كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

أشخاص أمثاله الأول بعدما ضمهم صفيح اللحد وتربه حتى يميس الكسائي في برد مسرته الفاخر ويفتح عيون حمزة على زهرات روض عبق المباخر ويترنم ورشان ورش في الأوراق على بحره الزاخر ويظهر بفضله ذكر الشاطبي فيكون القاضي الفاضل رحمه الله قد أظهره في الزمن الأول والقاضي الفاضل أجله الله قد أظهره في الزمن الآخر وتقوى الله تعالى كما علم ختام الوصايا البيض فليتناول مسكها الذي هو بشذا المسك ساخر والله تعالى ينفع بعلوم صدره الذي ما ضاق عن السؤال فمله ويمتع بعلو قدره الذي إن لم يكن هو لفضل الثناء فمن له

المرتبة الثالثة من تواقيع مشايخ الأماكن بحاضرة دمشق ما يفتتح برسم
بالأمر
توقيع بمشيخة الجواليقية من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو
رسم بالأمر لا زال حسن اعتقاده يستنزل النصر فينصر ويستبصر مطالع الفوز فيبصر ويستجلب الأدعية الصالحة من كل زاهد إذا حام في أفق العبادة حلق وما قصر أن يستقر حملا على الوصية التامة الحكم والأساس وعلما بأنه ممن حل في مشيخته لباس بلاس ونزع في الزهد عما عد زينة في الناس وسرح شعره حقيقة التسريح فأطلقه ومحا رق سواده وبياضه فأعتقه ولازم طريق مشايخه فما وشكر الحال فجعل في منبت كل شعرة لسان للشكر وفما وسر طائقة وردوا على آثاره مناهل الوفا وصفت

قلوبهم ووجوههم فدارت عليهم كؤوس إخوان الصفا حتى مشوا إلى مطالب الخير مشي الرخاخ وفاخروا أقواما دنسوا عزة رتبتهم فلولا أدبهم لانشدوهم عقول مرد ولحى أشياخ
فليقم في مشيخته قياما يحيي القوم بأنفاسه ويبهجهم بكرامة الكشف من قلبه وتكريم الكشف من راسه سالكا بهم في طرائق الخير مستبشرين آمرا بتقصير الملابس ورعا حتى يدخل بهم إلى النسك محلقين ومقصرين والله تعالى ينفع به ويغني حاله بمذهب مذهبه

الضرب الثاني من تواقيع مشيخة الأماكن ما هو بأعمال دمشق وفيه مرتبة
واحدة وهي الافتتاح برسم
وهذه نسخ تواقيع من ذلك
نسخة توقيع بمشيخة الحرم الخليلي من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة كتب به للشيخ شمس الدين بن البرهان الجعبري بالمجلس وهي
رسم بالأمر الشريف أعلاه الله تعالى وبسط عدله الذي لا يبلغه الواصف ولو تغالى وسرى لأولياء بني الأولياء ببره الذي تسنن بسنة الغيث ثم توالى أن يستقر أدام الله تعالى ببركته الانتفاع وباقتداء سلفه الارتفاع وأعاد من بركات بيته الذي قام البرهان بفضله وقال بوضوح شمسه الإجماع في مشيخة حرم سيدنا الخليل صلوات الله عليه وسلامه على عادته القديمة المقدمة ومستقر قاعدته المعلومة المعلمة بعد إبطال ما كتب به لغيره فإن هذا الولي أولى ولأن الحق معه وباع الحق أطول على المعنيين إطالة وطولا وضعا للشيء في محله الفاخر وحملا على ما بيده من تواقيع شريفة

توارث بركتها ملوك البسيطة في الأول والآخر وعلما أنه بقية العلم المشيد والزهد العتيد وخليفة السلف الصالح وما منهم إلا من هو أمين العزم رشيد وأنه الشيخ وكل من عرفه في بقائه ولقائه مريد والقائم بالمقام الخليلي صوات الله تعالى على ساكنه مقاما مجتبى والمنتسب إلى خدمة الحرم الإبراهيمي مخدوما صلى الله عليه ونسبا والقديم الهجرة فلا تتركه الأوطان ولا تهجره والمقيم بالبلد الخليلي على إقامة الخير فما ضره أن العدو يشكوه إذا كان الخليل يشكره وقد سبقت له مباشرات في هذا الحرم الشريف فكان عزمها تماما وشكرها لزاما وكانت على الصادرين كتلك النار النبوية بردا وسلاما
فليعد إلى مباشرة وظائفه المذكورة في التواقيع الشريفة التي بيده وليكن يومه في الفضل زائد على أمسه مقصرا عن غده بثناء يتلقى أضياف أبي الأضياف بأليف أحوال الداخلين إليه شتاء وصيفا وإن لم تكن رحلة إيلاف جاريا في بركة التدبير والتثمير على عادته وعادة سلفه فنعم الخلف ونعم الأسلاف مواظبا على عادة تقواه ورفع الأدعية لهذه الدولة الشريفة جاعلا ذلك منه أول وآخر كل وظيفة والله تعالى ينفع ببركات سلفه وبه ويكافيء عن الأضياف بسط راحته بالخيرات وفضل تعبه
توقيع بمشيخة الزاوية الأمينية بالقدس ونظرها كتب به للقاضي برهان الدين بن الموصلي بالجناب العالي وهو
رسم لا زال يجري الأولياء في مقاصدهم على أجمل عادة ويختار منهم لمواطن الخير من يرعاها بنظر يثمر لها السعادة أن يحمل فلان في وظيفتي النظر والمشيخة بالزاوية الأمينية بالقدس الشريف على حكم النزول والتقرير الشرعيين المستمر حكمهما إلى آخر وقت واستمراره في الوظيفتين المذكورتين بمقتضاهما ومنع المنازع بغير حكم الشرع الشريف

فليباشر ذلك بما يقتدى به من تسليكه وتأديبه وتسرع رغبته في هذا المقام ومن عناية تهذيبه والوصايا كثيرة ولكن لا تقال لمثله إذ هو معلمها وتقوى الله سبحانه أهمها وأعظمها والله تعالى المسؤول أن يرشدنا إليها وأن يجعل في كل الأمور اعتمادنا عليها بمنه وكرمه

الصنف الخامس مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام تواقيع العربان
والذي وقفت عليه من ذلك مرسوم مكتتب بربع تقدمة بني مهدي بالمجلس السامي بغير ياء كتب به لموسى بن حناس مفتتحا بأما بعد وهو
أما بعد حمد الله تعالى الذي جمع على الطاعة الشريفة كل قبيلة وبسط على ذوي الإخلاص ظلال نعمه الظليلة والشهادة بأنه الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له شهادة أتخذها للتوحيد دليله والصلاة والسلام على سيدنا محمد ورسوله الذي اتخذه الله تعالى حبيبه وخليله وآتاه الدرجة الرفيعة والوسيلة وعلى آله وصحبه صلاة مباركة أصيلة فإن الأولى لتزكية القوم ترعى وذا الإخلاص ينجح له كل مسعى والجدير بالنعم من يجيب بالطاعة حين يدعى من سلك في الخدمة الشريفة مسلك الأسلاف وتجنب ما يفضي إلى الشقاق والخلاف فعند ذلك رفعنا مراتبه وضاعفنا مواهبه وأنرنا بالإقبال الشريف كواكبه وأجملنا مكاسبه وبسطنا في ربع تقدمة بني مهدي كلامه ونفذنا أمره على طائفته قوله وإبرامه من أضحى مشكورا من كل جانب مجتهدا في المصالح وبلوغ المآرب من عرف بالأمانة فسلكها واشتهر بالصيانة فملكها وحاز أوصافا حسنة وسيرة نطقت بها الألسنة وكان فلان هو الذي أضحى على عربانه مقدما ومن أكابرهم معظما

فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت مراسمه الشريفة عالية نافذة وأوامره بصلة الأرزاق عائدة أن يستقر على عادته وقاعدته حملا على ما بيده من التوقيع الكريم
فليباشر هذه الإمرة مع شركائه مباشرة حسنة وليسر فيها سيرا تشكره عليه الألسنة وليظهر السداد وليبذل الطاعة والاجتهاد وليسلك المسالك الحسنة والله تعالى يجعله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه والوصايا كثيرة وملاكها تقوى الله تعالى والله تعالى يجعل إحساننا إليه يتوالى
قلت وقد تقدم أنه يكتب بإمرة بني مهدي من الأبواب السلطانية أيضا على أن هذا التوقيع من التواقيع الملفقة ليس فيه مطابقة للتواقيع وليس برائق اللفظ ولا مؤنق المعنى

الصنف السادس مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام تواقيع زعماء أهل الذمة من
اليهود والنصارى
وهذه نسخة توقيع لبطرك النصارى مفتتحا بأما بعد كتب به للبطرك ميخائيل وهي
أما بعد حمد الله الذي جعلنا نشمل كل طائفة بمزيد الإحسان ونفيض من دولتنا الشريفة على كل بلد اطمئنانا لكل ملة وأمان ونقر عليهم من اختاروه ونراعيهم بمزايا الفضل والامتنان والشهادة بأنه الله الذي لا إله إلا هو الواحد الذي ليس في وحدانيته قولان والفرد المنزه عن الجوهر والأقنوم والوالد والولد والحلول والحدثان شهادة أظهر إقرارها اللسان وعملت بها الجوارح والأركان والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله المبعوث إلى كافة الملل والإنس والجان الذي بشر به عيسى وآمن به موسى وأنزل عموم رسالته

في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فصح النقل بنبوته وآدم في الماء والطين وأوضح ذلك البرهان وعلى آله وصحبه الذين سادوا بإخلاص الوحدانية وشادوا أركان الملة المحمدية وأعزوا الإيمان وأذلوا الطغيان صلاة ينفح طيبها ويفصح خطيبها ويفرح بها الرحمن فإن أولى من أقمناه بطريكا على طائفة النصارى الملكية على ما يقتضيه دين النصرانية والملة العيسوية حاكما لهم في أمورهم مفصحا عما كمن في صدورهم من هو أهل لهذه البطريكية وعارف بالملة المسيحية أخذه لها أهل طائفته لما يعلمون من خبرته ومعرفته وكفايته ودربته وندب إلى ولاية يستحقها على أبناء جنسه ورغب في سلوكه لها مع إطابة نفسه مع ماله من معرفة سرت أخبارها وظهرت بين النصارى آثارها وكان فلان أدام الله تعالى بهجته هو من النصارى الملكية بالمعرفة مذكور وسيره بينهم مشكور القائم فيهم بالسيرة الحسنة والسالك في مذاهبهم سيرا تشكره عليها الألسنة
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال إحسانه العميم لكل طائفة شاملا وبره الجسيم لسائر الملك بالفضل متواصلا أن يستقر بطركا على النصارى الملكية بالشام وأعماله على عادة من تقدمه في ذلك وتقوية يده على أهل ملته من تقادم السنين بحكم رضاهم ومنع من يعارضه في ذلك حملا على ما بيده من التوقيع الكريم المستمر حكمه إلى آخر وقت
فليباشر هذه البطركية مباشرة محمودة العواقب مشكورة لما تحلت به من جميل المناقب وليحكم بينهم بمقتضى مذهبه وليسر فيهم سيرا جميلا ليحصل لهم غاية قصده ومأربه ولينظر في أحوالهم بالرحمة وليعمل في تعلقاتهم بصدق القصد والهمة وليسلك الطريق الواضحة الجلية وليتخلق بالأخلاق المرضية وليفصل بينهم بحكم مذهبه في موارثهم وأنكحتهم

وليعتمد الزهد في أموالهم وأمتعتهم حتى يكون كل كبير وصغير ممتثلا لأمره واقفا عندما يقدم به إليه في سره وجهره منتصبين لإقامة حرمته وتنفيذ أمره وكلمته وليحسن النظر فيمن عنده من الرهبان وليرفق بذوي الحاجات والضعفاء من النساء والصبيان والأساقفة والمطارنة والقسيسين زيادة للإحسان إحسانا جاريا في المساء والصباح والغدو والرواح
فليمتثلوا أمره بالطاعة والإذعان وليجيبوا نهيه من غير خلاف ولا توان ولا يمكن النصارى في الكنائس من دق الناقوس ورفع أصواتهم بالضجيج ولا سيما عند أوقات الأذان لإقامة الناموس وليتقدم إلى جميع النصارى بأن كلا منهم يلزم زيه وما جاءت به الشروط العمرية لتكون أحوالهم في جميع البلاد مرعية وليخش عالم الخفيات وليستعمل الأناة والصبر في جميع الحالات والوصايا كثيرة وهو بها عارف والله تعالى يلهمه الرشد والمعارف
قلت وهذا التوقيع فيه ألفاظ ومعان غير مستحسنة وألفاظ ومعان منكرة أفحشها قوله مفصحا عما كمن في صدورهم فإنه لا يعلم ما تخفي الصدور وتكنه إلا الله تعالى
واعلم أنه ربما افتتح توقيع البطريرك عندهم برسم بالأمر
توقيع لبطرك النصارى بالشام أيضا كتب به للبطريرك داود الخوري بالبطرك المحتشم وهو
رسم بالأمر لا زال يعز بالالتجاء إلى حرمه من يأوي إليه ويقصد عدله

من أهل الملل ويعتمد عليه أن يستقر فلان وفقه الله تعالى بطريرك الملكية بالمملكة الشريفة الشامية المحروسة حسب ما اختاره أهل ملته المقيمون بالشام المحروس ورغبوا فيه وكتبوا خطوطهم به وسألوا تقريره في ذلك دون غيره إذ هو كبير أهل ملته والحاكم عليهم ما امتد في مدته وإليه مرجعهم في التحريم والتحليل وفي الحكم بينهم بما أنزل الله تعالى في التوراة ولم ينسخ في الإنجيل وشرعته مبنية على المسامحة والاحتمال والصبر على الأذى وعدم الاكتراث به والاحتفال
فخذ نفسك في الأول بهذه الآداب واعلم بأن لك في المدخل إلى شريعتك طريقا إلى الباب فتخلق من الأخلاق بكل جميل ولا تستكثر من متاع الدنيا فإنه قليل وقدم المصالحة بين المتحاكمين إليك قبل الفصل البت فإن الصلح كما قيل سيد الأحكام وهو قاعدة دينك المسيحي ولم تخالف فيه المحمدية الغراء دين الإسلام ونظف صدور إخوانك من الغل ولا تقنع بما ينظفه ماء المعمودية من الأجسام وإليك الأمر في البيع وأنت راس جماعتك والكل لك تبع فإياك أن تتخذها لك تجارة مربحة أو تقتطع بها مال نصراني تقربه فإنه ما يكون قد قربه إلى المذبح وإنما ذبحه وكذلك الديارات والقلالي يتعين عليه أن يتفقد فيها كل أمر في الأيام والليالي

وليجتهد في إجراء أمورها على ما فيه رفع الشبهات وليعلم أنهم إنما اعتزلوا فيها للتعبد فلا يدعها تتخذ متنزهات فهم إنما أحدثوا هذه الرهبانية للتقلل في هذه الدنيا والتعفف عن الفروج وحبسوا فيها أنفسهم حتى إن أكثرهم إذا دخل إليها ما يعود يبقى له خروج فليحذرهم من عملها مصيدة للمال أو خلوة له ولكن بالنساء حراما ويكون إنما تنزه عن الحلال وإياه ثم إياه أن يؤوي إليه من الغرباء القادمين عليه من يريب أو يكتم عن الإنهاء إلينا مشكل أمر ورد عليه من بعيد أو قريب ثم الحذر الحذر من إخفاء كتاب يرد إليه من أحد من الملوك ثم الحذر الحذر من الكتابة إليهم أو المشي على مثل هذا السلوك وليتجنب البحر وإياه من اقتحامه فإنه يغرق أو تلقي ما يلقيه إليه جناح غراب منه فإنه بالبين ينعق والتقوى مأمور بها أهل كل ملة وكل موافق ومخالف في القبلة فليكن عمله بها وفي الكتابة ما يغني عن التصريح وفيها رضا الله تعالى وبها أمر المسيح
توقيع برآسة اليهود بالشام جاء مفتتحا برسم من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو
رسم بالأمر لا زال جوده في كل ملة وغمام كرمه على الخلق كأنه ظلة وذمام نعمه يبلغ المسلم والذمي من الاستحقاق محله أن يستقر الحكيم فلان
ومنه وأن يعاملهم على ما ألفوه من الأحكام وينصف صاحب حقهم

من متطلبهم حتى لا يعدو أحد في سبت ولا في سائر الأيام ويهذب وحشي جاهلهم بإيناسه ويعالج سقم كاهلهم حتى تطلع الصفراء من راسه
فليقم مقاما في هذه الطائفة القديمة وليعبر من أسفار عبرانية عن عوائد قضاياهم النظيمة مفرحا بمعرفته كل حران جامعا كل شعث على عدل عنده وإحسان شاكرا لظلل النعمة عارفا بالعوارف التي ترعى يمينها كل ذمة

النيابة الثانية من النيابات التي يكتب عن نوابها بالولايات نيابة حلب
وهي على نحو من نمط دمشق فيما يكتب عن نائبها فيكتب عن نائبها أيضا بالتواقيع لأرباب الوظائف بحاضرة حلب وأعمالها من أرباب السيوف وأرباب الأقلام الدينية وأرباب الأقلام الديوانية ومشايخ الأماكن وغيرهم مرتبة على المراتب الثلاث من الافتتاح بالحمد لله والافتتاح بأما بعد حمد الله والافتتاح برسم بالأمر
وهذه نسخ تواقيع مما كتب به لأرباب السيوف بحاضرة حلب وأعمالها يستضاء بها في ذلك
توقيع بنقابة الأشراف مما كتب به لأرباب السيوف بحاضرة حلب وأعمالهم يستضاء بها في ذلك
توقيع بنقابة الأشراف كتب به للشريف عز الدين أحمد بن أحمد الحسيني بالمقر العالي وهو
أما بعد حمد الله الذي خلد السيادة في بيوت الشريف أحمد تخليد وقلد تقاليد السعادة لأهل الإفادة أسعد تقليد وجدد الوفادة لحرم العبادة بعز العصابة المحمدية آكد تجديد والصلاة والسلام على سيد الخلق الذي عقد العهدين لأمته بالثقلين من كتاب الله وعترته وسر النفوس المؤمنة هداه بكل أبي من أسرته وأقر العيون المراقبة بكل سري من أهل بيته تبرق أنوار

النبوة من أسرته وعلى آله حبل النجاة للمتمسك وسبل الهداة للمتنسك وصحبه نجوم الهدى ورجوم العدا وأئمة الخير لمن بهم اقتدى صلاة وسلاما يتعاقبان دواما ويتلازمان على الألسنة مدى المدى لزاما ما حلا بعين وطف وما علا علوي ذرا شرف فإن أهم ما اعتنى به ولاة أمور الإسلام وأعم ما اقتنى منه رعاة أجور الحكام رعاية مصالح أهل البيت وانتهاز الفرصة في موالاتهم حتى لا يقال لفواتها ليت وتعظيم ما عظم الله تعالى من حقوقهم وتكريم ما كرم رسوله من برهم واجتناب عقوقهم وتقديم أحقهم بالتقديم لا حق سباقهم إلى غايات الغلوات وسبوقهم والتعبد بالتعب والاجتهاد في نفعهم ونصب النفوس للنصب لتجر ذيول الفخر بموالاتهم وإعلائهم على الرؤوس ورفعهم اختيارا لرأي من زاد في العناية بالعترة الطاهرة وأربى وأتمارا بقوله تعالى ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) خصوصا نقابة الأشراف والنظر فيما لهم من الأوقاف فهي شاملة جمعهم وجامعة شملهم وواصلة نفعهم ونافعة كلهم وبفضل مباشرها تسبغ عليهم النعمة وتستدر ببركة إجماعهم عليه سحب الرحمة وبكفالته تجمع المنة لمراتبهم وأحسابهم وبإيالته تدفع الظنة عن مناقبهم وأنسابهم وهو القائم عن ولاة الأمور من خدمهم بفروض الكفاية والدائم الدأب لمرآة أدبهم لتحسن لهم الرعاية فوجب الاحتفال باختيار من يحلي هذا المنصب الشريف وتعين الابتهال في امتياز من يسبغ عليه هذا الظل الوريف ممن قدم في هذه السيادة بيته وارتفع بخفض العيش لقرابته بعفافه وديانته صيته وتنزه عن كل ما يشين وتبرا واكتسى حلل الفخار العلية ومن أعراض الدنيا الدنية تعرى
وكان فلان بن فلان أسبع الله تعالى ظلالهم وضاعف بمعالي الشرف

جلالهم ممن حاز في هذه الخلال المنازع وجاز نهاية هذه الخصال بلا منازع وورد من حياض المناقب الجملية أعذب المشارع ودرى المراقي إلى المجد ودرب وبلغت نفوس محبيه من مخايل سعوده الأرب وقرت عيون أقاربه بما حصل له من القرب ونشأ في حجر السعادة وارتضع لبان الإفادة ولحق بالسابقين الأولين من أهل بيته في الزهادة وتبتل بالإخلاص فظهرت على وجهه أنوار العبادة وانقطع على العمل وبلغ من العلوم الأمل قؤوم تشبث بالمجرة وهو شامة في شامه المنسوب
( ورث السيادة كابرا عن كابر ... كالرمح أنبوب على أنبوب )
أصل فخار سما وفرع نجار نما وغيث فضل همى أثبت في أعلى المعالي قدما وناسب قدره سعيه كرما وجلت صفات محاسنه اللائقة وحلت الأفواه مدائح سجاياه الرائقة وتملت الألسن وما ملت ما تملي عنه بالخير كل ناطقة
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت أوامره ببر آل موالاته ماضية ونواهيه بقهر أهل معاداته قاضية أن يستقر استقرارا يقر عين العلا ويسر نفوس أهل الولا ويضع الأشياء في محلها ويسند الأمور إلى أهلها ويستجلب الأدعية ويحمل بالولاء الجميل ألوية ويشرح خواطر الأشراف ويطيب نفوسهم ويرفع بعد سجود الشكر بالدعاء رؤوسهم
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة يقفو بها آثار بيته الطاهر بعزم كريم لكل مصلح بالخير غامر ولكل مفسد بالضير قاهر وحزم حليم لكل حق ناصر ولكل كسر جابر وليصل بالبر رحمه وليلن للضعيف كلمه وليقم بأعباء هذه الوظيفة قيام عمه الشريف وأبيه وليصم عن أموال الأوقاف صياما يقربه الله تعالى به ويجتبيه ليحمد هذا المنصب الجليل في بيته الأصيل عوده على

أحمد ولينفع قرابته بتثمير أموالهم وليشفع النهضة بالمعرفة في تثمير غلالهم لتدر بركته أخلاف أرزاقهم وتقر خواطرهم بمضاعفة أرزاقهم وإطلاقهم ويخصب في جنابه مرعاهم ويقرب في بابه مسعاهم وتنطق بشكره ألسنتهم الشريفة وتنطبق على صحبته ظلال بيوتهم الوريفة وليعتبر ويختبر أشغالهم وليمنع شبانهم من الاحتراف بحرف الأدنياء وليأمر الآباء بتعهد تربية الأبناء وليأمرهم من العمل بما يناسب معاليهم وليجبرهم بتدبيره السديد جبرا يميزهم بحسن السمت من أوليائهم وكلنا من مواليهم
والوصايا كثيرة وعين علومه بتعدادها بصيرة وتقوى الله تعالى لا يهمل النص عليها والإشارة بحسن البيان وحسن البنان إليها فلتكن ركن استناده ورأس مال اعتماده والله تعالى يديمه في صعود درج السعود مدة حياته ويجمع له خيري الدنيا والآخرة برفع درجاته
وهذه نسخة توقيع بنقابة الجيوش بحلب كتب به لناصر الدين بن أيتبك بالسامي بغير ياء وهي
رسم بالأمر الشريف لا زال أمره الشريف يعضد الجيوش بأعضد ناصر ويرشد أولياء الخدمة إلى ارتقاء رتب المعالي فكل إنسان عن إدراك محلها قاصر أن يستقر فلان أدام الله توفيقه وجعل اليمن والسعد قرينه ورفيقه استقرارا يظهر ما لم يخف من نهضته وكفايته ويشهر معلن سر يقظته ودرايته لأنه الفارس الذي أعز كل راجل بشجاعته والممارس الذي خبر الوقائع بحسن دربته ودراية صناعته والعارف الذي اتصف بالخبرة وحسن الصفة وعرف في أموره بالعدل والمعرفة والهمام الذي علت همته فوق كل همة وكشف بجزيل مروءته من الكربات كل غمة وسار في الجيوش سيرة والده فشهد كل بما حواه من طارف الفضل وتالده
فليباشر ذلك سائرا في الجنود أحسن سيرة مراقبا الله تعالى فيما يبديه

من القول والفعل والعلانية والسريرة ملازما ما يلزمه من حقوق هذه الوظيفة قائما بما يجب من أداء الخدمة الشريفة ولينفذ ما يؤمر به من الأوامر عالما بما يتعين من حقوق المأمور والآمر وليجتهد في جمع العساكر وإعلامهم بالمهمات وليتفقد أحوال الجند في سائر الأوقات وليسفر النقاب عن الوجوه بالحلية يوم العرض وليسبل حجاب الستر على من أدركه العجز عن أداء الفرض والوصايا كثيرة لا تحتاج إلى التعداد وتقوى الله تعالى هي العمدة في كل الأمور وعليها الاعتماد
توقيع بالمهمندارية بحلب كتب به لغرس الدين الطناحي بالجناب العالي وهو
رسم بالأمر الشريف لا زالت عزائمه تندب للمهمات من غرست برياض وليه أدواح الهمم فزكا غرسا وتقرر لها من شاب فوده في إفادة الوفود فأجاب قصدا وأطاب نفسا ولا برحت عنايته تشمل من أولياء خدمها كل شهم إذا سل عضبا أزال نفسا وأسال نفسا وتعين من أعيانهم كل جميل يود المنافس لو شاهده ولا تبخس يد الرقي منه نفسا أن يستقر لأنه ذو الهمم التي لا تلحق جيادها ولا تسبق جودة جيادها لا منتهى لصغار هممه فأنى تدرك كبارها ولا تدرك سوابقه فأنى تقتفى آثارها له قدم إقدام في الثرى لا يزال راسخا وهامة همة لم يزل شرفها على الثريا باذخا ولأنه الفارس

الذي تفرست في مخايله الشجاعة وتبضع الشهامة في الحروب فكانت أربح بضاعة كم أزرت سمر رماحه بهيف القدود وأخجلت بيض صفاحه كل خود أملود وكم جردت من مطربات قسيه الأوتار فتراقصت الرؤوس وشربت الرماح خمر الدماء فعربدت على النفوس
( له همم تعلو السحائب رفعة ... وكم جاد منها بالنفائس والنفس )
( وتجنى ثمار الفضل من دوح غرسه ... ولا غرو أن تجنى الثمار من الغرس )
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة تحمده فيها الوراد وتشكره بالقصد ألسنة القصاد وتذكره البريدية بالخير في كل واد وليهيء لهم من القرى ما يهيئه المضيف وليحصل لهم التالد منه والطريف وليتلقهم بوجه الإقبال وليبدأهم بالخير ليحسن له المآل وليجعل التقوى إمامه في كل أمر ذي بال وليتصف بالإنصاف فهو أحمد الأوصاف في جميع الأحوال
توقيع بتقدمة البريدية بحلب كتب به لعماد الدين إسماعيل بالمجلس العالي وهو
رسم بالأمر الشريف لا زالت عنايته الكريمة تقدم إلى الرتب العلية من بني أس إقدامه من المروءة على أشرف عماد وتعين للمهمات الشريفة من امتطى من جياد العزم أسبق جواد وتندب لها من أولياء خدمه كل ندب لم يزل ساعد سعده مبنيا على السداد وتصعد إلى أفقها من ذوي الشهامة من فاقت بيمينه الصعاد أن يستقر لأنه ذو الهمم التي سامى بها الفراقد والكفء الذي نشط إلى القيام بالعزائم إذا قعد عنها من ذوي الهمم ألف راقد

والمقدم الذي قدمه الإقدام على قضاء الأمور المعضلات وحلى أجياد ذوي المآرب إذ حل لهم منها بيمن عزمه المشكلات ماعلا جواد بريد إلا وسابق الطرف بل الطرف إلى المراد ولا ندب إلى مهم للحكم فيه نيلا لأمل إلا قدح من رأيه في فضائه أورى زناد والفارس الذي تمايلت بكفه العوامل عجبا فأخجلت الأغصان وحلت إذا حلت بقلوب الأعداء وإن كانت من المران والشهم الذي سبق السهم إلى الغرض والشجاع الذي ما أعرض عن محاربة الأقران فصفى جوهر شجاعته من العرض واليقظ الذي لم يكن يناظره إنسان ولا انطبق على أسيافه المسهدة بيمينه أجفان
فليباشر هذه التقدمة مباشرة يشهد الحاسد له فيها بالتقديم ويقر الجاحد أنه أهدى لما أسدي إليه إلى صراط عزم مستقيم وليطر إلى قضاء المهمات الشريفة بأجنحة السداد وليمتط من جواد الجواد أسبق جواد وليسو بين البريدية في الأشغال وليقبل عليهم فيما يرومونه من حسن السفارة بوجه الإقبال وليسلك سنن الصدق والتقوى وليجعلهما له أحسن سنة وليلبس سوابغ الإنصاف فإنها من سهام الخلل جنة
نسخة توقيع بنيابة عينتاب كتب به لناصر الدين محمد بن شعبان بالمجلس العالي عوضا عمن كان بها وهي
رسم بالأمر الشريف لا زال إحسانه العميم يرفع لناصر الدين قدرا وامتنانه الجسيم ينفذ له في حفظ الممالك المنصورة أمرا ويولي أمر الرعية

من حسنت سيرته سرا وجهرا أن يستقر لأنه شهم سهم عرفانه مصيب وفارس ربع خبره وخبره خصيب له مناقب جليلة وسيرة محمودة جميلة تنقل في المراتب تنقل البدر في سعوده وارتقى ذروة السيادة ارتقاء الكوكب في منازل صعوده ما باشر مباشرة إلا ونشرت له بها أعلام شكره ولا علا منزلة إلا تليت بها سور حمده وذكره لم يزل متبعا للحق في أحكامه سالكا سبل الصواب في نقضه وإبرامه فتح له إقبالنا الكريم بابه فلذلك قدم على غيره في هذه النيابة
فليباشرها مقتفيا آثار العفاف مرتديا أردية العدل والإنصاف مقيما منار الشرع الشريف منصفا من القوي الضعيف والله تعالى يوفقه للصواب فيما تولاه والخط الكريم شاهد أعلاه
قلت وعلى نيابة عينتاب هذه يقاس ما في معناها من نيابات العشرات فيجري الحكم في تواقيعها كذلك أما الطبلخانات فقد تقدم أن الأصل أنه لا يولى فيها إلا من الأبواب السلطانية
وهذه نسخة مرسوم بإمارة الركب الحلبي المتوجه إلى الحجاز الشريف كتب به لشهاب الدين أحمد بن الطنبغا بالجناب الكريم والبياض فيه وصل واحد وهي
رسم بالأمر العالي لا زال يمنح وفد الله تعالى بمن لم يزل شهاب هممه في أفق الصيانة منيرا ويسند أمرهم إلى كل ندب لا يزال على الحق ظاهرا وعلى ذوي الباطل ظهيرا أن يستقر فلان من أعيان الموالي الأمراء الطبلخانات

بحلب المحروسة أعز الله تعالى نصرته أميرا على ركب الحاج الحلبي في هذا العام المقبل على أجمل العوائد وأكمل القواعد حسب ما رسم به استقرارا يحمد به الوفد عند صباح هممه السرى ويبلغ بهم قرى الغفران بأم القرى وينال به طيب العيش بطيبة وطابة ويدرك بجياد فضله آرابه ويمنح به زيارة سيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام ويفوق به سهم إصابته من البشر إلى مرامي المرام ويشهد به بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة ويلبس به سوابغ القبول لتكون له من سهام الذنوب أوقى جنة ويتردى به برود التقى حين ينزع محرمات الإحرام ويقبل به على ذكر الله تعالى في الوهاد والبقاع والآكام ويستقبل به حرم بيت الله الحرام ويشب له الهنا حين دخوله المسجد من باب بني شيبة ويتعاطى به أسباب التوبة لينال من العفو من الله الكريم سيبه ولا يقتصر به عن التطاول إلى الدعاء إلى الله تعالى لتعمه الرحمة بفضله وطوله ويدخل به حراما آمنا يتخطف الناس من حوله ويفتح به إلى المقام بابا من الأمن إلى يوم القيامة مقيم ويذكر بوقوفه بعرفات وقوفه ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )
فليباشر هذه الإمرة المباركة مباشرة يتيقظ منها لهجر المنام وليصرف وجه سهامه إليها في المسير والمقام ولينفق على الحاج من كنوز معدلته وليجعل القيام بمصالحهم من أكبر همته وليسع بالصفا في حراستهم من أهل الفساد وليعتمد صونهم من ذوي العناد وليعاملهم بالإرفاد والإرفاق وليقطع من بينهم شقة الشقاق وليجعل تقوى الله إمامه في القول والعمل
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الدينية بحلب
توقيع بقضاء القضاة كتب به لقاضي القضاة جمال الدين إبراهيم بن

أبي جرادة قاضي قضاة حلب المحروسة الشهير بابن العديم من إنشاء الحنفي بالمقر الكريم وهو
الحمد لله الذي رفع مراتب المناصب العلية وكساها من ملابس أهلها حلل الجمال وجمع شملها فاقترنت بإلفها اقتران النيرين شمس الضحى وبيت الكمال ورفع عنها يد المتطاول والمتناول فأصبح رقم طرازها الموشى منتسجا على أحسن منوال وقطع الأطماع عن إدراك شأوها فلا يصل إليها إلا كل فحل من الرجال
نحمده على نعمه التي اعترف من اغترف من بحرها الوافر بالخير الكامل والفضل المديد واقترف من اقتطف ثمار جودها جميل النوال المفيد وجزيل الإحسان العديد حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده ويعم بالإنعام الشامل نائله ومريده ونشكره على مننه التي يقصر لسان الإطناب عن حصرها وتعدادها وتعجز بنات الفكر عن إدراك وصفها وتردادها شكرا ينال به العبد رضا المعبود ويبلغ به من مقاصد الكرم والجود غاية المقصود ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد ولا والد له ولا ولد ولا ند شهادة تبيض وجه قائلها عند العرض وينطق بها لسان التوحيد يوم تبدل الأرض غير الأرض ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أظهر الله به الحق وأعلنه وبهر بحقائق معجزاته العقول فاعترف كل بصحة ما عرفه وبينه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصر الله بهم الإسلام وأبد أحكامه وأحكم بهم مباني الإيمان المنيرة وأيد إحكامه صلاة تتعطر بنفحات عرفها أرجاء المدارس وينادي لسان فضلها لرائد فرائد المعالي على طول المدا رس وسلم ومجد وكرم وشرف وبجل وعظم

وبعد فإن أولى من لحظته عين العناية والقبول وأجدر من بلغ من مقاصد المناصب العلية غاية القصد والسول وأعز من رقي ذرا المعالي وارتقى وأجل من وصف بالأوصاف الجميلة ونعت بالديانة والتقى من سارت سيرة فضله في الآفاق ودل على صفاء السريرة منه حسن الأخلاق واشتهر بالعلوم الجزيلة والمناقب الجليلة وعرف في الإنصاف بالأوصاف المحمودة والخصال الجميلة وأظهر من العلوم الشريفة ما حير العقول وحقق من المسائل اللطيفة ما جمع فيه بين المنقول والمعقول ودقق المباحث حتى اعترف بفضله الخاص والعام وفرق بين الحقيقة والمجاز فلا يحتاج إلى استعارة إذا تشبه الأخصام وحكم بما أراه الله فأحكامه مرضية وقضاياه في الجملة قد أنتجت فهي مقدمة في كل قضية وثابر على إلقاء الدروس في وقتها وأوانها وقرر كل مسألة في محلها ومكانها وأفاد طلاب العلم الشريف من فوائده الجمة وكشف لهم عن غوامض المباحث فجلا عن القلوب كل غمة وجال في ميادين الدروس فحير الأبطال وحاز قصب السبق في حلبة اللقاء فرد متأسفا كل بطال ونظر في أمور الأوقاف بما أراه الله فأتقن بحسن النظر وجه ضبطها وأجرى أمور الواقفين على القواعد المرضية فوافق المشروط في شرطها وجمع ما تفرق من شملها فأجمل وفصل وحفظ أموالها فحصل وأصل فهو الحاكم المشهور بالعدل والمعرفة والناظر الذي حمدت الأمور تصرفه والإمام الذي أئتم الأنام بأقواله وأفعاله والعالم الذي يحمد الطالب إليه شد رحاله والمدرس الذي أفاد بفقهه المفيد النافع وترفع في البداية والنهاية فهو المختار في المنافع وسلك منهاج الهداية فنال من العلوم الغاية فبدائع ألفاظه لعقائد الدين منظومة وكنز عرفانه عزيز المطلب ومحاسنه المشتملة على الكمال معلومة
ولما كان فلان أعز الله تعالى أحكامه وقرن بالتوفيق والسداد نقضه وإبرامه هو المشار إليه بالأوصاف والنعوت والمعول عليه إذا نطق بالفضائل والحاضرون سكوت والمشكور أثر بيته المشهور والمنشور علم علمه من

السنة والشهور يا له من بيت لم يزل معمورا بالتقوى والصلاح محميا بأسلحه أهله فمن أحكامهم السيوف ومن أقلامهم الرماح فهو العديم المثل وبيته العديم وحرم فضل يحج إليه الراحل والمقيم فاستحق أن تقابل مقاصده بالإقبال ويقابل بما يؤمله مقابلة مثله ولا كسائر الأمثال
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت مراسمه المطاعة تقر الحق في يد مستحقه وترد الأمر إلى وليه ومالك رقه وتسوق هدي الإحسان إلى محله وتضع الاستحقاق في يد مستحقه والحق وضع الشيء في محله أن يستقر بحكم ظهور الحق بيده المباركة وخفاء الباطل الذي ليس له في الحق مشاركة آستقرارا مباركا ميمونا بالخير والسعد مقرونا لأنه الأحق بأمر وظائفه والطائف حول حرمها الممنوع طائفه وأولى من عقلت عليه عقيلته وردت إليه فريدته وباشر بنفسه الكريمة ما عهد إليه سلفه وانفرد به فلا يناله إن شاء الله إلا خلفه طالما ألفت منه الأوقاف من الشفقة والخير وحفظ جهاتها المحمية عن تطاول يد الغير ونعم بحسن نظره من المدارس كل دارس وفازت منه الدروس بالعالم العارف والبطل الممارس
فليباشر ذلك على ما تقدم له من حسن المباشرة وليجتهد على عوائده في تحصيل ريعه مثابرا على الأجور أشد مثابرة وليصرف أموال الأوقاف في مصارفها بعد العمارة والتثمير المبدأين في شرط واقفها وليسو على مقتضى معدلته بين القوي والضعيف والشاب الصغير والشيخ النحيف على قدر تفاوتهم في العلم الشريف وليطلق لسانه في إلقاء الدروس على عادته وليمهد للمشتغلين طريق الفهم لينالوا من إفادته وهو بحمد الله تعالى أولى من أدى الأمور على الوجه المستقيم ووفى المناصب حقها فإن الوفاء جدير بإبراهيم

والوصايا كثيرة وإليه مرجوعها ومن بحار علمه ودينه المتين ينبوعها والله تعالى يؤيد به المناصب ويرفع بعلو رتبته المراتب
نسخة توقيع بخطابة جامع كتب به لقاضي القضاة كمال الدين عمر ابن قاضي القضاة جمال الدين إبراهيم بن أبي جرادة الحنفي الشهير بابن العديم بالمقر الشريف وهي
رسم بالأمر الشريف لا زالت عنايته ترقي في منازل المجد من تتأثل بفضله بهجة وكمالا وتذلل جيادها لفرسان الفضائل فتجيد لهم في ميدان البلاغة مجالا وتسلم رايتها إلى من صدق بارق سعده ووهب من العلم ملكا لا ينبغي لأحد من بعده أن يستقر لأنه الإمام الذي لو تقدم عصره لكان أحد أئمة الاجتهاد والعارف الذي بلغ بولايته مريد الفضل غاية المراد والعالم الذي وجدت أخبار علومه نسبة يطابقها في الخارج صالح العمل واتبع سنن الكتاب والسنة فلم يتخلل طريقته المثلى خلل والمحقق الذي وجد إلى كنه الحقيقة أكمل مجاز والمفوه الذي بلغ من البلاغة في كلام البشر حد الإعجاز إن خطب شنف بدرر مواعظه الأسماع وشرف بغرر فرائده الأسجاع واهتزت أعواد المنابر طربا لكلمه الطيب وروى أوام القلوب سح فضله الصيب وإن قرأ في محرابه أقر بفضله الجمع الجامع واستقل ابن كثير حين وجد الكسائي عاريا مما لديه وفضله الجم أكمل نافع
( خطيب إذا الصادي تصدى لفضله ... ليروى فأنواء العلوم تغيثه )
( وإن يرو للجلاس أخبار أحمد ... فخير جليس لا يمل حديثه )

وهو الكامل الذي أدرك درجات الكمال في البداية فأمن في النهاية وهو قاض من النقص وسارت عيس الطلاب إلى حضرته الكريمة واحدة ولكن بالنص والصاحب الذي استصحب يسار العفاة باليمين وأزال ظن قاصده في بره الشامل باليقين كم أطلق بأقلامه المفيدة مكرمة بصلة الأرزاق ونسخ بمحقق فضله رقاع الأول بالعطاء على الإطلاق ولو نظر الملكان هاروت وماروت ما ملكه من كتابته الساحرة لأقرا أنه السحر الحلال ولو قابله ابن هلال لانخسف بدر فضله عند الكمال
( ففي كفه الأقلام تهزأ بالقنا ... وتخشى سطاها الأسد في غاب غابها )
( يروع سيوف الهند وري يراعه ... وقد طار من خوف حديد ذبابها )
فليباشر هذه الخطابة مباشرة ترشف منها كؤوس كلمه الأسماع وليكشف لها عن وجوه فضائله القناع ولينثر عليهم من درر بلاغته ما تلتقطه أفواه المسامع ولينشر من طي لسانه علم علمه الذي لا يقاس عليه غيره أبى الله والفارق الجامع وليطرب بمواصيل أسجاعه القاطعة بفضائله المكملة وليظهر ما جمعه من محاسنه التي هي الجمع الذي لا نظير له ولينفق على الجمع يوم الجمعة مما آتاه الله تعالى من كنوز الفضائل وليبلغهم من بلاغته التي أخملت ذكر قس وسحبان وائل وأنت أسبغ الله تعالى ظلالك معدن الفضائل فأنى تهدى إليك الوصايا والمتصف بصفات الكمال فكيف تعرض عليك المزايا ولكن الوصية بتقوى الله تعالى من شعائر الإسلام والله تعالى يديمك غرة في جبهة الأيام
وهذه نسخة توقيع بتدريس بالجامع المذكور كتب به للقاضي علاء

الدين علي الصرخدي الشافعي نائب الحكم العزيز بحلب بالمقر العالي وهي
رسم بالأمر لا زالت صدقاته تمنح دروس العلم الشريف بعلي العلوم وتندب لها من ذوي الاجتهاد من ساير بهممه البرق وسائر النجوم وتقرر للطلبة من أولي العناية من حقق الفضائل واطلع على سرها المكتوم وتدير عليهم من مشرب فوائده ما يخال أنه الرحيق المختوم أن يستقر فلان استقرارا تقر به أعين الطلاب وتلمح من صوب فضله عين الصواب ويشيد به دارس الدروس ويطلع به في سماء الفضائل أنور شموس وتنشر به أعلام العلوم من طي الألسنة ويذهب من كل الطلبة في تحصيل العلم الشريف وسنه لأنه الحبر الذي شهدت بفضله الأسفار ورحلت إلى فوائده الجمة السفار والبحر الذي جرت سفن الأذهان به فلم تدرك غاية قراره وعجزت الأمثال عن خوض تياره والعالم الذي اقر بعلمه الأعلام وشهدت بإحكام أحكامه الأحكام ما برز في موطن بحث إلا وبرز على الأقران ولا جاراه مجتهد إلا وكانا كفرسي رهان ولا نطق بمنطق إلا وأنتجت مقدمات هممه العلية واجتهاده على فضله أكمل برهان ولا أجرى جياد علومه إلى غاية إلا مطلقة العنان ولا رآه من أخبر عن فضله إلا تمثل له ليس الخبر كالعيان إن تصدر للفوائد التقطت الأسماع در علمه النفيس وإن درس تخال الطلبة أنه ابن إدريس فهو طود فضل لا يسامي علوا ورفعة ولا ينوي مناوأته مناويء ولو كان ابن رفعة
( إمام غدا للسالكين مسلكا ... عليم وكم أولى الفضائل من ولي )
( علا فأسال البحر من فيض علمه ... وذلك سيل جاء بالفضل من علي )
فليباشر هذا التدريس المبارك مباشرة يثبت بها فوائده وينثر بها فرائده ويطرب الطلاب بطريف العلم وتالده ويجمع لهم من صلة الفضل وعائده

وليلازم المباشرة ملازمة لا ينفك عنها أيام الدروس ولينر القلوب بمصابيح الكتاب والسنة ويسر النفوس
وأنت أمتع الله بفوائدك من نورك الوصايا تقتبس وكم آنس الطالب نار فضلك فأتى منها بأنور قبس والله تعالى يبقيك للعلوم كنزا لا تفنى مواهبه ويديمك للطلاب بحرا لا تنقضي عجائبه
وهذه نسخة توقيع بتدريس بالجامع المذكور لحنفي كتب به للشيخ شمس الدين محمد القرمي الحنفي بالجناب العالي وهي
رسم بالأمر لا زالت عنايته الكريمة تطلع شمس الدين للهداية في أفق المدارس وتشيد بالعلماء الأعلام من ربوعها كل دارس وتمنح الفقهاء بمن إذا تصدى للإفادة جادت نفسه بالدرر النفائس وتندب لها من أولي البلاغة من إذا ألف فصلا وجدت غصون أقلامه في روضات الطروس أحسن موائس أن يستقر فلان استقرارا تجمل به الدروس بالفوائد وتمنح الطلبة منها بالصلة والعائد ويمد لهم من مواد العلوم أشرف موائد ويوردهم من مناهلها أعذب موارد لأنه شمس العلوم ومصباحها وقمر ليل المشكلات وصباحها وساعد الفتاوي الطائرة بفضائله في الآفاق وجناحها وروح كؤوس العلوم وراحها وطليعة الحقائق وعنوانها وعين الدقائق وإنسانها والإمام الذي أئتم به الطلاب فاستحق الإمامة والعالم الذي اجتهد على فضل العلوم فاستوجب أن ينعت بالعلامة والفاضل الذي ضبطت أقواله للاطلاع على سرها المكتوم فاختص فعل علمه المتعدي باللزوم لاتصافه بالعموم كم التقطت من دروسه الجواهر وتمثل لأبكار فوائده كم ترك الأول للآخر قابلته الأسفار عن وجوه فوائدها

بالإسفار وأظهرت لذكاء ذكائه ما ضمته أحشاؤها من الإضمار فهو المختار لهذا التدريس إذ درر فوائده منظومة والمجتبي للإفادة بسلوكه طرق الهداية إلى دقائقها المكتومة وكم استنارت الطلبة من سمر فضله حتى كاد أن يكون ثالث القمرين وجمع في صدره بحري المنقول والمعقول حتى قيل هذا مجمع البحرين
( هو البحر إلا أن فيه عجائبا ... ووافر فضل ليس يوجد في البحر )
( بلاغته السحر الحلال وإنما ... بديع معانيها يجل عن السحر )
فليباشر هذا التدريس ناثرا درر فرائده ناشرا غرر فوائده جائدا بجياد فضائله السابقة إلى الغايات عائدا بصلات حقائقه لتكمل للطلبة به المسرات وليلازم أيام الدروس ما أسدي إليه من هذه الوظيفة وليرتق من درج التقوى لغرف المعارف الشريفة
وهذه نسخة توقيع بإمامة وتصدير بجامع منكلي بغا الشمسي بحلب كتب به للشيخ شمس الدين محمد الإمام بالجناب العالي وهي
رسم بالأمر لا زالت صدقاته العميمة تطلع شمس الدين في أفق المعالي وترفع من أوليائه خدمة من جيده بالفضل حالي وتمنح برها من أعربت عن لحنه الطيب وتشنفت من فيه باللآلي وتسفح غيث جودها على من أجمع على طيب مسامرته ورفع أدعيته الأسماع والليالي أن يستقر

فلان أدام الله تعالى ضياء شمسه وبنى له ربع السعد من جوده على أسه لأنه الإمام الذي شهدت بحسن قراءته المحاريب والآتي من فضل فضائله بالأغاريب والفاضل الذي سلك طرق الفضائل أحسن سلوك وشهد بسبق جياد جوده في حلبة الاختبار كل حتى الملوك والكامل الذي كملت أوصافه المحمودة فأمن النقائص واختص بجميل الشيم وحسن الخصائص ما أم إلا وشهد بفضله كل مأموم واقروا أن أسماعهم ارتشفت رحيق فضائله من كأسها المختوم وما سامر الخواص إلا وشهد العوام بحسن صفاته ولا حدث إلا وكانت الملوك من رواته
فليباشر هذه الوظائف المباركة مباشرة تقر بها النواظر وتجتمع الألسنة على أنه أكرم إنسان وخير ناظر وليتصدر لإلقاء الفوائد وليكسب الأسماع من علمه بالطريف والتالد وليتناول معلومه أوان الوجود والاستحقاق هنيا ميسرا من غير تقييد على الإطلاق وليتق الله فيما أسدي إليه من ذلك وليسلك من سنن التقوى بقدم الصدق أحسن المسالك
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الأقلام الديوانية بحلب وما معها
توقيع بكتابة الدست بحلب كتب به لبهاء الدين بن الفرفور ونظر بيت المال بحلب بالجناب العالي وهو
رسم بالأمر لا زال ينظم عقود الإحسان في أجياد أوليائه ويجزل لهم بوافر نظره وافي عطائه ويجري بهاء الدين على أحسن نظام فينجز له عدة وفائه أن يستقر استقرارا يبلغ به وجوه الآمال ويكسو الدواوين ملابس البهاء والكمال ويزيدها رفعة بما يفضله من ذلك الجمال لأنه الفاضل الذي إذا قصد المعاني أصاب وإذا سئل عن كل معنى لطيف أجاد وأجاب والفصيح الذي إذا تكلم أجزل وأوجز واسكت كل ذي لسن بفصاحته وأعجز والبليغ الذي أبدع في مكاتباته بمنثوره ومنظومه واللبيب الذي أطلع من أزهار كلمه المسموعة في رياض الطروس ما يخجل الروض إذا افتخرت

بمشمومه والكاتب الذي قطعت بمعرفته الأقلام والحاسب الذي عقدت على خبرته خناصر الأنام والأديب الذي جمع بين قلم الإنشاء الشريف وحاز ما في ذلك من تالد وطريف فلله دره من كاتب زين الطروس بحسن كتابته وجمل الألفاظ والمعاني بجميل درايته وفصاحته
فليباشر ما عدق به من ذلك مباشرة مقرونة بالسداد مشكورة المساعي والاعتماد مظهرا براعة يراعه باسطا يد إيداعه الجميل وإبداعه مفوفا حواشي القصص بتوقيعاته موشيا برود الطروس بترصيعاته وتوشيعاته ناظرا على اعتماد مصالح بيت المال المعمور وتحصيل حواصله على الوجه المشهور والطريق المشكور عاملا بتقوى الله عز و جل في ضبط مصالح ديوان الجيوش المنصورة سالكا من حسن الاعتماد طرقا على السداد والتوفيق مقصورة والوصايا كثيرة وتقوى الله تعالى عمادها فليجعلها عمدته فيما يتم به للنفس المطمئنة مرادها وليتناول معلومه المستقر لذلك أوان وجوبه والله تعالى يبلغه غاية قصده ومطلوبه
توقيع بصحابة ديوان الأموال بحلب من إنشاء ابن الشهاب محمود كتب به للقاضي شمس الدين محمد بن محمد أحد كتاب الدست بحلب بالمجلس العالي وهو
رسم بالأمر لا زالت صدقاته العميمة تسر نفوسا وتطلع في هالات الوظائف السنية عوض الشمس شموسا وتسقي غرس نعمائها الهبات الهنية فتزهي أغصانا يانعة وغروسا أن يستقر لأنه الأوحد الكامل والرئيس الفاضل ولأنه حاز قصب السبق في المباشرات والمناصب الجليلة والمراتب السنيات طالما بذل جهده في خدمة الدول وسلك بجميل مباشرته طريق السلف وسبيل الأول فأدرك بحسن سيرته ويمن طريقته نهاية السؤل

وغاية الأمل وأتى الأمور على قدر ولا يقال على عجل ولأنه الأمين في صنعة الإنشاء والتابع في فنه فنون الأدباء إن رقم الطروس طرز وإن بارز الأقران في مواطن الافتخار برز وإن بسط الجرائد تغار من حسنهن الخرائد طالما نطق بالحكم واشتهر بين أصحابه مثل اشتهار النار على علم نظم المحاسن في نثره البديع وجمع بين الأضداد فيما يبديه من الإنشاء ويحليه من التصريع قدمت هجرته في الخدمة الشريفة واقتطف من زهر الصدقات الشريفة أحسن منصب وأجمل وظيفة وتحلى جيده بالقلائد وحصل بسعيه مجموع الفرائد فعادت عليه الصدقات الشريفة بأجمل العوائد قد استحق التقديم واستوجب من الصدقات العميمة نهاية التكريم
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة الآثار جميلة الإيراد والإصدار ناظما بقلمه الحساب على أنواعه محكما له على سداد أوضاعه وليطلع شمسه في سماء هذه الوظيفة وليجن من روضها الأريض كل يانعة لطيفة وليعلم أن هذه بوادر خير سرت إليه وسوابغ نعم خلعت عليه وأن الصدقات العميمة لا بد أن توليه بعد ذلك برا وتترادف عليه تترى وتعلي له بين رفاقه المرفقين قدرا ومثله لا ينبه على وصية لا دانية ولا قصية لكن التقوى لا بد منها ولا يجوز أن يغفل عنها فليجعلها اعتماده في كل الأمور وليتناول معلومه المقرر له على الوظيفة المذكورة في غرر الشهور والله تعالى يضاعف له بمضاعفة الصدقات عليه أوقات السرور ويقيه بلطفه كل محذور
توقيع بنظر بهسنى من عمل حلب كتب به لفتح الدين صدقة بن زين الدين عبد الرحيم المصري وبالمجلس السامي وهو

رسم بالأمر لا زالت صدقاته العميمة تفتح لأولياء خدمته أبواب الخيرات ولا برحت تهدي إليهم أنواع المسرات أن يستقر في وظيفة النظر بمدينة بهسنى المحروسة عوضا عمن بها بالمعلوم الذي يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت على العادة في ذلك والقاعدة استقرارا يسر خاطره ويقر ناظره لأنه الماهر في صناعته والرابح في متاجر بضاعته
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة لتصبح الألسنة بشكرها معلنة وليصرف قلمه فيما يعود نفعه عليه وليجتهد فيما يستجلب الأثنية إليه وليقبض معلومه أوان وجوبه هنيا وليتناوله بيد استحقاقه مريا والوصايا كثيرة وهو بحمد الله تعالى غير محتاج إليها لأنه الفاعل لها والدال عليها وتقوى الله تعالى عمادها وبه قوامها وسنادها فليتمسك بسببها في الحركات والسكنات والله تعالى يهيء له أسباب المسرات
توقيع بكتابة الإنشاء ونظر الجيش بدبركي كتب به للقاضي شهاب الدين أحمد بن أبي الطيب العمري العثماني بالجناب الكريم وهو
رسم بالأمر لا زال يجمل الثغور بمن تزهو برحيق كلمه الطيب المناصب ويكمل محاسنها بمن لم تزل الصحف تقود من جياد فضله أجمل جنائب وحباها بشهاب يهتدى إلى المقاصد بنجم رأيه الثاقب وسرها بكل ندب لم تزل كتبه ترد من الدعار الكتائب أن يستقر في وظيفتي كتابة الإنشاء الشريف والجيش المنصور بدوركي المحروسة عوضا عن فلان

بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت لأنه من بيت رفع علم قدره على السحائب وانتصبت راية آرائهم بالتمييز في مواكب العزة عن المواكب وأضيف إلى مجدهم شرف الكمال فانجر بالإضافة ذيل مجدهم على الكواكب وجزم أولو الفضل بنسبتهم إلى المعالي فحازوا قصبها استحقاقا وما زاحموا عليها بالمناكب وأسس أصله على عماد شرف الفاروق وذي النورين فتفرع على أكمل تناسل بتناسب

النيابة الثالثة مما يكتب من التواقيع بالولايات عن نواب السلطنة بها
نيابة طرابلس
وهي على ما تقدم في دمشق من تقسيمها إلى تواقيع أرباب السيوف وتواقيع وظائف أرباب الأقلام الدينية وتواقيع أرباب الوظائف الديوانية وأرباب الوظائف بمشيخة الأماكن وغيرهم وتقسيم ذلك إلى ما يفتتح بالحمد لله وما يفتتح بأما بعد حمد الله وما يفتتح برسم بالأمر
وهذه نسخ تواقيع من ذلك
نسخة توقيع بشد الدواوين بطرابلس كتب به لصلاح الدين صلاح الحافظي بالجناب الكريم وهي
الحمد لله الذي أيد هذه الدولة وسددها بأنواع الصلاح وعمر العالم بعدل سلطانها وجعل أيامه مقرونة بالنجاح وأقام لتدبير المملكة كل كفء كاف مشهور باليمن والفلاح
نحمده على نعمه الغامرة في المساء والصباح ونشكره على آلائه في كل غدو ورواح ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة خالصة ضوئية كالمصباح وأن سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف من اصطفاه وأرسله بالدين

الحنيفي فبشر وأنذر وحلل وحرم وحظر وأباح صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه صلاة دائمة مستمرة ما حيعل الداعي إلى الفلاح
وبعد فإن أولى الأولياء بمضاعفة الأحسان وأن يعلى له في المكان والإمكان من عرف بأجل المباشرات في الفتوحات واشتهر فيها بالكفاية والصيانة وجميل التدبير وحسن الصفات
ولما كان فلان هو المنفرد بهذه الصفات الحسنة واتفقت على نعوته الجميلة الألسنة والوحيد بهذه السجايا الفريد بشرف المزايا عقدت الخناصر عليه واقتضت الآراء أن يسند تدبير المملكة إليه فإنها لم تجد لها كفأ غيره ولا من يجمع شمل شتات أقوالها ولم يفرط مثقال ذرة
فلذلك رسم بالأمر لا زال يندب لتدبير الممالك كل كفء كاف ويورد أولياءه من موارد إحسانه موردا عذبا صاف أن يفوض إلى الجناب الكريم أدام الله علو قدره وأيده بالمعونة في أمره شد الدواوين المعمورة الطرابلسية بالمعلوم المستقر الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت على عادة من تقدمه
وهذه نسخة توقيع بالاستمرار في شد الدواوين
الحمد لله الذي قرن الشدة بالفرج وجبر بعد الانكسار وامتحن عباده بأنواع من المحن ليعلم الصادقين في الاصطبار وأطلع في أفق العلا سعد السعود ساطعا بالنور بعدما غار وجمع لمن انقطع به حبل الرجاء من الخلق فتوكل عليه بين نيل المطلوب وتمحيص الأوزار
نحمده وفي محامده تطيب الآثار ونشكره على ما أسبل من النعم الغزار

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله كشف الغم بعدما غم القلوب وغطى على الأبصار وفرج الهم وقد كان ادلهم وأظلمت منه النواحي والأقطار ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار سيد ولد آدم في الدنيا وسيدهم في دار القرار صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الأطهار وصحابته الأخيار ما أظلم ليل وأضاء نهار
وبعد فإن الله تعالى لطف بهذه الدولة المعظمة في المقام والسير فما مضى لأحد معها يوم سرور إلا والذي من بعده خير ونصب خيام عدلها على الخلق وشرع أطنابها ورغب العباد في فضلها العميم وفتح لهم بابها وجعلها كاشفة للكروب الموجبة للحزن والضيق راشفة من خزائن ملكه ومعادن نصره كأس رحيق تصل بقوته وتقطع وتفرق بإرادته وتجمع ثم جعل المال نظام ملكها القويم وقوام سلكها النظيم به تمضي أوامره ونواهيه وتجري على السداد بما يحبه ويرضيه فتعين إعداد من يقيم بعزمه عمده ويقعد من أخذ منه بغير استحقاق ممن أقعد الدين زنده وقدر الله تعالى في هذا الوقت ما قضاه ونفذ حكمه فيمن خرج عن طاعته وأمضاه فلم تبق مملكة إلا ومسها وأهلها الإضرار ولا بقعة إلا ولحق أهلها بأس أولئك الفجار فأدرك اللطف الإلهي ممالك الإسلام وحل الركاب الشريف بأرض الشام فكان بردا وسلام ونجا المخلص وهلك الناكث الناكل بقدوم سلطان الإسلام خلد الله ملكه ليقذف بالحق على الباطل وأيد الله دولته الشريفة بعونه المتواصل
وكان فلان له مباشرات عديدة وتأثيرات حميدة وآخر ما كان في وظيفة شد الدواوين بطرابلس فباشرها مباشرة جميلة الأثر مشكورة السير عند من ورد وصدر ودبر مهمات يعجز عن حصرها أولو العقول والفكر وحصل للديوان المعمور أموالا كالطوفان ولكن بلا غرق واستعجب منها كيف حصرتها

الأقلام أو وسعها الورق والذي كان بوظيفة الشد الآن زاهد عنها ليس له رغبة فيها ولا في شيء منها
فتعين إعادة الجناب الفلاني إليها ورسم بالأمر لا زالت أيام دولته الشريفة تصلح الشان وتعيد الخير إلى ما كان أن يستقر
فليعد إليها عود الحسام إلى غمده والماء إلى منهل ورده وليباشرها بمباشرته المعروفة وعزائمه المألوفة وهممه الموصوفة مسترفعا المتحصل ومصروفه وليتحقق أن الله تعالى سيصل رزقه فلا يوجس في نفسه خيفة وليجعل تقوى الله تعالى دأبه في كل قضية ثقيلة كانت أو خفيفة والله تعالى يمده بألطافه المطيفة بمنه وكرمه
وهذه نسخة توقيع بنقابة العساكر بطرابلس
الحمد لله الأول بلا آخر الغني في ملكه عن الناصر المنزه في سلطانه عن المؤازر المتوحد بعدم الأشباه والنظائر المبيد لكل مظاهر بالعناد مجاهر العليم بما تكنه الأفكار وتجنه الضمائر الرقيب على كل ما تردد من الأحوال بين سوادي القلب والناظر
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة خالصة يرغم بها كل جاحد وكافر وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث والشرك مدلهم الدياجر والرشد قد خيم عليه الضلال فما له من قوة ولا ناصر فأقام به الدين الحنيفي النير الزاهر ورفع ذكره في سائر الأقطار والأمصار على رؤوس المنابر صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه أهل المكارم والمآثر ما حمد السرى عند الصباح سائر وخمد شرر الشر بكل مناضل ومناظر وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من سيقت إليه وفود النعم ومنح من الخيرات أجزل القسم وعدقت الأمور بعزائمه واعتمد على همته التي هي في المضاء كأسنته

وصوارمه ورعيت عهود ولائه التي لا تنكر ووصفت مساعيه التي استحق أن يحمد بها ويشكر من إذا عول عليه في المهمات كفاها وإذا استطبت المعضلات به شفاها وسارت أنباء مهابته غورا ونجدا واتصف بحسن التدبير الذي عليه من الإقبال أكمل إجدا
ولما كان فلان هو الذي تناقلت تباشير أخباره الركبان وأثنى على شهامته السيف والسنان وشرفت بمحاسنه الأقلام وارتفع ذكره بالشجاعة على رؤوس الأعلام
فلذلك رسم لا زال للدين الحنيفي ناصرا وللأعداء قامعا قاهرا وللحق مؤيدا باطنا وظاهرا أني يستقر الجناب العالي المشار إليه أمير نقباء العساكر المنصورة الطرابلسية عوضا عمن كان بها على عادته وقاعدته لأنه الحبر الذي عقدت على خبرته الخناصر وورث الشهامة كابرا عن كابر وأضحى بتدبيره واضح الغرر شاهدا له به العين والبصر إن جال بين صفوف العساكر كان أسدا وإن رتب جيوشها أحصاها حلية وعددا
فليباشر هذه الوظيفة محررا أحوال العساكر المنصورة مقررا لهم في منازلهم علىأكمل عادة وأجمل صورة بمناصحة ضمخ بمسكها ومخالصة قام مقام واسطة جوهر سلكها وملازمة خدمة تأزرت بها أعطافه وصفاء طوية شرفت بها أوصافه ومحبة عدل جمع فيها بين قوله وفعله وإخلاص يحسن بالمرء أن يكون ملتحفا بظله لكي يتم الله النعم عليه كما أتمها على أبيه من قبله وليقصد رضا الله تعالى في هذا الأمر لا رضا زيد ولا عمرو والله تعالى يتولاه فيما تولاه والاعتماد في ذلك على الخط الكريم أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى

وهذه نسخة توقيع بنقابة الأشراف بطرابلس بالمجلس السامي بالياء وكتب فيه القضائي على خلاف الأصل وهي
رسم بالأمر لا زال يرفع لذوي الأصالة الشريفة قدرا وينقلهم إلى الرتب السنية ويعلي لهم ذكرا ويشملهم من إحسانه بما يسر لهم قلبا ويشرح صدرا ويبلغهم من المآرب أوفاها ومن ملابس القبول أجملها وأسناها أن يستقر فلان أدام الله نعمته في نقابة السادة الأشراف بالمملكة الطرابلسية على ما تقدم من عادته في ذلك استقرارا جاريا فيه على أجمل العادات واعتمادا على ما عهد من سلفه الشريف الذات ورعاية له في تجديد المسار وترجيحا لما اشتمل عليه من حسن الكفاية في كل إيراد وإصدار ورفعة ليده الباسطة على أبناء جنسه وتقوية يجد أثرها في معناه وحسه رسما يستوجب به النعم الجزيلة وولاية توليه من الكرم سوله وعناية تصبح بها ربوع أنسه مأهولة لأنه أولى أن يقر في هذه الوظيفة ويزاد وأحق أن يرعى لما سبق له من السداد وأجدر أن لا يضاع حقه حيث له إلى ركن الشرف المنيف استناد
فليباشر هذه الوظيفة المباركة مبسوطا أمله في المزيد منوطا رجاؤه في نعمنا باستئناف وتجديد محوطا ما بيده من كرمنا العديد وهو غني أن نثني له الوصايا ونعيد ملي بحسن السجايا التي جبلت على التحقيق والتوفيق والتسديد والله تعالى يطوق بمنن جودنا منه الجيد ويغدق له سحائب رفدنا التي تجريه على ما ألف من فضلها العديد والعلامة الشريفة أعلاها الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه
وهذه نسخة توقيع بشد الشواني بطرابلس كتب به لعلاء الدين أيدغمش وهي

رسم لا زالت أيامه قائمة بالجهاد في سبيل الله عز و جل وأعلامه حائمة على التقاط مهج العدا في البر والبحر بما يقرب لهم الأجل أن يستقر فلان في شد الشواني المعمورة المنصورة على العادة في ذلك بهمته العلية وعزمته التي هي ببلوغ المقاصد ملية وشهامته التي ترهب العدا وشجاعته التي تلبسهم أردية الردى وبسالته التي تبسلهم في البحر فتصيرهم كالأسماك لا يسام لهم صدى
فليجتهد في ذلك جد الاجتهاد وليعمد فيه السداد والسداد وليوقظ أجفان سيوفه من الغمض وليرهب العدا بشدة وطأته التي لها الثبات في الأرض وليلازم مواظبة الشواني ليلا ونهارا وليكن هو ومن حوله لمن بها أنصارا والله تعالى يجزل له مبارا ويرفع له مقدارا بمنه وكرمه
وهذه نسخة توقيع بشد دار الضرب كتب به لعلاء الدين الدوادار وهي
رسم لا زال إحسانه يجود غماما وفضله الشامل على الأولياء المتقين إماما وسحائب بر كرمه هامية على أوليائه هاملة على أصفيائه فتراهم يخرون للأذقان سجدا وينتصبون قياما أن يستقر المشار إليه في شد دار الضرب إعانة له على الخدمة الشريفة وإرفادا له بمعلومها إذ هي ليست له بوظيفة لأنه أكبر من ذلك قدرا وأحق بكل منزلة علية وأحرى ولكن هذه الجهة هي قانون المعاملة وسكتها بشعار الملك متصلة وبين الحق والباطل فاصلة ومنها النقوش التي هي رستاق الأرزاق وصدر كل إطلاق وفنداق

حكيم ما أرسل في حاجة إلا وأذن لها بالنجاح ولا استؤمن عليه امرؤ بإذن الإمام إلا وحق له الاتصاف بالصلاح والفلاح هذا وهو في الأصل مذموم وطالبه محروم لأنه مقسوم والأجل محتوم ولكن تطهيره من الدنس واجب والحسبة في عياره حتى يغدو وبودق صفائه من الغش ناضب
فليعتمد المشار إليه في شد هذه الجهة حسن التقوى ويلاحظ بعزمه أمورها لتكون على السداد ويعتمد على السيد الناظر فإنه نعم العماد ويفوض إليه كشف الروباص وحك العيار فهو به أدرى وأحرى وأدرب بإدحاض غش الفساد وليتناول معلومه المقرر له عند الوجوب والاستحقاق هنيا ميسرا خالصا من التنازع والشقاق ومثله فلا يدل على صواب إذ تقوى الله تعالى كلمة الفصل وفصل الخطاب والله تعالى يجعلها لنا وله زادا وحرزا وذخرا يوم المعاد وركزا
وهذه نسخة توقيع بشد البحر بمينا طرابلس وهي

رسم بالأمر لا زال سيفه قاطعا من الأعداء نحرا وأمره نافذا برا وبحرا وفعله صالحا دنيا وأخرى أن يستقر الجناب المشار إليه في شد مينا البحر بطرابلس
فليباشر هذه الوظيفة شارحا لها صدرا فاتحا لها بحسن مباشرته الجميلة بصرا وفكرا باعثا لها في الآفاق بمباشرته ذكرا جميلا باحثا عما يتعلق بمتحصل المينا المعمورة بكرة وأصيلا مسويا بين الناس فيما رزق الله وفتح وبعث من فضله ومنح بحيث لا يقدم عزيزا ولا يؤخر ذليلا ولا يراعي في ذلك صديقا ولا خليلا
وليقدم خوف الله تعالى على خوف خلقه وليسو بين الضعيف والقوي فيما بسط الله من رزقه وآكد ما نوصيه به تقوى الله تعالى فيما هو بصدده فليجعلها في أموره الباطنة والظاهرة من عدده والله تعالى يقدمه في مباشرته لاقتناء محاسن المعروف وزبده ويرزقه من الأجر على ما يعمله من الخير مع تجار هذا البحر بما هو أكثر من زبده
توقيع كريم بنيابة اللاذقية من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري كتب به لشمس الدين ابن القاضي بالجناب العالي وهو
الحمد لله الذي زاد شمس الأولياء إشراقا ومنحه في هذه الدولة الشريفة إرفادا وإرفاقا وصان الثغور المحروسة بعزماته التي سرت قلوبا وأقرت أحداقا وجددت لأوليائها من مواهبها عطاء وفاقا
نحمده على حكمه وفعله ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تمنح قائلها مزيد فضله ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أيده الله بملائكته المقربين وشد أزره من أصحابه بالآباء والبنين صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه أئمة الدين صلاة تمنح قائلها غرف الجنان ( والعاقبة

للمتقين ) وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن من شيم هذه الدولة إذا بدأت تعود وإذا نظرت تجود وإذا قدمت وليا لحظته بأعين السعود
وكان الجناب العالي أدام الله نعمته عين القلادة وبيت السيادة ومعدن السعادة وأهلا أن يدبر الأمور ويسد الثغور ونيابة اللاذقية مجاورة البحور وجزيرة العدو بينها وبينها نهار فهي في أمرها له قاعدة في النحور وقد رأيناه أهلا أن يصون نحرها ويتقلد أمرها ويحفظ برها ويدفع شرها
فلذلك رسم بالأمر أعلى الله تعالى شرفه أن تفوض إليه نيابة اللاذقية المحروسة على عادة من تقدمه
فليسر إليها سير الشمس في أبراج شرفها وليقبل عليها إقبال الدرة على الترائب بعد مفارقة صدفها وأول ما نأمره به إرهاب العدو بالعدة والعديد وإظهار المهابة في القريب والبعيد وتفقد الأيزاك بنفسه من غير اتكال على سواه كما يفعل البطل الصنديد وليخلع عنه ملابس الوشي ويلبس الحديد وليهجر المضاجع ويتخذ ظهر جواده مستقره العتيد حتى ينتشر له صيت بين أهل التثليث كما انتشر صيته بين أهل التوحيد
وابسط بساط العدل ليطأه الموالي والعبيد واحكم بالحق فالحق مفيد والباطل مبيد ومتى تسامع التجار بعدلك جاءوا بالأصناف والمتجر الجديد واركن إلى حكم الشرع الشريف فإنه يأوي إلى ركن شديد واتق الله تجده أمامك فيما تروم وتريد وتمسك بالسيرة الحسنة يزدك الله رفعة وأنت أحق بالمزيد وعقبها نستنجز لك تشريفا شريفا مقرونا بتقليد أعظم من هذا التقليد والخط الكريم أعلاه حجة به إن شاء الله تعالى

توقيع بنيابة قلعة حصن الأكراد كتب به لشهاب الدين أحمد الناصري وهو
الحمد لله الذي أطلع في سماء الدين شهابا وفتح لمن خافه واتقاه إلى الخيرات أبوابا وحباه من إفضاله وألبسه من حلل إنعامه ونعمائه أثوابا
نحمده على نعمه التي أجزل لنا بمزيد حمدها أنعما وثوابا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نتخذها من النار حجابا ونعتد بها في الآخرة مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي شرفه على الأنبياء منصبا ونصابا وسبى بطلعته وطليعته قلوبا وأحزابا وقربه إلى أن كان قاب قوسين وأسمعه من لذيذ كلامه خطابا صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه أكرم به وبهم ألا وأصحابا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من انتدب لحفظ المعاقل الإسلامية وانتخب وأحرى من لحظته عين عنايتنا فكان إليها من العين أقرب وأحق من اعتمد على بسالته وإيالته بما سبر من الأنام والأيام وجرب من عرف بشجاعة أين منها عمرو بن معدي وأمانة كفت حين كفت كف التعدي وعفة جعلها في أحواله كلها نصب العين وسياسة ما زال يصلح بها بين ذوي المشاققة ذات البين وكان فلان هو الموصول المقدم الموصوف بهذه الصفات التي سر الساحل بها فتبسم
فلذلك رسم بالأمر لا زال يطلع في آفاق الحصون المصونة شهابا ويرفع الأولياء بإحسانه الذي يؤكد لهم في جوده أسبابا أن يستقر المجلس العالي نائبا بقلعة حصن الأكراد المحروس وأعمالها على عادة من تقدمه ومستقر قاعدته

فليباشر ما وليناه وأوليناه مباشرة تسفر عن حسن فطنته وذكائه وتضيء الآفاق بنور شهابها وسنائه وتظهر معروفها المعروف بعدم غيبته وخفائه معتمدا على الله تعالى في إبدائه وإنهائه شارحا لكل قلب ألانه إحسانه بعد غلظته وجفائه مانحا من بحر جوده وعدله بالدر لا بجفائه مكرما لمن بهذا المعقل من أمرائه وأجناده وأغنيائه وفقرائه مقيما لمنار الشرع الشريف الذي لا تستقيم الأمور إلا بمتابعته وإبدائه وليظهر من شجاعته وبسالته ما لا فائدة في خفائه وليشهر سيفه في وجه من أظهر حيفه وعدم خوفه من سطوة ربه وكرمائه
وأعظم ما نوصيه به التقوى فإنه بملازمتها يقوى على دفع الشر وفعل الخير وإسدائه والوصايا كثيرة وهو المجرب بالعمل بها لمن يرغب في استيلائه والله تعالى يحرق بشهاب عدله كل متمرد
واعلم أنه ربما كتب توقيع نائب حصن الأكراد مفتتحا بأما بعد حمد الله
وهذه نسخة توقيع بنيابة حصن الأكراد كتب به باسم شهاب الدين الجاكي بالجناب العالي وهي
أما بعد حمد الله الذي جعل شهاب الدين يتنقل في مطالع سعده وجدد أثواب النعماء لمن قدمت هجرته وظهر خيره فأنجز له الإقبال صادق وعده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغ قائلها إنالة قصده وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أيده الله بنصر من عنده صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين كانوا من أنصاره وجنده صلاة دائمة يبلغ المؤمن بها غاية رشده وسلم تسليما كثيرا فإن أولى من شمله إحسان هذه الدولة الشريفة ونوله مراده وأجزل عليه النعم فكان أحق بها لحسن طويته فأجراه الله على أحسن عادة وبلغه غاية القصد ومعدن السعادة من سلك مسالك الأمناء الثقات واشتهرت عنه العفة وحسن الصفات فتعين تقديمه وتقريبه إلى أجل ولايات الفتوحات

ولما كان فلان أدام الله عزه وأنجح قصده هو المنعوت بصفات السداد المشهور بالنهضة والشجاعة في هذه البلاد الذي حوى المكارم والإفضال ووافق خبره خبره في سائر الأحوال
فلذلك رسم بالأمر لا زال شهاب فضله ساطعا ونور إحسانه لامعا أن يستقر المجلس العالي الشهابي المشار إليه في ولاية الأعمال الحصنية والمناصف عوضا عمن بها على عادته وقاعدته لأنا وجدناه شمس أعيان الأماثل وألفيناه قليل النظير والمضاهي والمماثل وعليه عقدت الخناصر واتفقت الآراء الثاقبة في الباطن والظاهر ولما جمع من كرم الشيم وجميل الخلال وحاز من النباهة الرفيعة الذرا المديدة الظلال
فليتوجه إلى محل ولايته وليظهر ما أكمنه من العدل والإنصاف في ضمائره بحسن سياسته ولينصف المظلوم ممن جار عليه واعتدى ويتبع في ذلك ما يوضح له من طريق منار الهدى وليبسط المعدلة ويمد باعه وليبد الظلم ويقصم ذراعه وليصرف همته في عمارة البلاد وتأمين العباد وسلوك سبل الرشاد وليجتهد في سد الخلال وإصلاح ما فسد بغيره من الأحوال وليجعل تقوى الله محجته واتباع العدل حجته وسلوك الحق عدته فقد جاءت التقوى في التنزيل مؤكدة ووردت في كثير من السور مرددة والله تعالى يعينه على ما ولاه ويحرسه ويتولاه بعد الخط الكريم أعلاه
وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة المرقب والولاية بها كتب به لصلاح الدين خليل بالجناب العالي وهي

الحمد لله الذي جعل هذه الدولة الشريفة مقرونة بالتأييد والنجاح ووفق أولياءها إلى سلوك سبل السعادة وشيدها بالصلاح وخولهم في أيامها المراتب العلية ليبتهلوا بأدعيتهم وبدوامها في المساء والصباح
نحمده على نعمه التي لا يبرح مخلصها في ازدياد وارتياح ونشكره على آلائه شكرا نستحق به المزيد كما أوضح في القرآن أكمل إيضاح ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة معلنة بالفلاح وأن محمدا عبده ورسوله الذي أنزل عليه في محكم كتابه العزيز ( الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الغر الكرام الأشباح ما ترنم طائر على غصن وحيعل الداعي إلى الفلاح وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من عدقت به نيابة أجل المعاقل والثغور وفوضت إليه وعول في حفظها ومباشرتها الحسنة الجميلة عليه من عقدت على حزمه الخناصر وورث الشجاعة والشهامة كابرا عن كابر وهو الذي نما فرعا وزكا أصلا وفاق في المكارم على نظرائه قولا وفعلا فأضحى وافر الثناء واضح الغرر شاهدا له به العين والبصر
ولما كان فلان هو المنعوت بهذه الصفات والموصوف في مواقف الحروب بما لديه من الثبات والوثبات المشكورة خدمته شاما ومصرا المشهورة بين الهمم همته برا وبحرا
فلذلك رسم لا زالت مراسيمه الشريفة مبثوثة بالعدل والإحسان ومعدلته تستدعي بدوام دولته الشريفة لسان كل إنسان أن تفوض إليه نيابة قلعة

المرقب المحروس والولاية بالأعمال الشرقية وما هو منسوب إليها على العادة في ذلك ومستقر القاعدة إذ هو أحق بها وأهلها وأكمل من يجمع شتات شملها
فليباشر ما ندب إليه من هذه الجهات مباشرة تقصر الأفكار عن توهمها والأبصار عن توسمها والخواطر عن تخيل مبناها والأذهان عن تمثل صورتها ومعناها وليكن لمصالحها متلمحا ولأحوال رجالها متصفحا ولأقدار جهاتها مربحا وللخواطر بأداء أحوالها على السداد مريحا ولوظائفها مقيما وللنظر في الكبير والصغير من مصالحها مديما ولحرمتها مضاعفا وعلى كل ما يتعين الاحتفال به من مهماتها واقفا ويعد للعدو المخذول عند تحركه العزم الشديد ويهجر لبس الوشي ويتألف لبس الحديد ويتخذ ظهر جواده مستقره العتيد ويشمر للجهاد ذيلا ومعاذ الله أن يميل عنه ميلا ويبسط العدل للرعية ويعاملهم المعاملة المرضية ويحسن إلى الأمراء البحرية ويلاحظ مصالحهم في كل قضية ويتفقد الرجال وأرباب الأدراك والشواني ويحذرهم من الإهمال ويأمرهم باليقظة والاحتراز في الليل والنهار وسائر الأحوال وليعمل ما يحتاج إليه من آلات الجهاد وليكن على حذر مما يتجدد كل يوم وليوقع الرهبة في قلوب الأعداء بخيله في اليقظة وخياله في النوم ويتفقد المواني في سائر الأوقات في الليل والنهار وليحذر أمراء الأيزاك من الغفلة فإن

الغافل لا يزال على شفا جرف هار
وليتق الله في أقواله وأفعاله والوصايا كثيرة وهو أدرب بها وأدرى وأبواب الخيرات واسعة وهو إليها أسرع وأجرى وليشكر الله تعالى على ما ولاه والاعتماد على الخط الكريم أعلاه
وهذه نسخة توقيع بنيابة حصن عكار كتب به لناصر الدين الكردي بالجناب العالي وهي
الحمد لله الذي نصر هذا الدين الحنيفي بسيد البشر وخص هذه الدولة الشريفة بالتأييد والظفر ووافى الأولياء بجودها الذي لم يزل من ذمة الوفاء ينتظر
نحمده على منه الذي طالما بدا في جبهات الأولياء بشره وظهر ونشكره على جوده الذي أغنى عن التحجيل والغرر ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها يوم الفزع الأكبر ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أقام الله بسيفه الإيمان فاشتهر وكف به يد الطغيان وزجر صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه ما اتصلت عين بنظر وأذن بخبر وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى الأولياء بالمناصب من رعيت له خدم عديدة وعرفت له في أجل الثغور مباشرات سعيدة واشتهرت شهامته وكفايته في الآفاق

وظهرت أمانته ظهور الشمس في الإشراق وتقدم بذلك على نظرائه وفاق
ولما كان الجناب العالي هو المنعوت بهذه الصفات الجميلة والمحتوي على هذه المزايا الجليلة الذي شاعت شجاعته مع طهارة يد ولا عجب فإن هذا الشبل من ذاك الأسد وسارت الركبان في الممالك بنهضتهما في المباشرات وسد الخلل في المهمات المعضلات
فلذلك رسم لا زالت أيامه مبثوثة بالعوارف والإحسان ومعدلته تستدعي بدوام دولته الشريفة لسان كل إنسان أن تفوض إليه نيابة قلعة حصن عكار المحروس على عادة من تقدمه وقاعدته بالمرتب الشاهد به الديوان المعمور
فليقدم خيرة الله تعالى ويتوجه إليها ويصرف وجه الإقبال عليها وينظر في عمارتها ومصالحها ويستدرك ما استهدم من بيوت حواصلها ليصبح وجه هذا الثغر بحلوله به باسما وينشر له من حسن تدبيره وجميل تأثيره علما وليحسن إلى الأمراء البحرية وينزلهم منازلهم على العادات المرضية وليعدل في الرعية وينصف المظلوم من الظالم في كل قضية ويلزم أرباب الوظائف من المقدمين والرجالة بالخدمة بالنوبة على العادة ويوصل إليهم معلومهم من جهاتهم المعتادة ويتبع الحق المحض في كل أمر لا يقتدي برأي زيد ولا عمرو وليعلم أنه مطالب بالعدل في وظيفته فإن كل راع مسؤول عن رعيته والوصايا كثيرة ومعظمها تقوى الله في سائر الأمور فليتمسك بها يقوى فإنها السبب الأقوى والله تعالى يتولاه في السر والنجوى بعد الخط الكريم أعلاه
وهذه نسخة توقيع بنيابة بلاطنس بالجناب العالي وهي

الحمد لله الذي أسبغ نعمه على أوليائه وأجزل كرمه على أصفيائه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من وبيل العذاب وتجدد له أسباب السعادة في الدنيا ويوم الحساب ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالنور المبين المخصوص بالدين المتين صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه وأهله وأصفيائه وأترابه
وبعد فأن القلاع المنصورة مما يتعين الاحتفال بأمرها والاهتمام بحفظ رجالها في سرها وجهرها ومن أجل قلاع الساحل المحروس وأجمل مساكن البحر المأنوس قلعة بلاطنس
فلذلك رسم لا زالت صدقاته تشمل كل أوحد وتجبر كل ولي أمجد أن يستقر إذ هو الخبير الذي ليس لمعرفته نظير والضابط الذي يحاقق على الجليل والحقير والنقير والقطمير والشجاع الذي هو في يوم النضال على أخذ العدو لقدير والضرغام الذي أعطاه الله القوة والمعرفة التامة فهو بهما جدير
فليسر إلى الثغر المحروس ويعتمد في أموره ما هو فيه من الخبرة مغروس
وهذه نسخة توقيع بتقدمة العسكر بجبلة كتب به لصلاح الدين الحافظي بالجناب العالي وهي
الحمد لله الذي جعل هذه الدولة الشريفة تنقل كل ولي إلى درجات

سعده وتؤكد أسباب الارتقاء لمن حمدت مآثره وحسنت سيرته في اليوم والذي من بعده وتجدد أثواب النعماء لمن ظهر خيره وخبرته فأنجز له الإقبال صادق وعده
نحمده على نعمه التي أجزلت لمستحقها مواهب رفده ونشكره على مننه التي خصت كل كاف بتأثيل مجده ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يبلغ بها قائلها غاية قصده ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أيده الله تعالى بنصر من عنده وآمنه على وحي الرسالة فنصح الأمة غاية جهده صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذي كانوا من أنصاره وجنده صلاة دائمة باقية يبلغ بها المؤمن غاية رشده وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن الجناب العالي لما تقدمت له مباشرات في أجل الولايات وأحسن النيابات وهو يسير في كل منها أجمل سير ويحسن إلى رعيتها فلا غرو أن يذكروه بكل خير كم قام بمهمات من غير عسف أهل البلاد وكم أعان الديوان المعمور من غير ضرر للعباد وكم ميز أموالا فكانت أيام مباشراته أعياد وكم له من خدم سار بها الركاب وبلغ بها المراد وكم أثنى عليه لسان القلم حتى نفد المداد وكم وصفت هممه وحسن تأتيه في كل توقيع وتقليد على أن الكاتب ما زاغ عن الحق ولا مال عن الصدق فيها ولا حاد
فاقتضى محمود رأينا الذي ما برح بعون الله يصيب وجميل فكرنا الذي ما دعوناه لأمر إلا وبالإصابة بحمد الله يجيب أن نعين له وظيفة نريحه فيها من التعب ونوفره من تبعات الطلب وكان من تقدمة العسكر بجبلة يعتريه ألم يعوقه عن الركوب في الخدم الشريفة والنزول سيما في هذا الوقت الذي فيه يتحرك العدو المخذول
فلذلك رسم لا زالت أيامه الشريفة تيسر أسباب النجاح وعوارفه تطوى لها أرض البعد عن أوليائها كما تطوى لذي الصلاح أن يستقر

الجناب في تقدمة العسكر المنصور بجبلة على عادة من تقدمه وقاعدته
فليباشرها مباشرة تليق بشجاعته وتعهد من حسن سياسته وليكرم الشرع الشريف وليردع من يحيد عن الحق أو يحيف وليجمع الأمراء المقدمين والحلقة المنصورة على الركوب في الخدمة الشريفة وليشكر نعمة الله تعالى المطيفة وليتيقظ لردع العدو المخذول وليعلم أننا أسترعيناه أمر ذلك وكل راع مسؤول وليتحقق أن العدو المخذول طالب للهالكين منهم بالثار وهم قاصدون جبلة فلتكن عنده يقظة واستبصار وليرتب الأيزاك وليعمر المواني بالرجال ويتفقدهم في الليل أكثر من النهار وليهجر النوم في طلب الظفر والمنى فمن سهر لذلك ما خاب ولا يأمن مكيدتهم ويغتر بهم فيقول قد ضرب بينهم وبينها بسور له باب وباقي الوصايا فهو بها أعلم ولم يبرح متلفعا بثوبها المعلم وملاكها تقوى الله تعالى فمن لم يعمل بها يأثم ومن تركها يندم ومن لزمها فهو في الدارين مقدم والله تعالى يتولاه والاعتماد على الخط الكريم أعلاه إن شاء الله تعالى
واعلم أنه ربما افتتح توقيع مقدم العسكر بجبلة بأما بعد حمد الله
توقيع بتقدمة العسكر بجبلة مما كتب به لحسام الدين العلائي بالجناب العالي وهو
أما بعد حمد الله على نعمه التي تجزل لكل ولي من مواد فضلها إنعاما وتمنح من عوارفها أقساما وتبلغ من النجح لذوي الاستحقاق آمالا وتجعل في نحور الباغين حساما والشهادة له بالوحدانية التي لم تزل للأولياء المتقين لزاما وترفع لهم في الجنات مقاما والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي محا الله بنبوته عن الأمة المحمدية آثاما وشرفه على سائر خلقه وجعله للأنبياء ختاما صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين ظافروه وبايعوه دهورا وأعواما صلاة

دائمة تزيد مرددها عزا وإكراما فإن الاهتمام بكل جهة هو على قدرها والعناية بقطرها
ولما كانت مدينة جبلة المحروسة مخصوصة بمقام بركات السيد السند الزاهد الذي ترك الدنيا والأهل والولد والولي المبرز في عبادة الخالق والمتوكل الذي لم يدخر قوت ساعة لساعة اعتمادا على الرازق تعين النظر في أمرها وحفظها من العدو المخذول وإن كان بهذا السيد السند قد تبين حفظها وكان فلان ممن باشرها فأحسن فيها المباشرة وكلأ حفظها بيقظته وعينه الساهرة اقتضى رأينا أن نعيده إليها ونسبغ ظله عليها
فلذلك رسم بالأمر لا زال حسامه قاطعا من الأعداء نحرا وفعله صالحا دنيا وأخرى أن يعاد المشار إليه إلى تقدمه العسكر المنصور بجبلة المحروسة عوضا عمن بها وعلى عادته وقاعدته
فليعد إليها عود الحسام إلى غمده والماء إلى منهل ورده وليقدم خيرة الله في المسير إليها وليبسط العدل ليأمن أهلها بقدومه عليها وليكرم من بها من العسكر المنصور ويحسن إلى الرعية بها ليصبح خير مشكور ولينصف المظلوم ممن ظلمه وينشر للشرع الشريف علمه وليخلص الحق من القوي والضعيف والدني والشريف وليلزم من بهذا الثغر بعمل اليزك المعتاد والتيقظ لأمر العدو المخذول ومضاعفة الاجتهاد وليلازم تقوى الله تعالى في الأقوال والأفعال والله تعالى يمنحه من فضله ما يرجو من الآمال
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الدينية بطرابلس
توقيع بنظر الحسبة بطرابلس كتب به للقاضي ناصر الدين بن شيصة وهو

الحمد لله مبشر الصابرين وموصل الأرزاق على يد أصفيائه من العالمين ومعيد كل ولي إلى منصبه ولو بعد حين
نحمده على فضله المبين ونشكره على أن جعلنا من عباده المؤمنين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ندخرها ليوم الدين ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين الذي أرسله بواضح الحجج ومحكم البراهين وأنزل عليه كتابا عربيا مبين صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الغر المحجلين صلاة مستمرة على ممر الأيام والشهور والسنين وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من غزرنا مواد رفده وأجزلنا له حظوظ سعده وبلغناه من إقبالنا غاية قصده وحمدنا تصرفه من قبل عندما رسم لما جدد من بعده وأعدناه إلى رتبة ألفت منه حسن السياسة والتدبير وعرف فيها بالكفاية والصيانة ويمن التأثير من له ولسلفه في المباشرات الجليلة يد طولى فكان بوظيفته أحق وأولى
ولما كان المجلس العالي هو المتصف بصفات الكمال المشكور في سائر الأحوال فلذلك رسم بالأمر أنفذه الله في الآفاق وأجراه بصلة الأرزاق أن يعاد فلان أدام الله نعمته إلى نظر الحسبة الشريفة بالمملكة الطرابلسية على عادته وقاعدته مضافا إلى ما بيده من بيت المال المعمور لأنه الفاضل الذي لا يجارى والعالم بأحوال الرعية فلا يناظر في ذلك ولا يمارى والفيلسوف الذي يظهر زيف كل مريب والنحرير الذي بخبرته يسير كل حبيب ولبيب

فلينظر في الدقيق والجليل والكثير والقليل وما يحصر بالمقادير وما لا يحصر وما يؤمر فيه بمعروف أو ينهى عن منكر وما يشترى ويباع وما يقرب بتحريره إلى الجنة ويبعد عن النار ولو لم يكن قد بقي بينه وبينها إلا قدر باع أو ذراع وكل ما يعمل من المعايش في نهار أو ليل وما لا يعرف قدره إلا إذا نطق لسان الميزان أو تكلم فم الكيل وليعمل لديه معدلا لكل عمل وعيارا إذا عرضت عليه المعايير يعرف من جار ومن عدل وليتفقد أكثر هذه الأسباب ويحذر من الغش فإن الداء أكثره من الطعام والشراب وليتعرف الأسعار ويستعلم الأخبار من كل سوق من غير إعلام لأهله ولا إشعار وليقم عليهم من الأمناء من ينوب عنه في النظر ويطمئن به إن غاب أو حضر ودار النقود والضرب التي منها تنبث وقد يكون فيها من الزيف مالا يظهر إلا بعد طول اللبث فليتصد لمهمها بصدره الذي لا يحرج وليعرض منها على المحك من رأيه ما لا يجوز عليه بهرج وما يعلق من الذهب المكسور ويروبص من الفضة ويخرج وليقم الضمان على العطارين والطرقية في بيع غرائب العقاقير إلا ممن لا يستراب فيه وهو معروف وبخط طبيب ماهر لمريض معين في دواء موصوف والطرقية وأهل النجامة وسائر الطوائف المنسوبة إلى ساسان ومن يأخذ أموال الرجال بالحيلة ويأكلهم باللسان وكل إنسان سوء من هذا القبيل هو في الحقيقة شيطان لا إنسان فامنعهم كل المنع واصدعهم مثل الزجاج حتى لا ينجبر لهم صدع وصب عليهم النكال وإلا فما تجدي في تأديبهم ذات التأديب والصفع ومن وجدته قد غش مسلما أو أكل بباطل درهما أو أخبر مشتريا بزائد أو خرج عن معهود العوائد أشهره بالبلد وأركب تلك الآلة قفاه حتى يضعف منه الجلد وغير هؤلاء من فقهاء المكاتب وعالمات النساء وغيرهما من الأنواع ممن يخاف من ذئبه العائث في سرب الظباء والجآذر

ومن يقدم على ذلك أو مثله وما يحاذر ارشقهم بسهامك وزلزل أقدامهم بإقدامك ولا تدع منهم إلا من اخترت أمانته واختبرت صيانته والنواب لا ترض منهم إلا من يحسن نفاذا ويحتسب لك أجر استنابته إذا قيل لك من استنبت فقلت هذا وتقوى الله هي نعم المسالك وما لك في كل ما ذكرناه بل أكثره إلا إذا عملت فيه بمذهب مالك والله تعالى يسددك ويرشدك ويوفقك إلى أحسن المسالك
توقيع بالخطابة والإمامة بالجامع المنصوري بطرابلس كتب به للخطيب جمال الدين إبراهيم بالمجلس السامي بغير ياء وهو
رسم بالأمر الشريف لا زال عود منابر الإسلام بماء إحسانه رطيبا وبرد شعائر الدين الحنيفي في أيامه الزاهرة قشيبا ومواهبه ومناقبه تقيم لممادحه في كل وادشاعرا ولمحامده في كل ناد خطيبا أن يرتب المجلس السامي الإمام العامل رحم الله تعالى السلف وزاد مجد الخلف خطيبا وإماما بالمسجد الجامع المعمور المنصوري بطرابلس المحروسة عوضا عن فلان وعلى عادته وقاعدته وبمعلومه الشاهد به الديوان المعمور المستقر باسمه إلى آخر وقت رعاية لأهليته الواضحة الدلائل وفضيلته الناطقة الشواهد الصادقة المخايل وأوصافه الجميلة التي بها تعرف من أبيه الشمائل ولأنه الصدر ابن الصدر النجيب والخطيب الإمام ابن الإمام الخطيب والولد النجيب الذي حذا حذو والده في الصلاح ما خاب ولا يخيب والنجل النبيه المهذب الذي أشبه أباه في الدين والورع ومن أشبه أباه فما ظلم في النباهة والتهذيب
فليباشر هذه الخطابة والإمامة التي هو ابن جلاها وطلاع ثناياها زائنا حلاها زائد علاها وليرق ذروة هذا المنصب الذي هو أعلى المناصب الدينية وليتلق نعم الله عز و جل بالشكر الذي يوجب المزيد ويكسب المزية وليقم مقام والده في هذه الرتبة السنية بإخلاص العمل وصدق النية مجليا في

مضمار البيان الذي سلمت إليه أعنته وألقيت إليه أزمته محليا بقلائد المواعظ وفرائد الأمثال أعواد المنبر الذي لو أمكنه لسعى إليه مشنفا الأسماع بجواهر الأوامر وزواهر الزواجر التي يصدع بها عليه
وليسر كسيرة والده في الطريقة المثلى وسلوك المنهج الأسد وليجتهد في إحياء رسومه في العبادة واقتفاء آثاره في العلم والزهادة حتى يقول الناس هذا الشبل من ذاك الأسد جاريا على أفضل العوائد في ديانته ساريا بأجمل القواعد من صيانته وليوصل إليه معلومه الشاهد به الديوان المعمور المستقر إلى آخر وقت على عادة من تقدمه وقاعدته لاستقبال مباشرته أحيان الوجوب وأزمان الاستحقاق رزقا دارا سارا هنيا مرضيا من غير تنغيص ولا تنقيص والاعتماد على العلامة الكريمة أعلاه وثبوته إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع بخطابة كتب به للشيخ صدر الدين الخابوري بالمجلس السامي بالياء وهي
رسم لا زالت أيامه الشريفة تضع الأشياء في محلها وتفوض المناصب المنيفة إلى أهلها وتشرف صدور المحافل بصدر العلماء في حزنها وسهلها أن تفوض إلى فلان الخطابة بالجامع الناصري المعروف بجامع التوبة بطرابلس المحروسة وجوبا وتعينا اقتضى في تقدم الفاضل على المفضول تيقنا وتبينا لأنه الحبر الذي لايجاري في فضائله والبحر الذي يجود فيجيد بفواضله والصدر الذي ملئت بفوائده وفرائده بزمانه محافل صدوره وصدور محافله كم نطقت ألسن الأقلام بأفواه المحابر بفضله في الأقاليم والآفاق وكم من عبارة بفصاحة وبلاغة حققت أنه بها فات الفصحاء والبلغاء وفاق لقد أصبح شمل هذا الجامع بهذا الفاضل الذي طال ارتقابه له جامعا وأمسى وقد ظفرت يمناه من اليمن به والبركة بما لم يكن بشيء منه في مثل هذه

الأيام طامعا فلذلك بادر منبره المنيف وحل له حقوته مسارعا ووطأ لامتطائه إياه صهوته وغفر للدهر بهذه الحسنة الجميلة فيما سلف منه هفوته وعلم أنه الخطيب الذي استقر يطالع المنابر من خطبته بما يفجر من العيون منابع المدامع ويشوق إلى الآخرة من ألفاظ يشنف بها المسامع وأن قسا لا يقاس به في خطبه وعظاته وأن سحبان يود من خجله أن يسحب ذيله على مآثره المأثورة عنه ليعفي آثار فلتات كلماته ولفتات لفظاته
فليباشر هذه الوظيفة المباركة بالله تعالى مذكرا ولما أمر عباده ونهاهم عنه على أسماعهم مكررا ويعلم أنه في المحراب مناج لربه واقف بين يدي من يحول بين المرء وقلبه فليعتصم بالله عز و جل في قوله وفعله ويتيقن أن الكلمة إذا خرجت من قلب لا تقع إلا في مثله
وفي إحاطة علمه المشهور وفضله المشهود المشكور ما يغني عن وصية بها يتذكر وتذكرة في صحيفة فكره ترقم وتسطر وليوصل إليه معلومه على هذه الوظيفة الشاهد به الديوان المعمور وليوفر خاطره من التبذل في تحصيل معلومه الجاري له وطلبه وليعامل بمايليق من الإجلال والإعظام بوظيفته الشريفة والمحل العالي الرفيع من منصبه والعلامة الكريمة أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الديوانية بطرابلس
نسخة توقيع بشهادة الجيوش بطرابلس كتب به للقاضي بدر الدين محمد بن الفرفور ووالده يومئذ ناظر الجيوش بها بالمجلس العالي وهي

حذف

أما بعد حمد الله الذي زين سماء المعالي ببدرها وأنبت في رياض السعادة يانع زهرها ورفع المناصب السنية إلى شرف محلها ومحل شرفها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة خالصة في قولها وفعلها وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالملة الحنيفية قائما بفرضها ونفلها آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر مبلغا لرسالات ربه كلها صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه صلاة لا ينحصر عددها ولا ينقضي أمدها وسلم تسليما كثيرا فإن أولى من خطبته المناصب من هو أحق بها وأهلها وله فيها نسبة لا ينكر فضلها ومباشرات في الممالك الإسلامية مشهورات بالكفاية والعفة في برها وبحرها
ولما كان فلان حرس الله جنابه وأسبغ ظل والده هو المعني بهذه الإشارة وشمس هذه الهالة وبدر هذه الدارة
فلذلك رسم زاده الله تعالى عظمة وشرفا ومنحه في الجنان قصورا وغرفا أن يستقر إقرارا لعين والده وجمعا له بين طريف السعد وتالده لأنه النبعة التي نشأت في رياش السيادة والزهرة التي برزت في كمام السعادة فلا يزال فرعه إن شاء الله بسعادة هذه الدولة الشريفة ينمي إلى أن يتأصل وزهرته تزهى إلى أن تبلغ الإثمار وتتوصل
فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرة تظهر فيها كفايته عند الانتقاد وتحمد فيها عقبى الاختيار والاختبار والرشاد وليسلك في أمانته سنن أبيه أسبع الله ظله التي أحكمها في كل ما أبدى وأعاد ويتبع طرقه الهادية إلى سبيل السعادة والإرشاد ويبد ما اكتسبه من والده عن سلفه من هذه الصناعة وهو أحق بهذا السند ولا يخرج عن رأي أبيه أيده الله حتى يقول الناس هذا الشبل من ذاك الأسد وليشمر في تحصيل الفضائل التي تبلغ بها الآمال وتصلح الأحوال وليتلق هذه المباشرة بعزمه الشديد بنفسه لا بالتقليد فإنه شاهد ومسؤول بقوله يوفق في الاستحقاق وفي النقود والكيول وتقوى الله هي السبب الأقوى فليتمسك بحبلها يقوى والوصايا كثيرة في ذلك ووالده بها

أعلم والله تعالى يسلكه سبيل الهدى فإنه أنجح الطرق وأسلم والله تعالى يتولى عونه ويديم صونه والاعتماد
توقيع بكتابة الدرج بطرابلس كتب به المجلس السامي بالياء وهو
رسم بالأمر الشريف لا زالت مراسمه العالية تطلع في أفلاك المعالي بدرا منيرا هاديا إلى الفضائل مأمونا من السرار ومكارمه الوافية ترفع من أعلام المعاني صدرا كبيرا رشيدا في البيان أمينا على الأسرار ومراحمه الكافية تقر عيون الأعيان والأخيار أن يرتب فلان ضاعف الله تعالى أنوار فضائله التي يأتم بها المستضيء والمهتدي ويعشو إلى قراها المستعين والمقتدي في كتابة الدرج السعيد بطرابلس المحروسة بما قرر له من المعلوم الوارد في الاستئمار الشريف على ما يتعين بقلم الاستيفاء جهته ويبين تفصيله وجملته نظرا إلى استحقاقه الظاهر وفضله الباهر وبلاغته التي أفصحت عن بيان البليغ القادر وفصاحته التي بلغت الكمال بعون الملك القادر وإطرابه في إطنابه وإعجازه في إيجازه فله في الدلائل قدرة المنصور وفي الفضائل قوة الناصر طالما أزهر بقلمه المهدي للصواب السفاح كالسحاب روض العلوم والآداب وأظهر ببيانه المنتصر في الخطاب المقتدر على الاقتضاب طرق الفنون واضحة العيون محكمة الأسباب وسبل الحكم مفتحة الأبواب فهو بالسنا والسناء بدر المسترشد وبالجدا والجداء معز المستنجد وبفرط الحيا والحياء سحاب المستمطر والمستظهر وبغرب الذكا والذكاء برق المستبصر والمستنصر
فليباشر هذه الوظيفة المباركة معتصما بحبل التقوى مستعصما من

المراقبة بالسبب الأقوم الأقوى مجددا رسوم هذه الصناعة التي ربعها قد درس ومحلها قد أقوى فإن المتقي لله الراضي به هو الراشد الفائز بالسعادة والمتوكل عليه المطيع له هو الواثق ببلوغ القصد الحائز للارادة وليطرز حلل البيان بوشي بنانه الذي أصبح ديباج الطرس به معتزا وليقوم معاني البديع بعامل قلمه الخطي الذي أمسى الفضل به كالسمهري قائما مهتزا مستكفيا بما يصرعه ويرصعه نظما ونثرا من البدائع مستعليا لما يرفعه ويفرعه من غرر الفقر ودرر الفكر بخاطره الوقاد النقاد المنقاد الطائع مقتفيا فيما ينشئه آثار ما يصدر عن الحاكم والآمر مكتفيا فيما يبديه بمقدار ما تبرز به المراسيم والأوامر حافظا للسر العزيز كاتبا كاتما فلا يعضده فيه عاضد ولا يظفر به ظافر معتمدا على الكتمان في جميع ما يورده ويصدره مقتصدا بالتوفيق في سائر ما يخفيه ويظهره
والوصايا فمن آدابه تستفاد والنصائح فلها منه المبدأ وإليه المعاد فليتسنم ذروة أعلاها وليتنسم نفحة رياها
توقيع بشهادة دار الضرب بطرابلس وهو
رسم بالأمر لا زال رأيه الشريف يقرب من الأمور صوابا ولا برح أفق سماء مملكته الشريفة يطلع بفلكه بدرا منيرا وشهابا أن يرتب فلان لأنه العدل الذي اشتهرت عدالته والأمين الذي بهرت فظهرت أمانته والرئيس الذي ما برح صدر المحافل والفاضل الذي فاق بفضله على الأقران والأماثل وشهدت بنزاهته المشهورة الأواخر والأوائل
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة مطابقة لعدالته المشهورة معربة عن أصالته المخبورة موضحة عن ديانته التي غدت في العالمين معروفة غير منكورة ليصبح هذا المنصب مشرقا بنوره سني الأرجاء بساطع ضياء شهابه ونور بدوره وهو أعزه الله غني عن وصية منه تستفاد أو تنبيه على أمر منه يبدأ

وإليه يعاد وليتناول معلومه الشاهد به الديوان المعمور هنيا ميسرا ولا يقف أمله عنده فإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
توقيع بنظر اللاذقية كتب به للقاضي برهان الدين الأذرعي وهو
رسم بالأمر أنفذه الله في الآفاق وطوق بمنه وفواضل بره الأعناق أن يستقر المجلس السامي حرس الله مهجته وأهلك حسدته في نظر اللاذقية المحروسة على عادة من تقدمه وقاعدته بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت علما بأمانته المشهورة وكتابته التي هي بين أهل الصناعة مشكورة وخبرته التي هي في المباشرات معروفة غير منكورة وكفايته المألوفة الموفورة فإنه باشر الحسبة الشريفة ونهى وأمر واتبع في أحكامه ما أمر به أمير المؤمنين عمر وضبط أموال بيت المال بحسن نظره وميز وثمر
فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرة على أجمل العادات ويسترفع مالها من الحسبانات ويوصل إلى أرباب الاستحقاق ما لهم من الحقوقات على ما يشهد به الديوان المعمور في سائر الأوقات فإن هذه الوظيفة من أجل المباشرات وليتناول معلومه الشاهد به الديوان المعمور هنيا ميسرا على جاري العادة لمن تقدمه في الفروع وسائر الجهات وليعتمد على تقوى الله تعالى في سائر الحركات والسكنات والله تعالى يتولاه والاعتماد على الخط الكريم أعلاه
توقيع أيضا في المعنى
لا زالت صدقاته الشريفة تقيم لاتباع الحق برهانا وتسدي إلى كل أحد خيرا وإحسانا أن يرتب فلان ناظرا باللاذقية المحروسة وما هو مضاف إليها

على عادة من تقدمه وقاعدته ومعلومه الشاهد به الديوان المعمور لأنه طالما باشر نظر بيت المال فوفر الأموال وأصلح ما فسد من الأحوال وسدد بحسن تدبيره الأقوال والأفعال وأظهر من الأمانة ما تميز به في مباشراته وفاق به على قرنائه وأهل زمانه وأوقاته ثم باشر الحسبة فسلك فيها مسلك السر والجهر وصدق الخبر وسلك مسلك أمير المؤمنين عمر
فليباشر هذا النظر بقلب منشرح وأمل منفسح وليظهر فيه ما جرب به من الأمانة وتجنب الخيانة وليجتهد في تحصيل أموال الديوان المعمور ويبسط قلمه في إصلاح الأمور وليوصل إلى أرباب المرتبات ما هو لهم مستحق فإنهم به أولى وأحق وليوصل إليه معلومه أوان وجوبه واستحقاقه
توقيع بمشارفة حصن الأكراد كتب به للقاضي بدر الدين بالمجلس العالي وهو
رسم بالأمر الشريف لا زالت مراسمه العالية تولي الأنام برا وتجدد بإسباغ الإنعام بشرا وتضوع في كل ناد من أندية الثناء والدعاء نشرا وتطلع في كل أفق من آفاق السيادة من صدور الأعيان وأعيان الصدور بدرا أن يرتب فلان في مشارفة حصن الأكراد المحروس لما هو عليه من العفة والصلف والنزاهة التي عرف بها واتصف والرآسة التي انتقلت إلى الخلف عن السلف والعدالة التي لا يتكلف لسلوك نهجها ومن العجب خلو البدر عن الكلف كم حفظت بمباشرته الأموال وصلحت بملاحظته الأحوال وعقدت الخناصر على سيرته وحسن سيره واشتهر بجميل تدبير أوجب تقديمه على غيره

فليباشر هذه الوظيفة التي هي من أجل الوظائف وليشكر ما أولي من المعروف وأسدي إليه من العوارف وليبذل جهده في صلاح الأحوال وتثمير الأموال وتقرير القواعد على السداد وإجراء العوائد على وفق المراد فإنه ممن دلت خبرته على جميل آثاره ولاحت الغبطة في اختياره الذي أغنى عن تقديم اختباره كيف لا وهو ممن نشأ في خدور فنون الكتابة واشتهر في مواطن النضال مع وفور الانتقال بحسن الإصابة فهو إن شاء الإنشاء بلغ منه المرام وإن بسط الجرائد للتصرف قيل هذا الكاتب النظام كم له من يد بيضاء في التبييض والتسويد وهمة علياء بلغ بها من السيادة ما كان يريد
فليقدم خيرة الله تعالى في هذا الأمر ويجعلها إمامه وليتمسك بها مقتديا بمن قدمها أمامه وليكن عند حسن الظن به ليبلغ من سعادة الدارين مرامه
والوصايا التي يعم نفعها ويتعين على تناسب الأعمال جمعها به تسلك سبلها وعنه تؤخذ تفاصيلها وجملها فليسلك منها الأقوام الأرشد وليتمسك بالأقود الأحمد بحزم وافر وعزم غير قاصر وليتناول معلومه الشاهد به الديوان المعمور أحيان الوجوب والاستحقاق رزقا دارا هنيا ميسرا سارا من غير تقتير ولا تكدير ولا تنغيص ولا تأخير
توقيع بمشيخة المقام الأدهمي كتب به باسم الشيخ عبد الله السطوحي بالمجلس العالي وهو
أما بعد حمد الله الذي سقى محلنا بإيابه وأنبت عشبنا بسحابه وأقرأنا كتاب وجهه وأغنانا عن وجه كتابه وجعل لكل مقام مقالا من صدق

أوليائه ومنحهم بما اختار لهم من سرائر مواهبه وعطائه وجمع قلوب الفقراء على العبادة والدعاء بواسطة من أحبابه وأخصاء نجبائه والصلاةو السلام على سيدنا محمد نجم السرى وليث الشرى وسيد من وطيء الثرى وعلى آله وصحبه الذين منهم من لو أقسم لأبر قسمه رب السما وسلم تسليما كثيرا فلما كان الاعتناء بالأمور الدينية من الواجبات والمحافظة عليها مما تبادر إليه من النفوس الرغبات وبيوت الله تعالى فهي قوام الدين المتين ولا ينهض بعمارتها إلا الذين اتقوا وآمنوا برب العالمين فطوبى لهم ونعم أجر العاملين
ومن البيوت العامرة والسراة الطاهرة والمقامات التي إذا حل بساحتها أكمه العين بصرته نجوما زاهرة مقام من ذكر كرامته أشأم في أقطار الأرض وأيمن وأنجد وأتهم السيد الجليل ولي الله إبراهيم بن أدهم سيد الأولياء وسلطان الأتقياء رحمة الله عليه ما سار على الطريق سائر وما امتطى ظهر قلوص مسافر مقام بالزهد موصوف وبالبركات معروف وله الإطلاقات المشهورة والمناهل المأثورة في وردها المبرورة قد استولت عليه يد التبذير وعاد بعد طول سماطه في تقصير واختلف فيه النيات فكان في كيس الفقير فكشف الله هذه النقمة وأدام سوابغ النعمة وأسبل على هذا المقام ظلال الحرمة وأرسل الله على عباده المتقين باعثا من عنده وأيقظهم لعلمه بأن كلا واقف عند أمره وحده وأنطق لسان من لا راد لأمره فكشف غمة هذا المقام وعزل من يخاف عليه من سوء تدبيره وشره
فلذلك رسم أن تفوض مشيخة المقام الجليل الأدهمي بثغر جبلة المحروس على ساكنه الرحمة والرضوان إلى فلان نفع الله ببركاته وأعاد

على المسلمين من صالح دعواته عوضا عمن كان بها بحكم انفصاله حسب ما وردت المراسيم الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها عند اتصال العلوم الشريفة زادها الله تعظيما بأمر المقام المشار إليه واعتماد المتصرفين فيه إذ وضعت الآن الأشياء في محلها وأسندت الأمور إلى أهلها وقلدت هذه المثوبة إلى من يظهر سرائر فضلها ولحظت الآراء حجر هذا المقام والأثر ولا شك أن السعادة تلحظ الحجر كم له من آيات مشهورة وكرامات بلسان الحمد مذكورة ومساع في الخيرات مبرورة وقد عم الزوايا بأجناس المكارم وبسط للزائرين من إكرامه سماطا يقول الزائر هذا ولا حاتم
( نزور ديارا زارها جود كفه ... ومن دونها للزائرين مراحل )
( ونرجع عنها والجفون قريرة ... كما راجعت مأوى الحقوف المساحل )
فليتلق أعاد الله من بركته هذه الولاية وليجعل للمقام المشار إليه من خاطره الكريم أوفر عناية ويستخلف عنه إذا توجه إلى مشيخة كذا بحصن الأكراد فإنها مستمرة بيده وولايتها باقية عليه وأمرها في إبدائه وإعادته عليه والله تعالى يتولاه فيما ولاه والاعتماد
قلت وقد أتيت على جملة من تواقيع أرباب الوظائف بدمشق وحلب وطرابلس وأعمال كل منها يستغني بها الماهر عما سواها ويقيس عليها ما عداها إذ لا سبيل إلى استيفاء جميعها والإتيان على جملتها
وفيما ذكر من هذه الممالك الثلاث تنبيه على ما يكتب بحماة وصفد اللتين هما في رتبة طرابلس وتلويح إلى ما عداها مما هو دونها كغزة إذا كانت نيابة والكرك التي هي دون ذلك

والله تعالى هو الهادي إلى التوفيق والمرشد للسداد بمنه وكرمه
تم الجزء الثاني عشر يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث عشر وأوله المقالة السادسة فيما يكتب في المسامحات والإطلاقات السلطانية والطرخانيات وتحويل السنين والتذاكر وفيها أربعة أبواب
والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

المقالة السادسة
فيما يكتب في الوصايا الدينية والمسامحات والإطلاقات السلطانية والطرخانيات وتحويل السنين والتذاكر وفيها أربعة أبواب
الباب الأول في الوصايا الدينية وفيه فصلان
الفصل الأول فيما لقدماء الكتاب من ذلك
اعلم أنه كان لقدماء الكتاب بذلك عناية عظيمة بحسب ما كان للملوك من الإقبال على معالم الدين ومن أكثرهم عناية بذلك أهل الغرب لم يزالوا يكتبون بمثل ذلك إلى نواحي ممالكهم ويقرأ على منابرهم ولهم في ذلك الباع الطويل والهمة الوافرة
وهذه نسخة من ذلك كتب بها أبو زيد الداراري أحد كتاب الأندلس عن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين المنصور أحد خلفاء بني أمية بالأندلس وهي

الحمد لله الذي جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلين تتفرع عنهما مصالح الدنيا والدين وأمر بالمعروف والإحسان إرشادا إلى الحق المبين والصلاة على سيدنا محمد الكريم المبتعث بالشريعة التي طهرت القلوب من الأدران واستخدمت بواطن القلوب وظواهر الأبدان طورا بالشدة وتارة باللين القائل ولا عدول عن قوله عليه السلام من اتقى الشبهات استبرأ لدينه تنبيها على ترك الشك لليقين وعلى آله الكرام وأعلام الإسلام المتلقين راية الاهتداء في إظهار السنن وإيضاح السنن باليمين الذين مكنهم الله تعالى في الأرض فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وفاء بالواجب لذلك التمكين
والرضا عن الأئمة المظهرين للدين المتين البالغين بالبلاد والعباد نشرا

وإتماما للفضل إلى أقصى غاية التمهيد والتأمين رضي الله عنهم أجمعين وعن تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
وإنا كتبناه لكم كتب الله لكن اتباعا إلى ما ينهى من المصالح إليكم واستماعا إلى ما يتلى من المواعظ عليكم من حضرة إشبيلية كلأها الله
والذي نوصيكم به تقوى الله تعالى والعمل بطاعته والإستعانة به والتوكل عليه وأن تعلموا أنا لم نقم هذا المقام الذي حفظ الله به نظام الحق من انتثاره وأمدنا بعونه الجميل على إحياء الدين وإفاضة أنواره إلا لنستوفي كل نظر يعود على الأمة باستقامة أخراها وأولاها ونهيب بها إلى أسمى رتب السعادة وأعلاها ونوقظ بصائرها بنافع الذكرى من كراها فعلينا لها بحكم ما تقلدناه من إمامتها وتحملناه من أمانتها أن نتخولها بالحكمة والموعظة الحسنة ونرشدها إلى المناهج الواضحة والسبل البينة ونضفي على خاصتها وعامتها ظل الدعة والأمنة وإذا كنا نوفيها تمهيد دنياها ونعتني بحماية أقصاها وأدناها فالدين أهم وأولى والتهمم بإحياء شرائعه وإقامة شعائره أحق أن يقدم وأحرى وعلينا أن نأخذ بحسب ما نأمر به وندع ونتبع السنن المشروعة ونذر البدع ولها أن لا ندخر عنها نصيحة ولا نغبها إرادة من الأدواء مريحة ولنا عليها أن تطيع وتسمع وقد علم الله أنا لم نتحمل أمانة الإسلام لنستكثر من الدنيا وزخرفها ولم نتصد لهذا المقام لنستأثر بنعيمها وترفها وإنما كان قصدنا قبل وبعد إقامة الكافة في أوثر قراها وأوطإ كنفها وبحسب هذه النية التي طابقها العمل ولم يتعدها الأمل نيلت من الخيرات نهايات كانت الخواطر تستبعد منالها وتيسرت

إرادات كانت الأمة منذ زمان لم تر مثالها وساعدت العناية الربانية فلم تؤن مقصودا جميلا ولا منا جزيلا
وإلى هذا أدام الله كرامتكم فإنا لم نزل مع طول المباشرة للأحوال كلها وتردد المشاهدة لعقد الأمور وحلها نقف وقوف المتأمل على جزيئات الأمور وكلياتها ولا يغيب عن تصفحنا وتعرفنا شيء من مصالح الجهات وكيفياتها ولم نمر بمائل إلا تولينا إقامته وأعدنا إليه اعتداله واستقامته ولا انتهينا إلى صواب قول أو عمل إلا شدنا مبناه وأظهرنا لفظه ومعناه
والآن حين استوفى إشرافنا على البلاد قاطبة ولزمنا بحكم القيام لله في خلقه بحقه أن نتعهد الكافة دانية ونائية وشاهدة وغائبة ورجونا أن نتخلص من القسم الأول في قوله عليه السلام اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به بأعمال على الرفق دائبة وعلى الحق مواظبة صرفنا أعنة الاعتناء بجوامع المصالح فرأينا الدين ينظم تبددها ويستوعب تعددها لا تشذ مصلحة عن قوانينه ولا تنال بركة إلا مع تحصينه وتحسينه والله تعالى يعيننا وإياكم على إقامة حدوده وإدامة عهوده وأول ما يتناول به الأمر كافة المسلمين الصلاة لأوقاتها والأداء لها على أكمل صفاتها وشهودها إظهارا لشرائع الإيمان في جماعاتها فقد قال عليه السلام أحب الأعمال إلى الله الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع وقال عمر رضي الله عنه ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فهي الركن الأعظم من أركان الإيمان والأس الأوثق لأعمال الإنسان والمواظبة على حضورها في المساجد وإيثار ما لصلاة الجماعة من المزية على صلاة الواحد أمر لا يضيعه المفلحون ولا يحافظ عليه إلا المؤمنون قال ابن مسعود رضي الله عنه لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف وشهود الصبح والعشاء والآخرة شاهد بتمحيص الإيمان

وقد جاء إن شهود الصبح في جماعة يعدل قيام ليله وحسبكم بهذا الرجحان والواجب أن يعتنى بهذه القاعدة الكبرى من قواعد الدين ويؤخذ بها في كافة الأمصار الصغير والكبير من المسلمين ويلحظ في إلتزامها قوله عليه السلام مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر سنين وبحسب ذلكم رأينا أن نلزم جار كل مسجد وأمير كل سوق وشيخ كل زقاق ومعلم كل جهة الانتداب لهذا السعي الكريم والبدار لما فيه من الأجر العظيم وأن يحض كل من في جهته أو سوقه أو حومة مسجده أو موضع صنعته أو تجارته أو تعليمه على الصلاة وحضورها والاعتناء بأحكام طهورها وأن لا يتخلف عن الجماعة إلا لعذر بين أو أمر يكون معه الشهود غير ممكن وعليهم أن يلتزموا هذه الوظيفة أتم إلتزام ويقوموا بها مؤتجرين أحسن قيام ويشمروا عن ساعد كل جد واعتزام ويتعرفوا كل من تحتوي عليه المنازل ممن بلغ حد التكليف من الرجال ويتعهدوهم الحين بعد الحين والحال إثر الحال ويطلبوهم بالذكر بملازمة هذا العمل الذي قدمه الله على سائر الأعمال وليحذر المسلم أن يواقع بإضاعة المكتوبة أمرا إمرا ويترك من فرائض الإسلام ما يقتل متعمد تركه حدا أو كفرا وعلى معلمي كتاب الله أن يأخذوا الصبيان بتعلم الصلاة والطهارة والإدامة لإقامتها والموالاة وحفظ ما تقام به وأقل ذلك سورة فاتحة الكتاب وعلى كل إنسان في خاصته أن يأخذ صغار بنيه وكبارهم وسائر أهله ومن إلى نظره بذلك ويأمرهم به قال الله تعالى ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) وقال كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
ثم اعلموا أن الصلاة بما آثرها الله به من وظائفها الشريفة وخصائصها

المنيفة تنتظم من أعمال البر ضروبا لا تحصر وتعصم من مواقعة ما يشنأ وينكر وتحظي من الخيرات العميمة الجسيمة بالقسم الأوفى الأوفر قال الله تعالى ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ونحن لا نوسع تاركها بحال عذرا ولا نؤخر له عقابا وزجررا ولا نزال نجبره على إقامتها قسرا وإذا استمر التعهد لها مع الأحيان وعمل الناس بما جددناه من إجراء التذكير بها بين القرابة والصحابة والجيران وتواصوا بالمحافظة عليها حسب الإمكان لم تزل بيوت أذن الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه معمورة بتلاوة القرآن ولم تنفك إلا للإقامة عن الأذان
ومما يزيد هذه الوظيفة تأكيدا ويوفي قواعدها تشييدا درس كتاب الصلاة والطهارة حتى يستكملوه وعيا وحفظا ويؤدوا مضمنه لفظا فلفظا ففي ذلك من الإشراف على أحكام العبادتين ما تبين مزيته وفضله ولا يسع المؤمن بحال جهله ثم إذا أحكموه انتقلوا إلى درس كتاب الجهاد وعمروا الآناء بتعرف ما أعد الله للمجاهدين من الخير المستفاد فالجهاد في سبيل الله فرض على الأعيان وقد تأكد تعينه لهذه البلاد المجاورة لعبدة الأصنام والصلبان ونرجو أن ينجر الله ما وعد به من الفتح القريب لأهل الإيمان وليطلبوا الناس بعرض ما يتدارسون تثبيتا لمحفوظاتهم واستزادة لقسمهم من الأجر وحظوظهم
ومن مقدمات الجهاد وأقوى أسباب الاعتداد تعلم الرماية التي ورد الحض عليها وندب الشرع إليها قال في قوله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا إن القوة الرمي قالها ثلاثا فأظفروا الناس بتعلمهم ولترتبوهم طبقات على قدر إجادتهم وتقدمهم قال من

ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو قال كفرها وقال من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أو لم يبلغ كان له كعتق رقبة
وليعلموا أنهم يطلبون في وقت الحاجة بما يثمره هذا التأكيد من بدارهم ويترتب عليه من ائتمارهم وليحرصوا على أن يلفى عددهم وافرا في حالتي إيرادهم وإصدارهم
ومما فيه مصلحة كريمة الأثر واضحة الحجول والغرر يكون ذكرها جميلا وأجرها جزيلا تعهد الضعفاء والفقراء وإسهامهم من الكثير كثيرا ومن القليل قليلا بحسب الإصابة والرخاء ووضع الصدقات في أهل التعفف الذين لا يسألون الناس إلحافا أول ما يجيء حين العطاء فقد قال النبي ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده التمرة والتمرتان وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس فتفقدوا هذا الصنف فهو أولى بالإيثار وأحق أهل الإقتار والمؤمنون إخوة ويعنى الجار بالجار وليعن الغني الفقير فذلك من مكارم الأثار
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة تعينت إقامتها على المسلمين جميعا فمن رأى منكرا فلينهه إليكم وعليكم تغييره وتعفية أثره على ما يوجبه الدين ويقتضيه وليأخذوا الحق من كل من تعين عليه سواء في ذلك القوي والضعيف والمشروف والشريف وكل من ارتكب منكرا كائنا من كان عز قدره أو هان فليبالغ في عقابه وينكل على قدر ما ارتكب من المنكر وأتى به فقد قال عليه الصلاة و السلام إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإنني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وقال لأسامة في الحديث نفسه أتشفع في حد من حدود الله وقد حد عمر رضي الله عنه ولده وحد عثمان رضي الله عنه أخاه فلتكن هذه الوظيفة منكم بمرأى ومسمع ولتسلكوا

في إقامتها على الخامل والنبيه أوضح مهيع ووفوا المعروف حقه من الإظهار وتلقوا المنكر بأتم وجوه الإنكار ثم عليكم أجمعين بالتواصي بالخير والتعاون على البر والتقوى ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) وقال عليه السلام لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تجسسوا وكونوا عباد الله إخوانا
وبالجملة فعلى المؤمن أن يستنفد وسعه في الاقتداء برسول الله والسلف من بعده ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ولم ينشأ ما نشأ من الأهوال ولا طرأ في هذه الأمة ما طرأ من الاختلال إلا بمفارقة الاقتداء الذي هو للدين رأس المال وB عمر حيث قال فرضت الفرائض وسنت السنن وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا
ومن أشد المنكرات بغير نكير وجوب تغيير الخمر التي هي أس الإثم والفجور وأم الخبائث والشرور وأس كل خطيئة ورأس كل محظور فليشتد أتم الاشتداد في أمرها ويبحث غاية البحث عن مكامن عصرها ويتفقد الأماكن المتهمة ببيعها ويتسبب بكل وجه وكل طريق إلى قطعها وليبادر حيث كانت إلى إراقة دنانها وليبالغ إلى أقصى غايات الاجتهاد في شانها وإن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه فليتق الله مدمن شربها فإنها رجس من عمل الشيطان وليحذر ما في قوله عليه السلام لا يشرب المؤمن الخمر حين يشربها وهو مؤمن من إخراجه عن أهل الإيمان وشرب الخمر لجاج في الطبع فلا خير فيها مع الاعتناء المبني على الشرع ولو نهي الناس عن فت البعر لفتوه حرصا غالبا على ما تقدم فيه من الزجر والمنع فمن عثر عليه بعد من شارب لها أو عاصر مستسر بها أو مجاهر فليضرب الضرب المبرح ويسجن السجن الطويل وليبق إلى ان تصح توبته صحة لا تحتمل التأويل ثم إن عاد فالحسام المصمم يحسم داءه إذا أعضل ويصد به سواه عما استحل من هذا الحرام واستسهل

ومن أشد ما حذر منه وأكد النهي عنه كتب الفلسفة لعن الله واضعها فإنهم بنوها على الكفر والتعطيل وأخلوها من البرهان والدليل وعدلوا بها ضلالا وإضلالا عن سواء السبيل وجعلوها تكأة لعقائدهم ومقاصدهم المخيلة ركونا إلى الباطل وتمسكا بالمستحيل وقد كان سيدنا الإمام المنصور رضي الله عنه قد جد فيها بالتحريق والتمزيق وسد بإمضاء عزمه المسدد ورأيه المؤيد وجوه طلابها بكل طريق فحسبنا أن نقتدي في ذلك بأثره الجميل ونأخذ في إحراقها حيث وجدت وإهانة كاتبيها وطالبيها وقاريها ومقريها ولا يعدل عن السيف في عقاب من انتحلها واستوهبها وإن السيف في حقه لقليل وقد قال تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه وبحسب العاقل كتاب الله وسنة الرسول
ويتعلق بهذا المنهي عنه ما استرسل فيه مردة أهل الأهواء والمتنكبون فيما تلبسوا به من الأدران عن سنن الاهتداء أولئك قوم اعتقدوا إباحة المحظورات كلها وعدوا بإيهاماتهم السخيفة وتخيلاتهم الضعيفة كل واهي العقد منحلها وادعوا أنهم في الملة وأعمالهم تقضي بأنهم ليسوا من أهلها فليبحث عن ذلك الصنف الأول وهذا الثان فمذهبنا أن نطهر دين الله مما لصق به من الأدران وأن نعيده إلى ما كان عليه قبل والله المستعان
ومن الوظائف التي يجب أن تعتنوا بها غاية الإعتناء وأن تقدموا النظر فيها على سائر الأشياء أمر اسواق المسلمين فقد اتصل بنا ما تطرق للتجارات من مسامحات تعفى عليها الخدع ولا ينثرها إلا الحرص والطمع ولا توافق الشرع ولا يطابقها الورع حتى شاب أكثر المعاملات الفساد ولا يجري على القانون الشرعي في كثير من المبايعات الانعقاد وتصدي المتحيلون فيها لحيل يقصدونها وأنواع لاجتلاب السحت يرصدونها وربما ورد التاجر من القطر

الشاسع وحسن الظن بالمشتري منه أو البائع فيبلغ في خدعته والإضرار به في سلعته أسوأ المبالغ ويرتكب من محرم الخلابة ما ليس بالسائغ وسمع من ذلك أن من لا يتقي الله تعالى يلابس الربا في تجارته ويبني عليه جميع إدارته وحفظ المكاسب من الخبائث أوجب الواجبات والحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات ويمحق الله الربا ويربي الصدقات فلتلزموا الأمناء المعروفين بالديانة المشهورين بالأمانة تفقد هذه الأسواق وليحص كل أمين من تشتمل عليه سوقه من التجار وليعرف المختار منهم من غير المختار ومن لا يصلح للتجارة في سوق المسلمين يقام منها على أسوإ حال ومن عثر منهم على ربا في معاملته عاجلتموه بأشد العقاب وأسوأ النكال فخلصوا المتاجر من الشوائب ومروهم بأن يسيروا في بيعهم وشرائهم واقتضائهم على أجمل المذاهب وأن يحذروا الغش فقد قال من غشنا فليس منا والانتقاء من الإيمان من أعظم المصائب وإذا اعتبرت في المبايعات الوجوه الشرعية ولحظت الأحكام زكى الله عمل التاجر وبورك له فيما يدير من المتاجر ثم لتوصوا كل من تقدمونه لشغل من الأشغال أن يبدأ بصلاح نفسه قبل سواها وأن يلتزم الأعمال التي يؤثرها الله تعالى ويرضاها وحذروهم كل الحذر أن تقفوا لهم على ما يشين أو تسمعوا لهم قبيحا يخفى أو يبين فمن سمعتم عنه أدنى سبب من هذا فعاجلوه بالعقاب الشديد والنكال المبيد إن شاء الله تعالى والسلام
قلت وعلى هذه المعاني والأمور المأمور بها في هذا الكتاب قد كانت الخلفاء تكتب بها في المكاتبات على أنحاء متفرقة على ما تقدم في مقاصد المكاتبات من المقالة الرابعة وكانوا يولون على الصلاة والمساجد من يقوم بأمرها على ما تقدم وإن أكثر هذه الأمور الآن مضمنة في تواقيع أصحاب الحسبة على ما تقدم ذكره في الكلام على الولايات في المقالة الخامسة وبالله التوفيق

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة السادسة فيما يكتب من ذلك في
زماننا
وهو قليل لقلة الاعتناء بأمر الدين والاكتفاء في ذلك بالتفويض إلى متولي الحسبة إلا أنه ربما كتب في ذلك في الأمور المهمة عند تعدي الطور في أمر من الأمور الدينية والخروج فيه عن الحد
ثم هو على ضربين
الضرب الأول ما يكتب عن الأبواب السلطانية
وهذه نسخة توقيع شريف من هذا النوع كتب به في الأيام . . . . . أن لا يباع على أهل الذمة رقيق حين كثر شراء أهل الذمة من اليهود والنصارى العبيد والجواري وتهويدهم وتنصيرهم

الضرب الثاني مما يكتب في الأوامر والنواهي الدينية ما يكتب عن نواب
السلطنة بالممالك
وهذه نسخة توقيع كريم بمنع أهل صيدا وبيروت وأعمالهما من اعتقاد الرافضة والشيعة وردعهم والرجوع إلى السنة والجماعة واعتقاد مذهب أهل الحق ومنع أكابرهم من العقود الفاسدة والأنكحة الباطلة والتعرض إلى أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وأن لا يدعوا سلوك طريق أهل السنة الواضحة ويمشوا في شرك أهل الشك والضلال وأن كل من تظاهر بشيء من بدعهم قوبل بأشد عذاب وأتم نكال وليخمد نيران بدعهم المدلهمة وليبادر إلى حسم فسادهم بكل همة وتصريفهم عن التهوك في مهالك أهوائهم إلى ما نص عليه الشرع واعتبره وتطهير بواطنهم من رذالة اعتقادهم الباطل إلى أن يعلنوا جميعهم بالترضي عن العشرة وليحفظ أنسابهم بالعقود الصحيحة وليداوموا على اعتقاد الحق والعمل بالسنة الصريحة في خامس عشرين جمادى الآخرة سنة أربع وستين وسبعمائة وهي
الحمد لله الذي شرع الحدود والأحكام وجدع بالحق أنوف العوام الأغتام الطغام وجمع الصلاح والنجاح والفلاح في الأخذ بسنة خير الخلق وسيد الأنام وقمع الزائغين عما عليه أهل السنة من الحق في كل نقض وإبرام
نحمده على نعمه الجسام ومننه التي تومض بروقها وتشام وآلائه التي لا تسأم ولا تسام ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ليس لمن تمسك

بعروتها الوثقى انفصال ولا انفصام ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى الملك العلام والهادي إلى الحق بواضح الإرشاد والإعلام وعلى آله وأصحابه الذين هم أئمة الإسلام وهداة الخلق إلى دار السلام خصوصا أبا بكر الصديق الذي سبق الناس بما وقر في صدره لا بمزية صلاة ولا بمزيد صيام وعمر بن الخطاب الذي كان له في إقامة الحق أعظم مقام ومن أهل الصلاح والفساد انتقاء وانتقام وعثمان بن عفان الذي جمع القرآن فحصل لشمل سوره وآياته بما فعل أحسن التئام وأنفق ماله محتسبا لله تعالى فحاز من الثواب رتبة لا ترام وعلي بن أبي طالب الذي كان صهر النبي وابن عمه ووارث علمه اللهام والمجادل عن دينه بالعلم والمجاهد بين يديه بالحسام والباقين من العشرة الكرام صلاة تستمد بركاتها وتستدام وينمو فضلها بغير انقضاء ولا انصرام
وبعد فإن الله تعالى بعث محمدا بشرعه الذي ارتضاه ودينه الذي قضاه وحكمه الذي أبرمه وأمضاه فبلغ الرسالة وأوضح الدلالة وأفصح المقالة وجاهد في الله طوائف الأعداء وأمال الله تعالى إلى قبول قوله وتصديقه من سبقت له العناية من الأوداء ونصره على مخالفيه من المشركين والحاسدين حتى مات كل منهم بما في نفسه من الداء وبين الطريق وبرهن على التحقيق فأعلن النذارة والبشارة ومهد قواعد الدين تارة بالنص وتارة بالإشارة وتم الدين بإحكام أحكامه وشيدت قواعده بإعلاء أعلامه وعمت الدعوة وتمت وفشت الهداية ونمت ودخل الناس في الدين أرسالا وبلغت نفوس المؤمنين من إعلاء كلمة التوحيد آمالا وأصبحت الخيرات والبركات تتواتر وتتوالى وخمدت نار الشرك وطفئت مصابيح الضلالة ووحد الله تبارك وتعالى
فلما تكامل ما أراد الله تعالى إظهاره في زمانه وتم ما شاء إبرازه في إبانه وأعلنت الهداية ومحيت الغواية وقام عمود الدين

ودحضت حجة الملحدين واستوسق أمر الإسلام واستتب وتبت يدا مناوئه وتب اختار الله تعالى لنبيه جواره وقربه فقضى نحبه ولقي ربه فقام خلفاؤه بعده بآثاره يقتدون وبهديه وإرشاده يهتدون ولأحكامه يتبعون ولأوامره يستمعون ولمعاني ما جاء به يعون وإلى قضاياه يرجعون لا يغيرون ولا يبدلون ولا يتعرضون ولا يتأولون فقضى على ذلك الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون لم يتبع أحد منهم في زمانهم عقيدة فاسدة ولم يظهر أحد مقالة عن سواء السبيل حائدة ثم تفرقت الآراء وتعددت الأهواء واختلفت العقائد وتباينت المقاصد ووهت القواعد وتصادمت الشواهد وتفرقت الناس إلى مقر بالحق وجاحد وظهرت البدع في المقالات وضل كثير في كثير من الحالات وتهافت غالبهم في الضلالات وقال كل قوم مقالة تضمنت أنواعا من الجهالات وكان من أسخفهم عقلا وأضعفهم نقلا وأوهنهم حجة وأبعدهم من الرشد محجة طائفة الرافضة والشيعة لارتكابهم أمورا شنيعة وإظهارهم كل مقالة فظيعة وخرقهم الإجماع وجمعهم قبيح الابتداع فتبددوا فرقا وسلكوا من فواحش الاعتقادات طرقا وتنوع ناسهم وتعددت أجناسهم وتجرأوا على تبديل قواعد الدين وأقدموا على نبذ أقوال الأئمة المرشدين وقالوا ما لم يسبقوا إليه وأعظموا الفرية فيما حملوا كلام الله ورسوله عليه وباؤوا بإثم كبير وزور عظيم وعرجوا عن سواء السبيل فخرجوا عن الصراط المستقيم وفاهوا بما لم يفه به قبلهم عاقل وانتحلوا مذاهب لا يساعدهم عليها نقل ناقل وتخيلوا أشياء فاسدة حالهم فيما نخيلها أسوأمن حال باقل وتمسكوا بآثار موضوعة وحكايات إلى غير الثقات مرفوعة ينقل عن أحدهم ما ينقله عن مجهول غير معروف أو عمن هو بالكذب والتدليس مشهور وموصوف فأداهم ذلك إلى القول بأشياء منها ما يوجب الكفر

الصراح ويبيح القتل الذي لا حرج على فاعله ولا جناح ومنها ما يقتضي الفسق إجماعا ويقطع من المتصف به عن العدالة أطماعا ومنها ما يوجب عظيم الزجر والنكال ومنها ما يفضي بقائله إلى الويل والوبال لعب الشيطان بعقولهم فأغواهم وضمهم إلى حزبه وآواهم ووعدهم غرورا ومناهم وتمنوا مغالبة أهل الحق فلم يبلغوا مناهم مرقوا من الدين وخرقوا إجماع المسلمين واستحلوا المحارم وارتكبوا العظائم واكتسبوا الجرائم وعدلوا عن سواء السبيل وتبوأوا من غضب الله شر مقيل مذهبهم أضعف المذاهب وعقيدتهم مخالفة للحق الغالب وآراؤهم فاسدة وقرائحهم جامدة والنقول والعقول بتكذيب دعاويهم شاهدة لا يرجعون في مقالتهم إلى أدلة سليمة ولا يعرجون في استدلالهم على طريق مستقيمة يعارضون النصوص القاطعة ويبطلون القواعد لمجرد المنازعة والمدافعة ويفسرون كلام الله تعالى بخلاف مراده منه ويتجرأون على تأويله بما لم يرده الله ولم يرد عنه فهم أعظم الأمة جهالة وأشدهم غواية وضلالة ليس لهم فيما يدعونه مستند صحيح ولا فيما ينقلونه نقل صريح
فلذاك كانوا أقل رتبة في المناظرة وأسوأ الأمة حالا في الدنيا والآخرة وأحقر قدرا من الاحتجاج عليهم وأقل وضعا من توجيه البحث إليهم أكابرهم مخلطون وأصاغرهم مثلهم ومعظمهم مخبطون بل كلهم ليس لأحد منهم حظ في الجدال ولا قدم في صحة الاستدلال ولو طولب أحد منهم بصحة دعواه لم يجد عليها دليلا ولو حقق عليه بحث لم يلق إلى الخلاص سبيلا غاية متكلمهم أن يروي عن منكر من الرجال مجهول ونهاية متعلمهم أن يورد حديثا هو عند العلماء موضوع أو معلول يطعنون في أئمة الإسلام ويسبون أصحاب النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ويدعون أنهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بريء منهم منزه عما يصدر عنهم فقدره أرفع عند الله والناس ومحله أعلى بالنص والقياس ويحرم أن ينسب إليه الرضا بهذه العقائد أو التقرير لهذه المفاسد فإن طريقته هي المثلى وسيرته هي العليا فالأخذ بالحق إليه يؤول والصواب معه حيث يفعل أو يقول ولا يصح نقل شيء من هذا

عنه ولا يحل نسبة شيء إليه منه ومنصبه أجل من ذلك ومكانه أعز مما هنالك غير أن هؤلاء يعرض لأحدهم في دينه شبهة يقلد فيها مثله في الضلالة وشبهه ويتردد في نفسه من الغم برهة لا يجد لخلاصه منها وجهة ولا يوجه قلبه إلى طلب النجاة منها وجهه ولا يقع نظر بصيرته على طريق الصواب ولا يحقق كنهه فيرتكب خطرا يوجب توبيخه في القيامة وجبهه وتسود في الموقف ناصية منه وجبهة ويعدم لتحيره في الضلال عقله وفهمه وفقهه قد صرفوا إلى الطعن في العلماء ومخالفة رب الأرض والسماء همهم وهممهم وافتروا على الله كذبا فذمهم وأباح دمهم وقال لسان حال أمرهم ارى قدمهم أراق دمهم وهان دمهم فها ندمهم
وقد بلغنا أن جماعة من أهل بيروت وضواحيها وصيدا ونواحيها وأعمالها المضافة إليها وجهاتها المحسوبة عليها ومزارع كل من الجهتين وضياعها وأصقاعها وبقاعها قد انتحلوا هذا المذهب الباطل وأظهروه وعملوا به وقرروه وبثوه في العامة ونشروه واتخذوه دينا يعتقدونه وشرعا يعتمدونه وسلكوا منهاجه وخاضوا لجاجه وأصلوه وفرعوه وتدينوا به وشرعوه وحصلوه وفصلوه وبلغوه إلى نفوس أتباعهم ووصلوه وعظموا أحكامه وقدموا حكامه وتمموا تبجيله وإعظامه فهم بباطله عاملون وبمقتضاه يتعاملون ولأعلام علمه حاملون وللفساد قابلون وبغير السداد قائلون وبحرم حرامه عائذون وبحمى حمايته لائذون وبكعبة ضلاله طائفون وبسدة شدته عاكفون وإنهم يسبون خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين ويستحلون دم أهل السنة من المسلمين ويستبيحون نكاح المتعة ويرتكبونه ويأكلون مال مخالفيهم وينتهبونه ويجمعون بين الأختين في النكاح ويتدينون بالكفر الصراح إلى

غير ذلك من فروع هذا الأصل الخبيث والمذهب الذي ساوى في البطلان مذهب التثليث فأنكرنا ذلك غاية الإنكار وأكبرنا وقوعه أشد إكبار وغضبنا لله تعالى أن يكون في هذه الدولة للكفر إذاعة وللمعصية إشادة وإشاعة ولطاعة إخافة وإضاعة وللإيمان أزجى بضاعة وأردنا أن نجهز طائفة من عسكر الإسلام وفرقة من جند الإمام تستأصل شأفة هذه العصبة الملحدة وتطهر الأرض من رجس هذه المفسدة ثم رأينا أن نقدم الإنذار ونسبق إليهم بالإعذار فكتبنا هذا الكتاب ووجهنا هذا الخطاب ليقرأ على كافتهم ويبلغ إلى خاصتهم وعامتهم يعلمهم أن هذه الأمور التي فعلوها والمذاهب التي انتحلوها تبيح دماءهم وأموالهم وتقتضي تعميمهم بالعذاب واستئصالهم فإن من استحل ما حرم الله تعالى وعرف كونه من الدين ضرورة فقد كفر وقد قال الله تعالى ( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) عطفا على ما حكم يتحريمه وأطلق النص فتعين حمله على تعميمه وقد انعقد على ذلك الإجماع وانقطعت عن مخالفته الأطماع ومخالفة الإجماع حرام بقول من لم يزل سميعا بصيرا ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) ونكاح المتعة منسوخ وعقده في نفس الأمر مفسوخ ومن ارتكبه بعد علمه بتحريمه واشتهاره فقد خرج عن الدين برده الحق وإنكاره وفاعله إن لم يتب فهو مقتول وعذره فيما يأتيه من ذلك غير مقبول وسب الصحابة رضوان الله عليهم مخالف

لما أمر به رسول الله من تعظيمهم ومنابذ لتصريحه باحترامهم وتبجيلهم ومخالفته عليه السلام فيما شرعه من الأحكام موجبة للكفر عند كل قائل وإمام ومرتكب ذلك على العقوبة سائر وإلى الجحيم صائر ومن قذف عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بعدما برأها الله تعالى فقد خالف كتابه العظيم واستحق من الله النكال البليغ والعذاب الأليم وعلى ذلك قامت واضحات الدلائل وبه أخذ الأواخر والأوائل وهو المنهج القويم والصراط المستقيم وما عدا ذلك فهو مردود ومن الملة غير معدود وحادث في الدين وباعث من الملحدين وقد قال الصادق في كل مقالة والموضح في كل دلالة كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة فتوبوا إلى الله جميعا وعودوا إلى الجماعة سريعا وفارقوا مذهب أهل الضلالة وجانبوا عصبة الجهالة واسمعوا مقالة الناصح لكم في دينكم وعوا وعن الغي ارجعوا وإلى الرشاد راجعوا وإلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض باتباع السنة بادروا وسارعوا ومن كان عنده امرأة بنكاح متعة فلا يقربها وليحذر من غشيانها وليتجنبها ومن نكح أختين في عقدين فليفارق الثانية منهما فإن عقدها هو الباطل وإن كانتا في عقد واحد فليخرجهما معا من حبالته ولا يماطل فإن عذاب الله شديد ونكال المجرم في الحميم كل يوم يزيد ودار غضب الله تنادي بأعدائه هل من مزيد فلا طاقة لكم بعذابه ولا قدرة على أليم عقابه ولا مفر للظالم منه ولا خلاص ولا ملجأ ولا مناص فرحم الله تعالى امرأ نظر لنفسه واستعد لرمسه ومهد لمصرعه ووطأ لمضجعه قبل فوات الفوت وهجوم الموت وانقطاع الصوت واعتقال اللسان وانتقال الإنسان قبل أن تبذل التوبة ولا تقبل وتذرى الدموع وتسبل

وتنقضي الآجال وينقطع الأمل ويمتنع العمل وتزهق من العبد نفسه ويضمه رمسه ويرد على ربه وهو عليه غضبان وإن سخطه عليه بمخالفة أمره قد بان ولا ينفعه حينئذ الندم ولا تقال عثرته إذا زلت به القدم وقد أعذر من أنذر وأنصف من حذر فإن حزب الله هم الغالبون والذين كفروا سيغلبون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ألهمنا الله وإياكم رشدنا ووفق إلى مراضيه قصدنا وجمعنا وإياكم على الطاعة وأعاننا جميعا على السنة والجماعة بمنه وكرمه
وهذه نسخة مرسوم كتب به عن نائب المملكة الطرابلسية إلى نائب حصن الأكراد بإبطال ما أحدث بالحصن من الخمارة والفواحش وإلزام أهل الذمة بما أجري عليهم أحكامه من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أواخر جمادى الأولى سنة خمس وستين وسبعمائة وهو
المرسوم بالأمر العالي لا زال قصده الشريف المثابرة على تغيير المنكر وشد أزر المنكر مشمرا في إراحة القلوب بإزاحة مواطن الفواحش من سفاح ومخدر وميسر ومسكر أن يتقدم الجناب الكريم باستمرار ما وفقنا الله تعالى له ورسمنا به وأعطيناه دستورا يجده من عمل به يوم حسابه من إبطال الخمارة وهدم مبانيها بحيث لا يبقى للنفس الأمارة عليها أمارة وإخفاء معالمها التي توطنها الشيطان فقطن وإزالة ما بها من الفواحش التي ما ظهر منها أقل مما بطن وإخلاء تلك البلاد من هذا الفساد الموجب لكثرة المحن والاختلاف وإراقة ما بها من الخمور التي هي رأس الإثم والشرور وإحراق كل مخدر مذموم في الشرع محذور وإذهاب اسم الحانة بالكلية بحيث لا يتلفظ به مسلم ولا كافر ولا يطمع نفسه في الترتيب عليها من هو على خزيه وبغيه مظافر وقد غيرنا هذا المنكر بيد

أطال الله بفضله في الخير باعها وغنمنا إزالة هذه المفسدة فأحرزنا برها واصطناعها خوفا من وعيد قوله تعالى ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) ورجاء أن نكون من المراد بقوله تعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) وعملا بقوله من رأى منكم منكرا فليغيره بيده وعلما بأن أمير الرعية إذا لم يزل المنكر من بينهم فكيف يفلح في يومه وحال السؤال عنهم في غده
وقد صار حصن الأكراد بهذه الحسنة في الحصن المنيع وأهله المتمسكون بالعروة الوثقى في مربع خصيب مريع وضواحيه مطهرة من خبث السفاح ونجاسة الخمور ونواحيه كثيره السرور قليلة الشرور قد أعلى الله تعالى به كلمته وأجاب لصغيره وكبيره في هذا الامر دعوته وما ذلك إلا بتوفيق من أهلنا لذلك وألهمنا رشدنا وطهرنا من هذه المفاسد تلك المسالك وله الحمد على ما وفق إليه وأعان عبده في ولايته عليه فإن المنكر إذا فشا ولم ينكر آن خراب الديار وقد قال إن الله ليغار فعند ذلك تمنع السماء درها وتمسك الأرض بذرها ويجف الضرع وييبس الزرع وتعطش الأكباد وتهلك البلاد
فليبسط الجناب الكريم يده في إزالة ما بقي من منكر متفقدا لجليله وحقيره بالفحص الشديد وما على ذلك يحمد بكل لسان ويشكر مترقبا من يدخل البلد ذلك ليقابله بالضرب بالسياط آخذا في تتبع خلاله بالحزم والتحري والاحتياط إلى ان تصل بنا أخباره ويعلو لدينا في سياسته ونهضته مناره وتحمد عندنا إيالته وآثاره وهو بحمد الله كما نعهد شديد على كل مفسد ومعاند سديد الآثار والأثارة والمقاصد
وأما أهل الذمة فما رفع عنهم السيف إلا بإعطاء الجزية والتزام الأحكام

وأخذ عهود أكيدة عليهم من أهل النقض والإبرام
فليتقدم الجناب الكريم بإلزامهم بما ألزمهم به الفاروق رضوان الله عليه وليلجئهم في كل أحوالهم إلى ما ألجأهم إليه من إظهار الذلة والصغار وتغيير النعل وشد الزنار وتعريف المرأة بصبغ الإزار وليمنعوا من إظهار المنكر والخمر والناقوس وليجعل الخاتم أو الحديد في رقابهم عند التجرد في الحمام وليلزموا بغير ذلك من الأحكام التي ورد بها المرسوم الشريف من مدة أيام ومن لم يلتزم منهم بذلك وامتنع وأعلن بكفره وأعلى كلمته ورفع فما له حكم إلا السيف وغنم أمواله وسبي ذراريه وما في ذلك على مثله حيف فهاتان مفسدتان أمرنا بالزامهما فرارا من سخط الله تعالى وحذارا إحداهما إبطال الحانة والثانية إخفاء كلمة اليهود والنصارى
فليتقدم الجناب المشار إليه باستمرار ما رسمنا به فهو الحق الذي لا شك فيه والنور الذي يتبعه المؤمن ويحكيه ونرجو من كرم الله تعالى استمرار هذه الحسنة مدى الأزمان واستثمار شجرها المائد الأغصان وإبطال هذا الحزن المسمى ظلما بالفرح وإعمال السيف في عنق من ارتضاه بين أظهر المسلمين فانهتك سره وافتضح
وليقمع أهل الشرك والضلال بما يلزم الصغار عليهم والإذلال إلى أن لا يرفع لهم راس ولا يشيدوا كيدا إلا على غير أساس وليستجلب الجناب الكريم لهذه الدولة الشريفة ولنا الدعاء من المسلمين والفقراء والصالحين والمساكين وليطب قلوبهم باستمرار ما أزلناه ومحونا آثاره وأبطلناه وقصدنا بإبطاله من تلك الأرض مسامحة من الحكم العدل يوم العرض ومن أعاد ما أبطلناه أو أعان على إعادته أو أمر بتشييده وبناء حجارته أو رتب مرتبا على خدر بغي وموه ودلس بالأفراح أو أطلق أن يباع منكر أو سول له شيطانه أنه من الأرباح فإن الله تعالى يحاكمه وهو أحكم الحاكمين وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين

الباب الثاني فيما يكتب في المسامحات والإطلاقات وفيه فصلان
الفصل الأول فيما يكتب في المسامحات
والمسامحات جمع مسامحة وهي الجود والموافقة على ما أريد منه والمراد المسامحة بما جرت به عادة الدواوين السلطانية من المقررات واللوازم السلطانية وهي على ضربين
الضرب الأول ما يكتب من الأبواب السلطانية
وقد جرت العادة أن السلطان إذا سمح بترك شيء من ذلك كتب به مرسوم شريف وشملته العلامة الشريفة وهو على مرتبتين
المرتبة الأولى المسامحات العظام
وقد جرت العادة أن تكتب في قطع الثلث مفتتحة بالحمد لله
وصورتها أن يكتب في أعلى الدرج بوسطه الاسم الشريف كما في مراسيم الولايات ثم يكتب من أول عرض الورق إلى آخره مرسوم شريف ان يسامح بالجهة الفلانية وإبطال المكوس بها أو أن يسامح بالباقي بالجهة الفلانية أو أن

يسامح أهل الناحية الفلانية بكذا وكذا ابتغاء لوجه الله تعالى ورجاء لنواله الجسيم على ما شرح فيه ثم يترك وصلان بياضا غير وصل الطرة ويكتب في أول الوصل الثالث البسملة ثم الخطبة بالحمد لله إلى آخرها ثم يقال وبعد ويؤتى بمقدمة المسامحة من شكر النعمة والتوفية بحقها ومقابلتها بالإحسان إلى الخلق وعمل مصالح الرعية وعمارة البلاد وما ينخرط في هذا السلك ثم يقال ولذلك لما كان كذا وكذا اقتضت آراؤنا الشريفة ان يسامح بكذا ثم يقال فرسم بالأمر الشريف أن يكون الأمر على كذا وكذا ثم يقال فلتستقر هذه المسامحة ويؤتى فيها بما يناسب ثم يقال وسبيل كل واقف على هذا المرسوم الشريف العمل بمضمونه أو بمقتضاه ويختم بالدعاء بما يناسب
وهذه نسخة مرسوم بمسامحة ببواقي دمشق وأعمالها من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه الله تعالى وهي
الحمد لله الرؤوف بخلقه المتجاوز لعباده عما قصروا فيه من حقه المسامح لبريته بما أهملوه من شكر ما بسط لهم من رزقه جاعل دولتنا القاهرة مطلع كرم تجتلى أنوار البر في البرايا من أفقه ومنشأ ديم تجتلب أنواء الرفق بالرعايا من برقه ومضمار جود يحتوي على المعروف من جميع جهاته ويشتمل على الإحسان من سائر طرقه فلا بر تنتهي إليه الآمال إلا ولكرمنا إلي مزية سبقه ولا أجر يتوجه إليه وجه الأماني إلا تلقته نعمنا بمتهلل وجه الإحسان طلقه ولا

معروف تجدب منه أرجاء الرجاء إلا واستهلت عليه آلاؤنا من صوب برنا المألوف لآليء ودقه
نحمده على نعمه التي عمت الرعايا بتوالي الإحسان إليهم وأنامتهم في مهاد الأمن بما وضعت عنهم مسامحتنا من إصرهم والأغلال التي كانت عليهم وأنالتهم ما لم تطمح آمالهم إليه من رفع الطلب عن بواقي أموال أخروها وراء ظهورهم وكانت كالأعمال المقدمة بين يديهم
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبعث على نشر رحمته التي وسعت كل شيء في عباده وتحث على بث نعمته التي غمرت كل حي على اجتماعه وسعت إلى كل حي على انفراده وتحض على ما ألهمنا من رأفة بمن قابله بتوحيده وشدة على من جاهره بعناده
ونشهد ان محمدا عبده ورسوله الذي أسكت ألسنة الشرك وأخرسها وعفى معالم العدوان وطمسها وأثل قواعد الدين على أركان الهدى وأسسها وأوضح سبل الخيرات لسالكها فإذا سعدت بالملوك رعاياها فإنما أسعدت الملوك بذلك في نفس الأمر أنفسها وعلى آله وصحبه الذين شفعوا العدل بالإحسان وجمعوا بين ملك الدنيا والآخرة بإحياء السنن الحسان وزرعوا الجهاد بالإيمان في كل قلب فأثمر بالتوحيد من كل لسان صلاة جامعة أشتات المراد سامعة نداء أربابها يوم يقوم الأشهاد قامعة أرباب الشك فيها والإلحاد وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإننا لما آتانا الله من ملك الإسلام وخصنا به من الحكم العام في أمة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأيدنا به من النصر على أعداء دينه وأمدنا به من تأبيد تأييده ودوام تمكينه وجعل دولتنا مركزا مدار ملك الأمة الإسلامية عليه وفلكا مآل أمور الأمة المحمدية في سائر الممالك على اختلافها

إليه ورزقنا من النصر على أعدائه ما أعز المسلمين وأدالهم وأذل المشركين وأذالهم وكف بالرعب أطماعهم وأعمى بما شاهدوه أبصارهم وأصم بما سمعوه أسماعهم وحصرهم بالمهابة في بلادهم وأيأسهم بالمخافة من نفوسهم قبل طارفهم وتلادهم لم نزل نرغب في حسنات تحلى بها أيامنا وقربات تجري بها أقلامنا ومكرمات تكمل بها عوارفنا وإنعامنا ومآثر يخلد بها في الباقيات الصالحات ذكرنا ومواهب تجمل بها بين سير العصور الذاهبة سيرتنا الشريفة وعصرنا ومصالح يصرف بها إلى مصالح البلاد والعباد نظرنا الجميل وفكرنا نهوضا بطاعة الله فيما ألقى مقاليده إلينا وأداء لشكره فيما أتم به نعمه العميمة علينا واكتسابا لثوابه فيما نقدمه من ذخائر الطاعات بين يدينا ونظرا في عمارة البلاد بخفة ظهور ساكنيها وإطابة لقلوب العباد من تبعات البواقي التي كانت تمنعهم من عمارة أراضيهم وتنفرهم من التوطن فيها ورغبة فيما عند الله والله عنده حسن الثواب وتحريا لإصابة وجه المصلحة الإسلامية في ذلك والله الموفق للصواب
ولذلك لما اتصل بنا أن باقي البلاد الشامية من البواقي التي يتعب ألسنة الأقلام إحصاؤها ويثقل كواهل الأفهام تعداد وجوهها واستقصاؤها مما لا يسمح بمثله في سالف الدهور ولا يسخو به إلا من يرغب مثلنا فيما عند الله من أجور لا تخرجه عن مصالح الجمهور اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعفي منها ذمما كانت في إغلال إسارها وأثقال انكسارها وروعة اقتضائها ولوعة التردد بين إنظار المطالبة وإمضائها وأن نعتق منها نفوسا كانت في سياق مساقها وحبال إزهاقها وإرهاقها لتتوفر الهمم على عمارة البلاد بالأمن على الطارف والتلاد وتجمع الخواطر على حسن الخلف بما حصل لهم من المسامحة عما عليهم من ذلك سلف بذمم برية من تلك الأثقال عرية عن عثرات تلك البواقي التي ما كان يقال إنها تقال
فرسم بالأمر الشريف زاده الله تعالى علوا وتشريفا وأمضاه بما يعم الآمال رفقا بالرعايا وتخفيفا وأجراه من العدل والإحسان بما يعم البلاد ويجبر العباد

فإن الأرض يحييها العدل ويعمرها الاقتصار على الاقتصاد أن يسامح . . . .
فليستقر حكم هذه المسامحة استقرارا يبقي رسمها ويمحو من تلك البواقي المساقة رسمها واسمها ويضع عن كواهل الرعايا أعباءها ويسير بين البرايا أخبارها الحسنة وأنباءها ويسقط من جرائد الحساب تفاصيلها وجملها ويحقق بتعفيته آثارها رجاء رعية بلادنا المحروسة وأملها
فقد ابتغينا بالمسامحة بهذه الجمل الوافرة ثواب الله وما عند الله خير وأبقى وأعتقنا بها ذمم من كانت عليه من ملكة المال الذي كان له باستيلاء الطلب واستمراره مسترقا تقربا إلى الله تعالى لما فيه من إيثار التخفيف ووضع إصر التكليف وتقوية حال العاجز فإن غالب الأموال إنما تساق على الضعيف وتوفير هم الرعايا على عمارة البلاد وذلك من آكد المصالح وأهمها وتفريغ خواطرهم لأداء ما عليهم من الحقوق المستقبلة وذلك من أخص المنافع وأعمها فليقابلوا هذه النعم بشكر الله على ما خص دولتنا به من هذه المحاسن ويوالوا حمده على ما متعهم به من مواد عدلها التي ماء إحسانها غير آسن ويبتهلوا لأيامنا الزاهرة بالأدعية التي تخلد سلطانها وتشيد أركانها وتعلي منار الدين باعتلائها وتؤيدها بالملائكة المقربين على أعداء الله وأعدائها وسبيل كل واقف على مرسومنا هذا من ولاة الامر أجمعين العمل بمضمونه والانتهاء إلى مكنونه والمبادرة إلى إثبات هذه الحسنة والمسارعة إلى العمل بهذه المسامحة التي تستدعي مسار القلوب وثناء الألسنة وتعفية آثار تلك البواقي التي عفونا عن ذكرها ومحو ذكر تلك الأموال التي تعوضنا عن استيفائها بأجرها
وهذه نسخة مرسوم شريف بالمسامحة بالبواقي في ذمم الجند والرعايا بالشام كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في شهور سنة اثنتين

وسبعمائة بخط العلامة كمال الدين محمد الزملكاني من إنشائه وقريء على المنبر بالجامع الأموي بدمشق المحروسة وهي
الحمد لله الذي وسع كل شيء رحمة وعلما وسمع نداء كل حي رأفة وحلما وخص أيامنا الزاهرة بالإحسان فأنجح فيها من عدل وخاب من حمل ظلما وزان دولتنا بالعفو والتجاوز فهي تعتد المسامحة بالأموال الجسيمة غنما إذا اعتدتها الدول غرما
نحمده على نعمه التي غمرت رعايانا بإدامة الإحسان إليهم وعمرت ممالكنا بما نتعاهد به أهلها من نشر جناح الرأفة عليهم وخففت عن أهل بلادنا أثقال بواقي الأموال التي كانوا مطلوبين بها من خلفهم ومن بين يديهم ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لم تزل تشفع لأهلها العدل بالإحسان وتجمع لأربابها بالرأفة والرفق أشتات النعم الحسان ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جلا الغمة وهدى الأمة وسن الرافة على خلق الله والرحمة وحث على الإحسان إلى ذوي العسرة لما في ذلك من براءة كل مشغول الذمة وعلى آله وصحبه الذي أمروا بالتيسير واقتنعوا من الدنيا باليسير وأوضحوا طرق الإحسان لسالكيها فسهل على المقتدي بهم في الحنو على الأمة الصعب ويسر العسير صلاة تدخر ليوم الحساب وتعد للوقت الذي إذا نفخ في الصور فلا أنساب وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن الله تعالى لما خص أيامنا الزاهرة بالفتوح التي أنامت الرعايا في مهاد أمنها وأنالت البرايا مواقع يمنها ومنها وكفت أكف الحوادث عن البلاد

واهلها ونشرت عليهم أجنحة البشائر في حزن الأرض وسهلها وأعذبت من الطمأنينة مواردهم وعمت بالدعة والسكون قاطنهم وراحلهم وبدلتهم من بعد خوفهم أمنا ونولتهم بأجابة داعي الذب عنهم منا منا رأينا أن نفسح لهم مجال الدعة والسكون وأن لا نقنع لهم بما كان من أسباب المسار حتى نتبعها بما يكون وأن نصفي بالإعفاء من شوائب الإكدار شربهم ونؤمن بالإغفاء عن طلب البواقي التي هي على ظهورهم كالأوزار سربهم وأن نشفع العدل فيهم كما أمر الله تعالى بالإحسان إليهم ونضع عنهم بوضع هذه الأثقال إصرهم والأغلال التي كانت عليهم وأن نوفر على عمارة البلاد هممهم ونبريء من تبعات هذه الاموال اللازمة لهم ذممهم ونريح من ذلك أسرارهم ونطلق من ربقه الطلب المستمر إسارهم ونسامحهم بالأموال التي أهملوها وهي كالأعمال محسوبة عليهم ونعفيهم من الطلب بالبواقي التي نسوها كالآجال وهي مقدمة بين يديهم لتكون بشراهم بالنصر كاملة ومسرتهم بالأمن من كل سبيل شاملة
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا أزال بره عميما وفضله لحسن النظر في مصالح رعاياه مديما أن تسامح مدينة دمشق المحروسة وسائر الأعمال الشامية بما عليها من البواقي المساقة في الدواوين المعمورة إلى المدد المعينة في التذكرة الكريمة المتوجة بالخط الشريف وجملة ذلك من الدراهم ألف ألف وسبعمائة ألف وستة أربعون ألفا ومائة ألف وخمسة واربعون درهما ومن الغلال المنوعة تسعة آلاف وأربعمائة واثنتان واربعون غرارة ومن الحبوب مائتان وثمان وعشرون غرارة ومن الغنم خمسمائة رأس ومن الفولاذ ستمائة وثمانية أرطال ومن الزيت ألفان وثلثمائة رطل ومن حب الرمان ألف وستمائة رطل

فليتلقوا هذه النعمة بباع الشكر المديد ويستقبلوا هذه المنة بحمد الله تعالى فإن الحمد يستدعي المزيد ويرفلوا في أيامنا الزاهرة في حلل الأمن الضافية ويردوا من نعمنا الباهرة مناهل السعد الصافية ويقبلوا على مصالحهم بقلوب أزال الأمن قلقها وأذهبت هذه المسامحة المبرورة فرقها ونفوس أمنت المؤاخذة من تلك التبعات بحسابها ووثقت بالنجاة في تلك الأموال من شدة طالب يأبى أن يفارق إلا بها وليتوفروا على رفع الأدعية الصالحة لأيامنا الزاهرة ويتيمنوا بما شملهم من الأمن والمن في دولتنا القاهرة فقد تصدقنا بهذه البواقي التي أبقت لنا أجرها وهي أكمل ما يقتنى وخففت أثقال رعايانا وذلك أجمل ما به يعتنى وسبيل كل واقف على هذا المرسوم الشريف اعتماد حكمه والوقوف عند حده ورسمه ويعفي آثار هذا الباقي المذكور بمحو رسمه واسمه بحث لا يترك لهذه البواقي المذكورة في أموالنا انتساب ولا يبقى لها إلى يوم العرض عرض نورده ولا حساب والخط الشريف شرفه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه
وهذه نسخة مسامحة بمكوس على جهات مستقبحة بالمملكة الطرابلسية وإبطال المنكرات كتب بها في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون أيضا في شهور سنة سبع عشرة وسبعمائة وهي
الحمد لله الذي جعل الدين المحمدي في أيامنا الشريفة على أثبت عماد واصطفانا لإشادة أركانه وتنفيذ أحكامه بين العباد وسهل علينا من إظهار شعائره ما رام من كان قبلنا تسهيله فكان عليه صعب الانقياد وادخر لنا من أجور نصره أجل ما يدخر ليوم يفتقر فيه لصالح الاستعداد
نحمده على نعم بلغت من إقامة منار الحق المراد وأخمدت نار الباطل

بمظافرتنا ولولا ذلك لكانت شديدة الاتقاد ونكست رؤوس الفحشاء فعادت على آستحياء إلى مستسنها أقبح معاد ونشكره على أن سطر في صحائفنا من غرر السير ما تبقى بهجته ليوم المعاد ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يجدها العبد يوم يقوم الأشهاد وتسري أنوار هديها في البرايا فلا تزال آخدة في الازدياد ونشهد أن محمد عبده ورسوله الذي بعثه الله بالإنذار إلى يوم التناد والإعذار إلى من قامت عليه الحجة بشهادة الملكين فأوضح له سبيل الرشاد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من رد أهل الردة إلى الدين القويم أحسن ترداد ومنهم من عمم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سائر العباد والبلاد ومنهم من بذل ماله للمجاهدين ونفسه للجهاد ومنهم من دافع عن الحق فلا برح في جدال عنه وفي جلاد صلاة تهدي إلى السداد وتقوم المعوج وتثقف المياد وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن الله تعالى منذ ملكنا أمور خلقه وبسط قدرتنا في التصرف في عباده والمطالبة بحقه وفوض إلينا القيام بنصرة دينه وفهمنا أنه تعالى قبض قبل خلق الخلائق قبضتين فرغبنا أن نكون من قبضة يمينه وألقى إلينا من مقاليد الممالك وأقام الحجة علينا بتمكين البسطة وعدم المشاقق في ذلك ومهد لنا من الأمر ما على غيرنا توعر وأعد لنا من النصر ما أجرانا فيه على عوائد لطفه لا عن مرح في الأرض ولا عن خد مصعر ألهمنا إعلاء كلمة الإسلام وإعزاز الحلال وإذلال الحرام وأن تكون كلمة الله هي العليا وأن لا نختار على دار الآخرة دار الدنيا فلم نزل نقيم للدين شعارا ونعفي للشرك آثارا ونعلن في النصيحة لله تعالى ولرسوله جهرا وإسرارا ونتبع أثر كرم نقتفيه وممطول بحقه نوفيه ونعلم حق قربة نشيده ومخذولا استظهر عليه الباطل نؤيده وذا كربة نفرجها وغريبة فحشاء استطردت من أدؤر الحق نخرجها وسنة سيئة تستعظم النفوس زوالها فتجعلها هباء منثورا وجملة عظيمة أسست على غير

التقوى مبانيها فيحطمها كرمنا فنؤدي الجزاء عنها موفورا فاستقصينا ذلك في ممالكنا الشريفة مملكة مملكة واستطردنا في إبطال كل فاحشة موبقة مهلكة فعفينا من ذلك بالديار المصرية ما شاع خبره وظهر بين الأنام أثره وطبقت بمحاسنة الآفاق ولهجت به ألسنة الدعاة والرفاق من مكوس أبطلناها وجهات سوء عطلناها ومظالم رددناها إلى أهلها وزجرناها عن غيها وجهلها وبواق سامحنا بها وسمحنا وطلبات خففنا عن العباد بتركها وأرحنا ومعروف اقمنا دعائمه وبيوت لله عز و جل أثرنا منها كل نائمة ثم بثثنا ذلك في سائر الممالك الشامية المحروسة وجنينا ثمرات النصر من شجرات العدل التي هي بيد يقظتنا مغروسة
ولما اتصل بعلومنا الشريفة أن بالمملكة الطرابلسية آثار سوء ليست في غيرها ومواطن فسق لا يقدر غيرنا على دفع ضررها وضيرها ومظان آثام يجد الشيطان فيها مجالا فسيحا وقرى لا يوجد بها من كان إسلامه مقبولا ولا من كان دينه صحيحا وخمورا يتظاهر بها ويتصل سبب الكبائر بسببها وتشاع بين الخلائق مجهرا وتباع على رؤوس الأشهاد فلا يوجد لهذا المنكر منكرا ويحتج في ذلك بمقررات سحت لا تجدي نفعا وتبقى في يد آخذها كأنها حية تسعى
ومما أنهي إلينا أن بها حانة عبر عنها بالأفراح قد تطاير شررها وتفاقم ضررها وجوهر فيها بالمعاصي وآذنت لولا حلم الله وإمهاله بزلزلة الصياصي وغدت لأهل الأهوية مجمعا ولذوي الفساد مربعا ومرتعا يتظاهر فيها بما أمر بستره من القاذورات ويؤتى بما يجب تجنبه من المحذورات ويسترسل في الأفراح بها بما يؤدي إلى غضب الجبار وتهافت النفوس فيها كالفراش على الاقتحام في النار
ومنها أن المسجون إذا سجن بها أخذ بجميع ما عليه بين السجن وبين

الطلب وإذا أفرج عنه ولو في يومه انقلب إلى أهله في الخسارة بشر منقلب فهو لا يجد سرورا بفرجه ولا يحمد عقبى مخرجه
ومنها أن بالأطراف القاصية من هذه المملكة قرى سكانها يعرفون بالنصيرية لم يلج الإسلام لهم قلبا ولا خالط لهم لبا ولا أظهروا له بينهم شعارا ولا أقاموا له منارا بل يخالفون أحكامه ويجهلون حلاله وحرامه ويخلطون ذبائحهم بذبائح المسلمين ومقابرهم بمقابر أهل الدين وكل ذلك مما يجب ردعهم عنه شرعا ورجوعهم فيه إلى سواء السبيل أصلا وفرعا فعند ذلك رغبنا أن نفعل في هذه الأمور ما يبقى ذكره مفخرة على ممر الأيام وتدوم بهجته بدوام دولة الإسلام ونمحو منه في أيامنا الشريفة ما كان على غيرها بها عارا ونسترجع للحق من الباطل ثوبا طالما كان لديه معارا ونثبت في سيرة دولتنا الشريفة عوارف لا تزال مع الزمن تذكر وتتلو على الأسماع قوله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر )
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال بالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا وزاجرا ولامتثال أوامر الله تعالى مسارعا ومبادرا أن يبطل من المعاملات بالمملكة الطرابلسية ما يأتي ذكره

جهات
الأفراح المحذورة بالفتوحات خارجا عما لعله يستقر من
ضمان
الفرح الخ وتقديرها . . . . . . . . . . . . . . .
أقصاب
للأمراء بحكم أن بعض الأمراء كان لهم جهات زرع أقصاب وقرروا على بقية فلاحيهم العمل بها والقيام بنظيره آخر العمل وتقدير ذلك . . . . . . . . . . . . .
هبة الشاد
بنواحي الكهف تشد فيما كان يستأدى من كل مدير وتقدير متحصله . . . . . . . . . . . .
السجون
بالمملكة الطرابلسية خارجا عن سجن طرابلس بحكم أنه بطل بمرسوم شريف متقدم التاريخ وتقديرها
عفاية الشام
بكور طرابلس واقفة والسرون وما معه بحكم أن المذكورين كانوا ثبتوا على المراكز بالبحر فلما شكت المراكز بالعساكر المنصورة قرر على ذلك في السنة . . . . . . . . . . . . . . . . .
ضمان
المشعل بطرابلس مما كان أولا بديوان الشام بالفتوحات ثم استقر بالديوان المعمور في شهور سنة ست عشرة وسبعمائة وتقديره . . . . . . . . . . . . . . . .
سجن الأقصاب
المحدث بأمر أقصاب الديوان المعمور التي كان فلاحوا الكورة بطرابلس يعملون بها ثم أعفوا عن العمل وقرر عليه في السنة . . . . . . . . . .
حق الديوان
بصهيون بطرابلس وقصريون بطرابلس عمن كان معا في حصنها وتقدير متحصل ذلك . . . . . . . . . .
المستحدث
إقطاعا من بعض الأمراء على الفلاحين مما لم تجر به عادة من حشيش وملح وضيافة وتقديره

فليبطل هذا على ممر الأزمنة والدهور إبطالا باقيا إلى يوم النشور لا يطلب ولا يستادى ولا يبلغ الشيطان في بقائه مرادا
ويقرأ مرسومنا هذا على المنابر ويشاع وتستجلب لنا منهم الأدعية الصالحة فإنها نعم المتاع
وأما النصيرية فليعمروا في بلادهم بكل قرية مسجدا ويطلق له من أرض القرية رقعة أرض تقوم به وبمن يكون فيه من القوام بمصالحة على حسب الكفاية بحيث يستفز الجناب الفلاني نائب السلطنة بالمملكة الطرابلسية والحصون المحروسة ضاعف الله تعالى نعمته من جهته من يثق إليه لإفراد الأراضي وتحديدها وتسليمها لأئمة المساجد المذكورة وفصلها عن أراضي المقطعين وأهل البلاد المذكورة ويعمل بذلك أوراقا وتخلد بالديوان المعمور حتى لا يبقى لأحد من المقطعين فيها كلام وينادى في المقطعين وأهل البلاد المذكورة بصورة ما رسمنا به من ذلك
وكذلك رسمنا أيضا بمنع النصيرية المذكورين من الخطاب وأن لا يمكنوا بعد ورود هذا من الخطاب جملة كافية وتؤخذ الشهادة على أكابرهم ومشايخ قراهم لئلا يعود أحد منهم إلى التظاهر بالخطاب ومن تظاهر به قوبل أشد مقابلة
فلتعتمد مراسمنا الشريفة ولا يعدل عن شيء منها ولتجر المملكة الطرابلسية مجرى بقية الممالك المحروسة في عدم التظاهر بالمنكرات وتعفية آثار الفواحش وإقامة شعائر الدين القويم ( فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ) والاعتماد على الخط الشريف أعلاه

وهذه نسخة توقيع بالمسامحة في جميع المراكز بما يستأدى على الأغنام الدغالي الداخلة إلى حلب وأن يكون ما يستخرج من تجار الغنم على الكبار منها خاصة من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله مما كتب به في شهور سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وهي
الحمد لله ذي المواهب العميمة والعطايا التي لا تجود بها يد كريمة والمنن التي عوضنا منها عن كل شيء بخير منه قيمة والمسامحة التي ادخر لنا بها عن كل مال حسن مآل وبكل غنم غنيمة
نحمده على نعمه التي غدت على كثرة الإنفاق مقيمة ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أكرم من سمح وسامح في أمور عظيمة وعلى آله وصحبه صلاة مستديمة وسلم تسليما كثيرا
وبعد فمنذ ملكنا الله لم نزل نرغب إليه ونعامله بما نهبه له ونربح عليه ولم نبق مملكة من ممالكنا الشريفة حتى سامحنا فيها بأموال وسامينا فيها بنفع أرضها السحب الثقال وكانت جهة العداد بالمملكة الحلبية المحروسة مثقلة الأوزار بما عليها مشدودة النطاق بما يغل من الطلب يديها مما هو على التركمان بها محسوب وإلى عديدهم عدده منسوب ونحن نظنه في جملة ما أسقطته مسامحتنا الشريفة وهو منهم مطلوب وهو المعروف بالدغالي زائدا على الرؤوس الكبار ومعدودا عند الله من الكبائر وهو في حساب الدواوين من الصغار فلما اتصل بنا أن هذه المظلمة ما انجلى عنهم ظلمها ولا رفع من الحساب عنهم قلمها أكبرنا موقع بقائها وعلمنا أنها مدة مكتوبة لم يكن بد من المصير إلى

انقضائها واستجلبنا قلوب طوائف التركمان بها وأوثقنا أسبابهم في البلاد بسببها لأمرين كلاهما عظيم لرغبتنا فيما عند الله ولما لهم من حق ولاء قديم كم صاروا مع الجيوش المنصورة جيوشا وكم ساروا إلى بلاد ملوك الأعداء فثلوا لهم عروشا وكم كانوا على أعقاب العساكر المؤيدة الإسلامية ردفا ومقدمتهم في محاصرة جاليشا وكم قتلوا بسهامهم كافرا وقدموا لهم رماحهم نعوشا ومنهم أمراء وجنود ونزول ووفود وهم وإن لم يكونوا أهل خباء فهم أهل عمود وذوو أنساب عريقة وأحساب حقيقة إلى القبجاق الخلص مرجعهم والفرس بفرسان دولتنا الشريفة تجمعهم فاقتضى رأينا الشريف أن نرعى لهم هذه الحقوق بإبطال تلك الزيادة المرادة وأن نتناسى منها ما هو في العدد كالنسيء في الكفر زيادة
فرسم بالأمر الشريف لا زالت مواهبه تشمل الآفاق وتزيد على الإنفاق وتقدم ما ينفد إلى ما هو عند الله باق أن يسامح جميع التراكمين الداخل عدادهم في ضمان عداد التركمان بالمملكة الحلبية المحروسة بما يستأدى منهم على الأغنام الدغالي وأن يكون ما يستخرج منهم من العدد على الكبار خاصة وهو عن كل مائة رأس كبار ثلاثة أرؤس كبار خاصة لا غير من من غير زيادة على ذلك مسامحة مستمرة دائمة مستقرة باقية بقاء الليالي والأيام لا تبدل لها أحكام ولا

تتغير بتغير حاكم من الحكام نرجو أن نسر بها في صحائف أعمالنا يوم العرض لا يتأول فيها حساب ولا تمتد إليها يد حساب ولا يبقى عليها سبيل للدواوين والكتاب ولا تسيب أغنامهم ليرعاها منهم أولئك الذئاب كلما مر على هذه المسامحة زمان أكد أسبابها وبيض في صحائف الدفاتر حسابها لا تعارض ولا تناقض ولا يتأول فيها متأول في هذا الزمان ولا فيما بعده من الزمان ولا يدخل حكمها في النسيان ولا ينقص اجرها المضمون ولا تطلب أصحاب هذه الدغالي عليها بعداد في قرن من القرون ولا يستحقر بما يستأدى منها جليلة ولا حقيرة ولا يسمح لنفسه من قال إنها صغيرة وهي عند الله كبيرة لتطيب لأهلها ومن تسامع بما شملهم من إحساننا الشريف النفوس ولا تصدع لهم بسبب هذا الطلب رؤوس فمن تعرض في زماننا أمدنا الله بالبقاء أو كشف في هذه الصدقة الجارية وجه تأويل أو سكن فيها إلى مداومة بقليل أو طلب من ظالم بعينه مداواة قوله العليل فسيجد ما يصبح به مثلة ويتوب به مثله ويكون لمن بعده عبرة بمن قدم قبله ونحن نبرأ إلى الله ممن يتعرض بعدنا إلى نقضها وهذه المسامحة عليه حجتنا التي لا يقدر عند الله على دحضها
ولتقرأ على المنابر وتعل كلمتها وتمد في أقطار الأرض كما امتد السحاب ترجمتها وسبيل كل واقف عليها من أرباب الأحكام أصحاب السيوف والأقلام ومن يتناوب منهم على الدوام العمل بما رسمنا له واعتماد ما حكم بموجبه بعد الخط الشريف شرفه الله تعالى أعلاه إن شاء الله تعالى
المرتبة الثانية من المسامحات أن تكتب في قطع العادة مفتتحة برسم بالأمر الشريف
وغالب ما يكتب ذلك للتجار الخواجكية بالمسامحة بما يلزمهم من

المكوس والمقررات السلطانية عن نظير ثمن ما يبتاع منهم من المماليك
والعادة أن يكتب في طرتها توقيع شريف بمسامحة فلان بما يجب عليه من الحقوق الديوانية بالديار المصرية والبلاد الشامية بحسب ما يرسم له به
وهذه نسخة توقيع من ذلك وهي
رسم بالأمر الشريف لا زال يتبع السماح بمثله ويشمل الرعايا كل وقت في ممالكه الشريفة بعدله ويواصل إليهم رفقه ورفده فلا يبرحون في مهاد من نعمه وإسعاد من فضله أن يسامح المجلس السامي إلى آخر ألقابه أدام الله تعالى رفعته بما يجب عليه من الحقوق الديوانية بالديار المصرية والبلاد الشامية وسائر الممالك الإسلامية فيما يبيعه ويبتاعه ويتعوضه من سائر الأصناف خلا الممنوعات صادرا لا غير أو صادرا وواردا بنظير المماليك الذين ابتاعهم برسم الأبواب الشريفة بكذا وكذا ألف درهم
فليعتمد هذا المرسوم الشريف كل واقف عليه ويعمل بحسبه ومقتضاه من غير عدول عنه ولا خروج عن حكمه ومعناه والخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة دعاء آخر يفتتح به توقيع مسامحة وهو لا زالت نعمة عميمة وسجاياه كريمة ومواهبه في الآفاق سائرة وفي الأقطار مقيمة أن يسامح فلان بكذا وكذا
آخر لا زالت صدقاته الشريفة تحقق وسائل طالبها وأوامره المطاعة نافذة في مشارق الأرض ومغاربها أن يسامح فلان بكذا وكذا

قلت والعادة في مستند ذلك أنه تحضر به قائمة من ديوان الخاص الشريف فيكتب عليها كاتب السر بالتعيين ويخلدها كاتب الإنشاء عنده شاهدا له بذلك كما في غيره من سائر المستندات

الضرب الثاني ما يكتب عن نواب السلطنة بالممالك الشامية
وغالب ما يكون في مسامحات التجار بمقرر ما يبتاعونه أو يشترونه أو بقدر معين يحصل الوقوف عنده ويعبر عما يكتب فيه بالتواقيع كما في الولايات عندهم وأكثر ما يفتتح برسم بالأمر
وهذه نسخة مرسوم شريف بمسامحة كتب بها عن نائب الشام في الدولة الناصرية فرج لخواجا محمد بن المزلق وهي
رسم بالأمر العالي لا زال قصد ذوي الحقوق عنده ناجحا وإحسانه للمقرب إليه مسامحا أن يسامح الجناب العالي الصدري الكبيري المحترمي المؤتمني الأوحدي الأكملي الرئيسي العارفي المقربي الخواجكي الشمسي مجد الإسلام والمسلمين شرف الأكابر في العالمين أوحد الأمناء المقربين صدر الرؤساء رأس الصدور عين الأعيان كبير الخواجكية سفير الدولة مؤتمن الملوك والسلاطين محمد بن المزلق عين الخواجكية بالمملكة الشريفة الشامية المحروسة أدام الله تعالى نعمته بما يجب عليه من الحقوق الديوانية بالطرقات المصرية وجميع البلاد الشامية المحروسة

والركاه بدمشق وحلب وطرابلس وحماة وصفد وغزة وحمص وبعلبك المحروسات والبروك والمقطعين وقطيا مما يبيعه ويبتاعه ويتعوضه من جميع الأصناف خلا الممنوعات صادرا وواردا ويثمن عليه بقيمة ما يشتريه بما مبلغه من الدراهم النقرة الجيدة مائتا ألف درهم ولا يطالب عن ذلك بحق من الحقوق ولا بمقرر من المقررات مسامحة باقية مستمرة دائمة أبدا مستقرة لا ينتقض حكمها ولا يغير رسمها لخدمته الدول على اختلافها ولمبالغته في التقرب بما يرضي الخواطر الكريمة وينفع الناس بما يحضره من أنواع المتاجر وأصنافها ولاستحقاقه لهذا الإنعام ولاختصاصه به دون الخاص والعام
فليتق ذلك بالحمد والابتهال والله تعالى يبلغه من مزيد إنعامنا الآمال والاعتماد في معناه على الخط الكريم أعلاه إن شاء الله تعالى

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة السادسة فيما يكتب من الإطلاقات إما تقريرا لما قرره غيره من الملوك السابقة وإما ابتداء لتقرير ما لم يكن مقررا قبل وإما زيادة على ما هو مقرر وفيه طرفان

الطرف الأول فيما يكتب عن الأبواب السلطانية وهو على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى ما يكتب في قطع الثلث مفتتحا بالحمد لله وهو أعلاها
وهذه نسخة توقيع شريف باستقرار ما أطلقه السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب بالديار المصرية للعمريين أعصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ا لله عنه كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله وهي
الحمد لله الذي أبدأ الجميل وأعاده وأجرى تكرمنا على أجمل عادة وقفى بنا آثار الذين أحسنوا الحسنى وزيادة
نحمده على أن جعل جودنا المقدم وإن تأخر أياما والمطيب لذكر من تقدم

حتى كأنما حاله مثل المسك ختاما والصيب الذي تقدمه من بوادر الغيث قطر ثم استهل هو غماما ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرفع أعلامها ونمنع أن تطمس الليالي لمن جاهد عليها من ملوك الزمان أعلاما ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي هدى به إلى أوضح المسالك وعلى آله وصحبه الذين فتحوا من الأرض ما وعد أنه سيبلغ ملك أمته إلى ما زوي من ذلك وسلم
وبعد فإن أفضل النعم ما قرن بالإدامة وأعظم الأجور أجر من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وأحسن الحسنات ما رغبت السلف الصالح في خلفهم وأمرت بأيديهم ما حازوه من ميراث سلفهم وكان المولى الشهيد الملك الناصر صلاح الدين منقذ بيت المقدس من المشركين أبو المظفر يوسف بن أيوب قدس ا لله روحه هو الذي كان على قواعد العمريين بانيا والفاتح لكثير من فتوحات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتوحا ثانيا ولما أعلى الله بمصر دولته المنيرة ومحا به من البدع الإسماعيلية عظائم كثيرة حبس ناحية شباس الملح وما معها جميع ذلك بحده وحدوده وقريبه وبعيده وعامره وغامره وأوله وآخره على المقيمين بالحرمين الشريفين من الذرية العمرية كما قاله في توقيعه الشريف المكتتب بالخط الفاضل عمر الأنام واقتفى بهداه بعده من إخواننا الصالحين ملوك الإسلام فجددنا لهم هذا التوقيع الشريف تبركا بالمشاركة واستدراك ما فاتنا مع سلفهم الكريم بالإحسان إلى أعقابهم ومرسومنا أن يحملوا على حكم التوقيع

الشريف الصلاحي وما بعده من تواقيع الملوك الكرام ولا يغير عليهم فيه مغير من عوائد الإكرام ولا يقبل فيهم قول معترض ولا تتعرض إليهم يد متعرض ولا يفسح فيهم لمستعص إن لم يكن رافضا فإنه برفض حقهم مترفض وليعامل الله فيهم بما يزيد جدهم رضي الله عنه رضا ويحبس تحبيسا ثانيا لولانا لقيل لمن يطالب بها كيف تطالب بشيء مضى مع من مضى ونحن نبرأ إلى الله ممن سعى في نقضها بسبب من الأسباب أو مد فيها إلى فتح باب أو تأول في حكم هذا الكتاب عليهم وقد وافق حكم جدهم حكم الكتاب وأن لا يقسم شيء من ريع هذه الناحية على غير المقيمين منهم بالحرمين الشريفين ومن خاف على نفسه في المقام فيهما ممن كان في أحدهما ثم فارقه على عزم العود إلى مكانه وأقام وله حنين إلى أوطانه ولم يلهه استبدال أرض بأرض وجيران بجيران عن أرضه وجيرانه إتباعا لشرطها الأول بمثله واتباعا لمن فيها فاز مع السابقين الأولين بمزيد فضله
وليكن النظر فيه لأمثل هذا البيت من المستحقين لهذا الحبس كابرا عن كابر ناظرا بعد ناظر اتباعا للمراد الكريم الصلاحي في مرسومه المقدم وتفسيرا لمن لا يفهم من غير مشاركة معهم لأحد من الحكام لا أرباب السيوف ولا أرباب الأقلام لنكون نحن ومحبسها أثابه الله على هذه الحسنة متناصرين ولتجد البقية التي قد ناصرها ناصرين الناصر الاول منهما بناصرين وليحذر من تتبع عليهم تأويلا ومن وجد في قلبه مرضا فأعداهم به تعليلا فما كتبناه لتأويل حصل عليهم ولا لتعليل المراسيم الملوكية التي هي في يديهم وإنما هو بمثابة إسجال اتصل من حاكم إلى حاكم وسيف جددنا

تقليده ليضرب به على يد الظالم وجود أعلمنا من يجيء أنه على مدى الليالي والأيام ضرب لازم وفضل إن تقدمنا إليه من الملوك الكرام حاتم فإن كرمنا عليه خاتم فقد نبهوا رحمهم الله مكافأة على إحسانهم إلى الذرية العمرية عمرا ثم ماتوا وأحالوا على جودنا المحمدي فإنهم ببركات من سمينا باسمه لأنواع الحسنات أسرا فكان توقيعنا هذا لهم بمنزلة الخاتمة الصالحة والرحمة التي أربت أوائلها على الغيوث السافحة فلقد تداركنا رمق برهم المعلل ولحقنا سابق معروفهم فلم نتمهل وأعدنا ما بدأوا به من الجميل فتكمل وقرنا مراسيمنا المطاعة بعضها ببعض وربما زاد الآخر على الأول فأمددناها منه بما لو لم يكن مداده أعز من سواد القلب والبصر لما كان قرة عين لمن يتأمل ليرتفع عن هذه الناحية وعمر فيها كل كارث كارث ويزال عنهم إلا ما يكون من مجددات الخير خير حادث ويعلم الملكان المتقدمان أمامنا أن نعزز بثالث وجميع النواب والولاة والمتصرفين والمسارعين إلى الخيرات ونعوذ بالله من المتوقفين ومن يدخل في دائرة الأعمال وينضم إلى راية العمال فإنا نحذره أن يتعرض فيها إلى سوء مآل أو يرد منها يده إلى جيبه بمال أو يشوش على أهلها ما استقاموا على أحسن حال وإن يحمد الله من تقدمنا من الملوك واتبعوا فيه التوفيق في علاماتهم فإنا نحمده وهو أملنها ولنا في الغيب آمال والله تعالى يجعل هذه الحسنة خالصة لوجهه الكريم معوضة منه بالثواب العظيم واصلة بالرحمة لرميم هذا البيت القديم إن شاء الله تعالى والاعتماد . . .
المرتبة الثانية ما يفتتح ب أما بعد حمد الله
وهو على نحو ما تقدم في الولايات إما في قطع الثلث أو في العادة المنصوري
وهذه نسخة توقيع شريف من ذلك وهي
أما بعد حمد الله الذي جعل أيامنا مطلعا للسعادة وجعل لأوليائها من

إحساننا الحسنى وزيادة وأضفى حلل بهائها على من لم يجتمع لغيره ما اجتمع له من أوصاف السيادة والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله الذي شيد الله به مباني الدين الحنيفي ورفع عماده ونصر جيوش الإسلام ومهد مهاده وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من جعل طاعته ونصرته عمدته واعتماده واتخذ مظافرته ومؤازرته في كل أمر عتاده صلاة مستمرة على كر الجديدين إلى يوم الشهادة فإن أولى من تلحظه دولتنا الشريفة في أقبالها بمزيد إقبالها وتعلي قدره إلى غاية تقصر الأفلاك عن إدراك منارها وبعد منالها وتضاعف له أسباب الإحسان من حسن نظرها واشتمالها وتشيد مباني عزه فلا تصل يد الزمن إلى بعض تصرمها وتسبغ ملابس النعم عليه فيختال في أضفاها ومعلمها وتجدد من مزايا جودها ما يحسن به الجزاء عما أسلفه من خدمها من نظر في مصالح أحوالها المنصورة فأحسن النظر وعضد أنصارها بآرائه التي تشرق بها وجوه الأيام إشراق الدراري والدرر وأضحى وله في العلياء المحل الأثيل والمناقب التي هي كالنهار لا تحتاج إلى دليل والسيادة التي تكسو الزمن حلل البهاء فيجر منها على المجرة ذيلا ضافيا والمآثر التي لولا ما أحيته من معالم الرآسة كان طللا عافيا مع ما له من الحقوق التي تشكرها الأيام والدول والخدم التي كم بلغ بمخالصته فيها من قصد وأمل والسجايا التي إذا خلعت عليها حللا من الثناء وجدتها منه في أبهى الحلل
ولما كان فلان هو الذي تحلى من هذا الثناء بدره الثمين وتلقى راية هذا المجد كما تلقاها عرابة باليمين وتنضدت كواكب هذا المدح هذا المدح لتنتظم سلكا

لمآثره واتسقت فرائد هذا الشكر لترصع عقودا لمفاخره وجب علينا أن نجدد له في أيامنا ما تتضاعف به أسباب النعم لديه ويتحقق منه إقبالنا بوجه الإقبال عليه
فلذلك رسم بالأمر الشريف زاد الله تعالى في علائه وأضفى على أوليائه حلل آلائه وأبقى على الزمن بوجوده رونق بهائه أن يستقر للمشار إليه في الشهر كذا وكذا مضافا إلى غير ذلك من لحم وتوابل وعليق على ما يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت فليتلق إحساننا بيد إستحقاق لها في الفضل باع شديد ويثق منا بالإقبال الذي لا يزال عنده إن شاء الله وهو ثابت ويزيد ويتناول ما قرر باسمه في كل شهر من استقبال تاريخه بعد الخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى

المرتبة الثالثة مما يكتب به في الإطلاقات
أن يكتب في قطع العادة مفتتحا برسم بالأمر الشريف والرسم فيه على نحو ما تقدم في الولايات وهو أن يقال رسم بالأمر لا زال . . . . أن يستقر باسم فلان كذا وكذا لأنه كذا وكذا ونحو ذلك
وهذه نسخة توقيع شريف بمرتب على الفرنج الجرجان الواردين لزيارة القدس أنشأته لشرف الدين قاسم وهي
رسم بالأمر الشريف لا زال عدله الشريف لمال الفيء بين ذوي الاستحقاق قاسما وفضله العميم لأولي الفضل في سلك الصلات ناظما ومعروفه المعروف لمواقع البر يؤم عالما ويبيت غانما أن يستقر لمجلس القاضي فلان الدين على الفرنج الجرجان الواردين لزيارة قمامة بالقدس الشريف كذا

وكذا لما اشتمل عليه من مبين العلم ومتين العمل وجميل السيرة واجتمع لديه من طيب الذكر وجميل الأثر وصفو السريرة ولإقامته بالمسجد الأقصى الذي هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها وإحدى القبلتين المعول في أول الإسلام عليها ومجاورة الصخرة المعظمة والأثار الشريفة والأماكن المكرمة وقيامه بما يجب من الدعاء لدولتنا القاهرة والابتهال إلى الله تعالى بدوام أيامنا الزاهرة
فليتناول هذا المعلوم مهنأ ميسرا وليرج من كرمنا الوافر فوق ذلك مظهرا وليشهر سلاح دعائه بتلك الأماكن الشريفة على أعداء الله وأعداء الدين ويرمهم بسهام الليل التي لا تخطيء إن شاء الله تعالى الطغاة المتمردين فبذلك يستحق هذا السهم من الفيء حقا ويعد من المقاتلة الذابين عن الإسلام صدقا وليقم على جادة الإستقامة في الدين وليكن مما سوى ذلك بريا ويقابل هو ومثله إنعامنا بالشكر يتلو عليهم لسان كرمنا فكلوه هنيا مريا والخط الشريف أعلاه .
وهذه نسخة توقيع شريف أيضا أنشاته باسم بهاء الدين أبي بكر بن غانم كاتب الدست الشريف بالشام المحروس باستمرار مرتبة على الفرنج الجرجان الواردين إلى ثغر الرملة المحروس وهي
رسم بالأمر الشريف لا زال إحسان كرمه يزين ببهاء حسنه المكارم وكرم

إحسانه تتراكم سحائبه الهامية فتزري بالسيول وتهزأ بالغمائم وفيء نواله يقسم في أوليائنا خلفا بعد سلف فهم من فضله بين غانم وابن غانم أن يستقر مرتب المجلس السامي

الباب الثالث من المقالة السادسة في الطرخانيات
والمراد بها أن يصير الشخص مسموحا له بالخدم السلطانية يقيم حيث شاء ويرتحل متى شاء تارة بمعلوم يتناوله مجانا وتارة بغير معلوم وفيه فصلان
الفصل الأول في طرخانيات أرباب السيوف
واعلم أن الطرخانية تكتب للأمراء تارة وللأجناد أخرى وأكثر ما تكتب لمن كبرت سنه وضعفت قدرته وعجز عن الخدمة السلطانية
وقد جرت العادة أن يسمى ما يكتب فيها مراسيم وهي على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى أن يفتتح المرسوم المكتتب في ذلك بالحمد لله
والرسم فيه على نحو من الولايات وهو أن تستوفي الخطبة إلى آخرها ثم يقال وبعد ثم يقال ولما كان فلان ونحو ذلك ثم يقال اقتضى رأينا

الشريف ثم يقال فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقر فلان طرخانا يتصرف على اختياره يسير ويقيم في أي مكان اختاره من بلاد المملكة وما يجري مجرى ذلك
وهذ نسخة مرسوم شريف بطرخانية لأمير وهي
الحمد لله اللطيف بعباده الرؤوف بخلقه المان بفضله الغامر بجوده الجائد برزقه المتفضل على العبد في الصبا بصفحه وفي الكهولة بعفوه وفي الشيخوخة بعتقه
نحمده على أن جبلنا على اصطناع الصنائع وحصنا برفع العوائق وقطع القواطع وألهمنا عطف النسق وإن كثرت مما سواه التوابع ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تسكن الرحمة في قلب قائلها وترفع سطوة الغضب عن منتحلها في أواخر السطوة وأوائلها ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبي أوعد فعفا وأكرم رسول وعد فوفى وعلى آله وصحبه الذين سلكوا في المعروف سننه ونهجوا في الإحسان إلى الخلق نهجه فكان لهم في رسول الله أسوة حسنة صلاة تقيل العثرات وتتلو بلسان قبولها ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من رمقته المراحم الشريفة بعين عنايتها ولحظته العواطف المنيفة بلحظ رعايتها من أهله إخلاصه لأن يقوم مقا ما لا يفارقه ولا يباين وان لا يحط من قدره العالي بسبب ما اتفق إذ كل مقدر كائن وأن يصرف اختياره في الإقامة حيث شاء من الممالك المحروسة والمدائن
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال من شيمة السماح ومن كرمه بلوغ النجا والنجاح ومن نعمه الصفح عن الذنب المتاح حتى يحفظ على الأنفس النفيسة الأموال ويريح لها الأرواح ولا برح يولي من قسمة المكرمات ما

ينسى به الذنب فكأنه كان برقا أومض ولمح وراح أن يكون المشار إليه طرخانا يقيم حيث شاء وأين أراد من البلاد الإسلامية المحروسة معاملا بمزيد الإكرام والاحترام واوفر العناية والرعاية حسب ما اقتضته المراسيم الشريفة في ذلك عند ما شملته الصدقات العميمة والمراحم الشاملة بالعفو الشريف والحكم المنيف والإقبال والرضا والصفح عما مضى لما رأيناه من ترفيه خاطره وقرار قلبه برفع التكليف عنه وقرة ناظره ولما تخلقت به أخلاقنا من التيمن الذي ألبسه أثواب الامان وجبلت عليه طباعنا من الرأفة والرحمة والراحمون يرحمهم الرحمن ولما مهده له عندنا اعترافه الذي هو له في الحقيقة أقوى شفاعة ولما تحققناه من أنه لم يفعل ذلك إلا لوفور الطاعة التي أوجبت له الإرهاب إذ الهرب من الملوك طاعة وكيف لا وقد تيقن سخطنا الشريف وعلم وخشي مهابتنا الشريفة ومن خاف سلم
فليتقلد عقود هذه المنن التي طوقت جيده بالجود وليشكر مواقع هذا الحلم الذي سر وسار كالمثل السائر في الوجود وليقابل هذا الإقبال بالدعاء لأيامنا الزاهرة وليحظ بمواهبنا العميمة وصدقاتنا الباهرة وليحط علما بأن إحساننا العميم قد أعاد إليه ما ألفه من الإسعاد والإصعاد وأن صفحنا الشريف قد أضرب عما مضى والماضي لا يعاد فليقم حيث شاء من البلاد المحروسة متفيئا ظلال مواهبنا التي يغدو وسرائره بها مأنوسه واردا بحار عطايانا الزاخرة ممتعا بملابس رضانا الفاخرة طيب القلب منبسط الأمل منشرح الصدر بما عمه من الإنعام وشمل مرعي الجناب في كل مكان معظم القدر على توالي الأزمان مبتهجا بغمد ما عرض من ذلك التقطيب مستبشرا بإقبالنا الذي يلذ به عيشه ويطيب والله تعالى يديم له عوارفنا المطلقة وغمائم كرمنا المغدقة ومواهبنا التي انتشرت له في كل قطر فهي لأنواع العطايا مستغرقة ومنننا التي تسير معه حيثما سار وتقيم لديه أنى أقام فلا تزال عنده محيمة في الأماكن المتفرقة والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه

المرتبة الثانية أن يفتتح مرسوم الطرخانية ب أما بعد
والرسم فيه كما في الولايات أيضا يقال فيه أما بعد فإن كذا وكذا ثم يقال ولما كان كذا وكذا اقتضى رأينا الشريف ثم يقال ولذلك رسم بالأمر الشريف ويكمل عليه
وهذه نسخة مرسوم من ذلك وهي
أما بعد حمد الله على نعمه التي أوزعتنا بالإحسان إلى عباده أداء شكرها وآلائه التي ألهمتنا بالتخفيف عن بريته اقتران محامده بذكرها ومننه التي وفق بها دولتنا الشريفة لأن يكون العدل والإحسان أولى ما أجرته بفكرها وأحق ما أمرته بذكرها والصلاة والسلام على رسوله الذي أوضح سبل المعروف وشرع سنن العدل المألوف ووصفه الله تعالى بالرأفة والرحمة فبه يقتدي كل رحيم وبه يأتم كل رؤوف وعلى آله وصحبه الذين رفعوا منار العدل لسالكه وقربوا منال الفضل لآخذه وبينوا الحيف والاشتطاط لتاركه فإن الله تعالى خص أيامنا الزاهرة بتعاهد أهل خدمتنا بالعدل والإحسان وتفقد رعايانا بإزالة ما يكدر عليهم موارد النعم الحسان فلا نزال ننعم النظر في أمورهم ونفيض عام إحساننا على خاصهم وجمهورهم ليناموا من عدلنا في مهاد الدعة ويبيت ضعيفهم من مراحمنا الشريفة في أتم رأفة وفقيرهم في أوفر سعة
ولما كان فلان ممن توفر في الخدمة الشريفة قسمة وكبر في الطاعة سنه ووهن عظمه وعجزت عن الركوب والنزول حركته وذهبت مواقف حربه ولم يبق إلا أن تلتمس بركته اقتضى حسن الرأي الشريف أن يضاعف إليه الإحسان ويعامل بوافر البر وجزيل الامتنان
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال يوالي المنن ويولي الأولياء من

المعروف كل جميل حسن أن يستقر المذكور طرخانا لا يطلب لخدمة في نهار ولا ليل ولا يلزم بالقيام بنزك ولا خيل فليمض حكم هذه الطرخانية لا تتأول ألسنة الأقلام في نصه ولا تتطرق أوهام الأفهام إلى اعتراض ما ثبت من إعفائه بنقضه ولا نقصه وسبيل كل واقف عليه اعتماد مضمونة والوقوف عند حكمه والانتهاء إلى حده واتباع رسمه إن شاء الله تعالى

الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة السادسة فيما يكتب في طرخانيات
أرباب الأقلام
وهو قليل نادر قل أن يكتب وإذا كتب فغالب ما يفتتح برسم ويسمى ما يكتب فيه تواقيع
وهذه نسخة طرخانية كتب بها عن الملك الناصر محمد بن قلاوون للقاضي قطب الدين بن مكرم أحد كتاب الدرج الشريف بالأبواب الشريفة عند إقامته بالحجاز الشريف بأن يستقر طرخانا بنصف معلومة الذي كان له على كتابة الدرج الشريف وأن يقيم حيث شاء وهي
رسم بالأمر الشريف لا زال يأمر فيطاع ويصل فيعين على الانقطاع ويرى على اقتراح الآمل جوده المكرر المكرم فالآمل يقترح ما استطاع أن يستقر للمجلس السامي القضائي فلان بن المكرم نفع الله به من معلومه عن كتابه الدرج الشريف الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت النصف من كل شهر على الأدعية الصالحة لهذه الدولة القاهرة ويقيم حيث شاء ثم يستقر ذلك لأولاده من بعده ثم لأولاد أولاده بالسوية إعانة له على بلوغ قصده ورغائبه واستعانة بحاضر الجود دون غائبه وإكراما لجانبه وطالب وجه الله تعالى يعان على الفوز بكنوز مطالبه

وما كنا لنسمح ببعده عن أبوابنا الشريفة ولا نجيبه لمفارقة ما بيده من وظيفة لأنه ما يدرك أحد من أبناء عصره مده ولا نصيفه ولديوان إنشائنا جمال بعقود كتابته النظيمة ومعاني ألفاظه اللطيفة وإنما لإقباله على الآجلة وإعراضه عن العاجلة واستيعاب أوقاته بأداء الفريضة والنافلة أسعفنا سؤاله بالإجابة وأعناه على الإنابة وأجزلنا سهمه من الإحسان فبلغ سهمه الإصابة ومن أحسن سبيلا ممن أخذ لنفسه قبل الحين ونفض يديه من الدنيا فراح بالخير مملوء اليدين فنظر إلى معاده فأقبل على الله قرير العين وها نحن قد كرمناه في وقت واحد بانشاء ولدين
فليشكر لصدقاتنا هذه النعم المتزايدة والصلات العائدة والإحسان إليه وإلى بنيه جملة واحدة وليدع لدولتنا القاهرة حين يقوم لله قانتا وحين يقول ناطقا وحيث يفكر صامتا وعند فطره من صومه وفي أعقاب الصلوات في ليلته ويومه وليوصل إليه هذا المرتب ميسرا لا يكدر مورده بتأخير وليصرف إليه مهنأ لا يشان طوله بتقصير ولا يحوج إلى عناء وطلب ولا يلجأ في تناوله إلى كد وتعب بل يرفه خاطره عما فاز به من حسن المنقلب والله تعالى يمده بعونه وفضله وينجب فرعه ببركة أصله والخط الشريف أعلاه حجة فيه إن شاء الله تعالى

الباب الرابع من المقالة السادسة فيما يكتب في التوفيق بين السنين الشمسية والقمرية المعبر عنه في زماننا بتحويل السنين وما يكتب في التذاكر وفيه فصلان

الفصل الأول فيما يكتب في التوفيق بين السنين وفيه طرفان الطرف الأول في
بيان أصل ذلك
اعلم أن استحقاق الخراج وجبايته منوطان بالزروع والثمار من حيث إن الخراج من متحصل ذلك يؤخذ والزروع والثمار منوطة بالشهور والسنين الشمسية من حيث أن كل نوع منها يظهر في وقت من أوقاتها ملازم له لا يتحول عنه ولا ينتقل للزوم كل شهر منها وقتا بعينه من صيف أو شتاء أو خريف أو ربيع واستخراج الخراج في الملة الإسلامية منوط بتاريخ الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وشهوره وسنوه عربية والشهور العربية تنتقل من وقت إلى وقت فربما كان استحقاق الخراج في أول سنة من السنين العربية ثم تراخى الحال فيه إلى أن صار استحقاقه في أواخرها ثم تراخى حتى صار في السنة

الثانية فيصير الخراج منسوبا للسنة السابقة واستحقاقه في السنة اللاحقة فيحتاج حينئذ إلى تحويل السنة الخراجية السابقة إلى التي بعدها على ما سيأتي ذكره
قال في مواد البيان والسبب في انفراج ما بين السنين الشمسية والهلالية أن أيام السنة الشمسية هي المدة التي تقطع الشمس الفلك فيها دفعة واحدة وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم بالتقريب حسب ما توجبه حركتها وأيام السنة الهلالية هي المدة التي يقطع القمر الفلك فيها اثنتي عشرة دفعة وهي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وسدس يوم فيكون التفاوت بينهما أحد عشر يوما وسدس يوم فتكون زيادة السنين الشمسية على السنين الهلالية في كل ثلاث سنين شهرا واحدا وثلاثة أيام ونصف يوم تقريبا وفي كل ثلاث وثلاثين سنة بالتقريب فإذا تمادى الزمان تفاوت ما بين السنين تفاوتا قبيحا فيرى السلطان عند ذلك أن تنقل السنة الشمسية إلى السنة الهلالية بالاسم دون الحقيقة توفيقا بينهما وإزالة للشبهة في أمرهما ومتى أوعز بذلك لم يقف على الغرض فيه إلا الخاصة دون العامة وربما أسرع إلى ظن المعاملين وأرباب الخراج والاملاك أن ذلك عائد عليهم بظلم وحيف وإلى ظن مستحقي الإقطاع أنه منتقص لهم ونسبوا الجور إلى السلطان بسبب ذلك وشنعوا عليه فرسم بلغاء الكتاب في هذا المعنى رسوما تعود بتفهيم الغبي وتبصير العمي وتوصل المعنى المراد إلى الكافة إيصالا يتساوون في تصديقه وتيقنه ولا تتوجه عليهم شبهة ولا شك فيه
قلت وقد ذكر أبو هلال العسكري في الاوائل أن أول من أخر النيروز المتوكل على الله أحد خلفاء بني العباس وذلك أنه بينما هو يطوف في متصيد له

إذ رأى زرعا أخضر فقال قد استأذنني عبيد الله بن يحيى في فتح الخراج وأرى الزرع أخضر فقيل له إن جباية الخراج الآن قد تضر بالناس إذ تلجئهم إلى أنهم يقترضون ما يؤدون في الخراج فقال أهذا شيء حدث أو لم يزل كذا فقيل له بل حدث وعرف أن الشمس تقطع الفلك في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم وأن الروم تكبس في كل أربع سنين يوما فيطرحونه من العدد فيجعلون شباط ثلاث سنين متواليات ثمانية وعشرين يوما وفي السنة الرابعة ينجبر من ذلك الربع اليوم يوم تام فيصير شباط تسعة وعشرين يوما ويسمون تلك السنة الكبيسة وكانت الفرس تكبس للفضل الذي بين سنيها وبين سنة الشمس في كل مائة وست عشرة سنة شهرا فلما جاء الإسلام عطل ذلك ولم يعمل به فأضر بالناس ذلك وجاء زمن هشام بن عبد الملك فاجتمع الدهاقنة إلى خالد بن عبد الله القسري وشرحوا له ذلك ولم يعمل به فأضر بالناس ذلك وقد سألوه أن يؤخر إليه فأرسل الكتب إلى هشام سرا في ذلك فقال هشام أخاف أن يكون ذلك من قول الله تعالى ( إنما النسيء زيادة في الكفر )
فلما كان أيام الرشيد اجتمعوا إلى يحيى بن خالد البرمكي وسألوه في تأخير النيروز نحو شهر فعزم على ذلك فتكلم أعداؤه فيه وقالوا تعصب للمجوسية فأضرب عنه فبقي على ذلك إلى اليوم فأحضر المتوكل حينئذ إبراهيم بن العباس وأمره أن يكتب عنه كتابا في تأخير النيروز بعد أن تحسب

الأيام فوقع الاتفاق على أن يؤخر إلى سبعة وعشرين يوما من حزيران فكتب الكتاب على ذلك قال العسكري وهو كتاب مشهور في رسائل إبراهيم بن العباس ثم قتل المتوكل قبل دخول السنة الجديدة وولي المنتصر وآحتيج إلى المال فطولب به الناس على الرسم الأول وانتقض ما رسمه المتوكل فلم يعمل به حتى ولي المعتضد فقال لعلي بن يحيى المنجم تذكر ضجيج الناس من أمر الخراج فكيف جعلت الفرس مع حكمتها وحسن سيرتها آفتتاح الخراج في وقت مالا يتمكن الناس من أدائه فيه فشرح له أمره وقال ينبغي أن يرد إلى وقته ويلزم يوما من أيام الروم فلا يقع فيه تغير فقال له المعتضد سر إلى عبيد الله بن سليمان فوافقه على ذلك فصرت إليه ووافقته وحسبنا حسابه فوقع في اليوم الحادي عشر من حزيران فأحكم أمره على ذلك وأثبت في الدواوين وكان النيروز الفارسي إذ ذاك يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر سنة آثنتين وثمانين ومائتين ومن شهور الروم الحادي عشر من نيسان
وقد قال أبو الحسين علي بن الحسين الكاتب رحمه الله عهدت جباية

الخراج في سنين قبل سنة إحدى وأربعين ومائتين في خلافة أمير المؤمنين المتوكل رحمة الله عليه تجري لكل سنة في السنة التي بعدها بسبب تأخر الشهور الشمسية عن الشهور القمرية في كل سنة أحد عشر يوما وربع يوم وزيادة الكسر عليه فلما دخلت سنة آثنتين وأربعين ومائتين كان قد انقضى من السنين التي قبلها ثلاث وثلاثون سنة أولهن سنة ثمان ومائتين من خلافة أمير المؤمنين المأمون رحمه الله عليه وآجتمع من هذا المتأخر فيها أيام سنة شمسية كاملة وهي ثلثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وزيادة الكسر وتهيأإدراك غلات وثمار سنة إحدى وأربعين ومائتين في صدر سنة آثنتين وأربعين ومائتين فأمر أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله عليه بإلغاء ذكر سنة إحدى وأربعين ومائتين إذ كانت قد آنقضت ونسب الخراج إلى سنة آثنتين وأربعين ومائتين
قال صاحب المنهاج في صنعة الخراج ولمانقلت سنة إحدى وأربعين ومائتين إلى سنة آثنتين وأربعين جبى أصحاب الدواوين الجوالي والصدقات لسنتي إحدى وآثنتين وأربعين ومائتين في وقت واحد لأن الجوالي بسر من رأى ومدينة السلام ومضافاتهما كانت تجبى على شهور الأهلة وما كان عن جماجم أهل القرى والضياع والمستغلات كانت تجبى على شهور الشمس فألزم أهل الجوالي خاصة في مدة الثلاث وثلاثين سنة ورفعها العمال في

حسباناتهم فاجتمع من ذلك ألوف ألوف دراهم فجرت الأعمال بعد نقل المتوكل على ذلك سنة بعد سنة إلى أن انقضت ثلاث وثلاثون سنة آخرتهن انقضاء سنة أربع وسبعين ومائتين فلم ينبه كتاب أمير المؤمنين المعتمد على الله رحمة الله عليه على ذلك إذ كان رؤساؤهم في ذلك الوقت إسماعيل بن بلبل وبني الفرات ولم يكونوا عملوا في ديوان الخراج والضياع في خلافة أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله ولا كانت أسنانهم أسنانا بلغت معرفتهم معها هذا النقل بل كان مولد أحمد بن الفرات قبل هذه السنة بحمس سنين ومولد علي أخيه فيها وكان إسماعيل يتعلم في مجلس لم يبلغ أن ينسخ فلما تقلدت لناصر الدين أبي أحمد طلحة الموفق رحمة الله عليه أعمال الضياع بقزوين ونواحيها لسنة ست وسبعين ومائتين وكان مقيما بأذربيجان وخليفته بالجبل والقرى جرادة بن محمد وأحمد بن محمد كاتبه واحتجت إلى رفع جماعتي إليه ترجمتها بجماعة سنة ست وسبعين ومائتين التي أدركت غلاتها وثمارها في سنة سبع وسبعين ومائتين ووجب إلغاء ذكر سنة ست وسبعين ومائتين فلما وقفا على هذه الترجمة أنكراها وسألاني عن السبب فيها فشرحته لهما ووكدت ذلك بأن عرفتهما أني قد استخرجت حساب السنين الشمسية والسنين القمرية من القرآن الكريم بعد ما عرضته على أصحاب التفسير فذكروا أنه لم يأت فيه شيء من الأثر فكان ذلك أوكد في لطف استخراجي وهو أن الله تعالى قال في سورة الكهف ( ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ) فلم أجد أحدا من المفسرين عرف ما معنى قوله وازدادوا تسعا وإنما خاطب الله جل وعز نبيه بكلام العرب وما تعرفه من الحساب فمعنى هذه التسع أن الثلثمائة كانت شمسية بحساب العجم ومن كان لا يعرف السنين القمرية فإذا أضيف إلى الثلثمائة القمرية زيادة التسع كانت سنين شمسية صحيحة فاستحسناه فلما انصرف

جرادة مع الناصر رحمة الله عليه إلى مدينة السلام وتوفي الناصر رضوان الله عليه وتقلد أبو القاسم عبيد الله بن سليمان رحمه الله كتابة أمير المؤمنين المعتضد بالله صلوات الله عليه أجرى له جرادة ذكر هذا النقل وشرح له سببه تقربا إليه وطعنا على أبي القاسم عبيد الله رحمه الله في تأخيره إياه
فلما وقف المعتضد بالله رحمه الله على ذلك تقدم إلى أبي القاسم بإنشاء الكتب بنقل سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين فكتب وكان هذا النقل بعد أربع سنين من وجوبه ثم مضت السنون سنة بعد سنة إلى أن انقضت الآن ثلاث وثلاثون سنة أولاهن السنة التي كان النقل وجب فيها وهي سنة خمس وسبعين ومائتين وآخرتهن انقضاء سنة سبع وثلثمائة فوافق ذلك خلافة المطيع لله في وزارة أبي محمد المهلبي فأمر بنقل سنة ست وثلثمائة إلى سنة سبع وثلثمائة ونسبة الخراج إليها فنقلت وأمر بالكتابة بذلك من ديوان الإنشاء فكتب به
وقد حكى أبو الحسين هلال بن المحسن بن أبي إسحاق إبراهيم الصابي عن أبيه أنه قال لما أراد الوزير أبو محمد المهلبي نقل السنة أمر أبا إسحاق والدي وغيره من كتابه في الخراج والرسائل بإنشاء كتاب عن المطيع لله رحمة الله عليه في هذا المعنى وكل منهم كتب وعرضت النسخ على الوزير أبي محمد فاختار منها كتاب والدي وتقدم بأن يكتب إلى أصحاب الاطراف وقال لأبي الفرج ابن أبي هاشم خليفته اكتب إلى العمال بذلك كتبا محققة وانسخ في أواخر ها هذا الكتاب السلطاني فغاظ أبا الفرج وقوع التفضيل والاختيار لكتاب والدي وقد كان عمل نسخة اطرحت في جملة ما اطرح وكتب قد رأينا نقل سنة خمسين إلى إحدى وخمسين فاعمل على

ذلك ولم ينسخ الكتاب السلطاني وعرف الوزير أبو محمد ما كتب به أبو الفرج فقال له لماذا أغفلت نسخ الكتاب السلطاني في آخر الكتاب إلى العمال وإثباته في الديوان فأجاب جوابا علل فيه فقال له يا أبا الفرج ما تركت ذلك إلا حسدا لأبي إسحاق على كتابه وهو والله في هذا الفن أكتب أهل زمانه
قال صاحب المنهاج في صنعة الخراج وقد كان نقل السنين في الديار المصرية أغفل حتى كانت سنة تسع وتسعين وأربعمائة الهلالية فنقلت سنة تسع وتسعين الخراجية إلى سنة إحدى وخمسمائة فيما رأيته في تعليقات أبي قال وآخر ما نقلت السنة في وقتنا هذا أن نقلت سنة خمس وستين وخمسمائة إلى سنة سبع وستين وخمسمائة الهلالية فتطابقت السنتان وذلك أنني لما قلت للقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني إنه قد آن نقل السنة أنشأ سجلا بنقلها نسخ في الدواوين وحمل الأمر على حكمه ثم قال وما برح الملوك والوزراء يعنون بنقل السنين في أحيانها ومطابقة العامين في أول زمان اختلافهما بالبعد وتقارب اتفاقهما بالنقل
قلت والحاصل أنه إذا مضى ثلاث وثلاثون سنة من آخر السنة حولت السنة الثالثة والثلاثون إلى تلو السنة التي بعدها وهي الخامسة والثلاثون وتلغى الرابعة والثلاثون ومقتضى البناء على التحويل الذي كان في خلافة المطيع في سنة سبع وثلاثمائة المقدم ذكره أن تحول سنة سبع وثلاثمائة إلى سنة تسع وثلاثمائة ثم تحول سنة أربعين وثلاثمائة إلى اثنتين وأربعين وثلاثمائة وتلغى سنة إحدى وأربعين ثم تحول سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة إلى سنة حمس وسبعين وثلاثمائة وتلغى سنة اربع وسبعين ثم تحول سنة ست وأربعمائة إلى سنة ثمان واربعمائة وتلغى سنة سبع ثم تحول سنة تسع وثلاثين وأربعمائة إلى سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

وتلغى سنة أربعين ثم تحول سنة اثنتين وسبعين واربعمائة إلى سنة أربع وسبعين وأربعمائة وتلغى سنة ثلاث وسبعين ثم تحول سنة خمس وخمسمائة إلى سنة سبع وخمسمائة وتلغى سنة ست لكن قد تقدم من كلام صاحب المنهاج في صنعة الخراج أن التحويل كان تأخر بالديار المصرية إلى سنة تسع وتسعين وأرعمائة فحولت سنة تسع وتسعين الخراجية إلى سنة إحدى وخمسمائة فيكون التحويل بالديار المصرية قد وقع قبل استحقاقه بمقتضى الترتيب المقدم ذكره بست سنين من حيث إنه كان المستحق مغل سنة خمس وخمسمائة إلى سنة سبع وخمسمائة كما تقدم فنقلت سنة تسع وتسعين وأربعمائة إلى سنة إحدى وخمسمائة والامر في ذلك قريب إذ التحويل على التقريب دون التحديد
ثم مقتضى ترتيب التحويل الرابع في الديار المصرية بعد تحويل سنة تسع وتسعين وأربعمائة إلى سنة إحدى وحمسمائة أن تحول بعد ذلك سنة ثنتين وثلاثين وخمسمائة إلى سنة أربع وثلاثين وحمسمائة وتلغى سنة ثلاث وثلاثين ثم تحول سنة خمس وستين وخمسمائة إلى سنة سبع وستين وحمسمائة وتلغى سنة ست وستين ثم تحول سنة ثمان وتسعين وخمسمائة إلى سنة ستمائة وتلغى سنة تسع وتسعين وخمسمائة ثم تحول سنة إحدى وثلاثين وستمائة إلى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وتلغى سنة اثنتين وثلاثين ثم تحول سنة أربع وستين وستمائة إلى سنة ست وستين وستمائة وتلغى سنة خمس وستين ثم تحول سنة سبع وتسعين وستمائة إلى سنة تسع وتسعين وستمائة وتلغى سنة ثمان وتسعين ثم تحول سنة سبعمائة وثلاثين إلى سنة سبعمائة واثنتين وثلاثين وتلغى سنة إحدى وثلاثين ثم تحول سنة ثلاث وستين وسبعمائة إلى سنة خمس وستين وسبعمائة وتلغى سنة أربع وستين وسبعمائة وتحول سنة ست وتسعين وسبعمائة إلى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وتلغى سنة سبع وتسعين ثم لا يكون تحويل إلى تسع وعشرين وثمانمائة فتحول إلى سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة لكن قد حول كتاب الدواوين بالديار المصرية وأرباب الدولة بها سنة تسع وأربعين وسبعمائة

وهي سنة الطاعون الجارف العام إلى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وألغوا سنة خمسين وكان يقال مات في تلك السنة كل شيء حتى السنة وسيأتي ذكر المرسوم المكتتب بها في تحويل السنين في هذه المقالة إن شاء الله تعالى
ونقل ذلك لتأخير وقع من إغفال تحويل سنة سبعمائة وثلاثين المتقدمة الذكر وآخر سنة حولت في زماننا سنة . .

الطرف الثاني في صورة ما يكتب في تحويل السنين وهو على نوعين
النوع الأول ما كان يكتب في ذلك عن الخلفاء وفيه مذهبان
المذهب الأول أن يفتتح ما يكتب ب أما بعد
وعلى ذلك كان يكتب من ديوان الخلافة ببغداد
وهذه نسخة ما ذكر أبو الحسين بن علي الكاتب المقدم ذكره أنه كتب به في ذلك في نقل سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين في خلافة المعتضد بالله أمير المؤمنين وهي
أما بعد فإن أولى ما صرف إليه أمير المؤمنين عنايته وأعمل فيه فكره ورويته وشغل به تفقده ورعايته أمر الفيء الذي خصه الله به وألزمه جمعه وتوفيره وحياطته وتكثيره وجعله عماد الدين وقوام أمر المسلمين وفيما يصرف منه إلى أعطيات الأولياء والجنود ومن يستعان به لتحصين البيضة والذب عن الحريم وحج البيت وجهاد العدو وسد الثغور وأمن السبل وحقن الدماء وإصلاح ذات البين وأمير المؤمنين يسأل الله راغبا إليه ومتوكلا

عليه أن يحسن عونه على ما حمله منه ويديم توفيقه لما أرضاه وإرشاده إلى ما يقضي بالخير عنه وله
وقد نظر أمير المؤمنين فيما كان يجري عليه أمر جباية هذا الفيء في خلافة آبائه الخلفاء الراشدين فوجده على حسب ما كان يدرك من الغلات والثمار في كل سنة أولا أولا على مجاري شهور سني الشمس في النجوم التي يحل مال كل صنف منها فيها ووجد شهور السنة الشمسية تتأخر عن شهور السنة الهلالية أحد عشر يوما وربعا وزيادة عليه ويكون إدراك الغلات والثمار في كل سنة بحسب تأخرها
فلا تزال السنون تمضي على ذلك سنة بعد سنة حتى تنقضي منها ثلاث وثلاثون سنة وتكون عدة الأيام المتأخرة منها أيام سنة شمسية كاملة وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وزيادة عليه فحينئذ يتهيأ بمشيئة الله وقدرته إدراك الغلات التي تجري عليها الضرائب والطسوق في استقبال المحرم من سني الأهلة ويجب مع ذلك إلغاء ذكر السنة الخارجة إذ كانت قد انقضت ونسبتها إلى السنة التي أدركت الغلات والثمار فيها وإنه وجد ذلك قد كان وقع في أبام أمير المؤمنين المتوكل على الله رحمة الله عليه عند انقضاء ثلاث وثلاثين سنة آخرتهن سنة إحدى وأربعين ومائتين فاستغني عن ذكرها بإلغائها ونسبتها إلى سنة اثنتين وأربعين ومائتين فجرت المكاتبات والحسبانات وسائر الأعمال بعد ذلك سنة بعد سنة إلى أن مضت ثلاث وثلاثون سنة آخرتهن انقضاء سنة اربع وسبعين ومائتين ووجب إنشاء الكتب بإلغاء ذكر سنة أربع وسبعين ومائتين ونسبتها إلى سنة خمس وسبعين ومائتين فذهب ذلك على كتاب أمير المؤمنين المعتمد على الله وتأخر الأمر أربع سنين إلى أن أمر أمير المؤمنين المعتضد بالله رحمه الله في سنة

سبع وسبعين ومائتين بنقل خراج سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين فجرى الأمر على ذلك إلى أن انقضت في هذا الوقت ثلاث وثلاثون سنة أولاهن السنة التي كان يجب نقلها فيها وهي سنة خمس وسبعين ومائتين وآخرتهن انقضاء شهور خراج سنة سبع وثلثمائة ووجب افتتاح خراج ما تجري عليه الضرائب والطسوق في أولها وإن من صواب التدبير واستقامة الأعمال واستعمال ما يخف على الرعية معاملتها به نقل سنة الخراج لسنة سبع وثلثمائة إلى سنة ثمان وثلثمائة فرأى أمير المؤمنين لما يلزمه نفسه ويؤاخذها به من العناية بهذا الفيء وحياطة أسبابه وإجرائها مجاريها وسلوك سبيل آبائه الراشدين رحمة الله عليهم فيها أن يكتب إليك وإلى سائر العمال في النواحي بالعمل على ذلك وأن يكون ما يصدر إليكم من الكتب وتصدرونه عنكم وتجري عليه أعمالكم ورفوعكم وحسباناتكم وسائر مناظراتكم على هذا النقل
فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين واعمل به مستشعرا فيه وفي كل ما تمضيه تقوى الله وطاعته ومستعملا عليه ثقات الأعوان وكفاتهم مشرفا عليهم ومقوما لهم واكتب بما يكون منك في ذلك إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة ما كتب به أبو إسحاق الصابي عن المطيع لله بنقل سنة ست وثلثمائة إلى سنة سبع وثلثمائة وهي
أما بعد فإن أمير المؤمنين لايزال مجتهدا في مصالح المسلمين وباعثا لهم على مراشد الدنيا والدين ومهيئا لهم إلى أحسن الاختيار فيما يوردون ويصدرون وأصوب الرأي فيما يبرمون وينقضون فلا تلوح له خلة داخلة على

أمورهم إلا سدها وتلافاها ولا حال عائدة بحظ عليهم إلا اعتمدها وأتاها ولا سنة عادلة إلا أخدهم باقامة رسمها وإمضاء حكمها والاقتداء بالسلف الصالح في العمل بها والاتباع لها وإذا عرض من ذلك ما تعلمه الخاصة بوفور ألبابها وتجهله العامة بقصور أفهامها وكانت أوامره فيه خارجة إليك وإلى أمثالك من أعيان رجاله وأماثل عماله الذين يكتفون بالإشارة ويجترئون بتيسير الإبانة والعبارة لم يدع أن يبلغ من تلخيص اللفظ وإيضاح المعنى إلى الحد الذي يلحق المتأخر بالمتقدم ويجمع بين العالم والمتعلم ولا سيما إذا كان ذلك فيما يتعلق بمعاملات الرعية ومن لا يعرف إلا الظواهر الجلية دون البواطن الخفية ولا يسهل عليه الانتقال عن العادات المتكررة إلى الرسوم المتغيرة ليكون القول بالمشروح لمن برز في المعرفة مذكرا ولمن تأخر فيها مبصرا ولأنه ليس من الحق أن تمنع هذه الطبقة من برد اليقين في صدورها ولا أن يقتصر على اللمحة الدالة في مخاطبة جمهورها حتى إذا استوت الأقدام بطوائف الناس في فهم ما أمروا به وفقه ما دعوا إليه وصاروا فيه على كلمة سواء لا يعترضهم شك الشاكين ولا استرابة المستريبين اطمأنت قلوبهم وانشرحت صدورهم وسقط الخلاف بينهم واستمر الاتفاق فيهم واستيقنوا أنهم مسوسون على استقامة من المنهاج ومحروسون من جرائر الزيغ والاعوجاج فكان الانقياد منهم وهم دارون عالمون لا مقلدون مسلمون وطائعون مختارون لا مكرهون ولا مجبرون
وأمير المؤمنين يستمد الله تعالى في جميع أغراضه ومراميه ومطالبه ومغازيه مادة من صنعه تقف به على سنن الصلاح وتفتح له أبواب النجاح وتنهضه بما أهله لحمله من الأعباء التي لا يدعى الاستقلال بها إلا بتوفيقه ومعونته ولا يتوجه فيها إلا بدلالته وهدايته وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل

وأمير المؤمنين يرى أن أولى الأقوال أن يكون سدادا وأحرى الأفعال أن يكون رشادا ما وجد له في السابق من حكم الله أصول وقواعد وفي النص من كتابه آيات وشواهد وكان مفضيا بالأمة إلى قوام من دين ودنيا ووفاق في آخرة وأولى فذلك هو البناء الذي يثبت ويعلو والغرس الذي ينبت ويزكو والسعي الذي تنجح مباديه وهواديه وتبهج عواقبه وتواليه وتستنير سلبه لسالكيها وتوردهم موارد السعود في مقاصدهم فيها غير ضالين ولا عادلين ولامنحرفين ولازائلين
وقد جعل الله عز و جل من هذه الأفلاك الدائرة والنجوم السائرة فيما تتقلب عليه من آتصال وافتراق ويتعاقب عليها من اختلاف واتفاق منافع تظهر في كرور الشهور والأعوام ومرور الليالي والأيام وتناوب الضياء والظلام واعتدال المساكن والأوطان وتغاير الفصول والأزمان ونشء النبات والحيوان فما في نظام ذلك خلل ولا في صنعه صانعه زلل بل هو منوط بعضه ببعض ومحوط من كل ثلمه ونقص قال الله سبحانه ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق ) وقال جل من قائل ( ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري في أجل مسمى وان الله بما تعملون خبير ) وقال ( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) وقال عزت قدرته ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ) ففضل الله تعالى في هذه الآيات بين الشمس والقمر وأنبأنا في الباهر من حكمه والمعجز من كلمه أن لكل منهما طريقا سخر فيها وطبيعة جبل عليها وأن كل تلك المباينة والمخالفة في المسير تؤدي إلى موافقة وملازمة في

التدبير فمن هنالك زادت السنة الشمسية فصارت ثلثمائة وخمسة وستين يوما وربعا بالتقريب المعمول عليه وهي المدة التي تقطع الشمس فيها الفلك مرة واحدة ونقصت السنة الهلالية فصارت ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما وكسرا وهي المدة التي يجامع القمر فيها الشمس اثنتي عشرة مرة واحتيج إذا انساق هذا الفضل إلى استعمال النقل الذي يطابق إحدى السنتين بالأخرى إذا افترقتا ويداني بينهما إذا تفاوتتا
وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على افتنان من طرقها ومذاهبها وفي كتاب الله عز و جل شهادة بذلك إذ يقول في قصة أهل الكهف ( ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ) فكانت هذه الزيادة بأن الفضل في السنين المذكورة على تقريب التقريب
فأما الفرس فإنهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثنا عشر شهرا وأيامها ثلاثمائة وستون يوما ولقبوا الشهور اثني عشر لقبا وسموا أيام الشهر منها ثلاثين اسما وأفردوا الأيام الخمسة الزائدة وسموها المسترقة وكبسوا الربع في كل مائة وعشرين سنة شهرا
فلما انقرض ملكهم بطل في كبس هذا الربع تدبيرهم وزال نوروزهم عن سنته وانفرج ما بينه وبين حقيقة وقته انفراجا هو زائد لا يقف ودائر لا ينقطع حتى أن موضوعهم فيه أن يقع في مدخل الصيف وسينتهي إلى أن يقع في مدخل الشتاء ويتجاوز ذلك وكذلك موضوعهم في المهرجان أن يقع في مدخل الشتاء وسينتهي إلى أن يقع في مدخل الصيف ويتجاوزه
وأما الروم فكانوا أتقن منهم حكمة وأبعد نظرا في عاقبة لأنهم رتبوا شهور السنة على أرصاد رصدوها وأنواء عرفوها وفضوا الخمسة الأيام الزائدة على

الشهور وساقوها معها على الدهور وكبسوا الربع في كل أربع سنين يوما ورسموا أن يكون إلى شباط مضافا فقربوا ما بعده غيرهم وسهلوا على الناس أن يقتفوا اثرهم لا جرم أن المعتضد بالله صلوات الله عليه على أصولهم بنى ولمثالهم احتذى في تصييره نوروزه اليوم الحادي عشر من حزيران حتى سلم مما لحق النواريز في سالف الأزمان وتلافوا الامر في عجز سني الهلال عن سني الشمس بأن جبروها بالكبس فكلما اجتمع من فضول سني الشمس ما يفي بتمام شهر جعلوا السنة الهلالية التي يتفق ذلك فيها ثلاثة عشر هلالا فربما تم الشهر الثالث عشر في ثلاث سنين وربما تم في سنتين بحسب ما يوجبه الحساب فتصير سنتا الشمس والهلال عندهم متقاربتين أبدا لا يتباعد ما بينهما
وأما العرب فإن الله جل وعز فضلها على الأمم الماضية وورثها ثمرات مساعيها المتعبة وأجرى شهر صيامها ومواقيت أعيادها وزكاة أهل ملتها وجزية أهل ذمتها على السنة الهلالية وتعبدها فيها برؤية الأهلة إرادة منه أن تكون مناهجها واضحة وأعلامها لائحة فيتكافأ في معرفة الغرض ودخول الوقت الخاص منهم والعام والناقص الفقه والتام والأنثى والذكر وذو الصغر والكبر فصاروا حينئذ يجبون في سنة الشمس حاصل الغلات المقسومة وخراج الأرض الممسوحة ويجبون في سنة الهلال الجوالي والصدقات والأرجاء والمقاطعات والمستغلات وسائر ما يجري على المشاهرات وحدث من التعاظل والتداخل بين السنين ما لو استمر لقبح جدا وازداد بعدا إذ كانت الجباية الخراجية في السنة التي تنتهي إليها تنسب في التسمية إلى ما قبلها فوجب مع هذا أن تطرح تلك السنة وتلغى ويتجاوز إلى ما بعدها ويتخطى ولم يجز لهم أن يقتدوا بمخالفيهم في كبس سنة الهلال بشهر ثالث عشر لأنهم لو فعلوا ذلك لتزحزحت الأشهر الحرم عن مواقعها وانحرفت المناسك عن حقائقها ونقصت الجباية عن سني

الاهلة القبطية بقسط ما استغرقه الكبس منها فانتظروا بذلك الفضل إلى أن تتم السنة وأوجب الحساب المقرب أن يكون كل اثنتين وثلاثين سنة شمسية ثلاثا وثلاثين سنة هلالية فنقلوا المتقدمة إلى المتأخرة نقلا لا يتجاوز الشمسية وكانت هذه الكلفة في دنياهم مستسهلة مع تلك النعمة في دينهم
وقد رأى أمير المؤمنين نقل سنة خمسين وثلاثمائة الخراجية إلى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة الهلالية جمعا بينهما ولزوما لتلك السنة فيهما
فاعمل بما ورد به أمر أمير المؤمنين عليك وما تضمنه كتابه هذا إليك ومر الكتاب قبلك أن يحتذوا رسمه فيما يكتبون به إلى عمال نواحيك ويخلدونه في الدواوين من ذكورهم ورفوعهم ويقررونه في دروج الأموال وينظمونه في الدفاتر والأعمال ويبنون عليه الجماعات والحسبانات ويوعزون بكتبه من الروزنامجات والبراآت وليكن المنسوب كان من ذلك إلى سنة خمسين وثلثمائة التي وقع النقل عنها معدولا به إلى سنة إحدى وخمسين التي وقع النقل إليها وأقم في نفوس من بحضرتك من أصناف الجند والرعية وأهل الملة والذمة أن هذا النقل لا يغير لهم رسما ولا يلحق بهم ثلما ولا يعود على

قابضي العطاء بنقصان ما استحقوا قبضه ولا على مؤدي حق بيت المال بإغضاء عما وجب أداؤه فإن قرائح أكثرهم فقيرة إلى إفهام أمير المؤمنين الذي يؤثر أن تزاح فيه العلة وتسد به منهم الخلة إذ كان هذا الشأن لا يتجدد إلا في المدد الطوال التي في مثلها يحتاج إلى تعريف الناشي وإذكار الناسي وأجب بما يكون منك جوابا يحسن موقعه لك إن شاء الله تعالى

المذهب الثاني مما كان يكتب عن الخلفاء في تحويل السنن أن يفتتح ما يكتب
بلفظ من فلان أمير المؤمنين إلى أهل الدولة ونحو ذلك
ثم يؤتى بالتحميد وهو المعبر عنه بالتصدير وعليه كان يكتب خلفاء الفاطميين بالديار المصرية
قال في مواد البيان والطريق في ذلك أن يفتتح بعد التصدير والتحميد وهو على ضربين
الضرب الأول ما كان يكتب في الدولة الأيوبية
وكانت العادة فيه أن يفتتح بخرجت الأوامر ونحو ذلك ثم يذكر فيه نحوا مما تقدم
وهذه نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية إلى السنة العربية من إنشاء القاضي الفاضل عن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته وهي

خرجت الأوامر الصلاحية بكتب هذا المنشور وتلاوة مودعه بحيث يستمر ونسخة في الدواوين بحيث يستقر ومضمونه
إن نظرنا لم يزل تتجلى له الجلائل والدقائق ويتوخى من الحسنات ما تسير به الحقائب الحقائق ويخلد من الاخبار المشروعة كل عذب الطرائق رائق ويجدد من الآثار المتبوعة ما هو بثناء الخلائق لائق ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير إلا جهدنا أن نكتسبها ولا يثوب بنا الداعي إلى مثوبة إلا رأينا أن نحتسبها لا سيما ما يكون للسنين الماضية ممضيا وإلى القضايا العادلة مفضيا ولمحاسن الشريعة مجليا ولعوارض الشبه رافعا ولتناقض الخبر دافعا ولأبواب المعاملات حافظا ولأسباب المغالطات لافظا وللخواطر من أمراض الشكوك مصححا وعن حقائق اليقين مفصحا وللأسماع من طيف الإختلاف معفيا ولغاية الإشكال من طرق الأفهام معفيا
ولما استهلت سنة كذا الهلالية وقد تباعد ما بينها وبين السنة الخراجية إلى أن صارت غلاتها منسوبة إلى ما قبلها وفي ذلك ما فيه من أخذ الدرهم المنقود من غير الوقت المفقود وتسمية بيت المال ممطلا وقد أنجز ووصف الحق المتلف بأنه دين وقد أعجز وأكل رزق اليوم وتسميته منسوبا إلى امسه وإخراج المعتد لسنة هلاله إلى حساب المعتد إلى سنة شمسه
وكان الله تعالى قد أجرى أمر هذه الأمة على تاريخ منزه عن اللبس موقر عن الكبس وصرح كتابه العزيز بتحريمه وذكر ما فيه من تأخير وقت النسيء وتقديمه والامة المحمدية لا ينبغي أن يدركها الكسر كما أن الشمس لا ينبغي أن تدرك القمر وسننها بين الحق والباطل فارقة وسنتها أبدا سابقة والسنون

بعدها لاحقة يتعاورها الكسر الذي يزحزح أوقات العبادات عن مواضعها ولا يدرك عملها إلا من دق نظره واستفرغت في الحساب فكره والسنة العربية تقطع بخناجر أهلتها الاشتباه وترد شهورها حالية بعقودها موسومة الجباه وإذا تقاعست السنة الشمسية عن أن تطأ أعقابها وتواطي حسابها اجتذبت قراها قسرا وأوجبت لحقها ذكرا وتزوجت سنة الشمس سنة الهلال وكان الهلال بينهما مهرا فسنتهم المؤنثة وسنتنا المذكرة وآية الهلال هنا دون آية الليل هي المبصرة وفي السنة العربية إلى ما فيها من عربية الإفصاح وراحة الإيضاح الزيادة التي تظهر في كل ثلاث وثلاثين سنة توفي على عدد الأمم قطعا وقد أشار إليها بقوله ( ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ) وفي هذه السنة الزائدة زيادة من لطائف السعادة ووظائف العبادة لأن أهل ملة الإسلام يمتازون على كل ملة بسنة في نظير تلك المدة قصدوا صلاتها وأدوا زكاتها وحجوا فيها البيت العتيق الكريم وصاموا فيها الشهر العظيم واستوجبوا فيها الأجور الجليلة وأنست فيها أسماعهم بالأعمار الطويلة ومخالفوهم فيها قد عطلت صحائفهم في عدوانهم وإن كانت عاطلة وخلت مواقفهم في أديانهم وإن لم تكن قط أهلة
وقد رأينا باستخارة الله سبحانه والتيمن باتباع العوائد التي سلكها السلف ولم تسلك فيها السرف أن ينسخوا أسماءها من الخراج ويذهب ما بين السنين من الاضطراب والاعوجاج لا سيما والشهور الخراجية قد وافقت في هذه الشهور الشهور الهلالية وألقى الله في أيامنا الوفاق بين الأيام كما ألقى باعتلائنا الوفاق بين الأنام وأسكن بنظرنا ما في الأوقات من اضطراب وفي القلوب من اضطرام
فليستأنف التاريخ في الدواوين المعمورة لاستقبال السنة المذكورة بأن توسم بالهلالية الخراجية لإزالة الالتباس ولإقامة القسطاس وإيضاحا لمن أمره عليه غمة من الناس وعلى

هذا التقرير تكتب سجلات التحضير وتنتظم الحسبانات المرفوعة والمشارع الموضوعة وتطرد القوانين المشروعة وتثبت المكلفات المقطوعة ولو لم يكن بين دواعي نقلها وعوارض زللها وزوالها إلا ان الأجناد إذا قبضوا واجباتهم عن منشور إلى سنة خمس في أواخر سنة سبع وسقط ساقطهم بالوفاة وجرى بحكم السمع لا بالشرع إلى أن يرث وارثه دون بيت المال مستغل السنة الخراجية التي يلتقي فيها تاريخ وفاته من السنة الهلالية وفي ذلك ما فيه مما يباين الإنصاف وينافيه لكفى
وإذا كان العدل وضع الاشياء في مواضعها فلسنا نحرم أيامنا المحرمة بذمامنا ما رزقته أبناؤها من عدل أحكامنا بل نخلع على جديدها المس كل المس ونمنع تبعة الضلال أن تسند مهادنته إلى نور الشمس ولا نجعل أيامنا معمورة بالإسقاط التي تجمعها بل مغمورة بالإقساط التي تنفعها فليبن التاريخ على بنيانه وليحسم الخلف الواقع في السنين بهذا الحق الصادع المبين ولينسخ المشهود به في جميع الدواوين وليكاتب بحكمه من الخراج إلى من يمكنه من المستخدمين ومنها أن المستجد من الأجناد لو حمل على السنة الخراجية في استغلاله وعلى الهلالية في استقباله لكان محالا على ما يكون محالا وكان يتعجل استقبالا ويباطن استغلالا وفي ذلك ما ينافر أوصاف الإنصاف ويصون الفلاح إن شاء الله تعالى

الضرب الثاني ما يكتب به في زماننا
وقد جرت العادة أن يكتب في قطع الثلث وأنه يفتتح بخطبة مفتتحة ب الحمد لله ثم يقال وبعد فإنا لما اختصنا الله تعالى به من النظر في أمر الناس

ومصالحهم ويذكر ما سنح له من ذلك ثم يقال ولما كان ويذكر قصة السنين الشمسية والقمرية وما يطرأ بينهما من التباعد الموجب لنقل الشمسية إلى القمرية ثم يقال اقتضى الرأي الشريف أن يحول مغل سنة كذا إلى سنة كذا وتذكر نسخة ذلك ثم يقال فرسم بالأمر الشريف الفلاني لا زال . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أن تحول سنة كذا إلى سنة كذا
وهذه نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية إلى العربية وهي
الحمد لله الذي جعل الليل والنهار آيتين وصير الشهور والأعوام لابتداء المدد وانتهائها غايتين ليعلم خلقه عدد السنين والحساب وتعمل بريته على توفية الأوقات حقها من الأفعال التي يحصل بها الاعتداد ويحسن بها الاحتساب
نحمده على ما خص أيامنا الزاهرة من إنعام النظر في مصالح خلقه وإمعان الفكر في تشييد ما بسط لهم من رزقه وإزالة الضرر في تيسير القيام بما أوجب عليهم من حقه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عاصمة من الزيغ ذا هوى معتصمة من التوفيق بأقوى أسباب التوثيق وأوثق أسباب القوى شافعة حسن العمل في مصالح العباد بحسن النية فإن الأعمال بالنيات وإنما لكل إمريء ما نوى ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على العاملين ونشر دعوته في الآفاق فأيده لإقامتها بنصره وبالمؤمنين وعلى آله وصحبه الذين أمروا فأطاعوا ونهوا فاجتنبوا ما نهوا عنه ما استطاعوا صلاة تنمي نماء البدور وتبقى بقاء الدهور وتطوى بنشرها مراحل الأيام إلى يوم النشور
وبعد فإنا لما اختصنا الله تعالى به من التوفر على مصالح الإسلام والتناول لما تنشرح به في مواقف الجهاد صدور السيوف وتنطق به في مصالح العباد ألسنة الأقلام نتبع كل أمر فنسد خلله ونثقف ميله ونقيم أوده وننظر ليومه بما يصلح به يومه ولغده بما يصلح غده إصلاحا لكل حال بحسبه وتقريبا لكل شيء على ما هو أليق بشأنه وإقرارا لكل أمر على ما هو الأحسن به

ولما كان الزمن مقسوما بين سنين شمسية يتفق فيها ما أخرج الله تعالى من الرزق لعباده ويحصل بها ميقات القوت الذي قال الله تعالى فيه ( كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ) وقمرية لا يعول في أحكام الدين إلا عليها ولا يرجع في تواريخ الإسلام إلا إليها ولا تعتبر العبادة الزمانية إلا بأهلتها ولا يهتدى إلى يوم الحج الأكبر إلا بأدلتها ولا يعتد في العدد التي تحفظ بها الأنساب إلا بأحكامها ولا تعلم الأشهر الحرم إلا بوجودها في الأوقات المخصوصة من عامها وكان قد حصل بينهما من تفاوت الأيام في المدد واختلاف الشهور الهلالية في العدد ما يلزم منه تداخل مغل في مغل ونسبة شيء راح وانقضى إلى ما أدرك الآن وحصل ويؤدي ذلك إلى إبقاء سنة بغير خراج وهدر ما يجب تركه فليس الوقت إليه محتاج وإلغاء ما يتعين إلغاؤه وإسقاط ما تلتفت إليه الأذهان وهو لا يمكن رجاؤه وإن كان ذلك الإسقاط لا ضرر فيه على العباد والبلاد ولا نقص ينتج منه للأمراء والأجناد ولا حقيقة له ولا معنى ولا إهمال شيء أفقر تركه ولا إبقاؤه أغنى ولكن صار ذلك من عوائد الزمن القديمة ومصطلحا لا تزال العقول بالاحتياج إلى فعله عليمة وأمرا لا بد للملك منه وحالا لا مندوحة للدول عنه لتغدو التصرفات على الإستقامة ماشية والمعاملات من الحق ناشية ويعفى رسم ما لم يكن في الحقيقة رابط ويزال اسم ما لو توسمه الفضل لأضحى كأنه يغالط اقتضى حسن الرأي الشريف أن تحول هذه السنة التي يحصل بها الكبس وأن يدحضها يقين النفس وأن يرفع ما بها من أشكال الإشكال ويزال هذه السبب الذي نشأ عنه دخول الأكثر باستدراج الأقل فلا يكون للأذهان عليه اتكال نظرا بذلك في مصالح الأمة ودفعا لما يجدونه من أوهام مدلهمة وعملا يطابق به الدليل حكمه ويوافق فيه اللفظ معناه والفعل اسمه وتخفيفا عن الرعية من لزوم ما لا يلزم في الحقيقة عملا بقوله تعالى ( ذلك تحفيف من ربكم ورحمة )

فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال عدله سائرا في الأيام والأنام وفضله سائدا بالرفق الذي تغدو به العقول والعيون كأنها من الأمن في منام أن يحول مغل سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالديار المصرية المحروسة لمغل سنة خمسين وسبعمائة ويلغى اسم مغل السنة المذكورة من الدواوين المعمورة ولا ينسب إليها مغل بل يكون مغل السنة خمسين وسبعمائة تاليا لمغل سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وتستقر السنة حينئذ هلالية خراجية بحكم دوران السنين واستحقاق هذا التحويل من مدة خمس عشرة سنة حيث اتفاق مبدإ السنين الشمسية والقمرية ووقوع الإغفال عن هذا المبهم في الدول الماضية لتكون هذه الدولة الشريفة قائمة بما قعد عنه من مضى من الدول مقومة بعون الله لكل متأود من الزيغ والخلل لما في ذلك من المصالحة العامة والمنحة التامة والحق الواضح والقصد الناجح والمنهج القويم والصراط المستقيم والاعتماد على الشهور القمرية قال الله تعالى ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )
فليعتمد حكم ما قررناه وليمتثل أمر ما أمرناه وليثبت ذلك في الدواوين وليشهر نبؤه المبين وليسقط ما تخلل بين هاتين السنتين من المغل الذي لا حقيقة له وليترك ما بينهما من التفاوت الذي لا تعرف الحسبانات معدله وليمح اسم هذه الأيام من الدفاتر ولينس حكمها فإنها أولى بذلك في الزمن الآتي والغابر فليس المغل سوى للعام الذي وجد فيه سببه وظهر فيه حصوله وتعين طلبه وأدرك في إبانه وجاء في زمانه وأينع به ثمر غرسه واستحق في وقته لا كما يلزم أن يكون اليوم في أمسه وفي ذلك من الأسباب الباعثة على ما رسمنا به والدواعي اللازمة لذهابه والبراهين القاطعة بقطعه والدلائل الواضحة على دفعه ما قدمناه من المصالح المعينة والطرق المبينة وإزالة الأوهام وتأكيد

الأفهام وإراحة الخواطر وإزاحة ما تتشوق إليه الظنون في الظاهر وليبطل ذلك من الارتفاعات بالكلية ويسقط من الجرائد لتغدو الحسبانات منه خلية ولا يذكر مغل السنة المدحوضة في سجل ولا مشروح ولا مشهود يغدو حكمه ويروح ولا مكلفات تودعها الأقلام شيئا على المجاز وهو في الحقيقة مطروح لتثبت الحسنات لأيامنا الزاهرة في هذا المحو ويكشف ما ينتج بسماء العقل من غيم الجهالة بما وضح من هذا الصحو ويتمسك في صحة العبادات والمعاملات بالسنين العربية من غير خروج عن ذلك النحو والله تعالى يبين بنا طرق الصواب ويحسن ببقاء ملكنا الشريف المآل والمآب ويجعل دولتنا توضح الأحكام على اختلاف الجديدين ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب )
والاعتماد فيه على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه إن شاء الله تعالى
حادي عشرين جمادى الأولى سنة خمسين وسبعمائة
حسب المرسوم الشريف بالإشارة الكافلية السيفية كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعز الله تعالى نصرته ثم الحمدلة والتصلية والحسبلة
قلت وهذه النسخة صدرها إلى قوله والشهور الهلالية أجنبي عما بعد ذلك من تتمة الكلام وذلك أني ظفرت بعجز النسخة وهو المكتتب في تحويل سنة تسع وأربعين في نفس المرسوم الشريف الذي شملته العلامة الشريفة وقد قطع أوله فركبتها على هذا الصدر
ومن عجيب ما يذكر في ذلك أن سنة تسع وأربعين التي حولت إلى سنة

خمسين هي السنة التي وقع فيها الطاعون الجارف الذي عم الأقطار خلا المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام التي أخبر النبي أنه لا يدخلها الطاعون وكثر فيها الموت حتى انتهى إلى عشرين ألفا في اليوم الواحد وكان يقال في هذه السنة لما حولت مات كل شيء حتى السنة لإلغائها وجعل مغل سنة خمسين تاليا لمغل سنة ثمان وأربعين كما تقدم

الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة السادسة فيما يكتب في التذاكر
وفيه ثلاثة أضرب
والتذاكر جمع تذكرة قال في مواد البيان وقد جرت العادة أن تضمن جمل الأموال التي يسافر بها الرسول ليعود إليها إن أغفل شيئا منها أو نسيه أو تكون حجة له فيما يورده ويصدره قال ولا غنى بالكاتب عن العلم بعنواناتها وترتيبها
فأما عنوان التذكرة فيكون في صدرها تلو البسملة فإن كانت للرسول يعمل عليها قيل تذكرة منجحة صدرت على يد فلان عند وصوله إلى فلان بن فلان وينتهي بمشيئة الله تعالى إلى ما نص فيها وإن كانت حجة له يعرضها لتشهد بصدق ما يورده قيل تذكرة منجحة صدرت على يد فلان بن فلان بما يحتاج إلى عرضه على فلان
وأما الترتيب فيختلف أيضا بحسب اختلاف العنوان فإن كانت على الرسم الأول كان بصدرها قد استخرنا الله عز و جل وندبناك أو عولنا عليك أو نفذناك أو وجهناك إلى فلان لإيصال ما أودعناك وشافهناك به من كذا وكذا ويقص جميع الأغراض التي ألقيت إليه مجملة وإن كانت محمولة على يده كالحجة له فيما يعرضه قيل قد استخرنا الله عز و جل وعولنا عليك في تحمل تذكرتنا هذه والشحوص بها إلى فلان أو النفوذ أو التوجه أو المصير أو القصد

بها وإيصالها إليه وعرض ما تضمنته عليه من كذا وكذا ويقص جميع أغراضها
ثم قال وهذه التذاكر أحكامها أحكام الكتب في النفوذ عن الأعلى إلى الأدنى وعن الأدنى إلى الأعلى فينبغي أن تبتنى على ما يحفظ رتب الكاتب والمكتوب إليه فإن كانت صادرة عن الوزير إلى الخليفة مثلا فتصدر بما مثاله قد استخرت الله تعالى وعولت عليك في الشخوص إلى حضرة أمير المؤمنين صلوات الله عليه متحملا هذه التذكرة فإذا مثلت بالمواقف المطهرة فوفها حقها من الإعظام والإكبار والإجلال والوقار وقدم تقبيل الأرض والمطالعة بما أشاء مواصلته من شكر نعم أمير المؤمنين الضافية علي المتتابعة لدي وإخلاصي لطاعته وانتصابي في خدمته وتوفيري على الدعاء بثبات دولته وخلود مملكته وطالع كذا وكذا وعلى هذا النظام إلى آخر المراتب يعني مراتب المكاتبات
قلت والذي جرى عليه اصطلاح كتاب الزمان في التذاكر أن التذكرة تكتب في قطع الشامي تكسر فيها الفرخة الكاملة نصفين وتجعل دفترا وورقة إلى جنب أخرى لا كراسة بعضها داخل بعض وتكون كتابتها بقلم الرقاع وتكون البسملة في أعلى باطن الورقة الأولى ببياض قليل من أعلاها وهامش عن يمينها ثم يكتب السطر التالي من التذكرة على سمت البسملة ملاصقا لها ثم يخلى قدر عرض إصبعين بياضا ويكتب السطر التالي ثم يخلى قدر إصبع بياضا ويكتب السطر التالي ويجري في باقي الأسطر على ذلك حتى يأتي على آخر الورقة ثم يكتب باطن الورقة التي تليها كذلك ثم ظاهرها كذلك ثم الورقة الثانية فما بعدها على هذا الترتيب إلى آخر التذكرة ثم يكتب إن شاء الله تعالى ثم التاريخ ثم الحمدلة والصلاة على النبي ثم الحسبلة على نحو ما تقدم في المكاتبات والولايات وغيرها على ما تقدم بيانه في المقالة الثالثة في الكلام على الخواتم
وهذه نسخة تذكرة أنشأها القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين

يوسف بن أيوب سيرها صحبة الأمير شمس الدين الخطيب أحد أمراء الدولة الصلاحية إلى أبواب الخلافة ببغداد في خلافة الناصر لدين الله وهي
تذكرة مباركة ولم تزل الذكرى للمؤمنين نافعة ولعوارض الشك دافعة ضمنت أغراضا يقيدها الكتاب إلى أن يطلقها الخطاب على أن السائر سيار البيان والرسول يمضي على رسل التبيان والله سبحانه يسدده قائلا وفاعلا ويحفظه بادئا وعائدا ومقيما وراحلا
الامير الفقيه شمس الدين خطيب الخطباء أدام الله نعمته وكتب سلامته واحسن صحابته يتوجه بعد الإستخارة ويقصد دار السلام والخطة التي هي عش بيضة الإسلام ومجتمع رجاء الرجال ومتسع رحاب الرحال فإذا نظر تلك الدار الدار سحابها وشافه بالنظر معالم ذلك الحرم المحرم على الخطوب خطابها ووقف أمام تلك المواقف التي تحسد الأرجل عليها الرؤوس وقام بتلك المنازل التي تنافس الأجسام فيها النفوس فلو استطاعت لزارت الأرواح محرمة من أجسادها وطافت بكعبتها متجردة من أغمادها فليمطر الأرض هناك عنا قبلا تخضلها بأعداد لا نحصلها وليسلم عليها سلاما نعتده من شعائر الدين اللازمة وسنن الإسلام القائمة وليورد عنا تحية يستنزلها من عند الله تحية مباركة طيبة وصلاة تخترق أنوارها الأستار المحجبة وليصافح عنا بوجهه صفحة الثرى وليستشرف عنا بنظره فقد ظفر بصباح السرى وليستلم الأركان الشريفة فإن الدين إليها مستند وليستدم الملاحظات اللطيفة فإن النور منها مستمد وإذا قضى التسليم وحق اللقاء واستدعى الإخلاص جهد الدعاء فليعد وليعد حوادث ما كانت حديثا يفترى وجواري أمور إن قال منها كثيرا فأكثر منه ما جرى وليشرح صدرا منها لعله يشرح منا صدرا وليوضح الأحوال المستسرة فإن الله لا يعبد سرا
( ومن الغرائب أن تسير غرائب ... في الأرض لم يعلم بها المأمول )
( كالعيس أقتل ما يكون لها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول )

فإنا كنا نقتبس النار بأيدينا وغيرنا يستنير ونستنبط الماء بأيدينا وغيرنا يستمير ونلقى السهام بنحورنا وغيرنا يغير التصوير ونصافح الصفاح بصدورنا وغيرنا يدعي التصدير ولا بد أن نسترد بضاعتنا بموقف العدل الذي ترد به الغصوب ونظهر طاعتنا فنأخذ بحظ الألسنة كما أخذنا بحظ القلوب وما كان العائق إلا أنا كنا ننظر ابتداءا من الجانب الشريف بالنعمة يضاهي ابتداءنا بالخدمة وإيجابا للحق يشاكل إيجابنا للسبق إلى أن يكون سحابها بغير يد مستنزلا وروضها بغير غرس مطفلا
كان أول أمرنا انا كنا في الشام نفتح الفتوحات مباشرين بأنفسنا ونجاهد الكفار متقدمين لعساكره نحن ووالدنا وعمنا فأي مدينة فتحت أو معقل ملك أو عسكر للعدو كسر أو مصاف للإسلام معه ضرب فما يجهل أحد ولا يجحد عدو أنا نصطلي الجمرة ونملك الكسرة ونتقدم الجماعة ونرتب المقاتلة وندبر التعبئة إلى أن ظهرت في الشام الآثار التي لنا أجرها ولا يضرنا أن يكون لغيرنا ذكرها
وكانت أخبار مصر تتصل بنا بما الأحوال عليه فيها من سوء التدبير ومما دولتها عليه من غلبة صغير على كبير وأن النظام قد فسد والإسلام بها قد ضعف عن إقامته كل قائم بها وقعد والفرنج قد احتاج من يدبرها إلى أن يقاطعهم بأموال كثيرة لها مقادير خطيرة وان كلمة السنة بها وإن كانت مجموعة فإنها مقموعة وأحكام الشريعة وإن كانت مسماة فإنها متحاماة وتلك البدع بها على ما يعلم وتلك الضلالات فيها على ما يفتى منها بفراق الإسلام ويحكم وذلك المذهب قد خالط من أهله اللحم والدم وتلك الأنصاب قد نصبت آلهة تتخذ من دون الله تعظم وتفخم فتعالى الله عن شبه العباد وويل لمن غره تقلب الذين كفروا في البلاد

فسمت هممنا دون همم ملوك الأرض إلى أن نستفتح مقفلها ونسترجع للإسلام شاردها ونعيد علىالدين ضالته منها فسرنا إليها بعساكر ضخمة وجموع جمة وبأموال انتهكت الموجود وبلغت منا المجهود وأنفقناها من خالص ذممنا وكسب أيدينا ومن أسارى الفرنج الواقعين في قبضتنا فعرضت عوارض منعت وتوجهت للمصريين حيل باستنجاد الفرنج تمت ولكل أجل كتاب ولكل أمل باب
وكان في تقدير الله سبحانه انا نملكها على الوجه الأحسن وناخذها بالحكم الأقوى الأمكن فغدر الفرنج بالمصريين غدرة في هدنة عظم خطبها وخبطها وعلم أن استئصال كلمة الإسلام محطها وكاتبنا المسلمون من مصر في ذلك الزمان كما كاتبنا المسلمون من الشام في هذا الأوان بأنا إن لم ندرك الأمر وإلا خرج من اليد وإن لم ندفع غريم اليوم لم يمهل إلى الغد فسرنا بالعساكر الموجودة والأمراء الأهل المعروفة إلى بلاد قد تمهد لنا بها أمران وتقرر لنا فيها في القلوب ودان الأول لما علموه من إيثارنا المذهب الأقوم وإحياء الحق الاقدم والآخر لما يرجونه من فك إسارهم وإقالة عثارهم ففعل الله ما هو أهله وجاء الخبر إلى العدو فانقطع حبله وضاقت به سبله وأفرج عن الديار بعد أن كانت ضياعها ورساتيقها وبلادها وإقليمها قد نفذت فيها أوامره وخفقت عليها صلبانه وأمن من أن يسترجع ما كان بأيديهم حاصلا وأن يستنقذ ما صار في

ملكهم داخلا ووصلنا البلاد وبها أجناد عددهم كثير وسوادهم كبير وأموالهم واسعة وكلمتهم جامعة وهم على حرب الإسلام أقدر منهم على حرب الكفر والحيلة في السر منهم أنفذ من العزيمة في الجهر وبها راجل من السودان يزيد على مائة ألف رجل كلهم أغتام أعجام إن هم إلا كالأنعام لا يعرفون ربا إلا ساكن قصره ولا قبلة إلا ما يتوجهون إليه من ركنه وبها عسكر من الأرمن باقون على النصرانية موضوعة عنهم الجزية كانت لهم شوكة وشكة وحمية وحمة ولهم حواش لقصرهم من بين داع تلطف في الضلال مداخله وتصيب العقول مخاتله ومن بين كتاب أقلامهم تفعل افعال الأسل وخدام يجمعون إلى سواد الوجوه سواد النحل ودولة قد كبر عليها الصغير ولم يعرف غيرها الكبير ومهابة تمنع خطرات الضمير فكيف لحظات التدبير
هذا إلى إستباحة للمحارم ظاهرة وتعطيل للفرائض على عادة جارية وتحريف للشريعة بالتأويل وعدول إلى غير مراد الله في التنزيل وكفر سمي بغير اسمه وشرع يتستر به ويحكم بغير حكمه
فما زلنا نسحتهم سحت المبارد للشفار ونتحيفهم تحيف الليل والنهار للأعمار بعجائب تدبير لا تحتملها المساطير وغرائب تقرير لا تحملها الأساطير ولطف توصل ما كان في حيلة البشر ولا قدرتهم إلا إعانة المقادير وفي أثناء ذلك استنجدوا علينا الفرنج دفعة إلى بلبيس ودفعة إلى دمياط في كل منهما وصلوا بالعدو المجهر والحشد الأوفر وخصوصا في نوبة دمياط فإنهم نازلوها بحرا في ألف مركب مقاتل وحامل وبرا في مائتي ألف فارس وراجل وحصروها شهرين يباكرونها ويراوحونها ويماسونها ويصابحونها القتال الذي يصليه

الصليب والقراع الذي ينادى به من مكان قريب ونحن نقاتل العدوين الباطن والظاهر ونصابر الضدين المنافق والكافر حتى أتى الله بأمره وأيدنا بنصره وخابت المطامع من المصريين ومن الفرنج ومن ملك الروم ومن الجنوبيين وأجناس الروم لأن أنفارهم تنافرت ونصاراهم تناصرت وأناجيل طواغيتهم رفعت وصلب صلبوتهم أخرجت وشرعنا في تلك الطوائف من الأجناد والسودان والأرمن فأخرجناهم من القاهرة تارة بالأوامر المرهقة لهم وبالذنوب الفاضحة منهم وبالسيوف المجردة وبالنار المحرقة حتى بقي القصر ومن به من خدمة قد تفرقت شيعة وتمزقت بدعة وخفتت دعوته وخفيت ضلالته فهنالك تمت لنا إقامة الكلمة والجهر بالخطبة والرفع للواء السواد الأعظم وجمع كلمة السواد الأعظم وعاجل الله الطاغية الأكبر بفنائه وبرأنا من عهده يمين كان حنثها أيسر من إثم إبقائه إلا أنه عوجل لفرط روعته ووافق هلاك شخصه هلاك دولته
ولما خلا ذرعنا ورحب وسعنا نظرنا في الغزوات إلى بلاد الكفار فلم تخرج سنة إلا عن سنة أقيمت فيها برا وبحرا ومركبا وظهرا إلى أن أوسعناهم قتلا وأسرا وملكنا رقابهم قهرا وقسرا وفتحنا لهم معاقل ما خطر أهل الإسلام فيها منذ أخذت من أيديهم وما أوجفت فيها خيلهم ولا ركابهم مذ ملكها أعاديهم فمنها ما حكمت فيه يد الخراب ومنها ما استولت عليه يد الاكتساب ومنها قلعه بثغر أيلة كان العدو قد بناها في بحر الهند وهو المسلوك منه إلى

الحرمين واليمن وغزا ساحل الحرم فسبى منه خلقا وخرق الكفر في هذا الجانب خرقا فكادت القبلة أن يستولي على أصلها ومساجد الله أن يسكنها غير أهلها ومقام الخليل صلوات الله عليه أن يقوم به من ناره غير برد وسلام ومضجع الرسول شرفه الله أن يتطرقه من لا يدين بما جاء به من الإسلام ففتح الله هذه القلعة وصارت معقلا للجهاد وموئلا لسفار البلاد وغيرهم من عباد العباد فلو شرح ما تم بها للمسلمين من الأثر الجليل وما استد من خلاتهم وأحرق من زروع المشركين ورعي من غلاتهم إلى أن ضعفت ثغورهم واختلت أمورهم لاحتيج فيه إلى زمن يشغل عن المهمات الشريفة لسماع مورده وإيضاح مقصده
وكان باليمن ما علم من ابن مهدي الضال وله آثار في الإسلام وثار طالبه النبي عليه الصلاة و السلام لأنه سبى الشرائف الصالحات وباعهن بالثمن البخس واستباح منهن كل ما لا تقر عليه نفس وكان ببدعه دعا إلى قبر أبيه وسماه كعبة وأخذ أموال الرعايا المعصومة وأجاحها وأحل الفروج المحرمة وأباحها فأنهضنا إليه أخانا بعسكرنا بعد أن تكلفنا له نفقات واسعة وأسلحة رائعة وسار فأخذناها ولله الحمد وأنجح الله فيه القصد ووردتنا كتب عساكرنا وأمرائنا بما نفذ في ابن المهدي وبلاده المفتتحة ومعاقله المستضافة والكلمة هنالك بمشيئة الله إلى الهند سارية وإلى ما لم يفتض الإسلام عذرته مذ أقام الله كلمته متمادية

ولنا في المغرب أثر أغرب وفي أعماله أعمال دون مطلبها كما يكون المهلك دون المطلب وذلك أن بني عبد المؤمن قد اشتهر أن أمرهم أمروملكهم قد عمروجيوشهم لا تطاق وأوامرهم لا تشاق ونحن والحمد لله قد ملكنا مما يجاورنا منه بلادا تزيد مسافتها على شهر وسيرنا عسكرا بعد عسكر ورجع بنصر بعد نصرومن البلاد المشاهير والأقاليم الجماهير لك برقة قفصة قسطيلية توزر كل هذه تقام فيها الخطبة لمولانا الإمام المستضيء بالله سلام الله عليه ولا عهد للإسلام بإقامتها وتنفذ فيها الأحكام بعلمها المنصور وعلامتها وفي هذه السنة كان عندنا وفد قد شاهده وفود الأمصار مقداره سبعون راكبا كلهم يطلب لسلطان بلده تقليدا ويرجو منا وعدا ويخاف وعيدا
وقد صدرت عنا بحمد الله تقاليدها وألقيت إلينا مقاليدها وسيرنا الخلع والألوية والمناشير بما فيها من الأوامر والأقضية
وأما الأعداء الذين يحدقون بهذه البلاد والكفار الذين يقاتلونها بالممالك العظام والعزائم الشداد فمنهم صاحب قسطنطينية وهو الطاغية الأكبر والجبار الأكفر وصاحب المملكة التي أكلت على الدهر وشربت وقائم النصرانية التي حكمت دولته على ممالكها وغلبت وجرت لنا معه غزوات بحرية ومناقلات ظاهرية وسرية وكانت له في البلاد مطامع منها أن يجبي خراجا ومنها أن يملك منها فجاجا وكانت غصة لا يسيغها الماء وداهية لا ترجى لها الأرض بل السماء فاخذنا ولله الحمد بكظمه وأقمناه على قدمه ولم نحرج من مصر إلى أن وصلتنا رسله في جمعة واحدة في نوبتين بكتابين كل واحد منهما يظهر فيه خفض الجناح وإلقاء السلاح والانتقال من معاداة إلى مهاداة ومن مناضحة إلى مناصحة حتى إنه أنذر بصاحب صقلية وأساطيله التي يرد ذكرها وعساكره التي لم يخف أمرها
ومن هؤلاء الكفار صاحب صقلية هذا كان حين علم أن صاحب الشام

وصاحب قسطنطينية قد اجتمعا في نوبة دمياط فغلبا وهزما وكسرا أراد أن يظهر قوته المستقلة بمفردها وعزمته القائمة بمجردها فعمر اسطولا استوعب فيه ماله وزمانه فإنه إلى الآن منذ خمس سنين يكثر عدته وينتخب عدته ويجتلب مقاتلته إلى أن وصل منها في السنة الخالية إلى اسكندرية أمر رائع وخطب هائل ما أثقل ظهر البحر مثل حمله ولا ملأ صدره مثل خيله ورجله ما هو إقليم بل أقاليم نقله وجيش ما احتفل ملك قط بنظيره لولا أن الله خذله ولو ذهبنا نصف ما ذهب فيه من ذهب وما أخذ منه من سلاح وخيل وعدد ومجانيق ومن أسر منه من خيالة كبار ومقدمين ذوي أقدار وملوك يقاطعون بالجمل التي لها مقدار وكيف أخذه وهو في العدد الأكثر بالعدد الأقل من رجالنا وكيف نصر الله عليه مع الاصعب من قتاله بالأسهل من قتالنا لعلم أن عناية الله بالإسلام تغنيه عن السلاح وكفاية الله لهذا الدين تكفيه مؤونة الكفاح ومن هؤلاء الجنوبيين الذين يسربون الجيوش البنادقة البياشنة الجنوية كل هؤلاء تارة لا تطاق ضراوة ضرهم ولا تطفأ شرارة شرهم وتارة يجهزون سفارا يحتكمون على الإسلام في الأموال المجلوبة وتقصر عنهم يد الاحكام المرهوبة وما منهم الآن إلا من يجلب إلى بلدنا آلة قتاله وجهاده ويتقرب إليها بإهداء طرائف أعماله وبلاده وكلهم قد قررت معه المواصفة وانتظمت معه المسالمة على ما نريد ويكرهون ونؤثر ولا يؤثرون

ولما قضى الله بالوفاة النورية وكنا في تلك السنة على نية الغزو والعساكر قد ظهرت والمضارب قد برزت ونزل الفرنج بانياس واشرفوا على احتيازها ورأوها فرصة مدوا إليها يد انتهازها استصرخ بنا صاحبها للممانعة واستنهضنا لتفريج الكرب الواقعة فسرنا مراحل اتصل بالعدو أمرها وعوجل بالهدنة الدمشقية التي لولا مسيرنا ما انتظم حكمها ولا قبل كثيرها ولا قليلها ثم عدنا إلى البلاد فتوافت إلينا الأخبار بما الدولة النورية عليه من تشعب الآراء وتوزعها وتشتت الأمور وتقطعها وأن كل قلعة قد حصل فيها صاحب وكل جانب قد طمح إليه طالب والفرنج قد بنوا بلادا يتحيفون بها الأطراف الإسلامية ويضايقون بها البلاد الشامية وأمراء الدولة قد سجن أكابرهم وعوقبوا وصودروا والمماليك الذين للمتوفى أغرار خلقوا للأطراف لا للصدور وجعلوا للقيام لا للجلوس في المحفل المحصور وقد مدوا الا ' عين والأيدي والسيوف وساءت سيرتهم في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وكل واحد يتخذ عند الفرنج يدا ويجعلهم لظهره سندا ويرفع عنهم ذخيرة كانت للإسلام ويفرج لهم عن أسير من أكابر الكفار كان مقامه مما يدفع شرا ولا يزيد نار الكفر جمرا وإطلاقه يجلب قطيعة تقوي إسلاما وتضعف كفرا فكثرت إلينا مكاتبات أهل الآراء الصائبة ونظرنا للإسلام ولنا ولبلاد الإسلام في العاقبة وعرفنا أن البيت المقدس إن لم تتيسر الأسباب لفتحه وأمر الكفر إن لم يجرد العزم في قلعه وإلا ثبتت عروقه

واتسعت على أهل الدين خروقه وكانت الحجة لله قائمة وهمم القادرين بالقعود آثمة وإنا لا نتمكن بمصر منه مع بعد المسافة وانقطاع العمارة وكلال الدواب وإذا جاورناه كانت المصلحة بادية والمنفعة جامعة واليد قادرة والبلاد قريبة والغزوة ممكنة والميرة متسعة والخيل مستريحة والعساكر كثيرة والجموع متيسرة والاوقات مساعدة وأصلحنا ما في الشام من عقائد معتلة وأمور مختلة وآراء فاسدة وأمراء متحاسدة وأطماع غالبة وعقول غائبة وحفظنا الولد القائم بعد أبيه وكفلناه كفالة من يقضي الحق ويوفيه فإنا به أولى من قوم يأكلون الدنيا باسمه ويظهرون الوفاء بخدمه وهم عاملون بظلمه والمراد الآن هو كل ما يقوي الدولة ويؤكد الدعوة ويجمع الأمة ويحفظ الألفة ويضمن الزلفة ويفتح بقية البلاد ويطبق بالإسم العباسي كل ما تخطئه العهاد ونحن نقترح على الأحكام المعهودة وننتظر أن يأتي الإنعام علىالغايات المزيدة وهو تقليد جامع لمصر والمغرب واليمن والشام وكل ما تشتمل عليه الولاية النورية وكل ما يفتحه الله للدولة بسيوفنا وسيوف عساكرنا ولمن نقيمه من أخ وولد من بعدنا تقليدا يضمن للنعمة تخليدا وللدعوة تجديدا مع ما ينعم به من السمات التي يقتضيها الملك فإن الإمارة اليوم بحسن نيتنا في الخدمة تصرف بأقلامنا وتستفاد من تحت أعلامنا ويتبين أن أمراء الدولة النورية يحتاج إليهم في فتح البلاد القدسية ضرورة لأنها منازل العساكر ومجمع الأنفار والعشائر فمتى لم يكن عليهم يد حاكمة وفيهم كلمة نافذة منعهم ولاة البلاد وبغاة العناد
وبالجملة فالشام لا ينتظم أمره بمن فيه وفتح بيت المقدس ليس له قرن يقوم به ويكفيه والفرنج فهم يعرفون منا خصما لا يمل الشر حتى يملوا وقرنا لا يزال يحرم السيف حتى يحلوا حتى إنا لما جاورناهم في هذا الأمد القريب وعلموا أن المصحف قد جاء بأيدينا يخاصم الصليب استشعروا بفراق بلادهم وتهادوا التعازي لأرواحهم بأجسادهم وإذا سدد رأينا حسن الرأي ضربنا بسيف يقطع في غمده وبلغنا المنى بمشيئة الله ويد كل مسلم تحت برده واستنقذنا أسيرا من المسجد الذي أسرى الله إليه بعبده

هذا ما لاح طلبه على قدر الزمان والأنفس تطلب على مقدار الإحسان فإن في استنهاض نيات الخدام بالإنعام ما يعود على الدولة منافعه وتنكأ الأعداء مواقعه وتبعث العزائم من موت منامها وتنفض عن البصائر غبار ظلامها والله تعالى ينجد إرادتنا في الخدمة بمضاعفة الاقتدار ومساعدة الأقدار إن شاء الله تعالى

الضرب الثاني ما كان يكتب لنواب السلطنة بالديار المصرية عند سفر السلطان
عن الديار المصرية
والعادة أن يكتب فيما يتعلق بمهمات الديار المصرية وأحوالها ومصالحها وما يترتب فيها وما يمشي على حكمه بمصر والقاهرة المحروستين وسائر أعمال الديار المصرية وما تبرز به المراسيم الشريفة في أمورها وقضاياها واستخراج أموالها وحمولها وعمل جسورها وحفائرها وما يتجدد في ذلك وما يجري هذا المجرى من سائر التعلقات وتصدر بذلك التذكرة
وهذه نسخة تذكرة سلطانية كتب بها عن السلطان الملك الصالح علي ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي لكافل السلطنة بالديار المصرية الامير زين الدين كتبغا عند سفر السلطان الملك المنصور إلى الشام واستقرار كتبغا المذكور نائبا عنه في سنة تسع وسبعين وستمائة من إنشاء محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري أحد كتاب الدرج يومئذ ومن خطه نقلت وهي

تذكرة نافعة للخيرات جامعة يعتمد عليها المجلس العالي الأميري الزيني كتبغا المنصوري نائب السلطنة الشريفة أدام الله عزه في مهمات الديار المصرية وأحوالها ومصالحها وما يترتب بها وما يبت ويفصل في القاهرة ومصر المحروستين وسائر أعمال الديار المصرية صانها الله تعالى وما تستخرج به المراسيم الشريفة المولوية السلطانية الملكية الصالحية الفلانية أنفذها الله تعالى في أمورها وقضاياها وولاياتها وولاتها وحمولها وحفيرها وحفظها ومتجدداتها على ما شرح فيه

فصل الشرع الشريف
يشد من حكامه وقضاته في تنفيذ قضاياه وتصريف أحكامه والشد منه في نقضه وإبرامه
فصل العدل والإنصاف والحق
يعتمد ذلك في جميع المملكة الشريفة مدنها وقراها وأعمالها وولاياتها بحيث يشمل الرعايا من خاص وعام وبعيد وقريب وغائب وحاضر ووارد صادر ويستجلب الأدعية الصالحة من جميع الناس لهذه الأيام الزاهرة ويستنطق الألسنة بذلك فإن العدل حجة الله ومحجة الخير فيدفع كل ضرر ويرفع كل ضير

فصل الدماء
يعتمد فيها حكم الشرع الشريف ومن وجب عليه قصاص يسلم لغريمه ليقتص منه بالشرع الشريف ومن وجب عليه القطع يقطع بالشرع الشريف
فصل الأمور المختصة بالقاهرة ومصر المحروستين حرسهما الله تعالى
لا يتجوه فيها أحد ولا يقوي قوي على ضعيف ولا يتعدى أحد على أحد جملة كافية
فصل
يتقدم بأن لا يمشي أحد في المدينة ولا ضواحيها في الحسينية والأحكار في الليل إلا لضرورة ولا يخرج أحد من بيته لغير ضرورة ماسة والنساء لا ينصرفن في الليل ولا يخرجن ولا يمشين جملة كافية
فصل الحبوس
تحرس وتحفظ بالليل والنهار وتحلق لحى الأسارى كلهم من فرنج وأنطاكيين وغيرهم ويتعهد ذلك فيهم كلما تنبت ويحترز في أمر الداخل إلى الحبوس ويحترز على الأسارى الذين يستعملون والرجال الذين يخرجون معهم وتقام الضمان الثقات على الجاندارية الذين معهم ولا يستخدم في

ذلك غريب ولا من فيه ريبة ولا تبيت الأسارى الذين يستعملون إلا في الحبوس ولا يخرج أحد منهم لحاجة تختص به ولا لحمام ولا كنيسة ولا فرجة وتتفقد قيودهم وتوثق في كل وقت
ويضاعف الحرس في الليل على خزانة البنود باظهار ظاهرها وعلوها وحولها وكذلك خزانة الشمائل وغيرها من الجيوش

فصل
يرتب جماعة من الجند مع الطواف في المدينة لكشف الأزقة وغلق الدروب وتفقد أصحاب الأرباع وتأديب من يخل بمركزه من أصحاب الأرباع وتكون الدروب مغلقة وكذلك تجرد جماعة الحسينية والاحكار وجميع المراكز ويعتمد فيها هذا الإعتماد ومن وجد في الليل قد خالف المرسوم ويمشي لغير عذر يمسك ويؤدب

فصل الأبواب
يحترز على الأبواب غاية الاحتراز ويتفقد في الليل خارجها وباطنها وعند فتحها وغلقها
فصل
الاماكن التي يجتمع فيها الشباب واولو الدعارة ومن يتعانى العيث والزنطرة لا يفسح لأحد في الاجتماع بها في ليل ولا نهار ويكفون الأكف اللئام بحيث تقوم المهابة وتعظم الحرمة وينزجر أهل الغي والعيث والعبث
فصل
يرتب المجردون حول المدينتين بالقاهرة ومصر المحروستين على العادة وكذلك جهة القرافة وخلف القلعة وجهة البحر وخارج الحسينية ولا يهمل ذلك ليلة واحدة ولا يفارق المجردون مراكزهم إلا عند السفور وتكامل الضوء
فصل
يتقدم بأن لا تجتمع الرجال والنساء في ليالي الجمع بالقرافتين ويمنع النساء من ذلك

فصل
مهمات الغائبين في البيكار المنصور تلحظ ويشد من نوابهم في أمورهم ومصالحهم ويستخلص حقوقهم لنوابهم وغلمانهم ووكلائهم ومن كانت له جهة يستخلص حقه منها ولا يتعرض إلى جهاتهم المستقرة فيما يستحقونه ويقوي أيديهم وتؤخذ الحجج على وكلائهم بما يقبضونه حتى لا يقول مؤكلوهم في البيكار إن كتب وكلائنا وردت بأنهم لم يقبضوا لنا شيئا فيكون ذلك سببا لرد شكاويهم
فصل
خليج القاهرة ومصر المحروستين يرسم بعمله وحفره واتقانه في وقته بحيث يكون عملا جيدا متقنا من غير حيف على أحد بل كل أحد يعمل ما يلزمه عملا جيدا
فصل
جسور ضواحي القاهرة يسرع في إتقانها وتعريضها ويجتهد في حسن رصفها وفتح مشاربها وحفظها من الطارق عليها وتبقى متقنة مكملة إلى وقت النيل المبارك ولا يخرج في أمرها عن العادة ولا يحتمي أحد عن العمل فيها بما يلزمه ويحمل الأمر في جراريفها ومقلقلاتها على ما تقدمت به المراسيم الشريفة في أمر الجسور القريبة والبعيدة
فصل في الأعمال والولايات
تتنجز الأمثلة الشريفة السلطانية المولوية الملكية الصالحية الفلانية شرفها الله تعالى بإتقان عمل الجسور وتجويدها وتعريضها وتفقد القناطر والتراع وعمل ما تهدم منها وترميم ما وهى وإصلاح ما تشعث من أبوابها

وتحصيل أصنافها التي تدعو الحاجة إليها وقت النيل وتعتمد المراسيم الشريفة من أن أحدا لا يعمل بالجاه ومن وجب عليه فيها العمل يعمل على العادة في الأيام الصالحية ويؤكد على الولاة في مباشرتها بنفوسهم وأن لا يتكلوا على المشدين وأي جهة حصل منها نقص أو خلل كان قباله ذلك روح والي ذلك العمل وماله ويشدد على الولاة في ذلك غاية التشديد ويحذر أتم التحذير وتؤخذ خطوط الولاة بأن الجسور قد أتقن عملها على الوضع المرسوم به وأنها أتقنت ولم يبق فيها خلل ولا ما يخشون عاقبته ولا ما يخافون دركه وأنها عملت على ما رسم

فصل
يتقدم إلى الولاة ويستخرج الأمثلة الشريفة السلطانية بترتيب الخفراء على ما كان الحال رتب عليه في الأيام الظاهرية أن يرتب من البلد إلى البلد خفراء ينزلون ببيوت شعر على الطرقات على البلدين يخفرون الرائح والغادي وأي من عدم له شيء يلزمه دركه وينادى في البلاد أن لا يسافر أحد في الليل ولا يغرر ولا يسافر الناس إلا من طلوع الشمس إلى غروبها ويؤكد في ذلك التأكيد التام
فصل الثغور المحروسة
يلاحظ أمورها ومهماتها ويستخرج الأمثلة الشريفة السلطانية في مهماتها وأحوالها وحفظها والاحتراز على المعتقلين بها والاستظهار في حفظهم والتيقظ لمهمات الثغر واستجلاب قلوب التجار واستمالة خواطرهم ومعاملتهم بالرفق والعدل حتى تتواصل التجار وتعمر الثغور ويؤكد عليها في المستخرج وتحصيل الأموال وأصناف الذخائر وأصناف الخزائن المعمورة خاناه ويوعز إليهم بأن هذا وقت انفتاح البحر وحضور التجار وتزجية

الأموال وصلاح الاحوال والنهضة في تكثير الحمول ويؤكد عليهم في المواصلة بها وأن تكون حمولا متوفرة وانه لا يفرط في مستخرج حقوق المراكب الواصلة ولا يقلل متحصلها ولا ينقص حملها ويسير بحملها حملا إلى بيت المال المعمور على العادة ويؤكد عليهم في الاستعمالات وتحصيل الاقمشة والامتعة على اختلاف أصنافها وإزالة الأعذار فيها بحيث لا يتوقف أمر الاستعمالات ولا يؤخر مهمها عن وقته ومهما وصل من المماليك والجواري والحرير والوبر والأطلس والفضة الحجر وأقصاب الذهب المغزول يعتمد في تحصيله العادة

فصل
يؤكد على ولاة الأعمال في استخلاص الحقوق الديوانية من جهاتها والمواصلة بالحمول في أوقاتها ومباشرة أحوال الأقصاب ومعاصرها في أوقاتها واعتماد مصلحة كل عمل على ما يناسبه وتقتضيه مصلحته من مستخرج ومستغل ومحمول ومزدرع ومستعمل ومنفق ويحذرهم عن حصول خلل أو ظهور عجز أو فتور عزم أو تقصير رأي أو ما يقتضي الإنكار ويوجب المؤاخذة ويشدد في ذلك ما تقتضيه فرص الأوقات التي ينبغي انتهازها على ما يطالعون به
فصل أموال الخراج الديوانية
يحترز عليها وتربى وتنمى ولا يطلق منها شيء إلا بمرسوم شريف منا ويطالع بأن المرسوم ورد بكذا وكذا ويعود الجواب بما يعتمد في ذلك
فصل حقوق الأمراء والبحرية والحلقة المنصورة والجند وجهاتهم
يستخلص أموالهم ووكلاءهم ويوجد الشهادات بما عليهم من غلة

ودراهم وغير ذلك ولا يحوج الوكلاء إلى شكوى منهم تتصل بمن هو في البيكار ويحسم هذه المادة ويسد أبواب المماطلة عنهم

فصل
يتقدم إلى الولاة والنظار والمستخدمين بعمل أوراق بما يتحصل للمقطعين الأصلية في كل بلد ولمقطع الجهة ولمن أفرد له طين بجهة ولمن جهته على الرسوم ليعلم حال المقطعين في هذه السنة الجيشية والجهاتية وما تحصل لكل منهم ولا يحصل من أحد من الولاة مكاشرة ولا إهمال ولا يطمع في الوكلاء لأجل غيبة الأمراء والمقطعين في البيكار ولا يحوج أحد من المقطعين إلى شكوى بسبب متأخر ولا ظليمة ولا إجحاف
فصل
إذا خرج جاندار من مصر إلى الأعمال لا يعطى في العمل أكثر من درهمين نقرة ويوصل الحق الذي جاء فيه لمستحقه فإن حصل منه قال وقيل أو حيف أو تعنت يرسم عليه ويسير الحق مع صاحبه معه ويطالع بأن فلانا الجاندار حضر وجرى منه كذا وكذا ويشرح الصورة ليحسم المواد بذلك
فصل
إذا سير أحد من الولاة رسولا بسبب خلاص حق من بعض قرى أعماله فيكون ما يعطى الجاندار عن مسافة سفر يوم نصف نقرة وعن يومين درهم واحد

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39