كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

بما يعينه النائب من الإقطاعات وتجهيزها للأبواب الشريفة لتشمل بالخط الشريف وتخلد شاهدا بديوان الجيوش بالديار المصرية وكذلك اثبات ما يصدر اليه من المناشير من الأبواب الشريفة وولايته من الأبواب الشريفة
ومنها نظر المال وهو بمعنى الوزارة كما في دمشق الا انه لا يطلق على متوليه وزير البتة وولايته من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف ولديوانه كتاب اتباع له كصاحب الديوان والكتاب والشهود وغيرهم وولاية كل منهم عن النائب بتواقيع لهم كما في دمشق
ومنها نظرالأوقاف وحكمها التحدث على الأوقاف بمدينة حلب وأعمالها كما في دمشق وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر الجامع الكبير ومتوليها يكون رفيقا للنائب في التحدث فيه وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر البيمارستان وقد تقدم في الكلام على مدينة حلب ان بها بيمارستانين احدهما يعرف بالعتيق والآخر بالجديد ولكل منهما ناظر يخصه وولاية كل منهما عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر الأقواد ومتوليها يكون رفيقا لشاد الأقواد المتقدم ذكره في ارباب السيوف وولايته عن النائب بتوقيع كريم

الصنف الثاني الوظائف الدينية
فمنها القضاء وبها اربعة قضاة من المذاهب الأربعة كما في دمشق الا ان استقرار الأربعة بها كان بعد استقرارها بدمشق وولاية كل منهم من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف ويختص الشافعي منهم بعموم تولية النواب بالمدينة وجميع اعمالها ويقتصر من عداه على التولية في المدينة خاصة كما تقدم في دمشق والديار المصرية

ومنها قضاء العسكر وبها قاضيا عسكر شافعي وحنفي كما في دمشق وولايتهما من الأبواب الشريفة ويكتب لكل منهما توقيع شريف
ومنها إفتاء دار العدل وبها اثنان ايضا شافعي وحنفي كما في دمشق وولاية كل منهما عن النائب بتوقيع كريم
ومنها وكالة بيت المال وولايتها من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف ووكالته عن السلطان بمصر مثبوتة فتنفذ بالمملكة كما تقدم في دمشق
ومنها نقابة الأشراف والأمر فيها على ما تقدم في دمشق والديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها مشيخة الشيوخ والحكم فيها كما في دمشق وعادتها ان يكون متوليها هو شيخ الخانقاه المعروفة بالقديم وولايتها عن النائب بتوقيع كريم وربما كانت من الباب الشريف
ومنها الحسبة وهي على ما تقدم في دمشق والديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم ومتوليها يولي نواب الحسبة بسائر الأعمال الحلبية
ومنها الخطابة بالجامع الكبير وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها التداريس والتصادير المعدوقة بنظر النائب وولايتها بتواقيع كريمة على قدر مراتب اصحابها

الصنف الثالث وظائف ارباب الصناعات
فمنها رياسة الطب ورياسة الكحالين ورياسة الجرائحية كما في

دمشق والديار المصرية وولاية كل منهم بتوقيع كريم عن النائب أما مهتارية البيوت ومن في معناهم فمفقودون هناك لفقد البيوت السلطانية وإنما مهتارية البيوت بها للنائب خاصة لقيامه مقام السلطان بها كما في دمشق
وأما ترتيب النيابة بها فعلى نحو ما تقدم في دمشق وعادة النائب بها ان يركب في المواكب في يومي الأثنين والخميس من دار النياية ويخرج من باب يقال له باب القوس في وسط البلد على القرب من القلعة ويمر منه الى سوق الخيل ويخرج من سور البلد من باب النيرب ويتوجه الى مكان يعرف بالميدان ويعرف بالقبة ايضا على القرب من المدينة بطريق القرية المعروفة بجبريل في جهة الجنوب عن المدينة ثم يعود من حيث ذهب وقد وقف الأمراء في انتظاره بسوق الخيل وآخر خيولهم الى القلعة ورؤوس خيولهم الى الجهة التي يعود منها أمراء الخمسات ثم امراء العشرات ومن في معناهم على ترتيب منازلهم ثم امراء الطبلخانات ثم الأمراء المقدمون فإذا حاذى النائب في عوده امراء الخمسات والعشرات في طريقه سلم وهو سائر فيسلمون عليه وهم وقوف في امكنتهم لا يتحركون ولا يبرحون عنها فإذا حاذى امراء الطبلخانات سلم عليهم فيتقدمون بخيولهم اليه نحو قصبتي قياس فيسلمون عليه ثم يعودون الى امكنتهم فيقفون فيها فإذا حاذى الأمراء المقدمين سلم عليهم فيفعلون كما فعل امراء الطبلخانات من التقدم اليه والسلام عليه ثم يعودون إلى امكنتهم ويمر النائب حتى ينتهي الى آخر سوق الخيل فيعطف رأس فرسه ويقف مستقبلا للجهة التي عاد منها في الجنوب والعسكر واقفون على حالهم وينادى بينهم على العقارات من الأملاك والضياع وكذلك الخيول والسلاح قدر خمس درج ثم يمر الى دار النيابة فإن كان ذلك الموكب فيه سماط سار في خدمته إلى دار النيابة من كان معه في ركوب الموكب من الأمراء الأكابر والأصاغر من الحجاب وغيرهم ويمر بباب القلعة وقد نزل نائب القلعة الى بابها فوقف فيه مماليك في خدمته من الأجناد البحرية المقيمين بالقلعة فإذا مر بهم النائب سلم على نائب القلعة فيسلم عليه ويطلع نائب القلعة الى قلعته ويمر النائب في طريقه الى دار النيابة ويكون مماليك

النائب قد ترجلوا عن خيولهم ويترجل أمراء الخمسات والعشرات بعدهم ثم يترجل الطبلخانات على القرب من دار النيابة ثم الأمراء المقدمون على باب دار النيابة كل منهم على قدر منزلته ويستمر النائب راكبا حتى يأتي المقعد المذكور وهو مقعد مربع مرتفع عن الأرض عليه قبة مرتفعة ودرابزين من خشب دائر وفيه دكة من خشب صغيرة في جانبه مرتفعة عن المقعد قدر ذراع تسع جالسا فقط معدة لجلوس النائب فينزل النائب على باب من ابواب المقعد الثلاثة مخصوص به ويجلس حاجب الحجاب على مصطبة لطيفة اعلى السلم خارج الدرابزين معدة لجلوسه عن يمين النائب ويكون القضاه الأربعة وقاضيا العسكر ومفتيا دار العدل وكاتب السر وكتاب الدست وناظر الجيش قد حضروا قبل حضور النائب وحاجب الحجاب وطلعوا من سلم مخصوص بهم واخذوا مجالسهم وجلسوا في انتظار النائب فإذا حضر قاموا وجلسوا بجلوسه ويكون جلوسهم بترتيب خاص يوافق دمشق في بعض الأمور ويخالف في بعضها فيجلس عن يسار النائب قاضي القضاة الشافعي ويليه قاضي القضاة الحنفي ويليه قاضي القضاة المالكي ويليه قاضي القضاة الحنبلي ويليه قاضي العسكر الشافعي ويليه قاضي العسكر الحنفي ويليه مفتي دار العدل الشافعي ويليه مفتي دار العدل الحنفي ويليه الوزير صفا مستقيما ويجلس كاتب السر أمام النائب على القرب منه ويليه عن يمينه ناظر الجيش ويليه كتاب الدست على ترتيب منازلهم حتى يساووا في المقابلة الصف الذي فيه قضاة القضاة ومن معهم ويجلس باقي الموقعين بين الصفين مقابل حاجب الحجاب حتى يصلوهما فيصيرون كالحلقة المستديرة ويقف الحجاب الصغار اسفل السلم الذي يصعد منه وحاجب الحجاب ونقباء الجيش خلفهم والولاة خلف نقباء الجيش فإن كان الأمراء قد حضروا لأجل السماط جلس المقدمون والطبلخاناه على مصاطب معدة لهم على القرب من المقعد الذي يجلس فيه النائب ومن معه من أرباب

الأقلام المتقدم ذكرهم وترفع القصص فيتناولها نقباء الجيش ويناولونها الحجاب فيناولونها لحاجب الحجاب فيناولها لكاتب السر فيفرقها على الموقعين ويبقي بعضها معه فيقرأ ما معه ثم يقرأ من بعده على الترتيب الى آخر الموقعين فإذا انقضت قراءة القصص قام من المجلس القضاة ومن في معناهم وكتاب الدست فانصرفوا فإذا انقضى المجلس فإن كان في الموكب سماط قام النائب والأمراء من أماكن جلوسهم فدخلوا الى قاعة عظيمة قد وضع بصدرها كرسي سلطنة مغشى بالحرير الأطلس الأصفر وعليه نمجاه مسندة الى صدره كما تقدم في دمشق وقد مد السماط السلطاني فيجلس النائب على رأس السماط والأمراء على ترتيب منازلهم في الإمرة والقدمة ويأكلون ويرفع السماط ثم يقوم الأمراء فينصرفون ويقوم النائب ومعه كاتب السر وناظر الجيش فيدخل الى قاعة صغيرة فيها شباك مطل على دوار بإصطبل النائب فيجلس في ذلك الشباك ويجلس كاتب السر وناظر الجيش فينصرفان
قلت ويخالف دمشق في أمور أحدها ان كرسي السلطنة ليس بدار العدل حيث يجلس النائب والمتعممون كما في دمشق بل في مكان آخر
الثاني أن الأمراء لا يجلسون مع النائب بدار العدل كما في دمشق بل في مكان منفرد
الثالث أن النائب يجلس على دكة مرتفعة عن جلسائه بخلاف دمشق فإنه يجلس مساويا لهم وكأن المعنى فيه عدم جلوس الأمراء في مجلس النائب بحلب بخلاف دمشق
الرابع أن الوزير بحلب يجلس في آخر صف القضاة ومن في معناهم تحت مفتيي دار العدل وبدمشق يجلس في رأس صف يقابل كاتب السر وكأن

المعنى فيه أن كاتب السر بحلب يجلس أمام النائب فلو جلس الوزير فوقه لخالف قاعدة جلوس كاتب السر أو جلس تحته لكان نقصا في رتبته ولا شك انه يجلس فوقه القضاة ومن في معناهم لرفعة رتبة الشرع
الخامس أن السماط بحلب لا يمد بدار العدل كما في دمشق بل في مكان آخر مخصوص
السادس أن النائب بحلب له موضع مخصوص يجلس فيه للمحاكمات ومد السماط وفي دمشق يجلس على طرف الإيوان بدار العدل بعد رفع السماط منه

الجملة الثانية في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة حلب وهو ثلاثة انواع
النوع الأول ولاة الأمور من ارباب السيوف وهو ثلاثة اصناف
الصنف الأول النواب وهم على ضربين
الضرب الأول ما هو داخل في حدود البلاد الشامية وهي احدى عشرة نيابة
الأولى نيابة قلعة المسلمين المسماة في القديم بقلعة الروم وعادة نائبها أن يكون مقدم ألف يولى من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الثانية نيابة الكختا ونيابتها تارة تكون طبلخاناه وتارة عشرة وتوليتها من نائب حلب
الثالثة نيابة كركر ونيابتها تارة طبلخاناه وتارة عشرة وتوليتها من

نائب حلب
الرابعة نيابة بهسنى وقد ذكر في التثقيف ما يقتضي أن نيابتها طبلخاناه لكن اخبرني بعض كتاب السر بحلب انها ربما كانت تقدمه ألف وقد ذكر في التعريف ما يقتضي ذلك فقال ولنائبها مكانة جليلة وإن كان لا يلتحق بنائب البيرة وبكل حال فتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الخامسة نيابة عينتاب وقد اوردها في التثقيف في جملة أمراء العشرات وذكر انه رأى بخط ابن النشائي ما يقتضي انها كانت طبلخاناه وقد اخبرني بعض كتاب سر حلب انها استقرت تقدمه الف في اواخر الدولة الظاهرية برقوق واستقرت توليتها من الأبواب السلطانية
السادسة نيابة الراوندان وقد اوردها في التثقيف في جملة نيابات العشرات وقد اخبرني بعض كتاب السر بحلب انها استقر بها آخرا جندي وتوليتها من نائب حلب
السابعة نيابة الدربساك وقد اوردها في التثقيف في جملة العشرات وأخبرني بعض كتاب سر حلب انها ربما اضيفت لنائب بغراس الآتي ذكرها وأنها الآن بيد ابن صاحب الباز التركماني وتوليتها من نائب حلب
الثامنة نيابة بغراس وقد اوردها في التثقيف في جملة العشرات وولايتها من نائب حلب وهي بيد اولاد داود الشيباني التركماني من تقادم السنين وولايتها من نائب حلب
التاسعة نيابة القصير وقد اوردها في التثقيف في جملة العشرات وأخبرني بعض كتاب سر حلب ان بها الآن جنديا
العاشرة نيابة الشغر وبكاس وقد اوردها في التثقيف في جملة

العشرات وقد اخبرت انها استقر بها آخرا جندي وتوليتها من نائب حلب
الحادية عشرة نيابة شيزر كانت في الزمن المتقدم إمرة عشرة يستقل نائب حلب بتوليتها فلما تسلطت عليها العربان بعد وقعة منطاش والناصري استقرت تقدمة بولاية من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف

الضرب الثاني النيابات الخارجة عن حدود البلاد الشامية وهي قسمان
القسم الأول بلاد الثغور والعواصم وما والاها والمعتبر فيها ثمان نيابات
الأولى نيابة ملطية ونيابتها طبلخاناه وتوليتها من الأبواب السلطانية
الثانية نيابة دبركي وقد ذكر في التثقيف انها تارة تكون طبلخاناه وتارة تكون عشرة وبكل حال فولايتها من نائب حلب
الثالثة درندة ونيابتها في الغالب إمرة عشرة وربما كانت طبلخاناه وولايتها في الحالتين من نائب حلب الرابعة نيابة الأبلستين ونيابتها تقدمة الف من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الخامسة نيابة آياس وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية ونيابتها تقدمة الف وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
السادسة نيابة طرسوس ونيابتها تقدمة الف وتوليتها من الأبواب

السلطانية بمرسوم شريف
السابعة نيابة أذنة ونيابتها تقدمة الف وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الثامنة نيابة سرفندكار ونيابتها إمرة عشرة ووقع في التثقيف نقلا عن ابن النشائي ما يقتضي أنها كانت أولا طبلخاناه وبكل حال فولايتها من نائب حلب
التاسعة نيابة سيس وقد تقدم أن فتحها قريب في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين ولم تزل نيابتها منذ فتحت تقدمة الف وكانت قد جعلت نيابة مستقلة عند الفتح ثم جعلت بعد ذلك تقدمة عسكر كغزة إلا أن مقدم العسكر بها لا يكاتب في خلاص الحقوق بخلاف مقدم العسكر بغزة
قلت وبعد ذلك نيابات صغار يولي بها نائب حلب اجنادا ولا مكاتبة لها من الأبواب السلطانية وهي نيابة قلعة باري كروك ونيابة كاورا ونيابة كولاك ونيابة كرزال ونيابة كومي ونيابة تل حمدون ونيابة الهارونيتين ونيابة قلعة نجمة ونيابة حميمص ونيابة قلعة لؤلؤة

القسم الثاني ما هو في حدود بلاد الجزيرة شرقي الفرات والمعتبر فيها ثلاث
نيابات
الأولى نيابة البيرة ونيابتها تقدمة الف وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الثانية نيابة قلعة جعبر ونيابتها طبلخاناه وتوليتها من الأبواب

السلطانية بمرسوم شريف
الثالثة نيابة الرها قال في التثقيف وقد جرت العادة ان تكون نيابتها طبلخاناه ثم استقر بها في الدولة المنصورية في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة مقدم الف

الصنف الثاني من ارباب السيوف بخارج حلب الولاة وولاية جميعها من نائب
حلب بتواقيع كريمة والمشهور منها اثنتا عشرة ولاية
الأولى ولاية برحلب كما في دمشق الا ان والي برحلب هو والي الولاة
الثانية ولاية كفرطاب وواليها جندي
الثالثة ولاية سرمين وواليها في الغالب جندي وربما كان امير عشرة
الرابعة ولاية الجبول وواليها جندي
الخامسة ولاية جبل سمعان وواليها جندي وهو مقيم بمدينة حلب يحضر المواكب مع والي المدينة ووالي البر لقربه منها
السادسة ولاية عزاز وواليها جندي وربما كان امير عشرة
السابعة ولاية تل باشر وكان لها وال بمفردها جندي ثم اضيفت آخرا لعينتاب

الثامنة ولاية منبج وواليها جندي
التاسعة ولاية تيزين وهي تارة تفرد بوال يكون جنديا وتارة تضاف الى حارم ويقال والي حارم وتيزين
العاشرة ولاية الباب وبزاعا وواليها جندي
الحادية عشرة ولاية دركوش وواليها جندي
الثانية عشرة ولاية أنطاكية وواليها تارة يكون جنديا وتارة امير عشرة وأخبرني بعض كتاب السر بحلب انها ربما اضيفت الى نائب القصير
قلت ووراء ذلك ولايات أخر ببلاد الأرمن ونحوها لم يتحرر لي حالها والظاهر أن ولاية جميعها اجناد

النوع الثاني مما هو خارج عن حاضرة حلب العربان
واعلم انه قد تقدم في الكلام على آل فضل من عربان دمشق ان منازلهم ممتدة بأراضي الشام الى الرحبة وجعبر في جانب الفرات وتقدم في الكلام على قواعد الشام المستقرة نقلا عن المقر الشهابي ابن فضل الله في التعريف ان جعبر كانت في زمانه من مضافات دمشق وأن الواجب ان تكون من مضافات حلب فإنها اضيفت بعده الى حلب وحينئذ فيكون في بلاد حلب بعض عرب آل فضل المتقدم ذكرهم هناك
والمختص بأعمال حلب من العرب المشهورين قبيلتان
القبيلة الأولى بنو كلاب قال في مسالك الأبصار وهم عرب

اطراف حلب والروم ولهم غزوات عظيمة معلومة وغارات لا نعد ولا تزال تباع بنات الروم وأبناؤهم من سباياهم ويتكلمون بالتركية ويركبون الأكاديش وهم عرب غزو ورجال حروب وأبطال جيوش وهم من اشد العرب باسا وأكثرهم ناسا قال ولإفراط نكايتهم في الروم صنفت السيرة المعروفة بدلهمة والبطال منسوبة اليهم بما فيها من ملح الحديث ولمح الأباطيل ولكنهم لا يدينون لأمير منهم يجمع كلمتهم ولو انقادوا لأمير واحد لم يبق لأحد من العرب بهم طاقة
قال الحمداني وكان بنو كلاب قد ظهروا على آل ربيعة وذلك ان الملك الكامل كان طلب من ماتع بن حديثة وغنام بن الظاهر جمالا يحمل عليها غلالا الى خلاط يقوتها بها فاحتج بغيبة جماله في البرية وكان بعض بني كلاب حاضرا فتكفل له بحاجته من الجمال ووفى له بذلك فحقد بها الملك الكامل على ماتع بن حديثة وغنام بن الظاهر واستوحشا منه ثم اتياه عند أخذه آمد فوبخهما فخرجا خائفين منه الى ان فتح دمشق فأتياه بأنواع التقادم وتقربا اليه بالخدمة قال وكانت بنوكلاب تخدم الملك الأشرف موسى وتصحبه لمتاخمة بلاد الروم
قال في مسالك الأبصار وكان سلطاننا يعني الناصر محمد بن قلاوون لا يزال ملتفتا الى تألف بني كلاب هؤلاء وكان احمد بن نصير المعروف بالتتري قد عاث في البلاد والأطراف واشتد في قطع الطريق فأمنه وخلع عليه وأقطعه فانقادت بنو كلاب للطاعة وكان الملك الناصر قد امر عليهم سليمان بن مهنا

وجعل عليه حفظ جعبر وما جاورها
القبيلة الثانية آل بشار قال في مسالك الأبصار وديارهم الجزيرة والأخص ببلاد حلب قال والأحلاف منهم حالهم في عدم الأنقياد لأمير واحد حال بني كلاب ولو اجتمعوا لما أمن بأسهم نقيم على تفرق كلمتهم وبسبب جماعتهم لا يزال آل فضل منهم على وجل وطالما باتوا وقلوبهم منهم ملأى من الحذر وعيونهم وسنى من السهر وبينهم دماء وهم وبنو ربيعة وبنو عجل جيران وديارهم من سنجار وما يدانيها الى البارة أو قريب الجزيرة العمرية الى اطراف بغداد

النيابة الثالثة نيابة أطرابلس وفيها جملتان
الجملة الأولى في ذكر أحوالها ومعاملاتها
أما معاملاتها فبالدنانير والدراهم النقرة على ما مر في الديار المصرية ودمشق وحلب وصنجتها كصنجة دمشق في الذهب والفضة وبها الفلوس العتق فلسا بدرهم ورطلها ستمائة درهم كما في دمشق وأواقيه اثنتا عشرة

اوقية كل اوقية خمسون درهما وتعتبر مكيلاتها بالمكوك كما في حلب ويقاس القماش بها بذراع كل عشرة اذرع منه احدى عشرة ذراعا بالمصري وتقاس ارض دورها بذراع العمل كما في الديار المصرية وغيرها من البلاد الشامية وتعتبر ارض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في دمشق وغيرها من البلاد الشامية وخراجها على ما تقدم في دمشق وغيرها من بلاد الشام
وأما جيوشها فمن الترك ومن في معناهم على ما تقدم في غيرها من الممالك الشامية وبها امير واحد مقدم الف غير النائب وباقي امرائها طبلخاناه وعشرات وخمسات ومن في معناهم من العشرينات وغيرها وبها من وظائف ارباب السيوف نيابة السلطنة وهي نيابة جليلة نائبها من اكبر مقدمي الألوف وهو في الرتبة الثانية من حلب كما في حماة وليس بها قلعة يكون لها نائب بل نائب السلطنة هو المتسلم لجميعها والمتصرف فيما لديها من أمر العسكر وغيره
ومنها الحجوبية وبها ثلاثة حجاب اكبرهم طبلخاناه وهو حاجب الحجاب والحاجبان الآخران كل منهما امير عشرة
ومنها المهمندارية وشد الدواوين وشد الخاص وشد مراكز البريد وشد المينا ونقابة النقباء وأميراخورية وشد الأوقاف وتقدمة البريدية واميراخورية البريد وولاية المدينة وتقدمة التركمان وغير ذلك وكلها يوليها النائب بها
وبها من ارباب الوظائف الديوانية ناظر المملكة وناظر الجيش وصاحب ديوان المكاتبات وولاية الثلاثة من الأبواب السلطانية بتواقيع شريفة وكتاب دست وكتاب درج ولايتهم من نائبها
وبها من الوظائف الدينية قضاء القضاة من المذاهب الأربعة وقاضيا عسكر شافعي وحنفي ومفتيا دار عدل كذلك ومحتسب ووكيل بيت المال الى غير اولئك من ارباب الوظائف

وأما ترتيب النيابة بها فإن النائب يركب في يومي الإثنين والخميس من دار النيابة ويخرج في موكبه من الأمراء والأجناد حتى يأتي ساحل البحر ثم يعود الى دار النيابة ومعه جميع الأمراء والأجناد خلا الأمير المقدم فإنه لا يحضر معه الى دار النيابة وإذا حضر النائب الى دار النيابة جلس في دار العدل بصدر الإيوان وليس بها كرسي سلطنة ويجلس قاضيان شافعي وحنفي عن يمينه ومالكي وحنبلي عن يساره ووكيل بيت المال تحت القاضي المالكي ويجلس كاتب السر امامه على القرب من يساره وكتاب الدست خلفه وحاجب الحجاب جالس امام النائب على القرب منه ويأخذ الحجاب الصغار القصص ويناولونها الى حاجب الحجاب فيدفعها لكاتب السر ويفصل المحاكمات ثم ينفض المجلس ويمد السماط فيأكلون وينصرفون كما في غيرها

الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها وهو على ضربين
الضرب الأول النواب وهم على قسمين
القسم الأول
النيابات بمضافات نفس أطرابلس وبها خمس نيابات كلهم يكاتبون عن الأبواب السلطانية في المهمات ونحوها دون خلاص الحقوق فإنه يختص بنائب السلطنة بها
الأولى نيابة حصن الأكراد ونيابته إمرة عشرة
الثانية نيابة حصن عكار ونيابتة إمرة عشرة
الثالثة نيابة بلاطنس ونيابتها إمرة عشرة
الرابعة نيابة صهيون ونيابتها إمرة عشرة
الخامسة نيابة اللاذقية ونيابتها إمرة عشرة

القسم الثاني
نيابات قلاع الدعوة وهي ست نيابات خارجا عن مصياف حيث أضيفت الى دمشق
الأولى نيابة الرصافة واصل نيابتها إمرة عشرة
الثانية نيابة الخوابي وأصل نيابتها إمرة عشرة
الثالثة نيابة القدموس وأصل نيابتها إمرة عشرة
الرابعة نيابة الكهف وأصل نيابتها إمرة عشرة
الخامسة نيابة المنيقة وأصل نيابتها إمرة عشرة
السادسة نيابة القلعة وأصل نيابتها إمرة عشرة
قلت وقد اخبرني بعض كتاب المملكة ان هذه النيابات كلها استقر فيها أجناد وبالجملة فإنما يولي فيها نائب طرابلس بكل حال
الضرب الثاني
الولاة
وبها ولايات ست وولاة جميعها اجناد عن نائب طرابلس
الأولى ولاية أنطرطوس
الثانية ولاية جبة المنيطرة
الثالثة ولاية الظنيين
الرابعة ولاية بشريه
الخامسة ولاية جبلة
السادسة ولاية أنفة

النيابة الرابعة نيابة حماة وفيها جملتان
الجملة الأولى في ذكر أحوالها ومعاملاتها
اما معاملاتها فعلى ما تقدم في غيرها من الممالك الشامية من المعاملة بالدنانير والدراهم وصنجتها كصنجة دمشق وحلب وطرابلس تنقص عن الصنجة المصرية كل مائة مثقال مثقال وربع وكل مائة درهم درهم وربع ورطلها سبعمائة وعشرون درهما بصنجتها ومكيلاتها معتبرة بالمكوك كما في حلب وبلادها ومكوكها مقدر كل مكوكين وربع مكوك غرارة بالدمشقي وقياس قماشها بذراع
وقياس ارضها بذراع العمل المعروف
الجملة الثانية في ترتيب نيابتها وهي على ضربين
الضرب الأول ما بحاضرتها
أما جيوشها فمن الترك ومن في معناهم وبها عدة من أمراء الطبلخاناه والعشرات والخمسات ومقدمي الحلقة وأجنادها وليس بها مقدم الف وقد تقدم في الكلام على قواعد الشأم المستقرة انها كانت بيد بقايا الملوك الأيوبية الى آخر الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سلطنته الأخيرة قال في مسالك الأبصار إن صاحبها كان يستقل فيها بإعطاء الإمرة والإقطاعات وتولية القضاة والوزراء وكتاب السر وسائر الوظائف بها وتكتب المناشير والتواقيع من جهته

ولكنه لا يمضي أمرا كبيرا في مثل إعطاء إمرة أو وظيفة كبيرة حتى يشاور صاحب مصر وهو لا يجيبه إلا بأن الرأي ما تراه ومن هذا ومثله وربما كتب له مرسوم شريف بالتصرف في مملكته قال في مسالك الأبصار ومع ذلك فصاحب مصر متصرف في ولاية صاحبها وعزله من شاء ولاه ومن شاء عزله ولم يزل الأمر على ذلك الى أن خلع الأفضل محمد بن المؤيد المتقدم ذكره من سلطنتها بعد موت السلطان الملك الناصر وملك ابنه ابي بكر ونائبها من اكابر الأمراء المقدمين ولكنه في الرتبة دون نائب طرابلس وإن كان مساويا له في المكاتبة من الأبواب السلطانية ويظهر ذلك في كتابة المطلقات الكبار حيث يذكر نائب طرابلس قبله
وبها من وظائف ارباب السيوف الحجوبية وبها حاجبان الكبير منهما طبلخاناه والثاني عشرة والمهمندارية وبها اثنان وهما جنديان وشد مراكز البريد وبه جندي وأميراخورية البريد ومتوليها جندي وولاية المدينة وواليها جندي ونقابة العساكر وبها اثنان وهما جنديان احدهما اكبر من الآخر وجميع ارباب الوظائف يوليهم النائب بها بتواقيع كريمة وليس بها قلعة لها نائب
وبها من الوظائف الدينية من ارباب الأقلام اربعة قضاة من المذاهب الأربعة وولايتهم من الأبواب السلطانية بتواقيع شريفة وقاضي عسكر حنفي وليس بها قضاة عسكر من المذاهب الثلاثة الأخر ولا مفتو دار عدل وبها وكيل بيت المال وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف ووكالة شرعية ومحتسب بولاية عن النائب بتوقيع كريم
وبها من الوظائف الديوانية من ارباب الأقلام كاتب سر ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بصاحب ديوان المكاتبات بحماة المحروسة وولايته من الأبواب

السلطانية بتوقيع شريف وله أتباع من كتاب الدست وكتاب الدرج وولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة وبها ناظر المملكة القائم مقام الوزير وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف وله أتباع من كتاب وشهود وولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة الى غير ذلك من وظائف صغار يوليها النائب بتواقيع كريمة
وترتيب الموكب بها أن النائب بها يركب من دار النيابة في يومي الخميس والاثنين وصحبته العسكر من الأمراء وأجناد الحلقة ويخرج الى خارج المدينة من قبليها ويسير في الموكب الى ضيعة تسمى بقرين على القرب من حماة ثم يعود في موكبه حتى يقف بسوق الخيل بمكان خارج المدينة يعرف بالموقف وينادى بينهم على الخيول وربما نودي على بعض العقارات ثم تصبح الجاويشية وينصرف عن ذلك المكان ويدخل المدينة ويأتي دار النيابة ويدخل أول العسكر من داخل باب يعرف بباب العسرة ثم يترجل الناس على الترتيب على قدر منازلهم حتى لا يبقى راكب سوى النائب بمفرده ولا يزال راكبا حتى يترجل بشباك بدار النيابة معد للحكم فيجلس فيه ويجلس عنده داخل الشباك القضاة الأربعة الشافعي والحنفي عن يمينه والمالكي عن يساره والحنبلي يليه ويجلس الأمراء على قدر منازلهم وكاتب السر وناظر الجيش أمام النائب خارج الشباك ويقف هناك الحاجبان والمهمندار ونقيب النقباء وترفع القصص فيقرؤها كاتب السر عليه ويرسم فيها بما يراه ثم يقوم من مجلسه ذلك وينصرف القضاة ويدخل الى قبة معدة لجلوسه ومعه كاتب السر وناظر الجيش والأمراء فيفصل بقية أموره مما يتعلق بالجيش وغيره ثم يمد السماط بعد ذلك فيأكلون وينصرفون

الضرب الثاني ما هو خارج عن حاضرتها
وليس بخارجها نيابات بل يقتصر فيه على ثلاث ولايات ولاتها أجناد

يوليهم النائب بها
الأولى ولاية برها كما في دمشق وحلب
الثانية ولاية بارين
الثالثة ولاية المعرة وليس بها عرب ولا تركمان تنسب اليها

النيابة الخامسة نيابة صفد وفيها جملتان
الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها
أما معاملاتها فكما في دمشق وغيرها من البلاد الشامية وصنجتها كصنجتها ورطلها . . . . . . وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية . . . . . . . . وتعتبر مكيلاتها . . . . . . . . . وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في غيرها وتعتبر أرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في غيرها من البلاد الشامية
وأما جيوشها ووظائفها الديوانية ووظائفها الدينية فكما في طرابلس وأما ترتيب النيابة بها . .
الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها
وليس بأعمالها نيابة بل كلها ولايات يليها اجناد من قبل نائب صفد وهي احدى عشرة ولاية الأولى ولاية برها كما في غيرها من الممالك المتقدمة
الثانية ولاية الناصرة

الثالثة ولاية طبرية
الرابعة ولاية تبنين وهونين
الخامسة ولاية عثليث
السادسة ولاية عكا
السابعة ولاية صور
الثامنة ولاية الشاغور
التاسعة ولاية الإقليم
العاشرة ولاية الشقيف
الحادية عشرة ولاية جينين

النيابة السادسة نيابة الكرك وفيها جملتان
الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها
أما معاملاتها فكما في غيرها من المعاملة بالدنانير والدراهم وصنجتها ورطلها وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية ويقاس قماشها بذراع وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في غيرها وتعتبر أرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في غيرها من بلاد الشام وكذلك خراج أرضها
وأما جيوشها فعلى ما تقدم في غيرها من الممالك من أجتماعها من الترك ومن في معناهم وبها من الأمراء الطبلخانات والعشرات والخمسات ومن في معناهم وليس بها مقدم الف غير النائب كما تقدم والحجوبية والمهمندارية

وتقدمة البريد وولاية القلعة وبها من الوظائف الديوانية ناظر المال وناظر الجيش وكاتب درج وولاية هؤلاء الثلاثة من الأبواب السلطانية
وأما ترتيب الموكب بها

الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها وهو على ضربين
الضرب الأول الولايات وفيها أربع ولايات
الأولى ولاية برها كما في غيرها
الثانية ولاية الشوبك
الثالثة ولاية زغر
الرابعة ولاية معان
الضرب الثاني
العرب
وعرب الكرك فيما ذكره في مسالك الأبصار بنو عقبة وعقبة من جذام قال في مسالك الأبصار وكان آخر أمرائهم شطى بن عتبة وكان سلطاننا الملك الناصر محمد بن قلاوون قد أقبل عليه إقبالا أحله فوق السماكين وألحقه بأمراء آل فضل وأمراء آل مرا وأقطعه الإقطاعات الجليلة وألبسه التشريف الكبير وأجزل له الحباء وعمر له ولأهله البيت والخباء وكذلك ممن ينسب الى عرب الكرك بنو زهير عرب الشوبك وآل عجبون والعطويون والصونيون وغيرهم

الفصل الثالث من الباب الثالث من المقالة الثانية في المملكة الحجازية
وفيه سبعة أطراف
الطرف الأول في فضل الحجاز وخواصه وعجائبه
أما فضله ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي قال غلظ القلوب والجفاء في المشرق والإيمان في أهل الحجاز
قلت وفي ذلك دليل صريح لفضل الحجاز نفسه وذلك أن هواء كل بلد يؤثر في أهله بحسب ما يقتضيه الهواء ولذلك تجد لأهل كل بلد صفات وأحوالا تخصهم وقد أخبر عن أهل الحجاز بالرقة كما أخبر عن أهل المشرق بالغلظة والجفاء وناهيك بفضل الحجاز وشرفه أن به مهبط الوحي ومنبع الرسالة وبه مكة والمدينة اللتين هما أشرف بلاد الله تعالى وأجل بقاع الأرض ولكل منهما فضل يخصه يأتي الكلام عليه عند ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى
وأما خواصه فيختص من جهة الشرع بأمرين أحدهما أنه لا يستوطنه مشرك من ذمي ولا معاهد وإن دخله لم يمكن من الإقامة في موضع منه أكثر من ثلاثة أيام ثم يصرف الى غيره فإن أقام بموضع أكثر من ثلاثة أيام عزر إن لم يكن له عذر قال أصحابنا الشافعية ولو عقد الإمام عقدا لكافر على الإقامة بالحجاز على مسمى بطل العقد ووجب المسمى

الثاني أنه لا تدفن فيه موتاهم وإن دفن أحد منهم فيه نقل الى غيره
وأما عجائبه فمنها مقام إبراهيم عليه السلام وهو الحجر الذي كان يقوم عليه لبناء البيت فأثرت فيه قدماه وصار اثرهما فيه ظاهرا كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله ( فيه آيات بينات مقام إبراهيم ) وهو باق على ذلك امام البيت من جهة الباب الى الآن
ومنها ما ذكره في الروض المعطار من أن أثر قدم إسماعيل عليه السلام بمسجد بمنى في حجر فيه أثر عقبه حين رفس إبليس برجله عند اعتراضه له في ذهابه مع أبيه للذبح
ومنها حصى الجمار وهو أنه في كل سنة يرمي الحجاج عند الجمرات الثلث في أيام منى ما تتحصل منه التلال العظيمة على طول المدى ومع ذلك لم يكن موجودا بمنى منها الا الشئ القليل على تطاول السنين يقال إن مهما تقبل منها رفع والباقي منها ما لم يتقبل

الطرف الثاني في ذكره حدوده وابتداء عمارته وتسميته حجازا
أما حدوده فاعلم أن الحجاز عبارة عن مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها على خلاف في بعض ذلك يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وهو بجملته قطعة من جزيرة العرب وهو ما بين بحر القلزم وبحر الهند وبحر فارس والفرات وبعض بادية الشام
قال المدائني جزيرة العرب خمسة أقسام تهامة ونجد والحجاز والعروض واليمن وزاد ابن حوقل في أقسامها بادية العراق وبادية الجزيرة فيما

بين دجلة والفرات وبادية الشام وفيها خلاف يطول ذكره
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات وسميت جزيرة العرب جزيرة لانجزار الماء عنها حيث لم يمد عليها وإن كان مطيفا بها والحجاز عندهم عبارة عن جبل السراة بالسين والراء المهملتين على ما أورده في الروض المعطار وضبط في تقويم البلدان في الكلام على البلقاء من الشأم بالشين المعجمة وهو جبل يقبل من اليمن حتى يتصل ببادية الشأم وهو أعظم جبال العرب وحده من الجنوب تهامة وهي ما بينه وبين بحر الهند في غربي بلاد اليمن وحده من الشرق بلاد اليمن وهي بينه وبين فارس وحده من الشمال نجد وهو ما بينه وبين العراق وحده من الغرب بحر القلزم وما في جنوبيه من بادية الشام

الطرف الثالث في ابتداء عمارته وتسميته حجازا
أما ابتداء عمارته فإنه لما انبث أولاد سام بن نوح عليه السلام وهم العرب في أقطار هذه الجزيرة حين قسم نوح الأرض بين بنيه نزل الحجاز منهم من العرب البادية طسم وجديس ومنزلهم اليمامة ومنزلة جرهم على القرب من مكة فكان ذلك أول عمارة الحجاز بعد الطوفان ثم بادت هذه العرب وهلكوا عن آخرهم ودرست أخبارهم وانقطعت آثارهم وعمر الحجاز بعدهم جرهم الثانية وهم بنو جرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام ولما أسكن إبراهيم الخليل عليه السلام ولده إسماعيل بمكة كما

أخبر تعالى عنه بقوله ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) كانت جرهم الثانية نازلين بالقرب من مكة فاتصلوا بإسماعيل عليه السلام وتزوج منهم وكثر ولده وتناسلوا فعمروا الحجاز الى الآن
وأما تسميته حجازا فقال الأصمعي سمي بذلك لأنه حجز بين نجد وتهامة ولامتداده بينهما على ما تقدم وقال ابن الكلبي سمي بذلك لما احتجز به من الجبال قلت ووهم في الروض المعطار فقال سمي حجازا لأنه حجز بين الغور والشام وقيل لأنه حجز بين نجد والسراة وما أعلم ما الذي أوقعه في ذلك

الطرف الرابع في ذكر مياهه وعيونه وجباله المشهورة
أما مياهه وعيونه فقال المتكلمون في المسالك والممالك ليس بالحجاز بل بجزيرة العرب جملة نهر يجري فيه مركب وإنما فيه العيون الكثيرة المتفجرة من الجبال المعتضدة بالسيول والأمطار الممتدة من واد الى واد وعليها قراهم وحدائقهم وبساتينهم مما لا يحصى ذلك كثرة كما في الطائف وبطن مر وبطن نخل وعسفان وبدر وغير ذلك
وأما جباله المشهورة فاعلم أن جميع أرض الحجاز جبال وأودية ليس فيها بسيط من الأرض وجباله أكثر من أن تدخل تحت العد أو يأخذها الحصر وقد ذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن لمكة اثني عشر ألف جبل لكل منها اسم يخصه ولكن قد شهرت جبال مكة والمدينة والينبع

فمن جبال مكة المشهورة جبل أبي قبيس وهو الجبل الذي في جنوبي مكة ممتدا على شرقيها قال الأزرقي وهو أول جبل وضع بالأرض ولذلك كان أقرب الجبال الى البيت
ومنها جبل قينقاع بقاف مفتوحة وياء مثناة تحت ساكنة ونون مضمومة وقاف ثانية مفتوحة بعدها ألف وعين مهملة وهو الجبل الذي غربي مكة سمي بذلك لمكان سلاح تبع منه والقعقعة صوت السلاح كما سمي جياد جيادا لمكان خيله منها
ومنها جبل حراء بحاء مهملة مكسورة وراء مهملة مفتوحة بعدها ألف وهو جبل يشرف على مكة من شرقيها يرى البيت من أعلاه وفيه الغار الذي كان يتعبد فيه رسول الله وفيه جاءه جبريل عليه السلام في أول النبوة
ومنهاجبل ثور بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر وهو جبل مشرف على مكة من جنوبيها وفيه الغار الذي اختفى فيه رسول الله من المشركين ومعه ابو بكر الصديق رضي الله عنه
ومنها جبل تبيربفتح التاء المثناة فوق وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وراء مهملة في الآخر وهو جبل مشرف يرى من منى والمزدلفة

الطرف الخامس في زروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه ووحوشه وطيوره
أما زروعه ففيه من الحبوب المزروعة البر والشعير والذرة والسلت

وجميعها تزرع على المطر وربما زرع بعضها على ماء العيون والشعير والذرة أكثر الحبوب وجودا ويزرع فيه على العيون البطيخ الأخضر والأصفر والقثاء والباذنجان والدباء والملوخيا والهندبا والفجل والكراث والبصل والثوم
وأما فواكهه ففيه الرطب والعنب والموز والتفاح والسفرجل والليمون وغير ذلك
وأما رياحينه ففيه التامر حناء ويسمى عندهم الفاغية بالفاء وغين معجمة وياء مثناة تحت وهاء في الآخر
وأما مواشيه ففيه الإبل والضأن والمعزبكثرة والبقر بقلة وبه من الخيل ما يفوق الوصف حسنه ويعجز البرق إدراكه
وأما وحوشه ففيه الغزلان وحمر الوحش والذئاب والضباع والثعالب والأرانب وغيرها
وأما طيوره ففيه الحمام والدجاج والحدأة والرخم

الطرف السادس في قواعده وأعماله وفيه ثلاث قواعد
القاعدة الأولى مكة المشرفة وفيها جملتان
الجملة الأولى في حاضرتها
وقد ذكر العلماء رحمهم الله لها ستة عشر اسما مكة بفتح الميم وتشديد الكاف المفتوحة وهاء في الآخر كما نطق به القرآن الكريم في قوله تعالى ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة ) سميت

بذلك لقلة مائها أخذا من قولهم امتك الفصيل ضرع أمه إذا امتصه وقيل لأنها تمك الذنوب بمعنى أنها تذهب بها ويقال لها أيضا بكة بإبدال الميم باء موحدة وبه نطق القرآن أيضا في قوله تعالى ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ) قال الليث سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها والبك الدق وقيل بالميم الحرم كله وبكة المسجد خاصة حكاه الماوردي عن الزهري وزيد بن أسلم وقيل بالباء اسم لموضع الطواف سمي بذلك لازدحام الناس فيه والبك الازدحام ومن أسمائها أيضا أم القرى والبلد الأمين وأم رحم بضم الراء وإسكان الحاء المهملتين لأن الناس يتراحمون فيها ويتوادعون وصلاح مبني على الكسر كقطام ونحوه والباسة لأنها تبس الظالم أي تحطمه والناسة بالنون لأنها تنس الملحد فيها أي تطرده والنساسة لذلك أيضا والحاطمة لأنها تحطم الظالم كما تقدم والرأس وكوثى بضم الكاف وفتح المثلثة والقدس والقادس والمقدسة قال النووي وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ولذلك كثرت أسماء الله تعالى وأسماء رسوله وقد تقدم أنها من جملة الحجاز وحكى ابن حوقل عن بعض العلماء أنها من تهامة ورجحه في تقويم البلدان وموقعها في الإقليم الثاني من الاقاليم السبعة قال في كتاب الأطوال طولها سبع وستون درجة وثلاث عشرة دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة وقال في القانون طولها سبع وستون درجة فقط وعرضها إحدى وعشرون درجة وعشرون دقيقة وقال في رسم المعمور طولها سبع وستون درجة وعرضها إحدى وعشرون وقال كوشيار

طولها سبع وستون درجة وعشر دقائق وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة وقال ابن سعيد طولها سبع وستون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وعشرون دقيقة وهي مدينة في بطن واد والجبال محتفة بها فأبو قبيس مشرف عليها من شرقيها وأجياد بفتح الهمزة مشرف عليها من غربيها قال الجوهري سمي بذلك لموضع خيل تبع منه قال في الروض المعطار وسعتها من الشمال الى الجنوب نحو ميلين ومن أسفل أجياد الى ظهر جبل قعيقعان مثل ذلك قال الكلبي ولم يكن بها منازل مبنية في بدء الأمر وكانت جرهم والعمالقة حين ولايتهم على الحرم ينتجعون جبالها وأوديتها ينزلون بها ثم جاءت قريش بعدهم فمشوا على ذلك الى ان صارت الرياسة في قريش لقصي بن كلاب فبنى دار الندوة يحكم فيها بين قريش ثم صارت لمشاورتهم وعقد الألوية في حروبهم ثم تتابع الناس في البناء فبنوا دورا وسكنوها وتزايد البناء فيها حتى صارت الى ما صارت وبناؤها بالحجر وعليها سور قديم قد هدم أكثره وبقي أثره والمسجد في وسطها وقد ذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن الكعبة كانت قبل أن تدحى الأرض رابية حمراء مشرفة على وجه الماء ولما أهبط الله آدم عليه السلام وجاء الى مكة استوحش فأنزل الله تعالى اليه قبة من الجنة من درة بيضاء لها بابان فوضعت مكان البيت فكان يتأنس بها وجعل حولها ملائكة يحفظونها من أن يقع بصر الشياطين عليها قال في الروض المعطار وكان الحجر الأسود كرسيا يجلس عليه قال وطوله ذراع والذي ذكره الماوردي وغيره أن الملائكة لما قالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) لاذوا بالعرش خوفا من غضب الله تعالى فطافوا حوله سبعا فرضي عنهم وقال ابنوا في الأرض بيتا يعوذ به من سخطت عليه من بني آدم فبنوا هذا البيت وهو أول بنائه ثم بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما أخبر الله تعالى بقوله ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) قال في الروض المعطار ولم يجعل لها سقفا قال

ثم انهدمت الكعبة فبنتها العمالقة ثم انهدمت فبنتها جرهم ثم انهدمت فبناها قصي بن كلاب وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل وجعل ارتفاعها خمسا وعشرين ذراعا ثم استهدمت وكانت فوق القامة فأرادت قريش تعليتها فهدمتها وبنتها والنبي عمره خمس وعشرون سنة وشهد بناءها معهم وكان بابها بالأرض فقال أبو حذيفة بن المغيرة يا قوم ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل إلا مسلم ففعلوا ذلك وسقفوها بخشب سفينة ألقاها البحر الى جدة
قال في الروض المعطار وكان طولها ثماني عشرة ذراعا ثم احترق البيت حين حوصر ابن الزبير بمكة وتأثرت حجارته بالنار فهدمه ابن الزبير وأدخل فيه ستة أذرع من الحجر وقيل سبعة وجعل له بابين ملصقين بالأرض شرقيا وغربيا يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر وجعل على بابها صفائح الذهب وجعل مفاتيحه من ذهب قال في الروض المعطار وبلغ بها في العلو سبعا وعشرين ذراعا فلما قتل ابن الزبير كتب عبد الملك بن مروان الى الحجاج يأمره بإعادته على ما كان عليه في زمن النبي من بناء قريش فهدم جانب الحجر وأعاده الى ذلك وسد الباب الغربي ورفع الشرقي عن الأرض الى حده الذي هو عليه الآن وكان عبد الملك بن مروان بعد ذلك يقول وددت أني كنت حملت ابن الزبير من بناء الكعبة ما تحمل
ثم جدد المتوكل رخام الكعبة فأزرها بفضة وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب وهو على ذلك الى الآن وهو مبني بالحجر الأسود مستطيل البناء على التربيع في ارتفاع خمسة وعشرين ذراعا
وله اربعة أركان الأول ركن الحجر الأسود وهو ما بين الشرق والجنوب ومنه يبتدأ الطواف

الثاني الشامي وهو ما بين الشرق والشمال سمي بذلك لمسامتته بعض بلاد الشام وداخله باب المطلع الى سطح الكعبة
الثالث الغربي وهو ما بين الشمال والغرب سمي بذلك لمسامتته بلاد المغرب ولو سمي بالمصري لكان جديرا به لمسامتته بلاد مصر
الرابع اليماني وهو ما بين الغرب والجنوب سمي بذلك لمسامتته بلاد اليمن ولذلك خففت الياء في آخره نسبة الى اليمن وقال ابن قتيبة سمي بذلك لأنه بناه رجل من اليمن يقال له ابن أبي سالم وقد يطلق عليه وعلى ركن الحجر الأسود اليمانيان وعلى الشامي والغربي الشاميان تغليبا
ثم بين ركن الحجر الأسود وبين الركن الشامي أربعة وعشرون ذراعا وبالقرب من الركن الأسود في هذا الجدار باب الكعبة على أربعة أذرع وشئ من الأرض يرقى اليه بدرج من خشب توضع عند فتح الباب والملتزم بين الركن الأسود والباب الشرقي وبالقرب من الركن الشامي منه مصلى آدم عليه السلام
وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات الأولى من الركن الأسود الى باب الكعبة وهي في جهة القبلة لأهل البصرة والأهواز وفارس وأصبهان وكرمان وسجستان وشمال بلاد الصين وما على سمت ذلك
الثانية من الباب الى مصلى آدم عليه السلام وهي جهة القبلة لأهل الكوفة وبغداد وحلوان والقادسية وهمذان والري ونيسابور ومرو وخوارزم وبخارا ونسا وفرغانة والشاش وخراسان وما على سمت ذلك
الثالثة من مصلى آدم عليه السلام الى الركن الشامي وهي جهة القبلة لأهل الرها والموصل وملطية وشمشاط والحيرة وسنجار ودياربكر وأرمينية الى باب الأبواب وما على سمت ذلك
وبين الركن الشامي والركن الغربي أحد وعشرون ذراعا وبأعلى هذا

الجدار الميزاب في الوسط منه وخارجه الحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم مستديرا به على سمت الركنين يفصل بينه وبين البيت فرجتان
وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات ايضا الأولى من الركن الشامي الى دون الميزاب وهي جهة القبلة لدمشق وحماة وسلمية وحلب ومنبج وميافارقين وما سامت ذلك
الثانية وسط الجدار من الميزاب وما الى جانبه وهي جهة القبلة للمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وجانب الشام الغربي وغزة والرملة وبيت المقدس وفلسطين وعكا وصيدا
الثالثة ما يلي هذه الجهة الى الركن الغربي وهي جهة القبلة لمصر بأسرها من أسوان الى دمياط والإسكندرية وبرقة وكذلك طرابلس الغرب وصقلية وسواحل الغرب والأندلس وما على سمت ذلك وبين الركن الغربي والركن اليماني في هذا الجدار الباب المسدود تجاه الباب المفتوح
وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات أيضا الأولى من الركن الغربي الى ثلث الجدار وهي جهة القبلة لأهل الشمال من بلاد البجاوة والنوبة وأوسط الغرب من جنوب الواحات الى بلاد الجريد إلى البحر المحيط وما على سمت ذلك من عيذاب وسواكن وجنوب أسوان وجدة ونحوذلك
الثانية من ثلث الجدار الى دون الباب المسدود وهي جهة القبلة لأهل الجنوب من بلاد البجاوة ودهلك وسواكن والنوبة والتكرور وما وراء ذلك وعلى سمته

الثالثة من دون الباب المسدود الى الركن اليماني وهي جهة القبلة لأهل الحبشة والزنج والزيلع وأكثر بلاد السودان وما والاها من البلاد أو كان على سمتها
وبين الركن اليماني وركن الحجر الأسود عشرون ذراعا أنقص من مقابله بذراع وبالقرب من ركن الحجر الأسود من هذا الجدار مصلى النبي قبل الهجرة
وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات الأولى الركن اليماني الى سبعة أذرع من الجدار وهي جهة القبلة لتدمر وحضرموت وعدن وصنعاء وعمان وصعدة والشحر وسبإ وزبيد وما والاها أوكان على سمتها
الثانية من حد الجهة المتقدمة الى دون مصلى النبي قبل الهجرة وهي جهة القبلة لجنوب بلاد الصين والسند والتهائم والبحرين وما سامت ذلك
الثالثة من مصلى النبي قبل الهجرة الى ركن الحجر الأسود وهي جهة القبلة لأهل واسط وبلاد الصين والهند والمرجان وكابل والقندهار والمعبر وما والاها من البلاد أو كان على سمتها
ويقابل الجدار الشرقي من البيت مما يلي ركن الحجر الأسود زمزم وسقاية العباس ويقابله مما يلي الركن الشامي مقام إبراهيم عليه السلام وقد تقدم الكلام عليه في عجائب الحجاز فيما مر ويسمى ما بين الكعبة وزمزم والمقام الحطيم بالحاء والطاء المهملتين قال في الروض المعطار سمي بذلك لأنه كان من لم يجد من الأعراب ثوبا من ثياب أهل مكة يطوف فيه رمى ثيابه هناك وطاف عريانا وخارج المسجد الصفا والمروة اللذان يقع السعي بينهما

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وهي على ضربين
الضرب الأول الحرم ومشاعر الحج الخارجة عن مكة
أما الحرم فهو ما يطيف بمكة مما يحرم صيده وقطع شجره وحشيشه ونحو ذلك وقد تقدم أن الله تعالى جعل ملائكة يحرسون القبة التي أنزلها الله تعالى الى آدم من الجنة ووضعت له مكان الكعبة وجعلت الملائكة حرسا لها كي لا يقع عليها بصر الشياطين فكانت مواقف الملائكة هي حدود الحرم قال ابن حوقل وليس بمكة والحرم شجر يثمر الا شجر البادية أما خارج الحرم ففيه عيون وثمار
واعلم أن مقادير جهات الحرم تتفاوت في القرب والبعد عن مكة وعلى حدوده أعلام منصوبة في كل جهة تدل عليه قال في الروض المعطار قال الزبير وأول من وضع علامات الحرم ونصب العمد عليه عدنان بن أد خوفا من أن تندرس معالم الحرم أو تتغير قال وحده من التنعيم على طريق سرف الى مر الظهران خمسة أميال وذكر في موضع آخر أنها ستة أميال وحده من طريق جدة عشرة أميال ومن طريق اليمن ستة أميال ودوره سبعمائة وثلاثة وثلاثون ميلا
ثم بحدود هذا الحرم أماكن مشهورة يخرج اليها من مكة من أراد أن يهل بعمرة فيحرم منها
أحدها التنعيم بألف ولام لازمتين وفتح التاء المثناه فوق وسكون النون وكسر العين المهملة وسكون الياء المثناه تحت وميم في الآخر وهو موضع على حد الحرم على طريق السالك من بطن مر وإلى مكة قال في الروض المعطار وسمي التنعيم لأن الجبل عن يمينه اسمه نعيم والذي عن يساره اسمه ناعم والوادي الذي هو فيه اسمه نعمان ومنه اعتمرت عائشة رضي الله عنها مع عبدالرحمن بن أبي بكر وهناك مسجد يعرف بمسجد عائشة الى الآن

الثاني الحديبية بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون الياء المثناة تحت وكسر الباء الموحدة وفتح الياء المشددة وفي آخرها تاء ونقل في الروض المعطار عن الأصمعي تخفيف الياء الثانية قال في تقويم البلدان وهو موضع بعضه في الحل وبعضه في الحرم وفيه صد المشركون رسول الله عن البيت وهي أبعد أطراف الحرم عن البيت وهي على مسيرة يوم وهي في مثل زاوية للحرم وذكر في الروض المعطار أن الحديبية اسم لبئر في ذلك المكان ومذهب الشافعي أن العمرة منه أفضل من التنعيم
الثالث الجعرانة بكسر الجيم والعين المهملة وفتح الراء المهملة المشددة بعدها ألف ونون مفتوحة وهاء في الآخر ونقل في الروض المعطار عن الأصمعي سكون العين وتخفيف الراء قال وهو مكان بين مكة والطائف ولكنه الى مكة أقرب ومنه أحرم رسول الله بالعمرة في وجهته تلك ومذهب الشافعي أن العمرة منه أفضل من الحديبية
وأما مشاعر الحج الخارجة عن مكة فثلاثة
أحدها منى بكسر الميم وفتح النون وألف مقصورة سميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء أي يراق قال في المشترك وبينها وبين مكة ثلاثة أميال وهي تشبه القرية مبنية على ضفتي الوادي وبها مسجد الخيف بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفي آخره فاء وهو مسجد عظيم متسع الأرجاء بغير سقف
الثاني المزدلفة بضم الميم وسكون الزاي المعجمة وفتح الدال المهملة وكسر اللام وفتح الفاء وآخرها هاء وهي موضع على يسرة الذاهب من منى الى عرفة قال النووي سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرب لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي تقربوا ومضوا إليها وتسمى

جمعا أيضا بفتح الجيم وسكون الميم وعين مهملة لأنه يجمع بها بين المغرب والعشاء وبها مسجد متسع قال في الروض المعطار طوله ثلاثة وستون ذراعا وعرضه خمسون ذراعاوارتفاع جداره عشرة أذرع
الثالث عرفة بفتح العين والراء المهملتين والفاء وهاء في الآخر ويقال فيه أيضا عرفات على الجمع وبه جاء القرآن في قوله تعالى ( فإذا أفضتم من عرفات ) وهو موقف الحج وسمي عرفات لتعارف آدم عليه السلام وحواء به قال كعب الاحبار أهبط آدم عليه السلام بالهند وحواء بعرفة وإبليس بجدة والحية بأصبهان وأمر الله تعالى آدم بحج البيت فحج فكان حيث وضع قدمه تتفجر الأنهار وتبنى المساجد فلما وصل الى عرفة وجد بها حواء فتعارفا بها

الضرب الثاني قراها ومخاليفها
واعلم أن أكثر جبال مكة وأوديتها مسكونة معمورة الا أنه ليس بها قرية مقراة الا حيث المياه والعيون الجارية والحدائق المحدقة والمشهور من ذلك عشرة أماكن الأول جدة بضم الجيم وتشديد الدال المهملة ثم هاء وهي فرضة مكة على ساحل بحر القلزم وموقعها في أول الاقليم الثاني من الأقاليم السبعة وهي في الغرب عن مكة بميلة الى الشمال قال في الأطوال طولها ست وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة ووافقه على ذلك في القانون وقال في رسم المعمور طولها خمس وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها على ما تقدم وهي مينا عظيمة محل

حط وإقلاع إليها تنتهي المراكب من مصر واليمن وغيرهما وعنها تصدر من مكة قال في تقويم البلدان وهي من مكة على مرحلتين وقال الإدريسي بينهما أربعون ميلا وهي ميقات من قطع البحر من جهة عيذاب اليها
الثاني بطن نخل وضبطه معروف ويقال فيه أيضا وادي نخلة على التوحيد ونخلة بإسقاط لفظ وادي قال الجوهري وبه كانت العزى التي هي أحد طواغيت قريش وبعث النبي اليها خالد بن الوليد فهدمها وهي الآن بيد هذيل وهي قرى مجتمعة ذات عيون وحدائق ومزدرع أخبرني بعض أهل الحجاز أن بها نحو أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية وغالب فواكه مكة وقطانيها وبقولها منها ومنها يصب الماء الى بطن مر الآتي ذكره
الثالث الطائف بألف ولام لازمتين فطاء مهملة مشددة مفتوحة بعدها ألف وياء مثناه تحت مكسورة ثم فاء وهوبلد شرقي بطن نخل المتقدم ذكرها وبطن نخل بينه وبين مكة قيل سميت الطائف لأنها في طوفان نوح انقطعت من الشام وحملها الماء وطافت بالأرض حتى أرست في هذا الموضع وقال في الروض المعطار اسمها القديم وج يعني بواو مفتوحة وجيم مشددة سميت برجل من العمالقة ثم سكنها ثقيف فبنوا عليها حائطا مطيفا بها فسميت الطائف قال وهي إحدى القريتين المذكورتين في قوله تعالى ( وقالوا لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم ) قال في تقويم البلدان وهي من الحجاز تقريبا وموقعها في أوائل الإقليم الثاني وقال ابن سعيد طولها ثمان وستون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة وهو بلد خصيب كثير الفواكه المختلفة مما يشابه فواكه الشام وغيرها وهي طيبة الهواء إلا أنها شديدة البرد حتى إنه ربما جمد الماء بها لشدة بردها
الرابع بطن مر بفتح الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة ونون بعدها ثم ميم مفتوحة وراء مهملة مشددة وهو واد من أودية الحجاز في الشمال

عن مكة على مرحلة منها على طريق حجاج مصر والشام قال في الأطوال طولها سبع وستون درجة وعرضها إحدى وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي بقعة بها عدة عيون ومياه تجري ونخيل كثير والنخل والمزدرع متصل من وادي نخلة إليها وذكر غيره أن بها نحو اربعة وعشرين نهرا على كل نهر قرية ومنها تحمل الفواكه والبقولات الى مكة كما تحمل من نخلة والطائف وهي بيد بني حسن أمراء مكة
الخامس الهده بألف ولام ثم هاء ودال مهملة مفتوحتين وهاء ساكنة في الآخر وهو واد على القرب من بطن مر على مرحلة ونصف من مكة به أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية وهي بيد بني جابر
السادس عسفان بضم العين وسكون السين المهملتين وفتح الفاء ثم ألف ونون وهو واد معروف على طريق حجاج مصر على ثلاث مراحل من مكة كان بها حدائق ومياه تنصب اليها من الهده المذكورة وهي الآن خراب ليس بها عمارة
السابع البرزة بألف ولام ثم باء موحدة مفتوحة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة مفتوحة وهاء في الآخر وهي واد بالقرب من عسفان على مرحلتين من مكة به أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية وهي الآن بيد بني سلول وبني معبد بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة
الثامن خليص بضم الخاء المعجمة وفتح اللام وإسكان الياء المثناة تحت والصاد المهملة وهو واد على طريق حجاج مصر على أربع مراحل من مكة به نحو تسعة أنهر على كل نهر قرية
التاسع وادي كلية بضم الكاف وفتح اللام وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وهاء في الآخر وهو واد بالقرب من خليص به نحو سبعة أنهر على كل نهر قرية وكان بيد سليم وقد خرب من مدة قريبة بعد الثمانين والسبعمائة
العاشر مر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء المهملة ثم ألف ولام

وظاء معجمة مفتوحة وهاء ساكنة وراء مهملة مفتوحة بعدها ألف ونون وهو موضع بينه وبين مكة نحو ستة عشر ميلا وهو الذي نزل به رسول الله عند صلحه مع قريش كان به ضياع كثيرة وهو الآن خراب قال في الروض المعطار وبه حصن كبير كان يسكنه شكر بن الحسن بن علي بن جعفر الحسني يعني امير مكة الاتي ذكره في جملة أمرائها

الطرف السابع في ذكر ملوك مكة وهم على ضربين الضرب الأول ملوكها قبل
الإسلام
اعلم أن مكة بعد الطوفان كان ملكها في عاد وكان بها منهم معاوية بن بكر ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام وكان مع معاوية بن بكر وهو عاد الآخرة فيما يقال يعرب ثم غلبهم العمالقة عليها فلما غلب ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عادا على اليمين وفرق ملك اليمن في إخوته استولى على الحجاز وأخرج العمالقة منه وولى أخاه جرهم بن قحطان على الحجاز فبقي به حتى مات فملك بعده ابنه عبد ياليل ثم ملك من بعده ابنه جرهم ثم ملك بعده ابنه عبد المدان ثم ملك بعده ابنه بقيلة ثم ملك بعده ابنه عبد المسيح ثم ملك بعده ابنه مضاض ثم ملك بعده ابنه الحرث ثم ملك بعده ابنه عمرو ثم ملك بعده أخوه بشر بن الحرث ثم ملك بعده مضاض بن عمرو بن مضاض
قال ابن سعيد وجرهم هذه هم الذين بعث إليهم إسماعيل عليه السلام وتزوج فيهم وكانت قبلهم جرهم اخرى مع عاد قال في الروض المعطار وفي ذلك يقول عمرو بن الحرث بن مضاض وهو التاسع من ملوك جرهم المتقدم ذكرهم

( وصاهرنا من أكرم الناس والدا ... فأبناؤه منا ونحن الأصاهر )
قال صاحب حماة في تاريخه وقد اختلف المؤرخون في أمر الملك على الحجاز بين جرهم وبين إسماعيل فبعضهم يقول كان الملك في جرهم ومفاتيح الكعبة وسدانتها في يد ولد إسماعيل وبعضهم يقول إن قيدار بن إسماعيل توجته أخواله من جرهم وعقدوا له الملك عليهم بالحجاز
وأما سدانة البيت ومفاتيحه فكانت مع بني إسماعيل بلا خلاف حتى انتهى ذلك الى نابت من ولد إسماعيل فصارت السدانة بعده لجرهم ويدل على ذلك قول عمرو بن الحرث
( وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والأمر ظاهر )
وذكر في الروض المعطار أنه كان مع جرهم بمكة قطورا وجرهم وقطورا أخوان وكان منزل جرهم أعلى مكة بقعيقعان فما حاز ومنزل قطورا أسفل مكة بأجياد فما حاز وانتهت رياسة قطورا في زمن مضاض بن عبد المسيح المتقدم ذكره الى السميدع وكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها والسميدع يعشر من دخلها من أسفلها ثم بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك واقتتلوا فقتل السميدع واستقل مضاض بالأمر وبقيت جرهم ولاة البيت نحو ثلاثمائة سنة فأكلوا مال الكعبة الذي يهدي اليها واستحلوا حرمها وبلغ من أمرهم
( أن الرجل إذا لم يجد مكانا يزني فيه ... الكعبة فزنى فيها ولم يتناهوا )
حتى يقال إن إساف بن سهيل زنى بنائلة بنت عمرو بن ذؤيب في جوف الكعبة فمسخا حجرين ونضب ماء زمزم لكثرة البغي ودرست معالمها ثم جاء عمرو بن لحي فغير دين إبراهيم عليه السلام وبدله وبعث العرب على عبادة التماثيل وعمر ثلثمائة سنة وخمسا وأربعين سنة وبلغ من الولد وولد الولد ألفين

ثم صارت سدانة البيت ومفاتيحه الى خزاعة بن الأزد من بني كهلان بن سبإ من العرب العاربة وكانت منازلهم من حين تفرق عرب اليمن بسبب سيل العرم ببطن مر على القرب من مكة وصارت لهم الرياسة بسدانة البيت وبقيت السدانة بيدهم الى أن انتهت الى أبي غبشان سليمان بن عمرو الخزاعي في زمن بهرام جور بن يزدجرد من ملوك الفرس ورئيس قريش يومئذ قصي بن كلاب فاجتمع قصي مع أبي غبشان على شراب بالطائف فلما سكر أبو غبشان اشترى قصي سدانة البيت منه بزق خمر وتسلم مفاتيحه وأشهد عليه بذلك وأرسل ابنه عبد الدار بها الى البيت فرفع صوته وقال يا معشر قريش هذه المفاتيح مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل قد ردها الله عليكم من غير عار ولا ظلم فلما صحا أبو غبشان ندم حيث لا ينفعه الندم ويقال أخسر من صفقة أبي غبشان وأكثر الشعراء القول في ذلك حتى قال بعضه
( باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت ... بزق خمر فبئست صفقة البادي )
( باعت سدانتها بالنزر وانصرفت ... عن المقام وظل البيت والنادي )
ولما وقع ذلك عدت خزاعة على قصي فظهر عليهم وأجلاهم عن مكة وكان بمكة عرب يجيزون الحجيج الى الموقف وكان لهم بذلك رياسة فأجلاهم قصي عن مكة ايضا وانفرد بالرياسة قال العسكري في الأوائل وكان أول من نال الملك من ولد النضر بن كنانة
ولما تم لقصي ذلك بنى دار الندوة بمكة فكانت قريش تقضي فيها أمورها فلا تنكح ولا تشاور في أمر حرب ولا غيره إلا فيها ولم تزل الرياسة فيه وفي بنيه بعد ذلك فولد له من الولد عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى
ثم انتقلت الرياسة العظمى بعد ذلك لبني عبد مناف وكان له من الولد هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل وكان هاشم أرفعهم قدرا وأعظمهم شأنا

وإليه انتهت سيادة قومه وكانت اليه الرفادة وسقاية الحجيج بمكة وكانت قريش تجارا وكانت تجارتهم لا تعدو مكة وما حولها فخرج هاشم الى الشأم حتى نزل بقيصر ملك الروم فسأله كتابة أمان لتجار قريش فكتب له كتابا لكل من مر عليه فخرج هاشم فكلما مر بحي من العرب أخذ من أشرافهم أمانا لقومه حتى قدم مكة فأتاهم بأعظم شيء أتوا به قط بركة فخرجوا بتجارة عظيمة وخرج معهم حتى أوردهم الشام وخرج أخوه المطلب الى اليمن فأخذ لهم أمانا من ملكه وخرج أخوهما عبد شمس الى ملك الحبشة فأخذ لهم أمانا كذلك وخرج أخوهم نوفل الى كسرى ملك الفرس فأخذ لهم منه أمانا وكانت قريش يرحلون في الشتاء للشام وفي الصيف لليمن واتسعت معايشهم بسبب ذلك وكثرت أموالهم حتى امتن الله عليهم بذلك بقوله ( لئيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ) والإيلاف الأمان
ثم ولد لهاشم عبد المطلب وبقيت الرياسة فيه وكانت بئر زمزم قد انطمت ونضب ماؤها فحفرها عبد المطلب حتى أكمل الله تعالى بنبوة نبيه محمد
وأما سدانة البيت ومفاتيحه فبقيت بيد بني عبد الدار بن قصي المتقدم ذكره من حين تسلمها عبد الدار عند أخذها من أبي غبشان الخزاعي حتى صارت لبني شيبة من بني عبد الدار وانتهت في زمن النبي الى عثمان بن طلحة ابن عبد الدار فلما دخل النبي مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح اليه وقال لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذه منه وفتح ودخل رسول الله الكعبة فصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزل قوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها ) فأمر رسول الله عليا أن يرد المفتاح الى عثمان ويعتذر اليه فقال عثمان أكرهت

وآذيت ثم جثت ترفق فقال له علي لقد أنزل الله تعالى في شأنك قرآنا وقرأ عليه الآية فقال عثمان أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فهبط جبريل عليه السلام على النبي فأخبره أن السدانة في أولاد عثمان أبدا فهي باقية فيهم الى الآن

الضرب الثاني ملوكها في الإسلام وهم على طبقات
الطبقة الثالثة عمال النبي والخلفاء الراشدين
هاجر منها النبي الى المدينة قبل وفاته وحج حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة وتوفي سنة إحدى عشرة من الهجرة وعلى مكة عثمان بن أسيد وتوالت عليها عمال الخلفاء بعده الى آخر أيام الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
الطبقة الرابعة عمال بني أمية من لدن معاوية رضي الله عنه الى انقراضهم
ثم ولى عليها معاوية بن أبي سفيان في خلافته في سنة اثنتين وأربعين من الهجرة خالد بن العاص بن هشام ثم أضيفت الى عمال المدينة الى أيام الوليد ابن عبد الملك فكان من وليها منهم الوليد بن عتبة ثم عمرو بن سعيد الأشدق ثم الوليد بن عتبة ثانيا ثم مصعب بن الزبير من جهة أخيه عبدالله بن الزبير لما بويع له بالخلافة ثم جابر بن الأسود ثم طلحة بن عبدالله بن عوف ثم طارق بن عمرو بن عثمان ثم الحجاج بن يوسف

الثقفي ثم أبان بن عثمان ثم هشام بن إسماعيل المخزومي ثم عمر ابن عبد العزيز
ثم أفردها الوليد بن عبد الملك عن المدينة وولى عليها خالد بن عبدالله القسري بعد عمر بن عبد العزيز ثم وليها عبد العزيز بن خالد بن أسيد أيام سليمان بن عبد الملك ثم عزله يزيد سنة ثلاث ومائة وأضافها مع المدينة الى عبد الرحمن بن الضحاك ثم عزله عن مكة والمدينة لثلاث سنين من ولايته وولى مكانه عبد الواحد النضري ثم عزله هشام بن عبد الملك في خلافته وولى مكانه على مكة والمدينة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل ثم عزله هشام سنة أربع عشرة ومائة وولى مكانه على مكة والطائف دون المدينة محمد ابن هشام المخزومي ثم ولى الوليد بن زيد في خلافته خاله يوسف بن محمد الثقفي على مكة مع سائر أعمال الحجاز ثم ولى مروان على مكة وبر الحجاز عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثم عزله في سنة تسع وعشرين ومائة وولى مكانه على مكة والحجاز عبد الواحد ثم توالت عليها عمال بني أمية الى أن انقرضت دولتهم

الطبقة الخامسة عمال بني العباس
وأولهم أبو العباس السفاح فولى عليها وعلى المدينة وسائر الحجاز عمه داود ثم توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة فولى مكانه في جميع ذلك زياد بن عبدالله بن عبد الدار الحارثي
ثم ولى السفاح على ذلك سنة ثلاث وأربعين ومائة السري بن عبدالله بن

الحارث بن العباس
ثم عزله أبو جعفر المنصور سنة ست وأربعين ومائة وولى مكانه عمه عبد الصمد بن علي ثم عزله عنها سنة تسع وأربعين ومائة وولى مكانه محمد بن إبراهيم الإمام ثم عزله وولى مكانه إبراهيم ابن أخيه ثم ولى على مكة وسائر الحجاز واليمامة جعفر بن سليمان ثم توالت عليها العمال الى أن ولى الرشيد في خلافته على مكة واليمن حمادا اليزيدي سنة أربع وثمانين ومائة
ثم وليها في زمان الأمين داود بن عيسى
ثم وليها محمد بن عيسى ثم عزله المتوكل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وولى مكانه ابنه المنتصر بن المتوكل
ثم وليها علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور ثم عزله المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين وولى مكانه عبدالله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى ثم عزله المتوكل سنة ثنتين وأربعين ومائتين وولى مكانه عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ثم توالت عليها العمال من قبل خلفاء بني العباس الى أن غلب عليها السليمانيون الآتي ذكرهم آنفا

الطبقة السادسة السليمانيون من بني الحسن
نسبة الى سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن السبط
وكان سليمان هذا في أيام المأمون بالمدينة وحدثت الرياسة فيها لبنيه بعد أيام وكان كبيرهم آخر المائة الثالثة محمد بن سليمان الربذي
قال البيهقي خلع طاعة العباسيين وخطب لنفسه بالإمامة في سنة إحدى وثلثمائة في خلافة المقتدر ثم اعترضه أبو طاهر القرمطي في سنة ثنتي عشرة

وثلثمائة فانقطع حجيج العراق بسبب ذلك
ثم أنفذ المقتدر الحجيج من العراق في سنة سبع عشرة وثلثمائة فوافاهم القرمطي بمكة فنهبهم وخطب لعبيد الله المهدي صاحب إفريقية وقلع الحجر الأسود وباب الكعبة وحملهما الى الأحساء وتعطل الحج من العراق الى أن ولي الخلافة القاهر في سنة عشرين وثلثمائة فحج بالناس أميره في تلك السنة
ثم انقطع الحج من العراق بعدها الى أن صولحت القرامطة على مال يؤديه الحجيج اليهم فحجوا في سنة سبع وعشرين وثلثمائة وخطب بمكة للراضي بن المقتدر وفي سنة تسع وعشرين لأخيه المتقي من بعده
ثم انقطع الحج من العراق بسبب القرامطة الى سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة فخرج ركب العراق بمهادنة القرامطة في خلافة المستكفي ثم خطب بمكة لمعز الدولة بن بويه مع المقتدر في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة ثم تعطل الحج بسبب القرامطة ثم برز أمر المنصور الفاطمي صاحب إفريقية لأحمد بن أبي سعيد أمير القرامطة بعد موت أبي طاهر بإعادة الحجر الأسود الى مكانه فأعاده في سنة تسع وثلاثين وثلثمائة
وفي سنة ثنتين وأربعين وثلثمائة حاول أمير الركب المصري الخطبة لابن الأخشيد صاحب مصر فلم يتأت له ذلك وخطب لابن بويه واتصلت وفود الحج من يومئذ
وفي سنة ثلاث وخمسين خطب للقرمطي بمكة مع المطيع
وفي سنة ست وخمسين وثلثمائة خطب بمكة لبختيار بن معز الدولة بعد موت أبيه
ثم في سنة ستين وثلثمائة جهز المعز الفاطمي عسكرا من إفريقية لإقامة الخطبة له بمكة وعاضدهم بنو الحسين أهل المدينة فمنعهم بنو الحسن أهل مكة من ذلك واستولوا على مكة

فلما ملك مصر المعز كان الحسن بن جعفر بن الحسن بن سليمان بالمدينة فبادر فملك مكة ودعا للمعز وكتب له المعز بالولاية ثم مات الحسن فولي مكانه أخوه عيسى
ثم ولي بعده أبو الفتوح الحسن بن حعفر بن أبي هاشم ثم الحسن بن محمد بن سليمان بن داود سنة أربع وثمانين وثلثمائة ثم جاءت عساكر عضد الدولة بن بويه ففر الحسن وترك مكة ولما مات المعز وولي ابنه العزيز بعث الى مكة أميرا علويا فخطب له بالحرمين واستمرت الخطبة بمكة للعلويين الى سنة سبع وستين وثلثمائة
وفي سنة ثمان وستين خطب لعضد الدولة بن بويه ثم عادت الخطبة بمكة الى الخلفاء الفاطميين بمصر ثم كتب الحاكم سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة الى عماله بالبراءة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فأنكر ذلك أبو الفتوح امير مكة وحمله ذلك على أن استبد بالأمر في مكة وخطب لنفسه وتلقب بالراشد بالله وقطع الحاكم الميرة عن الحرمين فرجع أبو الفتوح الى طاعته فأعاده الى إمارته بمكة
وفي سنة ثنتي عشرة واربعمائة خطب بمكة للظاهر بن الحاكم ثم خطب بمكة سنة سبع وعشرين وأربعمائة للمستنصر بن الظاهر ثم توفي أبو الفتوح أمير مكة المتقدم ذكره سنة ثلاثين وأربعمائة لست وأربعين سنة من إمارته
وولي بعده إمارة مكة ابنه شكر وملك معها المدينة واستضافها لمكة وجمع بين الحرمين كله ثلاثا وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة قال ابن حزم وكانت وفاته عن غير ولد وانقرضت بموته دولة بني سليمان بمكة

الطبقة السابعة الهواشم
نسبة الى أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبدالله بن حسن بن الحسن السبط
كان رئيس الهواشم لما مات شكر آخر أمراء السليمانيين محمد بن جعفر بن أبي هاشم المذكور فاستولى على إمارة مكة في سنة أربع وخمسين وأربعمائة بعد موت شكر وخطب للمستنصر الفاطمي صاحب مصر ثم خطب لبني العباس في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فقطعت ميرة مصر عن مكة فعذله أهله على ذلك فأعاد الخطبة للمستنصر الفاطمي ثم استماله القائم العباسي وبذل له الأموال فخطب له سنة ثنتين وستين بالموسم فقط وكتب للمستنصر بمصر يعتذر اليه ثم بعث اليه السلطان ألب أرسلان السلجوقي بأموال كثيرة في سنة ثلاث وستين فخطب له بنفسه
ثم جمع محمد بن جعفر المتقدم ذكره وزحف الى المدينة فأخرج منها بني الحسين وملكها وجمع بين الحرمين
ثم مات القائم وانقطع ما كان يصل الى أمير مكة منه فقطع الخطبة للعباسيين
ثم أرسل المقتدي بالله العباسي بمال فأعاد الخطبة للعباسيين فاستمرت الخطبة لهم الى أن مات السلطان ملكشاه السلجوقي سنة ست وثمانين وأربعمائة فانقطعت الخطبة بمكة للعباسيين وبطل الحاج من العراق ومات المقتدي وبويع ابنه المستظهر ومات المستنصر العبيدي بمصر وبويع ابنه المستعلي فخطب له بمكة

ثم مات محمد بن جعفر أمير مكة المتقدم ذكره سنة سبع وثمانين وأربعمائة لثلاث وثلاثين سنة من إمارته وولي بعده ابنه قاسم فكثر اظطرابه ثم توفي سنة ثمان عشرة وخمسمائة لثلاثين سنة من إمارته
وولي بعده ابنه أبو فليتة فافتتح بالخطبة العباسية وحسن الثناء عليه ثم مات سنة سبع وعشرين وخمسمائة لعشر سنين من إمارته وولي بعده ابنه قاسم والخطبة مستمرة للعباسيين
ثم صنع المقتفي بابا للكعبة وأرسله اليها في سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة وحمل الباب العتيق اليه فاتخذه تابوتا يدفن فيه واتصلت الخطبة لبني العباس الى سنة خمس وخمسين وبويع المستنجد فخطب له كما كان يخطب لأبيه المقتفي
ثم قتل قاسم بن أبي فليتة سنة ست وخمسين وخمسمائة وولي بعده ابنه عيسى في أيام العاضد آخر خلفاء الفاطميين بمصر وتوفي المستنجد وبعث المستضيء بالركب العراقي وانقضت دولة الفاطميين بمصر ووليها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فخطب له بالحرمين الشريفين
والذي ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه أن عيسى عم قاسم سير الحاج في سنة ست وخمسين وخمسمائة وقام مكان ابن أخيه قاسم المذكور ثم عاد قاسم فملك مكة ثم هرب وعاد عمه عيسى فملكها وهرب قاسم الى جبل أبي قبيس فوقع عن فرسه فأمسكه عيسى وقتله
ثم مات المستضيء وبويع ابنه الناصر وخطب له بالحرمين وحجت امه وعادت فأنهت اليه من أحوال عيسى بن قاسم أمير مكة ما عزله به وولى مكانه أخاه مكثر بن قاسم وكان جليل القدر وهو الذي بنى القلعة على جبل أبي

قبيس ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة وبموته انقرضت دولة الهواشم بمكة
وذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه أن أمير حاج العراق في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة توجه من عند الخليفة بعزله فجرى بينهما حرب انتهى الأمر فيها الى انهزام مكثر المذكور وأقيم أخوه داود مكانه وما زالت الإمرة فيه تارة وفي أخيه مكثر تارة حتى مات داود في سنة تسع وثمانين وخمسمائة وقال إنه داود بن عيسى بن محمد بن أبي هاشم

الطبقة الثامنة بنو قتادة
نسبة الى قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن عبدالله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبدالله بن حسن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
وكان السبب في ولايته مكة أنها لما كانت مع الهواشم كان بنو حسن مقيمين بنهر العلقمية من وادي ينبع فجمع قتادة قومه بني مطاعن وأسالف بني أحمد وبني إبراهيم وتأمر عليهم وملك ينبع ثم ملك الصفراء وسار الى مكة فانتزعها من الهواشم المتقدم ذكرهم وملكها وخطب للناصر لدين الله العباسي خليفة بغداد وتعاظم أمره حتى ملك مع مكة والينبع أطراف اليمن وبعض أعمال المدينة وبلاد نجد ولم يفد على أحد من الخلفاء ولا من الملوك وتوفي سنة سبع عشرة وستمائة وولي مكانه ابنه الحسن فامتعض لذلك أخوه راجح بن قتادة ثم قدم الملك المسعود أقسر بن الكامل صاحب اليمن سنة عشرين وستمائة من اليمن الى مكة وملك مكة وقتل جماعة من الأشراف ونصب رايته وأزال راية أمير الركب الذي من جهة الخليفة فكتب الخليفة من بغداد الى أبيه الكامل يعاتبه في ذلك فكتب الكامل الى ابنه أقسر برئت يا أقسر من ظهر العادل إن لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وذهب

حسن بن قتادة الى بغداد صريخا فمات بها سنة ثنتين وعشرين وستمائة ومات أقسر بمكة سنة ست وعشرين ودفن بالمعلى وبقي على مكة قائده فخر الدين بن الشيخ وقصد راجح بن قتادة مكة مع عساكر عمر بن رسول فملكها من يد فخر الدين بن الشيخ سنة تسع وعشرين وستمائة
ثم جاءت عساكر مصر سنة ثنتين وثلاثين مع الأمير جبريل فملكوا مكة وهرب راجح الى اليمن ثم عاد ومعه عمر بن رسول صاحب اليمن بنفسه فهربت عساكر مصر وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد الخليفة المستنصر
ثم غلب على مكة سنة سبع وأربعين وستمائة أبو سعد الحسن بن علي بن قتادة ولحق راجح باليمن وسار جماز بن حسن بن قتادة سنة إحدى وخمسين وستمائة الى الناصر بن العزيز بن الظاهر بن أيوب بدمشق مستجيشا على أبي سعد أن يقطع ذكر صاحب اليمن فجهز له عسكرا وسار الى مكة فقتل أبا سعد في الحرم وملك مكة ثم وصل راجح من اليمن الى مكة وهو شيخ كبير السن وأخرج منها جماز بن حسن فلحق بالينبع
ثم دار أمر مكة بين أبي نمي محمد بن أبي سعد علي ب - ن قتادة وبين غالب ابن راجح بن قتادة ثم استبد أبو نمي بإمرة مكة ونفى قبيلة أبيه أبي سعد الى الينبع
ولما هلك أبو نمي قام بأمر مكة من بعده ابناه رميثة وحميضة ونازعهما أخواهما عطيفة وأبو الغيث فاعتقلاهما ووافق ذلك وصول بيبرس الجاشنكير كافل المملكة المصرية في الأيام الناصرية فأطلق عطيفة وأبا الغيث وولاهما وأمسك رميثة وحميضة وبعث بهما الى مصر ثم رد السلطان رميثة وحميضة الى إمارتهما بمكة مع عسكره وبعثا اليه بعطيفة وأبي الغيث وبقي التنازع بينهم وهم يتعاقبون في إمرة مكة مرة بعد أخرى وهلك أبو الغيث في بعض حروبهم ببطن مر
ثم تنازع حميضة ورميثة وسار رميثة الى الملك الناصر محمد بن قلاوون

صاحب مصر سنة خمس عشرة وسبعمائة فأمده بعساكر وجه بها الى مكة واصطلحوا
ثم خالفهم عطيفة سنة ثمان عشرة وسبعمائة ووصل الى السلطان فأمده بالعساكر فملك مكة وقبض على رميثة فسجن ثم أطلق سنة عشرين وأقام بمصر وبقي حميضة مشردا الى أن استأمن السلطان فأمنه ثم وثب بحميضة مماليك كانوا معه وقتلوه وأطلق رميثة من السجن واستقر شريكا لأخيه عطيفة في إمارتها
ثم مات عطيفة وأقام أخوه رميثة بعده مستقلا بإمارة مكة الى أن كبر وهرم والى ذلك أشار في التعريف بقوله وأول إمرة في رميثة وهو آخر من بقي من بيته وعليه كان النص من أبيه دون البقية مع تداولهم لها وكان ابناه بقية وعجلان قد اقتسما معه إمارة مكة برضاه ثم أراد الرجوع فلم يوافقاه عليه واستمر معه في الولاية
ولما مات رميثة تنازع ولداه بقية وعجلان وخرج بقية وبقي عجلان بمكة ثم غلبه عليها بقية ثم اجتمعا بمصر سنة ست وخمسين وسبعمائة فولى السلطان عجلان وفر بقية الى الحجاز فأقام هناك منازعا لعجلان من غير ولاية وعجلان هو المستبد بها مع سلوك سيرة العدل والإنصاف والتجافي عن أموال الرعية والتعرض للمجاورين الى أن توفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة
وولي بعده ابنه أحمد وكان قد فوض اليه الأمر في حياته وقاسمه في أمره فقام أحمد بأمر مكة جاريا على سنن أبيه في العدل وحسن السيرة ومات في رمضان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة في الدولة الظاهرية برقوق
فولي مكانه ابنه محمد وكان صغيرا في كفالة عمه كبيش بن عجلان فبقي حتى وثب عليه فداوي عند ملاقاة المحمل فقتله ودخل أمير الركب الى مكة

فولى عنان بن مغامس بن رميثة مكانه
ثم لحق علي بن عجلان بالأبواب السلطانية بمصر فولاه الظاهر برقوق سنة تسع وثمانين وسبعمائة شريكا لعنان وسار مع أمير الركب إلى مكة فهرب عنان ودخل علي بن عجلان مكة فاستقل بإمارتها ثم وفد علي بن عجلان على السلطان بمصر سنة أربع وتسعين فأفرده بالإمارة وأنزل عنان بن مغامس عنده وأحسن اليه ثم اعتقله بعد ذلك وبقي علي بن عجلان في إمارة مكة حتى قتل ببطن مر في سنة سبع وتسعين وسبعمائة
فولى السلطان ابن أخيه حسن بن أحمد مكانه واستبد بإمرة مكة وهو بها الى هذا العهد وهوحسن بن أحمد بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد علي بن أبي عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبدالله بن أبي الكرام بن موسى الجون بن عبدالله بن حسن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

الطرف السابع في ترتيب مكة المشرفة وفيه جملتان
الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها
أما معاملاتها فعلى ما تقدم في الديار المصرية والبلاد الشامية من المعاملة بالدنانير والدراهم النقرة وصنجتها في ذلك كصنجة الديار المصرية ويعبر عن الدرهم النقرة فيها بالكاملي نسبة الى الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب صاحب مصر وعندهم درهم آخر من فضة خالصة مربع الشكل زنته نحو نصف ثم نقص حتى صار نحو سدس يعبرون عنه بالمسعودي نسبة الى الملك المسعود صاحب اليمن وهو في المعاملة بثلثي درهم كاملي

ولم يكن بها في الزمن المتقدم فلوس يتعامل بها ثم راجت الفلوس الجدد بها في أيام الموسم فيما قبل الدولة الظاهرية برقوق ثم راجت في سائر الأوقات آخرا إلا أن كل درهم بها ثمانية وأربعون فلسا على الضعف من الديار المصرية حيث كل درهم فيها أربعة وعشرون فلسا ويعبر عن كل خمسة قراريط من الدرهم الكاملي فيها بجائز وعن الربع والسدس منه بجائزين وتعتبر أوزانها بالمن وهو مائتان وستون درهما وأوقيه عشرة كل أوقية عشرة دراهم وكيلها بالغرارة وكل غرارة من غرائرها . . . . وقياس قماشها بالذراع المصري وأسعارها في الغالب مرتفعة عن سعر مصر والشام
وأما إمرتها فإنها إمرة أعرابية يمشي أميرها في إمرته على قاعدة امراء العرب دون عادة الموك في المواكب وغيرها وأتباعه عرب وأكثرهم من بني الحسن أشراف مكة ويعبر عن أكابرهم بالقواد وهم بمثابة الأمراء للملوك وربما استخدم المماليك الترك ومن في معناهم
وأكثر متحصلة مما يؤخذ من التجار الواردين إلى مكة من الهند واليمن وغيرهما وأما تجهيز ركب الحجيج إليها ففي كل سنة يجهز إليها المحمل من الديار المصرية بكسوة البيت مع أمير الركب ويكسى البيت بالكسوة المجهزة مع المحمل ويأخذ سدنة البيت الكسوة التي كانت على البيت فيهادون بها الملوك وأشراف الناس وداخل البيت كسوة أخرى من حرير منقوش لا تحتاج إلى التغيير إلا في السنين المتطاولة لعدم وصول الشمس ولمس الأيدي إليها
ومن عادة أمير مكة أنه إذا وصل المحمل إلى ظاهر مكة خرج لملاقاته فإذا وافاه ترجل عن فرسه وأتى الجمل الحامل للمحمل فقلب خف يده اليمنى وقبله خدمة لصاحب مصر وقد روى ابن النجار في تاريخ المدينة النبوية من طريق

الحافظ أبي نعيم إلى حسين بن مصعب أنه أدرك كسوة الكعبة يؤتى بها المدينة قبل أن تصل إلى مكة فتنشر على الرضراض في مؤخر المسجد ثم يخرج بها إلى مكة وذلك في سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين ومائة
واعلم أن كسوة الكعبة لها حالان الحالة الأولى ما كان الأمر عليه في الجاهلية وقد روى الأزرقي في أخبار مكة بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي نهى عن سب أسعد الحميري وهو تبع وكان أول من كسا الكعبة وذكر ابن إسحاق عن غير واحد من أهل العلم أن أول من كسا الكعبة كسوة كاملة تبع وهو أسعد أري في منامه ان يكسوها فكساها الأنطاع ثم أري أن اكسها فكساها الوصائل ثياب حبرة من عصب اليمن وعن ابن جريح نحوه
وعن ابن أبي مليكة أنه قال بلغني أن الكعبة كانت تكسى في الجاهلية كسى شتى كانت البدن تجلل الحبر والبرود والأكسية وغير ذلك من عصب اليمن وكان يهدى للكعبة هدايا من كسى شتى سوى جلال البدن حبر وخز وأنماط فتكسى منه الكعبة ويجعل ما بقي في خزانة الكعبة فإذا بلي منها شيء أخلف عليها مكانه ثوب آخر ولا ينزع مما عليها شيء
وعن عبد الجبار بن الورد قال سمعت ابن أبي مليكة يقول كانت قريش في الجاهلية ترافد في كسوة الكعبة فيضربون ذلك على القبائل بقدر احتمالها من عهد قصي بن كلاب حتى نشأ أبو ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وكان يختلف إلى اليمن يتجر فيها فأثرى في المال فقال

لقريش أنا أكسو الكعبة وحدي سنة وجميع قريش سنة فكان يفعل ذلك حتى مات يأتي بالحبر الجندية من الجند فيكسو الكعبة فسمته قريش العدل لأنه عدل فعله بفعل قريش
وروى الواقدي عن النوار بنت مالك ام زيد بن ثابت رضي الله عنه أنها قالت رأيت قبل أن ألد زيد بن ثابت على الكعبة مطارف خز أخضر وأصفر وكرار وأكسية الأعراب وشقاق شعر
وعن ابن جريج أن الكعبة فيما مضى إنما كانت تكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخر الحاج حتى كان بنو هاشم فكانوا يعلقون القميص يوم التروية من الديباج لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالا فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار
وعن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم قال نذرت أمي بدنة تنحرها عند البيت وجللتها شقتين من شعر ووبر فنحرت البدنة وسيرت للكعبة بالشقتين والنبي يومئذ بمكة لم يهاجر فنظرت إلى البيت يومئذ وعليه كسى شتى من وصائل وأنطاع وكرار وخز ونمارق عراقية كل هذا قد رأيته عليه
قلت حاصل الأمر أن الذي كسيته الكعبة الأنطاع وحبرات اليمن والبرود والكرار والأنماط والنمارق ومطارف الخز الأخضر والأصفر والأكسية وشقاق الشعر والوبر وغير ذلك

الحال الثانية ما كان الأمر عليه في صدر الإسلام وهلم جرا إلى زماننا
أما في صدر الإسلام فقد روى الواقدي عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن أبيه أن البيت كان في الجاهلية يكسى الأنطاع فكساه النبي الثياب اليمانية ثم كساه عمر وعثمان رضي الله عنهما القباطي وعن ابن أبي نجيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الكعبة القباطي من بيت المال كان يكتب فيها إلى مصر ثم عثمان من بعده فلما كان معاوية بن أبي سفيان كساها كسوتين كسوة عمر القباطي وكسوة ديباج وكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء وتكسى القباطي في آخر شهر رمضان
وروى الأزرقي عن نافع قال كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يحرم القباطي والحب وفي رواية الأنماط فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها وإذا كان يوم النحر نزعها عنها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان الحجبي فناطها على الكعبة
وروى الواقدي عن إسحاق بن عبد الله أن الناس كانوا ينذرون كسوة الكعبة ويهدون إليها البدن عليها الحبرات فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخسرواني فلما كان ابن الزبير اتبعه على ذلك فكان يبعث إلى أخيه مصعب بن الزبير يبعث بالكسوة كل سنة وكانت تكسى يوم عاشوراء
قال الأزرقي وقد قيل إن ابن الزبير أول من كساه الديباج قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل وهو الصحيح
وذكر الواقدي عن أشياخه أن عبد الملك بن مروان كان يبعث في كل سنة بالديباج من الشام فيمر به على المدينة فينشر يوما في مسجد رسول الله على

الأساطين هاهنا وهاهنا ثم يطوني ويبعث به إلى مكة وقد قيل إن عبد الملك أول من كسا الكعبة الديباج قال الماوردي وكساه بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي كانت على أهل نجران في جزيتهم والديباج من فوقها
قال الأزرقي ولما حج المهدي في سنة ستين ومائتين رفع إليه أن ثياب الكعبة قد أثقلتها ويخاف على جدرانها من ثقل الكسوة فجردها حتى لم يبق عليها شيء من الكسوة ثم أفرغ عليها ثلاث كسى قباطي وخز وديباج ولما غلب حسين بن حسن الطالبي على مكة في سنة مائتين وجد ثيابها قد ثقلت عليها أيضا فجردها في أول يوم من المحرم وكساها كسوتين من قز رقيق إحداهما صفراء والأخرى بيضاء مكتوب بينهما بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الأخيار أمر أبو السرايا الأصغر بن الأصغر راعية آل محمد صلوات الله عليه وسلامه بعمل هذه الكسوة لبيت الله الحرام
وذكر الأزرقي عن جده أن الكعبة كانت تكسي في كل سنة كسوة ديباج يعني أحمر وكسوة قباطي فأما الديباج فتكساه يوم التروية فيعلق القميص ويدلى ولا يخاط وإذا صدر الناس من منى خيط القميص وترك الإزار حتى يذهب الحاج لئلا يخرقوه فإذا كان يوم عاشوراء علق عليها الإزار يوصل بالقميص وكأن المراد بالإزار ما تدركه الأيدي في الطواف وبالقميص ما فوق ذلك إلى أعلى الكعبة فلا تزال هذه الكسوة الديباج علهيا حتى يوم سبع وعشرين من شهر رمضان فتكسى القباطي القطن
فلما كانت خلافة المأمون رفع إليه أن الديباج يبلى ويتخرق قبل أن يبلغ الفطر فسأل المأمون صاحب بريد مكة في أي السكوة الكعبة أحسن فقال له

في البياض فامر بكسوة من ديباج أبيض عملت سنة ست ومائتين وبعث بها إلى الكعبة فصارت الكعبة تكسى ثلاث كسى تكسى الديباج الأحمر يوم التروية وتكسى القباطي يوم هلال رجب وتكسى الديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من شهر رمضان للفطر
ثم رفع إلى المأمون أيضا أن إزار الديباج الأبيض يتخرق ويبلى في أيام الحج من مس الحاج قبل أن يخاط عليها إزار الديباج الأحمر في عاشوراء فزادها إزار ديباج أبيض تكساه يوم التروية فيستر به ما تخرق من الإزار الذي كسيته
ثم رفع إلى المتوكل في سنة أربعين ومائتين أن إزار الديباج الأحمر يبلى قبل هلال رجب من مس الناس ومسحهم بالكعبة فزادها إزارين مع الإزار الأول فأذال قميصها الديباج الأحمر وأسبله حتى بلغ الأرض ثم جعل الإزار فوقه في كل شهرين إزار ثم نظر الحجبة فإذا الإزار الثاني لا يحتاج إليه فوضع في تابوت الكعبة وكتبوا إلى المتوكل أن إزارا واحدا مع ما أذيل من قميصها فصار يبعث بإزار واحد فتكسى بعد ثلاثة أشهر فيكون الذيل ثلاثة أشهر
ثم في سنة ثلاث وأربعين ومائتين أمر المتوكل بإذالة القميص القباطي حتى بلغ الشاذروان الذي تحت الكسوة قال الماوردي ثم كسا المتوكل أساطينه الديباج
وقد حكى المؤيد صاحب حماة في تاريخه أن الفاطميين خلفاء مصر في إمارة أبي الحسن جعفر من السليمانيين على مكة في سنة إحدى وثمانين وثلثمائة كسوا الكعبة البياض
قلت ثم رفع الأمر في خلفاء بني العباس ببغداد إلى شعارهم من السواد فألبسوا الكعبة الديباج الأسود ثم جرى ملوك مصر عند استيلائهم على

الحجاز على إلباسها السواد
والذي جرى عليه الحال في زماننا إلى آخر الدولة الظاهرية برقوق وأوائل الدولة الناصرية ولده أن الكعبة تكسى الديباج الأسود كسوة مسبلة من أعلى الكعبة إلى أسفلها مرقوما بأعاليها طراز رقم بالبياض من أصل النسج مكتوب فيه ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ) الآيات وعلى الباب برقع من نسبة ذلك مرقوم فيه بالبياض ثم في سنة وثمانمائة في الدولة الناصرية فرج بن برقوق غير الطراز من لون البياض إلى لون الصفرة فصار الرقم في السواد بحرير أصفر مقصب بالذهب ولا يخفى أنه أنفس من الأول والثاني أبهج منه لشدة مضادة ما بين البياض والسواد ثم جعل بعض جوانب الكسوة ديباجا أسود على العادة وبعضها كمخا أسود بجامات مرقوم فيها بالبياض لا إله إلا الله محمدا رسول الله ثم جعل بعد ذلك برقع البيت من حرير أسود منشورا عليه المخايش الفضة الملبسة بالذهب فزاد نفاسه وعلا قيمة ثم في سنة أربع عشرة وثمانمائة جعل واجهة الباب من الكسوة كمخا أزرق بجامات مكتوب فيها والله العالم ما كان وما يكون
قلت وحاصل ما تقدم أن الذي اشتملت عليه أصناف الكسوة في الإسلام الثياب اليمانية والقباطي المصرية والحبر والأنماط والحلل النجرانية والديباج الأبيض والديباج الأحمر والديباج الأخضر والديباج الأصفر والديباج الأسود والديباج الأزرق
وأما تجريد الكعبة من ثيابها فقد ذكر الأزرقي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينزع كسوة الكبيت في كل سنة فيقسمها على الحاج . وعن ابن أبي مليكة انه قال كانت على الكعبة كسى كثيرة من كسوة أهل الجاهلية من الأنطاع والأكسية والكرار والأنماط فكانت ركاما بعضها فوق بعض فلما كسيت في الإسلام من بيت المال كان يخفف عنها الشيء بعد

الشيء إلى أن كانت أيام معاوية فكتب إليه شيبة بن عثمان الحجبي يرغب إليه في تخفيفها من كسى الجاهلية حتى لا يكون عليها شيء مما مسته أيديهم لنجاستهم فكتب إليه معاوية أن جردها وبعث إليه بكسوة من ديباج وقباطي وحبرة فجردها شيبة حتى لم يبق عليها شيء وكساها الكسوة التي بعث بها معاوية وقسم الثياب التي كانت عليها بين أهل مكة وكان ابن عباس حاضرا في المسجد وهم يجردونها فلم ينكر ذلك ولا كرهه
وروي أن عائشة رضي الله عنها أنكرت على شيبة ذلك وقالت له بعها واجعل ثمنها في سبيل الله وكذلك ابن عباس
وروى الواقدي عن ام سلمة رضي الله عنها أنها قالت إذا نزعت عن الكعبة ثيابها فلا يضرها من لبسها من الناس من حائض أو جنب وقد تقدم أن المهدي جردها حين حج في سنة ستين ومائتين وحسين الطالبي جردها في سنة مائتين
قلت والذي استقر عليه الحال في زماننا أنها لا تلبس في كل سنة غير كسوة واحدة على ما تقدم بيانه وذلك أن الكسوة تعمل بمصر على النمط المتقدم ثم تحمل صحبة الركب إلى مكة فيقطع ذيل الكسوة القديمة على قدر قامة من جدار الكعبة ويظهر من الجدار ما كان تحته ويبقى أعلاها معلقا حتى يكون يوم فتخلع الكسوة العتيقة وتعلق الجديدة مكانها ويكسى المقام من نسبة كسوة الكعبة ويأخذ بنو شيبة الحجبة الكسوة العتيقة فيهدونها للحجاج ولأهل الآفاق وقد زاد رفدهم فيها من حين حصلت المغالاة في كسوة الكعبة وبرقعها على ما تقدم اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة
واعلم أن جدار الكعبة كان عزيز الرؤية حين كانت الكسوة تتراكم عليها ولا

يجرد عنها شيء حتى إن الأزرقي حكى عن جده أنه تبجح برؤية جدارها حين جردت في سنة ثلاث وستين ومائتين وأنه رأى جدار الباب المسدود الذي كان عمله ابن الزبير في ظهرها وسده الحجاج وشبه لون جدارها بالعنبر الأشهب

الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها
أكثر من هو بباديتها وأوديتها القريبة منها بنو الحسن الأشراف وقد ذكر في التعريف من عرب الحجاز لأم وخالد والمنتفق والعايد وزاد في مسالك الأبصار ذكر زبيد وبنو عمرو والمضارجة والمساعيد والزراق وآل عيسى وآل دغم وآل جناح والجبور ثم قال وديارهم يتلو بعضها بعضا قال الحمداني وشرقي مكة خليجة وبنو هزر ومنازلهم بيشة
ومنهم من خثعم بنو منبه وبنو فضيلة ومعاوية وآل مهدي وبنو نضر وبنو حاتم والموركة وآل زياد وآل الصعافير والشما وبلوس ثم قال ومنازلهم غير متباعدة
أما العربان بالدرب المصري إلى مكة فمن بركة الحجاج إلى عقبة أيلة للعائد من عرب الشرقية ومن العقبة إلى الدأماء دون عيون القصب لبني عقبة ومن الدأماء إلى أكدى لبلي ومن أكدى إلى آخر الوعرات لجهينة ومن آخر الوعرات إلى نهاية بدر وإلى نهاية الصفراء ونقب علي لبني حسن أصحاب الينبع ويليهم من أقاربهم من بني حسن أصحاب بدر إلى رملة عالج في طرف

قاع البزوة ومن الصفراء إلى الجحفة ورابغ لزبيد ومن الجحفة على قديد وما حولها إلى الثنية المعروفة بعقبة السويق لسليم ومن الثنية على خليص إلى الثنية المشرفة على عسفان إلى الفج المسمى بالمحاطب لبني جابر وهم في طاعة صاحب مكة ومن المحاطب إلى مكة المعظمة لصاحب مكة وبني الحسن
القاعدة الثانية المدينة الشريفة النبوية على ساكنها أشرف الخلق محمد أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام وفيها ثلاث جمل الجملة الأولى في حاضرتها
المدينة ضبطها معروف وهو اسم غلب عليها وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى ( يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) وقوله ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة ) واسمها القديم يثرب وبه نطق القرآن في قوله تعالى ( يا أهل يثرب لا مقام لكم )
قال الزجاجي وهو يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوص بن إرم بن سام بن نوح هو الذي بناها وورد ذكره في الحديث أيضا قال الشيخ عماد الدين بن كثير في تفسيره وحديث النهي عن تسميتها بذلك ضعيف وسماها الله تعالى الدار بقوله ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ) وسماها النبي طيبة بفتح الطاء المهملة وسكون الياء وفتح الباء

الموحدة بعدها هاء وطابة بإبدال الياء بعد الطاء بألف قال النووي وهما من الطيب وهو الرائحة الحسنة وقيل من الطيب خلاف الرديء وقيل من الطيب بمعنى الطاهر وقيل من طيب العيش وزاد السهيلي في أسمائها الجابرة بالجيم والباء الموحدة والمحبة والمحبوبة والقاصمة والمجبورة والعذراء والمرحومة وكانت تدعى في الجاهلية غلبة لأن اليهود غلبوا عليها العماليق والأوس والخزرج غلبوا عليها اليهود قال صاحب حماة وهي من الحجاز وقيل من نجد وموقعها قريب من وسط الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في كتاب الأطوال وطولها خمس وستون درجة وثلث وعرضها إحدى وعشرون درجة وقال في القانون طولها سبع وستون درجة ونصف وعرضها إحدى وعشرون درجة وثلث وقال ابن سعيد طولها خمس وستون درجة وثلث وعرضها خمس وعشرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة وقال في رسم المعمور طولها خمس وستون درجة وعشرون دقيقة وعرضها خمس وعشرون درجة
وقد ذكر صاحب الهناء الدائم بمولد أبي القاسم أن أول من بناها تبع الأول وذكر أنه مر بمكانها وهي يومئذ منزلة بها أعين ماء فأخبره أربعمائة عالم من علماء أهل الكتاب لهم عالم يرجعون إليه أن هذا موضع مهاجر نبي يخرج في آخر الزمان من مكة اسمه محمد وهو إمام الحق فآمن بالنبي وبنى المدينة وأنزلهم بها وأعطى كلا منهم مالا يكفيه وكتب كتابا فيه أما بعد يا محمد فإني آمنت بك وبربك وبكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام والإيمان وإني قلت ذلك فإن أدركتك فيها ونعمت وإن لم أدركك فاشفع لي يوم القيامة ولا تنسني فإني من أمتك الأولين وتابعتك قبل مجيئك وقبل أن يرسلك الله وأنا على ملة أبيك إبراهيم
وختم الكتاب ونقش عليه ( لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح

المؤمنون بنصر الله )
وكتب عنوانه إلى محمد بن عبد الله خاتم المرسلين ورسول رب العالمين من تبع الأول حمير أمانة الله في يد من وقع إليه أن يدفعه إلى صاحبه
ودفع الكتاب إلى رئيس العلماء المذكورين وتداوله بنوه بعده إلى أن هاجر النبي إلى المدينة فتلقاه به بعض أولاد ذلك العالم بين مكة والمدينة وتاريخ الكتاب يومئذ ألف سنة بغير زيادة ولا نقص وقيل في بنائها غير ذلك وهي مدينة متوسطة في مستو من الأرض والغالب على أرضها السباخ وفي شماليها جبل أحد وفي جنوبها جبل عير وكان عليها سور قديم وبخارجها خندق محفور وهو الذي حفره النبي يوم الأحزاب
وفي سنة ست وثلاثين ومائتين بنى عليها إسحاق بن محمد الجعدي سورا منيعا وجدده عضد الدولة بن بويه الديلمي في سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة وهو باق عليها إلى الآن ولها أربعة أبواب باب في الشرق يخرج منه إلى البقيع وباب في الغرب يخرج منه إلى العقيق وقباء وبين يدي هذا الباب جداول ماء جارية وبوسطها مسجد النبي وهو مسجد متسع إلا أنه لم يبلغ في القدر مبلغ مسجد مكة
قال ابن قتيبة في كتاب المعارف وكان على عهد رسول الله مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده النخل ولم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر ثم غيره عثمان وزاد فيه عثمان زيادة كبيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وبالقصة وجعل عمده من حجارة منقوشة ووسعه المهدي سنة ستين ومائة وزاد فيه المأمون زيادة كبيرة في سنة اثنتين ومائتين ولم تزل الملوك تتداوله بالعمارة إلى زماننا

وبه الحجرة الشريفة التي بها قبر رسول الله وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما بحجرته الشريفة دائر عليه مقصورة مرتفعة إلى نحو السقف عليه ستر من حرير أسود وخارج المقصورة بين القبر والمنبر الروضة التي أخبر أنها روضة من رياض الجنة
وقد ذكر أهل الأثر أن المنبر كان في زمن النبي ثلاث درجات بالمقعد وارتفاعه ذراعان وثلاث أصابع وعرضه ذراع راجح وارتفاع صدره وهو الذي يستند إليه رسول الله ذراع وارتفاع رمانتيه اللتين كان يمسكهما بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وأصبعان وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة وبقي على ذلك إلى أيام معاوية فكتب إلى مروان عامله على المدينة ان ارفعه عن الأرض فزاد من أسفله ست درجات ورفعه عليها فصار له تسع درجات بالمجلس قيل وصار طوله أربعة أذرع وشبرا
ولما حج المهدي بن المنصور العباسي سنة إحدى وستين ومائة أراد أن يعيده إلى ما كان عليه فأشار عليه الإمام مالك بتركه خشية التهافت فتركه ويقال إن المنبر الذي صنعه معاوية ورفع منبر النبي عليه تهافت على طول الزمان وجدده بعض خلفاء بني العباس واتخذ من بقايا أعواد منبر النبي أمشاطا للتبرك ثم احترق هذا المنبر لما احترق المسجد في مستهل رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة أيام المستعصم بالله وشغل المستعصم عن عمارته بقتال التتار فعمل المظفر صاحب اليمن المنبر وبعث به إلى المدينة سنة ست وخمسين وستمائة فنصب في موضع منبر النبي فبقي إلى سنة ست وستين وستمائة فأرسل الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر المنبر الموجود الآن فأزيل ذاك ووضع هذا وطوله أربعة أذرع ومن رأسه إلى عتبته سبعة أذرع تزيد قليلا ودرجاته سبع بالمقعد والأمر على ذلك إلى الآن

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وهي على ضربين الضرب الأول حماها
ومرافقها
واعلم أن للمدينة الشريفة حمى حماه النبي وحرمه كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة قال في الروض المعطار حماها اثنا عشر ميلا وخارج بابها الشرقي البقيع المتقدم ذكره وهو مدفن أكثر أمواتها وهو بالباء الموحدة في أوله ويسمى بقيع الغرقد بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح القاف ودال مهملة في الآخر قال الأصمعي سمي بذلك لأنه قطع ما به من شجر الغرقد يوم مات عثمان رضي الله عنه وبه قبر إبراهيم بن النبي من مارية القبطية وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب وإلى جانبه قبر العباس عم رسول الله وقبر عثمان بن عفان رضي الله عنه في قبة دونهما وقبر مالك بن أنس إمام المذهب المعروف وحول المدينة حدائق النخل الأنيقة وثمرها من أطيب الثمر وأحسنه وغالب قوت أهلها منه
الضرب الثاني في مخاليفها وقراها والمشهور منها ثمانية أماكن
الأول قباء بضم القاف وفتح الباء الموحدة وألف في الآخر ويروى بالمد والقصر والمد أشهر قال في الروض المعطار ومن العرب من يذكره فيصرفه ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه قال وسميت قباء ببئر كانت بدار توبة ابن الحسن بن السائب بن أبي لبابة يقال لها قباء وهي قرية غربي المدينة على ميلين منها وبها مسجد التقوى الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ) وقد روي أن رسول الله كان

يأتي قباء كل يوم سبت راكبا وماشيا ومصلاه بها مشهور
الثاني خيبر بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر قال الزجاجي سميت بخيبر بن قانية وهو أول من نزلها وهي بلدة بالقرب من المدينة الشريفة قال ابن سعيد طولها أربع وستون درجة وست وخمسون دقيقة وعرضها سبع وعشرون درجة وعشرون دقيقة وهي بلدة عامرة آهلة ذات نخيل وحدائق ومياه تجري قال في تقويم البلدان وهي بلدة بني عنزة من اليهود والخيبر في لغة اليهود الحصن وهي في جهة الشمال والشرق عن المدينة على نحو ست مراحل وقيل أربع مراحل قال الإدريسي وهي ذات نخيل وزرع وكانت في صدر الإسلام دارا لبني قريظة والنضير وبها كان السموءل بن عاديا الشاعر المشهور
الثالث فدك بفتح الفاء والدال المهملة وكاف في الآخر قال الزجاجي سميت بفدك بن حام وقيل سميت بفيد بن حام وهو أول من نزلها قال في الروض المعطار وبينها وبين المدينة يومان وحصنها يقال له الشمروخ على القرب من خيبر وكان أهلها قد صالحوا النبي على النصف من ثمارها في سنة أربع من الهجرة ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت له خالصة وكان معاوية بن أبي سفيان قد وهبها لمروان بن الحكم ثم ارتجعها منه لموجدة وجدها عليه فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ردها إلى ما كانت عليه في زمن رسول الله وكانت تغل في أيام إمرته عشرة آلاف دينار يتجافى عنها
الرابع الصفراء مؤنث أصفر وهو واد على ست مراحل من المدينة كثير المزارع والمياه والحدائق أخبرني بعض أهل الحجاز أن به أربعة وعشرين نهرا على كل نهر قرية وعيونه تصب فضلها إلى ينبع وهو بيد بني حسن الشرفاء

الخامس ودان بفتح الواو وتشديد الدال المفتوحة وألف ثم نون وهو واد به قرى خراب لا تحصى كثرة
السادس الفرع بضم الفاء وسكون الراء المهملة وبالعين المهملة وهو واد في جنوبي المدينة على أربعة أيام منها يشتمل على عدة قرى آهله أخبرني بعض أهل الحجاز أن به أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية وماؤها يصب في رابغ حيث يحرم حجاج مصر وعليه طريق المشاة من مكة إلى المدينة قال في الروض المعطار ويقال إنها أول قرية مارت إسماعيل عليه السلام التمر بمكة وهي الآن بيد بني حرب
السابع الجار قال في اللباب بفتح الجيم وألف وراء مهملة وهي فرضة المدينة الشريفة على ثلاث مراحل منها قال ابن حوقل وبينها وبين ساحل الجحفة نحو ثلاث مراحل منه عن أيلة على نحو عشرين مرحلة
الثامن وادي القرى بضم القاف وفتح الراء المهملة وألف في الآخر جمع قرية قال في الروض المعطار وهي مدينة كثيرة النخيل والبساتين والعيون وبها ناس من ولد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهم الغالبون عليها وتعرف بالواديين والذي أخبرني به بعض أهل الحجاز أنه كان بها عيون كثيرة عليها عدة قرى فخربت لآختلاف العرب وهي الآن خراب لا عامر بها ولو عمرت أغنت أهل الحجاز عن الميرة من غيرها
قلت وبالغ الإدريسي في نزهة المشتاق فعد من مخاليفها تيماء ودومة الجندل ومدين والتحقيق خلاف ذلك
فأما تيماء بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء المثناة من تحت وميم ثم ألف في الاخر فقد عدها في تقويم البلدان من بادية الشأم تقريبا قال في العزيزي وهي حاضرة طيىء وبها الحصن المعروف بالأبلق المنسوب إلى السموءل بن عاديا قال في تقويم البلدان وهي الآن أعمر من تبوك وبها نخيل قائمة

وأما دومة الجندل فقال في تقويم البلدان هو موضع فاصل بين الشام والعراق على سبع مراحل من دمشق وبينه وبين المدينة الشريفة ثلاث عشرة مرحلة
وأما مدين فقد تقدم ذكرها في الكلام على كور مصر القديمة ووقع الكلام عليها هناك وإن كان الحق أنها من ساحل الحجاز

الجملة الثالثة في ذكر ملوك المدينة وأمرائها وهم على ضربين الضرب الأول
من قبل الإسلام وهم ثلاث طبقات الطبقة الأولى التبابعة
قد تقدم في الكلام على بنائها نقلا عن صاحب الهناء الدائم أن تبعا الأول هو الذي بناها وأسكنها جماعة من علماء أهل الكتاب وكتب كتابا وأودعه عندهم ليوصله من أدركه من أبنائهم إليه وبقي الكتاب عندهم يتوارثونه حتى هاجر النبي إلى المدينة فتلقاه من صار إليه الكتاب منهم وأوصل الكتاب إليه
وحينئذ فيكون أول من ملكها التبابعة
الطبقة الثانية العمالقة من ملوك الشام
قال السهيلي وأول من نزلها منهم يثرب بن عبيل بن مهلائيل بن عوص بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام فسميت به قال في الروض المعطار وكانت هذه الأمة من العماليق يقال لها جاسم

وكانوا قد استولوا على مكة وسائر الحجاز وكانت قاعدة ملكهم تيماء وكان آخر ملوكهم الأرقم بن أبي الأرقم

الطبقة الثالثة ملوكها من بني إسرائيل ومن انضم إليهم من الأوس والخزرج
قال في الروض المعطار لما ظهر موسى عليه السلام على فرعون بعث بعثا من بني إسرائيل إلى الحجاز وأمرهم أن لا يستبقوا منها أحدا بلغ الحلم فقتلوهم حتى انتهوا إلى ملكهم الأرقم بتيماء فقتلوه وأبقوا له ابنا صغيرا ليرى موسى عليه السلام فيه رأيه فلما رجعوا به إلى الشام وجدوا موسى عليه السلام قد توفي فقال لهم الناس عصيتم وخالفتم أمر نبيكم وحالوا بينهم وبين الشام فقال بعضهم لبعض خير من بلدكم البلد الذي خرجتم منه فعادوا إلى الحجاز فنزلوه فكان ذلك أول سكنى اليهود الحجاز فنزل جمهورهم بمكان يقال له يثرب بمجتمع السيول واتخذوا الآطام والمنازل ونزل معهم جماعة من أحياء العرب من بلي وجهينة
وكانت يثرب أم قرى المدينة وهي ما بين طرف قباء إلى الجرف ثم لما كان من سيل العرم باليمن ما كان تفرق أهل مأرب فأتى الأوس والخزرج يثرب لليهود فحاربوهم وكان آخر الأمر أن عقدوا بينهم وبينهم جوارا واشتركوا وتحالفوا فلم يزالوا على ذلك زمانا طويلا فصارت للأوس والخزرج ثروة ومال وعز جانبهم فخافهم اليهود فقطعوا الحلف وخافهم الأوس والخزرج فبعثوا إلى من لهم بالشام فأعانوهم حتى أذلوا اليهود وغلبوهم عليها وبقيت بأيديهم حتى جاء الإسلام وهاجر النبي إليها وهم رؤساؤها وحكامها

الضرب الثاني من في زمن الإسلام وهم أربع طبقات الطبقة الأولى من كان بها
في صدر الإسلام
كان بها رسول الله إلى أن توفي في سنة إحدى عشرة من الهجرة ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أن توفي سنة اثنتي عشرة من الهجرة ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أن قتل في سنة ثلاث وعشرين ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أن قتل في سنة خمس وثلاثين ثم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى أن قتل سنة أربعين ثم الحسن بن علي بن أبي طالب إلى أن سلم الأمر لمعاوية سنة إحدى وأربعين من الهجرة النبوية
الطبقة الثانية عمال الخلفاء من بني أمية
ولى عليهامعاوية سنة اثنتين وأربعين من الهجرة مروان بن الحكم ثم عزله سنة تسع وأربعين وولى مكانه سعيد بن العاص ثم عزله سنة أربع وخمسين ورد إليها مروان بن الحكم ثم عزله سنة تسع وخمسين وولى مكانه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان
ثم عزله يزيد بن معاوية عن المدينة والحجاز وولى مكانه عمرو بن سعيد الأشدق ثم عزله سنة إحدى وستين وأعاد الوليد بن عتبة
ثم استعمل ابن الزبير عند غلبته على المدينة أخاه مصعبا سنة خمس وستين ثم نقله إلى البصرة وولى مكانه جابر بن الأسود بن عوف الزهري ثم ولى مكانه طلحة بن عبد الله بن عوف
ثم غلب عبد الملك بن مروان على الخلافة فبعث على المدينة طارق بن عمرو فغلب عليها طلحة بن عبد الله وانتزعها منه ثم انفرد عبد الملك

بالخلافة وولى على المدينة والحجاز واليمن واليمامة الحجاج بن يوسف وعزل طارقا عن المدينة وجعله من جنده ثم ولى عليها سنة سبع وسبعين أبان ابن عثمان ثم عزله في سنة اثنتين وثمانين وولى مكانه هشام بن إسماعيل المخزومي
ثم كانت خلافة الوليد بن عبد الملك فعزل هشام بن إسماعيل وولى مكانه عثمان بن حيان
ثم تولى عليها أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أيام سليمان بن عبد الملك
ثم استعمل عليها عمر بن عبد العزيز في خلافته عبد العزيز بن أرطاة ثم عزله يزيد بن عبد الملك سنة ثلاث ومائة وولى مكانه عبد الرحمن بن الضحاك وأضاف إليه مكة ثم عزله لثلاث سنين من ولايته وولى مكانه على مكة والمدينة عبد الواحد النضري
ثم عزله هشام بن عبد الملك وولى عليهاوعلى مكة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي ثم عزله هشام سنة أربع عشرة ومائة وولى مكانه بالمدينة خاصة خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم ثم عزله سنة ثمان عشرة ومائة وولى مكانه محمد بن هشام بن إسماعيل
ثم ولى الوليد بن يزيد في خلافته خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي على المدينة وسائر الحجاز في سنة أربع وعشرين ومائة ثم عزله يزيد في خلافته في سنة ست وعشرين ومائة وولى مكانه عبد العزيز بن عمرو بن عثمان ثم ولى مروان على المدينة وسائر الحجاز ثم عزله في سنة سبع وعشرين ومائة وولى مكانه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثم عزله في

سنة تسع وعشرين ومائة وولى مكانه على المدينة وسائر الحجاز عبد الواحد

الطبقة الثالثة عمالها في زمن خلفاء بني العباس
لما ولي السفاح الخلافة ولى على المدينة والحجاز واليمن واليمامة عمه داود ثم توفي داود سنة ثلاث وثلاثين ومائة فولى مكانه في جميع ذلك زياد ابن عبد الله بن عبد المدان الحارثي ثم ولى سنة ثلاث وأربعين ومائة على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري ثم اتهمه في أمر فعزله وولى مكانه رياح بن عثمان المري فقتله أصحاب محمد المهدي فولى مكانه عبيد الله بن الربيع الحارثي
ثم عزله المنصور سنة ست وأربعين ومائة وولى مكانه على المدينة جعفر ابن سليمان ثم عزله في سنة خمسين ومائة وولى مكانه الحسن بن زيد بن الحسن ثم عزله المنصور في سنة خمس وخمسين ومائة وولى مكانه عمه عبد الصمد بن علي
ثم عزله المهدي في خلافته سنة تسع وخمسين ومائة وولى مكانه محمد ابن عبد الله الكثيري ثم عزله وولى مكانه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن صفوان ثم عزله وولى مكانه زفر بن عاصم ثم تولى على المدينة والحجاز جعفر بن سليمان ثم كان بها محمد بن عيسى بعد مدة
وعزله المتوكل وولى مكانه المستنصر بن المتوكل وتوالى عليها عمال بني العباس إلى عشر الستين والمائة

الطبقة الرابعة أمراء الأشراف من بني حسين الذين منهم الأمراء المستقرون
في إمارتها إلى الآن
كانت الرياسة بالمدينة آخرا لبني الحسن بن علي
وكان منهم أبو جعفر عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وكان من جملة ولده جعفر حجة الله ومن ولده الحسن ومن ولد الحسن يحيى الفقيه النسابة كانت له وجاهة عظيمة وفخر ظاهر وتوفي سنة ست وسبعين ومائتين ومن ولده أبو القاسم طاهر بن يحيى ساد أهل عصره وبنى دارا بالعقيق ونزلها وتوفي سنة ثلاث عشرة وثلثمائة
وكان من ولده الحسن بن طاهر رحل إلى الأخشيد بمصر وهو يومئذ ملكها فأقام عنده وأقطعه الأخشيد ما يغل في كل سنة مائة ألف دينار واستقر بمصر وكان له من الولد طاهر بن الحسن وتوفي سنة تسع وعشرين وثلثمائة وخلف ابنه محمدا الملقب بمسلم وكان صديقا لكافور الأخشدي صاحب مصر ولم يكن في زمنه بمصر أوجه منه ولما اختل أمر الأخشيدية دعا مسلم هذا للمعز صاحب إفريقية يومئذ ولما قدم المعز إلى الديار المصرية بعد فتح جوهر القائد لها تلقاه مسلم بالجمال بأطراف برقة من جهة الديار المصرية فأكرمه وأركبه معدلا له واختص به ثم توفي سنة ست وستين وثلثمائة فصلى عليه المعز وكانت له جنازة عظيمة
وكان من ولد مسلم هذا طاهر أبو الحسين فلحق طاهر بالمدينة الشريفة فقدمه بنو الحسين على أنفسهم واستقل بإمارتها سنين وكان يلقب بالمليح وتوفي سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وولى بعده ابنه الحسين بن طاهر وكنيته أبو محمد قال العتبي وكان موجودا في سنة سبع وتسعين وثلثمائة وغلبه على

إمارتها بنو عم أبيه أبي أحمد القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر حجة الله واستقلوا بها
وكان لأبي أحمد القاسم من الولد داود ويكنى أبا هاشم وقال العتبي الذي ولي بعد طاهر بن مسلم صهره وابن عمه داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر وكناه أبا علي
وقال ابن سعيد ملك أبو الفتوح الحسن بن جعفر من بني سليمان إمرة مكة والمدينة سنة تسعين وثلثمائة بأمر الحاكم العبيدي وأزال إمرة بني الحسين منها وحاول الحاكم نقل الجسد الشريف النبوي إلى مصر ليلا فهاجت بهم ريح عظيمة أظلم منها الجو وكادت تقتلع المباني من أصلها فردهم أبو الفتوح عن ذلك وعاد إلى مكة ورجع أمراء المدينة إليها
وكان لداود بن القاسم من الولد مهنا وهانيء والحسن قال العتبي ولي هانيء ومهنا وكان الحسن زاهدا
وذكر الشريف الحراني النسابة هنا أميرا آخر منهم وهو أبو عمارة مدة كان بالمدينة سنة ثمان وأربعمائة قال وخلف الحسن بن داود ابنه هاشما وولي المدينة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة من قبل المستنصر
قال وخلف مهنا بن داود عبيد الله والحسين وعمارة فولي بعده ابنه عبيد الله وكان بالمدينة سنة ثمان وأربعمائة وقتله موالي الهاشميين بالبصرة ثم ولي الحسين وبعده ابنه مهنا بن الحسين
قال الشريف الحراني وكان لمهنا بن الحسين من الولد الحسين وعبد الله

وقاسم فولي الحسين المدينة وقتل عبد الله في وقعة نخلة وذكر صاحب حماة من أمرائها منصور بن عمارة الحسيني وأنه مات في سنة خمس وتسعين وأربعمائة وقام ولده مقامه ولم يسمه ثم قال وهم من ولد مهنا وذكر منهم أيضا القاسم بن مهنا حضر مع صلاح الدين بن أيوب فتح أنطاكية سنة أربع وثمانين وخمسمائة
وذكر ابن سعيد عن بعض مؤرخي الحجاز أنه عد من جملة ملوكها قاسم بن مهنا وأنه ولاه المستضيء فأقام خمسا وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وولي ابنه سالم بن قاسم
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وكان مع السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في فتوحاته يتبرك به ويتيمن بصحبته ويرجع إلى قوله وبقي إلى ان حضر إلى مصر للشكوى من قتادة فمات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة وولي بعده ابنه شيحة وقتل سنة سبع وأربعين وستمائة وولي ابنه عيسى مكانه ثم قبض عليه أخوه جماز سنة تسع وأربعين وستمائة وولي ابنه عيسى مكانه ثم قبض عليه أخوه جماز سنة تسع وأربعين وستمائة وملك مكانه وهو الذي ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف أن الإمرة في بيته إلى زمانه قال ابن سعيد وفي سنة إحدى وخمسين وستمائة كان بالمدينة أبو الحسين بن شيحة بن سالم وقال غيره كان بالمدينة سنة ثلاث وخمسين وستمائة
وولي أخوه جماز فطال عمره وعمي ومات سنة أربع أو خمس بعد السبعمائة
وولي بعده ابنه منصور بن جماز ثم وفد أخوه مقبل بن جماز على الظاهر بيبرس بمصر فأشرك بينهما في الإمرة والإقطاع ثم غاب منصور عن المدينة

واستخلف ابنه كبيشة فهجم عليه مقبل وملكها من يده ولحق كبيشة بأحياء العرب فاستجاشهم وهجم المدينة على عمه مقبل فقتله سنة تسع وسبعمائة ورجع منصور إلى إمارته وبقي ماجد بن مقبل يستجيش العرب على عمه منصور بالمدينة ويخالفه إلى المدينة كلما خرج منها ثم زحف ماجد سنة سبع عشرة وسبعمائة وملكها من يد عمه منصور فاستصرخ منصور بالملك الناصر محمد ابن قلاوون صاحب مصر فأنجده بالعساكر وحاصروا ماجدا بالمدينة ففر عنها وملكها منصور ثم سخط عليه السلطان الملك الناصر فعزله وولى أخاه ودي بن جماز أياما ثم أعاد منصورا إلى ولايته ثم هلك منصور سنة خمس وعشرين وسبعمائة فولي ابنه كبيشة مكانه فقتله عسكر ابن عمه ودي وعاد ودي إلى الإمرة ثم توفي ودي فولي طفيل بن منصور بن جماز وانفرد بإمرتها وهو الذي ذكر المقر الشهابي في التعريف أنه كان أميرها في زمانه وبقي إلى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فوقع النهب في الركب فقبض عليه الأمير طاز أمير الركب وولى مكانه سيفا من عقب جماز ثم ولي بعده فضل من عقب جماز أيضا ثم ولي بعد فضل ماتع من عقب جماز ثم ولي جماز بن منصور ثم قتل بيد الفداوية أيام الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون واتفق أمراء الركب على تولية ابنه هبة إلى حين يرد عليهم من السلطان ما يعتمدونه ثم ورد أمر السلطان بتولية هبة من عقب ودي فعزل ودي وولي مكانه ثم ولي بعده عطية بن منصور بن جماز فأقام سنين ثم عزل وولي هبة بن جماز ثم عزل وأعيد عطية ثم توفي عطية وهبة وولي جماز بن هبة بن جماز ثم عزل وولي نعير بن منصور بن جماز ثم قتل فوثب جماز بن هبة على إمارة المدينة واستولى عليها فعزله السلطان وولى ثابت بن نعير وهو بها إلى الآن في سنة تسع وتسعين وسبعمائة وهو ثابت ابن جماز بن هبة بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة بن سالم بن

قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنا بن الحسين بن مهنا بن داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر حجة الله بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
وإمرتها الآن متداولة بين بني عطية وبين بني جماز وهم جميعا على مذهب الإمامية الرافضة يقولون بإمامة الاثني عشر إماما وغير ذلك من معتقدات الإمامية وأمراء مكة الزيدية أخف في هذا الباب شأنا منهم

الجملة الثالثة في ترتيب المدينة النبوية
أما معاملاتها فعلى ما تقدم في الديار المصرية من المعاملة بالدناينر والدراهم والأمر في الفلوس على ما تقدم في مكة ويعتبر وزنها في المبيعات بالمن وهومائتان وستون درهما على ما تقدم في مكة ويعتبر كيلها بالمد وقياس قماشها بالذراع الشامي وأسعارها نحو أسعارمكة بل ربما كانت مكة أرخى سعرا منها لقربها من ساحل البحر بجدة
وأما إمارتها فإمارة أعرابية كما في مكة من غير فرق
وأما وفود الحجيج عليها فقد جرت العادة أن كل من قصد السبق في العود إلى الديار المصرية من الجند وغيرهم يزور النبي عند ذهاب الركب إلى مكة ثم يعود بعد الحج إلى مصر من غير تعريج على المدينة وباقي الحجيج وأمير الركب لا يأتونها للزيارة إلا بعد انقضاء الحج
واعلم أن كسوة الحجرة الشريفة ليست مما يجدد في كل سنة كما في كسوة الكعبة بل كلما بليت كسوة جددت أخرى ويقع ذلك في كل نحو سبع سنين أو ما قاربها وذلك أنها مصونة عن الشمس بخلاف كسوة الكعبة فإنها بارزة للشمس فيسرع بلاؤها

وقد حكى ابن النجار في تاريخ المدينة أن أول من كسا الحجرة الشريفة الثياب الحسين بن أبي الهيجاء صهر الصالح طلائع بن رزيك وزير العاضد والعاضد آخر الخلفاء الفاطميين عمل لها ستارة من الدبيقي الأبيض عليها الطرز والجامات المرقومة بالإبريسم الأصفر والأحمر مكتوب عليها سورة يس بأسرها والخليفة العباسي يومئذ المستضيء بأمر الله
ولما جهزها إلى المدينة امتنع قاسم بن مهنا أمير المدينة يومئذ من تعليقها حتى يأذن فيه المستضيء فنفذ الحسين بن أبي الهيجاء قاصدا إلى بغداد في استئذانه في ذلك فأذن فيه فعلقت الستارة على الحجرة الشريفة نحو سنتين ثم بعث المستضيء ستارة من الإبريسم البنفسجي عليها الطرز والجامات البيض المرقومة وعلى دور جاماتها مرقوم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعلى طرازها اسم الإمام المستضيء بالله فقلعت الأولى ونفذت إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالكوفة وعلقت ستارة المستضيء مكانها ثم عمل الناصر لدين الله في خلافته ستارة أخرى من الإبريسم الأسود فعلقت فوق تلك ثم عملت أم الخليفة الناصر بعد حجها ستارة على شكل ستارة ابنها المتقدمة الذكر فعلقت فوق الستارتين السابق ذكرهما
قال ابن النجار ولم يزل الخلفاء في كل سنة يرسلون ثوبا من الحريرالأسود عليه علم ذهب يكسي به المنبر قال ولما كثرت الكسوة عندهم أخذوها فجعلوها ستورا على أبواب الحرم ولم يزل الأمر على ذلك إلى حين انقراض الخلافة من بغداد فتولى ملوك الديار المصرية ذلك كما تولوا كسوة الكعبة على ما تقدم ذكره

قلت والستارة الآن من حرير أسود عليها طرز مرقوم بحرير أبيض وآخر من عملها في العشر الأول من الثمانمائة السلطان الملك الظاهر برقوق
وقد ذكر ابن النجار في تاريخ المدينة أيضا أن الناصر لدين الله العباسي كان يرسل في كل سنة أربعة آلاف دينار للصدقة وألفا وخمسمائة ذراع قطن لتكفين من يموت من الفقراء خارجا عما يجهزه للعمارة وما يعده من القناديل والشيرج والشمع والند والغالية المركبة والعود لأجل تبخير المسجد
وذكر عن يوسف بن مسلم أن زيت قناديل مسجد النبي كان يحمل من الشام حتى انقطع في ولاية جعفر بن سليمان الأخيرة على المدينة فجعله على سوق المدينة ثم لما ولي داود بن عيسى في سنة ثمان وسبعين ومائة أخرجه من بيت المال ثم ذكر أنه كان في زمانه في خلافة الناصر لدين الله يصل الزيت من مصر من أوقاف بها سبعة وعشرين قنطارا كل قنطار مائة وثلاثون رطلا بالمصري ومائة وستون شمعة ما بين كبيرة وصغيرة وعلبة فيها مائة مثقال ند

الباب الرابع
من المقالة الثانية
في الممالك والبلدان المحيطة بمملكة الديار المصرية وفيه أربعة فصول
الفصل الأول
في الممالك والبلدان الشرقية عنها وما ينخرط في سلكها من شمال أو جنوب وفيه أربعة مقاصد
المقصد الأول
في الممالك الصائرة إلى بيت جنكزخان وفيه جملتان
الجملة الأول
في التعريف باسم جنكزخان ومصير الملك إليه وما كان له من الأولاد وتقسيمه الملك فيهم
أما اسمه فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ شمس الدين الأصفهاني أن اسمه في الأصل تمرجين وأنه لما عظم شأنه سمي جنكزخان وقد ذكر في مسالك الأبصار عن بعضهم أن الصواب في النطق به جنكص

خان بالصاد بدل الزاي
وأما نسبه فقد ذكر في مسالك الأبصار أيضا أنه جنكزخان بن بيسوكي بن بهادر بن تومان بن برتيل خان بن تومنيه بن بادسنقر بن تيدوان ديوم بن بغا بن بودنجه بن ألان قوا وألان قوا هذه امرأة من قبيلة من التتر تسمى قبات من أعظم قبائلهم شهرة كانت متزوجة بزوج أولدها ولدين اسم أحدهما بكتوت والآخر بلكتوت ومن عقبهما الطائفة المعروفة في قبائل التتر بالدلوكة إلى الآن ثم مات زوج ألان قوا أبو هذين الاثنين وبقيت ألان قوا أيما فحملت فأنكر عليها الحمل وحملت إلى ولي أمرهم حينئذ فسألها ممن حملت فقالت إني كنت جالسة وفرجي مكشوف فنزل نور ودخل في فرجي ثلاث مرات فحملت منه هذا الحمل وأنا حامل بثلاثة ذكور كل مرة من دخول ذلك النور بذكر فأمهلوني حتى أضع فإن وضعت ثلاثة ذكور فاعلموا صدقي وإلا فدونكم وما ترون فأمهلوها حتى ولدت فأتت بثلاثة ذكور فسمت أحدهم يوقن قوتاغي والثاني بوسن ساغي والثالث بودنجر وهو جد جنكزحان وأولاد هذه الثلاثة يعرفون بين التتر بالنورانيين نسبة إلى النور الذي زعمت أنه دخل فرجها فحملت منه قال في مسالك الأبصار وهذه أكذوبة قبيحة وأحدوثة غير صحيحة وإن صحت عن المرأة فلعلها كانت قد سمعت بقصة مريم البتول عليها السلام فاحتالت لسلامة نفسها بالتشبه بشأنها
وأما مصير الملك إليه فقد اختلف فيه على مذهبين أحدهما ما حكاه في مسالك الأبصار عن الصاحب علاء الدين بن عطاء ملك الجويني أنه كان يملك الترك ملك من عظماء الملوك يدعى أزبك خان فتردد إليه جنكزخان في حال صغره وخدمه فتوسم فيه النجابة فقربه وأدناه وزاده في الارتقاء على أقاربه فحسدوه فوشوا به إلى الملك حتى غيروه عليه فأضمر له المكايد وكان بالقرب من أزبك خان ملكهم صغيران يخدمانه فاطلعا على ما

أضمره الملك لجنكزخان وعرفاه ما أضمره الملك له وحذراه وكان جنكزخان قد لف لفيفا عظيما فجمع لفيفه من قبائل التتر وقصد ذلك الملك في جيوشه وكان من أعظم القبائل المجيبة لدعوته قبيلتان إحداهما تدعى إديرات والأخرى فيقورات مع قبيلته قبات المقدم ذكرها فجرد العساكر لأزبك خان وجرت الحرب بينهما فقتل أزبك خان وملك جنكزخان وقرب كلا من الصغيرين وجعل كلا منهما ترخانا وكتب لهما بفراغهما من جميع المؤن والكلف إلى سبعة أبطن من أولادهما
والثاني ما حكاه السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه عن محمد بن أحمد بن علي المنشئي كاتب إنشاء السلطان جلال الدين محمد بن خوارزم شاه أن مملكة الصين كانت منقسمة من قديم الزمان إلى ستة أجزاء كل جزء منها مسيرة شهر يتولى أمر كل جزء منها خان نيابة عن خانهم الأعظم بطمغاج قاعدة الصين إلى أن كان خانهم الأكبر في زمان السلطان خوارزم شاه يسمى الطرخان وكان من جملة الخانات الستة الذين ينوبون عنه شخص يسمى دوشي خان وكان متزوجا بعمة جنكزخان فمات دوشي خان زوج عمة جنكزخان فحضر جنكزخان إلى عمته معزيا وكان يجاور دوشي خان خان من الخانات الستة يسمى أحدهما كشلوخان والآخر قلان فأرسلت زوجة دوشي خان إليهما بنعي زوجها إليهما وتلاطفهما في استقرار جنكزخان ابن أخيها مكانه في الخانية على أن يكونا معاضدين له فأجاباها إلى ذلك فاستقر جنكزخان في الخانية مكان دوشي خان زوج عمته فبلغ ذلك الخان الأعظم الطرخان فأنكر ذلك على كشلوخان وقلان المذكورين فاتصل ذلك بهما فاجتمعا هما وجنكزخان وخلعوا طاعة الطرخان ثم مات أحد الخانين وخلف ابنا اسمه كشلوخان فغلب جنكزخان على ملكه ثم مات الخان الآخر واستقل جنكزخان بالملك ثم غلب على خوارزم شاه ثم على ابنه جلال الدين واستقل بما وراء النهر

وأما أولاد جنكزخان فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الصاحب علاء الدين الجويني المقدم ذكره أنه كان له عدة أولاد ذكور وإناث من الخواتين والسراري وكان أعظم نسائه أو بولي من تيكي ومن رسم المغل تعظيم الولد بنسب والدته وكان له من هذه أربعة أولاد معدين للأولاد الخطيرة هم لتخت ملكه بمنزلة أربع قوائم وهم توشي وجفطاي وهو أصغرهم وأوكداي وأوتكين نويان وأنه جعل موضعه نقطة دائرة ملكه وبنيه حوله كمحيط الدائرة فجعل ابنه أوكداي ولي عهده ورتبة لما يتعلق بالعقل والرأي والتدبير والولاية والعزل واختيار الرجال والأعمال وعرض الجيوش وتجهيزها وكان موضعه في حياة أبيه حدود ايمك وقراباق فلما جلس بعد أبيه على تخت الملك انتقل إلى الموضع الأصلي بين الخطا وبلاد الايغور وأعطى ذلك الموضع لولده كيوك وجعل لابنه أوتكين حدود بلاد الخطا وعين لابنه الكبير توشي حدود قيالق و ( ) إلى أقصى سفسفين ( ) وبلغار ورتبه على الصيد والقنص وجعل لابنه جفطاي حدود بلاد الأيغور إلى سمرقند وبخارا ورتبه لتنفيذ النائبات والأمور والمقابلات وما أشبه ذلك قال ابن عطاء ملك وكانت أولاده وأحفاده تزيد على عشرة آلاف
وذكر عن الشيخ شمس الدين الأصفهاني أن جنكزخان أولد أربعة أولاد وهم جوجي وهو أكبرهم وكداي وطولي وأوكداي فقتل جوجي في حياة أبيه وخلف أولادا قال ابن الحكيم الطياري وهم باتو ويقال باطو وأورده وبركه وتولي وحمتي قال الشيخ شمس الدين المذكور والمشهور باتو وبركة

وأوصى بأن يكون تخته لولده الصغير أوكداي وأن تكون مملكة ما وراء النهر وما معه لولده الآخر كداي وجعل لابنه جوجي دشت القبجاق وما معه وأضاف إليه إيران وتبريز وهمذان ومراغة ولم يحصل لطولي شيء فلما مات جنكزخان استقل أوكداي بتخت أبيه واستقل جوجي بدشت القبجاق وما معه واستقل باتو ابن جوجي فيما جعله جده جنكزخان لأبيه جوجي من إيران وتبريز وما مع ذلك ولم يتمكن كداي من مملكة ما وراء النهر ثم مات أوكداي مالك التخت وملك بعده ولده كيوك وكان جبارا قوي النفس فحكم على بني أبيه فقهرهم وانتزع ما بيد باتو بن جوجي من إيران وسائر ما معها وأقام بها أميرا اسمه الجكراي ثم جرى بينهم اختلاف كان آخر الأمر فيه أن أمسك الجكراي وقتل وحمل إلى باتو بن جوجي وطبخه وأكله فبلغ ذلك كيوك صاحب التخت فشق عليه وجمع ستمائة ألف فارس وجمع باتو للقائه وسار كل منهما لمحاربة الآخر حتى كان بينهما عشرة أيام مات كيوك فكتب خواتينه إلى باتو يعلمونه بموته ويسألونه في أن يكون عوضه على تخت جنكزخان فلم يرض ذلك وميز له منكوتان بن تولي بن جوجي بن جنكزخان وجهز معه إخوته قبلاي خان وهولاكو ولدا تولي ووجه معهم باتو أخاه بركة بن جوجي في مائة ألف فارس للجلسة على التخت ثم يعود فتوجه بركة بمنكوتان فأجلسه على التخت ثم عاد فمر في طريقه ببخارا فاجتمع فيها بالشيخ شمس الدين الباخرزي من أصحاب شيخ الطريقة نجم الدين كيزي وحادثه فحسن موقع كلامه منه فأسلم على يده وهو اول من أسلم من بيت جنكزخان وأشار الباخرزي على بركة بموالاة المستعصم خليفة بني العباس ببغداد يومئذ فكاتبه وهاداه وترددت الرسل والمكاتبات بينهما ثم أن منكوتان بعد استقلاله بتخت جده جنكزخان ملك أولاد جفطاي مملكة ماوراء النهر تنفيذا لما كان جنكزخان أوصى به لأبيهم جفطاي كما تقدم ومات دونه وعلت كلمة منكوتان صاحب التخت ووصلت إليه كتب أهل قزوين وبلاد الجبال يشكون من سوء مجاورة الملاحدة وهم الإسماعيلية فجهز إليهم منكوتان أخاه مكوقان لقتال

الملاحدة وأخذ قلاعهم وأن يضم إلى ذلك بلاد الخليفة المستعصم فبلغ ذلك بركة بن جوجي فشق عليه لصداقته مع الخليفة وكلم أخاه باتو في ذلك فكتب باتو إلى هولاكو يمنعه من التعرض لممالك الخليفة فوافاه الكتاب قبل أن يعبر نهر جيحون فأقام هناك سنتين حتى مات باتو وتسلطن أخوه بركة بعده فكتب هولاكو إلى أخيه منكوتان يستأذنه في إنفاذ ما كان عزم عليه من أخذ ممالك الخليفة وحسن له ذلك فلم يأذن له فيه فأصر هولاكو على عزمه فأوقع بالملاحدة وقتل جماعة اتهمهم بممالأة بركة واشتد في البلاد وقصد دشت القبجاق بلاد بركة فدهمه بركة بعساكره فكانت الدائرة على هولاكو فكر راجعا ودخل بلاد الخليفة وقبض عليه وقتله وملك بلاده وكان أمر الله قدرا مقدورا

الجملة الثانية في عقيدة جنكزخان وأتباعه في الديانة إلى أن أسلم من أسلم
منهم وما جرت عليه عادتهم في الآداب وحالهم في طاعة ملوكهم
أما عقيدتهم فقد قال الصاحب علاء الدين بن عطاء ملك الجويني إن الظاهر من عموم مذاهبهم الإدانة بوحدانية الله تعالى وأنه خلق السموات والأرض وأنه يحيي ويميت ويغني ويفقر ويعطي ويمنع وأنه على كل شيء قدير وأن منهم من دان باليهودية ومنهم من دان بالنصرانية ومنهم من اطرح الجميع ومنهم من تقرب بالأصنام قال ومن عادة بني جنكزخان أن كل من انتحل منهم مذهبا لم ينكره الآخر عليه ثم الذي كان عليه جنكزخان في التدين وجرى عليه أعقابه بعده الجري على منهاج ياسة التي قررها وهي قوانين خمنها من عقله وقررها من ذهنه رتب فيها أحكاما وحدد فيها حدودا بما وافق القليل منها الشريعة المحمدية وأكثرها مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى وقد اكتتبها وأمر أن تجعل في خزانته تتوارث عنه في أعقابه وأن يتعلمها صغار أهل بيته
منها أن من زنى قتل ومن أعان أحد خصمين على الآخر قتل ومن بال في

الماء قتل ومن أعطي بضاعة فخسر ثم أعطي ثانيا فخسر ثم أعطي ثالثا فخسر قتل ومن وقع حمله أو قوسه فمر عليه غيره ولم ينزل لمساعدته قتل ومن وجد أسيرا أو هاربا أو عبدا ولم يرده قتل ومن أطعم أسير قوم أو سقاه أو كساه بغير إذنهم قتل إلى غير ذلك من الأمور التي رتبها مما هم دائنون به إلى الآن وربما دان به من تحلى بحلية الإسلام من ملوكهم ومن معتقدهم في ذبح الحيوان أن تلف قوائمه ويشق جوفه ويدخل أحدهم يده إلى قلبه فيمرسه حتى يموت أو يخرج قلبه ومن ذبح ذبحة المسلمين ذبح
وأما عاداتهم في الأدب فكان من طريق جنكزخان أن يعظم رؤساء كل ملة ويتخذ تعظيمهم وسيلة إلى الله تعالى ومن حال التتر في الجملة إسقاط المؤن والكلف عن العلويين وعن الفقهاء والفقراء والزهاد والمؤذنين والأطباء وأرباب العلوم على اختلافهم ومن جرى هذا المجرى
ومن آدابهم المستعملة أن لا يأكل أحد من يد أحد طعاما حتى يأكل المطعم منه ولو كان المطعم أميرا والآكل أسيرا ولا يختص أحد بالأكل وحده بل يطعم كل من وقع بصره عليه ولا يمتاز أمير بالشبع من الزاد دون أصحابه بل يقسمونه بالسوية ولا يخطوا أحد موقد نار ولا طبقا رآه ومن اجتاز بقوم يأكلون فله أن يجلس إليهم ويأكل معهم من غير إذن وأن لا يدخل أحد يده في الماء بل يأخذ منه ملء فيه ويغسل يديه ووجهه ولا يبول أحد على الرماد ويقال إنهم كانوا لا يرون غسل ثيابهم البتة ولا يميزون بين طاهر ونجس
ومن طرائقهم أنهم لا يتعصبون لمذهب وأن لا يتعرضوا لمال ميت أصلا

ولو ترك ملء الأرض ولا يدخلونه خزانة السلطان
ومن عاداتهم أنهم لا يفخمون الألفاظ ولا يعظمون في الألقاب حتى يقال في مراسيم السلطان القان بكذا من غير مزيد ألقاب
وأما حالهم في طاعة ملكهم فإنهم من أعظم الأمم طاعة لسلاطينهم لا لمال ولا لجاه بل ذلك دأب لهم حتى إنه إذا كان أمير في غاية من القوة والعظمة وبينه وبين السلطان كما بين المشرق والمغرب متى أذنب ذنبا يوجب عقوبة وبعث السلطان إليه من أخس أصحابه من يأخذه بما يجب عليه ألقى نفسه بين يدي الرسول ذليلا ليأخذه بموجب ذنبه ولو كان فيه القتل
ومن طريق أمرائهم أنه لا يتردد أمير إلى باب أمير آخر ولا يتغير عن موضعه المعين له فإن فعل ذلك عوقب أو قتل وإذا عرضوا آلات الحرب على أمرائهم وفوا في العرض حتى بالخيط والإبرة ورعاياهم قائمون بما يلزمون به من جهة السلطان طيبة به نفوسهم وإن غاب أحد من الرجال قام النساء بما عليهم

المهيع الثاني في ذكر ممالك بني جنكزخان على التفصيل وهي مملكتان المملكة
الأولى مملكة أيران
بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة تحت والراء المهملة وألف ثم نون وهي مملكة الفرس وتعرف بأيران بن أشور بن سام بن نوح عليه السلام وهو

أول من ملكها وأضيفت إليه وعرفت به قال في التعريف وهي مملكة الأكاسرة ثم قال وهي من الفرات إلى نهر جيحون حيث بلخ ومن البحر الفارسي وما صاقبه من البحر الهندي إلى البحر المسمى بالقلزم بحر طبرستان وهي المملكة الصائرة إلى بيت هولاكو قال وقد دخل فيها مملكة الهياطلة وهي مملكة مازندران وما يليها إلى آخر كيلان وطبرستان واقعة بين مازندران وكيلان ومازندران الآخذة شرقا وكيلان الآخذة غربا
وقال في مسالك الأبصار هذه المملكة طولا من نهر جيحون المحيط بآخر خراسان إلى الفرات القاطع بينها وبين الشام وعرضها من كرمان المتصل بالبحر الفارسي المنقسم من البحر الهندي إلى نهاية ما كان بيد بقايا الملوك السلجوقية بالروم على نهاية حدود العلايا وأنطاليا من البحر الرومي قال ويفصل في الجانب الشمالي بين هذه المملكة وبين بلاد القبجاق النهر المجاور لباب الحديد المسمى باللغة التركية دقرقبو وبحر طبرستان المسمى بحر الخزر ثم قال وأخبرني الفاضل نظام الدين أبو الفضل يحيى بن الحكيم الطياري أن هذه المملكة تكاد تكون مربعة فيكون طولها بالسير المعتاد أربعة أشهر وعرضها أربعة أشهر وهي من أجل ممالك الأرض وأوسطها في الطول والعرض متوسطة في الطول والعرض وإذا أنصفت كانت هي قلب الدنيا على الحقيقة ذات أقاليم كثيرة ومدن كبيرة مشتملة على رساتيق وأعمال وخطط وجهات وهي ممتدة من بلاد الشأم وما على سمتها إلى بلاد السند والهند وما والاهما
ولها جانبان جنوبي وشمالي

الجانب الأول الجنوبي
ويشتمل على ستة أقاليم
الإقليم الأول الجزيرة الفراتية
وهي أقرب أقطار هذه المملكة لمملكة الديار المصرية والشامية لمجاورتها

بلاد الشام قال في تقويم البلدان ويحيط بها الفرات من حدود بلاد الروم وهو طرف الحد الغربي الجنوبي للجزيرة فيمتد الحد الجنوبي الغربي مع الفرات إلى ملطية إلى شمشاط إلى قلعة الروم إلى البيرة إلى قبالة منبج إلى السن إلى الرقة إلى قرقيسيا إلى الرحبة إلى هيت إلى الأنبار ثم يخرج الفرات عن تحديد الجزيرة ويعطف الحد من الأنبار إلى تكريت وهي على نهر دجلة إلى بالس إلى الحديثة على دجلة إلى الموصل ثم يعطف من الموصل إلى جزيرة ابن عمر إلى آمد ثم يصير الحد غربيا ممتدا بعد أن يتجاوز آمد على حدود إرمينية إلى حدود بلاد الروم إلى الفرات عند ملطية من حيث وقع الابتداء قال فعلى هذا يكون بعض إرمينية وبعض الروم غربي الجزيرة وبعض الشام وبعض البادية جنوبيها والعراق شرقيها وبعض إرمينية شماليها قال في تقويم البلدان وتشتمل الجزيرة على ديار ربيعة وديار مضر يعني بالضاد المعجمة وبعض ديار بكر وهم القبائل الذين كانوا ينزلونها في القديم على ما تقدم ذكره في الكلام على أحوال العرب في المقالة الأولى
قال في مسالك الأبصار وقد كانت هذه الجزيرة مجموعها مملكة جليلة باقية بذاتها في الدولة الأتابكية يعني دولة الأتابك زنكي صاحب الموصل والد نور الدين الشهيد صاحب دمشق وقاعدتها الموصل قال في اللباب بفتح الميم وسكون الواو وكسر الصاد المهملة ولام في الآخر وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وثلاثون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وهي على دجلة من الجانب الغربي ويقابلها من الجانب الشرقي مدينة نينوى التي بعث يونس عليه السلام إلى أهلها وهي الآن خراب وفي جنوبي الموصل مصب الزاب الأصغر في دجلة وهي في مستو من الأرض ولها سوران قد خرب بعضهما وسورها أكبر من سور دمشق قال المؤيد صاحب حماة والعامر منها في زماننا نحو ثلثيها ولها قلعة قد صارت في جملة الخراب قال قاضي القضاة

ولي الدين بن خلدون وهي قاعدة ملك قديم يعرف قديما بمملكة الجرامقة وكانت قد صارت إلى عماد الدين زنكي والد نور الدين الشهيد ثم اتفق بها الحال إلى أن دخلت في مملكة التتر من بني هولاكو قال ابن خرداذبة في كتابه في المسالك والممالك ومن أقام بها سنة ثم عقله وجده قد نقص وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية وذكرها في التثقيف وذكر أنه كان بها الأمير أردبغا قبل أن يحصل عليها من بيرم خواجا ثم أبو القان أويس
ثم بها عدة مدن وقلاع مشهورة
منها ماردين قال في اللباب بفتح الميم وسكون الألف وكسر الراء والدال المهملتين ثم ياء مثناة من تحتها ونون وهي قلعة بديار ربيعة من هذه الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع قال في الأطوال حيث الطول أربع وستون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي على جبل عال من الأرض إلى ذروته نحو فرسخين قال ابن حوقل وهي قلعة منيعة لا يستطاع فتحها عنوة وبجبلها جواهر الزجاج وبه حيات تفوق غيرها بسرعة القتل
واعلم أن ماردين هذه بيد ملوكها من بني أرتق لها بيدهم الأمد الطويل لم تزل أيديهم عنها مذ ملكوها قال القاضي ولي الدين بن خلدون في تاريخه وأول من ملكها منهم ياقوتي بن أرتق بعد السبع والأربعمائة تملكها من يد مغن كان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي أقطعها له ثم ملكها بعد ياقوتي المذكور أخوه علي ثم عمه سقمان ثم أخوه إيلغازي ثم ابنه حسام الدين تمرتاش ثم

ابنه قطب الدين البي ثم ابنه نظام الدين إيلغازي ثم ابنه حسام الدين بولق أرسلان ثم أخوه ناصر الدين أرتق أرسلان بن إيلغازي ثم ابنه نجم الدين غازي ثم أخوه قرا أرسلان ثم ابنه شمس الدين داود ثم أخوه نجم الدين غازي وتلقب بالمنصور وهو أول من تلقب بألقاب السلطنة منهم ثم ابنه شمس الدين صالح وتلقب بالصالح ثم ابنه أحمد وتلقب بالمنصور ثم ابنه محمود وتلقب بالصالح ثم ابنه فخر الدين داود وتلقب بالمظفر ثم ابنه نور الدين عيسى وتلقب بالظاهر وهو القائم بملكها إلى الآن وهو الظاهر عيسى بن المظفر داود بن الصالح محمود بن المنصور أحمد بن الصالح صالح ابن المنصور غازي بن المظفر قرا أرسلان بن المنصور أرتق أرسلان بن بولق أرسلان بن إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق
ولما ملك هولاكو بغداد وأعمالها كان القائم بملك ماردين يومئذ المظفر قرا أرسلان فأعطاه الطاعة وخطب له في جميع أعماله وتبعه على ذلك من بعده من ملوكها إلى حين موت القان أبي سعيد من بقايا الملوك الهولاكوية فقطع الخطبة لصاحب بغداد وما معها وخطب لنفسه والأمر على ذلك إلى الآن وملوكها موادون لملوك الديار المصرية والمكاتبات بينهم متواصلة
ومنها حصن كيفا قال في تقويم البلدان بحاء وصاد مهملتين ثم نون ثم كاف وياء مثناة من تحت وفاء وألف وهي مدينة من الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع قال في الأطوال حيث الطول أربع وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال في اللباب وهي من ديار بكر قال في المشترك وهي على دجلة بين جزيرة ابن عمر وبين ميا فارقين قال في اللباب والنسبة إليها حصكفي بفتح الحاء وسكون الصاد وفتح الكاف وفاء ثم ياء النسب قال في التعريف وملكها من بقايا الملوك الأيوبية وممن ينظر إليه ملوك مصر بعين الإجلال لمكان ولائهم

القديم لهم واستمرار الوداد الآن قال في التثقيف وأخبرني المقر السيفي منجك كافل الممالك الشريفة أن الملك الناصر محمد بن قلاوون كان يعظم سلفه فإنه كان أستاذ قلاوون والده قال في التعريف وكان آخر وقت منهم الملك الصالح قصد الأبواب السلطانية فلما أتى دمشق عقبته الأخبار بأن أخاه قد ساور سريره وقصد بسلطته سلطانه فكر راجعا ولم يعقب فما لبثت الأخبار أن جاءت بأنه حين صعد قلعته وكر نحو سريره رجعته وثب عليه أخوه المتوثب فقتله وسفك دمه ثم أظهر عليه ندمه وكتب إلى السلطان فأجيب بأجوبة دالة على عدم القبول لأعذاره والسرائر مكدرة والخواطر بعهضا من بعض منفرة وذكر في التثقيف أن الذي اتضح له آخرا في رمضان سنة ست وسبعين وسبعمائة أن صاحبها الملك الصالح سيف الدين أبو بكر ابن الملك العادل شهاب الدين غازي ابن الملك العادل مجد الدين محمد ابن الملك الكامل سيف الدين أبي بكر ابن الملك الموحد تقي الدين عبد الله ابن الملك المعظم سيف الدين توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ثم قال وما يبعد أن الصالح المذكور هو ابن عم العادل مجد الدين محمد وأن العادل غازي لا حقيقة له ثم قال وهو غلط لأن المستقر إلى آخر سنة ثنتين وستين وسبعمائة وما بعدها بمدة هو العادل مجد الدين وكتبت إليه في هذه المدة بهذا الاسم واللقب ولم يبلغنا أنه استقر بعده سوى ولده ثم نقل أنه الصالح ونقل الناقل أنه ابن العادل وهو صحيح لكنه قال إن اسمه شهاب الدين غازي بن العادل مجد الدين وفيه بعد كون الولد يلقب بلقب والده الملوكي انتهى كلامه
قلت والذي أخبرني به بعض قصاد صاحبها في سنة تسع وتسعين وسبعمائة أن الملك القائم بها يومئذ اسمه سليمان بن داود وذكر لي لقبه الملوكي فنسيته وذكر أنه يقول الشعر وأحضر معه بيتا مفردا من نظمه وهو
( وجارية تعير البدر نورا ... ولولا نورها عاد الظلام )

فنظمت له أبياتا وبعثت بها إليه صحبة قاصده أولها
( سليمان الزمان بحصن كيفا ... له في الملك آثار كرام )
( زكا أصلا فطاب الفرع منه ... وطاب الغصن إذ طاب الكمام )
( بنو أيوب أبقوا منه ذخرا ... ونعم الذخر والقيل الهمام )
وأثبت البيت الذي قاله في آخر هذه
ومنها حران قال في المشترك بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين وفي آخرها نون بعد الألف وهي مدينة من ديار مضر من الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول ثلاث وستون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وكانت حران مدينة عظيمة أما اليوم فخراب قال ابن حوقل وهي مدينة الصابئين وبها سدنتهم السبعة عشر وبها تل عليه مصلى للصابئين يعظمونه وينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام وهي قليلة الماء والشجر قال في العزيزي والجبل منها في سمت الجنوب والشرق على فرسخين وتربتها حرماء وشرب أهلها من قناة تجري من العيون خارج المدينة ومن الآبار وحاكمها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي في المكاتبات إن شاء الله تعالى
ومنها شمشاط قال في اللباب بكسر الشين المعجمة وسكون الميم وفتح الشين الثانية ثم ألف فطاء مهملة وهي بلدة من ديار مضر وقيل من ديار بكر من بلاد الجزيرة من الإقليم الرابع قال في رسم المعمور حيث الطول اثنتان وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في اللباب وهي بلدة الثغور الجزيرية بين آمد وبين خرت برت وقال ابن حوقل هي بنحر الجزيرة وبها حاكم يكاتب عن

الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها حيزان قال في اللباب بكسر الحاء المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الزاي المعجمة وألف ونون وهي مدينة من ديار بكر من الجزيرة من الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها خمس وستون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال في اللباب وهي كثيرة الأشجار خصوصا شجر البندق قال وهي بين جبال ولها مياه سارحة وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية وذكر في التثقيف أنه كان اسمه في زمانه عز الدين ثم استقر بعده ابنه أسد الدين
ومنها رأس عين قال في تقويم البلدان بفتح الراء المهملة ثم سين وعين مفتوحة مهملتان ومثناة تحت ونون في الآخر وتسمى عين وردة أيضا وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة في مستو من الأرض قال ابن حوقل يخرج منها فوق ثلثمائة عين كلها صافية ويصير من هذه الأعين نهر الخابور ووهم السمعاني فجعلها منبع دجلة قال في العزيزي وهي أول مدن ديار ربيعة من جهة ديار مضر وذكر السمعاني أنها من ديار بكر وأنكره ابن الأثير وقال ليست من ديار بكر بل هي من الجزيرة قال في اللباب وهي على يومين من حران النسبة إليها رسعني وإليها ينسب الرسعني المفسر
ومنها ميا فارقين قال في اللباب بفتح الميم وتشديد المثناة من تحتها وسكون الألفين بينهما فاء مفتوحة وبعدهما راء مهملة ثم قاف وياء آخر الحروف ونون وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول خمس وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال ابن سعيد وهي قاعدة

ديار بكر وقال ابن حوقل هي بين الجزيرة وبين إرمينية قال في اللباب وعليها سور حجر دائر وهي بدون حماة في القدر وهي في ذيل جبل في شماليها وهي في ذيله قال في اللباب والمياه والبساتين محدقة بها ولها نهر صغير على شوط فرس منها من عين تسمى عين حنبوص بين الغرب والشمال تتخرق دورها وتسقي بساتينها وبينها وبين الموصل على حصن كيفا نحو ستة أيام وعلى ماردين نحو ثمانية أيام والنسبة إليها فارقي قال في اللباب أسقطوا بعضها لكثرة حروفها وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها قرقيسيا قال في تقويم البلدان المشهور بفتح القاف الأولى وكسر الثانية وبينهما راء مهملة ساكنة ثم ياء آخر الحروف ساكنة ثم سين مهملة ثم ياء ثانية وألف وهي مدينة من ديار مضر من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول أربع وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة قال في اللباب وهي على الفرات والخابور على القرب من الرقة قال في العزيزي وهي شرقي الفرات والخابور الخارج من رأس عين فيصب في الفرات على القرب منها قال وهي مدينة الزباء صاحبة جذيمة الأبرش يعني التي قتلته قال في اللباب وبها مات جرير بن عبد الله البجلي الصحابي رضي الله عنه قال والنسبة إليها قرقيسياني وقد تحذف النون وتجعل الياء عوضها
ومنها ماكسين قال في اللباب بفتح الميم وسكون الألف وكسر الكاف والسين المهملة وسكون المثناة من تحت ونون في الآخر وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في اللباب وهي على الخابور قال في العزيزي وبينها وبين قرقيسيا سبعة فراسخ وبينها وبين سنجار اثنان وعشرون فرسخا

ومنها نصيبين قال في اللباب بفتح النون وكسر الصاد المهملة وسكون المثناة من تحتها ثم باء موحدة وياء ثانية ونون وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع قال ابن سيعد وهي قاعدة ديار ربيعة قال وهي مخصوصة بالورد الأبيض لا يوجد فيها وردة حمراء وفي شماليها جبل عظيم يقال إنه الجودي الذي استقرت عليه سفينة نوح عليه السلام ومنه ينزل نهرها حتى يمر على سورها وعليه بساتينها ونهرها يسمى الهرماس وبها عقارب قتالة
ومنها جزيرة ابن عمر وضبطها معروف وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وستون درجة وعشر دقائق والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي مدينة صغيرة على دجلة من غربيها ذات بساتين كثيرة وقال في المشترك هي في شمالي الموصل ودجلة محيطة بها مثل الهلال وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها سنجار قال في اللباب بكسر السين المهملة وسكون النون وفتح الجيم وألف وراء مهملة وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول ست وستون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال ابن سعيد وهي في جنوبي نصيبين وهي من أحسن المدن وجبلها من أخصب الجبال قال ابن حوقل وهي في وسط برية ديار ربيعة بالقرب من الجبل والجبل من عاليها وليس بالجزيرة بلد فيه نخيل سواها وهي في جهة الغرب عن الموصل على ثلاث مراحل عنها وهي على قدر المعرة من البلاد الشامية ولها قلعة وبساتين كثيرة وشربها من القني وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها تل أعفر وضبط التل معروف وأعفر بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الفاء وراء مهملة في الآخر وهي من الجزيرة من الإقليم الرابع من

الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وستون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في المشترك وتل أعفر قلعة بين سنجار وبين الموصل وذكر في تقويم البلدان عن بعض أهلها أنها غربي الموصل فيما بينها وبين سنجار وربما تكون إلى سنجار أقرب وذكر في العزيزي أن بينها وبين سنجار خمسة فراسخ ولها أشجار كثيرة وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها الحديثة قال في تقويم البلدان بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين ثم مثناة من تحت وثاء مثلثة وهاء في الآخر وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال في المشترك وهي في وسط الفرات والماء محيط بها وتعرف بحديثة النورة وهي غير حديثة الموصل بليدة صغيرة إلا أن لها ذكرا في القديم قال في المشترك وهي على فراسخ من الأنبار وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها عانة قال في اللباب بفتح العين المهملة وألف ونون وهاء في الآخر وهي بلدة من بلاد الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وهي بلدة صغيرة على جزيرة في وسط الفرات قال في اللباب وهي تقارب الحديثة وقال ابن حوقل يطوف بها خليج من الفرات قال ابن سعيد وخمرها مذكور في الأشعار واستشهد بقول بعض الشعراء
( ومن عانة أم من مراشفك الخمر ... )
وكثيرا ما تقرن في الذكر مع الحديثة لقربها فيقال عانة والحديثة وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية

ومنها آمد قال في اللباب بمد الألف وكسر الميم وفي آخرها دال مهملة وهي مدينة من ديار بكر من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة قال في تقويم البلدان وهي مدينة أزلية على الدجلة قال ابن حوقل وعليها سور في غاية الحصانة قال في العزيزي وسورها من الحجارة السود التي لا يعمل فيها الحديد ولا تضر بها النار وهو مشتمل عليها وعلى عيون ماء ولها بساتين ومزارع كثيرة قال ابن حوقل وهي كثيرة الخصب
ومنها سعرت قال في تقويم البلدان نقلا عن صالح بكسر السين والعين وسكون الراء المهملات وفي آخرها مثناة من فوق وقيل إسعرد بكسر الهمزة وسكون السين وكسر العين وسكون الراء المهملات ودال مهملة في الآخر وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في تقويم البلدان وهي مبنية على جبل تحيط بها الوطاة على القرب من شط دجلة من جهة الشمال والشرق وهي في المقدار اكبر من المعرة وبها الأشجار الكثيرة من التين والرمان والكروم جميع ذلك عذي لا يسقى وشرب أهلها من بئار قريبة من وجه الأرض وهي عن ميافارقين على مسيرة يوم ونصف في جهة الجنوب وعن آمد على مسيرة أربعة أيام في جهة الشمال منها وعن الموصل على خمسة أيام في جهة الشرق والشمال عنها
ومنها تكريت قال في اللباب بكسر المثناة من فوق وسكون الكاف وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة من تحت في آخرها تاء مثناة من فوق وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة واثنتا عشرة دقيقة قال في تقويم البلدان وهي آخر مدن الجزيرة مما يلي العراق

على غربي دجلة في بر الموصل قال في اللباب وسميت تكريت بتكريت بنت وائل أخت بكر بن وائل
أما قلعتها فبناها سابور بن أردشير بن بابك وهي الآن خراب قال ابن سعيد وفي جنوبيها وشرقيها النهر الإسحاقي حفرة إسحاق بن إبراهيم صاحب شرطة المتوكل وهو أول حدود سواد العراق وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها برقعيد بفتح الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف وكسر العين المهملة وسكون المثناة من تحتها ودال مهملة في الآخر قال في العزيزي وهي مدينة لها سور وأسواق كثيرة
ومنها العمادية بكسر العين المهملة وفتح الميم وبعدها ألف ثم دال مهملة مكسورة وياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في الآخر قال في تقويم البلدان وهي قلعة عامرة على ثلاث مراحل من الموصل في الشرق والشمال وهي على جبل من الصخر وتحتها مياه جارية وبساتين وهي في جهة الشمال عن إربل بناها عماد الدين زنكي صاحب الوصل فنسبت إليه وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بديار المصرية
ومنها قلعة كشاف قال في تقويم البلدان بضم الكاف وبالشين المعجمة ثم ألف وفاء في الآخر وهي قلعة عامرة بين الزاب والشط قريبة من مصبه في الشط وهي في الشرق والجنوب عن الموصل قلت وقد ذكرها في تقويم البلدان أولا في جملة بلاد الجزيرة ووصفها بهذا الوصف ولم يضبطها ثم ذكرها في بلاد الجبل المعروفة بعراق العجم بهذا الوصف أيضا وضبطها على ما تقدم والظاهر أنها من بلاد الجزيرة وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية

ومنها قلعة فنك قال في تقويم البلدان نقلا عن أبي المجد في كتاب التمييز بفتح الفاء والنون وهي قلعة حصينة فويق جزيرة ابن عمر
ومنها الشوش قال في المشترك بضم الشين المعجمة وسكون الواو ثم شين ثانية قال وهي قلعة مشهورة من أعمال الموصل في الجبال شرقي دجلة وإليها ينسب حب الرمان الشوشي
ومنها عقر الحميدية قال في المشترك بفتح العين المهملة وسكون القاف ثم راء مهملة وهي قلعة حصينة مشهورة والحميدية قبيلة من الأكراد بتلك البلاد
ومنها الهتاخ قال في مزيل الارتياب بفتح الهاء وتشديد التاء المثناة من فوقها وفتحها وبعد الألف خاء معجمة قال في تقويم البلدان وهي قلعة حصينة
ومنها حاني قال في اللباب على وزن داعي يعني بفتح الحاء المهملة وبعدها ألف ثم نون مكسورة وياء مثناة تحت في الآخر قال هذا ما تعرف به الآن ولكن السمعاني قد قال فيها حنا بفتح الحاء المهملة والنون وهي مدينة من ديار بكر من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية معدود في الأكراد
واعلم أن هذه الجزيرة مجاورة لمملكة الديار المصرية من حيث اتصالها بالبلاد الشامية من الجهة الشرقية وقد تقدم أن بعض بلادها داخلة في أعمال حلب من ممالك الديار المصرية كالرها وقلعة جعبر وما والاهما والمسافة ما بين

حلب والرها معلومة ومن الرها إلى حران يوم واحد ومن حران إلى رأس عين ثلاثة أيام ومن رأس عين إلى نصيبين ثلاث مراحل ومن نصيبين إلى الموصل أربع مراحل وقد تقدم أن الموصل هي قاعدة الجزيرة في القديم ومن الموصل إلى تكريت سبعة أيام وقد تقدم أن تكريت هي آخر مدن الجزيرة مما يلي العراق ومن الموصل أيضا إلى آمد أربعة أيام ومن آمد إلى شمشاط ثلاثة أيام

الإقليم الثاني العراق
قال في اللباب بكسر العين وفتح الراء المهملتين ثم ألف وقاف قال الجوهري وهو يذكر ويؤنث قال أبو المجد إسماعيل الموصلي في كتابه المسمى بالتمييز والفصل وإنما سمي عراقا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر أخذا من عراق القربة وهو الخرز الذي في أسفلها ويعرف بعراق العرب لأن العرب كانت تنزله لقربه من بلادهم قال في تقويم البلدان ويحيط به من جهة الغرب الجزيرة والبادية ومن الجنوب البادية وبحر فارس وحدود خوزستان ومن الشرق حدود بلاد الجبال إلى حلوان ومن الشمال من حلوان إلى الجزيرة من حيث وقع الابتداء
قال والعراق على ضفتي دجلة مثل ما بلاد مصر على ضفتي النيل ويجري دجلة من الشمال بميلة إلى الغرب إلى الجنوب بميلة إلى الشرق وامتداد العراق طولا وشمالا وجنوبا من الحديثة على دجلة إلى عبادان على مصب دجلة في بحر فارس وامتداده غربا وشرقا من القادسية إلى حلوان فالحديثة في وسط الحد الشمالي بميله إلى الغرب والقادسية في وسط الحد الغربي بميلة إلى الجنوب وعبادان في وسط الحد الجنوبي بميلة إلى الشرق وحلوان في وسط الحد الشرقي بميلة إلى الشمال ووسط العراق الذي من القادسية إلى حلوان هو أعرض ما في

العراق وأما رأس العراق الذي عند عبادان فيدق عن ذلك ثم قال والذي يستدير على العراق يعني والعراق على شماله إذا ابتدأ من تكريت من بلاد الجزيرة المتقدمة يمر منها إلى حدود شهرزور وهي بين الشرق والشمال عن العراق ثم إلى السيروان وهي في الشرق إلى حدود جبا وهي في الشرق والجنوب ثم إلى البحر يعني بحر فارس وهو في الجنوب عن العراق وفي هذا الحد من تكريت إلى البحر تقويس ثم من البحر إلى البصرة وهي في الجنوب عن العراق ثم من البصرة إلى البادية على سواد البصرة ثم إلى بطائح البصرة ثم إلى واسط ثم إلى سواد الكوفة وبطائحها ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار ثم من الأنبار إلى تكريت حيث وقع الابتداء
ثم للمدن قواعد ومدن

القاعدة الأولى بابل
بفتح الباء الموحدة ثم ألف وباء موحدة ثانية مكسورة ولام في الآخر وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول سبعون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال ابن حوقل وهي أقدم ابنية العراق وإليها ينسب إقليم بابل لقدمها وكانت ملوك الكنعانيين وغيرهم يقيمون بها قال في تقويم البلدان وبها آثار أبنية أحسبها ان تكون في قديم الأيام مصرا عظيما ويقال إنها من بناء الضحاك أحد ملوك الفرس الذي ملك الأقاليم السبعة قال وفيها ألقي إبراهيم الخليل عليه السلام في النار وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز أن بها هاروت وماروت الملكين اللذين يعلمان الناس السحر ويقال إنهما بها في بئر وإن البئر ظاهرة بها إلى الآن قال صاحب حماة وهي اليوم مدينة خراب وقد صار في موضعها قرية صغيرة

القاعدة الثانية المدائن
جمع مدينة وضبطها معروف قال في تقويم البلدان واسمها بالفارسية طيسفون بفتح الطاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح السين المهملة وضم الفاء وبعدها واو ونون ثم قال وكل ذلك سماعا وقد تبدل الفاء باء وهي واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبعون درجة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وعشر دقائق قال في تقويم البلدان وهي على دجلة من شرقيها تحت بغداد على مرحلة منها قال في العزيزي والمدائن في جنوبي بغداد وكان بالمدينة الكبرى منها إيوان كسرى في شرقي دجلة ارتفاعه ثمانون ذراعا ونقل في تقويم البلدان عن بعض الثقات في سعته من ركنه إلى ركنه خمسة وتسعون ذراعا وكانت هي قاعدة ملوك الفرس فلما ولد النبي انشق هذا الإيوان ثم خرب هو وسائر المدائن في الإسلام
القاعدة الثالثة بغداذ
قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وفتح الدال المهملة وفي آخرها ذال معجمة وموقعها في آخر الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول سبعون درجة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال في تقويم البلادن وسميت بغداد بهذا الاسم لأن كسرى أهدي إليه خصي من المشرق فأقطعه بغداذ وكان له صنم يعبده بالمشرق يقال له البغ فقال ذلك الخصي بغ داذ يعني أعطاني الصنم وكان عبد الله بن المبارك يكره أن يقال لها بغداذ بالذال المعجمة في آخرها فإن بغ شيطان وداذ عطية فمعناه عطية الشيطان وهو شرك قال وإنما يقال بغداد بالدالين المهملتين وقد قال بعضهم إن بغ بالفارسية البستان وداذ بإهمال الأولى وإعجام الثانية اسم

رجل ومعناه بستان داذ ويقال فيها أيضا بغدان بإبدال الدال الأخيرة نونا ومغدان بإبدال الياء الأولى ميما وكان المنصور يسميها مدينة السلام لأن دجلة كان يقال لها وادي السلام وبغداد على جانبي دجلة من الشرق والغرب والجانب الغربي منها يسمى الكرخ وبه كان سكنى أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس والجانب الشرقي منها بناه المهدي بن المنصور المقدم ذكره وسكنه بعسكره فسمي عسكر المهدي ثم بنى فيه الرشيد بن المهدي قصرا سماه الرصافة فأطلق على الجانب كله الرصافة ويسمى جانب الطاق أيضا نسبة إلى رأس الطاق وهو موضع السوق الأعظم منها وبهذا الجانب محلة تسمى الحريم يعني حريم دار الخلافة قال في المشترك بفتح الحاء وكسر الراء المهمليتن ثم مثناة من تحتها ساكنة وفي آخره ميم قال وهي قريب من ثلث الجانب الشرقي وعليه سور ابتداؤه من دجلة وانتهاؤه إليها أيضا كهيئة الهلال أو كنصف دائرة وله أبواب أولها باب الغربة وهو على دجلة ثم يليه باب سوق التمر وهو باب شاهق ولكنه أغلق في خلافة الناصر لدين الله ثم استمر غلقه ثم باب البدرية ثم باب النوبي وفيه العتبة التي كانت تقبلها الملوك والرسل ثم باب العامة ويقال له أيضا باب عمورية ثم يمتد السور نحو ميل لا باب فيه إلا باب بستان تحت المنظرة التي تنحر تحتها الضحايا ثم باب المراتب بينه وبين دجلة نحو رميتي سهم
وبهذا الحريم محال وأسواق ودور كثيرة لرعية وهو كأكبر مدينة تكون قال وبين دور الرعية التي داخل هذا السور وبين دجلة سور آخر وداخل السور الثاني دور الخلافة لا يدخلها شيء من دور العامة قال في مسالك الأبصار وبين الجانبين جسران منصوبان على دجلة شرقا بغرب على سفن وزوارق أوقفت في الماء ومدت بينها السلاسل الحديد المكعبة بالمكعبات الثقال وفوقها الخشب الممدود وعليها التراب يمر عليها أهل كل جانب إلى الآخر بالحمر والجمال

والحمول وعلى ضفتي دجلة قصور الخلافة والمدارس والأبنية العلية بالشبابيك والطاقات المطلة على دجلة وبناؤها بالآجر
ومن بيوتها ما هو مفروش بالآجر أيضا ملصق بالقير وهو الزفت ولهم الصنائع العجيبة في التزويق بالآجر وبها وجوه الخير من الجوامع والمساجد والمدارس والخوانق والربط والبيمارستانات والصدقات الجارية ووجوه المعونة وناهيك أنها كانت دار الخلافة ومقر ملوك الأرض ومنها قلائد الأعناق وترابها لمى القبل وإثمد الأحداق
قال في مسالك الأبصار قال الحكيم نظام الدين بن الطياري وأوقافها جارية في مجاريها لم تعترضها أيدي العدوان في دولة هولاكو ولا فيما بعدها بل كل وقف مستمر بيد متوليه ومن له الولاية عليه وإنما نقصت الأوقاف من سوء ولاة أمورها لا من سواها وبها البساتين المونقة والحدائق المحدقة وبها ثمر النخل المفضلة على ما سواها من الرطب والثمر وبها أنواع الرياحين والخضراوات والغلال وسعرها متوسط في الغالب لا يكاد يرخص قال المقر الشهابي بن فضل الله سألت الصدر مجد الدين بن الدوري عن السبب في قلة الغلال ببلاد العراق مع امتداد سوادها فقال قلة الزرع مع ما استهلكه القتل زمن هولاكو وحيزه للعراق وما جاوره من البلاد
قلت وبغداد وإن كانت أم الممالك ودار الخلافة فقد أغفل ملوك التتر الالتفات إليها وصرفوا عنايتهم إلى تبريز والسلطانية وصيروهما قاعدتين لهذه المملكة على ما سيأتي ذكره في الكلام على إقليم أذربيجان فيما بعد إن شاء الله تعالى

القاعدة الرابعة سر من رأى
من السرور والرؤية ثم خففها الناس فقالوا سامرا قال في اللباب بفتح السين المهملة وسكون الألف وفتح الميم وفي آخرها راء مهملة مشددة وهي مدينة واقعة في الإقليم الرابع قال في القانون حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة قال في العزيزي وهي على شاطئ الدجلة من الشرق قال ابن سعيد بناها المعتصم وأضاف إليها الواثق المدينة الهارونية والمتوكل المدينة الجعفرية فعظم قدرها قال في اللباب ثم خربت عن قريب من عمارتها قال في العزيزي ولم يبق فيها عامر سوى مقدار يسير كالقرية
وأما المدن التي بالعراق فمنها هيت قال في المشترك بكسر الهاء وسكون المثناة تحت وتاء مثناة من فوق في الآخر وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمان وستون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في العزيزي وهي من حدود العراق قال ابن سعيد وإليها ينتهي حد الجزيرة قال في تقويم البلدان وهي على شمالي الفرات ووهم في العزيزي فجعلها غربي الفرات قال في المشترك وهي من أعمال بغداد قال في اللباب وهي فوق الأنبار قال صاحب التهذيب وسميت هيت لكونها في هوة من الأرض قال في اللباب وبها قبر عبد الله بن المبارك رحمه الله وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها حيرة قال في اللباب بكسر الحاء المهملة وسكون المثناة من تحت وراء مهملة وهاء في الآخر وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وعشرون دقيقة والعرض

اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة
والحيرة مدينة جاهلية كثيرة الأنهار وهي عن الكوفة على نحو فرسخ وقال في العزيزي مدينة قديمة على ثلاثة أميال من الكوفة وكانت منازل آل النعمان بن المنذر وبها تنصر المنذر بن امرئ القيس وبنى بها الكنائس العظيمة والحيرة على موضع يقال له النجف زعم الأوائل أن بحر فارس كان يتصل به وبينهما اليوم مسافة بعيدة قال في اللباب والحيرة مدينة قديمة عند الكوفة وبها الخورنق قال في الترتيب إن تبعا لما سار من اليمن إلى خراسان وانتهى إلى موضعها ليلا فتحير ونزل وأمر ببنائها فسميت الحيرة
ومنها الأنبار قال في المشترك بفتح الهمزة وسكون النون ثم باء موحدة مفتوحة وراء مهملة وراء مهملة بعد الألف وهي من آخر الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة طولها تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ثمان وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة قال في المشترك والأنبار عن بغداد على عشر فراسخ منها قال في المشترك وهي من نواحي بغداد على شاطئ الفرات قال ابن حوقل وهي أول بلاد العراق وبها كان مقام السفاح أول خلفاء بني العباس حتى مات ويقال إن أول ما نقلت الكتابة العربية إلى مكة من الأنبار على ما تقدم في المقالة الأولى في الكلام على الخط
ومنها الكوفة قال في اللباب بضم الكاف وسكون الواو ثم فاء وهاء وهي مدينة إسلامية بنيت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه واقعة في الإقليم الثالث من الأقليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول ثمان وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهو على ذراع من الفرات خارج منه جهة الجنوب والمغرب

قال في الترتيب وسميت كوفة لاستدارتها أخذا من قول العرب رأيت كوفانا إذا رأوا رملة مستديرة وقيل لاجتماع الناس أخذا من قولهم تكوف الرمل إذا ركب بعضه بعضا وهي واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول ثمان وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال في العزيزي وهي قدر نصف بغداد وعلى القرب منها مشهد أمير المؤمنين علي كرم الله وجه حيث دفن يقصده الناس من أقطار الأرض
ومنها البصرة قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد وفتح الراء المهملتين وهي مدينة إسلامية بنيت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول أربع وستون درجة والعرض إحدى وثلاثون درجة وسميت بالبصرة أخذا من البصرة وهي الحجارة السود وفي جنوبيها وغربيها البرية وليس في بريتها ماء يزرع على المطر قال في المشترك وبالبصرة محلة يقال لها المربد بكسر الميم وسكون الراء المهملة وفتح الباء الموحدة ثم دال مهملة وهي محلة عظيمة من جهة البرية كانت العرب تجتمع فيها من الأقطار ويتناشدون الأشعار ويبيعون ويشترون
ومنها واسط قال السمعاني في الأنساب بفتح الواو وسكون الألف وكسر السين المهملة وطاء في الآخر وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال في تقويم البلدان سميت واسط لتوسطها بين مدن العراق إذ منها إلى البصرة خمسون فرسخا ومنها إلى الكوفة خمسون فرسخا ومنها إلى الأهواز خمسون فرسخا ومنها إلى بغداد خمسون فرسخا وهي نصفان على جانبي دجلة بينهما

جسر من السفن كما تقدم في بغداد قال في المشترك وهي من بناء الحجاج اختطها بين الكوفة والبصرة في سنة أربع وسبعين من الهجرة وفرغ منها في سنة ست وسبعين
ومنها حلوان قال في المشترك بضم الحاء المهملة وسكون اللام قال في اللباب ثم ألف وواو ونون وهي مدينة من أول الإقليم الرابع قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة والعرض أربع وثلاثون درجة قال في تقويم البلدان وهي آخر مدن العراق ومنها يصعد إلى الجبال وقيل هي من الجبال وليس بالعراق مدينة بالقرب من الجبل غيرها قال ابن حوقل وبها شجر النخل والتين الموصوف وأكثر ثمارها التين والثلج يسقط على جبلها دائما وهو منها على مرحلة وبينها و بين بعداد خمس مراحل
ومنها الحلة قال في المشترك بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام وهي واقعة في الإقليم الثالث قال في تقويم البلدان حيث الطول ثمان وستون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال ياقوت الحموي وتعرف بحلة بني مزيد وأول من اختط بها المنازل وعمرها سيف الدولة صدقة بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي في سنة خمس وتسعين وأربعمائة وكان موضعها قبل ذلك يسمى بالجامعين
ومنها النهروان قال في اللباب بفتح النون وسكون الهاء وضم الراء المهملة وفتح الواو وبعد الألف نون وهي مدينة في آخر الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة على ضفتي نهر قال في الأطوال حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال ابن حوقل النهروان اسم للمدينة والنهر الذي يشقها وهي مدينة صغيرة على أربعة

فراسخ من بغداذ قال في اللباب ولها عدة نواح خرب أكثرها وقال السمعاني في الأنساب هي على أربعة فراسخ من دجلة والنهروان هذه هي التي انحاز إليها الخوارج عند فراقهم لعلي بعد وقعة صفين على ما تقدم ذكره في الكلام على النحل والملل في المقالة الأولى
ومنها الأبلة قال في تقويم البلدان بضم الهمزة والباء الموحدة وتشديد اللام وهاء في الآخر وهي مدينة في فوهتها نهر طوله أربعة فراسخ بينها وبين البصرة على جانبيه قصور وبساتين ومدن على خط واحد كأنها بستان واحد وهو أحد متنزهات الدنيا
ومنها القادسية بفتح القاف ثم ألف ودال مهملة مكسورة وياء مثناة من تحت ثم هاء وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وعشرون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وهي مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه وهي على حافة البادية وحافة سواد العراق البادية من جهة الغرب والسواد من جهة الشرق قال في المشترك وبينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا في طريق الحاج قال في تقويم البلدان وسميت القادسية لنزول أهل قادس بها وقادس قرية بمرو الروذ وعليها كانت الوقعة المعروفة بوقعه القادسية
ومنها عبادان بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ثم دال مهملة بين ألفين وفي آخرها نون وهي بلدة من آخر العراق من الإقليم الثالث قال في الزيح حيث الطول خمس وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة قال ابن سعيد وعبادان على بحر فارس وهو محيط بها لا يبقى منها في البر إلا القليل وعندها مصب دجلة في جنوبي عبادان وشرقيها وهي عن البصرة على مرحلة ونصف وفي جنوبيها وشرقيها علامات للمراكب

ببحر فارس لا تتجاوزها المراكب وهي خشب منصوبة حيث يكون البحر عند الجزر في بعض البحر قال في العزيزي في طريق العراق من الغرب القادسية وهيت ومن الشرق حلوان ومن الشمال سر من رأى ومن الجنوب الأبلة

الإقليم الثالث خوزستان والأهواز
بضم الخاء وسكون الواو وضم الزاي المعجمة وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وألف ثم نون قال في المشترك ويقال لها أيضا الخوز بضم الخاء المعجمة ثم واو وزاي معجمة قال وخوزستان إقليم واسع بين البصرة وفارس يشتمل على مدن كثيرة قال في تقويم البلدان والذي يحيط به من الغرب رستاق واسط ودور الراسبي ومن جهة الجنوب من عبادان على البحر إلى مهروبان إلى الدورق إلى حدود فارس ومن الجهة الشرقية التي إلى جهة الجنوب حدود فارس ومن الجهة الشرقية التي إلى جهة الشمال حدود أصفهان وبلاد الجبل ومن جهة الشمال حدود الصيمر والكرجة وجبال اللور وبلاد الجبل إلى أصفهان قال وخوزستان في مستو من الأرض ليس بها جبال وهي كثيرة المياه الجارية وتجتمع مياهه وتعرض وتتصل ببحر فارس عند حصن مهدي
وقاعدتها على ما ذكره صاحب حماة في تاريخه تستر قال في اللباب بضم المثناة من فوق وسكون السين المهملة وفتح التاء الثانية وفي آخرها راء مهملة والعامة تسميها شستر بإبدال التاء الأولى شينا وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وجعلها في تقويم البلدان من الأهواز ولها نهر معروف بها وبنى فيها سابور أحد

ملوك الفرس بناء عظيما حتى ارتفع الماء إلى المدينة على مرتفع من الأرض ويقال إنه ليس على وجه الأرض مدينة أقدم منها قال في اللباب وبها قبر البراء بن مالك الصحابي رضي الله عنه
وقد ذكر في تقويم البلدان بخوزستان عدة مدن منها السوس قال في المشترك بضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية قال أبو الريحان وهي بالفارسية معجمة وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في المشترك وهي بلدة قديمة قال وبها قبر دانيال النبي عليه السلام قال في تقويم البلدان ولها بساتين وفيها ترنج كالأصابع
ومنها الطيب قال في المشترك بكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحتها وفي آخرها باء موحدة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في المشترك وهي بلدة بين واسط وبين الأهواز ثم قال وفيها عجائب ولم يذكر ما هي وإلى الطيب هذه ينسب الطيبي صاحب الحواشي على كشاف الزمخشري
ومنها جبى قال في المشترك بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة وياء آخر الحروف في الآخر وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم العرفية قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس وثلاثون

دقيقة والعرض ثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي كثيرة النخل قال وإليها ينسب أبو علي الجبائي المعتزلي
ومنها مهروبان قال في تقويم البلدان بفتح الميم وسكون الهاء وضم الراء المهملة وسكون الواو ثم باء موحدة وألف ونون وعدها ابن حوقل وابن سعيد من فارس وهي مدينة من فارس صغيرة واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاثون درجة وهي فرضة أرجان وما والاها قال في العزيزي وهي على البحر
ومنها أرجان قال في اللباب بفتح الألف وسكون الراء المهملة وفتح الجيم وفي آخرها نون بعد الألف وقال ابن الجواليقي في المعرب من العجمية للعربية إنها بتشديد الراء وقال ابن حوقل هي من آخر فارس من جهة خوزستان وقال في العزيزي هي أول مدن فارس وهي مدينة كبيرة كثيرة الخير وبها النخل والزيتون بكثرة برية بحرية سهلية جبلية على مرحلة من البحر قال في العزيزي وهي مدينة جليلة لها كورة وأعمال نفيسة وإليها ينسب القاضي الأرجاني الأديب الشاعر
وأما الأهواز فقال في اللباب هي بفتح الألف وسكون الهاء وفي آخرها زاي معجمة وهي كورة من كور خوزستان المقدم ذكرها كما ذكره في تقويم البلدان وإن كان قد ذكر في أول الكلام على إقليم فارس أن خوزستان هي الأهواز إلا أنها غلب ذكرها فصارت كالإقليم المنفرد بذاته
ولها عدة مدن تعرف بها

منها سوق الأهواز وهي مدينتها فقد قال في المشترك وسوق الأهواز هي مدينة الأهواز وذكر مثله في العزيزي قال في المشترك وقد خرب أكثرها قال في العزيزي ومنها إلى أصفهان ثمانون فرسخا
ومنها قرقوب قال في اللباب بضم القافين وبينهما راء مهملة ثم واو وفي الآخر باء وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول أربع وسبعون درجة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وهي مدينة مشهورة قال في اللباب قريبة من الطيب قال في العزيزي وبينهما سبعة فراسخ ومنها إلى مدينة السوس عشرة فراسخ
ومنها جندي سابور قال في اللباب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة بعدها مثناة من تحتها وفتح السين المهملة وألف وباء موحدة وواو وراء مهملة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس دقائق والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي مدينة خصبة كثيرة الخير قال ابن حوقل وبها نخيل وزروع كثيرة ومياه قال في العزيزي منها إلى تستر ثمانية فراسخ ومنها إلى السوس ستة فراسخ
ومنها عسكر مكرم قال في اللباب بفتح العين وسكون السين المهملتين وفتح الكاف وفي آخرها راء مهملة قال في تقويم البلدان عن الثقات أن مكرم بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء المهملة ثم ميم وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة وثمان دقائق والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال في العزيزي وهي مدينة محدثة وكانت قرية ينزلها مكرم بن الفزر أحد بني جعونة بعسكر كان قد أنفذه به الحجاج لمحاربة خرداذ بن

بارس فأقام بها مدة وابتنى بها البنايات فسميت عسكر مكرم قال وليس بالأهواز مدينة محدثة سواها وبها عقارب صغار مشهورة بالقتل
ومنها رامهرمز قال في اللباب بفتح الراء المهملة والميم وضم الهاء وسكون الراء المهملة وضم الميم الثانية وفي آخرها زاي معجمة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض ثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في اللباب وهي كورة من كور الأهواز قال ويقال إن سلمان الفارسي رضي الله عنه منها قال المهلبي وبينها وبين سوق الأهواز تسعة عشر فرسخا
ومنها الدورق قال في المشترك بفتح الدال المهملة وسكون الواو وفتح الراء المهملة وفي آخرها قاف وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول خمس وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة قال في العزيزي ومنها إلى أرجان ثمانية عشر فرسخا
ومنها حصن مهدي وضبطه معروف وموقعه في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض ثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وهو حصن تجتمع فيه مياه خوزستان ثم تصير نهرا وتصب في بحر فارس وبينه وبين البصرة خمسة عشر فرسخا
ومنها جرخان قال في اللباب بضم الجيم وسكون الراء المهملة وخاء معجمة ثم ألف ونون قال وهي بلدة بقرب السوس

ومنها جبال اللور قال في اللباب بضم اللام وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة قال وبها جبال يقال لها لورستان من بلاد خوزستان وقال ابن حوقل غالب بلاد اللور جبال وكانت قديما من خوزستان قال في تقويم البلدان وهي بلاد خصبة والغالب عليها الجبال وهي متصلة بخوزستان ولكن أفردت عنها قال في الأطوال وهي بين تستر وأصبهان وامتدادها طولا نحو ستة أيام وفيها خلق عظيم من الأكراد قال وهي حيث الطول أربع وسبعون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة قال في مسالك الأبصار وهم طائفة كثيرة العدد ومنهم فرق مفرقة في البلاد وفيهم ملك وإمارة ولهم خفة في الحركات يقف الرجل منهم إلى جانب البناء المرتفع ويلصق بطنه باحدى زواياه القائمة ثم يصعد فيه إلى أن يرتقي صهوته العليا
ومما يحكى أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب حضره رجل منهم وصعد في جدار كذلك فأنعم عليه الإنعام الجزيل وأمره أن يحضر كل من قدر عليه من أصحابه فأحضر منهم جماعة وهو يحسن إليهم إلى أن لم يبق منهم أحد فقتلهم عن آخرهم خشية مما لهم من قوة التسور ومن هؤلاء طوائف بمصر والشأم يعرفون بالنورة يجالس أحدهم الرجل فيسرق ماله وهو لا يدري ويمشون على الحبال المرتفعة ولنسائهم في ركوب الخيل الفروسية العظيمة

الإقليم الرابع فارس
بفاء مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة مكسورة وسين مهملة في الآخر قال في تقويم البلدان ويحيط ببلاد فارس من جهة الغرب حدود خوزستان وتمام الحد الغربي إلى جهة الشمال حدود أصفهان والجبال ويحيط بها من جهة الجنوب بحر فارس ومن جهة الشرق حدود كرمان ومن جهة الشمال المفازة التي بين فارس وخراسان وتمام الحد الشمالي حدود أصفهان وبلاد الجبال قال في العزيزي وعلى نهاية فارس الشرقية ناحية يزد وعلى نهايتها من الجنوب

سيراف والبحر وحدها من الشمال الري قال ابن حوقل وقاعدتها فيما ذكره صاحب حماة في تاريخه شيراز قال في اللباب بكسر الشين المعجمة وسكون المثناة من تحت وفتح الراء المهملة وفي آخرها زاي معجمة بعد الألف وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض ثمان وعشرون درجة وست وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة إسلامية محدثة بناها محمد بن القاسم بن أبي عقيل الثقفي وهو ابن عم الحجاج بن يوسف قال وسميت بشيراز تشبيها بجوف الأسد لأن عامة الميرة بتلك النواحي تحمل إلى شيراز ولا يحمل منها شيء إلى غيرها قال المهلبي وهي مدينة واسعة سرية كثيرة المياه وشربهم من عيون تتخرق البلد وتجري في دورهم وليس تكاد تخلو دار بها من بستان حسن ومياه تجري وأسواقها عامرة جليلة وإليها ينسب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه رحمه الله وبها قبر سيبويه النحوي وبينها وبين أصبهان اثنان وسبعون فرسخا وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها جور قال في اللباب بضم الجيم ثم واو وراء مهملة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي من قواعد فارس قال ابن حوقل وعليها سور من طين وخندق ولها أربعة أبواب وفيها المياه جارية وهي مدينة نزهة كثيرة البساتين جدا ويرتفع منها ماء ورد يعم البلاد وهي في ذلك كدمشق قال العزيزي ومنها إلى شيراز أربعة وعشرون فرسخا وقال في موضع آخر عشرون فرسخا
ومنها كازرون قال في اللباب بفتح الكاف وسكون الألف وفتح

الزاي المعجمة وضم الراء المهملة وواو ساكنة وفي آخرها نون وهي مدينة من كورة سابور واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول سبع وسبعون درجة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال ابن حوقل وهي أعظم مدينة في كورة سابور وقال المهلبي هي مدينة لطيفة صالحة العمارة قال ابن حوقل وهي صحيحة التربة والهواء وماؤها من الآبار قال في اللباب وخرج منها جماعة من العلماء
ومنها فيروزاباذ قال في المشترك بفتح الفاء وكسرها وسكون المثناة من تحت وضم الراء المهملة ثم واو ساكنة وزاي معجمة ثم ألف وباء موحدة وألف ثانية وذال وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وعشرون درجة وعشر دقائق قال في المشترك وكانت تسمى في القديم جور ثم غير اسمها وهي بلدة مشهورة على القرب من شيراز وهي أصل بلد الشيخ أبي إسحاق الشيرازي المقدم ذكره في شيراز
ومنها سيراف قال في اللباب بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحت وفتح الراء المهملة وفاء في الآخر وهي بلدة على البحر واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض ست وعشرون درجة قال في تقويم البلدان وهي أعظم فرضة لفارس وليس لها زرع ولا ضرع بل هي مدينة حط وإقلاع للمراكب وهي مدينة آهلة ولهم عناية بالبنيان حتى إن الرجل من التجار ينفق في عمارة داره ثلاثين ألف دينار وليس حولها بساتين ولا أشجار وبناؤهم بالساج والخشب يحمل إليهم من بلاد الزنج وهي شديدة الحر
ومنها البيضاء بفتح الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح

الضاد المعجمة وألف في الآخر وهي مدينة من عمل إصطخر واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثمان وسبعون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي من أكبر مدن كورة إصطخر قال وسميت البيضاء لأن لها قلعة بيضاء ترى من بعد واسمها بالفارسية نشانك ويقال إن الحسين الحلاج منها وإليها ينسب القاضي ناصر الدين البيضاوي صاحب المنهاج في أصول الفقه والطوالع في علم الكلام وغير ذلك قال المهلبي وبينها وبين شيراز ثمانية فراسخ
ومنها إصطخر قال في اللباب بكسر الألف وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وفي آخرها راء مهملة قبلها خاء معجمة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول تسع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاثون درجة واثنتان وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي من أقدم مدن فارس وبها كان سرير الملك في القديم وبها آثار عظيمة من الأبنية حتى يقال إنها من عمل الجن كما يقال عن تدمر وبعلبك من بلاد الشام قال في العزيزي وبينها وبين شيراز اثنا عشر فرسخا قال وينسب إليها أبو سعيد الإصطخري أحد أصحابنا الشافعية
ومنها بسا قال في اللباب بفتح الباء الموحدة والسين المهملة ثم ألف وهي مدينة من كورة دارا بجرد واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة قال ابن حوقل وهي تقارب شيراز في الكبر وأكثر خشب أبنيتها السرو ويجتمع فيها الثلج والرطب والجوز والأترج وإليها ينسب البساسيري الذي خطب لخلفاء مصر في بغداد

ومنها يزد قال السمعاني في الأنساب بفتح المثناة التحتية وسكون الزاي المعجمة وفي آخرها دال مهملة وهي مدينة من كورة إصطخر قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة خرج منها جماعة من العماء وإليها ينسب القماش اليزدي
ومنها دارا بجرد قال في اللباب بفتح الدال المهملة وسكون الألفين بينهما راء ثم باء موحدة وجيم مكسورة وراء مهملة ساكنة وفي آخرها دال مهملة وهي مدينة من فارس واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة قال ابن حوقل ومعنى دارا بجرد عمل دارا وهي مدينة لها سور وخندق تتولد المياه فيه وفيه حشيش يلتف على السابح فيه حتى لا يكاد يسلم من الغرق وفي وسط المدينة جبل كالقبة ليس له اتصال بشيء من الجبال وبنواحيها جبال من الملح الأبيض والأسود والأصفر والأحمر والأخضر ينحت منه ويحمل منها إلى البلاد قال في المشترك وعملها من أجل كور فارس قال في العزيزي وبأعمالها معدن موميا ومعدن زئبق

الإقليم الخامس كرمان
كما قاله في مسالك الأبصار قال في المشترك بفتح الكاف ومنهم من يكسرها قال وهو صقع كبير بين فارس وسجستان ومكران من بلاد الهند ويحيط به من جهة الغرب حدود فارس ومن جهة الجنوب بحر فارس ومن جهة الشرق أرض مكران من وراء البلوص إلى البحر ومن الشمال المفازة التي هي فيما بين فارس وكرمان وبين خراسان قال في تقويم البلدان وأرض كرمان داخلة في البحر وللبحر ساعدان قد اعتنقا أرض كرمان فالبحر على

ساحل كرمان قطعة قوس من دائرة وقاعدتها فيما ذكره المؤيد صاحب حماة في تاريخه السيرجان قال في اللباب بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها والراء المهملة وفتح الجيم وبعد الألف نون وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول ثلاث وثمانون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي أكبر مدينة بكرمان وأبنيتها أقباء لقلة الخشب بها وداخلها قني الماء قال في اللباب وهي مما يلي فارس
وتشتمل كرمان على عدة مدن منها جيرفت قال في اللباب بكسر الجيم وسكون المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الفاء وفي آخرها تاء مثناة من فوق وموقعها في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وثمانون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي مدينة مجمع للتجار الواصلين من خراسان وسجستان وهي حصينة للغاية قال المهلبي وهي من أعظم المدن بكرمان كثيرة النخل والأترج وبينها وبين السيرجان مرحلتان
ومنها زرند قال في المشترك بفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وسكون النون وفي آخرها دال مهملة وموقعها في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول ثلاث وثمانون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة قال في المشترك وهي مدينة مشهورة قال المهبلي وبينها وبين مدينة السيرجان تسعة وعشرون فرسخا
ومنها بم قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وتشديد الميم وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في العزيزي وهي من

كبار مدن كرمان وهي مصر من الأمصار قال ابن حوقل وهي أكبر من جيرفت وبها ثلاثة جوامع
ومنها هرمز قال في المشترك بضم الهاء وسكون الراء المهملة وضم الميم وفي آخرها زاي معجمة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول خمس وثمانون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي فرضة كرمان قال في المشترك تدخل إليها المراكب من بحر الهند في خليج قال صاحب حماة وهي مدينة كثيرة النخل شديدة الحر ثم قال أخبرني من رآها في زماننا يعني في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون أن هرمز العتيقة خربت من غارات التتر وأن أهلها انتقلوا عنها إلى جزيرة في البحر تسمى زرون بفتح الزاي المعجمة وضم الراء المهملة ثم واو في الآخر نون وهي جزيرة قريبة من البر غربي هرمز العتيقة ولم يبق بهرمز العتيقة إلا قليل من أطراف الناس ومنها إلى أول حدود فارس نحو سبع مراحل
قلت وفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة كتب إلى صاحبها عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية في الدولة الناصرية أبي السعادات فرج بن السلطان الشهيد الظاهر برقوق وسيأتي الكلام على صورة المكاتبة إليه في المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى

الإقليم السادس سجستان والرخج
أما سجستان فقال في المشترك بكسر السين المهملة وكسر الجيم وسكون السين الثانية ثم مثناة من فوقها وألف ونون قال وسجستان إقليم عظيم بين خراسان وبين مكران والسند وبين كرمان قال ابن حوقل ويحيط بسجستان

من جهة الغرب خراسان ومن جهة الجنوب المفازة التي بين سجستان وفارس وكرمان ومن جهة الشرق مفازة بين سجستان وبين مكران وهي المفازة الواصلة بين مكران والهند وتمام الحد الشرقي في شيء من عمل الملتان من الهند ومن جهة الشمال أرض الهند وفيما يلي خراسان والغور والهند تقويس وقال في العزيزي سجستان شرقي كرمان إلى الشمال قال ابن حوقل وأراضي سجستان بها الرمال والنخيل وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل وتشتد بها الريح وتدوم وبها أرحية تطحن بالريح والرياح تنقل رمالهم من مكان إلى مكان وإذا أرادوا نقل الرمل عن مكان عملوا هناك حائطا من خشب أو غيره وجعلوا في أسفله طوقا وأبوابا فتدخل فيها الريح من تلك الأبواب وتطير الرمل وترميه بعيدا وسجستان خصبة كثيرة الطعام والتمر والأعناب وأهلها ظاهرو اليسار وقال في اللباب والنسبة إلى سجستان سجزي بكسر السين المهملة وسكون الجيم ثم زاي معجمة على غير قياس قال وينسب إليها سجستاني أيضا يعني على الأصل
وقاعدتها زرنج قال في اللباب بفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وسكون النون وجيم في الآخر وهي مدينة كبيرة واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وقد يطلق على زرنج نفسها سجستان قال في المشترك بل أنسي اسم زرنج وأطلق اسم الإقليم وهو سجستان على المدينة وجعل في اللباب زرنج ناحية بسجستان قال ابن حوقل ولها سور وخندق ينبع فيه الماء وأبنيتها عقود لأن الخشب فيها يسوس ولا يثبت وفيها مياه تجري في البيوت والأزقة وأرضها سبخة قال في اللباب وخرج منها جماعة من العلماء منهم محمد بن كرام

الزرنجي صاحب المذهب المشهور
ولها مدن منها حصن الطاق وضبطه معروف قال ابن سعيد وهو حصن واقع في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثمان وثمانون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة على جبل عند التواء النهر في غاية المنعة لا يرام بحصار قال وبه يعتصم ملوك هذه البلاد ويجعلون فيه خزائنهم أما الطاق المضاف إليها فمدينة صغيرة لها رستاق وبها أعناب كثيرة يتسع بها أهل سجستان
ومنها سروان قال في تقويم البلدان قال بعض الثقات بفتح السين وسكون الراء المهلمتين وفتح الواو ثم ألف ونون وهي مدينة من آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول تسعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وعشرون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة صغيرة بها فواكة كثيرة ونخيل وأعناب
ومنها بست قال في اللباب بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وفي آخرها تاء مثناة من فوقها وهي مدينة على شط نهر الهندمند قال في القانون حيث الطول إحدى وتسعون درجة وثمان وثلاثون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة خصبة كثيرة النخل والأعناب وقال في اللباب هي مدينة حسنة كثيرة المياه والخضرة وقال في العزيزي مدينة جليلة بها عدة منابر ورباطات كثيرة عظيمة وذكر في اللباب أنها من بلاد كابل بين هراة وغزنة قال ابن حوقل وبينها وبين غزنة نحو أربع عشرة مرحلة

وأما الرخج فقال في اللباب بضم الراء المهلمة وفتح الخاء المعجمة المشددة وفي آخرها جيم قال ابن حوقل وهو إقليم عظيم متصل بسجستان فيه عدة مدن وهي على غاية الخصب والسعة قال ومن مدنها بنجوان ولم يزد على ذلك

الجانب الثاني من مملكة إيران الشمالي
ويشتمل على عدة أقاليم من الإقاليم العرفية
الإقليم الأول إرمينية
قال ياقوت بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وكسر النون ثم ياء ثانية مخففة وقد تشدد وضبطها في اللباب بفتح الهمزة قال في تقويم البلدان وقد جمع أرباب المسالك والممالك إرمينية وأران وأذربيجان لعسر إفراد إحداهما عن الأخرى قال ويحيط بها على سبيل الإجمال من الغرب حدود بلاد الروم وشيء من حدود الجزيرة ومن جهة الجنوب بعض حدود الجزيرة وحدود العراق ومن جهة الشرق بلاد الجيل والديلم إلى بحر الخزر ومن جهة الشمال بلاد القيتق ثم أفرد أذربيجان بحدود تخصها فقال يحدها من جهة الشرق بلاد الجيل وتمام الحد الشرقي بلاد الديلم ويحدها من جهة الجنوب العراق عند ظهر حلوان وشيء من حدود الجزيرة وذكر في مسالك الأبصار نحوه إلا أنه ذكر أن حدها الغربي إلى بلاد الأرمن قال ابن حوقل والغالب على إرمينية الجبال
وقاعدتها الدبيل فيما ذكره ابن حوقل والمهلبي قال في المشترك

وهي بفتح الدال المهملة وكسر الباء الموحدة ثم مثناة من تحتها ساكنة وفي آخرها لام وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول اثنتان وسبعون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة قال ابن حوقل : وهي مدينة كبيرة والنصارى فيها كثيرة وبها جامع للمسلمين إلى جانب كنيسة النصارى قال في العزيزي : وهي من أجل البلاد وأنفسها وهي مستقر سلطانها
وبها عدة مدن : منها أرزنجان قال في تقويم البلدان : بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الجيم ثم ألف ونون ويقال بالكاف أيضا عوضا عن الجيم وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وستون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال ابن سعيد وهي بين سيواس وبين أرزن الروم وبينها وبين كل واحدة منهما أربعون فرسخا وما بينها وبين أرزن كله مروج ومرعى وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها أرزن قال في المشترك بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة ثم نون في الآخر قال في تقويم البلدان وهي من أطراف إرمينية وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول خمس وستون درجة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي غير أرزن الروم وهي عن خلاط على ثلاثة أيام قال ووهم في اللباب فجعلها من ديار بكر من الجزيرة والصحيح ما تقدم وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الثانية فيما بعد

إن شاء الله تعالى
ومنها بدليس قال في تقويم البلدان بكسر الباء الموحدة ثم دال مهملة ساكنة ولام وياء مثناة من تحت ساكنة وسين مهملة قال وعن بعضهم أنها بفتح الباء الموحدة وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول خمس وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في تقويم البلدان وعن بعض أهل تلك البلاد أنها بين ميافارقين وبين خلاط قال وهي مدينة مسورة وقد خرب نصف سورها والمياه تخترق المدينة من عيون في ظاهرها ولها بساتين في واد وهي بين جبال تحف بها قال وهي دون حماة في القدر وقال ابن حوقل بلد صغير عامر خصب كثير الخير وهي شديدة البرد كثيرة الثلوج وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
ومنها أخلاط قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ثم ألف وطاء مهملة ويقال فيها خلاط بفتح الخاء من غير همز وموقعها في الإقليم الخامس قال في الأطوال حيث الطول خمس وستون درجة وخمسون دقيقة والعرض تسع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال في تقويم البلدان عن بعض أهلها إنها في مستو من الأرض ولها بساتين كثيرة وبها عدة أنهار على شبه أنهار دمشق وليس يدخل المدينة منها إلا الشيء اليسير ولها سور خراب وهي قدر دمشق والجبال عنها على أكثر من مسيرة يوم وبردها شديد قال ابن سعيد وهي أجل مدينة بإرمينية وذكرها جليل الشهرة وقال ابن حوقل وهي بلدة صغيرة عامرة كثيرة الخير قال في العزيزي وبينها وبين بدليس سبعة فراسخ

ومنها خرت برت بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وتاء مثناة فوق ثم باء موحدة مكسورة بعدها راء مهملة ساكنة وتاء مثناة فوق في الآخر وتعرف بحصن زياد قال في تقويم البلدان وهي بلدة بإرمينية على القرب من خلاط وحاكمها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية

الإقليم الثاني أذربيجان
قال ابن الجواليقي في المعرب من العجمة إلى العربية بقصر الألف وإسكان الذال المعجمة قال ابن حوقل الغالب عليها الجبال أيضا قال في مسالك الأبصار وهي أجل الأقاليم الثلاثة وهي كانت قرار ملوك بني جنكزخان
وبها ثلاث قواعد
القاعدة الأولى أردبيل
قال في اللباب بفتح الهمزة وسكون الراء وضم الدال المهملتين وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت ولام في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمسون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة قال في اللباب لعله بناها أردبيل بن أردميني بن لمطي بن يونان فنسبت إليه قال في العزيزي وهي في الجهة الشمالية من أذربيجان قال وهي مدينة كثيرة الخصب وعلى فرسخين منها جبل عظيم الارتفاع لا يفارقه الثلج قال المهلبي

وأهلها غليظو الطبع شرسو الأخلاق قال وبينها وبين تبريز خمسة وعشرون فرسخا قال في مسالك الأبصار وأعمالها تكون ثلاثين فرسخا قال وبها كانت دار الإمارة في صدر الإسلام

القاعدة الثانية تبريز
قال في اللباب بكسر المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة وكسر الراء المهملة ثم مثناة من تحت وفي آخرها زاي معجمة والجاري على ألسنة العامة توريز بالواو بدل الموحدة وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال ابن سعيد وهي قاعدة أذربيجان في عصرنا قال في اللباب وهي أشهر بلدة بأذربيجان وبها كان كرسي بيت هولاكو من التتر ثم انتقل بعد ذلك إلى السلطانية الآتي ذكرها ومبانيها بالقاشاني والجص والكلس وبها مدارس حسنة ولها غوطة رائقة قال في مسالك الأبصار وهي مدينة أعرقت في السعادة أنسابها وثبتت في النعمة قواعدها قال وهي مدينة غير كبيرة المقدار والماء منساق إليها وبها أنواع الفواكة لكن ليست بغاية الكثرة وأهلها من أكبر الناس حشمة وأكثرهم تظاهرا بنعمة ولهم الأموال المديدة والنعم الوافرة والنفوس الأبية ولهم التجمل في زيهم من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب وما منهم إلا من يأنف أن يذكر الدرهم في معاملته بل لا معاملة بينهم إلا بالدينار وسيأتي ذكر مقدار دينارهم في الكلام على معاملة هذه المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى وهي اليوم أم إيران جميعا لتوجه المقاصد من كل جهة إليها وبها محط رحال التجار والسفار وبها دور أكثر الأمراء الكبراء المصاحبين لسلطانها لقربها من أرجان محل مشتاهم قال ويشتد البرد بتوريز كثيرا وتتوالى الثلوج بها حتى إن

سروات أهلها يجدون في آدرهم ليس فيها فرجة ولا يدخلها ضوء إلا ما يرونه من طاقات حيطانها من وراء الزجاج المركب عليها

القاعدة الثالثة السلطانية
نسبة إلى السلطان واسمها قنغرلان قال في تقويم البلدان بضم القاف وسكون النون وضم الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ولام ألف ونون وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة قال وهي عن توريز في سمت المشرق بميلة يسيرة إلى الجنوب على مسيرة ثمانية أيام منها وهي مدينة محدثة بناها خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو على القرب من جبال كيلان على مسيرة يوم منها وجعلها كرسي مملكته وهي في مستو من الأرض ومياهها قني قليلة البساتين والفواكه وإنما تجلب إليها الفواكه من البلاد المصاقبة لها قال في مسالك الأبصار وهي مدينة قد رفع بناؤها واتسع فناؤها وأتقنت قسمتها في الخطط والأسواق وجلب إليها بانيها الناس من أقطار مملكته واستجلبهم إليها بما بسط لسكانها من العدل والإحسان قال وهي الآن عامرة آهله كأنما مر عليها مئون سنين لكثرة من استوطنها وتأهل بها وأولد من الولد فيها وقد مضت عليها مدة بنوها مبالغ الرجال وفيهم من جاز إلى الاكتهال
وبها عدة مدن غير هذه القواعد منها سلماس قال في اللباب بفتح السين المهملة واللام والميم وفي آخرها سين مهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض ثمان وثلاثون درجة

وخمس وعشرون دقيقة قال المهلبي وهي على آخر حدود أذربيجان من الغرب وهي مصر من الأمصار جليل والمتاجر بها وإليها متصلة
ومنها خوي قال في اللباب بضم الخاء وفتح الواو وتشديد المثناة من تحت وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول تسع وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال في اللباب وهي آخر مدن أذربيجان وبينها وبين سلماس أحد وعشرون ميلا
ومنها أرمية قال في اللباب بضم الألف وسكون الراء المهملة والميم في آخرها هاء بعد ياء مثناة من تحتها قال ابن الجواليقي في المعرب ويجوز في قياس العربية تخفيف الياء منها وتشديدها وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة قال المهلبي وهي آخر حدود أذربيجان وهي مدينة جليلة قال ويقال إن زرادشت نبي المجوس منها قال في تقويم البلدان وعن بعض أهلها أنها مدينة وسطى عامرة وهي في أول الجبال وآخر الوطاة في الغرب عن سلماس على ستة عشر فرسخا منها وبينها وبين الموصل قاعدة الجزيرة أربعون فرسخا والموصل في سمت الغرب عنها ولأرمية قلعة على جبل تسمى قلعة تلا في غاية الحصانة كان هولاكو قد جعل أمواله فيها لحصانتها والنسبة إلى أرمية أرموي
ومنها مراغة قال في المشترك بفتح الميم والراء المهملة وألف وغين معجمة وهاء وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في

القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشر دقائق والعرض سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال المهلبي وهي مدينة محدثة كانت قرية فنزل بها مراون بن محمد وكان هناك سرجين فمرغ الناس فيه دوابهم فبناها مدينة فسميت مراغة قال ابن حوقل وهي من قواعد أذربيجان وهي حصينة نزهة كثيرة البساتين والرساتيق
ومنها ميانج قال في المشترك بفتح الميم والمثناة من تحتها وسكون الألف وكسر النون وفي آخرها جيم وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلا ث وسبعون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة قال في المشترك وهي مدينة كبيرة على مسيرة يومين من مراغة وسماها في اللباب ميانه بفتح الميم والمثناة من تحتها وألف ونون وهاء وقال خرج منها جماعة من العلماء
ومنها مرند قال في اللباب بفتح الميم والراء المهملة وسكون النون وفي آخرها دال مهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة قال في اللباب وهي قرية من تبريز في جهة الشرق عنها بميلة يسيرة إلى الشمال وقال المهلبي هي عن تدمر على أربعة عشر فرسخا قال في تقويم البلدان وذكر من رآها أنها بلدة صغيرة ذات أنهار وأشجار

الإقليم الثالث أران
قال في المشترك بفتح الهمزة وتشديد الراء المهملة ثم ألف ونون ولها قاعدتان

القاعدة الأولى بردعة
قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهملتين ثم عين مهملة وهاء في الآخر وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض ثلاث وأربعون درجة قال في تقويم البلدان وهي قاعدة مملكة أران وقال في اللباب هي من أقاصي أذربيجان قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة كثيرة الخصب نزهة قال وعلى أقل من فرسخ منها موضع يسمى الاندراب يكون مسيرة يوم في يوم بساتين مشتبكة كلها فواكه قال المؤيد صاحب حماة هذا ما كانت عليه في زمان ابن حوقل أما في زماننا فأخبرني من رآها أنها خربت ولم يبق منها معمور إلا دون المعرة في القدر وهي في مستو من الأرض ذات بساتين ومياه وهي على القرب من نهر الكر
القاعدة الثانية تفليس
قال في اللباب بفتح المثناة فوق وسكون الفاء وكسر اللام وسكون المثناة التحتية وفي آخرها سين مهملة وموقعها في آخر الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في القانون وهي قصبة كرجستان وقال في اللباب هي آخر بلدة من أذربيجان قال ابن حوقل وهي مدينة مسورة

عليها سوران ولها ثلاثة أبواب وبها حمامات مثل حمامات طبرية ماؤها ينبع سخنا بغير نار وهي كثيرة الخصب قال ابن سعيد وكان المسلمون قد فتحوها وسكنوها مدة طويلة وخرج منها جماعة من العلماء ثم استرجعها الكرج وهم نصارى وهي بأيدي الكرج إلى الآن وملك الكرج صاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد إن شاء الله تعالى
وبها عدة مدن منها نشوى قال السمعاني في الأنساب بفتح النون والشين المعجمة وفي آخرها واو ثم ياء آخر الحروف وسماها ابن سعيد نقجوان بفتح النون وسكون القاف وفتح الجيم والواو وبعد الألف نون وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض تسع وثلاثون درجة قال ابن سعيد وهي من المدن المذكورة في شرقي أران قال السمعاني وهي بلدة متصلة بإرمينية وأذربيجان قال ابن سعيد وهي في شمالي نهر الكر قال في الأنساب وبينها وبين تبريز ستة فراسخ وقال ابن سعيد وقد خربها التتر وقتلوا جميع أهلها
ومنها موقان قال في اللباب بضم الميم وسكون الواو وفتح القاف وسكون الألف وفي آخرها نون والعامة تبدل القاف غينا معجمة فيقولون موغان قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض ثمان وثلاثون درجة قال السمعاني وهي بدربند فيما أظن وقال المهلبي هي من عمل أردبيل وقال المهلبي موقان في نهاية بلاد كيلان في جهة الغرب قال ابن حوقل وبينها وبين باب الأبواب يومان قال في تقويم البلدان لم يبق

لمدينة موقان في هذا الزمان شهرة بل المشهور أراضي موقان وهي أراض كثيرة المياه والأقصاب والمراعي في ساحل بحر طبرستان على القرب من البحر وهي في سمت الشمال والغرب عن تبريز على نحو عشر مراحل منها وبها يشتي أردو التتر في غالب السنين
ومنها شمكور قال في اللباب بفتح الشين المعجمة وسكون الميم وضم الكاف وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض إحدى وأربعون درجة وخمسون دقيقة قال في اللباب وهو حصن من أعمال أران قال في تقويم البلدان وشمكور بقرب بردعة وبها منارة في غاية الارتفاع والشهوق
ومنها البيلقان قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت وفتح اللام والقاف ثم ألف ونون قال في القانون حيث الطول أربع وستون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي عند شروان قال ولعلها بناها بيلقان بن أرميني بن لمطي بن يونان فنسبت إليه قال في اللباب وهي مدينة من دربند خزران قال في المشترك وهي من مشاهير البلدان قال ابن حوقل وهي كثيرة الخير
ومنها كنجة قال في تقويم البلدان بفتح الكاف وسكون النون وفتح الجيم ثم هاء ساكنة وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال والقياس أنها حيث الطول أربع وسبعون درجة والعرض ثلاث وأربعون درجة

وعشر دقائق قال في المشترك وهي من مشاهير بلاد أران قال المؤيد صاحب حماة وأخبرني من أقام هناك أنها على مرحلتين من بردعة وبردعة عنها في جهة الغرب بميلة يسيرة إلى الشمال وهي قصبة تلك الناحية وهي في مستو من الأرض وفيها بساتين كثيرة وبها التين الكثير وقد شهر أن من أكل من ذلك التين حم
ومنها شروان قال في اللباب بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح الواو ثم ألف ونون في الآخر وهي واقعة في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وستون درجة وست وخمسون دقيقة والعرض إحدى وأربعون درجة وثلاث وأربعون دقيقة قال في اللباب بناها أنوشروان فأسقطوا أنو للتخفيف وبقي شروان قال ابن سعيد وهي من أران وكانت قاعدة لبلادها ثم صارت مملكتها مضافة إلى أذربيجان قال وبشروان الدربند المشهور قال السلطان عماد الدين صاحب حماة وهو المعروف في زماننا بدربند باب الحديد قال ابن الأثير وقد خرج منها جماعة من العلماء
ومنها باب الأبواب قال في تقويم البلدان بإضافة الباب المفرد الذي يدخل منه إلى جمعه قال في القانون ويعرف باب الأبواب بدربند خزران قال في تقويم البلدان ويعرف هذا المكان في زماننا بباب الحديد بإضافة الذي يغلق إلى الذي يتطرق قال ابن حوقل وهي على بحر طبرستان وتكون في القدر أصغر من أردبيل قال ولهم الزرع الكثير وثمار قليلة تحمل إليهم من النواحي قال وهي فرضة الخزر والسرير وسائر بلاد الكفر وهي أيضا فرضة جرجان والديلم وطبرستان ويجلب إليها الرقيق من سائر الأجناس قال في تقويم البلدان وهذه الصفات التي ذكرها ابن حوقل على ما كانت في زمانه أما اليوم فعن بعض المسافرين أن باب الحديد بليدة هي بالقرى أشبه على بحر الخزر وهي كالحد بين التتر الشماليين المعروفين ببيت بركة وبين التتر الجنوبيين المعروفين ببيت هولاكو وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار

المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى

الإقليم الرابع بلاد الجبل
بفتح الجيم والباء الموحدة ولام في الآخر وصاحب مسالك الأبصار يسميها بلاد الجبال على الجمع والعامة تسميها عراق العجم قال في تقويم البلدان ويحيط بها من جهة الغرب أذربيجان ومن جهة الجنوب شيء من بلاد العراق وخوزستان ومن جهة الشرق مفازة خراسان وفارس ومن جهة الشمال بلاد الديلم وقزوين والري عند من يخرجهما عن بلاد الجبل ويضمهما إلى الديلم من حيث إن جبال الديلم تحف بهما
وقاعدتها فيما ذكره المؤيد صاحب حماة في تاريخه أصبهان قال في اللباب بكسر الألف وفتحها وسكون الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة والهاء وألف ثم نون في الآخر قال في تقويم البلدان وقد تبدل الباء فاء قال السمعاني وسمعت من بعضهم أنها تسمى بالعجمية سباهان قال وسبا العسكر وهان الجمع وذلك أن عساكر الأكاسرة كانوا إذا وقع لهم بيكار يجتمعون بها فعربت فقيل أصفهان وموقعها في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول سبع وسبعون درجة وخمسون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي في نهاية الجبال من جهة الجنوب قال وهي مدينتان وإحداهما تعرف باليهودية وهي من أخصب البلاد وأوسعها خطة وبها معدن الكحل الذي لا يسامى مصاقبا لفارس وإلى أصبهان ينسب الليث بن سعد الإمام الكبير
قلت وقد تقدم في الكلام على أعمال الديار المصرية من أول هذه المقالة عند ذكر الأعمال القليوبية أنه ينسب إلى بلدتنا قلقشندة أيضا وأنه كان له دار بها فيحتمل أنه كان أولا بأصبهان ثم لما رحل عنها إلى مصر نزل قلقشندة

فنسب إليها على عادة من ينتقل من بلد إلى آخر
ولها عدة مدن منها إربل قال في المشترك بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة ولام في الآخر قال في تقويم البلدان وهي قاعدة بلاد شهرزور وموقعها في الإقليم الرابع قال ابن سعيد حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال وهي مدينة محدثة قال في المشترك بين الزابين فيما بين المشرق والجنوب عن الموصل على مسيرة يومين خفيفين قال في تقويم البلدان وعن بعض أهلها أنها مدينة كبيرة قد خرب غالبها ولها قلعة على تل عال داخل السور مع جانب المدينة في مستو من الأرض والجبال منها على أكثر من مسيرة يوم ولها قني تدخل منها اثنتان إلى المدينة للجامع ودار السلطان وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها شهرزور قال في اللباب بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وضم الراء المهملة والزاي المعجمة وسكون الواو وفي الآخر راء مهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في اللباب وهي بلدة بين الموصل وبين همذان بناها زور بن الضحاك فقيل شهر زور يعني مدينة شهر قال ابن حوقل وهي مدينة صغيرة قال في العزيزي وهي خصبة كثيرة المتاجر في عزلة إلا أن في أهلها غلظة وجفاء قال وبينها وبين المراغة ست مراحل

ومنها الدينور قال في اللباب بفتح الدار المهملة وسكون المثناة من تحت وفتح النون والواو ثم راء مهملة في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي غربي همذان بميلة إلى الشمال وهي مدينة كثيرة المياه والمنازه كثيرة الثمار خصبة قال في العزيزي وبينها وبين الموصل أربعون فرسخا وبينها وبين مراغة كذلك
ومنها ماسبذان بفتح الميم وبعد الألف سين مهملة وباء موحدة وذال معجمة بفتح الجميع وبعد الألف نون وهي مدينة من سيروان بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الراء المهملة وواو وألف ونون كورة من كور عراق العجم قال أحمد بن يعقوب الكاتب وهي مدينة قديمة بين جبال وشعاب قال وهي في ذلك تشبه مكة شرفها الله تعالى وعظمها وفيها عيون ماء تجري في وسطها قال ابن خلكان وكان المهدي العباسي يسكنها وبها مات ودفن
ومنها قصر شيرين بإضافة قصر إلى شيرين بكسر الشين المعجمة ثم ياء آخر الحروف وراء مهملة ثم ياء ثانية بعدها ونون في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال في المشترك وهو قصر شيرين حظية كسرى أبرويز وقال الإدريسي شيرين امرأة كسرى قال وبهذا الموضع آثار لموك الفرس عجيبة ومنه إلى شهر زور عشرون فرسخا ومنه إلى حلوان من بلاد العراق خمسة فراسخ
ومنها الصيمرة قال في المشترك بفتح الصاد المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الميم والراء المهملة وهاء في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة وخمسون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة صغيرة

نزهة ذات زروع وأشجار والمياه تجري في دورها ومحالها قال أحمد بن يعقوب وهي في مرج أفيح فيه عيون وأنهار
ومنها قرميسين قال في اللباب بكسر القاف وسكون الراء المهملة وكسر الميم وسكون المثناة من تحتها وكسر السين المهملة ومثناة تحتية ثانية ونون في الآخر قال في تقويم البلدان ووجدناها في كثير من الكتب بإبدال الياء الأولى ألفا قال في اللباب وهي مدينة بجبال العراق وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض أربع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في اللباب ويقال لها كرمانشاه قال في العزيزي وهي من أجل مدن الجبل وأعظمها خطرا وهي عامرة غاصة بالناس قال وينبت بها الزعفران
ومنها سهرورد قال في اللباب بضم السين المهملة وسكون الهاء وفتح الواو وسكون الراء الثانية وفي آخرها دال مهلمة قال في تقويم البلدان كذا ضبطها ولم يذكر الراء الأولى وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي مدينة صغيرة والغالب عليها الأكراد
ومنها زنجان قال في اللباب بفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الجيم وألف ونون وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وأربعون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي أقصى مدن الجبال في الشمال قال في اللباب وهي على حد أذربيجان من بلاد الجبل ينسب إليها جماعة من أهل العلم

ومنها نهاوند قال في اللباب بضم النون وفتح الهاء وسكون الألف وفتح الواو وسكون النون وبعدها دال مهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة على جبل ولها أنهار وبساتين وهي كثيرة الفواكة وفواكهها تحمل إلى العراق لجودتها قال في اللباب ويقال إنها من بناء نوح عليه السلام وإنه كان اسمها نوح أوند فأبدلوا الحاء هاء
ومنها همذان قال في الأنساب بفتح الهاء والميم والذال المعجمة وبعد الألف نون وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي وسط بلاد الجبال ومنها إلى حلوان أول بلاد العراق سبعة وستون فرسخا قال وهي مدينة كبيرة ولها أربعة أبواب ولها مياه وبساتين وزروع كثيرة قال في الأنساب وهي على طريق الحاج والقوافل
ومنها أبهر قال في المشترك بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الهاء ثم راء مهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في المشترك وهي مدينة بين قزوين وزنجان قال ابن خرداذبة ومنها إلى زنجان خمسة عشر فرسخا
ومنها ساوة قال في اللباب بفتح السين المهملة وبعدها ألف ثم واو وهاء وموقعها في الإقليم الرابع قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة قال المهلبي وهي مدينة جليلة على جادة حجاج خراسان وبها الأسواق الحسنة وبها المنازل الحسنة

ومنها قزوين قال في اللباب بفتح القاف وسكون الزاي المعجمة وكسر الواو وسكون المثناة من تحت وفي آخرها نون وموقعها في الإقليم الرابع قال في القانون ورسم المعمور حيث الطول خمس وسبعون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي مدينة لها حصن وماؤها من السماء والآبار ولها قناة صغيرة للشرب فقط وهي مدينة حصينة وبها أشجار وكروم كلها عذي لا تسقى وليس بها ماء جار سوى ما يشرب ويجري إلى المسجد قال ابن حوقل وماء قناتها وبيء
ومنها آبة قال في المشترك بفتح الهمزة وسكون الألف ثم باء موحدة وهاء وموقعها في الإقليم الرابع قال والعامة تسميها آوة قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشر دقائق والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال المهلبي وهي مدينة في الشرق بانحراف إلى الشمال عن همذان وبينهما سبعة وعشرون فرسخا قال في المشترك وبينها وبين ساوة خمسة أميال
ومنها قم قال في اللباب بضم القاف وتشديد الميم وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال في اللباب وكان بناؤها في سنة ثلاث وثمانين للهجرة بناها عبد الله بن سعد والأحوص وإسحاق ونعيم وعبد الرحمن بنو سعد بن مالك بن عامر الأشعري من أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث عند انهزامهم من الحجاج وكان مكانها سبع قرى فأهلكوا أهلها وبنوها مدينة كل قرية محلة من محلات المدينة قال ابن حوقل وهي مدينة غير مسورة حصينة البناء وماؤها من الآبار وبها البساتين على السواني وبها شجر الفستق والبندق وأهلها شيعة قال المهلبي وهي في مرج تقدير سعته عشرة فراسخ في مثلها ثم تفضي

إلى جبالها وبها من الفستق ما ليس بغيرها
ومنها الطالقان قال في المشترك بفتح الطاء المهملة واللام والقاف ثم ألف ونون وقال في اللباب بتسكين اللام وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في المشترك وهو مدينة وكورة بين توريز وأبهر قال ابن حوقل وهي أقرب إلى الديلم من قزوين وقد أوردها في كتاب الأطوال المنسوب للفرس مع بلاد الديلم قال أحمد الكاتب وهي بين جبلين عظيمين وهي تمس الطالقان بلاد خراسان
ومنها قاشان قال في اللباب بفتح القاف وسكون الألف وبالشين المعجمة وبعد الألف نون قال ويقال بالسين المهملة أيضا وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض أربع وثلاثون درجة قال المهلبي وهي مدينة لطيفة قال ابن حوقل هي أصغر من قم وغالب بنائها بالطين وهي خصبة وقد خرج منها جماعة من العلماء قال في اللباب وأهلها شيعة
ومنها الري قال في اللباب بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف قال في القانون حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة قدر عمارتها فرسخ ونصف في مثله وفيها نهران يجريان وبها قني تجري غير ذلك وعدها في اللباب من الديلم ويخرج منها قطن كثير للعراق وبها قبر محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة والكسائي احد القراء السبعة والنسبة إليها رازي على غير قياس وإليها ينسب الإمام فخر الدين الرازي الإمام المشهور
ومنها الكرج قال في المشترك بفتح الكاف والراء المهملة وفي

آخرها جيم وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة وأربعون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي مدينة متفرقة البناء ليس لها اجتماع المدن وتعرف بكرج أبي دلف قال في المشترك لأن أول من مصرها أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي وقصده الشعراء قال ابن حوقل ولها زروع ومواشي ولكن ليس لها بساتين ولا متنزهات والفواكة تجلب إليها
ومنها خوار قال في المشترك بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو وسكون الألف وراء مهلمة في الآخر وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثمان وسبعون درجة وأربعون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال في المشترك وهي مدينة من نواحي الري تخترقها القوافل قال في القانون وقلما يذكر إلا منسوبا إلى الري فيقال خوار الري
ومنها جبال الأكراد قال في مسالك الأبصار والمراد بهذه الجبال الجبال الحاجزة بين ديار العرب وديار العجم دون أماكن من توغل من الأكراد في بلاد العجم قال وابتداؤها جبال همذان وشهرزور وانتهاؤها صياصي الكفرة من بلاد التكفور وهي مملكة سيس وما هو مضاف إليها مما بأيدي بيت لاون ثم ذكر منها عشرين مكانا في كل مكان منها طائفة من الأكراد
الأول دياوشت من جبال همذان وشهرزور وهو مقام طائفة من الأكراد ولهم أمير يخصهم
الثاني درانتك وهو مقام طائفة ثانية من الكورانية أيضا ولهم أمير يخصهم قال في مسالك الأبصار والطائفتان جميعا لا تزيد عدتهم على خمسة آلاف رجل
الثالث دانترك ونهاوند إلى قرب شهرزور وهي مقام طائفة منهم تعرف بالكلالية يعرفون بجماعة سيف عدتهم ألف رجل مقاتلة ولهم أمير يخصهم

وهو يحكم على من جاورهم من الأكراد
الرابع مكان بجوار ديار الكلالية المقدم ذكرهم بجبال همذان وهو مقام طائفة من الأكراد يقال لهم زنكلية وعدتهم نحو ألفين ذوو شجاعة وحيلة ولهم أمير يخصهم يحكم على بلاد كيكور وما جاورها من البقاع والكور
الخامس نواحي شهرزور قال في مسالك الأبصار كان يسكنها طوائف من الأكراد طائفتان إحداهما يقال لها اللوسة والأخرى يقال لها الباسرية رجال حرب وأقيال طعن وضرب نزحوا عنها بعد واقعة بغداد ووفدوا إلى مصر والشام وسكن في أماكنهم قوم يقال لهم الحوسة ليسوا من صميم الأكراد
السادس مكان بين شهرزور وبين أشنه من أذربيجان به طائفة من الأكراد يقال لهم السولية يبلغ عددهم نحو ألفي رجل وهم ذوو شجاعة وحمية وهم طائفتان لكل طائفة منهم أمير يخصهم
السابع بلاد بسقاد وهي مقام طائفة من الأكراد يقال لهم القرياوية وبيدهم من بلاد أزبك أماكن أخر قال وعددهم يزيد على أربعة آلاف ولهم أمير يخصهم
الثامن بلاد الكركار وهي مقام طائفة منهم يقال لها الحسنانية وهم على ثلاثة أبطن أحدها طائفة عيسى بن شهاب الدين ولهم خفر قلعة بري والحامي وثانيها طائفة تعرف بالتلية وثالثها طائفة تعرف بالجاكية وجميعهم نحو الألف رجل ولكل طائفة منهم أمير يخصهم
التاسع دربندقراير وهو مقام الطائفة القرياوية ولهم خفارة الدربند المذكور وصاحبه يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية وقد ذكر في التثقيف أن صاحبه كان سيف الدين بن سير الحسناني

العاشر بلاد الكرحين ودقوق الناقة وبه طائفة منهم عدتهم تزيد على سبعمائة ولهم أمير يخصهم
الحادي عشر بين الجبلين من أعمال إربل قال في مسالك الأبصار وبها قوم كانوا يدارون التتر وملوك الديار المصرية ففي الشتاء يعاملون التتر بالمجاملة وفي الصيف يعينون سرايا الشام في المجاملة قال وعددهم كعدد الكلالية ولهم أمير يخصهم وذكر انه كان لهم في الدولة المنصورية قلاوون أمير يسمى الخضر بن سليمان كاتب شجاع وأنه وفد إلى الديار المصرية فاخترمته المنية قبل عوده وكان معه أربعة أولاد فعادوا بعد موته في الدولة الزينية كتبغا
الثاني عشر مازنجان وبيروه وسحمة و البلاد البرانية وهي مقام طائفة منهم يقال لها المازنجانية لا تزيد عدتهم على خمسمائة وهم طائفة ينتسبون إلى المحمدية والمازنجانية هم طائفة المبارزكك الموجود اسمه ورسم المكاتبة إليه في دساتير المكاتبات القديمة وقد أضيف إليهم الحميدية وهم طائفة من الأكراد لا تنقص عدتهم عن ألف مقاتل لأن أميرهم مبارز الدين كك كان من أمراء الخلافة في الدولة العباسية ومن ديوان الخلافة لقب بمبارز الدين وكك اسمه قال وكان يدعي الصلاح وتنذر له النذور فإذا حملت إليه قبلها وأضاف إليها مثلها من عنده وتصدق بهما معا وذكر نحوه في التعريف ثم كان له في الدولة الهولاكوية المكانة العلية واستنابوه في إربل وأعمالها وأقطعوه عقرشوش بكمالها وأضافوا إليه هراة وتل حفتون وقدموه على خمسمائة فارس وتولى الإمرة وقوانين نحو عشرين سنة وبقي حتى جاوز التسعين وهمته همة الشبان ثم مات وخلفه ولده عز الدين فكان من أبيه نعم الخلف وجرى على نهج أبيه في ترتيب المملكة وعلت رتبته عند ملوك التتر وملوك الديار المصرية ثم خلفه أخوه نجم الدين خضر فجرى على سمت أبيه وأخيه ثم قال وكانت ترد على الأبواب

السطانية بمصر ونواب الشام كتب تتهلل بماء الفصاحة كالسحب وتسرح من أجنابها الأبكار العرب ثم خلفه ولده فجرى على سننه وبقيت الإمارة في بنيه والأمير القائم منهم هو المعبر عنه في الدساتير بصاحب عقرشوش وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
الثالث عشر بلاد شعلاباد إلى خفتيان وما بين ذلك من الدشت والدربند الكبير وهو مقام طائفة منهم تعرف بالشهرية معروفون باللصوصية وهم قوم لا يبلغ عددهم ألفا وجبالهم عاصية ودربدنهم بين جبلين شاهقين يسقيهما الزاب الكبير قال في مسالك الأبصار وعليه ثلاث قناطر اثنتان منها بالحجر والطين والوسطى مضفورة من الخشب كالحصير علوها عن وجه الماء مائة ذراع في الهواء وطولها بين الجبلين خمسون ذراعا في عرض ذراعين تمر عليها الدواب بأحمالها والخيل برجالها وهي ترتفع وتنخفض يخاطر المجتاز عليها بنفسه وهم يأخذون الخفارة عندها وهم أهل غدر وخديعة لا يستطيع المسافر مدافعتهم ولهم أمير يخصهم ولصاحبها مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
الرابع عشر ماذكرد والرستاق ومرت وجبل جنجرين المشرف على أشنة من ذات اليمين وهو مقام طائفة منهم يقال لهم الزرزارية ويقال إنهم ممن تكرد من العجم ولهم عدد جم يكاد يبلغ خمسة آلاف ما بين أمراء وأغنياء وفقراء وأكارين وغيرهم وجبلهم في غاية العلو والشهوق في الهواء شديد البرد بأعلاه ثلاثة أحجار طول كل حجر منها عشرة أشبار في عرض دون الثلاثة متخذة من الحجر الأخضر الماتع وعلى كل منها كتابة قد اضمحلت لطول السنين يقال إنها نصبت لمعنى الإنذار والإخبار عمن أهلكه الثلج والبرد هناك في الصيف وهم يأخذون الخفارة تحته قال في مسالك الأبصار وكان لهم أمير جامع لكلمتهم اسمه نجم الدين باشاك ثم تولاهم من بعده ابنه جيدة ثم ابنه عبد الله قال وكان لهم أمراء آخرون منهم الحسام شير الصغير وابنه باشاك وغيرهم قال وينضم إلى الزرزارية شرذمة قليلة تسمى باسم قريتها بالكان نحو

ثلاثمائة رجل منفردين بمكان مشرف على عقبة الحان يأخذون عليها الخفارة ولصاحب ماذكرد مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية ثم قال في التثقيف وهو حنش بن إسماعيل
الخامس عشر جولمرك وهو مقام طائفة تسمى الجولمركية وهم قوم نسبوا إلى مكانهم ذلك فعرفوا به ويقال إنهم طائفة من العرب من بني أمية اعتصموا بهذه الجبال عند غلبة بني العباس عليهم وأقاموا بها بين الأكراد فانخرطوا في سلكهم قال في مسالك الأبصار وهم الآن في عدد كثير يزيدون على ثلاثة آلاف كان ملكهم في أوائل دولة التتر أسد بن مكلان ثم خلفه ابنه عماد الدين ثم ابنه أسد الدين وببلاده معدن الزرنيخين الأحمر والأصفر ومنها ينقل إلى سائر الأقطار قال وكان قد ظهر عنده معدن لازورد فأخفاه لئلا يسمع به ملوك التتر فيطلبونه ومعقله من أمنع المعاقل على جبل مقطوع بذاته والزاب الكبير محدق به لا محط للجيش عليه ولا وصول للسهام إليه وسطحه متسع للزراعة وفي كل ضلع من أضلاعه كهف مرتفع يأوي إليه من أراد الامتناع وأعلاه مغمور بالثلج والصعود إليه في بعض الطريق يستدعي العبور على أوتاد مضروبة ومن لا يستطيع التسلق جر بالحبال وكذلك بغال الطواحين وملكهم معتمد عند الأكراد وهو يأخذ الخفارة من جميع الطرقات من تبريز إلى خوي ونقجوان وهذا هو المعبر عنه في التعريف وغيره من الدساتير في المكاتبات بصاحب جولمرك وهو يكاتب من الأبواب السلطانية بالديار المصرية
السادس عشر بلاد مركوان على القرب من الجولمركية كثيرة الثلوج والأمطار بلاد زرع وضرع وهي متاخمة لأرمية من بلاد أذربيجان وبها طائفة من الأكراد تبلغ عدتهم ثلاثة آلاف وهم أحلاف للجولمركبة
السابع عشر بلاد كواردات وهي بلاد مجاورة لبلاد الجولمركية من جهة بلاد الروم وهي بلاد خصبة وبها طائفة من الأكراد ينتسبون إليها لا إلى قبيلة

وعدتهم نحو ثلاثة آلاف ولهم أمير يخصهم
الثامن عشر بلاد الدينار وهي بلاد تلي بلاد الجولمركية وبها طائفة من الأكراد يقال لهم الدينارية نسبة إلى بلدتهم وعددهم نحو خمسمائة ولهم سوق وبلد وكان لهم أميران أحدهما الأمير إبراهيم ابن الأمير محمد كان له وجه عند الخلفاء والثاني الشهاب بن بدر الدين توفي أبوه وخلفه كبيرا فخلفه في إمرته وكان بيهم وبين المازنجانية حروب
التاسع عشر بلاد العمادية وقلعة هارون وهي بالقرب من بلاد الجولمركية وبها طائفة منهم يقال لهم الهكارية يزيد عددهم على أربعة آلاف مقاتل ولهم إمارة تخصهم قال في مسالك الأبصار وهم يأخذون الخفارة في أماكن كثيرة من بخارا إلى بلد الجزيرة وصاحب هارون يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
العشرون القمرانية وكهف داود وبها طائفة منهم يقال لهم التنبكية قال في مسالك الأبصار وقليل ما هم لكنهم حماة رماة وطعامهم مبذول على خصاصة
واعلم أنه بعد أن ذكر في مسالك الأبصار ما تقدم ذكره عقب ذلك بذكر جماعة من الأكراد تفرقوا في الأقطار بعد اجتماع منهم التحتية وهم قوم كانوا يضاهون الحميدية كان لهم أعيان وأمراء وأكابر فهلك أمراؤهم ونسيت كبراؤهم ولم يبق منهم إلا شرذمة قليلة تفرقت بين القبائل والشعوب ثم قال وشعبهم كثيرة منهم السندية وهم أكثر شعبهم عددا وأوفرهم مددا كانوا يبلغون ثلاثين ألف مقاتل ومنهم المحمدية وكان لهم أمير لا يزيد جمعه على ستمائة رجل ومنهم الراسنية كانوا أوفى عدد وعدد وجمع ومدد ثم تشتت شملهم وتفرق جمعهم وعادت عدتهم في بلد الموصل لا تزيد على ألف رجل وكان لهم أمير يقال له علاء الدين كورك بن إبراهيم في بلد العقر ولا ينقص عن خمسمائة ومنهم الدنيكية وهم متفرقون في البلاد لا يزيد عددهم على ألف رجل

قلت وقد ذكر في التثقيف عدة أماكن من بلاد وقلاع يكاتب أصحابها من الأكراد سوى من تقدم ذكره وهي خمسة وعشرون موضعا
إحداها برجو الثانية البلهيثة الثالثة كرم ليس الرابعة اندشت الخامسة حردقيل السادسة سكراك السابعة قبليس الثامنة جرموك التاسعة شنكوس العاشرة بهرمان الحادية عشرة حصن أران وهو حصن الملك الثانية عشرة . . . الثالثة عشرة سونج الرابعة عشرة اكريسا الخامسة عشرة يزاركد السادسة عشرة الزاب السابعة عشرة الزيتية الثامنة عشرة الدربندات العرابلية التاسعة عشرة قلعة الجبلين العشرون سيدكان الحادية والعشرون صاحب رمادان الثانية والعشرون الشعبانية الثالثة والعشرون نمرية الرابعة والعشرون المحمدية الخامسة والعشرون كزليك

الإقليم الخامس بلاد الديلم
بفتح الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وميم في الآخر وهم جيل من الأعاجم سكنوا هذه البلاد فعرفت بهم وبعض الناس يزعم أنهم من العرب من بني ضبة ومنهم كان بنو بوية القائمون على خلفاء بني العباس ببغداد قال ابن حوقل وهي جبال متسعة إلى الغاية وبها غياض ومياه مشتبكة في الوجه الذي يقابل طبرستان والبحر وبين ذيل الجبل وبين البحر مسيرة يوم وربما نقص عن ذلك وربما زاد حتى بلغ يومين
وقاعدتها روذبار قال في المشترك بضم الراء المهملة وسكون

الواو وفتح الذال المعجمة والباء الموحدة ثم ألف وراء مهملة في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة وسبع وثلاثون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وإحدى وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وبه مقام ملوكهم
ومن بلادها كلار قال في تقويم البلدان بكاف ولام وألف وفي الآخر راء وموقعها في الإقليم الرابع قال في القانون حيث الطول سبع وسبعون درجة والعرض ست وثلاثون درجة قال المهلبي وهي مدينة الديلم وهي في جهة الشرق والجنوب عن لاهجان من بلاد كيلان

الإقليم السادس الجيل
قال في المشترك بكسر الجيم وسكون المثناة من تحت ثم لام وهو اسم لصقع واسع مجاور لبلاد الديلم ليس فيه قرى كثيرة وليس فيه مدينة عظيمة وقال في اللباب الجيل اسم لبلاد متفرقة وراء طبرستان قال ويقال لها أيضا كيلان وكيل فلما عربت قيل جيلان وجيل ومنها كوشيار الحكيم الجيلي فيما ذكره ياقوت وإليها ينسب الشيخ عبد القادر الكيلاني وبالجملة فهما صقعان متلاصقان يعسر تمييز أحدهما عن الآخر قال في مسالك الأبصار عن الشريف محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد الجيلي إن بلاد كيلان في وطاة من الأرض وإنه يحيط بها أربعة حدود من الشرق إقليم مازندران ومن الغرب موقان ومن الجنوب عراق العجم يفصل بينهما جبل يعرف باشناده ومن الشمال بحر القلزم يعني بحر طبرستان قال وطول مجموع كيلان مما بأيدي ملوكها وهو شرق بغرب نحو عشرة أيام وعرضها وهو

جنوب بشمال نحو ثلاثة أيام تزيد وتنقص وهي شديدة الأمطار كثيرة الأنهار كثيرة الفواكه خلا النخل والموز وقصب السكر والمشمش ويجلب إليها المحمضات من مازندران قال ومدن كيلان غير مسورة ولمولكهم قصور عليه وجميع مبانيها بالآجر مفروشة به أيضا كما في بغداد مسقفة بالخشب وبعضها معقودة أقباء وعليها قش مضفور وفي غالب ديارها آبار قريبة المستقى نحو ذراعين أو ثلاثة أو أقل والأنهار حاكمة على مدنها وبها حمامات يجري إليها الماء من الأنهار وبها المساجد والمدارس وتسمى بها الخوانق وغالب أقواتهم الأرز يعمل منه الخبز والرقاق مع تيسر القمح والشعير عندهم والبقر والغنم عندهم بكثرة وأسعارهم متوسطة إلى الرخص وبها الحرير الكثير ولها حصون في نواحي مازندران وجزائر في بحر طبرستان وبها الرمان والبلوط والفواكه وفيها تحصنهم عند مغالبة العدو لهم ولباسهم الأقبية الإسلامية الضيقة الأكمام وتخافيف صغار على رؤوسهم ويشدون المناطق والبنود وخيلهم براذين وفي سروجهم المحلى بالفضة وغيره ولملوكهم زي جميل على ضيق بلادهم وقلة متحصلها ويركب الملك بالرقبة السلطانية والحجاب والسلاح دارية والجمدارية والجنائب المجرورة ويتخذ بظواهر قصور ملوكهم ميادين خضر في أوساطها قصور صغار من الخشب فيها جلوسهم للخدم والمظالم ولا يزال بين ملوكهم الخلف فإذا قصدهم عدو خارجي عنهم تألفوا واجتمعوا عليه حتى إن هولاكو جهز إليهم جيشا عدته سبعون ألف صحبه نائبه قطلوشاه فلم ينل منهم قصدا وكان آخر الأمر أن قتل قطلوشاه وهلك جل من معه وقد ذكر في مسالك الأبصار أن بها ثمان قواعد بكل قاعدة منها ملك وبعضهم أكبر من بعض وموقع جميعها في الإقليم الرابع
فأما الكبار فأربع قواعد

القاعدة الأولى بومن
قال في تقويم البلدان بضم الباء الموحدة التي بين الفاء والباء الموحدة وسكون الواو وكسر الميم ثم نون في الآخر قال وهي قريبة من البحر وبها فيما يحاذيها معدن حديد وبها من معمولات القماش قال في مسالك الأبصار وصاحبها شافعي المذهب دون غيره من ملوك الجيل مذهب نشأ عليه ملوكها قال وعسكره يزيد على ألف فارس وبلاده قليلة ولكن غالب دخله من التجار والحرير بها كثير قال وصاحبها يدعي النسبة إلى بيت الشرف وله اعتناء بأهل العلم والفضل ولباس الملك والجند بها نوع من لباس التتر ولباس غلمانها قريب من زي التجار ولهم عذبات كالصوفية قدامهم وعامة أهلها كغيرهم ممن جاورهم
القاعدة الثانية تولم
قال في تقويم البلدان بضم المثناة الفوقية وواو ولام وميم وصاحب مسالك الأبصار يثبت فيها ياء مثناة تحتية بين اللام والميم وهي قريبة من البحر أيضا قال في مسالك الأبصار وأمر صاحبها قريب من صاحب بومن ولكن لا حرير في بلاده وهو حنبلي المذهب وعدة عسكره نحو ألف فارس وهم أفرس إخوانهم ولهم على ملوك الجيل استظهار لما ظهر من نكايتهم في عسكر التتر قال وزيها كزي بومن

القاعدة الثالثة كسكر
قال في تقويم البلدان بفتح الكافين وسكون السين المهملة بينهما وراء مهملة في الآخر وقد ذكر أنها دولاب بضم الدال المهملة وسكون الواو ولام ألف وباء موحدة في الآخر قال وعن السمعاني فتح الدال وأنه أفصح وأنها من حدود الديلم وذكر في اللباب أنها قرية من أعمال الري قال في مسالك الأبصار وصاحبها له صولة في ملوك تولم وجيشه أكثر عددا من غيره من ملوك الجيل وبلاده أوسع وأرضه أخصب وأكثر حبا وفاكهة وأغناما وأبقارا مما حولها وهي كثيرة السمك والطير ومنها الشيخ العارف السيد عبد القادر الكيلاني قدس الله روحه
وأما الصغار فأربع أيضا
القاعدة الأولى لاهجان
قال في تقويم البلدان بفتح اللام وبعدها ألف وهاء وجيم مفتوحتان ثم ألف بعدها نون ثم قال وهي من الديلم أو كيلان قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة قال في تقويم البلدان ومنها يجلب الحرير المشهور إلى البلاد قال في مسالك الأبصار وهي في حال الحرير كما في بومن بخلاف غيرهما من سائر بلاد الجيل
القاعدة الثانية سخام
القاعدة الثالثة مرست
القاعدة الرابعة تنفس

ولها عدة مدن غير القواعد منها كوتم قال في تقويم البلدان بضم الكاف وواو ساكنة ثم تاء مثناة فوقية مضمومة ثم ميم في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض ست وثلاثون درجة قال في تقويم البلدان قال من رآها إنها مدينة لها بساتين وهي ناقلة عن البحر مسيرة يوم قال المهلبي وهي مدينة كبيرة للجيل
ومنها سالوس قال في تقويم البلدان المشهور بالسين المهملة وألف ولام مضمومة وواو ساكنة ثم سين ثانية وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي على البحر ولها منعة وهي صعبة المسلك قال المهلبي وهي آخر حد طبرستان من جهة الغرب

الإقليم السابع طبرستان
بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة والراء المهملة وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وألف ثم نون قال في تقويم البلدان وهي في جهة الشرق عن بلاد الديلم وكيلان قال وإنما سميت طبرستان لأن طبر بالفارسية الفأس وهي من كثرة اشتباك أشجارها لا يسلك فيها الجيش إلا بعد أن تقطع الأشجار بالطبر من بين أيديهم واستان بالفارسية الناحية فسميت طبرستان أي ناحية الطبر قال في العزيزي وهي في غاية المنعة والحصانة بالجبال المنيعة المحيطة بها من كل جانب وفي وسط الجبال الأراضي السهلة وفيها من كثرة المياه والغياض مالا يساويها فيه بلد آخر وهي عن قزوين في الشرق بانحراف إلى الشمال قال ابن حوقل وهي بلاد كثيرة المياه والأشجار والغالب عليها

الغياض وأبنيتها بالخشب والقصب وهي بلاد كثيرة الأمطار ويرتفع منها حرير يعم الآفاق وغالب خبزهم الأرز قال وليس بجميع طبرستان نهر تجري فيه السفن إلا أن البحر قريب منهم على أقل من يوم قال ابن خلكان والنسبة إليها طبري
وقاعدتها آمل قال في المشترك بهمزة مفتوحة بعدها ألف ثم ميم مضمومة ولام في الآخر وهي مدينة من طبرستان واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال في القانون وهي قصبة طبرستان وهي أكبر من قزوين مشتبكة بالعمارة لا يعلم على قدرها أعمر منها في تلك النواحي قال أحمد الكاتب وهي على بحر الديلم وقال في المشترك هي أكبر مدينة بطبرستان ومنها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الإمام الكبير المشهور ولها عدة مدن ومنها رويان قال في المشترك بضم الراء المهملة وسكون الواو ثم ياء مثناة من تحت وألف ونون وهي مدينة من طبرستان واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول ست وسبعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة قال في المشترك وهي مدينة كبيرة في جبال طبرستان ولها كورة عظيمة وعمل قال في اللباب وخرج منها جماعة كثيرة من العلماء
ومنها مامطير قال في اللباب بفتح الميمين وكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحت وراء مهملة في الآخر قال في اللباب وهي بلدة من عمل آمل خرج منها جماعة من العلماء
ومنها دهستان قال في اللباب بكسر الدال المهلمة والهاء وسكون السين المهملة وفتح المثناة من فوق ثم ألف ونون قال ابن حوقل وهي مدينة من طبرستان وقيل هي من خراسان وموقعها في الإقليم الخامس من

الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول إحدى وثمانون درجة وعشر دقائق والعرض ثمان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي مدينة مشهورة عند مازندران بناها عبد الله بن طاهر ومعناها بالفارسية موضع القرى وهي آخر حد طبرستان بين جرجان وخوارزم

الإقليم الثامن مازندران
بفتح الميم وبعدها ألف وفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الدال والراء المهملتين وألف ثم نون وهو إقليم على القرب من طبرستان وقاعدتها جرجان قال في اللباب بضم الجيم وسكون الراء المهملة وجيم ثانية وألف وفي آخرها نون قال في المشترك والعجم تسميها كركان بضم الكاف وسكون الراء المهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال المهلبي وهي مدينة جليلة بين خراسان وبين طبرستان فخوارزم منها في جهة الشرق وطبرستان منها في جهة الغرب قال وهي بلدة كثيرة الأمطار متصلة الشتاء وفي وسطها نهر يجري وهي قريبة من بحر الخزر والجبال محتفة بها فهي سهلية جبلية يجتمع فيها فواكة الغور والنجد قال وبها من خشب الخلنج ما ليس في بلد آخر مثله
ولها مدن أخرى منها سارية قال في اللباب بفتح السين المهملة وألف وراء مهملة ومثناة من تحتها وهاء قال في اللباب وهي مدينة من مازندران قال ابن سعيد من طبرستان وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة وفي شرقيها خوار الري وبينهما نحو ثمانين ميلا
ومنها أستراباذ قال في المشترك بفتح الهمزة وقال في

اللباب بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وكسر المثناة من فوق وفتح الراء المهملة وبالباء الموحدة بين ألفين وفي آخرها ذال معجمة قال في اللباب وقد يلحقون فيها ألفا أخرى بين التاء والراء قال في المشترك أستر اسم رجل وأباذ اسم عمارة فكأنه قال عمارة أستر وهي مدينة من مازندران وقيل من خراسان وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول تسع وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس دقائق قال في العزيزي وهي على حد طبرستان وبينها وبين آمل قصبة طبرستان تسعة وثلاثون فرسخا
ومنها أبسكون قال في اللباب بفتح الألف الممدودة وضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وضم الكاف وفي آخرها نون وهي بلدة على ساحل بحر الخزر واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول تسع وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وعشر دقائق قال في القانون وهي فرضة جرجان قال ابن حوقل وإليها ينسب بحر ابسكون ومنها يركب إلى الخزر وإلى باب الأبواب والجيل والديلم وغير ذلك

الإقليم التاسع قومس
قال في اللباب بضم القاف وسكون الواو وفتح الميم وفي آخرها

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39