات لا يبقى فيها شيء من الودك
قال وهم مع ضيق العيش ليس في أجناس الرقيق أنعم من أجسامهم ولا أحسن من بياضهم وصورتهم تامة الخلقة في حسن وبياض ونعومة عجيبة ولكنهم زرق العيون
وإذا سافر المسافر من جولمان إلى جهة الشرق وصل إلى مدينة قراقوم قاعدة القان الكبير القديمة
قال وهي من بلاد الصين وإذا سافر منها إلى جهة الغرب وصل إلى بلاد الروس ثم إلى بلاد الفرنج

ومنها بلاد الروس بضم الراء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الاخر
قال في مسالك الأبصار وهي بلاد واغلة في الشمال في غربي بلاد جولمان المقدمة الذكر
قال صاحب حماة في تاريخه ولهم جزائر أيضا في بحر نيطش
ومنها بلاد الباشقرد قال صاحب حماة في تاريخه وهم أمة كبيرة ما بين بلاد الباب وبلاد فرنجة
قال وغالبهم نصارى وفيهم مسلمون وهم شرسو الأخلاق
قال في مسالك الأبصار وهي مصاقبة لبلاد جولمان ثم قال وفي باشقرد قاض مسلم معتبر
ومنها بلاد البرجان بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الجيم وألف ونون وقد تبدل الجيم شينا
قال صاحب حماة في تاريخه وهم أمم كثيرة طاغية قد فشا فيهم التثليث
قال وبلادهم واغلة في الشمال وأخبارهم وسير ملوكهم منقطعة عنا لبعدهم وجفاء طباعهم وقد تقدم أن البرجان غلب على مكانهم الألمانية فيحتمل أنهم هؤلاء ويحتمل أنهم طائفة أخرى منهم غير هؤلاء
ومنها بلاد بمخ بباء موحدة وميم ثم خاء معجمة
قال في مسالك الأبصار وهي بلاد مشتركة بين بلاد الروس والفرنج
ومنها بلاد بوغزة بباء موحدة ثم واو وغين وزاي ثم هاء في الاخر
قال في مسالك الأبصار قال الشيخ علاء الدين بن النعمان الخوارزمي وهي بلاد في أقصى الشمال وليس بعدها عمارة غير برج عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية ليس وراءه مذهب إلا الظلمات وهي صحار وجبال لا يفارقها الثلج والبرد ولا تطلع عليها الشمس ولا ينبت فيها نبات ولا يعيش فيها حيوان أصلا متصلة ببحر أسود لا يزال يمطر والغيم منعقد عليه ولا تطلع عليه الشمس أبدا
قال ابن النعمان ويقال إن الاسكندر مر بأطراف أوائل جبال الظلمات الغربية من العمارة فرأى فيه أناسا من جنس الترك أشبه شيء بالوحوش لا يعرف أحد بلغتهم وإذا أمسكهم أحد فروا من يده يأكلون من نبات الجبال المجاورة

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39