كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

والأهواء التي تصد عن سنن الهدى وتلقي في مهاوي الردى وتدعو إلى شق العصا وتقضي بانتثار النظام واختلاف الأنام وانفصام عرى الإسلام وكفهم عن المماراة في الدين والإصغاء إلى سنة المضلين المعطلة للسنن القادحة للفتن الداعية إلى احتقاب الآثام وإراقة الدماء الحرام ونحو هذا مما يضاهيه
ثم يقول وانتهى إلى أمير المؤمنين التفاتكم عن معايشكم التي جعلها الله لدنياكم قواما وعبادتكم التي صيرها لآخرتكم نظاما وإقبالكم على المماراة والمنازعة والمناظرة والمجادلة إلى شكوك يقيمها من يرغب في الرياسة والتقدم ليفوز بخبيث المطعم الذي يعمي البصائر ويفسد السرائر ويقدح زند الضلال ويشب نار المحال والانتحال فامتعض أمير المؤمنين من ذلك وخاف عليكم أليم عاجلته وذميم آجلته وبادركم بكتابه هذا منبها لغافكم ومرشدا لجاهلكم وباعثا لكم على التشاغل بما أطاب أخباركم وحسن آثاركم من تلاوة كتاب الله الذي آثركم بتلاوته وزيارة بيوت عبادته والتأدب بأدب نبيه وعترته وأوعز إلى النائب في الحرب بتقويم من خرج عن أمره وتثقيف من أصر على غيه وأن يحسم الداء قبل استشرائه ويستدركه دوين استفحاله فاصغوا إلى زواجر أمير المؤمنين ومواعظه واقتدوا بهديه ومراشده لتفوزوا بطاعته وتسعدوا برضاه وتسلموا في الحاضر من مهانة أنتم بغيرها أولى إن سلكتم الطريقة المثلى وفي الغابر مما أعده الله لمن خالف عن أمره من العقاب في الدار الأخرى فاعلموا هذا واعلموا به إن شاء الله تعالى
قال وقد يكتب السلطان إلى الرعية بالنهي عن التفاخر بالبادية والتنازع في العصبية ثم قال والطريقة في هذا المعنى مشتقة من طريقة هذا الرسم

الصنف الثاني عشر المكاتبة بالأوامر والنواهي
قال في مواد البيان على هذه الكتب مدار اشغال السلطان في أعماله

لأنها النافذة في تصريف الأمور وتنفيذ المراسيم ولاية وعمالة
قال وليس لهذا أمثلة فنوردها لكنه ينبغي للكاتب أن يؤكد القول بها فإن الأمر فيها والنهي وإن اختلف نظمهما نوع واحد لأن كل مأمور به منهي عن ضده وكل منهي عنه مأمور بضده فينبغي له ان يؤكد القول في امتثال ما أمر والعمل عليه والانفاذ له والانتهاء عما نهى عنه والحذر من الإلمام به ويجزم الأمر في العبارة عنهما جزما تاما لا يتمكن معه من الإخلال ببعضهما والنقص فيهما لهوى ويأتى من المبالغة بما يضيق العذر ومتى وقع تقصير أو تثاقل عما حدد فيهما فإنما يمثل ذلك بمثل جامعة مع تفنن المعاني التي يأمر بها وينهى عنها ثم قال والكاتب إذا عرف الترتيب الواقع في هذين الغرضين على طريق الإجمال أمكنه أن يبسطه إذا احتاج إلى التفصيل والبيان بمشيئة الله تعالى
واعلم أنه كان للخلفاء والملوك وولاة الأمور في قديم الزمان عناية بالكتابة إلى الرعايا بالأوامر والنواهي المتعلقة بالدين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يجري مجرى ذلك وإلى العمال بالوصية بالرعايا والاجتهاد فيما لديهم من جباية الخراج والاهتمام بأمر الدواوين وما أشبه ذلك
فأما الأوامر والنواهي المتعلقة بالدين فقد تقدم في الكلام على مصطلح أهل الغرب في أوائل هذه المقالة من إنشاء أبي زيد الفازازي ما أغنى ذكره هناك عن إعادته هنا أو ذكر غيره
وأما الأوامر والنواهي المتعلقة بأمور السلطنة فمن ذلك ما كتب به أبو عبد الله بن الجنان عن الأمير أبي عبد الله بن هود أحد ملوك الطوائف

بالأندلس في الرفق بالرعية وهو
أما بعد حمد الله تعالى معلي منار الحق ورافعه ومولى متوالي الإنعام ومتتابعه والصلاة على سيدنا محمد رسوله مشفع الحشر وشافعه المبعوث ببدائع الحكم وجوامعه وعلى آله وصحبه المبادرين إلى مقاصده العلية ومنازعه والذابين عن حوزة الإسلام بمواضي الاعتزام وقواطعه والرضا عن الخليفة الإمام العباسي أمير المؤمنين ذي المجد الذي لا ينال سمو مطالعه
فإنا كتبنا إليكم كتب الله لكم عزة قدحها بالثبوت فائز وسعادة قسطها للنماء حائز من فلانة وكلمة الحق منصورة اللواء منشورة الأضواء والتوكل على الله في الإعادة والإبداء والتسليم إليه مناط أمرنا في الانتهاء والابتداء وحمد الله تعالى وشكره وصلتنا إلى نيل مزيد النعماء والآلآء ومكانتكم لدينا مكانة السني المناصب المنتمي إلى كرام المنتميات والمناسب المتحلي في الغناء والاكتفاء والخلوص والصفاء بأكرم السجيات والمناقب المعلوم ما لديه من المناصحة السالكة بأكرم السجيات في المناحي الحسان على المهيع الأوضح والسنن اللاحب
وقد وقفنا على كتابكم معلما بخبر فلانة وبما رأيتموه من المصلحة في تحصينها والاجتهاد في سبب تأمينها ونحن نعلم أنكم تريدون الإصلاح

وتتوخون ما تتوسمون فيه النجاح لكن أهم الأمور عندنا وأولى ما يوافق غرضنا وقصدنا الرفق بالرعية وحملها على قوانين الإحسان المرعية وعلى أثر وصول كتابكم وصلنا كتاب أهل فلانة المذكورة يشكون ضرر الخدمة المتصرفين فيهم ويتظلمون من متحيفيهم ومتعسفيهم وفي هذا ما لا يخفى عليكم ولا ترضون به لو أنتهى إليكم فإنه إذا كان الناظر في خدمة ممن لا يحسن سياسة الأمور ولا يعلم طريق الرفق الحاوية لرفق الخاصة والجمهور أعاد التسكين تنفيرا والتيسير تعسيرا وتعلمون أنا لا نقدم على إيثار العدل في عباد الله المسلمين عملا ولا نبغي لهم باطنة بغير التخفيف عنهم والإحسان إليهم بدلا وأنتم أول وأولى من يعتقد فيه أنه يكمل هذا المقصد ويتحرى في مصالح الرعايا هذا السنن الأرشد وقد خاطبنا أهل فلانة بما يذهب وجلهم ويبسط أملهم وعرفناهم بأنكم لو علمتم ما هو جار عليهم من بعض الخدمة لأخذتم على يده وجازيتموه بسوء معتمده وأشعرناهم بأنا قد استوصيناكم بهم خيرا ونبهناكم على ما يدفع عنهم ضيما ويرفع ضيرا وأنتم إن شاء الله تستأنفون نظرا جميلا وتؤخرون عنهم الخدمة الذين لا يسلكون من السياسة سبيلا وتقدمون عليهم من تحسن فيهم سيرته وتكرم في تمشية الرفق علانيته وسريرته ومثلكم لا يؤكد عليه في مذهب تحسن عواقبه وغرض يوافقه القصد الاحتياطي ويصاحبه إن شاء الله تعالى

الصنف الثالث عشر المكاتبات عند حدوث الآيات السماويه
قال في مواد البيان جرت العادة أن يكتب السلطان إلى الرعايا عند حدوث الآيات المهولة التي يريد الله تعالى بها إرشاد عباده إلى الإقلاع عن معصيته والإقبال على طاعته كالرياح العواصف والزلازل والصواعق واحتباس القطر وخروجه في التسكاب عما جرت به العادة كتبا يضمنها من الوعظ الشافي الرقيق ما يأخذ بمجامع القلوب ويشعرها التقوى والرهبة ويبعث على المراقبة والنظر في العاقبة

قال وينبغي للكاتب أن يتلطف في الموعظة ويبالغ في الذكرى التي تخطر الخواطر وتقدح الأنفس وتحرك العزائم نحو الإخلاص فإنه إذا أبرز هذه المعاني في صور تشعر الخيفة من غضب الله تعالى وعقابه وترغب في عفوه وثوابه نفع الله بذلك من رغب عن الهوى ورغب في التقوى بكتابه
قال والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على آلائه التي يفيضها ابتلاء واختبارا وآياته التي يرسلها تخويفا وإنذارا وموهبته في التوقيف بسابغ نعمته على طاعته والتحذير بدافع نقمته من معصيته والصلاة على رسوله الذي أنقذ بشفاعته وعصم من نزول القوارع بنبوته ثم يقدم مقدمة تتضمن أن الله تعالى يقدم الإعذار أمام سخطه وعذابه ويبدأ بالإنذار قبل غضبه وعقابه فمن استيقظ من سنته ونظر لعاقبته ونهض إلى طاعته وأقلع عن معصيته كشف الرين عن قلبه وضاعف أجره ومن أضرب عن موعظته وتعامى عن تبصيره وتذكيره أخذه على غرته وسلبه سربال نعمته
ثم يأخذ في حث الأمة على الفزع إلى الصلوات والمسارعة إلى بيوت العبادات والإكثار من التضرع والخشوع والاستكانة والخنوع بإذراء سحائب الدموع وإخلاص التوبة عن محتقب الآثام ومخترع الأوزار والتوسل إلى الله تعالى في قبول الإنابة بقلوب نقية وطويات على الطهارة مطوية وسرائر صريحة ونيات صحيحة يصدقها الندم على الماضي وعقد العزم على الإقلاع في الآتي والرغبة إليه في رفع سخطه وإنزال رحمته وما يجاري هذا
قلت وهذا الصنف من المكاتبات قد ترك في زماننا فلا عناية لأحد به أصلا وإن كان مما يجب الاهتمام به وتقديمه

الصنف الرابع عشر المكاتبات في التنبيه على شرف مواسم العبادة وشريف
الأزمنة
قال في مواد البيان إن الله وقت لعباده أوقاتا عظم شانها ورفع مكانها وأمرهم أن يتقربوا فيها إليه بتأدية ما فرضه عليهم لطفا بهم ورأفة وحنانا ورحمة
قال ولم يزل السلطان يكتب إلى عماله بتنبيه الرعايا عليها وتعريفهم فضل العبادة فيها ليستقبلوها بالإخبات والخشوع ويتلقوها بالتضرع والخضوع ويتوسلوا في قبول التوبات وغفران الخطيات حفظا لنظام الدين وتفقدا لمصالح المسلمين
قال وينبغي للكاتب أن يحسن التأتي في هذه الكتب ويذكر الناسي وينبه الغافل اللاهي والمهمل الساهي ويحرك النفوس نحو مصالحها ويبعثها على الأخذ بفاضل الأعمال وصالحها
قال والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على أن وهب لعباده أوقاتا يتقبل فيها قربهم وأعمالهم ويخفف بالإنابة إليه عند حلولها أوزارهم وأثقالهم فيغفر لمستغفرهم ويعفو عن مسيئهم ويتقبل التوبة عن تائبهم والصلاة على رسول الله وعلى آله ثم يقدم مقدمة مبنية على تعظيم هذه الأوقات والإنابة عما في قصرها على العبادات والمسابقة إلى الخيرات من عظيم الثواب ويشفع ببعث الولاة على أخذ الرعايا بالمحافظة على السنن وتعهد حق الله تعالى فيها والتوسع في توكيد الحجة ونفي الشبهة وإيراد المواعظ الرادعة والزواجر الوازعة التي تعود بشحذ البصائر وصفاء الضمائر والإتيان بحقوق هذه الأوقات وواجباتها والفوز بما يوفره من جزيل بركاتها والتوفر على حسن مجاورتها والتقرب إلى الله تعالى ببذل الصدقات والإقبال على الصلوات وزيارة

بيوت العبادات ومذاكرة أهل الدين والسعي في مصالح المسلمين ونحو ذلك مما يناسبه
ثم قال فإن كان الكتاب مقصورا على الدعاء إلى الحج افتتح بالحمد لله على أن جعل لعباده حرما آمنا يمحص ذنوبهم بزيارته ويمحو آثامهم بحجه ووفادته ويلي ذلك ما يليق به من الحث على تأدية المناسك وتكميل الفرائض والسنن وزيارة قبر النبي وكذلك الحكم في سائر الأبواب الدينية

الصنف الخامس عشر المكاتبة بالسلامة في الركوب في المواسم والأعياد وما
ينخرط في سلكها من المواكب الجامعة
قال في مواد البيان جرت العادة أن يكاتب السلطان عماله وولاته بسلامة المواسم الإسلامية كلها لأنها تشاهد لجميع أصناف الرعايا وذوي الآراء المختلفة والمذاهب المتباينة والقلوب المتعادية والمتصاحبة في أمر الدين والدنيا وكل متربص لفتنة ينتهز فرصتها فلا تكاد هذه المشاهد تخلو من ثورة وحدوث أحداث منكرة تفضي إلى الفتن التي لا ترفع فإذا أنعم الله تعالى بالسلامة منها وجب التحدث بنعمته والشكر لمشيئته وأن يكتب أمير المؤمنين بسلامة ما قبله إلى عماله لتسكن الكافة إلى ذلك ويشتركوا في حمد الله تعالى عليه
واعلم أن المواسم التي كان يعتاد الخلفاء الركوب فيها والكتابة بالسلامة منها هي عيد الفطر وعيد النحر وكان الخلفاء الفاطميون بالديار المصرية يعتادون مع ذلك الركوب في غرة السنة وفي أول رمضان وفي الجمعة الأولى والجمعة الثانية والجمعة الثالثة منه على ما تقدم ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية وكذلك عيد الغدير وهو عيد من أعياد الشيعة كما سيأتي ذكره ونحن نشير إلى ذكر مواكبها موكبا موكبا ونذكر ما جرت به العادة في الكتابة في البشارة بالسلامة في ركوب كل موكب منها
الأول البشارة بالسلامة في الركوب في غرة السنة وقد تقدم الكلام على

صورة الموكب في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية بالديار المصرية في المقالة الثانية
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك أورده أبو الفضل الصوري في تذكرته وهي
الحمد لله الذي لم يزل يولي إحسانا وإنعاما وإذا أبلى عبيده عاما أجد لهم بفضله عاما فقد امدكم معاشر الخلفاء كرما ومنا وآتاكم من جوده أكثر مما يتمنى ومنحكم من عطائه ما يوفي على ما أردتموه ( وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه ) وقد استقبلتم هذه السنة السعيدة وإذا عملتم بالطاعة كنتم مستنجزين من ثواب الله الأغراض البعيدة
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الذي غدت الجنة مدخرة لمن عمل بهداه لما سمعه ومهيأة لمن آمن به واتبع النور الذي أنزل معه وبين بإرشاده ما تجري أمور السنين عليه في العدد والحساب ونسخ ما كانت الجاهلية تفعله فيه زيادة في الكفر وضلالا عن الصواب وعلى اخيه وابن عمه امير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي كمل الله الإسلام بإمامته وضاعف الأجر لأهل ولايته ومنح شيعته مقبول شفاعته وعلى الأئمة من ذريتهما خلفاء الله على خلقه والقائمين بواجب حقه والعاملين في سياسة الكافة بما يرضيه سبحانه ويضمن غفرانه ورضوانه وسلم عليهم أجمعين سلاما باقيا إلى يوم الدين
وإن أحق النعم بنشر الذكر وأوجبها للوصف وإعمال الفكر نعمة رفعت الشك وأزالت اللبس ووضح ضياؤها لأولي الألباب وضوح الشمس واشترك الناس فتضاعفت الفائدة لديهم وانتفعوا بذلك في تواريخهم ومعاملاتهم ومالهم وعليهم وتلك هي المعرفة باليوم الذي هو مطلع السنة وأولها ومبدؤها

ومستقبلها وحقيقة ذلك ظهور إمام كل زمان وكان ظهور إمام زماننا مولانا وسيدنا الإمام فلان ليتساوى في الشرف برؤيته العامة والخاصة فيكون استقلال ركابه إشعارا بأن اليوم الذي تجلى فيه لأوليائه ولرعاياه المتفيئين ظل لوائه هو افتتاح السنة وأول محرمها وعليه المعتمد في عدد تام الشهور وناقصها من مفتتحها إلى مختتمها يوم كذا غرة المحرم من سنة كذا في عساكر لا يحصر عددها وقبائل لا ينقطع مددها وإذا اضطرمت نار الكفر والتهبت طفئت بأنوارهم وخبت وقد تقلدت هندية تروع إذا أشرقت وسكنت فما الظن إذا أصطحبت والأرض بمرورها عليها مبهجة مونقة وملائكة الله عز و جل حافة به محدقة فآذن بأن اليوم المذكور هو غرة السنة المعينة وأن اليوم الفلاني أمسه انسلاخ كذا سنة كذا المتقدمة لتستقيم أمورهم على أعدل نهوجهم وليحفظ نظام دينهم في صومهم وفطرهم وحجهم وكذلك اصدر هذا الكتاب ليتلوه الأمير على من يسكن عمله وجميع من قبله ويتماثلوا في معرفته ويحمل كل منهم الأمر عليه في معتقده وأسباب معاملاته ويشكروا الله على النعمة عليهم بهدايته وهو يعتمد ذلك ويطالع بكائنه فيه إن شاء الله تعالى وكتب في اليوم المذكور
الثاني البشارة بالسلامة في الركوب في أول شهر رمضان وهي على نحو مما تقدم في الركوب في غرة السنة
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك من إنشاء ابن الصيرفي وهو
الحمد لله كاليء خلقه في اليقظة والمنام والكافل لهم بمضاعفة الأجر في شهر الصيام وصلى الله على سيدنا محمد الذي بعثه رحمة للأنام وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أخلص ولي وأشرف وصي وافضل إمام وعلى الأئمة من ذريتهما الداعين إلى دار السلام صلاة دائمة الاتصال مستمرة في الغدو والآصال

وإن من المسرة التي تتهادى والنعمة الشاملة للخلق جميعا وفرادى ما من الله به من ظهور مولانا وسيدنا الإمام فلان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين يوم كذا غرة شهر رمضان من سنة كذا إعلاما بأول الشهر وافتتاحه وأن الصيام الأول من فجره الأول قبل تنفس صباحه وتوجهه إلى ظاهر المعزية القاهرة المحروسة في عساكره المظفرة وجنوده وأوليائه وأنصاره وعبيده والمنة برؤيته قد تساوي فيها الكافة وملائكة الله مطيفة حافة وعوده إلى قصوره الزاهرة وقد شمل المستظلين بأفيائه بسعادتي الدنيا والآخرة
أصدر إليك هذا الأمر لتقف على الجملة وتشكر النعمة السابغة على أهل الملة وتتلوها على أهل عملك وتطالع بكائنك في ذلك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
الثالث الكتابة بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الأولى من شهر رمضان
وهذه نسخة كتاب من ذلك من إنشاء ابن الصيرفي أيضا وهي
أفضل ما سير ذكره ووجب حمد الله تعالى عليه وشكره ما عاد على الشريعة بالجمال والبهجة وأضحى واصفه صحيح المقال صادق اللهجة فضاعف حسنه ومحص سيئه وجعل اسباب السعادة متسهلة متهيئة وذلك ما يسره الله تعالى من استقلال ركاب سيدنا ومولانا صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين يوم الجمعة من شهر رمضان من سنة كذا مؤديا خطبتها وصلاتها وضامنا لامة ائتمت به خلاصها يوم الفزع الأكبر ونجاتها في وقار النبوة وسكينة الرسالة والهيبة المستولية على العظمة والجلالة والعساكر الجمة التي تقلق بمهابتها وتزعج وتظن لكثرتها واقفة والركاب يهملج ولما انتهى إليه خطب ووعظ ففتح أبواب التوبة وآب إلى الطاعات من لم يطمع منه بالأوبة وصلى صلاة تقبلها جل وعز بقبول حسن وقصر في وصفها ذوو الفصاحة واللسن وعاد إلى مستقر الخلافة ومثوى الرحمة والرافة وعين الله له

ملاحظة وملائكته له حافظة أعلمت ذلك لتذيعه في أهل عملك وتطالع بكائنك
الرابع المكاتبة بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الثانية من شهر رمضان
قد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة بالديار المصرية في الدولة الفاطمية في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب في الجمعة الثانية من شهر رمضان إلى الجامع الانور وهو جامع باب البحر الذي عمره الحاكم بأمر الله وجدده الصاحب شمس الدين المقسي
وهذه نسخة كتاب في المعنى من إنشاء ابن الصيرفي أيضا وهي
لم يزل غامر كرم الله وفضله يفوق حاضره ما كان من قبله فنعمة الله تعالى سابغة ومننه متتابعة وملابسها ضافية ومغارسها نامية وسحائبها هامية وهو جل وعز يضاعفها على من صلى وصام ويواليها عند من تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصال لها ولا انفصام وتجدد من ذلك ما كان من بروز مولانا وسيدنا الإمام فلان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين يوم الجمعة من شهر رمضان من سنة كذا في شامخ عزه وباذخ مجده وتوجهه إلى الجامع الأنور المنسوب إلى مولانا الإمام الحاكم بأمر الله جده سلام الله عليه وصلواته وبركاته وتحياته وعساكره قد تجاوزت الحد وكثرت عن الإحصاء والعد فإذا تأملها الطرف انقلب عنها خاسئا وارتد
ولما وصل إلى الجامع المذكور خطب فأورد من القول أحسنه ووعظ فأسمع من الوعظ أوضحه وأبينه وصلى صلاة جهر بالقراءة فيها ورتلها وعاد إلى قصوره الشريفة وقد شملت البركات برؤيته ووفق من عمل بموعظته ونجا من اقتدى به في صلاته واستولى على السعد من جميع ارجائه وجهاته أعلمناك ذلك لتعرف قدر النعمة به فاشكر الله سبحانه بمقتضاه واعتمد تلاوة هذا الأمر على رؤوس الأشهاد فاعلم ذلك

الخامس المكاتبة بالسلامة في الركوب في الجمعة الثالثة من شهر رمضان
قد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب في الجمعة الثالثة منه إلى الجامع العتيق بمصر فيخطب فيه ويعود إلى قصره
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك من إنشاء ابن الصيرفي وهي
من عوائد الله سبحانه الإحسان إلى عبيده وتعويضهم للشكر عليه بنموه ومزيده والامتنان بتيسير عصيه وتعجيل قصيه وتقريب بعيده فهو لا يخليهم من نواجمه ولا يعفيهم من هواجمه
ولما أقبل هذا الشهر الشريف كان من عموم بركاته وشمول خيراته أن مولانا وسيدنا الإمام الفلاني صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين والى فيه بركاته وزكى أعمال المؤمنين في استماع اختطابه والائتمام بصلاته وفي هذا اليوم وهو يوم الجمعة من شهر رمضان أعمل ركابه إلى الجامع العتيق بمصر ليسهم لهذه المدينة من حظي الدنيا والآخرة مثل ما اسهمه وعجله لأهل المعزية القاهرة فكانت هيبته يعجز وصفها كل لسان وظهر عليه السلام في الرداءين السيف والطيلسان والجيوش قد انبسطت وانتشرت والنفوس قد ابتهجت واستبشرت والالسنة قد عكفت على الدعاء بتخليد ملكه وتوفرت وعند وصوله خطب فأحسن في الألفاظ والمعاني وحذر من تأخير التوبة

والتضجيع فيها والتواني وصلى صلاة شرفها الله وفضلها ورضيها تبارك وتعالى وتقبلها وانكفأ عائدا إلى قصوره ومنازله المعظمة ضاعف الله له ثوابه وأجره وأوجب شكره ورفع ذكره ويجب أن تعتمد إذاعة ذلك ليبالغ الكافة في الاعتراف بالنعمة فيه ويواصلوا شكر الله تعالى عليه والمطالعة بما اعتمد فيه
السادس ما يكتب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد الفطر
وقد تقدم في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب لصلاة عيد الفطر صبيحة العيد ويخرج من باب العيد من أبواب القصر ويتوجه إلى المصلى فيصلي ويخطب ثم يعود إلى قصوره ويكتب بذلك إلى أعمال المملكة تارة مع خلو الدولة عن وزير وتارة مع اشتمالها على وزير
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك مع خلو الدولة عن وزير من إنشاء ابن الصيرفي وهو
الحمد لله ناشر لوائه في الأقطار ومعوض المطيعين من جزائه ببلوغ الأوطار الذي نسخ الإفطار بالصيام ونسخ الصيام بالإفطار وكلف عباده ما يطيقونه ووعد عليه جزيل أجره وأسبغ من نعمه ما لا يطمع في القيام بواجب حمده عليه وشكره وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الذي أعلن بالايمان وباح وبين المحظور في الشريعة والمباح وأرشد إلى ما حرمه الإسلام وحلله ومهد سبل الهدى لمن أستغواه الشيطان وضلله وأوضح مراتب الأوقات ومنازلها وعرف تفاوت الأيام وتفاضلها وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي مضت في الله عزماته وبيضت وجه الدين الحنيف مواقفه ومقاماته

وعلى الأئمة من ذريتهما الذين تكفلوا أمر الامة نصا وامتطوا على منارها فلم يألوا جهدا ولم يتركوا حرصا فالحاضر منهم يوفي على من كان من قبله وأحزاب الحق فرحون بما أتاهم الله من فضله وسلم عليهم أجمعين سلاما لا انقطاع لدوامه وشرفهم تشريفا لا انفصام لإبرامه وأسنى ومجد وتابع وجدد
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم كذا عيد الفطر من سنة كذا بعد أن وفى الصيام حقه وحاز أجر من جعل الله على خزائنه رزقه وبعد ان افطر بحضرته الأولياء من آله وأسرته والمقدمون من رؤساء دولته والمتميزون من أوليائه وشيعته وكان من نبإ هذا اليوم أن أمير المؤمنين لما ارتقب بروزه من قصوره وتجلى فأشرقت الأرض بنوره توجه إلى المصلى قاضيا لسنة العيد فكانت نعمة ظهوره بالنظر للحاضر وبالخبر للبعيد واستقل ركابه بالعساكر المنصورة التي أبدت منظرا مفتنا معجبا وجعلت أديم الأرض بالخيل والرجل محتجبا وذخرت الانتقام ممن شق العصا وتجاوزت في الكثرة عدد الرمل والحصا وزينت الفضاء بهيئتها وروعت الأعداء بهيبتها وجمعت بين الطاعة وشدة الباس وادرعت من التقوى أمنع جنة وأحصن لباس ولم يزل سائرا في السكينة والوقار ناظرا للدنيا بعين الاحتقار والثرى بالجباه والشفاه مصافح ملثوم فهما موسومتان به وهو بهما موسوم إلى أن وصل إلى مقر الصلاة ومحل المناجاة فصلى أتم صلاة وأكملها وأداها أحسن تأدية وأفضلها وأخلص في التكبير والتهليل إخلاص من لم يفت أمرا ويخشى الله ويتقيه ونصح في إرشاده ووعظه وأعرب ببديع معناه وفصيح لفظه وعاد إلى مثوى كرامته وفلك إمامته محمود المقام مشمولا بالتوفيق في النقض والإبرام أعلمك أمير المؤمنين ذلك لتذيعه فيمن قبلك وتشكروا الله على النعمة الشاملة لهم ولك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى وكتب في اليوم المذكور
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك والدولة مشتملة على وزير عن الحافظ

لدين الله العلوي خليفة الديار المصرية في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة وهي
الحمد لله الذي أعز الاسلام وشيد مناره وأيد اولياءه ونصر انصاره وأظهر في مواسمه قوته وأستظهاره وختم الشرائع بشرف أبدي فكان حظها منه إيثاره وحظ الإسلام استبداده به واستئثاره وصلى الله على جدنا محمد الذي كرمه باصطفائه وأسعد من حافظ على اتباع نهجه واقتفائه وبين بشرعه ما حلله وحرمه ودعا الامة بإرساله إلى دين قيم أعلى بناءه وأحكمه ووعدهم على مفروضه ومسنونه جزيل الاجر وأمر في اعتقاد خلافه بالدفع والمنع والزجر وعلى أخيه وابن عمه أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أول الائمة الخلفاء والمشتهرة فضائله اشتهارا ليس به من خفاء ومن حباه الله المحل الرفيع والمن الجزيل وخصه من الشرف بما جاء فيه من محكم التنزيل وعلى الأئمة من ذريتهما القائمنين بفرض الله والمؤدين لحقوقه والذين كفلت أمانتهم بانبساط نور الحق وانتشار لوائه وخفوقه وسلم وكرم ومجد وعظم
وكتاب أمير المؤمنين إليك يوم كذا عيد الفطر من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة الذي أمر الله فيه بما نهى عنه من قبله وضاعف الأجر بكرمه وفضله فرفع تكاليف الصوم وأوجب الإفطار في هذا اليوم وساوى في ذلك بين كل متهم ومنجد وأمر بني آدم فيه بأخذ الزينة عند كل مسجد وكان من خبره أن الفجر لما طلع مبشرا بالشمس ومؤذنا ببعثها من الرمس تتابعت الجيوش الموفورة والعساكر المنصورة إلى أبواب القصور الزاهرة توكفا لأنوار أمير المؤمنين وترقبا لظهوره قاضيا حق الدين فلما اسفر الصبح واضاء وملأت الخلائق الفضاء تجلى من افلاك إمامته وبرز فأغبط كل مؤمن بثباته على المشايعة وإقامته وكان ظاهرا وهو محتجب بالأنوار وممتنعا وهو منتهب

بالأبصار والكافة يصافحون الأرض ويجتهدون في الدعاء بإخلاص نياتهم والعساكر المؤيدة لو انها عمت الارض بتطبيقها وساوت بين قريبها وسحيقها وصارت كالجبال الرواسي فيها لكانت قد تزلزلت ومادت بأهليها وهي مع تباين اجناسها وطوائفها متظافرة على معاندي الدولة ومخالفيها متلائمة على الولاء متمالئة على الاعداء تتلفت الى المجاهدة كأنها الاسود اقداما وباسا وكأنما فصلت جوامد الغدران سلاحا لها ولباسا والسيد الاجل الافضل التي عظمت به المواهب وجلت وذهبت بوزارته الغياهب وتجلت وتهلل بنظره وجه الملة وكان عابسا واعاد الدولة معصرا وقد كانت قبله عانسا وحسنت الدنيا بأيامه اذ ليس فيها من يضاهيه وانتظمت امورها على الارادة بصدورها عن اوامره ونواهيه ترتب المواكب بمهابته ويستغنى بتوغلها في القلوب عن ايمائه واشارته وكل طائفة مقبلة على شانها لازمة لمكانها متصرفة على تهذيبه وتقريره عاملة بآدابه فوقوفها بوقوفه ومسيرها بمسيره
وتوجه امير المؤمنين الى المصلى محفوفا بأنوار تجلي ما أنشأته سنابك الخيل وتمحو آية نقع قام مثارها مقام ظلام الليل وعليه من وقار الامامة وسكينة الخلافة ما خصه الله تعالى به دون البرية وحده لانه مما ورث امية رسول وآله وجده ولما انتهى اليه قصد المحراب وامه وادى الصلاة اكمل اداء واتمه ثم انتهى الى المنبر فعلاه ومجد الله تعالى وحمده على ما اولاه ووعظ وعظا خوف عاقبة المعاصي والذنوب وحل وكاء العيون وداوى مرض القلوب وامر بسلوك سبيل الطاعات وافعال البر وحث على التوفر عليها في الجهر والسر وعاد الى قصوره المكرمة ومواطنه المقدسة

وقد بذل في نصحه لله ولرسوله وللمؤمنين جهده وفعل في الارشاد والهداية ما لا غاية بعده
انبأك امير المؤمنين خبر هذا اليوم لتشكر الله على النعمة فيه وتذيعه قبلك على الرسم فيما يجاربه فاعلم هذا واعمل به ان شاء الله تعالى
السابع ما يكتب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد النحر
قد تقدم في الكلام على ترتيب دولة الفاطميين في المقالة الثانية ان الخليفة كان يركب لصلاة عيد النحر كما يركب لصلاة عيد الفطر تارة مع اشتمال الدولة على وزير وتارة مع عدم اشتمالها على وزير
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك من انشاء ابن الصيرفي وهي
اما بعد فالحمد لله الذي اعلى منار الملة وشرف مواسم اهل القبلة وكفل امير المؤمنين امر الايام كما كفله امر الانام فراى الناس من حسن سيرته ايقاظا ما لا يرونه مجازا في المنام وصلى الله على جدنا محمد نبيه الذي ارسله الى الناس كافة وجعل العصمة محيطة به حافة فأطلع في ظلام الشرك شمس التوحيد وبدره وآمن به من شرح الله للاسلام صدره وعصاه من تمرد فأثقل الوزر ظهره وبين عبادات كرم اجرها وعظم ثوابها والزم طاعات جعل الجنة للعاملين بها مفتحة ابوابها وعلى اخيه وابن عمه امير المؤمنين علي بن ابي طالب مظافره ومظاهره والمساوي في حكمه بين باطنه وظاهره ولم يزل حاملا على المحجة البيضاء جاعلا ذلك من قربه وذخائره قائما بحقوق الله جاهدا في تعظيم حرماته وشعائره وعلى الائمة من ذريتهما نجوم الارض وهداة اهلها والواجبة طاعتهم على من في وعرها وسهلها والذابين بالمشرفية عن حمى الشريعة والذين متابعتهم من اوجه ذريعة
وكتاب امير المؤمنين هذا اليك يوم كذا عيد النحر سنة كذا وكذا وهو يوم

اظهر الله فيه قوة الدولة واقتدارها واوجب فيه رغبة ورهبة مسارعة النفوس المخالفة الى الطاعة وآبتدارها وذلك ان عساكر امير المؤمنين توجهت الى قصوره الزاهرة عند انفجار الفجر وحافظت على ما تحرزه من كريم الثواب وجزيل الاجر واستنزلت الرحمة برؤية امام الامة واعدت الاخلاص في خدمته من اوفى الحرمات وأقوى الأذمة وأقامت إلى أن برز أمير المؤمنين والأنوار الساطعة طوالعه ومهابته تمنع كل طرف من استقصاء تأمله وتدافعه وقصد المصلى في كتائب لجبة ومواكب للتعظيم مستوجبة وعزة تتبين في الشمائل والصفحات وقوة يشهد بطيب وصفها أرج النفحات قد غدت عددها محكمة وخيولها مطهمة وذوابلها إذا ظمئت كانت مقومة وإذا رويت عادت محطمة تتقلد صفائح متى انتضيت انصفت من الجائر الحائف ومتى اقتضبت عملا كان اقتضابها مبيضا للصحائف وفي ظلها معاقل للائذين وبحدها مصارع للمنابذين وهي للدماء هوارق وللهامات فوالق ولمستغلق البلاد مفاتح ولمستفتحها مغالق
ولما انتهى إلى المصلى قضى الصلاة أحسن قضاء وأداها أفضل تأدية واستنزل رحمة لم تزل بصلاته متمادية وانتهى إلى المنبر فرقيه وخطب خطبه من استخلفه الله فكان مراقبه ومتقيه ووعظ أبلغ وعظ وأبان عما للعامل بنصحه في الدنيا والآخرة من فائدة وحظ وعطف على الأضاحي المعدة له فنحرها جريا في الطاعات على فعلها المتهادي وأضحت تتوقع التكميل بإنجازه وعيده في الأعادي فالله يقضي بتصديقه ويمن بتخيله وتحقيقه وعاد إلى قصوره المكرمة مشكورا سعيه مضمونا نفعه مرضيا فعله مشمولا عبيده منه بما هو أهله أعلمك أمير المؤمنين ذلك فاعلم هذا واعمل به وكتب في اليوم المذكور
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك والدولة مشتملة على وزير من إنشاء ابن

قادوس وهي
أما بعد فالحمد لله ماحي دنس الآثام بالحج إلى بيته الحرام وموجب الفوز في المعاد لمن عمل بمراشد أئمة الهدى الكرام ومضاعف الثواب لمن اجتهد فيما أمر الله به من التلبية والإحرام ومخول الغفران لمن كان بفرائض الحج ونوافله شديد الولوع والغرام وصلى الله على جدنا محمد الذي لبى وأحرم وبين ما أحل الله وحرم وعلى أخيه أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي ضرب وكبر وحقر من طغى وتجبر وعلى الأئمة من ذريتهما أعلام الدين وحتوف المعتدين وسلم وكرم وشرف وعظم
وإن من الأيام التي كملت محاسنها وتمت وكثرت فضائلها وجمت ووجب تخليد عز صفاتها وتعين تسطير تأثيراتها يوم عيد النحر من سنة كذا وكان من قصصه أن الفجر لما سل حسامه وأبدى الصباح ابتسامه نهض عبيد الدولة في جموع الأولياء والأنصار واولي العزيمة والاستبصار ميممين القصور الزاهرة متبركين بأفنيتها ومستملين بسعادتها وتألفوا صفوقا تبهر النواظر ويخجل تألفها تألف زهر الروض الناضر مستصحبين فنونا من الأزياء تروق ومستتبعين اصنافا من الأسلحة يغض لمعها من لمع اللهب والبروق والأعلام خافقة والرايات بألسنة النصر على الإخلاص لإمام العصر متوافقة فاقاموا على تشوف لظهوره وتطلع للتبرك بلامع نوره
ولما بزغت شمس سعادته وجرت الأمور على إيثاره وإرادته وبدت أنوار الإمامة الجلية وظهرت طلعتها المعظمة البهية خر الأنام سجودا بالدعاء والتمجيد والاعتراف بأنهم العبيد بنو العبيد واستقل ركاب أمير المؤمنين ووزيره السيد الأجل الذي قام بنصر الله في إنجاد أوليائه وتكفل للإسلام برفع

مناره ونشر لوائه وناضل عن حوزة الدين وجاهد وناصل أحزاب الكفار وناهد يقوم بأحكام الوزارة وتدبير الدولة تدبير أولي الإخلاص والطهارة ويتبع آراء أمير المؤمنين فيما تنفذ به أوامره ويعمل بأحكام الصواب فيما تقتضيه موارده ومصادره ويحسن السياسة والتدبير ويتوخى الإصابة في كل صغير من أمور الدولة العلوية وكبير ويخلص لله جل وعز ولإمامه ويكفكف من الأعداء ببذل الجهد في إعمال لهذمه وحسامه وسار أمير المؤمنين والعساكر متتابعة في أثره متوافقة على امتثال أمره قد رفعت السنابك من العجاج سحابا وخيلت جنن الجند للناظرين في البر عبابا والجياد المسومة تموج في أعنتها وتختال في مراكبها وأجلتها وتسرع فتكسب الرياح نشاطا وتفيد المتعرض لوصفها إفراطا وتهدي لمن يحاول مماثلتها غلوا واشتطاطا وأصوات مرتفعة بالتهليل وأصوات الحديد تسمع بشائر النصر بترجمة الصليل ويكاد يرعب الأرض تزلزل الصهيل وترض سنابكها الهضاب وتغدو صلابها كالكثيب المهيل
ولما انتهى ركاب أمير المؤمنين إلى المصلى والتوفيق يكتنفه والسعادة تصرفه قصد المحراب فأقام الصلاة ونحا المنبر فشرفه إذ علاه وأدى الصلاة على أكمل الأوضاع وأتمها وأجمع الأحوال لمراضي الله وأعمها وانثنى للبدن المعدة فنحر ما حضر تقربا لخالقه وأجرى القانون على حقائقه وعاد إلى قصوره الزاهرة وقد غفر الله بسعيه الذنوب وطهر برؤيته القلوب وبلغ الأمم من المراشد نهاية المطلوب
أعلمك أمير المؤمنين نبأ هذا اليوم الذي تشتمل المسار علىجميعه أولا وآخرا وباطنا وظاهرا لتذيع نبأه في عمل ولايتك وتشيع خبره في الرعايا على جاري عادتك فاعلم هذا واعمل به وطالع مجلس النظر السيدي الأجلي بما اعتمدته في ذلك إن شاء الله تعالى وكتب في اليوم المذكور

قلت وهذا الصنف من المكاتبات قد رفض وترك استعماله بديوان الإنشاء في زماننا

الصنف السادس عشر المكاتبة بالبشارة بوفاء النيل والبشارة بالسلامة في
الركوب لفتح الخليج
وهذه المكاتبة من خصائص الديار المصرية لا يشاركها فيها غيرها من الممالك ولم يزل القائمون بالأمر بالديار المصرية من قديم الزمان وهلم جرا يكتبون بالبشارة بذلك إلى ولاة الأعمال اهتماما بشأن النيل وإظهارا للسرور بوفائه الذي يترتب عليه الخصب المؤدي إلى العمارة وقوام المملكة وانتظام أمر الرعية وقد كان للخلفاء الفاطميين القائمين بأمر الديار المصرية بذلك كبير العناية ووافر الاهتمام وكانت عادتهم في ذلك أنهم يكتبون بالبشارة بوفاء النيل كتبا مفردة وبفتح الخليج وهو المعبر عنه في زماننا بالكسر كتبا مفردة ولعل فتح الخليج كان يتراخى في زمنهم عن يوم الوفاء فيفردون كل واحد منهما بكتب
فأما وفاء النيل المبارك فهذه نسخة كتاب بالبشارة به في الايام الفاطمية من إنشاء ابن قادوس وهي
النعم وإن كانت شاملة للأمم فإنها متفاضلة الأقدار والقيم فأولاها بشكر تنشر في الآفاق أعلامه واعتداد تحكم بإدراك الغايات أحكامه نعمة يشترك في النفع بها العباد وتبدو بركتها على الناطق والصامت الجماد وتلك النعمة النيل المصري الذي تبرز به الأرض الجرز في أحسن الملابس وتظهر حلل الرياض على القيعان والبسابس وترى الكنوز ظاهرة للعيان متبرجة بالجواهر واللجين والعقيان فسبحان من جعله سببا لإنشار الموات وتعالى من ضاعف به ضروب البركات ووفر به مواد الأرزاق والأقوات وهذا الأمر صادر إلى الامير وقد من الله جل وعلا بوفاء النيل المبارك وخلع على القاضي فلان بن أبي الرداد في يوم كذا وكذا وطاف بالخلع والتشريفات والمواهب المضاعفات بالقاهرة

المحروسة ومصر على جاري عادته وقديم سيرته ونودي على الماء بوفائه ستة عشر ذراعا وإصبعا من سبعة عشر ذراعا واستبشر بالنعمة بذلك الخلائق وواصلوا بالشكر مواصلة لا تستوقفهم عنها العوائق وبدا من مسرات الامم وابتهاجهم ما يضمن لهم من الله المزيد وينيلهم المنال السعيد ويقضي لهم بالمآل الحميد وموصل هذا الأمر إليك فلان فاعتمد عند وصوله إليك إكرامه وإعزازه وإجمال تلقيه وإفضاله إلى ما جرت به عادة مثله من رجاء وتنويه واحتفاء وإكرام واعتناء ليعود شاكرا فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة أخرى من ذلك من إنشاء ابن الصيرفي وهي
أولى ما تحدث به ناقله وراويه وتعجل المسرة به حاضره ورائيه ما كانت الفائدة به شائعة لا تتحيز والنعمة به ذائعة لا يتخصص أحد بشمولها ولا يتميز إذ كان علة لتكاثر الأقوات وبها يكون التماثل في البقاء والتساوي في الحيات وذلك ما من الله تعالى به من وفاء النيل المبارك فإنه انتهى في يوم كذا في سنة كذا إلى ستة عشر ذراعا وزاد إصبعا من سبعة عشر ذراعا وقد سيرنا أيها الأمير فلانا بهذه البشرى إليك وخصصناه بالورود بها عليك فتلقها من الشكر بمستوجبها واستقبلها من الابتهاج والاغتباط بما يليق بها واجعل الرسوم التي جرت العادة بتوظيفها لفلان بن أبي الرداد محمولة من جهتك إلى حضرتنا لتولى إليه من جهتنا فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى وكتب في اليوم المذكور
وهذا الصنف من المكاتبات متداول بالديار المصرية إلى اخر وقت يكتب به في كل سنة عن الأبواب السلطانية إلى نواب السلطنة بالممالك الشامية عند وفاء النيل وتسير به البريدية وربما جبي للبريدي من الممالك شيء بسبب ذلك وإذا كانت الدولة عادلة ضمن الكتاب أنه لا يجبى للبريدي شيء بسبب ذلك
وهذه نسخة مثال شريف في معنى ذلك

ولا زال يروى عنه وإليه حديث الوفاء والندا ويورد على سمعه الكريم نبأ الخصب الذي صفا موردا ويهنى بكل نعمة تكفلت للرعايا بمضاعفة الجود ومرادفة الجدا ويخص بكل منة عمت مواهبها الأنام فلن تنسى أحدا
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي وبحر كرمها لا ينتهي إلى مدى وبشر بشراها دائم أبدا تهدي إليه سلاما مؤكدا وثناء أضحى به الشكر مرددا وتوضح لعلمه الكريم أن الله تعالى قد أجرى على جميل عاداته وأراد بالأمة من الخير ما هو المألوف من إراداته ومنح مزيد النعم التي لم تزل تعهد من زياداته فأسدى معروفه المعروف إلى خلقه وايدهم بما يكون سببا لمادة عطائه ورزقه فبلغهم تأميلهم وأجرى نيلهم وزادهم بسطة في الأرض وملأ به الملا وطبق به البلاد طولها والعرض ونشر على الخافقين لواء خصبه وأتى بعسكرريه لقتل المحل وجدبه وبينما هو في القاع إذ بلغ بإذن ربه فجعل من الذهب لباسه وعطر بالشذا أنفاسه ولم يترك خلال قطر إلا جاءه فجاسه ونص السير فسير نص مجيئه في الأرض لما صحح بالوفاء قياسه وغازلته الشمس فكسته حمرة أصيلها لما غدت له بمشاهدتها ماسه ولم يكن في هذا العام إلا بمقدار ما قيل أقبل إذ قيل وفي ومد في الزيادة باعا وبسط ذراعا وأطلق بمواهب أصابعه كفا وعاجل إدراك الهرم في ابتداء أمره مطال شبابه ومر على الارض فحلا في الأفواه لما ساغ شكر سائغ شرابه واعتمد على نص الكتاب العزيز فكاد أن يدخل كل بيت من بابه
ولما كان يوم كذا من شهر كذا الموافق لكذا من شهور القبط بادرت إلى الوفاء شيمه وأغنت أمواجه عن منة السحب فذمت عندها ديمه وزار البلاد منه أجل ضيف فرشت له صفحة خدها للقرى فعمها كرمه وبلغ من الأذرع ستة عشر ذراعا ورفع لواءه بالمزيد ونشر وجاء للبشر بأنواع البشر فرسمنا بتعليق ستر مقياسه وتخليقه وتضويع أنفاسه وفي صبيحة اليوم المذكور كسر سد خليجه على العادة وبلغ الأنام أقصى الإرادة وتباشر بذلك العام والخاص وأعلنت الألسنة بحمد ربها بالإخلاص وسطرها وهو بفضل الله ورحمته متتابع المزيد

بسيط بحره المديد متجدد النمو في كل يوم من أيام الزيادة جديد فالجناب العالي يأخذ من هذه البشرى بأوفر نصيب ويشكر نعمة الله على ما منح إن شاء الله هذا العام الخصيب ويذيع لها خبرا وذكرا ويضوع بطي هنائها نشرا ويتقدم بأن لا يجبى عن ذلك بشارة بالجملة الكافية لتغدو المنة تامة والمسرة وافية وقد جهزنا بهذه المكاتبة فلانا وكتبنا على يده أمثله شريفة الى نواب القلاع الفلانية جريا على العادة فيتقدم بتجهيزه بذلك على عادة همته فيحيط علمه بذلك
وهذه نسخة أخرى في معنى ذلك كتب بها في سابع عشر ذي القعدة سنة ست وستين وسبعمائة وصورتها بعد الصدر
وبشره بأخصب عام وأخص مسرة هناؤها للوجود عام وأكمل نعمة تقابل العام من عيون الأرض بمزيد الإنعام
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه أتم سلام وأعم ثناء تام وتوضح لعلمه الكريم أن الله تعالى وله الحمد قد جرى في أمر النيل المبارك على عوائد ألطافه ومنح عباده وبلاده من مديد نعمه مزيد إسعافه وأورد الآمال من جوده منهلا عذبا وملأها به إقبالا وخصبا وأحيا به من موات الأرض فاهتزت وربت وأنبتت كل بهيج وأنجبت وأينعت الرياض فجرت فيها الروح ودبت وامتلأت الحياض ففاضت بالمياه وانصبت وطلع كالبدر في ازدياده وتوالى على مديد الأرض بأمداده إلى أن بلغ حده ووصل الفرج ومنع الشدة وفي يوم كذا من شهر كذا الموافق لكذا وكذا من شهور القبط وفاه الله ستة عشر ذراعا فاه فيها بالنجح وعم ثراه الأرض فأشرق بعد ليل الجدب بالرخاء أضوأ صبح وفي ذلك اليوم علق ستره وخلق مقياسه فاشتهر ذكره وكسر سده

وتوالى مده ونجز من الخصب وعده وعلا الترع والجروف وقطع الطريق فأمن من الجدب المخوف وأقبل بوجهه الطلق المحيا وأسبل على الأرض لباس النفع فبدلها بعد الظمإ ريا فحمدنا الله تعالى على هذه النعم ورأينا أن يكون للجناب العالي أوفر نصيب من هذا الهناء الأعم وآثرنا إعلامه بذلك ليكون في شكر هذه النعمة أكبر مشارك فالجناب العالي يأخذ حظه من هذه البشرى ويتحقق ماله عندنا من المكانة التي خصته في كل مبهجة بالذكرى ويتقدم أمره الكريم بأن لا يجبى عن ذلك حق بشارة ولا يتعرض إلى أحد بخسارة وقد جهزنا بذلك فلانا

الصنف السابع عشر فيما يكتب في البشارة بركوب الميدان الكبير بخط اللوق
عند وفاء النيل في كل سنة
وهو مما يتكرر في كل سنة عند ركوب الميدان ويكتب به إلى جميع النواب الأكابر والأصاغر وتجهز إلى أكابر النواب خيول صحبة المثال الشريف ويرسم لهم بالركوب في ميادين الممالك للعب الكرة تأسيا بالسلطان فيركبون ويلعبون الكرة والعادة في مثل ذلك أن تنشأ نسخة كتاب من ديوان الإنشاء الشريف ويكتب بها إلى جميع النيابات لا يختلف فيها سوى صدرها بحسب ما يقتضيه حال ذلك النائب
وهذه نسخة مثال شريف في معنى ذلك كتب به في ذي القعدة سنة ستين وسبعمائة لنائب طرابلس وصورته بعد الصدر
ولا زال تحمل إليه أنباء ما يبرد غلته من مضاعفة السرور وتبث له أقوال الهناء بما يجب علته من النصر الموفور ونخصه من إقبالنا الشريف بأكمل تكريم وأنم حبور
صدرت هذه المكاتبة تهدي إليه من السلام والثناء كذا كذا وتوضح لعلمه الكريم أننا نتحقق مضاء عزائمه حربا وسلما واعتلاء هممه التي تحرس بها

الممالك وتحمى وأن صوافنه ترتبط لتركض وتحبس لتنهض فلذلك نعلمه من أنباء استظهارنا ما يبهج خاطره ويقر ناظره وهو أننا لما كان في يوم السبت المبارك خامس شوال توجه ركابنا الشريف إلى الميدان السعيد وفاض به جودنا فاخضرت مروجه وظهر به نيرنا الأعظم فأشرقت آفاقه وتشرفت بروجه وأقر العيون منير وجهنا المبارك وبهيجه وغدا كل ولي بموالاة إنعامنا مشمولا وبمنالات إكرامنا موصولا وركض الأولياء بين أيدينا جيادا ألفت نزالا وعرفت طرادا وانعطفت لينا وانقيادا وعدنا إلى مستقر ملكنا الشريف وقد جدد الله تعالى لنا إسعادا وأيد لعزمنا المعان مبدأ ومعادا وأثرنا إعلام الجناب العالي بهذه الوجهة الميمونة والحركة التي هي بالبركة مقرونة ليأخذ حظه من السرور بذلك والهنا ويتحقق من إقبالنا الشريف عليه ما يبلغ به المنى
وهذه نسخة مثال شريف في المعنى كتب به في العشرين من شعبان سنة أربع وخمسين وسبعمائة وصورته بعد الصدر
ولا زالت ميادين سعده لا تتناهى الى مدى وكرات كراته في رحاب النصر تلمع كنجم الهدى ومدور صوالجه كشواجر المران تحلو بتأييدها للأولياء وتغدو مريرة للعدا
صدرت هذه المكاتبة وظفرها لا يزال مؤيدا ونصرها لا برح مؤبدا تهدي إليه سلاما مؤكدا وثناء كنشر الأرض بالندى وتوضح لعلمه أننا لم نزل بحمد الله نتبع سنن سلفنا الشريف ونجري الأمور على عوائد جميلهم المنيف ونرى تمرين الأولياء على ممارسة الحروب ونؤثر إبقاء آثار الجهاد فيهم على أحسن أسلوب فلذلك لا نخل في كل عام بالتعاهد إلى الميدان السعيد والركوب إليه

في أسعد طالع يبدي النصر ويعيد لما في ذلك من ابتهاج يتجدد وأسباب مسرة لكافة الأنام تتأكد ودعوات ألسنتها تتضاعف من الرعية وتتردد
ولما كان في يوم السبت المبارك سادس عشر شهر رجب الفرد ركبنا الى الميدان السعيد في اتم وقت اخذ من السعد بمجموعه وأظهر في أفق العساكر من وجهنا الشريف البدر عند طلوعه ولم نبرح يومنا المذكور في عطاء نجيده وإنعام نفيده وإطلاق نبدئه ونعيده والأولياء بين أيدينا الشريفة يمرحون وفي بحار كرمنا المنيف يسبحون وفي ميدان تأييدنا المطيف يسيحون والكرات كالشمس تجنح تارة وتغيب وتخشى من وقع الصوالجة فتقابلها بوجه مصفر مريب ثم عدنا الى القلعة المنصورة على أتم حال وأسعد طالع بلغ الانام الامان والآمال والعساكر بخدمتنا الشريفة محدقون ومماليكنا بعقود ولائنا مطوقون والرعايا قد ألبسها السرور أثوابا وفتح لها من الابتهاج أبوابا وقد آثرنا إعلام الجناب بذلك ليأخذ حظه من هذه المسرة والبشرى ويشترك هو والانام في هذه النعمة الكبرى ومرسومنا للجناب أن يتقدم بالركوب بمن عنده من الأمراء في ميدان طرابلس المحروسة ويلعب بالكرة على جاري العادة في ذلك ليساهم أولياء دولتنا القاهرة في ذلك ويسلك من طرقهم الجميلة أجمل المسالك
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية لم يزل مستعملا بديوان الإنشاء يكتب له كلما ركب السلطان إلى الميدان الصالحي بخط اللوق إلى أن عطل جيده من الركوب في أواخر الدولة الظاهرية برقوق واقتصر على لعب الكرة في الميدان الذي جرت به العادة فتركت المكاتبة بذلك من ديوان الإنشاء ورفض استعمالها

الصنف الثامن عشر المكاتبة بالبشارة بحج الخليفة
لما كانت الأسفار محل الأخطار وموقع الاختلاف وحدوث الفتن كانت الخلفاء يكتبون الكتب إلى عمالهم بالسلامة عند الإياب من السفر للحج وغيره

والرسم فيها أن يذكر أن الحج من أجل العبادات وأن من النعمة أن يمن الله تعالى بقضاء المناسك والوقوف بالمشعر الحرام والطواف بالبيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة وما يجري مجرى ذلك من شعائر الحج ثم بعد بزيارة النبي واتفاق الكلمة في جميع هذه الأحوال على كثرة الخلائق ومزيد الجيوش والعساكر
وهذه نسخة كتاب بالسلامة من سفر الحج وهي
الحمد لله الذي جعل بيته مثابة للناس وأمنا وحرما من دخله كان آمنا الذي اختار دين الإسلام على الأديان وابتعث به صفوته من الإنس والجان محمدا أكرم بني معد بن عدنان
يحمده أمير المؤمنين أن أعانه على تأدية حقه ونصبه لكفالة خلقه ووفقه للعمل بما يرضيه ويدني إليه ويسأله أن يصلي على خير من غار وأنجد وصدر وورد وركع وسجد ووحد ومجد وصلى وعبد وحل وأحرم وحج الحرم وأتى المستجار والملتزم والحطيم وزمزم محمد سيد ولد آدم وعلى أخيه وأبن عمه مصباح الدلالة وحجاب الرسالة إمام الأمة وباب الحكمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ممزق الكتائب ومفرق المواكب ومحطم القواضب في القلل والمناكب وعلى الائمة من ذريتهما الهادين صلاة باقية في العالمين
وإن أولى النعم بأن يستعذب ذكرها ويستعطر نشرها وتتحدث بها الألسنة وتعد في مواهب الله الحسنة نعم الله تعالى في التوفيق لحج بيته الذي جعله مثابة لزائريه والإطافة بحرمه الذي يوجب المغفرة لقاصديه والنزول

بأفنيته التي من يخدم بها فقد أنسلخ من السيئات وتلبس بالحسنات وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم النفر الاول وقد قضى بحمد الله تفثه ووفى نذره وتمم حجه وكمل طوافه وشهد منافعه وأدى مناسكه ووقف الموقف بين يدي ربه قانتا داعيا وراغبا راجيا وعرفه بعرفات إعلامه قبول سعيه وإجابة تلبيته وبلغه في منى أمانيه من رأفته وأراه من مخايل الرحمة ودلائل المغفرة ما تلألأت أنواره وتوضحت آثاره وأجراه على تفصيل العبارة في شمول السلامة لكل من حج بحجه ووقف موقفه من أوليائه وخاصته وعامته ورعيته وأنعم باتفاق كلمتهم واجتماع أهويتهم واكتناف الدعة والسكون لهم وزوال الاختلاف والمباينة بينهم
فإن أراد زيارة قبر النبي قال وهو يصدر بإذن الله تعالى عن موقفه هذا من البيت الحرام إلى زيارة قبر النبي عليه السلام
فإن أزمع الانكفاء إلى مقره قال
وأشعرك أمير المؤمنين ذلك وهو عائد بمشيئة الله تعالى إلى مقر خلافته في عز من قدرته وعلو من كلمته وامتداد من سلطانه وتضاعف من جنده وأعوانه لتأخذ بحظك من الابتهاج والجذل وتذيعه بين أهل العمل ليشاركك العامة في العلم بهذه النعمة فيخلصوا لله الشكر عليها ويرغبوا إليه في الزيادة منها إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة كتاب بسلامة الخليفة من سفر في الجملة
والرسم فيه أن تذكر نعمة الله تعالى بما منح أمير المؤمنين في سفره ذلك من بلوغ المآرب وتسهيل المقاصد وإدراك الأوطار وشمول النعمة في الذهاب والإياب وما يجري مجرى ذلك مما ينخرط في هذا السلك وهذه نسخته

الحمد لله ذي الطول والإنعام والفضل والإكرام والمنن العظام والأيادي الجسام الذي أرعى أمير المؤمنين من حياطته عينا لا تنام واستخدم لحراسته والمراماة دونه الليالي والايام وقضى له بالتوفيق والسعادة في الظعن والمقام
يحمده أمير المؤمنين أن استخلصه لإمامة الأنام وعدق به أساليب النقض والابرام ويساله الصلاة على من اختصه بشرف المقام وابتعثه بدين الإسلام وجلا به حنادس الظلام محمد خاتم الانبياء الكرام وعلى أخيه وابن عمه الهمام الضرغام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكسر الأصنام وعلى الأئمة من ذريتهما أعلام الاحكام وأدلة الحلال والحرام
وإن أمير المؤمنين لا يزال يتحدث بنعم الله مستدرا لأخلافها منتصبا لقطافها ويفيض في ذكرها مستدعيا للزيادة بشكرها ويطلع خلصاءه على حسن آثارها لديه وسبوغ ملابسها عليه ليأخذوا بحظ من الغبطة والاستبشار ويسرحوا في مسارح المباهج والمسار وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك حين استقر ركابه بناحية كذا مبشرا لك بنعمة الله في حياطته وموهبته في سلامته وما أولاه من انارة الدليل وتسهيل السبيل وطي المجاهل وتقريب المنازل وإعذاب المناهل وإنالة الاوطار وتدميث الاوعار وبركة المتصرف وسعادة المنصرف ووصوله إلى مقصده قرير العين قليل الأين محفوظا ساريا وآئبا مكلوءا عائدا وذاهبا مشرد النصب مسرورا موفور النصيب محبورا في اجتماع من كلمة أوليائه على طاعته ونفوذ بصائرهم في نصر رايته وإعانته على ما استحفظه من عباده واسترعاه من بلاده ليأخذ بالحظ الأجزل من الابتهاج والجذل ويشكر الله تعالى على هذه النعمة المتجددة ويضيفها إلى سوالف نعمه التالدة ويذيعها بين رعيته وأنصار دعوته ليشتركوا في ارتشاف لعابها

والتحاف أثوابها فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية قليل الوقوع فإن وقع مثله للكاتب في زماننا خرجه على نسبة الاسلوب المتقدم

الصنف التاسع عشر الكتابة بالإنعام بالتشاريف والخلع
وهذا الصنف مما أغفله صاحب مواد البيان ولا بد منه
والرسم فيه أن يكتب عن الخليفة أو السلطان إلى من أخلص في الطاعة أو ظهرت له آثار كفاية كفتح أو كسر عدو وما يجري مجرى ذلك
وهذه نسخة كتاب كتب به أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله إلى صمصام الدولة بن عضد الدولة بن بويه قرين خلعة وفرسين بمركبين من ذهب وسيف وطوق وهي
من عبد الله عبد الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين إلى صمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار بن عضد الدولة وتاج الملة مولى أمير المؤمنين

سلام عليك فإن امير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على جده محمد عبده ورسوله
أما بعد أطال الله بقاءك فإن أمير المؤمنين وإن كان قد بؤاك المنزلة العليا وأنالك من أثرته الغاية القصوى وجعل لك ما كان لأبيك عضد الدولة وتاج الملة رحمة الله عليه من القدر والمحل والموضع الأرفع الأجل فإنه يوجب لك عند كل اثر يكون منك في الخدمة ومقام حمد تقومه في حماية البيضة إنعاما يظاهره وإكراما يتابعه ويواتره والله يزيدك من توفيقه وتسديده ويمدك بمعونته وتأييده ويخير لأمير المؤمنين فيما رأيه مستمر عليه من مزيدك وتمكينك والإبقاء بك وتعظيمك وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب
وقد عرفت أدام الله عزك ما كان من امر كردويه كافر نعمة أمير المؤمنين ونعمتك وجاحد صنيعته وصنيعتك في الوثبة التي وثبها والكبيرة التي ارتكبها وتقديره أن ينتهز الفرصة التي لم يمكنه الله منها بل كان من وراء ذلك دفعه ورده عنها ومعاجلتك إياه الحرب التي اصلاه الله نارها وقنعه عارها وشنارها حتى أنهزم والاوغاد الذين شركوه في إثارة الفتنة على اقبح أحوال الذلة والقلة بعد القتل الذريع والإثخان الوجيع فالحمد لله على هذه النعمة التي جل موقعها وبان على الخاصة والعامة أثرها ولزم أمير المؤمنين خصوصا والمسلمين عموما نشرها والحديث بها وهو المسؤول إقامتها وإدامتها برحمته

وقد رأى أمير المؤمنين أن يجازيك عن هذا الفتح العظيم والمقام المجيد الكريم بخلع تامة ودابتين بمركبين من ذهب من مراكبه وسيف وطوق وسوار مرصع فتلق ذلك بشكر الله تعالى عليه والاعتداد بنعمته فيه والبس خلع أمير المؤمنين وتكرمته وسر من بابه على حملاته وأظهر ما حباك به لأهل حضرته ليعز الله بذلك وليه ووليك ويذل عدوه وعدوك أن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمته وبركاته وكتب فلان لثمان بقين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلثمائة أطال الله بقاءك وادام عزك وأجزل حفظك وحياطتك وأمتع أمير المؤمنين بك وبالنعمة فيك وعندك
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية باق على الاستعمال متى أنعم السلطان على نائب سلطنة أو أمير أو وزير أو غيره بخلعة بعث بها إليه وكتب قرينها مثال شريف بذكر ذلك إلا أنه أهمل في ذلك السجع والازدواج واقتصر فيه على الكلام المحلول كما في غيره من المكاتبات إلا في النادر المعتنى بشأنه

الصنف العشرون المكاتبة بالتنويه والتلقيب
قال في مواد البيان جرت عادة الخلفاء بالكتابة بالتلقيب لأن اللقب موهبة من مواهب الإمام أمضاها وأجازها فإذا جرت عليه كانت كغيرها من نعمه التي يمنحها على عبيده والكنية تكرمة يستعملها الناس فيما بينهم فليس حكمها كحكم اللقب

قال والرسم في هذه الكتب أن تفتتح بحمد الله على نعمه السابغة الضافية ومواهبه الزاهية النامية وعوارفه التي جعلها جزاء للمحسنين وزيادة للشاكرين ونحو هذا مما يليق أن يفتتح به هذا الغرض والصلاة على سيدنا محمد ثم يقال
وإن أمير المؤمنين بما خوله الله تعالى من نعمه وبوأه من قسمه وخصه به من التمكين في أرضه والمعونة على القيام بفرضه يرى المن على خلصائه وإسباغ النعم على أوليائه واختصاصهم بالنصيب الأوفر من حبائه والإمالة بهم إلى المنازل الباذخة والرتب الشامخة وإن أحق من وفر قسمه من مواهبه وغزر سهمه من عطاياه ورغائبه من تميز بما تميزت به من إخلاص ومطاوعة وولاء ومشايعة وانقياد ومتابعة وصفاء عقيدة وسريرة وحسن مذهب وسيرة ولذلك رأى أمير المؤمنين ان ينعتك بكذا لاشتقاقه هذا النعت من سماتك واستنباطه إياه من صفاتك وشرفك من ملابسه بكذا وطوقك بطوق أو بعقد وقلدك بسيف من سيوفه وعقد لك لواء من الويته وحملك على كذا من خيله وكذا من مراكبه وبحسن الوصف في كل نوع من هذه الأنواع واشتقاق الألفاظ من معانيه يعرب عن قدر الموهبة فيه ثم يقال إبانة لك عن مكانك من حضرته وإثابة على تشميرك في خدمته فالبس تشريفه وتطوق وتقلد ما قلدك به واركب حمولاته وابرز للخاصة والعامة في ملابس نعمائه وأرفل في حلل آلائه وزين موكبك بلوائه وقل ( رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ) وأعني على ما يسترهنها لدي وخاطب أمير المؤمنين متلقبا بسمتك متنعتا بنعتك
وهذه نسخة مكاتبة إلى الأفضل بن ولخشي وزير الحافظ لدين الله

الفاطمي أحد خلفاء الفاطميين بالديار المصرية حين قرر الحافظ نعوته السيد الأجل الأفضل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الأنام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين وهي
أما بعد فالحمد لله الذي تفرد بالالهية وتوحد بالقدم والأزلية وأبدع من برأ وخلق وأنشأهم من غير مثال سبق واصطفى لتدبيرهم في ارضه من بعثه برسالته وجعل ما جاءوا به من الشرائع من أمارة لطفه بهم ودلالته وصلى الله على جدنا محمد رسوله الذي جعل رتبته أخيرا ونبوته أولى فكان أفضل من تقدمه نبيا وسبقه رسولا وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي ذخره لخلافته وايده بوزارته مع كونه من منزلة الاصطفاء وتأييد الوحي الظاهر من غير خفاء بحيث لا يفتقر إلى وزير ولا يحتاج إلى ظهير وإنما جعل ذلك تعليما لمن يستخلفه في الارض من عباده وتمثيلا نص جل وعز إلى قصده واعتماده لما فيه من ضم النشر وصلاح البشر وشمول المنافع وعموم الخيرات التي أمن فيها من مدافع وعلى الأئمة من ذريتهما العاملين بمرضاته والمتقين له حق تقاته والكافلين لكل مؤمن بأمانه يوم الفزع الأكبر ونجاته وسلم عليهم أجمعين سلاما متصلا إلى يوم الدين
والحمد لله الذي جعل النعم التي أسبغها على أمير المؤمنين بحسب ما أختصه به من منزلته التي فضله بها على جميع العالمين فجعله خليفة في الأرض والشفيع لمن شايعه يوم الحساب والعرض وأجزل له من مننه ما لا يناهضه شكر إلا كان ظالعا ولا يقابله اعتداد إلا استولى عليه العجز فلم يكن بما يجب له طامعا وإن من أرفعها مكانا وأعظمها شانا وافخمها قدرا وأنبهها ذكرا وأعمها نفعا وأحسنها صنعا وأغزرها مادة وأثبتها قاعدة إذا غدت النعم شاردة نادة وأعودها فائدة على الخاص والعام وأضمنها للسعد المساعد والحظ الوافر التام ما كان من المنة الشامخة الذرى والمنحة الشاملة لجميع الورى والعارفة التي اعترف بها التوحيد والإسلام والموهبة التي إذا أنفق كل أحد عمره

في وصفها وشكرها فما يعذل ولا يلام والآية التي أظهرها الله للملة الحنيفية على فترة من الرسل والمعجزة التي هدى أهله لها دون كافة الامة إلى اعدل السبل والبرهان الذي خص به أمير المؤمنين وأظهره في دولته والفضيلة التي أبانت مكانه من الله وكريم منزلته وذلك ما من الله به على الشريعة الهادية والكلمة الباقية والخلافة النبوية والإمامة الحافظية منك ايها السيد الأجل الأفضل ولقد طال قدرك في حلل الثناء وجل استحقاقك عن كل عوض وجزاء وغدت أوصافك مسألة اجتماع وائتلاف فلو كانت مقالة لم يقع بين أرباب الملل شيء من النتاقض فيها والاختلاف واين يبلغ أمد استيجابك من منتحيه أو يتسهل إدراك شأوه على طالبه ومبتغيه والايمان لو تجسم لكان على السعي على شكرك أعظم مثابر والإسلام لو أمكنه النطق لقام بالدعاء لك خطيبا على المنابر فأما الشرك فلو أبقيته حيا لتصدى وتعرض لكنك أنحيت عليه وأدلت التوحيد منه فانهد بناؤه بحمد الله وتقوض فكان لك في حق الله العضب الذي تقربت به إليه فأرضيته والعزم الذي صممت عليه في نصرة الحق فأمضيته والباطن الذي اطلع عليه منك فنصرك ولم ترق دما ولا روعت مسلما ولا أقلقت أحدا ولا أزعجته ولا عدلت عن منهج صواب لما انتهجته وذلك مما اشترك الكافة في معرفتة وتساووا في علم حقيقته مع ما كان من تسييرك العساكر المظفرة صحبة أخيك الأجل الأوحد أدام الله به الإمتاع وعضده وأحسن عنه الدفاع وأيده مما جرت الحال فيه بحسن سياستك وفضل سيادتك على أفضل ما عودك الله من بلوغ آمالك من غير أذى لحق أحدا من رجالك والأمر في ذلك أشهر من الإيضاح وأبين من ضياء فلق الصباح وهذا إذا تأمله أمير المؤمنين أوجب عليه أن يقابلك من إحسانه بغاية ما في إمكانه وأن يوليك من منته أقصى ما في استطاعته وقدرته ولم ير احضر من أن قرر نعوتك السيد الأجل الأفضل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الأنام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين أبو الفتح رضوان الحافظي إذ لا أولى منك بكفالة قضاة دولته وإرشادهم وهداية دعاتها إلى ما فيه نجاة المستجيبين في معادهم وجدد لك ما

كان قدمه من تكفيلك أمر مملكته وإعادة القول فيما اسلفه من رده إليك تدبير ما وراء سرير خلافته التذاذا بتكرار ذلك وترديده وابتهاجا بتطرية ذكره وتجديده فأمور الملة والدولة معدوقة بتدبيرك وأحوال الأداني والأقاصي موكولة إلى تقريرك وقد جمع لك أمير المؤمنين من استخدام الاقلام وجعل السيادة لك على سائر القضاة والدعاة والحكام وأسجل لك بالاختصاص بالمعالي والانفراد والتوحد بأنواع الرياسات والاستبداد ولك الإبرام والنقض والرفع والخفض والولاية والعزل والتقديم والتأخير والتنويه والتأمير فالمقدم من قدمته والمحمود من حمدته والمؤخر من أخرته والمذموم من ذممته فلا مخالفة لما أحببته ولا معدلة عما أردته ولا تجاوز لما حددته ولا خروج عما دبرته واين ذلك مما يضمره لك امير المؤمنين وينويه ويعتقده فيك فلا يزال مدى الدهر يعيده ويبديه ولو لم يكن من بركاتك على دولة أمير المؤمنين ويمن تدبيرك العائد على الإسلام والمسلمين إلا ان أول عسكر جهزته إلى جهاد الكفرة الملاعين وكان له النصر العزيز الذي تبلج فجره والفتح المبين الذي جل قدره وانتشر ذكره والظفر المبهج للدين العسكر المنصور على الطائفة الكافرة قتلا لأبطالها وأسرا لأعناق رجالها واخذا لقلاع الملسرة منها وأنه لم يفلت من جماعتها إلا من يخبر عنها ولو علم أمير المؤمنين تعظيما يخرج عما تضمنه هذا السجل لما اقتصر عليه إلا أنه عاجله ما يسره فجاهر لك بما هو مستقر لديه والله عز و جل يخدمك السعود ويخصك من مواهبه بما يتجاوز المعهود ويمدك بمواد التوفيق والتأييد ويقضي لك في كل أمورك بما لا موضع فيه للمزيد إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
قلت وهذا الصنف من الكتب السلطانية قد رفض وترك استعماله في

زماننا فلا معول عليه أصلا

الصنف الحادي والعشرون المكاتبة بالإحماد والإذمام
قال في مواد البيان السلطان محتاج إلى مكاتبة من يقف منه على طاعة واجتهاد ومناصحة وإخلاص بالشكر والإحماد والبعث على الازدياد من المخالصة وحسن السعي في الخدمة وغيرها مما يرتبط به النعمة ويستوجب معه حفظ الرتبة ومكاتبة من يعثر منه على تقصير وتضجيع وتفريط وتضييع بالذم والتقريع والتأنيب لأنه لا يخلو أعوان السلطان من كفاة يستديم كفايتهم بتصويب مراميهم واستحسان مساعيهم وإحمادهم على تشميرهم وشرح صدورهم ببسط آمالهم والعدة برفع منازلهم ومحالهم وتمييزهم على نظرائهم وأشكالهم وتحذيرهم من التوبيخ وتقديم الأعذار والتخويف من سقوط المراتب وقبح المصاير والعواقب
قال وينبغي للكاتب ان ينتهي في خطاب من انتهى في الحالين إلى غايتيهما إلى المعاني الناجعة في الغرضين ويتوسط فيهما سيما التوسط الذي يقتضيه الحال المفاض فيها لأن في ذلك تقريرا للمحسن على إحسانه ونقلا للمسيء عن إساءته لأنه إذا علم الناهض أنه مثاب على نهضته والواني أنه معاقب على ونيته اجتهد هذا في الاستظهار بخدمته بما يزيد في رتبته وخاف هذا من حط منزلته وتغير حالته ثم قال والرسوم في هذه المكاتبات تختلف بحسب اختلاف أغراضها وتتشعب بتشعب معانيها والأمر في ذلك موكول إلى نظر الكاتب العارف الكامل ووضعه كل شيء في موضعه وترتيبه إياه في مرتبته
فأما المكاتبة بالإحماد فكما كتب عن صمصام الدولة بن عضد

الدولة بن بويه إلى حاجب الحجاب ابي القاسم سعد بن محمد وهو مقيم بنصيبين على محاربة باد الكردي
كتابنا ووصل كتابك مؤرخا بيوم كذا تذكر فيه ما جرى عليه أمرك في الخدمة التي نيطت بكفايتك وغنائك ووكلت إلى تدبيرك ووفائك من رد باد الكردي عن الأعمال التي تطرقها وحدث نفسه بالتغلب عليها وتصرفك في ذلك على موجبات الأوقات والتردد بين أخينا وعدتنا أبي حرب زياد بن شهراكويه وبينك من المكاتبات وحسن بلائك في تحيفه ومقاماتك في حص جناحه وآثارك في الانقضاض على فريق بعد فريق من اصحابه وأضطرارك إياه بذلك وبضروب الرياضات التي استعملتها والسياسات التي سست أمره بها إلى أن نزل عن وعورة المعصية إلى سهولة الطاعة وانصرف عن مجاهل الغواية إلى معالم الهداية وتراجع عن السوم إلى الاقتصار وعن السرف إلى الاقتصاد وعن الإباء إلى الانقياد وعن الاعتياص إلى الإذعان وأن الأمر استقر على أن قبلت منه الإنابة وبذلت له فيما طلب الاستجابة واستعيد إلى الطاعة

واستضيف إلى الجماعة وتصرف على أحكام الخدمة وجرى مجرى من تضمه الجملة وأخذت عليه بذلك العهود المستحكمة والايمان المغلظة وجددت له الولاية على الأعمال التي دخلت في تقليده وضربت عليها حدوده وفهمناه
وقد كانت كتب أخينا وعدتنا أبي حرب زياد بن شهراكويه مولى أمير المؤمنين ترد علينا وتصل إلينه مشتملة على كتبك إليه ومطالعاتك إياه فنعرف من ذلك حسن أثرك وحزم رأيك وسداد قولك وصواب اعتمادك ووقوع مضاربك في مفاصلها وإصابة مراميك أغراضها وما عدوت في مذاهبك كلها ومتقلباتك بأسرها المطابقة لإيثارنا والموافقة لما أمرت به عنا ولا خلت كتب أخينا وعدتنا أبي حرب من شكر لسعيك وإحماد لأثرك وثناء جميل عليك وتلويح وإفصاح بالمناصحة الحقيقة بك والموالاة اللازمة لك والوفاء الذي لا يستغرب من مثلك ولا يستكثر ممن حل في المعرفة محلك ولئن كنت قصدت في كل نهج استمررت عليه ومعدل عدلت إليه مكافحة هذا الرحل ومراغمته ومصابرته ومنازلته والتماس الظهور عليه في جميع ما تراجعتماه من قول وتنازعتماه من حد فقد اجتمع لك إلى احمادنا إياك وارتضائنا ما كان منك المنة عليه إذ سكنت جاشه وأزلت استيحاشه واستللته من دنس لباس المخالفة وكسوته حسن شعار الطاعة وأطلت يده بالولاية وبسطت لسانه بالحجة وأوفيت به على مراتب نظرائه ومنازل قرنائه حتى هابوه هيبة الولاة وارتفع بينهم عن مطارح العصاة
فالحمد لله على أن جعلك عندنا محمودا وعند أخينا وعدتنا أبي حرب مشكورا وعلى هذا الرجل مانا وفي إصلاح ما أصلحت من الأمر مثابا مأجورا وإياه نسأل أن يجري علينا عادته الجارية في إظهار آياتنا ونصرة أوليائنا والحكم لنا على أعدائنا وإنزالهم على إرادتنا طوعا أو كرها وسلما أو حربا فلا يخلو

أحد منهم من أن تحيط لنا بعنقه ربقة أسر أو منة عفو إنه جل ثناؤه بذلك جدير وعليه قدير
ويجب أن تنفذ إلى حضرتنا الوثيقة المكتتبة على باد الكردي إن كنت لم تنفذها إلى أوان وصول هذا الكتاب لتكون في خزائننا محفوظة وفي دواويننا منسوخة وأن تتصرف في أمر رسله وفي بقية إن كانت بقيت من أمره على ما يرسمه لك عنا أخونا وعدتنا أبو حرب فرأيك في العمل على ذلك وعلى مطالعتنا بأخبارك وأحوالك وما يحتاج إلى علمه من جهتك موفقا إن شاء الله تعالى
وأما الإذمام فيختلف الحال فيه باختلاف الملوم فيه والمذموم بسببه فمن ذلك الذم على ترك الطاعة وشق العصا
كما كتب عمارة يصف شخصا بأنه لما ارتفع مكانه وعلا قدره بطر معيشته وخرج عن طاعة الخليفة وأن فلانا كان ممن عرفت حاله في غموض أمره وخمول ذكره وضيق معيشته وقلة عدده وناهضته ولا تجاوز حياته ما يقوله ولا يتعاطى ما وراء ذلك ولا يرومه ولا يمنيه نفسه ولا يدفع يد لامس عنه بقوة تنوء بملأ ولا عز يلجأ إليه فأنعم عليه أمير المؤمنين وأكرمه وشرفه وبلغ به الغاية التي لم يكن يرجوها ولا ترجى له وبسط له من الدنيا وآتاه من غضارتها ونعمتها وعزها وسلطانها ما لم يؤت أحدا من أهل زمانه فلما مكن الله له في الدنيا طغى وتجبر وعلا وتكبر وظن أن الذي كان فيه شيء قاده إلى نفسه بحوله وقوته تهويلا من الشيطان واستدراجا منه له
وكما كتب عبد الحميد في مثله

أما بعد فقد بلغ أمير المؤمنين عنك أمر لم يحتمله لك إلا ما أحب من رب صنيعته قبلك واستتمام معروفه إليك وكان امير المؤمنين احق من اصلح ما فسد منك وإنك إن عدت لمثل مقالتك وما بلغ أمير المؤمنين عنك رأى في معاجلتك رأيه فإن النعمة إذا طالت بالعبد ممتدة أبطرته فأساء حمل الكرامة واستثقل العافية ونسب ما هو فيه إلى حيلته وحسن نبته ورهطه وعشيرته وإذا نزلت به الغير وانكشفت عماية العشى عنه ذل منقادا وندم حسيرا وتمكن منه عدوه قادرا عليه وقاهرا له ولو أراد أمير المؤمنين مكافأتك بلفظك ومعاجلة إفسادك جمع بينه وبين من شهد فلتات خطئك وعظيم زلتك ولعمري لو حاول أمير المؤمنين مكافأتك بلفظك في مجلسك وجحودك فضله عليك لردك إلى ما كنت عليه ولكنت مستحقا
وفي مثله
فإن صاحب البريد كتب إلي عن أصحابك بكذا فقلت إنهم لم يقدموا على ما أقدموا عليه حتى عجموك فعرفوا خور عودك وضعف مكسرك ومهانة نفسك وأنه لا غير عندك ولا نكير
ومن ذلك الذم على الخطأ كما كتب أحمد بن يوسف
كأن البخل والشؤم صارا معا في سهمه وكانا قبل ذلك في قسمه فحازهما لوارثه واستحق ما استملك منهما بالشفعة وأشهد على حيازتهما أهل الدين والأمانة حتى خلصا له من كل ممانع وسلما له من تبعة كل منازع فهو لا يصيب إلا مخطئا ولا يحسن إلا ناسيا ولا ينفق إلا كارها ولا ينصف إلا صاغرا

قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية لا يمتنع وقوعه في وقت من الأوقات فإن عرض له موجب راعى الكاتب فيه صورة الحال وكتب على ما يوجبه المقام وتقتضيه تلك الوقعة
الصنف الثاني والعشرون ما يكتب مع الإنعام لنواب السلطنة بالخيل والجوارح وغيرها من أنواع الإنعامات وهذا الصنف من المستعمل في زماننا كل وقت
فأما ما يكتب مع الإنعام بالخيل فقد جرت العادة أن السلطان ينعم بالخيل على نواب السلطنة بالشام ويكتب بذلك مثالات شريفة إليهم وربما أنعم بالخيل وكتب بها في غير ذلك
وهذه نسخة مثال شريف من ذلك
ضاعف الله تعالى نعمة الجناب وخصه من النعم بما لا تحصى له آثار ولا يتعلق له بغبار ولا يوصف بحال واحدة لأنه إن جرى فبحر وإن وقف فنار
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي بكل سلام لا تدرك لسوابقه غاية ولا تحصى له نهاية ولا يرد منه كل ما جاء وله في وجهه كفلق الصبح آية ولا يتقدم في ميدان إلا وقد حمل له في كل مكان راية وتوضح لعلمه الكريم أنه قد جهز له قرينها ما جرت به عادته من الحصن التي لا يدعي البرق أنه لها نظير ولا تجاري الرياح من سوابقها ما يطير كم لها في ميدان مجال وكم لها في رؤية دوية ارتجال وكم دعي الوغى بها على كل ضامر فأتت رجالا تقدح سنابكها نارا وتفيض جوانبها من الركض عقارا ويتكفل بديعها بكل مرام وتعطي ما في يديها لأنها من الكرام وقد تشرفت من نعمنا الشريفة بالسروج واللجم والعدة المكملة وتحلت من الذهب والفضة ما يغني بجملته المفصلة وأرسلناها إليه ترقص في أعنتها زهوا وتترك بطيب صهيلها كل بحر تخوضه إلى المنايا رهوا وتوجه بها فلان كالعرائس المجلوة في حللها والنجوم لولا ما تميزت به من حلي عطلها والسحاب إلا أنها لا تحتاج منة الرياح في تنقلها

فليقابل هذه النعمة الشريفة بشكرها وليتسلم هذه الصدقات العميمة التي تعترف كل نعمة بقدرها وليحمد الله من تفقداتنا الشريفة على كرم فرس جاء وهو سابق وجود جواد لا يدور معه السحاب في طابق ويعتمدها لارتقاء كل صهوة منيفة وجهاد أعداء الله عليها بين أيدينا الشريفة ويعيد الواصل بها إلى خدمة أبوابنا العالية والله تعالى يديم عليه بنا النعم المتوالية إن شاء الله تعالى
آخر ولا زال إقبالنا يمده من الصافنات الجياد بما يباري الرياح ويتيمن بغررها الصباح ويطلق أعنتها في حلبة السباق فتسبق بركضها ذوات الجناح ولا برح إنعامنا يتحفه بكل طرف يبهج الطرف ويثلج الصدر بما استمد عليه من الملاحة التي تروق العين وتفوق الوصف ويفرده بما اجتمع فيه من الحسن واليمن إذ هو واحد كالألف تهدي إليه سلاما تعبق بطيب نشره أرجاءه وثناء يعرب عما في ضميره من علو قدره وسمو ذكره فيشرق سناؤه ويضاعف ثناؤه وتوضح لعلمه الكريم أنه غير خاف عنه ما يصل إلى أبوابنا الشريفة من الخيول البرقية في كل عام وما نخصه منها بكل ميمون الغرة مبارك الطلعة هنيء السير على الإنعام وقد أرسلنا إلى جنابه الكريم من ذلك سهمه وأضفنا إلى ذلك ما استصلحناه من الخيل العربية الغريبة والعتاق العجيبة العربية مما الخير مقعود بنواصيها فتزهق على صهواتها نفوس الأعداء وتستنزلها من صياصيها فيأخذ الجناب العالي ما يخصه من ذلك ويفرق الباقي على من رسمنا له به بيمن رأيه المبارك الذي لا يساهمه فيه أحد ولا يشارك ويجهز الخيل المخصوصة بفلان إليه والله تعالى يضاعف عز ظهورها عند امتطائها لديه
وأما ما يكتب مع الإنعام بالجوارح فمما يكتب مع إرسال سنقر

وقد بعثنا إليه بسنقر كأنه ملك متوج ورزق مروج تجرأ على سفك الدماء وأبى أن يطلب رزقه إلا من السماء يود الكركي لو خلص من مخاليبه ويخاف أن يسلم من خرط الشبكة ويقع في كلاليبه يدرك الصيد ولا يؤجله ويرفع صدره ثم يومي إليه برأسه كأنه يستعجله قد جمع من المحاسن كل الصنوف وكتبت عليه أسطر تقرأ بما تقرى به الضيوف
ومما يكتب مع إرسال صقر
وقد وجهنا إليه بصقر لا تؤسى له من الصيد جراح ولا يدع من وحش يسرح ولا طائر يطير بجناح أينما توجه لايأت إلا بخير وحيثما أطلق كان حتف الوحش والطير يدع أقطار الفلاة مجزرة أو روضة بالدماء مزهرة يجد الى الطير في عنقه ويحلق إلى السماء فيرجع وطائره في عنقه تخافه العفر على نفوسها وتخضع له ولأمثاله فما تخرج إلا والطير على رؤوسها يزيد خبره في مظان الصيد على الخبر وتخرج الظباء وقد تسجت خوفا منه في ملاءة من العجاج مخيطة من قرونها بالإبر شديد الأيد قد بنى على الكسر حروف

الصيد يحمد مقتنيه ايامه الغر ويقول له إذا تلفت إلى الصيد إن جلبت ضبعا فأنت حر لا يصحب مستصحبه معه إلا مزاده وأينما سار حامله وهو معه كان معه زاده
ومما يكتب مع إرسال شاهين
وقد وجه إليه بشاهين إذا حلق وراء الطير شاهت به الوجوه وشاهدت الآمال به ما ترجوه قد أصبح كل محلق الجناح رهين يده وكل سارب من الوحش طعام يومه أو غده لا يتعبه خلف الطريدة بعد المدى ولا يرده خوف مسافة ولا تقحم ردى ربية عام لم يمتع بطول ما دهر وممتدة منه في الطلق مثل ريح سليمان غدوها شهر ورواحها شهر
ومما يكتب مع إرسال كوهية
وقد جهزنا إليه كوهية هي بالمحاسن حرية ولكثرة الإقدام جرية يكل بها صاحبها أمر مطبخه ويمدها من الطير من ليس بمصرخه لا تعف عن دم ولا ترى أطرافها إلا مثمرة بعناب أو مخضبة بعندم قد أخلت من كل

سانح ولبست زي الراهب المتعبد وفتكت بكل سائح
ومما يكتب مع سقاوة
وقد جهزنا إليه بسقاوة مخاليبها على الطير كالحديد أو أشد قساوة تسيل دماء الصيد كالمذانب وتكسو الأرض حبرا من رياش الحبارى وفراء من جلود الأرانب وجعلت في قبضة الكف ما كانت العين عليه تدور وتكفلت بكفاية المطبخ وملأن القدور
ومما يكتب مع إرسال باز
وقد بعثنا إليه بباز مهما لقي لقف ومهما خطا لديه خطف كأنما خط جوهره بقلم أو ريش عليه من الصباح والظلم قد أعد للطوارق وأدرأ بمثل الطوارق قد دحض حجج الحجل وكسرها حتى أبان عليها حمرة الخجل لا يسأل في الصيد عما نهب ولا تعرف له قيمة إلا أن له عينا من الذهب
ومما يكتب مع الفهد

وقد أنعمنا عليه بفهد أهرت الشدق ظاهر الحذق بادي العبوس مدنر الملبوس شثن البراثن ذي أنياب كالمدى ومخالب كالمحاجن قد أخذ من الفلق والغسق إهابا وتقمص من نجل الحدق جلبابا يضرب المثل في سرعة وثوب الأجل به وبشبهه وتكاد الشمس مذلقبوها بالغزالة لا تطلع من الوجل على وجهه يسبق إلى الصيد مرامي طرفه ويفوت لحظ مرسله إليه فلا يستكمل النظر إلا وهو في كفه وتتقدمه الضواري إلى الوحش فإذا وثب له تعثرت من خلفه
وأما ما يكتب مع الإنعام بالسلاح
فمن ذلك وقد جهزنا إليه سيفا تلمع مخايل النصر من غمده وتشرق جواهر الفتح في فرنده وإذا سابق الأجل إلى قبض النفوس عرف الأجل قدره فوقف عند حده ومتى جرد على ملك من ملوك العدا وهت عزائمه وعجز جناح جيشه أن تنهض به قوادمه وعلم أنه سيفنا الذي على عاتق الملك الأعز نجاده وفي يد جبار السموات قائمة

الصنف الثالث والعشرون المكاتبة بالبشارة عن الخليفة بولد رزقه
والرسم فيها أن يذكر شرف الخلافة وعلو رتبتها ويشير إلى تخصيص الخلافة بمصيرها إليه دون سائر البرية وانتقالها إليه بالتوارث من آبائه الطاهرين كابرا عن كابر وبقائها في عقبه إلى الابد ثم يتخلص إلى ذكر النعمة على أمير المؤمنين التي أنعمها الله تعالى عليه وأن من أعظمها نعمة أن رزقه الله تعالى ولدا ويذكر اسمه وكنيته ويصفه بما يناسبه
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك وهي
الحمد لله مؤيد الإسلام بخلفائه الراشدين ومظهر الإيمان بأوليائه الهادين الذي جعل الإمامة كلمة باقية فيهم إلى يوم الدين وأقام منهم الحاضر المتبع

والمرجو المتوقع وأطلع منهم في سماء الهداية شهبا لا يخبو منها شهاب حتى يتوقد شهاب وفتح بهم للإرشاد أبوابا لا يرتج منها باب حتى يفتح باب
يحمده أمير المؤمنين أن فوض إليه منازل آبائه ووفقه بانتقال ما ورثة من آبائه إلى أبنائه ويسأله أن يصلي على من كرمه بولادته وشرفه بالانتساب إلى شجرة سيدنا محمد خاتم رسله المترجم عن توحيده وعدله وعلى أخيه وابن عمه علي ابن ابي طالب قسيمه في فضله ووصيه على امته وأهله
وإن أولى النعم بأن يفاض في شكرها وتعطر المحافل بنشرها نعمة حاطت دعائم الدين وأمرت حبل المسلمين وتساوى في تناول قطافها الكافة وآذنت بشيوع الرحمة والرافة وأضحت بها النبوة مشرقة الأنوار والإمامة عالية المنار والخلافة مختالة المنبر والسرير رافلة في حلل الابتهاج والسرور
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك وقد رزقه الله تعالى ولدا ذكرا مباركا رضيا سماه فلانا وكناه أبا فلان فجلا بنهار غرته الدامس وافتر بمقدمه العابس واخضر بيمن نقيبته اليابس ووثقت الآمال بسعادة مقدمه وتطلعت الأعناق إلى جوده وكرمه مبشرا لك بهذه النعمى الحسنة الأثر القليلة الخطر علما بمكانك من ولائه ومخالصته وسرورك بما يفيضه الله عليه من شآبيب نعمته لتأخذ من المسرة والجذل بحظ المولى المخلص والعبد المتخصص ولتشيع مضمون كتابه فيمن قبلك من الأولياء ليشاركونا في الشكر والثناء فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستعمل في البشارة عن السلطان إذا حدث له ولد فيكتب بالبشارة به إلى نواب السلطنة وأهل المملكة

الصنف الرابع والعشرون ما يكتب عن السلطان بالبشارة بعافيته من مرض
وهذه نسخة كتاب بعافية الملك الناصر محمد بن قلاوون من مرض إلى صاحب ماردين وهو
ولا زالت البشائر على سمعه الكريم متواترة والمسار إلى مقام ملكه سائرة والتهاني ببلوغ الأماني من كمال شفائنا تجعل ثغور الثغور باسمة ووجوه الدهور ناضرة ونعم الله تعالى مقابلة بالشكر الجزيل على أن أجد ملك الإسلام بافتقاده وأبقي للدين المحمدي ناصره أصدرناها إلى المقام العالي ومواردنا من الصحة حلوة في الأفواه وألسنتنا شاكرة لنعم الله وعافيتنا تجدد في كل جديد وصحتنا قد بلغت من المزيد ما نريد وقد البسنا الله تعالى من الشفاء ثوبا قشيبا ونصرنا نصرا عزيزا وفتح لنا فتحا مبينا تهدي إليه سلاما تتأرج به أرجاء ملكه وثناء تنتظم الأثنية في سلكه وتوضح لعلمه الكريم ما حصل من عافيتنا التي تضاعف بها فرح الإسلام والمسلمين ووجب الشكر عليهم والحمد لله رب العالمين
الضرب الثاني من مقاصد المكاتبات السلطانية ما يكتب عن السلطان في الجواب
وكل معنى من المعاني الوارد بها الكتاب إليه يستق جوابه منها وغالب ما يعتنى به من ذلك جواب ما يرد من المكاتبات بالتقادم والهدايا وما في معنى ذلك
وهذه أدعية من ذلك يستضاء بها في أوائل الأجوبة عن المعاني التي ترد فيها
جواب سلطاني عن وصول خيل ولا زال يتحف بكل صاهل في الجحفل

جمال في المحفل وأجرد إذا أم غاية لمعت في أثره البروق تتطفل ومسوم يلتزم جلاله بمزيد جلاله وكيف لا وهي إذا أسدلت عليه يتكفل أصدرناها والعطر يضوع من سلامها والمسك يفوح من ختامها وآثار الندى تحكي آثار أقلامها
آخر في المعنى ولا زال محتفلا بالجياد وإرسالها ومهديا لركابنا الشريف السوابق التي إذا لم يسابقها شيء من الحيوان تجلت في مسابقة ظلالها وينتقي لمواكبنا الخيول التي إذا أصبحت في مدى أصبحت الرياح تتعلق بأذيالها أصدرناها
آخر في مثله ولا زال يهدي إلينا من الجياد بحرا ويقود من العراب ما تملأ غرته المواكب بشرا وإذا طلع في الكتيبة يزيدها عزا ونصرا من كل طرف تأصل حسنا وحسن إهابا وجل قدرا
آخر في مثله وأعلى له على صهوات العتاق مرتقى وخصه بكل جواد وهو منتقل إليه منتقى وأطلع عليه نواصي الصوافن التي عقد الخير بها عقدا موثقا أصدرناها ونور التحايا من أرجائها ينير ومفاخرها تشرف بها كل منبر وسرير وركائب أثنيتها تسير إلى مقامه فتطيب راحلة في ذلك المسير
آخر في مثله ولا زال يهدي من الجياد المسومة أصائلها ويتحف مما يحييه عند الوفادة عليه صاهلها ويقابل أكرم غرة الخير معقود بناصيتها واليمن يقابلها ويمتع بأعز جواد حلية الشفق دون إهابه إذ يماثلها وسرعة البرق خفته إذ يساجلها

الضرب الثالث من الكتب السلطانية الكتب الصادرة عن نواب السلطنة الى
النواب بسبب ما يرد عليهم من المثالات السلطانية
اعلم أنه قد جرت العادة بأنه إذا ورد على نائب السلطنة بالشام مثال شريف من الابواب السلطانية يأمرهم كتب نائب الشام الى نواب السلطنة بورود المثال الشريف مبشرا بذلك ويجهز إلى كل منهم مع المثال الوارد إلى كل نائب من نواب السلطان معنى المثال الوارد من الأبواب السلطانية بذلك إلا أنه يكون حاكيا لصورة المثال الوارد بذلك لا أنه مبتدئه ويشتمل ذلك على عدة أمور
فمن ذلك جلوس السلطان على تخت الملك فيخبر نائب الشام في الكتاب الصادر عنه إلى بعض النواب بان المثال الشريف ورد عليه بذلك وأنه ورد كتاب إلى المكتوب إليه فجهزه إليه
وهذه نسخة كتاب من ذلك كتب به عن نائب الشام الى بعض نوات السلطنة بالبشارة بسلطنة السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد ابن قلاوون وقد ورد على يد بعض الحجاب من إنشاء الشيخ جمال الدين بن

نباتة في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وهي بعد الصدر
أمتعه الله من البشائر بما يتوضح على جبين الصباح بشره وبما يترجح على ميزان الكواكب قدره وبما ينفسح من أوقات أمن لا يختصم في ظلها زيد وعمرو حتى يقال ولا زيد النحو وعمره وينهي بعد دعاء يتبلج في الليل فجره وثناء يتأرج في طي النسيم نشره وولاء يتساوى في درجات الصفاء سره وجهره أن خير البشائر ما خص أولياء الدولة الشريفة وعم الرعايا وسما إلى ثغور الإسلام خبره الجلي فقال وافر أنا أبن جلا وطلاع الثنايا وقسمت مسرته على كافلي الممالك فقالت مملكة مولانا وافر لنا المرباع منها والصفايا وسلك المملوك من الإسراع بإشاعته الحق الواجب وجهز خدمته بين يدي المثال الشريف الذي سبق طائر يمنه ولكنه جاء في خدمته حاجب وهي البشرى الواردة في الامثلة الشريفة السلطانية المالكية الملكية الصالحية العماديه العريقة في نسب النصر بالأنساب الناصرية المنصورة أعلى الله تعالى أبدا على قواعد الملك عمادها وصرف بها الأعنة لما سر وصرفها عما وهي بجلوسه على كرسي المملكة الذي هو آية سعده الكبرى وتخت السلطنة الذي عاينه ملك الجود والعلم فقال السلام عليك بحرا وإجماع الأمة على أنه صالح المؤمنين وكفاة الحل والعقد على أنه سلطان الإسلام والمسلمين وأركان البيت الناصري على أنه عماده وعلى أنه سنده المكمل وإذا انقض بيت سناده فيا له جلوسا قامت فيه كواكب السعد مشدودة المناطق وياله إجماعا اتفق فيه حتى من تصميم السيوف وتعبير الأقلام كل صامت وناطق

وياله بيت ملك أبى الله إلا أن يقيم وزنه أفضل الأفاعيل وياله ملكا قال الدهر الطويل انتظاره ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل ) ويا له أمرا بلغ خبره وخبره الأوطار والأوطان ونفذت برده المصرية على حين فترة تالية له السعود ( فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) وحشر الناس ضحى ليوم الزينة وجاءوا إليها مستبشرين من أدنى وأقصى كل من في المدينة وضربت البشائر ويا عجبا إنها تضرب ومكانتها من القلوب مكينة حتى إذا أخذت مصر حظها من الهناء قسمت على الأمصار وأضاء بارق نشرها من كل وجه فسمت بالشامات غرة الأبصار وركض بريد الخير بمبارك باب البريد ووصل نيل النيل إلى أنهار دمشق فبردى على الشكر ثابت ويزيد وبشر الإسلام من وجه الخلف الصالح بأكرم من بر واستفاض الاسم الشريف فلو كلف مشتاق فوق وسعه لسعى إليه المنبر
فالحمد لله على أن سر البيت الشريف الناصري بجمع شمله وعلى أن أتى الملك العقيم الصالح من أهله وقد جهز المملوك المثال الشريف المختص بمولانا ومولانا أولى من انتظمت لديه درر هذه الأخبار الثمينة وعظمت بناحيته شعائر هذه الدولة المكينة وكمل لخير حماه خير قرينة والله تعالى يعز الإسلام بعزمه ويمضي الآجال والأرزاق على يدي حربه وسلمه وينجز لرأيه ورايته النصر قبل أن يطوف الأولياء بعلمه وقبل أن يحيط الأذكياء بعلمه
ومن ذلك الكتابة بورود مثال شريف بعافية السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون في خلافة الحاكم بأمر الله أحمد ابن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهي بعد الألقاب

أورد الله عليه من الهناء كل سري يسره وكل سني يقر أمام ناظره الكريم ويقره وكل وفي إذا طلع في آفاق حلب قيل لله دره ولا زالت البشائر تلقاه بكل وجه جميل وبكل جلي جليل وبكل خبر تصح الدنيا بصحته فليس بها غير النسيم عليل تقبيلا يزاحم عقود الثغور ويكاد يمنع ضم الشفتين للثم طول الابتسام للسرور وينهي بعد رفع اليد بدعائه وضم الجوانح على ولائه وجزم الهناء المشترك بمسرة مولانا وهنائه أن المثال الشريف زاده الله شرفا وزاد فضل سلطانه على العباد سرفا ورد بالبشارة العظمى والنعماء التي ماضاهتها الأيام قبل بنعمى والمسرة التي يأكل حديثها أحاديث المسرات أكلا لما ويحبها الإسلام والمسلمون حبا جما بسلامة جوهر الجسد الشريف من ذلك العرض وشفائه الذي في عيون الأعداء منه شفار تطعن وفي قلوبهم مرض وأن مادة الأدواء بحمد الله قد انحسمت والواردة من الافتقاد بالأجر والعافية قد ابتسمت وأن ظنون الإشفاق قد اضمحلت ونسمات الروض قد فدت الجسم الشريف فاعتلت وأخبار الهناء يعينها كل بريد نشوان من الفرح ينشد أسائلها أي المواطن حلت فيالها بشارة خصت الإسلام وعمت بنيه وسارت فوق الأرض وسرت تحتها أسلاف الملك ومبتنيه وشملت البلاد وعبادها والسلطنة وقد حجب الله عمادها عما دهى والملك السليماني وقد ثبت الله به على الدنيا من السماء خيمتها ومن الجبال أوتادها والطير وقد حملت ورقه أوراق السرور والوحش وقد قالت مهاه على عيني أتحمل ذلك السقام أو ذلك الفتور ( ذلك الفضل من الله وكفى

بالله عليما ) والألطاف الراحم بها المؤمنين من خلقه ( وكان بالمؤمنين رحيما )
وكان ورود هذا المثال الشريف على يد فلان فياله من وارد لمشارع الأمن أورد ولروائع الناس عن القلوب حجب أورد وقد جهزه المملوك بالمثال الشريف المختص بمولانا وهذه الخدمة بعد أن ضربت البشائر مسوغة في كل ضرب من التهاني وزينت البلد زينة ما نظمت فيها غير العقود أيدي الغواني فيأخذ حظه من هذه البشرى ونصيبه من هذا الوجه الذي ملأ الوجود بشرا وشطره من الهناء المخصوص الذي تعجل منه المملوك شطرا والله تعالى يسره بكل خير تشرق زواهره وتعبق في كمائم الدروج أزاهره ويتألق على يد بريده من المخلقات كل كوكب صبح تملأ الدنيا بشائره
ومن ذلك المكاتبة بورود المثال الشريف بوفاء النيل
إذا ورد على نائب الشام بوفاء النيل المبارك كتب نائب الشام عن نفسه إلى نائب حلب وغيره من نواب السلطنة بالممالك الشامية بورود المثال الشريف عليه بذلك ويكتب عنه كما يكتب عن السلطان من السجع وإيراده مورد البشارة وإظهار الفرح والسرور بذلك لا يكاد يخالفه إلا في كونه واردا مورد الحكاية لمثال السلطان ومثال السلطان مخبر بذلك ابتداء
وهذه نسخة مثال كريم من ذلك عن نائب الشام من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباته كتب به لسنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وهي بعد الصدر
لا زالت مبشرة بكل مبهجة معطرة الأرجاء بكل سائرة أرجة ميسرة الأوقات بمقدمتي سماع وعيان كلاهما للمسار منتجة مستحضرة في معالي الكرم كل دقيقة تشهد بسطة النيل أنها أرفع منه درجة وينهي بعد دعاء ما الروض أعطر من شذاه ولا ماء النيل وإن كرم وفاء بأوفى من جداه أن المرسوم الشريف

زاده الله تعالى شرفا ورد بوفاء النيل المبارك وحبذا هو من وفي موافي ومتغير المجرى وعيش البلاد به العيش الصافي وحسن الزيارة والرحيل ماضاهته الغيوث في ولافي ووارد من معبد بعيد وحميل لا جرم أن مده ثابت ويزيد وجائد إذا تتابع حيث تيار يقلد بره ودره من الأرض وساكنها كل جيد وإذا ذكر الخصب لمكان عيده المشهود ألقى السمع وهو شهيد وذلك في يوم كذا وأن البلاد جبرت بكسر خليجه واستقامت أحوالها بتفريجه وأثنت عليه بآلائه ووسمت لونه الأصهب على رغم الصهباء بأحسن أسمائه وخلق فملأت الدنيا بشائر مخلقه وعلق ستره المصري التبري فزكا على معلقه وحلق مسير تراعه على القرى فبات على الندا ضيف محلقه وحدث عن البحر ولا حرج وانعرج على البقاع يلوي معصمه فلله أوقات ذلك اللوى والمنعرج واستقرت الرعايا آمنين آملين وقطع دابر الجدب بسعود هذه الدولة القاهرة ( وقيل الحمد لله رب العالمين ) ورسم أن لا يجبى حق بشارة ولا تعبث يد التنقيص منها ليزداد الخبر نورا على نور ويكون في إيثاره وحسنه الخبر الحسن المأثور ووصل بهذا الخبر فلان وعلى يده مثال شريف يختص بمولانا وقد جهز به فيأخذ مولانا حظه من هذه البشرى ويوضح بها على كل الوجوه بشرا والله تعالى يملأ له بالمسرات صدرا ويضع بعدله عن الرعية إصرا ويسرهم في أيامه بكل وارد يقول الإحسان لمتحمله ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) إن شاء الله تعالى

وهذه نسخة كتاب آخر في المعنى إلى بعض النواب من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضا وهي بعد الصدر
وضاعف مواد نعمه ونعمائه ومسرته وهنائه وحفظ عليه ما وهبه من المناقب التي يروي النيل عن كرمه ووفائه وشرف السيوف لكونها من سمات كرمه والسيول لكونها من سمائه
المملوك يجدد الخدمة بنفحات سلامه وثنائه ويصف ولاء لو تجسم لاستمدت عين الشمس من سنائه وينهي أن المرسوم الشريف زاده الله تعالى شرفا ورد مبشرا بوفاء النيل المبارك في يوم كذا فياله ربيعا جاء في ربيع وحاملا في مفرده الفضل الجميع وداعيا بالخصب ينشد كل ثانية اثنين ريحانة الداعي السميع ومتغنيا على منصة المقياس عرسه يجلى عليه من شباكها الستر الرفيع وأنه أقبل والبلاد أشهى ما تكون للقياه واشوق ما ترى لمباشرة ريه ورياه وقد امتدت أيدي الجسور لفمه واستعدت شفاه الحروف اللعس للثمه فكرم عليها زائره وصحبها بالنجح ساريه وسائره ودارت على الجدب من خطوط الأمواج دوائره وعمت المنافع وتلقت عيون الفلا ناهلة بالأصابع وفاض البحر ببره ونشر رداءه على الارض وسيضوع روضها بنشره وخلق المقياس فيالك من قياس بشرى غير ممنوع وكسر الخليج فياله غصن قلم على النيل وطائر سجعه على الفرات مسموع ورسم أن لا يجبى حق بشارة ولا يدخل فيها النقيص لدار ولا التنغيص لدارة ووصل بهذا الأمر فلان وقد جهز بما على يده والله تعالى يمتع مولانا من اقسام المسار بصنوف ويدفع عن حصون الإسلام بيمنه أيدي الصروف وينفعها بظلاله التي آواها ملكه الكريم إلى جنة وكذلك الجنة تحت ظلال السيوف

الضرب الرابع من المكاتبات السلطانية ما يكتب عن النواب والأتباع إلى
الخليفة أو السلطان وفيه مهيعان
المهيع الأول في الأجوبة عن الكتب السلطانية السابقة في الضرب الأول
قد تقدم في الكلام على مقدمة المكاتبات في أول هذه المقالة ذكر الخلاف هل الكتب الابتدائية أعلى رتبة في الإتيان بها أم الجوابية وذكر الاحتجاج لكل من المذهبين وذكر التحقيق في ذلك فليراجع من موضعه هناك ونحن نذكر الكلام على أجوبة الكتب السابقة على الترتيب المتقدم جارين في ذلك على ما قرره في مواد البيان
فاما الجواب عن الكتاب الوارد بانتقال الخلافة إلى الخليفة فإن الكتاب إن كان متضمنا التعزية في سلفه والهناء بمتجدد النعمة عنده في انتقال الخلافة إليه فالرسم فيما يكاتب به عن الخليفة أن يبنى على الاستبشار بالنعمة في خلافته والمسارعة بإخلاص الضمير إلى الدخول في طاعته وبيعته وانفساح الآمال في دولته والشكر لله تعالى على جبر الوهن وعلو كلمة الإسلام والمسلمين بدعوته وتعزيته عن أبيه بما يوجبه محل المحنة ويقتضيه يعني إن كان الخليفة الميت أباه فالدعاء له بأن ينهضه الله تعالى بما حمله ويعينه على ما كفله ويقرن ملكه بالجد السعيد والخلود والتأييد وإدالة الأولياء وإذالة الأعداء ونحو هذا مما يجاريه
وإن كان الكتاب الوارد بانتقال الخلافة إليه عن ابيه ومن في معناه ممن يواليه في المحبة فإن الكاتب يحوم في الجواب على ما حصل بذلك من صلاح حال الأمة واستقامة أمر الرعيه بانتقال الخلافة إليه من غير أن يصرح بذم

الذاهب قبله ولا يخفى أن الجواب عن ورود الكتاب بانتقال السلطنة إلى السلطان وجلوسه على تخت الملك في معنى الجواب في انتقال الخلافة إلى الخليفة لا يكاد يفرق بينهما على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالدعاء إلى الدين فإنما يتكلفها كتاب مخالفي الملة لأنها إنما تصدر إليهم قال في مواد البيان إلا أنه لا غنى لكتاب الإسلام عن علم ما يقع فيها لتتقدم عندهم المعرفة بما يجيب به المخالفون فيأخذوا عليهم بأطراف الحجة إذا كاتبوهم ابتداء أو جوابا
قال ولا تخلو أجوبة هذه الكتب من اربعة معان
أحدها إجابة الدعاء إلى الدين وقبول الإرشاد والهدى والنزوع عن الغي والإقبال على التبصرة والتذكرة بعقائد خالصة ونيات صريحة
والثاني الإصرار على ما هم متمسكون به وتمحل الشبهة في نصرته وادعاء الحق فيما يعتقدونه والمغالطة عن الإجابة إلى قبول ما دعوا إليه
والثالث بذل الجزية والمصالحة والجنوح إلى السلم والموادعة
والرابع إظهار الحمية والقيام في دفاع من يروم اقتسارهم على مفارقة شرائعهم وأديانهم وبذل الأنفس في مقارعته
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالحث على الجهاد فقد ذكر في مواد البيان أنها لا تخرج عن معنيين
أحدهما إجابة الصريخ والمبادرة إلى التشمير في الجهاد والقيام في معونة الأولياء على كفاح الأعداء
والثاني الاعتذار والتعلل والتثاقل
هذا إن كانت الكتب صادرة إلى القواد والمقدمين أما إذا كانت مقصورة

على الاستنفار فلا جواب لها إلا النفور أو الإمساك قال في مواد البيان والطريق إلى إقامة العذر للمستصرخ في التأخر عن مستصرخه متى أراد الاعتذار عنه صعب على الكاتب ولا سيما إذا كانت الأعذار متكلفة غير صحيحة
قال وينبغي أن يتأتى لذلك ويحسن التلطف فيه ولا يعتل بكذب صراح ينكشف للمعتذر إليه
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالحث على لزوم الطاعة إذا وردت على النواب والولاة وامروا بقراءتها في أعمالهم على الرعايا فإنه يكون إما بانقياد الرعايا إلى ما دعوا إليه أو استدامتهم لمركب النفاق واستدعاء مادة لتقويمهم
وأما الجواب عن الكتب إلى من نكث عهده من المعاهدين فقد ذكر في مواد البيان أنها لا تخلو من أحد أربعة معان
أولها الاعتذار والاستقالة من مراجعة النكث والرغبة في الصفح عن النبوة والمسامحة بالهفوة
والثاني المغالطة والمراوغة واستعمال المداهنة والمخادعة
والثالث التجليح والمكاشفة
والرابع إيجاب الحجة على المجوب عنه في أنه المبتديء بفسخ ما عاقد عليه قال والكاتب إذا كان ماهرا كسا كل معنى من هذه المعاني الغرض اللائق به في الصناعة
وأما الجواب عن الكتب إلى من خلع الطاعة فقد قال في مواد البيان إنها تحتمل معنيين أحدهما الاعتذار والآخر الإصرار وكل واحد منهما محتاج إلى عبارة لائقة به ثم قال والكاتب إذا كان حاذقا عرف سبيل التخلص فيها بمشيئة الله تعالى
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالفتوح فإنها إن صدرت من السلطان إلى ولاته فينبغي أن يبني جوابها على الاستبشار بموقع النعم في الظفر بالعدو

والجذل بمتجدد الفتح وان ذلك إنما تهيا بسعادته وعلو رأيه وانبساط هيبته وما عوده من إظهار أوليائه وخذلان أعدائه وأنهم قد اشاعوا هذا النبأ في الخاصة والعامة من رعاياه فابتهجوا به وشكروا الله تعالى عليه ودعوا له بصالح الدعاء وإن صدرت من ولاة الحرب إلى السلطان فينبغي أن يكون ما يجيبهم به مبنيا على حمد الله تعالى على عوارفه والرغبة في مضاعفة لطائفه وشكره على إنجاز وعده في الإظفار بأعداء الملة والدولة ونحو هذا ومخاطبة أهل الطاعة بما يرهف عزائمهم ويقوي شوكتهم وتقريظ والي الحرب ووصفه بما يشحذ بصيرته في الخدمة والثناء على الأجناد ووعدهم بجزيل الجزاء على الجهاد والإبلاء إلى غير هذا مما يقتضيه الحال ويوجبه تدبير الأمر الحاضر
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالاعتذار عن السلطان عندما يحصل له زلل في التدبير أو في الظفر بقبض الأعداء على جيش من جيوشه فإنما تقع الإجابة عنها إذا نفذت إلى أحد العمال خصوصا قال في مواد البيان وحينئذ فينبغي أن يكون الجواب عنها مبذيا على تقوية نفس السلطان وتوثيقه بالأدلة وأن ما ناله لا يتوجه كثيرا على ذوي الحرم إلا أن عواقب الفلج والظفر والإصابة في الرأي والتدبير تكون لهم ونحو هذا مما يجاريه ويليق به
قال أما إذا كانت المكاتبة في ذلك إلى الكافة ممهدة لعذر السلطان قاطعة قالة الرعية عنه فإنه لا جواب عنها لأنها إذا لم توجه إلى واحد بعينه لا تستدعي خطابا
وأما الجواب عن الكتب الواردة عن السلطان بالنهي عن التنازع في الدين إذا صدرت إلى العمال وامروا بقراءتها على الرعايا على منابر أعمالهم فإنه يبنى الأمر فيها على امتثال الأمر والمطالعة بارتسام القوم ما رسم لهم فيها أما إذا كانت صادرة لتقرأ على العامة ليبصروا ما فيها ويعملوا عليه فإنه لا جواب عنها

لانها إنما تشتمل على مواعظ ومراشد تتخول بها الأئمة رعاياهم
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالأوامر والنواهي فقد ذكر في مواد البيان أن الكتاب الوارد في ذلك إن كان شيئا قد جزم المتبوع فيه الأمر وضيق على التابع في إيثاره سبيل المراجعة فيه فإن الجواب عنه سهل لأنه إنما يجيب بجواب جامع وهو وقوفه على ما أمر به وإنفاذه له وإن كان الوارد أمرا محتملا للمراجعة من حيث إن في إمضائه إذا أمضي إفسادا للعمل وإخلالا بأسباب الملك والسلطان فالجواب عنه شاق صعب لأنه ينبغي أن يبنى على تلطف شديد في الإبانة عما ينتجه ذلك المأمور به إذا أنفذ على وجهه من فتق وخلل ومورد المراجعة في ألفاظه لا يتبين فيه إزراء على رأي الرئيس ولا طعن في تدبيره بأن تكون ناطقة بان رأيه الأعلى وتدبيره الأصوب فيكون باطن الكلام توقيفا على الصواب وظاهره تصويبا وتقريظا لأن كثيرا من الرؤساء والملوك يعجبون بآرائهم وينزلون أنفسهم بحكم الرياسة في منزلة من لا يراجع ولا يعارض فيما يأمر به
قال وقد تأتي من كتب الأوامر كتب يأمر الرئيس فيها المرؤوس بشرح حال واقتصاص أمور ثم قال وأجوبة هذه الكتب يجب أن تكون مستقصية للمعنى المنشرح مستولية على حواشيه غير مخلة بشيء مما يحتاج إلى تعرفه منه
وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الإمام عند حدوث الآيات السماوية وهي مشتملة على مواعظ ومراشد يتخول بها الأئمة رعاياهم فإذا صدرت إلى العمال وأمروا بقراءتها على الرعايا فأجوبتها إنما تبنى على امتثال الأمر والمطالعة بارتسام القوم ما رسم لهم فيها أما إذا كانت صادرة لتقرأ على العامة ليتبصروا بما فيها ويعملوا عليه فإنه لا جواب عنها
وأما الجواب عن التنبيه على مواسم العبادة فإنه يصدر عمن ورد عنه إلى الامام بعد شهود ذلك الموسم والانفصال عنه على حال السلامة كما في صلاة

العيد ونحوها قال في مواد البيان وأجوبتها تصدر إلى الخلفاء مقصورة على ذكر ما من الله تعالى به من قضاء الفريضة على حال الائتلاف والاتفاق وشمول الأمن والهدي والسكون وسبوغ النعمة على الكافة وأن ذلك بسعادة وعناية الله تعالى بدولته وبرعيته ونحوها مما يقتضيه المعنى
وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الإمام إلى ولاة أمره بالسلامة في ركوب أول العام وغرة رمضان والجمعة الأولى والثانية والثالثة منه وعيدي الفطر والاضحى وفتح الخليج بعد وفاء النيل فقد قال في مواد البيان إنه إن كان الكتاب عن السلامة في صلاة العيدين أو جمع رمضان فينبغي أن يكون مبنيا على ورود كتبه متضمنة ما أعان الله تعالى عليه امير المؤمنين من تأدية فريضته والجمع في صلاة عيد كذا برعيته وما البسه الله تعالى من الهدي والوقار وأفاضه عليه من البهاء والأنوار وبروزه في خاصته وعامته إلى مصلاه وسماع خطبته وعوده إلى قصره الزاهر وعليه تلألأ القبول لصلاته ودعائه مما أجراه الله تعالى فيه على عادة آلائه ووقف عليه وقابله بالشكر والإحماد والاعتراف والاعتداد وافتضه على رؤوس الأشهاد فأغرقوا في شكر الله تعالى على الموهبة في امير المؤمنين ورغبوا إليه في إطالة بقائه مراميا عن الإسلام والمسلمين ونحو هذا مما يجاريه
ثم قال فإذا نفذت هذه الكتب من العمال إلى أمير المؤمنين مبشرة باجتماع رعاياه لتأدية فريضتهم وعودهم إلى منازلهم سالمين فينبغي أن يكون الجواب عنها وصل كتابك متضمنا مالا يزال الله تعالى يوليه لأمير المؤمنين في رعيته وخاصته وعامته من اتفاق كلمتهم وائتلاف افئدتهم وسلامة كافتهم وما من الله به عليه وعليهم من اجتماعهم لتأدية فريضتهم وعودهم إلى منازلهم على السلامة من ضمائرهم والطهارة من سرائرهم فحمد أمير المؤمنين الله تعالى على ذلك وسأله مزيدهم منه وتوفيقهم لما يرضيه عنهم وشكر مسعاك في سياستهم وامتداد يدك في إيالتهم وهو يأمرك أن تجري على عادتك وتسير فيهم بجميل سيرتك وما يليق بهذا
ثم بنى على ذلك سائر كتب السلامة وقال ينبغي ان يستنبط من نفس كل

كتاب منها المعنى الذي تجب الإجابة به مثل ان يكون الكتاب ورد من امير المؤمنين إلى أحد عماله مبشرا بسلامته من سفره فينبغي ان يبنى جوابه على ما صورته ورد كتاب امير المؤمنين مبشرا عبده بما هيأه الله تعالى له من السلامة ويمن الوجهة مع تقريب الشقة وإنالة المسار وتسهيل الأوطار وإدناء الدار فوقف العبد عليه وامتثل المرسوم في إطلاع الأولياء على ما نص فيه من هذه البشرى فعظمت المنحة لديهم وجلت النعمة عندهم وانشرحت صدورهم وانفسحت آمالهم ووفقوا بصنع الله تعالى لهم وارتفعت ايديهم إلى الله سبحانه بالرغبة في حياطة أمير المؤمنين قاطنا وظاعنا وحسن صحابته حالا وراحلا وجميل الخلافة على من خلفه من حامته وعامته واهل دعوته وخاصة دولته والله تعالى يجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء ويمده بطول البقاء وما ينتظم في سلك هذا الكلام ويضاهيه
قلت وقد تقدم في الكلام على المكاتبة السلطانية الابتدائية ان المكاتبة بالبشارة بالسلامة في ركوب العيدين وما في معناهما من قدوم السفر وغيره قد ترك استعماله بديوان الإنشاء في زماننا فإن قدر مثله في هذه الايام اجراه الكاتب على نحو مما تقدم على ما يقتضيه مصطلح الزمان في المكاتبات السلطانية
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالخلع وما في معنى ذلك فينبغي أن يكون مبنيا على تعظيم المنة والاعتراف بجزالة المنحة وجميل العطية وزائد الفضل وان ما اسدي إليه من ذلك تفضل عليه وتطول من غير استحقاق لذلك بل فائض فضل وجزيل امتنان وأنه عاجز عن شكر هذه النعمة والقيام بواجبها لا يستطيع لها مكافأة غير الرغبة إلى الله تعالى بالادعية لهذه الدولة وما يناسب ذلك من الكلام ويلائمه وأما الجواب عن الكتب بالتنويه والتلقيب إذا صدرت إلى نواب المملكة

فالذي ذكره في مواد البيان أن المنوه به يجيب عما يصله من ذلك بوصول الكتاب إليه ووقوفه عليه ومعرفته بقدر العارفة مما تضمنته الرغبة إلى الله تعالى في إيزاعه الشكر ومعونته على مقابلة النعمة بالإخلاص والطاعة اما إذا كتبت بالتنويه والتلقيب لأحد من المقيمين بحضرة الخلافة فإنه لا جواب لها
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالإحماد والإذمام فيختلف الحال فيه فإن كان الكتاب الوارد بالإحماد والتقريظ فجوابه مقصور على الشكر الدال على وقوع ذلك الإحماد موقعه من المحمود ومطالبته لنفسه بالخروج من حقه باستفراغ الوسع في الأسباب الموجبة للزيادة منه وإن كان الكتاب بالأذمام فإن كان ذلك لموجدة بسبب أمر بلغه عنه من عدو أو حاسد نعمة أو منزلة هو مخصوص بها من رئيسه كان الجواب بالتنصل والمقابلة بما يبرئ ساحته ويدل على سلامة ناحيته وان يورد ذلك بصيغة تزيل عن النفس ما سبق إليها وتبعث على الرضا وكذلك في كل واقعة بحسبها مما يحصل به التنصل والاسترضاء ونحو ذلك
وأما الجواب عن الكتب الواردة مع الإنعام السلطاني فعلى نحو ما سبق في الخلع من تعظيم المنة والاعتراف بجزالة المنحة وجميل العطية وزيادة الفضل وما في معنى ذلك مما تقدم ذكره
وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الخليفة أو السلطان بتجدد ولد فإنه يكون بإظهار السرور والاغتباط وزيادة الفرح والسرور بما من الله تعالى به من تكثير العدد وزيادة المدد والرغبة إلى الرغبة إلى الله تعالى في أن يوالي هذا المزيد ويضاعفه ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى
وأما الجواب عن الكتب الواردة بعافية الخليفة أو السلطان من مرض كان

قد عرض له فطريقه حمد الله تعالى وشكره على ما من الله تعالى به من العافية وتفضل به من إزاحة المرض ووقاية المكروه وإظهار الفرح والسرور بذك وما ينخرط في هذا السلك
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالتعزية بولد او قريب فإنه يظهر فيه الغم والحزن والكآبة وحمد الله تعالى على سلامة نفسه والرغبة إلى الله تعالى في الخلف عليه إن كان الميت ولدا مع الدعاء بطول البقاء وخلود الدولة وما يجري هذا المجرى
وهذه نسخ أجوبة عن مكاتبات سلطانية مما يكثر وقوعه ويتعدد تكراره يستضيء بها الكاتب في كتابة الأجوبة وينسج على منوالها
نسخة جواب عن كتاب وصل من الخليفة بانتقال الخلافة إليه كتب به إلى أمير الأمراء قرين خلعة وسيف وتاج وسوارين من إنشاء أبي الحسين بن سعد وهو
فإن كان سيدنا أمير المؤمنين بما أعلم من فضل مراعاته لأمور الدين وصدق عنايته بمصالح المسلمين وافيض له من مواهب الله عندهم وصنوف نعمه عليهم فيما هداه من طرق الرشاد وبصره إياه من مناهج الصواب وقرنه به من التوفيق في عزائمه والجد في مراسمه وتوعده فيه بالخيرات التامة والكفاية العامة في كل أمر يمضيه ورأى يرتئيه اعتمادا له بحسن المعونة على ما استرعاه ووصله بالمزيد فيما خوله وأعطاه وحراسة ما ساقه إليه من إرث النبوة وحمله إياه من ثقل الإمامة لما عرفه من نهوضه بالعبء وقيامه بالحق فيما ناطه وأسنده إليه وتامله ما تامله من حال عبده الذي لم

يزل لطاعته معتقدا وبعصمة ولايته معتضدا ولوقت يبلغه منزلة الاحماد ويحوز له عائدة الاجتهاد فيما أرضاه مرتصدا ولسعيه ونيته وظاهره وطويته معتمدا ووجوده ايده الله في يسير ما امتحن به بلاءه وعرف فيه غناءه موضعا للصنيعة محتملا للعارفة مقرا بحق النعمة عارفا بقدر الموهبة وترقبه فرصة ينتهزها في إبداء عزمه وإمضاء رأيه وأنه واثق بالاستظهار بمكانه والإسهام له في عز سلطانه حتى اسفرت رويته واستقرت عزيمته فاختص عبده بجميل الأثر واصطفاه بلطيف الحظوة واعتمد عليه في إمارة الأمراء موفيا به على رتبة النظراء وكاسيا له حلة المجد والسناء ورد إليه تدبير الرجال وتقدير أمور العمال وشفع ذلك بالتكنية والتلقيب في مشاهد حفلته ومجالس خلوته وأكمل الصنع عنده بإلحاق عبده فيما قسم لكل واحد منهما من شريف حبائه وسني عطائه وتجاوز في التكرمة له إلى أعلى الأحوال وارفع الرتب والمحال فيما أمر أعلى الله أمره بحمله إليه من الخلعة التي يبقى شرف لباسها على الأيام ويخلد ذكرها على الدهور والأعوام والسيف الذي تفاءل لعبده فيه بما يرجو يمن مولاه وسعادة جده أن يحققه الله في الاعتماد به على أعدائه وغمده في نحور مشاقيه وغامصي نعمائه والتاج المرصع الذي نظم له جوامع الفخر والوشاح الموشى الذي وشحه حلية الجمال مدى الدهر والطوق الذي طوقه قلائد المجد والسوارين اللذين آذناه بقوة العضد وبسطة اليد واللواء المعقود به مفاتح العز في طاعته المرفوع به معالم النصر على شانيء دولته ووصل إلي وفهمته
وسيدنا أمير المؤمنين فيما أكرمه الله به من خلافته وأتمنه من الحكم على بريته ووكله إليه من حقوق الدين وحياطته كرم المسلمين وإحياء السير الرضية والسنن الحميدة وإماطة الأحكام الجائرة والمظالم الظاهرة وتقويم أود المملكة بعد تزعزع أركانها وتصدع بنيانها وإعزاز الأمة وإيناسها بعد أن اشتملت الذلة عليها وتمكنت الوحشة فيها وحكم اليأس في آمالها وغلب

القنوط على أطماعها وتفاءل بما اعتمده له وفوضه الى نظره من الحلية بحقائقه والتوكيد بما لم تزل المخايل فيه لائحة والأمارات منه واضحة والشواهد به صادقة والدلائل عليه ناطقة حتى تدارك بنعمة الله الدين بعد ان طمس مناره وتعفت آثاره ودرست رسومه وغارت نجومه وأنحى الشيطان بجرانه واشرأب لتبديله بعدوانه وانتدب لنصرة الإسلام برأي يستغرق آراء الرجال وحلم يستخف رواسي الجبال وروية تستخرج كوامن الغيوب وتكشف عنها حنادس الشكوك وباع لما يمتد إليه بسيط وذراع لما ينتظم عليه رحيب وصدر يتسع لمعضلات الأمور ويشرق في مدلهمات الحوادث فشرد أعداء الله بعد أن اتصلت بهم مهلة الاغترار وتطاولت بهم مدة الإصرار ومد رواق الملك وضرب قبابه وثبت أواخيه واحصد أسبابه وقطع أطماع الملحدين وأبطل كيد الكافرين وفت في أعضاد المنابذين فتحصنت البيضة واجتمعت الكلمة واتفقت الأهواء المتفرقة وانتظمت الآراء المتشعبة وسكنت الدهماء المضطربة وقرت القلوب المنزعجة وصدقت خواطر الصدور المثلجة وظهر الحق ورسخ عموده وبهر جماله ونضر عوده ونشرت أعلامه وطلعت سعوده وعز أولياوه ونصرت جنوده وساخ بالباطل قدمه وانقطعت وصائله وعصمه وانبتت حباله ورممه وانحلت أسبابه وذممه حقيق بما بان من فضله واستفاض في الأمة من عدله وعم كافة الرعية من طوله ووصلت إلى الملي والذمي والداني والقاصي عائدة الخير في ايامه وفائدة الأمن بمملكته وسلطانه ومأمول لأفضل ما بدا لعبده من ثمرة اجتبائه واصطفائه وما تغمده به من النعم العظيمة والمواهب الجسيمة واسبغه عليه من العوارف السنية ورفعه إليه من المنازل العلية التي تقصر عنها همم ذوي الاقدار وتقف دونها آمال أولي الاخطار مقدما له على أهل السوابق من أنصار دولته واشياع دعوته
فلو ترادفت ألسن العباد أيد الله أمير المؤمنين على اختلاف لغاتهم

وتباين طبقاتهم وتفاوت حالاتهم في مقابلة نعمة سيدنا التي اعشى العيون بهاؤها وتأدية حقوقه التي أعيا المجتهدين قضاؤها لكانت حيث انتهت وانى تصرفت على استفراغ القدرة واستنفاد الطاعة غير مقاربة حدا من حدودها ولا مؤدية فرضا من فروضها وإذا كان الأمر على ذلك أيد الله امير المؤمنين في فوت الإحسان مقادير الشكر وإيفائه على مبالغ الوسع فقصد عبده في جبر النقيصة وسد الخلة الازدياد في الطاعة والإخلاص في الموالاة والمشايعة وإدامة الابتهال إلى الله تعالى ورفع الرغبة في معونة عبد أمير المؤمنين على مجافاة بلائه والتفرد بجزائه وتجديد المسألة في إطالة بقائه في عز لا تبلى جدته وسلطان لا تنتهي مدته ومواد من مناسجه وموائده وروادف من عوائده متظاهرة لا ينقطع منها اول حتى يلحق تاليه ولا ينصرم سالفه حتى ينصرف آتيه ويكون المآل بعد استيفاء شروط الأمل وتقضي حدود المهل الى النعيم المقيم في جوار العزيز الكريم
ومن تمام إفضال سيدنا على عبده ونظام معروفه عنده بدؤه إياه بما يمتحن به خفة نهضته وسرعة حركته وقعوده لأمره بحد حديد وبعيش عتيد وصمده لما يحظيه لذلك مولاه ويحوز له حمده ورضاه بصدق بصيرة وخلوص سريرة واستسهال لكل خطة وتجشم لكل مشقة دنت المسافة أم شسعت قربت الطية أم نزحت وسيدنا أهل لا ستتمام يد ابتداها وإكمال عارفة أنشأها وكرامه ابتناها باستعمال عبده بأمره ونهيه واعتماده لمهماته بحضرته وفي أطراف مملكته إن شاء الله تعالى
قلت وهذه نسخة كتاب أنشأته ليكتب به إلى امير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العباس خليفة العصر عن نائب الغيبة بالديار المصرية حين

وردت كتبه الشريفة من الشأم الى الديار المصرية بالقبض على الناصر فرج بن الظاهر برقوق بالشأم واستبداده بالامر دون سلطان معه في اوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة مفتتحا له بيقبل الارض التي يكاتب بها الملوك وإن كان قد تقدم من كلام المقر الشهابي بن فضل الله ان المكاتبة الى أبواب الخلافة بالدعاء للديوان لا يختلف فيه ملك ولا سوقة وهو
يقبل الارض وينهي ورود المثال الأشرف الميمون طائره المرقوم على صفحات الأفلاك تهانيه المحمول على متن السحاب بشائره الشاهد بالفتح المبين أوائله وبالنصر العزيز أواخره متضمنا ما من اله تعالى به من جميل الصنع الذي وكفت بالخير سحائبه وخفي اللطف الذي بهرت العقول عجائبه بما منح الله تعالى به مولانا أمير المؤمنين مد الله تعالى على الاسلام وارف ظله وأنام الأنام بمد رواق الإمامة المعظمة في مهاد عدله ومكن له في الأرض كما مكن لآبائه الخلفاء الراشدين من قبله من جلوسه على سدة الخلافة المقدسة التي وصل منقطع حديثها بإسناده وحاز منها بأشرف مقعد تراث آبائه الكرام وأجداده وابتسم ثغر الخلافة بعباسه وتآنس منها جانب الدين بعد الاستيحاش بإيناسه فقبل المملوك له الارض خاضعا ولبى أوامره الشريفة ضارعا واجاب داعيه بالامتثال سامعا طائعا وسجد سجود الشكر لذلك فعرف بسيماه وانتسب إلى الولاء الشريف الإمامي انتسابا شاملا لا سمه ومعناه وأعلم من قبله من الأمراء والأجناد بذلك فقابلوه بالاستبشار طرا وتلقوها تلقيا يليق بمثلها وإن كان لا مثل لهذه البشرى وقرئت المطلقات الشريفة على المنابر فسكنت الدهماء وقرت وسرت الفاظها إلى الاسماع الشيقة فسرت وكررت ألفاظها العذبة مرارا فحلت لدى النفوس إذ مرت وارتفعت الأصوات بالدعاء بدوام هذه الدولة النبوية دواما لا يستشعر مستشعر خلافه فحقيق ظهور معجزة أكرم مرسل بعد الثمانمائة بقوله لعمه العباس ألا أبشرك يا عم بي ختمت النبوة وبولدك تختم الخلافة

وهذه نسخة جواب عن نائب طرابلس عن مثال شريف ورد بوفاة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون واستقرار ولده السلطان الملك المنصور ابي بكر مكانه في الملك بعهد من ابيه من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري بعد التعزية بأبيه السلطان الملك الناصر وهي
وينهي ورود المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه يتضمن أمر المصاب الذي كادت لوقوعه الأرض تتزلزل بأهلها والعقول تتزيل عن محلها وبلغت القلوب الحناجر واستوحشت القصور وأستأنست المقابر وتصدعت له صدور السيوف ورؤوس المنابر وقصم الظهور وشيب السود من الشعور وجرع كؤوسه وصدع الحوزة المحروسة وذلك بما قدر الله تعالى من انتقال مولانا السلطان السعيد الشهيد والد مولانا السلطان خلد الله ملكه إلى رحمته ورضوانه فأجرى المملوك عوض الدموع دما وأقام الإسلام والمسلمون عليه مأتما وتغير البدر المنير لفقده فأمسى مظلما وندبه الإسلام في سائر محاريبه ومصلاه واسف عليه البيت الحرام وركناه ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )
لما دخل النبي المدينة أشرق منها ذلك اليوم كل شيء ويوم قبض أظلم منها كل شيء وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أثبت الناس يوم وفاته وهو الخليفة من بعده ومولانا السلطان الشهيد قدس الله روحه كان

متشرفا باسم نبيه ومتبركا في ذريته الشريفة بذكر سميه ولو ذابت المهج أسفا عليه لما انصفت وقد اسفت عليه الأمم بأسرها وحق لها أن اسفت نبتت لحومنا من صدقاته وغمرت المملوك والممالك مجزلات هباته وما نقل من قصره إلا إلى جنات النعيم وما فارق ملكه إلا وبات في جوار الله الكريم وكان سلطاننا وهو اليوم عند الله سلطان فسقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان
وبحمد الله قد جبرت القلوب المنصدعة بجلوس مولانا السلطان خلد الله ملكه على تخت السلطنة المعظمة والله معه وما جلس على كرسي الملك إلا أهله ولا قام بأمر المسلمين إلا من علم فضله ومولانا السلطان وارث الملك الناصري المنصور حقا والقائم بشأن السلطنة غربا وشرقا وخلاصة هذا البيت الشريف زاده الله نصرا وأدام ملكه دواما مستمرا والعيون الباكية قد قرت الآن بهذه البشرى والقلوب الثاكلة قد ملئت بهجة ( إن مع العسر يسر ) واستقر الإسلام بعد قلقه ونام على جفنه بعد أرقه واستقبلت الأمة عاما جديدا وسلطانا منصورا سعيدا واستبشرت القبلتان وتناجى بالمسرة الثقلان والذين كفروا أمسوا خائبين والذين آمنوا اضحوا فرحين ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ) ومولانا السلطان هو العريق في سلطنة الإسلام والإمام الأعظم ابن الإمام فخلد الله ملكه ما دامت الأيام وأحسن عزاءه في خير سلطان الأنام وابتهلت الألسنة بالترحم على مولانا السلطان الشهيد قدس الله روحه بدموع سائلة وقلوب موجوعة بجراحات النياحات ثم عوضوا بالمسرات الكاملة والدعاء مرفوع لمولانا السلطان خلد الله ملكه برا وبحرا والبلاد مطمئنة والعساكر على ما يجب من التمسك بالطاعة الشريفة والتشريف بإقبال دولة سلطانهم ووارث سلطانهم وكان المملوك يود لو شاهد مولانا السلطان خلد

الله ملكه على ذلك السرير والمنبر وقبل الأرض بين يدي المواقف المعظمة والمقام الأكبر إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة جواب عن ورود المثال الشريف بركوب السلطان بالميدان والإذن للنواب في لعب الكرة وهي
ينهي ورود المثال الشريف شرفه الله تعالى وعظمه يتضمن الصدقة التي أجرت أولياءها على أجمل عادة من الاحتفال والمراحم الشاملة التي وسعت لهم كرمها سافرة عن اوجه الإقبال والبشرى التي جمعت من أنواع المسرات ما بلغته الآمال وهو أن الركاب الشريف استقل إلى الميدان السعيد نهار السبت في كذا من شهر كذا في اسعد طالع وايمن وقت مطاوع وفي الخدمة الشريفة من الامراء كثرهم الله تعالى من جرت العادة بهم من كل كمي مقنع قد لبس من الطاعة بردا وبالإخلاص تدرع وامتطى من فائض الصدقات الشريفة صهوة سابق قد شمر للسبق ذيلا وفر كبرق لمع ليلا
وأن مولانا السلطان خلد الله ملكه طلع عليهم طلوع البدر عند الكمال وحوله المماليك الشريفة كالأنجم الزاهرة التي لا تعد ولا تشبه بمثال والجياد لا يرى لها أثر من الركض والكرة تتشرف بالصولجان كما تتشرف بالتقبيل الأرض وعاد الركاب الشريف زاده الله شرفا وعظمه إلى القلعة المنصورة إلى محل المملكة الشريفة وفي دست السلطنة المعظمة محفوفا من الله تعالى بلطفه ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه )
وما اقتضته الآراء الشريفة والمراحم المطيفة وأثرت به إعلام المملوك بذلك والمرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه أن يتقدم المملوك بالنزول إلى ميدان فلانة المحروسة ومعه مماليك مولانا السلطان خلد الله تعالى ملكه

والامراء فقابل المملوك هذه الصدقات بتقبيل الأرض ورفع الدعوات وجمعوا بين الكرة والصولجان وحصل لهم من المسرات ما لا يحصره بيان وانبسطت نفوسهم إذ اصبحوا في أمن وأمان وابتهلوا إلى الله تعالى بدوام هذه الأيام التي نوعتهم بأنواع الاحسان وضجوا بالأدعية لمولانا السلطان خلد الله ملكه التي عمت مواهبه وفاق بمكارمه الماضين وأربى على سلفه الشريف بالعطاء والتمكين جعل الله أعداءه تحت قهره إلى يوم الدين إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة جواب بوفاء النيل المبارك كتب به عن نائب طرابلس وهي
وينهي ورود المثال الشريف شرفه الله تعالى وعظمه الذي اشرقت أنوار تهانيه وتألقت بروق ألفاظه ومعانيه فبشرت بفيض فضل الرحمة وعموم الرعايا بتواتر عميم النعمة ووفاء النيل المبارك الذي ما برح في هذه الأيام الزاهرة يفي بعهده ويسل سيف الخصب من غمده ويقتل المحل بحمرة متنه وجوهر حده مهنئا للأولياء بهذه الدولة التي أصبحت قلوبهم مطمئنة بالأمن والرخاء مسرورة بما من الله به من ترادف الآلاء وعموم النعماء وحال ما ورد المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه بادر المملوك إلى أمتثال المرسوم الشريف بتقبيل الارض والسمع والطاعة وأخذ كل حظه من هذه البشرى التي عمت تهانيها برا وبحرا وجعلت أمور هذه الامة بيمن بركة هذه الايام الشريفة بعد عسر يسرا وقد عاد فلان البريدي ومن معه إلى الابواب الشريفة بالجواب الشريف طالع بذلك إن شاء الله تعالى
آخر في المعنى
وينهي ورود المثال الشريف زاده الله علوا وشرفا وبيض له في القيامة صحفا يتضمن أنواع الإنعام الجزيل وإبداء آثار السرور بما يسر الله من وفاء النيل فأشرقت أنوار تهانيه وتألقت بروق ألفاظه ومعانيه فبشر بفيض فصل

الرحمة وعموم الرعايا بتواتر عموم النعمة إذ جاء محياه في هذا العام طلقا وسلك في عوائد البر والإحسان طرقا وأذن ببلوغ المرام والمراد وكسر سد خليجه جبرا للعباد والبلاد حيث ملأ الأرض ريا وأهدى من نفحات الأمن والمن ريا والمرسوم الشريف شرفه الله وعظمه بان لا يجبى على ذلك حق بشارة ولا يتعرض إلى أحد بخسارة فقابل المملوك المثال الشريف والمرسوم الشريف بتقبيل الأرض والسمع والطاعة وبادر المملوك إلى إذاعة هذه البشرى التي عمت تهانيها برا وبحرا وجعلت أمور هذه الأمة بيمن بركة هذه الأيام الشريفة بعد عسر يسرا واستنطق الألسنة بالدعاء لهذه الدولة القاهرة وجلا وتلا صور الهناء وسور الآلاء بهذه النعمة الوافية والمنة الوافرة وسأل الله تعالى أن يخلد ملك مولانا السلطان ويوالي أنباء البشائر في أيامه الشريفة مروية بالأسانيد الحسان وقد عاد فلان البريدي بالأبواب الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها بهذا الجواب الشريف وقد عاين ابتهال اهل هذه الملكة الفلانية بالدعاء بدوام هذه الايام الزاهرة السارة بهذه البشائر بخلوها من الكلف والخسارة طالع بذلك إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة جواب عن مثال شريف بوصول فرس إنعام كتب به عن نائب طرابلس وهي
يقبل الأرض وينهي ورود المرسوم الشريف أعلاه الله تعالى وشرفه يتضمن ما اقتضته الآراء الشريفة من الخير التام والإنعام العام والصدقة الوافية الوافرة الأقسام التي ما برحت مماليك هذه الدولة الشريفة في إنعامها العميم تتقلب والخيل السوابق بسعادتها الأبدية تجلب ونجنب وتركب من تجهيز الحصان البرقي بسرجه ولجامه وعدته الكاملة وشمول المملوك بالصدقات التي ما برحت مترادفة متواصلة ولعبد هذا البيت الشريف شاملة وقبل المملوك الأرض وقبل حوافره واعتد بهذه النعمة الباطنة والظاهرة وأعده ليومي تجمل وجهاد ولقاء

عدو وطراد والله تعالى يخلد هذه الصدقات الشريفة التي ما برحت تشمل القريب والبعيد والموالي من أولياء هذه الدولة الشريفة والعبيد طالع بذلك إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة جواب عن وصول خيل من الإنعام السلطاني من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
وينهي وصول ما أنعم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها وتتخذ صهواتها حصونا يعتصم في الوغى بصياصيها
فمن أشهب غطاه النهار بحلته وأوطاه الليل على أهلته يتموج أديمه ريا ويتأرج ريا ويقول من استقبله في حلي لجامه هذا الفجر قد طلع بالثريا إن انفلت في المضايق انساب انسياب الأيم وإن انفرجت المسالك مر مرور الغيم كم ابصر فارسه يوما أبيض بطلعته وكم عاين طرف السنان مقاتل العدو في ظلام النقع بنور أشعته لا يستن داحس في مضماره ولا تطمع الغبراء في شق غباره ولا يظفر لاحق من لحاقه بسوى آثاره تسابق يداه مرامي طرفه ويدرك شوارد البروق ثانيا من عطفه
ومن أدهم حالك الأديم حالي الشكيم له مقلة غانية وسالفة ريم قد البسه الليل برده واطلع بين عينيه سعده يظن من نظر إلى سواد طرته وبياض حجوله وغرته أنه توهم النهار نهرا فخاضه وألقى بين عينيه نقطة من رشاش تلك المخاضة لين الأعطاف سريع الانعطاف يقبل كالليل ويمر كجلمود

صخر حطه السيل يكاد يسبق ظله ومتى جارى السهم إلى غرض بلغه قبله
ومن اشقر وشاه البرق بلهبه وغشاه الأصيل بذهبه يتوجس ما لديه بدقيقتين وينفض وفرتيه عن عقيقتين وينزل عذار لجامه من سالفتيه على شقيقتين له من الراح لونها ومن الرياح لينها إن جرى فبرق خفق وإن اسرع فهلال على شفق لو أدرك أوائل حر بني وائل لم يكن للوجيه وجاهة ولا للنعامة نباهة ولكان ترك إغارة سكاب لؤما وتحريم بيعها سفاهة يركض ما وجد أرضا وإذا اعترض به راكبه بحرا وثب عرضا
ومن كميت نهد كأن راكبه في مهد عندمي الإهاب شمالي الذهاب يزل الغلام الخف عن صهواته وكأن نغم الغريض ومعبد في لهواته قصير المطا فسيح الخطا إن ركب لصيد قيد الأوابد وأعجل عن الوثوب الوحش اللوابد وإن جنب إلى حرب لم يزور من وقع القنا بلبانه ولم يشك لو علم الكلام بلسانه ولم ير دون بلوغ الغاية وهي ظفر راكبه ثانيا من عنانه وإن

سار في سهل اختال بصاحبه كالثمل وإن أصعد في جبل طار في عقابه كالعقاب وانحط في مجاريه كالوعل متى ما ترق العين فيه تسهل ومتى أراد البرق مجاراته قال له الوقوف عند قدره ما أنت هناك فتمهل
ومن حبشي اصفر يروق العين ويشوق القلب بمشابهته العين كأن الشمس القت عليه من أشعتها جلالا وكأنه نفر من الدجى فاعتنق منه عرفا واعتلق احجالا ذي كفل يزين سرجه وذيل يسد إذا استدبرته منه فرجه قد اطلعته الرياضة على مراد فارسه وأغناه نضار لونه ونضارته عن ترصيع قلائده وتوشيع ملابسه له من البرق خفة وطئه وخطفه ومن النسيم لين مروره ولطفه ومن الريح هزيزها إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه يطير بالغمز ويدرك بالرياضة مواقع الرمز ويعدو كألف الوصل في استغناء مثلها عن الهمز
ومن أخضر حكاه من الروض تفويفه ومن الوشي تقسيمه وتأليفه قد كساه النهار والليل حلتي وقار وسنا واجتمع فيه من السواد والبياض ضدان لما استجمعا حسنا ومنحه البازي حلة وشيه ونحلته الرياح ونسماتها قوة ركضه وخفة مشية يعطيك أفانين الجري قبل سؤاله ولما لم يسابقه شيء من الخيل أغراه حب الظفر بمسابقة خياله كأنه تفاريق شيب في سواد عذار أو طلائع فجر خالط بياضه الدجى فما سجى ومازج ظلامه النهار فما أنار يختال لمشاركة اسم الجري بينه وبين الماء في السير كالسيل ويدل بسبقه على المعنى المشترك بين البروق اللوامع وبين البرقية من الخيل ويكذب المانوية

لتولد اليمن فيه بين إضاءة النهار وظلمة الليل
ومن أبلق ظهره حرم وجريه ضرم إن قصد غاية فوجود الفضاء بينه وبينها عدم وإن صرف في حرب فعمله ما يشاء البنان والعنان وفعله ما تريد الكف والقدم قد طابق الحسن البديع بين ضدي لونه ودلت على اجتماع النقيضين علة كونه وأشبه زمن الربيع باعتدال الليل فيه والنهار وأخذ وصف حلتي الدجى في حالتي الإبدار والسرار لا تكل مناكبه ولا يضل في حجرات الجيوش راكبه ولا يحتاج ليله المشرق بمجاورة نهاره إلى ان تسترسل فيه كواكبه ولا يجاريه الخيال فضلا عن الخيل ولا يمل السرى إلا إذا مله مشبهاه النهار والليل ولا تتمسك البروق اللوامع من لحاقه بسوى الأثر فإن جهدت فبالذيل فهو الأبلق الفرد والجواد الذي لمحاربه العكس وله الطرد قد أغنته شهرة نوعه في جنسه عن الأوصاف وعدل بالرياح عن مباراته لسلوكها له في الاعتراف جادة الإنصاف
فترقى المملوك إلى رتب العز من ظهورها وأعدها لخطبة الجنان إذ الجهاد عليها من أنفس مهورها وكلف بركوبها فكلما أكمله عاد وكلما أمله شره إليه فلو أنه زيد الخيل لما زاد ورأى من آدابها ما دل على أنها من أكرم الأصائل وعلم أنها ليومي سلمه وحربه جنة الصائد وجنة الصائل وقابل إحسان مهديها بثنائه ودعائه وأعدها في الجهاد لمقارعة أعداء الله وأعدائه والله تعالى يشكر بره الذي أفرده في الندى بمذاهبه وجعل الصافنات الجياد من بعض مواهبه

المهيع الثاني من مقاصد المكاتبات السلطانية ما يكتب به عن نواب السلطان
والاتباع إلى السلطان ابتداء
وهو على أنواع كثيرة نذكر منها ما يستضيء به الكاتب في مثله
فمن ذلك ما يكتب عن نائب كل مملكة إذا وصل إلى محل ولايته
قد جرت العادة أن النائب إذا وصل الى مملكته ومقر ولايته كتب الى السلطان يخبره بذلك وبما المملكة عليه
وهذه نسخة مكاتبة من ذلك كتب بها عن نائب حلب في معنى ذلك وهي
يقبل الارض وينهى أن المملوك وصل الى المملكة الفلانية المحروسة وحل محلها المأنوسة التي شملته الصدقات الشريفة بكفالتها واهلته المراحم المنيفة لايالتها رافلا في حلل الانعام الشريف متفيئا ظل العز الوريف صحبة فلان مسفره ودخلها يوم كذا من شهر كذا لابسا تشريفه الشريف المنعم به عليه ماشيا لمحل الكرامة الذي سار إليه بحضور من جرت العادة بحضوره من قضاة القضاة والأمراء والحجاب والعساكر المنصورة والأصحاب على أجمل العوائد وأكمل القواعد وقبل الأرض بباب القلعة المنصورة ودخل دار العدل الشريف وقطوف الأماني له مهصورة وقريء بها بحضرة أولياء الدولة تقليده وعظم المراسم الشريفة تأييده وتصدى لما نصبته له المراسم الشريفة من إنصاف المظلوم وتنفيذ كل مهم شريف ومرسوم وتصفح أحوال المملكة وسلك كل أحد مسلكه واستجلبت الأدعية لمولانا السلطان واجتهد في حياطة البلاد ممن يمد إليه شيطان المفسدين بأشطان وانتظم له امر المملكة بالمهابة

الشريفة أحسن انتظام وبلغ به كل ولي من قهر العدو غاية المرام وقد اعاد المملوك فلانا مسفره إلى خدمة الأبواب الشريفة مزاح الأعذار مبلغ الأوطار على العادة طالع بذلك ولا زال منه مزيد الشرف والعلو إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة كتاب في المعنى إلى الأبواب السلطانية عن نائب طرابلس وهي
يقبل الأرض وينهي أنه وصل إلى طرابلس المحروسة مغمورا بالصدقات الشريفة والإنعامات المطيفة صحبة مملوك مولانا السطان فلان خلد الله تعالى ملكه وألبس تشريفه الشريف وقريء تقليده الشريف بدار العدل وقبل الأرض مرارا على العادة وتقدم المملوك بالحلف الشريف على النسخة المجهزة صحبة المشار إليه من الأبواب الشريفة عظمها الله تعالى بحضور من جرت العادة بحضوره من قضاة القضاة والامراء وكتب خطه عليها وانتصب المملوك لخلاص الحقوق وإزالة المظالم ونشر لواء العدل الشريف لينتصف المشروف من الشريف وينزجر القوي عن الضعيف واتباع الحق في القضايا واستجلاب الأدعية بدوام هذه الدولة العادلة من الرعايا ورتب أمور الآزاك المنصورة على أكمل عادة وأجمل قاعدة وقد عاد فلان إلى الابواب الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها لينهي بين يدي الأيادي المعظمة ما عاينه من المملوك من إخلاصه في الطاعة الشريفة ومغالاته طالع بذلك إن شاء الله تعالى
ومن ذلك ما يكتب به في التهنئة بالخلافة
أما التهنئة بالخلافة فقد قال في مواد البيان من الأدب المستفيض ترفيه الخلفاء عن الهناء والعزاء إكبارا لهم وتعظيما إلا أننا رأينا ذوي الأخطار من القدماء قد شافهوهم بالعزاء مسلين وبالهناء داعين وربما دفع الكاتب إلى صحبة رئيس يقتضي محله أن يهنيء الخليفة بمتجدد النعم لديه ويعزيه لمتطرق النوائب إليه فاحتيج إلى أن يرسم في هناء الخلفاء وعزائهم ما يحتذى عليه

عند الحاجة إلى استعمال مثله
وهذه نسخة تهنئة بالخلافة أوردها في مواد البيان وهي
أولى النعم خلد الله ملك مولانا أمير المؤمنين بأن تنطق بها ألسن الذاكرين يضوع عطرها وتتناقلها أفواه الشاكرين يفوح نشرها نعمة إيلائه في خلافته التي جعلها ذخرا للأنام وعصمة للإسلام وحاجزا بين الحلال والحرام وقواما للائتلاف والاتفاق وزماما عن الاختلاف والافتراق ونظاما لصلاح الخاصة والعامة وسبيلا إلى اجتماع الكلمة وسكون الأمة وسببا لحقن الدماء ودعة الدهماء ومجاهدة الأعداء وإقامة الصلوات وإيتاء الزكوات والعمل بالفرائض والسنن وحسم البدع والفتن وعدقها بالاخيار ورثة نبيه وعترته والأبرار الطهرة من أرومة رسوله وشجرته الذين نصبهم دعاة إلى طاعته وهداة لبريته وأعلاما لشريعته يأمرون بالمعروف ويأتمرون وينهون عن المنكر وينتهون ويقضون بالحق وبه يعدلون وكلما لحق منهم سلف بمقر أوليته أقام خلفا يختصه بانتخابه وتكرمته
والحمد لله الذي قصر خلافته على امير المؤمنين وآبائه وجعل منهم الماضي الذي كانت مفوضة إليه والآتي الذي أقرت عليه وأنجز لهم ما وعدهم من إبقاء الإمامة في عقبهم إلى يوم القيامة واستخلص لها في عصرنا هذا وليها الحامي لحقيقتها المرامي عن حوزتها المعز لكلمتها الرافع لرايتها المحدد لحدودها الحافظ لعقودها وسلم قوسا منه إلى باريها وناطها بكفئها وكافيها وأفضى إليه بشرف الولادة والابوة وميراث الإمامة والنبوة وألف به بين القلوب الآبية وجمع عليه النفوس النائية واتفقت الآراء بعد تباينها وتنافيها وتطابقت الأهواء على اختلافها وتعاديها واستدت ثلمة الدين بعد انثغارها واطمأنت الدهماء بعد نفارها حمدا يكون لنعمته كفاء ولموهبته جزاء
وخلافة الله وإن كانت الغاية التي لا تنزع الهمم إليها ولا تتطلع الأماني عليها لاختصاص الله بها صفوته من بريته وخالصته من أهل بيت نبيه وعترته فإن أمير المؤمنين يتعاظم عن تهنئته بوصولها إليه وسبوغ ملابسها عليه إذ لا

يسوغ أن يهنأ بإدراك ما كتب الله له أن يدركه بأقلام الأقدار على صفحات الليل والنهار والعبد يسأل الله تعالى ضارعا إليه في إنهاض أمير المؤمنين بما حمله وكلفه وتوفيقه فيما كفله واستخلفه وأن يمكن له في الارض ويعلي يده بالبسط والقبض ويمده بعز السلطان وعلو الشان وظهور الأولياء وثبور الأعداء وإعزاز الدين وابتزاز الملحدين وتقوية يده في نصره الإسلام وسياسة الأنام ويعرف رعيته من يمن دولته وسعادة ولايته ما يجمعهم على الطاعة والموافقة ويعصمهم من المعصية والمفارقة ويوفقهم من الإخلاص في موالاته لما يوفر حظهم من مرضاته ويجعل ولايته هذه مقرونة بانفساح المدة والأجل وبلوغ المنى والأمل وصالح القول والعمل ويبلغه في مملكته ودولته أفضل ما بلغه خليفة من خلفائه ووليا من أوليائه
ومن ذلك ما يكتب في البشارة بالفتوح
قد جرت العادة أن السلطان إذا وجه جيشا لفتح قلعة أو قطر من الأقطار وحصل الفتح على يديه أن يكتب السلطان مبشرا بذلك الفتح منوها بقدره معظما لأمره وما كان فيه من عزيز النصر وقوة الظفر
فمن مكاتبة في البشارة بفتح حصن المرقب وهي
قد أسفر عن الفتح المبين صباحه والتأييد وقد طار به محلق التباشير فخفق في الخافقين جناحه والإسلام وقد وطيء هامة الكفر بمقدمه والدين وقد عز بفتكات سيفه المنصور فأنف أن يكون الشرك من خدمه والأفلاك وقد علمت أنه لهذا الفتح القريب كان اجتماع كواكبها والأملاك وقد نزلت لتشهد

احمد النصرة البدرية في صفوفها ومواكبها وحصن المرقب وقد ألقت عليه الملة الإسلامية أشعة سعدها وانجزت له الايام من الشرف بها آماله بعد ما طال انتظاره لوعدها وأمنته الأقدار التي ذللته للإسلام أن تطاول إليه الحوادث من بعدها وقد أحاطت العلوم بأن هذا الحصن طالما شحت الأحلام أن تخيل فتحه لمن سلف من الأنام فما حدثت الملوك أنفسها بقصده إلا وثناها الخجل ولا خطبته ببذل النفائس والنفوس إلا وكانت من الحرمان على ثقة ومن معاجلة الأجل وقته على وجل وحوله من الجبال كل شامخ تتهيب عقاب الجو قطع عقابه وتقف الرياح خدما دون التوقل في هضابه وحوله من الاودية خنادق لا تعلم منها الشهور إلا بأنصافها ولا تعرف فيها الأهلة إلا بأوصافها وهو مع ذلك قد تقرط بالنجوم وتقرطق بالغيوم وسما فرعه إلى السماء ورسا أصله في التخوم تخال الشمس إذا علت أنها تتنقل في أبراجه ويظن من سما إلى السها أنه ذبالة في سراجه فكم من ذي جيوش قد مات بغصة وذي سطوات اعمل الحيل فلم يفز من نظره على البعد بفرصة لا يعلوه من مسمى الطير سوى نسر الفلك ومرزمه ولا يرمق متبرجات أبراجه غير عين شمسه والمقل التي تطرف من أنجمه وقد كان نصب عليه من المجانيق ما سهامه انفذ من سهام الجفون وخطراته أسرع من لحظات العيون لا يخاطب إلا بوساطة رسله بضمير الطلاب ولا يرى لسان سهمه إلا كما ترى خطفات البرق إذا تألق في علو السحاب فنزلت عليه الجيوش نزول القضاء وصدمته بهممها التي تستعير منها الصوارم سرعة المضاء وروعة الانتضاء فنظرت منه حصنا قد زرر عليه الجوجيب غمامه وافتر ثغره كلما جذب عنه البرق فاضل لثامه فتذللت صعابه وسهلت عقابه وركزت للجنوبات في سفحه وطالما رامت الطير أدناه فلم تقو عليه القوادم وكم همت العواصف بتسنم رباه فأصبحت مخلفة تبكي عليها الغمائم فضرب بينها وبين الحصن بسور باطنه فيه الرحمة

وظاهره من قبله العذاب ونصبت فوقه من الأسنة ثغور براقة الثنايا ولكنها غير عذاب فعاد ذلك السفح مصفحا بصفاحها مشرقا بأعلام أسنة رماحها فأرسلت إلى أرجائها ما أربى على الغمائم وزاد في نفحه على التمائم طويل
( وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثت القتلى عليها تمائم )
ونصبت عليها المجانيق فلم ترع حق جنسها وسطت عليها فاصبح غدها في التحامل أبعد من أمسها واستنهضتها العدا فاعلمتهم أنها لا تطيق الدفاع عن غيرها بعد أن عجزت عن نفسها وبسطت أنفها أمارة على الإذعان ورفعت أصابعها إما إجابة أن تذل للتشهد وإما إنابة إلى طلب الأمان فخاف العدا من ظهور هذا الاستظهار وعلموا أن المجانيق فحول لا تثبت لها الإناث التي عريت من النفع بأيديهم فاستعانوا عليهن مع العدا بطول الجدار فعند ذلك غدت تكمن كمون الأساود وتثب وثوب الأسود وتباري بها الحصون السماء فكلما قذفت هذه بكواكبها النيرة قذف هذا بكواكبه السود ولم يكسر لهم منجنيق إلا ونصبوا آخر بمكانه ولا قطعت لأحد إصبع إلا وصل الآخر ببنانه فظلت تتحارب مثل الكماة وتتحامل تحامل الرماة حتى لقحت وفسحت للرضا مجالا ومالت وميل فيها وكذلك الحرب تكون سجالا
هذا والنقوب قد دبت في باطنه دبيب السقام وتمشت في مفاصله كما تتمشى في مفاصل شاربها المدام وحشت أضالعه نارا تشبه نار الهوى تحرق الأحشاء ولا يبدو لها ضرام قد داخلت مرسلة الوجل فتحققوا حلول الأجل وعلموا أن هذا الفتح الذي تمادت عليه الأيام قد جاء يسعى إلى ما بين يديه على عجل وأيقن الحصن بالانتظام في سلك الممالك الشريفة فكاد يرقصه بمن فيه فرط الجذل وزاد شوقه إلى التشريف ويا صبابة لوسمها واسمها مشتاق لكنهم أظهروا الجلد وأخفوا ضرام نار الجزع وكيف تخفى وقد وقد وتدفقت إليهم الجيوش فملأت الأفق وأحاطت بهم إحاطة الطوق

بالعنق ونهضت إليهم مستمدة من عزمات سلطانها مستعدة لانتزاع أرواح العدا على يديها من أوطانها فانقطعت بهم الظنون ودارت عليهم رحى المنون وأمطرت عليهم المجانيق أحجارها ( فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ) وحطت بساحتها عقبان تلك الأحجار فهدمت العمائر والأعمار وأجرت في أرجائها أنهار الدماء فهلكوا بالسيف والنبل والنار وتحكمت هذه الثلاثة في أهل التثليث فبدلوا بالخوف من أمنهم وهربوا منها إلى مخايل حصنهم
ولما ركب الأول للزحف في جيوشه التي كاثرت البحر بأمواجه تزلزل الحصن لشدة ركضه وتضعضع من خوف عصيانه فلحقت سماؤه بأرضه وتحللت قواعد ما شيد من أركانه فانحلت وألقت الارض ما فيها وتخلت ومشت النار من تحتهم وهم لا يشعرون ونفخ في الصور بل في السور فإذا هم قيام ينظرون وما كان إلا أن قابلت العساكر ذلك البرج حتى أهوى يلثم التراب وتأدب بآداب الطاعة فخر راكعا وأناب فهاجمتهم الجيوش مهاجمة الحتوف وأسرعت المضاء والانتضاء فلم تدر العدا أهم أم الذين في أيمانهم السيوف التي تسبق العذل وثبت منهم من لم يجد وراءه مجالا فلجأوا إلى الأمان وتمسك دنيء كفرهم بعزة الايمان وتشبثوا بساحل العفو حتى ظنوا أنهم أحيط بهم وجاءهم الموج من كل مكان وسألونا أن يكونوا لما من جملة الصنائع وتضرعوا في ان نجعل أرواحهم لسيوفنا من جملة الودائع فنتصدق عليهم بارواحهم كرما وظلوا على معنى الحديث النبوي يرون الممات يقظة والحياة حلما واطلقتهم اليد التي لا يخيب لديها الآمل واعتقتهم اليمنى التي فجاج الأرض في قبضتها فمتى تشاء تجمع عليهم الأنامل وخرجوا بنفوس قد تجردت حتى من الأجسام ومقل طلقت الكرا خوفا من الصوارم التي تسلها عليهم الأحلام وسطرت والمدينة قد تسنم أعلاها وشعار الايمان قد جردها من لباس الكفر وأعراها والأعلام قد

سلكت إلى ذلك الحصن أعلى مرقى والسعادة قد بدلت بيعه مساجد ومحاريبه قبلة وكانت شرقا فاصبح يرفل في حلل الايمان واذعن بالطاعة فأخرس جرس الجرس به صوت الاذان إن شاء الله تعالى
ومن ذلك ما يكتب به في التعازي إلى الخلفاء
وقد تقدم في الكلام على التهنئة بولاية الخلافة أنه كما ينبغي أن لا يهنأ الخليفة بالخلافة إعظاما فكذلك ينبغي أن لا يعزى في مصابه إلا أنه ربما دعت ضرورة الكاتب إلى ذلك لإكرام بعض أخصاء الخليفة إياه بالكتابة بذلك إلى الخليفة ولا يخفى أن الحال في ذلك تختلف باختلاف المعزي من والد أو ولد أو غيرهما
وهذه نسخة مكاتبة في معنى ذلك ذكرها في مواد البيان وهي
أما بعد فإن الله تعالى جعل خلافته لخلقه قواما ولبريته نظاما وجعل له خلفاء يدخرهم لميراثها ويختصهم بتراثها فإذا انقضت مدة ماضيهم لما يريده الله من استدنائه إلى مقر خلصائه نقلها إلى نوره باصطناعه واصطفائه
والحمد لله الذي قصر خلافته على أمير المؤمنين وآبائه وجعل منهم زعيمهم الماضي الذي كانت بيديه مواريثها والآتي الذي صار إليه تراثها
والحمد لله الذي ختم لأمير المؤمنين المنتقل إلى دار الكرامة بأفضل الخاتمة وأحسن له الجزاء عن السعي في الأمة وأنعم باستخلاص أمير المؤمنين لإمامة خليقته وحياطة سريعته وحماية بلاده وسياسة عباده ولوراثة تراث آبائه وأجداده وجعل الماضي منهم مرضيا عنه والآتي مرضيا به واعتدت الرعية من عدل أمير المؤمنين ما جبر كسرها في خليفته وصبرها في رزيته وهو المسؤول أن يلهمه على المصيبة في سلفه الطاهر صبرا وعلى ما أخلفه عليه في تأهيله لخلافته التي لا كفاء لها شكرا بمنه وفضله إن شاء الله تعالى

وهذه نسخة كتاب في التعزية ايضا وهي
إن الله خص أمير المؤمنين بما هو أهله من خلافته وعظم محله بما نصبه له من إمامة بريته وجعله عمادا لأهل الإسلام تجتمع عليه أهواؤهم وتسكن إليه أملاؤهم ويصلح به دينهم ودنياهم ويستقيم به أمر أولاهم وأخراهم فإذا أسبغ نعمة من نعمه عليه وظاهر موهبة من مواهبه لديه شركوه فيها ونهضوا معه على الشكر عليها وإذا ابتلاه ببلية وامتحن صبره برزية أخذوا بالنصيب العظيم من الحادث والحظ الجسيم من الكارث و ما أفردوه بثواب الله فيها وما جعله جزاء من الأجر عليها
وإن الله تعالى كان أعار امير المؤمنين من ولده فلان رضي الله عنه عارية من عواريه وبلغه من الاستمتاع بها ما احتسب من امانيه ثم استرجعها ليثقل بها ميزانه ويضاعف إحسانه ويجعلها له ذخرا ونورا يسعى بين يديه وأجرا فعظم بذلك المصاب على رعيته وكبر الرزء على أهل دعوته لما كانوا يرجونه من سكون القلوب ونقع الخطوب واستقرار قواعد الخلافة وشمول الرحمة والرافة وقد حصل أمير المؤمنين على نعم كثيرة من موهبته وثوابه في استعاذته وحصل كافة خاصته على القلق لفقده والأسى من بعده وقد جعله الله تعالى صلاح كل فساد وثقاف كل مياد ومهبط كل رحمة وطريق كل نعمة وهو خليق بأن يظهر من صبره ورضاه بقضاء الله وتسليمه لأمره ما يبعث على التأسي به والتأدب بأدبه والله تعالى يحسن لأمير المؤمنين الخلف ويعوضه أحسن العوض في المؤتنف ويوفر حظه من الثواب ويعظم له الأجر على المصاب ويريه في أوليائه وأحبابه أعظم محابه وغاية آرابه وينقل المنقول إلى إيوان الكرامة والاحتفاء بأفاضل الأجداد والآباء بفضله ورحمته إن شاء الله تعالى

وهذه نسخة كتاب كتب به إلى الابواب السلطانية عند فتح آياس قاعدة بلاد الارمن وانتزاعها من أيديهم وهي
يقبل الأرض وينهي أن ليلة الانتظار أطلعت صباحها ومواعيد الآمال بعثت على يد الإقبال نجاحها والعساكر المنصورة جردت رابع ربيع الأول بمدينة آياس صفاحها وأوردت إلى الصدور رماحها فلم يكن إلا كلمح البصر ولسان صدق القتال قائل بأن الجيش الناصري قد انتصر وانقضى ذلك النهار بإيقاد نار حرب الحصار على أبراج واسوار أديرت على المينا كما أدير المعصم على السوار فما اشرق صباح الصفاح ولاح إلا والأعلام الناصرية على قلة القلعة مائسة الأعطاف من الارتياح معلنة ألسنتها بحي على الفلاح وحي على النجاح وعز الإسلام يقابل ذل الكفر بهذا النصر وهذا الافتتاح وجمع الأرمن الملا تفرق ما بين قتل وأسر وانتزاح ولعبت ايدي النيران في القلعة وجوانبها وتفرقت من الأسوار اعضاء مناكبها ونطق بالأقدار لسان النار هذي منازل أهل النار في النار
ثم انتقلت المحاصرة إلى قلعة البحر وضم الأرمن الملا إليها سيف القدرة والقهر وهذه القلعة عروس بكر في سماء العز شاهقة لم يسبق لأحد من الملوك الأوائل إلى خطبتها سابقة قد شمخت بأنفها ونأت بعطفها وتاهت على وامقها وغضت عين رامقها فهي في عقاب لوح الجو كالطائر وسورها البحر والحجر فلا يكاد يصل إلى وكرها الناظر وقد أوثقت بحلقات الحديد

وقيدت كأنها عاصية تساق بالأصفاد إلى يوم الوعيد فارسل عليها المنجنيق عقابه وأعلق بها ظفره ونابه فكشف من شرفاتها شنب ثغرها وسقاها بأكف أسهمه كؤوس حجارة فتمايلت من شدة سكرها وفض من ابراجها الصناديق المقفلة وفصل من اسوارها الأعضاء المتصلة فتزلزل عمدها وزيل عن مكانه جلمدها وعلت الأيدي المرامية بها وغلت الايدي المحامية عنها واشتد مرضها من حرارة وهج الحصار وضعفت قوتها عن مقاومة تلك الأحجار ولم يبق على سورها من يفتح له جفنا وشن المنجنيق عليها غارته إلى أن صارت شنا فأرسل إليها من سماء غضبه رجوما ووالى ذلك عليها سبع ليال وثمانية أيام حسوما فبادرت إلى الطاعة واستسلمت وكرر نحوها ركوعه فسجدت وركبت الجيوش المنصورة عوض الصافنات اللجج وسمحت في سبيل الله عز و جل بالمهج فعند ذلك سارع أهلها إلى التعلق بأسباب الهرب وكان خراب قلعة المينا هذي لخراب قلعتهم من الجرب وأحرقوا كبدها من أيديهم بنار الغضب وانتزحوا منها ليلا وجروا من الهزيمة ذيلا وتسلمها المسلمون وتحسر عليها الحسرة الكبرى الكافرون وهدمت حجرا حجرا وصافحت بجبهتها وجه الثرى وأعدمت من الوجود عينا وأثرا فما أعجب هذا الفتوح وأغرب وما أحلى ذكره في الأفواه وما أعذب وما ألذ حديثه في الأسماع وما أطرب وما أسعد هذا الجيش الناصري وما أنجب بسيط
( بشراك بشراك هذا النصر والظفر ... هذا الفتوح الذي قد كان ينتظر )
( فتح مبين ونصر جل موقعه ... سارت به وله الأملاك والبشر )
( عجائب ظهرت في فتحه بهرت ... لم تأت أمثالها الأيام والسير )
( لو كان في زمن ماض به نزلت ... في وصف وقعته الآيات والسور )

( هذي أياس التي قد عز جانبها ... وعز خاطبها حتى أتى القدر )
( جاءت إليها جيوش كم بها أسد ... بيض الصفاح لها الأنياب والظفر )
( جيش لهام كبحر زاخر لجب ... إذا سرى لا يرى شمس ولا قمر )
( يسير بالنصر أنى سار متجها ... ما زال يقدمه التأييد والظفر )
( جيش له الله والأملاك ناصرة ... مليكه ناصر للدين منتصر )
( يوم الخميس رايت الخيل حاملة ... على رؤوس عداة هامها أكر )
( وقلعة البحر كانت آية لهم ... فعن يسير فاضحت للورى عبر )
( كانت بأفق سماء العز شاهقة ... أبراجها باسقات خرتها خطر )
( فركب المسلمون البحر باذلة ... أرواحها في سبيل الله تدخر )
( لم يبق منهم أمير لا ولا ملك ... يأوي مقرا إلى أن مدت الجسر )
( وعجل الله بالفتح المبين لهم ... هذا الفتوح الذي توفى له النذر )
( يرضى به الله والاسلام قاطبة ... وشاهد القول فيه العين والأثر )

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

القسم الثاني من مقاصد المكاتبات الإخوانيات مما يكتب به الرئيس إلى
المرؤوس والمرؤوس إلى الرئيس والنظير إلى النظير
قال في مواد البيان ولها موقع خطير من حيث تشترك الكافة في الحاجة إليها . قال والكاتب إذا كان ماهرا أغرب معانيها ولطف مبانيها وتسهل له فيها ما لا يكاد أن يتسهل في الكتب التي لها أمثلة ورسوم لا تتغير ولا تتجاوز وهي على سبعة عشر نوعا

النوع الأول التهاني
قال في مواد البيان كتب التهاني من الكتب التي تظهر فيها مقادير أفهام الكتاب ومنازلهم من الصناعة ومواقعهم من البلاغة وهي من ضروب الكتابة الجليلة النفيسة لما في التهنئة البليغة من الإفصاح بقدر النعمة والإبانة عن موقع الموهبة وتضاعف السرور بالعطية وأغراضها ومعانيها متشعبة لا تقف عند حد وإنما نذكر منها الأصول التي تفرعت منها فروع رجعت إليها وحملت عليها
قال ويجب على الكاتب أن يراعي فيها مرتبة المكتوب إليه والمكتوب عنه في الرسالة اللائقة بهما مما لا يتسامح بمثله
ثم التهاني على أحد عشر ضربا
الضرب الأول التهنئة بالولايات وهي على تسعة أصناف
الصنف الأول التهنئة بولاية الوزارة
قد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على ترتيب المملكة أن الوزارة كانت في الزمن المتقدم هي أرفع وظائف المملكة وأعلاها رتبة وأنها الرتبة الثانية بعد الخلافة وكانت في زمن الخلفاء تكاد أن تكون كالسلطنة الآن فهي من

الأتباع ومن في معناهم على نحو ما كانت في الزمن المتقدم بين الرؤساء والأكابر ومن الرؤساء والأكابر بحسب ما تقتضيه رتبة المهنإ
وهذه نسخ تهان من ذلك على ما كان عليه الحال في الزمن القديم
تهنئة بوزارة من إنشاء أبي الحسين بن سعد كتب بها إلى الوزير محمد بن القاسم بن عبيد رحمه الله وهي
من كانت النعمة أيد الله الوزير نافرة عنه وبفنائه غريبة فهي تأوي من الوزير إلى مثوى معهود وكنف محمود وتجاور منه من يوفيها حقها ويقابلها بحسن الصحبة لها ويجري في الشكر لما يولاه والرعاية لما يسترعاه على شاكلة مضى عليها السلف من أهله ونشأ في مثلها الخلف مقتديا بالأول الآخر وبالماضي الغابر تشابها في كرم الأفعال ورعاية لحقوق الآمال واعتمادا للرأفة والرحمة وعموما بالإنصاف والمعدلة إلى ما خص الله به أهل البيت رضي الله عن الماضين منهم وأقام عز الباقين وحراستهم من العلم بالسياسة والدرابة بتدبير المملكة ورعاية الأمة والهداية فيهم لطرق الحيطة ونهج المصلحة
والحمد لله على ما خص به الوزير من فضله الذي رفع قدره فيه عن

مساماة ومشاكلة المقادر والشبيه وجعله فيما حباه به نسيج وحده وقريع دهره وجمع له من مواهب الخير وخصائص الفضل ما أبان به موقعه في الدين وأعطاه معه الولاية من جميع المسلمين
والحمد لله حمدا مجددا على ما جدده له من رأي أمير المؤمنين واجتبائه ومحله من اختياره واصطفائه
والحمد لله على ما منحه من كرامته وجدد له من نعمته فيما أعاد إلى تدبيره من وزارته وأشركه فيه من أمانته احتياطا منه للمملكة ونظرا للخاصة والعامة فإن عائدة رأيه سوت بين الضعيف والقوي ووصلت إلى الداني والقصي وأعادت إلى الملك بهاءه وإلى الإسلام نوره وضياءه فاكتست الدنيا من الجدة بعد الإخلاق والنضارة بعد الإنهاج ما لم يكن يوجد مثله إلا بالوزير في شرف منصبه وكرم مركبه فهنأ الله الوزير ما آتاه وتابع له قسمه ووصل له ما جدد له بالسعادة وأمده فيه بالزيادة وأعطاه من كل مأمول أعظم حظ وأوفر نصيب وقسم تراخيا في مدة العمر وتناهيا في درجة العز واحتياطا بالموهبة في العاجلة وفوزا بالكرامة في الآجلة إنه فعال لما يشاء
تهنئة أخرى في مثل ذلك أوردها في ترسله وهي
التهنئة بالوزير للزمان وأهله بما جملهم به وجدد لهم من ميسم العز وسربلهم إياه من حلة الأمن بولايته والنعمة على أوليائه ورعاياه على حسب مواقعهم من مشاركته وحظوظهم من معدلته ظاهرة ولله على ذلك الحمد الفاضل والشكر الكامل وللوزير من هذه النعمة الجليلة والدولة السعيدة أهناها موقعا وأسراها ملبسا وأدومها مدة وأجملها نغية وأثراها مبوءا وأسلمها

عقبى فتولاه الله بالمعونة والحراسة وأيده الله بالنصر والكفاية وأنهضه بما قلده واسترعاه وبلغه محابه ومناه وأرجو أن يكون موقعي من ثقة الوزير يلحقني عنده بمن مكنته الأيام من قضاء الحق في التلقي والإبعاد ويعوضني بتفضيله مما حرمته منها محل ذوي الإخلاص والاعتداد
تهنئة أخرى في مثل ذلك أوردها في ترسله أيضا وهي
وهذا أول يتلوه ما بعده بلا تناه ولا نقص بإذن الله ومشيئته بل يكون موصولا لا تبلغ منه غاية إلا شفعتها درجة ترقى تكنف ذلك كفاية من الله شاملة كاملة وغبطة في البدء والعاقبة بلا انقطاع ولا ارتجاع حتى يكون المنقلب منه بعد بلوغ العمر منتهاه إلى فوز برحمة الله ورضاه فهنيئا للوزير بما لا يقدر أحد أن يدعي فيه مساعفة المقدار ولا يناله بغير استحقاق إذ لا مثل ولا نظير للوزير فضلا ظاهرا وعلما على العلوم موفيا وسابقة في تقليب الخلافة ظهرا لبطن وحلب الدهر شطرا بعد شطر وجمعا من مال السلطان لما كان متفرقا وحفظا لما كان ضائعا وحماية لبيضة الملك وضبطا للثغور وتلقيا للخطوب بما يفل حدها ويطفيء نارها ولهبها ويقيم أودها وما وهب الله في رأيه من فتح البلاد المرتجة وقمع الأعداء المتغلبة وسكون الدهماء وشمول الأمن وعموم العدل والله يصل ذلك بأحسنه

تهنئة أخرى في مثل ذلك من إنشاء علي بن خلف في مواد البيان وهي
أطال الله بقاء حضرة الوزارة السامية فارعة من المعالي أسمقها نجودا كارعة من المنن أعذبها ورودا ساحبة من الميامن أرقها برودا ممتعة بالنعم التي يرامي الشكر عن حوزتها ويحامي البشر عن حومتها مبلغة في أوليائها وأعدائها قاضية ما ترتمي إليه رحابها فلا ترى لها وليا إلا لاحب المذهب ثاقب الكوكب سامي الطرف حامي الأنف ولا عدوا إلا ضيق المطرح وعر المسرح صالد الزند مفلل الحد راغم العرنين متلولا للجبين ولا زالت أزمة الدنيا بيدها حتى تبلغ بآمالها منتهاها وتجري بأيامها إلى أقصى مداها فهي من أعظم النعم خطرا وأحسنها على الكافة أثرا واولاها بأن يفاض في شكرها وتتعطر الآفاق بذكرها ولسيدنا الوزير الأجل يراع يستيقظ في صلاحهم وهم هاجعون وينصب في الذب عنهم وهم وادعون وكل تدبيرهم فيه إلى مدبر يخاف الله ويتقيه ويعمل فيمن استرعاه بما يرتضيه ولا يمد يد الاقتدار عليهم متسلطا ولا يتبع دواعي الهوى فيهم متسقطا واضعا الأشياء في حقائقها سالكا بها أمثل طرائقها ملاينا من غير ضعف مخاشنا من غير عنف قريبا من غير صغر بعيدا من غير كبر مرغبا بلا إسراف مرهبا بإنصاف ناظرا إلى محقرات الأمور وأطرافها كما ينظر في معاظمها وأشرافها آخذا بوثائق الحزم متمسكا بعلائق العزم راميا بفكرته من وراء العواقب خاطما بآرائه أنوف المصاعب ناظما بإيالته عقود المصالح موطئا برياضته ظهور الجوامح إن ثقف ذا النبوة الفريدة والهفوة الوحيدة اقتصر على ما يوافقه الوالد الحدب من مقوم الأدب وإن قبض على المرتكس في غوايته المفلس في عنايته ضيق عليه مجال العفو وأحاق به أليم العذاب والسطو

فقد سكنت الرعية في عدله وأوت حرما منيعا من ظله ووثقت أن الحق بنظره شامخ شاهق والباطل سائخ زاهق والإنصاف مبسوط منشور والإجحاف محطوط مبتور والشمل منظوم والشر مضموم فنطقت ألسنتها بإحماده واشتملت أفئدتها على وداده واتفقت أهواؤها على رياسته وتطابقت آراؤها المسابقة على دوام سيادته وعرف أمير المؤمنين عدق النظر في دولته وسلم أمور مملكته إلى النصيح المأمون والنجيح الميمون الذي وفقه الله تعالى لاختياره ويسره لاصطفائه وإيثاره وأنه قد ناط أموره بمن لم يستخف ثقيل حملها وينوء بباهظ ثقلها فتمتع بلذيذ الكرى وتودع بعد السير والسرى وألم من إلمام ملم معضل وحدوث حدث مشكل وهذه نعمة تعم الخاصة والعامة عموم الغيث إذا همع وتدفق وتشملهم شمول النهار إذا لمع وتألق وهم أولى بالتهنئة فيها وشكر الله تعالى عليها
وسيدنا الوزير حقيق بأن يهدى إليه الدعاء المرفوع والتضرع المسموع بأن ينهضه الله تعالى بما حمله ويعينه على ما كفله ويتولاه بتوفيق يثقب أنواره وتأييد يطبق غراره وتسديد يحسن آثاره وإجراء ما يتولاه على أوضح سبيل وأقصده وأرجح دليل وأرشده إذ لا يجوز أن يهنأ بماله عياؤه وكله ولمذعنيه صلاحه كله والعبد يسأل الله ضارعا لديه باسطا يده إليه في أن يقبل صالح أدعيته لحضرة الوزارة السامية وأن يجعل ما أحله في محله من رياستها وأوقعه في موقعه من سياستها دائبا لا ينتزع وخالدا لا يرتجع وأن يؤيدها فيه بما يقضي له بالإحراز والتخويل ويحميه من الابتزاز والتحويل إنه سميع الدعاء فعال لما يشاء إن شاء الله تعالى
الصنف الثاني التهنئة بكفالة السلطنة

وهذه نسخة من ذلك كتب بها عن نائب الشام من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهي بعد الألقاب
لا زال دائرا بهنائه الفلك منيرا بضياء عدله وبشره الحلك قريرا بحسن كفالته الملك شاهدا بفضل أسمائه وسماته الملك مقسوما بأمر الله نداه وبأسه ليحيا من حي ويهلك من هلك تقبيلا يشافه به التراب ويشاهد شرف مطلعه على السحاب وينهي قيامه على قدم ولاء ودعاء هذا ينزل القلب وهذا يصعد إلى الأفق ومقامه على بشرى وحمد منهما الأمن يحلى بوصفه النطق كما تحلى الأعطاف بالنطق وأنه ورد مثال شريف على يد فلان يتضمن البشارة العامة والمسرة التامة والنعمة التي يعوذ سنا جبينها من كل عين لامة وخبر الخير الذي حيت أزهاره المتضوعة ند مصر فأول ما بلغه منافس الشام شامة بأن المواقف الشريفة أعز الله تعالى سلطانها قد فوضت إلى مولانا كفالة الإسلام وبنيه وكفاية الملك بصالح مؤمنيه ونيابة السلطنة الشريفة وما نسقت وتدبير الممالك وما وسقت فيالها بشرى ابتسمت لها ثغور البشر ومسرة

استجلى سناها من آمن وبهت الذي كفر وخبرا تلقت الأسماع بريده منشدة قل وأعد بأطيب الخبر هنالك أخذ المملوك حظه من خير بشرى ونصيبه من مسرة حمد بصباح طرسها المسرى وحمد الله تعالى على أن أقام لسلطان البسيطة من يبسط العدل والإحسان لمنابه ويقلد رعيته عقود النعم إذا تقلد ما وراء سريره وبابه ومن إذا كفل سيفه ممالك الإسلام وثقت بالمغنم والسلامة وإذا كتب قلمه قالت ولا سيما أخبار جند المسلمين هكذا تكون العلامة وجهز المملوك هذه الخدمة نائبة عنه في تقبيل الأرض وعرض الهناء بين يدي من يسر المملوك بولائه اليوم ويرجو أن يسر به يوم العرض ولو وصف المملوك ما عنده من السرور والشوق لضاق الورق عن تسطير الواجب منه وضاق الوقت عن أداء الفرض والله تعالى يجدد لمولانا ثمرات الفضل الواضح والرأي الرابح والقدر الذي هو على ميزان الكواكب راجح ويمتعنا كافة المماليك بدولة سلطانه الذي علم البيت الشريف أنه على الحقيقة الخلف الصالح
وهذه نسخة تهنئة لأمير جاندار بولاية إمرة من إنشاء الشيخ

جمال الدين بن نباتة وهي بعد الألقاب
أعلى الله منارها ومنالها وخلد قبولها وإقبالها وأجزل من الغض الذي تناولته ثمرها وأسبغ به ظلالها ولا زال في سيفها وعصاها مآرب للملك وفي بأسها ونداها مواقع للنجاة والهلك ولا برحت القضب من سيوف وغصون هذه حاكمة بسعدها حكم الملك وهذه مسخرة في تجريدها تسخير الفلك تقبيل مخلص في ولائه ودعائه مهنإ القلب مسرور بما يتجدد من مسرات مولانا وهنائه وينهي أنه بلغه ما أفاضته الصدقات الشريفة على مولانا من المبرات وما جددت له من المسرات وأنها ضاعفت مزيد الإحسان إليه ودعته أمير جاندار ودت العصي النجومية لو قدمت نفسها بين يديه وأن المواقف الشريفة قرت به عينا وأقرت وأن الدولة القاهرة ألقت عصاها إليه واستقرت وكما سلمت إليه العصا في السلم سلمت إليه السيف في الحرب وكما قربته في مواقف العدل والإحسان قربته في مواقف الطعن والضرب فأخذ المملوك حظه من البشرى وأوجب على نفسه الفرح وسجد لله شكرا وود لو حضر يشافه بهذا الهناء الشامل ومثل قائما لديه بحق التهنئة القيام الحقيقي الكامل وحيث بعدت داره ونأت عن العيان أخباره فقد علم الله تعالى مواصلته بالأدعية الصالحة ليلا ونهارا والموالاة والمحبة التي يشهد بها الخاطر الكريم سرا وجهارا والله تعالى المسؤول أن يزيد مولانا من فضله ويسره بمتجددات الخير الذي هو من أهله ويمتعنا كافة المماليك بدوام سلطان هذه الدولة الذي شمل بظله وغني بنصره عن نصله إن شاء الله تعالى
الصنف الثالث التهنئة بالإمارة

من كلام الأقدمين
تهنئة من ذلك أوردها أبو الحسين بن سعد في ترسله وهي
وهنأ الله الأمير مواهبه الهنية وعطاياه السوية وأدام تمكينه وقدرته وثبت وطأته وحرس ما خوله وجعل ما هيأ له من مؤتنف الكرامة أيمن الأمور فاتحة وأسعدها عاقبة ووصل أيامه بأجمل الولاية وأجل الكفاية حتى ينتهي من استيفاء سعادات الحظوظ وحوز القسم والآمال إلى الدرجة التي تليق بما أفرده الله به من الكمال وخصه به من الفضل في جميع الخصال ومن أفضل ما أعتد به من نعم الله علي بالأمير وبجميل رأيه ومحلي من طاعته وخدمته أني لا أخلو في كل وقت وحال من بهجة تتجدد لي ومسرة تصل إلي وتتوفر علي بما يسهله الأمير على يده من مستصعب الأمور ومستغلق الخطوب التي تبعد عمن يزاولها ويجعل الله بطوله وحوله للأمير القدرة عليها ويتوحد بالكفاية فيها فينمو بجميل تدبيره ولطيف نظره ويطرد بصاعد نجمه ويمن نقيبته وعز دولته وذلك من فضل الله ونعمته يؤتي فضله من يشاء وهو ذو الفضل العظيم
الصنف الرابع التهنئة بولاية الحجابة
وقد كان لها في الزمن القديم المحل الوافر في الدولة وعلو الرتبة فيها
من كلام الأقدمين
تهنئة من إنشاء أبي الحسين بن سعد كتب بها إلى أبي بكر بن ياقوت

حين ولي الحجابة بعد نكبة أصابته وهي بعد الصدر
وقد كانت أنفسنا معشر عبيد سيدنا وحملة إنعامه ومؤملي أيامه في هذه الأحوال التي نفد سيدنا منها فيما ابتلاه صبره وأبان فيه قدره وزاد العارف بفضله نفوذا في البصيرة وأعاد ذوي الارتياب فيه إلى الثقة فاستوى المنازع والمسلم واستوى العالم والمعاند نعمة منه تعالى ذكره خصه بها وصانه عن مشاكله النظير ومزاحمة الأكفاء على سبيل من القلق والارتماض والسقوط والانخفاض جزعا من تلك الحال الغليظة وإشفاقا على تلك النفس النفيسة وخوفا على معالم البر والتقى وبقية العلم والحجا وتاريخ الكرم والندى أن يدرس منارها وتطمس آثارها ولولا ما من الله به من الخلاص منها وما منح بكرمه في عاقبتها لأوشكت أن تأتي عليها وتعجلها عن مواقيت آجالها لكنه عظمت آلاؤه وتقدست أسماؤه أتى بالأمن والفرج بعد استيلاء الكرب والوجل وانبتات أسباب الرجاء والأمل فعرف سيدنا موقع الخيرة فيما قضاه وميز له الخبيث من الطيب ممن عاداه وتولاه وجعل النعمة التي جددها له فيما رده أمير المؤمنين إلى تدبيره من أمر داره ومملكته وحراسة بيضة رعيته مشتركة النفع والفائدة مقسومة الخير والعائدة بين كافة الأمة فيما عم من المعدلة وشمل من المصلحة ولاح من تباشير الخير وأمارات البركة في استقامة أمور البلاد وصلاح أحوال العباد وأفرد الله سيدنا بحظ من الموهبة وفاني فيه على حظوظ الأولياء وزادني على سهام الشركاء وأنا أرغب إلى الله في إسعاد سيدنا بما جدده له وتعريفه بركة مفتتحه ويمن خاتمته والحمد لله في مبتداه والسلامة في عقباه وتبليغه من حظ مأمول وخير

مطلوب وحال علية ورتبة سنية أفضل ما بلغ أحدا اختصه بفضله واصطفاه من خلقه إنه جواد ماجد فإن رأى سيدنا أن يتطول بإجراء عبده على كريم عادته في تشريفه بمكاتبته وتصريفه في أمره ونهيه محققا بذلك أمله وزائدا في نعمه عنده فعل إن شاء الله تعالى
تهنئة أخرى من ذلك من إنشاء علي بن خلف أوردها في مواد البيان وهي
إنما يهنأ بالولاية أطال الله بقاء الحاجب الجليل سيدي ومولاي من انبسطت إليها يده بعد انقباض وارتفع لها قدره من انخفاض وأوجدته الطريق إلى إحراز جزيل الأجر والجزاء واكتناز جميل البركة والثناء وأفضت به إلى اتساع السلطان وانتفاع الأعوان فأما من جعل الله يده الطولى وقدره الأعلى ورياسته حاصلة في نفسه وجوهره وسيادته مجتناة من سنخه وعنصره فالأولى إذا استكفي رغبة في إنصافه وعدله وحاجة إلى سداده وفضله وافتقارا إلى فضل سيرته واضطرارا إلى فاضل سياسته أن تهنأ الرعية بولايته وتسر الخاصة والعامة بما عدق من أمورها بكفايته وغير بدع ربط أمير المؤمنين بالحاجب الجليل أمر حجابته ونصبه الزحمة عن حضرته وجعله الوسيط والسفير بينه وبين خواص دولته وقد وثق بيمن نقيبته واطلع

على خلوص نيته وسكن إلى صدق طاعته وعرف طهارة جيبه وسلامة غيبه وصدق لهجته وحصافة أمانته واعتماده للحق فيما يورد ويصدر وينهي ويجيب وابتلاه فعرف طيب طعمته وخفة وطأته ورأفته بالضعيف المهضوم وغلظته على العسوف الظلوم فرأى أن يحله محل من لا يغيب عما شهده ولا يرتاب بما سمعه على أنني المهنأ بكل نعمة يجددها الله لديه وسعادة يسبغها عليه ولو أنصفت لسلكت من الصواب سننا واعتقدت جميلا حسنا لاستشعاري بالأنفس من لبوس سيادته وتحلي بالأنصع من عقود رياسته وإذا كانت رعيته أجدر أن تهنأ بولايته وتعرف قدر مالها من الحظ في نظره فأنا أعدل من هنائه إلى الدعاء له بأن يبارك الله تعالى له فيما قلده ويوفقه فيما ولاه ويسدده ويلهمه ادخار الثواب والأجر واكتناز الحمد والشكر والهداية إلى سنن الاستقامة وما عاد بمحبة الخاصة والعامة وإنهاضه في خدمة أمير المؤمنين والعمل من طاعته بما يزلف في الدنيا والدين والله يستجيب في الحاجب الجليل هذا الدعاء ويسمعه ويتقبله ويرفعه إن شاء الله تعالى
الصنف الخامس التهنئة بولاية القضاء
التهنئة بذلك من كلام الأقدمين
تهنئة من ذلك من إنشاء علي بن خلف أوردها في مواد البيان وهي
أولى المنح أن يتفاوض شكرها والتحدث بها ويتقارض حمدها والقيام بواجبها نعمة شمل عطافها وعمت ألطافها واشترك الناس فيها اشتراك العموم وحلت منهم في النفع محل الغيث السجوم وهذه صورة النعمة في

ولاية قاضي القضاة أطال الله بقاءه لما تتضمنه من إثبات العدل والإنصاف وانحسار الجور والإجحاف واعتلاء الحق وظهوره واختلاء الباطل وثبوره وعز المظلوم وإدالته وذل الظلوم وإذالته وتمكين المضعوف واقتداره وانخزال العسوف واقتساره وإن هنأته حرس الله علاه بموهبة أتى بارقها بجميل الثناء وجزيل الجزاء قد ناء من تحملها بباهظ الشيء ومتعبه وقام من سئلها بكل الأدب ومنصبه عدلت عن الأمثل وضللت عن الطريقة المثلى لكني أهنئه خصوصا بالمواهب المختصة به اختصاص أطواق الحمائم بأعناقها والمناقب المطيفة به إطافة كواكب السماء بنطاقها في أن ألف الله القلوب المتباينة على الإقرار بفضله وجمع الأفئدة المتنافية على الاعتراف بقصور كل محل عن محله وجعل كل نعمة تسبغ عليه ومنة تسدى إليه موافقة الآمال والأماني مفضية للبشائر والتهاني لأن من أحب الحق وآثره ولبس الصدق واستشعره ينطق بلسان الإرادة والاختيار ومن تركهما وقلاهما وخلعهما وألقاهما ينطق بلسان الافتقار والاضطرار والخصائص التي هو فيها نسيج وحده وعطر يومه وغده والمحاسن التي هي أناسي عيون الزمان ومصابيح أعيان الحسن والإحسان ثم أعود فأهنئه عموما بالنعم المشتركة الشمول الفضفاضة الذيول التي أقرت القضاء في نصابه وأعادت الحكم إلى وطنه بعد نجعته واغترابه وأعلتهما في الرتبة الفاضلة وقدعت بهما

أنف الذروة العالية وأرفع يدي إلى الله تعالى داعيا في إمداد قاضي القضاة بتوفيق يسدد مراميه ويرشد مساعيه ويهذب آراءه ويصححها ويبلج أحكامه ويوضحها ويخلد عليه النعمة خلودها على الشاكرين ويبصره بحسن العقبى في الدنيا والدين وهو سبحانه يتقبل ذلك ويرفعه إن شاء الله تعالى
التهنئة بذلك من كلام أهل العصر
تهنئة من ذلك أوردها الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في كتابه زهر الربيع في الترسل البديع وهي
أنفذ الله تعالى أحكامه وشكر إحسانه وإنعامه وخلده ناصرا للشريعة المطهرة وأدامه وجدد سعده وأسعد أيامه وجعله المسترشد والمقتفي بأمر الله والراشد والمستنجد والمستنصر والناصر والعاضد والحاكم القائم بأمر الله من القضاة الثلاثة الواحد
المملوك يقبل اليد العالية تبركا بتقبيلها وأداء لواجب تعظيمها وتبجيلها ويهنىء المولى بما خصه الله تعالى من مضاعفة نفاذ كلمته ورفع منزلته وإمضاء أحكامه الشريفة وأقضيته وتقليده أمور الإسلام وتنفيذ أوامره في الخاص والعام ويهنىء بالمولى من ردت أموره إليه وعول في ملاحظة مصالحه عليه

فإن مولانا ما زال بالعلم والعمل مشهورا وسعيه في الدنيا والآخرة سعيا مشكورا ويقظة مولانا جديرة بزيادة الاهتمام والاحتياط التام بملاحظة طلبة العلم والمشتغلين والفقهاء والمدرسين وسبر أحوال النواب وأن لا يكفيه الاعتماد على حسن البزة وطهارة الأثواب بل يمعن في الاطلاع على ما يعتمدونه النظر ويلاحظ كلا منهم إن غاب عن مجلسه أو حضر فمن رآه يهدي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم ولا يقرب إلا بالتي هي أحسن مال اليتيم فيحقق له من العناية أملا ولا يضيع أجر من أحسن عملا حرس الله المولى ومتع بحياته وأعاد على الكافة بركة صيامه المقبول وصلاته ونفع الإسلام بمستجاب دعواته إن شاء الله تعالى
الصنف السادس التهنئة بولاية الدعوة على مذهب الشيعة
وقد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية بالديار المصرية ذكر موضوعها وعلو رتبتها عندهم وإنما ذكرناها حفظا للأصل ولاحتمال وقوعها
تهنئة من ذلك من إنشاء علي بن خلف أوردها في مواد البيان وهي
أطال الله بقاء داعي الدعاة لصباح من الرحمة يبلجه وطريق من

ثوب براعته فأصبح منظره وسيما واستنشق عرف نسيمه المبارك فطاب شميما وعلم المملوك منه شدة عتبه ومر التجني الذي ظهر من حلو لفظه وعذبه ولم يعرف لعتبه موجبا ولا لتغير مودته سببا فإنه ما حاد عن طريق ولائه ولا حال ولا زلت قدمه عنه ولا زال ولا ماد عن منهج المودة ولا مال وما فتيء لمحاسنه ناشرا ولإحسانه شاكرا فإن كان قد نقل عنه إلى مولانا شيء أزعجه وأخرجه عن عادة حلمه وأحرجه فإن الوشاة قد اختلقوا قولهم ونقلهم وقصدوا تشتيت المصاحبة شتت الله شملهم - طويل -
( وقد نقلوا عني الذي لم أفه به ... وما آفة الأخبار إلا رواتها )
آخر وردت المشرفة العالية أعلى الله نجم مرسلها وأسبغ أياديه وشكر جسيم تفضلها فابتهجت الأنفس بحلولها وحلل جمالها وعوملت بما يجب من إكرامها وإجلالها وفض ختامها ففاح منها أرج العبير والعنبر وتليت ألفاظها التي هي أبهى من الرياض وأحلى من السكر فأغنت كؤوس فصاحتها عن المدام وأزال ماؤها الزلال البارد حر الأوام وأعرب منشيها عما في ضميره من العتب والضيق الذي حصل في ذلك الصدر الرحب وهو يقسم بنعمته وبصادق محبته أنه لم يبد منه ما يوجب عليه عتبا ولا انثنى عن الثناء على محاسنه التي شغفته حبا فإن كان المولى قد توهم شيئا أحرجه وأقلقه وإلى أليم العتب شوقه فليزل ذلك الوهم من خاطره وليثق بما تحقق من موالاته في باطنه وظاهره ورأيه العالي
آخر أعز الله عزماته وشكر جسيم تفضلاته
ولا زالت نعمته باقية وقدمه إلى درج المعالي راقية وهمته إلى السمو على الكواكب سامية وسماء جوده على العفاة هامية وعزمته لثغور الإسلام حامية

تعالى بإجابة داعيه ولا سيما داعي الدعاة فإنه جدير بأن يجاب الدعاء فيه إن شاء الله تعالى
قال في مواد البيان وإنما أوردت هذا المثال بهذه الألفاظ لأن ألفاظ هذا الداعي يجب أن تكون مشتقة من ألفاظ الدعوة مناسبة لمذهبها ولولا ذلك لأغنى عنه مثال تهنئة قاضي القضاة ومن تأملهما عرف ما بينهما من الفرقان
الصنف السابع التهنئة بالتقدمة على الرجال
رقعة من ذلك
من حل محل سيدي أطال الله بقاءه من السؤدد الناطق الشواهد المنتظم المعاقد المتضارع الطارف والتالد المنتقل في الولد عن الوالد والمجد الذي قصر عن مطاولته الطراز الأول وتطأطأ له الإنعام المخول وحاز ما حازه من شرف الرياسة وفضل السياسة والاستقلال بحقوق ما تولاه وتسديد ما نوله واستكفاه فتشوقت إليه أعالي الرتب وتشوقت إليه المنازل السنية من كثب خطبته العلا سائقه عنه مهرها وتطامنت له موطئة ظهرها فلم يكثر له أن يتقدم على أهل عصره فضلا عن قبيلته ويتأمر على جميع نوعه فضلا عن طائفته لأنه المقدم عليهم بالرتبة والطبع لا بالاصطلاح والوضع فشكر المملوك الله تعالى على بزوغ هلاله وإبراقه وطلوعه لميقات العز وتنفاقه وسأله أن يجعل ما أقر العيون من سيادته وحقق الظنون في سعادته خالدا راهنا ومقيما قاطنا وأن يزيده من السعادة ويرقيه كل يوم في درج السيادة لتكون هذه الرتبة على امتناع مرقبها وارتفاع مركبها أول درجة تخطاها ومنزلة فرعها وعلاها ثم لا يزال راقيا فيما يتلوها حتى يحتذي بكواكب الجوزاء ويطحو دارة على الحلفاء مهنأ غير منغص ومزيدا غير منقص والله تعالى يجيب هذه الأدعية الواقعة مواقعها والمستحقات الموضوعة مواضعها

الصنف الثامن التهنئة بولاية الديوان
رقعة من ذلك
وينهي أن من حل محل مولانا أطال الله بقاءه رافلا في لبوس السعادة متحفلا بسلوس السيادة متنقلا في رتب المجد متوقلا إلى غدن الجد مستوليا على شعاب العلا متمكنا من رقاب الأعداء في الاستقلال والاضطلاع والمعرفة بحقوق الاصطفاء والاصطناع ورفعة مذهبه على الكفاية والغناء والنهوض بثقيل الأعباء خطبته التصرفات حاملة عنه صداقها وتشوفته الولايات مادة إليه أعناقها وقد اتصل بالمملوك ما جدده الله تعالى من سعادته وأنجزه من مواعيد سيادته التي كانت واضحة في مخايل فضله لائحة في دلائل نبله مكتوبة في صفحات الأقدار مرقومة بسواد الليل على بياض النهار فجذل المملوك بذلك جذل الحميم المشارك وسربه سرور الخليط المشابك وليس ذلك لأن الذي تولاه مولانا وجد فيه خللا فرقعه وخمولا فرفعه بل لأن الحق غالب الحظ فغلبه والواجب سالب الممكن

فسلبه وأناخ ركاب الرياسة في المحل الخصب الذي يحمده ويرتضيه والله تعالى يتفضل على رعيته المتوطنين بفاضل سياسته من حبائه ولطفه ورأفته وعطفه بما يسبغ عليهم ظلال العدل ويقلص عنهم سدول الجور والحيف إن شاء الله تعالى
قلت وكتبت للمقر البدري محمود الكلستاني الشهير بالسراي مهنئا له باستقراره في كتابة السر الشريف بالديار المصرية في الدولة الظاهرية برقوق في سلطنته الأولى - بسيط -
( رفعت للمجد مذ وليت بنيانا ... وشدت للفضل بعد الوهن أركانا )
( وأصبح الملك في زهو ومالكه ... يميس عجبا وهنا التخت إيوانا )
( قدمت مصرا فأمست منك في فره ... تهز بالبشر من لقياك أردانا )
( وغودر النيل مذ وافيت مبتهجا ... وقد رمى الصد والإبعاد جيحانا )

( ألفاظك الغر صارت للورى مثلا ... وكتبك الزهر بعد اللثم تيجانا )
( تفوق قسا إذا تبدو فصاحتها ... وتفضح المصقع الملاق سحبانا )
( قد أفحمت في مجازات بلاغتها ... تركا وروما وبعد الفرس عربانا )
( كل الموالي إذا ولوا فلا أسف ... إذ أنت باق ويبقي الله مولانا )
( مولى به قد تشرفنا وجملنا ... بوجهه ولذكر القوم أنسانا )
الصنف التاسع التهنئة بولاية عمل
أبو الفرج الببغاء
عرف الله سيدي بركة هذا العمل الجليل بنبيل نظره الجميل وحميد أثره المحروس وتناصر سياسته الشريفة بسمة رياسته ووفق رعيته لشكر ما وليها من فائض عدله ومحمود فعله فالأعمال منه أيده الله تعالى بالتهنئة أولى وبالتطاول بما شملها من بركات تدبيره أحرى والله بكرمه يسمع فيه صالح الدعاء ويبلغه أبلغ مدد البقاء في أسبغ نعمة وأرفع منزلة وأصدق أمنية وأنجح طلبة بمنه
وله في مثله
لولا ما يشرك التهاني من بركات الدعاء الذي أرجو أن يسمع الله فيك صالحه ويجيب أحسنه لأجللناك عن التهنئة بمستجد الأعمال ومستحدث الولايات لقصورها عن استحقاقك وانحطاطها وإن جلت عن أيسر واجباتك وتعجلها بمأثور كفايتك وبركات نظرك ومواقع إنصافك فهنأك الله نعمة

الفضل التي الولاية أصغر آلاتها والرياسة بعض صفاتها ولا أخلاك من موهبة مجددة ومنحة مؤبدة
وله في مثله
سيدي أيده الله أرفع قدرا وأنبه ذكرا وأعظم نبلا وأشهر فضلا من أن نهنئه بولاية وإن جل خطرها وعظم قدرها لأن الواجب تهنئة الأعمال بفائض عدله والرعية بمحمود فعله والأقاليم بآثار رياسته والولايات بسمات سياسته فعرفه الله يمن ما تولاه ورعاه في سائر ما استرعاه ولا أخلاه من التوفيق فيما يعانيه والتسديد فيما يبرمه ويمضيه

الأجوبة عن التهاني بالولايات
قال في مواد البيان هذه الكتب إذا وردت وجب على المجيب أن يستنبط من كل كتاب منها المعنى الذي يجيب به قال والطريقة المستعملة فيها أن كتاب المجيب يجب أن يبنى على أن المهنيء قسيم في النعمة المتجددة وشريك في المنزلة المستحدثة وأن الحظ الأوفر فيما ناله المهنى للمهني وببركة دعائه وتوقعه لما يرد من حاجاته وتبعاته لينفذها نازلا على أخلص مخالصته وعاملا بشروط مودته ونحو هذا مما يضارعه فإن كان المجيب رئيسا أو مرؤوسا وجب أن يرتب الخطاب على ما تقتضيه رتبة كل واحد منهما
وهذا مثال من ذلك
زهر الربيع
وردت المشرفة الكريمة أتم الله على مرسلها نعمته وأعلى قدره ومنزلته وجعل جناح العدا مخفوضا وعيشه في دعة وخفض وقدره للتمييز مرفوعا وعدوه للتقصير في انحطاط وخفض فتلقاها باليمين وظنها الريح الجنوب لما تحملته من رقة الحنين وعلم ما أبداه فيها من تفضلاته واعترف بالتقصير عن مجاراته ومجازاته فشنف سمعه بألفاظ كأنهن اللؤلؤ والمرجان

وبينت البون الذي بينه وبين غيره تلك الفصاحة والبيان وقابل أياديه بشكر لسانه وجازاه بحسن الدعاء عن إحسانه ولا يقوم بشكر فضله اللسان ولا الجثمان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان
فأما ما أشار إليه من الهناء بالمكان الذي تولاه وأبداه من المحبة التي أوجبت عليه أن يتوالاه فالله تعالى يعينه على ما هو بصدده ويجعل الحق والخير جاريين على لسانه ويده ويرزقه اتباع محكم كتابه وسنة رسوله ويحصل له من الرشد غاية سوله ومأموله فإن هذه الولاية صعبة المراس وجوادها كثير الشماس لكن ببركات المولى يحصل من الله الأرب ويسهل لأوليائه القصد والإسعاد والطلب أدام الله ظل المولى وأسعده وأوضح لديه طريق السعادة ومهده ومنحه من الألطاف الخفية أفضل ما عوده بمنه وكرمه

الضرب الثاني التهنئة بكرامة السلطان وأجوبتها
وفيه ثلاثة أصناف
الصنف الأول التهنئة بالإنعام والمزيد ولبس الخلع وغير ذلك
من كلام الأقدمين
وينهي أنه اتصل بالمملوك ما أهل مولانا السلطان مولانا له من المحل السني

والمكان العلي الذي لم يزل موقوفا عليه متشوفا إليه نافرا عن كل خاطب سواه جامحا على كل راكب إلا إياه فأقر الله عين المملوك بذلك لصدق ظنه وعلم أن ما أصاره الله تعالى إليه من هذه المنزلة المنيفة والرتبة الشريفة مدرجة تفضي إلى مدارج ومعرجة تنتهي إلى معارج والله تعالى يزيد معاليه علوا ويضاعف محله سموا بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
ومنه وينهي أنه اتصل بالمملوك نبأ الموهبة المتجددة لديه والنعمة المسبغة عليه وما اختصه به مولانا السلطان من الاصطفاء والإيثار والاجتباء والاختيار وتقديمه للرتبة الأثيرة والإنافة إلى المنزلة الخطيرة فسر المملوك للرياسة إذ أحلها الله تعالى في محلها وأنزلها على أهلها ووصلها بكفئها وكافيها وسلم قوسها إلى راميها والله تعالى يجعل هذه الرتبة أول مرقاة من مراقي الآمال ومكين الرتب التي يفرعها من رتب الجلال إن شاء الله تعالى
من كلام المتأخرين
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
أدام الله أنصاره وجعل التقوى شعاره وألبسه من المحامد أكرم حلة ونوله من المكارم أحمد خلة ولا زالت الخلع تتشرف إذا أفيضت عليه والمدائح تستطاب بذكره لا سيما إذا أنشدت بين يديه
الخادم ينهي إلى علم المولى أنه اتصل به خبر أهدى إليه سرورا ومنحه بهجة وحبورا وهو ما أنعم به المولى السلطان خلد الله سلطانه وضاعف إحسانه من تشريفه بخلعته وما أسبغه عليه من وارف ظله ووافر نعمته وأبداه من عنايته بالمولى ومحبته وقد حصل له من المسرة ما أجذله وبسط في مضاعفة سعد المولى أمله فإنه بلغه أن هذه الخلعة كالرياض في نضارتها وحسن بهجتها وأنها كلما برقت برق لها البصر وظنها لحسنها حديقة وقد

حدق إليها النظر وقد جمعت ألوان الأزهار وأربى ناسجها في اللطف على نسمة الأسحار وأسكنت حبها حبات القلوب التي في الصدور وسمت عن المدح برائق المنظوم وفائق المنثور وأن ابن سليمان لو رآها لاعترف بأن في لبسها لكل فتى شرفا لا ريب فيه ونسب البيت المنسوب إليه إلى أعاديه وأنه لو نظر نضرة نضارها لما جعل لها في الحسن نظيرا ولو ألقاها على وجهه لارتد لوقته بصيرا فلذلك أصدر هذه الخدمة مهنية ومعربة عما حصل له من الفرح ومنبية ولجيد مدحه العاطل من مثل هذه الألفاظ محلية نوله الله في كل يوم مسرة وبشرى وأجرى له على الألسن حمدا وشكرا وجعله لكل خير أهلا وشكر له تفضلا شاملا وفضلا ومتعه من العافية بلباس لا يبلى إن شاء الله تعالى
الصنف الثاني التهنئة برضى السلطان بعد غضبه
فمن ذلك
وتنهي أنه اتصل بي ما جدده الله تعالى لمولاي أطال الله بقاءه من حسن عاطفة مولانا أمير المؤمنين خلد الله ملكه وانعطافه عليه بعد انصرافه وإعادته إلى رتبته التي نشزت عنه دلالا لا ملالا وهجرته هجر المستصلح المستعتب لا هجر القالي المتجنب وكيف تقلاه وهي لا تجد لها كفؤا سواه ولتوقع المملوك بما وقع من هذه الحال وعلمه أن عودها إليه كعودة المودع إلى مودعه لا عودة المنتجع إلى مربعه وأن الذي وقع من

الانحراف إصلاح باديه تهذيب وتقويم وخافيه توقير وتعظيم لما في عتاب أمير المؤمنين من شرف الرتبة والدلالة على استقرار الأثرة والقربة وحلوله محل الصقال من أبيض النصال والثقاف من العسال ولا سيما ورياسته محفوظة وسيادته ملحوظة وهيبته في النفوس ماثلة وجلالته في القلوب حاصلة ولم ير المملوك أجل موهبة من الله سبحانه من شكر يسترهن هذه النعمة ويخلدها وحمد يرتبطها ويقيدها ورغبت إلى الله سبحانه أن يجعل هذا العز الحادث لابثا لا يتحول والسعد الطارف ماكثا لا يتنقل إن شاؤ الله تعالى
ومن ذلك
وينهي أن من عادة الزمان أن يكف سحابه ثم يكف ويرف نباته ثم يجف ويدر حلبه ثم ينقطع ويقبل خيره ثم يرتجع إلا أنه إذا سلب النعمة ممن يستوجب إمرارها عليه وانتزع الموهبة ممن يستحق استمرارها لديه كان كالغالط الذي يراجع نفسه فيندم على ما فرط ولا يلبث أن يستدرك الغلط معقبا نبوته بإنابته متعقبا هفوته باستقالته ماحيا إساءته برأب ما ثلم وأسو ما كلم وإصلاح ما أفسد وتأليف ما شرد فلا جرم أن النفوس بإقباله على من هذه صفته واثقة والآمال لانصرافه إلى من هذه صورته متحققة وإذا سلبها هرول في إيداعها لديه وأخذ في إفاضتها عليه وما زال المملوك مذ عامل الزمان مولانا بسوء أدبه ونأى عنه بجانبه وقبض بنانه وغير عليه سلطانه عارفا أن هذه الفعلة فلتة من فلتاته التي يتوقى شرها ولا يرجع إلى مثلها وأن الاستبصار يقوده إلى الاعتذار والاضطرار يحدوه على رد ما انتزعه بالإجبار لأنه لا يجد من يحل محل مولانا في ارتباطه بإيناسه وتعهده بسقي أغراسه وقيامه بشكره وتزكيته ببره متوقعا لأن تتيقظ عينه وينكشف رينه

فيرى ما صنعت يداه ويبادر لاستقالة ما جناه حتى طرق البشير بما سهله الله تعالى من انحسار الكربة وعود مولانا إلى شرف الرتبة وصلاح ما فسد وعود السلطان أعز الله نصره إلى ما عهد وركوبه إلى حضرته وانقلابه عنه رافلا في تشريفه ومكرمته فكان معتقد المملوك فيه هلالا في السرار فأهل وجنينا في الحشا فاستهل فاستولى على المملوك من السرور ما عم جوارحه وعمر جوانحه وأطار بجناح المرح وألبس حلة الفرح إذ ما جدده الله تعالى له من السعادة يحل به في العموم محل الغيث السجوم لأنه حرس الله عزه لا يستأثر بعوارف الله عنده ولا يكز على عطاياه يده بل يمنح مما منح ويولي مما تولى ولا يضن بمال ولا جاه ولا يقعد عمن أمله ورجاه والله تعالى يجعل ذلك مما أقربه العيون وصدق فيه الظنون لا تخلقه الأيام ولا تبليه ولا تزويه الحوادث ولا تؤثر فيه إن شاء الله تعالى
الصنف الثالث التهنئة بالخلاص من الاعتقال
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
جدد الله سعده وضاعف جده وأنجح قصده وأعذب منهله وورده ولا انفكت الأيام زاهية ببقائه والأنفس مسرورة بارتقائه إلى رتب عليائه أصدرها تفصح عن شوق يعجز عن سوقه الجنان ويقصر عن طوله اللسان وسرور تزايد حتى أبكاه ولاعج بمشاهدة طلعته السعيدة أغراه وتهنيه بما جدد الله له بعد الاعتقال من الفرج والفرح ومن به بعد ضيق الخواطر من الابتهاج والمرح فهذه المسرة ماء زلال برد بها الأوام وإنعام عام حمد الله عليها الخاص والعام فالحمد لله الذي عوضه عن مأتم الحزن بما تم من السرور وعن الهم المانع عن الورود والصدور بانشراح الصدور فإن القلوب شعفها حبه وشغفها وضاعف لتعويفه أساها وأسفها بحيث اعترى المناطق قلق

وعلاها اصفرار وعطلت يد كل غانية من الحلي فما ضمها قلب ولا سوار ولبس الخطباء حزنا وألبسته المحابر وكادت لغيبته وفقد اسمه تندبه الجوامع وتبكيه المنابر خلد الله سعادته وسهل له من خيري الدنيا والآخرة قصده وإرادته بمنه وكرمه

الأجوبة عن التهنئة بكرامة السلطان ورضاه بعد غضبه
قال في مواد البيان يجب أن تكون أجوبة هذه الرقاع مودعة من الثناء على المهني لمحافظته على رسوم المودة وقيامه بشروط الخلة ما تقتضيه رتبته ورتبة المجيب وأنه مشارك له في متجدد النعمة مفاوض في حديث المسرة والتيمن بالدعاء ونحو هذا مما يحسن موقعه عند المبتديء بالهناء ويضعه بحيث وضع نفسه من الاختصاص بمن كاتبه
وهذا مثال من ذلك
زهر الربيع جواب هناء بخلعة
أدام الله علاءه وشكر آلاءه وضاعف سناءه وحمد مننه التي أثقلت لكل معتف ظهرا وخففت هما وأنالت لكل ولي نصيبا من عوارفها وقسما المملوك ينهي إلى العلم الكريم ورود المكاتبة التي كستها يده حلة جمال وألبستها ثوب إفضال وأعدتها بكرمها وحسنت وجهها بلسان قلمها فأمطرته سحاب جود أربى على السحاب الهتون وأوقفته منها على ألفاظ كأمثال اللؤلؤ المكنون فاجتنى ثمار الفضائل من أغصانها واجتلى عروس محاسنها وإحسانها وفهم ما أشار إليه من التهنئة بالخلعة التي أنعم المولى بها على

خادمه وتصدق وحقق الأمل في مكارمه وصدق وإنعامه خلد الله دولته وأعز نصرته قد كثر حتى أخجله وميزه على كثير من مماليك بيته العالي وفضله وأناله من المنزلة ما سما بها على أمثاله ورقي بها بعد رقة حاله فالله يخلد سلطانه ويثبت بالسعادة أركانه وهذا بسعادة مولانا ومساعدته ومعاونته ومعاضدته فإنه كان السبب في الاتصال ببابه أولا وآخرا وممن أغاثه بذلك وأعانه عليه باطنا وظاهرا - بسيط -
( وكل خير توخاني الزمان به ... فأنت باعثه لي أو مسببه )

الضرب الثالث من التهاني التهنئة بالعود من الحج
وهذه نسخ من ذلك ينسج على منوالها
فمن ذلك
وينهي أنه طرق المملوك البشير بعود مولانا أطال الله بقاءه من مقام الطائفين إلى مقام المعتفين وأوبته من كعبة الإحرام إلى كعبة الإكرام وتنقله من موقف الحجاج إلى موقف المحتاج وحلوله بمنزله الذي هو قبلة ذوي الآمال ومحط الرحال بالسعي المشكور والحج المبرور والنسك المقبول والأجر المكتوب فحمدت الله تعالى على موهبته وسألته زيادته من مكرمته واستنجحت هذه المكاتبة أمام ما أرومه من مشاهدته وأرجوه من الاستسعاد بملاحظته وبرد أوار الشوق بمحاضرته ومجددا عهود التيمن بمباسمته فإن اقتضى رأيه العالي أن يعرف المملوك جملة من خبره في بدئه وعوده ومنقلبه ومتوجهه وما تفضل الله تعالى به من أمان سبيله وهداية دليله وتخفيف وعثاء سفره وتسهيل وطره لأسكن إلى ذلك إلى حين التمثل بنظره فله الفضل في ذلك والله تعالى يبلغه سوله ويوصله مراده ومأموله بمنه وكرمه
ومن ذلك

وينهي أن مولانا لا يزال حاجا إلى الكعبة الحرم أو كعبة الكرم وطائفا بشعائر الوفود أو بشعائر الجود وواقفا بموقف الاستفتاح أو موقف السماح وناحر البدن بمنى أو ناثر البدر للمنى فلا يرتفع في حال من الأحوال بره ولا ينقطع عن الله تعالى ذكره ومن كان بهذه المثابة في إحراز الأجر والإنابة فهو حقيق أن تعمر بالتهنئة أوقاته وأزمانه كما عمرها سعيه وإحسانه وقد عرف المملوك انكفاءه أدام الله علوه عن مقام الطائفين والعاكفين إلى مقام القاصدين والمعتفين وعوده إلى منزله المعمور بعد قضائه فريضة السعي المشكور فعدلت في مخاطبته عن الهناء إلى الدعاء بأن يتقبل الله تعالى نسكه ويثقل ميزانه ويطلق في حلبة الخيرات عنانه ويحييه لأجر يحرزه وثواب يكنزه والله تعالى يجيب ذلك فيه ويريه في نفسه وأحبته ما يرتضيه
ومن ذلك
وتنهي أنه قد طرقني البشير بانكفاء مولانا إلى مقر علائه وانفصاله عن ملاذ النساك والعباد إلى معاذ الزوار والقصاد فعرفت أن ذلك النسيم العليل من تلقائه وذلك النور الصادع من آلائه وذلك الافترار من أسرته ومخايله وتلك العذوبة من شيمه وشمائله فكاد المملوك يطير لو طار قبلي غير ذي مطار فرحا وأخرق الأرض وأبلغ الجبال لو أمكن ذلك مرحا وانفتح قلبي حتى كادت مهجته تفيض سرورا وطاش حلمي حتى تفرق مجموعه بهجة وحبورا والله تعالى يجعل نعمه موصولة الحبل مجموعة الشمل بمنه وكرمه

أبو الفرج الببغاء
جعل الله سعيك مشكورا وحجك مبرورا ونسكك مقبولا وأجرك مكتوبا وأجزل من المثوبة جزاءك ومن عاجل الأجر وآجله عطاءك وقرن بالطاعات عزماتك وبالسعي إلى الخير نهضاتك ووفقك من صالح الأعمال وزكي الأفعال لما يجمع كل خير الدارين ولما طرقتني البشارة بقدومك بدأت بإهداء الدعاء وتجديد الشكر لله تعالى والثناء واستنبت في ذلك المكاتبة امام ما أنا عازم عليه من المشافهة والمخاطبة ولن أتأخر عن حظي من المسير إليك للتيمن بالنظر إلى غرتك ومداواة ما عانيته من ألم الشوق بمشاهدتك

الضرب الرابع من التهاني التهنئة بالقدوم من السفر
من كلام المتقدمين
علي بن خلف
وينهي أنه اتصل بالمملوك خبر توجهه إلى الناحية الفلانية فعرف المملوك أنه قصدها ليخص قاطينها بنصيب من مواهبه ويفيض على ساكنيها سجالا من رغائبه ويسوي بينهم وبين من راشه بحبائه وجبره بنوافله وآلائه فسألت الله تعالى أن يطيل عمر المكارم بإطالة بقائه ويجمع شمل السؤدد بدوام علائه ثم اتصل بي عوده إلى مقره خفيف الحقائب من وفره ثقيلها من ثنائه وشكره فحمد المملوك الله تعالى على إسفار سفره عن بلوغ الأوطار وانحسار أمنيته عن أذيال المسار وما خصه به من السير الشحيح والسعي

النجيح والسلامة المفرقة على الوجهة والمنقلب والمفتتح والمعتقب ولما عرض للمملوك ما قطعه عن مشافهته بالدعاء رفع يده إلى الله تعالى ضارعا لديه في أن يتولاه في هذا المقدم الميمون بالسعد المضمون وإنالة الأماني المقرة للعيون وأن يمنحه في الحل والترحال والقطن والانتقال توفيقا يقارن ويصاحب ويساير ويواكب وأن يجعل ما خوله من نعمه راهنا خالدا وما أولاه من مواهبه بادئا عائدا إن شاء الله تعالى
وله أيضا
وينهي أنه طلع عليه البشير طلوع القمر المنير مؤذنا بمقدم حضرته ومعلما بظهور طلعته وحلوله في معانه الذي هو معان الإقبال وعون الرجال وقرارة الأقيال ومحط الرحال وقبلة الجود ومعرس الوفود فسألت الله تعالى أن يبقيه جمالا للأيام وثمالا للأنام وعمادا للقصاد ومرادا للرواد والله تعالى لا يخليه في تصرفاته وجميع حركاته وسكناته من سعي سعيد وعيش رغيد بمنه وكرمه
أبو الفرج الببغاء
من كانت غيبة المكارم مقرونة بغيبته وأوبة النعم موصولة بأوبته سافرت الأنفس حيث كان إليه وقدمت الآمال عند قدومه عليه وما زالت الأنفس إلى الأمنية بقربه متطلعة ولورود السرور بوروده متوقعة إلى أن أنست

بعد الوحشة بلقائه وتنسمت أرج منه ونعمائه فوصل الله قدومه من الكرامة بأضعاف ما قرن به مسيره من السلامة محروسا من طوارق الغير مبلغا أبعد العمر
وله في مثله
من كانت مادة سروره بمغيبه وحضوره لم يجد مع بعدك مؤنسا يسكن إليه ولا عوضا يعول في السلوة عليه وما زلت أيام غيبتك لا أوحش الله منك بالوحدة مستأنسا وبالشوق إليك مجالسا ألاقيك بالفكر وأشاهدك باتصال الذكر إلى أن من الله من أوبتك بما عظمت به النعمة وجلت لدي معه الموهبة فوصل الله بالسلامة نهضاتك وبالسعادة حركاتك وبالتوفيق آراءك وعزماتك وحرسني ببقائك وبقاء النعمة عندك وهنأني النعمة الجليلة بقربك
وله في مثله
من كنت نهاية امنيته وقطب مسرته كان من نفسه مستوحشا مع بعدك وبدهره مستأنسا مع قربك وما زلت معك بالنية مسافرا وبالشوق سائرا وبالفكر ملاقيا وبالأماني مناجيا إلى أن جمع الله شمل سروري بأوبتك وسكن نافر قلقي بعودتك على الحال السارة من كمال السلامة ووفور الكلفة فأسعدك الله بمقدمك سعادة تكون بها من الزمان محروسا وللإقبال مقابلا وبالأماني ظافرا ولا أوحش الله منك أوطان الفضل وعضد إخوانك ببقائك وبقاء النعمة عندك
وله في مثله
لو كان القلب يجد عنك منصرفا أو يرى منك في اكتساب المسرة خلفا لاستراح إليه من ألم بعدك واستنجده على مرارة فراقك لكنك أيدك الله جملة مسرته ونهاية أمنيته فليس تتوجه أمانيه إلا إليك ولا تقف آماله إلا عليك فالحمد لله الذي أقر بفيئتك أعين إخوانك وأودائك وافاك الله من السعادة في أوبتك أضعاف ما اكتنفك من الكفاية في ظعنك

ابن أبي الخصال
سر الله مولاي ورئيسي ورب تشريفي وأنيسي بلقاء الأحباب واتصال الأسباب وأوبة الغياب ولا زالت الأيام تتصنع لإقباله وتقبله أوجه العز في اقتباله وتوفيه على رغم الحاسد حق جلاله
البشرى أدام الله اعتزازه بمقدم الوزير فلان قد أوضعت ركابها واتصل بالنفوس أعلاقها وأسبابها فهنيئا معشر الأولياء بسبوغ هذه النعمة الجليلة والمنحة الجزيلة ولا أستوفي شكر ما به أتى معظم قدره وملتزم بره من ثناء كعرف الطيب يهدى ومذهب في الإنهاض لا يقضى واجبه ولا يؤدى ولا زالت حياة مولاي تفدى وأفعال بره تتعدى وقد لثمت مواقع أنامله ودا ووردت من محاسن بيانه منهلا عذبا ووردا فأمتعني الله بحياته العزيزة الأيام الطيبة الإلمام الموصولة العهد والذمام وأقرأ على سيدي من سلامي ما يلثم يده ويقضى حق اليراع الذي أنشأ به البر وولده والسلام المعاد عليه وعلى جملته ورحمة الله وبركاته
الشيخ جمال الدين بن نباتة عن نائب الشام إلى القاضي علاء الدين بن فضل الله كاتب السر الشريف بالأبواب الشريفة بالديار

المصرية عند عوده من الكرك إلى الديار المصرية في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة مهنئا له بعوده إلى منزله بالديار المصرية واستقراره وعوده إلى كتابة السر الشريف بالأبواب الشريفة السلطانية وهي
تقبل الباسطة الشريفة إلى آخر الألقاب لا زالت خناصر الحمد على فضل بنانها معقودة ومآثر البأس والكرم لها ومنها شاهدة ومشهودة وبواتر السيوف مسيرة القصد إلى مناظرة أقلامها المقصودة تقبيلا يود لو شافه بشفاهه مورد الجود من الأنامل وكاثر بثغره عند المثول للتقبيل ثغور الأماثل فكان يشافه بشوقه موردا كثير الزحام وكان يكاثر بعقد قبله على يد الفضل عقودا جزيلة الانتظام وكان يحاكم جور الضيم إلى من أبى الله لجار مشاهدته أن يضام وينهي ما وصل إليه وإلى الأولياء من السرور وما رفع بينهم وبين الابتهاج من الشرور وما طولع في أخبار المسرة من السطور بوصول مولانا ومن معه إلى مساكن العز ساكنين ودخولهم كدخول يوسف عليه السلام ومن معه إلى مصر آمنين واستقراره في أشرف مكان ومكانة واستنصار مصر بأقلامه على العادة فإن هذه سهام وهذه كنانة وإسفار غمام السفرة عن كوكب علا طالما حرس بيمينه أفق الملك وهداه وزانه وما كانت إلا غيبة أحمد الله عقباها وغيابة بعد من الله عز و جل وجلاها وفترة ثنى فترتها فتنفس خناق المنصب المشتاق لوجهه الكريم وهجرة صرف الله هجيرها فسقى طرس الإنشاء الذي ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم وما محاسن مولانا إلا زينة من زين الدنيا فعليها يتشاكس المتشاكسون وما مزاج كلماته إلا من تسنيم ( وفي

ذلك فليتنافس المتنافسون )
فالحمد لله على أن أقر العيون بمعاودة ظله الوريف وعلى أن شفى الصدور بقربه وأولها صدر السر الشريف وعلى أن أجزل الهناء وقد شمل ظله وقد كمل بابن الفضل فضله وقد بهر سناؤه وسناه وقد تسعب القريب والبعيد فإن أجدى على مصر مورده فقد جادت على الشام سماه وقد أخذ المملوك حظه من هذه البشرى ووالى السجود لله شكرا وجهز خدمته هذه نائبة عنه في تقبيل بنان إن سماه مولى الكرم بحرا فقد سماه مربي الملك برا لا زالت الممالك متحفة بيمن مولانا ظاعنا ومقيما متصفة بحمده وحمد سلفه الكريم حديثا وقديما تالية على مهمات الملك بصحبة بيته الشريف ( وكان فضل الله عليك عظيما )
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في تهنئة بقدوم من سفر
أدام الله ظله ورفع محله وشكر إنعامه وفضله وأعز أنصاره وضاعف اقتداره ولا زال مؤيدا في حركاته مسددا في سائر فعلاته مصحوبا بالسلامة في المهامه والقفار مخصوصا من الله تعالى بالأعوان والأنصار
المملوك ينهي بعد تقبيل الأرض والقيام بما يجب من سننه والفرض علمه بحلول ركابه العالي بمغناه واستقرار خاطره الشريف في محله ومثواه وجمع الشمل بالأهل بعد طول الغيبة وبعد القفول والأوبة فتضاعف لذلك فرحه وسروره وزال عن قلبه قليل الهم وكثيره فالله يمنح المولى أطيب المنازل وأسر الرواحل ويجعل تجارة مجده رابحة وأوامر دوام عزه لائحة

حتى تنشد نفسه الكريمة قول أبي الطيب - كامل -
( أنا من جميع الناس أطيب منزلأ ... وأسر راحلة وأربح متجرا )
لا زالت الأعين قريرة برؤيته وقلوب الإخوان قارة بمشاهدته والأوجه وسيمة والنعم الظاعنة مقيمة إن شاء الله تعالى

أجوبة التهنئة بالقدوم من السفر
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع ينبغي أن تبنى على الاعتراف للمهنيء بحق تعهده وكرم تفقده وإطلاعه على الحال في السفر وما أفضت إليه من السلامة والتأسف على ما تقضى من الأيام في مباعدته والتخلف عن مباسمته وأنه لم يزل يدرع الإدلاج ويقطع الفجاج رغبة في القدوم إليه والوفادة عليه وبل الغلة برؤيته وترويح النفس بمحاضرته وما يليق بهذا النمط من الكلام
الضرب الخامس من التهانيء التهنئة بالشهور والمواسم والأعياد
وهي على ثمانية أصناف

الصنف الأول التهنئة بأول العام وغرة السنة
من كلام المتقدمين
تهنئة من ذلك من إنشاء أبي مسلم محمد بن بحر
أسعد الله سيدي بعامه والفضل منه وما حوى من الأعياد والأيام الخطيرة وسائر شهوره وأيامه ومتصرف أحواله وبما يأتي ويكر عليه من زمانه سعادة تسوق إليه حظوظ الدين والدنيا كاملة وتجمع له فوائد الأمدين تامة وافية وترتهن إليه النعم فلا تزال لديه زائدة نامية وبلغه بها الأمل ومد له في البقاء إلى أنفس المهل
ولأبي الحسين بن سعد
عظم الله على مولاي بركة الشهر والسنة المتجددين ووهب له فيهما وفيما يتلوهما من أيام عمره وأزمان دهره سعادة تجمع له أشتات الحظوظ وتصل لديه مواد المزيد وتيسر له بلوغ الأمل في كل ما يطالع وينازع والأمن من كل ما يراقب ويحاذر
وله في مثله
عظم الله على سيدي بركة الشهر والسنة وأعاشه لأمثالهما مدة اختلاف الجديدين وتجاور الفرقدين ممتعا بالنعم السابغة والمواهب المترادفة والسعادة والغبطة والعز والمسرة
وله في معناه

جدد الله لسيدي في الأيام الحاضرة والمستقبلة والأحوال الراهنة والمتنقلة حظوظا من السعادات وأقساما من الخيرات لا يحصى عددها ولا ينقضي مددها
وله في مثله
عظم الله على مولاي بركة الشهر والسنة المتجددين عليه وعرفه فيهما وفي الأيام بعدهما من حادث صنعه ولطيف كفايته ما تدوم فيه السعادة وتعظم به المنة وتحسن فيه العاقبة
وله في مثله
عظم الله على مولاي بركة هذا الشهر الماضي من أيامه وباقيها وهذه السنة وجعلها أيمن سنة حالت عليه وأسعدها
ومنه وينهي أن المملوك يهنيء غرة الأيام بغرة الأنام وصدر العام بصدر الكرام بل يهنيء الزمن كله نعم وأهله بالحضرة التي واست المعالي
الصنف الثاني التهنئة بشهر رمضان
من كلام المتقدمين
لأبي الحسين بن سعد
جمع الله لمولاي في هذا الشهر الشريف شروط آماله وأحكام أماليه في حاضر أمره وعاقبته وعاجل دنياه وآخرته وأبقاه لأمثاله بقاء لا يتناهى أمده في ظل عيش يرضاه ويحمده
وله في مثله
عرف الله سيدي بركة هذا الشهر الشريف وأعاشه لأمثاله ما كر الجديدان واختلف العصران ممتعا بسوابغ النعم محروسا من حوادث

الغير وموفقا في شهره وأزمان دهره لأزكى الأعمال وأرضى الأحوال ومقبولا منه ما يؤديه من فرضه وينتقل به قربة إلى ربه
وله في مثله
عرفه الله بركة إهلاله وأبقاه طويلا لأمثاله موفقا فيه من عمل الخير ومراعاة الحق وتأدية الفرض والتنفل بالبر لما يرضيه ويستحق جزيل المثوبة عليه ممتعا بعده بسني المواهب وجسيم الفوائد مع اتصال مدة العمر واجتماع أمنيات الأمل
وله في مثله
عرف الله مولانا بركة هذا الشهر الشريف وأيامه وأعانك على صيامه وقيامه ووصل لك ما يزيد من فضله وإنعامه وتابع لك المزيد من منائحه وأنعامه وختم لك بالسعادة العظمى بعد الانتقال في الجاه والرياسة إلى أبعد المدى وفي العز والثروة إلى أقصى المنى
أبو الفرج الببغاء
جعل الله ما أظله من هذا الصيام مقرونا بأفضل قبول مؤذنا بإدراك البغية ونجح المأمول ووفقه فيه وفي سائر أيامه ومستأنف شهوره وأعوامه لأشرف الأعمال وأفضلها وأزكى الأفعال وأكملها ولا أخلاه من بر مرفوع ودعاء مسموع وسعي مشكور وأمر مبرور إلى أن يقطع في أجمل غبطة وأتم مسرة أمثاله
وله في مثله
عرفك الله بركة هذا الشهر المعظم قدره المشرف ذكره ووفقك فيه لصالح الأعمال وزكي الأفعال وقابل بالقبول صيامك وبتعظيم المثوبة تهجدك وقيامك ولا أخلاك في سائر ما يتبعه من الشهور ويليه من الأزمنة

والدهور من أجر تذخره وأثر تشكره
قلت ومما كتبت به تهنئة بالصوم للمقر الأشرف الناصري محمد بن البارزي كاتب السر الشريف المؤيدي بالممالك الإسلامية في سنة ست عشرة وثمانمائة نظما - طويل -
( أيا كاتب السر الشريف ومن به ... تميس نواحي مصر تيها مع الشام )
( ومن جلت الجلى كتائب كتبه ... ومن ناب عن وقع السيوف بأقلام )
( تهن بهذا الصوم والعيد بعده ... ومن بعده بالعيد والعام فالعام )
( وترقى رقي الشمس في أوج سعدها ... وتبقى بقاء الدهر في فيض إنعام )
الصنف الثالث ما يصلح تهنئة لكل شهر من سائر الشهور
لأبي الحسين بن سعد
عظم الله بركة إهلاله وأعاشه لأمثاله أطول المدة ممتعا بأدوم النعمة ومشفعا بأفضل الأمل والأمنية
وله أسعد الله سيدي بانصرامه وإهلال ما بعده وأبقاه ما بقي الزمان ممتعا بالعز والنعمة محروسا من الآفات المخوفة والحوادث المحذورة
وله عظم الله على سيدي بركة الماضي والمستقبل من الأيام والشهور والأعوام والدهور ووصل لي السعادة باتصالها وجدد له النعمة بتجددها
وله عظم الله بركة انسلاخه وإهلال ما يتلوه مجددا لك بتجدده فوائد الخيرات وأقسام البركات تدوم فيها المدة وتطول بها النعمة

وله أسعدك الله بإهلاله وأعاشك أبدا لأمثاله ممتعا بدوام العز والنعمة واجتماع أسباب الرخاء وشروط المحبة إنه جواد كريم
وله عظم الله على مولاي بركات هذا الشهر وما يتلوه وبلغه ما يحاوله وينحوه في مستأنف الشهور ومؤئنف الدهور مضاعفا له العز والتأييد وموصولا له أصل النعمة بحسن المزيد
وله عظم الله على مولاي بركة الشهر وأدام له سلامة الدهر موفورا من العز والسلطان غير مذعور بنوائب الزمان
وله عظم الله على سيدي بركة الأيام والشهور والسنين والأحقاب وجمع له المواهب كاملة والفوائد فاضلة دينا ودنيا وحاضرة وعقبى
وله عظم الله عليك بركته وعرفك يمنه وسعادته وجدد لك الخيرات تجديد الأوقات والساعات حتى تحوز منها أسنى الحظوظ وتبلغ مما تتمناه أقصى الغايات
الصنف الرابع التهنئة بعيد الفطر
من كلام المتقدمين
لأبي الحسين بن سعد
عظم الله على سيدي بركة هذا العيد وأعاشه لأمثاله من الأعياد المشهودة والأيام الجديدة في أهنإ عيش وأرغده وأطول مدى وأبعده
أبو الفرج الببغاء
أسعدك الله بهذا الفطر الجديد والعيد السعيد ووصل أيامك بعده بأكمل السعادات وأجمل البركات وجعل ما أسلفته من الدعاء مقبولا

مسموعا ومن التهجد زاكيا مرفوعا ولا أخلاك من نعمة يحرس الشكر مدتها ولا يخلق الدهر جدتها
من كلام المتأخرين
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
المولى أدام الله نعمه وحرس شيمه هو سيد الأفاضل ورئيس الأماثل وحسنة الزمان وليث الأقران وهو في الأنام كالأعياد في الأيام فإن الأنام ليل والمولى المصباح بل الصباح وسائر الأيام أجساد وسائر الأعياد هي الأرواح فإذا كان المولى قد زهي على أبناء جنسه ويوم العيد على غده وأمسه فقد صار كل منكما إلى صاحبه يتقرب ويلزم ويلزب وهو أحق الناس بأن يبهجه مقدمه وأن يهنى بيومه الذي هو مجمع السرور وموسمه
والخادم يهنيء المولى بهذا العيد واليوم السعيد فإنه وافى في أوان الربيع وزمانه ليباهي بغصن قده أغصان بانه ويستنشق في صدره وورده رائحة ريحانه وورده ويختال في رياضه وحدائقه ويلاحظ بهجة أزهاره وشقائقه والعيد والربيع ضيفان ومكارم المولى جديرة بإكرام الضيف والتمتع بالملاذ فيهما قبل رحيلهما وقدوم حر الصيف وأن يحسن وجه عيده بحلوله في مغناه ووجوده بما يوليه لعفاته من إنعامه وجوده لا زالت الأعياد تهنى ببقائه وألسنة الأيام تشكر سوابغ نعمائه وتحمد جزيل عطائه وتنطق بولائه وثنائه أبدا إن شاء الله تعالى
قلت ومما كتبت به مهنئا للمقر الأشرف الناصري محمد بن البارزي

صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية في الدولة المؤيدية شيخ بعيد الفطر نظما بعد أن سألته حاجة فقضاها وأسنى لي الجائزة على نثر كتبته له - طويل -
( سألت نظام الملك كاتب سره ... إزالة ضنك أرهف الدهر حده )
( فمن بجاه زعزع الأرض وقعه ... وجاد بمال لا يرى الفقر بعده )
( وبالبارزي ازدان وصف مكارم ... فأشبه في فضل أباه وجده )
( فيهناه صوم ثم عيد مسرة ... وطالع إقبال يقارن سعده )
( ورفع دعاء لا يغب تتابعا ... وطيب ثناء خامر المسك نده )
الصنف الخامس التهنئة بعيد الأضحى
من كلام المتقدمين
أبوالحسين بن سعد
كتابي والنحر نحر الله أعداء مولاي وحساد نعمته وأمتعه بمواهبه عنده وبارك له في أعياده ومتجدد أيامه بركة تنتظم السعادات وتتضمن الخيرات متصلة غير منقطعة وراهنة غير فانية
من كلام المتأخرين
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي - طويل -
( تهن فأيام السرور أواهل ... وكل مخوف عن جنابك راحل )
( ونجمك من فوق الكواكب طالع ... ونجم امرىء يشنا سموك آفل )
( ألا أيها المولى الذي عم جوده ... فدتك العوالي والجياد الصواهل )
( تمتع بعيد النحر وافاك خاضعا ... يحقق من دنياك ما أنت آمل )

( ودم كابت الأعداء وابق مخلدا ... على المال عال بالرعية عادل )
( لقد راق مدحي في معاليك مثل ما ... صفت منك اوصاف ورقت شمائل )
جعله الله أبرك الأعياد وأسعدها وأيمن الأيام وأمجدها وأجمل الأوقات وألذها وأرغدها ولا برح مسرورا مستبشرا منصورا على الأعداء مقتدرا مسعودا محمودا معانا بملائكة السماء معضودا مهنأ بالسعود الجديدة والجدود السعيدة والقوة والناصر والعمر الطويل الوافر - طويل -
( ولا زالت الأعياد لبسك بعده ... فتخلع مخروقا وتعطى مجددا )
( فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى ... كما كنت فيهم أوحدا كان أوحدا )
وأعاده على المولى في صحة دائمة وسلامة ملازمة وأصار عيده مطيعا لأوامره كسائر العبيد وعبيده في كل يوم من المسرة ببقائه لها كالعيد والأيام به ضاحكة المباسم والأعوام جميلة المواسم ومتعنا بدوام حياته واستجلاء جميل صفاته واستحلاء مدائحه بإنشاد عفاته وأراه نحر أعاديه بين يديه كأضاحيه وأصار الحج إلى بابه غافرا سيئات الإفلاس والإعدام ومبيحا لبس المخيط من أنعامه العام ألبسه الله من السعادة أجمل حلة ومنحه من المكارم أحسن خلة
الصنف السادس التهنئة بعيد الغدير من أعياد الشيعة
وكان لهم به اهتمام في الدولة الفاطمية بالديار المصرية والطريق في التهنئة به على نحو غيره من الأعياد
ما يصلح تهنئة لكل عيد
أبو الفرج الببغاء
لولا العادة المشهورة والسنة المأثورة بالإضافة في الدعاء والمشافهة بالتهنئة والثناء في مثل هذا اليوم الشريف قدره الرفيع ذكره لكان أيده الله

دون رؤساء الدهر وملوك العصر يجل عن التهنئة إذ كانت سائر أيامه بما يودعها من أفعال الخير معظمة وبما يبثها من المحاسن مكرمة فبلغه الله أمثاله محروسا في نفسه ونعمته محفوظا في سلطانه ودولته موفيا على أبعد أمانيه مدركا غايتها فيما يؤمله ويرتجيه
وله في مثله
عرفك الله يمن هذا العيد وبركته وضاعف لك إقباله وسعادته وأحياك لأمثاله في أسبغ النعم وأكملها وأفسح المدد وأطولها وأشرف الرتب وأرفعها وأعز المنازل وأيفعها وحرس منحتك من المحذور ووقى نعمتك من عثرات الدهور
الصنف السابع التهنئة بالنيروز
وهو من اجل أعياد الفرس على ما تقدم ذكره في الكلام على أعياد الأمم في المقالة الأولى وكان للكتاب به اهتمام في أوائل الدولة العباسية بالعراق جريا على ما كان عليه الفرس من قديم الزمان
وفيه لأبي الحسين بن سعد
هذا يوم شرفته العجم ورعى ذمامه الكرم وهو من أسلاف سيدي ذوي النباهة واخلافه ذوي الطهارة بين منشىء رسمه ومؤدي حقه وكاس له بقبول انتسابه إليه جمالا يبقى على الأيام وحالا ينفق بها لدى الأنام فليس أحد أحق بالتهنئة به ممن سنه آباؤه وشيدته آلاؤه فصارت إلى أوليته نسبته وبكرم سجيته عصمته
وفيه له هذا أيد الله سيدي يوم عظمه السلف من العجم وسيدي وارث سنة الكرم وللسادة على العبيد في هذا اليوم رسم في الإلطاف

وعليها لهم حق في القبول والإسعاف وقد بعثت بما حضر جاريا على سنة الخدمة وعادلا عن طريق الحشمة ومقتصرا على ما اتسعت له الحال وما يوجبه قدر سيدي من المبالغة في الاحتفال فإن رأى أن يشرف عبده بالاحتمال إليه وإجرائه مجرى الأنس عنده فعل إن شاء الله تعالى
وفيه للكرجي
هذا يوم تسموله العجم ويستعجم في العرب تشريفا له واعترافا بفضله واقتداء بأهله وأخذا بسنتهم فيه فليهن لإحراز الدولة في العز منزلا بحيث لا يرام ولا يضام ولا ترقى إليه الأماني ولا يطمع في مساواته المساوي وإنهم بعد تصرم الدولة على حميد آثارها وجميل الذكر فيها أعلام تضرب بهم الأمثال وتزهو بأيامهم الأيام وآثارهم تقتفى وأعيادهم تنتظر يتأهب لها قبل الأوان ويعرف فيها أثر الزمان وإنك منهم في الذروة السامية والرتبة العالية وبمحل لا عار معه على حرة في الخشوع لك والتعلق بحبلك وقد وجدت الأتباع عند ساداتها في مثل هذا اليوم على عادة في الإلطاف جسمتها وسيرت بها على أقوام منحتهم ظهور الدعوى فيها فأقبل قائلهم يقول لو كان باب الإهداء مفتوحا غير مسدود ومباحا غير ممنوع لأتحفت بالغراب الأعصم والكبريت الأحمر والأبلق العقوق وبيض الأنوق وقد بعثت بهدية لا ترد يعني الدعاء
وفيه من كان محلك من العز ونباهة الذكر وارتفاع الدرجة وعلو

المنزلة وسعة البلد وبعد الأمد لم يتقرب متحل بالعلم والأدب إليه في يوم جديد إلا بصالح الدعاء وحسن الثناء
وفيه لو أخرنا هذا انتظارا لوجود ما تستحقه لانقضت أيامنا بل أعمارنا قبل أن نقضي حقا أو نؤدي عن أنفسنا فرضا لارتفاع قدرك عما تحويه أيدينا وعلو حالك عما تبلغه آمالنا وقد اقتديت بسنة الخدم والأولياء في الأعياد وأوضحت العذر في ترك الاجتهاد وبعثت في هذا اليوم الذي أسأل الله أن يعيده عليك ألف عام في نماء من العز وعلو من القدر وتمام من السرور ومزيد من النعمة
الصنف الثامن التهنئة بالمهرجان
وهو أحد أعياد الفرس على ما تقدم ذكره في المقالة الأولى في الكلام على أعياد الأمم وكان للكتاب من الاحتفال بالتهنئة به في أوائل الدولة العباسية مالهم بالنيروز
فيه لأبي الحسين بن سعد
لسيدي علي في الأعياد المشهورة والأيام الجديدة عادة اختزلني عن بعضها في هذا الفصل كلال الطبع عن البعض ووقوع الخطر بعرضه من الثناء نظما ونثرا ومن الإهداء عرضا وبرا دعاء تزيد قيمته على الأعلاق الثمينة وموقعه على الذخائر النفيسة ولطفه على التحف البديعة فأسعد الله سيدي بهذا اليوم سعادة تقيم ولا تريم وتزيد ولا تبيد وتتوطن ولا تظعن وتجمع حظوظا من الخيرات وفوائد من البركات يتصل سندها ولا ينتهي أمدها وأبقاه في أسبغ عز وأرفع رتبة وأرغد عيشة مكنوفا بحراسة تقيه وآله عوادي الزمان وتصرف عنهما طوارق الحدثان ما طرد الليل والنهار وطلع نجم وغار وعلى ذلك أيد الله سيدي فإن الحرص على إقامة الرسم والتطير

من إضاعة الحق بعثاني على مراجعة القريحة واستكداد الروية فأسعفا بما قبلته الضرورة ولم أطع في إهدائه سلطان الحشمة وفضل سيدي يتسع لقبول الميسور وتحسين القبيح والله المعين على تأدية حقه والقيام بواجب فرضه
وله فيه أيضا إلى من منع أن تهدى إليه فيه هدية
لو كنت فتحت باب الإلطاف ونهجت إليه سبيلا لتنازع أولياؤك قصب السبق وتنافسوا في السرف فبان للمجتهد فضله والتمس العذر في التقصير ملتمسه وعمت المنحة كافتهم بما يظهر من مواقعهم وينكشف من أحوالهم لكنك حظرت ذلك حظرا استوى فيه الفريقان في الحكم وامتد فيه على ذوي الخلل الستر ولم تحظر الدعاء إذ حظرت الإهداء فأنا أهديه ضرورة واختيارا وإعلانا وإسرارا فأسعدك الله بهذا العيد الجديد الذي زاد بك في قدره وشرفه بأن جعلك من أربابه وولاة أمره
أبو الفرج الببغاء
هذا اليوم من غرر الدهور المشهورة وفضائل الأزمنة المذكورة معظم في العهد الكسروي مستظرف في العصر العربي باعث على عمارة المودات مخصوص بالانبساط في الملاطفات ولست استزيده أيده الله من بر يوليه ولا تطول إلي يسديه غير إدخالي في جملة من بسطته الأنسة وثقفته المحبة وتقربت منه بوكيد الخدمة في قبول ما إن شرف بقبوله كان كثيرا مع قلته جليلا مع نزارته فإن رأى أن يقوي منه ثقتي ويقابل بقبول ما أنفذته رغبتي فعل إن شاء الله تعالى
وله في مثله
قد أطعت في الانبساط إليك دواعي الثقة وسلكت في التحرم بك سبل

الأنسة وتوصلت بملاطفتك إلى حسم مواد الحشمة فاستشهدت على ثقتي بك فيما أنفذته بمفارقة الحفلة وكلف المكاثرة فإن رأيت أن تكلني في تقبله إلى سعة أخلاقك وتسلك في ذلك أخصر طريق إلى ما أخطبه من مودتك وأزاحم عليه في إخائك فعلت إن شاء الله تعالى
وله في مثله
هذا اليوم أيد الله سيدي من أعياد المروة ومواسم الفتوة وأوطان السرور ومحاسن الأزمنة والدهور بلغة الله أمثاله في أنضر عيش وأسبغ سلامة وأبسط قدرة وأكمل مسرة وقد توثبت إلى الاقتداء فيه بأدبه والأخذ بمعرفة فروضه بمذهبه وأطعت في الانبساط إليه دواعي الثقة وأنفذت ما اعتمدت في قبوله على مكاني منه عائذا بالتقليل من كلف المكاثرة ومستثقل الكلفة فإن رأى أن يأتي فيما التمسته ما يناسب شرف طبعه وسعة أخلاقه فعل إن شاء الله تعالى
وله في مثله
لو كانت الملاطفات بحسب الرتب وقدر المنازل لما انبسطت قدرة ولا اتسع مكان لما يستحقه نبل محله وواجبات رياسته ولكنت من بين خدمه ضعيف المنة عن خدمته في هذا اليوم السعيد بلغه الله أمثاله في أفسح أجل وأنجح أمل بما يخدمه به ذوو الخدمات الوكيدة عنده المكينة لديه غير أني أثق منه أيده الله بحمل قليلي على علمه بإخلاصي في ولائه وانتسابي إلى جملته واختلاطي بأنسابه فإن رأى أن يجريني في قبول ذلك على سنة أمثاله من ذوي الجلالة عند أمثالي من الأولياء والحاشية فعل
وله في مثله
لو كانت الهدايا لا تتقبل ما لم تناسب في نفاسة القدر وجلالة الذكر

محل من يتقرب بها إليه ومنزلة من أهداها إليه عليه لما سمت همة ولا اتسعت قدرة لما يستحقه أيده الله بأيسر واجباته وأصغر مفترضاته غير أن الأنسة بتفضله والاعتداد بسالف تطوله والتحقق بخدمته والانتساب إلى جملته بسطني إلى إنفاذ ما إن شرفني بقبوله كان مع قلته كثيرا ومع نزارته جليلا فإن رأى أن يقوي بذلك منه ثقتي ويحسم مادة احتشامي فعل

أجوبة التهنئة بالمواسم والأعياد
قال في مواد البيان هذه الكتب والرقاع مضمونها الهناء بالموسم الجديد والدعاء للمهنإ فيه بتمليه قال وهذا المعنى مفاوض بين المهني والمهنى وينبغي أن تكون أجوبتها مشتقة منها ثم قال وقد يتصرف الكتاب فيها إذا كاتبوا الرؤساء تصرفا يخرج عن هذا الحكم
وهذه أمثلة من ذلك
أبو الفرج الببغاء
سمع الله دعاءك وبدأ في تقبل المسألة بك واجزل من أقسامه حظك وبلغك أمثاله في أفسح مدد البقاء وزاد فيما خولك من المواهب والنعماء ولا أخلاني من برك وأنهضني بواجباتك
وله في مثله
كل يوم أسعد فيه بمشاهدتك وأقطعه في ظل مودتك حقيق بالإحماد موف على محاسن الأعياد فسمع الله دعاءك وأطال ما شئت البقا بقاءك وجعل سائر أيامك مقرونة بالسعادات موصولة بتناصر البركات
من زهر الربيع
يخدم المجلس العالي جعل الله قدره على الأقدار ساميا وجزيل نواله

على من هام به من العفاة هاميا ونصره نصرا عزيزا وأسكنه من حراسته حصنا حصينا وحرزا حريزا ولا زالت الأيام حالية الجيد بوجوده والأيدي تهش إلى تناول أياديه وجوده وأخبار المكارم عنه مروية وإليه معزوة وآيات فضله وفضائله بكل لسان متلوة
وينهي إلى علمه ورود مشرفته التي حلت الأسماع عندما حلت وسمت عن الرياض لما جليت عروس فضلها وجلت وزهت على زهورها برقم سطورها وطيب عرفها ونشرها بما فاح من طيها عند نشرها وفائق حسنها وبهجتها برائق براعة عبارتها ومعاملتها بما يجب من فروض إكرامها والسنن والمشي في تبجيلها على الطريق المألوف من موالاته والسنن وعلمه بما أشار إليه من الهناء بالعيد واليوم السعيد وقد تحقق بذلك إحسانه الذي ما برح متحققا بجميله وجزيله وشاكرا لكثيره وقليله وحصلت له البشرى والمسرة الكبرى ليس للعيد بمفرده ولا لهذا الهناء بمجرده بل لبقاء المولى ودوام سعادته وتخليد سيادته فإنه لكل إنسان عين ولكل عين إنسان وهو روح والأيام والأنام جثمان فالمملوك ببقائه كل يوم يتجدد له عيد جديد ويتضاعف له جد سعيد حرس الله شرفه الرفيع من الأذى وأراه في عين أعاديه جذعا ناتئا وسلم لحظه المحروس من القذى وأصار أيامه كلها أيام هناء وبداية سعادته بغير حد وانتهاء

الضرب السادس التهنئة بالزواج والتسري
من كلام المتقدمين
أبو الفرج الببغاء

وصل الله هذا الاتصال السعيد والعقد الحميد بأحمد العواقب وأجمل المنح والمواهب وجعل شمل مسرتك به ملتئما وسبب أنسك بإقباله منتظما وعرفك به تعجل البركات وتناصر الخيرات ولا أخلاك فيه من التهاني بنجباء الأولاد وكبت بكثرة عددك سائر الحساد وهنأني النعمة الجليلة بإخائك وعضدني وسائر إخوانك ببقائك
وله في مثله
قرن الله بالخيرة ما عقدت وبالسعادة ما جددت وبجميل العاقبة ما أفدت وعرفك بركات هذا الاتصال ولا أخلاك فيه من مواد السعادة والإقبال وعضدك بالبررة من عقبك والسادة من ذريتك
وله في مثله
إني وإن كنت ملتحفا بلحف مودتك ومتمسكا بعصم أخوتك أولى بالتهنئة بما يحدث لك من ورود نعمة واتصال موهبة فإني ما أجد فرض الدعاء لك ساقطا ولا واجب الشكر لله تعالى على ما أولاني فيك زائلا فعرفك الله بركة هذا الاتصال الحميد والاقتران السعيد وجعله للسرور مكثرا وباليمن مبشرا وأحياك للتهاني بمثله في السادة من ولدك والنجباء من ذريتك
وله في مثله
وصل الله هذا الاتصال الميمون بأرجح البركات وأفضلها وأنجح الطلبات وأكملها واحمد بدأه وعقباه وبلغك الآمال في سائر ما تهواه وأحياك للتهاني بأمثاله في البررة من ولدك والنجباء من عقبك
من كلام المتأخرين
للشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
جعل الله الخيرة له فيما يذره ويأتيه والنجاح مقرونا بما يعيده من الأوامر

ويبديه والألسنة شاكرة بما يوليه من الإنعام ويسديه صدرت هذه الخدمة معربة عن ثناء تأرج عرفه وولاء أعجز الألسنة شرحه ووصفه وتهنئة بهذه الوصلة المباركة جعلها الله للاتصال بالسعادة سببا ومحصلة من الخيرات مراما وافرا وأربا وعرفه بركة هذا العرس الذي أصبح الخير بفنائه معرسا ونور الشمس من ضياء بهجته مقتبسا فنحمد الله على هذه الوصلة سرا وجهرا ونشكره أن جعل بينه وبين السعد نسبا وصهرا منح الله المولى الرفاء والبنين والعمر الذي يفني الأيام والسنين ورزقه إسعافا دائما وإسعادا وأراه أولاد أولاده آباء بل أجدادا إن شاء الله تعالى

أجوبة التهنئة بالزواج والتسري
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع يجب أن تكون شكرا للمهني على العناية والاهتمام ومشتملة على الإبانة عن موقع دعائه من التبرك والتيمن به إلا أن تكون البداية بمعنى يخرج عما هذا جوابه فينبغي أن يجاب عنه بما يقتضي الإجابة عن ذلك
الضرب السابع من التهاني التهنئة بالأولاد وهو على ثلاثة أصناف
الصنف الأول التهنئة بالبنين
مما أورده أبو الحسين بن سعد في ترسله
إنه ليس من نعم الله وفرائد قسمه وإن حسن موقعها ولطف محلها نعمة تعدل النعمة في الولد لنمائها في العدد وزيادتها في قوة العضد وما يتعجل من عظيم بهجتها ويرجى من باقي ذكرها في الخلوف والأعقاب ولاحق بركتها في الدعاء والاستغفار
ومنه إنه ليس من النعم نعمة تشبه النعمة في الولد لزيادتها في قوة العضد وحسن موقعها في الخلف والعقب واتصل بي خبر مولود فسرني ما

وصل الله به من العارفة إليك وشركتك في جميل الموهبة فيه شركة من له مالك وعليه ما عليك وسألت الله أن يوزعك شكر النعمة ويؤنس بهذا المولود ربعك ويكثر به عددك ويعظم بركته ويمن طائره عليك ويزيد به في النعمة كذلك ويفعل الله ذلك بمنه وطوله
وفيه لأبي الحسين بن سعد إلى أبي مسلم بن بحر يهنئه بابن حدث له
فأما ما جدد الله من النعمة في القادم والموهوب لك ولدا وأنسا ولنا سندا وذخرا فقد جل قدر هذه الموهبة عن أن يحاط لها بوصف أو يوفى لها بشكر
وفيه لعلي بن خلف
وينهي أنه اتصل بالمملوك بزوغ نجم سعد في مشارق إقباله مؤذن باتساق سموه وجلاله فأحدث من الحلال والاستبشار بمقدمه والتبرك والتيمن بقدمه ما تلألأت على المملوك أنواره وحسنت عنده آثاره وسألت الله تعالى راغبا إليه في أن يعرفه سعادة مولده ويمن موفده ويجعله شادا لعضده وموريا لزنده ويشفعه والسادة السابقين بنجباء متلاحقين يتبلجون في نطاق سعادته ويتوسمون في آفاق سيادته ويصون سلكهم من الانفصام وشملهم من الانهدام ويبقيهم غررا في وجوه الأيام وأقمارا في صفحات الظلام بمنه وفضله إن شاء الله تعالى
وفيه له وينهي أن المملوك يشكر الله تعالى على ما أنزله عند مولانا من عوارفه واختصه به من لطائفه شكر من شاركه في النعمة المسبغة عليه وانتهى إلي خبر السند المتجدد لمولانا فطار المملوك بخوافي السرور

ومقادمه وأخذ من الابتهاج بأوفى قسمه وسأل الله تعالى أن يبارك له في عطيته ويردفه بزيادته ويوفر عدده ويشد بصالح الولد عضده ويجنيه من هذا القادم ثمار المسرة ويري عينه منه أقر قره ويشفع المنحة في موهبته بإطالة مدته
وفيه وينهي أن أفضل النعم موقعا واشرفها خطرا وموضعا نعمة الله تعالى في الولد لزيادتها في العدد وقوة العضد وما يتعجل من عظم جمالها وزينتها ويرجى من حسن مآلها وعاقبتها في حفظ النسب والأصل وحسن الخلافة على الأهل وجميل الذكر والثناء ومتقبل الاستغفار والدعاء وقد اتصل بالمملوك بزوغ هلال سماء المجد ومتعلق الإقبال والسعد فأشرقت الأيام بإشراقه ووثقت الآمال باجتلائه واتساقه فقام المملوك عن مولانا بشكر هذه النعمة المتجددة والموهبة الراهنة الخالدة وهنأت نفسي بها وأخذت بحظي منها والله تعالى يعرفه يمن المولود من أطهر والدة وأطيب والد ويعمر به منزله ويؤنس ببقائه رحله ويبلغ محبيه من الآمال فيه ما بلغهم في الماجد أبيه إن شاء الله تعالى
وفيه وينهي أن نعم الله تعالى وإن كانت على مولانا متظاهرة ولديه متناصرة فقد كان المملوك يرغب إلى الله تعالى في أن يجمل الأيام من نسله بمن بحفظ عليها شرف أصله ويخلفه بعد العمر الطويل في نبله وكرم فعله ولما اتصل بالمملوك نبأ هذا الهلال البازغ في سمائه المقر لعيون أوليائه المخيب لظنون أعدائه حمدت الله تعالى على موهبته وسألته إقرار نعمته وأن يعرف مولانا بركة قدمه ويمن مقدمه ويوفر حظه من زيادته وسعادة وفادته وأن يجعله برا تقيا مباركا رضيا ويفسح في أجله ويبلغه فيه أمله إن شاء الله تعالى
من كلام المتأخرين
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي - كامل

( هنئت بالإسعاف والإسعاد ... ونفاذ أمر في العدا بنفاد )
( وبقيت ما بقي الزمان مهنأ ... ووقيت شر شماتة الحساد )
( يا مالك الرق الذي أضحى لنا ... من جوده الأطواق في الأجياد )
( خلدت في عيش هني أخضر ... يسطو ببيض ظبا وسمر صعاد )
( حتى يخاطبك الزمان مبشرا ... متعت بالإخوان والأولاد )
جدد الله في كل يوم له مسرة وبشرى وأطاب لعرفه عرفا ونشرا وشد له بولده السعيد الطلعة أزرا وأسرا وسرى به الهموم عن القلوب وأصارها لديه أسرى ورفع درجته إلى سماء المعالي ليقال سبحان الذي بعبده أسرى
المملوك يخدم المولى ويهنيه ويشكره ويطلعه على ما حصل له من الابتهاج للسبب الذي ينهيه ويذكره وهو أنه اتصل به قدوم المسافر بل إسفار البدر وظهور ميمون الغرة الذي جاء لأهله بأمان من صروف الدهر وهو الولد العزيز الموفق النجيب فلان أبقاه الله تعالى ليحيا مشكورا محمودا وأدام عزه وعلاه وأعلى نجمه وخلد شرفه وبهاه وضاعف سناءه وسناه وأرانا منه ما أرانا من السعادة في أبيه فسر وابتهج بهذه النعمة غاية السرور والابتهاج واتضح له في شكر إحسان المولى وحسن ولده كل طريق ومنهاج وسأل الله تعالى أن يطول له عمرا ويجعله لإسعاد والده وإسعافه ذخرا ليرتعا في رياض الدعة في صحة وسلامة ويجعلا في فناء العلا لهما دار إقامة ويبلغا من السعادة درجة لا تريم عالية ولا ترام وتخضع لهما الليالي والأيام ويرشقاهما بسهام الصروف ويطعناهما بأسنتها ويفهما دعاء الأيام لهما من صدورها ويسمعاه من ألسنتها مخاطبة لأبيه ومنشدة لسائر أهله ومحبيه - رجز -
( مد لك الله الحياة مدا ... حتى ترى نجلك هذا جدا )
الصنف الثاني التهنئة بالبنات
من كلام المتقدمين
أبو الحسين بن سعد

النعمة نعمتان إحداهما تعجل الأنس والأخرى تدخر الأجر وعلى حسب ما تتلقى به من الشكر على ظاهر المحبوب والتسليم فيما يجري مجرى بعض المكروه يكون المتاع عاجلا والثواب آجلا وما قدمت القول إلا لما ظننته يعرض لك من الوجوم في هذه الموهبة في المولودة التي أرجو أن يعظم الله بركتها ويجعلها أيمن مولود في عصرها ودالة على سعادة أبيها وجدها ولئن كان في الطبع حب الذكور والشغف بالبنين فإن البنين من البنات وهن باليمن معروفات وبالبركات موصوفات وبالذكور في أثرهن مبشرات فهنأك الله النعمة فيها تهنئة لا تنقضي سعادتها ولا يعترض النقص والتقدير شيئا منها وأبقى هذه الصبية ممتعا أبوها بها ومنشأ له الحظ من حداثتها وبلغها أفضل مبالغ الصالحات القانتات من أمهاتها وجعل في مولدها أصدق دليل على طول عمر أبيها وسعادة جده وتضاعف نعم الله عنده إنه لطيف جواد
أبو مسلم محمد بن بحر
مرحبا ببكر النساء وبكر الأولاد وعقيلة الخباء والمأمولة للبركة والمشهورة باليمن وقد جربناه فوجدناه معهودا مسعودا والله يعرفك أضعاف ما عرف من قبلك ويبارك لك فيما رزقك ويثني لك بأخ للمولودة ويجعله رديفها وفي الخير قرينها وشريكها
علي بن خلف
وينهي أن المملوك اتصل به ارتماض مولانا بمقدم الكريمة الوافدة

بطالع السعادة المتجددة فعجب المملوك من وقوع ذلك من مثل مولانا مع كمال نبله وشرف عقله وعلمه فإن الله تعالى جل اسمه يقول ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ) وإن ما جدده الله تعالى من مواهبه جدير أن يتلقى بالسرور والفرح لا بالاستياء والترح لا سيما والذكر إنما يتفضل على الأنثى بنجابته لا بحليته وصورته وقد يقع في الإناث من هو أشرف من الذكور طبعا وأجزل عائدة ونفعا وقد روي أن رسول الله قال : إذا رزق العبد الأنثى نادى مناد من السماء يا أهل الدار أبشروا بالرزق وإذا رزق نادى مناد من السماء يا أهل الدار أبشروا بالعز فليستقبل مولانا الرزق بالشكر فإن العز يتبعه ولا يعارض الله تعالى في إرادته ولا يستقل شيئا من هبته والله تعالى يعرفه يمن عهودها وسعادة قدومها وأن يسره بعدها بإخوة متتابعين متلاحقين يؤيدون أمره ويحيون بعد العمر الأطول ذكره
أبو الفرج الببغاء
لو كان الإنسان متصرفا في أمره بإرادته قادرا على إدراك مشيئته لبطلت دلائل القدرة واستحالت حقائق الصنعة ودرست معالم الآمال وتساوى الناس ببلوغ الأحوال غير أن الأمر لما كان بغير مشيئته مصنوعا وعلى ما عنه ظهر في الابتداء مطبوعا كان المخرج له إلى الوجود من العدم فيما ارتضاه له غير متهم ومولانا أيده الله مع كمال فضله وتناهي عقله وحدة فطنته وثاقب معرفته أجل من أن يجهل مواقع النعم الواردة من الله تعالى عليه أو يتسخط مواهبه الصادرة إليه فيرمقها بنواظر الكفر ويسلك بها غير مذاهب الشكر
وقد اتصل بالمملوك خبر المولودة كرم الله غرتها وأطال مدتها وعرف مولانا البركة بها وبلغه أمله فيها وما كان من تغيره عند اتضاح الخبر وإنكار

ما اختاره له سابق القدر فعجب المملوك من ذلك واستنكره من مولانا وأنكره لضيق العذر في مثله عليه وقد علم مولانا أنهن أقرب إلى القلوب وأن الله تعالى بدأ بهن في الترتيب فقال جل من قائل ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ) وما سماه الله هبة فهو بالشكر أولى وبحسن التقبل أحرى ولكم نسب أفدن وشرف استحدثن من طرق الأصهار والاتصال بالأخيار والملتمس من الذكر نجابته لا صورته وولادته ولكم ذكر الأنثى أكرم منه طبعا واظهر منه نفعا فمولانا يصور الحال بصورتها ويجدد الشكر على ما وهب منها ويستأنف الاعتراف له تعالى بما هو الأشبه ببصيرته والأولى بمثله إن شاء الله تعالى
الصنف الثالث التهنئة بالتوءم
أحسن ما رأيت من ذلك قول بعض الشعراء مما كتب به إلى بعض أصحابه وقد ولد له ذكر وأنثى من جارية سوداء وهو قوله - طويل -
( وخصك رب العرش منها بتوءم ... ومن ظلمات البحر تستخرج الدرر )
( أضحى وارثا علم جابر ... فأعطاك من ألقابه الشمس والقمر )

الأجوبة عن التهنئة بالأولاد
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع يجب أن تبنى على شكر اهتمام المهنيء ورعايته والاعتداد بعنايته وأن الزيادة في تجدد المهنى به

زيادة في عدده وأن نصيبه من تحرك السرور فيما يخلص إليه من المواهب كنصيبه لتناسبهما في الإخاء وتوافيهما في الصفاء وأن تراعى مع ذلك مرتبة المهني والمهنى ويبني الخطاب على ما يقتضيه كل منهما
وهذا مثال من ذلك
زهر الربيع
وينهي ورود الكتاب الذي تشرف المملوك بوروده وأشرقت الأيام بكمال سعوده وأرغم ببلاغته معطس مناويه وحسوده فشكر أيادي من أنعم بإرساله واكتسى بالوقوف عليه حلة من حلل فخره وجماله وبالغ في إكماله حتى وقف إجلالا له بين يديه ثم تلا آيات حسنه على أذنيه فوجده مشتملا على إحسان لم يسبقه إلى مثله أحد ومنن أودعها فيه فلا يحصيها حصر ولا عدد فهيج بوروده رسيس الأشواق وتقلد بإنعام مرسله كما قلدت الحمائم بالأطواق ووجد لوعة لا يحسن وصفها لسان اليراع في الأوراق وعلم ما أشار إليه المولى من التهنئة بالولد الجديد بل بأصغر الخدم والعبيد وما أبداه من الابتهاج لميلاده وأظهره من التفضل المعروف من آبائه الكرام وأجداده ولم لا يكون الأمر كذلك والوالد مملوكه وهو مملوك السادة الأجلاء أولاده حرس الله مجده ومتعه بثوب مكارمه وخفض قدر محاربه ورفع كلمة مسالمه ولا زال مماليكه تتزيد تزيد الأيام وسعادته باقية بقاء الأعوام وعين العناية تحرسه في حالتي السفر والمقام إن شاء الله تعالى

الضرب الثامن من التهاني التهنئة بالإبلال من المرض والعافية من السقم
فمن ذلك
وينهي أنه ما زالت أجسام أهل التصافي تشترك في الأسقام والعوافي كما تشترك أنفسهم في التخلص والتوافي ولما ألم بمولانا هذا الألم الذي تفضل الله تعالى بإماطته ومن فيه على السؤدد بحراسة مولانا وحياطته فرأيته

حالا في جوارحي محرقا لجوانحي ممازجا لأعضائي متملكا لأنوائي ولئن كنت قد تحملت من ذلك عبا وارتقيت من تحمله مرتقى صعبا فلقد فخرت بمماسته وأحمدت طبعي على مشاكلته وشكرت الله تعالى إذ جعلني شعبة من سرحته وجبلة من طينته وعلى ما سر به من إقالته وإنعاشه ومصافاته وإبشاشه وسألت الله تعالى أن يبقيه نورا يوضح مغرب الدهر ومشرقه ودرا يرصع فود المجد ومفرقه ويحسن الدفاع عن حوبائه وهو سبحانه يجيب ذلك ويتقبله ويرفعه ويسمعه إن شاء الله تعالى
وله في مثله
المملوك يهنيء مولاه خاصة إذ جعله الله تعالى من صفوة أوليائه وخالصة أحبائه الذين يبتليهم اختبارا وينتابهم اختيارا ليجمع لهم بين تمحيص وزرهم ومضاعفة أجرهم والحض على طاعته والانصراف عن معصيته ويهنيء الكافة عامة بالموهبة في نوره المطلعة لأمل الإقبال المروية لماحل الآمال ثم أعطف على حمد الله على ما من به من إبلاله ويسره من استقلاله والرغبة إليه في أن يمنحه صحة تخلد وتقيم وعافية ترهن ولا تريم وأن يحميه من عوارض الأسقام ويصونه من حوادث الأيام بفضله وجوده إن شاء الله تعالى
أبو الفرج الببغاء
أفضل ما يفزع إليه العبد المخلص والمولى المتخصص فيما ينوب سيده ويهم ولي نعمته الدعاء المقترن بصدق النية وصفاء الطوية فالحمد لله الذي من بالصحة وتصدق بالإقالة وتدارك بجميل المدافعة وعم سائر خدمه أيده الله بالنعمة وأعاده إلى أجمل عاداته من السلامة والصحة فائزا بمدخر

الأجر متعبدا بمستأنف الشكر فلا أخلاه الله من زيادة فيما يوليه ولا قصدنا بسماع سوء فيه وحرس من الغير مهجته ومن المحذور نعمته
وله في مثله
ما كنت أعلم أن عافيتي مقرونة بعافيتك ولا سلامتي مضافة لسلامتك إلى أن تحققت ذلك من مشاركتي إياك في حالتي الألم والصحة والمرض والمحنة فالحمد لله الذي شرف طبعي بمناسبتك وجمل خلقي بملاءمتك فيما ساء وسر وإياه تعالى أشكر على ما خصني به من كمال عافيتك وسبوغ سلامتك وسرعة إقالتك وبه جل اسمه أثق في مزيدك من تظاهر النعم وتوفر القسم
وله في مثله
ولولا أن متضمن كتابك قرن ذكر المرض الهاجم عليك بذكر ما وهبه الله لك من عود السلامة إليك لما اقتصر بي القلق على ما دون المسير نحوك والمبادرة لمشاهدتك غير أن السكون إلى ما أداه كتابك سابق الجزع والطمأنينة إلى ما وهبه الله من كفايتك حالت دون الهلع فالحمد لله الذي من بالإقالة وتصدق بالسلامة وعم بالكفاية وهو ولي حراستك وحراستي فيك
وله في مثله
سيدنا في سائر ما يذكره الله من هجوم ألم مؤذن بصحة واعتراض محنة مؤدية إلى منحه مرموق بالعافية محروس من الله جل اسمه بالحفظ والكلاءة فهو مع العلة فائز بذخائر الأجر ومع العافية موفق لاستزادة الشكر فالحمد لله الذي عقد الكرم ببقائه وشفى مرض الآمال بشفائه وكفاه اعتراض المخوف وعوارض الصروف
وله في مثله
ما انفرد جسمك بالعلة دون قلبي ولا اختصت نفسك حرسها الله تعالى بمعاناة المرض دون نفسي ولم أزل بالقلب تاليا وفي سائر ما شكوته

بالنية مساويا إلى أن كشف الله الغمة وأقال العثرة ونفس الكربة ومن بالسلامة وتصدق بالكفاية وأوجب بالعافية علينا جميعا فروض الشكر بعد ما ادخره لك بالألم من كثرة الأجر فالحمد لله على ذلك حمدا يؤدي إلى حراسة ما خولك ويؤذن بالمزيد فيما منحك
ومن كلام المتأخرين
أعلى الله قدر الجناب الفلاني ولا زالت شموس أيامه لا تخاف كسوفا ولا أفولا وأقمار لياليه تغرس في قلوب اوليائه ومحبيه فروعا وأصولا
المملوك يخدم خدمة من تحمل جميلا ونال من تفضل الجناب الكريم جزيلا
وينهي ما حصل له من السرور بعافية مولانا فالشكر لله على ما جدد من النعمة التامة وسمح به من الكرامة العامة حين أعاد البدر إلى كماله والسرور إلى أتم أحواله وما كانت إلا غلطة من الدهر فاستدركها وصفقة خارجة عن يده فملكها فقرت بذلك العيون وتحققت في بلوغ الأمل الظنون وانجبر قلبه بعدما وهن وعاد جفنه بعد الأرق إلى الوسن وقال ( الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ) ولقد كان يتمنى المملوك لو فاز من الرؤية الشريفة بحظ السمع والبصر وتملى بمشاهدة وجهه الكريم فإن فيه البغية والوطر
والمملوك فما يعد نفسه إلا من المحبين الذين بذلوا نفوسهم لمحبته وأعدوها والله تعالى يسر الأولياء بتضاعف سعوده ويديم بهجة الأيام بميمون وجوده ويطيل في مدته ويحرسها من الغير ويحرس أحوال مزاجه الكريم على

القانون المعتبر ويكفي أولياءه ومحبيه فيه كل مكروه وحذر إن شاء الله تعالى
من زهر الربيع - متقارب -
( ولما شكوت اشتكى كل ما ... على الأرض واهتز شرق وغرب )
( لأنك قلب لجسم الزمان ... وما صح جسم إذا اعتل قلب )
حرس الله جنابه وأسبل عليه رداء السعد وأثوابه ومتعه ببرود العافية وجلبابها وفتح له إلى نيل السعادة سائر أبوابها ومنحه الكفاية والأمن في سربه والعافية في جسمه من قلق كل مرض وكربه وجمع له بين الثواب والجر وجازاه بجزيل الغفران عن جميل الصبر
المملوك يبشر نفسه ومولاه بما من الله به من صحة مزاجه الكريم والإبلال من مرض كاد يدير كؤوس الحمام على كل صديق حميم ويحمد الله على عافيته حمدا جزيلا ويشكره عليها بكرة وأصيلا فإنه قد عوفي لعافيته المجد والكرم وزال عنه إلى أعدائه الألم فالمولى حفظ الله صحته من السقم وحماه من ألم ألم وجعل سعادته تتزايد على ممر الأنفاس وجسده سالما من الأذى كسلامة عرضه من الأدناس إن شاء الله تعالى
الشيخ جمال الدين بن نباتة
وقى الله من الأسواء شخصه الكريم وشمله النظيم وقلب محبه الذي هو في كل واد من أودية الإشفاق يهيم

ولا زالت الصحة قرينه حتى لا يعتل في منازله غير مرور النسيم ويصف شوقا يزيد بالأنفاس وقدا ويجدد للأحشاء وجدا ويباشر القلب المغرم فيمد له من عذاب الانتظار مدا
وينهي أنه جهز هذه الخدمة نائبة عنه في استجلاء وجه أكرم الأحبة وتصافح اليد التي أقلام كتبها في شكوى البعاد أطبة مبدية إلى العلم الكريم أنه مع ما كان يكابده من الأشواق ويعالجه من خواطر الإشفاق بلغه ضعف الجسد الموقى وعارض الألم الذي استطار من جوانح المحبين برقا فلا يسأل الجناب الكريم عن قلب تألم وصدر صامت بالهموم ولكنه بجراح الأشجان تكلم ولسان أنشد - طويل -
( ألا ليتني حملت ما بك من ضنى ... على ان لي منه الأذى ولك الأجر )
ثم لطف الله تعالى وعجل خبر العافية المأمولة والصحة المقبلة عقيب الدعوات المقبولة فيا لها مسرة شملت ومبرة كملت وتهنئة جمعت قلوب الأوداء وجملت وأعضاء فدتها عيون المها فنقلت عنها صفات السقام وحملت وعافية حولت إلى قلوب الأعداء المرض وجوهر جسد طاهر زال عنه بأس العرض فهنيئا له بهذه الصحة المتوافرة الوافية والحمد لله ثم الحمد لله على أن جمع بين حصول الأجر ووصول العافية وعلى أن حفظ ذاته الكريمة وحفظها هو المقدمة الكافية الشافية - كامل -
( وتقاسم الناس المسرة بينهم ... قسما فكان اجلهم قسما أنا )
والله تعالى يسبغ عليه ظلال نعمه ويحفظه حيث كان في نفسه وأهله وخدمه وكما سر الأحباب بخبر عافيته كذلك يسرهم بعيان مقدمه

أجوبة التهنئة بالإبلال من المرض والعافية
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع يجب أن تكون مبنية على وصف الألم وصورته وما تفضل الله تعالى به من إماطته وشكر المهني باهتمامه وعنايته
وهذه أمثلة من ذلك
من زهر الربيع
أدام الله نعمته وشكر منته وأدال دولته وأعلى قدره وكلمته وحتم على الألسنة شكره والقلوب محبته ولا زالت التهاني من جهته وافدة والبشائر واردة
وينهي ورود الكتاب الذي أعدته يد المعالي فعاد كريما وشاهد حسن منظره فصار وجهه وسيما وأنه وقف عليه وأحاط علما بكل ما أشار المولى إليه فذكره أنسا كان بخدمته لم ينسه وجدد له وجدا ما زال يجد في قلبه ونفسه عينه ونفسه ونشر من مآثره المأثورة وفضائله المرقومة في صفائح الصحائف المسطورة ما شنف به وشرف وشوق إلى لقائه وشوف وأقام البرهان على ذكي فطنته وزكي فطرته وعلم ما أنعم به وتفضل واحسن وتطول من تهنئة المملوك بالإبلال من مرضه والبرء من سقمه والتخلص من يدي وجعه وألمه وسر بورود كريم مشرفته أعظم من سروره بلباس ثوب عافيته وبدوام مجده وسعادته أكثر من صحة مزاجه واستقامته فإن مكارم المولى كالحدائق الناضرة ومنزلته أعز في القلوب من الأحداق الناظرة
فالحمد لله الذي من بالعافية من ذلك المرض والداء الذي ألم بعرضيه فاحتوى منهما على الجوهر والعرض وطال حتى أسأمة من نفسه وعواده وآيسه من

الحياة لولا لطف الله والله لطيف بعباده وهذا ببركة المولى ودعائه الذي كان يرفعه والخواطر والأسماع مع بعد الشقة تشهد به وتسمعه جعل الله التهاني مع الأبد واردة منه وإليه وشكر إنعامه وأتم نعمته عليه إن شاء الله تعالى
قلت وكتبت للمقر العلائي علاء الدين الكركي وهو يومئذ كاتب السر الشريف في الدولة الظاهرية برقوق في سلطنته الثانية وقد برأ من مرض نظما - بسيط -
( أفديه من جسد قد صح من سقم ... فبات جوهره خال من العرض )
( فاستبشرت بعلي القوم شيعته ... ومات حاسده بالسقم والمرض )

الضرب التاسع التهنئة بقرب المزار
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
قرب الله مزاره وادنى جواره وأعان أعوانه ونصر أنصاره ولا زالت الأنفس لقربه مسرورة ورايات مجده في الملإ الأعلى واحزاب الإسلام بهيبته على أعداء الدين منصوره
المملوك يقبل الباسطة العالية بسط الله ظلها وشكر على الأولياء فضلها وينهي أنه اتصل به طيب أخباره وقرب مزاره فتضاعف شوقه وتزايد توقه وهيجت صبابته لاعجه وسهلت إلى نيل المسرة طرقه ومناهجه - وافر

( وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار )
فالله يقرب من أمد التلاقي بعيدا ويجعل رداء الاجتماع بخدمته قشيبا جديدا

الضرب العاشر التهنئة بنزول المنازل المستجدة
فمن ذلك من إنشاء علي بن خلف
أشرف المنازل رقعة وأترفها بقعة وأرفعها رفعة ما اتخذه مولانا لنفسه موطنا وجعله بنزوله فيه حرما آمنا وصيره بمخصب مكارمه للعفاة مرادا ومقصدا وبمعذب نوافله للظماة مشرعا وموردا وللسؤدد بمجده معقلا وللرياسة بشرفه منزلا والله تعالى يجعل هذه الدار التي تديرها وحلها وحط بها رحله ونزلها مأهولة ببقائه آنسة بسبوغ نعمائه عامرة بسعادته مشيدة بتناصر عزه وزيادته لا تخطئها حوائم الآمال ولا تتخطاها ديم الإقبال ويعرفه من بركتها ويمن عتبتها ما يقضي بامتداد الأجل وانفساح الأمل وبلوغ الأماني واتصال التهاني بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
ومن ذلك
وينهي أنه قد اتصل بالمملوك تحول مولانا إلى المنزل المنشإ الجديد ذي الطالع السعيد والطائر الحميد فسألت الله تعالى أن يبوئه منه المبوأ الكريم ويمتعه فيه بالدعة والنعيم والنماء والمزيد والعيش الرغيد ويجعله واصلا لحبله مأهولا بأهله ويعرفه بركة عتبته ويمليه ببهائه ونضارته وحصل للمملوك السرور بأن بلغه الله الوطر في سكنى ما عمر وأناله الأمل والالتذاذ بخدمته والسرور بافتضاض عذرته إن شاء الله تعالى
ومن ذلك

مولانا أمتع الله بوجوده غني عن الهناء بمنزل ينزله ومحل يحله إذ الله سبحانه وتعالى قد كثر أوطانه وآدره وبلغه في تمام عمارتها وانفساحها وطره وخصه بأفضلها معانا وأشرفها مكانا والمستوجب في الحقيقة للهناء هو الموضع الذي اختاره دارا وارتضاه مستقرا وعرف المملوك انتقاله لا زال يتنقل في بروج السعد ويأوي إلى ظل ظليل من المجد إلى الدار الفلانية لا زالت جامعة لشمله مأنوسة بأهله فعدل عن خدمته بالهناء إلى إخلاص الدعاء بأن يعرفه الله تعالى يمنها وبركتها ويريه إقبالها وسعادتها ويقرن تحوله إليها بأيمن طائر وأبرك طالع فإن للحركات أوقاتا محمودة ومذمومة فإذا اعتنى الله تعالى بعبد من عبيده وفرض له نصيبا من تأييده وفقه للحركة في الزمن السعيد والوقت الحميد لتكون مصايره مشاكلة لمباديه وأعجازه مشابهة لهواديه والله تعالى يجعل بابها محطا للقصاد ومناخا للوفاد ومزارا للعفاة وملاذا للعناة ويصل بها حبله وينشي بها طفله ويضاعف باستيطانها أنسه ويسر بتبوئها نفسه إن شاء الله تعالى
أبو الفرج الببغاء
أسعد المنازل وأشرف المواطن ما استوطنه أيده الله وتبواه وتخيره لنفسه وارتضاه فغدا بشخصه وطن الإقبال وبفائض كرمه حرم الآمال وبشرفه للسؤدد معقلا وبنبله للرياسة منزلا فعرفه الله يمن هذه الدار المعمورة بحلول البركات المحفوفة بتناصر السعادات وجعلها وكل ربع يقطنه ومحل يسكنه مبشرا بامتداد بقائه وآهلا بالزيادة في نعمائه
وله في مثله

كل وطن يحله أيده الله ويقطنه ومحل يتخيره ويسكنه مقصود بالشكر والثناء آهل بالحمد والدعاء لا يتخطاه متوارد الآمال ولا تنقطع عنه مواد الإقبال ولذلك صار هذا المنزل السعيد من فضائل الأرض ومحاسنها ونجع الآمال ومعادنها فعرفه الله يمنه وبركته وإقباله وسعادته وقرن انتقاله إليه بأسبغ نعمة وأكمل سلامة وأبسط قدرة وأعلى رتبة
وله في مثله
عرفه الله من بركة هذا المنزل المورود والفناء المقصود ما يوفي على سالف ما أولاه من تكامل البركات وتناصر السعادات وجعل مستقره فيه مقرونا بنمو الحال وتتابع الإقبال في أفسح المدد وأطولها وأنجح المطالب وأفضلها وعمر أوطان المكارم بإقباله وعضد الأماني باتساع نعمائه

أجوبة التهنئة بقرب المزار ونزول المنازل المستجدة
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع يجب أن تبنى على الاعتداد للمهني بتعهده والشكر له على تودده والابتهاج بهنائه والتبرك بدعائه وأن المستجد غير مباين لمنزله ولا خارج عن أحكام محله وأن تمام بركته أن يؤنس فيه بزيارته وما يشابه هذا
الضرب الحادي عشر نوادر التهاني وهي خمسة أصناف
الصنف الأول تهنئة الذمي بإسلامه
فمن ذلك ما أورده أبو الحسين بن سعد في ترسله وهو
وما زالت حالك ممثلة لنا جميل ما وهب الله فيك حتى كأنك لم تزل

بالإسلام موسوما وإن كنت على غيره مقيما وقد كنا مؤملين لما صرت إليه ومشفقين لك مما كنت عليه حتى إذا كاد إشفاقنا يستعلي على رجائنا أتت السعادة فيك بما لم تزل الأنفس تعد منك ونسأل الله الذي نور لك في رأيك وأضاء لك سبيل رشدك أن يؤهلك لصالح الأعمال وأن يؤتيك في الدنيا حسنة ويقيك عذاب النار
ومن ذلك من كلام أبي العيناء
ولتهنئك نعمة الله عليك في أخوة المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان والحمد لله الذي فوز قدحك وأعلى كعبك وأنقذ من النار شلوك وخلصك من لبس الشك وحيرة الشرك فأصبحت قد استبدلت بالأديار المساجد وبالآحاد الجمع وبقبلة الشام البيت الحرام وبتحريف الإنجيل صحة التنزيل وبأوثان المشركين قبلة الموحدين وبحكم الأسقف رأس الملحدين حكم أمير المؤمنين وسيد المرسلين فهنأك الله ما أنعم به عليك وأحسن فيه إليك وذكرك شكره وزادك بالشكر من فضله

أجوبة التهنئة بإسلام ذمي
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع ينبغي أن تكون مبنية على شكر المهنإ للمهنيء واعترافه بنعمة الله تعالى عنده وابتهاجه بممازجته في الدين الذي جعل الله أهله إخوانا متصافين وخلانا متوافين ومن عليهم به وبإماطة

الحسائف من قلوبهم ونحو هذا
الصنف الثاني التهنئة بالختان وخروج اللحية
فمن ذلك تهنئة لأمير بختان ولدين له
فمن خصائص ما حباه الله بعد الذي قدم له في نفسه نفس الله مدتها ووسع له مهلتها وأفنى الأعداد دون فنائها والأعمار دون تصرمها وانتهائها من الفضائل المشهورة والمحاسن المذكورة والمناقب المأثورة وأقسام الفضل الذي ينقضي دون تصرم منازله وصف الواصف إذا أفرط وينتهي دون أيسرها أمل الآمل إذا اشتط ما وهب الله له من أولاد سادة فضلهم في الأخلاق والصور وأكملهم في الأجسام والمرر وقدمهم في العقول والأفهام والقرائح والألباب ولم يجعل للمعيب فيهم سيمة ولا للإناث بينهم شركة حتى يكون مسلما لهم قصب العلا والمفاخر وصدور الأسرة والمنابر من غير منازع ولا مقارع ولا مساهم ولا مقاسم وزادهم من النماء في النشء والبركة واليمن بما يؤذن الحاضر منه بالغابر ويدل البادي على الآخر وعدا من الله تعالى ذكره لهم بأوفى السعادات وأكمل الخيرات وأعلى الدرجات أرجو أن يجعل الله النجح قرينه والنجاة ذريعته وما أولاه فيهم في هذه الحال الحادثة التي يعدق الله بها أداء الفريضة وكمال الشريعة ويقع التطير بالختان الذي جعله الله من شروط الإيمان وفرضه على جميع الأديان من السلامة على عظم الخطر وشدة الغرر في إمضاء الحديد على أعضاء ناعمة وإيصال الألم إلى قلوب وادعة لم تقارع نصبا ولم تعان وصبا

واجتمع فيه إلى رقة الصبا وضعف الأسر والقوى اعتياد الرحمة ومخالفة الترفه والتنقل بين الشهوات على أن كل واحد من الأميرين شهد المعركة أعزل حاسرا وباشر الحرب مغررا مخاطرا فثبت لوقع السلاح وصبر على ألم الجراح وأبلى بلاء الفارس المدجج والكمي المقنع ثم خرج خروج شبل الليث وفرخ العقاب كالقدح المعلى والشهاب الساطع والنجم الثاقب وكان فلان أكثرهما تغيرا في وجه قرنه وسطوة على منازله وكل قد حصل فوق الخصل وحوى فضيلة السبق واستحق اسم البأس والشدة وحلية البسالة والنجدة
ومن ذلك ما اورده أبو الحسين بن سعد في كتابه
الحمد لله الذي كساك باللحية حلة الوقار ورداك رداء ذي السمت من الأبرار والأخيار وصانك عن ميسم الصبا ومطامع أهل الهوى بما جللك من اللحية البهية وألبسك من لباس ذوي اللب والروية وألحقك في متصرفاته بمن يستقل بنفسه ساعيا ويستغني عمن صحبه حافظا وجعل ما جمل من صورتك وكمل من ادائك وآلتك قرنا لمن جاذبك وخصما لمن نازعك ونفى عنك ذلة الاحتقار من أهل المراتب والأخطار تستوي بهم في المجالس الحافلة وتجري مجراهم في المشاهد الجامعة مسموعا قولك إذا قلت ومصغى إليك إذا نطقت آمنا من انصراف الأبصار عنك لقرب ولادك ومن عدم الاستماع لحديثك لقلة الثقة بسدادك وجاريا مجرى كملة الرجال على الجملة إلى أن يكشف الله مخابرك بالمحنة وتعطى المهابة من الداعر العادي ومن السبع الضاري ولو كان عاريا من هذه الكسوة الشريفة والحلية الملحوظة لسيقت إلى الازدراء بالأعين والاستصغار بالقلوب والألسن أصناف الحيوان من البهيمة والإنسان ثم لا يحس من نفسه قوة على الدفع عنها ولا من صرعته ثباتا على يدها فيه وتلك نعمة من الله جل وعز حباك

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39