كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

لا غير وأي جاندار تعدى وأخذ غير ذلك يؤدب ويصرف من تلك الولاية

فصل
تكتب الحجج على كل وكيل يقبض لمخدومه شيئا من مغله أو جهته من الديوان أو الفلاحين ولا يسلم له شيء إلا بشهادة بحجج مكتتبة عليه تخلد منها حجةالديوان المعمور بما قبضه من جهته أو إقطاعه وتبقى الحجج حاصلة حتى إذا شكا أحد إلينا وسيرنا عرفناهم بمن يشكو من تأخر حقه يطالعوننا بأمر وكيله وما قبض من حقه وتسير الشهادة عليه طي مطالعته ويحترز من الشهادات بما وصل لكل مقطع حتى إنا نعلم من مضمون الحجج والشهادات متحصل المقطعين من البلاد والجهات مفصلا وجملة ما حصل لكل منهم من عين وغلة وما تأخر لكل منهم ويعمل بذلك صورة أمور البلاد والمقطعين وأحوالهم ويزيل شكوى من تجب إزالة شكواه وتعلم أحوالهم على الجلية
فصل
تقرأ هذه التذاكر علىالمنابر فصلا فصلا ليسمعها القريب والبعيد ويبلغها الحاضر والغائب ويعمل بمضمونها كل أحد ومن خرج عنها أو عمل بخلافها فهو أخبر بما يلقاه من سطواتنا وشدة بأسنا والسلام
الضرب الثالث ما كان يكتب لنواب القلاع وولاتها إما عند استقرار النائب
بها وإما في خلال نيابته
والعادة فيها أن يكتب فيها باعتماد الكشف عن أحوال القلعة وأسوارها وعرض حواصلها ومقدمي رجالها وترتيب الرجال في مراكزهم وكشف مظالم الرعايا والنظر في الاحتراز على القلعة وعلى أبوابها والاحتفاظ بمفاتيحها على العادة وتحصيل ما يحتاج إليه فيها من الزاد والحطب والملح والفحم وغير ذلك والمطالعة بمتجددات الأخبار

وهذه نسخة تذكرة كتب بها عن السلطان الملك المنصور قلاوون بسبب قلعة صرخد من الشام عند استقرار الأمير سيف الدين باسطي نائبا بها والأمير عز الدين واليا بها في سنة تسع وسبعين وستمائة من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية وهي
تذكرة مباركة نافعة لكثير من المصالح جامعة يعتمد عليها الأميران سيف الدين وعز الدين عند توجههما إلى قلعة صرخد المحروسة
يعتمدان العدل في الرعية وسلوك منهج الحق في كل قضية وآعتماد ما يرضي الله تعالى ويرضينا وليكن الإنصاف لهما عقيدة والتقوى دينا ولا يتطلع أحدهما إلى ما في يد أحد من مال ولا نشب ولا يعارض أحد أحدا بلا سبب وليتقوا الله ويخشوه ويتجنبوا الباطل ولا يغشوه ولا يظن أحد منهم أن قد بعد عنا فيطمح إلى الظلم أو يطمع فإنا منهم بمرأى ومسمع وليكونوا على المصالح متفقين وبأذيال الحق متعلقين وعلى الرعية مشفقين

فصل
يتقدمان بكشف أسوار القلعة المنصورة وأبراجها وبدناتها وأبوابها وما

يحتاج إلى إصلاح وترميم وعمارة ويحرران أمر ذلك ويجتهدان في إصلاح ما يجب إصلاحه وترميم ما يجب ترميمه والمطالعة بما كشفاه وما اعتمداه

فصل
يتقدمان بعرض حواصل القلعة المنصورة والخزانة المعمورة ويحققون ما بها من الأموال والغلال والذخائر والحواصل ويعملون بذلك أوراقا محررة ويسيرون نسختها إلى الباب الشريف
فصل
يتقدمان بعرض مقدمي رجال القلعة وأرباب الجامكيات والرواتب بها ويحرران أمر مقرراتهم من جامكية وجراية ويجريان في صرف ذلك على العادة الجارية المستقرة
فصل
يستوضحان من الأمير عز الدين والأمير علم الدين المنصرفين عن المصالح المختصة بهذه القلعة وعن أمورها جليلها وحقيرها فإنهما قد أحسنافي ذلك التدبير وأجملا التأثير وسلكا أجمل مسلك ويهتديان بما يوضحانه لهما من المصالح والمهمات ليكون دخولهما في هذا الأمر على بصيرة
فصل
يكون أمر النيابة والحكم العام في القلعة المنصورة وتنزيل الرجال واستخدامهم وصرف من يجب صرفه للأمير سيف الدين باسطي بمشاركة الأمير عز الدين في أمر الرجال والاستخدام والصرف ويكون أمر النيابة راجعا للأمير سيف الدين باسطي والحكم فيها له ويكون أمر ولاية القلعة للأمير عز الدين ويجريان في ذلك على عادة

من تقدمهما في هذه النيابة والولاية ويكون الأمير سيف الدين في الدار التي كان يسكنها الأمير عز الدين وحكمه في النيابة كحكمه ويسكن الأمير عز الدين في الدار التي كان يسكن فيها الأمير علم الدين وحكمه في الولاية كحكمه ولا يتعدى أحد طوره ولا يخرج عما قرر فيه ويرعى كل منهما لصاحبه حقه فيما رتب فيه ويتفقان على المصالح كلها ويكونان كروحين في جسد واحد

فصل
يتقدمان بأن يترتب الرجال في مراكزهم ومنازلهم على العادة في الليل والنهار والحرسية على العادة في الليل والنهار وإن كان ثم خلل في ذلك أو تفريط أو إهمال فليستدرك الفارط ويرتب الأمر فيه على أحسن ترتيب
فصل
ينتصبان في أوقات العادة في باب القلعة لكشف مظالم الرعية في القلعة والبر ويعتمدان إنصافهم وتلبية داعيهم وسماع كلمهم وكف ظالمهم وإعانة مظلومهم واعتماد ما يجب من العدل وبسطه في الرعية وكف الأيدي العادية
فصل
أبواب القلعة إذا أغلقت في كل ليلة تبيت المفاتيح عند النائب في المكان المعتاد بعد ختم الوالي عليها على العادة وإذا تسلمها يتسلمها بختمها على العادة
فصل
الذخائر والغلال يجتهد في تصحيلها بالقلعة ولا تحزن غلة جديدة على غلة عتيقة وكل هري يخزن فيه غلة يحرر أمرها وتشال عينتها في كيس وتجعل في الخزانة ويختم عليها ولا يصرف من الجديد قبل نفاد العتيق ولا يترك العتيق ويصرف من الجديد وكذلك بقية الحواصل يسلك فيها هذا المسلك

فصل
مهما جرت العادة بتثمينه على أرباب الجامكيات والمقررات فليجر الأمر فيه على العادة من غير حيف وليدخل الديوان والمباشرون في التثمين لئلا يسلك أمر التثمين على الرجالة والضعفاء مع قلة معلومهم ويوفر من ذلك أرباب الدواوين مع كثرة معلومهم بل يكونوا أول من يثمن عليه ومن لا قدرة له مثل راجل ضعيف أو رب معلوم قليل فليرفق به في ذلك نظرا في حق الضعفاء
فصل
يكثرون من الأحطاب ومن الفحم والملح بالذخائر وكذلك من كل ما تدعو الحاجة إليه ويجتهدون في تحصيل الاموال وتوفيرها بالخزانة المعمورة بحيث لا يكون لهما شغل يشغلهما عن ذلك بل يصرفان الهمة في غالب أوقاتهما إلى الفكرة في مال يحصلونه أو صنف يدخرونه ولايهملان ذلك
فصل
يطالعان الأبواب العالية في غالب أوقاتهما بما يتجدد عندهما من المصالح وبما يتميز من الأموال وبما حمل إلى الخزائن وإلى الأهراء من الأموال والغلال وكذلك يطالعان نائب السلطنة بدمشق المحروسة على العادة في ذلك ولتكن مطالعتهما جامعة وعليها خطهما ومن لاحت له مصلحة في بعض الأوقات واختار أن يطالع بانفراده فليطالع
فصل
لا يمكنان أحدا من الرجال المرتبين بالقلعة المحروسة وأرباب النوب أن يخل بنوبته ولا يفارقها ولا يخرج من القلعة أحد من الرجال إلا بدستور ويعود في يومه والله الموفق

قلت وبالحملة فالتذاكر منوطة بحال المكتوب له التذكرة والمكتوب بسببه فيختلف الحال باختلاف الأسباب ويؤتى لكل تذكرة بفصول تناسبها بحسب ما تدعو الحاجة إليه
واعلم أن اللائق بالتذاكر الخارجة من ديوان الإنشاء أن تكون في الفصاحة والبلاغة على حد الرسائل فيعلو شأن التذكرة باعتبار إشتمالها على الفصاحة والبلاغة وينحط بفواتهما وانظر إلى تذكرة القاضي الفاضل المبتدإ بها وما اشتملت عليه من الفصاحة والبلاغة وأين هي من التذكرتين اللتين بعدها فإنه قد أهمل فيهما مراعاة الفصاحة والبلاغة جملة بل لم تراع في الأخيرة منهما قوانين النحو إذ يكون يتكلم بصيغة التثنية على سياق ما عقدت له التذكرة لاشتمالها على اثنين فإذا هو قد عدل إلى لفظ الجمع ثم يعود إلى لفظ التثنية هذا وهي منسوبة إلى القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء يومئذ وهو من بيت الكتابة والبلاغة إلا أنه قد يريد بعدوله من التثنية إلى الجمع أن ينتقل إلى خطاب جمع المتحدثين في القلعة فيما يتعلق بذلك الفصل الذي يكون فيه وإلا فلا يجوز صدور مثل ذلك عنه وتكراره المرة بعد الأخرى

المقالة السابعة في الإقطاعات والقطائع وفيها بابان
الباب الأول في ذكر مقدمات الإقطاعات وفيه فصلان
الفصل الأول في ذكر مقدمات تتعلق بالإقطاعات وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأول في بيان معنى الإقطاعات وأصلها في الشرع
أما الإقطاعات فجمع إقطاع وهو مصدر أقطع يقال أقطعه أرض كذا يقطعه إقطاعا واستقطعه إذا طلب منه أن يقطعه والقطيعة الطائفة من أرض الخراج
وأما أصلها في الشرع فما رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده إلى ابن سيرين عن تميم الداري أنه قال استقطعت رسول الله أرضا بالشأم قبل أن تفتح فأعطانيها ففتحها عمر بن الخطاب في زمانه فأتيته فقلت إن رسول الله أعطاني أرضا من كذا إلى كذا فجعل عمر ثلثها لابن السبيل وثلثا لعمارتها وثلثا لنا
وفي رواية استقطعت أرضا بالشام فأقطعنيها ففتحها عمر في زمانه فأتيته فقلت إن رسول الله أعطاني أرضا من كذا إلى كذا فجعل عمر ثلثها لابن السبيل وثلثها لعمارتها وترك لنا ثلثا

وذكر الماوردي في الأحكام السلطانية أن أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه سأل النبي أن يقطعه أرضا كانت بيد الروم فأعجبه ذلك وقال ألا تسمعون ما يقول فقال والذي بعثك بالحق ليفتحن عليك فكتب له بذلك كتابا
وذكر أن رسول الله أقطع الزبير بن العوام ركض فرسه من موات البقيع فأجراه ورمى بسوطه رغبة في الزيادة فقال رسول الله أعطوه منتهى سوطه
وذكر أن الأبيض بن حمال استقطعه ملح مأرب فأقطعه فأخبر الأقرع بن حابس أنه كان في الجاهلية وهو بأرض ليس فيها غيره من ورده أخذه وهو مثل الماء العد بالأرض فاستقال الأبيض في قطيعة الملح فقال قد أقلتك على أن تجعله مني صدقة فقال النبي عليه الصلاة و السلام هو منك صدقة وهو مثل الماء العد من ورده أخذه
وذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أن أول من أقطع القطائع بالأرضين أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ولا وجه له بعد ما تقدم ذكره اللهم إلا أن يريد أن عثمان أول من أقطع القطائع بعد الفتح فإن ما أقطعه النبي كان قبل الفتح كما تقدم
قال بعد ذلك ويروى أن النبي أقطع قطائع فاقتدى عثمان به في

ذلك وأقطع خباب بن الأرت وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد والزبير وأقطع طلحة أجمة الجرف وهو موضع النشاستج فكتب إلى سعيد بن العاص وهو بالكوفة أن ينفذها له

الطرف الثاني في بيان أول من وضع ديوان الجيش وكيفية ترتيب منازل الجند
فيه والمساوة والمفاضلة في الإعطاء
ذكر أبو هلال العسكري في الأوائل والماوردي في الأحكام السلطانية أن أول من وضع الديوان في الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال الماوردي واختلف الناس في سبب وضعه له فقال قوم سببه أن أبا هريرة قدم عليه بمال من البحرين فقال له عمر ما جئت به قال خمسمائة ألف درهم فاستكثره عمر وقال أتدري ما تقول قال نعم مائة ألف خمس مرات فقال عمر أطيب هو قال لا أدري فصعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس قد جاءنا مال كثير فإن شئتم كلنا لكم كيلا وإن شئتم عددنا لكم عدا فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين رأيت الأعاجم يدونون ديوانا فدون أنت لنا ديوانا
وذهب آخرون إلى أن سبب وضع الديوان أن عمر بعث بعثا وعنده الهرمزان فقال لعمر هذا بعث قد أعطيت أهله الأموال فإن تخلف منهم

رجل وأخل بمكانه فمن أين يعلم صاحبك به فأثبت لهم ديوانا فسأله عن الديوان ففسره له
ويرى أن عمر رضي الله عنه استشار المسلمين في تدوين الدواوين فقال علي بن ابي طالب كرم الله وجهه تقسم كل سنه ما اجتمع إليك من المال ولا تمسك منه شيئا وقال عثمان أرى مالا كثيرا يسع الناس فإن لم يحصوا حتى يعلم من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه قد كنت بالشام فرأيت ملوكها دونوا ديوانا وجندوا جنودا فدون ديوانا وجند جنودا فأخذ بقوله ودعا عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم وكانوا من شباب قريش فقال اكتبوا الناس على منازلهم فبدأوا ببني هاشم فكتبوهم ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه ثم عمر وقومه وكتبوا القبائل ووضعوها على الخلافة ثم رفعوه إلى عمر فلما نظر فيه قال لا وما وددت أنه هكذا ولكن ابدأوا بقرابة رسول الله الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله فشكره العباس على ذلك وقال وصلتك رحم
وروى زيد بن أسلم عن أبيه أن بني عدي جاءوا إلى عمر فقالوا إنك خليفة أبي بكر وأبو بكر خليفة رسول الله فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم الذين كتبوا فقال بخ بخ يا بني عدي إن أردتم إلا الأكل على ظهري وأن أذهب حسناتي لكم لا والله حتى تأتيكم الدعوة ولو انطبق عليكم الدفتر يعني ولو أن تكتبوا آخر الناس إن صاحبي سلكا طريقا فإن خالفتهما خولف بي والله ما أدركنا الفضل في الدنيا والآخرة ولا نرجو الثواب

عند الله على عملنا إلا بمحمد فهو أشرفنا وقومه أشرف العرب ثم الأقرب فالأقرب ووالله لئن جاءت الأعاجم بعمل وجئنا بعمل دونهم لهم أولى بمحمد منا يوم القيامة فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه
وروى أن عمر رضي الله عنه حين أراد وضع الديوان قال بمن أبدأ فقال له عبد الرحمن بن عوف ابدأ بنفسك فقال عمر أذكر أني حضرت رسول الله وهو يبدأ ببني هاشم وبني عبد المطلب فبدأبهم عمر ثم بمن يليهم من قبائل قريش بطنا بعد بطن حتى استوفى جميع قريش ثم انتهى إلى الأنصار فقال عمر ابدأوا برهط سعد بن معاذ من الأوس ثم بالأقرب فالأقرب لسعد
وأما المساواة والمفاضلة في العطاء فقد اختلف فيه فكان أبو بكر رضي الله عنه يرى التسوية بينهم في العطاء ولا يرى التفضيل بالسابقة كما حكاه عنه الماوردي في الأحكام السلطانية
قال أبو هلال العسكري في الأوائل وقد روى عن عوانة أنه قال جاء مال من البحرين إلى أبي بكر رضي الله عنه فساوى فيه بين الناس فغضبت الأنصار وقالوا له فضلنا فقال إن أردتم أن أفضلكم فقد صار ما عملتموه للدنيا وإن شئتم كان ذلك لله فقالوا والله ما عملناه إلا لله وانصرفوا فرقي أبو بكر رضي الله عنه المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر الأنصار لو شئتم أن تقولوا إنا آويناكم وشاركناكم أموالنا ونصرناكم بأنفسنا لقلتم وإن لكم من الفضل ما لا يحصى له عدد وإن طال الأمد فنحن وأنتم كما قال الغنوي

( جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت )
( أبو أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقي الذي لاقوة منا لملت )
( هم أسكنونا في ظلال بيوتهم ... ظلال بيوت أدفأت وأكنت )
قال الماوردي وإلى ما رأى أبو بكر رضي الله عنه ذهب علي رضي الله عنه في خلافتة وبه أخذ الشافعي ومالك
وكان عمر رضي الله عنه يرى التفضيل بالسابقة في الدين حتى سوى بين الناس فقال أتساوي بين من هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين وبين من أسلم عام الفتح خوف السيف فقال أبو بكر إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله وإنما الدنيا دار بلاغ للراكب فقال له عمر لاأجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه فلما وضع الديوان جرى على التفضيل بالسابقة ففرض لكل رجل شهد بدرا من المهاجرين الأولين خمسة آلاف درهم كل سنة ولكل من شهد بدرا من الأنصار أربعة آلاف درهم ولكل رجل هاجر قبل الفتح ثلاثة آلاف درهم ولكل رجل هاجر بعد الفتح ألفين وفرض لغلمان أحداث من أبناء المهاجرين والأنصار أسوة من أسلم بعد الفتح وفرض للناس على منازلهم وقراءتهم القرآن وجهادهم بالشام والعراق وفرض لأهل اليمن وقيس لكل رجل من ألفي درهم إلى ألف درهم إلى خمسمائة درهم إلى ثلثمائة درهم ولم ينقص

أحدا عنها وقال لئن كثر المال لأفرضن لكل رجل أربعة آلاف درهم ألفا لفرسه وألفا لسلاحه وألفا لسفره وألفا يخلفها في أهله وفرض للمنفوس مائة درهم فإذا ترعرع فرض له مائتين فإذا بلغ زاده وكان لا يفرض للمولود شيئا حتى يفطم إلى أن سمع ليلة آمرأه تكره ولدها على الفطام وهو يبكي فسألها عنه فقالت إن عمر لا يفرض للمولود حتى يفطم فأنا أكرهه على الفطام حتى يفرض له فقال يا ويح عمر ! كم آحتقب من وزر وهو لا يدري ثم أمر مناديا فينادي ألالا تعجلوا أولادكم بالفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام قال الماوردي ثم روعي في التفضيل عند آنقراض أهل السوابق التقدم في الشجاعة والبلاء في الجهاد
وأما تقدير العطاء فمعتبر بالكفاية حتى يستغني بها عن التماس مادة تقطعه عن حماية البيضة ثم الكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه أحدها عدد من يعوله من الذراري والمماليك والثاني عدد ما يرتبط من الخيل والظهر والثالث الموضع الذي يحله في الغلاء والرخص فتقدر كفايته في نفقته وكسوته لعامه كله ثم تعتبر حاله في كل عام فإن زادت نفقاته زيد وإن نقصت نقص فلو تقدر رزقه بالكفاية فمنع الشافعي من زيادته على الكفاية وإن آتسع المال لأن أموال بيت المال لا توضع إلا في الحقوق اللازمة وأجاز أبو حنيفة زيادته حينئذ

الطرف الثالث في بيان من يستحق إثباته في الديوان وكيفية ترتيبهم فيه
فأما من يستحق إثباته في الديوان ففيه خمسة أمور

أحدها البلوغ فلا يجوز إثبات الصبي في الديوان وهو رأي عمر رضي الله عنه وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه بل يكون جاريا في جملة عطاء الذراري
الثاني الحرية فلا يثبت في الديوان مملوك بل يكون تابعا لسيده داخلا في عطائه خلافا لأبي حنيفة فإنه جوز إفراد المملوك بالعطاء وهو رأي أبي بكر رضي الله عنه
الثالث الإسلام ليدفع عن الملة باعتقاده حتى لو أثبت فيهم ذمي لم يجز ولو ارتد منهم مسلم سقط
الرابع السلامة من الآفات المانعة من القتال فلا يجوز أن يكون زمنا ولا أعمى ولا أقطع ويجوز أن يكون أخرس أو أصم أما الأعرج فإن كان فارسا جاز إثباته أو راجلا فلا
الخامس أن يكون فيه إقدام على الحرب ومعرفة بالقتال فإن ضعفت همته عن الإقدام أو قلت معرفته بالقتال لم يجز إثباته
فإذا وجدت فيه هذه الشروط اعتبر فيه خلوه عن عمل وطلبه الإثبات في الديوان فإذا طلب فعلى ولي الامر الإجابة إذا دعت الحاجة إليه ثم إن كان مشهور الاسم فذاك وإلا حلي ونعت بذكر سنه وقده ولونه وصفة وجهه ووصف بما يتميز به عن غيره كي لا تتفق الأسماء أو يدعي في وقت العطاء ثم يضم إلى نقيب عليه أو عريف يكون مأخوذا بدركه
وأما ترتيبهم في الديوان فقد جعلهم الماوردي في الأحكام السلطانية على ضربين

الضرب الأول الترتيب العام وهو ترتيب القبائل والأجناس حتى تتميز كل قبيلة عن غيرها وكل جنس عمن يخالفه فلا يجمع بين المختلفين ولا يفرق بين المؤتلفين لتكون دعوة الديوان على نسق معروف النسب يزول فيه التنازع والتجاذب فإن كانوا عربا روعي فيهم القرب من رسول الله كما فعل عمر رضي الله عنه فتقدم العرب المستعربة وهم عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام على العرب العاربة وهم بنو قحطان عرب اليمن لأن النبي من عدنان ثم عدنان تجمع ربيعة ومضر فتقدم مضر على ربيعة لأن النبوة في مضر ومضر تجمع قريشا وغير قريش فتقدم قريش على غيرهم لأن النبوة فيها فيكون بنو هاشم هم قطب الترتيب ثم من يليهم في أقرب الأنساب إليهم حتى يستوعب قريشا ثم من يليهم في النسب حتى يستوعب جميع مضر ثم من يليهم حتى يستوعب جميع عدنان
وإن كانوا عجما لا يجتمعون على نسب فالمرجوع إليه في أمرهم إما أجناس وإما بلاد فالمميزون بالأجناس كالترك والهند ثم تتميز الترك أجناسا والهند أجناسا والمميزون بالبلاد كالديلم والجبل ثم تميز الديلم بلدانا والجبل بلدانا فإذا تميزوا بالأجناس أو البلدان فإن كانت لهم سابقة ترتبوا عليها في الديوان وإن لم تكن لهم سابقة ترتبوا بالقرب من ولي الأمر فإن تساووا فبالسبق إلى طاعته
الضرب الثاني الترتيب الخاص وهو ترتيب الواحد بعد الواحد فيقدم فيه بالسابقة بالإسلام كما فعل عمر رضي الله عنه فإن تساووا ترتبوا بالدين فإن تقاربوا فيه رتبوا بالسن فإن تقاربوا بالسن رتبوا بالشجاعة فإن تقاربوا فيها كان ولي الأمر بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة أو على رأيه واجتهاده

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة السابعة في بيان حكم الإقطاع
قال في الأحكام السلطانية وإقطاع السلطان مختص بما جاز فيه تصرفه ونفذت فيه أوامره دون ما تعين مالكه وتميز مستحقه
ثم الإقطاع على ضربين
الضرب الأول إقطاع التمليك
والأرض المقطعة بالتمليك إما موات وإما عامر وإما معدن
فأما الموات فإن كان لم يزل مواتا على قديم الزمان لم تجر فيه عمارة ولم يثبت عليه ملك فيجوز للسلطان أن يقطعه من يحييه ويعمره ثم مذهب أبي حنيفة أن إذن الإمام شرط في إحياء الموات وحينئذ فيقوم الإقطاع فيه مقام الإذن ومذهب الشافعي أن الإقطاع يجعله أحق بإحيائه من غيره وعلى كلا المذهبين يكون المقطع أحق بإحيائه من غيره
وإما إن كان الموات عامرا فخرب وصار مواتا عاطلا فإن كان جاهليا كأرض عاد وثمود فهي كالموات الذي لم تثبت فيه عمارة في جواز إقطاعه

قال عادت الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني يعني أرض عاد وإن كان الموات إسلاميا جرى عليه ملك المسلمين ثم خرب حتى صار مواتا عاطلا فمذهب الشافعي أنه لا يملك بالإحياء عرف أربابه أم لم يعرفوا ومذهب مالك أنه يملك بالإحياء عرف أربابه أم لم يعرفوا ومذهب أبي حنيفة أنه إن عرف أربابه لم يملك بالإحياء وإلا ملك ثم إذا لم يجز أن يملك بالإحياء على مذهب الشافعي فإن عرف أربابه لم يجز إقطاعه وإن لم يعرفوا جاز إقطاعه وكان الإقطاع شرطا في جواز إحيائه فإذا صار الموات إقطاعا لمن خصه الإمام به لم يستقر ملكه عليه حتى يحييه ويكمل إحياؤه فإن أمسك عن إحيائه كان أحق به يدا وإن لم يصر له ملكا
وأما العامر فإن تعين مالكوه فلا نظر للسلطان فيه إلا ما تعلق بتلك الأرض من حقوق بيت المال إذا كانت في دار الإسلام سواء كانت لمسلم أو ذمي وإن كانت في دار الحرب التي لم يثبت عليها للمسلمين يد جاز للإمام أن يقطعها ليملكها المقطع عند الظفر بها كما أقطع النبي تميما وأصحابه أرضا بالشام قبل فتحه على ما تقدم ذكره في أول الباب
وإن لم يتعين مالكوه فإن كان الإمام قد اصطفاه لبيت المال من فتوح البلاد إما بحق الخمس أو باستطابة نفوس الغانمين لم يجز إقطاع رقبته لأنه قد صار باصطفائه لبيت المال ملكا لكافة المسلمين فصار على رقبته حكم الوقف المؤبد والسلطان فيه بالخيار بين أن يستغله لبيت المال وبين أن يتخير له من ذوي المكنة والعمل من يقوم بعمارة رقبته ويأخذ خراجه ويكون الخراج أجرة عنه تصرف في وجوه المصالح
وإن كان العامر أرض خراج لم يجز إقطاع رقابها تمليكا

وأما إقطاع خراجها فسيأتي في إقطاع الإستغلال فيما بعد إن شاء الله تعالى
وإن كان الموات قد مات عنه أربابه من غير وارث صار لبيت المال ملكا لعامة المسلمين ثم قيل تصير وقفا على المسلمين بمجرد الإنتقال إلى بيت المال لا يجوز إقطاعها ولا بيعها وقيل لا تصير وقفا حتى يقفها الإمام ويجوز للإمام بيعها إذا رأى فيه المصلحة ويصرف ثمنها في ذوي الحاجات ثم قيل يجوز إقطاعها كما يجوز بيعها ويكون تمليك رقبتها بالإقطاع كتمليك ثمنها وقيل لا يجوز إقطاعها وإن جاز بيعها لأن البيع معاوضة والإقطاع صلة

الضرب الثاني من الإقطاع إقطاع الإستغلال
فأما الخراج فإن كان من يقطعه الإمام من أهل الصدقات لم يجز أن يقطع مال الخراج لأن الخراج فيء لا يستحقه أهل الصدقة كما لا يستحق الصدقة أهل الفيء وأجاز إقطاعه أبو حنيفة
وإن كان من أهل المصالح ممن ليس له رزق مفروض فلا يصح أن يقطعه على الإطلاق وإن جاز أن يعطى من مال الخراج لأنهم من نفل أهل الفيء لا من فرضه وما يعطونه إنما هو من غلات المصالح فإن جعل لهم من مال الخراج شيء أجري عليه حكم الحوالة لا حكم الإقطاع
وإن كان من مرتزقة أهل الفيء وهم أهل الجيش فهم أخص الناس بجواز الإقطاع لأن لهم أرزاقا مقدرة تصرف إليهم مصرف الاستحقاق من حيث إنها أعواض عما أرصدوا نفوسهم له من حماية البيضة والذب عن الحريم

ثم الخراج إما جزية وهو الواجب على الجماجم وإما أجرة وهو الواجب على رقاب الأرض فإن كان جزية لم يجز إقطاعه أكثر من سنة لأنه غير موثوق باستحقاقه بعدها لاحتمال أن يسلم الذمي فتزول الجزية عنه وإن كان أجرة جاز إقطاعه سنين لأنه مستقر الوجوب على التأبيد
ثم له ثلاث أحوال
إحداها أن يقدر بسنين معلومة كما إذا أقطعه عشر سنين مثلا فيصح بشرط أن يكون رزق المقطع معلوم القدر عند الإمام وأن يكون قدر الخراج معلوما عند الإمام وعند المقطع حتى لو كان مجهولا عندهما أو عند أحدهما لم يصح ثم بعد صحة الإقطاع يراعى حال المقطع في مدة الإقطاع فإن بقي إلى إنقضاء مدة الإقطاع على حال السلامة فهو على استحقاق الإقطاع إلى انقضاء المدة وإن مات قبل انقضاء المدة بطل الإقطاع في المدة الباقية ويعود الإقطاع إلى بيت المال وإن كان له ذرية دخلوا في عطاء الذراري دون أرزاق الأجناد ويكون ما يعطونه تسببا لا إقطاعا وإن حدث بالمقطع زمانة في تلك المدة ففي بقاء الإقطاع قولان أحدهما أن إقطاعه باق عليه إلى انقضاء المدة والثاني أنه يرتجع منه
الثانية أن يقطعه مدة حياته ثم لعقبه وورثته بعد موته فلا يصح لأنه يخرج بذلك عن حقوق بيت المال إلى الأملاك الموروثة فلو قبض منه شيئا بريء أهل الخراج بقبضه لأنه عقد فاسد مأذون فيه ويحاسب به من جملة رزقه فإن كان أكثر رد الزيادة وإن كان أقل رجع بالباقي وعلى السلطان أن يظهر فساد الإقطاع حتى يمتنع هو من القبض ويمتنع أهل الخراج من الدفع ولم يبرأوا بما دفعوه إليه حينئذ
الثالثة أن يقطعه مدة حياته ففي صحة الإقطاع قولان للشافعي بالصحة والبطلان ثم إذا صح الإقطاع فللسلطان استرجاعه منه بعد السنة التي هو فيها ويعود رزقه إلى ديوان العطاء أما السنة التي هو فيها فإن حل رزقه فيها قبل حلول خراجها لم يسترجع منه في سنته لاستحقاق خراجها في رزقه وإن حل

خراجها قبل حلول رزقه جاز استرجاعه منه لأن تعجيل المؤجل وإن كان جائزا فليس بلازم
وأما العشر فلا يصح إقطاعه لأنه زكاة الأصناف فيعتبر وصف استحقاقهم عند دفعها إليهم وقد يجوز أن لا يوجد فلا تجب
قلت هذا حكم الإقطاع في الشريعة وعليه كان عمل الخلفاء والملوك في الزمن السالف أما في زماننا فقد فسد الحال وتغيرت القوانين وخرجت الأمور عن القواعد الشرعية وصارت الإقطاعات ترد من جهة الملوك على سائر الأموال من خراج الأرضين والجزية وزكاة المواشي والمعادن والعشر وغير ذلك ثم تفاحش الأمر وزاد حتى أقطعوا المكوس على اختلاف أصنافها وعمت بذلك البلوى والله المستعان في الأمور كلها

الباب الثاني من المقالة السابعة فيما يكتب في الإقطاعات في القديم
والحديث وفيه فصلان
الفصل الاول في أصل ذلك
والأصل فيه ما روي أن النبي أقطع تميما الداري أرضا بالشأم وكتب له بها كتابا
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق فيه طرقا مختلفة فروى بسنده إلى زياد بن فائد عن أبيه فائد عن زياد بن أبي هند عن أبي هند الداري أنه قال قدمنا على رسول الله مكة ونحن ستة نفر تيم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ويزيد بن قيس وأبو هند بن عبد الله وهو صاحب الحديث وأخوه الطيب بن عبد الله كان اسمه برا فسماه رسول الله عبد الرحمن وفاكه بن النعمان فأسلمنا وسألنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقطعنا أرضا من أرض الشأم فقال رسول الله سلوا حيث شئتم فقال

تميم أرى أن نسأله بيت المقدس وكورها فقال أبو هند هذا محل ملك العجم وكذلك يكون فيها ملك العرب وأخاف أن لا يتم لنا هذا فقال تميم فنسأله بيت جبرين وكورتها فقال أبو هند هذا أكبر وأكبر فقال فأين ترى أن نسأله فقال أرى أن نسأله القرى التي تقع فيها تل مع آثار إبراهيم فقال تميم أصبت ووفقت قال فقال رسول الله لتميم أتحب أن تخبرني بما كنتم فيه أو أخبرك فقال تميم بل تخبرنا يا رسول الله نزداد إيمانا فقال رسول الله أردتم أمرا فأراد هذا غيره ونعم الرأي رأى قال فدعا رسول الله بقطعه جلد من أدم فكتب لنا فيها كتابا نسخته
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب ذكر فيه ما وهب محمد رسول الله للداريين إذا أعطاه الله الأرض وهب لهم بيت عينون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم بمن فيهن لهم أبدا
شهد عباس بن عبد المطلب وجهم بن قيس وشرحبيل بن حسنة وكتب
قال ثم دخل بالكتاب إلى منزله فعالج في زاوية الرقعة وغشاه بشيء لا يعرف وعقده من خارج الرقعة بسير عقدتين وخرج إلينا به مطويا وهو يقول ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله

ولي المؤمنين ) ثم قال انصرفوا حتى تسمعوا بي قد هاجرت قال أبو هند فانصرفنا فلما هاجر رسول الله إلى المدينة قدمنا عليه فسألناه أن يجدد لنا كتابا فكتب لنا كتابا نسخته
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أنطى محمد رسول الله لتميم الداري وأصحابه إني أنطيتكم عينون وحبرون والرطوم وبيت إبراهيم برمتهم وجميع ما فيهم نطية بت ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الأبد فمن أذاهم فيها آذاه الله
شهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وكتب
فلما قبض رسول الله وولي أبو بكر وجه الجنود إلى الشام فكتب لنا كتابا نسخته
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن أبي بكر الصديق إلى عبيدة بن الجراح سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد امنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى

الداريين وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأراد الداريون أن يزرعوها فليزرعوها فإذا رجع أهلها إليها فهي لهم وأحق بهم والسلام عليك
وروى بسنده أيضا إلى الزهري وثور بن يزيد عن راشد بن سعد قالا قام تميم الداري وهو تميم بن أوس رجل من لخم فقال يا رسول الله إن لي جيرة من الروم بفلسطين لهم قرية يقال لها حبرى وأخرى يقال لها بيت عينون فإن فتح الله عليك الشأم فهبهما لي قال هما لك قال فاكتب لي بذلك فكتب له
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد رسول الله لتميم بن أوس الداري إن له قرية حبرى وبيت عينون قريتها كلها سهلها وجبلها وماءها وحرتها وأنباطها وبقرها ولعقبه من بعده لا يحاقه فيها أحد ولايلجه عليهم أحد بظلم فمن ظلمهم أو أخذ من أحد منهم شيئا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وكتب علي
فلما ولي أبو بكر كتب لهم كتابا نسخته
هذا كتاب من أبي بكر أمين رسول الله الذي استخلف في الأرض بعده كتبه للداريين أن لا تفسد عليهم مأثرتهم قرية حبرى وبيت عينون فمن كان يسمع ويطيع فلا يفسد منها شيئا وليقم عمرو بن العاص عليهما فليمنعهما من المفسدين

وروى ابن مندة بسنده إلى عمرو بن حزم رضي الله عنه أنه قال أقطع النبي تميما الداري وكتب
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد رسول الله لتميم بن أوس الداري إن له صهيون قريتها كلها سهلها وجبلها وماءها وكرومها وانباطها وورقها ولعقبه من بعده لا يحاقه فيها أحد ولا يدخل عليه بظلم فمن أراد ظلمهم أو أخذه منهم فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
قلت وهذه الرقعة التي كتب بها النبي موجودة بأيدي التميميين خدام حرم الخليل عليه السلام إلى الآن وكلما نازعهم أحد أتوا بها إلى السلطان بالديار المصرية ليقف عليها ويكف عنهم من يظلمهم وقد أخبرني برؤيتها غير واحد والأديم التي هي فيه قد خلق لطول الأمد

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة السابعة في صورة ما يكتب في
الإقطاعات وفيه طرفان
الطرف الأول فيما كان يكتب من ذلك في الزمن القديم
وكانت الإقطاعات في الزمن الأول قليلة إنما كانت تجبى الأموال إلى بيت المال ثم ينفق منه على الجند على ما تقدم ذكره وربما أقطعوا القرية ونحوها وقرروا على مقطعها شيئا يقوم به لبيت المال في كل سنة ويسمون ذلك المقاطعة
ثم ما كان يكتب في ذلك على ضربين كلاهما مفتتح بلفظ هذا
الضرب الأول ما كان يكتب عن الخلفاء ولهم فيه طريقتان
الطريقة الأولى طريقة كتاب الخلفاء العباسيين ببغداد
وكان طريقهم فيها أن يكتب هذا كتاب من فلان بلقب الخليفة إنك ذكرت من أمر ضيعتك الفلانية كذا وكذا وسألت أمير المؤمنين في كذا وكذا وقد اجابك أمير المؤمنين إلى سؤالك في ذلك ونحوه
وهذه نسخة مقاطعة كتب بها عن المطيع لله الخليفة العباسي من إنشاء أبي إسحاق الصابي وهي

هذا كتاب من عبد الله الفضل الإمام المطيع لله أمير المؤمنين لفلان بن فلان
إنك رفعت قصتك تذكر حال ضيعتك المعروفة بكذا وكذا من رستاق كذا وكذا من طسوج كذا وكذا وأنها أرض رقيقة قد توالى عليها الخراب وانغلق أكثرها بالسد والدغل وأن مثلها لا تتسع يد الليالي للإنفاق عليه وقلب بالأنبله واستخراج سدوده وقفل أرضه ولا يرغب الأكرة في ازدراعه والمعاملة فيه وإن أمير المؤمنين مقاطعك عن هذه الضيعة على كذا وكذا من الورق المرسل في كل سنة على استقبال سنة كذا وكذا الخراجية مقاطعة مؤبدة ماضية مقررة نافذة يستخرج مالها في أول المحرم من كل سنة ولا تتبع بنقض ولا يتأول فيها متأول ولا تعترض في مستأنف الأيام ما اجتهدت في عمارتها وتكلفت الإنفاق عليها واستخراج سدودها وقفل أراضيها واحتفار سواقيها واجتلاب الأكرة إليها وإطلاق البذور والتقاوى فيها وإرغاب المزارعين بتخفيف تسوقها بحق الرقبة ومقاسماتها وكان في ذلك توفير لحق بيت المال وصلاح ظاهر لا يختل
وسألت أمير المؤمنين الأمر بذلك والتقدم به والإسجال لك به وإثباته في ديوان السواد ودواوين الحضرة وديوان الناحية وتصييره ماضيا لك ولعقبك واعقابهم ومن لعل هذه الضيعة أو شيئا منها ينتقل إليه ببيع أو ميراث أو صدقة أو غير ذلك من ضروب الانتقال
وإن أمير المؤمنين بإيثاره الصلاح واعتماده أسبابه ورغبته فيما عاد

بالتوفير على بيت المال والعمارة والترفيه للرعية أمرنا بالنظر فيما ذكرته واستقصاء البحث عنه ومعرفة وجه التدبير وسبيل الحظ فيه والعمل بما يوافق الرشد في جميعه فرجع إلى الديوان في تعرف ما حكيته من أحوال هذه الضيعة فأنفذ منه رجل مختار ثقة مأمون من أهل الخبرة بأمور السواد وأعمال الخراج قد عرف أمير المؤمنين أمانته وعلمه ومعرفته وأمر بالمصير إلى هذه الناحية وجمع أهلها من الأدلاء والأكرة والمزارعين وثقات الأمناء والمجاورين والوقوف على هذه الأقرحة وإيقاع المساحة عليها وكشف أحوال عامرها وغامرها والمسير على حدودها وأخذ أقوالهم وآرائهم في وجه صلاح وعمارة قراح منها وما يوجبه صواب التدبير فيما التمسته من المقاطعة بالمبلغ الذي بذلته وذكرت أنه زائد على الارتفاع والكتاب بجميع ذلك إلى الديوان ليوقف عليه وينهى إلى أمير المؤمنين فينظر فيه فما صح عنده منه أمضاه وما رأى الاستظهار على نظر الناظر فيه استظهر فيما يرى منه حتى يقف على حقيقته ويرسم بما يعمل عليه
فذكر ذلك الناظر أنه وقف على هذه الضيعة وعلى سائر أقرحتها وحدودها ونطاقها بمشهد من أهل لخبرة بأحوالها من ثقات الأدلاء والمجاورين والأكرة والمزارعين والامناء الذين يرجع إلى أقوالهم ويعمل عليها فوجد مساحة بطون الأقرحة المزدرعة من جميعها دون سواقيها وبرورها وتلالها وجنائبها ومستنقعاتها وما لا يعتمد من أرضها بالجريب الهاشمي الذي تمسح به ا لأرض في هذه الناحية كذا وكذا جريبا منها جميع القراح المعروف بكذا وكذا ومنها قراح كذا وكذا ومنها الحصن والبيوت والساحات والقراحات والخزانات ووجد حالها في الخراب والانسداد

وتعذر العمارة والحاجة إلى عظيم المؤونة وفرط النفقة على ما حكيته وشكوته ونظر في مقدار أصل هذه الخزانات من هذه الضيعة وما يجب عليها وكشف الحال في ذلك
ونظر أمير المؤمنين فيما رفعه هذا المؤتمن المنفذ من الديوان واستظهر فيه بما رآه من الاستظهار ووجب عنده من الاحتياط فوجد ما رفعه صحيحا صحة عرفها أمير المؤمنين وعلمها وقامت في نفسه وثبتت عنده ورأى إيقاع المقاطعة التي التمستها على حق بيت المال في هذه الضيعة فقاطعك عنه في كل سنة هلالية على استقبال سنة كذا وكذا الخراجية على كذا وكذا درهما صحاحا مرسلة بغير كسر ولا كعابة ! ولا حق حرب ولا جهبذة ولا محاسبة ولا زيادة ولا شيء من جميع المؤن وسابق التواقيع والرسوم تؤدي في أول المحرم من كل سنة حسب ما تؤدي المقاطعة مقاطعة ماضية مؤبدة نافذة ثابتة على مضي الأيام ولزوم الأعوام لا تنقض ولا تفسخ ولا تتبع ولا يتأول فيها ولا تغير على أن يكون هذا المال وهو من الورق المرسل كذا وكذا في كل سنة مؤدى في بيت المال ومصححا عند من تورد عليه في هذه الناحية أموال خراجهم ومقاطعاتهم وجباياتهم لا يعتل فيها بآفة تلحق الغلات سماوية ولا أرضية ولا بتعطل أرض ولا بقصور عمارة ولا نقصان ريع ولا بانحطاط سعر ولا بتأخر قطر ولا بشرب غلة ولا حرق

ولا شرق ولا بغير ذلك من الآفات بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب ولا يحتج في ذلك بحجة يحتج بها التناء والمزارعون وأرباب الخراج في الالتواء بما عليهم وعلى أن لا يدخل عليك في هذه المقاطعة يد ماسح ولا مخمن ولا حازر ولا مقدم ولا أمين ولا حاظر ولا ناظر ولا متتبع ولا متعرف لحال زراعة وعمارة ولا كاشف لأمر زرع وغلة ماضيا ذلك لك ولعقبك من بعدك وأعقابهم وورثتك وورثتهم أبدا ما تناسلوا ولمن عسى أن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليه بإرث أو بيع أو هبة أو نحل أو صدقة أو وقف أو مناقلة أو إجارة أو مهايأة أو تمليك أو إقرار أو بغير ذلك من الأسباب التي تنتقل بها الأملاك من يد إلى يد ولا ينقض ذلك ولا شيء منه ولا يغير ولا يفسخ ولا يزال ولا يبدل ولا يعقب ولا يعترض فيه بسبب زيادة عمارة ولا ارتفاع سعر ولا وفور غلة ولا زكاء ريع ولا إحياء موات ولا اعتمال معطل ولا عمارة خراب ولا استخراج غامر ولا صلاح شرب ولا استحداث غلات لم يجر الرسم باستحداثها وزراعتها ولا يعد ولا يمسح ما عسى أن يغرس بهذه الأقرحة من النخل وأصناف الشجر المعدود والكرم ولا يتأول عليك فيما لعل أصل المساحة أن تزيد به فيما تعمره وتستخرجه من الجبابين والمستنقعات ومواضع المشارب المستغنى عنها إذ كان أمير المؤمنين قد عرف جميع ذلك وجعل ما يجب على شيء منه عند وجوبه داخلا في هذه المقاطعة وجاريا معها

على أنك إن فصلت شيئا من مال هذه المقاطعة على بعض هذه الأقرحة من جميع الضيعة وأفردت باقي مال المقاطعة بباقيها عند ملك ينتقل منها عن بدل أو فعل ذلك غيرك ممن جعل له في هذه المقاطعة ما جعل لك من ورثتك وورثتهم وعقبك وأعقابهم ومن لعل هذه الضيعة أو شيئا من هذه الأقرحة ينتقل إليه بضرب من ضروب الانتقال قبل ذلك التفصيل منكم عند الرضا والاعتراف ممن تفصلون باسمه وتحيلون عليه وعوملتم على ذلك ولم يتأول عليكم في شيء منه
وعلى أنك إن التمست أو التمس من يقوم مقامك ضرب منار على هذه الضيعة تعرف به حدودها ورسومها وطرقها ضرب ذلك المنار أي وقت التمسوه ولم يمنعوا منه وإن تأخر ضرب المنار لم يتأول عليكم به ولم يجعل علة في هذه المقاطعة إذ كانت شهرة هذه الضيعة وأقرحتها في أماكنها ومعرفة مجاورها بما ذكر من تسميتها ومساحتها تغني عن تحديدها أو تحديد شيء منها وتقوم مقام المنار في إيضاح معالمها والدلالة على حدودها وحقوقها ورسومها وقد سوغك يا فلان بن فلان أمير المؤمنين وعقبك من بعدك وأعقابهم وورثتك وورثتهم أبدا ما تناسلوا ومن تنتقل هذه الأقرحة او شيء منها إليه جميع الفصل بين ما كان يلزم هذه الضيعة وأقرحتها من حق بيت المال وتوابعه على الوضيعة التامة وعلى الشروط القديمة وبين ما يلزمها على هذه المقاطعة وجعل ذلك خارجا عن حاصل طسوج كذا وكذا وعما يرفعه المؤتمنون ويوافق عليه المتضمنون على غابر الدهر ومر السنين وتعاقب الأيام والشهور
فلا تقبل في ذلك سعاية ساع ولا قدح قادح ولا قرف قارف ولا إغراء مغر ولا قول معنف ولا يرجع عليك فيما سوغته ونظر لك به في حال من

الاحوال ولا يرجع في التقريرات ولا تنقض بالمعاملات وردها إلى قوام اصولها ولا ضرب من ضروب الحجج والتأويلات التي يتكلم عليها أهل العدل على سبيل الحكم والنظر وأهل الجور على سبيل العدوان والظلم ولا تكلف يا فلان بن فلان ولا عقبك من بعدك ولا ورثتك ولا أعقابهم ولا أحد ممن تخرج هذه الضيعة أو هذه الأقرحة أو شيء منها إليه على الوجوه والأسباب كلها إخراج توقيع ولا كتاب مجدد ولا منشور بانفاذ شيء من ذلك ولا إحضار سجل به ولا إقامة حجة فيه في وقت من الأوقات
وعلى أن لا يلزمك ولا أحدا ممن يقوم مقامك في هذا المقاطعة مؤونة ولا كلفة ولا ضريبة ولا زيادة ولا تقسيط كراء منه ولا مصلحة ولا عامل بريد ولا نفقة ولا مؤونة جماعة ولا خفارة ولا غير ذلك ولا يلزم بوجه من الوجوه في هذه المقاطعة زيادة على المبلغ المذكور المؤدى في بيت المال في كل سنة خراجية وهو من الورق المرسل كذا وكذا ولا تمنع من روز جهبذ أو حجة كاتب أو عامل بما لهذه المقاطعة إذا أديته أو أديت شيئا منه أولا أولا حتى يتكمل الأداء وتحصل في يدك البراءةفي كل سنة بالوفاء بجميع المال بهذه المقاطعة
وعلى أن تعاونوا على أحوال العمارة وصلاح الشرب وتوفر عليكم الضيافة والحماية والذب والرعاية
ولا يتعقب ما أمر به أمير المؤمنين أحد من ولاة العهود والأمراء والوزراء وأصحاب الدواوين والكتاب والعمال والمشرفين والضمناء والمؤتمنين وأصحاب الخراج والمعاون وجميع طبقات المعاملين وسائر صنوف

المتصرفين يبطله أو يزيله عن جهته أو ينقضه أو يفسخه أو يغيره أو يبدله أو يوجب عليك أو على عقبك من بعدك وأعقابهم وورثتهم أبدا ما تناسلوا ومن تخرج هذه الضيعة او شيء منها إليه حجة على سائر طرق التأويلات ولا يلزمك شيئا فيه ولا يكلفكم عوضا عن إمضائه ولا ينظر في ذلك أحد منهم نظر تتبع ولا كشف ولا بحث ولا فحص فإن خالف أحد منهم ما أمر به أمير المؤمنين أو تعرض لكشف هذه المقاطعة أو مساحتها أو تخمينها أو اعتبارها والزيادة في مبلغ مالها أو ثبت في الدواوين في وقت من الأوقات شيء يخالف ما رسمه أمير المؤمنين فيها إما على طريق السهو والغلط أو العدوان والظلم والعناد والقصد فذلك كله مردود وباطل ومنفسخ وغير جائز ولا سائغ ولا قادح في صحة هذه المقاطعة وثبوتها ووجوبها ولا معطل لها ولا مانع من تلافي السهو واستدراك الغلط في ذلك ولا مغير لشيء من شرائط هذه المقاطعة ولا حجة تقوم عليك يا فلان بن فلان ولا على من يقوم في هذه المقاطعة بشيء من ذلك إذ كان ما أمر به أمير المؤمنين من ذلك على وجه من وجوه الصلاح وسبيل من سبله رآهما وأمضاهما وقطع بهما كل اعتراض ودعوى واحتجاج وقذف وأزال معهما كل بحث وفحص وتبعة وعلاقة وإن كان من الشرائط فيما سلف من السنين وخلا من الأزمان ما هو أوكد واتم وأحكم وأحوط لك ولعقبك وورثتك وأعقابهم وورثتهم ومن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليه مما شرط في هذا الكتاب بحال أوجبها لك الاحتياط على اختلاف مذاهب الفقهاء والكتاب وغيرهم مما للخلفاء أن يفعلوه وتنفذ فيه أمورهم وحملت وحملوا عليه وهو مضاف إلى شروط هذا الكتاب التي قد أتى عليها الذكر ودخلت تحت الحصر ولم يكلف أحد منكم إخراج أمر به

وإن التمست أنت أو أحد من ورثتك وأعقابك ومن عسى أن تنتقل هذه الضيعة والأقرحة أو شيء منها إليه في وقت من الأوقات تجديد كتاب بذلك ومكاتبة عامل أو مشرف أو إخراج توقيع ومنشور إلى الديوان بمثل ما تضمنه هذا الكتاب أجبتم إليه ولم تمنعوا منه
وأمر أمير المؤمنين بإثبات هذا الكتاب في الدواوين وإقراره في يدك حجة لك ولعقبك من بعدك وأعقابهم وورثتك وورثتهم ووثيقة في أيديكم وفي يد من عسى أن تنتقل هذه الضيعة أو الأقرحة أو شيء منها إليه بضرب من ضروب الانتقال التي ذكرت في هذا الكتاب والتي لم تذكر فيه وأن لا تكلفوا إيراد حجة من بعده ولا يتأول عليكم متأول فيه
فمن وقف على هذا الكتاب وقرأه أو قريء عليه من جميع الأمراء وولاة العهود والوزراء والعمال والمشرفين والمتصرفين والناظرين في أمور الخراج وأصحاب السيوف على اختلاف طبقاتهم وتباين منازلهم وأعمالهم فليمتثل ما أمر به أمير المؤمنين ولينفذ لفلان بن فلان وورثته وورثتهم وعقبه وأعقابهم ولمن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليه هذه المقاطعة من غير مراجعة فيها ولا استثمار عليها ولا تكليف له ولا لأحد ممن يقوم بأمرها إيراد حجة بعد هذا الكتاب بها وليعمل بمثل ذلك من وقف على نسخة من نسخ هذا الكتاب في ديوان من دواوين الحضرة وأعمالها أو الناحية وليقر في يد فلان بن فلان أو يد من يورده ويحتج به ممن يقوم مقامه إن شاء الله تعالى

الطريقة الثانية ما كان يكتب في الإقطاعات عن الخلفاء الفاطميين بالديار
المصرية
وهو على نحو مما كان يكتب عن خلفاء بني العباس
قال في مواد البيان والرسم فيها أن يكتب
أمير المؤمنين بما وهبه الله تعالى من شرف الأعراق وكرم الأخلاق ومنحه من علو الشان وارتفاع السلطان يقتدي بإذن الله سبحانه في إفاضة إنعامه وبره على الناهضين بحقوق شكره ويوقع أياديه عند من يقوم بحقها ويتألفها بحمدها وشكرها ولا ينفرها ويوحشها بكفرها وجحدها ويتحرى بعوارفه المغارس التي تنجب شجرتها وتحلو لي ثمرتها والله تعالى نسأله أن يوفقه في مقاصده ويريه مخايل الخير في مصادره وموارده ويعينه على إحسان يفيضه ويسبغه وامتنان يضفيه ويفرغه
ولما كان فلان بن فلان ممن غرس أمير المؤمنين إحسانه لديه فأثمر وأولاه طوله فشكر ورآه مستقلا بالصنيعة حافظا للوديعة مقابلا العارفة بالإخلاص في الطاعة مستدرا بالإنقياد والتباعة أخلاف الفضل والنعمة ويوصف الرجل المقطع بما تقتضيه منزلته ثم يقال رأى أمير المؤمنين مضاعفة أياديه لديه ومواصلة إنعامه إليه وإجابة سؤاله وإنالته أقاصي آماله وتنويله ما نحت إليه أمانته وطمحت نحوه راحته وإسعافه بما رغب فيه من إقطاعه الناحية الفلانية أو الدار أو الأرض أو تسويغه ما يجب عليه من خراج ملكه وما يجري هذا المجرى ثم يقال ثقة بأن الإحسان مغروس منه في أكرم مغرس وأزكاه وأحق منزل بالتنويل وأولاه وخرج أمره بإنشاء هذا المنشور بأنه قد أقطعه الناحية الفلانية لاستقبال سنة كذا بحقوقها وحدودها وارضها العامرة ووجوه جباياتها وينص على كل حق من حقوقها وحد من

حدودها فإذا استوفى القول عليه قال إنعاما عليه وبسطا لأمله وإبانة عن خطره
فليعلم ذلك كافة الولاة والنظار والمستخدمين من أمير المؤمنين ورسمه ليعملوا عليه وبحسبه وليحذروا من تجاوزه وتعديه وليقر بيده بعد العمل بما نص فيه إن شاء الله تعالى
قلت والتحقيق أن لهم في ذلك أساليب منها ما يفتتح بلفظ هذا والمعروف أنه كان يسمى ما يكتب في الإقطاعات عندهم سجلات كالذي يكتب في الولايات
وهذه نسخة منشور من مناشيرهم من إنشاء القاضي الفاضل لولد من أولاد الخليفة اسمه حسن ولقبه حسام الدين مفتتح بلفظ هذا وهي
هذا كتاب من أمير المؤمنين لولده الذي جل قدرا أن يسامى وقر في ناظر الإيمان نورا وسلته يد الله حساما وحسن به الزمان فكان وجوده في عطفه حلية والغرة ابتساما واضاءت وجوه السعادة لمنحها بكريم اسمه إتساما وتهيأت الأقدار لأن تجري على نقش خاتم إرادته امتثالا وارتساما الأمير فلان جريا على عادة أمير المؤمنين التي أوضح الله فيها إشراق العوائد واتباعا لسنة آبائه التي هي سنن المكارم والمراشد وارتفادا مع ارتياح إلى موارد كرمه التي هي موارد لا يحلأ عنها وارد واختصاصا بفضله لمن كفاه من الشرف أنه له والد وعموما بما يسوقه الله على يده من أرزاق العباد وإنعاما جعل نجله طريقه إلى أن يفيض على كل حاضر وباد

وأمير المؤمنين بحر ينتشيء من آله السحاب المنزل ويمدهم جواد العطاء الأجزل أمر بكتبه لما عرضت لمقامه رقعة بكذا وكذا وخرج أمر أمير المؤمنين إلى وليه وناصره وأمينه على ما استأمنه الله عليه وموازره السيد الأجل الذي لم تزل آراؤه ضوامن للمصالح كوافل وشهب تدبيره من سماء التوفيق غير غاربة ولا أوافل وخدمه لأمير المؤمنين لا تقف عند الفرائض حتى تتخطى إلى النوافل وجاد فأخلاف النعم به حوافل وأقبل فأحزاب الخلاف به جوافل وأيقظ عيونا من التدبير على الأيام لا تدعي الأيام أنها غوافل بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بإقطاع ناحية كذا بحدها والمعتاد من وصفها المعاد وما يدل عليه الديوان من عبرتها ويتحصل له من عينها وغلتها إلى الديوان الفلاني إقطاعا لا ينقطع حكمه وإحسانا لا يعفو رسمه وتسويغا لا يطيش سهمه وتكميلا لا يمحى وسمه وتخويلا لا يثنى عزمه يتصرف فيه هذا الديوان ويستبد به مالكا ويفاوض فيه مشاركا ويزرعه متعملا ومضمنا ويستثمره عادلا في أهله محسنا لا تتعقبه الدواوين بتأول ما ولا الأحوال بتحول ما ولا الأيام بتقلبها ولا الأغراض بتعقبها ولا اختلاف الأيدي بتنقلها ولا تعترضه الأحكام بتأولها
وقد أوجب أمير المؤمنين على كل وال أن يتحامى هذه الناحية بضرره ويقصدها بجميل أثره ويحيطها بحسن نظره ويتقي فيها ركوب عواقب غرره ويجتنب فيها مطالب ورده وصدره ونزول مستقره ولا يمكن منها مستخدما ولا يكلف أهلها مغرما ويجريها مجرى ما هو من الباطل حمى ما لم يقل فيها بميل أو يخف من سبلها سبيل وله أن يتطلب الجاني بعينه ويقتضيه بأداء ما استوجب من دينه وأخذه مسوقا بجرائم ذنبه إلى موقف حينه فمن قرأه فليعمل به

وهذه نسخة سجل بإقطاع عن العاضد آخر خلفاء الفاطميين أيضا لبعض أمراء الدولة من إنشاء القاضي الفاضل أيضا وهي
أمير المؤمنين وإن عم جوده كما عم فضل وجوده وسار كثير إحسانه وبره في سهول المعمور ونجوده ورحم الله الخلق بما استأثره دون الخلائق من قربه في سجوده فإنه يخص بني القربى من جده والضاربين معه في أنصباء مجده من سلالته الزكية وطينته المسكية وأعراقه الشريفة وأنسابه المنيفة فكل غراء لا تخفى أوضاحها إلا إذا فاضت أنوارهم وكل عذراء لا يعهد إسماحها إلا إذا راضت أخطارهم
ولما عرضت بحضرته ورقة من ولده الأمير فلان الذي أقر الله به عين الإسلام وأنجز به دين الأيام وأطلعه بدرا في سماء الحسب وجلا بأنواره ظلام النوب وامتاح من منبع النبوة وارتوى واستولى على خصائص الفضل الجلي واحتوى وأعد الله لسعد الأمة ذا مرة شديد القوى وأدنى الاستحقاق من الغايات حتى تأهب لأن يكون بالواد المقدس طوى وأضحت كافة المؤمنين مؤمنين على مكارمه وأمست كافة الخائفين خائفين من سبل أنفسهم على صوارمه وآراؤه أعلى أن يضاهيها رأي وإن جل خطره وأعطيته أرقى أن يدانيها عطاء وإن حسن في الأحوال أثره وإنما ينبع بملكه منها ما راق بعين اختياره وإيثاره وسعد بالانتظام في سلك جوده الذي يعرضه أبدا لانتثاره وتضمنت هذه الرقعة الرغبة في كذا وكذا وذكر الديوان كذا
خرج أمر أمير المؤمنين إلى فتاه وناصره ووزيره ومظاهره السيد الأجل الذي انتصر الله به لأمير المؤمنين من أعدائه وحسم بحسامه ما أعضل من

عارض الخطب ودائه ونطقت بفضله ألسن حساده فضلا عن ألسنة أودائه وسخت الملوك بأنفسها أن تكون فداء له إذا حوزها المجد في فدائه الذي ذخره الله لأمير المؤمنين من آدم ذخيرة وجمع له في طاعته بين إيقاظ البصيرة وإخلاص السريرة وفضلت أيامه على أيام أوليائه بما حلاها من جميل الأحدوثة وحسن السيرة وسهل عليه التقوى في المنافع والعكوف على المصالح وأجنى من أقلامه ورماحه ثمرات النصائح وفاز بما حاز من ذخائر العمل الصالح بالمتجر الرابح والهمه من حراسة قانون الملك ما قضى بحفظ نظامه ولم ينصرف له عزم إلا إلى ما صرف إليه رضا ربه ورضا إمامه
ونفذت أوامره بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل إلى الديوان الفلاني بإقطاعه الناحية وما معها منسوبا إليها وداخلا فيها لاستقبال سنة كذا منحة سائغة لا يعترضها التكدير ونعمة سابغة لا ينقضها التغيير وجباء موصول الأسباب وعطاء بغير من ولا حساب يتحكم فيه على قضايا الاختيار وتنفذ فيه أوامره الميمونة الإيراد والإصدار
ومنها أن يفتتح السجل بلفظ إن أمير المؤمنين ويذكر من وصفه ما سنح له ثم يذكر حكم الإقطاع وكيفية خروجه
وهذه نسخة سجل من ذلك كتب به لبعض وزرائهم من إنشاء القاضي الفاضل وهي
إن أمير المؤمنين لما أطلق الله يد بره من أميال تبدو على الأحوال شواهد آثارها وتروض الآمال سحائبها بسائب مدرارها وتتنزه مواعدها عن إنظارها ومواردها عن أن يؤتى بأنظارها ويقوم بناصرها فيكون أقوى أعوانها على الشكر وأنصارها وألهمه من مواصلة المنن التي لا تنقطع روايتها ولا تتناهى مراتبها موالاة المنح التي تهب على جناب الخير شمائلها وجنائبها وتلتقي في مسارح المدائح غرائبها ورغائبها وحببه إليه من انتهاز فرص المكارم في ا لأكارم وابتداء المعروف وابتدار مغانمه التي لا تعقبها مغارم يولي آلاءه من يجزي عن

حسنتها عشرا ويعقل عقالها عند من يسوق إليها من استحقاقها مهرا ويقابل بالإحسان إحسان أجل أوليائه قدرا ويضاعف الإمتنان عند من لم يضعف في موازرته أزرا ويودع ودائع جوده في المغارس الجيدة بالزكاء والنماء ويزكي أصول معروفة لمن يفتخر بالانضواء إلى موالاته والانتماء ويستكرم مستقر مننه وآلائه ويحسن إلى الإحسان ثم يبتهج بموالاته لديه وإيلائه
ولما كان السيد الأجل أمير الجيوش آية نصر أمير المؤمنين التي انبرت فما تبارى ونعمة الله التي أشرقت أنوارها وأورت فما تتوارى وسيف حقه الذي لا تكل مقاطعه وبحر جوده الذي لا تكدر مشارعه والمستقل من الدفاع عن حوزته بما عجزت عنه الأمم والعلي على مقدار الأقدار إذا تفاوتت قيم الهمم والكاشف الجلى عن دولته وقد عظمت مظالم الظلم والجامع على المماراة والمواراة قلب المؤالف والمخالف ولسان العرب والعجم والمتبويء من الملك ملكا لا ينبغي لأحد من بعده والمتوقل من الفخر محلا لا يطمع النجم فيه من بعده والمغير على الحرب العوان بقبلية البكر والمنفذ بمبتدع العزمات ما لولا وقوعه لما وقع في الفكر والقاضي للدين بحد سيوفه مطلول حقه وممطول دينه والقائم لأمير المؤمينن مقاما قام به أبوه في نصرة جده صلى الله عليهما يوم بدره ويوم حنينه
ولقد أظهر الله آيات نضارة نظره على الأرض فأخذت زخرفها وازينت وابتدت أيديه الجنى فتظاهرت أدلتها علىدولته وتبينت واستلأمت المملكة من تدبيره بجنة تتحاماها الأقدار وهي سهام ووثقت من عنايته إلى هجر الخطوب بما يعيد نارها وهي برد وسلام وما ضرها مع تيقظ جفنه أن يهجع في جفنه طرف الحسام ولا احتاجت وقلبه يساور جسيم أمورها أن تتعب في وأدها

الأجسام فأي خير يولى وإن عظم يناهض استحقاقه وأي غاية وإن جلت تروم نيل مدى مسعاه ولحاقه وأنى لأعراض الدنيا أن تهدي لجوهره عرضا ولا تبلغ مبالغ النعم الجلائل أن تعتد اليوم من مساعيه عوضا وهل لأمير المؤمنين أعمال في مجازاته عن قيامه بغمد رأيه ومجرد عضبه ودفاعه عن حوزة عدته وذبه وكره في مواقف كربه وكفايته للأمة في سلمه وحربه وإيالته التي خص الأرض منها فضل خصبه إلا أن يذكره بقلبه عند ربه وأن يرفع الحجب عند كل سؤال كما يرفع الله عند دعائه مسدل حجبه
وعرضت بحضرة أمير المؤمنين مطالعة منه عن خبر باسمه الكريم مقصور على الرغبة في خروج الأمر بتمليك جهته التي تقوم عدتها عدة ألف مستخرجا بها الخط الشريف بإمضاء التمليك وإجازته وتسليم الملك وحيازته
فتلقى أمير المؤمنين هذه الرغبة بإفراز جرى فيه من الأوامر على أفضل سنن وتقبلها منه بقبول حسن وتهللت عليه لسؤاله مصابيح الطلاقة والبشر ونفذت مواقع توقيعه ما لا تبلغه مواقع ماء المزن في البلد القفر وشمله خطه الشريف بما نسخته خرج أمره إليه بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل بتمليك الجهة المقدم ذكرها بجميع حدودها وحقوقها وظاهرها وباطنها وأعاليها وأسافلها وكل حق لها داخل فيها وخارج عنها وما هو معروف بها ومنسوب إليها تمليكا مخلدا وإنعاما مؤبدا وحقا مؤكدا يجري على الأصل والفرع ويحكم أحكام الكرم والشرع ماضيا لا تتعقب حدوده بفسخ جائزا لا تتجاوز عقوده بنسخ موصولة أسبابه فلا تتطرق أسباب التغيير إليها موروثا حتى يرث الله الأرض ومن عليها
فليعتمد كافة ولاة الدواوين ومن يليهم من المتصرفين حمل الأمر على موجبه والحذر من تعديه وتعقبه وامتثال ما رسمه أمير المؤمنين وحده

والوقوف عند أمره الذي عدم من مال فرده وليقر في يد الديوان حجة لمودعه بعد نسخه في الدواوين بالحضرة إن شاء الله تعالى

الضرب الثاني مما كان يكتب في الإقطاعات في الزمن المتقدم ما كان يكتب عن
ملوك الشرق القائمين على خلفاء بني العباس
وطريقتهم فيه أن يكتب في الإبتداء هذا كتاب ونحو ذلك كما كان يكتب عن خلفاء بني العباس في ذلك ثم يذكر عرض أمره على الخليفة واستكشاف خبر ما تقع عليه المقاطعة من الدواوين وموافقة قولهم بما ذكره في رقعته ويذكر أن أمير المؤمنين وذلك السلطان أمضيا أمر تلك المقاطعة وقرراه ثم ربما وقع تسويغ ما وجب لبيت المال لصاحب المقاطعة زيادة عليها ليكون في المعنى أنه باشرها
وهذه نسخة مقاطعة بضيعة كتب بها من صمصام الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه وهي
هذا كتاب من صمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار بن عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع بن ركن الدولة أبي علي مولى أمير المؤمنين لمحمد بن عبد الله بن شهرام
إنك ذكرت حال ضياعك المعروفة برسدولا والبدرية من طسوج نهر الملك والحظائر والحصة بنهر قلا من طسوج قطربل وما لحقها من

اختلال الحال ونقصان الارتفاع واندثار المشارب واستئجام المزارع وطمع المجاورين وضعف الأكرة والمزارعين وظلم العمال والمتصرفين لتطاول غيباتك عنها وانقطاعك بالأسفار المتصلة عن استيفاء حقوقها وإقامة عماراتها والإنفاق على مصالحها والانتصاف من المجاورين لها والمعاملين فيها ووصفت ما تحتاج إلى تكلفة من الجملة الوافرة لاحتفار أنهارها وإحياء مواتها واعتمال متعطلها وإعادة رسومها وإطلاق البذور فيها وابتياع العوامل لها واختلاف الأكرة إليها
وسألت أن تقاطع عن حق بيت المال فيها وجميع توابعه وسائر لزومه على ثلاثة آلاف درهم في كل سنة معونة لك على عمارتها وتمكينا من إعادتها إلى أفضل أحوالها وتوسعة عليك في المعيشة منها
فأنهينا ذلك إلى أمير المؤمنين الطائع لله وأفضنا بحضرته فيما أنت عليه من الخلائق الحميدة والطرائق الرشيدة وما لك من الخدمات القديمة والحديثة الموجبة لأن تلحق بنظرائك من الخدم المختصين والحواشي المستخلصين بإجابتك إلى ما سألت وإسعافك بما التمست فخرج الأمر لا زال عاليا بالرجوع في ذلك إلى كتاب الدواوين وعمال هذه النواحي وتعرف ما عندهم فيه مما يعود بالصلاح ويدعو إلى الاحتياط فرجع إليهم فيما ذكرته وحكيته فصدقوك في جميعه وشهدوا لك بصحته وتردد بينك وبينهم خطاب في الارتفاع الوافر القديم وما توجبه العبر لعدة سنين إلى أن استقر الامر على أن توقعت على هذه الضياع المسماة في هذا الكتاب خمسة آلاف درهم ورقا مرسلا بغير كسر ولا كفاية ولا حق خزن ولا جهبذة ولا محاسبة ولا غير ذلك من المؤن كلها

ثم أنهينا ذلك إلىأمير المؤمنين الطائع لله فأمر زاد الله أمره علوا بإمضاء ذلك على أن يكون هذا المال وهو خمسة آلاف درهم مؤدى في الوقت الذي تفتتح فيه المقاطعات وهو أول يوم من المحرم في كل سنة على استقبال السنة الجارية سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة الخراجية عن الخراج في الغلات الشتوية والصيفية والمحدثة والمبكرة الجارية على المساحة والحاصل من الغلات الجارية على المقاسمة والجوالي والمراعي والأرحاء وسائر أبواب المال ووجوه الجبايات وتقسيط المصالح والحماية مع ما يلزم ذلك من التوابع كلها قليلها وكثيرها والرسوم الثابتة في الدواوين بأسرها وعن كل ما أحدث ويحدث بعدها على زيادة الارتفاع ونقصانه وتصرف جميع حالاته مقاطعة مقررة مؤبدة ممضاة مخلدة على مرور الليالي والأيام وتعاقب السنين والأعوام لك ولولدك وعقبك من بعدك ومن عسى أن تنتقل هذه الضياع إليه بميراث أو بيع أو هبة أو تمليك أو مناقلة أو وقف أو إجارة أو مباذرة أو مزارعة أو غير ذلك من جميع الوجوه التي تنتقل الأملاك عليها وتجري بين الناس المعاملات فيها لا يفسخ ذلك ولا يغير ولا ينقض ولا يبدل ولا يزال عن سبيله ولا يحال عن جهته ولا يعترض عليك ولا على أحد من الناس فيه ولا في شيء منه ولا يتأول عليك ولا على غيرك فيه بزيادة عمارة ولا زكاء ريع ولا غلو سعر ولا إصلاح شرب ولا اعتمال خراب ولا إحياء موات ولا بغير ذلك من سائر أسباب وفور الارتفاع ودرور الاستغلال
وحظر مولانا أميرالمؤمنين الطائع لله وحظرنا بحظره على كتاب الدواوين أصولها وأزمتها وعمال النواحي والمشرفين عليها وجميع المتصرفين على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم الاعتراض عليك في هذه المقاطعة أو إيقاع ثمن أو مساحة على ما كان منها جاريا على الخراج أو تقرير

أو حزر أو قسمة على ما كان منها جاريا على المقاسمة أو أن تدخلها يد مع يدك لناظر أو حاظر أو مستظهر أو معتبر أو متصفح إذ كان ما يظهر منها من الفضل على مرور السنين مسوغا لك لا تطالب به ولا بمرفق عنه ولا على ما ظهر عليه وعلى شيء منه ولا يلتمس منك تجديد كتاب ولا إحضار حجة ولا توقيع به ولا منشور بعد هذا الكتاب إذ قد صار ذلك لك وفي يدك بهذه المقاطعة وصار ما يجب من الفضل بين ما توجبه المسائح والمقاسمات وسائر وجوه الجبايات وبين مال هذه المقاطعة المحدودة المذكورة في هذا الكتاب خارجا عما عليه العمال ويرفعه منهم المؤتمنون ويوافق عليه المتضمنون على مرور الأيام والشهور وتعاقب السنين والدهور فلا تقبل في ذلك نصيحة ناصح ولا توفير موفر ولا سعاية ساع ولا قذف قاذف ولا طعن طاعن
ولا يلزم عن إمضاء هذه المقاطعة مؤونة ولا كلفة ولا مصانعة ولا مصالحة ولا ضريبة ولا تقسيط ولاعمل بريد ولا مصلحة من المصالح السلطانية ولا حق حماية ولا خفارة ولا غير ذلك من جميع الأسباب التي يتطرق بها عليك ولا علىمن بعدك لزيادة على مالها المحصور المذكور في هذا الكتاب ولا حق خزن ولا جهبذة ولا محاسبة ولا مؤونة ولا زيادة ومتى استخرج منك شيء أو من أحد من أنسبائك أو ممن عسى أن تنتقل إليه هذه المقاطعة بشيء زائد عليها على سبيل الظلم والتأول والتعنت لم يكن ذلك فاسخا لعقدها ولا مزيلا لأمرها ولا قادحا في صحتها وكان لك أن تطالب برد المأخوذ زائدا على مالها وكان على من ينظر في الأمور إنصافك في ذلك ورده عليك وكانت المقاطعة المذكورة ممضاة على تصرف الأحوال كلها
ثم إنا رأينا بعد ما أمضاه مولانا أمير المؤمنين وامضيناه لك من ذلك وتمامه وإحكامه ووجوبه وثبوته أن سوغناك هذه الخمسة آلاف درهم المؤداة

عن هذه المقاطعة على استقبال سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة الخراجية تسويغا مؤبدا ماضيا على مر السنين ليكون في ذلك بعض العوض عن باقي أملاكك وضياعك التي قبضت عنك وبعض المعونة فيما أنت متصرف عليه من خدمتنا ومتردد فيه من مهمات أمورنا وأوجبنا لك في هذا التسويغ جميع الشروط التي تشترط في مثله مما ثبت في هذا الكتاب ومما لم يثبت فيه لينحسم عنك تتبع المتتبعين وتعقب المتعقبين وتأول المتأولين على الوجوه والأسباب
وامرنا متى وقع على مال هذا التسويغ وهو خمسة آلاف درهم ارتجاع بحدث يحدث عليك أو بتعويض تعوض عنه أو بحال من الأحوال التي توجب ارتجاعه أن يكون أصل المقاطعة ممضى لك ورسمها باقيا عليك وعلى من تنتقل هذه الضياع إليه بعدك على ما خرج به أمر أمير المؤمنين في ذلك من غيرنقض ولا تأول فيه ولا تغيير لرسم من رسومه ولا تجاوز لحد من حدوده على كل وجه وسبب
فليعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين الطائع لله وأمره ومن امتثالنا وإمضائنا وليعمل عليه جماعة من وقف على هذا الكتاب من طبقات الكتاب والعمال والمشرفين والمتصرفين في أعمال الخراج والحماية والمصالح وغيرهم وليحذروا من مخالفته وليمضوا بأسرهم لمحمد بن عبد الله بن شهرام ومن بعده جميعه وليحملوه على ما يوجبه وليقر هذا الكتاب في يده وأيديهم بعده حجة له ولهم ولينسخ في جميع الدواوين إن شاء الله تعالى

الطريقة الثانية مما كان يكتب في الإقطاعات في الزمن المتقدم ما كان يكتب
عن الملوك الأيوبية بالديار المصرية
وكانوا يسمون ما يكتب فيها تواقيع ولهم فيه أساليب

الأسلوب الأول أن يفتتح التوقيع المكتتب بالإقطاع بخطبة مفتتحة ب الحمدلله
وكان من عادة خطبهم أن يؤتى فيها بعد التحميد بالصلاة على النبي ثم يؤتى ببعديه ثم يذكر ما سنح من حال السلطان ثم يوصف صاحب الإقطاع بما تقتضيه حاله من صفات المدح ويرتب على ذلك استحقاقه للإقطاع وقد كان من عادتهم أنهم يأتون بوصية على ذلك في آخره
وهذه نسخة توقيع على هذا الأسلوب كتب به عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله لأخيه العادل أبي بكر بإقطاع بالديار المصرية وبلاد الشام وبلاد الجزيرة وديار بكر في سنة ثمانين وخمسمائة بعد الانفصال من حرب الكفار بعكا وعقد الهدنة معهم وهي
الحمد لله الذي جعل ايامنا حسانا واعلى لنا يدا ولسانا وأطاب محتدنا أوراقا وأغصانا ورفع لمجدنا لواء ولجدنا برهانا وحقق فينا قوله ( سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا )
نحمده على سبوغ نعمته ونسأله أن يجعلنا من الداخلين في رحمته
ثم نصلي على رسوله محمد الذي أيده بحكمته وعصمه من الناس بعصمته وأخرج به كل قلب من ظلمته وعلى آله وأصحابه الذين خلفوه فأحسنوا الخلافة في أمته
أما بعد فإن فروع الشجرة ياوي بعضها إلى بعض لمكان قربه ويؤثر بعضها بعضا من فضل شربه ونحن أهل بيت عرف منا وفاق القلوب ودا وإيثار الأيدي رفدا وذلك وإن كان من الحسنات التي يكثر فيها إثبات الأقلام فإنه من مصالح الملك التي دلت عليها تجارب الأيام وكلا هذين الأمرين مشكورة مذاهبه محمودة عواقبه مرفوعة على رؤوس الاشهاد مناقبه وما من أحد من

أدانينا إلا وقد وسمناه بعوارف يحتال في ملابسها ويسر في كل حين بزفاف عرائسها ولم نرض في بل أرحامهم بمواصلة سلامها دون مواصلة برها وإدناء مجالسها ولإخوتنا من ذلك أوفر الأقسام كما أن لهم منا رحما هو أقرب الأرحام وقد أمرنا بتجديد العارفة لأخينا الملك العادل الأجل السيد الكبير سيف الدين ناصر الإسلام أبي بكر أبقاه الله ولو لم نفعل ذلك قضاء لحق إخائه الذي ترف عليه حواني الأضالع لفعلناه جزاء لذائع خدمه التي هي نعم الذرائع فهو في لزوم آداب الخدمة بعيد وقف منها على قدم الاجتهاد وفي لحمه شوابك النسب قريب وصل حرمة نسبه بحرمة الودادوعنده من الغناء ما يحكم لآماله ببسطه الخيار ويرفع مكانته عن مكانة الأشباه والأنظار ويجعله شريكا في الملك والشريك مساو في النقض والإمرار فكم من موقف وقفه في خدمتنا فجعل وعره سهلا وفاز فيه بإرضائنا وبفضيلة التقدم فانقلب بالمحبذين إرضاء وفضلا ويكفي من ذلك ما أبلاه في لقاء العدو الكافر الذي استشرى في هياجه وتمادى في لجاجه ونزل على ساحل البحر فأطل عليه بمثل امواجه وقال لا براح دون استفتاح الأمر الذي عسرت معالجة رتاجه وتلك وقائع استضأنا فيها برأيه الذي ينوب مناب الكمين في مضمره وسيفه الذي ينسب من الاسم إلى أبيضه ومن اللون إلى أخضره ولقد استغنينا عنهما بنضرة لقبه الذي تولت يد الله طبع فضله وعنيت يد السيادة برونق صقله فهو يفري قلوب الأعداء قبل الأجساد ويسري إليهم من غير حامل لمناط النجاد ويستقصي في استلابهم حتى ينتزع من عيونهم لذة الرقاد وليس للحديد جوهر معدنه المستخرج من زكاء الحسب وإذا استنجد قيل له يا ذا المعالي كما يقال لسميه يا ذا الشطب ولو أخذنا في شرح مناقبه لظل القلم واقفا على أعواد منبره وامتد شأو القول فيه فلم ينته مورده إلى مصدره فمهما خولناه من العطايا فإنه يسير في جنب غنائه ومهما أثنينا عليه فإنه سطر في كتاب ثنائه
وقد جعلنا له من البلاد ما هو مقتسم من الديار المصرية والشامية وبلاد

الجزيرة وديار بكر ليكون له من كل منها حظ تفيض يده في أمواله ويركب في حشد من رجاله ويصبح وهو في كل جانب من جوانب ملكنا كالطليعة في تقدم مكانها وكالربيئة في إسهار أجفانها
فليتسلم ذلك بيد معظم قدرا ولا يستكثر كثرا ويحمل منها رفدها غيثا أو بحرا وكذلك فليعدل في الرعية الذين هم عنده ودائع وليجاوز بهم درجة العدل إلى إحسان الصنائع فإذا أسند هذا الأمر إلى ولاته فليكونوا تقاة لا يجد الهوى عليهم سبيلا ولا يحمد الشيطان عندهم مقيلا وإذا حملوا ثقلا لا يجدون حمله ثقيلا
وقد فشا في هذا الزمن أخذ الرشوة وهي سحت أمر رسول الله بنبذه ونهى عن أخذه وعن الرغبة في تداوله وهو كأخذ الربا الذي قرنت اللعنة بمؤكله وآكله
وأما القضاة الذين هم للشريعة أوتاد ولإمضاء أحكامها أجناد ولحفظ علومها كنوز لا يتطرق إليها النفاذ فينبغي أن يعول فيهم على الواحد دون الاثنين وأن يستعان منهم في الفصل بذي الأيدي وفي اليقظة بذي اليدين ومن رام هذا المنصب سائلا فليلمه وليغلظ القول في تجريع ملامه وليعرف أنه ممن رام أمرا فأخطأ الطريق في استجلاب مرامه وأمر الحكام لا يتولاه من سأله وإنما يتولاه من غفل عنه وأغفله
وإذا قضينا حق الله في هذه الوصايا فلنعطفها على ما يكون لها تابعا ولقواعد الملك رافعا وذاك أن البلاد التي أضفناها إليك فيها مدن ذات أعمال واسعة ومعاقل ذات حصانة مانعة وكلها يفتقر إلى استخدام الفكر في تدبيره وتصريف الزمان في تعميره فول وجهك إليها غير وان في تكثير قليلها وترويض مخيلها وبث الأمنة على أوساطها وإهداء الغبطة إلى أفئدة

أهلها حتى تسمع باغتباطها وعند ذلك يتحدث كل منهم بلسان الشكور ويتمثل بقوله تعالى ( بلدة طيبة ورب غفور )
واعلم أنه قد يجاورك في بعضها جيران ذو بلاد وعساكر وأسرة ومنابر وأوائل للمجد وأواخر وما منهم إلا من يتمسك منا بود سليم وعهد قديم وله مساعدة نعرف له حقها والحق يعرفه الكريم
فكن لهؤلاء جارا يودون جواره ويحمدون آثاره وإن سألوك عهدا فابذله لهم بذل وفي واقف على السنن مساو بين السر والعلن ولا يكن وفاؤك لخوف تتقي مراصده ولا لرجاء ترقب فوائده فالله قد أغناك أن تكون إلي المعاهدة لاجيا وجعلك بنا مخوفا ومرجوا لا خائفا ولا راجيا وقد زدناك فضلة في محلك تكون بها على غيرك مفضلا وقد كنت من قبلها أغر فأوفت بك أغر محجلا وذاك أنا جعلناك على آية الخيل تقودها إلى خوض الغمار وتصرفها في منازل الأسفار وترتب قلوبها وأجنحتها على اختلاف مراتب الأطوار فنحن لا نلقى عدوا ولا ننهد إلى بلد إلا وأنت كوكبنا الذي نهتدي بمطلعه ومفتاحنا الذي نستفتح المغلق بيمن موقعه ونوقن بالنصر في ذهابه وبالغنيمة في مرجعه والله يشرح لك صدرا وييسر لك منا أمرا ويشد أزرنا بك كما شد لموسى بأخيه أزرا والسلام

الأسلوب الثاني أن يفتتح التوقيع بالإقطاع بلفظ أما بعد فإن كذا
ويذكر ما سنح له من أمر السلطان أو الإقطاع أو صاحبه ثم يتعرض إلى أمر الإقطاع وهو دون الأسلوب الذي قبله في الرتبة
وهذه نسخة توقيع بإقطاع من هذا الأسلوب كتب بها لأمير قدم على الدولة فاستخدمته وهي

أما بعد فإن لكل وسيلة جزاء على نسبة مكانها وهي تتفاوت في أوقات وجوبها ومثاقيل ميزانها ومن أوجبها حقا وسيلة الهجرة التي طوى لها الأمل من شقته ما طوى وبعث بها على صدق النية ولكل امريء ما نوى فالأوطان إليها مودعة والخطوات موسعة والوجوه من برد الليل وحر النهار ملفعة وقد توخاها قوم في زمن رسول الله فحظوا في الدنيا باعتلاء المنار وفي الآخرة بعقبى الدار وقدموا على من آوى ونصر فقال تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) ثم صارت هذه سنة فيمن هاجر من أقوام إلى أقوام واستبدل بأنام عن أنام وكذلك فعلت أيها الأمير فلان وفقك الله وقد تلقيت هجرتك هذه بالكرامة وزخرفت لها دار الإقامة فما ابتغيت بها بغية إلا سهلت لك فجاجها أو عاج عليك معاجها وحمد لديك تأويبها وإدلاجها وأصبحت وقد وجدت خفضا غب السرى وخيطت منك الجفون على أمن الكرى وتبوأت كنف الدولة التي هي أم الدول إذ صرت إلى القرية التي هي أم القرى ونحن قد أدنيناك منا إدناء الخليط والعشير ورفعناك إلى محل الاختصاص الذي هو المحل الأثير وآخينا بينك وبين عطايانا كما ووخي بين الصحابة النبوية يوم الغدير
هذا ولك وسيلة أخرى تعد من حسان المناقب وتوصف بالصفات الأطايب وما يقال إلا أنها من الأطراد الرواس وأنها تبرز في اللباس الأحمر وغيرها لا يبرز في ذلك اللباس وهي التي تجعلك بوحدتها في كثرة وتتأمر بها من غير إمرة وطالما أطالت يدك بمناط البيض الحداد وفرجت لك ضيق الكر وقد غص بهوادي الجياد وحسنتك العيون وقد رميت منك بشرق القذا ونبوة السهاد ومن شرف الإقدام أن العدو يحب العدو من أجله ويضطره إلى أن يقر بفضله ومذ وصلت إلينا وصلناك بأمرائنا الذين سلفت أيامهم وثبتت في

مقامات الغناء أقدامهم وتوسمنا أنك الرجل الذي يزكو لديك الصنيع وأنك ستشفعه بحقوق خدمتك التي هي نعم الشفيع
وقد عجلنا لك من الإقطاع ما لا نرضى أن تكون عليه شاكرا وجعلناه لك أولا وإن كان لغيرك آخرا وهو مثبت في هذا التوقيع بقلم الديوان الذي أقيم لفرض الجند كتابا ولمعرفة أرزاقهم حسابا وهو كذا وكذا
فتناول هذا التخويل الذي خولته باليمين واستمسك به استمساك الضنين
واعلم أنه قد كثر الحواسد لما مددناه من صنعك وبسطناه من ذرعك فأشج حلوقهم بالسعي لاستحقاق المزيد وارق في درجات الصعود وألزمهم صفحة الصعيد
والذي نأمرك به أن تعد نفسك للخدمة التي جعلت لها قرنا وأنت بها أغنى وأن تنتهي فيها إلى الامد الأقصى دون الأدنى فلا تضمم جناحك إلا على قوادم من الرجال لاعلى خواف وإذا استنفرت فانفر بثقال من الخيل وخفاف وكن مذخورا لواحدة يقال فيها يا عزائم اغضبي ويا خيل النصر اركبي وتلك هي التي تتظلم بها الجماجم من الضراب وتلاقى فيها عصب الغربان والذباب ولا تحتاج مع هذه إلى منقبة تتجمل بتفويفها وتتكثر بتعريفها وتنتمي إلى تليدها باستحداث طريفها
والله تعالى يشد بك أزرا ويملأ بك عينا وصدرا ويجعل الفلج مقرونا برأيك ورايتك حتى يقال ومكروا مكرا وجردنا بيضا وسمرا والسلام إن شاء الله تعالى

الأسلوب الثالث أن يفتتح التوقيع المكتتب بالإقطاع بما فيه معن الشجاعة
والقتال وما في معنى ذلك وهو أدنى من الذي قبله رتبة
وهذه نسخة توقيع بإقطاع من هذا النمط كتب به لبعض الأمراء الصغار وهي
القلم والرمح قلمان كلاهما أسمر وكما تشابها في المنظر فكذلك تشابها في المخبر غير أن هذا يركب في عسكر من القول وهذا يحمل في عسكر وقد نطق أحدهما بالثناء على أخيه فأحسن في نطقه وأقر له بالفضيلة ومن الإنصاف أن يقر لذي الحق حقه غير أن هذه الفضيلة تعزى إلى من يقيم أود الساعي بتقويم أوده ولا يرى لها سبيلا قصدا إلا بالوطء على قصده وهو أنت أيها الأمير فلان أيدك الله
وقد اخترناك لخدمتنا على بصيرة واجريناك من اعتنائنا على أكرم وتيرة ورفعنا درجتك فوق درجة المعلي لمن سبقك وإنها لكبيرة
ولم يكن هذا الاختيار إلا بعد اختبار لا يحتاج معه إلى شهادة ولو كشف الغطاء لم يجد اليقين من زيادة فطالما عجمت نبعتك وتيمنت طلعتك ولم تعرض سلعة الغناء إلا نفقت سلعتك ومثلك من تباهي الرجال بمكانه وتخلي له فضله عنانه ويتسع ميدان القول في وصفه إذا ضاق بغيره سعة ميدانه وما يقال إلا أنك الرجل الذي تقذف الجانب المهم بعزمك وترمي برأيك قبل رماء سهمك وبك يحسر دجى الحرب الذي أوعوزه الصباح ويحمي عقابها أن يحص له جناح فأسباب الاعتضاد بك إذن كثيرة الأعداد وأنت الواحد المشار غليه ولا تكثر إلا مناقب الآحاد

وقد بدأناك من العطاء بما يكون ببسم الله في صدر الكتاب وجعلناه كالغمامة التي تأتي أولا بالقطار ثم تأخذ في الإنسكاب وخير العطاء ما رب بعد ميلاده وأينع ثمره بعد جداده وإن صادف ذلك وسائل خدم مستأنفة كان لها قرانا وصادف الإحسان منه إحسانا وقد ضمن الله تعالى للشاكر من عباده مزيدا ولم يرض له بأن يكون مبدئا حتى يكون معيدا وكذلك دأبه فيمن عرف مواقع نعمه وعلم أن صحتها لا تفارقه ما لم يعدها بسقمه
ونحن أولى من أخذ بهذا الأدب الكريم وألزم نفسه أن تتحلى بخلقه وإنه للخلق العظيم وعطاؤنا المنعم به عليك لم يذكر في هذا التوقيع على حكم الامتنان بل إثباتا لحساب الجند الذين هم أعوان الدولة ولا بد من إحصاء الأعوان وهو كذا وكذا
فامدد له يدا تجمع مع الشكر مواظبة ومع الطاعة مراقبة وكن في التأهب للخدمة كالسهم الموضوع في وتره وأصخ بسمعك وبصرك إلى ما تؤمر به فلا ائتمار لمن لم يصخ بسمعه وبصره
وملاك ذلك كله أن تتكثر من فرسان الغوار وحماة الذمار والذين هم زينة سلم ومفزع حذار ومثل هؤلاء لا يضمهم جيش إلا تقدمه جيش من الرعب ودارت منه الحرب على قطبها ولا تدور رحى إلا على قطب وإذا ساروا خلف رايتك نشرت ذوائبها على غاية من الآساد وخفقت على بحر من الحديد يسير به طود من الجياد
ومن أهم الوصايا إليك أن تضيف إلى غنائهم غنى يبرزهم في زهرة من اللباس ويعينهم على إعداد القوة ليوم الباس ويقصر لديهم شقة الأسفار التي تذهب بنزقات الشماس وينقطع دون قطعها طول الأنفاس وأي فائدة في عسكر يأخذ بعد المسرى في حوره ولا يزيد صبره بزيادة سفره ويكون حافره وخفه سواء في انتساب كل منهما إلى شدة حجره

فانظر إلى هذه الوصية نظر من طال على صحبه بالكف الأوسع وعلم ما يضر فيهم وما ينفع والله يمنحك من لدنه توفيقا ويسلك بك إلى الحسنى طريقا ويجعلك خليقا بما يصلحك وليس كل أحد بصلاحه خليقا والسلام

الطرف الثاني ما يكتب في الإقطاعات في زماننا
وهو على ضربين
الضرب الأول ما يكتب قبل ان ينقل إلى ديوان الإنشاء
وفيه جملتان
الجملة الأولى في ابتداء ما يكتب في ذلك من ديوان الجيش
اعلم أن مظنة الإقطاعات هو ديوان الجيش دون ديوان الإنشاء وما يكتب فيه من ديوان الإنشاء هو فرع ما يكتب من ديوان الجيش
ثم أول ما يكتب من ديوان الجيش في أمر الإقطاع إما مثال وإما قصة وإما نزول
فأما المثال فإنه يكتب ناظر الجيش في نصف قائمة شامي بعد ترك الثلثين من أعلاها بياضا في الجدول الايمن من القائمة ما صورته
خبز فلان المتوفى إلى رحمة الله تعالى أو المرسوم ارتجاعه أو المنتقل لغيره ونحو ذلك ويكون خبز سطرا وباقي الكلام تحته سطرا وتحت ذلك ما صورته عبرة كذا وكذا دينار بالقلم القبطي وفي الجدول الأيسر ما صورته
باسم فلان الفلاني وإن كان زيادة عين ثم يشمله الخط الشريف

السلطاني بما مثاله يكتب ثم يكتب تحته ناظر الجيش ما مثاله يمتثل المرسوم الشريف ويعينه على من يختاره من كتاب الجيش ثم يترك بعد ذلك بديوان النظر ويكتب تاريخه بخط كاتب ناظر الجيش بذيل المثال ويخلده الكاتب المعين عليه ويكتب بذلك مربعه على ما سيأتي ذكره
وأما القصص فتختلف بحسب الحال فتارة ينهى فيها وفاة من كان بيده الإقطاع وتارة انتقاله عنه وتارة ارتجاعه وتارة طلب إعادة ما خرج عنه وتارة طلب تجديد ونحو ذلك
ويكتب ناظر الجيش على حاشيتها بالكشف ويكتب الكشف بذيل ظاهرها من ديوان الجيش بما مثاله
رافعها فلان أنهى ما هو كذا وكذا وسأل كذا وكذا ويذكر حال الإقطاع ثم يشملها الخط الشريف السلطاني بما مثاله يكتب وباقي الأمر على ما تقدم في ذكر المثال
وأما الإشهادات فتكون تارة بالنزول وتارة بالمقايضة وربما وقع ذلك بالشركة ثم يكتب ناظر الجيش على ظاهر الإشهاد بالكشف ويعمل فيه على ما تقدم في القصة
الجملة الثانية في صورة ما يكتب في المربعة الجيشية
قد جرت عادة ديوان الجيش أنه إذا عين ناظر الجيش المثال أو القصة أو الإشهاد على أحد من كتاب ديوان الجيش يخلد الكاتب ذلك عنده ثم تكتب به مربعة من ديوان الجيش وتكمل بالخطوط على ما تقدم وتجهز إلى ديوان الإنشاء فيعينها كاتب السر على من يكتب بها منشورا على ما سيأتي
وصورة المربعة أن يكتب في ورقة مربعة يجعل أعلى ظاهرة الورقة الأولى

منها بياضا ويكتب في ذيلها معترضا أخذا من جهة أسفل المربعة إلى أعلاها أسطرا قصيرة على قدر عرض ثلاثة أصابع ما صورته
مثال شريف شرفه الله تعالى وعظمه بما رسم به الآن من الإقطاع باسم من عين فيه من الأمراء أو من المماليك السلطانية بالديار المصرية أو بالمملكة الفلانية أو من الحلقة المصرية أو الشامية أو نحو ذلك على ما شرح فيه حسب الأمر الشريف شرفه الله تعالى وعظمه
وتحت ذلك كله ما صورته
يحتاج إلى الخط الشريف أعلاه الله تعالى
ثم يكتب داخل تلك الورقة بعد إخلاء هامش عرض إصبعين البسملة وتحتها في سطر ملاصق لها المرسوم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني ثم ينزل إلى قدرثلثي الصفحة ويكتب في السطر الثاني بعد البياض الذي تركه على مسامته السطر الأول الملكي الفلاني الفلاني بلقب السلطنة كالناصري ولقب السلطان الخاص كالزيني أعلاه الله تعالى وشرفه وأنفذه وصرفه أن يقطع من يذكر من رجال الحلقة بالديار المصرية أو المملكة الشامية أو نحو ذلك ما رسم له به الآن في الإقطاع حسب الأمر الشريف شرفه الله تعالى وعظمه
ثم يكتب في الصفحة الثانية مقابل البسملة فلان الدين فلان الفلاني المرسوم إثباته في جملة رجال الحلقة المنصورة بالديار المصرية أو الشامية بمقتضى المثال الشريف أو المربعة الشريفة المشمولة بالخط الشريف ثم يكتب تحت السطر الأخير في الوسط ما صورته في السنة كربستا إن كان جميع البلد أو البلاد المقطعة لا يستثنى منها شيء أو يكتب خارجا عن الملك والوقف أو نحو ذلك على ما يقتضيه الحق

ثم يكتب تحت ذلك على حيال السطور ممتدا من أول السطر إلى آخره خبز
ثم يكتب تحته فلان بن فلان الفلاني بحكم وفاته أو بحكم نزوله برضاه ونحو ذلك على عادته ناحية كذا ناحية كذا ناحية كذا
وإن كان فيه نقد ونحوه ذكره ويستوفي ذلك إلى آخر بعد الخط الشريف شرفه الله تعالى إن شاء الله تعالى
ثم يؤرخ في سطرين قصيرين ويحضر إلى صاحب ديوان الإنشاء فيعينه على من يكتبه من كتاب الإنشاء على ما سيأتي بيانه

الضرب الثاني فيما يكتب في الإقطاعات من ديوان الإنشاء وفيه خمس جمل
الجملة الأولى في ذكر اسم ما يكتب في الإقطاعات من ديوان الإنشاء
قد اصطلح كتاب الزمان على تسمية جميع ما يكتب في الإقطاعات من عاليها ودانيها للأمراء والجند والعربان والتركمان وغيرهم مناشير جمع منشور والمنشور في أصل اللغة خلاف المطوي ومنه قوله تعالى ( وكتاب مسطور في رق منشور )
واعلم أن تخصيص ما يكتب في الإقطاعات باسم المناشير مما حدث الاصطلاح عليه في الدولة التركية
أما في الزمن المتقدم فقد كانوا يطلقون اسم المناشير على ما هو أعم من ذلك مما لا يحتاج إلى ختم كالمكتوب بالإقطاع على ما تقدم والمكتوب

بالولاية والمكتوب بالحماية وما يجري مجرى ذلك وربما سمي ما يكتب في الإقطاع مقاطعة وربما سمي سجلا وغير ذلك
وأما الآن فإذا أطلقت المناشير لا يفهم منها إلا ما يكتب في الإقطاعات خاصة وخصوا كل واحد مما عداها باسمه على ما هو مذكور في مواضعه دون ما عداها ولا مشاحة في الاصطلاح بعد فهم المعنى
قلت ومن خاصة المناشير انها لا تكتب إلا عن السلطان مشمولة بخطه وليس لغيره الآن فيها تصرف إلا ما يكتب فيه النائب الكافل ابتداء

الجملة الثانية في بيان أصناف المناشير وما يخص كل صنف منها من مقادير
قطع الورق وما يختص بكل صنف منها من طبقات الأمراء والجند
اعلم أن المناشير المصطلح عليها في زماننا على أربعة أصناف يختص بكل صنف منها مقدار من مقادير قطع الورق
الصنف الأول ما يكتب في قطع الثلثين وهو لأعلى المراتب من الأمراء
قال في التعريف ومن كان مؤهلا لأن يكتب له تقليد كان منشوره من نوعه ومن دون ذلك إلى أدنى الرتب
قال في التثقيف وفي قطع الثلثين يكتب لمقدمي الألوف بالديار المصرية سواء كان من أولاد السلطان أو الخاصكية أو غيرهم وكذلك جميع

النواب الأكابر بالممالك الإسلامية والمقدمون بدمشق وكل من له تقليد في قطع الثلثين يكون منشوره في قطع الثلثين
الصنف الثاني ما يكتب في قطع النصف
قال في التثقيف وفيه يكتب لأمراء الطبلخانات بمصر والشام سواء في ذلك الخاصكية وغيرهم وكذلك الأمراء المقدمون من نواب القلاع الشامية وفي معناهم المقدمون بحلب وغيرها من نواب القلاع وغيرهم
الصنف الثالث ما يكتب في قطع الثلث
قال في التثقيف وفيه يكتب لأمراء العشرات مطلقا بسائر الممالك يعني مصر والممالك الشامية بجملتها قال وكذلك الطبلخانات من التركمان والأكراد بالممالك الإسلامية
الصنف الرابع ما يكتب في قطع العادة المنصوري
قال في التثقيف وفيه يكتب للمماليك السلطانية ومقدمي الحلقة ورجال الحلقة إلا أنه يختلف الحال بين المماليك السلطانية ومقدمي الحلقة وبين رجال الحلقة بزيادة أوصال الطرة والإتيان بالدعاء المناسب يعني أنه يترك في طرة مناشير المماليك السلطانية ثلاثة أوصال بياضا وفي مناشير رجال الحلقة وصلان
قلت ولا فرق في ذلك بين حلقة مصر وغيرها من الممالك الشامية

الجملة الثالثة في بيان صورة ما يكتب في المناشير في الطرة والمتن
قال في التثقيف إن كان المنشور في قطع الثلثين كتب في طرته من يمين الورق بغير هامش ما صورته

منشور شريف بأن يجري في إقطاعات المقر الكريم أو الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري وإن كان نائبا زيد بعدها الكافلي الفلاني يعني بلقبه الخاص فلان الفلاني بلقب الإضافة إلى لقب السلطان كالناصري ونحوه ثم الدعاء بما جرت به عادته دعوة واحدة ما رسم له به الأن من الإقطاع ويشرح ما تضمنته المربعة إلى آخره فمن ذلك جميعه سطران بقلم الثلث
قال والأحسن أن يكون آخر السطر الثاني الدعاء والتتمة بالقلم الرقاع أسطرا قصارا بهامش من الجانبين ثم يكتب في الوسط سطرا واحدا بالقلم الغليظ والعدة وتحته بالقلم الدقيق خاصته ومائة طواشي أو تسعون طواشيا أو ثمانون طواشيا أو سبعون طواشيا حسب ما يكون في المربعة ويترك ثلاثة أوصال بياضا بما فيه من وصل الطرة ثم تكتب البسملة في أول الوصل الرابع وبعدها خطبة مفتتحة بالحمد ويكمل بما يناسبه ثم يقال أما بعد ويذكر ما ينبغي ذكره على نحو ما تقدم في التقاليد
قال في التعريف إلا أن المناشير أخصر ولا وصايا فيها
قال في التثقيف ثم يذكر بعد ذلك اسمه بأن يقول ولما كان الجناب وبقية الألقاب والنعوت والدعاء ولا يزاد على دعوة واحدة هو المراد بهذه المدح والمخصوص بهذه المنح او نحو ذلك اقتضى حسن الرأي الشريف أن نخوله بمزيد النعم
وإن كان المنشور في قطع النصف كتب على ما تقدم إلا أنه لا يقال أن يجرى في إقطاعات بل إن كان مقدما بحلب أو غيرها أو طبلخاناه خاصكيا أو كان من أولاد السلطان كتب أن يجري في إقطاع المجلس العالي أو

السامي وإن كان طبلخاناه ممن عدا هؤلاء كتب منشور شريف بما رسم به من الإقطاع للمجلس السامي والتتمة على حكم ما تقدم من غير فرق
وأما ما يكتب في قطع الثلث فيكتب منشور شريف بما رسم به من الإقطاع لمجلس الأمير
وأما التجديدات فيكتب في طرتها منشور شريف رسم بتجديده باسم فلان بن فلان الفلاني بما هو مستقر بيده من الإقطاع الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت ويشرح حسب ما تضمنته المربعة ثم يقال على ما شرح فيه
وأما الزيادات والتعويضات فقال في التعريف إذا رسم للأمير بزيادة أو تعويض فإن كان من ذوي الألوف كالنواب الأكابر ومقدمي الألوف بمصر والشام كتب له في قطع الطرة على العادة وبعد البسملة خرج الأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني الفلاني ويدعى له بما يناسب الحال أن يجرى في إقطاعات المقر الفلاني او الجناب الفلاني وفي التتمة نظير ما تقدم في المناشير المفتتحة بالخطبة على ما تقدم بيانه
والذي ذكره في التعريف أنه يكتب في ذلك لمقدمي الألوف أو من قاربهم أما بعد حمد الله
وإن كان من أمراء الطبلخاناه الصغار فمن دونهم حتى جند الحلقة كتب له في قطع العادة خرج الأمر الشريف
قال في التثقيف وكذلك الزيادات والتعاويض سواء في ذلك كبيرهم وصغيرهم قال ويمكن أن يميز أمير آل فضل فيكتب له ذلك في قطع الثلث قال في التعريف أما إذا انتقل الأمير من إقطاع إلى غيره فإنه يكتب له كأنه مبتدأ على ما تقدم أولا
واعلم أنه لم تجر العادة بأن تكتب في أعلى الطرة إشارة إلى العلامة السلطانية كما يكتب في الولايات الاسم الشريف في أعلى الطرة قال في التثقيف والسبب فيه أن العلامة لا تخرج عن أحد ثلاثة أمور إما الاسم

الشريف مفردا كما في الأمثلة السلطانية إلى من جرت العادة أن تكون العلامة له الاسم الشريف وما يتعلق بالتقاليد والتواقيع والمراسيم الشريفة وأوراق الطريق أو يضاف إلى الاسم الشريف والده أو أخوه وذلك مما يتعلق بالأمثلة الشريفة خاصة إلى من جرت عادته بأن تكون العلامة إليه كذلك وذلك بخلاف المناشير فإن العلامة فيها على ما جرت به العوائد أن يكتب السلطان الله أملي أو الله وليي او الله حسبي أو الملك لله أو المنة لله وحده لا يختلف في ذلك اعلى ولا أدنى فلا يحتاج إلى إشارة بسببها ينبه عليها لأن ترك الإشارة إليها دليل عليها وإشارة إليها كما ذكر النحاة علامات الاسم والفعل ولم يذكروا للحرف علامة فصار ترك العلامة إليها علامة بخلاف الأمثلة فإنها تختلف فتكون العلامة فيها تارة الاسم وتارة أخوه وتارة والده

الجملة الرابعة في الطغرى التي تكون بين الطرة المكتتبة في أعلى المنشور
وبين البسملة
قال في التعريف قد جرت العادة أن تكتب للمناشير الكبار كمقدمي الألوف والطبلخانات طغرى بالألقاب السلطانية ولها رجل مفرد بعملها وتحصيلها بالديوان فإذا كتب الكاتب منشورا أخذ من تلك الطغراوات واحدا وألصقها فيما كتب به قال في التعريف وتكون فوق وصل بياض فوق البسملة قال في التثقيف فبعد وصلين أو ثلاثة من الطرة
قلت ولم تزل هذه الطغرى مستعملة في المناشير إلى آخر الدولة الأشرفية شعبان بن حسين ثم تركت بعد ذلك ورفض استعمالها وأهملت ولا يخفى أنه يرد عليها السؤال الوارد على الطغرى المكتتبة في أول المكاتبات إلى سائر ملوك الكفر من تقديم اسم السلطان على البسملة على ما تقدم بيانه في موضعه

وقد تقدم الاحتجاج لذلك بقوله تعالى في قصة بلقيس ( إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمن وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) وأنه يحتمل أن يكون قوله ( إنه من سليمن ) حكاية عن قول بلقيس ويكون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هو أول الكتاب فلا يكون في ذلك حجة على تقدم الاسم على البسملة وإنه إنما يتجه الاحتجاج بذلك على القول بأن قوله ( إنه من سليمن ) من كلام سليمان عليه السلام وإنه إنما قدم اسمه على البسملة وقاية لاسم الله تعالى من حيث أنه كان عادة ملوك الكفر أنهم إذا لم يرضوا كتابا مزقوه أو تفلوا فيه فجعل اسمه حالا محل الوقاية ولا شك أن مثل ذلك لا يجيء هنا لأن المحذور فيه مفقود من حيث إن هذه المناشير إنما تلقى إلى المسلمين القائمين بتعظيم البسملة والموفين لها حقها وحينئذ فيكون لترك استعمالها وجه ظاهر من جهة الشرع بخلاف ما في المكاتبات إلى ملوك الكفر
وآعلم أن هذه الطغراوات تختلف تركيباتها باعتبار كثرة منتصباتها من الحروف وقلتها باعتبار كثرة آباء ذلك السلطان وقلتهم ويحتاج واضعها إلى مراعاة ذلك باعتبار قلة منتصبات الكلام وكثرتها فإن كانت قليلة أتي بالمنتصبات كما سيأتي بيانه بقلم جليل مبسوط كمختصر الطومار ونحوه لتملأ على قلتها فضاء الورق من قطع الثلثين أو النصف وإن كانت كثيرة أتي بالمنتصبات بقلم أدق من ذلك كجليل الثلث ونحوه آكتفاء بكثرة المنتصبات عن بسطها
ثم تختلف الحال في طول المنتصبات وقصرها باعتبار قطع الورق فتكون منتصباتها في قطع النصف دون منتصباتها في قطع الثلثين
ثم قد آصطلح واضعوها على أن يجعلوا لها هامشا أبيض من كل من الجانبين بقدر إصبعين مطبوقين وطرة من أعلى الوصل قدر ثلاثة أصابع مطبوقة
ثم إن كانت في قطع النصف جعلت منتصباتها مع تصوير الحروف بأسفلها

في الطول بقدر . . . . . . . . . ذراع وفي العرض بقدر . . . . . . ذراع
وإن كانت في قطع الثلثين جعل طولها مقدار . . . . . . ذراع وعرضها مقدار . . . . . . ذراع ثم تارة تكون منتصبات محضة يقتصر فيها من اسم السلطان على ما هو مذكور من اسمه واسم أبيه وتارة يجعل اسم السلطان واسم أبيه بأعالي المنتصبات في الوسط بقلم الطومار قاطعا ومقطوعا بحيث يكون ما بين أعلى الاسم وآخر أعلى المنتصبات قدر أربعة أصابع او خمسة أصابع مطبوقة ثم إذا ألصق الكاتب الطغرى كتب بأسفلها في بقية وصلها في الوسط بعد إخلاء قدر إبهام بياضا ما صورته خلد الله سلطانه
وهذه صورة طغرى منشور بألقاب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون مضمونها
السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد ابن السلطان الشهيد الملك المنصور سيف الدين قلاوون
وعدد منتصباتها من الألف وما في معناها خمسة وثلاثون منتصبا بقلم النصف وهو بقدر قلم الثلث الثقيل وقدر نصفه
وترتيب منتصباتها منتصبان متقاربان بينهما بياض لطيف بقدر مرود دقيق ثم منتصب يحفه بياضان كل منهما أعرض من المنتصب الأسود بيسير وبعد ذلك منتصبان متقاربان بينهما على ما تقدم وكذلك إلى آخر المنتصبات فتختتم بمنتصبين مزدوجين كما افتتحت بمنتصبين مزدوجين على ما اقتضاه تحرير التقسيم وهي في طول نصف ذراع بذراع القماش القاهري مع زيادة نحونصف قيراط وعرض مثل ذلك وتحتها في الوسط بقلم الثلث الجليل بعد خلو عرض إصبع بياضا ما صورته خلد الله سلطانه وهي هذه

وهذه نسخة طغرى منشور أيضا بألقاب السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون مضمونها
السلطان الملك الأشرف ناصر الدنيا والدين ابن الملك الأمجد ابن السلطان الملك الناصر ابن الملك المنصور قلاوون
وعدد منتصباتها من الألفات وما في معناها خمسة وأربعون منتصبا بقلم جليل الثلث بين كل منتصبين قدر منتصب مرتين بياضا وطولها ثلث ذراع وربع ذراع بالذراع المقدم ذكره وعرضها كذلك واسم السلطان بأعاليها بقلم الطومار بالحبر قاطع ومقطوع كما أشار إليه في التعريف
مثاله شعبان بن حسين الشين والعين والباء والألف سطر والنون من شعبان وابن سطر مركب فوق الشين والعين وحسين سطر مركب فوق ذلك وطول ألف شعبان تقدير سدس ذراع وقد قطعت النون الألف وخرجت عنها بقدر

يسير وأول الاسم بعد المنتصب السادس عشر من المنتصبات وآخر النون من حسين البارزة عن ألف شعبان إلى جهة اليسار بعدها أحد عشر منتصبا من جهة اليسار وهي هكذا

الجملة الخامسة في ذكر طرف من نسخ المناشير التي تكتب في الإقطاعات في
زماننا
قد تقدم الكلام في الجملة الثالثة على صورة ما يكتب في المناشير وما تفتتح به وذكر ترتيبها واختلاف حالها باختلاف حال مراتب أصحابها صعودا وهبوطا فأغنى عن ذكر إعادته هنا
واعلم أن الأحسن بالمناشير أن تكون مبتكرة الإنشاء ليراعى فيها حال المكتوب له في براعة الاستهلال وغيرها من المناسبات والمطابقات فإن تعذر ذلك فالأحسن أن تكون براعة الاستهلال منقولة في الاسم والكنية واللقب ونحوها

ليكون ذلك أقرب إلى الغرض المطلوب فإن تعذر ذلك فينبغي أن تكون براعة الاستهلال قاصرة على معنى الإقطاع وما ينجر إليه من ذكر كرم السلطان ومنه وإحسانه إلى أخصائه وما ينحرط في هذا السلك
ثم نسخ المناشير على ثلاثة أنواع
النوع الأول ما يفتتح ب الحمد لله وهو على ثلاثة أضرب

الضرب الأول مناشير أولاد الملوك
وهذه نسخ مناشير من ذلك
نسخة منشور كتب به عن الملك المنصور قلاوون لابنه الناصر محمد في سلطنة أبيه المذكور من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وهي
الحمد لله الذي زين سماء الملك بأنور كوكب بزغ وأعز ملك نبغ وأشرف سلطان بلغ إلى ما بلغ ذوو الاكتهال من اختيار شرف الخلال وما بلغ
نحمده حمدا تزيد به النعماء وتنمي وتهمل به الآلاء وتهمي ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة خالصة من كل ريب واقصة كل عيب ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بعثه الله تعالى بمكارم الأخلاق ومعاداة ذوي النفاق وساوى بين الصغير والكبير من أولي الاستحقاق في الإرفاد والإرفاق وعلى آله وصحبه ما رق نسيم وراق وما خصفت أوراق
وبعد فإن الهواتف أبين ما تشدوا إذا حفت الرياض بها من كل جانب والسماء أحسن ما تبدو إذا تزينت بالكواكب السيارة والشهب الثواقب والسعادة

أحمد ما تحدو إذا خصصت بمن إليه وإلا ما تشد الركائب وعليه وإلا ما تثني الحقائق والحقائب ومن هو للملك فلذة كبده ونور مقلته وساعد يده ومن تتيمن السلطنة بملاحظة جبينه الوضي وتستنير بالأنور المضي ومن تغضب الدنيا لغضبه وتزهى إذا رضي ومن نشأ في روض الملك من خير أصل زكي وفاحت أزاهره بأعطر أرج وأطيب نشر زكي وطلع في سماء السلطنة نجما ما للنيرين ما له من الإضاءة ويزيد عليهما بحسن الوضاءة ومن تشوف النصر له من مهده وتشوق الظفر إلى أنه يكون من جنده واستبشرت السلطنة بأن صار لها منه فرع باسق وعقد متناسق وزند وار وجناح وارف وفخار تليد وعز طارف وطرفان معلمان تنشر فيهما المطارف
ولهذه المحاسن التي تشرئب إلى قصدها آمال الخلائق المنتجعة اقتضى حسن البر الوصول وشرف الإقبال والقبول أن خرج الأمر العالي لا برحت مراسمه متزينة زينة السماء بكواكبها ومزاحمة سمك السماك بمناكبها ان يجرى في ديوان الجناب العالي المولوي المكي الناصري
قلت كما أن هذا المنشور منشور سلطان فهو في البلاغة لحسن إنشائه سلطان المناشير

الضرب الثاني من نسخ المناشير المفتتحة بالحمد مناشير الأمراء مقدمي
الألوف
وهذه نسخ مناشير منها
نسخة منشور كتب به للأمير بدر الدين بيدرا أستادار الملك المنصور قلاوون من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمهال الله وهي

الحمد لله الذي جعل بدر الدين تماما على الذي أحسن وإماما تقتدي النجوم منه بالضياء الأبين والنور الأزين ونظاما يجمع من شمل الذرى ما يغدو به حماه الأحمى وجنابه الأصون
نحمده حمد من أعلى صوته وصيته أعلن ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تغدو وتبدو عند الذب وفي القلب مكانها الامكن ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيه الذي أوهى الله به بناء الشرك وأوهن وعلى آله وصحبه ورضي عمن آمن به وعمن أمن
وبعد فإن خير النعماء ما أتي به على التدريج وأتي كما يأتي الغيث بالقطر والقطر لإنبات كل زوج بهيج وأقبل كما تقبل الزيادة بعد الزيادة فبينا يقال هذا خليج يمده البحر إذ يقال هذا بحر يستمد منه كل خليج وبينا يقال هذا الأمير إذ يقال هذا الممير وبينا يقال هذا الهلال إذ يقال هذا هو البدر المنير
ولما كان فلان من هذه الدولة بموضع الغرة من الجبين ومكان الراحة من اليمين وله سوابق خدمة لا يزاحمه أحد في طرق طروقها ولا تستكثر له زيادة بالنسبة إلى موجبات حقوقها وهو من التقوى بالمحل الأسمى على غيره من الطراق والمكان الأحمى الذي مكانه منه وإن كان أمير مجلس صدر الرواق وله الكرامات التي ترى الخدود لها صعر وكم سقت من سم العداة دافة الذعر وكم قابل نوره نارا فصارت بردا وسلاما وكم تكلم على خاطر فشاهد الناس منه شيخا من حيث الشبيبة أجل الله قدره غلاما فهو المجاهد للكفار وهو المتهجد في الأسحار وهو حاكم الفقراء وإن كان سلطانه جعله أستاذ الدار وهو صاحب العصا التي أصبح بحملها مضافة إلى السيف يتشرف ومعجزها لا يستكثر له أنها لكل حية تتلقف وهو الذي تحمد الكشوف والسيوف فتوحه وفتحه والذي يشكر يده عنان كل سابح وزمام كل سبحة وكم أسال بيديه من دماء الأعداء ماء

جرى وعمل بين يديه للفقراء ما جرى وكم ولي لله خفي شخصه فأظهر محضه فقال الولي وما أدري درا لولا بيدرا آقتضى حسن الرأي الشريف أن يجمل إحسان الدولة القاهرة له عملا وأن يحسن له علا ونهلا وأن يختار له إذ هو صاحب العصا كما آختار موسى قومة سبعين رجلا
وخرج الأمر العالي لا زال ظله ظليلا بامتداد الفيء بعد الفيء وعطاؤه جزيلا بتنويل الشيء بعد الشيء - وهو ذو الكرم والكرامات وصاحب العصا بالأستادارية ولا يستكثر لصاحبها سحر الحيات
وهذه نسخة منشور من ذلك لمن لقبه سيف الدين من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله وهي
الحمد لله الذي جرد في دولتنا القاهرة سيفا ماضيا ووفق من جعل فعله لمزيد النعم متقاضيا وأسعد بإقبالنا الشريف من أصبح به سلطانه مرضيا وعيشه راضيا
نحمده على نعمه التي تسر مواليا وتسوء معاديا وتقدم من أوليائنا من يقوم مقامنا إذا سمع مناديا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة كم أروت في موارد الوريد من الرماح صاديا وأورت هاديا ورفعت من أعيان الأعلام هاديا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنزل القرآن بصفاته حاليا وأحلنا ببركة المشاركة في آسمه المحمدي مكانا عاليا آله وصحبه صلاة لا يبرح كل لسان لها تاليا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن صدقاتنا الشريفة لم تزل تجددإنعاما وتزيد إكراما وتضاعف لكل من أضحى ناصرنا بحقيقة ولائه إجلالا وإعظاما ليترقي إلى أعلى الدرج

ويعلم أنه قد ورد البحر فيحدث عن كرمه ولا حرج ومن رأى التقرب إلى الله تعالى بمراضينا الشريفة فتقرب إليها وأقبل بقلب مخلص عليها وأشبه البدور في مواقفه توسما وحكى السيف بارق ثغرة لما أومض في حومة الحرب متقسما وأقدم حين لم يجد بدا أن يكون مقدما ووصفت الطعنات التي أطلعت أسنتها الكواكب بها درية والحملات التي تقر العدا لفعلاتها أنها بها درية كم له من محاسن وكم عرفت له من مكامن وكم له من صفات كالعقود يصدق بها من قال الرجال معادن كم له من همة تترقى به إلى المعالي كم له من عزمة يروي حديثها المسند عن العوالي وكم به أمور تناط وكم جمهور يحاط وكم له من آحتفاء وآحتفال وكم له من قبول وإقبال وكم له من وثبات وثبات وكم له من صفات وصفات وكم له إماتة كماة كم له من مناقب تصبح وتمسي وكم له معارف لما علم بها ملكه خلد الله ملكه ( قال الملك آئتوني به أستخلصه لنفسي )
فلذلك لا تزال آراؤنا العالية تعقد له في كل وقت راية وتسعى به إلى أبعد غاية وتتبع له عناية بعد عناية حتى لا تخلو دولتنا الشريفة من سيف مشهور وعلم منشور وبطل لا يرد عن الصميم تصميما ولا تعد أكابر الأمراء إلا ويكون على العساكر مقدما وعلى الجيوش زعيما ليعلم كل مأمور وأمير وكل مماثل ونظير أن حسن نظرنا الشريف يضاعف لمن تقرب إلينا بالطاعة إحسانا ويوجب على من وجد الميسور بهذا المنشور آمتنانا ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا )
ولما كان فلان هو المعني بهذه المقاصد والمخصوص بهذه الممادح والمحامد والواحد الذي ما قدم على الألف إلا وكالألف ذلك الواحد

فلذلك خرج الأمر الشريف لا زالت أيامه موصولة الخلود موسومة بمزاياالجود أن يجري في إقطاعه . . . . . . . . .
وهذه نسخة منشور من ذلك لمن لقبه شمس الدين كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وهي
الحمد لله الذي جعل دولتنا القاهرة مطلع كل قمر منير ومجمع كل مأمور وأمير وموقع كل سحاب يظهر به البرق في وجه السحاب المطير الذي شرف بنا الأقدار وزاد الإقتدار وجعل ممالكنا الشريفة سماء تشرق فيها الشموس والأقمار
نحمده على نعمة التي تختال أولياؤنا بها في ملابسها وتختص بنفائسها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نجرد سيف الدين لإقامتها ونحافظ بوقائعه في الحرب على إدامتها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي خصه بمزية التقريب وشرفه على الأنبياء بالمكان القريب آله الذين عظمهم بقربه وكرمهم بحبه وقدمهم في السلف الصالح إذا جاء كل ملك بأتباعه وكل ملك بصحبه وسلم
وبعد فإن أولى الأولياء أن تشمله صدقاتنا الشريفة بحسن نظرنا الشريف وبرفعة قدره المنيف ليتم له إحسانها ويزيد إمكانها حتى ينتقل هلاله إلى أكمل مراتب البدور ويمتد بحصنه المستظل به كثير من الجمهور ويتقدم في أيامنا الشريفة إلى الغاية التي يرجوها ويقدم قدمه إلى مكانه أمثاله التي حلوها وتتكمل بنا نعمة الله ( وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها ) الناصري بحقيقة ولائه البهادري شجاعة في لقائه من تكفلت صدقاتنا العميمة له بما لم يكن

في أمله وجملت حمايتنا الشريفة معاطفة بأبهى مما ينسجه الربيع من حلله وتوسمنا فيه من معرفة تقرب إلى مراضينا الشريفة بها دريا وهمة جردنا بها منه سيفا بها دريا وطلعة أطلعت منه بالبهاء كوكبا دريا مع ما تحول فيه من نعمنا الشريفة وقام به في أبوابنا العالية من أحسن القيام في كل وظيفة
ولما كان فلان هو الذي أشرنا إليه ونبهنا مقل النجوم عليه فاقتضت آراؤنا الشريفة أن نبلغه أقصى رتب السعادة ونعجل له بحظ الذين أحسنوا الحسنى وزيادة ليعد في أكابر أمراء دولتنا الشريفة إذا ذكروا والمقدمين على جيوشنا المنصورة إذا بادروا إلى مهم شريف أو ابتدروا ليعلم كل أحد كيف يجازى كل شكور وكيف يتحلى بنعمنا الشريفة كل سيف مشهور وكيف نذكر واحدا منهم فيغدو في زعماء العساكر المؤيدة وهو مذكور ليبذلوا في خدمة أبوابنا الشريفة جهدهم ويتوكلوا على الله تعالى ثم على صدقاتنا العميمة التي تحقق قصدهم
فلذلك خرج الأمر الشريف . . . . . .
وهذه نسخة منشور من ذلك كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون لمن لقبه بدر الدين وهي
الحمد لله الذي زين أفق هذه الدولة القاهرة ببدرها وسيره في درج أوجها ونصرها ونقله في بروج إشراقها ومنازل فخرها
نحمده على نعمه المنهلة ببرها المتهللة ببشرها المتزيدة كلما زدنا في حمدها وشكرها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنطق بها القلوب في سرها وجهرها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى الأمم

بأسرها وعلى آله وصحبه صلاة تملأ الوجوه بأجرها وتضمن لأمتها النجاة يوم حشرها
وبعد فإن أولى من تنعمت النعمى بتواليها عليه ومرها وخير من استقرت الخيرات عنده في مستقرها وأعلى من عممته ألسنة الأقلام ببدائع نظمها ونثرها وخصصته بمحامد تتأرج المناشير بنشرها من كان للدولة القاهرة يشرح صدرها بتيسير أمرها ويشد أزرها بحمل وزرها ويتكفل بأداء فرائض إتمامها ونصرها ويوصل حمل ما يفتحه من الحصون الضيقة إلى مصرها
ولما كان فلان هو بدر هذه السماء ومنير زهرها ونير نجوم هذه المقاصد ومبتدأ فخرها وفريدة عقد هذه القلائد ويتيمة درها وصاحب هذه الألغاز ومفتاح سرها اقتضت الآراء الشريفة ان تزف إليه عرائس العوارف ما بين عوانها وبكرها وترف عليه نفائس اللطائف ما بين شفعها ووترها وتتهادى إليه الهدايا ما بين صفرها وحمرها وتتوالى عليه الآلاء ما بين ثمرها وزهرها وأن تزاد عدته المباركة في كميتها وقدرها وان تكمل عشراته التسع بعشرها ليعلم أنه لا يبرح في خلدها وسرها وأنها لا تخيله ساعة من سعيد فكرها
فلذلك خرح الأمر العالي لا زالت الأقدار تخص دولته القاهرة بإطابة ذكرها وإطالة عمرها ولا برحت الأملاك كفيلة بنصرها بمضاء بيضها وإعمال سمرها أن يجري . . . . . . . . . . .
وهذه نسخة منشور من ذلك كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون لمن لقبه صلاح الدين وهي
الحمد لله الذي أتحف الممالك الشريفة من سعيد تدبيرنا بصلاحها وصرف حميد تأثيرنا بإنجاب الأولياء وإنجاحها وأسعف طوامح أمانيهم من اقترابهم من خواطرنا الشريفة في بعدهم وتدانيهم بإجابة سؤالها وإصابة اقتراحها
نحمده على أن جعل نصر دولتنا الشريفة قريبا من نصاحها ونشكره على أن

وصل اراجيهم بإرباحها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تحسن المآل والعاقبة لذوي الإخلاص كما أحسنت في ابتدائها وافتتاحها ويؤذن حسن اعتنائها لأحوال أولي الاختصاص بإصلاحها ونشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي عمت مواهبه بإبراق سمائها وإغداق سماحها وسمت مناقبه بائتلاق غررها وإشراق أوضاحها وأمت مواكبه ديار العدا فشدت عليهم مشهور قراعها ومنصور كفاحها وعلى آله وصحبه الذين أصابت أكفهم في السلم بمسعفات أقلامها وصالت أيديهم في الحرب بمرهفات رماحها ما جرت الأقدار بمتاحها وسرت المبار لممتاحها وظهرت آثار الإقبال التام على من له بخدمتنا اهتمام واحتفال فلاح على مقاصده معهود فلاحها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من لمحه نظرنا الشريف حيث كان ورجحه فكرنا الحسن الجميل فمنحه الإجمال والإحسان من لم يزل شكره أرجا بكل مكان وذكره بهجا تسري به الركائب وتسير به الركبان وصدره الرحيب مستودع الأسرار فلا تصاب إذ كانت فيه تصان وقدره عندنا المحفوظ المكانة فإن بعد فهو قريب دان وأمره منا الملحوظ بالإعانة فلا نزال نوليه البر ونعلي له الشأن
ولما كان فلان . . . . . . . .
وهذه نسخة منشور كتب به للأمير سعد الدين مسعود بن الخطيري من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء وهو
الحمد لله على نعمه التي زادت سعودا وضاعفت صعودا وكرمت في أيامنا من لا حاجب له عن أن نمنحه من إنعامنا مزيدا وقدمت بين أيدينا الشريفة من أوليائنا من غدا قدره عندنا خطيرا وحظه لدينا مسعودا
نحمده على أن أنجز لأصفيائنا من وفائنا وعودا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تحمد لمخلصها صدورا وورودا وتلقى مؤمنها بالبشر إذا جمع الموقف وفودا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي شرف بإنجاده مطرودا

وأردف بالملائكة جنودا وأوصل به حقوقا وأقام حدودا وحجب ببركاته وفتكاته الأسواء فغدا العدل موجودا وأضحى الحكم مقصودا وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من كان بالمؤمنين رحيما وعلى المشركين شديدا
أما بعد فنعمنا إذا أولت وليا منحها والت وإذا قدمت صفيا وهبته مزيدها وأنالت وغذا أقبلت بوجه إقبالها على مخلص تتابعت إليه المسرات وانثالت لا سيما من أطابت الألسنة الثناء عليه وأطالت وجبلت سجاياه على العدل والمعرفة فما حافت ولا مالت وأوصلت رأفته منا المستضعفين وعلى المجرمين سطوته صالت فبيمن مقاصده هانت الخطوب وإن كانت فتكاته في الحروب كم هالت وهممه في السلم قد جلت ويوم الروع كم جالت وعزائمه كم غارت فأغارت وللمعتدين كم غالت وكم سبق إلى خدمتنا صاحب الشمس وكيف لا وهو البدر ولكنه لم يزل وإن هي زالت
وكان فلان هو الذي نقلناه في درجات التقديم حتى كمل بدره ووقلناه في مراتب التكريم حتى أصبح وهو المسعود حظه المحمود ذكره وخولناه مواهب جودنا العميمة فاستد باعه واشتد أزره
فلذلك خرج الأمر الشريف لا برح إنعامه يجل عن الحصر ودولته يخدمها العز والنصر وإكرامه يقضي بمسرات الأولياء بالجمع ويفضي إلى أعمار الأعداء بالقصر . . . . . . . .
وهذه نسخة منشور كتب به لعلاء الدين إيدغمش أمير آخور الناصري

كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون من إنشاء الشريف وهو
الحمد لله الذي زاد علاء دولتنا الشريفة وافاد النعماء التامة من قام بين أيدينا أتم قيام في أتم وظيفة واجاد الآلاء المتوالية بمن أعنة الجياد بإشارته مصرفة ومنة الجود بسفارته مصروفة وراد الاصطفاء لأعز همام في قلوب الأولياء له محبة وفي قلوب الأعداء منه خيفة وأباد أولي العناد بفتكاته التي بها الغوائل مكفية والطوائل مكفوفة وشاد الملك الأعز بإرفاد ولي له الشجاعة المشكورة والطاعة المعروفة
نحمده على أن جعل اختياراتنا بالتسديد محفوظة وبالتأييد محفوفة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة السرائر لإخلاصها ألوفة والضمائر على اختصاصها معطوفة ونشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الذي نسله من النبعة المنيفة وأرسله بالشرعة الحنيفة وفضله بالرفعة على ظهر البراق إلى السبع الطباق وجنود الأملاك به مطيفة وعلى آله ذوي الهمم العلية والشيم العفيفة وB أصحابه الذين لو أنفق أحد مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه صلاة تبيض بالأجور الصحيفة وتعوض بالوفور من مبراتنا الجليلة بفكرتنا الجميلة اللطيفة وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فكرمنا يسبغ المواهب والمنائح ونعمنا تبلغ المآرب والمناجح فلا نبرح ننقل في درجات الصعود من هو في خدمتنا لا يبارح ويتكفل صالح نظرنا الشريف صلاح حال من أجمل النصائح وأثل المصالح فكم راض لنا من جامح وخاض بحر الوغى على ظهرسابح وحمى رواق الإسلام من رعبه بذب ورمى أعناق الكفار من عضبه بذابح وأصمى المقاتل بكل نابل يستجن في الجوانح وانتمى إلى سعادة سلطاننا الناصر الفاتح وسما عزم إعلائه بتقريبه وإدنائه إلى السماك الرامح طالما مس الكفار الضر إذ مساهم بالعاديات الضوابح وأحس

كل منهم بالدمار لما ظن انه لحربه يكابد ولحزبه يكافح وصبحهم باغاراته على الموريات قدحا فأغرى بهم الخطوب الفوادح وطرحهم بالفتكات إلى الهلكات فصافحت رقابهم رقاب الصفائح وأخلى من أهل الشرك المسارب والمسارح وأجلى أهل الإفك عن المطارد والمطارح
ولما كان فلان هو الذى استثار إلية شأن هذة المدائح وسار بذكره وشكره كل غاد ورائح
خرج الأمر الشريف لا برح سبيل هداة الواضح وجزيل نداة يغدو كالغوادي بالعائد والبادى من فضلة وهو الناصح . . . . .
وهذة نسخة منشور كتب بة للأمير شمس الدين سنقر البكتوتي الشهير بالمساح وهى
الحمدللة الذى أجزل المواهب وجدد من النعم مالا تزال الألسنة تتحدث عن بحرها بالعجائب وأطلع فى أفق الدولة الشريفة شمسا تستمد من أنوارها الكواكب
نحمدة على نعم يتوالى درها توالى السحائب ويغالى درها عن أن تطوق بة الأذنان والترائب ونشهد أن لا إلة إلا اللة وحدة لا شريك لة شهادة تختص قائلها من درجات القبول والإقبال بأسمى الدرجات وأسنى المراتب ونشهد أن محمدا عبدة ورسولة الذى اصطفاة من لؤى بن غالب وصان ببعثتة الشريفة رد اء النسك عن كل جاذب وخصة بأشرف المواهب وصير الإيمان بنور

هدايته واضح السبل والمذاهب وعلى آله وصحبه صلاة لا يمضي جزء من الدهر إلا ووجودها فيه وجود الفرض الراتب وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أحق من حلي من النعماء بأفضل العقود وخص بأضفى ملابس الإقبال وأصفى مناهل الإفضال فاستعذب من هذه الورود واختال من هذه في أجمل البرود ومنح من الإقبال بكل غادية تحجل السحاب إذ يجود وإن رقمت بها الأقلام سطورا في طروس أزرت بالزهر اليانع والروض المجود ونقل قدره من منزل عز إلى منزل أعز فكان كالشمس تتنقل في منازل الشرف والسعود من ظهرت مكارم سماته واشتهرت محاسن صفاته وطلعت في سماء العجاج نجوم خرصانة ولمعت في دجى النقع بروق ظباته وقدم على الجيوش والجحافل فظهرت نتائج التأييد والتسديد من تقدمه وتقدماته وهزم جيوش الأعداء في مواقف الهيجاء بثبات أقدامه في إقدامه ووثباته وتجرد في المهمات والملمات تجرد الماضيين من سيوفه وعزماته
ولما كان فلان هو الموصوف بهذه الأوصاف الجليلة والمنعوت بهذه المحاسن الجميلة والمشار إليه بهذه المحامد والممادح التي تزهو على زهر الكواكب وتسمو بما له من جميل المآثر والمناقب أوجب له الاختيار المزيد وقضى له الامتنان بتخويله نعما وتنويله مننا تضحي هذه عقدا في كل جيد وتمسي هذه مقربة له من الآمال كل بعيد واقتضى حسن الرأي الشريف أن يمنح بهذا المنشور ليخص من الأولياء بالسعد الجديد والجد السعيد
فلذلك خرج الأمر الشريف

وهذه نسخة منشور كتب به للأمير خاص ترك في الروك الناصري وهي
الحمد لله على نعمه التي سرت إلى الأولياء ركائبها وهمت على رياض الأصفياء سحائبها وتوالت إلى من أخلص في الطاعة بغرائب الاحسان رغائبها وتكفلت لمن خص بأسنى رتب البر الحسان مكارمها العميمة ومواهبها وغمرت بحار كرمها الزاخرة من يحدث عن شجاعته ولا حرج كما يحدث عن البحور التي لا تفنى عجائبها
نحمده على نعمه التي إذا أغبتنا سحائب الندى أعقبت سحائب وخصت الخواص من درج الامتنان بمراتب تزاحمها الكواكب على نهر المجرة بالمناكب ونشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يزال الجهاد يرفع ألويتها والجلاد يعمر بوفود الإخلاص أنديتها والإيمان يشيد في الآفاق أركانها الموطدة وأبنيتها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أيده الله بنصره وخصة بمزية التقدم على الأنبياء مع تأخر عصره وآتاه من المعجزات ما تكل ألسنة الأقلام عن إحصائه وحصره وعلى آله وصحبه الذين حاطوا دينه بالمحافظة على جهاد أعدائه وأيدوا ملته بإعادة حكم الجلاد في سبيل الله وإبدائه صلاة لا يزال الإيمان يقيم فرضها والإيقان يملأ طول البسيطة وعرضها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من ضوعفت له النعم ووطدت له الرتب التي لا تدرك غاياتها إلا بسوابق الخدم وأشرقت به مطالع السعود وحققت له مطالب الاعتلاء والصعود ورفعته مواقع الإحسان إلى أسنى المراتب التي هو ملي بارتقائها وتولت له هوامع البر والامتنان آنتقاء فرائد النعم التي هو حقيق باختيارها

وآنتقائها وبلغته العناية بأجل مما مضى قدرا وآستقبلته الرعاية من أفق الإقبال بما إذا حقق التأمل وجد هلاله بدرا من ربي في ظل خدمتنا التي هي منشأ الآساد ومربى فرسان الجهاد وعرين ليوث الوغى التي آجامها عوالي الصعاد وبراثنها مواضي السيوف الحداد وفرائسها كماة أهل الكفر وحماة أرباب العناد فكم له في الجهاد من مواقف أعزت الدين وأذلت المعتدين وزلزلت أقدام الأبطال وزحزحت ذوي الإقدام عن مواقف المجال وحكمت صفاته في القمم وأنبتت صفاحه في منابت الهمم وفرقت ما لأهل الكفر من صفوف وأرتهم كيف تعد ألوف الرجال بالآحاد وآحادها بالألوف
ولما كان فلان هو الذي أشير إلى مناقبه ونبه على شهرة إقدامه في كل موقف يمن عواقبه وأوميء إلى خصائص أوصافه التي ما زال النصر يلحظها في مشاهد الجهاد بعين ملاحظة ومراقبة آقتضت آراؤنا الشريفة أن نجدد آعتلاء مجده ونزيد في أفق الارتقاء إضاءه إقباله وإنارة سعده
فلذلك خرج الأمر الشريف لا زال . . . . . . . . . . . . ألخ
وهذة نسخة منشور كتب بة فى الدولة الناصرية محمد بن قلاوون لجمال الدين أقوش الأشرفى المعروف بنائب الكرك عند خروجة من الجب وهى
الحمد للة مفرح القلوب ومفرج الكروب ومبهج النفوس بذهاب غياهب الخطوب ومبلغ من تقادم عهدة فى حفظ ولائنا نهاية المرغوب وغاية المطلوب الذى أعاد إلى المخلصين فى طاعتنا النعمة بعد شرودها وعوضهم عن تقطيب الأيام بابتسامها وعن خمولها بسعودها وألقى على الأول منهم جمالا لا يسع الأذهان أن تتصف بإنكار حقوقه وجحودها

نحمدة على ما وهبنا من الأناة والحلم وخص بة دولتنا من المهابة التى تخشى يوم الحرب والمواهب التى ترجى يوم السلم ونشهد أن لا إلة إلا اللة وحدة لاشريك لة شهادة تكفلت بالنجاة لقائلها وأغنت من حافظ عليها عن ضراعات النفوس ووسائلها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث برعاية الذمم والمنعوت بحسن الرأفة التى هى شعار أهل الوفاء والكرم صلى اللة عليه وعلى آله وصحبه ما تلافت الأقدار نفوسامن العدم وتوافت الأمانى والمناجح فأظفرت من أخلص نيتة الجميلة برد ضالة النعم صلاة تضفى على الأولياء حلل القبول والرضا وتصفى من الأكدار مناهل سرورهم فكأن الخطب أبرق وأومض فمضى وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من إنتظمت بعد الشتات عقود مسارة وابتسمت بعد القطوب ثغور مبارة واشتملت عواطفنا علية فجلبت أسباب منافعه وسلبت جلباب مضارة واحتفلت عوارفنا بالملاحظة لعهدة الوثيق العرا والمحافظة على سالف خدمتة التى ما كان صدق ولائها حديثا يفترى وسبق لة من الإختصاص فى الإخلاص ما يرفعة من خاطرنا مكانة عالية الذرا من أضحى من السابقين الأولين فى الطاعة والباذلين فى أداء الخدمة والنصيحة لدولتنا جهد الاستطاعة والمالكين للمماليك بحسن الخلة وجميل الاعتزام والمحافظين على تشييد قواعد الملك بآرائة وراياتة التى لا تسامى ولا تسام وأمسى هو الولى الذى لا يشاركه أحد فى إخلاص الضمير فى موالاتنا وصفاء النية ولا يساهمه ولى فيما اشتمل علية من صدق التعبد وجميل الطوية المخلص الذى انفرد بخصائص الحقوق السابقة والآنفة وامتاز بموجبات خدم لاتجحد محافظتها التالدة والطارفة وطلعت شمس سعادته في سماء مملكتنا فلم يشبها الغروب وأضاء بدرة فى أفق عزة فكان سرارة مذهبا لأعين الخطوب
ولما كان فلان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الخ

الضرب الثالث مما يفتتح بالحمد مناشير أمراء الطبلخاناه
وقد تقدم أنها كمناشير مقدمي الألوف في الترتيب إلا أنها أخصر منها
وهذه نسخ مناشير من ذلك
نسخة منشور كتب به لبعض الأمراء وهي
الحمد لله رافع الأقدار ومجزل المبار وجاعل يمين كرمنا مبسوطة باليسار
نحمده على غيث فضله الدار ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة سرت الأسرار وأذهب نورها ما كان للشرك من سرار ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنجد له في نصر الحق وأغار وأرهف من سيف النصر الغرار وعلى آله وصحبه الذين منهم من كان ثاني اثنين في الغار ومنهم من سبقت له دعوة سيد المرسلين من سالف الأقدار ومنهم من كرم الله وجهه فكان له من أعظم الأنصار
وبعد فإن العطايا أيسر ما يكون تنويلها وأسر ما يلفى تخويلها إذا وجدت من هو لرايتها متلقيا وفي ذرا الطاعة مترقيا ومن إذا صدحت حمائم التأييد كانت رماحه الأغصان وألويته الأفنان ومن تردى ثياب الموت حمرا فما يأتي لها الليل إلا وهي بالشهادة مخضرة من سندس الجنان وإذا شهر عضبه أرضى ربه وإذا هز رمحه حمى سرحه وإذا أطلق سهما قتل شهما وإذا جرد حساما كان حساما وإذا سافرت عزائمه لتطلب نصرا حلت سيوفه فجاءت بالأوجال جمعا وبالآجال قصرا
ولما كان فلان هو الذي جمع هذه المناقب الجمة وامتاز بالصرامة وعلو الهمة استحق أن ينظر إليه بعين العناية وأن يجعل ابتداؤه في الإمرة دالا على أسعد نهاية

فلذلك خرج الأمر الشريف لا زال يرفع الأقدار ويجزل المبار ان يجرى في إقطاع . . . . . . . . . . . . . . . . . . إلخ
وهذه نسخة منشور لمن لقبه زين الدين وهي
الحمد لله الذي وهب هذه الدولة من أوليائها أحسن زين ومنحها منهم من يشكر السيف والعنان منه اليدين ومن يملأ ولاؤه القلب وثناؤه السمع وبهاؤه العين
نحمده على نعمه التي نفت عن نور الملك كل شيء من شين وابقت له من كماته وحماته من لا في إخلاصه ريب ولا في محافظته مين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة متبريء من اتخاذ إلهين اثنين ونشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادة متمسك من هذه وهذه بعروتين وعلى آله وصحبه صلاة دائمة ما جمع المسافر من الصلوات بين الأختين وما جلس خطيب بين خطبتين وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن خير من رقى خطيبه إلى أرفع رتبة وأنجح في تخويل النعم على كل طلبة ورغبة لا بل أهديت إليه عرائس النعماء وقد ابتدأت هي بالخطبة وكثر له في معروف أصبح ببذله معروفا وأعين على جود أمسى به موصوفا وذللت له قطوف إحسان كم ذلل الأولياء من أجله في مراضي الدولة ومحابها قطوفا فقطوفا من خلف الملك أحسن الخلف ومن له بفعل الخير أعظم كلف ومن يشهد له بالشجاعة الخيل والليل والبيداء والسيف والرمح والأعداء فلا غزوة إلا له فيها تأثير وأثر ولا ندوة إلا وبها من وصفه بالذكر الجميل سمر تتشوف إلى ملاحظة غرته كل عين ويتبين لحياطته في الوجود كل أثر ما انار وجهه في نهار سلم إلا وقيل الشمس ولا بدا في ليل خطب إلا وقيل القمر

ولما كان فلان هو بدر هذه الهالة وجل هذه الجلالة ونور هذه المقلة ولابس هذه الحلة اقتضى حسن الرأي الشريف أن تكثر لديه النعم وأن يجري بتنمية الإحسان هذا القلم
فلذلك خرج الأمر الشريف لا برح يجود وبالخيرات يعود أن يجري في إقطاعه . . . . . . . . . . . . . . . . . الخ
وهذه نسخة منشور من ذلك وهي
الحمد لله الذي أيد دولتنا القاهرة بكل راية تعقد وأمير يؤمر وجنود تجند وكل بطل إذا جرد عزمه سلم إليه المهند واشتبه الرمح بمعاطفه فلم يدر أيهما تأود
نحمده كما يجب أن يحمد ونمدحه بما لا يماثله الدر المنضد ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أفضل ما به نشهد ونصلي على نبيه وعبده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه في كل مقال يتجدد صلاة فيها الأقلام لا تتردد فيما تتردد وB أصحابه وسلم وكرم ومجد ما غرب فرقد وطلعت شمس ثم غربت شمس وطلع فرقد
وبعد فإن لآرائنا العالية المزيد في كل ما تقتضيه وفي كل من ترتضيه من جميع أوليائها لجميل آلائها ممن فاق أبناء جنسه وكان في أمثاله وحيدا لأنه لا يوجد له نظير وهو كثير بنفسه وتسابقت الخيل إلى ارتقائه على صهواتها والتطمت بحار الوغى لما ألقى له كل سابح في غمراتها وافتخرت القسي بمده الذي لا تخرج به الأقمار عن هالاتها والسيوف لأنه إذا اشتركت معه في لقب كان اسمى مسمياتها والرماح لأنه كم له عليها من منة لما أطلقها في الحروب من اعتقال راياتها وتجددت الأسنة فيما يتلوه من سورات الفرسان لأنه أكبر آياتها وهو الذي انتظمت به المعالي والعوالي قصدها الذي به يرى غمرات الموت

ثم يزورها على ما هي عليه من إهالاتها مع ماله في خدمتنا الشريفة من سوابق لا تجارى في سبيل ولا يلحق لها شأوا أشهب الصبح ولا أدهم الليل ولا أشقر البرق ولا أصفر الأصيل فاقتضت صدقاتنا الشريفة له الإحسان وتقاضت عوارفنا الحسان فرفعت له رتبة لا يبلغها كثير من الناس إلا باللسان وكان فلان هو الذي حسن وصفا وشكرت مساعيه سجاياه وهو أوفر وأوفى
فلذلك خرج الأمر الشريف . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إلخ
وهذه نسخة منشور وهي
الحمد لله على نعمه التي أسنت المواهب وأغنت الأولياء بآلائها عن دوم الديم وسح السحائب
نحمده على غرائب الرغائب ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تتكفل لقائها ببلوغ المآرب ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي افتخرت باسمه المناقب وانتصرت بعزمه المقانب وقهر بباسه كل جان وعمر بناسه كل جانب وكشف الله ببركته اللأواء وغلب بفتكاته الأعداء وكيف لا وهو سيد لؤي بن غالب وعلى آله وصحبه الذين أذل بجهادهم المحارب وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من أعذبنا نهله وأنجحنا أمله وأجزلنا له من هبات جودنا وأغدقنا عليه من منن عطائنا ورفدنا من نازل الأعداء يوم الوغى فراح

إلى أعلامهم فنكسها وإلى أعناقهم فوقصها وحكم سيفه في أشلائهم وأرواحهم فهذه اقتناها وهذه اقتنصها ما فوق يوم الروع سهمه إلا أصاب المقاتل ولا شهر سيفه إلا قهر ببأسه كل باسل ولا سارت عقبان راياته إلى معترك الحرب ضحى إلا ظلل بعقبان طير في الدماء نواهل
ولما كان فلان هو الذي يشير إليه بنان هذا المدح ويسير إليه إحسان هذا المنح فلذلك خرج الأمر الشريف لا برحت ظلال كرمه وارفة وسحائب نعمه واكفة أن يجرى في إقطاعه . . . . . . . . . . إلخ
وهذه نسخة منشور تصلح لمن مات أبوه وهي
الحمد لله الذي جعل سماء كرمنا على الأولياء هامية السحاب وعوارف نعمنا جميلة العقبى للأعقاب وعواطف أيامنا الشريفة تجزل العطاء وتجبر المصاب
نحمده على نعمه التي ما سخنت العيون إلا أقرتها ولا اكتأبت النفوس بملمة إلا سرتها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يزال ربع الأنس بها معمورا وصدع النفس بها مجبورا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أصبح شعث الإيمان به ملموما وحزب الطغيان به مهزوما وداء البهتان بحسامه محسوما وعلى آله الذين كان هو بدر السيادة وكانوا نجوما صلاة لا يبرح ذكرها في صحائف القبول مرقوقا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من درت أخلاف جودنا لخلفه ورعى كرمنا خدم سلفه ونقلنا هلاله من تقريبنا إلى منازل شرفه وأجراه إحساننا على جميل عوائده وسوغه نوالنا أعذب موارده جمع له إنعامنا بين طارفه وتالده من استمسك من

سبب إخلاصنا بآكده وحذا في ولائنا أحسن حذو ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده واشتهر بالشهامة التي أغنت بمفردها عن الألوف وعرف بالإقدام الذي طالما فرق الجموع واخترق الصفوف ما دنا من الأعداء إلا دنت منهم الحتوف ولا أظلم ليل النقع إلا جلته أنجم الصعاد وأهله السيوف
ولما كان فلان هو الممدوح بجميل هذه الشيم والممنوح جزيل هذه النعم والشبيه في موالاتنا بابيه ومن أشبه أباه فما ظلم
فلذلك خرج الأمر الشريف لا برحت سحب كرمه هاطلة الأنواء شاملة الآباء والأبناء أن يجرى في إقطاعه . . . . . . . . الخ

النوع الثاني من المناشير ما يفتتح بأما بعد ويختص بأمراء العشرات ومن
في معناهم كأمراء العشرينات ونحوهم ممن لم يبلغ شأو الطبلخانات
وهي على ضربين
الضرب الأول في مناشير العشرات كائنا ذلك الأمير من كان
وهذه نسخ مناشير من ذلك
نسخة منشور من ذلك وهي
اما بعد حمد الله على نعمه التي يبديها ويعيدها ويفيئها ويفيدها ويديمها على من شكر ويزيدها والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي نزلت لنصره ملائكة السماء وجنودها وأخذت على الإقرار بنبوته مواثيق الأملاك وعهودها وعلى آله وصحبه الذين هم أمناء الأمة وشهودها فإن أحق من تقلب في إنعامنا وتقدم في أيامنا وتوالت إليه آلاؤنا تترى وتكررت عليه نعماؤنا مرة بعد أخرى من ظهرت آثار خدمته وصحت أخبار نجدته وشكرت مساعيه الجليلة

وحمدت دواعيه الجميلة وكان له من صفاته الحسنى ما ينيله من الدرجات الأعلى ومن المطالب الأسنى
ولما كان فلان ممن زانته طاعته وقدمه إقدامه وشجاعته وشهدت له مواقف الحروب أنه مجلي الكروب وأقر له يوم الوغى بإبادة من بغى وكان له مع الشهامة الرأي الثاقب والسهم الصائب يصيب ولا يصاب جذع القريحة رابط الجأش عند تغير الأذهان الصحيحة اقتضى حسن الراي الشريف أن ترفع درجته وتعلى رتبته وينظم في عقود الأمراء ويسلك به جادة الكبراء لترقيه في درج السعادة وتبلغ به رتبة السيادة
فلذلك خرج الأمر الشريف لا برحت هامية غوادي آلائه سابغة ملابس نعمائه ان يجرى في إقطاعه . . . . . . . إلخ
وهذه نسخة منشور من ذلك وهي
أما بعد حمد الله على نعمه التي فسحت في كرمها مجال المطالب وفتحت لخدمها أبواب نجح المآرب وحققت في عوارفها آمال من تقرب إليها من الخدمة والطاعة بأنجح ما تقرب الراغب إلى الرغائب والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي زوى الله له الأرض ليرى ما تنتهي إليه الكواكب وعلى آله وصحبه الذين استسهلوا في جهاد أعدائه المصاعب ورمى الله من ألحد في دينه من سطواتهم بعذاب واصب فإن أولى من تلقته وجوه النعم السوافر واستقبلته نعم العوارف التي هي من غير الأكفاء نوافر وأتته السعود المقبلة وواتته الآلاء المقيمة والمستقبلة من صحت شجاعته في مواقف الجهاد المدلهمة وسمحت شهامته في الوغى بمجال السيوف المرهفة لدفع الخطوب الملمة واقرت له أقرانه بأنه فارس

هيجائها الذي كم كشف بأسنته عن قلوب العدا للمؤمنين غم غمة
ولما كان فلان هو المشهود له بهذه المواقف المشهور بالوقوف في المواطن التي يثبت بها وما بالحتف شك لواقف اقتضى حسن الرأي الشريف . . . . . . . . . . . . . . . . الخ
وهذه نسخة منشور من ذلك وهي
أما بعد حمد الله على جيوش كثرها وجيوب للعدا بالأسنة زررها وجنوب بالنوم على فرش الأمن الوثيرة آثرها والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي ايد الله به الأمة وظفرها وثبت مواقفه ونضرها وعلى آله وصحبه صلاة تستمد الأيام والأنام من رقيها آصالها وبكرها فإن من ورد البحر اغناه بمده ومن تعرض لسقيا السحاب جاد له برفده ومن جاور كوكب السعد فاض عليه من سعده ومن تيمم نادي الندى كان أدنى إلى نيل قصده ومن يمت بخدمة كان من حقه رعاية عهده
ولما كان فلان هو الذي قدم خدما شهدت بها غرر الأيام ولسان كل ذابل وحسام وكل كمي لوت إلى فؤاده من يده طيور سهام وجربناه فحمدناه بالتجريب ودربناه حتى تأهل للتأمير بالتدريب واستحق المكافأة على ما آثره وكانت له خدمة عندنا كالحسنة له عنها عشرة
فلذلك خرج الأمر الشريف لا زال يمد أولياءه ويسعدهم ويقرب أخصاءه ولا يبعدهم أن يجرى في إقطاعه . . . . . . . . . . الخ
وهذه نسخة منشور من ذلك وهي

أما بعد حمد الله على نعم منحها وأبواب فضل فتحها وآمال للأولياء أنجحها والصلاة والسلام على سيدنا محمدالذي هدى الله به الأمة الإسلامية وأصلحها فإن أولى من همت عليه سحائب الإحسان وافتتحته أيامنا الشريفة بمقدمة كرم تميزه بين الأقران من جعل الولاء له خير ذخيرة وأجمل فيما أسره وأبداه من حسن السيرة والسريرة وكانت له الطاعة التي يحسن فيها الاعتقاد والشجاعة التي ظهرت في مواقف الحروب والجهاد والخدمة التي لم يزل فيها مشكور المساعي والموالاة التي لم يبرح عليها موفر الدواعي
ولما كان فلان ممن له الخدمة التي تقضي بالتقديم وتوجب له على إحسان دولتنا الشريفة رفعة القدر ومزيد التكريم اقتضى حسن الرأي الشريف أن نحله مراتب ذوي الأمر والإمرة وننظمه في سلك من سره بإنعامه ورفع قدره
فلذلك خرج الأمر الشريف لا برح . . . . . . . . . الخ

الضرب الثاني في مناشير أولاد الأمراء وهي كالتي قبلها إلا أنه يقع
التعرض فيها إلى الإشادة بآبائهم وربما أطيل فيها مراعاة لهم
وهذه نسخ مناشير من ذلك
وهذه نسخة منشور وهي
أما بعد حمد الله الذي جعل سيف دولتنا للدين المحمدي ناصرا وجمع شمل أعز الأولياء والأبناء في خدمتنا على إنعامنا الذي أضحى بين الأنام مثلا سائرا وأقر الأعين من ذراري أصفيائنا بما يفوق الدراري التي غدا نورها في أفقها زاهيا زاهرا والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أيده الله من أوليائه بعشيرته الأقربين وشد أزره من أصحابه بالأبناء والبنين وعلى آله وصحبه صلاة لا نزال بها في درج النصر مرتقين ولا يبرح لنا بها حسن العاقبة بالظفر على الأعداء والعاقبة للمتقين فإن أنمى الغروس من كان أصله في درج الولاء ثابتا وازهى الثمر ما كان في أغصان الوفاء نابتا وابهى الأهلة ما بزغ في سماء الإخلاص

وطلع آمنا من السرار والانتقاص وأعز الأولياء من نشأ في ظل القرب والاختصاص وتلقى ولاءنا عن أبوة كريمة جمعت له من العلياء شمل طارفه وتالده وحذا في عبوديتنا حذو والده ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده وتحلى بطريقته المثلى في الموالاة التي عدم له فيها المضاهي والمماثل ولاحت على أعطافه مخايل الإخلاص فيعرف فيه من تلك المخايل
ولما كان فلان هو جوهر ذلك السيف المشكور بالمضاء عند الانتضاء ونور ذلك البدر المشهور في أفق العلياء بالغناء والسناء كم لأبيه في خدمتنا عند تزلزل الأقدام من مواقف وكم أسلف في طاعتنا من مخالصة عند الاختلاف وهو عليها عاكف ما تقدم في كتيبة الإقدام إلا والنصر له معاضد ولا جرد في مهم إلا أغنى عما سواه واستحق أن ينشد ولكن سيف الدولة اليوم واحد
اقتضى حسن الرأي الشريف ان ننضد لسعادتهما عقدا منضدا وأن نخص كلا منهما بإمرة حتى يغدو لنا من هذا والدا من أعز الأنصار ومن هذا ولدا
فلذلك خرج الأمر الشريف لا برح يوفر لأوليائه من الإحسان المدد ويكثر لأصفيائه من الأعوان على الطاعة العدد ويشمل بره ومعروفه الوالد والولد . . . . . . . . . . الخ
وهذه نسخة منشور وهي
أما بعد حمد الله الذي زين السماء دولتنا من ذراري أوليائنا بمن يفوق الدراري إشراقا وأنار مطالع مواكبنا المنصورة من كواكب أصفيائنا بمن يبهر العيون ائتلاقا واتساقا وجمع شمل السعادة لأهل بيت اتسقت عقود ولائهم في طاعتنا فحسنت في جيد الدهر انتظاما وانتساقا جاعل سيوف دولتنا في مراضينا مرهفة الغرار مرتقبة الأعداء فما جردت عليهم إلا أرتهم مصارع الاغترار والشهادة له بالوحدانية التي نطق بها لسان التوحيد والإقرار وجعلت وسيلة إلى الخلود بدار

القرار والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنجده الله من خاصته بالأعوان والأنصار ورفع لواء نبوته حتى صار منشور الأعلام في الأمصار وعلى آله وصحبه الذين ميزهم الله بشرف قربه وجعل للآباء منهم فضل المزية من قلبه ورفع أقدارهم بأن جعل منهم حبه وابن حبه فإن أولى من جمع شمل السعادة في إزاره ورفعت راية الإمارة لفخارة من نشأ على إخلاص الولاء الذي أشبه فيه أباه ولمعت بروق أسنته التي كم أغمدها في رقاب عداه كم جرد النصر لنا من أبيه سيفا في مواقف التأييد وأمضاه كم زكا فرعه السامي في رياض الإخلاص وأبدر هلاله المشرق في مطالع الاختصاص
ولما كان فلان هو الذي نشأ في خدمتنا وليدا وغذي بلبان طاعتنا فأمسى حظه سعيدا وأضحى رأيه حميدا ولم يزل لأبيه أعزه الله حقوق ولاء تأكدت أسبابها ومدت في ساحة الاعتداد أطنابها وحسن في وصف محافظتها إسهاب الألسنة وإطنابها اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرقي هلاله إلى منازل البدور وأن نطلعه في سماء عز بادية الإنارة واضحة السفور وأن نعلي من ذلك قدره إلى محل الإمارة وأن نتوجه منها بما يكون أعظم دليل على إقبالنا وأظهر أمارة
فلذلك خرج الأمر الشريف لا زال . . . . . . . . . . الخ
وهذه نسخة منشور وهي
أما بعد حمد الله على آلائه التي أقرت عيون أصفيائنا بما خصت به آباءهم من عموم النعم وسرت قلوبنا بما جددت لذراريهم من حسن الترقي إلى ما يناسبهم من شريف الخدم وأنشأت في دولتنا الشريفة من أولاد خواصنا كل شبل له من الظفر ظفر ومن مسبل الذوائب أجم وإذا شاهدت الأسود الكواسر شدة وثباته وثباته شهدت بأنه أشبه في افتراس الفوارس اباه ومن أشبه أباه فما ظلم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي ما زال دين الله بمجاهدة أعدائه مرفوع

العلم ونصر الله باقيا في أمته يتناقله من الأبناء من كان ثابت القدم من القدم وعلى آله الذين جلوا بأسنتهم وسنتهم غياهب الظلم فإن أولى من وطدت له درج السعود ليتوقل في هضبها ويتنقل في رتبها ويتلقى بوادر إقبالها ويترقى إلى أسنى منازل السعد منها وأيام شبيبته في اقتبالها ويرفل في حلل جدتها المعلمة الملابس ويرتاد في رياض يمنها النامية المنابت الزاكية المغارس من نشأ في ظل آلائنا وغذي بلبان ولائنا ولقي فروض طاعتنا ناشئا فهو يتعبد بحفظها ويدين بالمحافظة على معناها ولفظها وينقل عن أبيه قواعدها وأحكامها فهو الشبل ابن الليث والندى الصادر عن الغيث والفرند المنتسب إلى معدن ولائنا عنصره والهلال الذي سيضيء بإشراق جودنا عليه نيره
ولما كان فلان هو الذي توشح عقد هذا الثناء بثمينه ورشح لتناول راية الإمارة بيمينه وقابل إقبال طلعتنا فأكسبه اشراقنا إنارة جبينه اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننضد عقود الإحسان بتحلية نحره وأن نضفي عليه ملابس جودنا وبره
فلذلك خرج الأمر الشريف لا برح . . . . . . . . . . الخ
وهذه نسخة منشور وهي
أما بعد حمد الله منور الأهلة في آفاقها ومنول عوارفه بإرفاقها ومكمل عطاياه بإطلاقها ومنشيء ذراري الأولياء كالدراري في إشراقها والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جمع قلوب بعد افتراقها وشفع في الخليقة إلى خلاقها وعلى آله وصحبه البحور في اندفاقها والبدور في ائتلاقها فإن أبناء الاولياء أشبال الأسود وعليهم عاطفتنا تجود قد أنشأت نعمنا آباءهم فأصبحوا

للدولة أنصارا وألحقناهم بهم في التقديم فأقروا أبصارا وكان ممن ترعرع ناشيا وغدا فرعا زاكيا وتدرب على الصهوات يمتطيها وتأهل لحلول النعم برضا مفضيها ودلت حركاته على أن الشجاعة سجية طباعه وأنه تروى بلبان الطاعة من وقت رضاعه وأن أباه أجله الله أحسن مرباه فأشبه بجميل اتباعه وهو فلان المنتخب في الدولة الناضرة المشبه في الإضاءة النجوم السافرة
فلذلك خرج الأمر الشريف . . . . . . . . . . الخ

النوع الثالث من المناشير ما يفتتح بخرج الأمر الشريف
وحكمها حكم أواخر المناشير المفتتحة بالحمد لله وبأما بعد حمد الله يقتصر فيها على هذا الافتتاح الذي هو آخر المناشير ويدعى له بما يناسب
وهذه نسخة منشور ينسج على منوالها وهي
خرج الأمر الشريف العالي المولولي السلطاني الملكي الفلاني الفلاني بلقب السلطنة واللقب الخاص أعلاه الله تعالى وشرفه وأنفذه في الآفاق وصرفه أن يقطع باسم فلان ثم يذكر ما اشتملت عليه المربعة الجيشية
قلت وقد تقدم ان مناشير العربان منها ما يفتتح بالحمد لله ومنها ما يفتتح بأما بعد حمد الله ومنها ما يفتتح بخرج الأمر الشريف ومناشير التركمان والأكراد منها ما يفتتح بأما بعد حمد الله ومنها ما يفتتح بخرج الأمر الشريف على ما تقدم بيانه ولا يخفى أن الترتيب في مناشيرهم على ما تقدم ذكره في جميع المراتب إلا أنه قد تمتاز هذه الطوائف بألفاظ تخصهم لا سيما مناشير العرب فإنهم يمتازون بألفاظ وألقاب تخصهم
وهذه نسخة منشور لأمير عرب مفتتحة بالحمد لله ينسج على منوالها وهي
الحمد لله الذي أرسل ديم كرمنادائمة الإمداد وشمل بجودنا كل حاضر وباد وجعل أيامنا الشريفة تخص بطولها كل طيب النجار طويل النجاد

نحمده حمدا بحلاه يزدان ومن جداه يزاد ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تمهد لقائلها خير مهاد ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الكريم الأجداد الرحيب الناد أرسله لإصلاح الفساد وإرباح الكساد وكشف العناء وإزالة العناد وعلى آله الذين أرهفوا في جهاد أعداء الله البيض الحداد وأرعفوا السمر الصعاد وعلى أصحابه الذين كانوا يوم الفخار السادات ويوم النزال الآساد وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من عمرنا بكرمنا مربعه وناديه وأمطرنا ثرى أمله بغادية مغادية وسفر له وجه إحساننا عن واضح أسرته وقابله إقباله فقدمه على قبيلته وميزه على أسرته من أخلص في طاعتنا ضميرا واتبع جادة موالاتنا فأصبح بتجديد نعمنا جديرا وحذا في خدمتنا أحسن حذو وعرف بجميل المخالصة في الحضر والبدو واشتهر بالشجاعة التي طالما فرقت جموعا وأقفرت من الأعداء ربوعا واتصف بالإقدام الذي ما ألف عن محارب رجوعا كم أنهل مثقفاته في دماء النحور واشرع صعاده فأوردها الأوردة واصدرها في الصدور ورفع من أسنتها في ليل النقع نارا قراها لحوم العدا وأضيافها الآساد والنسور
ولما كان فلان هو الممنوح هذا الإنعام الغمر والممدوح في مواقف الحروب بإقدام عمرو
فلذلك خرج الأمر الشريف لا برحت شاملة مواهبة هاملة سحائبه أن يجرى في إقطاع . . . . . . . . . . . الخ
أما الزيادات والتعويضات فإنها ان افتتحت بأما بعد فعلى ما تقدم في أمراء العشرات إلا انه يقال أن يجرى في إقطاعات على الجمع وإن افتتحت بخرج الأمر الشريف فعلى ما تقدم في إقطاعات الأجناد إلا أنه يقال أن يجرى ولا يقال أن يقطع

المقالة الثامنة في الإيمان وفيها بابان
الباب الأول في أصول يتعين على الكاتب معرفتها قبل الخوض في الإيمان وفيه
فصلان
الفصل الأول فيما يقع به القسم وفيه طرفان
الطرف الأول في الأقسام التي أقسم بها الله تعالى في كتابه العزيز
اعلم أنه قد ورد في القرآن الكريم أقسام أقسم الله تعالى بها إقامة للحجة على المخالف بزيادة التأكيد بالقسم وهي على ضربين
الضرب الأول ما أقسم الله تعالى فيه بذاته او صفاته والمقصود منه مجرد
التأكيد
وقد ورد ذلك في مواضع يسيرة من القرآن
منها قوله تعالى ( فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) وقوله ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون )

وقوله ( فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ) وقوله ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم )
ومنها قوله تعالى ( يس والقرآن الحكيم ) وقوله ( ص والقرآن ذي الذكر ) وقوله ( ق والقرآن المجيد ) وقوله ( حم والكتاب المبين )

الضرب الثاني ما أقسم الله تعالى فيه بشيء من مخلوقاته ومصنوعاته
والمقصود منه مع التأكيد التنبيه على عظيم قدرته وجلاله عظمته من حيث إبداعها تعظيما له لا لها
وقد ورد ذلك في مواضع كثيرة من القرآن لا سيما في أوائل السور فأقسم تعالى بالسماء والأرض والشمس والقمر والنجوم والرياح والجبال والبحار والثمار والليل والنهار وما تفرع عنهما من الأوقات المخصوصة وبالملائكة الكرام المسخرين في تدبير خلقه إلى غير ذلك من الحيوان والثمار وغيرها وقيل المراد في القسم بها وقت كذا
فأما ما في أوائل السور فقال تعالى ( والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ) وقال جل وعز ( والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا ) وقال جلت عظمته ( والطور وكتاب مسطور في رق

منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور ) وقال ( والنجم إذا هوى ) وقال ( لاأقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ) وقال ( والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا ) وقال ( والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا ) وقال ( والسماء ذات البروج واليوم الموعود ) وقال ( والسماء والطارق ) وقال ( والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر ) وقال ( لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد ) وقال ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى ) وقال ( والضحى والليل إذا سجى ) وقال ( والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ) وقال ( والعصر إن الإنسان لفي خسر )
وأقسم بالملائكة القائمين في عبادته والمسخرين في تدبير مخلوقاته في قوله ( والصافات صفا فالزاجرات زجرا ) قيل المراد بالصافات الصافون

صفوفا وبالزاجرات الملائكة التي تزجر السحاب وفي قوله ( فالمقسمات أمرا ) قيل المراد الملائكة التي تقسم الأرزاق على الخلق وفي قوله ( والنازعات غرقا والناشطات نشطا ) قيل النازعات الملائكة تنزع روح الكافر عند الموت والناشطات تنشط روح المؤمن كما ينشط العقال من يد البعير وقوله تعالى ( والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا ) وقوله تعالى ( والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر ) وقوله تعالى ( لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد ) وقوله تعالى ( والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها ) وقوله تعالى ( والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ) وقوله تعالى ( والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا ) وقوله تعالى ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) أقسم بالعصر وهو الدهر
وأما في أثناء السور فمنه قوله تعالى ( فلا أقسم بمواقع النجوم )

وقوله ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) وقوله ( فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا آتسق )

الطرف الثاني في الأقسام التي تقسم بها الخلق وهي على ضربين
الضرب الأول ما كان يقسم به في الجاهلية
اعلم أن مبنى الأيمان على الحلف بما يعظمه الحالف ويتحرز من الحنث عند الحلف به فأهل كل ملة يحلفون بما هو عظيم لديهم في حكم ديانتهم ولا خفاء في أن كل معترف لله تعالى بالربوبية من أهل الديانات يحلف به سواء كان من أهل الكتاب أو مشركا ضرورة آعترافهم بألوهيته تعالى والانقياد إلى ربوبيته
وقد حكى الله تعالى عن الكفار في القرآن الكريم رعاية القسم بالله فقال تعالى ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ) وقال جل وعز ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ) وقال جل من قائل ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت )
ثم اليهود يحلفون بالتوراة والنصارى يحلفون بالإنجيل وعبدة الأوثان من العرب كانوا يحلفون بأوثانهم وكان أكثر حلف عرب الحجاز باللات والعزى

وربما جنحوا عن صورة القسم إلى ضرب من التعليق مثل أن يقول إن فعلت كذا فعلي كذا أو فأنا كذا أو فأكون مخالفا لكذا أو خارجا عن كذا أو داخلا في كذا وما أشبه ذلك
وقد كانت العرب تأتي في نظمها ونثرها عند حلفها بالتعليق بإضافة المكروه إلى مواقعة ما يحذرونه من هلاك الأنفس والأموال وفساد الأحوال وما يجري مجرى ذلك
قال الجاحظ قال الهيثم يمين لا يحلف بها أعرابي أبدا وهي أن يقول لا أورد الله لك صافيا ولا أصدر لك واردا ولا حططت رحلك ولا خلعت نعلك يعني إن فعلت كذا
وقال النابغة الذبياني
( ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه ... إذا فلا رفعت سوطي إلي يدي )
وقال الأشتر النخعي
( بقيت وفري وآنحرفت عن العلى ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس )
( إن لم أشن على آبن حرب غارة ... لم تحل يوما من نهاب نفوس )
وقال معد ان بن جواس الكندي
( إن كان ما بلغت عني فلا منى ... صديقي وشلت من يدي الأنامل )
( وكفنت وحدي منذرا بردائه ... وصادف حوطا من أعادي قاتل )

وقال عدي بن زيد
( فإن لم تهلكوا فثكلت عمرا ... وجانبت المروق والسماعا )
( ولا ملكت يداي عنان طرف ... ولا أبصرت من شمس شعاعا )
( ولا وضعت إلي على خلاء ... حصان يوم خلوتها قناعا )
وقال عمرو بن قميئة
( فإن كان حقا كما خبروا ... فلا وصلت لي يمين وشمالا )
وقال العلوي البصري
( ويقول للطرف آصطبر لشبا القنا ... فهدمت ركن المجد إن لم تعقر )
( وإذا تأمل شخص ضيف طارقا ... متسربلا سربال ليل أغبر )
( أوماإلى الكوماء هذا طارق ... عزتني الأعداء إن لم تنحري ) وقال محمد بن الحصين الأنباري
( ثكلتني التي تؤمل إدراك ... المنى بي وعاجلتني المنون )
( إن تولى بظلمنا عبد عمرو ... ثم لم تلفظ السيوف الجفون )

الضرب الثاني الأقسام الشرعية
والمرجوع فيه إلى صبغة الحلف وما يحلف به
فأما صبغة الحلف ففيه صريح وكنايه فالصريح يكون مع الإتيان بلفظ

الحلف كقوله أحلف بالله لأفعلن كذا وأقسم بالله لأفعلن كذا مع الإتيان بحرف من حروف القسم وهي الواو كقوله والله والباء الموحدة كقوله بالله لأفعلن كذا والتاء المثناة فوق كقوله تالله لأفعلن كذا وقد ورد القسم في القرآن الكريم بالواو كما في قوله تعالى ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين )
وبالتاء المثناة كما في قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام ( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ) وقوله حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام خطابا لأبيهم ( قالوا تالله تفئو تذكر يوسف ) وقوله حكاية عنهم في خطاب يوسف عليه السلام ( قالوا تالله لقد آثرك الله علينا ) فإذا أتى باليمين بصيغة من هذه الصيغ انعقدت يمينه نوى اليمين أو لم ينو
والكناية كقوله بلا بحرف القسم وباله ولعمر الله وايم الله وأشهد بالله وأعزم بالله فإذا أتى بصيغة من هذه الصيغ ونوى اليمين انعقدت وإلا فلا وفي معنى ذلك تعليق التزام فعل أو تركه بشرط ان يكون ذلك قربة كقوله إن فعلت كذا فعلي نذر كذا أو يكون كفارة يمين مثل أن يقول إن فعلت كذا فعلي كفارة يمين
وأما ما يحلف به فهو على أربعة أصناف
الصنف الأول اسم الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيره وهو الله والرحمن ولا نزاع في انعقاد اليمين به بكل حال إذ لا ينصرف بالنية إلى غيره قال تعالى ( فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) أي هل تعلم أحدا

تسمى الله غيره وقال جل وعز ( قل ادعوا الله وادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) فجعل اسمه الرحمن قرينا لاسمه الله ولا عبرة بتسمية مسيلمة الكذاب لعنه الله نفسه رحمن اليمامة تجهرما إذ لم يتسم به إلا مقيدا بإضافته إلى اليمامة وكذلك الأزل الذي ليس قبله شيء
الصنف الثاني اسم الله تعالى الذي يسمى به غيره على سبيل المجاز وعند الإطلاق ينصرف إلى الله تعالى كالرحيم والعليم والحليم والحكيم والخالق والرازق والجبار والحق والرب فإن قصد به الله تعالى انعقدت اليمين وإن قصد به غيره فلا تنعقد ويدين الحالف
الصنف الثالث ما يستعمل في أسماء الله تعالى مع مشاركة غيره له فيه كالموجود والحي والناطق لا تنعقد به اليمين قصد الله تعالى أو لم يقصد لأن اليمين إنما تنعقد بحرمة الاسم وإنما يكون ذلك في الخاص دون المشترك
الصنف الرابع صفات الله تعالى فإن كانت الصفة المحلوف بها صفة لذاته كقوله وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله وعزة الله وكبرياء الله وعلم الله ومشيئة الله انعقدت اليمين وإلا فلا ولو قال وحق الله انعقدت اليمين عند الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله وذهب أبو حنيفة إلى أنها لا تنعقد لأن حقوق الله تعالى هي الطاعات وهي مخلوقة فلا يكون الحلف بها يمينا ولو قال والقرآن انعقدت اليمين عند الشافعي رضي الله عنه خلافا لأبي حنيفة
وكان كان أكثر حلف النبي بقوله والذي نفسي بيده وأيمان الصحابة

في الغالب ورب محمد ورب إبراهيم وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي كثيرا ما يحلف لا ومقلب القلوب
ثم اليمين الشرعية التي يحلف بها الحكام إن كان مسلما أحلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الذي أنزل القرآن على نبيه محمد وإن كان يهوديا أحلف بالله الذي انزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق وإن كان نصرانيا أحلف بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى بن مريم

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الثامنة في بيان معنى اليمين الغموس ولغو اليمين والتحذير من الحنث والوقوع في اليمين الغموس وفيه طرفان

الطرف الأول في بيان معنى اليمين الغموس ولغو اليمين
أما معناها فقال الشافعي رضي الله عنه هي أن يكون الحالف في خبره كاذبا وقال غيره هي أن يحلف على ماض وإن لم يكن وهما متقاربان وإنما سميت الغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم
وقد اختلف في وجوب الكفارة فيها فذهب الشافعي رضي الله عنه إلى وجوب الكفارة فيها تغليظا على الحالف كما أوجب الكفارة في قتل العمد وهو مذهب عطاء والزهري وابن عيينة وغيرهم وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد رضي الله عنهم إلى أنه لا كفارة فيها احتجاجا بأنها أعظم من أن تكفر لأنها من الكبائر العظام وهو مذهب الثوري والليث وإسحاق وحكي عن سعيد بن المسيب

وأما لغو اليمين فقد اختلف فيه أيضا فذهب الشافعي إلى أنه ما وقع من غير قصد ماضيا كان أو مستقبلا كقوله لا والله وبلى والله وهو إحدى الروايتين عن أحمد وذهب أبو حنيفة إلى أنه الحلف على الماضي من غير قصد الكذب في يمينه مثل أن يظن شيئا فيحلف عليه وهو الرواية الثانية عن أحمد وحكي عن مالك أن هذه هي اليمين الغموس

الطرف الثاني في التحذير من الوقوع في اليمين الغموس
أما اليمين الغموس فإنها من أعظم الكبائر وناهيك أنها تغمس صاحبها في الإثم وقد قال تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) وقال جل وعز ( ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ) وفي الحديث أن النبي قال من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امريء مسلم لقي الله عز و جل وهو عليه غضبان وقد قيل إن التوحيد وهو الذي لا إله إلا هو إنما أوصل في اليمين رفقا بالحالف كي لا يهلك لوقته فقد روي عن أمير المؤمين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال إذا حلف الحالف بالله الذي لا إله إلا هو لم يعاجل لأنه قد وحد الله تعالى
ويروى أن جعفر بن محمد عليه السلام ادعى عليه مدع عند قاض فأحلفه جعفر بالله لم يزد على ذلك فهلك ذلك الحالف لوقته فقال القاضي ومن حضر ما هذا فقال إن يمينه بما فيه ثناء على الله ومدح ويؤخر العقوبة كرما منه عز و جل وتفضلا وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه

أحلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنه بريء من حول الله وقوته فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل
ومن غريب ما يحكى في ذلك أن عبد الله بن مصعب الزبيري سعى بيحيى ابن عبد الله بن الحسن إلى الرشيد بعد قيام يحيى بطلب الخلافة فجمع بينهما وتواقفا ونسب يحيى إلى الزبيري شعرا يقول منه
( قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها ... إن الخلافة فيكم يا بني حسن )
فأنكر الزبيري الشعر فأحلفه يحيى فقال قل قد برئت من حول الله وقوته واعتصمت بحولي وقوتي وتقلدت الحول والقوة من دون الله استكبارا على الله واستغناء عنه واستعلاء عليه فامتنع فغضب الرشيد وقال إن كان صادقا فليحلف وكان للفضل بن الربيع فيه هوى فرفسه برجله وقال ويحك احلف فحلف ووجهه متغير وهو يرعد فما برح من موضعه حتى أصابه الجذام فتقطع ومات بعد ثلاثة أيام ولما حمل إلى قبره ليوضع فيه انخسف به حتى غاب عن أعين الناس وخرجت منه غبرة عظيمة وجعلوا كلما هالوا عليه التراب انخسف فسقفوه وانصرفوا

الباب الثاني من المقالة الثامنة في نسخ الإيمان الملوكية وفيه فصلان
الفصل الأول في نسخ الإيمان المتعلقة بالخلفاء وهي على نوعين
النوع الأول في الإيمان التي يحلف بها على بيعة الخليفة عند مبايعته وهي
الأصل في الأيمان الملوكية بأسرها
وأول من رتبها الحجاج بن يوسف حين أخذه البيعة لعبد الملك بن مروان على أهل العراق ثم زيد فيها بعد ذلك وتنقحت في الدولة العباسية وتنضدت وكان عادتهم فيها أن يجري القول فيها بكاف الخطاب كما في مكاتباتهم يومئذ وربما أتي فيها بلفظ المتكلم
وهذه نسخة يمين أوردها أبو الحسين الصابي في كتابه غرر البلاغة وهي
تبايع عبد الله أمير المؤمنين فلانا بيعة طوع واختيار وتبرع وإيثار وإعلان وإسرار وإظهار وإضمار وصحة من غير نغل وسلامة من غير دغل وثبات من غير تبديل ووفاء من غير تأويل واعتراف بما فيها من اجتماع الشمل واتصال الحبل وانتظام الأمور وصلاح الجمهور وحقن الدماء وسكون الدهماء وسعادة الخاصة والعامة وحسن العائدة على أهل الملة والذمة على

أن عبدالله فلانا أمير المؤمنين عبدالله الذي آصطفاه وأمينه الذي آرتضاه وخليفته الذي جعل طاعته جارية بالحق وموجبة على الخلق ومورده لهم مورد الأمن وعاقدة لهم معاقد اليمن وولايته مؤذنة بجميل الصنع ومؤدية لهم إلى جزيل النفع وإمامته التي اقترن بها الخير والبركة والمصلحة العامة المشتركة وأمل فيها قمع الملحد الجاحد ورد الجائر الحائد ووقم العاصي الخالع وعطف الغاوي المنازع وعلى أنك ولي أوليائه وعدو أعدائه من كل داخل في الجملة وخارج عن الملة وعائذ بالحوزة وحائد عن الدعوة ومتمسك بما بذلته عن إخلاص من آرائك وحقيقة من وفائك لا تنقص ولا تنكث ولا تخلف ولا تواري ولا تخادع ولا تداجي ولا تخاتل علانيتك مثل نيتك وقولك مثل طويتك وعلى أن لا ترجع عن شيء من حقوق هذه البيعة وشرائطها على ممر الأيام وتطاولها وتغير الأحوال وتنقلها وآحتلاف الأوقات وتقلبها وعلى أنك في كل ذلك من أهل الملة الإسلامية ودعاتها وأعوان المملكة العباسية ورعاتها لا يتداخل قولك مواربة ولا مداهنة ولا يعترضه مغالطة ولا يتعقبه مخالفة ولا تحبس به أمانة ولا تقله خيانة حتى تلقى الله تعالى مقيما على أمرك ووفيا بعهدك إذ كان مبايعو ولاة الأمر وخلفاء الله تعالى في الأرض ( إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما )
عليك بهذه البيعة التي أعطيت بها صفقة يدك وأصفيت فيها سريرة قلبك والتزمت القيام بها ما طال عمرك وآمتد أجلك عهد الله إن عهد الله كان مسؤولا وما أخذه على أنبيائه ورسله وملائكته وحملة عرشه من أيمان مغلظة وعهود مؤكدة ومواثيق مشددة على أنك تسمع وتصغي وتطيع ولا تعصي وتعتدل ولا تميد وتستقيم ولا تميل وتفي ولا تغدر وتثبت ولا تتغير فمتى زلت عن هذه المحجة خافرا لأمانتك ورافعا لديانتك فجحدت الله تعالى ربوبيته وأنكرت

وحدانيته وقطعت عصمته محمد وجذذتها ورميت طاعته وراء ظهرك ونبذتها ولقيت الله يوم الحشر إليه والعرض عليه مخالفا لأمره وناقضا لعهده ومقيما على الإنكار له ومصرا على الإشراك به وكل ما حلله الله لك محرم عليك وكل ما تملكه يوم رجوعك عن بذلك وآرتجاعك ما أعطيته في قولك من مال موجود ومذخور ومصنوع ومضروب وسارح ومربوط وسائم ومعقول وأرض وضيعة وعقار وعقدة ومملوك وأمة صدقة على المساكين محرمة على مر السنين وكل آمرأة لك تملك شعرها وبشرها وأخرى تتزوجها من بعدها طالق ثلاثا ابتاتا طلاق الحرج والسنة لا رجعة فيها ولا مثنوية وعليك الحج إلى بيت الله الحرام الذي بمكة ثلاثين دفعة حاسرا حافيا وراجلا ماشيا نذرا لازما ووعدا صادقا لا يبرئك منها إلا القضاء لها والوفاء بها ولا قبل منك توبة ولا رجعة ولا أقالك عثرة ولا صرعة وخذلك يوم الاستنصار بحوله وأسلمك عند الاعتصام بحبله وهذه اليمين قولك قلتها قولا فصيحا وسردتها سردا صريحا وأخلصت فيها سرك إخلاصا مبينا وصدقت بها عزمك صدقا يقينا والنية فيها نية فلان أمير المؤمنين دون نيتك والطوية دون طويتك وأشهدت الله على نفسك بذلك ( وكفى بالله شهيدا ) يوم تجد كل نفس عليها حافظا ورقيبا
وهذه نسخة يمين بيعة أوردها ابن حمدون في تذكرته وأبو الحسن بن سعد في ترسله تواردت مع البيعة السابقة وأيمانها في بعض الألفاظ وخالفت في أكثرها وهي
تبايع الإمام أمير المؤمنين بيعة طوع وإيثار ورضا وإختيار واعتقاد وإضمار وإعلان وإسرار وإخلاص من طويتك وصدق من نيتك وانشراح

صدرك وصحة عزيمتك طائعا غير مكره ومنقادا غير مجبر مقرا بفضلها مذعنا بحقها معترفا ببركتها ومعتدا بحسن عائدتها وعالما بما فيها وفي توكيدها من صلاح الكافة واجتماع الكلمة الخاصة والعامة ولم الشعث وأمن العواقب وسكون الدهماء وعز الأولياء وقمع الأعداء على أن فلانا عبد الله وخليفته والمفترض عليك طاعته والواجب على الأمة إقامته وولايته اللازم لهم القيام بحقه والوفاء بعهده لا تشك فيه ولا ترتاب به ولا تداهن في أمره ولا تميل وأنك ولي وليه وعدو عدوه من خاص وعام وقريب وبعيد وحاضر وغائب متمسك في بيعته بوفاء العهد وذمة العقد سريرتك مثل علانيتك وظاهرك فيه مثل باطنك وباطنك فيه وفق ظاهرك على أن إعطاءك الله هذه البيعة من نفسك وتوكيدك إياها في عنقك لفلان أمير المؤمنين عن سلامة من قلبك واستقامة من عزمك واستمرار من هواك ورأيك على أن لا تتأول عليه فيها ولا تسعى في نقض شيء منها ولا تقعد عن نصرته في الرخاء والشدة ولا تدع النصر له في كل حال راهنة وحادثة حتى تلقى الله تعالى موفيا بها مؤديا للأمانة فيها إذ كان الذين يبايعون ولاة الأمر وخلفاء الله في الأرض ( إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه )
عليك بهذه البيعة التي طوقتها عنقك وبسطت لها يدك وأعطيت بها صفقتك وما شرط فيها من وفاء وموالاة ونصح ومشايعة وطاعة وموافقة واجتهاد ومبالغة عهد الله إن عهد الله كان مسؤولا وما أخذ الله على أنبيائه ورسله عليهم السلام وأخذ على عباده من وكيدات مواثيقه ومحكمات عهوده وعلى أن تتمسك بها ولا تبدل وتستقيم ولا تميل
وإن نكثت هذه البيعة أو بدلت شرطا من شروطها أو عفيت رسما من رسومها أو غيرت حكما من أحكامها معلنا أو مسرا أو محتالا أو متأولا أو زغت عن السبيل التي يسلكها من لا يخفر الأمانة ولا يستحل الغدر والخيانة ولا يستجيز حل العقود فكل ما تملكه من عين أو ورق أو آنية أو عقار أو زرع أو ضرع

أو غير ذلك من صنوف الأملاك المعتقدة والأمور المدخرة صدقة على المساكين محرمة عليك أن ترجع من ذلك إلى شيء من مالك بحيلة من الحيل على وجه من الوجوه وسبب من الأسباب أو مخرج من مخارج الأيمان وكل ما تفيده في بقية عمرك من مال يقل خطره أو يجل فتلك سبيله إلى أن تتوفاك منيتك ويأتيك أجلك وكل مملوك لك اليوم أو تملكه إلى آخر أيامك أحرار سائبون لوجه الله تعالى ونساؤك يوم يلزمك الحنث ومن تتزوج بعدهن مدة بقائك طوالق ثلاثا بتاتا طلاق الحرج والسنة لا مثنوية فيها ولا رجعة وعليك المشي إلى بيت الله الحرام ثلاثين حجة حافيا حاسرا راجلا لا يرضى الله منك إلا بالوفاء بها ولا يقبل الله منك صرفا ولا عدلا وخذلك يوم تحتاج إليه وبرأك الله من حوله وقوته وألجأك إلى حولك وقوتك والله تعالى بذلك شهيد ( وكفى بالله شهيدا )

الضرب الثاني الأيمان التي يحلف بها الخلفاء
وقل من تعرض لها لقلة وقوعها إذ الخليفة قلما يحلف لعلو رتبته وارتفاع محله ومدار تحليف الخلفاء بعد القسم بالله على التعليق بوقوع المحذور عليهم ولزومه لهم مثل البراءة من الخلافة والانخلاع منها وما يجري مجرى ذلك ولم أقف على ذلك إلا في ترسل الصابي وذلك حين كان الأمر معدوقا بالخلفاء

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثامنة في نسخ الإيمان
المتعلقة بالملوك وفيه خمسة مهايع
المهيع الاول في بيان الأيمان التي يحلف بها المسلمون وهي على نوعين
النوع الأول من الأيمان التي يحلف بها المسلمون أيمان أهل السنة
وهي اليمين العامة التي يحلف بها أهل الدولة من الأمراء والوزراء والنواب ومن يجري مجراهم
وهذه نسخة يمين أوردها في التعريف وهي
أقول وأنا فلان والله والله والله وبالله وبالله وبالله وتالله وتالله وتالله والله العظيم الذي لا إله إلا هو الباريء الرحمن الرحيم عالم الغيب والشهادة والسر والعلانية وما تخفي الصدرو القائم على كل نفس بما كسبت والمجازي لها بما عملت وحق جلال الله وقدرة الله وعظمة الله وكبرياء الله وسائر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا إنني من وقتي هذا وما مد الله في عمري قد أخلصت نيتي ولا أزال مجتهدا في إصفائها في طاعة مولانا السلطان فلان الفلاني خلد الله ملكه وخدمته ومحبته وامتثال مراسيمه والعمل بأوامره وإنني والله العظيم حرب

لمن حاربه سلم لمن سالمه عدو لمن عاداه ولي لمن والاه من سائر الناس أجمعين وإنني والله العظيم لا أضمر لمولانا السلطان فلان سوءا ولاغدرا ولا خديعة ولا مكرا ولا خيانة في نفس ولا مال ولا سلطنة ولا قلاع ولا حصون ولا بلاد ولا غير ذلك ولا أسعى في تفريق كلمة أحد من أمرائه ولا مماليكه ولا عساكره ولا أجناده ولا عربانه ولا تركمانه ولا أكراده ولا استمالة طائفة منهم لغيره ولا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا نية ولابمكاتبة ولا مراسلة ولا إشارة ولا رمز ولا كناية ولا تصريح وإن جاءني كتاب من أحد من خلق الله تعالى بما فيه مضرة على مولانا السلطان أو أهل دولته لا أعمل به ولا أصغى إليه وأحمل الكتاب إلى ما بين يديه الشريفتين وهو من أحضره إن قدرت على إمساكه
وإنني والله العظيم أفي لمولانا السلطان بهذه اليمين من أولها إلى آخرها لا أنقضها ولا شيئا منها ولا أستثني فيها ولا في شيء منها ولا أخالف شرطا من شروطها ومتى خالفتها أو شيئا منها أو نقضتها أو شيئا منها أو استثنيت فيها أو في شيء منها طلبا لنقضها فكل ما أملكه من صامت وناطق صدقة على الفقراء والمساكين وكل زوجة في عقد نكاحه أو يتزوجها في المستقبل فهي طالق ثلاثا بتاتا على سائر المذاهب وكل عبيدي وإمائي أحرار لوجه الله وعليه الحج إلى بيت الله الحرام بمكة المعظمة والوقوف بعرفة ثلاثين حجة متواليات متتابعات كوامل حافيا ماشيا وعليه صوم الدهر كله إلا المنهي عنه وعليه أن بفك الف رقبة مؤمنة من أسر الكفار ويكون بريئا من الله تعالى ومن رسوله ومن دين الإسلام إن خالفت هذه اليمين أو شرطا من شروطها
وهذه اليمين يميني وأنا فلان والنية فيها بأسرها نية مولانا السلطان فلان ونية مستحلفي له بها ولا نية لي في باطني وظاهري سواها أشهد الله علي بذلك وكفى بالله شهيدا والله على ما أقول وكيل

قلت عجيب من المقر الشهابي رحمه الله ما أتى به في نسخة هذه اليمين فإنه أتى بها بلفظ التكلم إلى قوله وكل زوجة فعدل عن التكلم إلى الغيبة وقال في نكاحه وكذلك ما بعده إلى قوله من أسر الكفار ويكون بريئا من الله ومن رسوله إن خالفت هذه اليمين وأتى بصيغة التكلم إلى آخر الكلام فإن كان فر في قوله وكل زوجة في نكاحه خوفا من أن يقول في نكاحي فتطلق زوجته هو فلا وجه له لأن الحاكي لا يقع عليه الطلاق وكذا ما بعده من العتق وغيره
وأعجب من ذلك كله قوله ويكون بريئا من الله ورسوله ومن دين الإسلام إن خالفت فجمع بين الغيبة والتكلم في حالة واحدة على أن ما ذكره بلفظ الغيبة إنما هو فيما سطره في النسخة أما إذا كتبت اليمين التي يحلف بها فإنها لا تكون في الجميع إلا بلفظ التكلم فما المعنى في أنه خاف من الوقوع في المحذور عند حكاية القول ولم يخف مثل ذلك فيما يكتبه في نفس اليمين
وقد ذكر صاحب التثقيف جميع ذلك بلفظ التكلم مع المخالفة في بعض الألفاظ وزيادة ونقص فيها
وهذه نسختها وهي
أقول وأنا فلان بن فلان والله والله والله وبالله وبالله وبالله وتالله وتالله وتالله والله الذي لا إله إلا هو الباريء الرحمن الرحيم عالم الغيب والشهادة والسر والعلانية وما تخفي الصدور القائم على كل نفس بما كسبت والمجازي لها بما احتقبت وحق جلال الله وعظمة الله وقدرة الله وكبرياء الله وسائر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا وحق هذا القرآن الكريم ومن أنزله ومن أنزل عليه إنني من وقتي هذا ومن ساعتي هذه وما مد الله في عمري قد أخلصت نيتي ولا ازال مجتهدا في إخلاصها واصفيت طويتي ولا أزال مجتهدا في إصفائها في طاعة السلطان الملك الفلاني فلان الدنيا والدين فلان خلد الله ملكه وفي خدمته ومحبته ونصحه وأكون وليا لمن والاه عدوا

لمن عاداه سلما لمن سالمه حربا لمن حاربه من سائر الناس أجمعين لا أضمر له سوءا ولا مكرا ولا خديعة ولا خيانة في نفس ولامال ولا ملك ولا سلطنة ولا عساكر ولا أجناد ولا عربان ولا تركمان ولا أكراد ولا غير ذلك ولا اسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة وإنني والله العظيم أبذل جهدي وطاقتي في طاعة مولانا السلطان الملك الفلاني فلان الدنيا والدين المشار إليه وإن كاتبني أحد من سائر الناس أجمعين بما فيه مضرة على ملكه لا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا نية وإن قدرت على إمساك الذي جاءني بالكتاب أمسكته وأحضرته لمولانا السلطان الملك الفلاني المشار إليه أو النائب القريب مني وإنني والله العظيم أفي لمولانا السلطان المشار إليه بهذه اليمين من أولها إلى آخرها لا استثني فيها ولا في شيء منها ولااستفتي فيها ولا في شيء منها وإن خالفتها أو شيئا منها او استثنيت منها او استفتيت طلبا لنقضها أو نقض شيء منها فيكون كل ما أملكه من صامت وناطق صدقة على الفقراء والمساكين من المسلمين وتكون كل زوجة في عقد نكاحي أو أتزوجها في المستقبل طالقا ثلاثا بتاتا على سائر المذاهب وتكون كل أمة أو مملوك في ملكي الآن أو أملكه في المستقبل أحرارا لوجه الله تعالى ويلزمني ثلاثون حجة متواليات متتابعات حافيا حاسرا وعلي صوم الدهر بجملته إلا الأيام المنهي عن صومها
وهذه اليمين يميني وأنا فلان بن فلان والنية في هذه اليمين بأسرها نية مولانا السلطان الملك الفلاني المشار إليه ونية مستحلفي له بها لا نية لي في غيرها ولا قصد لي في باطني وظاهري سواها أشهد الله علي بذلك وكفى بالله شهيدا والله على ما أقول وكيل
قلت وربما كان للسلطان ولي عهد بالسلطنة فيقع التحليف للسلطان ولولده جميعا وهي على نحو ما تقدم لا يتغير فيها إلا نقل الضمير من الإفراد إلى التثنية

وهذه نسخة يمين حلف عليها العساكر للسلطان الملك المنصور قلاوون في سنة ثمان وسبعين وستمائة له ولولده ولي عهده الملك الصالح علاء الدين علي أوردها ابن المكرم في تذكرته وهي
والله والله والله وبالله وبالله وبالله وتالله وتالله وتالله والله العظيم الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الطالب الغالب المدرك المهلك الضار النافع عالم الغيب والشهادة والسر والعلانية وما تخفي الصدور القائم على كل نفس بما كسبت والمجازي لها بما احتقبت وحق جلال الله وعزة الله وعظمة الله سائر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا إنني من وقتي هذا ومن ساعتي هذه وما مد الله في عمري قد أخلصت النية ولا أزال مجتهدا في إخلاصها واصفيت طويتي ولا أزال متجهدا في إصفائها في طاعة السلطان فلان وطاعة ولده ولي عهده فلان وخدمتهما وموالاتهما وامتثال مراسيمها والعمل بأوامرها وإنني والله العظيم جرب لمن حاربهما سلم لمن سالمهما عدو لمن عاداهما ولي لمن والاهما وإنني والله العظيم لا أسعى في أمر فيه مضرة على مولانا السلطان ولا في مضرة ولده في نفس ولا سلطنة ولا إستمالة لغيرهما ولا أوافق أحدا على ذلك بقول ولا فعل ولا مكاتبة ولا مشافهة ولا مراسلة ولا تصريح وإنني والله العظيم لا أدخر عن السلطان ولا عن ولده نصيحة في أمر من أمور ملكهما الشريف ولا أخفيها عن أحدهما وأن أعلمه بها في أقرب وقت يمكنني الإعلام له بها أو أعلم من يعلمه بها وأن الخ

النوع الثاني من الإيمان التي بحلف بها المسلمون أيمان أهل البدع والذين
منهم بهذه المملكة ثلاث طوائف
الطائفة الأولى الخوارج
وهم قوم ممن كانوا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حملوه على أن رضي بالتحكيم بينه وبين معاوية وأشاروا بإقامة أبي موسى الأشعري حكما عن علي وإقامة عمرو بن العاص حكما عن معاوية فخدع عمرو أبا موسى بأن اتفق معه على أن يخلعا عليا ومعاوية جميعا ويقيم المسلمون لهم خليفة يختارونه فتقدم أبو موسى وأشهد من حضر أنه خلعهما فوافق عمرو على خلع علي ولم يخلع معاوية وبقي الأمر لمعاوية فأنكروا ذلك حينئذ ورفضوا التحكيم ومنعوا حكمه وكفروا عليا ومعاوية ومن كان معهما بصفين وقالوا لا حكم إلا لله ورسوله وخرجوا على علي فسموا الخوارج ثم فارقوه وذهبوا إلى النهروان فأقاموا هناك وكانوا أربعة آلاف غوغاء لا رأس لهم فذهب إليهم علي رضي الله عنه فقاتلهم فلم يفلت سوى تسعة أنفس ذهب منهم اثنان إلى عمان واثنان إلى كرمان واثنان إلى سجستان واثنان إلى الجزيرة وواحد إلى اليمن فظهرت بدعتهم بتلك البلاد وبقيت بها
ثم من مذهبهم منع التحكيم على ما تقدم وتخطئة علي وأصحابه ومعاوية وأصحابه بصفين في اعتمادهم إياه بل تكفيرهم على ما تقدم ومنها امتناع ذلك عن رضا أصلا وانهم يمنعون التأويل في كتاب الله تعالى ومنهم من يقول إن سورة يوسف عليه السلام ليست من القرآن وإنما هي قصة من

القصص ومن أدخلها في القرآن فقد زاد فيه ما ليس منه على ما سيأتي ذكره ويقولون إن إمارة بني أمية كانت ظلما وإن قضاءهم الذي رتبوه على التحكيم باطل ويذهبون إلى تخطئة عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري فيما اتفقا عليه عند تحكيمهما ويشنعون على معاوية وأصحابه ويقولون استباحوا الفروج والأموال بغير حق
ثم منهم من يكفر بالكبائر ومنهم من يكفر بالإصرار على الصغائر بخلاف الكبائر من غير إصرار على ما يأتي ذكره ويصوبون فعلة عبد الرحمن بن ملجم في قتله عليا رضي الله عنه وينكرون على من ينكر ذلك عليه لا سيما من ذهب من الشيعة إلى أن ذلك كفر وفي ذلك يقول شاعرهم
( يا ضربة من ولي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا )
( إني لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى الخليقة عند الله ميزانا )
وكذلك يصوبون فعل عمرو بن بكر الخارجي في قتل خارجة بن أبي حبيبة صاحب شرطة عمرو بن العاص بمصر حين قتله على ظن أنه عمرو بن العاص لما لهم عنده من الإحن والضغائن وأنهم يصوبون فعل قطام زوج عبد الرحمن بن ملجم في اشتراطها على ابن ملجم حين خطبها ثلاثة آلاف وعبدا وقينة وقتل علي وأنهم يستعظمون خلع طاعة رؤوسهم وأنهم يجوزون كون الإمام غير قرشي بل هم يجوزون إمامة الحر والعبد جميعا وينسبون من خالفهم إلى الخطإ ويستبيحون دماءهم بمقتضى ذلك
واعلم أن ما تقدم ذكره من معتقدات الخوارج هو مقتضى ما رتبه من يمينهم في التعريف على ما سيأتي ذكره على أن بعض هذه المعتقدات يختص بها

بعض فرق الخوارج دون بعض على ما سيأتي بيانه ولكل منهم معتقدات اخرى تزيد على ما تقدم ذكره
وهأنا أذكر بعض فرقهم وبعض ما اختصت به كل فرقة منهم ليبني على ذلك من أراد ترتيب يمين لفرقة منهم
فمنهم المحكمة وهم الذين يمنعون التحكيم
ومنهم الأزارقة وهم أتباع نافع بن الأزرق وهم الذين خرجوا بفارس وكرمان أيام ابن الزبير وقاتلهم المهلب بن أبي صفرة وهم الذين بكفرون عليا مع جمع من الصحابة ويصوبون فعل ابن ملجم ويكفرون القعدة عن القتال مع الإمام وإن قاتل أهل دينه ويبيحون قتل أطفال المخالفين ونسائهم ويسقطون الرجم عن الزاني المحصن وحد القذف عن قاذف الرجل المحصن دون قاذف المرأة المحصنة ويخرجون أصحاب الكبائر عن الإسلام ويقولون التقية غير جائزة
ومنهم النجدات وهم أصحاب نجدة بن عامر يكفرون بالإصرار على الصغائر دون فعل الكبائر من غير إصرار ويستحلون دماءأهل العهد والذمة وأموالهم في دار التقية ويتبرأون ممن حرمها
ومنهم البيهسية وهم أصحاب أبي بيهس بن جابر يرون أنه لا حرام إلا ما وقع عليه النص بقوله تعالى ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ) الآية ويكفرون الرعية بكفر الإمام
ومنهم العجاردة وهم الذين ينكرون كون سورة يوسف من القرآن

ويقولون إنما هي قصة من القصص ويوجبون التبري من الطفل فإذا بلغ دعي إلى الإسلام
ومنهم الميمونية وهم فرقة يقولون عن الله تعالى يريد الخير دون الشر ويجوزون نكاح بنات البنات وبنات أولاد الأخوة والأخوات
ومنهم الإباضية يرون أن مرتكب الكبيرة كافر للنعمة لا مشرك ويرون أن دار مخالفيهم من المسلمين دار توحيد ودار السلطان منهم دار بغي
ومنهم الثعالبة يرون ولاية الطفل حتى يظهر عليه إنكار الحق فيتبرأون منه
ومنهم الصفرية يرون أن ما كان من الكبائر فيه حد كالزنا لا يكفر به وما كان منها ليس فيه حد كترك الصلاة يكفر به
وكأن الذي أورده في التعريف متفق عليه عندهم أو هو قول أكثرهم فاكتفى به

وقد رتب في التعريف تحليفهم على مقتضى ما ذكره من اعتقادهم فقال
وأيمانهم أيمان أهل السنة ويزاد فيها وإلا أجزت التحكيم وصوبت قول الفريقين في صفين وأطعت بالرضا مني حكم أهل الجور وقلت في كتاب الله بالتأويل وأدخلت في القرآن ما ليس منه وقلت إن إمارة بني أمية عدل وإن قضاءهم حق وإن عمرو بن العاص أصاب وإن أبا موسى ما أحطأ واستبحت الأموال والفروج بغير حق واجترحت الكبائر والصغائر ولقيت الله مثقلا بالأوزار وقلت إن فعلة عبد الرحمن بن ملجم كفر وإن قاتل خارجة آثم وبرئت من فعلة قطام وخلعت طاعة الرؤوس وأنكرت أن تكون الخلافة إلا في قريش وإلا فلا رويت سيفي ورمحي من دماء المخطئين

الطائفة الثانية الشيعة
وهم الذين شايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصاية جليا أو خفيا وإن الإمامة لا تخرج عنه وعن بنيه إلا بظلم من غير ذلك الإمام او بتقية منه لغيره
قال الشهرستاني في النحل والملل ويجمعهم القول بوجوب التعيين للإمام والتنصيص عليه ممن قبله وثبوت عصمة الأئمة وجوبا عن الكبائر والصغائر والقول بالتولي للأئمة والتبري من غيرهم
وقال في التعريف يجمعهم حب علي رضي الله عنه وتختلف فرقهم فيمن سواه
فأما مع إجماعهم على حبه فهم مختلفون في اعتقادهم فيه فمنهم أهل غلو مفرط وعتو زائد ففيهم من أدى به الغلو إلى أن اتخذ عليا إلها وهم النصيرية

قال ومنهم من قال إنه النبي المرسل وإن جبريل غلط ومنهم من قال إنه شريك في النبوة والرسالة ومنهم من قال إنه وصي النبوة بالنص الجلي ثم تخالفوا في الإمامة بعده وأجمعوا بعده على الحسن ثم الحسين وقالت فرقة منهم وبعدهما محمد بن الحنفية
ثم قد ذكر في التعريف أن الموجود من الشيعة في هذه المملكة خمس فرق

الفرقة الأولى الزيدية
وهم القائلون بإمامة زيد بن علي بن الحسين السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو الذي رأسه مدفون بالمشهد الذي بين كيمان مصر جنوبي الجامع الطولوني المعروف بمشهد الرأس فيما ذكره القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في خطط القاهرة قال في التعريف وهم أقرب القوم إلى القصد الأمم قال ولهم إمام باق باليمن إلى الآن وصنعاء داره وأمراء مكة المعظمة منهم ثم قال وحدثني مبارك بن عطيفة بن ابي نمي أنهم لا يدينون إلا بطاعة ذلك الإمام ولا يرون إلا أنهم نوابه وإنما يتقون صاحب مصر لخوفهم منه وللإقطاع وصاحب اليمن لمداراته لواصل الكارم ورسوم الأنعام ومن ثم عدهم من جملة من بهذه المملكة من طوائف البدع
وكان من مذهب زيد هذا جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل ويقول إن عليا رضي الله عنه كان أفضل الصحابة رضوان الله عليهم إلا أن الإمامة فوضت إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها من

تسكين نائرة الفتنة وتطييب قلوب العامة مع تفضيل علي على الشيخين عندهم في أوانهم وأتباعه يعتقدون أن هذا هو المعتقد الحق ومن خالفه خرج عن طريق الحق وضل عن سواء السبيل
وهم يقولون أن نص الأذان بدل الحيعلتين حي على خير العمل يقولونها في أذانهم مرتين بدل الحيعلتين وربما قالوا قبل ذلك محمد وعلي خير البشر وعترتهما خير العتر ومن رأى أن هذا بدعة فقد حاد عن الجادة
وهم يسوقون الإمامة في أولاد علي كرم الله وجهه من فاطمة رضي الله عنها ولا يجوزون ثبوت الإمامة في غير بنيهما إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع خرج لطلب الإمامة إماما معصوما واجب الطاعة سواء كان من والد الحسن أو الحسين عليهما السلام ومن خلع طاعته فقد ضل وهم يرون أن الإمام المهدي المنتظر من ولد الحسين رضي الله عنه دون ولد الحسن ومن خالف في ذلك فقد أخطأ ومن قال إن الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أفضل من علي وبنيه فقد أخطأ عندهم وخالف زيدا في معتقده ويقولون إن تسليم الحسن الأمر لمعاوية كان لمصلحة اقتضاها الحال وإن كان الحق له
قال في التعريف وأيمانهم أيمان أهل السنة يعني فيحلفون كما تقدم ويزاد فيها وإلا برئت من معتقد زيد بن علي ورأيت أن قولي في الاذان حي على خير العمل بدعة وخلعت طاعة الإمام المعصوم الواجب الطاعة وادعيت أن المهدي المنتظر ليس من ولد الحسين بن علي وقلت بتفضيل الشيخين على أمير المؤمنين علي وبنيه وطعنت في رأي ابنه الحسن لما اقتضته المصلحة وطعنت عليه فيه

الفرقة الثانية من الشيعة الإمامية
وهم القائلون بإمامة اثني عشر إماما أولهم أمير المؤمنين علي المرتضى ثم ابنه الحسن المجتبى ثم أخوه الحسين شهيد كربلاء ثم ابنه علي السجاد

زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم ثم ابنه علي الرضا وهو الذي عهد إليه المأمون بالخلافة ومات قبل أن يموت المأمون ثم ابنه محمد التقي ثم ابنه علي النقي ثم ابنه الحسن الزكي المعروف بالعسكري ثم ابنه محمد الحجة وهو المهدي المنتظر عندهم يقولون أنه دخل مع أمه صغيرا سردابا بالحلة على القرب من بغداد ففقد ولم يعد فهم ينتظرونه إلى الآن ويقال أنهم في كل ليلة يقفون عند باب السرداب ببغلة مشدودة ملجمة من الغروب إلى مغيب الشفق ينادون أيها الإمام قد كثر الظلم وظهر الجور فاخرج إلينا ثم يرجعون إلى الليلة الأخرى وتلقب هذه الفرقة بالاثني عشرية أيضا لقولهم بإمامة اثني عشر إماما وبالموسوية لقولهم بانتقال الخلافة بعد جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم المقدم ذكره دون أخيه إسماعيل إمام الإسماعيلية الآتي ذكره وبالقطعية لقولهم بموت إسماعيل المذكور في حياة أبيه الصادق والقطع بانتقال الإمامة إلى موسى
قال في التعريف وهو مسلمون إلا أنهم أهل بدعة كبيرة سبابة
وهم يقولون بإمامة علي رضي الله عنه نصا ظاهرا وتعيينا صادقا احتجاجا بأن النبي قال من يبايعني على ماله فبايعه جماعة ثم قال من يبايعني على روحه وهو وصبيي وولي هذا الأمر من بعدي فلم يبايعه أحد حتى مد أمير المؤمنين علي عليه السلام يده إليه فبايعه على روحه ووفى بذلك
قال في العبر وهذه الوصية لا تعرف عن أحد من أهل الأثر بل هي من موضوعاتهم ويخصونه بوراثة علم النبي
ويروون أنه قال يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأدر الحق على لسانه كيفما دار ويرون أن بيعة الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة غير صحيحة حين اجتمع

الأنصار بعد موت النبي على سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ليبايعوه وذهب إليهم أبو بكر رضي الله عنه ومعه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة وروى لهم أن النبي قال لا يصلح هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش فرجعوا إلى قوله وبايعه عمر ثم بايعه الناس على ما تقدم ذكره في الكلام على مبايعات الخلفاء في المقالة الخامسة وأن القائم فيها مجترم لا سيما أول باد بذلك ويقولون ان الحق كان في ذلك لعلي بالوصية ويقولون إن القيام على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وحصره في الدار كان واجبا لاعتقادهم عدم صحة خلافته مع وجود علي رضي الله عنه وإن المتأخر عن حصره كان مخطئا ويرون جواز التقية خوفا على النفس وأن عليا رضي الله عنه إنما تأخر عن طلب الإمامة عند قيام من كان قبله بها تقية على نفسه ويرون أن من أعان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الخلافة كان مخطئا لبطلان خلافته بترتبها على خلافة أبي بكر ووجود علي الذي هو أحق بها ويزعمون أن الصديق رضي الله عنه منع فاطمة رضي الله عنها حقها من إرثها من رسول الله تعديا وأن من ساعد في تقديم تيم بخلافة أبي بكر أو تقديم عدي بخلافة عمر أو تقديم أمية بخلافة عثمان كان مخطئا ويزعمون أن عمر رضي الله عنه لم يصب في جعل الأمر شورى بين بقية العشرة من أصحاب رسول الله لاستحقاق تقدم علي على الجميع

ويصوبون قول حسان بن ثابت رضي الله عنه فيما كان من موافقته في حديث الإفك في حق عائشة رضي الله عنها ولا يرون تكذيبه في ذلك ويرون أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت محطئة في قيامها على علي يوم الجمل وأن من قام معها كان مخطئا للموافقة على الخطإ
ويقولون إن من قام مع معاوية على علي بصفين وشهر السيف معه عليه فقد ارتكب محظورا وينكرون ما وقع من زياد بن أبيه من الدعوى الباطلة وذلك أنه بعد قتل الحسين عليه السلام جهز جيشا إلى المدينة النبوية مع مسلم ابن عبد الله فقتلوا وسبوا وبايعوا من تبعهم على أنهم حول ليزيد
ويقولون ببطلان حكم ابن مرجانه ويعدون من ا لعظائم قيام عمر بن سعد في قتال الحسين وحقيق أن ينكروا عليه ذلك ويستعظموه فقد قيل أنه بعد قتله أمر جماعة فوطئوا صدر الحسين وظهره بالخيل وكان يزيد قاتله الله قد أمره بذلك
ويرون أن الأمر صار بعد الحسن عليه السلام إلى أخيه الحسين ويقولون إن الإمامة عند الحسن مستودعة لا مستقرة ولذلك لم تثبت في بنيه ويعدون من العظائم فعل شمر بن ذي الجوشن وهو الذي احتز رأس الحسين وأن من ساعده على ذلك مرتكب أعظم محظورات بأشد بلية وحقيق ذلك أن يستعظموه فأي جريمة أعظم من قتل سبط رسول الله
وقد ذكر صاحب نظم السمط في خبر السبط أنه وجد في حجر مكتوب قبل البعثة بألف سنة ما صورته
( أترجو أمة قتلت حسينا ... شفاعة جده يوم الحساب )
ويقال إن الذي احتز رأس الحسين إنما هو سنان بن أنس النخعي

ويعدون من العظائم أيضا سبي معاوية أهل البيت عند غلبة علي رضي الله عنه بصفين وسوقهم معه إلى دمشق سوقا بالعصي ويرون أن خلافة يزيد بن معاوية كانت من أعظم البلايا وأن المغيرة بن شعبة أخطأ حيث أشار على معاوية بها ويقولون بالتبري من عمرو بن العاص رضي الله عنه لانتمائه إلى معاوية وخديعته أبا موسى الأشعري يوم الحكمين حتى خلع عليا وإن من ظاهره أو عاضده كان مخطئا
وكذلك يتبرؤون من بسر بن ابي أرطاة لأن معاوية بعثه إلى الحجاز في عسكر فدخل المدينة وسفك بها الدماء واستكره الناس على البيعة لمعاوية وتوجه إلى اليمن بعد ذلك فوجد صبيين لعبيد الله بن عباس عامل علي على اليمن فقتلهما
ويرون تخطئة عقبة بن عبد الله المري ويقدحون في رأي الخوارج وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه بعد حرب صفين على ما تقدم ذكره في الكلام على أيمان الخوارج وهو مفارقتهم عليا رضي الله عنه وتحطئتهم له في الغنائم
ويقولون إن الإمامة انتقلت بعد الحسين السبط عليه السلام في أبنائه إلى تمام الإثني عشر فانتقلت بعد الحسين إلى ابنه زين العابدين ثم إلى ابنه محمد الباقر ثم إلى ابنه جعفر الصادق ثم إلى ابنه موسى الكاظم ثم إلى ابنه علي الرضا ثم إلى ابنه محمد التقي ثم إلى ابنه علي النقي ثم إلى ابنه الحسن الزكي ثم إلى ابنه محمد الحجة وهو المهدي المنتظر عندهم على ما تقدم ذكره في أول الكلام على هذه الفرقة وإن من خالف ذلك فقد خالف الصواب

ويستعظمون دلالة من دل بني أمية وبني العباس على مقاتل أهل البيت أما دلالة بني أمية فبعد غلبة معاوية بصفين وأما دلالة بني العباس فعند تنازع بني العباس وأهل البيت في طلب الخلافة زمن أبي جعفر المنصور وما بعده
ويقولون ببقاء حكم المتعة وهي النكاح المؤقت الذي كان في صدر الإسلام ويشنعون على نجدة بن عامر الحنفي الخارجي حيث زاد في حد الحمر وغلظ فيه تغليظا شديدا كما حكاه الشهرستاني عنهم
ويستعظمون البراءة من شيعة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه واتباع أهوية أهل الشام من متابعي بني أمية والغوغاء القائمين بالنهروان وهم الخوارج الذين خالفوا عليا بعد قضية التحكيم بصفين وأقاموا بالنهروان من العراق لقتال علي ورئيسهم يومئذ عبد الله بن وهب فسار إليهم علي وكانوا أربعة آلاف فقتلوا عن آخرهم ولم يقتل من أصحاب علي سوى سبعة أنفس
ويرون أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه أخطأ في موافقته عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث حكم بخلع علي ولم يخلع عمر ومعاوية
ويعتمدون في القرآن الكريم على مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دون المصحف الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم فلا يثبتون ما لم يثبت فيه قرآنا

ويتبرأون من فعل ابن ملجم في قتله أمير المؤمنين رضي الله عنه وحق لهم التبري من ذلك
ويرون أن موالاة ابن ملجم وإسعافه في صداق زوجته قطام جريرة
ويرون محبة قبيلة همدان من المحبوب المطلوب لمشايعتهم عليا رضي الله عنه ومحبتهم أهل البيت كما هو المشهور عنهم حتى يحكى أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه صعد يوما المنبر وقال ألا لا ينكحن أحد منكم الحسن بن علي فإنه مطلاق فنهض رجل من همدان وقال والله لننكحنه ثم لننكحنه إن أمهر أمهر كثيفا وإن أولد أولد شريفا فقال علي رضي الله عنه حينئذ
( لو كنت بوابا على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلي بسلام )
ويقولون باشتراط العصمة في الأئمة فلا يكون من ليس بمعصوم عندهم إماما
وقد رتب في التعريف يمينهم على هذه العقائد فقال وهؤلاء يمينهم هي
إنني والله والله والله العظيم الرب الواحد الأحد الفرد الصمد وما أعتقده من صدق محمد ونصه على إمامة ابن عمه ووارث علمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم غدير خم وقوله من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأدر الحق على لسانه كيفما دار وإلا كنت مع أول قائم يوم السقيفة وآخر متأخر يوم الدار ولم أقل بجواز التقية خوفا على النفس وأعنت ابن الخطاب واضطهدت فاطمة ومنعتها حقها من ا لإرث وساعدت في تقديم تيم وعدي وأمية ورضيت بجكم الشورى وكذبت حسان بن ثابت يوم عائشة وقمت معها يوم الجمل وشهرت السيف مع معاوية يوم صفين وصدقت دعوى زياد ونزلت على حكم ابن مرجانة وكنت مع عمر بن سعد في قتال الحسين

وقلت إن الأمر لم يصر بعد الحسن إلى الحسين وساعدت شمر بن ذي الجوشن على فعل تلك البلية وسبيت أهل البيت وسقتهم بالعصي إلى دمشق ورضيت بإمارة يزيد وأطعت المغيرة بن شعبة وكنت ظهيرا لعمرو بن العاص ثم لبسر بن أبي أرطأة وفعلت فعل عقبة بن عبد الله المري وصدقت رأي الخوارج وقلت إن الأمر لم ينتقل بعد الحسين بن علي في أبنائه إلى تمام الأئمة إلى الإمام المهدي المنتظر ودللت على مقاتل أهل البيت بني أمية وبني العباس وأبطلت حكم التمتع وزدت في حد الخمر ما لم يكن وحرمت بيع أمهات الأولاد وقلت برأيي في الدين وبرئت من شيعة أمير المؤمنين وكنت مع هوى أهل الشام والغوغاء القائمة بالنهروان واتبعت خطأ أبي موسى وأدخلت في القرآن ما لم يثبته ابن مسعود وشركت ابن ملجم وأسعدته في صداق قطام وبرئت من محبة همدان ولم أقل باشتراط العصمة في الإمام ودخلت مع أهل النصب الظلام
قلت قد ذكر في التعريف فرقة الإمامية هذه من الشيعة الذين بهذه المملكة ولم أعلم أين مكانهم منها

الفرقة الثالثة من الشيعة الإسماعيلية
وهم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وأن الإمامة انتقلت إليه بعد أبيه دون أخيه موسى الكاظم المقدم ذكره في الكلام على فرقة الإمامية وهم يوافقون الإمامية المقدم ذكرهم في سوق الإمامة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى جعفر الصادق ثم يعدلون بها عن موسى الكاظم الذي هو الإمام عند الإمامية إلى إسماعيل هذا ثم يسوقونها في بنيه فيقولون إن الإمامة انتقلت بعد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه إلى ابنه الحسن ثم إلى أخيه

الحسين ثم إلى ابنه علي زين العابدين ثم إلى ابنه محمد الباقر ثم إلى ابنه جعفر الصدق ثم إلى ابنه إسماعيل الذي تنسب إليه هذه الفرقة بالنص من أبيه فمن قائل إن أباه مات قبله وانتقلت الإمامة إليه بموته ومن قائل إنه مات قبل أبيه وفائدة النص ثبوتها في بنيه بعده ثم يقولون إنها انتقلت من إسماعيل المذكور إلى ابنه محمد المكتوم ثم إلى ابنه جعفر الصادق ثم إلى ابنه محمد الحبيب ثم إلى ابنه عبيد الله المهدي أول خلفاء الفاطميين ببلاد المغرب وهو جد الخلفاء الفاطميين بمصر ثم إلى ابنه القائم بأمر الله ابي القاسم محمد ثاني خلفاء الفاطميين ببلاد المغرب ثم إلى ابنه المنصور بالله أبي الطاهر إسماعيل ثالث خلفاء الفاطميين ببلاد المغرب ثم إلى ابنه المعز لدين الله أبي تميم معد أول خلفاء الفاطميين بمصر بعد قيامه ببلاد المغرب وهو باني القاهرة ثم إلى ابنه العزيز بالله ابي المنصور نزار ثاني خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الحاكم بأمر الله ابي علي المنصور ثالث خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبي الحسن علي رابع خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه المستنصر بالله أبي تميم معد خامس خلفائهم بمصر
ثم من هاهنا افترقت الإسماعيلية إلى فرقتين مستعلوية ونزارية
فأما المستعلوية فيقولون إن الإمامة انتقلت بعد المستنصر بالله المقدم ذكره إلى ابنه المستعلي بالله أبي القاسم أحمد سادس خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الآمر بأحكام الله أبي علي المنصور سابع خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه

الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد بن أبي القاسم ثامن خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الظافر بأمر الله أبي المنصور إسماعيل تاسع خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الفائز بنصر الله أبي القاسم عيسى بن الظافر عاشر خلفائهم بمصر ثم إلى العاضد لدين الله أبي محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ حادي عشر خلفائهم بمصر وهو آخرهم حتى مات
وأما النزارية فإنهم يقولون إن الإمامة انتقلت بعد المستنصر إلى ابنه نزار بالنص من أبيه دون ابنه المستعلي ويستندون في ذلك إلى أن الحسن بن الصباح كان من تلامذة أحمد بن عطاش صاحب قلعة أصبهان وألموت وكان شهما عالما بالتعاليم والنجوم والسحر فاتهمه ابن عطاش بالدعوة للفاطميين خلفاء مصر فخاف وهرب منه إلى مصر في خلافة المستنصر المقدم ذكره فأكرمه وأمره بدعاية الناس إلى إمامته فقال له ابن الصباح من الإمام بعدك فقال له ابني نزار فعاد ابن الصباح من مصر إلى الشام والجزيرة وديار بكر وبلاد الروم ودخل خراسان وعبر إلى ما وراء النهر وهو يدعو إلى إمامة المستنصر وابنه نزار بعده قال الشهرستاني في الملل والنحل وصعد قلعة الموت في شعبان سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة واستظهر وتحصن
ثم النزارية يزعمون أن نزارا المذكور خرج من الإسكندرية حملا في بطن جارية تقية على نفسه وخاض بلاد الأعداء حتى صار إلى ألموت ورأيت في المغرب لابن سعيد أنه إنما صار من عقبة من وصل إلى تلك البلاد وصارت الإمامة في بنيه هناك

والمستعلوية ينكرون ذلك إنكارا ويقولون إنه قتل بالإسكندرية سار إليه الأفضل بن أمير الجيوش وزير المستعلي وحاصره بالإسكندرية ثم ظفر به وأتى به إلى المستعلى فبنى عليه حائطين فمات ثم فر بعض بني نزار إلى بلاد مشارق أفريقية وأقام المغرب والقائمون بها الآن من ولده وهو الذي تشهد به كتب التواريخ كمغرب ابن سعيد وغيره
ثم الإسماعيلية في الجملة من المستعلوية والنزارية يسمون أنفسهم أصحاب الدعوة الهادية تبعا لإمامهم إسماعيل المذكور فإنه كان يسمى صاحب الدعوة الهادية
قال في التعريف وهم وإن أظهروا الإسلام وقالوا بقول الإمامية ثم خالفوهم في موسى الكاظم وقالوا إن الإمامة لم تصر إلى أخيه إسماعيل فإنهم طائفة كافرة يعتقدون التناسخ والحلول
وذكر في مسالك الأبصار أن ملخص معتقدهم التناسخ ثم قال ولقد سألت المقدم عليهم والمشار إليه فيهم وهو مبارك بن علوان عن معتقدهم

وجاذبته الحديث في ذلك مرارا فظهر لي منه أنهم يرون أن الأرواح مسجونة في هذه الأجسام المكلفة بطاعة الإمام المطهر على زعمهم فإذا انتقلت على الطاعة كانت قد تخلصت وانتقلت للأنوار العلوية وإن انتقلت على العصيان هوت في الظلمات السفلية
وذكر في العبر ان منهم من يدعي الوهية الإمام بنوع الحلول ومنهم من يدعي رجعة من مات من الأئمة بنوع التناسخ والرجعة ومنهم من ينتظر مجيء من يقطع بموته ومنهم من ينتظر عود الأمر إلى أهل البيت
ثم المستعلوية والنزارية يتفقون في بعض المعتقدات ويختلفون في بعضها
فأما ما يتفقون عليه من الاعتقاد فهم يتفقون على أنه لا بد من إمام معصوم ظاهر أو مستور فالأئمة الظاهرون هم الذين يظهرون أنفسهم ويدعون الناس إلى إمامتهم والمستورون هم الذين يستترون ويظهرون دعاتهم وآخر الظاهرين عندهم إسماعيل الذي ينسبون إليه وأول المستورين ابنه المكتوم ومن معتقدهم أن من مات ولم يعرف إمام زمانه أو لم يكن في عنقه بيعة إمام مات ميتة جاهلية ويرون أن العلم لا يكون إلا بالتعليم من الأئمة خاصة وأن الأئمة هم هداة الناس ويقولون أن للأئمة أدوارا في كل دور منها سبعة أئمة ظاهرين أو مستورين فإن كان أهل الدور ظاهرين يسمى ذلك الدور دور الكشف وإن كانوا مستورين يسمى دور الستر ويقولون بوجوب موالاة أهل البيت ويتبرأون ممن خالفهم وينسبون إلى الأخذ بالباطل والوقوع في الضلال لا سيما النواصب وهم الطائفة المعروفة بالناصبية أتباع . . . . . . ويرمونهم

بالعظائم وينسبونهم إلى اعتماد المحال والأخذ به ومن خرج عندهم عن القول بانتقال الإمامة بعد الحسن السبط عليه السلام ثم أخيه الحسين ثم في أئمتهم المتقدم ذكرهم إلى إمامهم إسماعيل الذي ينسبون إليه بالنص الجلي فقد حاد عن الحق وهم يعظمون . . . . . ويستعظمون القدح فيه وان من وقع في ذلك فقد ارتكب خطأ كبيرا
ولدعاة الأئمة المستورين عندهم من المكانة وعلو الرتبة العظمى لا سيما الداعي القائم بذلك اولا وهو الداعي إلى محمد المكتوم أول أئمتهم المستورين على ما تقدم ذكره فإن له من الرتبة عندهم فوق ما لغيره من الدعاة القائمين بعده
ومما اشتهر من أمر الدعاة لأئمتهم المستورين انه كان ممن ينسب إلى التشيع رجل اسمه رمضان ويقال إنه صاحب كتاب الميزان في نصرة الزندقة فولد له ولد يقال له ميمون نشأ على أهبة في التشيع والعلم بأسرار الدعاء لأهل البيت ثم نشأ لميمون ولد يقال له عبد الله وكان يعالج العيون ويقدحها فسمي القداح واطلع على أسرار الدعوة من أبيه وسار من نواحي كرخ وأصبهان إلى الأهواز والبصرة وسلمية من أرض الشام يدعو الناس إلى أهل البيت ثم مات ونشأ له ولد يسمى أحمد فقام مقام أبيه عبد الله القداح في الدعوة وصحبه رجل يقال له رستم بن الحسين بن حوشب النجار من أهل الكوفة فأرسله أحمد إلى اليمن فدعا الشيعة باليمن إلى عبدالله المهدي فأجابوه وكان أبو عبد الله الشيعي من أهل صنعاء من اليمن وقيل من أهل

الكوفة يصحب ابن حوشب فحظي عنده وبعثه إلى المغرب ومن نسب احدا من هذه الدعاة إلى ارتكاب محظور أو احتقاب إثم فقد ضل وخرج عن جادة الصواب عندهم ويرون تخطئة من مالأ على الإمام عبيد الله المهدي أول أئمتهم القائمين ببلاد الغرب على ما تقدم وارتكابه المحظور وضلاله عن طريق الحق وكذلك من خذل الناس عن اتباع القائم بأمر الله بن عبيد الله المهدي ثاني خلفائهم ببلاد المغرب أو نقض الدولة على المعز لدين الله اول خلفائهم بمصر ويرون ذلك من أعظم العظائم واكبر الكبائر
ومن أعيادهم العظيمة الخطر عندهم يوم غدير خم بفتح الغين المعجمة وكسر الدال المهملة وسكون المثناة تحت وراء مهملة في الآخر ثم خاء معجمة مضمومة بعدها ميم وهو غيضة بين مكة والمدينة على ثلاثة أيام من الجحفة وسبب جعلهم له عيدا أنهم يذكرون أن النبي نزل فيه ذات يوم فقال لعلي رضي الله عنه اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار على ما تقدم نحوه في الكلام على يمين الإمامية
وقد كان للخلفاء الفاطميين بمصر بهذا العيد اهتمام عظيم ويكتبون بالبشارة به إلى أعمالهم كما يكتبون بالبشارة بعيد الفطر وعيد النحر ونحوهما ويعتقدون في أئمتهم أنهم يعلمون ما يكون من الأمور الحادثة
وقد ذكر المؤرخون عن عبيد الله المهدي جد الخلفاء الفاطميين بمصر انه حين بنى المهدية بمشارق إفريقية من بلاد المغرب طلع على سورها ورمى بسهم وقال إلى حد هذه الرمية ينتهي صاحب الحمار فخرج بالمغرب خارجي يعرف بأبي يزيد صاحب الحمار وقصد المهدية حتى انتهى إلى حد تلك الرمية فرجع ولم يصل المهدية
وكان الحاكم بأمر الله أحد خلفاء مصر من عقب المهدي المذكور يدعي

علم الغيب على المنبر بالجامع المعروف به على القرب من باب الفتوح بالقاهرة فكتبوا له بطاقة فيها
( بالظلم والجور قد رضينا ... وليس بالكفر والحماقة )
( إن كنت أوتيت علم غيب ... بين لنا كاتب البطاقة )
فترك ما كان يقوله ولم يعد إليه ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون ايان يبعثون )
وهم يقدحون في عياش بن أبي الفتوح الصنهاجي وزير الظافر أحد الخلفاء الفاطميين بمصر وذلك أنه كان له ولد حسن الصورة اسمه نصر فأحبه الظافر المذكور حتى كان يأتي إليه ليلا إلى بيته فرمى عياش الظافر بابنه وأمره ان يستدعيه فاستدعاه فأتى إليه ليلة على العادة فاجتمع عياش بن السلار هو وابنه نصر على الظافر وقتلاه وهربا إلى الشام فأسرهما الفرنج ثم فدي ابنه وصلب على باب زويلة

وهم يقدحون في عياش المذكور ويرمونه بالنفاق بسبب ما وقع منه في حق الظافر من رميه بابنه وقتله إياه
قلت وعياش هذا هو الذي أشار إليه في التعريف في صورة يمين الإسماعيلية بابن السلار وهو وهم منه إذ ليس عياش بابن السلار وإنما ابن السلار هو زوج أم عياش المذكور وكان قد وزر للظافر المذكور قبل ربيبه عياش وتلقب بالعادل واستولى على الأمر حتى لم يكن للظافر معه كلام ثم دس عليه ربيبه عياش من قتله ووزر للظافر بعده فابن السلار هو العادل وزير الظافر أولا لا عياش ربيبه
ومن أكبر الكبائر عندهم وأعظم العظائم أن يرمى أحد من آل بيت النبي لا سيما الأئمة بكبيرة أو ينسبها أحد إليهم أو يوالي لهم عدوا أو يعادي وليا
وأما ما يختص به المستعلوية فإنهم ينكرون إمامة نزار بن المستنصر المقدم ذكره ويكذبون النزارية في قولهم إن نزارا خرج حملا في بطن جارية حتى صار إلى بلاد الشرق ويقولون أنه مات بالإسكندرية ميتة ظاهرة ويقولون أنه نازع الحق أهله وجاذب الخلافة ربها من حيث إن الحق في الإمامة والخلافة كان لإمامهم المستعلي بالله فادعاه لنفسه ويقولون إن شيعته على الباطل وموافقتهم في اعتقادهم إمامته خطأ ويرون من الضلال اتباع الحسن بن الصباح داعية نزار والناقل عن المستنصر النص على إمامته ويرون

الكون في جملة النزارية من أعظم الأضاليل لا سيما من كان فيهم آخر أدوار الأئمة التي هي في كل دور سبعة أئمة على ما تقدم ذكره في صدر الكلام على أصل معتقد هذه الفرقة
ثم هم يعظمون راشد الدين سنان وهو رجل كان بقلاع الدعوة بأعمال طرابلس من البلاد الشامية في زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب انتهت رياستهم إليه قال في مسالك الأبصار وكان رجلا صاحب سيميا فأراهم بها ما أضل به عقولهم من تحييل أشخاص من مات منهم على طاعة أئمتهم في جنات النعيم وأشحاص من مات منهم على عصيان أئمتهم في النار والجحيم فثبت ذلك عندهم واعتقدوه حقا ومن قدح في ذلك فقد دخل في أهل الضلال ويقدحون في ابن السلار المقدم ذكره ويسفهون رأيه فيما كان منه من إزالة الخطبة للفاطميين وحط رايتهم الصفراء والخطبة لبني العباس ورفع

رايتهم السوداء وما كان منه من الفعلة التي استولى بها على قصر الفاطميين ومن فيه وأخذ أموالهم بعد موت العاضد
وأما ما يختص به النزارية فإنهم يقولون إن الأمر صار إلى نزار بعد أبيه المستنصر على ما تقدم ذكره وإن من جحد إمامته فقد أخطأ ويزعمون أنه حرج من الإسكندرية حملا في بطن أمه وخاض بلاد أعدائه الذين هم المستعلوية بمصر حتى صار إلى بلاد الشرق ويقولون إن الاسم يغير الصورة بمعنى ويرون أن الطعن على الحسن بن الصباح المقدم ذكره فيما نقله عن المستنصر من قوله الإمامة بعدي في ولدي نزار من أعظم الآثام ويعظمون علاء الدين صاحب قلعة الموت وهي قلعة بالطالقان بناها السلطان ملكشاه السلجوقي وذلك انه أرسل عقابا فبرز في مكانها فلما وافى مكانها بنى فيه هذه القلعة وسماها ألموت ومعناه تعليم العقاب
وعلاء الدين هذا هو ابن جلال الدين الحسن الملقب بإلكيا وهو من عقب الحسن بن الصباح المقدم ذكره وكان أبوه جلال الدين قد أظهر شعائر الإسلام وكتب بذلك إلى سائر بلاد الإسماعيلية بالعجم والشام فأقيمت فيها ثم توفي بقلعة ألموت المذكورة في سنة ثمان عشرة وستمائة فاستولى ابنه علاء

الدين هذا على قلعة ألموت المذكورة وخالف رأي أبيه المذكور إلى مذهب النزارية وصار رأسا من رؤوسهم والتبري منه عندهم من أشد الخطإ
واعلم أن أصل هذه الفرقة كانت بالبحرين في المائة الثانية وما بعدها ومنهم كانت القرامطة الذين خرجوا من البحرين حينئذ نسبة إلى رجل منهم اسمه قرمط خرج فيهم وادعى النبوة وأنه أنزل عليه كتاب ثم ظهروا بالمشرق بأصبهان في أيام السلطان ملكشاه السلجوقي واشتهروا هناك بالباطنية لأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون وبالملاحدة لأن مذهبهم كله إلحاد ثم صاروا إلى الشام ونزلوا فيما حول طرابلس وأظهروا دعوتهم هناك وإليهم تنسب قلاع الإسماعيلية المعروفة بقلاع الدعوة فيما حول طرابلس كمصياف والخوابي والقدموس وغيرها
ولما افترقوا إلى مستعلوية ونزارية كما تقدم أخذ من منهم ببلاد المشرق بمذهب النزارية عملا بدعوة ابن الصباح المقدم ذكره وأخذ من منهم بالشام بقلاع الإسماعيلية بمذهب المستعلوية وصاروا شيعة لمن بعد المستعلي من خلفاء الفاطميين بمصر واشتهروا باسم الفداوية ووثبوا على السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالشام مرات وهو راكب ليقتلوه فلم يتمكنوا منه ثم صالحهم بعد ذلك على قلاعهم بأعمال طرابلس في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ثم انتموا إلى ملوك مصر في أيام الظاهر بيبرس واشتهروا باسم الفداوية لمفاداتهم بالمال على من يقتلونه
وقد ذكر في مسالك الأبصار نقلا عن مقدمهم مبارك بن علوان أن كل من ملك مصر كان مظهرا لهم ولذلك يرون إتلاف نفوسهم في طاعته لما ينتقلون إليه من النعيم الأكبر في زعمهم ورأيت نحو ذلك في أساس السياسة لابن ظافر وذكر انهم يرون أن ملوك مصر كالنواب لأئمتهم لقيامهم مقامهم

أما أيمانهم التي يحلفون بها فقد قال في التعريف جريا على معتقدهم المتقدم إن اليمين الجامعة لهم أن يقول إنني والله والله الواحد الأحد الفرد الصمد القادر القاهر الذي لا إله إلا هو وحق أئمة الحق وهداة الخلق علي وبنيه أئمة الظهور والخفاء وإلا برئت من صحيح الولاء وصدقت أهل الأباطيل وقمت مع فرقة الضلال وانتصبت مع النواصب في تقرير المحال ولم أقل بانتقال الإمامة إلى السيد الحسين ثم إلى بنيه بالنص الجلي موصولة إلى جعفر الصادق ثم إلى إبنه إسماعيل صاحب الدعوة الهادية والأثرة الباقية وإلا قدحت في القداح وأثمت الداعي الأول وسعيت في اختلاف الناس عليه ومالأت على السيد المهدي وخذلت الناس عن القائم ونقضت الدولة على المعز وأنكرت أن يوم غدير خم لا يعد في الأعياد وقلت أن لا علم للأئمة بما يكون وخالفت من ادعى لهم العلم بالحدثان ورميت آل بيت محمد بالعظائم وقلت فيهم بالكبائر وواليت أعداءهم وعاديت أولياءهم
قال ثم من هنا تزاد النزارية وإلا فجحدت أن يكون الأمر صار إلى نزار وأنه أتى حملا في بطن جارية لخوفه خوض بلاد الأعداء وأن الاسم لم يغير الصورة وإلا طعنت على الحسن بن الصباح وبرئت من المولى علاء الدين صاحب الأموت ومن ناصر الدين سنان الملقب براشد الدين وكنت أول المعتدين وقلت أن ما رووه كان من الأباطيل ودخلت في أهل الفرية والأضاليل
قال واما من سواهم من الإسماعيلية المنكرين لإمامة نزار فيقال لهم عوض هذا وإلا قلت إن الأمر صار إلى نزار وصدقت القائلين أنه خرج حملا في بطن جارية وأنكرت ميتته الظاهرة بالإسكندرية وادعيت انه لم ينازع الحق أهله ويجاذب الخلافة ربها ووافقت شيعته وتبعت الحسن بن الصباح وكنت في النزارية آخر الأدوار

قال ثم يجمعهم آخر اليمين أن يقال وإلا قلت مقالة ابن السلار في النفاق وسددت رأي ابن أيوب والقيت بيدي الراية الصفراء ورفعت السوداء وفعلت في أهل القصر تلك الفعال وتمحلت مثل ذلك المحال
قلت ما ذكره في التعريف فيما تزاده النزارية ومن ناصر الدين سنان الملقب براشد الدين وهم فإن المذكور إنما هو من إسماعيلية الشام الذين هم شيعة المستعلوية لا من الإسماعيلية النزارية الذين هم ببلاد المشرق على ما تقدم بيانه فكان من حقه ان يلحق ذلك بيمين من سواهم من الإسماعيلية الذين هم المستعلوية وكذلك قوله ثم يجمعهم آخر اليمين أن يقال وإلا قلت مقالة ابن السلار في النفاق وسددت رأي ابن أيوب إلى آخره فإن ذلك مما يختص بالمستعلوية لأن ابن السلار كان وزير الظافر كما تقدم والظافر من جملة الخلفاء القائمين بمصر بعد المستعلي الذين خالفت النزارية في إمامتهم وكذلك قضية ابن أيوب إنما كانت مع العاضد آخر خلفائهم بمصر وكل ذلك مختص بإسماعيلية الشام الذين هم شيعة المستعلوية دون النزارية وحينئذ فكان من حقه أن يقتصر في زيادة يمين النزارية على آخر وبرئت من المولى علاء الدين صاحب ألموت ويزيد في يمين من سواهم من الإسماعيلية بعد قوله آخر الأدوار وإلا برئت من ناصر الدين سنان الملقب براشد الدين وكنت أول المعتدين وقلت إن ما رآه كان من الأباطيل ودخلت في أهل الفرية والأضاليل ثم يقول بعد ذلك وإلا قلت مقالة ابن السلار في النفاق وسددت رأي ابن أيوب وألقيت بيدي الراية الصفراء ورفعت السوداء وفعلت في أهل القصر تلك الفعال وتمحلت مثل ذلك المحال

الفرقة الرابعة من الشيعة الدرزية
قال في التعريف وهم أتباع أبي محمد الدرزي قال في التعريف

وكان من أهل موالاة الحاكم أبي علي المنصور بن العزيز خليفة مصر قال وكانوا أولا من الإسماعيلية ثم خرجوا عن كل ما تمحلوه وهدموا كل ما أثلوه وهم يقولون برجعة الحاكم وأن الألوهية انتهت إليه وتديرت ناسوته وهو يغيب ويظهر بهيئته ويقتل اعداءه قتل إبادة لا معاد بعده بل ينكرون المعاد من حيث هو ويقولون نحو قول الطبائعية إن الطبائع هي المولدة والموت بفناء الحرارة الغريزية كانطفاء السراج بفناء الزيت إلا من اعتبط ويقولون دهر دائم وعالم قائم أرحام تدفع وأرض تبلع بعد أن ذكر أنهم يستبيحون فروج المحارم وسائر الفروج المحرمة وأنهم أشد كفرا ونفاقا من النصيرية الآتي ذكرهم وأبعد من كل خير وأقرب إلى كل شر
ثم قال وأصل هذه الطائفة هم الذين زادوا في البسملة أيام الحاكم فكتبوا باسم الحاكم الله الرحمن الرحيم فلما أنكر عليهم كتبوا باسم الله الحاكم الرحمن الرحيم فجعلوا في الأول الله صفة للحاكم وفي الثاني العكس وذكر أن منهم أهل كسروان ومن جاورهم ثم قال وكان شيخنا ابن تيمية رحمه الله تعالى يرى أن قتالهم وقتال النصيرية أولى من قتال الأرمن لأنهم عدو في دار الإسلام وشر بقائهم أضر
وقد رتب على هذا المعتقد أيمانهم في التعريف فقال وهؤلاء أيمانهم
إنني والله وحق الحاكم وما أعتقده في مولاي الحاكم وما اعتقده أبو محمد الدرزي الحجة الواضحة ورآه الدرزي مثل الشمس اللائحة وإلا قلت إن مولاي الحاكم مات وبلي وتفرقت أوصاله وفني واعتقدت تبديل الأرض والسماء وعود الرمم بعد الفناء وتبعت كل جاهل وحظرت على نفسي ما أبيح لي وعملت بيدي على ما فيه فساد بدني وكفرت بالبيعة المأخوذة وألقيتها ورائي منبوذة

الفرقة الخامسة من الشيعة النصيرية بضم النون وفتح الصاد المهملة
قال في إرشاد القاصد وهم أتباع نصير غلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم يدعون ألوهية علي رضي الله عنه مغالاة فيه قال الشهرستاني ولهم جماعة ينصرون مذهبهم وينوبون عن أصحاب مقالاتهم قال وبينهم خلاف في كيفية إطلاق الألوهية على الأئمة من أهل البيت واختلافهم راجع . . . .
ويزعمون أن مسكن علي السحاب وإذا مر بهم السحاب قالوا السلام عليك يا أبا الحسن ويقولون إن الرعد صوته والبرق ضحكه وهم من أجل ذلك يعظمون السحاب ويقولون إن سلمان الفارسي رسوله وإن كشف الحجاب عما يقوله من أي كتاب بغير إذن ضلال ويحبون ابن ملجم قاتل علي رضي الله عنه ويقولون إنه خلص اللاهوت من الناسوت ويخطئون من يلعنه
قال في التعريف ولهم خطاب بينهم من خاطبوه به لا يعود يرجع عنهم ولا يذيعه ولو ضرب عنقه قال وقد جرب هذا كثيراوهم ينكرون إنكاره
قال في إرشاد القاصد وهم يخفون مقالتهم ومن أذاعها فقد أخطأ عندهم ويرون أنهم على الحق وأن مقالتهم مقالة أهل التحقيق ومن أنكر ذلك فقد أخطأ

قال في التعريف ولهم اعتقاد في تعظيم الخمر ويرون أنها من النور ولزمهم من ذلك أن عظموا شجرة العنب التي هي أصل الخمر حتى استعظموا قلعها ويزعمون أن الصديق وأمير المؤمنين عمر وأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنهم تعدوا عليه ومنعوه حقه من الخلافة كما تعدى قابيل بن آدم عليه السلام على أخيه هابيل وكما اعتدى النمرود على الخليل عليه السلام وكما يقوم كل فرعون من الفراعنة على نبي من الأنبياء عليهم السلام
قال في التعريف وهي طائفة ملعونة مرذولة مجوسية المعتقد لا تحرم البنات ولا الأخوات ولا الأمهات قال ويحكى عنهم في هذا حكايات
وقد رتب في التعريف حلفهم على مقتضى هذا المعتقد فقال وأيمانهم إنني وحق العلي الأعلى وما أعتقده في المظهر الأسنى وحق النور وما نشأ منه والسحاب وساكنه وإلا برئت من مولاي علي العلي العظيم وولائي له ومظاهر الحق وكشفت حجاب سلمان بغير إذن وبرئت من دعوة الحجة نصير وخضت مع الخائضين في لعنة ابن ملجم وكفرت بالخطاب وأذعت السر المصون وأنكرت دعوى أهل التحقيق وإلا قلعت أصل شجرة العنب من الأرض بيدي حتى أجتث أصولها وأمنع سبيلها وكنت مع قابيل على هابيل ومع النمرود على إبراهيم وهكذا مع كل فرعون قام على صاحبه إلى أن ألقى العلي العظيم وهو علي ساخط وأبرأ من قول قنبر وأقول إنه بالنار ما تطهر

الطائفة الثالثة من أهل البدع القدرية
وهم القائلون بأن لا قدر سابق وأن الأمر أنف يعني مستأنفا ولكنهم لما سمعوا قول النبي القدرية مجوس هذه الأمة قلبوا الدليل وقالوا بموجب

الحديث وقالوا القدرية اسم لمن يقول بسبق القدر ثم غلب عليهم اسم المعتزلة بواسطة أن واصل بن عطاء أحد أئمتهم كان يقرأ على الحسن البصري فاعتزله بمسألة خالفه فيها وهم يسمون أنفسهم أهل التوحيد وأهل العدل ويعنون بالتوحيد نفي الصفات القديمة عن الله تعالى كالحياة والعلم والإرادة والقدرة وأنه تعالى حي بذاته عالم بذاته مريد بذاته قادر بذاته لا بحياة وعلم وإرادة وقدرة ويعنون بالعدل أنهم يقولون إن العبد إنما يستحق الثواب والعقاب بفعله الطاعة والعصيان وباعتبار أنه الخالق لأفعال نفسه دون الله تعالى تنزيها له تعالى عن أن يضاف إليه خلق الشر من كفر ومعصية وإذا كان العبد هو الخالق لأفعال نفسه الموجد لها فليس قدر سابق
ولهم أئمة كثيرة لهم مصنفات في الأصول والفروع منهم واصل بن عطاء وأبو الهذيل العلاف وإبراهيم النظام وبشر بن المعتمر ومعمر بن عباد وأبو عثمان الجاحظ وأبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم وغيرهم وعندهم أنه لا قدر سابق بل الأمر أنف وأن الله تعالى إنما يخلق الأفعال والمشيئة وأن العبد هو المكتسب لأفعاله كما تقدم
وممن علت رتبته فيهم الجعد بن درهم اجتمع على مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وأخذ عنه مروان مذهبه في القول بالقدر وخلق القرآن وعلت رتبته عنده وبه سمي مروان المذكور الجعدي وكانت له واقعة مع هشام بن عبد الملك بن مروان ويستعظمون الإيمان بالقدر خيره وشره ويتبرؤون منه وينكرون القول بأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ويقولون إذا كان أمر مفروغ منه ففيم يسدد الإنسان ويقارب ويطعنون في رواة حديث اعملوا فكل ميسر لما خلق له ويتأولون قوله تعالى ( وإنه في أم

الكتاب لدينا لعلي حكيم ) ويستعظمون البراءة من اعتقادهم ولقاء الله تعالى على القول بأن الأمر غير أنف
وقد رتب في التعريف أيمانهم على هذا المعتقد فقال
ويمينهم والله والله والله العظيم ذي الأمر الأنف خالق الأفعال والمشيئة وإلا قلت بأن العبد غير مكتسب وأن الجعد بن درهم محتقب وقلت إن هشام بن عبد الملك أصاب دما حلالا منه وإن مروان بن محمد كان ضالا في اتباعه وآمنت بالقدر خيره وشره وقلت إن ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيبني ولم أقل إنه إذا كان أمر قد فرغ منه ففيم أسدد وأقارب ولم أطعن في رواة حديث اعملوا فكل ميسر لما خلق له ولم أتأول معنى قوله تعالى ( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) وبرئت مما أعتقد ولقيت الله وأنا أقول إن الأمر غير أنف وبالله التوفيق والعصمة

المهيع الثاني في الأيمان التي يحلف بها أهل الكفر ممن قد يحتاج إلى
تحليفه وهم على ضربين
الضرب الأول من زعم منهم التمسك بشريعة نبي من الأنبياء عليهم السلام وهم
أصحاب ثلاث ملل
الملة الأولى اليهود
واشتقاقها من قولهم هاد إذا رجع ولزمها هذا الاسم من قول موسى عليه

السلام ( إنا هدنا إليك ) أي رجعنا وتضرعنا ومنتحلنا اليهود المتمسكون بشريعة موسى عليه السلام قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وهم أعم من بني إسرائيل لأن كثيرا من أجناس العرب والروم وغيرهم قد دخلوا في اليهودية وليسوا من بني إسرائيل وكتابهم الذي يتمسكون به التوراة وهو الكتاب الذي أنزل على موسى عليه السلام
قال أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب وهي مشتقة من قولهم ورت ناري ووريت وأوريتها إذا استخرجت ضوءها لأنه قد استخرج بها أحكام شرعة موسى عليه السلام وكان النحاس يجنح إلى أن لفظ التوراة عربي والذي يظهر أنه عبراني معرب لأن لغة موسى عليه السلام كانت العبرانية فناسب أن تكون من لغته التي يفهمها قومه قال الشهرستاني في النحل والملل وهي أول منزل على بني إسرائيل سمي كتابا إذ ما قبلها من المنزل إنما كان مواعظ ونحوها قال صاحب حماة وليس فيها ذكر القيامة ولا الدار الآخرة ولا بعث ولا جنة ولا نار وكل وعيد يقع فيها إنما هو بمجازاة دنيوية فيوعدون على مجازاة الطاعة بالنصر على الأعداء وطول العمر وسعة الرزق ونحو ذلك ويوعدون على الكفر والمعصية بالموت ومنع القطر والحميات والحرب وأن ينزل عليهم بدل المطر الغبار والظلمة ونحو ذلك يشهد لما قاله قوله تعالى ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) الآية فجعل الظلم سببا للتحريم قال وليس فيها أيضا ذم الدنيا ولا طلب الزهد فيها ولا وظيفة صلوات معلومة بل في التوراة الموجودة بأيديهم الآن نسبة أمور إلى الأنبياء عليهم السلام من الأسباط وغيرهم لا تحل حكايتها

واعلم أن التوراة على خمسة أسفار
أولها يشتمل على بدء الخليقة والتاريخ من آدم إلى يوسف عليه السلام
وثانيها فيها استخدام المصريين بني إسرائيل وظهور موسى عليه السلام عليهم وهلاك فرعون ونصب قبة الزمان وهي قبة كان ينزل على موسى فيها الوحي وأحوال التيه وإمامة هارون عليه السلام ونزول العشر كلمات في الألواح على موسى عليه السلام وهي شبه مختصر مما في التوراة يشتمل على أوامر ونواه وسماع القول كلام الله تعالى وقد أخبر الله تعالى عنها بقوله ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء ) قال مجاهد وكانت الألواح من زمردة خضراء وقال ابن جبير من ياقوتة حمراء وقال أبو العالية من زبرجد وقال الحسن من خشب نزلت من السماء ويقال أنها كانت لوحين وإنما جاءت بلفظ الجمع لأن الجمع قد يقع على الإثنين كما في قوله تعالى ( وإن كان له إخوة ) والمراد اثنان
وثالثها فيه كيفية تقريب القرابين على سبيل الإجمال
ورابعها فيه عدد القوم وتقسيم الأرض بينهم وأحوال الرسل الذين بعثهم موسى عليه السلام من الشام وأخبار المن والسلوى والغمام
وخامسها فيه أحكام التوراة بتفصيل المجمل وذكر وفاة هارون ثم موسى عليهما السلام وخلافة يوشع بن نون عليه السلام بعدهما
ثم قد ذكر الشهرستاني وغيره أن في التوراة البشارة بالمسيح عليه السلام ثم بنبينا محمد إذ قد ورد ذكر المشيحا في غير موضع وأنه يخرج واحد في آخر الزمان هو الكوكب المضيء الذي تشرق الأرض بنوره وغير خاف على ذي لب أن المراد بالمشيحا المسيح عليه السلام وأن المراد بالذي يخرج في آخر

الزمان نبينا محمد بل ربما وقعت البشارة بهما جميعا في موضع واحد كما في قوله إن الله تعالى جاء من طور سيناء وظهر من ساعير وعلن بفاران وساعير هي جبال بيت المقدس حيث مظهر المسيح عليه السلام وفاران جبال مكة حيث ظهر النبي
قال الشهرستاني ولما كانت الأسرار الإلهية والأنوار الربانية في الوحي والتنزيل والمناجاة والتأويل على ثلاث مراتب مبدإ ووسط وكمال وكان المجيء أشبه شيء بالمبدإ والظهور أشبه بالوسط والعلن أشبه بالكمال عبر في التوراة عن ظهور صبح الشريعة والتنزيل بالمجيء على طور سيناء وعن طلوع شمسها بالظهور على ساعير وعن بلوغ درجة الكمال والاستواء بالعلن على فاران وقد عرفوا النبي بوصفه في التوراة حق المعرفة ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) وقد ذكر المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنه أن موسى عليه السلام لما ألقى الألواح عند رجوعه إلى قومه تكسرت فلم يبق منها إلا سدسها ويروى أن التوراة كانت سبعين وسق بعير . . . . . وأنها رفع منها ستة أسباعها وبقي السبع ففي الذي بقي الهدى والرحمة وفي الذي رفع تفصيل كل شيء
وليعلم أن اليهود قد افترقوا على طوائف كثيرة المشهور منها طائفتان

الطائفة الأولى المتفق على يهوديتهم وهم القراؤون
وهم وإن كانوا فرقتين فإنهم كالفرقة الواحدة إذ توارتهم واحدة ولا خلاف في أصل اليهودية بينهم وقد اتفق الجميع على استخراج ستمائة وثلاث عشرة فريضة من التوراة يتعبدون بها ثم كلهم متفقون على نبوة موسى وهارون ويوشع عليهم السلام وعلى نبوة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وهو إسرائيل والأسباط وهم بنوه الإثنا عشر الآتي ذكرهم آخرا وهم ينفردون عن الطائفة الثانية الآتي ذكرها وهي السامرة بنبوة أنبياء غير موسى وهارون ويوشع عليهم السلام وينقلون عن يوشع تسعة عشر كتابا زيادة على التوراة يعبرون عنها بالنبوات تعرف بالأول
ثم الربانيون ينفردون عن القرائين بشروح موضوعة لفرائض التوراة المتقدمة الذكر وضعها أحبارهم وتفريعات على التوراة ينقلونها عن موسى عليه السلام
ويتفق الربانيون والقراؤون على أنهم يستقبلون صخرة بيت المقدس في صلاتهم ويوجهون لها موتاهم وعلى أن الله تعالى كلم موسى عليه السلام على طور سيناء وهو جبل في رأس بحر القلزم في جهة الشمال على رأس جزيرة في آخره داخل بين ذراعين يكتنفانه
وهم مختلفون في أمرين
أحدهما القول بالظاهر والجنوح إلى التأويل فالقراؤون يقفون مع ظواهر نصوص التوراة فيحملون ما وقع فيها منسوبا إلى الله تعالى من ذكر الصورة والتكلم والاستواء على العرش والنزول على طور سيناء ونحو ذلك على

ظواهره كما تقوله الظاهرية من المسلمين وينجرون من ذلك إلى القول بالتشبيه والقول بالجهة والربانيون يذهبون إلى تأويل ما وقع في التوراة من ذلك كله كما تفعل الأشعرية من المسلمين
الثاني القول بالقدر فالربانيون يقولون بأن لا قدر سابق وأن الأمر أنف كما تقوله القدرية من المسلمين والقراؤون يقولون بسابق القدر كما تقوله الأشعرية أما ما عدا ذلك فكلا الفريقين يقولون إن الله تعالى قديم أزلي واحد قادر وأنه تعالى بعث موسى بالحق وشد أزره بأخيه هارون ويعظمون التوراة التي هي كتابهم أتم التعظيم حتى أنهم يقسمون بها كما يقسم المسلمون بالقرآن وكذلك العشر كلمات التي أنزلت على موسى عليه السلام في الألواح الجوهر وقد تقدم أنها مختصر ما في التوراة مشتملة على أوامر ونواه وسماع كلام الله تعالى وهم يحلفون بها كما يحلفون بالتوراة ويعظمون قبة الزمان وما حوته وهي القبة التي كان ينزل على موسى فيها الوحي
ومن أعظم أنواع الكفر عندهم تعبد فرعون وهامان لعنهما الله وكان اسم فرعون موسى فيما ذكره المفسرون الوليد بن مصعب وقيل مصعب بن الريان واختلف فيه فقيل كان من العمالقة وقيل من النبط وقال مجاهد كان فارسيا وهامان وزيره والتبري من إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام ومعنى إسرائيل فيما ذكره المفسرون عبد الله كأن إسرا عبد وإيل اسم الله تعالى بالعبرانية وقيل إسرا من السر وكأن إسرائيل هو الذي شدده الله وأتقن خلقه
ومن أعظم العظائم عندهم الأخذ بدين النصرانية وتصديق مريم عليها السلام في دعواها أنها حملت من غير أن يمسها بشر ويرمونها بأنها حملت من يوسف النجار وهو رجل من أقاربها كان يخدم البيت المقدس معها ويرون تبرئتها من ذلك جريرة تقترف
ويستعظمون الوقوع في أمور

منها القول بإنكار خطاب الله تعالى لموسى عليه السلام وسماعه له
ومنها تعمد طور سيناء الذي كلم الله تعالى موسى عليه بالقاذورات ورمي صخرة بيت المقدس التي هي قبلتهم بالنجاسة ومشاركة بختنصر في هدم بيت المقدس وقتل بني إسرائيل وإلقاء العذرة على مظان أسفار التوراة
ومنها الشرب من النهر الذي ابتلي به قوم طالوت ملك بني إسرائيل والميل إلى جالوت ملك الكنعانيين وهو الذي قتله داود عليه السلام ومفارقة شيعة طالوت الذين قاموا معه على جالوت وذلك أنه لما رفعت التوراة وتسلط على بني إسرائيل عدوهم من الكنعانيين الذين ملكهم جالوت كانت النبوة حينئذ فيهم في شمعون وقيل في شمويل وقيل في يوشع بن نون فقالوا له إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله فقال لهم ما أخبر الله تعالى به ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ) ولم يكن في سبط الملك إذ كان الملك من سبط معروف عندهم فقيل كان سقاء وقيل كان دباغا فأنكروا ملكه عليهم وقالوا كما أخبر الله تعالى ( أنى يكون له الملك علينا ) الآية فلما فصل طالوت بالجنود أراد الله تعالى أن يريه من يطيعه في القتال ممن يعصيه فسلط عليهم العطش وابتلاهم بنهر من حولهم قيل هو نهر فلسطين وقيل نهر بين الأردن وفلسطين فقال لهم طالوت ( إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإن مني ) إلى قوله ( وقتل داود جالوت )
ومنها إنكار الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى إليهم وهم موسى وهارون ويوشع ومن بعدهم من أنبيائهم عليهم السلام ومن قبلهم من إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلوات الله عليهم والأسباط الاثني عشر الآتي ذكرهم والدلالة على

دانيال النبي عليه السلام حتى قتل وإخبار فرعون مصر بمكان إرمياء النبي عليه السلام عند اختفائه بها والقيام مع البغي والفواجر يوم يحيى بن زكريا عليهما السلام في المساعدة عليه
ومنها القول بأن النار التي أضاءت لموسى عليه السلام من شجرة العوسج بالطريق عند مسيره من مدين حتى قصدها وكانت وسيلة إلى كلام الله تعالى له نار إفك لا وجود لها وكذلك أخذ الطرق على موسى عليه السلام عند توجهه إلى مدين فارا من فرعون والقول في بنات شعيب اللاتي سقى لهن موسى عليه السلام بالعظائم ورميهن بالقبيح
ومنها الإجلاب مع سحرة فرعون على موسى عليه السلام والقيام معهم في غلبته والتبري ممن آمن منهم بموسى عليه السلام
ومنها قول من قال من آل فرعون اللحاق اللحاق لندرك من فر من موسى وقومه عند خروجهم كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله ( فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون )
ومنها الإشارة بتخليف تابوت يوسف عليه السلام بمصر حين أراد موسى عليه السلام نقله إلى الشام ليدفنه عند آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب وذلك أنهم جعلوا تابوته في أحد شقي النيل فأخصب وأجدب الجانب الآخر فحولوه إلى الجانب الآخر فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الأول فجعلوه وسط النيل فأخصب جانباه جميعا إلى أن كان زمن موسى عليه السلام وضرب النيل بعصاه فانفلق عن التابوت فأخذ في نقله إلى الشام ليدفنه عند آبائه كما تقدم فأشار بعضهم ببقائه بمصر فوقع في محظور لمخالفة موسى عليه السلام فيما يريده

ومنها التسليم للسامري وتصديقه على الحوادث التي أحدثها في اليهودية على ما سيأتي ذكره في الكلام على السامرة في الطائفة الثانية من اليهود
ومنها نزول أريحا مدينة الجبارين من بلاد فلسطين
ومنها الرضا بفعل سكنة سدوم من بلاد فلسطين أيضا وهم قوم لوط
ومنها مخالفة أحكام التوراة التي ورد الحث فيها عليها
ومنها استباحة السبت بالعمل فيه والعدو فيه إذ استباحته عندهم توجب هدر دم مستبيحه من حيث إنه مسخ من مسخ باستباحته قردة وخنازير والله تعالى يقول ( وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا )
ومنها إنكار عيد المظلة وهو سبعة أيام أولها الخامس عشر من تشرى وعيد الحنكة وهو ثمانية أيام يوقدون في الليلة الأولى من لياليه على كل باب من أبوابهم سراجا وفي الليلة الثانية سراجين وهكذا حتى يكون في الليلة الثامنة ثمانية سرج وهما من أعظم أعيادهم
ومنها القول بالبداء على الله في الأحكام وهو أن يخطر له غير الخاطر الأول وهو تعالى منزه عن ذلك ورتبوا عليه منع نسخ الشرائع ويزعمون أن النسخ يستلزم البداء وهو مما اتفق كافة اليهود على منعه على ما تقدم أولا
ومنها اعتقاد أن المسيح عليه السلام هو الموعود به على لسان موسى عليه السلام المذكور بلفظ المشيحا وغير ذلك على ما تقدمت الإشارة إليه
ومنها الانتقال من دين اليهودية إلى ما سواها من الأديان إذ عندهم أن شريعة موسى عليه السلام هي التي وقع بها الابتداء وبها وقع الاختتام

ومنها الانتقال من اليهودية إلى ما عداها من الأديان كالإسلام والنصرانية وغيرهما فإنه يكون بمثابة المرتد عند المسلمين
ومنها استباحة لحم الجمل فإنه محرم عندهم ومن استباحه فقد ارتكب محظورا عظيما عندهم وقد دخل ذلك في عموم قوله تعالى إخبارا بما حرم عليهم ( وعلىالذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ) يعني ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل وما في معناها
ومنها استباحة أكل الشحم خلا شحم الظهر وهو ما علا فإنه مباح لهم وعن ذلك اخبر الله تعالى بقوله ( ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما )
ومنها استباحة أكل الحوايا قال ابن عباس وغيره هي المباعر وقال أبو عبيدة هي ما تحوى من البطن أي استدار والمراد شحم الثرب وكذلك استباحة ما اختلط من الشحم بعظم وهو شحم الألية وعنه أخبر تعالى بقوله ( أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ) عطفا على الشحوم المحرمة على أن بعض المفسرين قد عطف قوله تعالى ( أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ) على المستثنى في قوله ( إلا ما حملت ظهورهما ) فحمله على الاستباحة والموافق لما يدعونه الأول ويرون أن سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا لم يحرم علينا شيء إنما حرم إسرائيل على نفسه الثرب وشحم الألية فنحن نحرمه فنزلت على أن اليهود القرائين والربانيين يجملونها فيبيعونها ويأكلون ثمنها ويتأولون أن آكل ثمنها غير آكل منها وإلى ذلك الإشارة بقوله قاتل الله

اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها والسامرة مخالفون في ذلك ويقولون بتحريم الثمن أيضا على ما سيأتي ذكره
وليعلم أن القرائين والربانيين يحرمون من الذبيحة كل ما كانت رئته ملتصقة بقلبه أو بضلعه والسامرة لا يحرمون ذلك
ومنها مقالة أهل بابل في إبراهيم عليه السلام وهي قولهم إنه لمن الظالمين في تكسير أصنامهم
ومنها أن يحرم الأحبارا الذين هم علماؤهم على الواحد منهم بمعنى أنهم يمنعونه من مباحاتهم في المآكل والمشارب والنكاح وغير ذلك حرمة يجمعون عليها وتتأكد بقلب حصر الكنائس عليها إذ من عادتهم أنهم إذا حرموا على شخص وارادوا التشديد عليه قلبوا حصر الكنائس عند ذلك التحريم تغليظا على المحرم عليه
ومنها الرحوع إلى التيه بعد الخرج منه فإنهم إنما خرجوا إليه عند سخط الله تعالى عليهم بمخالفة موسى عليه السلام عند امتناعهم عما أمروا به من قتال الجبارين كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله ( قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ) قال المفسرون وكان تيههم ستة فراسخ في اربعة فراسخ يمشون كل يوم ويبيتون حيث يصبحون فأمر الله تعالى موسى عليه السلام فضرب الحجر بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا وكانوا اثني عشر سبطا لكل سبط عين فإذا أخذوا حاجتهم من الماء احتبس وحملوا الحجر معهم وكانت ثيابهم فيما يروى لا تخرق ولا تتدنس وتطول كلما طال الصبيان
ومنها تحريم المن والسلوى الذي امتن الله تعالى عليهم به كما أخبر بذلك

بقوله تعالى ( وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) ويقال أنه الترنجبين وقال ابن عباس والمراد بالمن الذي يسقط على الشجر وهو معروف قال قتادة كان المن يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كسقوط الثلج فيأخذ الرجل منهم ما يكفيه ليومه فإن أخذ أكثر من ذلك فسد وأما السلوى فقيل هي طائر كالسماني وقال الضحاك هي السماني نفسها وقال قتادة هو طائر إلى الحمرة كانت تحشره عليهم الجنوب
ومنها التبرؤ من الأسباط وهم أولاد يعقوب عليهم السلام وعددهم اثنا عشر سبطا وهم يوسف وبنيامين ونفتالي وروبيل ويهوذا وشمعون ولاوي ودان وربولي ويشجر وجاد وأشر ومنهم تفرع جميع بني إسرائيل ولد كل منهم أمة من الناس وسموا أسباطا أخذا من السبط وهو التتابع إذهم جماعة متتابعون وقيل من السبط وهو الشجر فالسبط الجماعة الراجعون إلى اصل واحد
ومنها القعود عن حرب الجبارين مع القدرة على حربهم وذلك أنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة وهي بيت المقدس فيما قاله ابن عباس والسدي وغيرهما والشام فيما قاله قتادة ودمشق وفلسطين وبعض الأردن فيما قاله الزجاج وأرض الطور فيما قاله مجاهد وكان فيها قوم جبارون من العمالقة كما أخبر الله تعالى والجبار هو المتعظم الممتنع من الذل والقهر أخذا من الإجبار وهو الإكراه كأنه يجبر غيره على ما يريده

قال ابن عباس لما بعث موسى عليه السلام من قومه اثني عشر نقيبا ليخبروه خبرهم رآهم رجل من الجبارين فأخذهم في كمه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه وجاء بهم إلى الملك فنثرهم بين يديه وقال إن هؤلاء يريدون قتالنا وكان من أمرهم ما قصه الله تعالى في كتابه بقوله ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين الفوم الفاسقين ) فكان في قعودهم عن حرب الجبارين مع القدرة والنشاط مخالفة لما أمروا به
وقد رتب في التعريف أيمان اليهود على هذا المقتضى فقال ويمينهم
إنني والله والله والله العظيم القديم الأزلي الفرد الصمد الواحد الأحد المدرك المهلك باعث موسى بالحق وشاد أزره بأخيه هارون وحق التوراة المكرمة وما فيها وما تضمنته وحق العشر كلمات التي أنزلت على موسى في الصحف الجوهر وما حوته قبة الزمان وإلا تعبدت فرعون وهامان وبرئت من بني إسرائيل ودنت بدين النصرانية وصدقت مريم في دعواها وبرأت يوسف النجار وانكرت الخطاب وتعمدت الطور بالقاذورات ورميت الصخرة بالنجاسة وشركت يختنصر في هدم بيت المقدس وقتل بني إسرائيل وألقيت العذرة على مظان الأسفار وكنت ممن شرب من النهر ومال إلى جالوت وفارقت شيعة طالوت وأنكرت الأنبياء ودللت على دانيال وأعلمت جبار مصر بمكان

إرمياء وكنت مع البغي والفواجر يوم يحيى وقلت إن النار المضيئة من شجرة العوسج نار إفك وأخذت الطرق على مدين وقلت بالعظائم في بنات شعيب واجلبت مع السحرة على موسى ثم برئت ممن آمن منهم وكنت مع من قال اللحاق اللحاق لندرك من فر وأشرت بتخليف تابوت يوسف في مصر وسلمت إلى السامري ونزلت أريحا مدينة الجبارين ورضيت بفعلة سكنة سذوم وخالفت أحكام التوراة واستبحت السبت وعدوت فيه وقلت إن المظلة ضلال وإن الحنكة محال وقلت بالبداء علىالله تعالى في الأحكام وأجزت نسخ الشرائع واعتقدت أن عيسى بن مريم المسيح الموعود به على لسان موسى بن عمران وانتقلت عن اليهودية إلى سواها من الأديان واستبحت لحم الجمل والشحم والحوايا أو ما اختلط بعظم وتأولت أن آكل ثمنه غير آكله وقلت مقالة أهل بابل في إبراهيم وإلا أكون محرما حرمة تجمع عليها الأحبار وتقلب عليها حصر الكنائس ورددت إلى التيه وحرمت المن والسلوى وبرئت من كل الأسباط وقعدت عن حرب الجبارين مع القدرة والنشاط
قلت قوله في هذه اليمين في حرمة الشحم وما في معناه وتأولت أن آكل ثمنه غير آكله بمعنى أنه يستعظم الوقوع في تأول ذلك وهو خلاف معتقدهم لأنهم يتأولون أن آكل ثمنه غير آكله كما تقدم عنهم وإنما تمنع ذلك السامرة فكان من حقه أن يورد ذلك في يمين السامرة وأن يقول هنا ولم أتأول أن آكل ثمنه غير آكله فتنبه لذلك
واعلم أن أول ما استحدثت هذه الأيمان لأهل دين اليهودية فيما ذكره محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة في زمن الفضل بن الربيع وزير الرشيد أحدثها كاتب له قال له كيف تحلف اليهودي قال أقول له وإلا برئت من إلهك الذي لا تعبد غيره ولا تدين إلا له ورغبت عن دينك الذي ارتضيته وجحدت التوراة وقلت إن حمار العزير راكب جمل موسى ولعنك ثمانمائة حبر على لسان داود وعيسى بن مريم ومسخك الله كما مسخ أصحاب السبت فجعل منهم القردة والخنازير وخالفت ما دونه دانيال وأشلوما ويوحنا ولقيت الله بدم

يحيى بن زكريا وهدمت الطور صخرة صخرة وضربت بالناقوس في بيت المقدس وتبرأ منك الأسباط وآباؤهم إسرائيل وإسحاق وإبراهيم وغمست لحية الجاثليق في معمودية النصارى وانقلبت عن السبت إلى الأحد وإلا قدر الله لك أن تلقى الذي يخرج من الماء ليلة السبت وصير الله طعامك لحم الخنزير وكروش الجمال ومعد الخنازير وسلط الله عليك وعلى أهلك بختنصر ثانية يقتل المقاتلة ويسبي الذرية ويخرب المدائن وأراك الله الأيدي التي تنال الركب من قبيل الأسباط وآحذك الله بكل لسان جحدته وبكل آية حرفتها وقلت في موسى الزور وإنه في محل ثبور وفي دار غرور وجحدت إهيا أشر إهيا أصبئوت آل شداء وهذه اليمين لازمة لك ولبنيك إلى يوم القيامة
قلت هذه اليمين في غاية الإتقان والتشديد إلا أن قوله وآخذك الله بكل لسان جحدته وبكل آية حرفتها غير مناسب لتحليفهم لأنهم يرون أن لا إثم عليهم في الجحد ولا يعترفون بالتحريف بل ينكرونه على أن أكثرها غير متوارد على اليمين التي أوردها في التعريف فلو ألحقها بها ملحق في آخرها على صيغة اليمين الأولى من إيرادها بصيغة التكلم مثل أن يقول وإلا برئت من إلهي الذي لا أعبد غيره ولا أدين إلا له وألا رغبت عن ديني الذي ارتضيته وعلى ذلك في الباقي لكان حسنا

الطائفة الثانية من اليهود السامرة
وهم أتباع السامري الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله في سورة الأعراف

( واضلهم السامري ) قال بعض المفسرين واسمه موسى بن ظفر وكان أصله من قوم يعبدون البقر فرأى جبريل عليه السلام مرة وقد جاء إلى موسى راكبا على فرس الحياة فأخذ قبضة من تراب من تحت حافر فرسه وكان بنوا إسرائيل قد خرجوا معهم حلي استعاروه من القبط فأمرهم هارون أن يحفروا حفرة ويلقوا فيها ذلك الحلي حتى يأتي موسى فيرى فيه رأيه فجمعوا ذلك الحلي كله والقوه في تلك الحفرة فجاء السامري فألقى ذلك التراب عليه وقال له كن عجلا جسدا له خوار فصار كذلك قال الحسن صار حيوانا لحما ودما وقيل بل صار يخور ولم تنقلب عينه فقال لهم السامري هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا على عبادته ونهاهم هارون فلم ينتهوا فجاء موسى وحرق العجل وذراه في اليم كما أخبر الله تعالى عنه بقوله ( وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ) فأمروا بقتل أنفسهم كما أخبر تعالى بقوله ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) الآية فقتل منهم سبعون ألفا ثم رفع عنهم القتل بعد ذلك
وقد اختلف في السامرة هل هم من اليهود أم لا والقراؤون والربانيون ينكرون كون السامرة من اليهود وقد قال أصحابنا الشافعية رحمهم الله إنهم إن وافقت أصولهم أصول اليهود فهم منهم حتى يقروا بالجزية وإلا فلا
ثم السامرة لهم توراة تختصهم غير التوراة التي بيد القرائين والربانيين والتوراة التي بيد النصارى وهم ينفردون عن القرائين والربانيين بإنكار نبوة من بعد موسى ما عدا هارون ويوشع عليهما السلام ويخالفونهم أيضا في استقبال صخرة بيت المقدس ويستقبلون طور نابلس ويوجهون إليه موتاهم زاعمين أنه

الذي كلم الله تعالى موسى عليه ويزعمون أن الله تعالى أمر داود عليه السلام ببناء بيت المقدس عليه فخالف وبناه بالقدس قاتلهم الله أنى يؤفكون وهم قائلون أيضا إن الله تعالى هو خالق الخلق الباريء لهم وأنه قادر قديم أزلي ويوافقون على نبوة موسى وهارون عليهما السلام وأن الله تعالى أنزل عليه التوراة إلا أن لهم توراة تخصهم تخالف توراة القرائين والربانيين المتقدمة الذكر وأنه أنزل عليه أيضا الألواح الجوهر المتضمنة للعشر كلمات المتقدمة الذكر ويقرون أن الله تعالى هو الذي أنقذ بني إسرائيل من فرعون ونجاهم من الغرق ويقولون إنه نصب طور نابلس المقدم ذكره قبلة للمتعبد
ويستعظمون الكفر بالتوراة التي هم يعترفون بها والتبري من موسى عليه السلام دون غيره من بني إسرائيل ويعظمون طورهم طور نابلس المقدم ذكره ويستعظمون دكه وقلع آثار البيت الذي عمر به ويستعظمون استباحة السبت كغيرهم من اليهود ويوافقون القرائين في الوقت مع ظواهر نصوص التوراة ويمنعون القول بالتأويل الذاهب إليه الربانيون من اليهود وينكرون صحةتوراة القرائين والربانيين ويجعلون الاعتماد على توراتهم ويقولون لا مساس بمعنى أنه لا يمس أحدا ولا يمسه قال في الكشاف كان إذا مس احدا أو مسه أحد حصلت الحمى للماس والممسوس وقد أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام للسامري ( اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ) ويحرمون من الذبائح . . . . ويحرمون أكل اللحم مختلطا بلبن زاعمين أن في توراتهم النهبي عن أكل لحم الجدي بلبن أمه ويستعظمون السعي إلى الخروج إلى الأرض التي حرم عليهم سكناها وهي مدينة أريحا
ومن أكبرالكبائر عندهم وطء المرأة الحائض والنوم معها في مضجع

واحد لا سيما إذا فعل ذلك مستبيحا له ومن أعظم العظائم عندهم إنكار خلافة هارون عليه السلام والأنفة من كونها
وقد رتب في التعريف يمينهم على مقتضى ذلك فذكر أن يمينهم
إنني والله والله والله العظيم الباريء القادر القاهر القديم الأزلي رب موسى وهارون منزل التوراة والألواح الجوهر منقذ بني إسرائيل وناصب الطور قبلة للمتعبدين وإلا كفرت بما في التوراة وبرئت من نبوة موسى وقلت إن الإمامة في غير بني هارون ودكيت الطور وقلعت بيدي أثر البيت المعمور واستبحت حرمة السبت وقلت بالتأويل في الدين وأقررت بصحة توراة اليهود وأنكرت القول بأن لا مساس ولم أتجنب شيئا من الذبائح وأكلت الجدي بلبن أمه وسعيت في الخروج إلى الأرض المحظور علي سكنها وأتيت النساء الحيض زمان الطمث مستبيحا لهن وبت معهن في المضاجع وكنت أول كافر بخلافة هارون وأنفت منها أن تكون

الفرقة الثالثة ممن تدعو الضرورة إلى تحليفه النصرانية
وقد اختلف في اشتقاقها فقيل أخذا من قول المسيح للحواريين ( من أنصاري إلى الله ) وقول الحواريين ( نحن أنصار الله ) وقيل من نزوله هو وأمه بعد عودها به من مصر بالناصرة وهي قرية من بلاد فلسطين من الشام وقيل غير ذلك
والنصارى هم أمة عيسى عليه السلام وكتابهم الإنجيل وقد اختلف في اشتقاقه على ثلاثة مذاهب حكاها أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب

أحدها أنه مأخوذ من قولهم نجلت الشيء إذا أخرجته بمعنى أنه خرج به دارس من الحق
والثاني أنه مأخوذ من قولهم تناجل القوم إذا تنازعوا لأنه لم يقع في كتاب من الكتب المنزلة مثل التنازع الواقع فيه قاله أبو عمرو الشيباني
والثالث أنه مأخوذ من النجل بمعنى الأصل لأنه أصل العلم الذي أطلع الله تعالى فيه خليقته عليه ومنه قيل للوالد نجل لأنه أصل لولده
ثم ذكر هذه الاشتقاقات جنوح من قائلها إلى لفظ الإنجيل عربي والذي يظهر أنه عبراني لأن لغة عيسى عليه السلام كانت العبرانية وقد قال صاحب إرشاد القاصد إن معنى الإنجيل عندهم البشارة
واعلم أن النصارى بجملتهم مجمعون على أن مريم حملت بالمسيح عليه السلام وولدته ببيت لحم من بلاد القدس من الشام وتكلم في المهد وأن اليهود حين أنكروا على مريم عليها السلام ذلك فرت بالمسيح عليه السلام إلى مصر ثم عادت به إلى الشام وعمره اثنتا عشرة سنة فنزلت به القرية المسماة ناصرة المقدم ذكرها وانه في آخر أمره قبض عليه اليهود وسعوا به إلى عامل قيصر ملك الروم على الشام فقتله وصلبه يوم الجمعة وأقام على الحشبة ثلاث ساعات ثم استوهبه رجل من أقارب مريم اسمه يوسف النجار من عامل قيصر ودفنه في قبر كان أعده لنفسه في مكان الكنيسة المعروفة الآن بالقمامة بالقدس وأنه مكث في قبره ليلة السبت ونهار السبت وليلة الأحد ثم قام من صبيحة يوم الأحد ثم رآه بطرس الحواري وأوصى إليه وأن أمه جمعت له الحواريين فبعثهم رسلا إلى الأقطار للدعاية إلى دينه وهم في الأصل اثنا عشر حواريا بطرس ويقال له سمعان وشمعون الصفا أيضا وأندراوس وهو

أخو بطرس المقدم ذكره ويعقوب بن زيدي ويوحنا الإنجيلي وهو أخو أندراوس وفيلبس وبرتلوماوس وتوما ويعرف بتوما الرسول ومتى ويعرف بمتى العشار ويعقوب بن حلفا وسمعان القناني ويقال له شمعون أيضا وبولس ويقال له تداوس وكان اسمه في اليهودية شاول ويهوذا الأسخريوطي وهو الذي دل يهود على المسيح حتى قبضوا عليه بزعمهم وقام مقامه بنيامين ويقولون أنه بعد أن بعث من بعث من الحواريين صعد إلى السماء وهم متفقون على أن أربعة من الحواريين تصدوا لكتابة الإنجيل وهم بطرس ومتى ولوقا ويوحنا فكتبوا فيه سيرة المسيح من حين ولادته إلى حين رفعه وكتب كل منهم نسخة على ترتيب خاص بلغة من اللغات
فكتب بطرس إنجيله باللغة الرومية في مدينة رومية قاعدة بلاد الروم ونسبة إلى تلميذه مرقس أول بطاركة الإسكندرية ولذلك يعرف بمرقس الإنجيلي وقيل إن الذي كتبه مرقس نفسه وكتب متى إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس ونقله بعد ذلك يوحنا بن زيدي إلى اللغة الرومية وكتب لوقا إنجيله بالرومية وبعث به إلى بعض أكابر الروم وقيل بل كتبه ياليونانية بمدينة الإسكندرية وكتب يوحنا إنجيله باليونانية بمدينة أفسس وقيل مدينة رومية
قال الشهرستاني وخاتمة إنجيل متى إني أرسلكم إلى الأمم كما أرسلني أبي إليكم فاذهبوا وادعوا الأمم باسم الأب والابن وروح القدس ثم اجتمع برومية من توجه إليها من الحواريين ودونوا قوانين دين النصرانية على يد أقليمش تلميذ بطرس الحواري وكتبوا عدد الكتب التي يجب قبولها والعمل بمقتضاها وهي عدة كتب منها الأناجيل الأربعة المتقدمة الذكر والتوراة التي

بأيديهم وجملة كتب من كتب الأنبياء الذين قبل المسيح عليه السلام كيوشع بن نون وأيوب وداود وسليمان عليهم السلام وغيرهم
ثم لما مات الحواريون أقام النصارى لهم خلائف عبر عنهم بالبطاركة جمع بطرك وهي كلمة يونانية مركبة من لفظين أحدهما بطر ومعناه والثانية يرك ومعناه ورأيت في ترسل العلاء بن موصلايا كاتب القائم بأمر الله العباسي فطرك بإبدال الباء فاء والعامة يقولون بترك بابدال الطاء تاء وهو عندهم خليفة المسيح والقائم بالدين فيهم
وقد كان لبطاركتهم في القديم حمسة كراسي لكل كرسي منها بطرك الأول منها بمدينة رومية والقائم به خليفة بطرس لحواري المتوجه إليها بالبشارة

والثانية بمدينة الإسكندرية والقائم به خليفة مرقس تلميذ بطرس الحواري المقدم ذكره وخليفته بها والثالث بمدينة بزنطية وهي القسطنطينية والرابع بمدينة أنطاكية من العواصم التي هي في مقابلة حلب الآن والخامس بالقدس وكان أكبر هذه الكراسي الخمسة كرسي رومية لكونه محل خلافة بطرس الحواري ثم كرسي الإسكندرية لكونه كرسي مرقس خليفته
ثم آصطلحوا بعد ذلك على أسماء وضعوها على أرباب وظائف دياناتهم فعبروا عن صاحب المذهب بالبطريق وعن نائب البطرك بالأسقف وقيل الأسقف عندهم بمنزلة المفتي وعن القاضي بالمطران وعن القاريء بالقسيس وعن صاحب الصلاة وهو الإمام بالجاثليق وعن قيم الكنيسة بالشماس وعن المنقطع إلى المولى للعبادة بالراهب
وكانت الأساقفة يسمون البطرك أبا والقسوس يسمون الأسقف أبا فوقع الاشتراك عندهم في اسم الأب فوقع اللبس عليهم فاخترعوا لبطرك الإسكندرية آسم الباب ويقال فيه البابا بزيادة ألف والبابه بإبدال الأف هاء ومعناه عندهم أبو الآباء لتمييز البطرك عن الأسقف فاشتهر بهذا الاسم ثم نقل آسم الباب إلى بطرك رومية لكونه خليفة بطرس الحواري وبقي آسم البطرك على بطرك الإسكندرية وغيره من أصحاب الكراسي
وآعلم أن النصارى مجمعون على أن الله تعالى واحد بالجواهر ثلاثة بالأقنومية ويفسرون الجوهر بالذات والأقنومية بالصفات كالوجود والعلم والحياة ويعبرون عن الذات مع الوجود بالأب وعن الذات مع العلم بالابن ويعبرون عن الذات مع الحياة بروح القدس ويعبرون عن الإله باللاهوت وعن

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39