كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

ملك بعده أدريانوس ستا وثلاثين سنة فأصابته علة الجذام فسار إلى مصر يطلب طبا لذلك فلم يظفر به ومات بعلته ثم ملك بعده ايطيثيوس ويقال أبطاوليس ثلاثا وعشرين سنة وهو الذي بنى بيت المقدس بعد تخريبه الثانية وسماه إبليا ومعناه بيت الرب وهو أول من سماه بذلك ثم ملك بعده مرقوس ويقال قومودوس سبع عشرة سنة ثم ملك بعده قومودوس ثلاث عشرة سنة وكان دين النصارى قد ظهر في أيامه وفي زمنه كان جالينوس الحكيم ثم ملك بعده قوطنجوس ستة أشهر ثم ملك بعده سيوارس ثماني عشرة سنة ثم ملك بعده ايطيثيوس الثاني أربع سنين ثم ملك بعده اسكندروس ثلاث عشرة سنة ثم ملك بعده بكسمينوس ثلاث سنين ثم ملك بعده خورديانوس ست سنين ثم ملك بعده دقيانوس وقيل دقيوس سنة واحدة فقتل النصارى وأعاد عبادة الأصنام ومنه هرب الفتية أصحاب الكهف وكان من أمرهم ما قص الله تعالى في كتابه العزيز ثم ملك بعده غاليوس ثلاث سنين ثم ملك بعده علينوس وولديانوس اشتركا في الملك وقيل إن ولديانوس انفرد بالملك بعد ذلك وأقام فيه خمس عشرة سنة ثم ملك بعده قلوديوس سنة واحدة ثم ملك بعده اردياس ويقال أردليانوس ست سنين ثم ملك بعده قروقوس سبع سنين ثم ملك بعده ياروس وشركته سنتين ثم ملك بعده دقلطيانوس إحدى وعشرين سنة وهو آخر عبدة الأصنام من ملوك الروم وبمهلكه تؤرخ النصارى إلى اليوم وعصي عليه أهل مصر فسار إليهم من رومية وقتل منهم خلقا عظيما وهم الذين يعبر عنهم النصارى الآن بالشهداء

ثم ملك بعده قسطنطين المظفر إحدى وثلاثين سنة فسار من رومية إلى قسطنطينية وبنى سورها واستقرت دار ملكهم وأظهر دين النصرانية وحمل الناس عليه ثم ملك بعده ابنه قسطنطين فشيد دين النصرانية وبنى الكنائس الكثيرة ثم ملك بعده إليانوس ويقال إليانس سنة واحدة وهو ابن أخي قسطنطين المتقدم ذكره فرفض دين النصرانية ورجع إلى عبادة الأصنام وبموته خرج الملك عن بني قسطنطين ثم ملك بعده بطريق من بطارقه الروم اسمه بوثيانوس ويقال سيوتيانوس سنة واحدة فأعاد دين النصرانية ومنع عبادة الأصنام ثم ملك بعده قالنطيانوس أربع عشرة سنة ثم ملك بعده خرطيانوس ثلاث سنين ثم ملك بعده باردوسيوس الكبير تسعا وأربعين سنة ثم ملك بعده ادقاديوس بقسطنطينية وشطريمه أويوريوس برومية ثلاث عشرة سنة ثم ملك بعدهما مرقيانوس سبع سنين وهو الذي بني دير مارون بحمص ثم ملك بعده والطيس سنة واحدة ثم ملك بعده لاون الكبير سبع عشرة سنة ثم ملك بعده زيتون ثمان عشرة سنة ثم ملك بعده اسطيسوس سبعا وعشرين سنة وهو الذي عمر أسوار مدينة حماة ثم ملك بعده بوسيطيتنوس تسع سنين ثم ملك بعده بوسيطينتوس الثاني ثمانيا وثلاثين سنة ثم ملك بعده طبريوس ثلاث سنين ثم ملك بعده طبريوس الثاني أربع سنين ثم ملك بعده ماريقوس ثمان سنين ثم ملك بعده ماريقوس الثاني ويقال مرقوس اثنتي عشرة سنة ثم ملك بعده قوقاس ثمان سنين ثم ملك بعده هرقل واسمه بالرومية أوقليس وهو الذي كتب إليه النبي يدعوه إلى الإسلام وكانت الهجرة النبوية في السنة الثانية عشرة من ملكه

قال المسعودي وفي تواريخ أصحاب السير أن رسول الله هاجر وملك الروم قيصر بن قوق ثم ملك الروم بعده قيصر بن قيصر وذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وهو الذي حاربه أمراء الإسلام بالشام واقتلعوا الشام منه
والذي ذكره في التعريف في مكاتبة الأذفونش صاحب طليطلة من ملوك الفرنج بالأندلس أن هرقل الذي هاجر النبي في زمنه وكتب إليه لم يكن الملك نفسه وإنما كان متسلم الشام لقيصر وقيصر بالقسطنطينية لم يرم وأن النبي إنما كتب لهرقل لأنه كان مجاورا لجزيرة العرب من الشام وعظيم بصرى كان عاملا له ويظهر أن قيصر الأخير الذي ذكره هو الذي كان المقوقس عاملا له على مصر
ويقال إن المقوقس تقبل مصر من هرقل بتسعة عشر ألف ألف دينار
واعلم أنه كان الحال يقتضي أن نذكر نواب من تقدم من ملوك الروم واليونان والفرس على مصر ولكن أصحاب التواريخ لم تعتن بأمر ذلك فتعذر العلم به
وإذا ذكر الأصل استغني به عن الفرع
وذكر القضاعي أنه بعد عمارة مصر من خراب بختنصر ظهرت الروم

وفارس على سائر الملوك التي وسط الأرض فقاتلت الروم أهل مصر ثلاث سنين إلى أن صالحوهم على شيء في كل عام على أن يكونوا في ذمتهم ويمنعوهم من ملوك فارس ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشام وألحوا على مصر بالقتال ثم استقر الحال على خراج مصر أن يكون بين فارس والروم في كل عام وأقاموا على ذلك تسع سنين ثم غلبت الروم فارس وأخرجوهم من الشام وصار ما صولحت عليه أهل مصر كله خالصا للروم وجاء الإسلام والأمر على ذلك

المرتبة الثالثة من وليها في الإسلام من بداية الأمر إلى زماننا وهم على
ضربين
الضرب الأول فيمن وليها نيابة وهو الصدر الأول وهم على ثلاث طبقات
الطبقة الأولى عمال الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم
قد تقدم أنها لم تزل بيد الروم والمقوقس عامل عليها إلى خلافة عمر رضي الله عنه ولم تزل كذلك إلى أن فتحها عمرو بن العاص والزبير بن العوام في سنة عشرين من الهجرة وقيل سنة تسع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووليها عمرو بن العاص من قبل عمر وهو أول من وليها في الإسلام وبقي عليها إلى سنة خمس وعشرين وبنى الجامع العتيق بالفسطاط ثم وليها عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أبو يحيى العامري فمكث فيها

إحدى عشرة سنة وتوفي سنة ست وثلاثين ثم وليها عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قيس بن سعد الخزرجي في أول سنة سبع وثلاثين ثم وليها عنه مالك بن الحارث النخعي المعروف بالأشتر في وسط سنة سبع وثلاثين وكتب له عنه عهدا يأتي ذكره في الكلام على العهود إن شاء الله تعالى فسم ومات قبل دخوله إلى مصر ثم وليها عنه محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في آخر سنة سبع وثلاثين فمكث دون السنة ثم وليها عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عمرو بن العاص ثانيا سنة ثمان وثلاثين خمس سنين وتوفي بها سنة ثلاث وأربعين ثم وليها عنه عقبة بن عامر الجهني في سنة أربع وأربعين فمكث فيها ثلاث سنين وكسرا ثم وليها عنه مسلمة بن مخلد الخزرجي سنة سبع وأربعين فمكث فيها خمس عشرة سنة

الطبقة الثانية عمال خلفاء بني أمية بالشام
لما أفضت الخلافة بعد معاوية إلى ابنه يزيد وليها عنه سعيد بن يزيد بن علقمة الأزدي في سنة اثنتين وستين فمكث فيها سنتين وكسرا ثم

وليها عنه عبد الرحمن الفهري في سنة أربع وستين وأقره على الولاية بعد يزيد ابنه معاوية ثم مروان بن الحكم فمكث فيها اثنتين وعشرين سنة ثم وليها عن عبد الملك بن مروان عبد الله بن عبد الملك بن مروان في أول سنة ست وثمانين فمكث فيها خمس سنين ثم وليها عنه قرة بن شريك في سنة تسعين وأقره عليها الوليد بن عبد الملك بعده فمكث فيها سبع سنين ثم وليها عن سليمان بن عبد الملك عبد الملك بن رفاعة في سنة سبع وتسعين فمكث فيها ثلاث سنين وكسرا ثم وليها عن عمر بن عبد العزيز أيوب بن شرحبيل الأصبحي آخر سنة تسع وتسعين فمكث فيها سنتين وستة أشهر ثم كانت خلافة يزيد بن عبد الملك فوليها عنه بشر بن صفوان الكلبي سنة إحدى ومائه فمكث فيها سنتين وستة أشهر أيضا ثم وليها عن هشام بن عبد الملك محمد بن عبد الملك أخو هشام في سنة خمس

ومائة فمكث فيها أشهرا ثم وليها عنه عبد الله بن يوسف الثقفي في ذي الحجة سنة خمس ومائة فمكث فيها أربع سنين وستة أشهر ثم وليها عنه عبد الملك بن رفاعة ثانيا في سنة تسع ومائة وعزل فيها ثم وليها عنه الوليد أخو عبد الملك بن رفاعة في سنة تسع المذكورة فمكث فيها عشر سنين وكسرا وتوفي سنة تسع عشرة ومائة ثم وليها عنه عبد الرحمن الفهري ثانيا في آخر سنة تسع عشرة ومائة فأقام بها سبعة أشهر ثم وليها عنه حنظلة بن صفوان ثانيا في سنة عشرين ومائة فمكث فيها سنين وكسرا وعزل ثم وليها عن مروان بن محمد الجعدي فوليها عنه حسان بن عتابة التجيبي سنة سبع وعشرين ومائة فمكث فيها خمس سنين أو دونها ثم وليها عنه حفص بن الوليد سنة ثمان وعشرين ومائة فمكث فيها ثلاث سنين وستة أشهر ثم وليها عنه الفزاري سنة إحدى وثلاثين ومائة

فمكث فيها سنة واحدة ثم وليها عنه عبد الملك بن مروان مولى لخم سنة إحدى وثلاثين ومائة وهو آخر من وليها عن بني أمية

الطبقة الثالثة عمال خلفاء بني العباس بالعراق
أول من وليها في الدولة العباسية عن أبي العباس السفاح أول خلفائهم صالح بن علي بن عبد الله بن عباس سنة ثلاث وثلاثين ومائة فمكث فيها أشهرا قلائل ثم وليها عنه عبد الملك مولى بني أسد آخر سنة ثلثا وثلاثين ومائة فمكث فيها ثلاث سنين ثم وليها عنه صالح ببن علي ثانيا في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة
ثم وليها عن أبي جعفر المنصور عبد الملك سنة تسع وثلاثين ومائة فمكث فيها ثلاث سنين ثم وليها عنه النقيب التميمي سنة إحدى وأربعين ومائة فمكث فيها سنتين ثم وليها عنه حميد الطائي سنة ثلاث وأربعين ومائة فمكث فسها سنة واحدة ثم وليها عنه يزيد المهلبي سنة أربع وأربعين ومائة فمكث فيها تسع سنين ثم وليها عنه عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية سنة اثنتين وخمسين ومائة فمكث فيها سنتين وستة أشهر ثم وليها عنه محمد بن عبد الرحمن بن معاوية سنة أربع وخمسين ومائة فمكث فيها سنة واحدة ثم وليها عنه موسى بن علي اللخمي

في سنة خمس وخمسين ومائة فمكث فيها سنتين وستة أشهر
ثم وليها عن المهدي عيسى الجمحي سنة إحدى وستين ومائة فمكث فيها سنة واحدة ثم وليها عنه واضح مولى المنصور في سنة اثنتين وستين ومائة ثم وليها عنه زيد بن منصور الحميري في وسط سنة اثنتين وستين ومائة ثم وليها عنه يحيى أبو صالح في ذي الحجة من السنة المذكورة ثم وليها عنه سالم بن سوادة التميمي سنة أربع وستين ومائة ثم وليها عنه إبراهيم العباسي في سنة خمس وستين ومائة ثم وليها عنه معين الدين ختهم في سنة ست وستين ومائة
ثم وليها عن الهادي أسامة بن عمرو العامري في سنة ثمان وستين ومائة ثم وليها عنه الفضل بن صالح العباسي في سنة تسع وستين ومائة ثم وليها عنه علي بن سليمان العباسي آخر السنة المذكورة
ثم وليها عن الرشيد موسى العباسي في سنة اثنتين وسبعين ومائة ثم وليها عنه محمد بن زهير الأزدي سنة ثلاث وسبعين ومائة ثم وليها عنه

داود بن يزيد المهلبي سنة أربع وسبعين ومائة ثم وليها عنه موسى بن عيسى العباسي سنة خمس وسبعين ومائة ومات بها ثم وليها عنه عبد الله بن المسيب الضبي في أول سنة سبع وسبعين ومائة ثم وليها عنه هرثمة بن أعين سنة ثمان وسبعين ومائة ثم وليها عنه عبد الملك العباسي في سلخ ذي الحجة من السنة المذكورة ثم وليها عنه عبيد الله بن المهدي العباسي في سنة تسع وسبعين ومائة ثم وليها عنه موسى بن عيسى التنوخي في آخر سنة ثمانين ومائة ثم وليها عنه عبيد الله بن المهدي ثانيا سنة إحدى وثمانين ومائة ثم وليها عنه إسماعيل بن صالح في آخر السنة المذكورة ثم وليها عنه إسماعيل بن عيسى بن موسى سنة اثنتين وثمانين ومائة ثم وليها عنه الليث البيوردي في آخر السنة المذكورة ثم وليها عنه أحمد بن إسماعيل في آخر سنة تسع وثمانين ومائة ثم وليها عنه عبد الله بن محمد العباسي المعروف بابن زينب في سنة تسعين ومائة ثم وليها عنه مالك بن دلهم الكلبي سنة اثنتين وتسعين ومائة ثم وليها عنه أو عن الأمين الحسين بن

الحجاج سنة ثلاث وتسعين ومائة
ثم وليها عن الأمين حاتم بن هرثمة بن أعين سنة خمس وتسعين ومائة ثم وليها عنه عباد أبو نصر مولى كندة سنة ست وتسعين ومائة ثم وليها عنه أو عن المأمون المطلب بن عبد الله الخزاعي سنة ثمان وتسعين ومائة
ثم وليها عن المأمون العباس بن موسى سنة ثمان وتسعين ومائة ثم وليها عنه المطلب بن عبد الله ثانيا في سنة تسع وتسعين ومائة ثم وليها عنه السري بن الحكم في سنة مائتين ثم وليها عنه سليمان بن غالب في سنة إحدى ومائتين ثم وليها عنه أبو نصر محمد بن السري في سنة خمس ومائتين ثم وليها عنه عبيد الله في سنة ست ومائتين ثم وليها عنه عبد الله بن طاهر مولى خزاعة في سنة عشر ومائتين وهو أول من جلب البطيخ الخراساني المعروف بالعبدلي من خراسان إلى مصر فنسب إليه ثم وليها عنه عيسى الجلودي في سنة ثلاث عشرة ومائتين ثم وليها عنه عمرو بن الوليد التميمي في سنة أربع عشرة ومائتين ثم وليها عنه عيسى الجلودي ثانيا في آخر السنة المذكورة ثم وليها عنه عبدويه بن جبلة في سنة خمس عشرة ومائتين ثم وليها عنه عيسى بن منصور مولى بني نصر في سنة ست عشرة ومائتين

وفي هذه السنة دخل المأمون مصر وفتح الهرم
ثم وليها عن المعتصم بالله المسعودي في أول سنة تسع عشرة ومائتين ثم وليها عنه المظفر بن كيدر في وسط السنة المذكورة أشهرا قلائل ثم وليها عنه موسى بن أبي العباس في آخر السنة المذكورة ثم وليها عنه مالك بن كيدر في سنة أربع وعشرين ومائتين ثم وليها عنه علي بن يحيى في سنة ست وعشرين ومائتين
ثم وليها عن الواثق بالله عيسى بن منصور الجلودي ثانيا في سنة تسع وعشرين ومائتين ثم وليها عن المتوكل علي بن يحيى ثانيا في سنة أربع وثلاثين ومائتين ثم وليها عنه إسحاق الختلي في سنة خمس وثلاثين ومائتين ثم وليها عنه خزاعة في سنة ست وثلاثين ومائتين ثم وليها عنه عنبسة الضبي في سنة ثمان وثلاثين ومائتين ثم وليها عنه يزيد بن عبد الله في سنة اثنتين وأربعين ومائتين وأقره عليها بعده المنتصر بالله ثم المستعين بالله
ثم وليها عن المستعين بالله مزاحم بن خاقان في سنة ثلاث وخمسين

ومائتين ثم وليها عنه أحمد بن مزاحم في سنة أربع وخمسين ومائتين وأقره عليها المهتدي بالله

الضرب الثاني من وليها ملكا وهم على أربع طبقات
الطبقة الأولى من وليها عن بني العباس قبل دولة الفاطميين
وأولهم أحمد بن طولون وليها عن المعتمد في سنة ست وستين ومائتين وعمر بها جامعه المتقدم ذكره في خطط الفسطاط وفي أيامه عظمت نيابة مصر وشمخت إلى الملك وهو أول من جلب المماليك الترك إلى الديار المصرية واستخدمهم في عسكرها
وأقره المعتضد بالله بعد المعتمد وبقي بها حتى مات فوليها عن المعتضد خمارويه بن أحمد بن طولون في أول سنة اثنتين وثمانين

ومائتين وقتله جنده في السنة المذكورة ثم وليها عنه جيش بن خمارويه في سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقتله جنده في السنة المذكورة ثم وليها عنه هارون بن خمارويه في آخر سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقتل في سنة اثنتين وتسعين
ثم وليها عن المكتفي بالله شيبان بن أحمد بن طولون في سنة اثنتين وتسعين ومائتين فبقي اثني عشر يوما وعزل ثم وليها عنه محمد بن سليمان الواثقي في آخر سنة وتسعين ومائتين ثم وليها عنه أو عن المقتدر بالله عيسى النوشري في سنة خمس وتسعين ومائتين
ثم وليها عن المقتدر بالله أبو منصور تكين في سنة سبع وتسعين ومائتين وعزل ثم وليها عنه أبو الحسن في سنة ثلاث وثلاثمائة وعزل ثم وليها عنه أبو منصور تكين ثانيا سنة سبع وثلاثمائة وعزل ثم وليها عنه هلال سنة تسع وثلاثمائة ثم وليها عنه أحمد بن كيغلغ في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة ثم

وليها عنه أبو منصور تكين ثالث مرة في السنة المذكورة
ثم وليها عن القاهر بالله محمد بن طغج في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة
ثم وليها عنه أحمد بن كيغلغ ثانيا في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة
وأقره عليها المكتفي ثم المستكفي بالله بعده
ثم وليها عن المطيع لله أبو القاسم الإخشيد في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة ثم وليها عنه علي بن الإخشيد سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ثم وليها عنه كافور الإخشيدي الخادم في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وكان يحب العلماء والفقهاء ويكرمهم ويتعاهدهم بالنفقات ويكثر الصدقات حتى استغنى الناس في أيامه ولم يجد أرباب الأموال من يقبل منهم الزكاة فرفعوا أمر ذلك إليه فأمرهم أن يبتنوا بها المساجد ويتخذوا لها الأوقاف ففعلوا ثم وليها عنه أحمد بن علي الإخشيد في سنة سبع وخمسين وثلثمائة وهو آخر من وليها من العمال عن خلفاء بني العباس بالعراق

الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين المعروفين بالعبيديين
أول من وليها منهم المعز لدين الله أبو تميم معد بن تميم بن إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهدي وإليه ينسبون جهز إليها قائده جوهرا من بلاد المغرب إلى الديار المصرية ففتحها في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة على ما تقدم في الكلام على قواعد الديار المصرية وانقطعت الخطبة العباسية منها ورحل المعز من المغرب إلى مصر فوصل إليها ودخل قصره بالقاهرة في سابع رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وصارت مصر والمغرب مملكة واحدة وبلاد المغرب نيابة من مصر
وتوفي ثالث ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلثمائة

ثم ولي بعده ابنه العزيز بالله أبو المنصور يوم وفاة أبيه وإليه ينسب الجامع العزيزي بمدينة بلبيس وتوفي بالحمام في بلبيس ثامن رمضان المعظم قدره سنة ست وثمانين وثلاثمائة
ثم ولي بعده ابنه الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور ليلة وفاة أبيه وبنى الجامع الحاكمي في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وهو يومئذ خارج سور القاهرة وفارق مصر وخرج إلى الجبل المقطم فوجدت ثيابه مزررة الأطواق وفيها آثار السكاكين ولا جثة فيها وذلك في سلخ شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة ولم يشك في قتله
والدرزية من المبتدعة يعتقدون أنه حي وأنه سيرجع ويعود على ما سيأتي في الكلام على أيمانهم وتحليفهم إن شاء الله تعالى
ثم ولي بعده ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي وبقي حتى توفي في شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة
ثم ولي بعده ابنه المستنصر بالله أبو تميم معد بعد وفاة أبيه
وفي أيامه جدد سور القاهرة الكبير في سنة ثمانين وأربعمائة
وتوفي في ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة
وفي أيامه كان الغلاء الذي لم يعهد مثله مكث سبع سنين حتى خربت مصر ولم يبق بها إلا صبابة من الناس على ما تقدم في سياقة الكلام على زيادة النيل
ثم ولي بعده ابنه المستعلي بالله أبو القاسم أحمد يوم وفاة أبيه
وتوفي لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة
ثم ولي بعده الآمر بأحكام الله أبو علي المنصور في يوم وفاة المستعلي وقتل بجزيرة مصر في الثالث من ذي القعدة سنة خمس وعشرين وخمسمائة
ثم ولي بعده ابن عمه الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد الحميد بن الآمر

أبي القاسم محمد يوم وفاة الآمر
وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة
ثم ولي بعده الظافر بأمر الله إسماعيل رابع جمادى الآخرة سنة أربعين وخمسمائة
ثم ولي بعده ابنه الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى صبيحة وفاة رجب أبيه
وتوفي في سابع عشر شهر رجل الفرد سنة خمس وخمسين وخمسمائة
ثم ولي بعده ابنه العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف يوم وفاة الفائز
وتوفي يوم عاشوراء سنة أربع وستين وخمسمائة بعد أن قطع السلطان صلاح الدين خطبته بالديار المصرية وخطب للخلفاء العباسيين ببغداد قبل موته وهو آخر من ولي منهم

الطبقة الثالثة ملوك بني أيوب
وهم وإن كانوا يدينون بطاعة خلفاء بني العباس فهم ملوك مستقلون وفي دولتهم زاد ارتفاع قدر مصر وملكها
أول من ملك مصر منهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام رحمه الله قد جهزه صحبة عمه أسد الدين شيركوه إلى الديار المصرية حين استغاث به أهل مصر في زمن العاضد الفاطمي المتقدم ذكره لغلبة الفرنج عليهم ثلاث مرات انتهى الحال في آخرها إلى أن السلطان صلاح الدين وثب على شاور وزير العاضد المذكور فقتله وتقلد عمه أسد الدين شيركوه الوزارة مكانة عن العاضد وكتب له بذلك عهد من إنشاء القاضي الفاضل فأقام فيها مدة قريبة ومات ففوض العاضد الوزارة مكانة للسلطان صلاح الدين وكتب له عهد من إنشاء القاضي الفاضل أيضا وبقي في الوزارة حتى ضعف العاضد وطال ضعفه فقطع السلطان صلاح

الدين الخطبة للعاضد وخطب للخليفة العباسي ببغداد بأمر الملك العادل صاحب الشام ثم مات العاضد عن قريب فاستقل السلطان صلاح الدين بالسلطنة بمصر وقوي جأشه وثبتت في الدولة قدمه
وتوفي بدمشق في سنة تسع وثمانين وخمسمائة وكانت مدة ملكه بالديار المصرية أربعا وعشرين سنة وملكه الشام تسع عشرة سنة ثم ملك بعده مصر ابنه الملك العزيز وملك معها دمشق وسلمها إلى عمه العادل أبي بكر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وتفرقت بقية المماليك الشامية بيد بني عمه من بني أيوب ملك مصر والشام جميعا في ربيع الأول سنة ست وتسعين وخمسمائة وتوفي بدمشق سنة خمس عشرة وستمائة
ثم ملك بعده ابنه الملك الكامل عقيب وفاة أبيه المذكور وهو أول من سكن قلعة الجبل بعد قصر الفاطميين بالقاهرة على ما تقدم ذكره في الكلام على القلعة واستمر في ذلك عشرين سنة وفتح حران وديار بكر وكان الفرنج قد استعادوا بعض ما فتحه السلطان صلاح الدين من ساحل الشام وكتب الهدنة بينه وبين الفرنج في سنة ست وعشرين وستمائة على أن يكون بأيدي الفرنج القلاع والنواحي التي ملكوها بعد فتح السلطان صلاح الدين وهي جبلة وبيروت وصيدا وقلعة الشقيف وقلعة تبنين وقلعة هواين وإسكندرية وقلعة صفد وقلعة الطور واللجون وقلعة كوكب ومجدل يافا ولد

والرملة وعسقلان وبيت جبريل والقدس وأعمال ذلك ومضافاته
وبنى مدرسته الكاملية بين القصرين المعروفة بدار الحديث وتوفي بدمشق سنة خمس وثلاثين وستمائة
ثم ملك بعده ابنه الملك العادل أبو بكر وقبض عليه في العشر الأوسط من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة
ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل في أوائل سنة ثمان وثلاثين وستمائة
ثم ملك بعده ابنه الملك المعظم توران شاه وهو الذي كسر الفرنج على المنصورة في المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة وقتل في الثامن والعشرين من المحرم المذكور
ثم ملكت بعده أم خليل شجرة الدر في صفر سنة ثمان وأربعين وستمائة فأقامت ثمانية أشهر ولم يملك مصر في الإسلام امرأة غيرها
ثم ملك بعدها الأشرف موسى بن الناصر يوسف بن المسعود بن الكامل بن العادل أبي بكر بن أيوب في شوال سنة ثمان وأربعين وستمائة وخلع نفسه وهو آخر الملوك الأيوبية بالديار المصرية

الطبقة الرابعة ملوك الترك خلد الله تعالى دولتهم
أول من ملكها منهم الملك المعز أيبك التركماني بعد خلع الأشرف

موسى آخر ملوك الأيوبية في شوال سنة ثمان وأربعين وستمائة وجمع له بين مصر والشام واستمر الجمع بينهما إلى الآن وبنى المدرسة المعزية برحبة الخروب بالفسطاط وتزوج بأم خليل المقدم ذكرها وقتل بحمام القلعة في سنة أربع وخمسين وستمائة
ثم ملك بعده ابنه الملك المنصور علي عقيب وفاة والده المذكور
وقتلت أم خليل المذكورة ورميت من سور القلعة وقبض على المظفر سنة سبع وخمسين وستمائة
ثم ملك بعده الملك المظفر قطز وكان المصاف بينه وبين التتار على عين جالوت بعد أن استولوا على جميع الشام في رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة وكسرهم أشد كسرة واستقلع الشام منهم وبقي حتى قتل في منصرفه بطريق الشام وهو عائد منه بالقرب من قصير الصالحية على أثر ذلك في السنة المذكورة
ثم ملك بعده الملك الظاهر بيبرس البندقداري في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة وأخذ في جهاد الفرنج واستعادة ما ارتجعوه من فتوح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وغير ذلك ففتح البيرة في سنة تسع وخمسين وستمائة والكرك في سنة إحدى وستين وحمص في آخر سنة اثنتين وستين وستمائة وقيسارية وأرسوف في سنة ثلاث وستين وصفد في سنة أربع وستين ويافا والشقيف وأنطاكية في سنة ست وستين وحصن الأكراد وعكا وصافيتا في سنة تسع وستين وكسر التتار على البيرة بعد أن عدى الفرات خوضا بعساكره في

سنة إحدى وسبعين وفتح قلاعا من بلاد سيس في سنة ثلاث وسبعين ودخل بلاد الروم وجلس على كرسي بني سلجوق بقيسارية الروم ورجع إلى دمشق في آخر سنة خمس وسبعين وتوفي بدمشق في المحرم سنة ست وسبعين وستمائة وبنى مدرسته الظاهرية بين القصرين
وملك بعده ابنه الملك السعيد بركة في صفر سنة ست وسبعين وستمائة وخلع وسير إلى الكرك
وملك بعده أخوه الملك العادل سلامش في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وستمائة وبقي أربعة أشهر ثم خلع
وملك بعده الملك المنصور قلاوون الصالحي الشهير بالألفي في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمي الألفي لأن اقسنقر الكاملي كان قد اشتراه بألف دينار وفتح حصن المرقب بالشام في تاسع عشر ربيع الأول سنة أربع وثمانين وستمائة وفتح طرابلس في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وستمائة وهو الذي بنى البيمارستان المنصوري والمدرسة المنصورية والقبة اللتين داخل البيمارستان بين القصرين وتوفي بظاهر القاهر المحروسة وهو قاصد الغزو في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ودفن بتربته بالقبة المنصورية داخل البيمارستان المتقدم ذكره
وملك بعده ابنه الملك الأشرف خليل صبيحة وفاة أبيه وأخذ في الغزو ففتح عكا وصور وصيدا وبيروت وعثليث والساحل جميعه واقتلعه من الفرنج في رجب سنة تسعين وستمائة
وقتل في متصيده بالبحيرة في العشر الأوسط من المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة وهو الذي عمر المدرسة الأشرفية بالقرب من المشهد النفيسي
ثم ملك بعده الملك المعظم بيدرا وخلع من يومه
وملك بعده الملك الناصر محمد بن قلاوون في صفر سنة ثلاث

وتسعين وستمائة وهي سلطنته الأولى
وخلع بعد ذلك وبعث به إلى الكرك فحبس بها
وملك بعده الملك العادل كتبغا عقب خلعه ووقع في أيامه غلاء شديد وفناء عظيم ثم خلع في صفر سنة ست وتسعين وستمائة وتولى بعد ذلك نيابة صرخد ثم حماة وبقي حتى توفي بعد ذلك وهو الذي ابتدأ عمارة المدرسة المعروفة بالناصرية بين القصرين وأكمل بناءها الناصر محمد بن قلاوون فنسبت إليه
وملك بعده الملك المنصور حسام الدين لاجين في الخامس والعشرين من صفر المذكور فجدد الجامع الطولوني وعمل الروك الحسامي في رجب الفرد سنة سبع وتسعين وستمائة وقتل في الحادي عشر من شوال من السنة المذكورة وبقي الأمر شورى مدة يسيرة ثم حضر الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك وأعيد إلى السلطنة في حادي عشر شوال من السنة المذكورة
وملك بعده الملك المظفر بيبرس الجاشنكير في الثالث والعشرين من شوال المذكور وخلع في التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة

وهو الذي عمر الخانقاه الركنية بيبرس داخل باب النصر مكان دار الوزارة بالدولة الفاطمية وجدد الجامع الحاكمي
وملك بعده الملك الناصر محمد بن قلاوون في مستهل شوال من السنة المذكورة وهي سلطنته الثالثة
وفيها طالت مدته وقوي ملكه وعمل الروك الناصري في سنة ست عشرة وسبعمائة وبنى مدرسته الناصرية بين القصرين وبقي حتى توفي في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ودفن بتربة والده
ثم ملك بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر عقب وفاة والده وخلع تاسع عشر صفر اثنتين وأربعين وسبعمائة
ثم ملك بعده أخوه الملك الأشرف كجك بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه المنصور المذكور وخلع في التاسع والعشرين من شهر رجب من السنة المذكورة
ثم ملك بعده أخوه الملك الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون بعد أن أحضر من الكرك واستمر في السلطنة حتى خلع نفسه في أوائل المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون في العشرين من المحرم المذكور وبقي حتى توفي في رابع ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة
وملك بعده أخوه الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن

قلاوون يوم خلع أخيه الكامل شعبان وبقي حتى خلع في ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وقتل من يومه
ثم ملك بعده أخوه الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون في رابع عشر شهر رمضان المذكور وخلع في التاسع والعشرين من جمادى الآخر سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة
ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح صالح بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه الناصر حسن وبقي حتى خلع في ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة
ثم ملك بعده أخوه الملك الناصر حسن المتقدم ذكره مرة ثانية يوم خلع أخيه الصالح صالح وبقي حتى خلع وقتل في عاشر جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة وبنى مدرسته المعظمة تحت القلعة التي ليس لها نظير في الدنيا وفي أيامه ضربت الفلوس الجدد على ما سيأتي ذكره وهو آخر من ملك من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون لصلبه
وملك بعده ابن أخيه الملك المنصور محمد بن المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع عمه الناصر حسن وبقي حتى خلع في خامس عشر شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة
وملك بعده ابن عمه الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع المنصور المتقدم ذكره وهو طفل وبقي حتى كمل سلطانه وبنى مدرسته بأعلى الصوة تحت القلعة ولم يتمها وحج فخرج عليه

مماليكه في عقبة أيلة ففر منهم وعاد إلى القاهرة فقبض عليه وقتل في ثالث ذي القعدة الحرام سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وفي أيامه فتحت مدينة سيس واقتلعت من الأرمن على ما سيأتي ذكره في الكلام على أعمال حلب
وملك بعده ابنه الملك المنصور علي يوم خلع أبيه وهو طفل فبقي حتى توفي في الثالث والعشرين من صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة
وملك بعده أخوه الملك الصالح حاجي بن شعبان بن حسين يوم وفاة أخيه وبقي حتى خلع في العشر الأوسط من رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة
وملك بعده الملك الظاهر برقوق فعظم أمره وارتفع صيته وشاع ذكره في المماليك وهابته الملوك وهادته وساس الملك أحسن سياسة وبقي حتى خلع وبعث به إلى السجن بالكرك في شهر رجب أو جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة
وملك بعده الملك المنصور حاجي بن شعبان وهو الملقب أولا

بالصالح حاجي وهي سلطنته الثانية وبقي حتى عاد الملك الظاهر بروق المتقدم ذكره في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة فزاد في التيه وضخامة الملك وبلغ شأوا لم يبلغه غيره من غالب متقدمي الملوك وبقي حتى توفي في منتصف شوال المبارك سنة إحدى وثمانمائة
وملك بعده ابنه الناصر فرج وسنه إحدى عشرة سنة بعهد من أبيه وقام بتدبير أمره أمراء دولته فبقي حتى تغير عليه بعض مماليكه وبعض أمرائه وحضر المماليك بالقلعة فنزل منها مختفيا على حين غفلة في السادس والعشرين من ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة ولم يعلم لابتداء أمره أين يتوجه
ثم ملك بعده أخوه الملك المنصور عبد العزيز في التاريخ المذكور
ثم ظهر أن السلطان الملك الناصر فرجا كان مختفيا في بعض أماكن القاهرة فركب في ليلة السادس من شهر جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة ومعه جماعة من الأمراء ومماليكه وخرج الأمراء للقيام بنصرة أخيه عبد العزيز فطلع عليهم السلطان فرج ومن معه فولوا هاربين وطلع السلطان الملك الناصر القلعة في صبيحة النهار المذكور واستقر على عادته وبقي في السلطنة حتى توجه إلى الشأم لقتال الأمير شيخ والأمير نوروز نائبي دمشق وحلب ومعه الإمام المستعين بالله أبو الفضل العباس بن المتوكل محمد خليفة العصر ودخل

دمشق وحصر بقلعتها حتى قبض عليه في ثاني عشر ربيع الأول سنة خمس عشرة وثمانمائة واستبد الإمام المستعين بالله بالأمر من غير سلطان ورجع إليه ما كان يتعاطاه السلطان من العلامة على المكاتبات والتقاليد والتواقيع والمناشير وغيرها وأفرد اسمه في السكة على الدنانير والدراهم وأفرد بالدعاء في الخطبة على المنابر ثم عاد إلى الديار المصرية في أوائل ربيع الآخر من السنة المذكورة وسكن الآدر السلطانية بالقلعة وقام بتدبير دولته الأمير شيخ المقدم ذكره وسكن الإصطبلات السلطانية بالقلعة وفوض إليه الإمام المستعين بالله ما رواء سرير الخلافة وكتب له تفويض بذلك في قطع كبير عرضه ذراع ونصف بزيادة نصف ذراع عما يكتب به للسلاطين إلا أنه لم يصرح له فيه بسلطنة ولا إمارة بل كتب له بدل الأميري الآمري بإسقاط الياء على ما سيأتي ذكره في الكلام على عهود الملوك إن شاء الله تعالى

الفصل الرابع من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر ترتيب أحوال
الديار المصرية وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأول في ذكر معاملاتها وفيه ثلاثة أركان
الركن الأول الأثمان وهي على ثلاثة أنواع
النوع الأول الدنانير المسكوكة مما يضرب بالديار المصرية أو يأتي إليها
من المسكوك في غيرها من الممالك وهي ضربان
الضرب الأول ما يتعامل به وزنا كالذهب المصري وما في معناه
والعبرة في وزنها بالمثاقيل وضابطها أن كل سبعة مثاقيل زنتها عشرة دراهم من الدراهم الآتي ذكرها والمثقال معتبر بأربعة وعشرين قيراطا وقدر بثنتين وسبعين حبة شعير من الشعير الوسط باتفاق العلماء خلافا لابن حزم فإنه قدره بأربع وثمانين حبة على أن المثقال لم يتغير وزنه في جاهلية ولا إسلام

قلت وقد كان الأمير صلاح الدين بن عرام في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين بعد السبعين والسبعمائة ضرب بالإسكندرية وهو نائب السلطنة بها يومئذ دنانير زنة كل دينار منها مثقال على أحد الوجهين منه محمد رسول الله وعلى الوجه الآخر ضرب بالإسكندرية في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين عز نصره ثم أمسك عن ذلك فلم تكثر هذه الدنانير ولم تشتهر ثم ضرب الأمير يلبغا السالمي أستادار العالية في الدولة الناصرية فرج بن برقوق دنانير زنة كل واحد منها مثقال في وسط سكته دائرة فيها مكتوب فرج وربما كان منها ما زنته مثقال ونصف أو مثقالان وربما كان نصف مثقال أو ربع مثقال
إلا أن الغالب فيها نقص أوزانها وكأنهم جعلوا نقصها في نظير كلفة ضربها

الضرب الثاني ما يتعامل به معادة
وهي دنانير يؤتى بها من البلاد الإفرنجة والروم معلومة الأوزان كل دينار منها معتبر بتسعة عشر قيراطا ونصف قيراط من المصري واعتباره بصنج

الفضة المصرية كل دينار زنة درهم وحبتي خروب يرجح قليلا وهذه الدنانير مشخصة على أحد وجهيها صورة الملك الذي تضرب في زمنه وعلى الوجه الآخر صورتا بطرس وبوليس الحواريين اللذين بعث بهما المسيح عليه السلام إلى رومية ويعبر عنها بالإفرنتية جمع إفرنتي وأصله إفرنسي بسين مهملة بدل التاء المثناة فوق نسبة إلى إفرنسة مدينة من مدنهم وربما قيل فيها إفرنجة وإليها تنسب طائفة الفرنج وهي مقرة الفرنسيس ملكهم ويعبر عنه أيضا بالدوكات
وهذا الاسم في الحقيقة لا يطلق عليه إلا إذا كان ضرب البندقية من الفرنجة وذلك أن الملك اسمه عندهم دوك وكأن الألف والتاء في الآخر قائمان مقام ياء النسب
قلت ثم ضرب الناصر فرج بن برقوق دنانير على زنة الدنانير الإفرنتية المتقدمة الذكر في أحد الوجهين لا إله إلا الله محمد رسول الله وفي الآخر اسم السلطان وفي وسطه سفط مستطيل بين خطين وعرفت بالناصرية وكثر وجدانها وصار بها أكثر المعاملات
إلا أنهم ينقصونها في الأثمان عن الدنانير الإفرنتية عشرة دراهم
ثم ضرب على نظيرها الإمام المستعين بالله أبو الفضل العباس حين استبد بالأمر بعد الناصر فرج ولم يتغير فيها غير السكة باعتبار انتقالها من

اسم السلطان إلى اسم أمير المؤمنين
ثم صرف الذهب بالديار المصرية لا يثبت على حالة بل يعلو تارة ويهبط أخرى بحسب ما تقتضيه الحال وغالب ما كان عليه صرف الدينار المصري فيما أدركناه في التسعين والسبعمائة وما حولها عشرون درهما والإفرنتي سبعة عشر درهما وما قارب ذلك
أما الآن فقد زاد وخرج عن الحد خصوصا في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وإن كان في الدولة الظاهرية بيبرس قد بلغ المصري ثمانية وعشرين درهما ونصفا فيما رأيته في بعض التواريخ
أما الدينار الجيشي فمسمى لا حقيقة وإنما يستعمله أهل ديوان الجيش في عبرة الإقطاعات بأن يجعلوا لكل إقطاع عبرة دنانير معينة من قليل أو كثير وربما أخليت بعض الإقطاعات من العبرة
على أنه لا طائل تحتها ولا فائدة في تعيينها فربما كان متحصل مائة دينار في إقطاع أكثر من متحصل مائتي دينار فأكثر في إقطاع آخر
على أن صاحب قوانين الدواوين قد ذكر الدينار الجيشي في إقطاعات على طبقات مختلفة في عبرة الإقطاعات فالأجناد من الترك والأكراد والتركمان دينارهم دينار كامل والكتانية والعساقلة ومن يجري مجراهم دينارهم نصف دينار والعربان في الغالب دينارهم ثمن دينار وفي عرف الناس ثلاثة عشر درهما وثلث وكأنه على ما كان عليه الحال من قيمة الذهب عند ترتيب الجيش في الزمن القديم فإن صرف الذهب في الزمن الأول كان قريبا من هذا المعنى ولذلك جعلت الدية عند من قدرها بالنقد من الفقهاء ألف دينار واثني عشر ألف درهم فيكون عن كل دينار اثنا عشر درهما وهو صرفه يومئذ

النوع الثاني الدراهم النقرة
وأصل موضوعها أن يكون ثلثاها من فضة وثلثها من نحاس وتطبع بدور الضرب بالسكة السلطانية على نحو ما تقدم في الدنانير ويكون منها دراهم

صحاح وقراضات مكسرة على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب فيما بعد إن شاء الله تعالى
والعبرة في وزنها بالدرهم وهو معتبر بأربعة وعشرين قيراطا وقدر بست عشرة حبة من حب الخروب فتكون كل خروبتين ثمن درهم وهي أربع حبات من حب البر المعتدل والدرهم من الدينار نصفه وخمسه وإن شئت قلت سبعة أعشاره فيكون كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم
أما الدراهم السوداء فأسماء على غير مسميات كالدنانير الجيشية وكل درهم منها معتبر في العرف بثلث درهم نقرة وبالإسكندرية دراهم سوداء يأتي الكلام عليها في معاملة الإسكندرية إن شاء الله تعالى

النوع الثالث الفلوس وهي صنفان مطبوع بالسكة وغير مطبوع
فأما المطبوع فكان في الزمن الأول إلى أواخر الدولة الناصرية حسن بن محمد بن قلاوون فلوس لطاف يعتبر كل ثمانية وأربعين فلسا منها بدرهم من النقرة على اختلاف السكة فيها ثم أحدث في سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة حسن أيضا فلوس شهرت بالجدد جمع جديد زنة كل فلس منها مثقال وكل فلس منها قيراط من الدرهم مطبوعة بالسكة السلطانية على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب إن شاء الله تعالى فجاءت في نهاية الحسن وبطل ما عداه من الفلوس وهي أكثر ما يتعامل به أهل زماننا
إلا أنها فسد قانونها في تنقيصها في الوزن عن المثقال حتى صار فيها ما هو دون الدرهم وصار تكوينها غير مستدير وكانت توزن بالقبان كل مائة وثمانية عشر رطلا بالمصري بمبلغ

خمسمائة درهم ثم وأخذت في التناقص لصغر الفلوس ونقص أوزانها حتى صار كل مائة واحد عشر رطلا بمبلغ خمسمائة
قلت ثم استقر الحال فيها على ذلك على أنه لو جعل كل أوقية فما دونها بدرهم لكان حسنا باعتبار غلو النحاس وقلة الواصل منه إلى الديار المصرية وحمل التجار الفلوس المضروبة من الديار المصرية إلى الحجاز واليمن وغيرهما من الأقاليم متجرا ويوشك إن دام هذا تنفد الفلوس من الديار المصرية ولا يوجد ما يتعامل به الناس
وأما غير المطبوعة فنحاس مكسر من الأحمر والأصفر ويعبر عنها بالعتق وكانت في الزمن الأول كل زنة رطل منها بالمصري بدرهمين من النقرة فلما عملت الفلوس الجدد المتقدمة الذكر استقر كل رطل منها بدرهم ونصف وهي على ذلك إلى الآن
قلت ثم نفدت هذه الفلوس من الديار المصرية لغلو النحاس وصار مهما وجد من النحاس المكسور خلط بالفلوس الجدد وراج معها على مثل وزنها

الركن الثاني في المثمنات وهي على ثلاثة أنواع
النوع الأول الموزونات
ورطلها الذي يعتبر بوزنه في حاضرتها من القاهرة والفسطاط وما قاربهما الرطل المصري وهو مائة وأربعة وأربعون درهما وأوقيته اثنا عشر درهما وعنه

يتفرع القنطار المصري وهو مائة رطل وتعتبر أوزان الطيب بها بالمن وهو مائتان وستون درهما وأواقيه ست وعشرون أوقية فتكون أوقيته عشرة دراهم

النوع الثاني المكيلات من الحبوب ونحوها
واعلم أن بمصر أقداحا مختلفة المقادير أيضا كالأرطال بحسبه ولكل ناحية منها قدح مخصوص بحسب إردبها والمستعمل منها بالحاضرة القدح المصري وهو قدح صغير تقديره بالوزن من الحب المعتدل مائتان واثنان وثلاثون درهما وقدره الشيخ تقي الدين بن رزين في الكلام على صاع الفطرة باثنين وثلاثين ألف حبة وسبعمائة واثنتين وستين حبة وكل ستة عشر قدحا تسمى ويبة وكل ستة وتسعين قدحا تسمى إردبا وبنواحيها بالوجهين القبلي والبحري أرادب متفاوتة يبلغ مقدار الإردب في بعضها إحدى عشرة ويبة بالمصري فأكثر
النوع الثالث المقيسات وهي الأراضي والأقمشة فأما الأراضي فصنفان
الصنف الأول أرض الزراعة
وقد اصطلح أهلها على قياسها بقصبة تعرف بالحاكمية كأنها حررت في زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي فنسبت إليه وطولها ستة أذرع بالهاشمي كما ذكره

أبو القاسم الزجاجي في شرح مقدمة أدب الكاتب وخمسة أذرع بالنجاري كما ذكره ابن مماتي في قوانين الدواوين وثمانية أذرع بذراع اليد كما ذكره غيرهما
وذراع اليد ست قبضات بقبضة إنسان معتدل كل قبضة أربعة أصابع بالخنصر والبنصر والوسطى والسبابة كل إصبع ست شعيرات معترضات ظهرا لبطن على ما تقدم في الكلام على الأميال
وقد تقدر القصبة بباعين من رجل معتدل وربما وقع القياس في بعض بلاد الوجه البحري منها بقصبة تعرف بالسندفاوية أطول من الحاكمية بقليل نسبة إلى بلد تسمى سندفا بالقرب من مدينة المحلة ثم كل أربعمائة قصبة في التكسير يعبر عنها بفدان وهو أربعة وعشرون قيراطا كل قيراط ست عشرة قصبة في التكسير

الصنف الثاني أرض البنيان من الدور وغيرها
وقد اصطلحوا على قياسها بذراع العمل يعرف بذراع طوله ثلاثة أشبار بشبر رجل معتدل ولعله الذراع الذي كان يقاس به أرض السواد بالعراق فقد ذكر الزجاجي أنه ذراع وثلث بذراع اليد وكان ابتداء وضع الذراع لقياس الأرضين أن زياد ابن أبيه حين ولاه معاوية العراق وأراد قياس السواد جمع ثلاثة رجال رجلا من طوال القوم ورجلا من قصارهم ورجلا متوسطا بين ذلك وأخذ طول ذراع كل منهم فجمع ذلك وأخذ ثلثه فجعله ذراعا لقياس الأرضين وهو المعروف بالذراع الزيادي لوقوع تقديره بأمر زياد ولم يزل ذلك حتى صارت الخلافة لبني العباس فاتخذوا ذراعا مخالفا لذلك كأنه أطول منه فسمي بالهاشمي لوقوعه في خلافة بني العباس ضرورة كونهم من بني هاشم

وأما الأقمشة فإنها تقاس بالقاهرة بذراع طوله ذراع بذراع اليد وأربع أصابع مطبوقة ويزيد عليه ذراع القماش بالفسطاط بعض الشيء وربما زاد في بعض نواحي الديار المصرية أيضا نحو ذلك
ولغير القماش من الأصناف أيضا كالحصر وغيرها ذراع يخصه

الركن الثالث في الأسعار
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار جملة من الأسعار في زمانه فقال وأوسط أسعارها في غالب الأوقات أن يكون الإردب القمح بخمسة عشر درهما والشعير بعشرة وبقية الحبوب على هذا الأنموذج والأرز يبلغ فوق ذلك واللحم أقل سعره الرطل بنصف درهم وفي الغالب أكثر من ذلك والدجاج يختلف سعره بحسب حاله فجيده الطائر منه بدرهمين إلى ثلاثة والدون منه بدرهم واحد والسكر الرطل بدرهم ونصف وربما زاد والمكرر منه بدرهمين ونصف
قلت وهذه الأسعار التي ذكرها قد أدركنا غالبها وبقيت إلى ما بعد الثمانين والسبعمائة فغلت الأسعار وتزايدت في كل صنف من ذلك وغيره وصار المثل إلى ثلاثة أمثاله وأربعة أمثاله فلا حول ولا قوة إلا بالله ذي المنن الجسيمة القادر على إعادة ذلك على ما كان عليه أو دونه ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا )

الطرف الثاني في ذكر جسورها الحابسة لمياه النيل على أرض بلادها إلى حين استحقاق الزراعة وأصناف أرضها وما يختص بكل صنف من أرضها من الأسماء الدائرة بين كتابها ومزارعها وبيان أصناف مزدرعاتها وأحوال زرعها فأما جسورها فعلى صنفين

الصنف الأول الجسور السلطانية
وهي الجسور العامة الجامعة للبلاد الكثيرة التي تعمر في كل سنة في الديوان السلطاني بالوجهين القبلي والبحري ولها جراريف ومحاريث وأبقار مرتبة على غالب البلدان بكل عمل من أعمالها
وقد جرت العادة أن يجهز لكل عمل في كل سنة أمير بسبب عمارة جسوره ويعبر عنه بكاشف الجسور بالعمل الفلابي ويعرف بذلك في تعريف مكاتبته عن الأبواب الشريفة وربما أضيف كشف جسور عمل من الأعمال إلى متولي جريه ويقال في تعريفه والي فلانة وكاشف الجسور بها إذا كانت المكاتبة بسبب شيء يتعلق بالجسور ولهذه الجسور كاتب منفرد بها مقرر في ديوانه ما على كل بلد من الجراريف والأبقار وتكتب التذاكير السلطانية لكاشف كل عمل في الورق الشامي المربع ويشملها العلامة الشريفة السلطانية بالاسم الشريف وللجسور خولة ومهندسون لكل عمل يقومون في خدمة الكاشف في عمارة الجسور إلى أن تنتهي عمارتها

الصنف الثاني الجسور البلدية
وهي الخاصة ببلد دون بلد ويتولى عمارتها المقطعون بالبلاد من الأمراء والأجناد وغيرهم من أموال البلاد الجارية في إقطاعهم ولها ضرائب مقررة في كل سنة
قال ابن مماتي في قوانين الدواوين والفرق بين السلطانية والبلدية أن السلطانية جارية مجرى سور المدينة الذي يجب على السلطان الاهتمام بعمارته والنظر في مصلحته وكفاية العامة أمر الفكرة فيه والبلدية جارية مجرى الآدر والمساكن التي داخل السور كل صاحب دار منها ينظر في مصلحتها ويلتزم تدبير أمره فيها
قال وقد جرت عادة الديوان أن المقطع المنفصل إذا أنفق شيئا من إقطاعه في إقامة جسر لعمارة السنة التي انتقل الخير عنه لها استعيد له نظير منفقه من المقطع الثاني وكذلك كل ما أنفقه من مال سنته في عمارة سنة غيره كان له استعادة نظيره
قلت وقد أهمل الاهتمام بأمر الجسور في زماننا وترك عمارة أكثر الجسور البلدية واقتصر في عمارة الجسور السلطانية على الشيء اليسير الذي لا يحصل به كبير نفع ولولا ما من الله تعالى به على العباد من كثير الزيادة في النيل من حيث انه صار يجاوز تسعة عشر ذراعا فما فوقها إلى ما جاوز العشرين لفات ري أكثر البلاد وتعطلت زراعتها ( فضلا من الله ونعمة ) وإلا فقد كان النيل في الغالب يقف على سبع عشرة ذراعا فما حولها بل قد تقدم من كلام المسعودي أنه إذا جاء النيل ثماني عشرة ذراعا استبحر من أراضيها الثلث
وأما أنواع أرضها وما يختص بكل نوع من الأسماء فإنها تختلف

باختلاف الزراعة وعدمها وبسبب ذلك تتفاوت الرغبة فيها وتختلف قيمتها باختلاف قيمة ما يزرع فيها وقد عد منها ابن مماتي ثلاثة عشر نوعا
النوع الأول الباق قال ابن مماتي وهو أثر القرط والقطاني والمقاثئ
قال وهو خير الأرضين وأغلاها قيمة وأوفاها سعرا وقطيعة لأنها تصلح لزراعة القمح والكتان
قلت والمعروف في زماننا أن الباق أثر القرط والفول خاصة
أما المقاثئ فإن أثرها يسمى البرش وسيأتي ذكره فيما بعد
النوع الثاني ري الشراقي قال ابن مماتي وهو يتبع الباق في الجودة ويلحق به في القطيعة لأن الأرض قد ظمئت في السنة الماضية واشتدت حاجتها إلى الماء فلما رويت حصل لها من الري بمقدار ما حصل لها من الظمأ وكانت أيضا مستريحة فزرعها ينجب
النوع الثالث البروبية وأهل زماننا يقولون البرايب قال ابن مماتي وهو أثر القمح والشعير قال وهو دون الباق لأن الأرض تضعف بزراعة هذين الصنفين
فمتى زرع أحدهما على الآخر لم تنجب كنجابة الباق وسعرها دون سعره ويجب أن تزرع قرطا وقطاني ومقاثئ لتستريح الأرض وتصير باقا في السنة الآتية
النوع الرابع البقماهة بضم الباء الموحدة وسكون القاف وهو أثر الكتان
قال ابن مماتي ومتى زرع فيه القمح لم ينجب وجاء رقيق الحب أسود اللون

النوع الخامس الشتونية وأهل زماننا يقولون الشتاني وهو أثر ما روي وبار في السنة الماضية قال ابن مماتي وقطيعته دون قطيعة الشراقي
النوع السادس شوشمس السلايح قال ابن مماتي وهو عبارة عما روي وبار فحرث وعطل وهو يجري مجرى الباق وري الشراقي ويجيء ناجب الزرع
النوع السابع البرش النقاء قال وهو عبارة عن كل أرض خلت من أثر ما زرع فيها للسنة الماضية لا شاغل لها عن قبول ما تودعه من أصناف المزروعات
النوع الثامن الوسخ المزروع قال وهو عبارة عن كل أرض لم يستحكم وسخها ولم يقدر المزارعون على استكمال إزالته منها فحرثوها وزرعوها وطلع زرعها مختلطا بوسخها
النوع التاسع الوسخ الغالب وهو عبارة عن كل أرض حصل فيها من النبات الذي شغلها عن قبول الزراعة ما غلب المزارعين عليها ومنعهم بكثرته عن الزراعة فيها وهي تباع مراعي للبهائم
النوع العاشر الخرس وهو عبارة عن فساد الأرض بما استحكم فيها

من موانع قبول الزرع وهو أشد من الوسخ الغالب في التنقية والإصلاح وهي مرعى الدواب
النوع الحادي عشر الشراقي وهو عبارة عما لم يصل إليه الماء لقصور النيل وعلو الأرض أو سد طريق الماء عنه
النوع الثاني عشر المستبحر وهو عبارة عن أرض واطئة إذا حصل الماء فيها لا يجد مصرفا له عنها فيمضي زمن المزارعة قبل زواله بالنضوب
قال ابن مماتي وربما انتفع به من ازدرع الأرض بالاستقاء منه بالسواقي لما زرعه في العلو
النوع الثالث عشر السباخ وهو أرض غلب عليها الملح فملحت حتى لم ينتفع بها في زراعة الحبوب وهي أردى الأرضين
قال ابن مماتي وربما زرع فيما لم يستحكم منها الهليون والباذنجان وربما قطع منها ما يسبح به الكتان ويزرع فيها القصب الفارسي فينجب

الطرف الثالث في وجوه أموالها الديوانية وهي على ضربين شرعي وغير شرعي
الضرب الأول الشرعي وهو على سبعة أنواع
النوع الأول المال الخراجي وهو ما يؤخذ عن أجرة الأرضين وله حالان
الحال الأول ما كان عليه الأمر في الزمن المتقدم وقد أورد ابن مماتي في قوانين الدواوين ما يقتضي أنه كان على كل صنف من أصناف المزروعات

قطيعة مقررة في الديوان السلطاني لا يختلف أمرها فذكر أن قطيعة القمح كانت إلى آخر سنة سبع وستين وخمسمائة عن كل فدان ثلاثة أرادب ثم انه تقرر عند المساحة في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة إردبان ونصف أردب
ثم قال ومن ذلك ما يباع بعين ومنه يزرع مشاطرة قال وقطيعة الشعير كذلك وقطيعة الفول عن كل فدان ان من ثلاثة أرادب إلى أردبين ونصف وقطيعة الجلبان والحمص والعدس عن كل فدان أردبان ونصف وقطيعة الكتان تختلف باختلاف البلاد
ثن قال وهي على آخر ما تقرر في الديوان عن كل فدان ثلاثة دنانير إلى ما دونها وقطيعة القرط بالديوان عن كل فدان دينار واحد وفيما بين الناس مختلف وقطيعة الثوم والبصل عن كل فدان ديناران وقطيعة الترمس عن كل فدان دينار واحد وربع وقطيعة الكمون والكراويا والسلجم الصيفي عن كل فدان دينار واحد
قال وكان قبل ذلك دينارين وقطيعة البطيخ الأخضر والأصفر واللوبياء عن كل فدان ثلاثة دنانير وقطيعة السمسم عن كل فدان دينار واحد وقطيعة القطن كذلك وقطيعة قصب السكر عن كل فدانان كان رأسا خمسة دنانير وان كان خلفة ديناران وخمسة قراريط وقطيعة القلقاس عن كل فدان ثلاثة دنانير وقطيعة النيلة عن كل فدان ثلاثة دنانير وقطيعة الفجل عن كل فدان دينار واحد وقطيعة اللفت كذلك وقطيعة الخس عن كل فدان ديناران وقطيعة الكرنب كذلك
قال والقطيعة المستقرة عن خراج الشجر والكرم تختلف باختلاف سنينه
ثم قال وهو يدرك في السنة الرابعة ويترتب على كل فدان ثلاثة دنانير وقطيعة القصب الفارسي عن كل فدان ثلاثة دنانير
الحال الثاني ما الأمر عليه في زماننا والحال فيه مختلف باختلاف البلاد
فالوجه القبلي الذي هو الصعيد أكثر خراجه غلال من قمح وشعير وحمص وفول وعدس وبسلة وجلبان ويعبر في عرف الدواوين عما عدا القمح والشعير

والحمص بالحبوب ثم الغالب أن يؤخذ عن خراج كل فدان من الأصناف المذكورة ما بين إردبين إلى ثلاثة بكيل تلك الناحية وربما زاد أو نقص عن ذلك وفي الغالب يؤخذ مع كل إردب درهم أو درهمان أو ثلاثة ونحو ذلك بحسب قطائع البلاد وضرائبها في الزيادة والنقص في الأرادب والدراهم وربما كان الخراج في بعض هذه البلاد دراهم وما بار من أرض كل بلد يباع ما ثبت فيه من المرعى مناجزة وربما أخذ فيه العداد على حسب عرف البلاد
والوجه البحري غالب خراج بلاده دراهم وليس فيه ما خراج بلاده غلة إلا القليل على العكس من الوجه القبلي
ثم الذي كان عليه الحال إلى نحو التسعين والسبعمائة في غالب البلاد أن يؤجر أثر الباق كل فدان بأربعين درهما فما حولها والبرايب كل فدان بثلاثين درهما فما حولها ثم غلا السعر بعد ذلك حتى جاوز الباق المائة والبرايب الثمانين وبلغ البرش نحو المائتين وذلك عند غلو الغلال وارتفاع سعرها
قلت ثم تزايد الحال في ذلك بعد الثمانمائة إلى ما بعد العشر والثمانمائة حتى صار يؤخذ في الباق عن كل فدان نحو الأربعمائة درهم وربما زادت الأرض الطيبة حتى بلغت ستمائة درهم وفي البرايب ونحوه دون ذلك بالنسبة ثم إنه إذا كان المقرر في خراج بلد من بلاد الديار المصرية غلالا وأعوز صنف من الأصناف أن يؤخذ البدل أن عنها من صنف آخر من الغلة
وقد ذكر في قوانين الدواوين أن قاعدة البدل أن يؤخذ عن القمح بدل كل إردب من الشعير إردبان ومن الفول إردب واحد ونصف ومن الحمص إردب ومن الجلبان إردب ونصف والشعير يؤخذ عن كل إردب منه نصف إردب

من القمح أو ثلثا إردب من الفول أو نصف إردب من الحمص أو ثلثا إردب من الجلبان وفي الفول يؤخذ عن كل إردب منه ثلث إردب من القمح أو إردب ونصف إردب من الشعير أو ثلثي إردب من الحمص أو إردب من الجلبان وفي الحمص يأخذ عن كل إردب منه إردب من القمح أو إردبان من الشعير أو إردب ونصف من الفول أو إردب ونصف من الجلبان وفي الجلبان يؤخذ عن كل إردب منه ثلثي إردب من القمح أو إردب ونصف من الشعير أو إردب من الفول أو ثلثي إردب من الحمص ثم قال والسمسم والسلجم والكتان ما رأيت لها بدلا والاحتياط في جميع ذلك الرجوع إلى سعره الحاضر فإنه أسلم طريقة وأحسن عاقبة
واعلم أن بلاد الديار المصرية بالوجهين القبلي والبحري بجملتها جارية في الدواوين السلطانية وإقطاعات الأمراء وغيرهم من سائر الجند إلا النزر اليسير مما يجري في وقف من سلف من ملوك الديار المصرية ونحوهم على الجوامع والمدارس والخوانق ونحوها مما لا يعتد به لقلته
والجاري في الدواوين على ضربين

الضرب الأول ما هو داخل في الدواوين السلطانية وهو الآن على أربعة أصناف
الصنف الأول ما هو جار في ديوان الوزارة وأعظمه خطرا وأرفعه قدرا جهتان
إحداهما عمل الجيزية المتقدم ذكره في أعمال الديار المصرية ولها

مباشرون بمفردها من ديوان الوزارة ما بين ناظر ومستوف وشهود وصيرفي وغيرهم وغالب خراجه مبلغ دراهم تحمل إلى بيت المال فتثبت فيه وتصرف منه في جملة مصارف بيت المال وربما حمل من بعضها الغلة اليسيرة من القمح وغيره للأهراء السلطانية بالفسطاط ومن أرضها تفرد الإطلاقات ويبذر فيها البرسيم لربيع الخيول بالإصطبلات السلطانية والأمراء والمماليك السلطانية
الثانية عمل منفلوط وله مباشرون كما تقدم في الجيزية بل هي أرفع قدرا وأكثر متحصلا وغالب خراجه غلال من قمح وفول وشعير وغلالها تحمل إلى الأهراء السلطانية بالفسطاط ويصرف منها في جملة مصارف الأهراء على الطواحين السلطانية والمناخات وغير ذلك وربما حمل منها المبلغ اليسير إلى بيت المال فيثبت فيه ويصرف منه على ما تقدم في الأعمال الجيزية وما عدا هاتين الجهتين من البلاد الجارية في ديوان الوزارة مفرقة في الأعمال بالوجهين القبلي والبحري وهي في الوجه القبلي أكثر ولكنها قد تناقصت في هذا الزمن حتى لم يبق فيها إلا بعض بلاد بالوجه القبلي

الصنف الثاني ما هو جار في ديوان الخاص
وهو الديوان الذي أحدثه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون حين أبطل الوزارة على ما سيأتي ذكره وأعظم بلاده وأرفعها قدرا مدينة الإسكندرية فإنها في الغالب مضافة إليه وبها مباشرون من ناظر ومستوف

وشادين وغيرهم وربما أخرت عنه في جهات أخرى جارية فيه ويليها تروجة وفوة ونستروه ومال جميعها يحمل إلى خزانة الخاص الآتي ذكرها تحت نظر ناظر الخاص الآتي ذكره

الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد
وهو ديوان أحدثه الظاهر برقوق في سلطنته وأفرد له بلادا وأقام له مباشرين وجعل الحديث فيه لأستاذ داره الكبير ورتب عليه نفقة مماليكه من جامكيات وعليف وكسوة وغير ذلك
قلت وليس هو المخترع لهذا الاسم بل رأيت في ولايات الدولة الفاطمية بالديار المصرية ما يدل على أنه كان للخليفة ديوان يسمى الديوان المفرد
الصنف الرابع ما هو جار في ديوان الأملاك
وهو ديوان أحدثه الظاهر برقوق المتقدم ذكره وأفرد له بلادا سماها أملاكا وأقام لها أستاذ دار ومباشرين بمفردها وهذا الديوان خاص بالسلطان ليس عليه مرتب نفقة ولا كلفة

الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات
وهو جل البلاد بالوجهين القبلي والبحري والبلاد النفيسة الكثيرة المتحصل في الغالب تقطع للأمراء على قدر درجاتهم فمنهم من يجتمع له نحو العشر بلاد إلى البلد الواحدة وما دون ذلك من البلدان يقطع للمماليك السلطانية يشترك الاثنان فما فوقهما في البلدة الواحدة في الغالب وربما انفرد الواحد منهم بالبلد الواحد
ومادون ذلك يكون لأجناد الحلقة تجتمع الجماعة منهم في البلد الواحد بحسب مقداره وحال مقطعيه وفي معنى أجناد الحلقة المقطعون من العربان بالبحيرة والشرقية من أرباب الأدراك وملتزمي خيل البريد وغيرهم
ثم اعلم أن لبلاد الديار المصرية حالين
الحال الأول أن تنجز إجارة طين البلد بقدر معين لا يزيد ولا ينقص وطلب الخراج على حكمها
الحال الثاني أن تكون البلاد مما جرت العادة بمساحة أرضها لسعة طينها واختلاف الري فيه بالكثرة والقلة في السنين وقد جرت العادة في ذلك أن كاتب خراج الناحية يطلب خولة القانون بذلك البلد وتوريخ الأحواض على المزارعين بفدن مقدرة وتكتب بها أوراق تسمى أوراق المسجل وتحمل نسختها إلى ديوان صاحب الإقطاع فتخلد فيه فإذا طلع الزرع خرج من باب صاحب الإقطاع مباشرون فيمسحون أرض تلك البلد في كل قبالة بأسماء المزارعين ويكتب

أصل ذلك في أوراق تسمى الفنداق ثم تجمع القبائل بأوراق تسمى تأريج القبائل ثم تجمع أسماء المزارعين بأوراق تسمى تأريج الأسماء ويقابل بين ما اشتملت عليه أوراق المسجل وما اشتملت عليه مساحته وفي الغالب يزيد عن أوراق المسجل ويجمع ذلك وتنظم به أوراق تسمى المكلفة ويكتب عليها الشهود وحاكم العمل وتحمل لديوان المقطع نسخا

النوع الثاني ما يتحصل مما يستخرج من المعادن
وقد تقدم في الكلام على خواص الديار المصرية أن الموجود الآن بها ثلاثة معادن
الأول معدن الزمرد على القرب من مدينة قوص ولم يزل مستمر الاستخراج إلى أواخر الدولة الناصرية محمد بن قلاوون ثم أهمل لقلة ما يتحصل منه مع كثرة الكلف وبقي مهملا إلى الآن
وقد ذكر في مسالك الأبصار أنه كان له مباشرون وأمناء من جهة السلطان يتولون استخراجه وتحصيله ولهم جوامك على ذلك
ومهما تحصل منه حمل إلى الخزائن السلطانية فيباع ما يباع ويبقى ما يصلح للخزائن الملوكية

الثاني معدن الشب بالباء الموحدة في آخره قال في قوانين الدواوين ويحتاج إليه في أشياء كثيرة أهمها صبغ الأحمر وللروم فيه من الرغبة بمقدار ما يجدون من الفائدة وهو عندهم مما لا بد منه ولا مندوحة عنه ومعادنه بأماكن من بلاد الصعيد والواحات على ما تقدم في الكلام على خواص الديار المصرية
قال وعاد الديوان أن ينفق في تحصيل كل قنطار منه بالليثي ثلاثين درهما وربما كان دون ذلك وتهبط به العرب من معدنه إلى ساحل قوص وساحل إخميم وساحل أسيوط وإلى البهنسى إن كان الإتيان به من الواحات ثم يحمل من هذه السواحل إلى الإسكندرية ولا يعتد للمباشرين فيه إلا بما يصح فيها عند الاعتبار
قال ابن مماتي وأكثر ما يباع منه في المتجر بالإسكندرية خمسة آلاف قنطار بالجروي وبيع منه في بعض السنين ثلاثة عشر ألف قنطار
وسعره من خمسة دنانير إلى خمسة دنانير وربع وسدس كل قنطار
قال أما القاهرة فأكثر ما يباع فيها في كل سنة ثمانون قنطارا كل قنطار بسبعة دنانير ونصف ثم قال وليس لأحد أن يبيعه ولا يشتريه سوى الديوان السلطاني ومتى وجد مع أحد شيء من صنفه استهلك قلت وقد تغير غالب حكم ذلك
الثالث معدن النطرون وقد تقدم في الكلام على خواص الديار المصرية أن النطرون يوجد في معدنين أحدهما بعمل البحيرة مقابل بلدة تسمى

الطرانة على مسيرة يوم منها وتقدم في كلام صاحب التعريف أنه لا يعلم في الدنيا بقعة صغيرة يستغل منها أكثر مما يستغل منها فإنها نحو مائة فدان تغل نحو مائة ألف دينار كل سنة
والمعدن الثاني بالفاقوسية على القرب من الخطارة ويعرف بالخطاري وهو غير لاحق في الجودة بالأول
قال في نهاية الأرب وأول من احتجر النطرون أحمد بن محمد بن مدبر نائب مصر قبل أحمد بن طولون وكان قبل ذلك مباحا
قال في قوانين الدواوين وهو في طور محدود لا يتصرف فيه غير المستخدمين من جهة الديوان والنفقة على كل قنطار منه درهمان وثمن كل قنطار منه بمصر والإسكندرية لضيق الحاجة إليه سبعون درهما قال والعادة المستقرة أنه متى أنفق من الديوان في العربان عن أجرة حمولة عشرة آلاف قنطار ألزموا بحمل خمسة عشر ألف قنطار حسابا عن كل قنطار قنطار ونصف
ثم قال وأكثره مصروف في نفقة الغزاة
قلت أما في زماننا فقد تضاعفت قيمة النطرون وغلا سعره لاحتجار السلطان له وأفرط حتى خرج عن الحد حتى إنه ربما بلغ القنطار منه مبلغ ثلاثمائة درهم أو نحوها
وقد كان على النطرون مرتبون من كتاب دست وكتاب درج وأطباء وكحالين وغيرهم وجماعة من أرباب الصدقات يستأدون ذلك وينفقون على حمولته إلى ساحل النيل بالبلدة المعروفة بالطرانة المتقدمة الذكر ويبيعونه على من يرغب فيه ليتوجه به في المراكب إلى الوجه القبلي ولم يكن لأحد أن يبيع شيئا بالوجه البحري جملة ثم بطل ذلك في أواخر الدولة الظاهرية برقوق وصار النطرون بجملته خالصا للسلطان جاريا في الديوان المفرد تحت نظر أستاذ دار يحمل إلى الإسكندرية والقاهرة فيخزن في شون ثم يباع منها

وعليه مباشرون يحضرون الواصل والمبيع ويعملون الحسبانات بذلك وتميز بذلك متحصله للغاية القصوى

النوع الثالث الزكاة
قد تقرر في كتب الفقه أن من وجبت عليه زكاة كان مخيرا بين أن يدفعها إلى الإمام أو نائبه وبين أن يفرقها بنفسه
والذي عليه العمل في زماننا بالديار المصرية أن أرباب الزكوات المؤدين لها يفرقونها بأنفسهم ولم يبق منها ما يؤخذ على صورة الزكاة إلا شيئين
أحدهما ما يؤخذ من التجار وغيرهم على ما يدخلون به إلى البلد من ذهب أو فضة فإنهم يأخذون على كل مائتي درهم خمسة دراهم ثم إذا اشترى بها شيئا وخرج به وعاد بنظير المبلغ الأول لا يؤخذ منه شيء عليه حتى يجاوز سنة
إلا أنهم انتقصوا سنة ذلك فجعلوها عشرة أشهر وخصوه بما إذا لم يزد في المدة المذكورة على أربع مرار فإن زاد عليها استأنفوا له المدة ثم إنه إذا كان بالبلد متجر لأحد من تجار الكارم من بهار ونحوه وحال عليه الحول بالبلد أخذوا عليه الزكاة أيضا
ومجرى ذلك جميعه مجرى سائر متحصل الإسكندرية في المباشرة وغيرها
الثاني ما يؤخذ من العداد من مواشي أهل برقة من الغنم والإبل عند وصولهم إلى عمل البحيرة بسب المرعى وفي الغالب يقطع لبعض الأمراء ويخرج قصادهم لأخذه

النوع الرابع الجوالي
وهي ما يؤخذ من أهل الذمة عن الجزية المقررة على رقابهم في كل سنة وهي على قسمين ما في حاضرة الديار المصرية من الفسطاط والقاهرة وما هو خارج عن ذلك
فأما ما بحاضرة الديار المصرية فإن لهذه الجهة بها ناظرا يولي من جهة السلطان بتوقيع شريف ويتبعه مباشرون من شاد وعامل وشهود وتحت يده حاشر لليهود وحاشر للنصارى يعرف أرباب الأسماء الواردة في الديوان ومن ينضم إليهم ممن يبلغ في كل عام من الصبيان ويعبر عنهم بالنشو ومن يقدم إلى الحاضرة من البلاد الخارجة عنها ويعبر عنهم بالطارئ ومن يهتدي أو يموت ممن اسمه وارد الديوان
ويملي على كتاب الديوان ما يتجدد من ذلك
قال في قوانين الدواوين إن الجزية كانت في زمانه على ثلاث طبقات عليا وهي أربعة دنانير وسدس عن كل رأس في كل سنة ووسطى وهي ديناران وقيراطان وسفلى وهي دينار واحد وثلث وربع دينار وحبتان من دينار وإنه أضيف إلى جزية كل شخص درهمان وربع عن رسم الشاد والمباشرين
ثم قال وقد كانت العادة جارية باستخراجها في أول المحرم من كل سنة ثم صارت تستخرج في أيام من ذي الحجة
قلت أما الآن فقد نقصت حتى صار أعلاها خمسة وعشرين درهما وأدناها عشرة دراهم ولكنها صارت تستأدى معجلة في شهر رمضان ثم ما يتحصل منها بحمل منه قدر معين في كل سنة لبيت المال

وباقي ذلك عليه مرتبون من القضاة وأهل العلم والديانة يوزع عليهم على قدر المتحصل
وأما ما هو خارج عن حاضرة الديار المصرية من سائر بلدانها فإن جزية أهل الذمة في كل بلد تكون لمقطع تلك البلد من أمير أو غيره تجري مجرى مال ذلك الإقطاع وإن كانت تلك البلد جارية في بعض الدواوين السلطانية كان ما يتحصل من الجزية من جهل الذمة بها جاريا في ذلك الديوان

النوع الخامس ما يؤخذ من تجار الكفار الواصلين في البحر إلى الديار
المصرية
واعلم أن المقرر في الشرع أخذ العشر من بضائعهم التي يقدمون بها من دار الحرب إلى بلاد الإسلام إذا شرط ذلك عليهم
والمفتى به في مذهب الشافعي رضي الله عنه أن للإمام أن يزيد في المأخوذ عن العشر وأن ينقص عنه إلى نصف العشر للحاجة إلى الازدياد من جلب البضاعة إلى بلاد المسلمين وأن يرفع ذلك عنهم رأسا إذا رأى فيه المصلحة
وكيفما كان الأخذ فلا يزيد فيه على مرة من كل قادم بالتجارة في كل سنته حتى لو رجع إلى بلاد الكفر ثم عاد بالتجارة في سننه لا يؤخذ منه شيء إلا أن يقع التراضي على ذلك ثم الذي ترد إليه تجار الكفار من بلاد الديار المصرية ثغر الإسكندرية
وثغر دمياط المحروستين تأتي إليهما مراكب الفرنج والروم بالبضائع فتبيع فيهما أو تمتار منهما ما تحتاج إليه من البضائع وقد تقرر الحال على أن يؤخذ منهم الخمس وهو ضعف العشر عن كل ما يصل بهم في كل مرة وربما زاد ما يؤخذ منهم على الخمس أيضا
قال ابن مماتي في قوانين الدواوين وربما بلغ قيمة ما يستخرج عما قيمته مائة دينارا ما يناهز خمسة وثلاثين دينارا وربما انحط عن العشرين دينارا
قال ويطلق على كليهما خمس قال ومن الروم من يستأدى منه العشر إلا أنه

لما كان الخمس أكثر كانت النسبة إليه أشهر
ولذلك ضرائب مستقرة في الدواوين وأوضاع معروفة

النوع السادس المواريث الحشرية
وهي مال من يموت وليس له وارث خاص بقرابة أو نكاح أو ولاء أو الباقي بعد الفرض من مال من يموت وله وارث ذو فرض لا يستغرق جميع المال ولا عاصب له
وهذه الجهة أيضا على قسمين ما في حاضرة الديار المصرية وما هو خارج عنها
فأما ما بحاضرة الديار المصرية فإن لهذه الجهة ناظرا يولي من قبل السلطان بتوقيع شريف ومعه مباشرون من شاد وكاتب ومشارف وشهود وهي مضافة إلى ما تحت نظر الوزارة من سائر المباشرات ومتحصلها يحمل إلى بيت المال وربما كان عليها مرتبون من أرباب جوامك وغيرهم وقد جرت عادة هذا الديوان أن كاتبه في كل يوم يكتب تعريفا بمن يموت بمصر والقاهرة من حشري أو أهلي وتفصيله من رجال ونساء وصغار ويهود ونصارى وتكتب منه نسخ لديوان الوزارة

ولنظر الدواوين ومستوفي الدولة ويسد من وقت العصر فمن أطلق بعد العصر أضيف إلى النهار القابل
وأما ما هو خارج عن حاضرة الديار المصرية فلما مباشرون يحصلونها ويحملون ما يتحصل منها إلى الديوان السلطاني

النوع السابع ما يتحصل من باب الضرب بالقاهرة
والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف
الصنف الأول الذهب
وأصله مما يجلب إلى الديار المصرية من التبر من بلاد التكرور وغيرها مع ما يجتمع إليه من الذهب
قال في قوانين الدواوين وطريق العمل فيها أن يسبك ما يجتمع من أصناف الذهب المختلفة حتى يصير ماء واحدا ثم يقلب قضبانا ويقطع من أطرافها قطع بمباشرة النائب في الحكم ويحرر بالوزن ويسبك سبيكة واحدة ثم يؤخذ من بعضها أربعة مثاقيل ويضاف إليها من الذهب الحائف المسبوك بدار الضرب أربعة مثاقيل ويعمل كل منها أربع ورقات وتجمع الثمان ورقات في قدح فخار بعد تحرير وزنها
ويوقد عليها في الأتون ليلة ثم تخرج الورقات وتمسح ويعبر الفرع على الأصل فإن تساوى الوزن وأجازه النائب في الحكم ضرب دنانير وإن نقص أعيد إلى أن يتساوى ويصح التعليق فيضرب حينئذ دنانير
قال ابن الطوير في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية بالديار المصرية في سياقه الكلام على وظيفة قضاء القضاة وسبب خلوص الذهب بالديار المصرية ما

حكى أن أحمد بن طولون صاحب مصر كان له إلمام بمدينة عين شمس الخراب على القرب من المطرية من ضواحي القاهرة حيث ينبت البلسان وأن يد فرسه ساخت بها يوما في أرض صلدة فأمر بحفر ذلك المكان فوجد فيه خمسة نواويس فكشفها فوجد في الأوسط منها ميتا مصبرا في عسل وعلى صدره لوح لطيف من ذهب فيه كتابة لا تعرف والنواويس الأربعة مملوءة بسبائك الذهب فنقل ذلك الذهب ولم يجد من يقرأ ما في اللوح فدل على راهب شيخ بدير العربة بالصعيد له معرفة بخط الأولين فأمر بإحضاره فأخبره بضعفه عن الحركة فوجه باللوح إليه فلما وقف عليه قال إن هذا يقول أنا أكبر الملوك وذهبي أخلص الذهب
فلما بلغ ذلك أحمد بن طولون قال قبح الله من يكون هذا الكافر أكبر منه أو ذهبه أخلص من ذهبه فشدد في العيار في دور الضرب وكان يحضر ما يعلق من الذهب ويختم بنفسه فبقي الأمر على ما قرره في ذلك من التشديد في العيار
وكانت دار الضرب في الدولة الفاطمية لا يتولاها إلا قاضي القضاة تعظيما لشأنها وتكتب في عهده في جملة ما يضاف إلى وظيفه القضاء ويقيم لمباشرة ذلك من يختاره من نواب الحكم وبقي الأمر على ذلك زمنا بعد الدولة الفاطمية أيضا
أما في زماننا فنظرها موكول لناظر الخاص الذي استحدثه الملك الناصر محمد بن قلاوون عند تعطيله الوزارة على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى
والسكة السلطانية بالديار المصرية فيما هو مشاهد من الدنانير أن يكتب على أحد الوجهين لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون وعلى الوجه الآخر اسم السلطان الذي ضرب في زمنه وتاريخ سنة ضربه

الصنف الثاني الفضة النقرة
وقد ذكر ابن مماتي في قوانين الدواوين في عيارها أنه يؤخذ ثلاثمائة درهم فضة فتضاف إلى سبعمائة درهم من النحاس الأحمر ويسبك ذلك حتى يصير ماء واحدا فيقلب قضبانا ويقطع من أطرافها خمسة عشر درهما ثم تسبك فإن خلص منها أربعة دراهم فضة ونصف حسابا عن كل عشرة دراهم ثلاثة دراهم وإلا أعيدت إلى أن تصح
وكأن هذا ما كان الأمر عليه في زمانه والذي ذكره المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار أن عيارها الثلثان من فضة والثلث من نحاس وهذا هو الذي عليه قاعدة العيار الصحيح كما كان في أيام الظاهر بيبرس وما والاها وربما زاد عيار النحاس في زماننا على الثلث شيئا يسيرا بحيث يظهره النقد ولكنه يروج في جملة الفضة وربما حصل التوقف فيه إذا كان بمفرده
قلت أما بعد الثمانمائة فقد قلت الفضة وبطل ضرب الدراهم بالديار المصرية إلا في القليل النادر لاستهلاكها في السروج والآنية ونحوها وانقطاع واصلها إلى الديار المصرية من بلاد الفرنج وغيرها ومن ثم عز وجود الدراهم في المعاملة بل لم تكد توجد
ثم حدث بالشأم ضرب دراهم رديئة فيها الثلث فما دونه فضة والباقي نحاس أحمر وطريقة ضربها أن تقطع القضبان قطعا صغارا كما تقدم في الدنانير ثم ترصع إلا أن الدنانير لا تكون إلا صحاحا مستديرة والفضة ربما كان فيها القراضات الصغار المتفاوتة المقادير فيما دون الدرهم إلى ربع درهم وما حوله وصورة السكة على الفضة كما في الذهب من غير فرق
الصنف الثالث الفلوس المتخذة من النحاس الأحمر
وقد تقدم أنه كان في الزمن الأول فلوس صغار كل ثمانية وأربعين فلسا منها معتبرة بدرهم من النقرة إلى سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة الناصر حسن

ابن محمد بن قلاوون الثانية فأحدثت فلوس عبر عنها بالجدد زنة كل فلس منها مثقال وهو قيراط من أربعة وعشرين قيراطا من الدرهم ثم تناقص مقدارها حتى كادت تفسد وهي على ذلك
وطريق عملها أن يسبك النحاس الأحمر حتى يصير كالماء ثم يخرج فيضرب قضبانا ثم يقطع قطعا صغارا ثم ترصع وتسك بالسكة السلطانية وسكتها أن يكتب على أحد الوجهين اسم السلطان ولقبه ونسبه وعلى الآخر اسم بلد ضربه وتاريخ السنة التي ضرب فيها

الضرب الثاني من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي وهو
المكوس وهي على نوعين
النوع الأول ما يختص بالديوان السلطاني وهو صنفان
الصنف الأول ما يؤخذ على الواصل المجلوب وأكثره متحصلا جهتان
الجهة الأولى ما يؤخذ على واصل التجار الكارمية من البضائع في بحر القلزم من جهة الحجاز واليمن ومن والاهما وذلك بأربعة سواحل بالبحر المذكور
الساحل الأول عيذاب وقد كان أكثر السواحد واصلا لرغبة رؤساء المراكب في التعدية من جدة إليه وإن كانت باحته متسعة لغزارة الماء وأمن اللحاق بالشعب الذي ينبت في قعر هذا البحر ومن هذا الساحل يتوصل إلى قوص بالبضائع ومن قوص إلى فندق الكارم بالفسطاط في بحر النيل
الساحل الثاني القصير وهو في جهة الشمال عن عيذاب وكان يصل إليه بعض المراكب لقربه من قوص وبعد عيذاب منها وتحمل البضائع منه إلى

قوص ثم من قوص إلى فندق الكارم بالفسطاط على ما تقدم وإن لم يبلغ في كثرة الواصل حد عيذاب
الساحل الثالث الطور وهو ساحل في جانب الرأس الداخل في بحر القلزم بين عقبة أيلة وبين بر الديار المصرية وقد كان هذا الساحل كثير الواصل في الزمن المتقدم لرغبة بعض رؤساء المراكب في السير إليه لقرب المراكب فيه من بر الحجاز حتى لا يغيب البر عن المسافر فيه وكثرة المراسي في بره متى تغير البحر على صاحب المركب وجد مرساة يدخل إليها ثم ترك قصد هذا الساحل والسفر منه بعد انقراض بني بدير العباسية التجار ورغب المسافرون عن السفر فيه لما فيه من الشعب الذي يخشى على المراكب بسببه ولذلك لا يسافر فيه إلا نهارا وبقي على ذلك إلى حدود سنة ثمانين وسبعمائة فعمر فيه الأمير صلاح الدين بن عرام رحمه الله وهو يومئذ حاجب الحجاب بالديار المصرية مركبا وسفرها ثم أتبعها بمركب آخر فجسر الناس على السفر فيه وعمروا المراكب فيه ووصلت إليه مراكب اليمن بالبضائع ورفضت عيذاب والقصير وحصل بواسطة ذلك حمل الغلال إلى الحجاز وغزرت فوائد التجار في حمل الحنطة إليه
الساحل الرابع السويس على القرب من مدينة القلزم الخراب بساحل الديار المصرية
وهو أقرب السواحل إلى القاهرة والفسطاط إلا أن الدخول إليه نادر والعمدة على ساحل الطور كما تقدم

قلت وهذه السواحل على حد واحد في أخذ المرتب السلطاني وقد ذكر في قوانين الدواوين أن واصل عيذاب كان استقر فيه الزكاة
أما الذي عليه الحال في زماننا فإنه يؤخذ من بضائع التجار العشر مع لواحق أخرى تكاد أن تكون نحو المرتب السلطاني أيضا
واعلم أنه قد تصل البضائع للتجار المسلمين إلى ساحل الإسكندرية ودمياط المتقدم ذكرهما فيؤخذ منها المرتب السلطاني على ما توجبه الضرائب

الجهة الثانية ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا في طريق الشام إلى الديار
المصرية
وعليها يرد سائر التجار الواصلين في البر من الشام والعراق وما والاهما وهي أكثر الجهات متحصلا وأشدها على التجار تضييقا وعندهم صرائب مقررة لكل نوع يؤخذ عن نظيرها
الصنف الثاني ما يؤخذ بحاضرة الديار المصرية بالفسطاط والقاهرة
وهو جهات كثيرة يقال إنها تبلغ اثنتين وسبعين جهة منها ما يكثر متحصلة ومنها ما يقل ثم بعضها ما يتحصل من قليل وكثير وبعضها له لله ضمان بمقدار معين لكل جهة بطلب بذلك المقدار إن زادت الجهة فله وإن نقصت فعليه
قلت وقد عمت البلوى بهذه المكوس وخرجت في التزيد عن الحد ودخلت الشبهة في أموال الكثير من الناس بسببها
وقد كان السلطان صلاح الدين

يوسف بن أيوب رحمه الله في سلطنته قد رفع هذه المكوس ومحا آثارها وعوضه الله عنها بما حازه من الغنائم وفحته من البلاد والأقاليم وربما وقع الإلهام من الله تعالى لبعض ملوك المملكة برفع المظلمة الحاصلة منها
ومن أعظم ذلك خطرا وأرفعه أجرا ما فعله السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون تغمده الله تعالى برحمته من بطلان مكوس الملاهي والقراريط على الأملاك المبيعة

النوع الثاني ما لا اختصاص له بالديوان السلطاني
وهي المكوس المتفرقة ببلاد الديار المصرية فتكون تابعة للإقطاع إن كانت تلك البلد جارية في ديوان من الدواوين السلطانية فمتحصلها لذلك الديوان أو جارية في إقطاع بعض الأمراء ونحوهم فمتحصلها لصاحب الإقطاع ويعبر عنها في الدواوين بالهلالي كما يعبر عما يؤخذ من أجرة الأرضين بالخراجي
المقصد الثالث في ترتيب المملكة ولها ثلاث حالات
الحالة الأولى ما كانت عليه في زمن عمال الخلفاء من حين الفتح

إلى آخر الدولة الإخشيدية ولم يتحرر لي ترتيبها والظاهر أنه لم يزل نوابها وأمراؤها حينئذ على هيئة العرب إلى أن وليها أحمد بن طولون وبنوه وأحدثوا فيها ترتيب الملك
على أنه كان أكثر عسكره من السودان حتى يقال إنه كان في عسكره اثنا عشر ألف أسود وتبعتهم الدولة الإخشيدية على ذلك إلى آخر دولتهم
الحالة الثانية من أحوال الديار المصرية ما كانت عليه في زمن الخلفاء الفاطميين وينحصر المقصود من ترتيب مملكتهم في سبع جمل

الجملة الأولى في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام
وهي على أصناف متعددة
منها التاج
وكان ينعت عندهم بالتاج الشريف ويعرف بشدة الوقار
وهو تاج يركب به الحليفة في المواكب العظام وفيه جوهرة عظيمة تعرف باليتيمة زنتها سبعة دراهم ولا يقوم عليها لنفاستها وحولها جواهر أخرى دونها يلبس الخليفة هذا التاج في المواكب العظام مكان العمامة
ومنها قضيب الملك
وهو عود طول شبر ونصف ملبس بالذهب المرصع بالدر والجوهر يكون بيد الخليفة في المواكب العظام
ومنها السيف الخاص
الذي يحمل مع الخليفة في المواكب
يقال إنه كان من صاعقة وقعت وحصل الظفر بها فعمل منها هذا السيف وحليته من ذهب

مرصعة بالجواهر وهو في خريطة مرقومة بالذهب لا يظهر إلا رأسه وله أمير من أعظم الأمراء يحمله عند ركوب الخليفة في الموكب
ومنها الدواة
وهي دواة متخذة من الذهب وحليتها مصنوعة من المرجان على صلابته ومناعته تلف في منديل شرب أبيض مذهب ويحملها شخص من الأستاذين في الموكب أمام الخليفة تكون بينه وبين السرج ثم جعل حملها لعدل من العدول المعتبرين
ومنها الرمح
وهو رمح لطيف في غلاف منظوم باللؤلؤ وله سنان مختصر بحلية الذهب وله شخص مختص بحمله
ومنها الدرقة
وهي درقة كبيرة بكوابج من ذهب يقولون إنها درقة حمزة عم النبي وعليها غشاء من حرير ويحملها في الموكب أمير من أكابر الأمراء له عندهم جلالة
ومنها الحافر
وهي قطعة ياقوت أحمر في شكل الهلال زنتها أحد عشر مثقالا ليس لها نظير في الدنيا تخاط خياطة حسنة على خرقة من حرير وبدائرها قضب زمرد ذبابي عظيم الشأن تجعل في وجه فرس الخليفة عند ركوبه في المواكب

ومنها المظلة التي تحمل على رأس الخليفة عند ركوبه
وهي قبة على هيئة خيمة على رأس عمود كالمظلة التي يركب بها السلطان الآن
وكانت اثني عشر شوزكا عرض سفل كل شوزك شبر وطوله ثلاثة أذرع وثلث وآخره من أعلاه دقيق للغاية بحيث يجتمع الاثنا عشر شوزكا في رأس عمود بدائرة وعمودها قنطارية من الزان ملبسة بأنابيب الذهب وفي آخر أنبوبة ثلثي رأس العمود فلكة بارزة مقدار عرض إبهام تشد آخر الشوازك في حلقة من ذهب وتنزل في رأس الرمح
ولها عندهم مكانة جليلة لعلوها رأس الخليفة وحاملها من أكبر الأمراء
قال ابن الطوير وكان من شرطها عندهم أن تكون على لون الثياب التي يلبسها الخليفة في ذلك الموكب لا تخالف ذلك
ومنها الأعلام
وأعلاها اللواءان المعروفان بلواءي الحمد وهما رمحان طويلان ملبسان بأنابيب من ذهب إلى حد أسنتهما وبأعلاهما رايتان من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب ملفوفتان على الرمحين غير منشورتين يخرجان لخروج المظلة إلى أميرين معدين لحملها ودونهما رمحان برؤوسهما أهلة من ذهب صامت في كل واحد منهما سبع من ديباج أحمر وأصفر وفي فمه طارة مستديرة يدخل فيها الرمح فيفتحان فيظهر شكلهما يحملهما فارسان من صبيان الخاص ووراءهما رايات لطاف ملونة من الحرير المرقوم ومكتوب عليها ( نصر من الله وفتح قريب ) طول كل راية منها ذراعان في عرض ذراع ونصف في كل

واحدة ثلاث طرازات على رماح من القنا عدتها أبدا إحدى وعشرون راية يحملها أحد وعشرون فارسا من صبيان الخليفة وحاملها أبدا راكب بغلة
ومنها المذبتان وهما مذبتان عظيمتان كالنخلتين ملويتان محملولتان عند رأس فرس الخليفة في الركوب
ومنها السلاح الذي يحمله الركابية حول الخليفة
وهو صماصم مصقولة ودبابيس ملبسة بالكيمخت الأحمر والأسود ورؤوسها مدورة ولتوت حديد كذلك ورؤوسها مستطيلة وآلات يقال لها المستوفيات وهي عمد حديد طول ذراعين مربعات الأشكال بمقابض مدورة بعدة معلومة من كل صنف وستمائة حربة بأسنة مصقولة تحتها جلب الفضة وثلاثمائة درقة بكوابج فضة يحمل ذلك في الموكب ثلاثمائة عبد أسود كل عبد حربتان ودرقة واحدة وستون رمحا طول كل واحد منها سبع أذرع برأسها طلعة وعقبها من حديد يحملها قوم يقال لهم السريرية يفتلونها بأيديهم اليمنى فتلا متدارك الدوران ومائة درقة لطيفة ومائة سيف بيد مائة رجل كل رجل درقة وسيف يسيرون رجالة في الموكب وعشرة سيوف في خرائط ديباج أحمر وأصفر بشراريب يقال لها سيوف الدم تكون في أعقاب الموكب برسم ضرب الأعناق إذا أراد الخليفة قتل أحد
وذلك كله خارج عما يخرج من خزانة التجمل برسم الوزير وأكابر الأمراء وأرباب الرتب وأزمة العساكر لتجملهم في الموكب وهي نحو أربعمائة راية

مرقومة الأطراف وبأعلاها رمامين الفضة المذهبة وعدة من العماريات وهي شبه الكنجاوات ملبسة بالحرير الأحمر والأصفر والقرمزي وغير ذلك وعليها كوابج الفضة المذهبة لكل أمير من أصحاب القضب منها عمارية ويختص لواءان على رمحين منقوشين بالذهب غير منشورين يكونان أمامه في الموكب إلى غير ذلك من الآلات التي يطول ذكرها ويعسر استيعابها
ومنها النقارات
وكانت على عشرين بغلا على كل بغل ثلاث مثل نقارات الكوسات بغير كوسات تسير في الموكب اثنتين اثنتين ولها حس حسن
ومنها الخيام والفساطيط وكان من أعظم خيمهم خيمة تعرف بالقاتول طول عمودها سبعون ذراعا بأعلاه سفرة فضة تسع راوية ماء وسعتها ما يزيد على فدانين في التدوير وسميت بالقاتول لأن فراشا سقط من أعلاها فمات
قلت ولعمري إن هذه لأثرة عظيمة تدل على عظيم مملكة وقوة قدرة وأنى

يتأتى مثل هذه الخيمة لملك من الملوك وإن جل قدره وعظم شأنه

الجملة الثانية في حواصل الخليفة وهي على خمسة أنواع
النوع الأول الخزائن وهي ثمان خزائن
الأولى خزانة الكتب
وكانت من أجل الخزائن وأعظمها شأنا عندهم وكان فيها من المصاحف الشريفة المكتوبة بالخطوط المنسوبة الفائقة عدة كثيرة ومن الكتب ما يزيد على مائة ألف مجلد مشتملة على أنواع العلوم مما يدهش الناظر ويحيره وربما اجتمع من المصنف الواحد فيها عشر نسخ فما دونها وكان فيها من الدروج المكتتبة بالخطوط المنسوبة كخط ابن مقلة وابن البواب ومن جرى مجراهما
الثانية خزانة الكسوة وهي في الحقيقة خزانتان إحداهما الخزانة الظاهرة وهي المعبر عنها في زماننا بالخزانة الكبرى على ما كانت عليه أولا والمعبر عنها بخزانة الخاص على ما استقر عليه الحال آخرا وكان فيها من الحواصل من الديباج الملون على اختلاف ضروبها والشرب الخاص الدبيقي

والسقلاطون وغير ذلك من أنواع القماش الفاخرة ما يدل على عظم المملكة وإليها يحمل ما يعمل بدار الطراز بتنيس ودمياط والإسكندرية من مستعملات الخاص وفيها يفصل ما يؤمر به من لباس الخليفة وما يحتاج إليه من الخلع والتشاريف وغير ذلك
الثانية معدة للباس الخليفة خاصة وهي المعبر عنها في زماننا بالطشت خاناه وإليها ينقل القماش المفصل بالخزانة الأولى من قماش الخليفة وغيره
الثالثة خزانة الشراب
وهي المعبر عنها في زماننا بالشراب خاناه وكان فيها من أنواع الأشربة والمعاجين النفيسة والمربيات الفاخرة وأصناف الأدوية والعطريات الفائقة التي لا توجد إلا فيها وفيها من الآلات النفيسة والآنية الصيني من الزبادي والصحون والبراني والأزيار ما لا يقدر عليه غير الملوك
الرابعة خزانة الطعم
وهي المعبر عنها في زماننا بالحوائج خاناه وكانت تحتوي على عدة أصناف من جميع أصناف القلويات من الفستق وغيره والسكر والقند والأعسال على أصنافها والزيت والشمع وغير ذلك ومنها يخرج راتب المطابخ خاصا وعاما وينفق لأرباب الخدم وأصحاب التوقيعات في

كل شهر ولا يحتاج إلى غيرها إلا في اللحم والخضر
الخامسة خزانة السروج
وهي المعبر عنها في زماننا بالركاب خاناه وكانت قاعة كبيرة بالقصر بها السروج واللجم من الذهب والفضة وسائر آلات الخيل مما يختص بالخليفة ثم منها ما هو قريب من الخاص ومنها ما هو وسط برسم من هو من أرباب الرتب العالية ومنها ما هو دون برسم من هو برسم العواري أيام المواكب لأرباب الخدم
السادسة خزانة الفرش
وهي المعبر عنها في زماننا بالفراش خاناه وكان موضعها بالقصر بالقرب من دار الملك وكان الخليفة يحضر إليها من غير جلوس ويطوف فيها ويسأل عن أحوالها ويأمر بإدامة عمل الاحتياجات وحملها إليها
السابعة خزانة السلاح
وهي المعبر عنها في زماننا بالسلاح خاناه فيها من أنواع السلاح المختلفة ما لا نظير له من الزرديات المغشاة بالديباج المحكمة الصنعة المحلاة بالفضة والجواشن المذهبة والخوذ المحلاة بالذهب والفضة والسيوف العربيات والقلجورية والرماح القنا والقنطاريات المدهونة والمذهبة والأسنة العظيمة والقسي المخبورة المنسوبة إلى افاضل الصناع وقسي الرجل والركاب وقسي اللولب التي تبلغ زنة نصله خمسة أرطال بالمصري والنبل الذي يرمى به عن القسي العربية في المجاري المصنوعة لذلك
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر كان يصرف فيها في كل سنة سبعون ألف دينار إلى ثمانين ألف دينار

الثامنة خزانة التجمل
وهي خزانة فيها أنواع من السلاح يخرج منها للوزير والأمراء في المواكب الألوية والقضب الفضة والعماريات وغيرها
قال ابن الطوير هي من حقوق خزائن السلاح
وأما خزائن المال فكان فيها من الأموال والجواهر النفيسة والذخائر العظيمة والأقمشة الفاخرة ما لا تحصره الأقلام
وناهيك أن المستنصر لما وقع الغلاء العظيم بمصر أخرج من خزانته في سنة اثنتين وستين وأربعمائة ذخائر تسعها للإعانة على قيام أمر المملكة والجند فكان مما أخرجه ثمانون ألف قطعة بلور كبار وسبعون ألف قطعة من الديباج وعشرون ألف سيف محلى
ولما استولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على القصر بعد وفاة العاضد آخر خلفائهم وجد فيه من الأعلاق الثمينة والتحف ما يخرج عن حد الإحصاء من جملته الحافر الياقوت المقدم ذكره
ويقال إنه وجد فيه قضيب زمرد يزيد على قامة الرجل على ما تقدم ذكره في الكلام على الأحجار الملوكية في أثناء المقالة الأولى ووجد فيه أيضا الهرم العنبر الذي عمله الأمين زنته ألف رطل بالمصري

النوع الثاني حواصل المواشي المعبر عنها عند كتاب زماننا بالكراع وهي
حاصلان
الأول الإصطبلات
وهي حواصل الخيول والبغال وما في معناها قال ابن الطوير وكان لهم إصطبلان
قال وكان للخليفة برسم الخاص في كل

إصطبل ما يقرب من الألف رأس النصف من ذلك برسم الخاص والنصف برسم العواري في المواكب لأرباب الرتب والمستخدمين وكان لكل ثلاثة أرؤس منها سائس واحد لكل واحد منها شداد برسم تسييرها وبكل من الإصطبلين رائض كأمير آخور
ومن غريب ما يحكى أن أحدا من خلفاء الفاطميين لم يركب حصانا أدهم قط ولا يرون إضافته إلى دوابهم بالإصطبلات
الثاني المناخات
وهي حواصل الجمال وكان لهم من الجمال الكثيرة بالمناخات وعددها الفائقة ما يقصر عنه الحد

النوع الثالث حواصل الغلال وشون الأتبان
أما الغلال فكانت لهم الأهراء في عدة أماكن بالقاهرة وبالفسطاط والمقسم ومنها تصرف الإطلاقات لأرباب الرواتب والخدم والصدقات وأرباب الجوامع والمساجد والجرايات والطواحين السلطانية
وجرايات رجال الأسطول وغير ذلك وربما طال زمن الغلال فيها حتى تقطع بالمساحي
وأما شون الأتبان فكان بطريق الفسطاط شونتان عظيمتان مملوءتان بالتبن معبأتان تعبئة المراكب كالجبلين الشاهقين وينفق منها للإصطبلات والمواشي

الديوانية وعوامل بساتين الملك وكانت ضريبة كل شليف عندهم ثلاثمائة وستين رطلا

النوع الرابع
حواصل البضاعة
قال ابن الطوير وكان فيها ما لا يحصره إلا القلم من الأخشاب والحديد والطواحين النجدية والغشيمة وآلات الأساطيل من القنب والكتان والمنجنيقات والصناع الكثيرة من الفرنج وغيرهم من أهل كل صنعة وكانت الصناعة أولا بالجزيرة المعروفة الآن بالروضة ولذلك كانت تعرف بينهم بجزيرة الصناعة قاله القضاعي
النوع الخامس ما في معنى الحواصل لوقوع الصرف والتفرقة منه وهو الطواحين
والمطبخ ودار الفطرة
فأما الطواحين فإنها كانت معلقة مداراتها أسفل وطواحينها فوق كما في السواقي حتى لا يقارب الدقيق زبل الدواب الدائرة لاختصاصه بالخليفة
وأما المطبخ فقد تقدم في الكلام على خطط القاهرة وكان يدخل بالطعام

منه إلى القصر من باب الزهومة مكان قاعة الحنابلة من المدرسة الصالحية الآن على ما تقدم في خطط القاهرة
قال ابن الطوير ولم يكن لهم أسمطة عامة في سوى العيدين وشهر رمضان

الجملة الثالثة في ذكر جيوش الدولة الفاطمية وبيان مراتب أرباب السيوف
وهم على ثلاثة أصناف
الصنف الأول الأمراء وهم على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة الأمراء المطوقين
وهم الذين يخلع عليهم بأطواق الذهب في أعناقهم وكأنهم بمثابة الأمراء مقدمي الألوف في زماننا
المرتبة الثانية مرتبة أرباب القضب وهم الذين يركبون في المواكب بالقضب الفضة التي يخرجها لهم الخليفة من خزانة التجمل تكون بأيديهم وهم بمثابة الطبلخاناه في زماننا
المرتبة الثالثة أدوان الأمراء ممن لم يؤهل لحمل القضب
وهم بمثابة أمراء العشرات والخمسات في زماننا
الصنف الثاني خواص الخليفة وهم على ثلاثة أنواع
النوع الأول
الأستاذون
وهم المعروفون الآن بالخدام وبالطواشية وكان لهم في دولتهم المكانة الجليلة ومنهم كان أرباب الوظائف الخاصة بالخليفة وأجلهم المحنكون وهم الذين يدورون عمائمهم على أحناكهم كما تفعل العرب والمغاربة الآن

وهم أقربهم إليه وأخصهم به وكانت عدتهم تزيد على ألف
قال ابن الطوير وكان من طريقتهم أنه متى ترشح أستاذ منهم للحنك وحنك حمل إليه كل أستاذ من المحنكين بدلة كاملة من ثيابه وسيفا وفرسا فيصبح لاحقا بهم وفي يده مثل ما في أيديهم

النوع الثاني
صبيان الخاص
وهم جماعة من أخصاء الخليفة نحو خمسمائة نفر منهم أمراء وغيرهم ومقامهم مقام المعروفين بالخاصكية في زماننا
النوع الثالث صبيان الحجر
وهم جماعة من الشباب يناهزون خمسة آلاف نفر مقيمون في حجر منفردة لكل حجرة منها اسم يخصها يضاهون مماليك الطباق السلطانية الآن المعبر عنهم بالكتانية إلا أن عدتهم كاملة وعللهم مزاحة ومتى طلبوا لمهم لم يجدوا عائقا وللصبيان منهم حجرة منفردة يتسلمها بعض الأستاذين وكانت حجرتهم بمعزل عن القصر داخل باب النصر مكان الخانقاه الركنية بيبرس الآن
الصنف الثالث طوائف الأجناد
وكانوا عدة كثيرة تنسب كل طائفة منهم إلى من بقي من بقايا خليفة من

الخلفاء الماضين منهم كالحافظية والآمرية من بقايا الحافظ والآمر أو إلى من بقي من بقايا وزير من الوزراء الماضين كالجيوشية والأفضلية من بقايا أمير الجيوش بدر الجمالي وولده الأفضل أو إلى من هي منتسبة إليه في الوقت الحاضر كالوزيرية أو غير ذلك من القبائل والأجناس كالأتراك والأكراد والغز والديلم والمصامدة أو من المستصنعين كالروم والفرنج والصقالبة أو من السودان من عبيد الشراء أو العتقاء وغيرهم من الطوائف ولكل طائفة منهم قواد ومقدمون يحكمون عليهم

الجملة الرابعة في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية وهم على قسمين
القسم الأول ما بحضره الخليفة وهم أربعة أصناف
الصنف الأول أرباب الوظائف من أرباب السيوف وهم نوعان
النوع الأول وظائف عامة الجند وهي تسع وظائف
الوظيفة الأولى الوزارة وهي أرفع وظائفهم وأعلاها رتبة
واعلم أن الوزارة في الدولة الفاطمية كانت تارة تكون في أرباب السيوف وتارة في أربا بالأقلام وفي كلا الجانبين تارة تعلو فتكون وزارة تفويض تضاهي السلطنة الآن أو قريبا منها ويعبر عنها حينئذ بالوزارة وتارة تنحط فتكون دون ذلك ويعبر عنها حينئذ بالوساطة
قال في نهاية الأرب وأول من خوطب منهم بالوزارة يعقوب بن كلس

وزير العزيز وأول وزارتهم من عظماء أرباب السيوف بدر الجمالي وزير المستنصر وآخرهم صلاح الدين يوسف بن أيوب ومنها استقل بالسلطنة على ما تقدم
الوظيفة الثانية وظيفة صاحب الباب وهي ثاني رتبة الوزارة
قال ابن الطوير وكان يقال لها الوزارة الصغرى وصاحبها في المعنى يقرب من النائب الكافل في زماننا وهو الذي ينظر في المظالم إذا لم يكن وزير صاحب سيف فإن كان ثم وزير صاحب سيف كان هو الذي يجلس للمظالم بنفسه وصاحب الباب من جملة من يقف في خدمته
الوظيفة الثالثة الاسفهلارية
قال ابن الطوير وصاحبها زمام كل زمام وإليه أمر الأجناد والتحدث فيهم وفي خدمته وخدمة صاحب الباب تقف الحجاب على اختلاف طبقاتهم
الوظيفة الرابعة حمل المظلة في المواسم العظام كركوب رأس العام ونحوه
وهي من الوظائف العظام وصاحبها يسمى حامل المظلة وهو أمير جليل وله عندهم التقدم والرفعة لحمل ما يعلو رأس الخليفة
الوظيفة الخامسة حمل سيف الخليفة في المواكب التي تحمل فيها المظلة ويعبر عن صاحبها بحامل السيف
الوظيفة السادسة حمل رمح الخليفة في المواكب التي تحمل فيها المظلة
وهو رمح صغير يحمل مع الخليفة في المواكب وصاحبها يعبر عنه بحامل الرمح
الوظيفة السابعة حمل السلاح حول الخليفة في المواكب
وأصحاب هذه الوظيفة يعبر عنهم لزيهم بالركابية وبصبيان الركاب الخاص أيضا وهم الذين

يعبر عنهم في زماننا بالسلاح دارية والطبردارية وكانت عدتهم تزيد على ألفي رجل ولهم اثنا عشر مقدما وهم أصحاب ركاب الخليفة ولهم نقباء موكلون بمعرفتهم والأكابر من هؤلاء الركابية تندب في الأشغال السلطانية وإذا دخلوا عملا كان لهم فيه الصيت المرتفع
الوظيفة الثامنة ولاية القاهرة
وكان لصاحبها عندهم الرتبة الجليلة والحرمة الوافرة وله مكان في الموكب يسير فيه
الوظيفة التاسعة ولاية مصر
وهي دون ولاية القاهرة في الرتبة كما هي الآن إلا أن مصر كانت إذ ذاك عامرة آهلة فكان مقدارها أرفع مما هي عليه في زماننا

النوع الثاني وظائف خواص الخليفة من الأستاذين وهي عدة وظائف وهي على
ضربين
الضرب الأول ما يختص بالأستاذين المحنكين وهي تسع وظائف
الأولى شد التاج
وموضوعها أن صاحبها يتولى شد تاج الخليفة الذي يلبسه في المواكب العظيمة بمثابة اللفاف في زماننا وله ميزة على غيره بلمسه التاج الذي يعلو رأس الخليفة وكان لشده عندهم ترتيب خاص لا يعرفه كل أحد يأتي به في هيئة مستطيلة ويكون شده بمنديل من لون لبس الخليفة ويعبر عن هذه الشدة بشدة الوقار كما تقدم

الثانية وظيفة صاحب المجلس
وهو الذي يتولى أمر المجلس الذي يجلس فيه الخليفة الجلوس العام في الموكب ويخرج إلى الوزير والأمراء بعد جلوس الخليفة على سرير الملك يعلمهم بذلك وينعت بأمين الملك وهو بمثابة أمير خازندار خازنار في زماننا
الثالثة وظيفة صاحب الرسالة
وهو الذي يخرج برسالة الخليفة إلى الوزير وغيره
الرابعة وظيفة زمام القصور
وهو بمثابة زمام الدور في زماننا
الخامسة وظيفة صاحب بيت المال
وهو بمثابة الخازندار في زماننا
السادسة وظيفة صاحب الدفتر المعروف بدفتر المجلس وهو المتحدث على الدواوين الجامعة لأمور الخلافة
السابعة وظيفة حامل الدواة
وهي دواة الخليفة المتقدم ذكرها وصاحب هذه الوظيفة يحمل الدواة المذكورة قدامه على السرج ويسير بها في المواكب
الثامنة وظيفة زم الأقارب
وصاحبها يحكم على طائفة الأشراف الذين هم أقارب الخليفة وكلمته نافذة فيهم

التاسعة زم الرجال
وهو الذي يتولى أمر طعام الخليفة كأستادار الصحبة

الضرب الثاني ما يكون من غير المحنكين ومن مشهوره وظيفتان
الأولى نقابة الطالبيين
وهي بمثابة نقابة الأشراف الآن ولا يكون إلا من شيوخ هذه الطائفة وأجلهم قدرا وله النظر في أمورهم ومنع من يدخل فيهم من الأدعياء وإذا ارتاب بأحد أخذه بإثبات نسبه
وعليه أن يعود مرضاهم ويمشي في جنائزهم ويسعى في حوائجهم ويأخذ على يد المتعدي منهم ويمنعه من الاعتداء ولا يقطع أمرا من الأمور المتعلقة بهم إلا بموافقة مشايخهم ونحو ذلك
الوظيفة الثانية زم الرجال
وصاحبها يتحدث على طوائف الرجال والأجناد كزم صبيان الحجر وزم الطائفة الآمرية والطائفة الحافظية وزم السودان وغير ذلك وهو بمثابة مقدم المماليك في زماننا
الصنف الثاني من أرباب الوظائف بحضرة الخليفة أرباب الأقلام وهم على
ثلاثة أنواع
النوع الأول أرباب الوظائف الدينية والمشهور منهم ستة
الأول قاضي القضاة
وهو عندهم من أجل أرباب الوظائف وأعلاهم شأنا وأرفعهم قدرا
قال ابن الطوير ولا يتقدم عليه أحد أو يحتمي عليه وله النظر في الأحكام الشرعية ودور الضرب وضبط عيارها وربما جمع قضاء الديار المصرية وأجناد الشأم وبلاد المغرب لقاض واحد وكتب له به عهد واحد كما سيأتي في الكلام على الولايات إن شاء الله تعالى
ثم إن كان الوزير صاحب سيف كان تقليده من قبله نيابة عنه وإن لم

يكن كان تقليده من الخليفة
ويقدم له من إصطبلات الخليفة بغلة شهباء يركبها دائما وهو مختص بهذا اللون من البغال دون أرباب الدولة ويخرج له من خزانة السروج مركب ثقيل وسرج برادفتين من الفضة وفي المواسم الأطواق وتخلع عليه الخلع المذهبة وكان من مصطلحهم أنه لا يعدل شاهدا إلا بأمر الخليفة ولا يحضر إملاكا ولا جنازة إلا بإذن وإذا كان ثم وزير لا يخاطب بقاضي القضاة لأن ذلك من نعوت الوزير ويجلس يوم الاثنين والخميس بالقصر أول النهار للسلام على الخليفة ويوم السبت والثلاثاء يجلس بزيادة الجامع العتيق بمصر وله طرحة ومسند للجلوس وكرسي توضع عليه دواته
وإذا جلس بالمجلس جلس الشهود حواليه يمنة ويسرة على مراتبهم في تقدم تعديلهم
قال ابن الطوير حتى يجلس الشاب المتقدم التعديل أعلى من الشيخ المتأخر التعديل وبين يديه أربعة موقعون اثنان مقابل اثنين وببابه خمسة حجاب اثنان بين يديه واثنان على باب المقصورة وواحد ينفذ الخصوم ولا يقوم لأحد وهو في مجلس الحكم البتة
الثاني داعي الدعاة
وكان عندهم يلي قاضي القضاة في الرتبة ويتزيا بزيه في اللباس وغيره
وموضوعه عندهم أنه يقرأ عليه مذاهب أهل البيت بدار تعرف بدار العلم ويأخذ العهد على من ينتقل إلى مذهبهم
الثالث المحتسب
وكان عندهم من وجوه العدول وأعيانهم وكان من شأنه أنه إذا خلع عليه قريء سجله بمصر والقاهرة على المنبر ويده مطلقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قاعدة الحسبة ولا يحال بينه وبين مصلحة أرادها ويتقدم إلى الولاة بالشد منه ويقيم النواب عنه بالقاهرة ومصر

وجميع الأعمال كنواب الحكم ويجلس بجامعي القاهرة ومصر يوما بيوم وباقي أمره على ما الحال عليه الآن قلت ورأيت في بعض سجلاتهم إضافة الحسبة بمصر والقاهرة إلى صاحبي الشرطة بهما أحيانا
الرابع وكالة بيت المال وكانت هذه الوكالة لا تسند إلا لذوي الهيبة من شيوخ العدول ويفوض إليه عن الخليفة بيع ما يرى بيعه من كل صنف يملك ويجوز التصرف فيه شرعا وعتق المماليك وتزويج الإماء وتضمين ما يقتضي الضمان وابتياع ما يرى ابتياعه وإنشاء ما يرى إنشاءه من البناء والمراكب وغير ذلك مما يحتاج إليه في التصرف عن الخليفة
الخامس النائب
والمراد نائب صاحب الباب المتقدم ذكره المعبر عنه في زماننا بالمهمندار
قال ابن الطوير ويعبر عن هذه النيابة بالنيابة الشريفة
قال وهي رتبة جليلة يتولاها أعيان العدول وأرباب الأقلام وصاحبها ينوب عن صاحب الباب في تلقي الرسل الواردين على الخليفة على مسافة وقفة نواب الباب قي خدمته وينزل كلا منهم في المكان اللائق به ويرتب لهم ما يحتاجون إليه ولا يمكن أحدا من الاجتماع بهم ويتولى افتقادهم ويذكر صاحب الباب بهم ويسعى في نجاز أمرهم وهو الذي يسلم بهم على الخليفة أو الوزير ويتقدمهم ويستأذن عليهم ويدخل الرسول وصاحب الباب قابض على يده اليمنى والنائب قابض على يده اليسرى فيحفظ ما يقولون وما يقال لهم ويجتهد في انفصالهم على أحسن الوجوه وإذا غاب أقام عنه نائبا إلى أن يعود
ومن شريطته أنه لا يتناول من أحد من الرسل تقدمة ولا طرفة إلا بإذن

قال ابن الطوير وهو المسمى الآن بالممهمندار وسيأتي في الكلام على ترتيب المملكة المستقر أن المهمندار الآن من أصحاب السيوف وكأن ذلك لموافقة الدولة في اللسان والهيئة
السادس القراء
وكان لهم قراء يقرأون بحضرة الخليفة في مجالسه وركوبه في المواكب وغير ذلك وكان يقال لهم قراء الحضرة يزيدون في العدة على عشرة نفر وكانوا يأتون في قراءتهم في المجالس ومواكب الركوب بآيات مناسبة للحال بأدنى ملابسة قد ألفوا ذلك وصار سهل الاستحضار عليهم وكان ذلك يقع منهم موقع الاستحسان عند الخليفة والحاضرين حتى إنه يحكى أن بعض الخلفاء غضب على أمير فأمر باعتقاله فقرأ قارئ الحضرة ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) فاستحسن ذلك وأطلقه إلا أنهم كانوا ربما أتوا بآيات إذا روعي قصدهم فيها أخرجت القرآن عن معناه كما يحكى أنه لما استوزر المستنصر بدر الجمالي قرأ قارئهم ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) ولما استوزر الحافظ رضوان قرأ قارئهم ( يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان ) إلى غير ذلك من الوقائع

النوع الثاني من أرباب الأقلام أصحاب الوظائف الديوانية وهي على أربعة
أضرب
الضرب الأول الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم
اعلم أن أكثر وزرائهم في ابتداء دولتهم إلى أثناء خلافة المستنصر كانوا من

أرباب الأقلام تارة وزارة تامة وتارة وساطة وهي رتبة دون الوزارة وممن اشتهر من وزرائهم أرباب الأقلام فيما ذكره ابن الطوير يعقوب بن كلس وزير العزيز والحسن بن عبد الله اليازوري وزير المستنصر وأبو سعيد التستري والجرجراني وابن أبي كدينة وأبو الطاهر أحمد بن بابشاذ صاحب المقدمة في النحو ووزير الوزراء علي بن فلاح والمغربي وزير

المستنصر وهو آخر من وزر لهم من أصحاب الأقلام وعليه قدم أمير الجيوش بدر الجمالي فوزر للمستنصر على ما تقدم ذكره وربما تخلل تلك المدة الأولى في الوساطة أرباب السيوف كبرجوان الخادم وقائد القواد الحسين بن جوهر وثقة ثقات السيف والقلم علي بن صالح كلهم في أيام الحاكم
وربما ولي الوساطة بعض النصارى كعيسى بن نسطورس في أيام العزيز ومنصور بن عبدون الملقب بالكافي وزرعة بن نسطورس الملقب بالشافي كلاهما في أيام الحاكم
وربما كان الأمر شورى في أهل المروادني وكان من زي وزرائهم أصحاب الأقلام أنهم يلبسون المناديل الطبقيات بالأحناك تحت حلوقهم كالعدول وينفردون بلبس الدراريع مشقوقة من النحر إلى أسفل الصدر بأزرار وعرى وهذه علامة الوزارة ومنهم من تكون أزراره من ذهب مشبك ومنهم من تكون أزراره من لؤلؤ وعادته أن تحمل له الدواة المحلاة بالذهب من خزانة الخليفة ويقف بين يديه الحجاب وأمره نافذ في أرباب السيوف من الأجناد وفي أرباب الأقلام

الضرب الثاني ديوان الإنشاء وكان يتعلق به عندهم ثلاث وظائف
الأولى صحابة ديوان الإنشاء والمكاتبات وكان لا يتولاه إلا أجل كتاب البلاغة ويخاطب بالأجل وكان يقال له عندهم كاتب الدست الشريف وإليه تسلم المكاتبات الواردة مختومة فيعرضها على الخليفة من يده وهو الذي يأمر بتنزيلها والإجابة عنها ويستشيره الخليفة في أكثر أموره ولا يحجب عنه متى قصد المثول بين يديه وربما بات عنده الليالي ولا سبيل إلى أن يدخل إلى ديوانه ولا يجتمع بكتابه أحد إلا خواص الخليفة
وله حاجب من أمراء الشيوخ وله مرتبة عظيمة للجلوس عليها بالمخاد والمسند ودواته من أخص الدوي وأحسنها إلا أنه ليس لها كرسي توضع عليه كدواة قاضي القضاة ويحملها له أستاذ من الأستاذين المختصين بالخليفة إذا أتى إلى حضرته
الثانية التوقيع بالقلم الدقيق في المظالم وهي رتبة جليلة تلي رتبة صاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات يكون صاحبها جليسا للخليفة في أكثر أيام الأسبوع في خلوته يذاكره ما يحتاج إليه من كتاب الله تعالى أو أخبار الأنبياء والخلفاء الماضين ويقرأ عليه ملح السير ويكرر عليه ذكر مكارم الأخلاق ويقوي يده في تجويد الخط وغير ذلك
وصحبته للجلوس دواة محلاة فإذا فرغ من المجالسة ألقى في الدواة كاغدة فيها عشرة دنانير وقرطاس فيه ثلاثة مثاقيل ند مثلث خاص ليتبخر به عند دخوله على الخليفة ثاني دفعة
وإذا جلس الوزير صاحب السيف للمظالم كان إلى جانبه يوقع بما يأمر به في المظالم
وله موضع من حقوق ديوان المكاتبات لا يدخل إليه أحد إلا بإذن وفراش لتقديم القصص ويرفع إليه هناك قصص المظالم ليوقع عليها بما يقتضيه الحال كما يفعل كاتب السر الآن

الثالثة التوقيع بالقلم الجليل وكان يسمى عندهم الخدمة الصغيرة لجلالتها ولصاحبها الطراحة والمسند في مجلسه بغير حاجب
وموضوعها الكتابة بتنفيذ ما يوقع به صاحب القلم الدقيق وبسطه
وصاحب القلم الدقيق في المعنى ككاتب السر أو كاتب الدست في زماننا وصاحب القلم الجليل ككاتب الدرج
فإذا رفعت قصص المظالم حملت إلى صاحب القلم الدقيق فيوقع عليها بما يقتضيه الحال بأمر الخليفة أو أمر الوزير أو من نفسه ثم تحمل إلى الموقع بالقلم الجليل لبسط ما أشار إليه صاحب القلم الدقيق ثم تحمل في خريطة إلى الخليفة فيوقع عليها ثم تخرج في خريطتها إلى الحاجب فيقف على باب القصر ويسلم كل توقيع لصاحبه
أما توقيع الخليفة بيده على القصص فإنه إن كان ثم وزير صاحب سيف وقع الخليفة على القصة بخطه وزيرنا السيد الأجل ونعته بالمعروف به أمتعنا الله تعالى ببقائه يتقدم بكذا وكذا إن شاء الله تعالى ويحمل إلى الوزير فإن كان يحسن الكتابة كتب تحت خط الخليفة أمتثل أمر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وإن كان لا يحسن الكتابة كتب أمتثل فقط وإن لم يكن وزير صاحب سيف فإن أراد الخليفة نجاز الأمر لوقته وقع في الجانب الأيمن من القصة يوقع بذلك فتخرج إلى صاحب ديوان المجلس فيوقع عليها بالقلم الجليل ويخلى موضع العلامة ثم تعاد إلى الخليفة فيكتب في موضع العلامة يعتمد وتثبت في الدواوين بعد ذلك
وإن كان يوقع في مساحة أو تسويغ أو تحبيس كتبت لرافعها بذلك وقد أمضينا ذلك وإن أراد علم حقيقة القصة وقع على جانب القصة ليخرج الحال في ذلك وتحمل إلى الكاتب فيكتب الحال وتعاد إلى الخليفة فيفعل فيها ما أراد من توقيع ومنع والله أعلم

الضرب الثالث ديوان الجيش والرواتب وهو على ثلاثة أقسام
الأول ديوان الجيش
ولا يكون صاحبه إلا مسلما وله الرتبة الجليلة والمكانة الرفيعة وبين يديه حاجب وإليه عرض الأجناد وخيولهم وذكر حلاهم وشيات خيولهم
وكان من شرط هذا الديوان عندهم ألا يثبت لأحد من الأجناد إلا الفرس الجيد من ذكور الخيل وإناثها دون البغال والبراذين وليس له تغيير أحد من الأجناد ولا شيء من إقطاعهم إلا بمرسوم
وبين يدي صاحب هذا الديوان نقباء الأمراء يعرفونه أحوال الأجناد من الحياة والموت والغيبة والحضور وغير ذلك على ما الحال عليه الآن
وكان قد فسح للأجناد في المقايضة بالإقطاعات لما لهم في ذلك من المصالح كما هو اليوم بتوقيعات من صاحب ديوان المجلس من غير علامة ولم يكن لأمير من أمرائهم بلد كاملة وإن علا قدره إلا في النادر
ومن هذا الديوان كان يعمل أوراق أرباب الجرايات وله خازنان برسم رفع الشواهد
الثاني ديوان الرواتب
وكان يشتمل على اسم كل مرتزق في الدولة وجار وجراية وفيه كاتب أصيل بطراحة ونحو عشرة معينين والتعريفات واردة عليه من كل عمل باستمرار من هو مستمر ومباشرة من استجد وموت من مات وفيه عدة عروض يأتي ذكرها في الكلام على إجراء الأرزاق والعطاء
الثالث ديوان الإقطاع
وكان مختصا عندهم بما هو مقطع للأجناد وليس للمباشرين فيه تنزيل حلية جندي ولا شية دابته وكان يقال لإقطاعات العربان في أطراف البلاد وغيرها الاعتداد وهي دون عبرة الأجناد

الضرب الرابع نظر الدواوين
وصاحب هذه الوظيفة هو رأس الكل وله الولاية والعزل وإليه عرض الأرزاق في أوقات معروفة على الخليفة والوزير وله الجلوس بالمرتبة والمسند وبين يديه حاجب من أمراء الدولة وتخرج له الدواة من خزانة الخليفة بغير كرسي وإليه طلب الأموال واستخراجها والمحاسبة عليها ولا يعترض فيما يقصده من أحد من الدولة
قال ابن الطوير ولم ير في هذا الوظيفة نصراني إلا الأحرم
الثانية ديوان التحقيق
وموضوعه المقابلة على الدواوين وكان لا يتولاه إلا كاتب خبير وله الخلع ومرتبة يجلس عليها وحاجب بين يديه ويفتقر إليه في كثير من الأوقات ويلحق برأس الدواوين المتقدم ذكره
الثالثة ديوان المجلس
قال ابن الطوير وهو أصل الدواوين قديما وفيه معالم الدولة بأجمعها وفيه عدة كتاب وعنده معين أو معينان وصاحب هذا الديوان هو المتحدث في الإقطاعات ويخلع عليه وينشأ له سجل بذلك لاحق بديوان النظر وله دواة تخرج له من خزانة الخليفة وحاجب يقف بين يديه وكان يتولاه عندهم أحد كتاب الدولة ممن يكون مترشحا لأن يكون رأس الدواوين ويسمى استيماره دفتر المجلس وهو متضمن للعطاء والظاهر من الرسوم التي تقرر في غرة السنة والضحايا وما ينفق في دار الفطرة في عيد الفطر

وفي فتح الخليج والأسمطة المستعملة في رمضان وغيره وسائر المآكل والمشارب والتشريفات وما يطلق من الأهراء من الغلات وما لأولاد الخليفة وأقاربه وأرباب الرواتب على اختلاف الطبقات من المرتب وما يرد من الملوك من الهدايا والتحف وما يبعث به إليه من الملاطفات ومقادير صلات الرسل الواردين بالمكاتبات وما يخرج من الأكفان لمن يموت من الحريم وضبط ما ينفق في الدولة من المهمات ليعلم ما بين السنة والأخرى من التفاوت وغير ذلك من الأمور المهمة
وهذا الديوان في زماننا قد تفرق إلى عدة دواوين كالوزارة ونظر الخاص والجيش وغيرها
الرابعة ديوان خزائن الكسوة
وكان لها عندهم رتبة عظيمة في المباشرات
وقد تقدم ذكر حواصلها في جملة الخزائن فيما سبق
الخامسة الطراز
وكان يتولاه الأعيان من المستخدمين من أرباب الأقلام وله اختصاص بالخليفة دون كافة المستخدمين ومقامه بدمياط وتنيس وغيرهما من مواضع الاستعمالات ومن عنده تحمل المستعملات إلى خزانة الكسوة المقدمة الذكر
السادسة الخدمة في ديوان الأحباس قال ابن الطوير وهي أوكد الدواوين مباشرة ولا يخدم فيها إلا أعيان كتاب المسلمين من الشهود المعدلين وفيها عدة مدراء بسبب أرباب الرواتب وكان فيه كاتبان ومعينان لنظم الاستيمارات ويورد في استيماره كل ما في الرقاع والرواتب وما يجبي له من جهات كل من الوجهين القبلي والبحري
السابعة الخدمة بديوان الرواتب
وفيه مرتبات الوزير فمن دونه إلى الضوي قال ابن الطوير بلغ في بعض السنين ما يزيد على مائة ألف دينار ونحوا من مائتي ألف ومن القمح والشعير عشرة آلاف إردب وكان استيمار الرواتب يعرض في كل سنة على الخليفة فيزيد من يزيد وينقص من ينقص وإنه عرض

سنة على المستنصر بالله فلم يعترض أحدا من المرتبين بنقص ووقع على ظاهر الاستيمار بخطه الفقر مر المذاق والحاجة تذل الأعناق وحراسة النعم بإدرار الأرزاق فليجروا على رسومهم في الإطلاق ما عندكم ينفذ وما عند الله باق وأمر ولي الدولة ابن خيران كاتب الإنشاء بإمضاء ذلك
الثامنة الخدمة في ديوان الصعيد من الصعيد الأعلى والصعيد الأدنى
وكان فيه عدة كتاب فروع والاستيفاء مقسوم بينهم وعليهم عمل التذاكر بطلب ما تأخر من الحساب
وصاحب هذا الديوان يترجمها بخطه ويحملها إلى صاحب الديوان الكبير فيوقع عليها بالاسترفاع ويندب لها من الحجاب أو غيرهم من يراه وله مياومة يأخذها من المستخدمين مدة بقائه عندهم ويحضرها نسخا للدواوين الأصول
التاسعة الخدمة في ديوان أسفل الأرض
وهو الوجه البحري خلا الثغور وحكمه فيما تقدم من الكتاب وما يلزم كلا منهم حكم ديوان الصعيد المتقدم الذكر من غير فرق
العاشرة الخدمة في ديوان الثغور
وهي الإسكندرية ودمياط ونستروه والبرلس والفرما وحكمه حكم ما تقدم من ديوان الصعيد وأسفل الأرض
الحادية عشرة الخدمة في الجوالي والمواريث الحشرية
قال ابن الطوير كان لا يتولاه إلا عدل وفيه جماعة من الكتاب على ما تقدم في غيره من الدواوين أيضا
الثانية عشرة الخدمة في ديواني الخراجي والهلالي وتجري فيه الرباع والمكوس وعليه حوالات أكثر المرتزقين
الثالثة عشرة الخدمة في ديوان الكراع
وفيه معاملة الإصطبلات

وما فيها من الدواب الخاص وغيرها والبغال والجمال ودواب المرمة المرصدة للعمائر ورباع الديوان وعدد ذلك وآلاته وعلوفات ذلك مع ما ينضم إليه من علوفة الفيلة والزراريف والوحوش وراتب من يخدمها
وكان في هذا الديوان كاتبا أصل ومستوفي ومعينان
الرابعة عشرة الخدمة في ديوان الجهاد
ويقال له ديوان العمائر وكان محله بالصناعة بمصر وفيه إنشاء المراكب للأسطول وحمل الغلال السلطانية والأحطاب وغيرها ومنه ينفق على رؤساء المراكب ورجالها وإذا لم يف ارتفاقه بما يحتاج إليه استدعي له من بيت المال بما يكفيه

الصنف الثالث من أرباب الوظائف أصحاب الوظائف الصناعية
وأعظمها وظائف الأطباء وكان للخليفة طبيب يعرف بطبيب الخاص يجلس على باب دار الخليفة كل يوم ويجلس على الدكك التي بالقاعة المعروفة بقاعة الذهب بالقصر دونه أربعة أطباء أو ثلاثة فيخرج الأستاذون فيستدعون منهم من يجدونه للدخول على المرضى بالقصر لجهات الأقارب والخواص فيكتب لهم رقاعا على خزانة الشراب فيأخذون ما فيها وتبقى الرقاع عند مباشريها شاهدا لهم
ولكل منهم الجاري والراتب على قدره
الصنف الرابع
الشعراء
وكانوا جماعة كثيرة من أهل ديوان الإنشاء وغيره وكان منهم أهل سنة لا

يغلون في المديح وشيعة يغلون فيه
فمن أحسن مدح فيهم لسني قول عمارة اليمني رحمه الله
( أفاعيلهم في الجود أفعال سنة ... وإن خالفوني في اعتقاد التشيع )
ومن الذي وقعت فيه المغالاة قول بعضهم
( هذا أمير المؤمنين بمجلس ... أبصرت فيه الوحي والتنزيلا )
( وإذا تمثل راكبا في موكب ... عانيت تحت ركابه جبريلا )
قلت وهذه المغالاة من المغالاة الفاحشة التي لا يجوز الإقدام عليها لسني ولا متشيع وإنما هي من اقتحام الشعراء البوائق

القسم الثاني من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة
الخلافة وهو صنفان
الصنف الأول النواب والولاة
واعلم أن مملكتهم كانت قد انحصرت في ثلاث ممالك فيها نوابهم وولاتهم المملكة الأولى الديار المصرية وهي التي كانت قد استقرت قاعدة ملكهم ومحط رحالهم وكان بها أربع ولايات
الأولى ولاية قوص وكانت هي أعظم ولايات الديار المصرية وواليها يحكم على جميع بلاد الصعيد وربما ولي بالأشمونين ونحوها من يكون دونه

الثانية ولاية الشرفية وكانت دون ولاية قوص في الرتبة وكان متوليها يحكم على عمل بلبيس وعمل قليوب وعمل اشموم
الثالثة ولاية الغربية وكانت دون ولاية الشرقية في المرتبة وكان متوليها يحكم على عمل المحلة وعمل منوف وعمل أبيار
الرابعة ولاية الإسكندرية وهي دون الغربية في الرتبة وكان متوليها يحكم على أعمال البحيرة بأجمعها
قال ابن الطوير وهؤلاء الأربعة كان يخلع عليهم من خزانة الكسوة بالبدنة وهو النوع الذي يلبسه الخليفة في يوم فتح الخليج
قلت لعل هذه الولايات الأربع ولايات الولاة التي تدخل تحت حكمها الولايات الصغار أو تكون هي التي استقر عليه الحال في آخر دولتهم وإلا فقد رأيت في تذكرة أبي الفضل الصوري أحد كتاب الإنشاء في أيام القاضي الفاضل سجلات كثيرة لولاة الوجهين القبلي والبحري

الجملة الخامسة من ترتيب مملكتهم في هيئة الخليفة في مواكبه وقصوره وهي
على ثلاثة أضرب
الضرب الأول جلوسه في المواكب وله ثلاثة جلوسات
الجلوس الأول
جلوسه في المجلس العام أيام المواكب
واعلم أن جلوس الخليفة أولا كان بالإيوان الكبير الذي كان بالقصر على

سرير الملك الذي كان بصدره إلى آخر أيام المستعلي
فلما ولي ابنه الآمر الخلافة بعده نقل الجلوس من الإيوان الكبير إلى القاعة المعروفة بقاعة الذهب بالقصر أيضا وصار يجلس من مجالسها على سرير الملك به وجعل الإيوان الكبير خزانة للسلاح ولم يتعرض لإزالة سرير الملك منه حتى جاءت الدولة الأيوبية وهو باق وكان جلوس الخليفة في هذه الحالة لا يتعدى يومي الاثنين والخميس وليس ذلك على الداوم بل على التقرير بحسب ما يقتضيه الحال
فإذا أراد الجلوس فإن كان في الشتاء علق المجلس الذي يجلس فيه بستور الديباج وفرش بالبسط الحرير وإن كان في الصيف علق بالستور الدبيقية وفرش بطبري طبرستان المذهب الفائق وهيئت المرتبة المعدة لجلوسه على سرير الملك بصدر المجلس وغشي السرير بالقرقوبي ثم يستدعى الوزير من داره بصاحب الرسالة على حصان رهوان في أسرع حركة على خلاف الحركة المعتادة فيركب الوزير في هيئته وجماعته وبين يديه الأمراء فإذا وصل إلى باب القصر ترجل الأمراء وهو راكب إلى أول باب باب من الدهاليز الطوال عند دهليز يعرف بدهليز العمود ويمشي وبين يديه أكابر الأمراء إلى مقطع الوزارة بقاعة الذهب فإذا تهيأ جلوس الخليفة استدعى الوزير من مقطع الوزارة إلى باب المجلس الذي فيه الخليفة وهو مغلق وعلى بابه ستر معلق فيقف زمام القصر عن يمين باب المجلس وزمام بيت المال عن يساره والوزير واقف أمام باب المجلس وحواليه الأمراء المطوقون وأرباب الخدم الجليلة وفي خلال القوم قراء الحضرة ويضع صاحب المجلس الدواة مكانها من المرتبة أمام الخليفة ثم

يخرج كم من أكمامه يعرف بفرد الكم ويشير إلى زمام القصر وزمام بيت المال الواقفين بباب المجلس فيرفع كل منهما جانب الستر فيظهر الخليفة جالسا على سرير الملك مستقبل القول بوجهه ويستفتح القراء بالقرآن ويدخل الوزير المجلس ويسلم بعد دخوله ثم يقبل يدي الخليفة ورجليه ويتأخر مقدار ثلاثة أذرع ويقف ساعة زمانية ثم تخرج له مخدة عن الجانب الأيمن من الخليفة ويؤمر بالجلوس إليها ويقف الأمراء في أماكنهم المقررة لهم فصاحب الباب واسفهسلار من جانبي الباب يمينا ويسارا ويليهم من خارجه ملاصقا للعتبة زمام الآمرية والحافظية وباقي الأمراء على مراتبهم إلى آخر الرواق وهو إفريز عال عن أرض القاعة ثم أرباب القضب والعماريات يمنة ويسرة كذلك ثم الأماثل والأعيان من الاجناد المترشحين للتقدمة ويقف مستندا بالقدر الذي يقابل باب المجلس نواب الباب والحجاب فإذا انتظم الأمر على ذلك فأول ماثل للخدمة بالسلام قاضي القضاة والشهود المعروفون بالاستخدام فيجيز صاحب الباب القاضي دون من معه فيسلم على الخليفة بأدب الخلافة بأن يرفع يده اليمنى ويشير بالمسبحة ويقول بصوت مسموع السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته يتخصص بهذا الكلام دون غيره من أهل السلام ثم يسلم بالأشراف الأقارب زمامهم وبالأشراف الطالبيين نقيبهم فتمضي عليهم كذلك ساعتان زمانيتان أو ثلاث ثم يسلم عليه من خلع عليه بقوص أو الشرقية أو الغربية أو الإسكندرية ويشرفون بتقبيل العتبة وإذا دعت حاجة الوزير إلى مخاطبة الخليفة في أمر قام من مكانه وقرب منه منحنيا على سيفه ويخاطبه مرة أو مرتين أو ثلاثا ثم يأمر الحاضرون بالانصراف فينصرفون ويكون آخرهم خروجا الوزير بعد تقبيل يد الخليفة ورجله فإذا خرج إلى الدهليز الذي ترجل فيه ركب

منه إلى داره وفي خدمته من حضر في خدمته إلى القصر ويدخل الخليفة إلى سكنه مع خواص الأستاذين ثم يغلق باب المجلس ويرخى الستر إلى أن يحتاج إلى حضور موكب آخر فيكون الأمر كذلك

الجلوس الثاني جلوسه للقاضي والشهود في ليالي الوقود الأربع من كل سنة
وهي ليلة أول رجب وليلة نصفه وليلة أول شعبان وليلة نصفه
إذا مضى النصف من جمادى الآخرة حمل إلى القاضي من حواصل الخليفة ستون شمعة زنة كل شمعة منها سدس قنطار بالمصري ليركب بها في أول ليلة من شهر رجب فإذا كان أول ليلة منه جلس الخليفة في منظرة عالية كانت عند باب الزمرد من أبواب القصر المتقدم ذكره وبين يديه شمع يوقد في العلو يتبين شخصه على إرتفاعه
ويركب القاضي من داره بعد صلاة المغرب وبين يديه الشمع المحمول إليه من خزانة الخليفة موقودا من كل جانب ثلاثون شمعة وبين الصفين مؤذنو الجوامع يعلنون بذكر الله تعالى ويدعون للخليفة والوزير بترتيب مقرر محفوظ ويحجبه ثلاث من نواب الباب وعشرة من حجاب الخليفة خارجا عن حجاب الحكم المستقرين وهم خمسة في زي الأمراء وفي ركابه القراء يقرأون القرآن والشهود وراءه على ترتيب جلوسهم بمجلس الحكم الأقدم فالأقدم وحول كل منهم ثلاث شمعات أو شمعتان أو شمعة واحدة إلى بين القصرين في جمع عظيم حتى يأتي باب الزمرد من أبواب القصر فيجلسون في رحبة تحت المنظرة التي فيها الخليفة ويحضر بين يديه بسمت ووقار وتشوف لانتظار ظهور الخليفة فيفتح الخليفة إحدى طاقات المنظرة فيظهر منها رأسه

ووجهه وعلى رأسه عدة من خواص الأستاذين من المحنكين وغيرهم فيفتح بعض الأستاذين طاقة أخرى فيخرج منها رأسه ويده اليمنى ويشير بكمه قائلا أمير المؤمنين يرد عليكم السلام فيسلم بقاضي القضاة أولا بنعوته وبصاحب الباب بعده كذلك وبالجماعة الباقية جملة من غير تعيين أحد ويستفتح قراء الحضرة بالقراءة وهم قيام في الصدر ظهورهم إلى حائط المنظرة ووجوههم للحاضرين
ثم يتقدم خطيب الجامع الأنور وهو الذي بباب البحر فيخطب كما يخطب فوق المنبر وينبه على فضيلة ذلك الشهر وأن ذلك الركوب علامته ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة ثم يتقدم خطيب الجامع الأزهر فيخطب كذلك ثم يتقدم خطيب جامع الحاكم فيخطب كذلك والقراء في خلال تلك الخطب يقرأون فإذا انتهت خطابة الخطباء أخرج الأستاذ الأول يده من تلك الطاقة فيرد على الجماعة السلام ثم تغلق الطاقتان وينفض الناس ثم يركب القاضي والشهود إلى دار الوزير فيجلس لهم ليسلموا عليه ويخطب الخطباء الثلاثة عنده بأخف من مقام الخليفة ويدعون له ثم ينصرفون ويذهب القاضي والشهود صحبته إلى مصر ووالي القاهرة في خدمته ويمر بجامع ابن طولون فيصلي فيه ويخرج منه فيجد والي مصر في تلقيه فيمضي في خدمته ويمر على المشاهد فيتبرك بها ويمضي إلى الجامع العتيق ويدخل من باب الزيادة التي يحكم فيها فيصلي في الجامع ركعتين ويوقد له التنور الفضة الذي بالجامع وهو تنور عظيم حسن التكوين فيه نحو ألف وخمسمائة براقة وبسفله نحو مائة قنديل ثم يخرج من الجامع فإن كان ساكنا بمصر استقر بها وإن كان ساكنا بالقاهرة انتظره والي القاهرة في مكانه حتى يعود من مصر فيذهب في خدمته إلى داره
وكذلك يركب في ليلة الخامس عشر من رجب إلا أنه بعد صلاته في جامع

مصر يتوجه إلى القرافة فيصلي في جامعها ثم يركب في أول شعبان كذلك ثم في نصفه كذلك

الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي في الثاني عشر من شهر ربيع الأول
وكان عادتهم فيه أن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارا من السكر الفائق حلوى من طرائف الأصناف وتعبى في ثلاثمائة صينية نحاس
فإذا كان ليلة ذلك المولد تفرق في أرباب الرسوم كقاضي القضاة وداعي الدعاة وقراء الحضرة والخطباء والمتصدرين بالجوامع بالقاهرة ومصر وقومة المشاهد وغيرهم ممن له اسم ثابت بالديوان ويجلس الخليفة في منظرة قريبة من الأرض مقابل الدار القطبية المتقدمة الذكر وهي البيمارستان المنصوري الآن ثم يركب القاضي بعد العصر ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر ومعهم أرباب تفرقة الصواني المتقدمة الذكر فيجلسون في الجامع مقدار قراءة الختمة الكريمة وتسد الطريق تحت القصر من جهة السيوفيين وسويقة أمير الجيوش ويكنس ما بين ذلك ويرش بالماء رشا ويرش تحت المنظرة بالرمل الأصفر
ويقف صاحب الباب ووالي القاهرة على رأس الطرق لمنع المارة ثم يستدعى القاضي ومن معه فيحضرون ويترجلون على القرب من المنظرة ويجتمعون تحتها وهم متشوفون لانتظار ظهور الخليفة فيفتح إحدى طاقات المنظرة فيظهر منها وجهه ثم يخرج أحد الأستاذين المحنكين يده ويشير بكمه بأن الخليفة يرد عليكم السلام ويقرأ القراء ويخطب الخطباء كما تقدم في ليالي الوقود فإذا انتهت خطابة الخطباء أخرج الأستاذ يده مشيرا برد السلام كما تقدم ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس إلى بيوتهم وكذلك شأنهم في مولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الخاص في أوقات معلومة عندهم من السنة

الضرب الثاني ركوبه في المواكب وهو على نوعين
النوع الأول ركوبه في المواكب العظام وهي ستة مواكب
الموكب الأول ركوب أول العام
وكان من شأنهم فيه أنه إذا كان العشر الآخر من ذي الحجة من السنة وقع الاهتمام بإخراج ما يحتاج إليه في المواكب من حواصل الخليفة فيخرج من خزائن السلاح ما يحمله الركابية وغيرهم حول الخليفة كالصماصم والدبابيس واللتوت وعمد الحديد والسيوف والدرق والرماح والألوية والأعلام
ومن خزانة التجمل برسم الوزير والأمراء وأرباب الخدم الألوية والقضب والعماريات وغير ذلك مما تقدم ذكره
ومن الإصطبلات مائة فرس مسومة برسم ركوب الخليفة وما بجنبه
ويخرج من خزانة السروج مائة سرج بالذهب والفضة مرصع بعضها بالجواهر بمراكب من ذهب وفي أعناق الخيل أطواق الذهب وقلائد العنبر وفي أرجل أكثرها خلاخل الذهب والفضة مسطحة قيمة كل فرس وما عليها من العدة ألف دينار يدفع للوزير منها عشرة بعدتها برسم ركوبه وركوب أخصائه وتسلم إلى المناخات أغشية العماريات لتحمل على الجمال إلى غير ذلك من الآلات المستعملة في المواكب مما تقدم ذكره في الكلام على الخزائن ويبعث إلى أرباب الخدم من الإصطبلات بخيول عادية ليركبوها في الموكب
فإذا كان يوم التاسع والعشرين من ذي الحجة استدعى الخليفة الوزير من داره على الرسم المعتاد في الإسراع فإذا عاد صاحب الرسالة من استدعاء الوزير خرج الخليفة من مكانه راكبا في القصر فينزل في السدلة بدهليز باب الملك

الذي فيه الشباك وعليه ستر من ظاهره فيقف من جانبه الأيمن زمام القصر ومن جانبه الأيسر صاحب بيت المال ويركب الوزير من داره وبين يديه الأمراء فإذا وصل إلى باب القصر ترجل الأمراء وهو راكب ويدخل من باب العيد ولا يزال راكبا إلى أول باب من الدهاليز الطوال فينزل ويمشي فيها وحواليه حاشية ومن يرابه من أولاده وأقاربه
فإذا وصل إلى الشباك وجد تحته كرسيا كبيرا من حديد فيجلس عليه ورجلاه تطأ الأرض فإذا جلس رفع كل من زمام القصر وصاحب بيت المال الستر من جانبه فيرى الخليفة جالسا على مرتبة عظيمة فيقف ويسلم ويخدم بيده في الأرض ثلاث مرات ثم يؤمر بالجلوس على كرسيه فيجلس
ويستفتح القراء بقراءة آيات لائقة بذلك المكان مقدار نصف ساعة ثم يسلم الأمراء ويشرع في عرض خيول الخاص المقدم ذكرها واحدة واحدة إلى آخرها
فإذا تكمل عرضها قرأ القراء ما يناسب ختم ذلك المجلس
فإذا فرغوا أرخى الستر وقام الوزير فدخل عليه فقبل يديه ورجليه ثم ينصرف عنه فيركب من مكان نزوله ويخرج الأمراء معه إلى خارج فيمضون معه إلى داره ركبانا ومشاة على حسب مراتبهم
فإذا صلى الخليفة الظهر جلس لعرض خزانة الكسوة الخاص وتعيين ما يلبس في ذلك الموكب ولباسه فيه فيعين منديلا لشد التاج وبدلة من هذا النوع والجوهرة الثمينة وما معها من الجواهر المتقدمة الذكر لشد التاج وتشد مظلة تشبه تلك البذلة وتلف في منديل دبيقي فلا يكشفها إلا حاملها عند ركوب الخليفة ثم يشد لواءي الحمد المتقدمي الذكر
فإذا كان أول يوم من العام بكر أرباب الرتب من ذوي السيوف والأقلام فلا يصبح الصبح إلا وهم بين القصرين منتظرين ركوب الخليفة وهو يومئذ فضاء واسع خال من البناء ويبكر الأمراء إلى دار الوزير ليركبوا معه فيخرج من داره ويركب إلى القصر من غير استدعاء وأمامه ما شرفه به الخليفة من الألوية والأعلام والأمراء بين يديه ركبانا ومشاة وأولاده وإخوته قدامه وكل منهم مرخى الذؤابة بلا حنك وهو في هيئة عظيمة

من الثياب الفاخرة والمنديل والحنك متقلدا بالسيف الذهب
فإذا وصل إلى باب القصر ترجل الأمراء ودخل هو راكبا إلى محل نزوله بدهليز القصر المعروف بدهليز العمود فيترجل هناك ويمشي في بقية الدهاليز حتى يصل إلى مقطع الوزارة بقاعة الذهب هو وأولاده وإخوته وخواص حاشيته ويجلس الأمراء بالقاعة على دكك معدة لهم ويدخل فرس الخليفة إلى باب المجلس الذي هو فيه وعلى باب المجلس كرسي يركب من عليه
فإذا استوت الدابة إلى ذلك الكرسي أخرجت المظلة إلى حاملها فيكشفها مما هي ملفوفة فيه ويتسلمها بإعانة أربعة معدين لخدمتها فيركزها في آلة من حديد تشبه القرن المصطحب مشدودة في ركاب حاملها الأيمن بقوة ويمسك العمود بحاجز فوق يده ثم يخرج السيف فيتسلمه حامله فإذا تسلمه أرخى ذؤابته فلا تزال مرخاة ما دام حاملا له ثم تخرج الدواة فيتسلمها حاملها ويجعلها قدامه بينه وبين السرج ثم يخرج الوزير عن المقطع وينضم إليه الأمراء ويقفون إلى جانب فرس الخليفة ويرفع صاحب المجلس الستر فيخرج من كان عند الخليفة للخدمة من الأستاذين ويخرج الخليفة في أثرهم في ثيابه المختصة بذلك اليوم وعلى رأسه التاج الشريف والدرة اليتيمة على جبهته وهو محنك مرخي الذؤابة مما يلي جانبه الأيسر متقلد بالسيف العربي وقضيب الملك بيده ويسلم على الوزير قوم مرتبون لذلك ثم على القاضي وعلى الأمراء بعدهما ثم يخرج الأمراء وبعدهم الوزير فيركب ويقف قبالة باب القصر ويخرج الخليفة راكبا وفرسه ماشية على بسط خشية أن تزلق على الرخام والأستاذون حوله
فإذا قارب الباب وظهر وجهه ضرب رجل ببوق لطيف معوج الرأس متخذ من الذهب يقال له الغربية مخالف لصوت الأبواق فتضرب البوقات في المواكب وتنشر المظلة ويخرج الخليفة من باب القصر فيقف وقفة يسيرة بمقدار ركوب الأستاذين المحنكين وغيرهم من أرباب الرتب الذين كانوا في الخدمة بالقاعة ثم يسير الخليفة في الموكب وصاحب المظلة على يساره وهو يحرص ألا يزول ظلها عن الخليفة ثم يكتنف الخليفة مقدمو صبيان الركاب

اثنان منهم في شكيمتي لجام فرسه واثنان في عنق الفرس من الجانبين واثنان في ركابه من الجانبين أيضا والأيمن منهما هو صاحب المقرعة الذي يناولها للخليفة ويتناولها منه وهو الذي يؤدي عن الخليفة مدة ركوبه الأوامر والنواهي واللواءان المعروفان بلواءي الحمد عن جانبيه والمذبتان عند رأس فرس الخليفة والركابية يمينه وشماله نحو ألف رجل مقلدوا السيوف مشدودو الأوساط بالمناديل والسلاح وهم من جانبي الخليفة كالجناحين المادين بينهما فرجة نوجه الفرس ليس فيها أحد وبالقرب من رأسها الصقلبيان الحاملان للمذبتين وهما مرفوعتان كالنخلتين ويترتب الموكب أجناد الأمراء وأولادهم وأخلاط العسكر أمام المركب وأدوان الأمراء يلونهم وبعدهم أرباب القضب الفضة من الأمراء ثم أرباب الأطواق منهم ثم الأستاذون المحنكون ثم أهل الوزير المتقدم ذكرهم ثم الحاملان للواءي الحمد من الجانبين ثم حامل الدواة وحامل السيف بعده وهما من الجانب الأيسر وكل واحد ممن تقدم ذكره بين عشرة إلى عشرين من أصحابه ثم الخليفة بين الركابية وهو سائر على تؤدة ورفق وفي أوائل العسكر ومتقدميه والي القاهرة ذاهبا وعائدا لفسح الطرقات وتسيير من يقف وفي وسط العسكر اسفهسلار يحث الأجناد على الحركة ويزجر المتزاحمين والمعترضين في العسكر ذاهبا وعائدا وفي زمرة الخليفة صاحب الباب لترتيب العسكر وحراسة طرقات الخليفة ذاهبا وعائدا يلقى صاحب الباب اسفهسلار واسفهسلار يلقى والي القاهرة وفي يد كل منهم دبوس وخلف الخليفة جماعة من الركابية لحفظ أعقابه ثم عشرة يحملون عشرة سيوف في

خرائط ديباج أحمر وأصفر يقال لها سيوف الدم برسم ضرب الأعناق وبعدهم الحاملون للسلاح الصغير المتقدم الذكر ووراءه الوزير في هيئة عظيمة وفي ركابه نحو خمسمائة رجل ممن يختاره لنفسه من أصحابه وقوم يقال لهم صبيان الزرد من أقوياء الأجناد من جانبيه بفرجة لطيفة أمامه دون فرجة الخليفة مجتهدا إلا يغيب الخليفة عن نظره وخلفه الطبول والصنوج والصفافير في عدة كثيرة تدوي من أصواتها الدنيا ووراء ذلك حامل الرمح المقدم ذكره والدرقة المنسوبة إلى حمزة ثم رجال الأساطيل مشاة ومعهم القسي العربية وتسمى قسي الرجل والركاب ما يزيد على خمسمائة رجل ثم طوائف الرجال من المصامدة ثم الريحانية والجيوشية ثم الفرنجية ثم الوزيرية زمرة بعد زمرة في عدة وافرة تزيد على أربعة آلاف ثم أصحاب الرايات والسبعين ثم طوائف العساكر من الآمرية والحافظية والحجرية الكبار والحجرية الصغار والأفضلية والجيوشية ثم الأتراك المصطنعون ثم الديلم ثم الأكراد ثم الغز المصطنعة وغيرهم ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس
قال ابن الطوير وهذا كله بعض من كل
وإذا ترتب الموكب على ذلك سار من باب القصر الذي خرج منه بين القصرين يسير بموكبة حتى يخرج من باب النصر ويصل إلى حوض كان هناك يعرف بعز الملك على القرب من باب

النصر ثم ينعطف على يساره طالبا باب الفتوح وربما عطف عند خروجه من باب النصر على يساره وسار بجانب السور حتى يأتي باب الفتوح فيدخل منه
وكيفما كان فإنه يدخل منه ويسير الموكب حتى ينتهي بين القصرين فيقف العسكر هناك على ما كان عليه عند الركاب ويترجل الأمراء
فإذا انتهى الخليفة إلى الجامع الأقمر وقف هناك في جماعته وينفرج الموكب للوزير فيتحرك مسرعا ليصير أمام الخليفة
فإذا مر بالخليفة سكع له سكعة ظاهرة فيشير الخليفة بالسلام عليه إشارة خفيفة وهذه أعظم كرامة تصدر من الخليفة ولا تكون إلا للوزير صاحب السيف
فإذا جاوز الوزير الخليفة سبقه إلى باب القصر ودخل راكبا على عادته والأمراء أمامه مشاة إلى الموضع الذي ركب منه بدهليز العمود المقدم ذكره فيترجل هناك ويقف هو والأمراء لانتظار الخليفة
فإذا انتهى الخليفة إلى باب القصر ترجل الأستاذون المحنكون ودخل الخليفة القصر وهو راكب والأستاذون محدقون به
فإذا انتهى إلى الوزير مشى الوزير أمام وجه فرسه إلى الكرسي الذي ركب من عليه فيخدمه الوزير والأمراء وينصرفون ويدخل الخليفة إلى دوره
فإذا خرج الوزير إلى مكان ترجله ركب والأمراء بين يديه وأقاربه حواليه إلى خارج باب القصر فيركب منهم من يستحق الركوب ويمشي من يستحق المشي ويسيرون في خدمته إلى داره فيدخل راكبا وينزل على كرسي فيخدمه الجماعة وينصرفون وقد رأى الناس من حسن الموكب ما أبهجهم وراق خواطرهم ويتفرق الناس إلى أماكنهم فيجدون الخليفة قد أرسل إليهم الغرة وهي دنانير رباعية ودراهم خفاف مدورة ويكون الخليفة قد أمر بضربها في العشر الأخير من ذي الحجة برسم التفرقة في هذا اليوم لكل واحد من الوزير والأمراء وأرباب المراتب من حملة السيوف والأقلام قدر مخصوص من ذلك فيقبلونها على سبيل التبرك من الخليفة ويكتب إلى البلاد والأعمال مخلقات بالبشائر بركوب أول العام كما يكتب بوفاء النيل وركوب الميدان الآن

الموكب الثاني ركوب أول شهر رمضان
وهو قائم عند الشيعة مقام رؤية الهلال والأمر في العرض واللباس والآلات والركوب والموكب وترتيبه والطرق المسلوكة على ما تقدم في أول العام من غير فرق ويكتب فيه المخلقات بالبشائر كما يكتب في أول العام
الموكب الثالث ركوبه في أيام الجمع الثلاث من شهر رمضان
وهي الجمعة الثانية والثالثة والرابعة وذلك أنه إذا ركب إلى الجامع الأنور بباب البحر بكر صاحب بيت المال إلى الجامع بالفرش المختص بالخليفة محمولا على أيدي أكابر الفراشين ملفوفا في العراضي الدبيقية فيفرش في المحراب ثلاث طراحات إما شاميات وإما دبيقي أبيض منقوشة بالحمرة وتفرش واحدة فوق واحدة ويعلق ستران يمنة ويسرة في الستر الأيمن مكتوب برقم حرير أحمر سورة الفاتحة وسورة الجمعة وفي الستر الأيسر سورة الفاتحة وسورة المنافقين كتابة واضحة مضبوطة ويصعد قاضي القضاة المنبر وفي يده مدخنة لطيفة خيزران يحضرها إليه صاحب بيت المال وفيها ند مثلث لا يشم مثله إلا هناك فيبخر ذروة المنبر التي عليها القنا كالقبة لجلوس الخليفة للخطابة ثلاث دفعات ويركب الخليفة في هيئة ما تقدن في أول العام وأول رمضان من المظلة والآلات ولباسه فيه الثياب البياض غير المذهبة توقيرا للصلاة والمنديل والطيلسان المقورة
وحول ركابه خارج الركابية قراء الحضرة من الجانبين يرفعون أصواتهم بالقراءة نوبة بعد نوبة من حين ركوبه من القصر إلى حين دخوله قاعة الخطابة فيدخل من باب الخطابة فيجلس فيها وإن احتاج إلى تجديد وضوء

فعل وتحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسلار وصبيان الخاص وغيرهم ممن يجري مجراهم من أولها إلى آخرها وكذلك من داخلها من باب خروجه إلى المنبر
فإذا أذن للجمعة دخل إليه قاضي القضاة فقال السلام على أمير المؤمنين الشريف القاضي الخطيب ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمك الله فيخرج ماشيا وحواليه الأستاذون المحنكون والوزير وراءه ومن يليهم من الأمراء من صبيان الخاص وبأيديهم الأسلحة حتى ينتهي إلى المنبر فيصعد حتى يصل إلى الذروة تحت القبة المبخرة والوزير على باب المنبر ووجهه إليه
فإذا استوى جالسا أشار إلى الوزير بالصعود فيصعد إلى أن يصل إليه فيقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس ثم يزر عليه تلك القبة وتصير كالهودج ثم ينزل مستقبلا للخليفة ويقف ضابطا للمنبر فإن لم يكن وزير صاحب سيف كان الذي يزر عليه قاضي القضاة ويقف صاحب الباب ضابطا للمنبر فيخطب خطبة قصيرة من سفط يأتي إليه من ديوان الإنشاء ويقرأ فيها آية من القرآن الكريم ثم يصلي فيها على أبيه وجده يعني النبي وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ويعظ الناس وعظا بليغا قليل اللفظ ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه فيقول اللهم وأنا عبدك وابن عبديك لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا ويتوسل بدعوات فخمة تليق به ويدعو للوزير وإن كان ثم وزير وللجيوش بالنصر والتآلف وللعساكر بالظفر وعلى الكافرين والمخالفين بالهلاك والقهر ثم يختم بقوله ( اذكروا الله يذكركم ) فيطلع إليه من زر عليه فيفك ذلك التزرير عنه وينزل القهقري فيدخل المحراب ويقف على تلك الطراحات إماما والوزير وقاضي القضاة صفا ومن ورائهما الأستاذون المحنكون والأمراء المطوقون وأرباب الرتب من أصحاب السيوف والأقلام والمؤذنون وقوف وظهورهم الحائظ المقصورة والجامع مشحون بالعالم للصلاة وراءه فيقرأ في الركعة الأولى ما هو مكتوب في الستر الأيمن وفي الثانية ما في الستر الأيسر فإذا

سمع الخليفة سمع القاضي المؤذنين فيسمع المؤذنون الناس
فإذا فرغ خرج الناس وركبوا أولا فأولا وعاد إلى القصر والوزير وراءه حتى يأتي إلى القصر والطبول والبوقات تضرب ذهابا وإيابا
فإذا كانت الجمعة الثالثة من الشهر ركب إلى الجامع الأزهر كذلك وفعل كما فعل في الجمعة الأولى لا يختلف في ذلك غير الجامع
فإذا كانت الجمعة الرابعة منه ركب إلى الجامع العتيق بمصر ويزين له أهل القاهرة من باب القصر إلى الجامع الطولوني ويزين له أهل مصر من الجامع الطولوني إلى الجامع العتيق وقد ندب الواليان بالبلدين من يحفظ الناس والزينة ويركب من باب القصر ويسير في الشارع الأعظم بمصر يمشي في شارع واحد بين العمارة إلى الجامع العتيق بمصر فيفعل كما فعل في الجامعين الأولين من غير مخالفة
فإذا قضى الصلاة عاد إلى القاهرة من طريقه تلك إلى أن يصل إلى قصره وفي خلال ذلك كله لا يمر بمسجد إلا أعطى أهله دينارا على كثرة المساجد في طريقه

الموكب الرابع ركوبه لصلاة عيدي الفطر والأضحى
أما عيد الفطر فيقع الاهتمام بركوبه في العشر الأخير من رمضان وتعبى أهبة المواكب على ما تقدم في أول العام وغيره وكان خارج باب النصر مصلى على ربوة وجميعها مبني بالحجر ولها سور دائر عليها وقلعة على بابها وفي صدرها قبة كبيرة في صدرها محراب والمنبر إلى جانب القبة وسط المصلى مكشوفا تحت السماء ارتفاعه ثلاثون درجة وعرضه ثلاثة أذرع وفي أعلاه مصطبة
فإذا كمل رمضان وهو عندهم ثلاثون يوما من غير نقص فإذا كان اليوم الأول من شوال سار صاحب بيت المال إلى المصلى خارج باب النصر وفرش

الطراحات بمحراب المصلى كما تقدم في الجوامع في أيام الجمع ويعلق سترين يمنة ويسرة في الأيمن الفاتحة وسبح اسم ربك الأعلى وفي الأيسر الفاتحة وهل أتاك حديث الغاشية ويركز في جانبي المصلى لواءين مشدودين على رمحين ملبسين بأنابيب الفضة وهما منشوران مرخيان ويوضع على ذروة المنبر طراحة من شاميات أو دبيقي ويفرش باقيه بستر من بياض على مقداره في تقاطيع درجة مضبوطة لا تتغير بالمشي وغيره ويجعل في أعلاه لواءان مرقومان بالذهب يمنة ويسرة ثم سار الوزير من داره إلى قصر الخليفة على عادته المتقدمة الذكر ويركب الخليفة بهيئة المواكب العظيمة على ما تقدم في أول العام من المظلة والتاج وغير ذلك من الآلات ويكون لباسه في هذا اليوم الثياب البيض الموشحة المجومة وهي أجل لباسه ومظلته كذلك ويخرج من باب العيد على عادته في ركوب المواكب إلا أن العساكر في هذا اليوم من الأمراء والأجناد والركبان والمشاة تكون أكثر من غيره وينتظم القوم له صفين من باب القصر إلى المصلى ويركب الخليفة إلى المصلى فيدخل من شرقيها إلى مكان يستريح فيه دقيقة ثم يخرج محفوظا بحاشيته كما في صلاة الجمع المتقدمة الذكر فيصير إلى المحراب والوزير والقاضي وراءه كما تقدم فيصلي صلاة العيد بالتكبيرات المسنونة ويقرأ في الركعة الأولى ما في الستر الذي على يمينه وفي الثانية ما في الستر الذي على يساره
فإذا فرغ وسلم صعد المنبر لخطابة العيد فإذا انتهى إلى ذروة المنبر جلس على تلك الطراحة بحيث يراه الناس ويقف أسفل المنبر الوزير وقاضي القضاة وصاحب الباب واسفهسلار وصاحب السيف وصاحب الرسالة وزمام القصر وصاحب دفتر المجلس وصاحب المظلة وزمام الأشراف الأقارب وصاحب بيت المال وحامل الرمح ونقيب الأشراف

الطالبيين ووجه الوزير إليه فيشير إليه فيصعد ويقرب وقوفه منه ويكون وجهه موازيا رجليه فيقبلهما بحيث يراه الناس ثم يقوم فيقف على يمنة الخليفة
فإذا وقف أشار إلى قاضي القضاة بالصعود فيصعد إلى سابع درجة ثم يتطلع إليه منتظرا ما يقول فيشير إليه فيخرج من كمه درجا قد أحضر إليه في أمسه من ديوان الإنشاء بعد عرضه على الخليفة والوزير فيعلن بقراءة مضمونة ويقول بعد البسملة ثبت بمن شرف بصعود المنبر الشريف في يوم كذا وهو عيد الفطر من سنة كذا من عند أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين بعد صعود السيد الأجل يذكر نعوت الوزير المقررة والدعاء له ثم ذكر من يشرفه الخليفة بصعود المنبر من أولاد الوزير ثم ذكر القاضي ولكنه يكون هو القارئ للثبت فلا يسعه ذكر نعوته فيقول المملوك فلان بن فلان ونحو ذلك ثم الواقفين على باب المنبر ممن تقدم ذكره بنعوتهم واحدا واحدا وكلما ذكر واحدا استدعاه وطلع المنبر كل منهم يعرف مقامه في المنبر يمنة ويسرة
فإذا لم يبق أحد ممن أطلع إلى المنبر أشار الوزير إليهم فأخذ كل من هو في جانب بيده نصيبا من اللواء الذي بجانبه فيستتر الخليفة ويستترون وينادي في الناس بالإنصات فيخطب الخليفة خطبة بليغة مناسبة لذلك المقام يقرؤها من السفط الذي يحضر إليه مسطرا من ديوان الإنشاء كما جمع رمضان المتقدمة الذكر
فإذا فرغ من الخطبة ألقى كل من في يده شيء من اللواء خارج المنبر فينكشفون وينزلون القهقهري أولا بأول الأقرب فالأقرب
فإذا خلا المنبر للخليفة هبط ودخل المكان الذي خرج منه فيلبث قليلا ثم يركب في هيئته التي أتى فيها إلى المصلى ويعود في طريقه التي أتى

منها
فإذا قرب من القصر تقدمه الوزير على العادة ثم يدخل من باب العيد الذي خرج منه فيجلس في الشباك الذي في الإيوان الكبير وقد مد منه إلى فسقية في وسط الإيوان مقدار عشرين قصبة سماط فيه من الخشكنان والبستندود وغير ذلك مما يعمل في العيد مثل الجبل الشاهق كل قطعة ما بين ربع قنطار إلى رطل واحد فيأكل من يأكل وينقل من ينقل لا حجر عليه ولا مانع دونه ثم يقوم من الإيوان فيركب إلى قاعة الذهب فيجد سرير الملك قد نصب ووضع له مائدة من فضة ومد السماط تحت السرير فيترجل عن السرير ويجلس على المائدة ويستدعي الوزير فيجلس معه ويجلس الأمراء على السماط ولا يزال كذلك حتى يستهدم السماط قريب صلاة الظهر ثم يقوم وينصرف الوزير إلى داره والأمراء في خدمته فيمد لهم سماطا يأكلون منه وينصرفون
وأما عيد الأضحى فإنه إذا دخل ذو الحجة وقع الاهتمام بركوبه
فإذا كان يوم العيد ركب الخليفة على ما تقدم في عيد الفطر من الزي والترتيب والركوب إلى المصلى ويكون لباس الخليفة فيه الأحمر الموشح ومظلته كذلك ويخرج إلى المصلى خارج باب النصر ويخطب ثم يعود إلى القصر كما في عيد الفطر من غير زيادة ولا نقص ثم بعد دخوله إلى القصر يخرج من باب الفرج وهو باب القصر الذي كان مسامتا لدار سعيد السعداء التي هي الخانقاة الآن فيجد

الوزير راكبا على الباب المذكور فيترجل الوزير ويمشي في خدمته إلى المنحر وهو خارج الباب المذكور
وكان إذ ذاك الفضاء واسعا لابناء فيه وهناك مصطبة مفروشة فيطلع عليها الخليفة والوزير وقاضي القضاة والأستاذون المحنكون وأكابر الدولة ويكون قد سبق إلى المنحر أحد وثلاثون فصيلا وناقة للأضحية وبيده حربة وقاضي القضاة ممسك بأصل سنانها وتقدم إليه الأضحية رأسا رأسا فيجعل القاضي السنان في نحر النحيرة ويطعن به الخليفة في لبتها فتخر بين يديه حتى يأتي على الجميع ثم يسير رسوم الأضحية إلى أرباب الرسوم المقررة وفي اليوم الثاني يساق إلى المنحر سبعة وعشرون رأسا ويركب الخليفة فيفعل بها كذلك وفي اليوم الثالث يساق إليه ثلاث وعشرون رأسا فيفعل بها كذلك
فإذا انقضى ذلك في اليوم الثالث وعاد الخليفة إلى القصر خلع على الوزير ثيابه الحمر التي كانت عليه يوم العيد ومنديلا بغير اليتيمة والعقد المنظوم بالجوهر ويركب الوزير بالخلعة من القصر ويشق القاهرة بالشارع سالكا إلى الخليج فيسير عليه حتى يدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة وبذلك انفصال العيد
ثم أول نحيرة تنحر تقدد وتسير إلى داعي اليمن فيفرقها على المعتقدين من وزن نصف درهم إلى وزن ربع درهم وباقي ذلك يفرق على أرباب الرسوم في أطباق للبركة وأكثره يفرقه قاضي القضاة وداعي الدعاة على الطلبة بدار العدل والمتصدرين بجوامع القاهرة وفي اليوم الأول يمد السماط بقاعة الذهب على ما تقدم في عيد الفطرمن غير فرق

الموكب الخامس ركوبه لتخليق المقياس عند وفاء النيل
قد تقدم عند ذكر النيل في الكلام على الديار المصرية ابتداء زيادة النيل ووفاؤه وانتهاؤه وذكر المناداة عليه على ما الأمر مستقر عليه
إلا أنه في زمن هؤلاء الخلفاء لم يكن ينادى عليه قبل الوفاء وإنما يؤخذ قاعه وتكتب به رقعة للخليفة والوزير ثم ينزل بديوان الرسائل في مسير معد له في الديوان ويستمر الحال على ذلك في كل يوم ترفع رقعة إلى ديوان الإنشاء بالزيادة لا يطلع عليه غير الخليفة والوزير وأمره مكتوم إلى أن يبقى من ذراع الوفاء وهو السادس عشر أصبع أو أصبعان فيؤمر بأن يبيت في جامع المقياس تلك الليلة قراء الحضرة والمتصدرون بالجوامع بالقاهرة ومصر ومن يجري مجراهم لختم القرآن الكريم في تلك الليلة هناك ويمد لهم السماط بالأطعمة الفاخرة وتوقد عليهم الشموع إلى الصبح
فإذا أصبح الصبح وأذن الله تعالى بوفاء النيل في تلك الليلة طلعت رقعة ابن أبي الرداد إلى الخليفة فتحضر إليه بالقصر فيركب الخليفة في هيئة عظيمة من الثياب الفاخرة والموكب العظيم إلا أنه لا يلبس التاج الذي فيه اليتيمة ولا يخلي المظلة على رأسه في ذلك اليوم ويركب الوزير وراءه في الجمع العظيم على ترتيب الموكب ويخرج من القصر شاقا القاهرة إلى باب زويلة فيخرج منه ويسلك الشارع إلى أن يجاوز البستان المعروف بعباس عند رأس الصليبة بالقرب من الخانقاه الشيخونية الآن فيعطف سالكا على الجامع الطولوني والجسر الأعظم حتى يأتي مصر ويدخل من الصناعة وهي يومئذ في غاية العمارة وبها دهليز ممتد بمصاطب مفروشة بالحصر العبداني مؤزر بها ويخرج من بابها شاقا مصر حتى يأتي المنظرة المعروفة برواق الملك على القرب من باب القنطرة فيدخلها من الباب المواجه له والوزير معه ماشيا إلى المكان المعد له ويكون العشاري الخاص المعبر عنه الآن بالحراقة واقفا هناك

بشاطئ النيل وقد حمل إليه من القصر بيت مثمن من العاج والأبنوس كل جانب منه ثلاثة أذرع وطوله قامة رجل تام فيركب في العشاري المذكور وعليه قبة من خشب محكم الصنعة وهو وقبته ملبس صفائح الفضة المذهبة ثم يخرج الخليفة من دار الملك المذكور ومعه من الأستاذين المحنكين من يختاره من ثلاثة إلى أربعة ثم يطلع خواص الخليفة إلى العشاري والوزير ومعه من خواصه اثنان أو ثلاثة لا غير فيجلس الوزير في رواق بظاهر البيت المذكور بفوانيس من خشب مخروط مدهونة مذهبة بستور مسدلة عليه ويسير العشاري من باب المنظرة إلى باب المقياس العلي على الدرج فيطلع من العشاري ويدخل إلى الفسقية التي فيها المقياس والوزير والأستاذون المحنكون بين يديه فيصلي هو والوزير كل منهما ركعتين بمفرده ثم يرتى بالزعفران والمسك فيديفه في إناء بيده بآله معه ويتناوله صاحب بيت المال فيناوله لابن أبي الرداد فيلقي نفسه في الفسقية بثيابه فيتعلق في العمود برجليه ويده اليسرى ويخلقه بيده اليمنى وقراء الحضرة من الجانب الآخر يقرأون القرآن ثم يخرج على فوره راكبا في العشاري المذكور ثم يعود إلى دار الملك ويركب منها عائدا إلى القاهرة وتارة ينحدر في العشاري إلى المقس ويتبعه الموكب فيسير من هناك إلى القاهرة
ويكون في البحر ذلك اليوم نحو ألف مركب مشحونة بالناس للتفرج وإظهار الفرح
فإذا كان اليوم الثاني من التخليق أتى ابن أبي الرداد إلى الإيوان الكبير الذي فيه الشباك بالقصر فيجد خلعة مذهبة بطيلسان مقور ويدفع إليه خمسة أكياس في كل كيس خمسمائة درهم مهيأة له فيلبس الخلعة ويخرج من باب العيد المتقدم ذكره في أبواب القصر وقد هيء له خمسة بغال على ظهورها الأحمال المزينة بالحلي على ظهر كل منها راكب وبيده أحد الأكياس الخمسة المتقدمة الذكر ظاهر في يده وأقاربه وبنو عمه يحجبونه وأصدقاؤه حوله وأمامه حملان من النقارات

السلطانية والأبواق تضرب أمامه والطبل وراءه مثل الأمراء فيشق بين القصرين وكلما مر على باب من أبواب القصر يدخل منه الخليفة أو يخرج نزل فقبله ويخرج من باب زويلة في الشارع الأعظم حتى يأتي مصر فيشق وسطها ويمر بالجامع العتيق ويجاوزه إلى شاطئ النيل فيعدي إلى المقياس بخلعته وما معه من الأكياس فيأخذ من الأكياس قدرا مقررا له ويفرق باقي ذلك على أرباب الرسوم الجارية من قديم الزمان من بني عمه وغيرهم

الموكب السادس ركوبه لفتح الخليج
وهو في اليوم الثالث أو الرابع من يوم التخليق المتقدم ذكره وليس كما في زماننا من فتحه في يوم التخليق وكان يقع الاهتمام عندهم بركوب هذا اليوم من حين يأخذ النيل في الزيادة وتعمل في بيت المال موائد من التماثيل المختلفة من الغزلان والسباع والفيلة والزراريف عدة وافرة منها ما هو ملبس بالعنبر وما هو ملبس بالصندل مفسرة الأعين والأعظاء بالذهب وكذلك يعمل أشكال التفاح والأترج وغير ذلك وتخرج الخيمة العظيمة المعروفة بالقاتول المتقدمة الذكر فتنصب للخليفة في بر الخليج الغربي على حافته عند منظرة يقال لها السكرة على القرب من فم الخليج ويلف عمود بديباج أحمر أو أبيض أو أصفر من أعلاه إلى أسفله وينصب فيها سرير الملك مستندا إليه ويغضى بقرقوبي وعرانيسه ذهب ظاهرة ويوضعه عليه مرتبة عظيمة من الفرش للخليفة ويضرب لأرباب الرتب من الأمراء بحري هذه الخيمة خيم كثيرة على قدر مراتبهم في المقدار والقرب من خيمة الخليفة ثم يركب الخليفة على عادته في المواكب العظيمة بالمظلة وتوابعها من السيف والرمح والألوية والدواة وسائر الآلات ويزاد

فيه أربعون بوقا عشرة من الذهب وثلاثون من الفضة يكون المنفرون بها ركبانا والمنفرون بالأبواق النحاس مشاة ومن الطبول العظام عشرة طبول
فإذا كان يوم الركوب حضر الوزير من دار الوزارة راكبا في هيئة عظيمة ويركب حينئذ إلى باب القصر الذي يخرج منه الخليفة ويخرج الخليفة من باب القصر راكبا والأستاذون المحنكون مشاة حوله وعليه ثوب يسمى البدنة حرير مرقوم بذهب لا يلبسه غير ذلك اليوم والمظلة بنسبته فيركب الأستاذون المحنكون ويسير الموكب على الترتيب المتقدم في ركوب أول العام سائرا في الطريق التي ذهب فيها للتخليق حتى يأتي الجامع الطولوني ويكون قاضي القضاة وأعيان الشهود جلوسا ببابه من هذه الجهة فيقف لهم الخليفة وقفة لطيفة ويسلم على القاضي فيتقدم القاضي ويقبل رجله التي من جانبه ويأتي الشهود أمام وجه فرس الخليفة ويقفون بمقدار أربعة أذرع عن الخليفة فيسلم عليهم ثم يركبون ويسير الموكب حتى يأتي ساحل الخليج فيسير حتى يقارب الخليفة الخيمة فيتقدمه الوزير على العادة فيترجل على باب الخيمة ويجلس على المرتبة الموضوعة له فوقه ويحيط به الأستاذون المحنكون والأمراء المطوقون بعدهم ويوضع للوزير كرسيه الجاري به العادة على ما تقدم في جلوسه في القصر فيجلس ورجلاه يحكان الأرض ويقف أرباب الرتب صفين من سرير الملك إلى باب الخيمة وقراء الحضرة يقرأون القرآن ساعة زمانية
فإذا فرغوا من القراءة استأذن صاحب الباب على حضور الشعراء للخدمة فيؤذن لهم فيتقدمون واحدا بعد واحد على مقدار منازلهم المقررة لهم وينشد كل منهم ما وقع له نظمه مما يناسب الحال
فإذا فرغ أتى غيره وأنشد ما نظمه إلى أن يفرغ إنشادهم والحاضرون ينتقدون على كل شاعر ما يقوله ويحسنون منه ما حسن ويوهون منه ما وهى
فإذا انقضى هذا المجلس قام الخليفة عن السرير فركب إلى المنظرة المعروفة بالسكرة بقرب الخيمة والوزير بين يديه وقد فرشت بالفرش المعدة لها فيجلس الخليفة بمكان

معد له منها ويجلس الوزير بمكان منها بمفرده ويجلس القاضي والشهود في الخيمة البيضاء الدبيقية فيطل منها أستاذ من الأستاذين المحنكين فيشير بفتح السد فيفتح بالمعاول وتضرب الطبول والأبواق من البرين وفي أثناء ذلك يصل السماط من القصر صحبة صاحب المائدة القائم مقام أستاذ دار الصحبة الآن وعدتها مائة شدة في الطيافير الواسعة في القواوير الحرير وفوقها الطراحات النفيسة وريح المسك والأفاويه تفوح منها فتوضع في خيمة وسيعة معدة لذلك ويحمل منها للوزير وأولاده ما جرت به عادتهم ثم لقاضي القضاة والشهود ثم إلى الأمراء على قدر مراتبهم على أنواع الموائد من التماثيل المقدمة الذكر خلا القاضي والشهود فإنه لا يكون في موائدهم تماثيل
فإذا اعتدل الماء في الخليج دخلت فيه العشاريات اللطاف ووراءها العشاريات الكبار وهي سبعة الذهبي المختص بالخليفة وهو الذي يركب فيه يوم التخليق والفضي والأحمر والأصفر والأخضر واللازوردي والصقلي وهو عشاري أنشأه نجار من صقلية على الإنشاء المعتاد فنسب إليه وعليه الستور الدبيقي الملونة وفي أعناقها الأهلة وقلائد العنبر والخرز الأزرق وتسير حتى ترسو على بر المنظرة التي فيها الخليفة
فإذا صلى الخليفة العصر ركب لابسا غير الثياب التي كانت عليه في أول النهار ومظلته مناسبة لثيابه التي لبسها وباقي الموكب على حاله ويسير في البر الغربي من الخليج شاقا للبساتين حتى يصل إلى باب القنطرة فيعطف على يمينه ويسير إلى القصر والوزير تابعه على الرسم المعتاد فيدخل الخليفة قصره ويمر الوزير إلى داره على عادته في مثل ذلك اليوم
وذكر القاضي محي الدين بن عبد الظاهر أنه إذا ركب من المنظرة المعروفة بالسكرة سار في بر الخليج الغربي على ما تقدم ذكره حتى يأتي بستان

الدكة وقد علقت دهاليزه بالزينة فيدخله وحده ويسقي منه فرسه ثم يخرج حتى يقف على الرعنة المعروفة بخليج الدار ويدخل من باب القنطرة ويسير إلى قصره

النوع الثاني من مواكبهم المواكب المختصرة في أثناء السنة
وهي أربعة أيام أو خمسة فيما بين أول العام ورمضان ولا يتعدى ذلك يومي السبت والثلاثاء
فإذا عزم على الركوب في يوم من هذه الأيام قدم تفرقة السلاح على الركابية على ما تقدم ذكره في أول العام وأكثر ما يكون ركوبه إلى مصر فيركب والوزير وراءه على أخصر من النظام المتقدم له في المواكب العظام وأقل جمعا ولبسه في هذه الأيام الثياب المذهبة من البياض والملون ومنديل من نسبة ذلك مشدودة بشدة غير شدات غيره وذوائبه مرخاة تقرب من جانبه الأيسر وهو مقلد بالسيف العربي المجوهر بغير حنك ولا مظلة ويخرج شاقا القاهرة في الشارع الأعظم حتى يجاوز الجامع الطولوني على المشاهد إلى الجامع العتيق
فإذا وصل إلى بابه وجد الخطيب قد وقف على مصطبة بجانبه فيها محراب مفروشة بحصير وعليها سجادة معلقة وفي يده المصحف الكريم المنسوب خطه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فيناوله المصحف من يده فيقبله ويتبرك به ويأمر له بعطاء يفرق على أهل الجامع
الضرب الثالث من هيئة الخليفة هيئته في قصوره
قال ابن الطوير كان له ثياب يلبسها في الدور أكمامها على النصف من

أكمام ثيابه التي يلبسها في المواكب وكان من شأنه أنه لا ينصرف من مكان إلى مكان في القصر في ليل أو نهار إلا وهو راكب ولا يقتصر في القصر على ركوب الخيل بل يركب البغال والحمير الإناث لما تدعوه الضرورة إليه من الجواز في السراديب القصيرة والطلوع على الزلاقات إلى أعلى المناظر والمساكن وله في الليل نسوة برسم شد ما يحتاج إلى ركوبه من البغال والحمير وفي كل محلة من محلات القصر فسقية مملوءة بالماء خيفة من حدوث حريق في الليل ويبيت خارج القصر في كل ليلة خمسون فارسا للحراسة
فإذا أذن بالعشاء الآخرة داخل قاعة الذهب وصلى الإمام الراتب فيها بالمقيمين من الأستاذين وغيرهم ووقف على باب القصر أمير يقال له سنان الدولة مقام أمير جاندار الآن فإذا علم بفراغ الصلاة تضرب البوقية من الطبول والبوقات وتوابعها على طريق مستحسنة ساعة زمانية ثم يخرج أستاذ برسم هذه الخدمة فيقول أمير المؤمنين يرد على سنان الدولة السلام فيغرز سنان الدولة حربة على الباب ثم يرفعها بيده فإذا رفعها أغلق الباب ودار حول القصر سبع دورات
فإذا انتهى ذلك جعل على الباب البوابين والفراشين وأوى المؤذنون إلى خزائن لهم هناك وترمى السلسلة عند المضيق آخر بين القصرين عند السيوفيين فينقطع المار من ذلك المكان إلى أن تضرب البوقية سحرا قرب الفجر فترفع السلسلة ويجوز الناس من هناك

الجملة السادسة في اهتمامهم بالأساطيل وحفظ الثغور واعتنائهم بأمر الجهاد
وسيرهم في رعاياهم واستمالة قلوب مخالفيهم
أما اهتمامهم بالأساطيل وحفظ الثغور واعتناؤهم بأمر الجهاد فكان ذلك من أهم أمورهم وأجل ما وقع الاعتناء به عندهم
وكانت أساطيلهم مرتبة بجميع بلادهم الساحلية كالإسكندرية ودمياط من الديار المصرية وعسقلان وعكا

وصور وغيرها من سواحل الشام حين كانت بأيديهم قبل أن يغلبهم عليها الفرنج وكانت جريدة قوادهم تزيد على خمسة آلاف مقاتل مدونة وجوامكهم في كل شهر من عشرين دينارا إلى خمسة عشر دينارا إلى عشرة إلى ثمانية إلى دينارين وعلى الأسطول أمير كبير من أعيان الأمراء وأقواهم جأشا وكان أسطولهم يومئذ يزيد على خمسة وسبعين شينيا وعشر مسطحات وعشر حمالات وعمارة المراكب متواصلة بالصناعة لا تنقطع
فإذا أراد الخليفة تجهيزها للغزو جلس للنفقة بنفسه حتى يكملها ثم يخرج مع الوزير إلى ساحل النيل بالمقسم فيجلس في منظرة كانت بجامع باب البحر والوزير معه للموادعة ويأتي القواد بالمراكب إلى تحت المنظرة وهي مزينة بالأسلحة والمنجنيقات واللعب منصوبة في بعضها فتسير بالمجاديف ذهابا وعودا كما يفعل حالة القتال ثم يحضر إلى بين يدي الخليفة المقدم والريس فيوصيهما ويدعو لهما بالسلامة وتنحدر المراكب إلى دمياط وتخرج إلى البحر الملح فيكون لها في بلاد العدو الصيت والسمعة
فإذا غنموا مركبا اصطفى الخليفة لنفسه السبي الذي فيه من رجال أو نساء أو أطفال وكذلك السلاح وما عدا ذلك يكون للغانمين لا يساهمون فيه
وكان لهم أيضا أسطول بعيذاب يتلقى به الكارم فيما بين عيذاب وسواكن وما حولها خوفا على مراكب الكارم من قوم كانوا بجزائر بحر القلزم هناك يعترضون المراكب فيحميهم الأسطول منهم وكان عدة هذا الأسطول خمسة مراكب ثم صارت إلى ثلاث وكان والي قوص هو المتولي لأمر هذا الأسطول وربما تولاه أمير من الباب ويحمل إليه من خزائن السلاح ما يكفيه
وأما سيرهم في رعيتهم واستمالة قلوب مخالفيهم فكان لهم الإقبال على من يفد عليهم من أهل الأقاليم جل أو دق ويقابلون كل أحد بما يليق به من

الإكرام ويعوضون أرباب الهدايا بأضعافها
وكانوا يتألفون أهل السنة والجماعة ويمكنونهم من إظهار شعائرهم على اختلاف مذاهبهم ولا يمنعون من إقامة صلاة التروايح في الجوامع والمساجد على مخالفة معتقدهم في ذلك بذكر الصحابة رضوان الله عليهم ومذاهب مالك والشافعي وأحمد ظاهرة الشعار في مملكتهم بخلاف مذهب أبي حنيفة ويراعون مذهب مالك ومن سألهم الحكم به أجابوه وكان من شأن الخليفة أنه لا يكتب في علامته إلا الحمد لله رب العالمين ولا يخاطب أحدا في مكاتبته إلا بالكاف حتى الوزير صاحب السيف وإنما المكاتبات عن الوزير هي التي تتفاوت مراتبها ولا يخاطب عنهم أحد إلا بنعت مقرر له ودعاء معروف به ويراعون من يموت في خدمتهم في عقبه وإن كان له مرتب نقلوه إلى ذريته من رجال أو نساء

الجملة السابعة في إجراء الأرزاق والعطاء لأرباب الخدم بدولتهم وما يتصل
بذلك من الطعمة
أما إجراء الأرزاق والعطاء فقد تقدم أن ديوان الجيوش كان عندهم على ثلاثة أقسام قسم يختص بالعرض وتحلية الأجناد وشيات دوابهم وقسم يختص بضبط إقطاعات الأجناد وقسم يختص بمعرفة ما لكل مرتزق في الدولة من راتب وجار وجراية ولكل من الثلاثة كتاب يختصون بخدمته
والقسم الثالث هو المقصود هنا وكان راتبهم فيه بالدنانير الجيشية وكان يشتمل على ثمانية أقسام
الأول فيه راتب الوزير وأولاده وحاشيته
فراتب الوزير في كل شهر خمسة آلاف دينار ومن يليه من ولد أو أخ من ثلاثمائة دينار إلى مائتي دينار ولم يقرر لولد وزير خمسمائة دينار سوى

الكامل بن شاور ثم حواشيه من خمسمائة دينار إلى أربعمائة دينار إلى ثلاثمائة دينار خارجا عن الإقطاعات
الثاني فيه حواشي الخليفة
فأولهم الأستاذون المحنكون على رتبهم
فزمام القصر وصاحب بيت المال وحامل الرسالة وصاحب الدفتر وشاد التاج وزمام الأشراف الأقارب وصاحب المجلس لكل واحد منهم في الشهر مائة دينار ثم من دونهم من تسعين دينارا إلى عشرة دنانير على تفاوت الرتب
وفي هذا طبيبا الخاص ولكل واحد منهما في الشهر خمسون دينارا ولمن دونهما من الأطباء المقيمين بالقصر لكل واحد عشرة دنانير
الثالث فيه أرباب الرتب بحضرة الخليفة
فأول مسطور فيه كاتب الدست وهو المعبر عنه الآن بكاتب السر وله في الشهر مائة وخمسون دينارا ولكل واحد من كتابه ثلاثون دينارا ثم الموقع بالقلم الدقيق وله مائة دينار ثم صاحب الباب وله مائة وعشرون دينارا ثم حامل السيف وحامل الرمح ولكل منهما سبعون دينارا وبقية الأزمة على العساكر والسودان من خمسين دينارا إلى أربعين دينارا إلى ثلاثين
الرابع فيه قاضي القضاة وله في الشهر مائة دينار وداعي الدعاة وله مثله وقراء الحضرة ولكل منهم عشرون دينارا إلى خمسة عشر دينارا إلى عشرة

الخامس فيه أرباب الدواوين ومن يجري مجراهم
فأولهم متولي ديوان النظر وله في الشهر سبعون دينارا ثم متولي ديوان التحقيق وله خمسون دينارا ثم متولي ديوان المجلس وله أربعون دينارا ثم متولي ديوان الجيوش وله أربعون دينارا ثم صاحب دفتر المجلس وله خمسة وثلاثون دينارا ثم الموقع بالقلم الجليل القائم مقام كاتب الدرج الآن وله ثلاثون دينارا
ولكل معين عشرة دنانير إلى سبعة إلى خمسة
السادس فيه المستخدمون بالقاهرة ومصر في خدمة واليهما ولكل واحد منهما خمسون دينارا وللحماة بالأهراء والمناخات والجوالي والبساتين والأملاك وغيرها لكل منهم ما يقوم به من عرين دينارا إلى خمسة عشر إلى عشرة إلى خمسة
السابع فيه عدة الفراشين برسم خدمة الخليفة والقصور وتنظيفها خارجا وداخلا ونصب الستائر المحتاج إليها والمناظر الخارجة عن القصر ولكل منهم في الشهر ثلاثون دينارا فما حولها ثم من يليهم من الرشاشين داخل القصر وخارجه وهم نحو ثلاثمائة رجل ولكل منهم من عشر دنانير إلى خمسة
الثامن فيه الركابية ومقدموهم ولكل من مقدميهم في الشهر خمسون دينارا وللركابية من خمسة عشر دينارا إلى عشرة إلى خمسة
وأما الطعمة فعلى ضربين

الضرب الأول الأسمطة التي تمد في شهر رمضان والعيدين
أما شهر رمضان فإن الخليفة كان يرتب بقاعة الذهب بالقصر سماطا في

كل ليلة من استقبال الرابع منه وإلى آخر السادس والعشرين منه ويستدعي الأمراء لحضوره في كل ليلة بالنوبة يحضر منهم في كل ليلة قوم كي لا يحرمهم الإفطار في بيوتهم طول الشهر ولا يكلف قاضي القضاة الحضور سوى ليالي الجمع توقيرا له ولا يحضر الخليفة هذا السماط ويحضر الوزير فيجلس على رأس السماط فإن غاب قام ولده أو أخوه مقامه فإن لم يحضر أحد منهم كان صاحب الباب عوضه
وكان هذا السماط من أعظم الأسمطة وأحسنها ويمد من صدر القاعة إلى مقدار ثلثيها بأصناف المأكولات والأطعمة الفاخرة ويخرجون من هنالك بعد العشاء الآخرة بساعة أو ساعتين ويفرق فضل السماط كل ليلة ويتهاداه أرباب الرسوم حتى يصل إلى أكثر الناس وإذا حضر الوزير بعث الخليفة إليه من طعامه الذي يأكل منه تشريفا له وربما خصه بشيء من سحوره
وأما سماط العيدين فإنه يمد في عيد الفطر وعيد الأضحى تحت سرير الملك بقاعة الذهب المذكورة أمام المجلس الذي يجلس فيه الخليفة الجلوس العام أيام المواكب وتنصب على الكرسي مائدة من فضة تعرف بالمدورة وعليها من الأواني الذهبيات والصيني الحاوية للأطعمة الفاخرة ما لا يليق إلا بالملوك وينصب السماط العام تحت السرير من خشب مدهون في طول القاعة في عرض عشرة أذرع وتفرش فوقه الأزهار المشمومة ويرص الخبز على جوانبه كل شابورة ثلاثة أرطال من نقي الدقيق ويعمر داخل السماط على طوله بأحد وعشرين طبقا عظاما في كل طبق أحد وعشرون خروفا من الشوي وفي كل واحد منها ثلاثمائة وخمسون طيرا من الدجاج والفراريج وأفراخ الحمام ويعبى مستطيلا في العلو حتى يكون كقامة الرجل الطويل ويسور بتشاريح الحلواء اليابسة على اختلاف ألوانها ويسد خلل تلك الأطباق على السماط نحو من

خمسمائة صحن من الصحون الخزفية المترعة بالألوان الفائقة وفي كل منها سبع دجاجات من الحلواء المائعة والأطعمة الفاخرة ويعمل بدار الفطرة الآتي ذكرها قصران من حلوى زنة كل منها سبعة عشر قنطارا في أحسن شكل عليها صور الحيوان المختلفة ويحملان إلى القاعة فيوضعان في طرفي السماط
ويأتي الخليفة راكبا فيترجل على السرير الذي قد نصبت عليه المائدة الفضة ويجلس على المائدة وعلى رأسه أربعة من كبار الأستاذين المحنكين ثم يستعدي الوزير وحده فيطلع ويجلس على يمينه بالقرب من باب السرير ويشير إلى الأمراء المطوقين فمن دونهم من الأمراء فيجلسون على السماط على قدر مراتبهم فيأكلون وقراء الحضرة في خلال ذلك يقرأون القرآن ويبقى السماط ممدودا إلى قريب من صلاة الظهر حتى يستهلك جميع ما عليه أكلا وحملا وتفرقة على أرباب الرسوم

الضرب الثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة في عيد الفطر
وكان لهم بها الاهتمام العظيم
وقد ذكر ابن عبد الظاهر أصنافها فقال كانت ألف حملة دقيق وأربعمائة قنطار سكر وستة قناطير فستق وأربعمائة وثلاثين إردب زبيب وخمسة عشر قنطارا عسل نحل وثلاثة قناطير خل وإردبين سمسم وإردبين أنيسون وخمسين رطلا ماء ورد وخمس نوافج مسك وكافور قديم عشرة مثاقيل وزعفران مطحون مائة وخمسون درهما وزيت برسم الوقود ثلاثون قنطارا
في أصناف أخرى يطول ذكرها
قال ابن الطوير

ويندب لها مائة صانع من الحلاويين ومائة فراش برسم تفرقة الطوافير على أصحاب الرسوم خارجا عمن هو مرتب فيها ويحضرها الخليفة والوزير معه فيجلس الخليفة على سريره فيها ويجلس الوزير على كرسي له في النصف الأخير من رمضان وقد صار ما لها من المستعملات كالجبال الرواسي فتفرق الحلوى من ربع قنطار إلى عشرة أرطال إلى رطل واحد والخشكنان من مائة حبة إلى خمس وسبعين حبة إلى ثلاث وثلاثين إلى خمس وعشرين إلى عشرين ويفرق على السودان على يد مقدمهم بالأفراد من تسعة أفراد إلى سبعة إلى خمسة إلى ثلاثة كل طائفة على مقدارها بسماط يوم الفطر ما يمد في الإيوان الكبير قبل مد سماط الطعام بقاعة الذهب
وقد وقع في كلام ابن الطوير خلف في وقته فذكر في موضع من كتابه أن ذلك يكون قبل ركوب الخليفة لصلاة العيد وذكر في موضع آخر أن ذلك يكون بعد حضوره من الصلاة

الطرف الثامن في جلوس الوزير للمظالم إذا كان صاحب سيف وترتيب جلوسه
يجلس الوزير في صدر المكان وقاضي القضاة مقابله وعن جانبيه شاهدان من المعتبرين وكاتب الوزير بالقلم الدقيق ويليه صاحب ديوان المال وبين يديه صاحب الباب واسفهسلار وبين أيديهما النواب والحجاب على طبقاتهم
وذلك يومان في الاسبوع
وقد رثاهم عمارة اليمني بعد انقراضهم واستيلاء السلطان صلاح الدين بن أيوب على المملكة بقصيدة وصف فيها مملكتهم وعد مواكبهم وحكى مكارمهم وجلى محاسنهم وهي
( رميت يا دهر كف المجد بالشلل ... وجيده بعد حسن الحلي بالعطل )

( سعيت في منهج الرأي العثور فإن ... قدرت من عثرات الدهر فاستقل )
( جدعت مارنك الأقنى فأنفك لا ... ينفك ما بين أمر الشين والخجل )
( هدمت قاعدة المعروف عن عجل ... شقيت مهلا أما تمشي على مهل )
( لهفي ولهف بني الآمال قاطبة ... على فجيعتها في أكرم الدول )
( قدمت مصر فأولتني خلائفها ... من المكارم ما أربى على أملي )
( قوم عرفت لهم كسب الألوف ومن ... كمالها أنها جاءت ولم أسل )
( وكنت من وزراء الدست حيث سما ... رأس الحصان بهاديه على الكفل )
( ونلت من عظماء الجيش تكرمة ... وخلة حرست من عارض الخلل )
( يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة ... لك الملامة إن قصرت في عذلي )
( بالله زر ساحة القصرين وابك معي ... عليهما لا على صفين والجمل )
( وقل لأهليهما والله ما التحمت ... فيكم جروحي ولا قرحي بمندمل )
( ماذا ترى كانت الإفرنج فاعلة ... في نسل آل أمير المؤمنين علي )
( هل كان في الأمر شيء غير قسمة ما ... ملكتمو بين حكم السبي والنفل )
( وقد حصلتم عليها واسم جدكم ... محمد وأبوكم خير منتعل )
( مررت بالقصر والأركان خالية ... من الوفود وكانت قبلة القبل )

( فملت عنها بوجه خوف منتقد ... من الأعادي ووجه الود لم يمل )
( أسبلت من أسفي دمعي غداة خلت ... رحابكم وغدت مهجورة السبل )
( أبكي على مأثرات من مكارمكم ... حال الزمان عليها وهي لم تحل )
( دار الضيافة كانت أنس وافدكم ... واليوم أوحش من رسم ومن طلل )
( وفطرة الصوم إذ أضحت مكارمكم ... تشكو من الدهر حيفا غير محتمل )
( وكسوة الناس في الفصلين قد درست ... ورث منها جديد عندهم وبلي )
( وموسم كان في يوم الخليج لكم ... يأتي تجملكم فيه على الجمل )
( وأول العام والعيدين كم لكم ... فيهن من وبل جود ليس بالوشل )
( والأرض تهتز في يوم الغدير كما ... يهتز ما بين قصريكم من الأسل )
( والخيل تعرض في وشي وفي شية ... مثل العرائس في حلي وفي حلل )
( وما حملتم قرى الأضياف من سعة الأطباق ... إلا على الأكتاف والعجل )
( وما خصصتم ببر أهل مملكة ... حتى عممتم به الأقصى من الملل )
( كانت رواتبكم للوافدين وللضيف ... المقيم والطاري من الرسل )
( ثم الطراز بتنيس الذي عظمت ... منه الصلات لأهل الأرض والدول )
( وللجوامع من أخماسكم نعم ... ممن تصدر في علم وفي عمل )
( وربما عادت الدنيا فمعقلها ... منكم وأضحت بكم محلولة العقل )
( والله لا فاز يوم الحشر مبغضكم ... ولا نجا من عذاب النار غير ولي )
( ولا سقي الماء من حر ومن ظمإ ... من كف خير البرايا خاتم الرسل )
( ولا رأى جنة الله التي خلقت ... من خان عهد الإمام العاضد بن علي )

( أئمتي وهداتي والذخيرة لي ... إذا ارتهنت بما قدمت من عمل )
( والله لم نوفهم في المدح حقهم ... لأن فضلهم كالوابل الهطل )
( ولو تضاعفت الأقوال واستبقت ... ما كنت فيهم بحمد الله بالخجل )
( باب النجاة هم دنيا وآخرة ... وحبهم فهو أصل الدين والعمل )
( نور الدجى ومصابيح الهدى وهم ... من نور خالص نور الله لم يغل )
( والله لا زلت عن حبي لهم أبدا ... ما أخر الله لي في مدة الأجل )
قلت وعمارة هذا لم يكن على معتقد الشيعة بل فقيها شافعيا قدم مصر برسالة عن القاسم بن هاشم بن أبي فليتة أمير مكة إلى الفائز أحد خلفائهم في سنة خمسين وخمسمائة في وزارة الصالح طلائع بن رزيك فأحسنوا له وبالغوا في بره فأقام عندهم وتألف بهم وأتى فيهم من المدح بما بهر العقول ولم يزل مواليا لهم حتى زالت دولتهم واستولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله فرثاهم بهذه القصيدة فكانت آخر أسباب حتفه فصلب فيمن صلب بين القصرين من أتباع الدولة الفاطمية

تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع وأوله الحالة الثالثة من أحوال
المملكة ما عليه ترتيب المملكة من ابتداء الدولة الأيوبية وإلى زماننا

محرم

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

الحالة الثالثة من أحوال المملكة ما عليه ترتيب المملكة من ابتداء الدولة
الأيوبية وإلى زماننا
واعلم أن الدولة الأيوبية لما طرأت على الدولة الفاطمية وخلفتها في الديار المصرية خالفتها في كثير من ترتيب المملكة وغيرت غالب معالمها وجرت على ما كانت عليه الدولة الأتابكية عماد الدين زنكي بالموصل ثم ولده الملك العادل نور الدين محمود بالشام وما معه وكان من شأنهم أنهم يلبسون الكلوتات الصفر على رؤوسهم مكشوفة بغير عمائم وذوائب شعورهم مرخاة

تحتها سواء في ذلك المماليك والأمراء وغيرهم حتى يحكى عن الملك المعظم عيسى بن العادل أبي بكر صاحب دمشق في اطراح التكلف أنه كان يلبس عيسى الكلوتة الصفراء بلا شاش ويخترق الأسواق من غير أن يطرق بين يديه كغيره من الملوك وكان سيف الدين غازي بن عماد الدين زنكي حين ملك الموصل بعد أبيه أحدث حمل السنجق على رأسه فتبعه الملوك على ذلك وألزم الأجناد أن يشدوا السيوف في أوساطهم ويجعلوا الدبابيس تحت ركبهم عند الركوب كما حكاه السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه
فلما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله الديار المصرية جرى على هذا المنهج أو ما قاربه وجاءت الدولة التركية وقد تنقحت المملكة وترتبت فأخذت في الزيادة في تحسين الترتيب وتنضيد الملك وقيام أبهته ونقلت عن كل مملكة أحسن ما فيها فسلكت سبيله ونسجت على منواله حتى تهذبت وترتبت أحسن ترتيب وفاقت سائر الممالك وفخر ملكها على سائر الملوك
ولم يزل السلطان والجند يلبسون الكلوتة الصفراء بغير عمامة إلى أن ولي السلطان الملك الأشرف خليل بن السلطان الملك الناصر محمد بن

قلاوون السلطنة فأحدث الشاش عليها فجاءت في نهاية من الحسن وصاروا يلبسونها فوق الذوائب الشعر المرخاة على ما كان عليه الأمر أولا إلى أن حج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثالثة فحلق رأسه وحلق الناس رؤوسهم واستداموا حلق رؤوسهم وتركت ذوائب الشعر إلى الآن
ويتعلق القول من ذلك بعشرة مقاصد

المقصد الأول في ذكر رسوم الملك وآلاته وهو أنواع كثيرة بعضها عام في
الملوك أو أكثرهم وبعضها خاص بهذه المملكة
منها سرير الملك ويقال له تخت الملك وهو من الأمور العامة للملوك وقد تقدم أن أول من اتخذ مرتبة للجلوس عليها في الاسلام معاوية رضي الله عنه حين بدن ثم تنافس الخلفاء والملوك بعده في الإسلام في ذلك حتى اتخذوا الأسرة وكانت أسرة خلفاء بني العباس ببغداد يبلغ علوها نحو سبعة أذرع وهو في هذه المملكة منبر من رخام بصدر إيوان السلطان الذي يجلس فيه وهو على هيئة منابر الجوامع إلا أنه مستند إلى الحائط وهذا المنبر يجلس عليه السلطان في يوم مهم كقدوم رسل عليه ونحو ذلك وفي سائر الأيام يجلس على كرسي من خشب مغشى بالحرير إذا أرخى رجليه كادتا أن تلحقا الأرض وفي داخل قصوره يجلس على كرسي صغير من حديد يحمل معه إلى حيث يجلس
ومنها المقصورة للصلاة في الجامع وقد تقدم في الكلام على ترتيب الخلافة أن أول من اتخذها في الإسلام معاوية وقد صارت سنة لملوك الإسلام بعد ذلك تمييزا للسلطان عن غيره من الرعية وهي في هذه المملكة

مقصورة بجامع قلعة الجبل على القرب من المنبر متخذة من شباك حديد محكمة الصنعة يصلي فيها السلطان ومن معه من أخصاء خاصكيته يوم الجمعة
ومنها نقش اسم السلطان على ما ينسج ويرقم من الكسوة والطرز المتخذة من الحرير أو الذهب بلون مخالف للون القماش أو الطرز لتصير الثياب والطرز السلطانية مميزة عن غيرها تنويها بقدر لابسها من السلطان أو من يشرفه بلبسها عند ولاية وظيفة أو إنعام أو غير ذلك ولذلك دار مفردة بعملة بالإسكندرية تعرف بدار الطراز وعلى ذلك كانت خلفاء الدولتين بني امية وبني العباس حين كانت الخلافة قائمة
ومنها الغاشية وهي غاشية سرج من أديم مخروزة بالذهب يخالها الناظر جميعها مصنوعة من الذهب تحمل بين يديه عند الركوب في المواكب الحفلة كالميادين والأعياد ونحوها يحملها الركاب دارية رافعا لها على يديه يلفتها يمينا وشمالا وهي من خواص هذه المملكة
ومنها المظلة ويعبر عنها بالجتر بجيم مكسورة قد تبدل شينا معجمه وتاء مثناه فوق وهي قبة من حرير أصفر مزركش بالذهب على

أعلاها طائر من فضة مطلية بالذهب تحمل على رأسه في العيدين وهي من بقايا الدولة الفاطمية وقد تقدم الكلام عليها مبسوطا في الكلام على ترتيب مملكتهم
ومنها الرقبة وهي رقبة من أطلس أصفر مزركشة بالذهب بحيث لا يرى الأطلس لتراكم الذهب عليها تجعل على رقبة الفرس في العيدين والميادين من تحت أذني الفرس إلى نهاية عرفه وهي من خواص هذه المملكة
ومنها الجفتة وهما اثنان من أوشاقية إصطبله قريبان في السن عليهما قباءان أصفران من حرير بطراز من زركش وعلى رأسيهما قبعتان من زركش وتحتهما فرسان أشهبان برقبتين وعدة نظير ما السلطان راكب به كأنهما معدان لأن يركبهما يركبان أمامه في أوقات مخصوصة كالركوب للعب الكرة في الميدان الكبير ونحو ذلك وهما من خواص هذه المملكة
ومنها الأعلام وهي عدة رايات منها راية عظيمة من حرير أصفر مطرزة بالذهب عليها ألقاب السلطان واسمه وتسمى العصابة وراية عظيمة في رأسها خصلة من الشعر تسمى الجاليش ورايات صفر صغار تسمى السناجق
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وأول من حمل السنجق على رأسه من الملوك في ركوبه غازي بن زنكي وهو أخو السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشأم
ومنها الطبلخاناه وهي طبول متعددة معها أبواق وزمر تختلف أصواتها على إيقاع مخصوص تدق في كل ليلة بالقلعة بعد صلاة المغرب وتكون صحبة الطلب في الاسفار والحروب وهي من الآلات العامة لجميع

الملوك ويقال إن الإسكندر كان معه أربعون حملا طبلخاناه وقد كتب أرسطو في كتاب السياسة الذي كتبه للإسكندر أن السر في ذلك إرهاب العدو في الحرب والذي ذهب إليه بعض المحققين أن السر في ذلك أن في أصواتها تهييجا للنفس عند الحرب وتقوية الجأش كما تنفعل الإبل بالحداء ونحوذلك
ومنها الكوسات وهي صنوجات من نحاس شبه الترس الصغير يدق بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص ومع ذلك طبول وشبابة يدق بها مرتين في القلعة في كل ليلة ويدار بها في جوانبها مرة بعد العشاء الآخرة ومرة قبل التسبيح على الموادن وتسمى الدورة بذلك في القلعة وكذلك إذا كان السلطان في السفر تدور حول خيامه
ومنها الخيام والفساطيط في الأسفار ولهذا السلطان من ذلك المدد الكبير تتخذ له الخيام العظيمة الشأن المختلفة المقادير والصنعة من القطن الشامي الملون بالأبيض والأحمر والأزرق وغيرها وكذلك من الجوخ المختلف الألوان مما يدهش بحسنه العقول لينوب مناب قصورهم في الإقامة وسيأتي ذكر أمور أخرى من آلات الملك سوى ما تقدم منفردة في أماكنها إن شاء الله تعالى

المقصد الثاني في حواصل السلطان وهي على أربعة أنواع النوع الأول الحواصل
المعبر عنها بالبيوت
وذلك أنهم يضيفون كل واحد منها إلى لفظ خاناه كالطشت خاناه والشراب خاناه ونحوهما وخاناه لفظ فارسي معناه البيت والمعنى بيت كذا إلا أنهم

يؤخرون المضاف عن المضاف إليه على عادة العجم في ذلك وهي ثمانية بيوت الأول الشراب خاناه ومعناه بيت الشراب وتشتمل على أنواع الأشربة المرصدة لخاص السلطان والمشروب الخاص من السكر والأقسما وغير ذلك وفيها يكون السكر المخصوص بالمشروب وبها الأواني النفيسة من الصيني الفاخر من اللازوردي وغيره مما تساوي السكرجة الواحدة اللطيفة منه ألف درهم فما حوله ووظيفة الشاد بها تكون لأمير من أكابر أمراء المئين الخاصكية المؤتمنين ولها مهتار يعرف بمهتار الشراب خاناه متسلم لحواصلها له مكانه علية وتحت يده غلمان عنده برسم الخدمة يطلق على كل منهم شراب دار وسيأتي في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة معنى الإضافة إلى الدار في ذلك ونحوه
الثاني الطشت خاناه ومعناه بيت الطشت سميت بذلك لأن فيها يكون الطشت الذي تغسل فيه الأيدي والطشت الذي يغسل فيه القماش وقد غلب عليهم استعمال لفظ الطشت بشين معجمة مع كسر الطاء وصوابه بالسين المهملة مع فتح الطاء وأصله طس بسين مشددة فأبدلت من إحدى السينين تاء

للاستثقال فإذا جمع أو صغر ردت السين إلى أصلها فيقال في الجمع طساس وطسوس وفي التصغير طسيس قال الجوهري ويقال فيه أيضا طسة ويجمع على طسات والناس الآن يقولون طاسة ويجمعونه على طاسات ويجعلون الطست اسما لنوع خاص والطاسة اسما لنوع خاص
وفي الطشت خاناه يكون ما يلبسه السلطان من الكلوتة والأقبية وسائر الثياب والسيف والخف والسرموزة وغير ذلك
وفيها يكون ما يجلس عليه السلطان من المقاعد المخاذ والسجادات التي يصلي عليها وما شاكل ذلك ولها أيضا مهتار من كبار المهتارية يعرف بمهتار الطشت خاناه وتحت يديه عدة غلمان بعضهم يعرفون بالطشت دارية وبعضهم يعرف بالرختوانية وله التحدث في تفرقة اللحم على المماليك السلطانية من الحوائج خاناه وإقامة قباض اللحم ويطلق على كل من غلمان الطشت خاناه وقباض اللحم بابا وهي لفظة رومية بمعنى الأب أطلقوها على مهتار الطشت خاناه تعظيما له غلبت على من عداه ولغلمانها دربة بترتيب الأحمال التي تحمل على ظهور البغال للزينة في المواكب العظيمة ونحوها يأتون فيها من بديع الصنعة والتعاليق الغريبة بكل عجيب وهم يتباهون بذلك ويسامي بعضهم بعضا فيه
الثالث الفراش خاناه ومعناها بيت الفراش وتشتمل على أنواع الفرش من البسط والخيام ولها مهتار يعرف بمهتار الفراش خاناه وتحت يده جماعة من الغلمان مستكثرة مرصدون للخدمة فيها في السفر والحضر يعبر عنهم

بالفراشين وهم من أمهر الغلمان وأنهضهم ولهم دربة عظيمة في نصب الخيام حتى إن الواحد منهم ربما أقام الخيمة العظيمة ونصبها وحده بغير معاون له في ذلك ولهم معرفة تامة بشد الأحمال التي تحمل في المواكب على ظهور البغال يبلغ الحمل منها نحو خمسة عشر ذراعا
الرابع السلاح خاناه ومعناها بيت السلاح وربما قيل الزردخاناه ومعناها بيت الزرد لما فيها من الدروع الزرد وتشتمل على أنواع السلاح من السيوف والقسي العربية والنشاب والرماح والدروع المتخذة من الزرد الماتع والقرقلات المتخذة من صفائح الحديد المغشاة بالديباج الأحمر والأصفر وغير ذلك من الأطبار وسائر أنواع السلاح ويقل بها قسي الرجل والركاب لعدم معاناتها بالديار المصرية وإنما تكثر بالثغور كالإسكندرية وغيرها وفي كل سنة يحمل إليها ما يعمل بخزائن السلاح من الأسلحة يجعل على رؤوس الحمالين ويزف إلى القلعة ويكون يوما مشهودا وفي هذه السلاح خاناه من الصناع المقيمين بها لإصلاح العدد وتجديد المستعملات جماعة كبيرة ويسمى صانع ذلك الزردكاش وهي لفظة عجمية وكأن معناها صانع الزرد ولها غلمان أخرى وفراشون بسبب خدمة القماش وافتقاده
الخامس الركاب خاناه ومعناها بيت الركاب وتشتمل على عدد

الخيل من السروج واللجام والكنابيش وعبي المراكيب والعبي الإصطبليات والأجلال والمخالي وغير ذلك من الأصناف التي يطول ذكرها وفيها من السروج المغشاة بالذهب والفضة المطلية والساذجة والكنابيش المتخذة من الذهب المزركش المزهرة بالريش وغير المزهرة والعبي المتخذة من الحرير وصوف السهك وغير ذلك من نفائس العدد والمراكيب ما يحير العقول ويدهش البصر مما لا يقدر على مثله إلا عظماء الملوك ولها مهتار متسلم لحواصلها يعبر عنه بمهتار الركاب خاناه وتحت يده رجال لمعاضدته على ذلك
السادس الحوائج خاناه ومعناها بيت الحوائج وليست على هيئة البيوت المتقدمة مشتملة على حاصل معين وإنما لها جهة تحت يد الوزير منها يصرف اللحم الراتب للمطبخ السلطاني والدور السلطانية ورواتب الأمراء والمماليك السلطانية وسائر الجند والمتعممين وغيرهم من أرباب الرواتب الذين تملأ أسماؤهم الدفاتر وكذلك توابل الطعام للمطبخ السلطاني والدور السلطانية ومن له توابل مرتبة من الأمراء وغيرهم والزيت للوقود والحبوب وغير ذلك من الأصناف المتعددة ولها مباشرون منفردون بها يضبطون أسماء أرباب المستحقات ومقادير استحقاقهم وهي من أوسع جهات الصرف حتى إن ثمن اللحم وحده يبلغ ثلاثين ألف درهم في كل يوم خارجا عما عداه من الأصناف وربما زاد على ذلك
السابع المطبخ وهو الذي يطبخ فيه طعام السلطان الراتب في الغداء والعشاء والطاريء في الليل والنهار والأسمطة التي تمد بالإيوان الكبير بدار العدل

في أيام المواكب ويحمل إليه اللحم والتوابل وسائر الأصناف من الحوائج خاناه المتقدمة الذكر بقدر معلوم مرتب يستهلك فيه في كل يوم قناطير مقنطرة من اللحم والدجاج والإوز والأطعمة الفاخرة وله أمير من الأمراء يحكم عليه يسمى أستادار الصحبة وتحت يده آخر يعبر عنه بالمشرف وله طباخ كبير معتبر يعبر عنه باسباسلار
الثامن الطبلخاناه ومعناه بيت الطبل ويشتمل على الطبول والأبواق وتوابعها من الآلات ويحكم على ذلك أمير من أمراء العشرات يعرف بأمير علم يقف عليها عند ضربها في كل ليلة ويتولى أمرها في السفر ولها مهتار متسلم لحواصلها يعرف بمهتار الطبلخاناه وله رجال تحت يده ما بين دبندار وهو الذي يضرب على الطبل ومنفر وهو الذي يضرب بالبوق وكوسي وهو الذي يضرب بالصنوج النحاس بعضها على بعض وغير أولئك من الصناع

المقصد الثالث في ذكر أعيان المملكة وأرباب المناصب الذين بهم انتظام المملكة وقيام الملك وهم على أربعة أضرب الضرب الأول أرباب السيوف والنظر فيهم من وجهين الوجه الأول مراتبهم على سبيل الإجمال وهي على نوعين النوع الأول الأمراء وهم على أربع طبقات
الطبقة الأولى أمراء المئين مقدمو الألوف وعدة كل منهم مائة فارس قال في مسالك الأبصار وربما زاد الواحد منهم العشرة والعشرين وله التقدمة على ألف فارس ممن دونه من الأمراء وهذه الطبقة هي أعلى مراتب الأمراء على تقارب درجاتهم ومنهم يكون أكابر أرباب الوظائف والنواب ثم الذي كان استقر عليه قاعدة المملكة في الروك الناصري محمد بن قلاوون وما بعده إلى آخر الدولة الأشرفية شعبان بن حسين أن يكون بالديار المصرية أربعة وعشرون مقدما ولما استجد في الدولة الظاهرية الديوان المفرد لخاص السلطان وأفرد له عدة كثيرة من المماليك السلطانية والمستخدمين نقصت عدة المقدمين عما كانت عليه وصارت دائرة بين الثمانية عشر والعشرين مقدما بما في ذلك من نائب الإسكندرية ونائبي الوجهين القبلي والبحري

الطبقة الثانية أمراء الطبلخاناه وعدة كل منهم في الغالب أربعون فارسا
قال في مسالك الأبصار وقد يزيد بعضهم على ذلك إلى سبعين فارسا بل ذكر في التعريف في أواخر المكاتبات أنه يكون للواحد منهم ثمانون فارسا قال في مسالك الأبصار ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أربعين وهذه الطبقة لا ضابط لعدة أمرائها بل تتفاوت بالزيادة والنقص لأنه مهما فرقت إمرة الطبلخاناه فجعلت إمرتي عشرين أو أربع عشرات أو ضم بعض العشرات ونحوها إلى بعض وجعلت طبلخاناه ومن أمراء الطبلخاناه تكون الرتبة الثانية من أرباب الوظائف والكشاف بالأعمال وأكابر الولاة
الطبقة الثالثة أمراء العشرات وعدة كل منهم عشرة فوارس قال في مسالك الأبصار وربما كان فيهم من له عشرون فارسا ولا يعد إلا في أمراء العشرات وهذه الطبقة أيضا لا ضابط لعدد أمرائها بل تزيد وتنقص كما تقدم في الكلام على أمراء الطبلخاناه ومن هذه الطبقة يكون صغار الولاة ونحوهم من أرباب الوظائف
الطبقة الرابعة أمراء الخمسات وهم أقل من القليل خصوصا بالديار المصرية وأكثر ما يقع ذلك في أولاد الأمراء المندرجين بالوفاة رعاية لسلفهم وهم في الحقيقة كأكابر الأجناد

النوع الثاني الأجناد وهم على طبقتين
الطبقة الأولى المماليك السلطانية وهم أعظم الاجناد شأنا وأرفعهم

قدرا وأشدهم إلى السلطان قربا وأوفرهم إقطاعا ومنهم تؤمر الأمراء رتبة بعد رتبة وهم في العدة بحسب ما يؤثره السلطان من الكثرة والقلة وقد كان لهم في زمن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم في أيام السلطان الملك الظاهر برقوق العدد الجم والمدد الوافر لطول مدة ملكهما واعتنائهما بجلب المماليك ومشتراها
الطبقة الثانية أجناد الحلقة وهم عدد جم وخلق كثير وربما دخل فيهم من ليس بصفة الجند من المتعممين وغيرهم بواسطة النزول عن الإقطاعات وقد جرت عادة ديوان الجيش عدم الجمع على الجند كي لا يحاط بعدته ويطلع إليه قال في مسالك الأبصار ولكل أربعين نفسا منهم مقدم منهم ليس له عليهم حكم إلا إذا خرج العسكر كانت مواقفهم معه وترتيبهم في موقفهم إليه ومن الأجناد طائفة ثالثة يقال لهم البحرية يبيتون بالقلعة وحول دهاليز السلطان في السفر كالحرس وأول من رتبهم وسماهم بهذا الاسم السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب

الوجه الثاني في ذكر أرباب الوظائف من أرباب السيوف المتقدم ذكرهم وهم
على نوعين النوع الأول من هو بحضرة السلطان وهي خمسة وعشرون وظيفة
الأولى النيابة ويعبر عن صاحبها بالنائب الكافل وكافل الممالك الإسلامية قال في التعريف وهو يحكم في كل ما يحكم فيه السلطان ويعلم في التقاليد والتواقيع والمناشير وغير ذلك مما هو من هذا النوع على كل ما يعلم عليه السلطان وسائر النواب لا يعلم الرجل منهم إلا على ما يتعلق بخاصة نيابته قال وهذه رتبة لا يخفى ما فيها من التمييز قال في مسالك الأبصار وجميع نواب الممالك تكاتبه فيما تكاتب فيه السلطان ويراجعونه فيه كما يراجع السلطان ويستخدم الجند من غير مشاورة السلطان ويعين أرباب الوظائف الجليلة كالوزارة وكتابة السر وقل أن لا يجاب فيمن يعينه وهو سلطان مختصر بل هو السلطان الثاني وعادته أن يركب بالعسكر في أيام المواكب وينزل الجميع في خدمته فإذا مثل في حضرة السلطان وقف في ركن الإيوان فإذا انقضت الخدمة خرج إلى دار النيابة بالقلعة والامراء معه ويجلس جلوسا عاما للناس ويحضره أرباب الوظائف ويقف قدامه الحجاب وتقرأ عليه القصص ثم يمد السماط للأمراء كما يمد لهم السلطان فيأكلون وينصرفون وإذا كانت النيابة قائمة على هذه الصورة لم يكن السلطان يتصدى لقراءة القصص وسماع الشكاوى

بنفسه ويأمر في ذلك بما يرى من كتابة مثال ونحوه ولكنه لا يستبد بما يكتب من الأبواب السلطانية بنفسه بل يكتب بإشارته وينبه على ذلك وتشمله العلامة الشريفة بعد ذلك
أما ديوان الجيش فإنه لا يكون له خدمة إلا عنده ولا اجتماع إلا به ولا اجتماع لهم بالسلطان في أمر من الأمور وما كان من الأمور المعضلة التي لا بد من إحاطة علم السلطان بها فإنه يعلمه بها تارة بنفسه وتارة بمن يرسله إليه هذا آخر كلامه في المسالك غير أن هذا النائب تارة ينصب وتارة يعطل جيد المملكة منه وعلى هذا كان الحال في الأيام الناصرية ابن قلاوون تارة وتارة وكذا الحال في زماننا وإذا كان منتصبا اختص بإخراج بعض الإقطاعات دون بعض ويكون صاحب ديوان الجيش هو الملازم له وناظر الجيش ملازم السلطان
قال في التعريف أما نائب الغيبة وهو الذي يترك إذا غاب السلطان والنائب الكافل وليس إلا لإخماد الثوائر وخلاص الحقوق فحكمه في رسم الكتابة إليه رسم مثله من الأمراء
الثانية الأتابكية ويعبر عن صاحبها بأتابك العساكر قال السلطان عماد الدين في تاريخه وأصله أطابك ومعناه الوليد الأمير وأول من لقب بذلك نظام الدولة وزير ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي حين فوض إليه ملكشاه تدبير المملكة سنة خمس وستين وأربعمائة ولقبه بألقاب منها هذا وقيل أطابك معناه أمير أب والمراد أبو الأمراء وهو أكبر الأمراء المقدمين بعد النائب الكافل وليس له وظيفة ترجع إلى حكم وأمر ونهي وغايته رفعة المحل وعلو المقام
الثالثة وظيفة رأس نوبة وموضوعها الحكم على المماليك السلطانية

والأخذ على أيديهم وقد جرت العادة أن يكونوا أربعة أمراء واحد مقدم ألف وثلاثة طبلخاناه
الرابعة إمرة مجلس وموضوعها وهو يتحدث على الأطباء والكحالين ومن شاكلهم ولا يكون إلا واحدا
الخامسة إمرة سلاح وأصل موضوعها حمل السلاح للسلطان في المجامع الجامعة وصاحبها هو المقدم على السلاح دارية من المماليك السلطانية والمتحدث في السلاح خاناه السلطانية وما يستعمل لها ويقدم إليها ولا يكون إلا واحدا من الأمراء المقدمين
السادسة إمرة أخورية وموضوعها التحدث على إصطبل السلطان وخيوله وعادتها مقدم ألف يكون متحدثا فيها حديثا عاما وهو الذي يكون ساكنا بإصطبل السلطان ودونه ثلاثة من أمراء الطبلخاناه أما أمراء العشرات والجند فغير محصورين
السابعة الدوادارية قال في مسالك الأبصار وموضوعها تبليغ الرسائل عن السلطان وإبلاغ عامة الأمور وتقديم القصص إليه والمشاورة على من يحضر إلى الباب الشريف وتقديم البريد هو وأمير جاندار وكاتب السر ويأخذ الخط على عامة المناشير والتواقيع والكتب وإذا خرج عن السلطان بكتابة

شيء بمرسوم حمل رسالته وعينت فيما يكتب وسيأتي بيان ذلك فيما يكتب بالرسائل في الكلام على قوانين ديوان الإنشاء إن شاء الله تعالى
وفي هذه الوظيفة عدة من الأمراء والجند وقد كانت في أيام الناصر محمد ابن قلاوون وما تلاها ليس فيها أمير مقدم ألف ثم آل الأمر إلى أن صار الأعلى منهم مقدم ألف ونائبه طبلخاناه وأول من استقر في وظيفة الدوادارية من الأمراء الألوف طغيتمر النجمي في الدولة الناصرية حسن ثم صار غالب من يليها ألوف وربما كان طبلخاناه أحيانا
الثامنة الحجوبية قال في مسالك الأبصار وموضوعها أن صاحبها ينصف بين الأمراء والجند تارة بنفسه وتارة بمراجعة النائب إن كان وإليه تقديم من يعرض ومن يرد وعرض الجند وما ناسب ذلك والذي جرت به العادة خمسة حجاب اثنان من مقدمي الألوف وهما حاجب الحجاب هو المشار إليه من الباب الشريف والقائم مقام النائب في كثير من الأمور واعلم أن هذا الاسم أول ما حدث في الدولة الأموية في خلافة عبد الملك بن مروان وكان موضوعها إذ ذاك حجب السلطان عن العامة ويغلق بابه دونهم أو يفتحه لهم على قدره في مواقيته ثم تبعهم بنو العباس على ذلك وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة أنه كان للمقتدر سبعمائة حاجب هذا وكانت الخلافة قد أخذت في الضعف وهو خلاف موضوعها الآن وفيها بممالك المغرب معان أخرى يأتي ذكرها عند الكلام على ممالكها إن شاء الله تعالى
التاسعة إمرة جاندار وموضوعها أن صاحبها يستأذن على دخول الأمراء للخدمة ويدخل أمامهم إلى الديوان قال في مسالك الأبصار ويقدم البريد

مع الدوادار وكاتب السر قال وصاحبها كالمستسلم للباب وله به البرددارية وطوائف الركابية والخازندارية وإذا أراد السلطان تعزير أحد أو قتله كان ذلك على يد صاحب هذه الوظيفة وهو المتسلم للزردخاناه التي هي أرفع قدرا في الاعتقالات ولا تطول مدة المعتقل بها بل إما يعجل بتخلية سبيله أو إتلاف نفسه وصاحب هذه الوظيفة هو الذي يطوف بالزفة حول السلطان في سفره وقد جرت العادة أن يكون فيها أميران مقدم ألف وطبلخاناه والمشار إليه هو المقدم
العاشرة الاستادرية قال في مسالك الأبصار وموضوعها التحدث في أمر بيوت السلطان كلها من المطابخ والشراب خاناه والحاشية والغلمان وهو الذي يمشي بطلب السلطان ويحكم في غلمانه وباب داره وإليه أمر الجاشنكيرية وإن كان كبيرهم نظيره في الإمرة من ذوي المئين وله حديث مطلق وتصرف تام في استدعاء ما يحتاجه كل من في بيت السلطان من النفقات والكساوي وما يجري مجرى ذلك للمماليك وغيرهم وقد جرت العادة أن يكونوا أربعة واحد مقدم ألف وثلاثة طبلخاناه وربما نقصوا عن ذلك
الحادية عشرة الجاشنكيرية وموضوعها التحدث في أمر السماط مع الأستادار على ما تقدمت الإشارة إليه ويقف على السماط مع أستادار الصحبة وأكبرهم يكون من الأمراء المقدمين
الثانية عشرة الخازندارية وموضوعها التحدث في خزائن الأموال السلطانية من نقد وقماش وغير ذلك وكانت عادتها طبلخاناه ثم استقرت تقدمه ألف ويطالبه في حساب ذلك ناظر الخاص الآتي ذكره

الثالثة عشرة شد الشراب خاناه وموضوعها التحدث في أمر الشراب خاناه السلطانية وما عمل إليها من السكر والمشروب والفواكه وغير ذلك وتارة يكون مقدما وتارة يكون طبلخاناه
الرابعة عشرة أستادارية الصحبة وموضوعها التحدث على المطبخ السلطاني والإشراف على الطعام والمشي أمامه والوقوف على السماط والعادة أن يكون صاحبها أمير عشرة
الخامسة عشرة تقدمة المماليك وموضوعها التحدث على المماليك السلطانية والحكم فيهم ولا يكون صاحبها إلا من الخدام والعادة أن تكون إمرة طبلخاناه وله نائب أمير عشرة
السادسة عشرة زمامية الدور السلطانية وصاحبها من أكبر الخدام وهو المعبر عنه بالزمام وعادته أن يكون أمير طبلخاناه
السابعة عشرة نقابة الجيوش قال في مسالك الأبصار وهي موضوعة لتحلية الجند في عرضهم ومعه يمشي النقباء وإذا طلب السلطان أو النائب أو الحاجب أميرا أو غيره أحضره قال وهو كأحد الحجاب الصغار وله التطلب بالحراسة في الموكب والسفر
الثامنة عشرة المهمندارية وموضوعها تلقي الرسل الواردين وأمراء العربان وغيرهم ممن يرد من أهل المملكة وغيرها

التاسعة عشرة شد الدواوين وموضوعها أن يكون صاحبها رفيقا للوزير متحدثا في استخلاص الأموال وما في معنى ذلك وعادتها إمرة عشرة
العشرون إمرة طبر وموضوعها أن يكون صاحبها حاملا الطبر في المواكب ويحكم على من دونه من الطبردارية وعادتها إمرة عشرة أيضا
الحادية والعشرون إمرة علم وموضوعها أن يكون صاحبها متحدثا على الطبلخاناه السلطانية وأهلها متصرفا في أمرها وعادتها إمرة عشرة
الثانية والعشرون إمرة شكار وموضوعها أن يكون صاحبها متحدثا في الجوارح السلطانية من الطيور وغيرها والصيود السلطانية وأحواش الطيور وغيرها وهي إمرة عشرة
الثالثة والعشرون حراسة الطير وموضوعها أن يكون صاحبها متحدثا على حراسة الطيور من الكراكي التي هي بصدد أن يصيدها السلطان في الأماكن التي تنزل بها الطيور من المزارع وغيرها وهي إمرة عشرة
الرابعة والعشرون شد العمائر وموضوعها أن يكون صاحبها متكلما في العمائر السلطانية مما يختار السلطان إحداثه او تجديده من القصور والمنازل والأسوار وهي إمرة عشرة
الخامسة والعشرون الولاية والولاة بالحاضرة على صنفين

الصنف الأول ولاة الشرطة المعروفون في الديار المصرية بولاة الحرب وهم
ثلاثة بالقاهرة والفسطاط المعروف بمصر والقرافة
فأما والي القاهرة فيحكم في القاهرة وضواحيها وهو أكبر الثلاثة وأعلاهم رتبة وعادته إمرة طبلخاناه

وأما والي الفسطاط فيحكم في خاصة مصر على نظير ما يحكم والي القاهرة في بلده وعادته إمرة عشرة
وأما والي القرافة فيحكم في القرافة التي هي تربة هاتين المدينتين بمراجعة والي مصر وعادته إمرة عشرة وقد أضيفت الآن القرافة إلى مصر وصارت ولاية واحدة وجعلت إمرة طبلخاناه ولكنها لا تبلغ شأو القاهرة

الصنف الثاني ولاة القلعة وهم اثنان
أحدهما والي القلعة وهو أمير طبلخاناه وله التحدث على باب القلعة الكبير الذي منه طلوع عامة العسكر ونزولهم في الفتح والغلق ونحو ذلك
الثاني والي باب القلة وهو أمير عشرة وله التحدث على الباب المذكور وأهله كما لوالي القلعة التحدث على الباب الكبير المتقدم ذكره
النوع الثاني ما هو خارج عن الحضرة السلطانية وهم على ثلاث طبقات
الطبقة الأولى نواب السلطنة
والذي بمصر الآن ثلاث نيابات جميعها مستحدثة عن قرب
الأولى نيابة الإسكندرية وهي نيابة جليلة تضاهي نيابة طرابلس وحماة وصفد من المملكة الشامية الآتي ذكرها وبها كرسي سلطنة ونمجاه سلطانية

توضع على الكرسي ونائبها من الأمراء المقدمين يركب في المواكب بالشبابة السلطانية ومعه أجناد الحلقة المرتبون بها ويخرج في موكبه إلى ظاهر الإسكندرية خارج باب البحر ويجتمع إليه الأمراء المسيرون بها هناك ثم يعود وهم معه إلى دار النيابة ويمد السماط السلطاني ويأكل عليه الأمراء والأجناد ويحضره القضاة وتقرأ القصص على عادة النيابات ثم ينصرفون
وكان ابتداء ترتيب هذه النيابة في سنة سبع وستين وسبعمائة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين حين طرق العدو المخذول من الفرنج الإسكندرية وفتكوا بأهلها وقتلوا منهم الخلق العظيم ونهبوا الأموال الجمة وكانت قبل ذلك ولاية تعد في جملة الولايات وكان لواليها الرتبة الجليلة والمكانة العلية من أكابر أمراء الطبلخاناه
الثانية نيابة الوجه القبلي وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق وهو في رتبة نيابة الوجه البحري بل أعظم خطرا منه ومقر نيابته مدينة أسيوط المتقدم ذكرها وحكمه على جميع بلاد الوجه القبلي بأسرها وهي في الترتيب على ما تقدم من نيابة الوجه البحري وكانت قبل ذلك كاشفا يطلق عليه والي الولاة كما كان في الوجه البحري
الثالثة نيابة الوجه البحري وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية أيضا ونائبها من الأمراء المقدمين وهو في رتبة مقدم العسكر بغزة الآتي ذكرها ومقر نائبها دمنهور مدينة البحيرة المتقدم ذكرها وليست على قاعدة النيابات بل هي في الحقيقة ولاية حرب كبيرة وقد كان القائم بها قبل ذلك كاشفا يطلق عليه والي الولاة ولم يكن له مقرة خاصة

الطبقة الثانية الكشاف
قد تقدم أنه قبل النيابة بالوجهين القبلي والبحري كان بهما كاشفان ولما استقرت النيابة بهما جعل للوجه البحري كاشف من أمراء الطبلخاناه على العادة المتقدمة يتحدث في بلاده ما عدا عمل البحيرة لقربه من نائب الوجه البحري وجعل كاشف آخر من رتبته لعمل الفيوم وعطل من الوالي وأضيف إليه عمل البهنسى أيضا وسائر الوجه القبلي أمره راجع إلى نائبه المتقدم ذكره
الطبقة الثالثة الولاة بالوجهين القبلي والبحري وقد تقدم ذكر أعمالهما ومراتب الولاة بهما لا تخرج عن مرتبتين المرتبة الأولى أمراء الطبلخاناه وهي سبع ولايات بالوجهين القبلي والبحري
فأما الوجه القبلي ففيه أربع ولاة من هذه الرتبة
الأول والي البهنسى وهي أقرب ولاة الطبلخاناه بهذا الوجه الآن إلى القاهرة
الثاني والي الأشمونين
الثالث والي قوص وإخميم وهو أعظم ولاة الوجه القبلي حتى إنه يركب في المواكب بالشبابة السلطانية أسوة النواب بالممالك

الرابع والي أسوان وهو محدث في الدولة الظاهرية برقوق وكانت قبل ذلك مضافة إلى والي قوص وكانت ولاية الفيوم طبلخاناه استقرت كشفا على ما تقدم
أما أسيوط فلم يكن بها ولاية لكونها كانت مستقر والي الولاة بالوجه القبلي ثم صارت مستقر النائب به وسيأتي بيان ما كان ولاية طبلخاناه ثم نقل إلى العشرات
وأما الوجه البحري ففيه أربعة ولاة من هذه الرتبة الأول والي الشرقية وهو والي بلبيس
الثاني والي منوف
الثالث والي الغربية وهو والي المحلة ورتبته في الوجه البحري في رفعة القدر تضاهي رتبة والي قوص في الوجه القبلي
الرابع والي البحيرة وهو والي دمنهور وقد تقدم أن الإسكندرية قبل أن تستقر نيابة كان بها وال من أمراء الطبلخاناه
المرتبة الثانية من الولاة أمراء العشرات وهي سبعة ولاة بالوجهين
فأما الوجه القبلي ففيه ثلاثة ولاة الأول والي الجيزة وقد كان قبل ذلك طبلخاناه ثم نقل إلى العشرات
الثاني والي إطفيح ولم يزل عشرة
الثالث والي منفلوط وهو وإن كان الآن أمير عشرين فقد تقدم أن من دون الأربعين معدود في العشرات على أنها كانت قبل ذلك ولاية طبلخاناه وحطت عن ذلك
وقد كان بعيذاب في الأيام الناصرية وال أمير عشرة يولى من قبل السلطان

ويراجع والي قوص في الأمور المهمة
وأما الوجه البحري ففيه أربعة ولاة من هذه الرتبة
الأول والي قليوب ولم تزل ولايتها إمرة عشرة
الثاني والي أشموم ولم تزل عشرة أيضا
الثالث والي دمياط
الرابع والي قطيا وكان قبل ذلك طبلخاناه
الضرب الثاني من أعيان المملكة وأرباب المناصب حملة الأقلام وهم على نوعين النوع الأول أرباب الوظائف الديوانية وهي كثيرة للغاية لا يسع استيفاؤها والمعتبر منها مما يجب الاقتصار عليه تسع وظائف
الأولى الوزارة وهي أجل الوظائف وأرفعها رتبة في الحقيقة لو لم تخرج عن موضوعها ويعدل بها عن قاعدتها قال في مسالك الأبصار وربها ثاني السلطان لو أنصف وعرف حقه لكنها لما حدثت عليها النيابة تأخرت وقعد بها مكانها حتى صار المتحدث فيها كناظر المال لا يتعدى الحديث فيه ولا يتسع له في التصرف محال ولا تمتد يده في الولاية والعزل لتطلع السلطان إلى الإحاطة بجزيئات الأحوال قال وقد صار يليها أناس من أرباب السيوف والأقلام بأرزاق على قدر الإنفاق وقطيعتها أشهر من أن تذكر
قال وكان هذا السلطان يعني الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله قد أبطلها وصار ما كان يتحدث فيه الوزير منقسما إلى ثلاثة ناظر المال ومعه شاد الدواوين لتحصيل المال وصرف النفقات وناظر الخاص لتدبير الأمور العامة وتعيين المباشرين وكاتب السر للتوقيع في دار العدل مما كان يوقع فيه الوزير

مشاورة واستقلالا قلت ولما عادت الوزارة بعد ذلك صارت إلى ما كانت عليه من الاقتصار على التحدث في المال وبقيت كتابة السر على ما صارت إليه من التوقيع على القصص بدار العدل وغيرها ثم إن كان الوزير صاحب قلم فهو المستقل بمباشرة الوظيفة نظرا وتنفيذا ومحاسبة على الأموال وإن كان صاحب سيف كان مقتصرا على النظر والتنفيذ وكان أمر الحساب في الأموال راجعا إلى ناظر الدولة معه
ثم لوظيفة الوزارة أتباع كثيرة أجلها نظر الدولة واستيفاء الصحبة واستيفاء الدولة
فأما نظر الدولة وهو المعبر عنه في مصطلح الدواوين المعمورة بالصحبة الشريفة فموضوعها أن صاحبها يتحدث مع الوزير في كل ما يتحدث فيه ويشاركه في الكتابة في كل ما يكتب فيه ويوقع في كل ما يوقع فيه الوزير تبعا له وإن كان الوزير صاحب سيف كان ناظر الدولة هو المتحدث في أمر الحسبانات وما يتعلق بها والوزير مقتصر على النظر والتنفيذ
وأما استيفاء الصحبة فهي وظيفة جليلة رفيعة القدر قال في مسالك الأبصار وصاحبها يتحدث في جميع المملكة مصرا وشاما ويكتب مراسيم يعلم عليها السلطان تارة تكون بما يعمل في البلاد وتارة بإطلاقات وتارة باستخدامات كبار في صغار الأعمال وما يجري مجراه
قال وهذا الديوان هو أرفع دواوين الأموال وفيه تثبت التواقيع والمراسيم السلطانية وكل من دواوين الأموال فهو فرع هذا الديوان وإليه يرجع حسابه وتتناهى أسبابه

وأما استيفاء الدولة فهي وظيفة رئيسية وعلى متوليها مدار أمور الدولة في الضبط والتحرير ومعرفة أصول الأموال ووجوه مصارفها ويكون فيها مستوفيان فأكثر
الوظيفة الثانية كتابة السر قال في مسالك الأبصار وموضوعها قراءة الكتب الواردة على السلطان وكتابة أجوبتها وأخذ خط السلطان عليها وتسفيرها وتصريف المراسيم ورودا وصدرا والجلوس لقراءة القصص بدار العدل والتوقيع عليها وقد تقدم في الكلام على الوزارة أنه صار يوقع فيما كان يوقع عليه بقلم الوزارة مع مراجعة السلطان فيما يحتاج إلى المراجعة فيه في أمور أخرى من التحدث في أمر البريد وتصريف البريدية والقصاد ومشاركة الدوادار في أكثر الأمور السلطانية مما تقدم ذكره مفصلا وبديوانه كتاب الدست وهو الذين يجلسون معه في دار العدل ويقرأون القصص على السلطان ويوقعون عليها بأمر السلطان وكتاب الدرج وهم الذين يكتبون الولايات والمكاتبات ونحوها مما يكتب عن الأبواب الشريفة وربما شاركهم كتاب الدست في ذلك
الوظيفة الثالثة نظر الخاص وهي وظيفة محدثة أحدثها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله حين أبطل الوزارة على ما تقدم ذكره وأصل موضوعها التحدث فيما هو خاص بمال السلطان قال في مسالك الأبصار وقد صار كالوزير لقربه من السلطان وتصرفه وصار إليه تدبير جملة الأمور وتعيين المباشرين يعني في زمن تعطيل الوزارة قال وصاحب هذه الوظيفة لا يقدر على الإستقلال بأمر إلا بمراجعة السلطان ولناظر الخاص أتباع من كتاب ديوان الخاص كمستوفي الخاص وناظر خزانة الخاص ونحو ذلك مما لا يسع استيعابه

الوظيفة الرابعة نظر الجيش وموضوعها التحدث في أمر الإقطاعات بمصر والشأم والكتابة بالكشف عنها ومشاورة السلطان عليها وأخذ خطه وهي وظيفة جليلة رفيعة المقدار وديوانها أول ديوان وضع في الإسلام بعد النبي في خلافة عمر قال الزهري قال سعيد بن المسيب وذلك في سنة عشرين من الهجرة وسيأتي الكلام على ما يتعلق بها في الكلام على كتابة المناشير في المقالة السادسة إن شاء الله تعالى ولناظر الجيش أتباع بديوانه يولون عن السلطان كصاحب ديوان الجيش وكتابه وشهوده وكذلك صاحب ديوان المماليك وكاتب المماليك وشهود المماليك فإن المماليك السلطانية فرع من الجيش ونظرهم راجع إلى ناظر الجيش
الوظيفة الخامسة نظر الدواوين المعمورة والصحبة الشريفة وهو المعبر عنه بناظر الدولة وموضوعها التحدث في كل ما يتحدث فيه الوزير وكل ما كتب فيه الوزير كتب فيه هو يكتب فيه بمثل ما رسم به
الوظيفة السادسة نظر الخزانة قال في مسالك الأبصار وكانت أولا كبيرة الوضع لأنها مستودع أموال المملكة فلما استحدثت وظيفة الخاص صغر أمر الخزانة وسميت بالخزانة الكبرى وهو اسم فوق مسماه قال ولم يكن بها الآن إلا خلع تخلع منها أو ما يحضر إليها ويصرف أولا فأولا وفي الغالب يكون ناظرها من القضاة أو من يلتحق بهم ولناظر الخزانة أتباع يولون عن السلطان كصاحب ديوان الخزانة
الوظيفة السابعة نظر البيوت والحاشية وهو نظر جليل وكل ما يتحدث

فيه الأستادار له فيه مشاركة في التحدث فيه وقد تقدم تفصيل حال وظيفة الأستادارية
الوظيفة الثامنة نظر بيت المال وموضوعها حمل حمول المملكة إلى بيت المال والتصرف فيه تارة قبضا وصرفا وتارة بالتسويغ محضرا وصرفا قال في مسالك الأبصار ولا يليها إلا ذو العدالة البارزة من أهل العلم والديانة
الوظيفة التاسعة نظر الإصطبلات السلطانية وموضوعها مباشرة إصطبلات السلطان والتحدث في أنواع الخيول والبغال والدواب والجمال السلطانية وعليفها وعدتها وما لها من الاستعمالات والإطلاقات وكل ما يبتاع لها أو يباع منها وأرزاق المستخدمين بها ونحو ذلك
الوظيفة العاشرة نظر دار الضيافة والأسواق وموضوعها التحدث في أمر ما يتحصل من سوق الخيل والرقيق ونحوهما وصرف ذلك في كلفة من يرد إلى الأبواب السلطانية من رسل الملوك ونحوهم وصرف مرتبات مقررة لأناس في كل شهر والتحدث فيها ولاية وعزلا وتنفيذا راجع إلى الدوادار وللوزير المشاركة معه في المتحصل في شيء مخصوص
الوظيفة الحادية عشرة نظر خزائن السلاح وموضوعها التحدث على كل ما يستعمل من السلاح السلطاني وعادته أن يجمع ما يتحصل من عمل كل سنة ويجهز في يوم معين ويحمل على رؤوس الحمالين إلى خزائن السلاح بالقلعة المحروسة ويخلع عليه وعلى رفقته من المباشرين
الوظيفة الثانية عشرة نظر الأملاك السلطانية وموضوعها التحدث على الأملاك الخاصة بالسلطان من ضياع ورباع وغير ذلك

الوظيفة الثالثة عشرة نظر البهار والكارمي وموضوعها التحدث على واصل التجار الكارمية من اليمن من أصناف البهار وأنواع المتجر وهي وظيفة جليلة تارة تضاف إلى الوزارة وتجعل تبعا لها وتارة تضاف إلى الخاص وتجعل تبعا لها وتارة تنفرد عنهما بحسب ما يراه السلطان
الوظيفة الرابعة عشرة نظر الأهراء بمصر بالصناعة وهي شونة الغلال السلطانية التي يتكلم عليها الوزير وموضوعها التحدث فيما يصل إليها من النواحي من الغلال وغيرها وما يصرف منها على الإصطبلات الشريفة والمناخات السلطانية وغير ذلك
الوظيفة الخامسة عشرة نظر المواريث الحشرية وموضوعها التحدث على ديوان المواريث الحشرية ممن يموت ولا وارث له أو وله وارث لا يستغرق ميراثه مع التحدث في إطلاق جميع الموتى من المسلمين وغيرهم
الوظيفة السادسة عشرة نظر الطواحين السلطانية بمصر بالصناعة أيضا وهو مغلق عظيم فيه عشرة حجارة يخرج منها في كل يوم نحو خمسين تليسا

الوظيفة السابعة عشرة نظر الحاصلات وهو المعبر عنه بنظر الجهات وموضوعه التحدث في أموال جهات الوزارة من متحصل ومصروف أو حمل لبيت المال وغيره
الوظيفة الثامنة عشرة نظر المرتجعات وموضوعها التحدث على ما يرتجع ممن يموت من الأمراء ونحو ذلك وقد رفضت هذه الوظيفة وتعطلت ولايتها في الغالب وصار أمر المرتجع موقوفا على مستوفي المرتجع وهو الذي يحكم في القضايا الديوانية ويفصلها على مصطلح الديوان وهو المعبر عنه بديوان السلطان
الوظيفة التاسعة عشرة نظر الجيزة وموضوعها التحدث على ما يتحصل من عمل الجيزية التي هي خاص السلطان وهي فرع من فروع الدواوين
الوظيفة العشرون نظر الوجه القبلي وموضوعها التحدث على بلاد الصعيد بأسرها مما يتحصل فيها من ميراث وغيره
الوظيفة الحادية والعشرون نظر الوجه البحري وموضوعها كموضوع نظر الوجه القبلي المتقدم ذكره
الوظيفة الثانية والعشرون صحابة ديوان الجيش وموضوعها التحدث في كل ما يتحدث فيه ناظر الجيش من أمر الإقطاعات

الوظيفة الثالثة والعشرون صحابة ديوان البيمارستان وموضوعها التحدث في كل ما يتحدث فيه ناظر البيمارستان
الوظيفة الرابعة والعشرون صحابة ديوان الأحباس وصاحبها يكتب في كل ما يكتب فيه ناظر الأحباس إلا أنها بطلت
الوظيفة الخامسة والعشرون استيفاء الصحبة استيفاء الدولة

النوع الثاني أرباب الوظائف الدينية وهم صنفان الصنف الأول من له مجلس
بالحضرة السلطانية بدار العدل الشريف وهو منحصر في خمس وظائف
الوظيفة الأولى قضاء القضاة وموضوعها التحدث في الأحكام الشرعية وتنفيذ قضاياها والقيام بالأوامر الشرعية والفصل بين الخصوم ونصب النواب للتحدث فيما عسر عليه مباشرته بنفسه وهي أرفع الوظائف الدينية وأعلاها قدرا وأجلها رتبة
واعلم أن الأمر في الزمن الأول كان قاصرا على قاض واحد بالديار المصرية من أي مذهب كان بل كان في الدولة الفاطمية قاض واحد بالديار

المصرية وأجناد الشام وبلاد المغرب مضاف إليه التحدث في أمر الصلاة ودور الضرب وغير ذلك على ما ستقف عليه في تقاليد بعض قضاتهم في الكلام على تقاليد القضاة إن شاء الله تعالى ثم استقر الحال في الأيام الظاهرية بيبرس في سنة ثلاث وستين وستمائة على أربعة قضاة من مذاهب الأئمة الأربعة الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم وكان السبب في ذلك فيما ذكره صاحب نهاية الأرب أن قضاء القضاة بالديار المصرية كان يومئذ بيد القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز بمفرده وكان الأمير جمال الدين ايدغدي أحد أمراء السلطان الملك الظاهر المتقدم ذكره يعانده في أموره ويغض منه عند السلطان لتثبته في الأمور وتوقفه في الأحكام فبينما السلطان ذات يوم جالس بدار العدل إذ رفعت إليه قصة بسبب مكان باعه القاضي بدر الدين السنجاري ثم ادعي ذريته بعد وفاته أنه موقوف فأخذ الأمير ايدغدي يغض من القضاة بحضرة السلطان فسكت السلطان لذلك ثم قال للقاضي تاج الدين ما الحكم في ذلك قال إذا ثبتت الوقفية يستعاد الثمن من تركة البائع قال فإن عجزت التركة عن ذلك قال يوقف على حاله فامتعض لها السلطان وسكت ثم جرى في المجلس ذكر أمور أخرى توقف القاضي في تمشيتها وكان آخر الأمر أن الأمير ايدغدي حسن للسلطان نصب أربعة قضاة من المذاهب الأربعة ففعل وأقر القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز في قضاء الشافعية وولي الشيخ شهاب

الدين أبو حفص عمر بن عبد الله بن صالح السبكي قضاء المالكية والقاضي بدر الدين بن سلمان قضاء الحنفية والقاضي شمس الدين محمد ابن الشيخ عماد الدين إبراهيم القدسي قضاء الحنابلة وجعل لهم الأربعة أن يولوا النواب بأعمال الديار المصرية وأفرد القاضي تاج الدين بالنظر في مال الأيتام والأوقاف وكتب له بذلك تقليد من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر أوله الحمد لله مجرد سيف الحق على من اعتدى ثم كل من الأربعة له التحدث فيما يقتضيه مذهبه بالقاهرة والفسطاط ونصب النواب وإجلاس الشهود ويستقل الشافعي منهم بتولية النواب بنواحي الوجهين القبلي والبحري لا يشاركه فيه غيره
الوظيفة الثانية قضاء العسكر وهي وظيفة جليلة قديمة كانت في زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان قاضي عسكره بهاء الدين بن وموضوعها أن صاحبها يحضر بدار العدل مع القضاة المتقدم ذكرهم ويسافر مع السلطان إذا سافر وهم ثلاثة نفر شافعي وحنفي ومالكي وليس للحنابلة منهم حظ وجلوسهم في دار العدل دون القضاة الأربعة المتقدمي الذكر على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى
الوظيفة الثالثة إفتاء دار العدل وموضوعها على نحو ما تقدم في قضاء العسكر وبها أربعة نفر من كل مذهب واحد وجلوسهم دون قضاة العسكر على ما يأتي ذكره
الوظيفة الرابعة وكالة بيت المال وهي وظيفة عظيمة الشأن رفيعة القدر وموضوعها التحدث فيما يتعلق بمبيعات بيت المال ومشترياته من أراض وآدر وغير ذلك والمعاقدة على ذلك وما يجري هذا المجرى قال في مسالك

الأبصار ولا يليها إلا أهل العلم والديانة ومجلسه بدار العدل تارة يكون دون المحتسب وتارة فوقه بحسب رفعة قدر كل منهما في نفسه
الوظيفة الخامسة الحسبة وهي وظيفة جليلة رفيعة الشأن وموضوعها التحدث في الأمر والنهي والتحدث على المعايش والصنائع والأخذ على يد الخارج عن طريق الصلاح في معيشته وصناعته وبالحضرة السلطانية محتسبان أحدهما بالقاهرة وهو أعظمهما قدرا وأرفعهما شأنا وله التصرف بالحكم والتولية بالوجه البحري بكماله خلا الإسكندرية فإن لها محتسبا يخصها والثاني بالفسطاط ومرتبته منحطة عن الأول وله التحدث والتولية بالوجه القبلي بكماله والذي يجلس منهما بدار العدل في أيام المواكب محتسب القاهرة فقط دون محتسب مصر ومحل جلوسه دون وكيل بيت المال وربما جلس أعلى منه إذا كان أرفع منه بعلم او نحوه

الصنف الثاني من أرباب الوظائف الدينية من لا مجلس له بالحضرة السلطانية
وهذه الوظائف لا حصر لعددها على التفصيل ولا سبيل إلى استيفاء ذكرها على تفاوت المراتب فوجب الاقتصار على ذكر المهم منها
ثم هذه الوظائف منها ما هو مختص بشخص واحد ومنها ما هو عام في أشخاص
فأما التي هي مختصة بشخص واحد
فمنها نقابة الأشراف وهي وظيفة شريفة ومرتبة نفيسة موضوعها التحدث على ولد علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه من فاطمة بنت رسول الله وهم المراد بالأشراف في الفحص عن أنسابهم والتحدث في أقاربهم والأخذ على يد المتعدي منهم ونحو ذلك وكان يعبر عنها في زمن الخلفاء المتقدمين بنقابة الطالبيين

ومنها مشيخة الشيوخ والمراد بها مشيخة الخانقاه التي أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاوون بسرياقوس من ضواحي القاهرة
أما مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقاهرة المعروفة بسعيد السعداء فإنها وإن قدم زمنها وعظم قدرها دون تلك في المشيخة
ومنها نظر الأحباس المبرورة وهي وظيفة عالية المقدار وموضوعها أن صاحبها يتحدث في رزق الجوامع والمساجد والربط والزوايا والمدارس من الأرضين المفردة لذلك من نواحي الديار المصرية خاصة وما هو من ذلك على سبيل البر والصدقة لأناس معينين وأصل هذه الوظيفة أن الليث بن سعد رحمه الله اشترى أراضي من بيت المال في نواح من البلدان وحبسها على وجوه البر وهي المسماة بديوان الأحباس بوجوه العين ثم أضيف إلى ذلك الرباع والدور المعروفة بالفسطاط وغيره ثم أضيف إليها رزق الخطابات ثم كثرت الرزق من الأرضين في الدولة الظاهرية بيبرس بواسطة الصاحب بهاء الدين بن حنا وأخذت في الزيادة إلى زماننا وهي تارة يتحدث فيها السلطان بنفسه وتارة النائب وفي غالب الوقت يتحدث فيها الدوادار الكبير على ما استقر عليه الحال آخرا
ومنها نظر البيمارستان والمراد البيمارستان المنصوري الذي أنشأه المنصور قلاوون بين القصرين وكان دارا لست الملك أخت الحاكم الفاطمي فغير معالمه وزاد فيه وليس له نظير في الدنيا في بره ومعروفه وهي من أجل

الوظائف وأعلاها وعادة النظر فيه من أصحاب السيوف لأكبر الأمراء بالديار المصرية
وأما التي هي عامة في أشخاص
فمنها الخطابة وهي في الحقيقة أجل الوظائف وأعلاها رتبة إذ كان النبي يفعلها بنفسه ثم فعلها الخلفاء الراشدون فمن بعدهم وهي على كثرة الجوامع بالديار المصرية بحيث إنها لا تحصى كثرة لا يتعلق منها بولاية السلطان إلا القليل النادر كجامع القلعة إلا إذا كان مفردا عن القضاء ونحو ذلك مما لا ناظر له خاص
ومنها التداريس وهي على اختلاف أنواعها من الفقه والحديث والتفسير والنحو واللغة وغير ذلك لا يولي السلطان فيها إلا فيما يعظم خطره ويرتفع شأنه مما لا ناظر له خاص كالمدرسة الصلاحية بجوار تربة الإمام الشافعي رضي الله عنه والزاوية الصلاحية بالجامع العتيق بالفسطاط وهي المعروفة بالخشابية والمدرسة المنصورية بالبيمارستان المنصوري المتقدم ذكره بين القصرين ودرس الجامع الطولوني ونحو ذلك

المقصد الرابع في زي أعيان المملكة من أرباب المناصب السلطانية بالديار المصرية في لبسهم وركوبهم وهم أربع طوائف الطائفة الأولى أرباب السيوف وزيهم راجع إلى أمرين
الأمر الأول لبسهم ويختلف الحال فيه باعتبار مواضع اللبس من البدن
فأما ما به تغطية رؤوسهم فقد تقدم أنهم كانوا في الدولة الأيوبية يلبسون كلوتات صفر بغير عمائم وكانت لهم ذوائب شعر يرسلونها خلفهم فلما كانت الدولة الأشرفية خليل بن قلاوون رحمه الله غير لونها من الصفرة إلى الحمرة وأمر بالعمائم من فوقها وبقيت كذلك حتى حج الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله في أواخر دولته فحلق رأسه فحلق الجميع رؤوسهم واستمروا على الحلق إلى الآن وكانت عمامتهم صغيرة فزيد في قدرها في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين فحسنت هيئتها وجادت وهي على ذلك إلى زماننا
وأما ثياب أبدانهم فيلبسون الأقبية التترية والتكلاوات فوقها ثم القباء الإسلامي فوق ذلك يشد عليه السيف من جهة اليسار والصولق والكزلك من جهة اليمين
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وأول من أمر بذلك غازي بن زنكي أخو العادل نور الدين الشهيد حين ملك الموصل بعد أبيه ثم

الأمراء والمقدمون وأعيان الجند تلبس فوقه أقبية قصيرة الأكمام أقصر من القباء التحتاني بلا تفاوت كبير في قصر الكم وطوله مع سعة الكم القصير وضيق الأكمام الطويلة
ثم إن كان زمن الصيف كان جمع القماش من الفوقاني وغيره أبيض من النصافي ونحوه وتشد فوق القباء الإسلامي المنطقة وهي الحياصة ومعظم مناطقهم من الفضة المطلية بالذهب وربما جعلت من الذهب وقد ترصع باليشم قال في مسالك الأبصار ولا ترصع بالجواهر إلا في خلع السلطان لأكابر أمراء المئين
وإن كان زمن الشتاء كانت فوقانياتهم ملونة من الصوف النفيس والحرير الفائق تحتها فراء السنجاب الغض ويلبس أكابر الأمراء السمور والوشق والقاقم والفنك ويجعل في المنطقة منديلا لطيفا مسدلا على الصولق ومعظمهم يلبس المطرز على الكمين من الزركش أو الحرير الأسود المرقوم قال في المسالك ولا يلبس المطرز إلا من له إقطاع في الحلقة أما من هو بعد بالجامكية فلا يتعاطى ذلك

وأما ما يجعل في أرجلهم فإن كان في الصيف لبسوا الخفاف البيض العلوية وإن كان في الشتاء لبسوا الخفاف الصفر من الأديم الطائفي ويشدون المهاميز المسقطة بالفضة في القدم على الخف قال في مسالك الأبصار ولا يكفت مهمازة بالذهب إلا من له إقطاع في الحلقة على ما تقدم في لبس المطرز
الأمر الثاني ركوبهم أما ما يركبون فالخيل المسومة النفيسة الأثمان خصوصا الأمراء ومن يلحق بشأوهم ولا يركبون البغال بحال بل تركبها غلمانهم خلفهم بالقماش النفيس والهيئة الحسنة والقوالب المحلاة بالفضة وربما غشي جميعها بالفضة بل ربما غشي جميعها بالذهب للسلطان وأعيان الأمراء ومعها العبي السابلة الملونة من الصوف الفائق وربما جعلت من الحرير لأعيانهم وقد يتخذ بدلها الكنابيش بالحواشي المخايش وربما كانت زركشا للسلطان والأمراء وتحلى لجمهم وتسقط بالفضة بحسب اختيار صاحبها ويجعل الدبوس في حلقة متصلة بالسرج تحت ركبته اليمنى قال صاحب حماة وأول من أمرهم بذلك غازي بن زنكي حين أمرهم بشد السيوف في أوساطهم على ما تقدم ذكره قال في مسالك الأبصار وعلى الجملة فزيهم ظريف وعددهم فائقة نفيسة

الطائفة الثانية أرباب الوظائف الدينية من القضاة وسائر العلماء وزيهم
راجع أيضا إلى أمرين
الأمر الأول ملبوسهم ويختلف ذلك باختلاف مراتبهم فالقضاة والعلماء منهم يلبسون العمائم من الشاشات الكبار للغاية ثم منهم من يرسل بين

كتفيه ذؤابة تلحق قربوس سرجه إذا ركب ومنهم من يجعل عوض الذؤابة الطيلسان الفائق ويلبس فوق ثيابه دلقا متسع الأكمام طويلها مفتوحا فوق كتفيه بغير تفريج سابلا على قدميه ويتميز قضاة القضاة الشافعي والحنفي بلبس طرحة تستر عمامته وتنسدل على ظهره وكان قبل ذلك مختصا بالشافعي ومن دون هذه منهم تكون عمامته ألطف ويلبس بدل الدلق فرجية مفرجة من قدامه من أعلاها إلى أسفلها مزررة بالأزرار وليس فيهم من يلبس الحرير ولا ما غلب فيه الحرير وإن كان شتاء كان الفوقاني من ملبوسهم من الصوف الأبيض المطلي ولا يلبسون الملون إلا في بيوتهم وربما لبسه بعضهم من الصوف في الطرقات ويلبسون الخفاف من الأديم الطائفي بغير مهاميز
الأمر الثاني مركوبهم أما أعيان هذه الطائفة من القضاة ونحوهم فيركبون البغال النفيسة المساوية في الأثمان لمسومات الخيول بلجم ثقال وسروج مدهونة غير محلاة بشيء من الفضة ويجعلون حول السرج قرقشينا من جوخ قال في مسالك الأبصار وهو شبيه بثوب السرج مختصر منه ويجعلون بدل العبي الكنابيش من الصوف المرقوم محاذية لكفل البغلة ويمتاز قضاة القضاة بأن يجعل بدل ذلك الزناري من الجوخ وهو شبيه بالعباءة مستدير من وراء الكفل ولا يعلوه بردعة ولا قوش وربما ركبوا بالكنابيش وأما من دون هؤلاء من هذه الطائفة فربما ركبوا الخيول بالكنابيش والعبي

الطائفة الثالثة مشايخ الصوفية
وهم مضاهون لطائفة العلماء في لبس الدلق إلا أنه يكون غير سابل ولا

طويل الكم ويرخون ذؤابة لطيفة على الأذن اليسرى لا تكاد تلحق الكتف ويركبون البغال بالكنابيش على نحو ما تقدم

الطائفة الرابعة أرباب الوظائف الديوانية
أما أعيانهم كالوزراء ومن ضاهاهم فيلبسون الفراجي المضاهية لفراجي العلماء المتقدمة الذكر وربما لبسوا الجباب المفرجة من ورائها وقد ذكر في مسالك الأبصار أن أكابرهم كانوا يجعلون في أكمامهم بادهنجات مفتوحة وقد صار ذلك الآن قاصرا على ما يلبسونه من التشاريف ومن دون هؤلاء يلبسون الفرجيات المفرجة من ورائها على ما تقدم
وأما ركوبهم فيضاهي ركوب الجند أو يقاربه قال في مسالك الأبصار وتجمل هذه الطائفة بمصر أكمل مما هم بالشام في زيهم وملبوسهم إلا ما يحكى عن قبط مصر في بيوتهم من اتساع الأحوال والنفقات حتى إن الواحد منهم يكون في ديوانه بأدنى اللباس ويأكل أدنى المآكل ويركب الحمار حتى إذا صار في بيته انتقل من حال إلى حال وخرج من عدم إلى وجود قال ولقد تبالغ الناس فيما تحكي من ذلك عنهم
المقصد الخامس في هيئة السلطان في ترتيب الملك وله ثلاث هيئات
الهيئة الأولى هيئته في جلوسه بدار العدل لخلاص المظالم
عادة هذا السلطان إذا كان بالقلعة في غير شهر رمضان أن يجلس بكرة يوم

الاثنين بإيوانه الكبير المسمى بدار العدل المتقدم ذكره مع ذكر القلعة في الكلام على حاضرة الديار المصرية ويكون جلوسه على الكرسي الذي هو موضوع تحت سرير الملك قال في مسالك الأبصار ويجلس على يمينه قضاة القضاة من المذاهب الأربعة ثم وكيل بيت المال ثم الناظر في الحسبة ويجلس على يساره كاتب السر وقدامه ناظر الجيش وجماعة الموقعين تكملة حلقة دائرة قال وإن كان الوزير من أرباب الأقلام كان بينه وبين كاتب السر وإن كان من أرباب السيوف كان واقفا على بعد مع بقية أرباب الوظائف وكذلك إن كان ثم نائب وقف مع أرباب الوظائف ويقف من وراء السلطان مماليك صغار عن يمينه ويساره من السلاح دارية والجمدارية والخاصكية ويجلس على بعد بقدر خمسة عشر ذراعا عن يمنته ويسرته ذوو السن من أكابر أمراء المئين وهم أمراء المشورة ويليهم من أسفل منهم أكابر الأمراء وأرباب الوظائف وقوف وباقي الأمراء وقوف من وراء المشورة ويقف خلف هذه الحلقة المحيطة بالسلطان الحجاب والدوادارية لإحضار قصص أرباب الضرورات وإحضار المساكين وتقرأ عليه القصص فما احتاج فيه إلى مراجعة القضاة راجعهم فيه وما كان متعلقا بالعسكر تحدث فيه مع الحاجب وناظر الجيش ويأمر في البقية بما يراه
قلت وقد استقر الحال على أن يكون عن يمينه قاضيان من القضاة الأربعة وهما الشافعي والمالكي وعن يساره قاضيان وهما الحنفي ثم الحنبلي ويلي القاضي المالكي من الجانب الأيمن قضاة العسكر الثلاثة المتقدم ذكرهم الشافعي ثم الحنفي ثم المالكي ويليهم مفتو دار العدل على هذا الترتيب ويليهم وكيل بيت المال ثم الناظر في الحسبة بالقاهرة وربما جلس المحتسب فوق وكيل بيت المال إذا علا قدره عليه بعلم أو رياسة وكل هؤلاء صف واحد عن يمين السلطان مستدبرين جدار صدر الإيوان مستقبلين بابه والقاضيان الحنفي والحنبلي كذلك من الجانب الأيسر والوزير إن كان من أرباب الأقلام إلى جانب الكرسي من الجانب الأيسر بانحراف وكاتب السر يليه وتستدير

الحلقة حتى يصير الجالس بها مستدبرا باب الإيوان على ما تقدمت الإشارة إليه في كلام مسالك الأبصار

الهيئة الثانية هيئته في بقية الأيام
عادته فيما عدا الاثنين والخميس من الأيام أن يخرج من قصوره الجوانية المتقدم ذكرها إلى قصره الكبير المشرف على إصطبلاته ثم تارة يجلس على تخت الملك الذي بصدره وتارة يجلس على الأرض ويقف الأمراء حوله على ما تقدم في الجلوس في الإيوان خلا أمراء المشورة والغرباء منه فليس لهم عادة بحضور هذا المجلس إلا من دعت الحاجة إلى حضوره ثم يقوم في الثالثة من النهار فيدخل إلى قصوره الجوانية لمصالح ملكه ويعبر عليه خاصته من أرباب الوظائف كالوزير وكاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش في الأشغال المتعلقة به على ما تدعو الحاجة إليه
الهيئة الثالثة هيئته في صلاة الجمعة والعيدين
أما صلاة الجمعة فإن عادته أن يخرج إلى الجامع المجاور لقصره المتقدم ذكره من القصر ومعه خاصة أمرائه فيدخل من أقرب أبواب الجامع للقصر ويصلي في مقصورة في الجامع عن يمين المحراب خاصة ويصلي عنده فيها أكابر خاصته ويجىء بقية الأمراء خاصتهم وعامتهم فيصلون خارج المقصورة عن يمينها ويسارها على مراتبهم فإذا فرغ من الصلاة دخل إلى دور حريمه وذهب الأمراء كل أحد إلى مكانه
وأما صلاة العيدين فعادته أن يركب من باب قصره وينزل من منفذة من الإصطبل إلى الميدان الملاصق له وقد ضرب له فيه دهليز على أكمل ما يكون من الهيئة ويحضر خطيب جامع القلعة إلى الميدان فيصلي به العيد ويخطب فإذا فرغ من سماع الخطبة ركب وخرج من باب الميدان والأمراء والمماليك

يمشون حوله وعلى رأسه العصائب السلطانية والغاشية محمولة أمامه والجتر وهو المظلة محمول على رأسه مع أحد أكابر الأمراء المقدمين وهو راكب فرسا إلى جانبه والأوشاقيان الجفتة المتقدم ذكرهما راكبان أمامه وخلفه الجنائب وعلى رأسه العصائب السلطانية وأرباب الوظائف من السلاح دارية كلهم خلفه والطبردارية أمامه مشاة بأيديهم الأطبار ويطلع من باب الإصطبل ويطلع إلى الإيوان الكبير المقدم ذكره ويمد السماط ويخلع على حامل الجتر وأمير سلاح والأستادار والجاشنكير وجماعة من أرباب الوظائف ممن لهم خدمة في مهم العيد كنواب أستادار وصغار الجاشنكيرية وناظر البيوت ونحوهم

الهيئة الرابعة
هيئته للعب الكرة بالميدان الأكبر
عادته أن يركب لذلك بعد وفاء النيل ثلاثة مواكب متوالية في كل سبت ينزل من قصره أول النهار من باب الإصطبل وهو راكب على الهيئة المذكورة في العيد ما عدا الجتر فإنه لا يحمل على رأسه وتحمل الغاشية أمامه في أول الطريق وآخره ويصير إلى الميدان فينزل في قصوره وينزل الأمراء منازلهم على قدر طبقاتهم ثم يركب للعب الكرة بعد صلاة الظهر والأمراء معه ثم ينزل فيستريح ويستمر الأمراء في لعب الكرة إلى أذان العصر فيصلي العصر ويركب على الهيئة التي كان عليها في أول النهار ويطلع إلى قصره
الهيئة الخامسة هيئته في الركوب لكسر الخليج عند وفاء النيل
واعلم أن السلطان قد يركب لكسر الخليج ولم تجر العادة بركوبه فيه بمظلة ولا رقبة فرس ولا غاشية ولا ما في معنى ذلك مما تقدم ذكره في ركوب

الميدان والعيدين بل يقتصر على السناجق والطبردارية والجاويشية ونحو ذلك ويركب من القلعة عند طلوع صاحب المقياس بالوفاء في أي وقت كان ويتوجه إلى المقياس فيدخله من بابه ويمد هناك سماطا يأكل منه من معه من الأمراء والمماليك ثم يذاب زعفران في إناء ويتناوله صاحب المقياس ويسبح في فسقيه المقياس حتى يأتي العمود والإناء الزعفران بيده فيخلق العمود ثم يعود ويخلق جوانب الفسقية وتكون حراقة السلطان قد زينت بأنواع الزينة وكذلك حراريق الأمراء وقد فتح شباك المقياس المطل على النيل من جهة الفسطاط وعلق عليه ستر فيؤتى بحراقة السلطان إلى ذلك الشباك فينزل منه ويسبح وحراريق الأمراء حوله وقد شحن البحر بمراكب المتفرجين ويسيرون خلف الحراريق حتى يدخل إلى فم الخليج وحراقة السلطان العظمى المعروفة بالذهبية وحراريق الأمراء يلعب بها في وسط امتدادها ويرمى بمدافع النفط على مقدامها ويسير السلطان في حراقته الصغيرة حتى يأتي السد فيقطع بحضوره ويركب وينصرف إلى القلعة

الهيئة السادسة هيئته في أسفاره
ولم تجر العادة فيها بإظهار ما تقدم من الزينة في موكب العيد والميدان بل يركب في عدة كبيرة من الأمراء الأكابر والأصاغر والخواص والغرباء

وخواص مماليكه ولا يركب في السير برقية ولا عصائب ولا تتبعه جنائب ويقصد في الغالب تأخير النزول إلى الليل فإذا دخل الليل حملت أمامه فوانيس كثيرة ومشاعل فإذا قارب مخيمه تلقي بالشموع المركبة في الشمعدانات المكفتة وصاحت الجاويشية بين يديه وترجل الناس كافة إلا حملة السلاح والأوشاقية وراءه ومشت الطبردارية حوله حتى يدخل الدهليز الأول من مخيمه فينزل ويدخل إلى الشقة وهي خيمة مستديرة متسعة ثم منها إلى شقة مختصرة ثم إلى لاجوق وبدائر كل خيمة من جميع جوانبها من داخلها سور خركاه من خشب وفي صدر اللاجوق قصر صغير من خشب ينصب للمبيت فيه وينصب بإزاء الشقة حمام بقدور من رصاص وحوض على هيئة الحمامات بالمدن إلا أنه مختصر فإذا نام طافت به المماليك دائرة وطاف بالجميع الحرس وتدور الزفة حول الدهليز في كل ليلة مرتين عند نومه وعند استيقاظه من النوم ويطوف مع الزفة أمير من أكابر الأمراء وحوله الفوانيس والمشاعل ويبيت على باب الدهليز أرباب الوظائف من النقباء وغيرهم فإذا دخل إلى المدينة ركب على هيئة ركوبه لصلاة العيد بالمظلة وغيرها هذا ما يتعلق بخاصته
أما موكبه الذي يسير فيه جمهور مماليكه فشعاره أن يكون معهم مقدم المماليك والأستادار وأمامهم الخزائن والجنائب والهجن ويكون بصحبته في السفر من كل ما تدعو الحاجة إليه من الأطباء والكحالين والجرائحية وأنواع

الأدوية والأشربة والعقاقير وما يجري مجرى ذلك يصرف ذلك لمن يعرض له مرض بالطريق

الهيئة السابعة النوم
وقد جرت العادة أنه يبيت عنده خواص مماليكه من الأمراء وأرباب الوظائف من الجمدارية وغيرهم يسهرون بالنوبة بقسمة بينهم على بناكيم الرمل كلما انقضت نوبة قوم أيقظوا أصحاب النوبة الذين يلونهم ويتعانى كل منهم ما يشاغله عن النوم فقوم يقرأون في المصاحف وقوم يلعبون بالشطرنج والأكل وغير ذلك
المقصد السادس في عادته في إجراء الأرزاق وهو على ضربين الضرب الأول
الجاري المستمر وهو على نوعين النوع الأول الإقطاعات
والإقطاعات في هذه المملكة تجري على الأمراء والجند وعامة إقطاعاتهم بلاد وأراض يستغلها مقطعها ويتصرف فيها كيف شاء وربما كان فيها نقد يتناوله من جهات وهو القليل وتختلف باختلاف حال أربابها
فأما الأمراء بالديار المصرية فقد ذكر في مسالك الأبصار أن أكابر الأمراء

يبلغ إقطاع الواحد منهم مائتي ألف دينار جيشية وربما زاد على ذلك ويتناقص باعتبار انحطاط الرتبة إلى ثمانين ألف دينار وما حولها ويبلغ إقطاع الواحد من أمراء الطبلخاناه ثلاثين ألف دينار فأكثر وينقص إلى ثلاثة وعشرين ألف دينار ويبلغ إقطاع الواحد من أمراء العشرات تسعة آلاف دينار إلى ما دون ذلك ويبلغ إقطاع الواحد من مقدمي الحلقة إلى ألف وخمسمائة دينار وكذلك أعيان جند الحلقة إلى مائتين وخمسين دينار
وأما إقطاعات الشام فلا تقارب هذا المقدار بل تكون بقدر الثلثين في جميع ما تقدم خلا أكابر المقدمين بالديار المصرية فليس بالشام من الممالك يبلغ شأوهم إلا نائب الشام فإنه يقاربهم في ذلك قال في مسالك الأبصار وليس للنواب في الممالك مدخل في تامير امير عوض أمير بل إذا مات أمير صغير أو كبير طولع به السلطان فأمر مكانه من أراد ممن في خدمته ويخرجه إلى مكان الخدمة وأما من كان في مكان الخدمة أو ينقل إليه من بلد آخر فعلى ما يراه في ذلك
أما جند الحلقة فمن مات منهم استخدم النائب عوضه وكتب بذلك رقعة في ديوان جيش تلك المملكة ويجهز مع بريدي إلى الأبواب السلطانية فيقابل عليها من ديوان الجيش بالحضرة ثم إن أمضاها السلطان كتب عليها يكتب ويكتب بها مربعة من ديوان الجيش ويكتب عليها منشور
ولجميع الأمراء بحضرة السلطان الرواتب الجارية في كل يوم من اللحم والتوابل والخبز والعليق والزيت ولأعيانهم الكسوة والشمع وكذلك

المماليك السلطانية وذوو الوظائف من الجند مع تفاوت مقادير ذلك بحسب مراتبهم وخصوصيتهم عند السلطان وقربهم إليه قال في مسالك الأبصار وإذا نشأ لأحد الأمراء ولد أطلق له دنانير وخبز ولحم وعليق إلى أن يتأهل للإقطاع في جملة الحلقة ثم منهم من ينقل إلى العشرة أو الطبلخاناه على حسب الحظوظ والأرزاق

النوع الثاني رزق أرباب الأقلام
وهو مبلغ يصرف إليهم مشاهرة قال في مسالك الأبصار وأكبرهم كالوزير له في الشهر مائتان وخمسون دينارا جيشية ومن الرواتب والغلة ما إذا بسط وثمن كان نظير ذلك ثم دون ذلك ودون دونه ولأعيانهم الرواتب الجارية من اللحم والخبز والعليق والشمع والسكر والكسوة ونحو ذلك إلى غير ذلك مما هو جار على العلماء وأهل الصلاح من الرواتب والأراضي المؤبدة وما يجري مجراها مما يتوارثه الخلف عن السلف مما لا يوجد بمملكة من الممالك ولا مصر من الأمصار
الضرب الثاني الإنعام وما يجري مجراه مما يقع في وقت دون وقت وهو على
خمسة أنواع النوع الأول الخلع والتشاريف
قال في المسالك ولصاحب مصر في ذلك اليد الطولى حتى بقي بابه سوقا ينفق فيه كل مجلوب ويحضر الناس إليه من كل قطر حتى كاد ذلك ينهك

المملكة ويودي بمتحصلاتها عن آخرها قال وغالب هذا مما قرره هذا السلطان ولقد أتعب من يجيء بعده من كثرة الإحسان . وهي على ثلاثة أصناف

الصنف الأول تشاريف أرباب السيوف
وهي على طبقات أعلاها ما هو مختص بالأمراء المقدمين من النواب وغيرهم فوقاني أطلس أحمر بطرز زركش مفرى بسنجاب بدائرة سجف من ظاهره مع غشاء قندس وتحته قباء أطلس أصفر وكلوتة زركش بكلابيب ذهب وشاش رفيع موصول به طرفان من حرير أبيض مرقومان بألقاب السلطان مع نقوش باهرة من الحرير الملون ومنطقة ذهب مركبة على حاشية حرير تشد في وسطه ويختلف حال المنطقة بحسب المراتب فأعلاها أن يعمل من عمدها بواكير وسطا ومحبسين مرصعة بالبلخش والزمرد واللؤلؤ ثم ما كان ببيكارية واحدة من غير ترصيع فإن كان التشريف لتقليد ولاية مفخمة زيد سيفا محاى بذهب وفرسا مسرجا ملجما بكنبوش زركش وربما زيد أكابر النواب كنائب الشام تركيبة زركش على الفوقاني وشاش حرير سكندري مموج بالذهب ويعرف ذلك بالمتمر وعلى ذلك كان شاش صاحب حماة ويكون عوض كنبوشه زناري أطلس أحمر ودون ذلك من التشاريف أقبية طرد وحش من عمل الإسكندرية ومصر والشام مجوخ جاخات مكتوبة بألقاب السلطان وجاخات صور وحوش أو طيور صغار وجاخات ملونة مموجة بقصب مذهب يفصل بين جاخاته نقوش يركب على القباء طراز زركش وعليه السنجاب والقندس كما تقدم وتحته قباء من الطرح السكندري المفرج وكلوتة زركش بكلابيب وشاش كما تقدم وحياصة ذهب تارة

تكون ببيكارية وتارة لا تكون وهذه لأصاغر أمراء المئين ومن يلحق بهم وكذلك أصحاب الوظائف المختصة بذلك كالجوكندار والولاة ومن يجري مجراهم
ثم للتشاريف أماكن منها إذا ولي أمير أو صاحب منصب وظيفة فإنه يلبس تشريفا يناسب ولايته التي وليها على حسب ما تقتضيه الرتبة علوا وهبوطا
ومنها عيد الفطر يخلع فيه على جميع أرباب الوظائف من الأمراء وأرباب الأقلام كالأستادار والدوادار وأمير سلاح والوزير وكاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش ونحوهم كل منهم بما يناسبه
قال في مسالك الأبصار ومن عادة السلطان أن يعد لكل عيد خلعة على أنها لملبوسه من نسبه خلع أكابر المئين فلم يلبسها ولكن يختص بها بعض أكابر المئين فلم يلبسها ولكن يختص بها بعض أكابر المئين يخلعها عليه
ومنها الميادين يخلع فيها على أكابر الأمراء كل ميدان يختص بأمير أو أكثر يلبس فيه خلعة من المفرج المذهب
ومنها دوران المحمل في شوال يخلع فيه على أرباب الوظائف بالمحمل كالقاضي والناظر والمحتسب والشاهد والمقدمين والأدلة وناظر الكسوة ومباشريها ومن في معناهم

النوع الثاني الخيول
قد جرت عادة صاحب مصر أن ينعم على أمرائه بالخيول مرتين في كل سنة المرة الأولى عند خروجه إلى مرابط خيوله على القرط في أواخر ربيعها فينعم على الأخصاء من أمرائه بما يختاره من الخيول على قدر مراتبهم وتكون خيول المقدمين منهم مسرجة ملجمة بكنابيش من زركش وخيول أمراء الطبلخانات عريا من غير قماش المرة الثانية عند لعبه الكرة بالميدان وتكون خيول المقدمين والطبلخانات مسرجة ملجمة بفضة يسيرة بلا كنابيش وكذلك يرسل إلى نواب الممالك الشامية كل أحد بحسبه وليس لأمراء العشرات في ذلك حظ إلا ما يتفقدهم به على سبيل الإنعام
قال المقر الشهابي بن فضل الله ولخاصة المقربين من الأمراء المقدمين والطبلخانات زيادات كثيرة في ذلك بحيث يصل بعضهم إلى فرس في كل سنة وله أوقات أخرى يفرق فيها الخيل على مماليكه وربما أعطى بعض مقدمي الحلقة وكل من مات له فرس من مماليكه دفع إليه عوضه وربما أنعم بالخيول على ذوي السن من أكابر الأمراء عند الخروج إلى الصيد ونحوه
ولخيول الأمراء في كل سنة إطلاقات أراض بالأعمال الجيزية لزرع القرط لخيولهم من غير خراج وللمماليك السلطانية البرسيم المزدرع على قدر مراتبهم وما يدفع إليهم من القرط يكون بدلا من عليق الشعير المرتب لهم في غير زمن الربيع عوضا عن كل عليقة نصف فدان من القرط القائم على أصله في مدة ثلاثة أشهر
النوع الثالث الكسوة والحوائص
قد جرت عادة السلطان أنه ينعم على مماليكه وخواص أهل المناصب من

حملة الأقلام في كل سنة بكسوة في الشتاء وكسوة في الصيف على قدر مراتبهم ومن عاداته أنه إذا ركب للعب الكرة بالميدان فرق حوائص من ذهب على بعض الأمراء المقدمين يفرق في كل موكب ميدان على أميرين بالنوبة حتى يأتي على آخرهم في ثلاث سنين أو أربع بحسب ما تقع نوبته في ذلك قال في المسالك أما أمراء الشأم فلا حظ لهم من الإنعام في اكثر من قباء واحد يلبس في وقت الشتاء إلا من تعرض لقصد السلطان فإنه ينعم عليه بما يقتضيه حاله

النوع الرابع الإنعام والأوقاف
وأكثر الأوقات لا ضابط لعطائه إنما يكون بحسب مزية المنعم عليه عند السلطان وقربه منه قال في مسالك الأبصار ولخاصة الأمراء المقدمين انواع من الإنعامات كالعقار والأبنية الضخمة التي ربما أنفق على بعضها فوق مائة ألف دينار وكساوي القماش المنوع وفي أسفارهم في وقت خروجهم إلى الصيد وغيره العلوفات والأموال
النوع الخامس المأكول والمشروب
أعظم أسمطة هذا السلطان تكون بالإيوان الكبير أيام المواكب إذا خرجت القضاة وسائر أرباب الأقلام من الخدمة مد السماط بالإيوان الكبير من أوله إلى آخره بأنواع الأطعمة المنوعة الفاخرة ويجلس السلطان على رأس الخوان والأمراء يمنة ويسرة على قدر مراتبهم من القرب من السلطان فيأكلون أكلا خفيفا ثم يقومون ويجلس من دونهم طائفة بعد طائفة ثم يرفع الخوان وأما في بقية الأيام فيمد الخوان في طرفي النهار لعامة الأمراء خلا البرانيين فإنه لا يحضره منهم

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39