كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ فَإِنْ ثَبَتُّمْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ السَّيْفُ فَانْصَرَفَا إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَا أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ هُوَ فَقَالَ هُوَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ أَوْ إلَى صِنْفٍ ) أَيْ صَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا جَمِيعَهُمْ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ أَيْ صِنْفٍ شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ إلَّا الْعَامِلُ وَكَذَا قَالَ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَخُمُسِ الرِّكَازِ لَهُ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ زِيَادٍ قَالَ { أَمَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَا مَلَكٍ مُقَرَّبٍ حَتَّى تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ جَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ قَالَ إنْ كُنْت مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَزَعَمُوا أَنَّهُ نَصٌّ فِيهِمْ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَأَشْرَكَ بَيْنَهُمْ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُمْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثَلَاثَةٌ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتَوْهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } بَعْدَ قَوْله تَعَالَى { إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } وَقَدْ تَنَاوَلَ جِنْسَ الصَّدَقَاتِ وَبَيَّنَ أَنَّ إيتَاءَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ لَا غَيْرُ خَيْرٌ لَنَا

وَلَا يُقَالُ أَرَادَ بِهِ نَصِيبَهُمْ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الصَّدَقَاتِ وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمُعَاذٍ { أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ أَنَّ اللَّامَ تَكُونُ لِلْعَاقِبَةِ يُقَالُ لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ وَقَالَ تَعَالَى { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } أَيْ عَاقِبَتُهُ ذَلِكَ وَكَذَا عَاقِبَةُ الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ لَا أَنَّهَا مِلْكُهُمْ وَتَكُونُ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ أَصْلُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْمِلْكِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ غَيْرَ الِاخْتِصَاصِ وَجَعْلُهَا لِلتَّمْلِيكِ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ وَلَا يُعْرَفُ مَالِكٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فِي الشَّرْعِ وَكَذَا الْمَالُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ حَتَّى جَازَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَدْفَعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لِلْمِلْكِ لَمَا جَازَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةً لَهُ لِلتِّجَارَةِ لِمُشَارَكَتِهِ الْفُقَرَاءَ فِيهَا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَيْسَ فِيهِ لَامٌ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ } فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى التَّمْلِيكِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ إلَى آخِرِهِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَيَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } حَتَّى حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْوَاحِدَةُ وَلِأَنَّ بَعْضَهُمْ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ كَابْنِ السَّبِيلِ وَاشْتِرَاطُ الْجَمْعِ فِيهِ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ هُوَ فِي الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا وَالْمَذْكُورُ فِيهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهَذَا خُلْفٌ

( قَوْلُهُ وَالْعَامِلُ وَالْمُكَاتَبُ ) الْمُرَادُ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ وَمُكَاتَبُ الْهَاشِمِيِّ قَالَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ ( قَوْلُهُ فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانَهُ ) أَيْ كِفَايَتَهُمْ بِالْوَسَطِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالثُّمُنِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَقْدِيرُ الشَّافِعِيِّ بِالثُّمُنِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى كُلِّ الْأَصْنَافِ وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ سُقُوطِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ السَّاقِطَ سَهْمُ الْكَفَّارَةِ مِنْهُمْ لَا الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُتَأَلَّفِينَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أَغْنِيَاءَ كَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْمُتَأَلَّفِينَ الْأَغْنِيَاءَ مَنَعْنَاهُ وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ دَاخِلُونَ فِي صِنْفِ الْفُقَرَاءِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ الْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ قَدْرَ أَجْرِ مِثْلِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثُّمُنِ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَمُلْتَقَى الْبِحَارِ مُقَدَّرٌ بِالثُّمُنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْته ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ ) أَيْ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَتَحِلُّ لِلْغَنِيِّ ) أَيْ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لِأَجْلِ الْفَقِيرِ فَكَأَنَّهُ يَأْخُذُ الْفَقِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ حَوَائِجِ الْفَقِيرِ كَذَا سَمِعْت مِنْ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ إلَى آخِرِهِ ) أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مُكَاتَبًا قَامَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ أَيُّهَا الْأَمِيرُ حُثَّ النَّاسَ عَلَيَّ فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى فَأَلْقَى

النَّاسُ عَلَيْهِ هَذَا يُلْقِي عِمَامَةً وَهَذَا يُلْقِي مُلَاءَةً وَهَذَا يُلْقِي خَاتَمًا حَتَّى أَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ سَوَادًا كَثِيرًا فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِي عَلَيْهِ قَالَ اجْمَعُوهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَبِيعَ فَأَعْطَى الْمُكَاتَبَ مُكَاتَبَهُ ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْلَ فِي الرِّقَابِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ إنَّ هَذَا الَّذِي أَعْطَوْهُ فِي الرِّقَابِ وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالُوا فِي الرِّقَابِ هُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَأَمَّا مَا رُوِيَ { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَقَالَ أَوَلَيْسَا سَوَاءً قَالَ لَا عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ هَذَا مَعْنَى وَفِي الرِّقَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا إلَى آخِرِهِ ) وَمَا يَأْخُذُهُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ زَكَاةً ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ ) فَهُوَ غَنِيٌّ فِي الظَّاهِرِ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ ) مِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمُفِيدِ وَالتَّجْرِيدِ والمرغيناني والْوَلْوَالِجِيِّ وَعَامَّةِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُمْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ كَشَفْت عَنْ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ مُصَنَّفًا فَكَيْفَ لَا يَتَكَلَّمُ الْإِمَامُ فِي مَعْرِفَةِ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَفِي الْوَبَرِيِّ هُمْ الْحُجَّاجُ وَالْغُزَاةُ الْمُنْقَطِعُونَ عَنْ

أَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ أَرَادَ بِهِ الْفُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ سَبِيلُ اللَّهِ هُوَ الْغَازِي غَيْرُ الْغَنِيِّ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ الْغَازِي دُونَ الْحَاجِّ وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمِثْلُهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَهَؤُلَاءِ نَقَلُوا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرْته ثُمَّ وَجَدْت فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مَا يُوَافِقُ نَقْلَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَبِيلُ اللَّهِ فُقَرَاءُ الْغَرَاةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْحَاجُّ أَيْضًا حَكَاهُ عَنْ فَتَاوَى الْبَقَّالِيِّ وَفِي الْغَزْنَوِيِّ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ ا هـ غَايَةٌ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَقِيلَ سَبِيلُ اللَّهِ طَلَبَةُ الْعِلْمِ قُلْت هَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ طَلَبَةُ الْعِلْمِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَابْنُ السَّبِيلِ ) وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ هُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ وَمَنْ لَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا لِغَيْبَتِهِمْ أَوْ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ أَوْ لِإِعْسَارِهِ أَوْ لِتَأْجِيلِهِ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ فِي مَكَان لَا شَيْءَ فِيهِ وَقَوْلُ الْعَتَّابِيِّ هُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَيْسَ نَفْيُ الشَّيْءِ عَلَى إطْلَاقِهِ أَوْ عُمُومِهِ بَلْ الْمُرَادُ شَيْءٌ لَا يَكْفِيهِ لِرُجُوعِهِ إلَى وَطَنِهِ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ ابْنُ السَّبِيلِ لَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي مَعِيشَتِهِ وَزَادٌ يَكْفِيهِ إلَى وَطَنِهِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ ا

هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جِهَادًا إلَى آخِرِهِ ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَاتِ إلَى الْكُفَّارِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ ) وَاسْمُهُ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْأَقْرَعَ ) أَيْ ابْنَ حَابِسٍ الْمُجَاشِعِيَّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعُيَيْنَةَ ) أَيْ ابْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ ) أَيْ مَعَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِإِثَارَةِ النَّائِرَةَ وَارْتِدَادِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْلَا اتِّفَاقُ عَقَائِدِهِمْ عَلَى حَقِّيَّتِهِ وَأَنَّ مَفْسَدَةَ مُخَالَفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ لَبَادَرُوا لِإِنْكَارِهِ نَعَمْ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنِدِ عِلْمِهِمْ بِدَلِيلٍ أَفَادَ نَسْخَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَوْ أَفَادَ تَقَيُّدَ الْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَلَى كَوْنِهِ حُكْمًا مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ انْتِهَاؤُهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ أَوْ مِنْ آخِرِ عَطَاءٍ أَعْطَاهُمُوهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَمَّا مُجَرَّدُ تَعْلِيلِهِ بِكَوْنِهِ مُعَلَّلًا انْتَهَتْ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ فِي مَسَائِلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَحْتَاجُ فِي بَقَائِهِ إلَى بَقَاءِ عِلَّتِهِ لِثُبُوتِ اسْتِغْنَائِهِ فِي بَقَائِهِ عَنْهَا شَرْعًا لِمَا عُلِمَ فِي الرِّقِّ وَالِاضْطِبَاعِ وَالرَّمَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِ مَحَلٍّ يَقَعُ فِيهِ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِمَّا شُرِعَ مُقَيَّدًا ثُبُوتُهُ بِثُبُوتِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُهُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بَلْ إنْ ظَهَرَ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ { الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ فِي

قَوْلِنَا حُكْمٌ مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْمُؤَلَّفَةِ هُوَ الْعِلَّةُ لِلْإِعْزَازِ إذْ يُفْعَلُ الدَّفْعُ لِيَحْصُلَ الْإِعْزَازُ فَإِنَّمَا انْتَهَى تَرَتُّبُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْزَازُ عَلَى الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ وَعَنْ هَذَا قِيلَ عَدَمُ الدَّفْعِ الْآنَ لِلْمُؤَلَّفَةِ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَسْخَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ الْإِعْزَازُ وَكَانَ بِالدَّفْعِ وَالْآنَ هُوَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ لِأَنَّ إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ عِلَّةُ حُكْمٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ فَنُسِخَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ ) أَيْ إلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ إلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعُدُولُ عَنْ اللَّازِمِ إلَى فِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصْدِيقِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ تُوضَعَ فِيهِمْ الصَّدَقَاتُ وَتَكْرِيرُ فِي فِي قَوْله تَعَالَى { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ } فَضْلُ تَرْجِيحٍ لِهَذَيْنِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إعَادَةَ الْعَامِلِ تَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ قُوَّةٍ وَتَأْكِيدٍ كَقَوْلِك مَرَرْت بِزَيْدٍ وَبِعَمْرٍو ا هـ ( فَائِدَةٌ ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْفَقِيرُ الَّذِي يَسْأَلُ إلْحَافًا وَيَأْكُلُ إسْرَافًا يُؤْجَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ ا هـ سَرُوجِيٌّ ( قَوْلُهُ { وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } ) أَيْ فَالْإِخْفَاءُ خَيْرٌ لَكُمْ قَالُوا الْمُرَادُ صَدَقَاتُ التَّطَوُّعِ وَالْجَهْرُ فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ حَتَّى إذَا كَانَ الْمُزَكِّي مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ بِالْيَسَارِ كَانَ إخْفَاؤُهُ

أَفْضَلَ وَالْمُتَطَوِّعُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ كَانَ إظْهَارُهُ أَفْضَلَ ا هـ مَدَارِكٌ ( قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ مَالِكٍ مُخْتَصٌّ بِمِلْكِهِ ( قَوْلُهُ لَمْ يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ غَيْرَ الِاخْتِصَاصِ ) أَيْ لِعُمُومِهِ ا هـ غَايَةٌ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لِلِاخْتِصَاصِ قُلْنَا اللَّامُ فِي الْآيَةِ فِي الِاخْتِصَاصِ يَعْنِي أَنَّهُمْ مُخْتَصُّونَ بِالزَّكَاةِ وَلَا تَكُونُ لِغَيْرِهِمْ كَقَوْلِك الْخِلَافَةُ لِقُرَيْشٍ وَالسِّقَايَةُ لِبَنِي هَاشِمٍ أَيْ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لَهُمْ فَتَكُونُ اللَّامُ لِبَيَانِ مَحَلِّ صَرْفِهَا ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا إلَى ذِمِّيٍّ ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى ذِمِّيٍّ وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتَقْسِطُوا إلَيْهِمْ } الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّقْيِيدُ زِيَادَةٌ وَهُوَ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِهَذَا جَازَ صَرْفُ الصَّدَقَاتِ كُلِّهَا إلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ } الْآيَةَ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ مُعَاذٍ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ لِأَنَّهُ نُسِخَ قُلْنَا النَّصُّ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ } الْآيَةَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فُقَرَاءَ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مِنْ عُمُومِ الْفُقَرَاءِ وَكَذَا أُصُولُ الْمُزَكِّي كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَكَذَا فُرُوعُهُ وَزَوْجَتُهُ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ ذَكَرَ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ مَشْهُورٌ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ التَّخْصِيصُ بِمِثْلِهِ( قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى ذِمِّيٍّ ) أَيْ وَكَذَا الْعُشْرُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ } إلَى آخِرِهِ ) بِالْإِجْمَاعِ ضَمِيرُ أَغْنِيَائِهِمْ يَنْصَرِفُ إلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَا ضَمِيرُ فُقَرَائِهِمْ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَأَلَّا يَخْتَلُّ الْكَلَامُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ ) أَيْ فَزِدْنَا هَذَا الْوَصْفَ بِهِ كَمَا زِدْنَا صِفَةَ التَّتَابُعِ عَلَى صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ا هـ كَاكِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ غَيْرُهَا ) أَيْ صَحَّ دَفْعُ غَيْرِ الزَّكَاةِ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى الذِّمِّيِّ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ فَصَارَ كَالْحَرْبِيِّ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا لِزُفَرَ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ لَقُلْنَا بِجَوَازِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى الذِّمِّيِّ ، وَالْحَرْبِيُّ خَارِجٌ بِالنَّصِّ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ هِدَايَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا التَّطَوُّعُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَفُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ وَالذِّمِّيُّ يَتَقَوَّى بِهِ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا لِزُفَرَ مِنْ الدَّلِيلِ ) وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا ا هـ هِدَايَةٌ وَكَافِي قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْغَايَةِ وَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ ا هـ وَرَوَاهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَرَوَاهُ أَيْضًا الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى { لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ } ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْنَى بِالزَّكَاةِ الْمَسْجِدُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ شَرْطٌ فِيهَا وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا لَا يُبْنَى بِهَا الْقَنَاطِرُ وَالسِّقَايَاتُ وَإِصْلَاحُ الطُّرُقَاتِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَكُلُّ مَا لَا تَمْلِيكَ فِيهِ( قَوْلُهُ وَبِنَاءِ مَسْجِدٍ ) أَيْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ إلَى ذِمِّيٍّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَكْفِينُ مَيِّتٍ وَقَضَاءُ دَيْنِهِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ بِهَا مَيِّتٌ وَلَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ الْمَيِّتِ لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا وَهُوَ التَّمْلِيكُ أَمَّا التَّكْفِينُ فَظَاهِرٌ لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ شَخْصٌ بِتَكْفِينِهِ ثُمَّ أَخْرَجَتْهُ السِّبَاعُ وَأَكَلَتْهُ يَكُونُ الْكَفَنُ لِلْمُتَبَرِّعِ بِهِ لَا لِوَارِثَةِ الْمَيِّتِ وَأَمَّا قَضَاءُ دَيْنِهِ فَلِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْحَيِّ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَدْيُونِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ أَنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِهَا دَيْنُ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِأَمْرِهِ جَازَ

( قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا وَهُوَ التَّمْلِيكُ ) أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا صَدَقَةً وَحَقِيقَةُ تَمْلِيكِ الْمَالِ مِنْ الْفَقِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَحَلُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَيِّ أَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَيَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُ وَالدَّائِنُ يَقْبِضُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ مَيِّتٌ بِأَمْرِهِ جَازَ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَعْلُومٌ إرَادَةُ قَيْدِ فَقْرِ الْمَدْيُونِ فَظَاهِرُ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يُوَافِقُهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَكَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عِتْقٍ أَوْ قَضَى دَيْنَ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَيِّ لَا يَجُوزُ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الْمَيِّتِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى إلَى تَخْصِيصِ الْحَيِّ فِي حُكْمِ عَدَمِ الْجَوَازِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ وَإِطْلَاقِهِ فِي الْمَيِّتِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا لِلْمَدْيُونِ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَمْرِهِ بَلْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ وَقَبْضِ الدَّائِنِ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الْمَدْيُونُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ لِمَوْتِهِ وَقَوْلُهُمْ الْمَيِّتُ يَبْقَى مِلْكُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ جِهَازِهِ وَنَحْوِهِ حَاصِلُهُ بَقَاؤُهُ بَعْدَ ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ حَالَ الْأَهْلِيَّةِ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ حُدُوثِ مِلْكِهِ بِالتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ ، وَعَمَّا قُلْنَا يُشْكِلُ اسْتِرْدَادَ الْمُزَكَّى عِنْدَ التَّصَادُقِ إذَا وَقَعَ بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّ بِالدَّفْعِ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْفَقِيرِ بِالتَّمْلِيكِ وَقَبْضُ النَّائِبِ أَعْنِي الْفَقِيرَ وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْوَاقِعِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِهِ صَيْرُورَتَهُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ نِيَابَةً لَا التَّمْلِيكُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ فَقِيرًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَدْيُونٌ وَظُهُورُ عَدَمِهِ لَا

يُؤَثِّرُ عَدَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْفَقِيرِ إذَا عَجَّلَ لَهُ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الِاسْتِرْدَادَ هُنَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَّلَ لِلسَّاعِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ لِعَدَمِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَكَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَتَاوَى وَلَوْ جَاءَ الْفَقِيرُ إلَى الْمَالِكِ بِدَرَاهِمَ سَتُّوقَةٍ لِيَرُدَّهَا فَقَالَ الْمَالِكُ رُدَّ الْبَاقِيَ فَإِنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ النِّصَابَ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا وَلَا زَكَاةَ عَلَيَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْفَقِيرِ فَيَكُونَ هِبَةً مُبْتَدَأً مِنْ الْفَقِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْفَقِيرُ صَبِيًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ فَهُنَا أَوْلَى ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشِرَاءُ قِنٍّ يُعْتَقُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ فَيُعْتَقُ خِلَافًا لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَالْحِيلَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفَقِيرِ ثُمَّ يَأْمُرَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ وَيَحْصُلَ لِلْفَقِيرِ ثَوَابُ هَذِهِ الْقُرَبِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَصْلُهُ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعُهُ وَإِنْ سَفَلَ وَزَوْجَتُهُ وَزَوْجُهَا وَعَبْدُهُ وَمُكَاتَبُهُ وَمُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى أُصُولِهِ وَهُمْ الْأَبَوَانِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْا وَلَا إلَى فُرُوعِهِ وَهُمْ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ بَيْنَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ اتِّصَالًا فِي الْمَنَافِعِ لِوُجُودِ الِاشْتِرَاكِ فِي الِانْتِفَاعِ بَيْنَهُمْ عَادَةً وَكَذَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ لَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِكَوْنِهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَالِ وَبِالدَّفْعِ إلَى عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَلَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهَا وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ وَكَذَا جَمِيعُ الصَّدَقَاتِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِهَؤُلَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ خُمُسِ الرِّكَازِ حَيْثُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْفَقْرُ وَلِهَذَا لَوْ افْتَقَرَ هُوَ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَفِيمَا إذَا دَفَعَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ حَدِيثُ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ { قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك أَمَرْت الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ هُوَ وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِمْ } وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا يُسْتَغْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ عَادَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَوَجَدَك عَائِلًا فَأَغْنَى } أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ يُسْتَغْنَى بِمَالِهَا وَهِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ شَيْءٌ فَمَا ظَنُّك بِالْمَرْأَةِ فَتَكُونُ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهَا وَحَدِيثُ زَيْنَبَ كَانَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ وَالْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْوَلَدِ وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجِبُ فِي الْحُلِيِّ وَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ كُلُّهُ وَهِيَ تَصَدَّقَتْ بِالْكُلِّ فَدَلَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَطَوُّعًا وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا { قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا وَلَيْسَ لِزَوْجِي وَلَا لِوَلَدِي شَيْءٌ فَشَغَلُونِي فَلَا أَتَصَدَّقُ فَهَلْ لِي فِيهِمْ أَجْرٌ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَك فِي ذَلِكَ أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ } رَوَاهُ الطَّحْطَاوِيُّ عَنْ رَيْطَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَيْطَةُ هَذِهِ هِيَ زَيْنَبُ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّدَقَةُ مِنْ فَضْلِ صَنْعَتِهَا لَا تَكُونُ مِنْ الزَّكَاةِ

( قَوْلُهُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا ) أَيْ وَلَا أَوْلَادُ بِنْتِهِ ا هـ غَايَةٌ نَقْلًا عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ ( قَوْلُهُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالنُّذُورُ ) أَيْ وَجَزَاءُ قَتْلِ الصَّيْدِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ افْتَقَرَ هُوَ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ) فَصَارَ الْأَصْلُ فِي الدَّفْعِ الْمُسْقِطِ كَوْنَهُ عَلَى وَجْهٍ تَنْقَطِعُ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الدَّافِعِ ذَكَرُوا مَعْنَاهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ مَعَ قَبْضٍ مُعْتَبَرٍ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ دَفَعَ لِلصَّغِيرِ الْفَقِيرِ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَإِنْ دَفَعَهَا الصَّبِيُّ إلَى أَبِيهِ قَالُوا كَمَا لَوْ وَضَعَ زَكَاتَهُ عَلَى دُكَّانٍ فَجَاءَ الْفَقِيرُ وَقَبَضَهَا لَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ يُقْبِضَهَا لَهُمَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ أَوْ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ يَعُولُونَهُ أَوْ الْمُلْتَقِطُ يَقْبِضُ لِلَّقِيطِ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مُرَاهِقًا أَوْ يَعْقِلُ الْقَبْضَ بِأَنْ كَانَ لَا يَرْمِي وَلَا يُخْدَعُ عَنْهُ يَجُوزُ وَلَوْ وَضَعَ الزَّكَاةَ عَلَى يَدِهِ فَانْتَهَبَهَا الْفُقَرَاءُ جَازَ وَكَذَا إنْ سَقَطَ مَالُهُ مِنْ يَدِهِ فَرَفَعَهُ فَقِيرٌ فَرَضِيَ بِهِ جَازَ إنْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَالْمَالُ قَائِمٌ وَالدَّفْعُ إلَى الْمَعْتُوهِ مُجْزِئٌ ا هـ فَتْحٌ ( فَائِدَةٌ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْطِي لِمُبَانَتِهِ فِي الْعِدَّةِ بِوَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ وَلَا يُعْطِي الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ وَلَا الْمَخْلُوقَ مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا وَقِيلَ فِي الْوَلَدِ الرَّقِيقِ وَالزَّوْجَةِ الرَّقِيقَةِ كَذَلِكَ ا هـ كَاكِيٌّ وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَمَنْ زَنَى بِمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَدَفَعَ الزَّوْجُ زَكَاةَ مَالِهِ إلَى هَذَا الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ وَالزَّانِي لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى وَلَدِ الْمَزْنِيَّةِ وَلِلْمَزْنِيَّةِ زَوْجٌ مَعْرُوفٌ يَجُوزُ لِأَنَّ نَسَبَهُ

يَثْبُتُ مِنْ النَّاكِحِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَزْنِيَّةِ زَوْجٌ لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي دَفْعُ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْوَلَدِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمِيعُ الْقَرَابَاتِ غَيْرِ الْأَوْلَادِ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ وَهُوَ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ مَعَ الصَّدَقَةِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِي عِيَالِهِ وَلَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ يَنْوِي الزَّكَاةَ جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ فَرَضَهَا عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا يَنْوِي الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَدَاءُ وَاجِبٍ فِي وَاجِبٍ آخَرَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا لَمْ يَحْتَسِبْهَا بِالنَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْكَمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ رَيْطَةُ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فِي كِتَابِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الرَّيْطَةُ كُلُّ مُلَاءَةٍ لَمْ تَكُنْ لِفْقَيْنِ أَيْ قِطْعَتَيْنِ مُتَضَامَّتَيْنِ وَقِيلَ كُلُّ ثَوْبٍ رَقِيقٍ لَيِّنٍ رَيْطَةٌ وَبِهَا سُمِّيَتْ رَيْطَةُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا رَيْطَةُ فَهِيَ بِنْتُ سُفْيَانَ لَهَا صُحْبَةٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مُعْتَقِ الْبَعْضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إذَا أُعْتِقَ بَعْضُهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ وَصُورَتُهُ أَنْ يُعْتِقَ مَالِكُ الْكُلِّ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهُ أَوْ يُعْتِقَهُ شَرِيكُهُ فَيَسْتَسْعِيَهُ السَّاكِتُ فَيَكُونَ مُكَاتَبًا لَهُ أَمَّا إذَا اخْتَارَ التَّضْمِينَ أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْعَبْدِ جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَغَنِيٌّ بِمِلْكِ نِصَابٍ ) أَيْ لَا يَدْفَعُ إلَى غَنِيٍّ بِسَبَبِ مِلْكِ نِصَابٍ وَإِنَّمَا قَالَ بِمِلْكِ نِصَابٍ لِأَنَّ الْغِنَى عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ الْأُولَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَالثَّانِيَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِأَنَّ حِرْمَانَ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَالثَّالِثَةُ مَا يَحْرُمُ بِهِ السُّؤَالُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِقُوتِ يَوْمِهِ وَمَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا الْفَقِيرُ الْقَوِيُّ الْمُكْتَسِبُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيِّ الْغُزَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذْ مِنْ الْفَيْءِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا وَالْغَارِمُ وَرَجُلٌ اشْتَرَى الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا إلَى الْغَنِيِّ } وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ قَسِيمَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِقَوْلِهِ { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } بَعْدَ ذِكْرِهِمَا فَكَانَ غَيْرُهُمَا ضَرُورَةً وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمَا رَوَيَاهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيِّ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ أَوْ نَقُولُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا مَا دَامَ مُقِيمًا ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْغَزْوِ يَحْتَاجُ إلَى عِدَّةٍ مِنْ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكْفِيهِ مَا فِي يَدِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِذَلِكَ وَنَحْنُ

نَقُولُ بِهِ وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْفَيْءِ فَإِذَا حَمَلُوهُ عَلَى هَذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قُلْنَا

( قَوْلُهُ وَغَنِيٌّ بِمِلْكِ نِصَابٍ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ قَالَ الْكَمَالُ مِنْ فُرُوعِهَا قَوْمٌ دَفَعُوا الزَّكَاةَ إلَى مَنْ يَجْمَعُهَا لِفَقِيرٍ فَاجْتَمَعَ عِنْدَ الْآخِذِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ جَمَعَهُ لَهُ بِأَمْرِهِ قَالُوا كُلُّ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَا فِي يَدِ الْجَابِي مِائَتَيْنِ جَازَتْ زَكَاتُهُ وَمَنْ دَفَعَ بَعْدَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَيُعْتَبَرُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مِائَتَيْنِ تَفَضُّلٌ بَعْدَ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ الْكُلُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْفَقِيرِ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ يَمْلِكُهُ وَفِي الثَّانِي وَكِيلُ الدَّافِعِينَ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِلْكُهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ أَعْطَى فَقِيرًا أَلْفًا وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَوَزْنُهَا مِائَةُ مِائَةٍ وَقَبْضُهَا كَذَلِكَ يَجْزِيهِ كُلُّ الْأَلْفِ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ وَدَفْعُ كُلِّهَا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَهَا جُمْلَةً وَلَوْ كَانَتْ غَائِبَةً وَاسْتَدْعَى بِهَا مِائَةَ مِائَةٍ كُلَّمَا حَضَرَتْ مِائَةٌ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَجُوزُ مِنْهَا إلَّا مِائَتَانِ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ ا هـ فَتْحٌ وَلَوْ اشْتَرَى قُوتَ سَنَةٍ يُسَاوِي نِصَابًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ نِصَابًا وَقِيلَ إنْ كَانَ بِطَعَامِ شَهْرٍ يُسَاوِي نِصَابًا جَازَ الصَّرْفُ إلَيْهِ إلَّا إنْ زَادَ وَلَوْ كَانَ لَهُ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الصَّيْفِ جَازَ الصَّرْفُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الزَّارِعِ مَا زَادَ عَلَى ثَوْرَيْنِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ أَيْ مِنْ أَيِّ مَالٍ يَعْنِي سَوَاءً كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ سَوَائِمَ أَوْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَكِنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ ا هـ زَاهِدِيٌّ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ لَا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ إنْ لَمْ يُؤَوَّلْ مُشْكِلٌ ا هـ

( فَرْعٌ ) لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ مِقْدَارَ الْكِفَايَةِ وَفِي الْحَاوِي دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِهِ عَلَى جَمَاعَةٍ لِحُصُولِ الْغِنَى لِلْوَاحِدِ دُونَ الْجَمَاعَةِ وَفِي قَاضِي خَانْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ فُلُوسًا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ ا هـ غَايَةٌ وَالتَّصَدُّقُ عَلَى الْفَقِيرِ الْعَالِمِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى الْجَاهِلِ وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الدَّفْعُ إلَى مَدْيُونٍ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْفَقِيرِ وَالدَّفْعُ إلَى الْوَاحِدِ أَفْضَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَدْفُوعُ نِصَابًا ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ ) أَيْ عَلَى مَالِكِهِ وَهُوَ النَّامِي خِلْقَةً أَوْ إعْدَادًا وَهُوَ سَالِمٌ مِنْ الدَّيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالثَّانِيَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَحُرْمَةُ وَضْعِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ ا هـ خُلَاصَةٌ ( قَوْلُهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ ) وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ ا هـ بَاكِيرٌ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ ) كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَظَاهِرِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَبْدُهُ وَطِفْلُهُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِلْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ وَلَا يَمْلِكُ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ زَمِنًا وَلَيْسَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ وَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا وَلَدُهُ الصَّغِيرُ فَلِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَبِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِمَالِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِ الْأَبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحِ وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَبِقَدْرِ النَّفَقَةِ لَا تَصِيرُ مُوسِرَةً

قَوْلُهُ أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ ) أَيْ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ا هـ غَايَةٌ بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ بِالنَّصِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَإِلَى عَبْدِ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ ) إلَى قَوْلِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي وُقُوعُ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهُوَ الْمَانِعُ وَغَايَةُ مَا فِي هَذَا وُجُوبُ كِفَايَتِهِ عَلَى السَّيِّدِ وَتَأْثِيمُهُ بِتَرْكِهِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عِنْدَ غَيْبَةِ مَوْلَاهُ الْغَنِيِّ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَنْزِلُ عَنْ ابْنِ السَّبِيلِ ا هـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْعُشْرِ فِيمَنْ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ الزَّكَاةَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ ) وَفِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَلَهُ أُمٌّ غَنِيَّةٌ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إلَخْ ) إنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى وَنَحْوَهُ بِخِلَافِ بِنْتِ الْغَنِيِّ الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا هَذِهِ الْأَعْذَارُ وَتُصْرَفُ الزَّكَاةُ إلَيْهَا لِمَا ذُكِرَ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ إلَخْ ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَسَوَاءٌ فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ لَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجْزِيهِ لِأَنَّهَا مَكْفِيَّةٌ لِمَا يَسْتَوْجِبُهُ عَلَى الْغَنِيِّ فَالصَّرْفُ لَهَا كَالصَّرْفِ إلَى ابْنِ الْغَنِيِّ وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْبَابَهَا النَّفَقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ الْجُزْئِيَّةِ فَكَانَ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى نَفْسِ الْغَنِيِّ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ هَاشِمِيٌّ ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى بَنِي هَاشِمٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَطْلَقَ الْهَاشِمِيُّ هُنَا وَفَسَّرَهُمْ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَبَّاسٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى بَعْضِ بَنِي هَاشِمٍ وَهُمْ بَنُو أَبِي لَهَبٍ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّدَقَةِ كَرَامَةٌ لَهُمْ اسْتَحَقُّوهَا بِنَصْرِهِمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ثُمَّ سَرَى ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَبُو لَهَبٍ آذَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبَالَغَ فِي أَذِيَّتِهِ فَاسْتَحَقَّ الْإِهَانَةَ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَمَا عَدَا الْمَذْكُورِينَ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَوَالِيهِمْ ) أَيْ لَا يَحِلُّ دَفْعُهَا إلَى مَوَالِيهِمْ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا فَقَالَ لَا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَكَذَا الْوَقْفُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ سَمُّوا فِي الْوَقْفِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوا لَا يَجُوزُ فَجَعَلَهُمْ عَلَى مِثَالِ الْغَنِيِّ وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي

حَنِيفَةَ جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَى الْهَاشِمِيِّ فِي زَمَانِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْهَاشِمِيَّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْهَاشِمِيِّ

( قَوْلُهُ نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ إلَخْ ) السِّرُّ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا دَفْعُ التُّهْمَةِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهَا ثَانِيهَا أَنَّهَا طَهُورٌ لِلْمُتَصَدِّقِينَ مِنْ الذُّنُوبِ فَلَا يَلِيقُ بِذِي الشَّرَفِ الْعَظِيمِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِكَوْنِهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَنْبٍ أَوْ نَقِيصَةٍ ثَالِثُهَا أَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ فَلَا يَلِيقُ أَيْضًا بِهِ أَخْذُهَا وَهَذَا أَقْوَاهَا رَابِعُهَا أَنَّ يَدَ الْمُعْطِي أَعْلَى فَلَمْ يُرِدْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ فَوْقَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدًا وَلِهَذَا أَبَاحَ لَهُ الْغَنَائِمَ مِنْ الْأَنْفَالِ وَخُمُسَ الْخُمُسِ مِنْ الْفَيْءِ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِالسَّيْفِ قَهْرًا ا هـ ابْنُ دِحْيَةَ ( فَرْعٌ ) ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ كَافَّةً اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَدْخُلْنَ فِي آلِهِ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَفِي الْمُغْنِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَقَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي رَافِعٍ ) وَاسْمُهُ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ أَسْلَمُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقِيلَ هُرْمُزُ ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَبُو رَافِعٍ هَذَا اسْمُهُ أَسْلَمُ وَاسْمُ ابْنِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ ) عَلَيْهِ مَشْي الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ حَيْثُ قَالَ كُلُّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ النَّفْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَخْ ) قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِالْمَشْهُورَةِ ا هـ غَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي

حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِالصَّدَقَاتِ كُلِّهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَالْحُرْمَةُ لِلْعِوَضِ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ فَلَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَلَّتْ لَهُمْ الصَّدَقَةُ قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي النَّتْفِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ كَاكِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ مَوْلَاهُ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ صَحَّ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ خَطَأَهُ قَدْ ظَهَرَ بِيَقِينٍ فَصَارَ كَمَا إذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا أَوْ قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ نَصٌّ بِخِلَافِهِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ بِالِاجْتِهَادِ وَلَهُمَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَجِئْت فَأَخَذْتهَا فَأَتَيْته بِهَا فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْت فَخَاصَمْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَك مَا نَوَيْت يَا يَزِيدُ وَلَك مَا أَخَذْت يَا مَعْنُ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا قُلْنَا كَلِمَةُ مَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَك مَا نَوَيْت عَامَّةٌ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَطْعِ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ لَكَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ أَيْضًا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا حَقِيقَةً وَفِي قَوْلِهِ دَفَعَ بِتَحَرٍّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَ بِغَيْرِ تَحَرٍّ وَأَخْطَأَ لَا يُجْزِئُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ فَهُوَ جَائِزٌ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَمْ لَا فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرِفٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ

وَهُوَ شَاكٌّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ فَهُوَ عَلَى الْفَسَادِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَصْرِفٌ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا صَرَفَ إلَيْهِ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ لَا يَجْزِيهِ عِنْدَهُمَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِبْلَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَالْفَرْقُ لَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا تَكُونُ صَلَاةً وَلَا طَاعَةً وَإِنَّمَا هِيَ مَعْصِيَةٌ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْشَى عَلَيْهِ يَعْنِي الْكُفْرَ ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَنْقَلِبُ طَاعَةً وَدَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِ الْفَقِيرِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا فَإِذَا أَصَابَ صَحَّ وَنَابَ عَنْ الْوَاجِبِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْغَنِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ مُمْكِنٌ فَلَا يُعْذَرُ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْغَنِيِّ مُتَعَذِّرٌ فَيُعْذَرُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَعَسِّرٌ وَلَوْ كُلِّفَ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ لَحُرِجَ وَهُوَ مَدْفُوعٌ

قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ ) أَيْ ذِمِّيٌّ ا هـ بَاكِيرٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ جَوَازُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَصْلِ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَأْمِنًا فِي دِيَارِنَا وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذْ التَّصَدُّقُ عَلَى الْحَرْبِيِّ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ لَهُ وَفِي التُّحْفَةِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ مُسْتَأْمِنًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ا هـ غَايَةٌ ( تَتِمَّةٌ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ لِبَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ تَنْتَظِمُ الصَّدَقَةَ النَّافِلَةَ وَالْوَاجِبَةَ فَجَرَوْا عَلَى مُوجِبِ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبَةِ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَعُشْرِ الْأَرْضِ وَغَلَّةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُسَمِّ بَنِي هَاشِمٍ لَا يَجُوزُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي مَنْعِ صَدَقَةِ الْأَوْقَاتِ لَهُمْ وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ النَّافِلَةُ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا يَجُوزُ النَّفَلُ لِلْغَنِيِّ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ ا هـ وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِدَفْعِ صَدَقَةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُ بَيَانُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ خِلَافٌ فَقَالَ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْوَقْفُ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى فِي الْوَاجِبِ يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ فَيَتَدَنَّسُ الْمُؤَدَّى كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَفِي النَّفْلِ مُتَبَرِّعٌ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا

يَتَدَنَّسُ بِهِ الْمُؤَدَّى كَمَنْ تَبَرَّدَ بِالْمَاءِ ا هـ وَالْحَقُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إجْرَاءُ صَدَقَةِ الْوَقْفِ مَجْرَى النَّافِلَةِ فَإِنْ ثَبَتَ فِي النَّافِلَةِ جَوَازُ الدَّفْعِ يَجِبُ دَفْعُ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَاقِفَ مُتَبَرِّعٌ بِتَصَدُّقِهِ بِالْوَقْفِ إذْ لَا إيقَافَ وَاجِبٌ وَكَأَنَّ مَنْشَأَ الْغَلَطِ وُجُوبُ دَفْعِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَبِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ صَدَقَةً وَاجِبَةً عَلَى الْمَالِكِ بَلْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ وُجُوبَ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ عَلَى النَّاظِرِ فَوُجُوبُ الْأَدَاءِ هُوَ نَفْسُ هَذَا الْوُجُوبِ فَلْنَتَكَلَّمْ فِي النَّافِلَةِ ثُمَّ يُعْطَى مِثْلُ حُكْمِهِ لِلْوَقْفِ فَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّطَوُّعِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضٌ يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ ا هـ فَقَدْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ حُرْمَةِ النَّافِلَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْعُمُومَاتِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فَلَا تُدْفَعُ إلَيْهِمْ النَّافِلَةُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ مَعَ الْأَدَبِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ تَكْرِمَةً لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إلَيْك لَحْمُ بَرِيرَةَ الَّذِي تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَأْكُلْهُ حَتَّى اعْتَبَرَهُ هَدِيَّةً فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ صَدَقَةً نَافِلَةً وَأَيْضًا لَا تَخْصِيصَ لِلْعُمُومَاتِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُخَصُّ بِهِ ابْتِدَاءً بَلْ بَعْدَ إخْرَاجِ شَيْءٍ بِسَمْعِيٍّ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يَتِمُّ فِي الْقِيَاسِ الْمَقْصُودِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودِ ا هـ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْفَتْحِ فَلْيَنْظُرْ ثَمَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ صَحَّ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ أَيْ وَلَكِنْ لَا يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ وَهَلْ يَطِيبُ لِلْقَابِضِ إذَا ظَهَرَ الْحَالُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ لَا يَطِيبَ يَتَصَدَّقُ بِهَا

وَقِيلَ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُعْطِي عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ لِيُعِيدَ الْأَدَاءَ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا أَيْ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ ا هـ دِرَايَةٌ وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَأَعْطَاهُمْ الْوَصِيُّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءٌ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ ضَامِنٌ بِالْإِنْفَاقِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّوَسُّعُ وَالْوَصِيَّةُ حَقُّ الْعِبَادَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْحَقِيقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَ وَلَا يَأْثَمُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ قُلْنَا كَلِمَةُ مَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَك مَا نَوَيْت عَامَّةٌ ) أَيْ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَلَا يَخْتَصُّ عُمُومُهَا عِنْدَنَا بِالشَّرْطِيَّةِ وَالِاسْتِفْهَامِيَّة ثُمَّ لَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لَاسْتَفْصَلَ فَلِمَا عَمَّا وَأَطْلَقَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا ) قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ وَأَلْحَقَ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ مَعْنًى ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ لَا ) أَيْ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ عَبْدُ الدَّافِعِ أَوْ مُكَاتَبَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَى عَبْدِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُقَوْلُهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ ) أَيْ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا قُوَّةُ مَرْتَبَةِ الرُّكْنِ عَلَى الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ جَوَازَ الْأَدَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْغَنِيِّ وَغَيْرِهِ فَاتَ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْفَقْرُ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَفِي عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَاتَ التَّمْلِيكُ وَهُوَ الرُّكْنُ فَلِذَلِكَ جَازَ الْأَدَاءُ فِي الْأُولَى مَعَ ظُهُورِ الْغِنَى عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَجُزْ هَاهُنَا بِالِاتِّفَاقِ كَذَا قِيلَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ ا هـ دِرَايَةٌ

( فُرُوعٌ ) مِنْ مَسَائِلِ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ ذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْوَاقِعَاتِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ ادْفَعْ زَكَاتِي إلَى مَنْ شِئْت أَوْ أَعْطِهَا مَنْ شِئْت فَدَفَعَهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ جَعَلَهُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ ضَعْهَا حَيْثُ شِئْت جَازَ وَضْعُهَا فِي نَفْسِهِ وَقَالَ فِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَكَّلَ بِدَفْعِ زَكَاتِهِ فَدَفَعَهَا لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ الصَّغِيرِ أَوْ زَوْجَتِهِ يَجُوزُ وَلَا يُمْسِكُ لِنَفْسِهِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الصُّغْرَى أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ إلَى إنْسَانٍ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ جَازَ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ أَعْطِهِ مَنْ شِئْت لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ عَلَّلَ فَقَالَ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَأَحَالَهُ إلَى الْجَامِعِ لَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ بَاطِلٌ بِمَسْأَلَةِ الْوَضْعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَوْصَى إلَيْهِ بِثُلُثِهِ يَضَعُهُ أَوْ يَجْعَلُهُ حَيْثُ شَاءَ فَجَعَلَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ جَازَ كَالْمُوصِي وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُهُ أَوْ وَضْعُهُ فِي وَلَدِ الْمُوصِي كَالْمُوصِي فَإِنْ وَضَعَهُ فِي بَعْضِ وَلَدِ الْمُوصِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَيُرَدُّ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَحَدًا بَعْدَ ذَلِكَ لِانْتِهَائِهِ بِهِ وَصَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْمُوصِي وَفِي الْجَامِعِ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَضْعِ وَبَيْنَ الدَّفْعِ وَالصَّرْفِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّفْعَ وَالصَّرْفَ لِلتَّمْلِيكِ كَالْإِعْطَاءِ وَالْإِيتَاءِ وَالْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ عِنْدَهُ وَلَيْسَ الْوَضْعُ لِلتَّمْلِيكِ فَافْتَرَقَا ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ الْإِغْنَاءُ ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يُغْنِيَ بِهَا إنْسَانًا بِأَنْ يُعْطِيَ لِوَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ لِأَنَّ الْغِنَى حُكْمُهُ وَالْحُكْمُ مَعَ الْعِلَّةِ يَقْتَرِنَانِ فَحَصَلَ الْأَدَاءُ إلَى الْغَنِيِّ وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يُلَاقِي الْفَقْرَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تُتِمُّ التَّمْلِيكَ وَحَالَةُ التَّمْلِيكِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَقِيرٌ وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَنِيًّا بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ فَيَتَأَخَّرُ الْغَنِيُّ عَنْ التَّمْلِيكِ ضَرُورَةً وَلِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لَهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مَا يَسْبِقُهُ لَا مَا يَلْحَقُهُ وَلَوْ كَانَ مَانِعًا لَهُ لَمَا صَحَّ إيقَاعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا بِالْإِيقَاعِ تَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً وَكَذَا الْإِعْتَاقُ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ جَاوَرَ الْمُفْسِدَ فَصَارَ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ قَالُوا إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ قَدْرَ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وَزِيَادَةً دُونَ مِائَتَيْنِ لِأَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الدَّفْعَ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطَى قَدْرَ مَا لَوْ فَرَّقَ عَلَيْهِمْ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنُدِبَ عَنْ السُّؤَالِ ) أَيْ نُدِبَ الْإِغْنَاءُ عَنْ السُّؤَالِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَغْنَوْهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ } وَالسُّؤَالُ ذُلٌّ فَكَانَ فِيهِ صِيَانَةُ الْمُسْلِمِ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهِ وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَانِعَ وَهُوَ الْغِنَى الْمُطْلَقُ فَكَانَ أَوْلَى

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَأَحْوَجَ ) أَيْ كُرِهَ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَلِغَيْرِ كَوْنِهِمْ أَحْوَجَ فَإِنْ نَقَلَهَا إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ إلَيْهَا أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَا يُكْرَهُ فَأَمَّا كَرَاهِيَةُ النَّقْلِ لِغَيْرِ هَذَيْنِ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ { أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ } وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ فَكَانَ أَوْلَى وَأَمَّا عَدَمُ كَرَاهِيَةِ نَقْلِهَا إلَى أَقَارِبِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلِقَوْلِ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابِ خَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ صِلَةَ الْقَرِيبِ أَوْ زِيَادَةَ دَفْعِ الْحَاجَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَإِنْ نَقَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْمَكَانِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ حَتَّى لَوْ كَانَ هُوَ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ أُخْرَى يُفَرَّقُ فِي مَوْضِعِ الْمَالِ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ يُعْتَبَرُ مَكَانُهُ لَا مَكَانُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَعَبِيدِهِ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّكَاةَ مَحَلُّهَا الْمَالُ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الذِّمَّةِ وَلِهَذَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِهِمْ وَقَالُوا الْأَفْضَلُ فِي صَرْفِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى إخْوَتِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَعْمَامِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَخْوَالِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُمَّ جِيرَانِهِ ثُمَّ أَهْلِ سَكَنِهِ ثُمَّ أَهْلِ مِصْرِهِ

( قَوْلُهُ وَالذُّرَةُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِهِ ) وَيَجِبُ كَوْنُ مَحْمَلِهِ كَوْنُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ أَحْوَجَ أَوْ ذَلِكَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ إعْطَاءِ فُقَرَائِهِمْ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَسْأَلُ مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ) يَعْنِي لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ جَمْرَ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ قَالَ فِي الْغَايَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ تُحَرِّمُ سُؤَالَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَيَجُوزُ مَعَهَا سُؤَالُ الْجُبَّةِ وَالْكِسَاءِ وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الْأُوقِيَّةِ وَالْخَمْسِينَ سُؤَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ حُرْمَةُ السُّؤَالِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَرُوِيَ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ أُوقِيَّةً وَعَلَى مَنْ يَكُونُ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

( بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ) وَهُوَ لَفْظٌ إسْلَامِيٌّ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ كَأَنَّهُ مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ النُّفُوسِ وَالْخِلْقَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تَجِبُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ ذِي نِصَابٍ فَضَلَ عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ وَأَثَاثِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ ) أَيْ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَمَسْكَنِهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ أَمَّا وُجُوبُهَا فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي خُطْبَتِهِ { أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ } ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ وَبِمِثْلِهِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَتَحَقَّقَ التَّمْلِيكُ وَالْإِسْلَامَ لِتَقَعَ قُرْبَةً وَمِلْكَ النِّصَابِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى } وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ عَلَى مَا مَرَّ فِي حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ نَامِيًا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا مَرَّ

( بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ) وَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا بِالزَّكَاةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ وَأَوْرَدَهَا فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ الصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ تَرْتِيبِ الْوُجُودِ وَأَوْرَدَهَا صَاحِبُ الْكِتَابِ هُنَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الصَّدَقَةِ وَرَجَّحَهَا لِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُضَافُ لَا الْمُضَافُ إلَيْهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ شَرْطًا وَحَقُّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْعُشْرِ لِمَا أَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهَذِهِ عِبَادَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ إلَّا أَنَّ الْعُشْرَ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَهِيَ ثَبَتَتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنَّ الْعُشْرَ مِنْ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ وَالْمُرَادُ بِالْفِطْرِ يَوْمُهُ كَيَوْمِ النَّحْرِ لِمَا أَنَّ الْفِطْرَ اللُّغَوِيَّ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَسُمِّيَتْ صَدَقَةً وَهِيَ الْعَطِيَّةُ الَّتِي يُرَادُ بِهَا الْمَثُوبَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا تُظْهِرُ صِدْقَ الرَّجُلِ كَالصَّدَاقِ يُظْهِرُ صِدْقَ الرَّجُلِ فِي الْمَرْأَةِ وَإِضَافَةُ الصَّدَقَةِ إلَى الْفِطْرِ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ كَمَا فِي حُجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ مَجَازٌ لِمَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ كَمَا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ كَأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ لِيَصِيرَ مُحَرِّضًا لَهُ عَلَى الْأَدَاءِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَمَّا مَعْرِفَتُهَا فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ بَلْ هِيَ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ قِيلَ لَفْظَةٌ إسْلَامِيَّةٌ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا مَا عُرِفَتْ إلَّا فِي الْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ اسْمُهَا عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته وَيُقَالُ لَهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ رَمَضَانَ وَزَكَاةُ الصَّوْمِ ا هـ وَأَمَّا مَعْرِفَتُهَا شَرْعًا فَإِنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُعْطَى مِنْ الْمَالِ بِطَرِيقِ الصِّلَاتِ وَالْعِبَادَةِ تَرَحُّمًا

مُقَدَّرًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا تُعْطَى صِلَةً تَكَرُّمًا لَا تَرَحُّمًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْله تَجِبُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِعْلٌ وَفَاعِلُهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَذْكِيرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ ضَمِيرًا رَاجِعًا إلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي الْبَابِ فَيَجِبُ التَّأْنِيثُ حِينَئِذٍ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ نِصْفَ صَاعٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ نِصْفُ صَاعٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ ) وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِشَرْطَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ يُؤَدِّي وَلِيُّهُمَا مِنْ مَالِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى شَرْحُ النَّافِعِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ صِفَتَيْنِ لِلْعَبْدِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا رَاجِعَيْنِ إلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ الصَّغِيرُ إلَى الْحُرِّ وَالْكَبِيرُ إلَى الْعَبْدِ فَيَجِبُ الْأَدَاءُ عَنْ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ لَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ أَوْلَى وَلَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ لَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى } إلَخْ ) ذَكَرَ فِي مَجَازَاتِ الْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَجَازٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إذَا كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ غِنًى وَالظُّهْرُ هَاهُنَا كِنَايَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ فَكَانَ الْمَالُ لِلْغَنِيِّ بِمَنْزِلَةِ الظَّهْرِ الَّذِي عَلَيْهِ اعْتِمَادُهُ وَإِلَيْهِ اسْتِنَادُهُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فُلَانٌ ظَهْرُ فُلَانٍ

إذَا كَانَ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَلْتَجِئُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ وَذُكِرَ فِي الْمُغْرِبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى أَيْ صَادِرَةً عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَالظَّهْرُ فِيهِ مُقْحَمٌ كَمَا فِي ظَهْرِ الْقَلْبِ فَظَهْرُ الْغَيْبِ ا هـ كَشْفٌ كَبِيرٌ فِي بَحْثِ الْقُدْرَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ } وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مُقْتَصِرًا عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَقَالَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى } وَتَعْلِيقَاتُهُ الْمَجْزُومَةُ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ وَرَوَاهُ مَرَّةً مُسْنَدًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَنْ نَفْسِهِ وَطِفْلِهِ الْفَقِيرِ وَعَبِيدِهِ لِلْخِدْمَةِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ) يَعْنِي يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ فَقِيرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ تَجِبُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَهُمَا يَقُولَانِ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُهَا عَنْ الْغَيْرِ فَصَارَتْ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَلِهَذَا لَا يَتَحَمَّلُهَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَدُهُ الْمَجْنُونُ الْكَبِيرُ وَقَوْلُهُ وَعَبِيدُهُ لِلْخِدْمَةِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ عَبِيدِهِ لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْهُمْ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى الشَّيْءِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ وَعَبِيدُ عَبِيدٍ تَجِبُ عَنْ الْعَبِيدِ لِمَا قُلْنَا وَلَا تَجِبُ عَنْ عَبِيدِ الْعَبِيدِ إنْ كَانُوا لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كَانُوا لِلْخِدْمَةِ تَجِبُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبِيدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا تَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى هَلْ يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَمْ لَا ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْلَامُ الْعَبْدِ كَالزَّكَاةِ

( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ تَجِبُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَهُمَا ) وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى بَلَغَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عِنْدَهُمَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ ) أَيْ تَجِبُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ غَنِيًّا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا عَنْ زَوْجَتِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يَلِي عَلَيْهَا وَلَا يُمَوِّنُهَا إلَّا لِضَرُورَةِ انْتِظَامِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الرَّوَاتِبِ نَحْوُ الْأَدْوِيَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَ ) لَا ( وَلَدُهُ الْكَبِيرُ ) لِأَنَّهُ لَا يُمَوِّنُهُ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَدَّى عَنْهُ وَعَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا جَازَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً وَلَا يُؤَدِّي عَنْ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ وَنَوَافِلِهِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي مَعْنَى نَفْسِهِ( قَوْلُهُ نَحْوُ الْأَدْوِيَةِ ) أَيْ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ ) أَيْ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً ) أَيْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا الْإِعَادَةُ فِيهَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَ ) لَا ( مُكَاتَبِهِ ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَ ) لَا ( عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ لَهُمَا ) أَيْ لَا تَجِبُ عَنْ عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْعَبِيدِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ وَهُمَا يَرَيَانِهَا وَقِيلَ لَا تَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النَّصِيبَ لَا يَجْتَمِعُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ تَتِمَّ الرَّقَبَةُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَتْ لَهُمَا جَارِيَةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا عَنْ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا وَعَنْ الْوَلَدِ تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ تَامَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ لَا يَتَجَزَّأُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ وَلَدًا لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ عَلَيْهِمَا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا وَالْمُؤْنَةَ عَلَيْهِمَا فَكَذَا الصَّدَقَةُ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّجَزُّؤِ كَالْمُؤْنَةِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ أَوْ مَأْسُورٌ أَوْ مَغْصُوبٌ مَجْحُودٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِهِمْ وَمِنْ الْمَرْهُونِ تَجِبُ فِي الْمَشْهُورِ إنْ فَضَلَ بَعْدَ الدَّيْنِ قَدْرَ النِّصَابِ وَكَذَا بِسَبَبِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي حَيْثُ تَجِبُ عَنْهُمَا كَيْفَمَا كَانَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ فِي الرَّهْنِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْتَغْرَقِ وَالْجَانِي وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَوْلَى ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتَهُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا مُكَاتَبُهُ إلَخْ ) وَفِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ أَقْوَالٌ سِتَّةٌ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لَعَلَّهُ أَقْوَى فِي الدَّلِيلِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَقِ كُلِّهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ حُرٌّ عِنْدَهُمَا وَبَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ تُنْظَرُ فِي الْغَايَةِ السُّرُوجِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ) وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ قِسْمَةِ الرَّقِيقِ جَبْرًا وَلَمْ يَجْتَمِعْ لِوَاحِدٍ مَا يُسَمَّى رَأْسًا وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْقِسْمَةِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْقِسْمَةِ بِنَاءً عَلَى الْمِلْكِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ الْمُؤْنَةِ عَنْ وِلَايَةٍ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَلِذَا تَجِبُ عَنْ الْوَلَدِ وَلَا مِلْكَ وَلَا تَجِبُ عَنْ الْآبِقِ مَعَ الْمِلْكِ فِيهِ وَلَوْ سَلَّمَ فَجَوَازُ الْقِسْمَةِ لَيْسَ عِلَّةً تَامَّةً لِثُبُوتِهَا وَكَلَامُنَا فِيمَا قَبْلَهَا وَقَبْلَهَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ رَأْسٌ كَامِلٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ ) يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ هُوَ رَأْسٌ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ لِأَنَّ الْمُفَادَ بِالنَّصِّ مِنْ قَوْلِهِ تَمُونُونَ عَلَيْكُمْ مُؤْنَتَهُ وَلَيْسَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُؤْنَتُهُ بَلْ بَعْضُهَا وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ إيَّاهُ وَلَا سَبَبَ إلَّا هَذَا فَعِنْدَ انْتِفَائِهِ يَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّ الْعَدَمَ يُؤَثِّرُ شَيْئًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ ) يَعْنِي لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَعْبُدْ مَثَلًا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ عَبْدَيْنِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْخَامِسِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) وَحَكَى الزَّعْفَرَانِيُّ والإسبيجابي قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ

مَعَ أَبِي يُوسُفَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمَا فَكَذَا الصَّدَقَةُ إلَخْ ) وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا أَوْ مَيِّتًا فَعَلَى الْآخَرِ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَهُمَا وَلَا نَصَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ إلَخْ ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ مِنْ الْإِبَاقِ أَوْ رُدَّ الْمَغْصُوبُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا مَضَى يَوْمُ الْفِطْرِ كَانَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ مَا مَضَى ا هـ ( قَوْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الْفِطْرُ بِكَسْرِ الْفَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ قَبْلَ الْمُوصَى لَهُ وَقَبْلَ رَدِّهِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُسْتَعَارُ الْوَدِيعَةُ وَالْجَانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ مِنْ سَهْوِ الْقَلَمِ وَلَوْ بِيعَ الْعَبْدُ بَيْعًا فَاسِدًا فَمَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ قَبْلَ قَبْضِهِ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَأَعْتَقَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَهُوَ مَقْبُوضُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْبَائِعُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ مِلْكِهِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ لِأَحَدٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ كَالْمُعَارِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ تَجِبُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ دُونَ الْخِدْمَةِ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَجِبُ عَلَى مَالِك الْخِدْمَةِ ا هـ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَرَقِيقُ الْأَحْبَاسِ وَرَقِيقُ الْقُوَّامِ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى زَمْزَمَ وَرَقِيقُ الْفَيْءِ وَرَقِيقُ الْغَنِيمَةِ وَالسَّبْيِ

وَالْأَسْرَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا فِطْرَةَ فِيهِمْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ لِمُعَيَّنٍ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَتَوَقَّفُ لَوْ مَبِيعًا بِخِيَارِ ) أَيْ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ صَدَقَةِ فِطْرِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا وَإِذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْعَبْدُ لَهُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ فُسِخَ فَعَلَى الْبَائِعِ وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ وَالزَّوَالُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ حُكْمِ عَلَيْهِ كَالْمُقِيمِ إذَا سَافَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَيْثُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ أَنْشَأَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ مِنْ وَظَائِفِهِ كَالنَّفَقَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ وَالْوِلَايَةَ مَوْقُوفَانِ فِيهِ فَكَذَا مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فُسِخَ يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ أُجِيزَ يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَكُونُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَصُورَتُهُ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا وَكَانَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَتَمَّ الْحَوْلُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعِنْدَنَا يُضَمُّ إلَى نِصَابِ مَنْ يَصِيرُ الْعَبْدُ لَهُ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَتُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا لَهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْقَبْضِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ وَلَمْ يَتَقَرَّرْ وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ غَيْرُ مُنْتَفِعٍ بِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَإِنْ رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ

فَعَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَتَأَكُّدِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَبَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَصَدَقَتُهُ عَلَيْهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ وَلَوْ قَبَضَهُ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَعَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي يَقْتَصِرُ عَلَى الْقَبْضِ( قَوْلُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ ) أَيْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى تَأْوِيلِ التَّصَدُّقِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لِلْمُشْتَرِي إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ ( قَوْلُهُ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ ) فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فِي الْحَالِ فَلَوْ جَعَلْنَاهَا مَوْقُوفَةً مَاتَ الْمَمْلُوكُ جَوْعًا فَلِأَجْلِ الضَّرُورَةِ اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْمِلْكَ لِلْحَالِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا ) أَيْ وَقْتَ الْوُجُوبِ ا هـ كَاكِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ) أَيْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ( أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الزَّبِيبُ بِمَنْزِلَةِ الشَّعِيرِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ صَاعٌ وَلَا يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ { كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ } وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ ذَكَرَ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي خُطْبَتِهِ { أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ } الْحَدِيثَ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ فَقَالَ إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ بُرٍّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الطَّعَامِ } وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ } وَهُوَ مُرْسَلُ سَعِيدٍ وَمَرَاسِيلُهُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْخَصْمِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ أَمَرَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ } وَقَالَ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لَا يُجْزِئُهُ فَكَانَ إجْمَاعًا وَحَدِيثُ

الْخُدْرِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَرَّعُونَ بِالزِّيَادَةِ وَكَلَامُنَا فِي الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَنَظِيرُهُ مَا قَالَ جَابِرٌ { كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَقَوْلُ أَسْمَاءَ كَانَتْ لَنَا فَرَسٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَبَحْنَاهَا وَأَكَلْنَاهَا كُلُّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حُجَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ عِلْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ وَلَهُمَا فِي الزَّبِيبِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يُقَارِبُ التَّمْرَ مِنْ حَيْثُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّفَكُّهُ وَلَهُ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ وَلِأَنَّهُ وَالْبُرُّ يَتَقَارَبَانِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَلَا يَرْمِي مِنْ الْبُرِّ النُّخَالَةَ وَلَا مِنْ الزَّبِيبِ الْحَبَّ إلَّا الْمُتَرَفِّهُونَ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ يُرْمَى مِنْهُمَا النَّوَى وَالنُّخَالَةُ وَبِهِ ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ دَقِيقَ الْبُرِّ وَسَوِيقَهُ كَالْبُرِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا مِنْ الشَّعِيرِ وَحُكْمُهُمَا أَنَّهُمَا كَالشَّعِيرِ حَتَّى يَجِبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّاعُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ احْتِيَاطًا لِضَعْفِ الْآثَارِ فِيهِمَا لِعَدَمِ الِاشْتِهَارِ حَتَّى إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً تَتَأَدَّى بِالْقَدْرِ وَإِلَّا فَبِالْقِيمَةِ وَعَلَى هَذَا فِي الزَّبِيبِ أَيْضًا يُرَاعَى فِيهِ الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ قِيمَةُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَبْلُغُ قَدْرَ الْوَاجِبِ وَالْخُبْزُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ أَنْ يَكُون مَنَوَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ مِنْ دَقِيقِهِ نِصْفُ صَاعٍ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ خُبْزِهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ وَالصَّحِيحُ

أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْقَدْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الْأَثَرُ فَصَارَ كَالذُّرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ فِيهَا الْأَثَرُ بِخِلَافِ الدَّقِيقِ وَالزَّبِيبِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ ) أَيْ الصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحِجَازِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ وَخَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ أَصْغَرُ مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمَّا حَجَّ سَأَلَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَنْ الصَّاعِ فَقَالُوا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَجَاءَهُ جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَهُ صَاعُهُ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ آخَرُ أَخْبَرَنِي أَخِي أَنَّهُ صَاعُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ مَذْهَبِهِ وَلَنَا مَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَرَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَنَّهُ صَاعٌ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَجَّاجِيِّ وَكَانَ يَفْتَخِرُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَيَقُولُ أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَشْهُورٌ وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أَنَّهُ أَصْغَرُ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْحَجَّاجِيِّ وَالْجَمَاعَةُ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقُومُ بِهِمْ حُجَّةٌ لِكَوْنِهِمْ مَجْهُولِينَ نَقَلُوا عَنْ

مَجْهُولِينَ مِثْلَهُمْ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الصَّاعِ وَإِنَّمَا أَبُو يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَ صَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَدَهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِرِطْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهَلْ أَكْبَرُ مِنْ رِطْلِ أَهْلِ بَغْدَادَ لِأَنَّهُ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا وَالرِّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ عِشْرُونَ إسْتَارًا فَإِذَا قَابَلَتْ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالْمَدَنِيِّ تَجِدُهُمَا سَوَاءً فَوَقَعَ الْوَهْمُ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَهُوَ أَشْبَهُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَذَكَرَهُ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ ثُمَّ يَعْتَبِرُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَزْنِ فِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّاعِ بِأَنَّهُ كَمْ رِطْلٌ هُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوَزْنِ إذْ لَا مَعْنَى لِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ إلَّا إذَا اُعْتُبِرَ بِهِ وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِالصَّاعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكَيْلِ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَأَعْجَلُ بِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ قُلْنَا لَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ أَيْضًا

نِصْفُ ( قَوْلُهُ أَوْ زَبِيبٌ ) أَلْحَقَهُ شَيْخُنَا وَلَيْسَ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ ) وَصَحَّحَهَا أَبُو الْيُسْرِ لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِصَاعٍ كَمَا سَتَقِفُ عَنْ قَرِيبٍ وَرَفَعَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعِزَّةِ الزَّبِيبِ فِي زَمَانِهِ كَالْحِنْطَةِ لَا يَقْوَى لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَى قَدْرٍ فِيهِ لَا يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ فِيهِ نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كُنَّا نُخْرِجُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مَوْقُوفٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهِ رِوَايَةٌ فِيمَا عَلِمْت قَالُوا وَالطَّعَامُ هُوَ الْبُرُّ بِدَلِيلِ ذِكْرِ الشَّعِيرِ مَعَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ ) وَالْأَقِطُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ جُبْنُ اللَّبَنِ بَعْدَ إخْرَاجِ زُبْدِهِ وَقِيلَ جُبْنٌ يُتَّخَذُ مِنْ لَبَنٍ حَامِضٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ ذَكَرَ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ ) رَوَاهُ مَالِكٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ التَّفَكُّهُ ) وَالِاسْتِحْلَاءُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالْبُرُّ يَتَقَارَبَانِ ) فِي الْمَعْنَى ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْله وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعِيَ فِيهِمَا ) أَيْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى إذَا كَانَتْ ) أَيْ الْحِنْطَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ صَحِيحَةً ) أَيْ غَيْرَ مَطْحُونَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ تَتَأَدَّى بِالْقَدْرِ وَإِلَّا فَبِالْقِيمَةِ ) وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ يُؤَدِّي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ قِيمَتُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ حَتَّى لَوْ كَانَ أَقَلَّ لَا يَجُوزُ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْأَحْوَطُ فِي الزَّبِيبِ الْقِيمَةُ لِعَدَمِ شُهْرَةِ النَّصِّ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ وَالْخُبْزُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ) فَإِنَّ فِي الْغَالِبِ كَوْنُ نِصْفِ صَاعٍ دَقِيقٍ لَا يَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعٍ مَا هُوَ دَقِيقُهُ بَلْ يَزِيدُ

حَتَّى لَوْ فُرِضَ نَقْصُهُ كَمَا يَتَّفِقُ فِي أَيَّامِ الْبِدَارِ كَانَ الْوَاجِبُ مَا قُلْنَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الْأَثَرُ ) أَيْ وَهُوَ مَوْزُونٌ غَيْرُ مَكِيلٍ وَالْكَيْلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ بِالنَّصِّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَالذُّرَةِ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَأَصْلُهُ ذَرْوٌ أَوْ ذَرْيٌ وَالْهَاءُ عِوَضٌ ا هـ ( قَوْلُهُ بِالْبَغْدَادِيِّ ) فِي الْهِدَايَةِ بِالْعِرَاقِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ ) أَيْ بِالْبَغْدَادِيِّ ا هـ غَايَةٌ وَالرِّطْلُ زِنَةُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ وَهُوَ الْعَدَسُ وَالْمَاشُّ فَمَا وَسِعَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةً وَثُلُثًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الصَّاعُ كَذَا قَالُوا وَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ آنِفًا فِي تَقْدِيرِ الصَّاعِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا إذَا تَأَمَّلَ ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالرِّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلُ أَصَحُّ ا هـ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْعَدَسُ وَالْمَاشُّ يَسْتَوِي فِيهِمَا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَعْنِي أَنَّ الصَّاعَ مِنْهُمَا يَكُونُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَالثَّمَانِيَةُ الْأَرْطَالُ مِنْهُمَا صَاعٌ وَمَا سِوَاهُمَا قَدْ يَكُونُ الْوَزْنُ أَقَلَّ مِنْ الْكَيْلِ كَالْمِلْحِ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ كَالشَّعِيرِ فَإِذَا كَانَ الْمِكْيَالُ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْعَدَسِ وَالْمَاشِّ فَهُوَ الصَّاعُ الَّذِي يُكَالُ بِهِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ ا هـ غَايَةٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مَا نَصُّهُ الصَّاعُ كَيْلٌ يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ فَقْدٍ وَثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ الْمَجِّ وَهُوَ الْمَاشُّ أَوْ مِنْ الْعَدَسِ وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِهِمَا لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ حَبَّاتِهِمَا عِظَمًا

وَصِغَرًا وَتَخَلْخُلًا وَاكْتِنَازًا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُبُوبِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا كَثِيرٌ غَايَةُ الْكَثْرَةِ وَإِنِّي قَدْ وَزَنْت الْمَاشَّ وَالْحِنْطَةَ الْجَيِّدَةَ الْمُكْتَنَزَةَ وَالشَّعِيرَ وَجَعَلْتهَا فِي الْمِكْيَالِ فَالْمَاشُّ أَثْقَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةُ مِنْ الشَّعِيرِ فَالْمِكْيَالُ الَّذِي يُمْلَأُ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْمَجِّ يُمْلَأُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ الْمُكْتَنَزَةِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُقَدَّرَ الصَّاعُ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ إنْ قُدِّرَ بِالْحِنْطَةِ الْمُكْتَنَزَةِ فَكَمَا يُجْعَلُ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْحِنْطَةِ يُمْلَأُ بِهَا وَإِنْ كَانَ يُمْلَأُ بِأَقَلَّ مِنْ تِلْكَ إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ الْمُتَخَلْخِلَةُ لَكِنْ إنْ قُدِّرَ بِالْمَجِّ يَكُونُ أَصْغَرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَحْوَطَ ا هـ وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا وَلَعَلَّ تَقْدِيرَ الصَّاعِ بِثَمَانِيَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ وَثُلُثٍ مِنْ الْمَاشِّ وَالْعَدَسِ لِمَا كَانَ فِيهِ مَا فِيهِ أَوْرَدَهُ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ مُتَبَرِّيًا عَنْهُ بِلَفْظِ كَذَا قَالُوا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ ) وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافٌ فِي قَدْرِ صَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَمَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ أَصْغَرُ فَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ هُوَ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ وَمُدُّنَا أَكْبَرُ الْأَمْدَادِ فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي قَلِيلِنَا وَكَثِيرِنَا وَاجْعَلْ لَنَا مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ } ا هـ ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَفِي تَرْكِهِ

إنْكَارَ كَوْنِهِ أَصْغَرَ الصِّيعَانِ بَيَانٌ أَنَّ صَاعَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ ا هـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ كَوْنِ السُّكُونِ حُجَّةً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ حَتَّى يَلْزَمَ رَدُّهُ إنْ كَانَ خَطَأً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَسَاقَهُ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ يَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ رِطْلَيْنِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَاهُ فِي الْغَايَةِ مَرَّةً بِتَعْرِيفِ مُدٍّ وَمَرَّةً بِتَنْكِيرِهِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ } هَكَذَا وَقَعَ مُفَسَّرًا عَنْ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فِي ثَلَاثَةِ طُرُقٍ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ وَكَانَ ذَلِكَ قَدْ فُقِدَ فَأَخْرَجَهُ الْحَجَّاجُ وَكَانَ يَمُنُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَيَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ عُمَرَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ حَجَّاجِيًّا أَيْضًا ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ ) أَيْ وَهُوَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَبُو يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَضْعِيفِهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِ النَّقْلِ عَنْ مَجْهُولِينَ مِنْ النَّظَرِ بَلْ الْأَقْرَبُ مِنْهُ عَدَمُ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ خِلَافَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلَ ضَعْفِ أَصْلِ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ رَوَاهَا ثِقَةٌ لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِعَامَّةِ النَّاسِ وَمُشَافَهَتَهُ إيَّاهُمْ مِمَّا يُوجِبُ شُهْرَةَ رُجُوعِهِ وَلَوْ كَانَ لَمْ يَعُمَّهُ مُحَمَّدٌ فَهُوَ عَلَى بَاطِنِهِ ا هـ قَوْلُهُ مِنْ النَّظَرِ لِأَبِي يُوسُفَ عُرِفَ

بِوُجُوهِ الِاسْتِدْلَالِ ثُمَّ لَمْ يُخَالِفْ ذَلِكَ طَرِيقَ الْأُصُولِ لِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَنْ لَيْسَ بِمَعْلُومِ الْجُرْحِ وَلَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِيهِ الْأَصْلُ فِي الْمُسْلِمُ الْعَدَالَةُ مَا لَمْ تَثْبُتْ الرِّيبَةُ وَلَا طَرِيقَ الْمُحَدِّثِينَ إذْ الضَّعِيفُ يَرْتَقِي حَدِيثُهُ إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَعْفُهُ بِالْكَذِبِ فَإِنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الَّذِينَ أَخْبَرُوا أَبَا يُوسُفَ فِيهِمْ ضَعِيفٌ لَارْتَقَى إخْبَارُهُمْ الْمَذْكُورُ إلَى الْحُجَّةِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ تَعَدُّدًا كَثِيرًا فَكَيْفَ وَهُوَ يَقُولُ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كُلٌّ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ( قَوْلُهُ عِشْرُونَ إسْتَارًا ) الْإِسْتَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ فَإِذَا ضَرَبْت مِائَةً وَسِتِّينَ فِي سِتَّةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ يَصِيرُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ا هـ بَاكِيرٌ ( قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ ) حَتَّى لَوْ وَزَنَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ فَدَفَعَهَا إلَى الْقَوْمِ لَا يَجْزِيهِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحِنْطَةِ ثَقِيلَةً لَا تَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ وَإِنْ وَزَنَتْ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ ) أَيْ وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّدَّةِ فَالْأَدَاءُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ دَقِيقِهِ أَفْضَلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِي زَمَنِ السَّعَةِ الدَّرَاهِمُ أَفْضَلُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ ) إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ا هـ هِدَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( صُبْحَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ ) أَيْ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَصُبْحَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِتَجِب فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ يَتَعَلَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِانْفِصَالِ الصَّوْمِ وَذَلِكَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ وَهَذَا لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ لِرَمَضَانَ لَا لِشَوَّالٍ وَيَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ لَيْلَتُهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ شَوَّالٍ فَمَنْ وُلِدَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ مَلَكَ فِيهَا نِصَابًا لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَمْلِكْ فِي رَمَضَانَ وَنَحْنُ نَقُولُ يَتَعَلَّقُ بِفِطْرٍ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ وَهُوَ الْيَوْمُ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ فِطْرَةً لِأَنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فِطْرٌ بَعْدَ صَوْمٍ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلِهَذَا يُقَالُ يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا بِقَوْلِهِمْ لَيْلَةَ الْفِطْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ تَقْدِيرُهُ لَيْلَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ وَهُوَ الْيَوْمُ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ لَوْ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ ) أَيْ جَازَ أَدَاءُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إذَا قَدَّمَهُ عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ وَهُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ أَمَّا جَوَازُ التَّقْدِيمِ فَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ وَلَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ فِي الصَّحِيحِ وَعِنْدَ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَا فِطْرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَقِيلَ

يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقِيلَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا أَصْلًا كَالْأُضْحِيَّةِ قُلْنَا الْأُضْحِيَّةَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَلَا تَكُونُ عِبَادَةً إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ بِخِلَافِ التَّصَدُّقِ وَأَمَّا جَوَازُ الْأَدَاءِ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْأَدَاءِ كَالزَّكَاةِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ اخْتَصَّتْ بِيَوْمِ الْعِيدِ فَتَسْقُطُ بِمُضِيِّهِ كَالْأُضْحِيَّةِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ قُلْنَا هِيَ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ كَالزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا تَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي وَقْتِهَا وَإِذَا مَضَى وَقْتُهَا لَا تَسْقُطُ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّصَدُّقِ بِهَا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ بِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ } وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَيُقَدِّمَ لِلْفَقِيرِ أَيْضًا لِيَأْكُلَ مِنْهَا قَبْلَهَا وَيَتَفَرَّغَ لِلصَّلَاةِ وَيَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ فَرَّقَهُ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِغْنَاءُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَغْنَوْهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ } وَلَا يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْكَرْخِيُّ تَفْرِيقَ صَدَقَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى مَسَاكِينَ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ يَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ وَيَجُوزُ دَفْعُ مَا يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةٍ

إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ فَصَارَ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْقِيَاسُ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّبَبِ فَهُوَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَسُقُوطُ مَا يُسْتَحَبُّ إذَا وَجَبَ بِفِعْلٍ قَبْلَ الْوُجُوبِ خِلَافُ الْقِيَاسِ فَلَا يَتِمُّ فِي مِثْلِهِ إلَّا السَّمْعُ وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ إلَى أَنْ قَالَ وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ } وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بِإِذْنٍ سَابِقٍ فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمَّا كَانَ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ لَمْ يَصْرِفْهُمْ لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُسْمَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( فَائِدَةٌ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ الصَّوْمُ لِكِبَرٍ أَوْ عُذْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الصَّوْمُ بِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا ) قَائِلُهُ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَإِذَا مَضَى وَقْتُهَا لَا تَسْقُطُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا قِيلَ مِنْ مَنْعِ سُقُوطِ الْأُضْحِيَّةَ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى التَّصَدُّقِ بِهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ كَوْنُ نَفْسِ الْأُضْحِيَّةَ وَهُوَ إرَاقَةُ دَمٍ سُنَّ مُقَدَّرٍ قَدْ سَقَطَ وَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ سُقُوطُهَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُقَدَّمِ أَوَّلَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ لَكِنْ قَدْ يُرْفَعُ بِاتِّحَادِ مَرْجِعِ ضَمِيرِ أَدَّاهَا فِي الْمَرَّتَيْنِ إذْ يُفِيدُ أَنَّهَا هِيَ

الْمُؤَدَّاةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَصَ الثَّوَابَ فَصَارَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ ظَاهِرِهِ يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي بَاقِي الْيَوْمِ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُهُ هُوَ مَصْرُوفٌ عَنْهُ عِنْدَهُ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَأَمَّا وَقْتُ أَدَائِهَا فَيَوْمُ الْفِطْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَبَعْدَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَدَاءً وَيَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَا بِالِافْتِقَارِ بَعْدَ وُجُوبِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ ) وَاَلَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ا هـ غَايَةٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَمَنْ أَدَّاهَا ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَإِنْ أَدَّاهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ إلَى آخِرِهِ ) وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا وَاحِدًا لِأَنَّ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِغْنَاءُ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ جَازَ ا هـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي آخِرِ فَتَاوِيهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَأَدَّى لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَلْسًا وَجَمْعُ ذَلِكَ الْفُلُوسِ يَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ يَجُوزُ ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا

يَفْعَلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ وَبِهَذَا لَا يَقَعُ الْغِنَى ا هـ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِغْنَاءِ لَا بِالْمَسْأَلَةِ يَعْنِي أَغْنَوْهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قِيلَ الْمِثْلُ زَائِدٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَفَائِدَتُهُ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ إذْ لَوْ لَمْ يُذْكَرْ لَاقْتَصَرَ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ ا هـ كَشْفٌ كَبِيرٌ فِي بَحْثِ الْقُدْرَةِ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَا يَجِبُ عَنْ جَمَاعَةٍ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَمَا يَجِبُ عَنْ وَاحِدٍ لِمَسَاكِينَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ جَوَّزَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرُ الْكَرْخِيِّ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يُجَوِّزْ دَفْعَ مَا يَجِبُ لِوَاحِدٍ إلَى الْمَسَاكِينِ قَالُوا لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ا هـ وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا وَيَجُوزُ التَّلْفِيقُ مِنْ جِنْسَيْنِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَلَنَا أَنَّ الْمُخَيَّرَ إذَا أَخْرَجَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ مَثَلًا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ فِي قَدْرِهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ نِصْفٌ فَوَجَبَ أَنْ يُخَيَّرَ فِي أَدَائِهِ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ شَاءَ كَالْأَوَّلِ سُرُوجِي .

( كِتَابُ الصَّوْمِ ) الصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ { إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنْسِيًّا } أَيْ صَمْتًا وَسُكُوتًا وَكَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا فِي دِينِهِمْ وَقَالَ النَّابِغَةُ خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا أَيْ مُمْسِكَةٌ عَنْ السَّيْرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ بِنِيَّةٍ مِنْ أَهْلِهِ ) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ نَهَارًا مَعَ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَشْمَلُ فَإِنَّهُ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِهِ احْتَرَزَ عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ فَخَرَجُوا مِنْهُ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَلَى مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ وَقَالَ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَمْ يَقُلْ نَهَارًا كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ لِأَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ } فَلَمْ يَكُنْ صَحِيحًا مُخْلِصًا وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِالْيَوْمِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذِّرًا وَمَنْهِيًّا عَنْهُ تَعَيَّنَ الْيَوْمُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ إذْ تَرْكُ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ مُعْتَادٌ وَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَةِ مِنْ الْعَادَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَنَفْلٌ فَالْفَرْضُ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ كَرَمَضَانَ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْوَاجِبُ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالنَّفَلُ كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْجُمْلَةُ خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا صَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ لِأَنَّ فَرْضِيَّتَهُ ثَبَتَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ } الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ } وَذَكَرَ مِنْهَا { صَوْمَ رَمَضَانَ } وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَكَذَا قَضَاؤُهُ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالْكِتَابِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مَا يَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ قِيلَ الشَّهْرُ لِمَا تَلَوْنَا وَلِهَذَا لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ ثُمَّ جُنَّ بَاقِيهِ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ صَوْمُ الشَّهْرِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } فَيَسْتَوِي فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ الْأَكْلُ بِاللَّيْلِ لِتَعَذُّرِ الْوِصَالِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقِيلَ إنَّ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ الصِّيَامَ مُتَفَرِّقٌ فِي الْأَيَّامِ تَفَرُّقَ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ بَلْ أَشَدَّ لِدُخُولِ وَقْتٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الصَّوْمُ وَهُوَ اللَّيْلُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ يَوْمٍ سَبَبًا عَلَى حِدَةٍ وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ عَنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَلْزَمُهُ صَوْمُهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ اللَّيْلَ وَهَذَا اخْتِيَارُ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَرُكْنُهُ الْكَفُّ عَنْ اقْتِضَاءِ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَالثَّوَابُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } وقَوْله تَعَالَى { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا

عَاهَدْتُمْ } فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ فَرْضًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ قُلْنَا الْكِتَابُ مَخْصُوصٌ خُصَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ قَطْعِيًّا كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ بَعْدَمَا خُصَّ وَلَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَمَا جَازَ وَبِمِثْلِهِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لَا الْفَرْضِيَّةُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ النَّذْرُ وَلِهَذَا جَازَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ تَقْدِيمُهُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَقَدْ بَيَّنَّا الشَّرْطَ وَالرُّكْنَ وَالْحُكْمَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَا نُعِيدُهُ

( كِتَابُ الصَّوْمِ ) الْحِكْمَةُ فِي الصَّوْمِ حُصُولُ التَّقْوَى لِمُبَاشِرِهِ إذْ لَا مَشْرُوعَ أَدَلُّ عَلَى التَّقْوَى مِنْهُ فَإِنَّ مَنْ أَدَّى هَذِهِ الْأَمَانَةَ كَانَ أَشَدَّ أَدَاءً لِغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ وَأَكْثَرَ اتِّقَاءً لِمَا يُخَافُ حُلُولُهُ مِنْ النِّقْمَةِ بِمُبَاشَرَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقَاذُورَاتِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } وَفِيهِ مَعْرِفَةُ قَدْرِ النِّعَمِ وَمَعْرِفَةُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ مِنْ تَحَمُّلِ مَرَارَةِ الْجُوعِ فَيَكُونُ حَامِلًا عَلَى مُوَاسَاتِهِمْ وَفِيهِ إطْفَاءُ حَرَارَةِ الشَّهْوَةِ الْخَدَّاعَةِ الْمُنْسِيَةِ لِلْعَوَاقِبِ وَرَدُّ جِمَاحِ النَّفْسِ الْأَمَارَةِ بِالسُّوءِ وَانْقِيَادِهَا لِطَاعَةِ مَوْلَاهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانٍ لَا تُحْصَى ا هـ كَشْفٌ كَبِيرٌ ( قَوْلُهُ هُوَ الْإِمْسَاكُ ) مُطْلَقًا صَامَ عَنْ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ النَّابِغَةُ ) أَيْ الذُّبْيَانِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ تَأْكُلُ ( قَوْلُهُ وَالْجِمَاعُ إلَى آخِرِهِ ) وَأَلْحَقَ بِالْجِمَاعِ مَا هُوَ فِي الْجِمَاعِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ مَعَ الْإِنْزَالِ عَلَى مَا يَأْتِي وَكَذَا بِالْأَكْلِ مَا لَيْسَ بِأَكْلٍ كَمَا لَوْ اسْتِقَاءَ عَامِدًا أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً إذَا وَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ عَلَى مَا يَأْتِي ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلِهِ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَلَى مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقْضُ طَرْدِهِ بِإِمْسَاكِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَا يَصْدُقُ الْمَحْدُودُ عَنْ إمْسَاكٍ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَذَلِكَ بَعْدَمَا أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ وَعَكْسُهُ النَّاسِي فَإِنَّهُ يَصْدُقُ مَعَهُ الْمَحْدُودُ وَهُوَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ وَهَذَا فَسَادُ الْعَكْسِ وَجُعِلَ فِي النِّهَايَةِ إمْسَاكُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مُفْسِدًا لِلْعَكْسِ وَجُعِلَ أَكْلُ

النَّاسِي مُفْسِدًا لِلطَّرْدِ وَالتَّحْقِيقُ مَا أَسْمَعْتُك وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مَوْجُودٌ مَعَ أَكْلِ النَّاسِي فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ أَكْلَهُ عَدَمًا وَالْمُرَادُ مِنْ النَّهَارِ الْيَوْمُ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ وَبِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ خَرَجَتْ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لِلصَّوْمِ شَرْعًا وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ مِنْ الْعِنَايَةِ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ مَنْوِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي وَقْتِهِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَعْنَاهُ وَهُوَ تَفْصِيلُهُ ا هـ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ الَّتِي قَدَّمَهَا أَوَّلَ الْبَابِ وَفِي الشَّرْعِ إمْسَاكٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَعَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنًا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ عَنْ نِيَّةٍ وَنَكَّرْنَا الْبَطْنَ وَوَصَفْنَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ إلَى بَاطِنِ دِمَاغِهِ شَيْءٌ فَسَدَ أَوْ إلَى بَاطِنِ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا يَفْسُدُ ا هـ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا زِيدَ فِي حَدِّ الصَّوْمِ بِإِذْنِهِ حَتَّى لَا يُنْتَقَضَ بِصَوْمِ الْحَائِضِ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ وَلَيْسَتْ بِمَأْذُونَةٍ فِيهِ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُنْتَقَضُ حِينَئِذٍ بِصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّ صَوْمَهُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَكُمْ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ عَدَمِ وُجُودِ الْإِذْنِ فِيهِ بَلْ الْإِذْنُ مَوْجُودٌ مِنْ الشَّارِعِ فِيهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ مَشْرُوعٌ فِيهِ وَإِنَّمَا النَّهْيُ بِاعْتِبَارِ تَرْكِ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى ا هـ مُلَخَّصًا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْكَمَالُ عَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ إلَى الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ الْوَرْسَكِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ وِسَادَك لَعَرِيضٌ إنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلُ وَبَيَاضُ النَّهَارِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهَارَ مِنْ

طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ النَّهَارُ ضِدُّ اللَّيْلِ وَاللَّيْلُ يَنْتَهِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَقْسَامُهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَمَسْنُونٌ وَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا فَالْأَوَّلُ رَمَضَانُ وَقَضَاؤُهُ وَالْكَفَّارَاتُ لِلظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ لِثُبُوتِ هَذِهِ بِالْقَاطِعِ سَنَدًا وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا ، وَالْوَاجِبُ الْمَنْذُورُ وَالْمَسْنُونُ عَاشُورَاءُ مَعَ التَّاسِعِ وَالْمَنْدُوبُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُنْدَبُ فِيهَا كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ وَكُلُّ صَوْمٍ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ كَصَوْمِ دَاوُد وَنَحْوِهِ وَالنَّفَلِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا عَاشُورَاءُ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ وَنَحْوُ يَوْمِ الْمِهْرَجَانِ وَتَحْرِيمًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ وَسَنَعْقِدُ بِذَيْلِ هَذَا الْبَابِ فُرُوعًا لِتَفْصِيلِ هَذِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَسَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَخْ ) وَسَبَبُ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ أَسْبَابُهَا مِنْ الْحِنْثِ وَالْقَتْلِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ إلَخْ ) قَالَ الْعَلَامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الشُّرُوطِ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيُرَادُ بِالْعِلْمِ الْإِدْرَاكُ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا ا هـ (

قَوْلُهُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ ) وَالْوَقْتُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَنَيْلُ الثَّوَابِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا وَإِلَّا فَالثَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ ) بِالرَّفْعِ وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِالنَّصْبِ قَوْلُهُ خَصَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ إلَخْ وَالنَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ ( قَوْلُهُ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ) أَيْ أَوْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاجِبٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ قَطْعِيًّا ) فَإِنْ قِيلَ قَدْ خَصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ } الْمَجَانِينَ وَالصِّبْيَانَ وَأَصْحَابَ الْأَعْذَارِ مَعَ هَذَا ثَبَتَتْ الْفَرِيضَةُ قُلْنَا خُصُّوا بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ عَدَمُ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَخْصُوصُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ لَا يُخْرِجُ النَّصَّ عَنْ الْقَطْعِ أَوْ لَمَّا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا دَاخِلِينَ فَلَا يَكُونُ تَخْصِيصًا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ ) أَيْ فَيُفِيدُ الْوُجُوبَ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا شُرُوطُ لُزُومِ النَّذْرِ وَهِيَ كَوْنُ الْمَنْذُورِ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لَا لِغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ كَلِمَاتُ الْأَصْحَابِ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْبَدَائِعِ يُفْتَرَضُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى غَيْرِ مَا يَنْبَغِي هَذَا لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ النَّذْرُ ) وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَوَجَبَ أَوْ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَ عَنْهُ جُمَادَى وَيَوْمًا آخَرَ أَجْزَأَ عَنْ الْمَنْذُورِ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَيَلْغُو تَعْيِينُ الْيَوْمِ لِأَنَّ صِحَّةَ النَّذْرِ وَلُزُومَهُ بِمَا بِهِ يَكُونُ الْمَنْذُورُ عِبَادَةً إذْ لَا نَذْرَ بِغَيْرِهَا

وَالْمُحَقَّقُ كَذَلِكَ الصَّوْمُ لَا خُصُوصُ الزَّمَانِ وَلَا بِاعْتِبَارِهِ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَهُوَ فَرْضٌ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَهُوَ وَاجِبٌ وَالنَّفَلُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ ) أَيْ جَازَتْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الصَّوْمِ بِنِيَّةِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنْ يُعَيِّنَ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَكَذَا يَجُوزُ أَيْضًا صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَالثَّانِي فِي كَيْفِيَّتِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الْكُلُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ وَيَعْزِمْ } وَيُرْوَى { لِمَنْ لَمْ يُجَمِّعْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ } بِالتَّشْدِيدِ وَيَجْمَعْ بِالتَّخْفِيفِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَكَذَا الثَّانِي لِعَدَمِ التَّجَزِّي أَوْ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ وَقَاسَهُ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ مِنْهُ النَّفَلَ لِحَدِيثِ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا فَقَالَ إنِّي إذًا صَائِمٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ صَائِمًا بَعْضَ النَّهَارِ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى النَّشَاطِ أَوْ لِأَنَّ النَّفَلَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاةُ النَّفْلِ قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ

أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } أَبَاحَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالصِّيَامِ بَعْدُ بِكَلِمَةِ ثُمَّ وَهِيَ لِلتَّرَاخِي فَتَصِيرُ الْعَزِيمَةُ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا مَحَالَةَ وَرُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ } وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ } أَوْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى اللَّيْلِ فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَنْ يَصُومَ غَدًا لَا يَصِحُّ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ اللَّيْلِ بَلْ نَوَى أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ وَقْتِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الصِّيَامِ كَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلِأَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ النَّفَلَ فَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فِي التَّعَيُّنِ وَلِأَنَّهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ لَا عَلَى صَوْمٍ آخَرَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلْأَدَاءِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ التَّقْدِيمُ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي جِنْسِ الصَّائِمِينَ كَمَا فِي يَوْمِ الشَّكِّ وَكَالْمَجْنُونِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ الْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ فِيهِ فَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِجَوَازِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَلَا يَلْزَمُنَا الْحَجُّ مَرَّةً وَالصَّلَاةُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النِّيَّةِ فِيهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُمَا أَرْكَانٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى الْعَقْدِ كَيْ لَا يَمْضِيَ بَعْضُ الرُّكْنِ بِلَا نِيَّةٍ

ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ وَنِصْفِهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا وَقْتِ الزَّوَالِ فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَبْلَهَا لِتَتَحَقَّقَ فِي الْأَكْثَرِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ وَكَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَصِحُّ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَنَحْنُ نَقُولُ الصَّوْمُ عِبَادَةً قَهْرُ النَّفْسِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ الْمُقَدَّرِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَصَارَ كَالْقَضَاءِ قُلْنَا هُمَا يُخَالِفَانِ الْغَيْرَ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ وَهَذَا لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مُتَعَيَّنٌ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمَا تَأْخِيرُهُ تَحْقِيقًا لِلرُّخْصَةِ فَإِذَا صَامَاهُ الْتَحَقَا بِالصَّحِيحِ الْمُقِيمِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فَصَوْمُ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ وَكَذَلِكَ يَتَأَدَّى النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى فِيهِ وَاجِبًا آخَرَ يَكُونُ عَمَّا نَوَى وَلَا يَكُونُ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَوْمٌ مَعْلُومٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَنَا أَنَّ رَمَضَانَ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ فَكَانَ مُتَعَيَّنًا لِلْفَرْضِ وَالْمُتَعَيَّنُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فَيُصَابُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ غَيْرِهِ

بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ بِلَا نِيَّةٍ حَيْثُ لَا يَكُونُ عَنْهُ خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ فَكَانَ مُتَرَدِّدًا بِأَصْلِهِ مُتَعَيَّنًا بِوَصْفِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فِي الْمُتَرَدِّدِ لَا فِي الْمُتَعَيَّنِ فَيُصَابُ بِالْمُطْلَقِ وَمَعَ الْخَطَإِ فِي الْوَصْفِ كَالْمُتَوَحِّدِ فِي الدَّارِ يُصَابُ بِاسْمِ جِنْسِهِ وَمَعَ الْخَطَإِ فِي الْوَصْفِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَيْ لَا تَلْزَمَهُ الْمَشَقَّةُ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا الْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَكُونُ عَمَّا نَوَى لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ وَرُخْصَتُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُطْلَقِ السَّفَرِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِنْ نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ رُخْصَةَ الْمُسَافِرِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّفَرِ وَرُخْصَةَ الْمَرِيضِ بِالْعَجْزِ فَإِذَا صَامَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ فَالْتَحَقَ بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ نَوَيَا النَّفَلَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ أَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ الْوَقْتَ إلَى الْأَهَمِّ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ تَرْكُ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ بَدَنِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِأَجْلِ زِيَادَةِ دِينِهِ وَلَوْ نَوَى فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ صَحَّ عَمَّا نَوَى بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَمَضَانَ تَعَيَّنَ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ وَلَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ صَلَاحِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ وَفِي النَّذْرِ تَعَيَّنَ بِتَعْيِينِ النَّاذِرِ وَلَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ صَلَاحِيَّةِ مَا لَهُ وَهُوَ النَّفَلُ لَا مَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَنَحْوُهُ وَجَوَازُ النَّفْلِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ ظَاهِرٌ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ ) أَيْ

مَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَنْوَاعِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ إذْ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُتَعَيَّنٌ لَهَا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَمْ تَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيَّنٌ لَهَا وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِمْسَاكُ عَلَيْهَا أَيْ النِّيَّةِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَهُوَ فَرْضٌ ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ فَرْضٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ وَاجِبٌ ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ وَاجِبٌ قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد إلَخْ ) وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَلَمْ يَرَوْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ إلَّا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ وَالْأَكْثَرُ عَلَى وَقْفِهِ وَقَدْ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَبْلُغُ بِهِ حَفْصَةَ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ إلَخْ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا يُجَابُ قَبْلَ نَسْخِهِ بِرَمَضَانَ إذْ لَا يُؤْمَرُ مَنْ أَكَلَ بِإِمْسَاكِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ إلَّا فِي يَوْمٍ مَفْرُوضِ الصَّوْمِ بِعَيْنِهِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ وَلَمْ يَنْوِهِ لَيْلًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِيهِ نَهَارًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ كَانَ وَاجِبًا وَقَدْ مَنَعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ فَإِنِّي صَائِمٌ فَصَامَ النَّاسُ } قَالَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ سَمِعَ هَذَا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ سَمْعُهُ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نَسْخِهِ بِإِيجَابِ رَمَضَانَ وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَمْ يُفْرَضْ بَعْدَ إيجَابِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ فِي وُجُوبِهِ وَإِنْ كَانَ سَمْعُهُ قَبْلَهُ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ قَبْلَ افْتِرَاضِهِ وَنَسْخُ عَاشُورَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ } انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ فَرْضِيَّةِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ النَّسْخُ دَلَالَتُهُ عَلَى شَرَائِطَ كَالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَدْ نُسِخَ وَلَمْ يُنْسَخْ سَائِرُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا انْتَهَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالرَّجُلُ مِنْ أَسْلَمَ ( قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ ) فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ غَايَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ( قَوْلُهُ بَلْ نَوَى أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ وَقْتِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ إلَخْ ) فَيَكُونُ الْجَارُّ وَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ مُتَعَلِّقًا بِصِيَامِ الثَّانِي لَا بِبَيْتٍ وَيُجْمَعُ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ الْمُقْتَرِنَةُ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ إلَخْ ) يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّخْفِيفِ فِي النَّفْلِ بِذَلِكَ ثُبُوتُ مِثْلِهِ فِي الْفَرْضِ أَلَا تَرَى إلَى جَوَازِ النَّافِلَةِ جَالِسًا بِلَا عِلَّةٍ وَعَلَى الدَّابَّةِ بِلَا عُذْرٍ مَعَ عَدَمِهِ فِي الْفَرْضِ وَالْحَقُّ أَنَّ صِحَّتَهُ فَرْعُ ذَلِكَ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ جَوَازُ الصَّوْمِ فِي الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِالنَّصِّ عُلِمَ عَدَمُ اعْتِبَارِ فَرْضٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْلِ فِي هَذَا الْحُكْمِ انْتَهَى فَتْحٌ وَمِنْ فُرُوعِ النِّيَّةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ اللَّيْلِ فِي الْكُلِّ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٌ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيَّ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى لَوْ نَوَى

الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ فِطْرٍ فَصَامَ أَحَدًا وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ يَوْمَ الْقَضَاءِ جَازَ وَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَضَاءِ قِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا فَصَامَ شَهْرًا يَنْوِي الْقَضَاءَ عَنْ الشَّهْرِ الَّذِي عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ نَوَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا لِغَيْرِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ صَامَ شَهْرًا يَنْوِي الْقَضَاءَ عَنْ سَنَةِ كَذَا عَلَى الْخَطَإِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ أَفْطَرَ ذَلِكَ قَالَ لَا يَجُوزُ بِهِ وَإِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ رَمَضَانُ تَحَرَّى وَصَامَ فَإِنْ ظَهَرَ صَوْمُهُ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَهُ جَازَ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ شَوَّالًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ فَلَوْ كَانَ نَاقِصًا فَقَضَاءُ يَوْمَيْنِ أَوْ ذَا الْحِجَّةِ قَضَى أَرْبَعَةً لِمَكَانِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ فَإِنْ اتَّفَقَ كَوْنُهُ نَاقِصًا عَنْ ذَلِكَ الرَّمَضَانِ قَضَى خَمْسَةً ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ هَذَا إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ أَمَّا إذَا نَوَى صَوْمَ غَدٍ أَدَاءً لِصِيَامِ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ رَمَضَانَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ وَهُوَ حَسَنٌ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ كَيْ لَا يَمْضِيَ بَعْضُ الرُّكْنِ ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ الْأَرْكَانُ ( قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ ) أَيْ فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الرُّكْنُ عِبَادَةً انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ اخْتَصَّ اعْتِبَارَهَا بِوُجُودِهَا فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَمَا رَوَيْتُمْ لَا يُوجِبُهُ قُلْنَا لَمَّا كَانَ مَا رَوَيْنَاهُ وَاقِعَةَ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ وَاحْتَمَلَ كَوْنَ إجَازَةِ الصَّوْمِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِيهَا فِي أَكْثَرِهِ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْلَمِيَّ بِالنِّدَاءِ كَانَ وَالْبَاقِي مِنْ النَّهَارِ أَكْثَرُهُ وَاحْتَمَلَ كَوْنَهَا لِلتَّجْوِيزِ مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا فِي الْوَاجِبِ فَقُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ خُصُوصًا وَمَعَنَا نَصٌّ يَمْنَعُهَا مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا وَعَضَّدَهُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ مِنْ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَعَلَى اعْتِبَارِ هَذَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ كُلِّ النَّهَارِ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ اكْتَفَى بِهَا فِي أَقَلِّهِ فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ الْآخَرُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ النَّفَلُ ) قَالَ فِي الدَّارِيَةِ وَفِي النِّيَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ لَهُ قَوْلَانِ ثُمَّ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَجَوَّزْنَاهُ فَهُوَ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ ا هـ قَالَ السُّرُوجِيُّ التَّجَزِّي فِي النَّفْلِ لَيْسَ قَوْلًا لِلشَّافِعِي بَلْ يُنْسَبُ ذَلِكَ لِلْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبُ فِي الْمُجَرَّدِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا ) وَهُوَ الْيَوْمَ لَيْسَ لَفْظًا شَرْعًا فِي الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ يَكُونُ عَمَّا نَوَى ) أَيْ مِنْ الْوَاجِبِ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ ذَكَرَهُ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ عَنْهُ خِلَافًا لِزُفَرِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ قَالَ زُفَرُ يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيم بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ غَيْرِ رَمَضَانَ لِتَعَيُّنِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَمَا لَوْ دَفَعَ نِصَابَ الزَّكَاةِ جَمِيعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَهَذَا لِأَنَّ الزَّمَانَ مِعْيَارٌ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ إلَّا صَوْمٌ وَاحِدٌ وَإِذَا كَانَ

صَوْمُ رَمَضَانَ مُسْتَحَقًّا فِيهِ انْتَفَى غَيْرُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مُزَاحِمٌ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبًا لِزُفَرَ وَيَقُولُ مَذْهَبُهُ تَأْدِيَةُ جَمِيعِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَأَلْزَمَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ زُفَرَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ أَيَّامًا صَائِمًا إذَا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَالَ فَإِنْ الْتَزَمَهُ مُلْتَزِمٌ كَانَ مُسْتَبْشَعًا ا هـ سَرُوجِيٌّ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ يُكْتَفَى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَمَضَانَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ ) كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ ( قَوْلُهُ يَكُونُ عَمَّا نَوَى ) أَيْ بِلَا اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ ) أَيْ لِتَحَتُّمِ الْوَاجِبِ فِي الْحَالِ وَغَيْرُهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي رَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ الْآخَرِ الَّذِي نَوَاهُ لَوْ مَاتَ فِيهِ وَكَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ آكَدَ وَأَحَقَّ فَصُرِفَ إلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمَرِيضُ فِي النِّيَّةِ كَالصَّحِيحِ فِي الْأَصَحِّ ا هـ وَفِي الْبَدَائِعِ الْكَرْخِيُّ سَوَّى بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ التَّسْوِيَةُ هِيَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ نَوَى بِهِ الْمَرِيضُ وَاجِبًا آخَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ صَوْمَهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ وَهَكَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَمُرَادُهُ مَرِيضٌ يُطِيقُ الصَّوْمَ وَيَخَافُ مِنْهُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ أَطْلَقَ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي الْمُسَافِرِ

وَالْمَرِيضِ قُلْت وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْفِقْهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَقِيلَ لَا رِوَايَةَ فِي إطْلَاقِ النِّيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى النَّفَلَ فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا الْمَرِيضُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى أَيْ الْمَرِيضُ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إلَخْ ) أَيْ لِأَنَّ التَّعْيِينَ إنَّمَا حَصَلَ لِوِلَايَةِ النَّاذِرِ فَلَا يَعْدُو النَّاذِرَ فَصَحَّ تَعْيِينُهُ فِيمَا لَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى النَّفَلُ مَشْرُوعًا فَأَمَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى مُحْتَمَلًا بِحَقِّهِ أَعْنِي الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ فَلَا فَاعْتُبِرَ فِي احْتِمَالِهِمَا بِمَا لَوْ لَمْ يَنْذُرْ كَذَا فِي الْكَافِي وَبِهِ يَظْهَرُ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ ) وَنَحْوُهُ الْكَفَّارَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنْوَاعُ الصَّوْمِ سِتَّةٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ وَهِيَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَالنَّفَلُ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ ذَلِكَ وَثَلَاثَةٌ لَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَالنِّيَّةُ فِيهَا لِتَعْيِينِ الْوَقْتِ لَهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لَهَا وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ تَقَعُ نَفْلًا فَلَا يُمْكِنُ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْوِيلُهُ إلَى الْوَاجِبِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ أَصْبَحَ لَمْ يَنْوِ فِطْرًا وَلَا غَيْرَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ وَصَامَ يُجْزِئُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْفِطْرَ لَا يُجْزِئْهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالتَّسَحُّرُ مِنْهُ نِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ

لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ والمرغيناني إذَا نَوَى الْإِفْطَارَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِطْرًا حَتَّى يَأْكُلَ وَكَذَا لَوْ نَوَى الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا وَكَذَا لَوْ نَوَى الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ وَفِي اللَّيْلِ لَوْ نَوَى الْإِفْطَارَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ نِيَّتِهِ يَكُونُ رُجُوعًا ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ أَوْ نَامَ بَعْدَ النِّيَّةِ لَا تَبْطُلُ نِيَّتُهُ وَحَكَى الْأَكْثَرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَيَجِبُ تَجْدِيدُهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَجَعَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ هَذَا عَامَ حَجَّ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ هَذَا خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ دُونَ اللِّسَانِ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَصِيرَ صَائِمًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ الْإِبْطَالُ بَلْ هُوَ لِلِاسْتِعَانَةِ وَطَلَبًا لِلتَّوْفِيقِ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ انْتَهَى غَايَةٌ مُلَخَّصًا ( قَوْلُهُ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ ) أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْمُتْعَةِ وَالْحَلْقِ وَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ انْتَهَى كَاكِيٌّ وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ مِنْ النَّهَارِ فَلَمْ يَصِحَّ هَلْ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ نَعَمْ وَلَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ قِيلَ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ

يَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي الْمَضْمُونِ انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ) يَوْمًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا } وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ الْتِمَاسُ الْهِلَالِ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يُشِيرُ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ خَنْسٍ يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيَجِبُ طَلَبُهُ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا ) وَوَقَعَ الشَّكُّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ فَيَقَعُ الشَّكُّ أَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ آخَرُ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ وَإِنَّمَا كُرِهَ غَيْرُ التَّطَوُّعِ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِرَجُلٍ هَلْ صُمْت مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ قَالَ لَا قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْت فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ } وَفِي لَفْظٍ فَصُمْ يَوْمًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِي دَاوُد } وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكُلُّ وَهُوَ مَذْهَبُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُهُ سُمِّيَ بِهِ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى

صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا زَادَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صَوْمِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَاشْتَهَرَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَهُ أَحْمَدُ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْوِيَ رَمَضَانَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ صَحَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ شَهِدَ الشَّهْرَ وَصَامَهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَانٌّ وَالثَّانِي أَنْ يَنْوِيَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهِيَةِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَقَدْ قِيلَ يَكُونُ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ مِنْ الْوَاجِبِ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ تَرْكِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَهُوَ يُلَازِمُ كُلَّ صَوْمٍ وَالْكَرَاهِيَةُ هُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ لَا غَيْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَا بَيَّنَّا وَمَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَمِنْ قَوْلِهِ لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا لَا أَصْلَ لَهُ وَيُرْوَى الْأَوَّلُ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ ثُمَّ إنْ صَامَ ثَلَاثَةً مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ أَوْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ

ذَلِكَ فَقَدْ قِيلَ الْفِطْرُ أَفْضَلُ احْتِرَازًا عَنْ ظَاهِرِ النَّهْيِ وَقِيلَ الصَّوْمُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ رَادًّا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ عَلِيًّا مَذْهَبُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ غَيْمٌ يَصُومُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ وَيَأْمُرُ الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى أَنْ يَذْهَبَ وَقْتَ النِّيَّةِ ثُمَّ يَأْمُرَهُمْ بِالْإِفْطَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ ثُمَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَهُوَ مَا إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ إنْ أَفْسَدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا وَالرَّابِعُ أَنْ يَضَّجِعَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَصُومَ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَصُومَهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا لِعَدَمِ الْجَزْمِ فِي الْعَزِيمَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَدَاءً فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ أَوْ نَوَى إنْ وَجَدَ سَحُورًا فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ وَالْخَامِسُ أَنْ يَضْجَعَ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ ثُمَّ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانِ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِوُجُودِ الْجَزْمِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ لِلتَّرَدُّدِ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ وَتَعْيِينُ الْجِهَةِ شَرْطٌ فِيهِ لَكِنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِشُرُوعِهِ مُسْقِطًا وَالسَّادِسُ أَنْ يَنْوِيَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَيُكْرَهُ لِأَنَّهُ نَاوٍ لِلْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ صَارَ تَطَوُّعًا

غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا ثَبَتَ فِي مِصْرٍ لَزِمَ سَائِرَ النَّاسِ فَيَلْزَمُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ رُؤْيَةُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِأَنَّ السَّبَبَ الشَّهْرُ وَانْعِقَادُهُ فِي حَقِّ قَوْمٍ لِرُؤْيَةٍ لَا يَسْتَلْزِمُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ آخَرِينَ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَصَارَ كَمَا لَوْ زَالَتْ أَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَى قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ وَجَبَ عَلَى الْأَوَّلِينَ الظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ دُونَ أُولَئِكَ وَجْهُ الْأَوَّلِ عُمُومُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ صُومُوا مُعَلَّقًا لِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهِ لِرُؤْيَتِهِ وَبِرُؤْيَةِ قَوْمٍ يَصْدُقُ اسْمُ الرُّؤْيَةِ فَيَثْبُتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ عُمُومِ الْحُكْمِ فَيَعُمُّ الْوُجُوبُ بِخِلَافِ الزَّوَالِ وَأَخِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَعَلُّقُ عُمُومِ الْوُجُوبِ بِمُطْلَقِ مُسَمَّاهُ فِي خِطَابٍ مِنْ الشَّارِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ مُتَأَخِّرِي الرُّؤْيَةِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ أُولَئِكَ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ حَتَّى لَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ أَهْلُ بَلَدِ كَذَا رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَكُمْ فَصَامُوا وَهَذَا الْيَوْمُ ثَلَاثُونَ بِحِسَابِهِمْ وَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْهِلَالَ لَا يُبَاحُ فِطْرُ غَدٍ وَلَا تُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدٍ شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ وَمُخْتَارُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ اعْتِبَارُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَعُورِضَ لَهُمْ بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ قَدِمْت الشَّامَ فَقَضَيْت حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت

الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُوهُ فَقُلْت رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْته فَقُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَوَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصَوْمِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَكَّ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِي نَكْتَفِي بِالنُّونِ أَوْ بِالتَّاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ نَصٌّ وَذَاكَ مُحْتَمَلُ الْمُرَادِ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ مَطْلَعٍ مُكَلَّفُونَ بِالصَّوْمِ لِرُؤْيَتِهِمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ قَالَ إنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ هَكَذَا إلَى نَحْوِ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِينَئِذٍ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَ مَا وَقَعَ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ وَقَعَ لَنَا لَمْ نَحْكُمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَلَا عَلَى حُكْمِ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قِيلَ إخْبَارُهُ عَنْ صَوْمِ مُعَاوِيَةَ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ سَلَّمَ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحْوَطُ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْتِمَاسُ الْهِلَالِ إلَخْ ) هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ ) تَسَاهُلٌ فَإِنَّ التَّرَائِيَ إنَّمَا يَجِبُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَا فِي الْيَوْمِ الَّتِي هِيَ عَشِيَّتُهُ نَعَمْ لَوْ رُئِيَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَ كَرُؤْيَتِهِ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ انْتَهَى فَتْحٌ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ آخِرَ الْبَابِ (

قَوْلُهُ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ ) خَنَسَ بِالْخَاءِ وَالنُّونِ أَجْوَدُ مِمَّنْ قَالَ حَبَسَ الْإِبْهَامَ بِمَعْنَى عَطَفَهُ انْتَهَى غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ خَنْسٍ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى غَايَةٌ ( قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ) وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ انْتَهَى غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ ( قَوْلُهُ وَفِي لَفْظِ فَصُمْ يَوْمًا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّرَرَ قَدْ يُقَالُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ لَيَالِي الشَّهْرِ لَكِنْ دَلَّ قَوْلُهُ صُمْ يَوْمًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صُمْ آخِرَهَا لَا كُلَّهَا وَإِلَّا قَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَكَانَهَا وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ سُرَرِ الشَّهْرِ لِإِفَادَةِ التَّبْعِيضِ وَعِنْدَنَا هَذَا يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِهِ لَا وُجُوبَهُ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَهْيِ التَّقَدُّمِ بِصِيَامِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ التَّقَدُّمَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَيَصِيرُ حَدِيثُ السُّرَرِ لِلِاسْتِحْبَابِ ( قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ ) أَيْ فِي صَوْمِ دَاوُد الْكُلَّ أَيْ يَوْمَ الشَّكِّ وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُهُ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَكَذَلِكَ سِرَارُهُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ اسْتَسَرَّ الْقَمَرُ أَيْ خَفِيَ لَيْلَةَ السِّرَارِ فَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَةً وَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَتَيْنِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهِيَةِ ) أَيْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي زِيَادَةِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِخِلَافِ الثَّانِي ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ ) يَعْنِي إذَا صَامَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يُنَازِعُ فِيمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ

فِي صَوْمِهَا لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَهَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّهَا تَصُومُهُ عَلَى أَنَّهُ يَوْمٌ مِنْ شَعْبَانَ كَيْ لَا تَقَعَ فِي إفْطَارِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَيَبْعُدُ أَنْ تَقْصِدَ بِهِ رَمَضَانَ بَعْدَ حُكْمِهَا بِأَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ وَكَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ احْتِمَالٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الْخَاصَّةِ وَهُوَ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ ضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ الْإِضْجَاعِ فِي النِّيَّةِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ أَفْتَى الْعَامَّةُ بِالنَّفْلِ عَسَى يَقَعُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ أَطْلَقَهَا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ أَنْ يُضَجِّعَ ) وَالتَّضْجِيعُ فِي النِّيَّةِ هُوَ التَّرَدُّدُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ إلَخْ ) رَأَيْت عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ حَاشِيَةً بِغَيْرِ خَطِّهِ نَصُّهَا أَوْرَدَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ فِي الدَّرْسِ عَلَى هَذَا وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِجَوَازِ صَوْمِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَوَيْت صِيَامَهُ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ صَحِيحٌ وَالْكَلَامُ الْآخَرُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِبْطَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جُمْلَةٌ أُخْرَى وَهَذَا إعْرَاضٌ عَنْ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي نِيَّةِ ذَلِكَ لَا التَّلَفُّظُ بِهِ ا هـ مَا رَأَيْته ( قَوْلُهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ إلَخْ ) رَأَيْت عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الشَّارِحِ حَاشِيَةً بِغَيْرِ خَطِّهِ نَصُّهَا وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ فُقَهَاءِ الدَّرْسِ تَرَدُّدٌ فِيمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ هَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا أَوْ لَا وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ وَصْفَ الْكَرَاهَةِ عَامٌّ لِلْوَجْهَيْنِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا وَكَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَوَجْهُ

الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَلِأَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ مِنْ وَجْهٍ وَنِيَّةُ الْفَرْضِ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِسَبَبِ الْكَرَاهَةِ ا هـ مَا رَأَيْته وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ كَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ ) أَيْ حَيْثُ نَوَى رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَالنَّفَلُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إنْ كَانَ مُلْتَزِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرِ وَرَدَّ قَوْلَهُ صَامَ ) أَمَّا إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } وَقَدْ رَآهُ ظَاهِرًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ وَأَمَّا هِلَالُ الْفِطْرِ فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَنْ يَصُومَ وَلَا يُفْطِرَ إلَّا مَعَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ } وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ } وَالنَّاسُ لَمْ يُفْطِرُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفْطِرَ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ وَالْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَتِهِ يَدُلُّ عَلَى خَطَإِ هَذَا الرَّائِي مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي قُوَّةِ النَّظَرِ وَحِدَّةِ الْبَصَرِ وَمَعْرِفَةِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ وَالْحِرْصِ مِنْهُمْ عَلَى طَلَبِهِ وَلَعَلَّهُ رَأَى شَعْرَةً طَوِيلَةً قَائِمَةً بِحَاجِبِهِ أَوْ جُفُونِهِ وَقِيلَ لَا يَصُومُ بَلْ يَأْكُلُ سِرًّا وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ أَيْ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَكِنْ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ وَلَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ عِنْدَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى فَقَطْ ) أَيْ إنْ أَفْطَرَ بَعْدَمَا رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمَّا الْفِطْرُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ فَيَكُونُ شُبْهَةً وَأَمَّا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا رَدَّ شَهَادَتَهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاشْتِبَاهَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ

فَمَسَحَ عُمَرُ عَلَى حَاجِبِهِ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ الْهِلَالُ فَقَالَ فَقَدْته يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَعَلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ شَعْرَةً مِنْ حَاجِبِهِ أَوْ جَفْنِهِ تَقَوَّسَتْ فَظَنَّهَا هِلَالًا وَقِيلَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا لِلظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِطَرِ وَلِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ فِي رَمَضَانَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلِأَنَّ رَدَّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ حُكْمٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ بِالشَّهَادَةِ فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ ثُمَّ جَاءَ الْمَقْتُولُ حَيًّا لَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْقِصَاصُ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِهِ يَصِيرُ شُبْهَةً وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا إنْ أَفْطَرَ بِالْوِقَاعِ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ حَقِيقَةً لِتَيَقُّنِهِ بِهِ وَحُكْمًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَالْإِمَامُ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَخْرُجُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لِمَا مَرَّ وَلَوْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَصَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الصَّوْمَ احْتِيَاطًا وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ مُوَافَقَةِ النَّاسِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

( قَوْلُهُ وَرُدَّ قَوْلَهُ ) أَيْ وَرَدَّهُ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ إنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ لِتَفَرُّدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا عِلَّةٌ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا ا هـ غَايَةٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ } ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ وَقْتُ صَوْمِكُمْ الْمَفْرُوضِ يَوْمَ صَوْمِكُمْ لِأَنَّ نَفْسَ الصَّوْمِ فِعْلُنَا وَهُوَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَإِنَّمَا لَا يَحْتَاجُ لِلْحُكْمَيَّ وَهُوَ شَهْرُ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ شَرْعًا لَا بِفِعْلِ النَّاسِ فَبَيَّنَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ شَهْرَ الصَّوْمِ يَوْمُ صَوْمِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ ) أَيْ فَإِنْ أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّهِ فَلَا رِوَايَةَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ ) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ) أَيْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ ا هـ غَايَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ رُؤْيَتَهُ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ الصَّوْمَ وَعَدَمُ صَوْمِ النَّاسِ الْمُتَفَرِّعُ عَنْ تَكْذِيبِ الشَّرْعِ إيَّاهُ قَامَ شُبْهَةً فِيهِ مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ بِحُكْمِ النَّصِّ بِالصَّوْمِ يَوْمَ يَصُومُ النَّاسُ وَعَدَمُ فِطْرِ النَّاسِ الْيَوْمَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ صَوْمِهِ مُوجِبٌ لِلصَّوْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ النَّصِّ أَيْضًا وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي عِنْدَهُ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ وَكَوْنُهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بِالنَّصِّ شُبْهَةً فِيهِ

مَانِعَةً مِنْ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إذَا أَفْطَرَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَهُوَ فَاسِقٌ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَأَفْطَرَ هُوَ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ خِلَافًا لِلْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمِ النَّاسِ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ لِأَنَّ وَجْهَ النَّفْيِ كَوْنُهُ بِمَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ هُنَا ا هـ فَتْحٌ

( وَقُبِلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ وَلَوْ قِنًّا أَوْ أُنْثَى لِرَمَضَانَ وَحُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ لِلْفِطْرِ ) أَيْ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ خَبَرُ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً وَفِي هِلَالِ الْفِطْرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ حُرٍّ وَامْرَأَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ وَالْعِلَّةُ الْغَيْمُ أَوْ الْغُبَارُ وَنَحْوُهُمَا أَمَّا هِلَالُ رَمَضَانَ فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَرِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ يُتَحَرَّى فِي قَبُولِ الْفَاسِقِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَلَقِّيهِ مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ لِأَنَّهُ وَاقِعَةٌ خَاصَّةً لَا يُمْكِنُ اسْتِصْحَابُ الْعُدُولِ فِيهَا وَفِي هِلَالِ رَمَضَانَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ مُتَشَوِّقُونَ إلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِيهِ وَفِي عُدُولِهِمْ كَثْرَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ فِيهِ كَمَا فِي رِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ أَنْ يَكُونَ مَسْتُورًا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ بِالْعَدَالَةِ وَلَا بِالدَّعَارَةِ وَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَمَا تَابَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُضُورُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا يَكُونُ مُلْزَمًا إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَقْبَلُونَ أَخْبَارَ أَبِي بَكْرَةَ بَعْدَمَا حُدَّ فِي الْقَذْفِ لِكَوْنِهِ عَدْلًا وَلِهَذَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يُشْتَرَطُ الْمُثَنَّى اعْتِبَارًا

بِسَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ { جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَقَالَ أَتَشَهَّدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشَهَّدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ لَفْظُهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَسَائِرِ الْأَخْبَارِ ثُمَّ إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَأَكْمَلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ لَا يُفْطِرُونَ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلِاحْتِيَاطِ وَلِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِالْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفِطْرُ ابْتِدَاءً كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِرْثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا ابْتِدَاءً وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا يُفْطِرُونَ لِظُهُورِ غَلَطِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً يُفْطِرُونَ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْغَلَطِ وَأَمَّا هِلَالُ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ فَيُشْتَرَطُ فَهِيَ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ حُقُوقِهِمْ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَدِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الدَّعْوَى كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا فَائِدَةً جَلِيلَةً لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا هِيَ أَنَّ الرَّمَضَانِيَّةَ إذَا ثَبَتَتْ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ فِي حَدِّ الْأَمْرِ الدِّينِيِّ وَهُوَ الصَّوْمُ يَثْبُتُ جَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَالْعِتْقِ وَالْأَيْمَانِ وَحُلُولِ الْآجَالِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا وَضِمْنًا وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِقَوْلِ الْوَاحِدِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَمَا فِي شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَقْبُولَةً ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ابْتِدَاءً قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ الْمُسَمَّى بِالْمُضْمَرَاتِ مَا نَصُّهُ فِي الْمُحِيطِ الْوَاحِدِ إذَا شَهِدَ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْقَاضِي وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ وَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَلَمَّا أَتَمُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ شَوَّالٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَصُومُونَ مِنْ الْغَدِ وَإِنْ غُمَّ يَوْمَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَلَا يُفْطِرُونَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُفْطِرُونَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ بِلَا خِلَافٍ وَالْحُجَّةُ لَهُمَا أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ لَا تُقْبَلُ فِي الْفِطْرِ فَلَا يُفْطِرُونَ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْفِطْرَ مِنْ أَحْكَامِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فَيَجُوزُ كَمَا قُلْنَا فِي حِلِّ الْآجَالِ وَحِنْثِ الْأَيْمَانِ انْتَهَى فَقَوْلُهُ كَمَا قُلْنَا إلَى آخِرِهِ شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُتَّفِقِ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قِنًّا ) أَيْ رَقِيقًا وَاخْتَارَ هَذَا اللَّفْظَ لِيَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ وَمُعْتَقَ الْبَعْضِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَوْ أُنْثَى لِيَشْمَلَ

الْأَمَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ انْتَهَى ع ( قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ إلَخْ ) الْمُرَادُ أَنَّهُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ إلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ لَا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِهِ الْخِلَافُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا وَلَا ثُبُوتَ فِي الْمَسْتُورِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ تُقْبَلُ شَهَادَةٌ الْمَسْتُورِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ فَصَارَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُتَحَقِّقَ فِي الْمَذْهَبِ هُوَ اشْتِرَاطُ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ أَوْ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّتْرِ هَذَا وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى شَهَادَةِ الْوَاحِدِ أَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ فَلَا قَائِلَ بِهِ عِنْدَنَا وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا لَوْ شَهِدُوا فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ إنْ كَانُوا فِي هَذَا الْمِصْرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ وَإِنْ جَاءُوا مِنْ خَارِجٍ قُبِلَتْ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا بِالدِّعَارَةِ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَابِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالدَّعَارَةُ الْفِسْقُ وَالْخُبْثُ يُقَالُ هُوَ خَبِيثٌ دَاعِرٌ بَيِّنُ الدَّعَرِ وَالدَّعَارَةِ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَخْ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ يُتَمَسَّكُ بِهِ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ فِي قَبُولِ الْمَسْتُورِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنْ لَا مُتَمَسَّكَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْإِسْلَامِ بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ إنْ كَانَ هُوَ أَوَّلَ إسْلَامِهِ فَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ أَسْلَمَ عَدْلًا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ خِلَافُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ إخْبَارًا عَنْ حَالِهِ السَّابِقِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ قَدْ ثَبَتَتْ

بِإِسْلَامِهِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِبَقَائِهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ الْخِلَافُ وَلَمْ يَكُنْ الْفِسْقُ غَالِبًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَعَارُضِ غَلَبَةِ ذَلِكَ الْحَاصِلِ فَيَجِبُ التَّوْقِيفُ إلَى ظُهُورِهَا انْتَهَى ( قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ ) قَالَ الْكَمَالُ هَكَذَا الرَّاوِيَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ قَبِلَهُ بِغَيْمٍ أَوْ فِي صَحْوٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا لَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ ثُمَّ خَصَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْفَتَاوَى أَضَافُوا مَعَهُ أَبَا يُوسُفَ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فِي قَبُولِهِ فِي صَحْوٍ وَفِي قَبُولِهِ بِغَيْمٍ أَخَذَ يَقُولُ مُحَمَّدٌ انْتَهَى فَرْعٌ إذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ إنْ كَانُوا أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ إنْ لَمْ يَرَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَضَوْا يَوْمًا وَاحِدًا حَمْلًا عَلَى نُقْصَانِ شَعْبَانَ غَيْرَ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ أَكْمَلُوا شَعْبَانَ عَنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ قَضَوْا يَوْمَيْنِ احْتِيَاطًا انْتَهَى لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ شَعْبَانَ مَعَ مَا قَبْلِهِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ كَانُوا بِالضَّرُورَةِ مُكَمِّلِينَ رَجَبٍ انْتَهَى كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى غَايَةٌ الْأَتْقَانِيِّ ( قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ ) أَيْ تَبَعًا وَضِمْنًا انْتَهَى ( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِالْوَاحِدِ ) مَثَّلَ بِثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ لَا بِثُبُوتِ الْفِطْرِ فَهُوَ مَعْنَى مَا أَجَابَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ حُسَيْنًا قَالَ لَهُ يَثْبُتُ الْفِطْرُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَقَالَ لَا بَلْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِثُبُوتِهِ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَبِالضَّرُورَةِ يَثْبُتُ الْفِطْرُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتَهَى

فَتْحٌ وَلَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَفْطَرُوا بِتَمَامِ الْعِدَّةِ اتِّفَاقًا انْتَهَى كَافِي وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ لَا يُفْطِرُونَ وَهَكَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنْ قَبِلَهَا فِي صَحْوٍ لَا يُفْطِرُونَ أَوْ فِي غَيْمٍ أَفْطَرُوا لِتَحَقُّقِ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الثُّبُوتِ فِي الثَّانِي وَلَا اشْتِرَاكَ فِي عَدَمِ الثُّبُوتِ أَصْلًا فِي الْأَوَّلِ فَصَارَ كَالْوَاحِدِ لَمْ يَبْعُدْ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ) وَهَذَا الِاسْتِشْهَادُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ لَا يُتَصَوَّرُ ذِكْرُهُ فِي الْإِيضَاحِ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُ فِي الْفِرَاشِ انْتَهَى مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ) أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ وَعِتْقُ الْعَبْدِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الدَّعْوَى فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ انْتَهَى فَتْحٌ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا فَجَمْعٌ عَظِيمٌ لَهُمَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فِيهِمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ جَمَاعَةً كَثِيرَةً بِحَيْثُ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِي خَبَرِهِ حَتَّى يَكُونَ جَمْعًا كَثِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَقُّ الْغَيْمُ مِنْ مَوْضِعِ الْهِلَالِ فَيَتَّفِقُ لِلْبَعْضِ النَّظَرُ فَيَسْتَدُّ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْمِصْرِ وَبَيْنَ مَنْ وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَنَصَّ الطَّحْطَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقِلَّةِ الْمَوَانِعِ مِنْ غُبَارٍ وَدُخَانٍ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ ) أَيْ هِلَالُ الْأَضْحَى كَهِلَالِ الْفِطْرِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ هِلَالُ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَصَارَ كَالْفِطْرِ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَهُوَ ظُهُورُ وَقْتِ الْحَجِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ

( قَوْلُهُ يُوهِمُ الْغَلَطَ ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ظَاهِرٌ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْبَيِّنَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَهَا بَلْ التَّفَرُّدُ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ وَسَلَامَةِ الْإِبْصَارِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَبْصَارُ فِي الْحِدَّةِ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ كَتَفَرُّدِ نَاقِلِ زِيَادَةٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَهْلِ مَجْلِسٍ مُشَارِكِينَ لَهُ فِي السَّمَاعِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي حِدَّةِ السَّمْعِ أَيْضًا وَاقِعٌ كَمَا فِي الْإِبْصَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِمُشَارِكَيْهِ فِي السَّمَاعِ بِمُشَارَكَتِهِ فِي التَّرَائِي كَثْرَةً وَالزِّيَادَةُ الْمَقْبُولَةُ مَا عُلِمَ فِيهِ تَعَدُّدُ الْمَجْلِسِ أَوْ جُهِلَ فِيهِ الْحَالُ مِنْ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ لَا يُرِيدُ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ وَإِلَّا لَأَفَادَ قَبُولَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بَلْ الْمُرَادُ تَفَرُّدُ مَنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِهِمْ مِنْ الْخَلَائِقِ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ ) أَيْ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْحَالَةِ انْتَهَى فَتْحٌ وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ وَمَجِيئِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ ) وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ أَمْرًا عَظِيمًا وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَمَّا جُعِلَ خَمْسُونَ مُعَرَّفًا لَحِقَهُ مَعَ احْتِيَاجِهِ فَلَأَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَعَ اسْتِغْنَائِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ أَوْلَى انْتَهَى كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَنَصَّ الطَّحْطَاوِيُّ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ مِنْ الْفَرْقِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَة وَكَذَا مَا يُشِيرُ إلَيْهِ كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ

لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ تُفِيدُ بِمَفْهُومَاتِهَا الْمُخَالِفَةِ الْجَوَازَ عِنْدَ عَدَمِهَا انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ إلَخْ ) وَفِي التُّحْفَةِ رَجَّحَ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ فَقَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُخْبِرَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرُ دِينٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَهِلَالِ رَمَضَانَ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقْبَلُ فِيهِ فِي الْغَيْمِ الْوَاحِدِ الْعَدْلُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الصَّحْوِ إلَّا التَّوَاتُرُ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ ) وَقِيلَ يُعْتَبَرُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى يَجِبُ أَنْ يَصُومُوا بِرُؤْيَةِ أُولَئِكَ كَيْفَمَا كَانَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ يَجِبُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ لَا يَجِبُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى إذَا صَامَ أَهْلُ بَلْدَةٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَأَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ يَوْمٍ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ مُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ وَانْفِصَالُ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَخُرُوجَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْمَشْرِقِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَزُولَ فِي الْمَغْرِبِ وَكَذَا طُلُوعُ الْفَجْرِ وَغُرُوبُ الشَّمْسِ بَلْ كُلَّمَا تَحَرَّكَتْ الشَّمْسُ دَرَجَةً فَتِلْكَ طُلُوعُ فَجْرٍ لِقَوْمٍ وَطُلُوعُ شَمْسٍ لِآخَرَيْنِ وَغُرُوبُ لِبَعْضٍ وَنِصْفُ لَيْلٍ لِغَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الضَّرِيرَ الْفَقِيهَ صَاحِبَ الْمُخْتَصَرِ قَدِمَ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَسُئِلَ عَمَّنْ صَعِدَ عَلَى مَنَارَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَيَرَى الشَّمْسَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ بَعْدَمَا غَرَبَتْ عِنْدَهُمْ فِي الْبَلَدِ أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَقَالَ لَا وَيَحِلُّ لِأَهْلِ الْبَلَدِ لِأَنَّ كُلًّا مُخَاطَبٌ بِمَا عِنْدَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَالِعِ مَا رُوِيَ عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ فَقَدِمْت الشَّامَ وَقَضَيْت حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْت رَأَيْنَاهُ

لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْته فَقُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَوَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ وَلَوْ رَأَوْا الْهِلَالَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ نَهَارًا فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا مِنْ شَوَّالٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الشَّمْسُ تَتْلُو الْقَمَرَ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَمَرُ يَتْلُوهَا فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ أَفْطَرُوا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا بِتَأْوِيلٍ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الضَّرِيرَ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الضَّرِيرِ أَنَّهُ اسْتَفْتَى مِنْهُ رَجُلٌ إسْكَنْدَرِيٌّ إلَخْ وَقَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ أَنَّهُ اسْتَفْتَى مِنْهُ رَجُلٌ إسْكَنْدَرِيٌّ ا هـ ( قَوْلُهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ ) أَيْ فَيَجِبُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِطْرُهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ إلَخْ ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْمُسْتَقْبِلَةِ هَكَذَا حُكِيَ الْخِلَافُ فِي الْإِيضَاحِ وَحَكَاهُ فِي الْمَنْظُومَةِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَطْ وَفِي التُّحْفَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى الْعَصْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بِلَا خِلَافٍ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ كَقَوْلِهِمَا وَعَنْ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ا هـ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا وَهُوَ لِلثَّلَاثِينَ فَيُحْكَمُ بِوُجُوبِ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ عَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَلَهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } فَوَجَبَ سَبْقُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَالْمَفْهُومُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ عِنْدَ عَشِيَّةِ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا وَهُوَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنَّ وَاحِدًا لَوْ رَآهُ فِي نَهَارِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَظَنَّ انْقِضَاءَ مُدَّةِ الصَّوْمِ وَأَفْطَرَ عَمْدًا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ الزَّوَالِ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا

وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ إلَى الْهِلَالِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ لِأَنَّهُ فِعْلُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ ) وَهُوَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ مُطْلَقًا ا هـ .

( بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ أَوْ ادَّهَنَ أَوْ احْتَجَمَ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ أَوْ قَاءَ وَعَادَ لَمْ يُفْطِرْ ) أَمَّا إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِوُجُودِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ وَكَتَرْكِ النِّيَّةِ فِيهِ وَكَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الِاعْتِكَافِ وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ } قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ ؛ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ غَالِبٌ لِلْإِنْسَانِ فَلَوْ كَانَ مُفْطِرًا لَحَرِجُوا وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ لِأَنَّ حَالَتَهُ مُذَكِّرَةٌ وَهَذَا لِأَنَّ هَيْئَتَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُخَالِفُ هَيْئَةَ الْعَادَةِ وَفِي الصَّوْمِ لَا تُخَالِفُ فَلَا مُذَكِّرَ لَهُ فِيهِ وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا كَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ لِأَنَّا نَقُولُ أَمْرُهُ بِإِتْمَامِ صَوْمِهِ وَبِالْإِمْسَاكِ تَشَبُّهًا لَا يُتِمُّ صَوْمَهُ وَالْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْإِتْمَامُ لِلصَّوْمِ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْجِمَاعِ دَلَالَةً لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَقَالَ لَهُ آخَرُ أَنْتَ صَائِمٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَأَكَلَ

ثُمَّ تَذَّكَّر أَنَّهُ صَائِمٌ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِأَنَّ هَذَا الْأَكْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ نَاسٍ وَلَوْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا يُذَكِّرُهُ إنْ كَانَ شَابًّا لِأَنَّ لَهُ قُوَّةً بِدُونِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا لَا يُذَكِّرُهُ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَقْدِرُ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا أَفْطَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُفْطِرْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } وَالْمُرَادُ بِهِ رَفْعُ الْحُكْمِ إذْ هُوَ مَوْجُودٌ حِسًّا وَالْحُكْمُ نَوْعَانِ دُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الْفَسَادُ وَأُخْرَوِيٌّ وَهُوَ الْإِثْمُ وَمُسَمَّى الْحُكْمِ يَشْمَلُهُمَا فَيَتَنَاوَلُ الْحُكْمَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْفِطْرَ فَلَا يَفْسُدُ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ النَّاسِيَ قَصَدَ الْأَكْلَ وَالْمُخْطِئُ لَيْسَ بِقَاصِدٍ وَلَنَا أَنَّ الْمُفْطِرَ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّاسِي إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَا فَصَارَ كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ هُوَ بِيَدِهِ أَوْ كَمَنْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ وَرَفْعِهِ لِأَنَّهُ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مُرَادًا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُقْتَضًى وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَالْقِيَاسُ عَلَى النَّاسِي مُمْتَنِعٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّسْيَانَ غَالِبٌ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيُعْذَرُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ نَادِرَةٌ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا بِهِ وَالثَّانِي أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ

وَسَقَاهُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ الْعِبَادِ فَيَفْتَرِقَانِ كَالْمَرِيضِ وَالْمُقَيَّدِ إذَا صَلَّيَا قَاعِدَيْنِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُقَيَّدِ دُونَ الْمَرِيضِ وَأَمَّا إذَا احْتَلَمَ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْحِجَامَةُ وَالْقَيْءُ وَالِاحْتِلَامُ } وَلِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ إلَّا بِتَرْكِ النَّوْمِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ وَأَمَّا إذَا أَنْزَلَ بِنَظَرٍ فَلِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَنْزَلَ بِالنَّظْرَةِ الْأُولَى لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ بِالثَّانِيَةِ يَفْسُدُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَلِيٍّ { لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا الْأُولَى لَك وَالْأُخْرَى عَلَيْك } وَلِأَنَّ النَّظْرَةَ الْأُولَى تَقَعُ بَغْتَةً فَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَلَنَا أَنَّ النَّظَرَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهَا فَصَارَ كَالْإِنْزَالِ بِالتَّفَكُّرِ وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَلِأَنَّ مَا يَكُونُ مُفَطِّرًا لَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ فِيهِ وَمَا لَا يَكُونُ مُفَطِّرًا لَا يُفَطِّرُ بِالتَّكْرَارِ كَالْمَسِّ وَالِاسْتِمْنَاءِ بِالْكَفِّ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ إنْ قَصَدَ بِهِ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } إلَى أَنْ قَالَ { فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } أَيْ الظَّالِمُونَ الْمُتَجَاوِزُونَ فَلَمْ يُبَحْ الِاسْتِمْتَاعُ إلَّا بِهِمَا فَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْكَفِّ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ سَأَلْت عَنْهُ عَطَاءً فَقَالَ مَكْرُوهٌ سَمِعْت قَوْمًا يُحْشَرُونَ وَأَيْدِيهِمْ حَبَالَى فَأَظُنُّ أَنَّهُمْ هُمْ هَؤُلَاءِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَذَّبَ اللَّهُ أُمَّةً كَانُوا يَعْبَثُونَ بِمَذَاكِيرِهِمْ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ تَسْكِينَ

مَا بِهِ مِنْ الشَّهْوَةِ يُرْجَى أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَبَالٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَتَى بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَلَوْ قَبَّلَ بَهِيمَةً أَوْ مَسَّ فَرْجَهَا فَأَنْزَلَ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا ادَّهَنَ فَلِعَدَمِ الْمُنَافِي وَالدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ لَا مِنْ الْمَسَالِكِ لَا يُنَافِيهِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَوَجَدَ بَرْدَهُ فِي كَبِدِهِ وَأَمَّا الِاحْتِجَامُ فَلِمَا رَوَيْنَا وَلِعَدَمِ الْمُنَافِي وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُفَطِّرُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَلَنَا مَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ { أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ أَنَسٌ أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ { أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْحِجَامَةِ بَعْدُ لِلصَّائِمِ } وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَلِأَنَّ احْتِجَامَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ وَقَوْلَهُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ عَامَ الْفَتْحِ وَلِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا إخْرَاجُ الدَّمِ فَصَارَتْ كَالِافْتِصَادِ وَالْجَرْحِ وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ اكْتَحَلَ وَهُوَ صَائِمٌ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْكُحْلِ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ وَكَذَا لَوْ بَزَقَ وَوَجَدَ لَوْنَهُ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَفْسُدُ صَوْمه إذَا وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ } وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدِّمَاغِ مَسْلَكٌ وَالدَّمْعُ يَخْرُجُ بِالتَّرَشُّحِ كَالْعَرَقِ وَالدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ لَا يُنَافِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ مَا يَجِدُهُ فِي حَلْقِهِ أَثَرُ الْكُحْلِ لَا عَيْنُهُ فَلَا يَضُرُّهُ كَمَنْ ذَاقَ الدَّوَاءَ وَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَلَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَصَارَ كَالْغُبَارِ وَالدُّخَانِ وَلَئِنْ كَانَ عَيْنَهُ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَسَامِّ فَلَا يُفَطِّرُهُ وَمَا رَوَيَاهُ مُنْكَرٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَرَفَ فِي الْإِثْمِدِ صِفَةً لَا تُوَافِقُ الصَّائِمَ كَالْحَرَارَةِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ قَبَّلَ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَالْحِجَامَةِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ يَعْنِي رُوَاتَهُ وَلِأَنَّ الْمُنَافِيَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ صُورَةً أَوْ مَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّجْعَةِ حَيْثُ يَثْبُتَانِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا أُدِيرَ عَلَى السَّبَبِ الْمُفْضِي إلَى الْوِقَاعِ وَهُنَا عَلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَنْزَلَ بِالْقُبْلَةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْمُصَاهَرَةِ وَيَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَوْ أَنْزَلَ بِقُبْلَةٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْإِنْزَالُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِقُصُورِ

الْجِنَايَةِ فَانْعَدَمَ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكْفِي لِوُجُوبِهِ وُجُودُ الْمُنَافِي صُورَةً أَوْ مَعْنًى وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِوُجُوبِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِأَجْلِ جَبْرِ الْفَائِتِ وَفِي الصَّوْمِ حَصَلَ الْجَبْرُ بِالْقَضَاءِ فَكَانَتْ زَاجِرَةً فَقَطْ فَشَابَهَتْ الْحُدُودَ فَتَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ بِالْإِكْرَاهِ وَالْخَطَإِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ الْإِنْزَالَ وَالْجِمَاعَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ { وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِفِطْرٍ وَرُبَّمَا يَصِيرُ فِطْرًا بِعَاقِبَتِهِ فَإِنْ أَمِنَ اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فَأُبِيحَ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ يُعْتَبَرُ عَاقِبَتُهُ فَيُكْرَهُ وَالشَّافِعِيُّ أَبَاحَ الْقُبْلَةَ فِي الْحَالَيْنِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيِّنَاهُ وَالْمَسُّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةُ مِثْلُ التَّقْبِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَاَلَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهِمَا وَفِي التَّقْبِيلِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِ التَّقْبِيلَ فِيهِمَا وَعَلَى مُحَمَّدٍ فِي مَنْعِهِ الْمُبَاشَرَةَ فِيهِمَا وَتَفْسِيرُ الْمُبَاشَرَةِ أَنْ يَتَجَرَّدَا عَنْ الثِّيَابِ وَيَضَعَ فَرْجَهُ عَلَى

فَرْجِهَا وَأَمَّا إذَا دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ فَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَأَشْبَهَ الدُّخَانَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفَطِّرَهُ لِوُصُولِ الْمُفَطِّرِ إلَى جَوْفِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَذَّى بِهِ كَالتُّرَابِ وَالْحَصَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ فَصَارَ كَبَلَلٍ يَبْقَى فِي فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ أَنَّ دُمُوعَهُ أَوْ عَرَقَهُ إذَا دَخَلَ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ مِثْلُ قَطْرَةٍ أَوْ قَطْرَتَيْنِ لَا يُفَطِّرُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يَجِدُ مُلُوحَتَهُ فِي الْحَلْقِ يُفْسِدُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّلْجِ وَالْمَطَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُفْسِدُهُ لِإِمْكَانِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ بِأَنْ يَأْوِيَهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ وَأَمَّا إذَا أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا إذَا كَانَ قَلِيلًا مِنْ الَّذِي بَقِيَ مِنْ أَكْلِ اللَّيْلِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يُفَطِّرهُ وَقَالَ زُفَرُ يُفَطِّرُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْفَمَ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالْمَضْمَضَةِ فَيَكُونُ دَاخِلًا مِنْ الْخَارِجِ وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ عَادَةً فَصَارَ تَبَعًا لِأَسْنَانِهِ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ وَالْكَثِيرُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَجُعِلَ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ وَإِنْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّائِمَ إذَا ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَلَوْ ابْتَلَعَهَا ابْتِدَاءً مِنْ خَارِجٍ يَفْسُدُ وَلَوْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى وَفِي مِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ طَعَامٌ مُتَغَيِّرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ

فِي فِيهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ لَمْ يُفَطِّرْهُ وَيُكْرَهُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ يُفَطِّرُهُ كَرِيقِ غَيْرِهِ وَالدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ وَالدَّمُ غَالِبٌ أَوْ مُسَاوٍ فَطَّرَهُ إنْ ابْتَلَعَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَهُ مِنْ خَارِجٍ فَيَنْظُرُ إنْ ابْتَلَعَهُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ فَطَّرَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنْ مَضَغَهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يُفَطِّرُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا إذَا قَاءَ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتِقَاء عَمْدًا فَلْيَقْضِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَيَسْتَوِي فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ وَمَا دُونَهُ إذَا قَاءَ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ قَاءَ وَعَادَ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْعَوْدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِانْتِفَاءِ الْإِفْطَارِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفَاصِيلُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ

( بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا ) أَيْ لِصَوْمِهِ لِأَنَّهُ ذَاكِرٌ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ ا هـ كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ نَاسِيًا قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ لَمْ يُفْطِرْ ) هُوَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مُسْنَدًا إلَى الْأَكْلِ وَمَا يُضَاهِيهِ ا هـ دِرَايَةٌ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ إنْ أَكَلَ نَاسِيًا قَبْلَ النِّيَّةِ ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ وَفِي الْبَقَّالِيِّ النِّسْيَانُ قَبْلَ النِّيَّةِ كَهُوَ بَعْدَهَا ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَإِنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ ) كَذَا هُوَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَفِي مُسْلِمٍ { فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ } ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَقَالَ آخَرُ أَنْتَ صَائِمٌ إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ أَكَلَ نَاسِيًا فَقِيلَ لَهُ إنَّكَ صَائِمٌ وَهُوَ لَا يُذْكَرُ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ) وَفِي الْخِزَانَةِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ ) وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ رَأْي صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا إلَخْ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ رَجُلًا نَظَرَ إلَى غَيْرِهِ يَأْكُلُ نَاسِيًا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَى صَوْمِهِ وَإِنْ كَانَ يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا ) بِأَنْ تَمَضْمَضَ فَسَبَقَ الْمَاءُ حَلْقَهُ ( قَوْلُهُ أَوْ مُكْرَهًا ) سَوَاءٌ صَبَّ الْمَاءَ فِي حَلْقِهِ أَوْ شَرِبَهُ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا غَايَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْجِمَاعِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ

وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ أَمَارَةُ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ يَتَحَقَّقُ بِالْإِيلَاجِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ انْتَشَرَتْ آلَتُهُ يُجَامِعُ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ إلَخْ ) يَرْوِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ ا هـ غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ وَبَيَّنَ ضَعْفَ رُوَاتِهِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَرْتَقِي إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ وَضَعْفُ رُوَاتِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْحِفْظِ لَا الْعَدَالَةِ فَالتَّضَافُرُ دَلِيلُ الْإِجَادَةِ فِي خُصُوصِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَيْءِ مَا ذَرَعَ الصَّائِمُ عَلَى مَا سَيَظْهَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَفْسُدُ ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَفْسُدُ ا هـ غَايَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ كَأَنَّهُ اُعْتُبِرَتْ الْمُبَاشَرَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مُبَاشَرَةَ الْغَيْرِ أَوْ لَا بِأَنْ يُرَادَ مُبَاشَرَةٌ هِيَ سَبَبُ الْإِنْزَالِ سَوَاءٌ كَانَ مَا بُوشِرَ بِمَا يَشْتَهِي عَادَةً أَوْ لَا وَلِهَذَا أَفْطَرَ بِإِنْزَالٍ فِي فَرَجِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ وَلَيْسَ مِمَّا يَشْتَهِي عَادَةً ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ الدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ ) الْمَسَامُّ الْمَنَافِذُ مَأْخُوذٌ مِنْ سَمِّ الْإِبْرَةِ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ إلَّا مِنْ الْأَطِبَّاءِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إلَى آخِرِهِ ) الْقَائِلُ لَهُ ثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ عَلَى مَا فِي الْغَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الرِّوَايَةُ ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ إلَى آخِرِهِ ) وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ بَعْدَمَا قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُرْوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا يَغْتَابَانِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَلِكَ أَيْ غَيْبَتُهُمَا أَذْهَبَتْ ثَوَابَ صَوْمِهِمَا فَصَارَا كَالْمُفْطِرِ مِنْ حَيْثُ حِرْمَانُ الثَّوَابِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ الْمَحْجُومُ لِلضَّعْفِ وَالْحَاجِمُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ بِمَصِّ الْمُلَازِمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ ) أَيْ وَكَمَنْ أَخَذَ حَنْظَلَةً فِي فَمِهِ فَوَجَدَ مَرَارَتَهَا فِي حَلْقِهِ أَوْ مَاءً فَوَجَدَ عُذُوبَتَهُ أَوْ نَدَاوَتَهُ فِي حَلْقِهِ وَكَمَا لَوْ صَبَّ لَبَنًا فِي عَيْنَيْهِ أَوْ دَوَاءً فَوَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ مَرَارَتَهُ فِي حَلْقِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّجْعَةِ ) أَيْ لَوْ قَبْلَ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا وَبِالْقُبْلَةِ أَيْضًا مَعَ الشَّهْوَةِ يَنْتَشِرُ لَهَا الذَّكَرُ وَتَثْبُتُ حُرْمَةُ أُمَّهَاتِ الْمُقَبَّلَةِ كَبَنَاتِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إلَى آخِرِهِ ) وَالتَّقْبِيلُ الْفَاحِشُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ أَنْ يَمْضُغَ شَفَتَهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْمَسُّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَى آخِرِهِ ) فِي الذَّخِيرَةِ إنْ مَسَّهَا بِحَائِلٍ فَأَنْزَلَ إنْ وَجَدَ حَرَارَةَ بَدَنِهَا أَفْطَرَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إذَا أَنْزَلَ بِحَائِلٍ فَفِي فَسَادِهِ وَجْهَانِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعَلَى مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ لِأَنَّهَا قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ الْفِتْنَةِ ا هـ هِدَايَةٌ قُلْنَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يَأْمَنُ فَإِنْ خَافَ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ وَالْأَوْجَهُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ سَبَبًا غَالِبًا فَأَقَلُّ الْأُمُورِ لُزُومُ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ

مُلَاحَظَةِ تَحَقُّقِ الْخَوْفِ بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَيَضَعُ فَرْجَهُ عَلَى فَرْجِهَا إلَى آخِرِهِ ) وَهَذَا خَاصٌّ مِنْ مُطْلَقِ الْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ الْمُفَادُ بِالْحَدِيثِ فَجَعْلُ الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى مُحَمَّدٍ مَحَلُّ نَظَرٍ إذْ لَا عُمُومَ لِلْفِعْلِ الْمُثْبَتِ فِي أَقْسَامِهِ بَلْ وَلَا فِي الزَّمَانِ وَفَهْمُهُ فِيهِ مِنْ إدْخَالِ الرَّاوِي لَفْظَ كَانَ عَلَى الْمُضَارِعِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الدُّخَانَ ) فَإِنَّ الصَّائِمَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُفْتَحَ فَاهُ يَتَحَدَّثُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَانَ عَفْوًا كَافِيًا ( قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ مَا فِي الْخِزَانَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ مُلُوحَتَهَا فَالْأَوْلَى عِنْدِي الِاعْتِبَارُ بِوِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ لِصَحِيحِ الْحِسِّ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ دَخَلَ دَمْعُهُ أَوْ عَرَقُ جَبِينِهِ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَتْهُ فَإِنَّهُ عَلَّقَ بِوُصُولِهِ إلَى الْحَلْقِ وَمُجَرَّدُ وُجْدَانِ الْمُلُوحَةِ دَلِيلُ ذَلِكَ انْتَهَى ( قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْوَاهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ إلَى آخِرِهِ ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ سَائِرًا مُسَافِرًا أَفْسَدَهُ فَالْأَوْلَى تَعْلِيلُ الْإِمْكَانِ لِتَيَسُّرِ طَبْقِ الْفَمِ وَفَتْحِهِ أَحْيَانًا مَعَ الِاحْتِرَاسِ عَنْ الدُّخُولِ وَلَوْ دَخَلَ فَمَه الْمَطَرُ فَابْتَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ا هـ فَتْحٌ وَلَوْ اسْتَشَمَّ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ حَتَّى أَدْخَلَهُ إلَى فَمِهِ وَابْتَلَعَهُ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ وَلَوْ خَرَجَ رِيقُهُ مِنْ فَمِهِ فَأَدْخَلَهُ وَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فِيهِ بَلْ الْمُتَّصِلُ بِمَا فِيهِ كَالْخَيْطِ فَاسْتَشْرَبَهُ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كَانَ انْقَطَعَ فَأَخَذَهُ وَأَعَادَهُ أَفْطَرَ وَلَا

كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ وَلَوْ اخْتَلَطَ بِالرِّيقِ لَوْنُ صِبْغِ إبْرَيْسَمَ يَعْمَلُهُ مُخْرِجًا لِلْخَيْطِ مِنْ فِيهِ فَابْتَلَعَ هَذَا الرِّيقَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْوَاهُ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ قَوْلُهُ فَصَارَ تَبَعًا ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ تَابِعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْ بَقَاءِ أَثَرٍ مِنْ الْمَأْكَلِ حَوَالَيْ الْأَسْنَانِ وَإِنْ قَلَّ ثُمَّ يَجْرِي مَعَ الرِّيقِ النَّابِعِ مِنْ مَحَلِّهِ إلَى الْحَلْقِ فَامْتَنَعَ تَعْلِيقُ الْإِفْطَارِ بِعَيْنِهِ فَتَعَلَّقَ بِالْكَثِيرِ وَهُوَ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَثِيرًا فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَعَلَ الْفَاصِلَ كَوْنَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ فِي ابْتِلَاعِهِ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالرِّيقِ أَوَّلًا الْأَوَّلُ قَلِيلٌ وَالثَّانِي كَثِيرٌ وَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُصُولِ كَوْنُهُ لَا يَسْهُلُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ وَذَلِكَ فِيمَا يَجْرِي بِنَفْسِهِ مَعَ الرِّيقِ إلَى الْجَوْفِ لَا فِيمَا يَتَعَمَّدُ فِي إدْخَالِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَجُعِلَ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مِقْدَارَ الْحِمَّصَةِ ) وَجُعِلَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ الْمُفْسِدُ مَا يَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ ، وَقَدْرُ الْحِمَّصَةِ عَفْوٌ ا هـ غَايَةٌ قَالَ ثَعْلَبٌ الِاخْتِيَارُ فَتْحُ الْمِيمِ وَقَالَ الْمُبَرَّدُ وَهُوَ الْحِمِّصُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ إلَّا حِلِّزٌ وَهُوَ الْقَصِيرُ وَجِلِّقٌ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالشَّامِ ا هـ صِحَاحٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ أَكَلَ الْمَضْغُ وَالِابْتِلَاعُ أَوْ الْأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ مُجَرَّدِ الِابْتِلَاعِ فَيُفِيدُ حِينَئِذٍ خِلَافَ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّهُ إذَا مَضَغَ مَا أَدْخَلَهُ وَهُوَ دُونَ الْحِمَّصَةِ لَا يُفَطِّرُهُ لَكِنَّ تَشْبِيهَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الْفَسَادِ فِي ابْتِلَاعِ سِمْسِمَةٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَعَدَمِهِ إذَا

مَضَغَهَا يُوجِبُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْلِ الِابْتِلَاعُ فَقَطْ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إعْطَاءُ النَّظِيرِ وَفِي الْكَافِي فِي السِّمْسِمَةِ قَالَ إنْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ إلَّا أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا فَلْيَكُنْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضْغَهُ ا هـ فَتْحٌ وَأَيْضًا إذَا ابْتَلَعَ السِّمْسِمَة حَتَّى فَسَدَ هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ قِيلَ لَا وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ ) أَيْ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي السِّمْسِمَة انْتَهَى دِرَايَة ( قَوْلُهُ وَلَوْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ ) وَكَذَا لَوْ مَضَغَ حَبَّةَ حِنْطَةٍ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِأَنَّهَا تَلْتَزِقُ بِأَسْنَانِهِ فَلَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ أَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ ) أَيْ يَكْرَهُهُ انْتَهَى كَاكِيٌّ فَصَارَ نَظِيرَ التُّرَابِ وَزُفَرُ يَقُولُ بَلْ نَظِيرَ اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ وَفِيهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ فَيَنْظُرَ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ ذَلِكَ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَثَرَ لِذَلِكَ عِنْدَهُ أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ وَلَوْ ابْتَلَعَ حَبَّةَ عِنَبٍ لَيْسَ مَعَهَا ثُفْرُوقُهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنْ مَضَغَهَا وَهُوَ مَعَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ ) ذَرَعَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ سَبَقَهُ وَغَلَبَهُ انْتَهَى صِحَاحٌ وَمَا رُوِيَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَشَرِبَهُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا كُنْت تَصُومُهُ قَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي قِئْت } مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ

عُرُوضِ الضَّعْفِ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَعَادَهُ أَوْ اسْتَقَاءَ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ حَدِيدًا قَضَى فَقَطْ ) أَيْ إنْ أَعَادَ الْقَيْءَ أَوْ قَاءَ عَامِدًا إلَى آخِرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا غَيْرُ أَيْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمَّا إعَادَةُ الْقَيْءِ وَالِاسْتِقَاءَةِ فَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ قَاءَ عَمْدًا أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ لَا يَكُونَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ عَادَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَعَادَهُ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يُعِدْهُ وَلَا عَادَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَخَرَجَ لَا يُفَطِّرُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَإِنْ عَادَ هُوَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ حَتَّى انْتَقَضَتْ بِهِ الطَّهَارَةُ وَقَدْ دَخَلَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْفِطْرُ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ وَكَذَا مَعْنَاهُ إذْ لَا يَتَغَذَّى بِهِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ الْخُرُوجَ وَمُحَمَّد يَعْتَبِرُ الصُّنْعَ وَإِنْ أَعَادَهُ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الصُّنْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَم لَا يُفَطِّرُهُ لِمَا رَوَيْنَا فَإِنْ عَادَ لَا يُفَطِّرُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالصُّنْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ أَعَادَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ وَلَا يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيعُ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْقَيْءِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ ثُمَّ إنْ عَادَ

بِنَفْسِهِ لَمْ يُفْطِرْ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَعَادَهُ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَفِي رِوَايَةِ يُفْطِرُ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ وَزُفَرُ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ قَلِيلَهُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَهُوَ جَرَى عَلَى أَصْلِهِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ فِي الصَّوْمِ هَذَا إذَا قَاءَ طَعَامًا أَوْ مَاءً أَوْ مَرَّةً فَإِنْ قَاءَ بَلْغَمًا فَغَيْرُ مُفْسِدٍ لِصَوْمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مُفْطِرٌ إذَا قَاءَ مِلْءَ الْفَمِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَإِنْ قَاءَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِلْءَ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ أَوْ غَدْوَةٍ ثُمَّ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ عَشِيَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ذَكَرَهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَفْصِلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ مِلْءِ الْفَمِ وَمَا دُونَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ مِلْءَ الْفَمِ نَاقِضٌ لِلطَّهَارَةِ لَا مَا دُونَهُ وَأَمَّا إذَا ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ أَوْ الْحَدِيدَ فَلِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَفِي الدَّقِيقِ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْمِلْحِ لَا تَجِبُ إلَّا إذَا اعْتَادَ ذَلِكَ يَعْنِي أَكَلَهُ وَحْدَهُ وَقِيلَ فِي قَلِيلِهِ تَجِبُ دُونَ كَثِيرِهِ وَفِي النِّيءِ مِنْ اللَّحْمِ تَجِبُ دُونَ الشَّحْمِ وَعِنْدَ أَبِي اللَّيْثِ تَجِبُ فِي الشَّحْمِ أَيْضًا هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ قَدِيدٍ وَإِنْ كَانَ قَدِيدًا تَجِبُ فِيهِمَا وَعَلَى هَذَا أَوْرَاقُ الْأَشْجَارِ إنْ كَانَتْ تُؤْكَلُ عَادَةً تَجِبُ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ النَّبَاتَاتُ كُلُّهَا وَلَا تَجِبُ فِي الطِّينِ إلَّا طِينَ الْأَرْمَنِيِّ لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِهِ وَلَوْ

ابْتَلَعَ فُسْتُقَةً غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ وَلَمْ يَمْضُغْهَا لَا تَجِبُ وَإِلَّا فَتَجِبُ وَلَوْ الْتَقَمَ لُقْمَةً نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ بَعْدَمَا مَضَغَهَا فَابْتَلَعَهَا ذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا وَقِيلَ إنْ ابْتَلَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ بَعْدَ إخْرَاجِهَا تَعَافُهَا النَّفْسُ وَمَا دَامَتْ فِي فَمِهِ يَتَلَذَّذُ بِهَا وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قِيلَ إنْ كَانَتْ سُخْنَةً بَعْدُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ

( قَوْلُهُ فَالْجُمْلَةُ فِيهِ ) أَيْ فِي مَسَائِلِ الْقَيْءِ انْتَهَى ( قَوْلُهُ أَوْ لَا يَكُونُ ) مِلْءَ الْفَمِ أَيْ فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ أَرْبَعَةً ( قَوْلُهُ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يُعِدْهُ وَلَا عَادَ بِنَفْسِهِ ) أَيْ فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ عَادَ هُوَ ) أَيْ الْقَيْءُ الَّذِي ذَرَعَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْفِطْرِ وَهُوَ ) أَيْ صُورَةُ الْفِطْرِ ذَكَرَ ضَمِيرَهُ نَظَرًا إلَى الْخَبَرِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ إذْ لَا يُتَغَذَّى بِهِ ) أَيْ عَادَةً ا هـ هِدَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ فَإِنَّهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ مَطْعُومٌ فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي الْمَعِدَةِ يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي بِخِلَافِ الْحَصَا وَنَحْوِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَدْ فِيهِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحِلِّ وَنُفُورِ الطَّبْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَأَبُو يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ فَأَصْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ اعْتِبَارُ الْخُرُوجِ وَهُوَ بِمِلْءِ الْفَمِ وَأَصَّلَ مُحَمَّدٍ فِيهِ الْإِعَادَةَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَا يُفْطِرُهُ لِمَا رَوَيْنَا ) مُسْتَدْرِكٌ لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ سَابِقًا فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَخَرَجَ إلَى آخِرِهِ وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ فَعَادَ لَا يُفْطِرُهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ التَّكْرَارِ وَلِصُلْحٍ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِقَوْلِهِ سَابِقًا إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَتَأَمَّلْ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَادَهُ ) أَيْ الْقَيْءَ الَّذِي ذَرَعَهُ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتِقَاءَ عَامِدًا ) قَيَّدَ بِهِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا اسْتِقَاءَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُف إلَى آخِرِهِ

) وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لَمْ يُفْطِرْ لِمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْخُرُوجِ ( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمَا بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ إنَّمَا أُنِيطَ بِمَا يَدْخُلُ أَوْ بِالْقَيْءِ عَمْدًا إمَّا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَادَةً دُخُولُ شَيْءٍ أَوْ لَا بِاعْتِبَارِهِ بَلْ ابْتِدَاءً شَرَعَ يُفْطِرُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَظَ فِيهِ تَحَقُّقَ كَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلْغَمِ وَغَيْرِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ ا هـ قَوْلُهُ نَقَضَ الطَّهَارَةَ أَيْ بِالْخَارِجِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ بِالنَّجَاسَةِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ مَحَلِّهَا وَلَمْ يُوجَدْ فِي قَيْءِ الْبَلْغَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا إذَا ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ أَوْ الْحَدِيدَ ) إنَّمَا قَالَ ابْتَلَعَ وَلَمْ يَقُلْ أَكَلَ لِأَنَّ الْأَكْلَ الْمَضْغُ ، وَالْمَضْغُ لَا يَنْفَعِلُ فِي الْحَصَاةِ ا هـ دَارِيَةٌ ( قَوْلُهُ الْفِطْرُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِمَّا دَخَلَ إلَى آخِره ) أَيْ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ غَايَةٌ وَرَفَعَهُ فِي الْهِدَايَة وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى جَمَاعَةٍ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَ آثَارِ الْفِطْرِ مِمَّا دَخَلَ وَبَيْنَ آثَارِ الْقَيْءِ أَنَّ فِي الْقَيْءِ يَتَحَقَّقُ رُجُوعُ شَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ وَإِنْ قَلَّ فَلِاعْتِبَارِهِ يُفْطِرُ وَفِيمَا إذَا ذَرَعَهُ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ فَكَانَ كَالنِّسْيَانِ لَا كَالْإِكْرَاهِ وَالْخَطَأِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي قَلِيلِهِ تَجِبُ دُونَ كَثِيرِهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ ا هـ غَايَةٌ وَهَذَا مِنْ الِامْتِحَانِيَّاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي النِّيءِ مِنْ اللَّحْمِ تَجِبُ ) وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً كَانَ

مُنْتِنًا إلَّا إنْ دَوَّدَتْ فَلَا تَجِبُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدِيدًا تَجِبُ فِيهِمَا ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ فِي الطِّينِ ) أَيْ وَلَا فِي النَّوَاةِ وَالْقُطْنِ وَالْكَاغَدِ وَالسَّفَرْجَلِ إذَا لَمْ يُدْرَكْ وَلَا هُوَ مَطْبُوخٌ وَلَا فِي ابْتِلَاعِ الْجَوْزَةِ الرَّطْبَةِ وَتَجِبُ لَوْ مَضَغَهَا وَبَلَعَ الْيَابِسَةَ وَمَضَغَهَا عَلَى هَذَا وَكَذَا يَابِسُ اللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ وَقِيلَ هَذَا إنْ وَصَلَ الْقِشْرُ أَوَّلًا إلَى حَلْقِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ اللُّبُّ أَوَّلًا كَفَّرَ وَفِي ابْتِلَاعِ اللَّوْزَةِ الرَّطْبَةِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تُؤْكَلُ كَمَا هِيَ بِخِلَافِ الْجَوْزَةِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا وَابْتِلَاعُ التُّفَّاحَةِ كَالْمَوْزَةِ وَالرُّمَّانَةِ ، وَالْبَيْضَةُ كَالْجَوْزَةِ وَفِي ابْتِلَاعِ الْبِطِّيخَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْخَوْخَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْهَلِيلَجَة رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ ا هـ فَتْحٌ وَلَوْ أَكَلَ كَافُورًا أَوْ مِسْكًا أَوْ زَعْفَرَانًا أَوْ غَالِيَةً كَفَّرَ لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِهَا ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ إلَّا طِينَ الْأَرْمَنِيِّ ) قَالَ الْكَمَالُ وَتَجِبُ بِالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَبِغَيْرِهِ عَلَى مَنْ يَعْتَادُ أَكْلَهُ كَالْمُسَمَّى بِالطَّفْلِ لَا عَلَى مَنْ لَا يَعْتَادُهُ وَلَا بِأَكْلِ الدَّمِ إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ ابْتَلَعَ فُسْتُقَةً غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ ابْتَلَعَ فُسْتُقَةً مَشْقُوقَةً تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْقُوقَةً لَا تَجِبُ إلَّا إذَا مَضَغَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَتَجِبُ ) بِأَنْ كَانَتْ مَشْقُوقَةً فَابْتَلَعَهَا أَوْ غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ فَمَضَغَهَا ا هـ قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ سُخْنَةً بَعْدُ إلَى آخِرِهِ ) لَا إنْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ حَتَّى بَرَدَتْ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُعَافُ لَا قَبْلَهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ عِنْدَ الْكُلِّ فِي السُّقُوطِ الْعِيَافَةُ غَيْرَ أَنَّ كُلًّا وَقَعَ عِنْدَهُ إنَّ الِاسْتِكْرَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ كَذَا لَا كَذَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا غِذَاءً أَوْ دَوَاءً قَضَى وَكَفَّرَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ ) أَمَّا وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَلِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ إذْ فِي صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْحَكِيمُ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَقَدْ فَوَّتَهُ فَيَقْضِيهِ لِتَحْصِيلِهَا وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَلِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْجِمَاعِ كَالْحَدِّ وَالِاغْتِسَالِ وَغَيْرِهِمَا تَتَعَلَّقُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ ، وَفَسَادُ الصَّوْمِ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مِنْهَا وَلِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ الْإِنْزَالِ وَإِنَّمَا هُوَ تَبَعٌ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِهَا وَالْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مُسْتَقْذَرٌ وَمَنْ لَهُ طَبِيعَةٌ سَلِيمَةٌ لَا يَمِيلُ إلَيْهِ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا لِلِامْتِنَاعِ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالْحَدِّ وَفِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُشْتَهًى عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالزِّنَا وَلَيْسَ هَذَا بِزِنًا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ وَلَا مَعْنَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إفْسَادُ الْفِرَاشِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ وَقَوْلُهُ أَوْ جُومِعَ نَصَّ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ إنْ كَانَ بِطَوْعِهَا وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْوِقَاعِ وَهُوَ مِنْهُ دُونَهَا وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلٌّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَوْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهَا لَبَعَثَ إلَيْهَا أَوْ أَفْتَاهُ بِذَلِكَ كَمَا بَعَثَ أُنَيْسًا إلَى امْرَأَةِ صَاحِبِ الْعَسِيفِ وَقَالَ إنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا حِينَ ادَّعَى زِنَاهَا وَفِي

قَوْلٍ تَجِبُ عَلَيْهَا وَيَتَحَمَّلُ عَنْهَا الزَّوْجُ إذَا كَفَّرَ بِالْمَالِ كَثَمَنِ الْمَاءِ لِلِاغْتِسَالِ وَإِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ يَجِبُ عَلَيْهَا وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِمَعْنَاهُ وَكَلِمَةُ مَنْ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْإِفْسَادِ وَقَدْ شَارَكَتْهُ فِيهِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ مَعَ أَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَالْكَفَّارَةُ أَوْلَى وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَوْ عُقُوبَةٌ وَلَا تَحَمُّلَ فِيهِمَا عَنْ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ بَيَانٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجِنَايَةِ وَحُكْمِهَا وَالْمَقْصُودُ فِيهِ الْإِعْلَامُ وَمَعْرِفَةُ الْحُكْمِ بِالْفَتْوَى وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ قَضِيَّةِ صَاحِبِ الْعَسِيفِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ إقَامَةُ الْحَدِّ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْبَعْثِ إلَيْهَا وَلِأَنَّ اعْتِرَافَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَكُونُ اعْتِرَافًا عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُهَا بِخِلَافِ امْرَأَةِ صَاحِبِ الْعَسِيفِ فَإِنَّهُ جَاءَ لِذَلِكَ وَاعْتَرَفَ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَعْثِ لِيَنْكَشِفَ الْحَالُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَبْعَثْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي قَضِيَّةِ مَاعِزٍ حِينَ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ مُفْطِرَةً بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِأَكْلِ مَا يَتَغَذَّى بِهِ أَوْ يَتَدَاوَى بِهِ أَوْ يَشْرَبُهُ فَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ بِهَا لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ كَالْحَدِّ وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّ شَهْوَةَ الْفَرْجِ

أَشَدُّ هَيَجَانًا وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ أَشَقُّ عَلَى الْمَرْءِ وَعِنْدَ حُصُولِهِ يَغْلِبُ الْبَشَرَ وَلَا كَذَلِكَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا هُوَ دُونَهُ فِي اسْتِدْعَاءِ الزَّاجِرِ وَنَظِيرُهُ شُرْبُ الْخَمْرِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَلِأَنَّهَا شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُ أَفْطَرَ فِي الْحَدِيثَيْنِ يَتَنَاوَلُ الْمَأْكُولَ وَغَيْرَهُ وَلِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِفْسَادِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ لَا بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْإِفْسَادُ دُونَ الْجِمَاعِ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِوَطْءِ مَنْكُوحَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ إذَا كَانَ بِالنَّهَارِ لِوُجُودِ الْإِفْسَادِ لَا بِاللَّيْلِ لِعَدَمِهِ بِخِلَافِ الْحَدِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَهُ عِلَّةً لَهَا بِقَوْلِهِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ الْحَدِيثَ فَبَطَلَ قَوْلُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ شَهْوَةَ الْفَرْجِ أَشَدُّ هَيَجَانًا وَلَا الصَّبْرَ عَنْ اقْتِضَائِهِ أَشَدُّ عَلَى الْمَرْءِ بَلْ شَهْوَةُ الْبَطْنِ أَشَدُّ وَهُوَ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَلِهَذَا رُخِّصَ فِيهِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِئَلَّا يَهْلَكَ بِخِلَافِ الْفَرْجِ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يُضْعِفُ شَهْوَةَ الْفَرْجِ وَلِهَذَا أَمَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْعَزَبَ بِالصَّوْمِ وَيُقَوِّي شَهْوَةَ الْبَطْنِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ تَكْفِيرًا عُلِمَ أَنَّ التَّوْبَةَ وَحْدَهَا غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ لِهَذَا الذَّنْبِ وَأَمَّا كَوْنُهَا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ يَعْنِي فِي التَّرْتِيبِ فَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ هَلَكْت يَا رَسُولَ اللَّه قَالَ وَمَا أَهْلَكَك قَالَ وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ قَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا قَالَ عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى وُجُوبِهِ مُرَتَّبًا فَخُصَّ الْأَعْرَابِيُّ بِأَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ بِجَوَازِ الْإِطْعَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصِّيَامِ وَصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ وَالِاكْتِفَاءِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ إلَى آخِرِهِ ) وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ امْرَأَتَانِ تَسَاحَقَتَا فَإِنْ أَنْزَلَتَا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ لَمْ تُنْزِلَا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا انْتَهَى غَايَةٌ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ انْتَهَى دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ عَمْدًا ) يَعْنِي فِي صَوْمِ رَمَضَانَ ا هـ غَايَةٌ وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ مَنْ أَكَلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا عَلَى وَجْهِ الشُّهْرَةِ يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ انْتَهَى كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ قَضَى وَكَفَّرَ ) أَيْ إذَا كَانَ عَمْدًا وَقَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ ) وَالْكَافُ فِي كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ لِأَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَكَفَّرَ تَكْفِيرًا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي التَّرْتِيبِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ ) أَيْ فِي الْمَحَلَّيْنِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ الْإِنْزَالِ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ كَمَا بِالْأَكْلِ تَجِبُ بِلُقْمَةٍ لَا بِالشِّبَعِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ الْإِنْزَالُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَهُوَ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ الَّتِي يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهَا أَوْلَى فَعَدَمُ الِاشْتِرَاطِ عَلَى هَذَا ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ نَصِّ الْحَدِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْهُ دُونَهَا ) أَيْ وَلِهَذَا يُقَالُ جَامَعَ فُلَانٌ وَلَا يُقَالُ جَامَعَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَى الْمَرْأَةِ ) أَيْ امْرَأَةِ الْأَعْرَابِيِّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ أَفْطَرَ إلَى آخِرِهِ ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَذَا قَالَ سَبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى نِهَايَةُ الصَّنَائِعِ قُلْت لَا أَصْلَ لَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُخَرِّجَهُ الشَّيْخَانِ ا هـ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62