كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الشَّغْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَقَطَ الْحَائِطُ عَلَى إنْسَانٍ وَمَاتَ فَعَثَرَ بِالْقَتِيلِ غَيْرُهُ فَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ مِنْهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لَا إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادًا عَلَى الْقَتِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْحَائِطِ جَنَاحٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يُضْمَنُ الْقَتِيلُ الثَّانِي أَيْضًا ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْجَنَاحِ جِنَايَةٌ إذْ الْوَضْعُ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ الثَّانِي مُضَافًا إلَيْهِ كَالْأَوَّلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ الطَّرِيقِ عَنْ الْقَتِيلِ أَيْضًا ، فَإِذَا لَمْ يَفْرُغْ صَارَ جَانِيًا وَفِي الْحَائِطِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ وَإِنَّمَا جُعِلَ كَالْفَاعِلِ بِتَرْكِ النَّقْضِ اسْتِحْسَانًا فَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَلَمْ يَكُنْ سُقُوطُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الثَّانِي بِفِعْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْرِيغُ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْحَائِطَ أَوْ النَّقْضَ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ ، وَلَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ لَمَا بَرِئَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَنَاحَ ، وَلَوْ عَطِبَ بِجَرَّةٍ كَانَتْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهِ وَهِيَ مِلْكُهُ ضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَى مَالِكِهَا وَحْدَهُ ، وَلَوْ سَقَطَتْ الْجَرَّةُ وَحْدَهَا لَا يَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِسُقُوطِهَا ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي مِلْكِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ : وَهُوَ الثِّقَلُ ) أَيْ فِي الْحَائِطِ ا هـ ( قَوْلُهُ : الْمُقَدَّرُ ) أَيْ الْمُهْلِكُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْعُمْقُ ) أَيْ فِي الْبِئْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : الْمُقَدَّرُ ) أَيْ الْمُهْلِكُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَ فَتَعَقَّلَ بِنَقْضِهِ أَوْ مِيزَابِهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَا تَلِفَ بِالنَّقْضِ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْحَائِطِ لَا يَكُونُ إشْهَادًا عَلَى النَّقْضِ ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَقَّلْ بِالنَّقْضِ ، وَلَكِنْ تَعَقَّلَ بِمَيِّتٍ هَلَكَ بِالْحَائِطِ لَمْ يَضْمَنْ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَيِّتِ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَكِنَّ رَفْعَ النَّقْضِ إلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

( بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ضَمِنَ الرَّاكِبُ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ لَا مَا نَفَحَتْ بِرِجْلٍ أَوْ ذَنَبٍ إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ، ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ مُقَيَّدًا بِالسَّلَامَةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِهَا مُطْلَقًا يُؤَدِّي إلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَسَدُّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِيطَاءِ وَالصَّدْمِ وَالْكَدْمِ وَالْخَبْطِ مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ فَقَيَّدْنَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ النَّفْحَةِ بِالرِّجْلِ وَالذَّنَبِ مَعَ السَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَمْ نُقَيِّدْهُ بِهَا وَإِنْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ النَّفْحَةَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالْإِيقَافِ وَشَغْلِ الطَّرِيقِ بِهِ فَيَضْمَنُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الطَّرِيقَ يُشْبِهُ مِلْكَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرُورَ فِيهِ مُبَاحٌ لَهُ وَيُشْبِهُ مِلْكَ الْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ يُطْلَقُ لَهُ التَّصَرُّفُ فَوَفَّرْنَا حَظَّ الشَّبَهَيْنِ فَجَعَلْنَاهُ كَمِلْكِ غَيْرِهِ فِي حَقِّ مَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَكَمِلْكِهِ فِي حَقِّ مَا لَا يُمْكِنُ كَيْ لَا يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الطَّرِيقِ وَفِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْإِيطَاءَ وَهُوَ رَاكِبُهَا ؛ لِأَنَّ الْإِيطَاءَ مُبَاشَرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ حَتَّى يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ وَيَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِهِ

وَغَيْرُهُ تَسْبِيبٌ وَفِيهِ يُشْتَرَطُ التَّعَدِّي فَصَارَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَهُوَ وَكَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ دَخَلَتْ هِيَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَهَا هُوَ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مَعَهَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَإِنْ أَدْخَلَهَا هُوَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِالْإِدْخَالِ ، وَالْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ كَمِلْكِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ السَّيْرَ وَالْإِيقَافَ فِيهِ وَبَابُ الْمَسْجِدِ كَالطَّرِيقِ فِي الْإِيقَافِ ، وَلَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا لِوُقُوفِ الدَّوَابِّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا حَدَثَ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ إيقَافُ الدَّابَّةِ فِي سُوقِ الدَّوَابِّ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ ، وَكَذَلِكَ الْفَلَاةُ وَطَرِيقُ مَكَّةَ إذَا وَقَفَ فِي غَيْرِ الْمَحَجَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ ، أَمَّا الْمَحَجَّةُ فَهِيَ كَالطَّرِيقِ

( بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : ضَمِنَ الرَّاكِبُ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي ، وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّةٍ ، أَيَّ الدَّوَابِّ كَانَتْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَوْطَأَتْ إنْسَانًا بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَهِيَ تَسِيرُ فَقَتَلَتْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّاكِبِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلدَّابَّةِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَهِيَ مَجْبُورَةٌ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَتْ جِنَايَتُهَا بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ خَاطِئٌ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ حَقِيقَةً وَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ بِرِجْلِهَا وَهِيَ تَسِيرُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لَهَا فِي النَّفْحَةِ فَلَا يَصِيرُ بِهَا قَاتِلًا حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا تَسْيِيرُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَمَا حَدَثَ هَذَا الْأَمْرُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي التَّسْيِيرِ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّبَبُ الْمَحْضُ إنَّمَا يَلْحَقُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِوَصْفِ التَّعَدِّي ، وَقَدْ عَدِمَ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ ) أَيْ التَّعَدِّي ا هـ ( قَوْلُهُ : الْمَحَجَّةُ ) الْمَحَجَّةُ مُعْظَمُ الطَّرِيقِ وَوَسَطُهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنًا لَمْ يَضْمَنْ ، وَلَوْ كَبِيرًا ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ وَالْغُبَارِ مُتَعَذِّرٌ ؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْهُ ، وَعَنْ الْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً مِنْ قِلَّةِ هِدَايَةِ الرَّاكِبِ فَيَضْمَنُ( قَوْلُهُ : وَعَنْ الْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ مُمْكِنٌ ) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ هَذَا مِنْ قِبَلِ عُنْفِهِ فِي أَمْرِ السُّوقِ فَيُوصَفُ بِالتَّعَدِّي فَيُؤْخَذُ بِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي طَرِيقٍ لَمْ يَضْمَنْ مَنْ عَطِبَ بِهِ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْ رَوْثٍ وَبَوْلٍ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ فِيمَا إذَا رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ وَهِيَ تَسِيرُ ، وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مِنْ الدَّوَابِّ مَا لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا وَاقِفًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ فَبَالَتْ أَوْ رَاثَتْ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْإِيقَافِ إذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ وَهُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا أَيْضًا مِنْ السَّيْرِ لِكَوْنِهِ أَدْوَمَ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ ) أَيْ كُلُّ شَيْءٍ يَضْمَنُهُ الرَّاكِبُ يَضْمَنَانِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُسَبِّبَانِ كَالرَّاكِبِ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ فَيَجِبُ فِيهِمَا الضَّمَانُ بِالتَّعَدِّي فِيهِ كَالرَّاكِبِ ، وَقَوْلُهُ وَمَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ يَطَّرِدُ وَيَنْعَكِسُ فِي الصَّحِيحِ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ السَّائِقَ يَضْمَنُ النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ ؛ لِأَنَّهَا بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مَعَ السَّيْرِ وَغَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُمَا التَّحَرُّزُ عَنْهَا وَعَلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَجْهُ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَنَّ السَّائِقَ لَيْسَ لَهُ عَلَى رِجْلِهَا شَيْءٌ يَمْنَعُهَا بِهِ عَنْ النَّفْحَةِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِخِلَافِ الْكَدْمِ وَالصَّدْمِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُونَ كُلُّهُمْ النَّفْحَةَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الرِّجْلُ جُبَارٌ } وَمَعْنَاهُ النَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى الرَّاكِبِ الْكَفَّارَةُ لَا عَلَيْهِمَا ) أَيْ لَا

عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَمُرَادُهُ فِي الْإِيطَاءِ ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ وَثِقَلُ الدَّابَّةِ تَبَعٌ لَهُ فَإِنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَهِيَ آلَةٌ لَهُ وَهُمَا مُسَبِّبَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ بِالْمَحَلِّ ، وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ وَالْكَفَّارَةُ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ لَا حُكْمُ التَّسْبِيبِ ، وَكَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيطَاءِ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ دُونَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَلَوْ كَانَ سَائِقٌ وَرَاكِبٌ قِيلَ لَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالسَّائِقُ مُسَبِّبٌ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى ، وَقِيلَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا فَنَخَسَ الْمَأْمُورُ الدَّابَّةَ وَوَطِئَتْ إنْسَانًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَاشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ فَالنَّاخِسُ سَائِقٌ وَالْآمِرُ رَاكِبٌ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُسَبِّبَ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ مَعَ الْمُبَاشِرِ إذَا كَانَ السَّبَبُ شَيْئًا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْإِتْلَافِ كَمَا فِي الْحَفْرِ مَعَ الْإِلْقَاءِ فَإِنَّ الْحَفْرَ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا بِدُونِ الْإِلْقَاءِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فَيَشْتَرِكَانِ ، وَهَذَا مِنْهُ فَإِنَّ السَّوْقَ مُتْلِفٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّابَّةِ رَاكِبٌ بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتْلِفٍ بِلَا إلْقَاءٍ ، وَعِنْدَ الْإِلْقَاءِ وُجِدَ التَّلَفُ بِهِمَا فَأُضِيفَ إلَى آخِرِهِمَا كَمَسْأَلَةِ الْقُفَّةِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَعْمَلُ فَيَشْتَرِكَانِ

قَوْلُهُ : وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ فَبَالَتْ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا وُقُوفُ الدَّابَّةِ لِأَمْرٍ آخَرَ ، فَلَيْسَ مِمَّا وُضِعَ لَهُ الطَّرِيقُ فَكَانَ تَعَدِّيًا فَلَمْ يُجْعَلْ مَا اتَّصَلَ بِهِ عَفْوًا مِنْ التَّلَفِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا ضَمِنَ سِرَايَتَهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ ) وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَمَعْنَاهُ النَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ ) بَيَانُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ بِالرِّجْلِ أَوْ النَّفْحَةِ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِمُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُبَارٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَإِلَّا يَلْزَمُ الْإِلْغَاءُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الرَّاكِبِ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَإِنْ كَانَ سَائِقٌ وَرَاكِبٌ أَوْ سَائِقٌ وَقَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : كَمَسْأَلَةِ الْقُفَّةِ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ كَمَا قَالُوا فِي سَفِينَةٍ مَمْلُوءَةٍ بِالطَّعَامِ إذَا جَاءَ رَجُلٌ وَطَرَحَ فِيهَا مَنًّا زَائِدًا فَغَرِقَتْ السَّفِينَةُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَ الْمَنَّ الزَّائِدَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اصْطَدَمَ فَارِسَانِ أَوْ مَاشِيَانِ فَمَاتَا ضَمِنَ عَاقِلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةَ الْآخَرِ ) ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ رَوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَيُعْتَبَرُ نِصْفُهُ وَيُهْدَرُ النِّصْفُ كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا أَوْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ أَوْ حَفَرَا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِئْرًا فَانْهَارَ عَلَيْهِمَا أَوْ وَقَعَا فِيهِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُضَافٌ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لَوَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا مَشْيُهُ وَثِقَلُهُ فِي نَفْسِهِ لَمَا هَوَى فِي الْبِئْرِ وَفِعْلُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ التَّلَفِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ كُلَّ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا أَوْ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهُمَا تَعَمَّدَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي الْعَمْدِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ كُلَّ الدِّيَةِ عَلَى الْخَطَأِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الِاصْطِدَامِ عَمْدًا وَجَرْحِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْظُورٌ مُطْلَقًا فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَيْضًا ،

فَيَكُونُ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ ، وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ يُهْدَرُ الدَّمُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا وَفِدَاءً ، وَقَدْ فَاتَتْ لَا إلَى خُلْفٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ يَصِيرُ الْمَوْلَى بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا فِي الْخَطَأِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفِهَا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَيَبْطُلُ بِمَوْتِهِ إلَّا قَدْرَ مَا أَخْلَفَ وَهُوَ الْقِيمَةُ أَوْ نِصْفُهَا فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخُلْفِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى أَصْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ ، وَإِذَا تَجَاذَبَ رَجُلَانِ حَبْلًا فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ فَسَقَطَا وَمَاتَا يُنْظَرُ فَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْقَفَا لَا تَجِبُ لَهُمَا دِيَةٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ وَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ وَجَبَ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْقَفَا وَالْآخَرُ عَلَى الْوَجْهِ فَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَى الْقَفَا لَا دِيَةَ لَهُ وَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ وَإِنْ قَطَعَ إنْسَانٌ الْحَبْلَ بَيْنَهُمَا فَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ

( قَوْلُهُ : كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ ا هـ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَةِ الشَّافِعِيِّ ، وَقَالَ فِي الْمُصْطَدِمَيْنِ هَلَكَا نِصْفُ الضَّمَانِ سَاقِطٌ إذْ شُرِكَا قَالَ فِي الْمُصَفَّى ، وَهَذَا إذَا كَانَا جَرَيْنَ وَكَانَ الِاصْطِدَامُ خَطَأً ، أَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَوْلُنَا كَقَوْلِهِ ا هـ أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ عِبَارَةُ الْعَيْنِيِّ وَمُلَّا مِسْكِينٍ فِي شَرْحَيْهِمَا تُفِيدُ وُجُوبَ الدِّيَةِ عِنْدَنَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِمَا عَلِمْت وَلَعَلَّ الَّذِي أَوْقَعَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ وَلَمْ يَتَفَطَّنْ لِقَوْلِهِ هُنَا فِي دَلِيلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا فَإِنَّ هَذَا مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُتَّفِقِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْخَطَأِ وَأَنَّ الْعَمْدَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي آخِرِ دَلِيلِنَا وَمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الِاصْطِدَامِ عَمْدًا إلَخْ يُفْصِحُ عَنْ أَنَّ الِاصْطِدَامَ الْعَمْدَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَسَاغَ لِلشَّارِحِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فِي الْحُرَّيْنِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ وَقَعَا فِيهِ ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ بِالْوَاوِ ا هـ قَوْلُهُ : يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ ) إلَّا أَنَّ الْعَمْدَ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطَإِ ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ إذْ هُوَ تَعَمَّدَ الِاصْطِدَامَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ وَلِذَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَخْ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُصْطَدِمَانِ حُرَّيْنِ ، وَقَدْ تَعَمَّدَا ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِذَا

وَقَعَ ذَلِكَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ إلَخْ ) يَعْنِي إذَا اصْطَدَمَ الْعَبْدَانِ خَطَأً فَمَاتَا هُدِرَ الدَّمُ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَلِهَذَا يُدْفَعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى ، فَلَمَّا مَاتَ فَاتَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ بِلَا خُلْفٍ وَلَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى شَيْئًا ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ ، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا مِنْهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ فَكَانَ كَالْخَطَأِ فَهُدِرَ الدَّمُ حَيْثُ لَمْ يُخَلِّفْ الْعَبْدُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ يُقَالُ هُدِرَ دَمُهُ أَيْ بَطَلَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَطَإِ مَاتَ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ وَفِي الْعَمْدِ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَسَقَطَ النِّصْفُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَ مُحَمَّدٍ ) ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا ) فِي الِاخْتِيَارِ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْقَفَا فَانْظُرْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ ) أَيْ وَضَمِنَ الْحَبْلَ فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ إنْ وَقَعَا عَلَى وَجْهِهِمَا إذَا قُطِعَ الْحَبْلُ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَطْعِ الْحَبْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ ) ، وَكَذَا عَلَى هَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِهِ كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ أَوْ الْإِحْكَامُ فِي الشَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ بِيَدِهِ بِخِلَافِ الرِّدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَهُ عَادَةً فَلَا يُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ؛ وَلِأَنَّ اللِّبَاسَ تَبَعٌ لِلَّابِسِ وَهُوَ لَوْ وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ وَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فَكَذَا إذَا عَثَرَ بِلِبَاسِهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَادَ قِطَارًا فَوَطِئَ بَعِيرٌ إنْسَانًا ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ ) ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ وَالتَّسْبِيبُ بِوَصْفِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ غَيْرَ أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانَ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَعَلَيْهِمَا ) أَيْ إذَا كَانَ مَعَ الْقَائِدِ سَائِقٌ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الضَّمَانُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّسْبِيبِ ؛ لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدٌ لِلْكُلِّ ، وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ هَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ ، أَمَّا إذَا تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامِ وَاحِدٍ يَضْمَنُ هُوَ وَحْدَهُ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ بِمَا هُوَ قُدَّامَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْفِصَامِ الزِّمَامِ وَالسَّائِقُ يَسُوقُ مَا هُوَ قُدَّامَهُ ، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَسَطَ الْقِطَارِ وَلَا يَسُوقُ مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ مَا أَصَابَتْ الْإِبِلُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لَهَا ، وَكَذَا مَا أَصَابَ الْإِبِلُ الَّتِي خَلْفَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِدٍ لَهَا إلَّا إذَا كَانَ أَخَذَ بِزِمَامِ مَا خَلْفَهُ ، أَمَّا الْبَعِيرُ الَّذِي هُوَ رَاكِبُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَائِدِ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِيطَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ ضَمَانُهُ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مُبَاشِرًا حَتَّى تَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُبَاشِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقِطَارَ بِيَدِهِ يَسِيرُ بِسَوْقِهِ وَيَقِفُ بِإِيقَافِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ صِيَانَتُهُ فَمَا حَدَثَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيُضَافُ إلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنْ الْقِطَارِ لِتَسْبِيبِهِ فَيَصِيرُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ وَأَوْرَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا قَادَ أَعْمَى فَأَوْطَأَ الْأَعْمَى إنْسَانًا فَقَتَلَهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَائِدِ الضَّمَانُ قِيلَ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى بِنَفْسِهِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَفِعْلُهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ خَاصَّةً ، وَأَمَّا فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ لَا عِبْرَةَ لَهُ فِي حُكْمِ نَفْسِهِ فَفِعْلُهَا يُنْسَبُ إلَى الْقَائِدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : هَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ ) أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ جَمِيعًا فِيمَا إذَا كَانَ السَّائِقُ يَسُوقُ الْإِبِلَ غَيْرَ آخِذٍ بِزِمَامِ الْبَعِيرِ ، أَمَّا إذَا أَخَذَ الزِّمَامَ ، فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي الَّذِي هَلَكَ خَلْفَهُ لَا عَلَى الْقَائِدِ الْمُقَدَّمِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الزِّمَامُ عَنْ الْقِطَارِ لَمْ يَكُنْ الْقَائِدُ الْمُقَدَّمُ قَائِدًا لِمَا خَلْفَ السَّائِقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رَبَطَ بَعِيرًا عَلَى قِطَارٍ رَجَعَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ بِدِيَةِ مَا أَتْلَفَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ ) أَيْ إذَا رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا عَلَى قِطَارٍ وَالْقَائِدُ لِذَلِكَ الْقِطَارِ لَا يَعْلَمُ فَوَطِئَ الْبَعِيرُ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ دِيَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُونَ قِطَارَهُ عَنْ رَبْطِ غَيْرِهِ بِهِ ، فَإِذَا تَرَكَ الصِّيَانَةَ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ وَهُوَ تَسْبِيبٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِيهِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَالرَّابِطِ ابْتِدَاءً مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبْطِ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِهِ دُونَ الرَّبْطِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَحْدَهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ قَالُوا هَذَا إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ ؛ لِأَنَّ الرَّابِطَ آمِرٌ بِالْقَوَدِ دَلَالَةً ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْهُ وَلَكِنَّ جَهْلَهُ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ ، فَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّبْطِ ، وَأَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ وَاقِفَةٌ ضَمِنَهَا عَاقِلَةُ الْقَائِدِ وَلَا يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ ؛ لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ عَلَى أَحَدٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالرَّبْطِ وَالْإِيقَافِ عَلَى الطَّرِيقِ لَكِنْ زَالَ ذَلِكَ بِالْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَضَعَ حَجَرًا وَحَوَّلَهُ غَيْرُهُ ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَائِدُ بِالرَّبْطِ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ بِمَا لَحِقَهُمْ مِنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ رَضِيَ بِذَلِكَ وَالتَّلَفُ قَدْ اتَّصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يُنَافِي

التَّسْبِيبَ وَلَا الضَّمَانَ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي الرُّجُوعِ لِمَا ذَكَرْنَا( قَوْلُهُ : وَأَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ وَاقِفَةٌ ) أَيْ ثُمَّ قَادَ صَاحِبُ الْقِطَارِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالرَّبْطِ أَوَّلًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ لَهَا سَائِقًا فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّهُ الْحَامِلُ لَهَا فَأُضِيفَ فِعْلُهَا إلَيْهِ كَمَا يُضَافُ فِعْلُ الْمُكْرَهِ إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ وَالْمُرَادُ بِالسَّوْقِ أَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهَا مَعَهَا وَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَلْفَهَا فَمَا دَامَتْ فِي فَوْرِهَا فَهُوَ سَائِقٌ لَهَا فِي الْحُكْمِ فَيَلْحَقُ بِالسَّوْقِ وَإِنْ تَرَاخَى انْقَطَعَ السَّوْقُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَهِيمَةِ الْكَلْبُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً إلَخْ ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُرْسِلُ الْبَهِيمَةَ وَيَكُونُ سَائِقًا لَهَا فَتُصِيبُ فِي فَوْرِهَا قَالَ هُوَ ضَامِنٌ ، وَقَالَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا فِي رَجُلٍ أَرْسَلَ طَائِرًا فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ أَرَادَ بِالْبَهِيمَةِ الْكَلْبَ وَأَرَادَ بِكَوْنِهِ سَائِقًا أَنْ يَكُونَ خَلْفَهُ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَرْسَلَ طَيْرًا أَوْ كَلْبًا وَلَمْ يَكُ سَائِقًا لَهُ أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا لَا ) أَيْ لَا يَضْمَنُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا ، أَمَّا الطَّيْرُ فَلِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَلَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ فَإِنَّ بَدَنَهَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا السَّوْقُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ أَرْسَلَ بَازِيًا فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَ لَا يَضْمَنُ الْمُرْسِلُ ، وَأَمَّا الْكَلْبُ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّوْقُ حَقِيقَةً بِأَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهُ وَلَا حُكْمًا بِأَنْ يُصِيبَ عَلَى فَوْرِ الْإِرْسَالِ ، وَالتَّعَدِّي يَكُونُ بِالسَّوْقِ فَلَا يَضْمَنُ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ يُضَافُ إلَى فَاعِلِهِ وَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي فِعْلِ الْبَهِيمَةِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ السَّوْقُ فَأَضَفْنَاهُ إلَيْهِ اسْتِحْسَانًا صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّوْقُ بَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَلَا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً وَتَسْبِيبًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ إلَى صَيْدٍ حَيْثُ يُؤْكَلُ مَا أَصَابَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى الِاصْطِيَادِ بِهِ فَأُضِيفَ إلَى الْمُرْسِلِ مَا دَامَ الْكَلْبُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَلَمْ يُفَتَّرْ عَنْهَا إذْ لَا طَرِيقَ إلَى الِاصْطِيَادِ سِوَاهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ بِهِ مَشْرُوعٌ ، وَلَوْ شَرَطَ السَّوْقَ لَا نَسُدُّ بَابَهُ وَهُوَ مَفْتُوحٌ فَأُضِيفَ إلَيْهِ وَإِنْ غَابَ عَنْ بَصَرِهِ مَعَ الصَّيْدِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فَكَانَ مُضَافًا إلَى الْكَلْبِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي فِعْلِهِ وَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ الْمُرْسِلِ فَلَا يُضَافُ فِعْلُهُ إلَى غَيْرِهِ ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَرْسَلَ دَابَّةً فِي

طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالْمُرْسِلُ ضَامِنٌ ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سُنَّتِهَا ، وَلَوْ انْعَطَفَتْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ ، وَكَذَا إذَا وَقَفَتْ ، ثُمَّ سَارَتْ أَيْ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ بِالْوَقْفَةِ أَيْضًا كَمَا يَنْقَطِعُ بِالْعَطْفَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ الْكَلْبُ بَعْدَ الْإِرْسَالِ فِي الِاصْطِيَادِ ، ثُمَّ سَارَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْفَةَ تُحَقِّقُ مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ ؛ لِأَنَّهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذِهِ تُنَافِي مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ السَّيْرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حُكْمُ الْإِرْسَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فِي فَوْرِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ مِنْ إرْسَالِهِ وَفِي إرْسَالِ الْبَهِيمَةِ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ شَغْلَ الطَّرِيقِ تَعَدٍّ فَيَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ ، وَأَمَّا الْإِرْسَالُ لِلِاصْطِيَادِ فَمُبَاحٌ وَلَا تَسْبِيبَ بِوَصْفِ التَّعَدِّي كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ ، وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ سَائِقًا لَهَا ضَمِنَ مَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا ، وَكَذَا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَكَانَ سَائِقًا لَهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ لَا يَضْمَنُ ، وَكَذَا لَوْ أَشْلَى كَلْبَهُ عَلَى رَجُلٍ فَعَقَرَهُ أَوْ مَزَّقَ ثِيَابَهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَسُوقَهُ ، وَقِيلَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَهُوَ لَا يَمْشِي خَلْفَهُ فَعَقَرَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ غَيْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَلَّمِ يَذْهَبُ بِطَبْعِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّمًا ضَمِنَ إنْ مَرَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِإِرْسَالِ صَاحِبِهِ ، أَمَّا إذَا أَخَذَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَلَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَالَ عَنْ سُنَنِ الْإِرْسَالِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ قَالُوا هَذَا فِي الْبَهِيمَةِ ، وَأَمَّا فِي الْكَلْبِ فَلَا

يَضْمَنُ وَإِنْ ذَهَبَ عَلَى سُنَنِ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهَا دُونَ الْكَلْبِ عَادَةً ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ كَلْبٌ عَقُورٌ يُؤْذِي مَنْ مَرَّ بِهِ فَلِأَهْلِ الْبَلَدِ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَإِنْ أَتْلَفَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ الضَّمَانُ إنْ كَانَ تَقَدَّمَ إلَيْهِ قَبْلَ الْإِتْلَافِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا طَرَحَ رَجُلًا قُدَّامَ سَبُعٍ فَقَتَلَهُ السَّبُعُ ، فَلَيْسَ عَلَى الطَّارِحِ شَيْءٌ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ حَتَّى يَتُوبَ ، وَأَمَّا انْفِلَاتُ الْبَهِيمَةِ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ } أَيْ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ هَدَرٌ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ الْمُنْفَلِتَةُ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْمَرْكُوبَةَ وَالْمَسُوقَةَ وَالْمَقُودَةَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ الْمُرْسَلَةِ فِي الطَّرِيقِ فِعْلُهَا مُعْتَبَرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ مُقْتَصِرٌ عَلَيْهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى صَاحِبِهَا لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ مِنْ الرُّكُوبِ وَأَخَوَاتِهِ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سُنَنِهَا ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ ، وَقَدْ مَرَّ ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا تَسْبِيبَ بِوَصْفِ التَّعَدِّي ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي فَقْءِ عَيْنِ شَاةِ الْقَصَّابِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّاةِ اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا النُّقْصَانُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي عَيْنِ بَدَنَةِ الْجَزَّارِ وَالْحِمَارِ وَالْفَرَسِ رُبُعُ الْقِيمَةِ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهَا النُّقْصَانُ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالشَّاةِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبُعِ الْقِيمَةِ } وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْحَمْلِ وَالْعَمَلِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْآدَمِيَّ ، وَقَدْ تَمَسَّكَ لِغَيْرِهِ كَالْأَكْلِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْمَأْكُولَاتِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبُعِ وَبِالشَّبَهِ الْآخَرِ فِي نَفْيِ النِّصْفِ ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَيْهَا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْفَاقِئِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ كَامِلَةً وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ ؛ لِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ وَرَدَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَفِي فَقْءِ عَيْنِ شَاةِ الْقَصَّابِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَرْذَوِيِّ مُحَمَّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَاةِ الْقَصَّابِ وَبَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِ الْجَزَّارِ يَفْقَأُ عَيْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قَالَ فِي الشَّاةِ مَا نَقَصَهَا وَفِي الْبَقَرَةِ رُبْعُ قِيمَتِهَا وَفِي الْبَعِيرِ رُبْعُ قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْكُلَّ وَإِنْ كُنَّ لِلَّحْمِ فَإِنَّ الْجَوَابَ مَعَ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ وَالْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ مِثْلُ الْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْجَوَابُ وَالْفَتْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَفَعَهُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّاةَ لَا تَعْمَلُ ، بَلْ يُنْتَفَعُ بِهَا كَمَا يُنْتَفَعُ بِالْأَمَةِ فَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْبَهَائِمِ فَإِنَّهَا عَامِلَةٌ كَبَنِي آدَمَ لَكِنَّهَا لَا تَعْمَلُ إلَّا بِغَيْرِهَا فَأَشْبَهَ الْإِنْسَانَ مِنْ وَجْهٍ وَالشَّاةَ مِنْ وَجْهٍ فَوَجَبَ تَنْصِيفُ التَّقْدِيرِ الْوَاجِبِ فِي الْإِنْسَانِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ ؛ وَلِأَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَعْمَلُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا مَنْ يَسْتَعْمِلُهَا فَصَارَ لِعَيْنِهَا حُكْمُ الرُّبْعِ وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ أَيْضًا ) فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِهَذِهِ الْآثَارِ فِي الْجَزُورِ وَأَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ فِي الشَّاةِ ا هـ غَايَةٌ .

( بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ) اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ قِيلَ مُوجِبُهَا الْأَرْشُ ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ مُطْلَقَةٌ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالدَّفْعِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ ، وَقِيلَ الدَّفْعُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالْفِدَاءِ وَلِهَذَا يُبَرَّأُ الْمَوْلَى بِهَلَاكِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ غَيْرَهُ لَمَا بَرِئَ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ وَلِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الدَّفْعُ لَا الْفِدَاءُ( بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ شَرَعَ فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَأَخَّرَ ذِكْرَهَا لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْمَمْلُوكِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ الدَّفْعُ ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( جِنَايَاتُ الْمَمْلُوكِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا لَوْ مَحَلًّا لَهُ وَإِلَّا فَقِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ) أَيْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعَ رَقَبَتِهِ إذَا كَانَ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ كَانَ قِنًّا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعَ رَقَبَتِهِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ مُوجِبَةً لِلْمَالِ وَإِلَّا فَقِيمَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ انْعَقَدَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا تُوجِبُ جِنَايَتُهُ قِيمَةً وَاحِدَةً وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ وَفِي الْقِنِّ إذَا جَنَى بَعْدَ الْفِدَاءِ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ كَالْجِنَايَةِ الْأُولَى ، وَكَذَا كُلَّمَا جَنَى بَعْدَ الْفِدَاءِ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُخْتَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( جَنَى عَبْدُهُ خَطَأً دَفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا ) أَيْ إذَا جَنَى الْعَبْدُ خَطَأً فَمَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ، فَإِذَا دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا ، وَقَوْلُهُ خَطَأً يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْعَمْدِ ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ إنَّمَا يُفِيدُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ عَمْدًا تُوجِبُ الْقِصَاصَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَطْرَافِ لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِهِ إذْ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَلَا بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ جِنَايَةُ الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى الْأَرْشَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي إتْبَاعِ الْجَانِي عِنْدَهُ ، وَعِنْدَنَا لَا يَتْبَعُ لَا فِي حَالَةِ الرِّقِّ

وَلَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَذْهَبِنَا ، وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلُ مَذْهَبِهِ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَيُبَاعُ فِيهِ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النُّفُوسِ نَفْسُ الْجَانِي إذَا أَمْكَنَ إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِ قَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ عُقُوبَةً ، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ جَبْرًا وَالْحُرُّ مَنْ أُهِّلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ نَفْسَهُ عُقُوبَةً لَا بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ وَالْعَبْدُ مَنْ أُهِّلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ نَفْسَهُ بِالطَّرِيقَيْنِ فَتَصِيرُ نَفْسُهُ مُسْتَحَقَّةً لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ الْهَدَرِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ ، فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، بَلْ مَقْصُودُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ إتْلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ نَفْسَ الْجَانِي أَبَدًا ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ خَطَأً أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْ الْجَانِي لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا وَلِكَوْنِ الْخَطَأِ مَرْفُوعًا شَرْعًا وَيَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ تَخْفِيفًا عَنْ الْمُخْطِئِ وَتَوَقِّيًا عَنْ الْإِجْحَافِ بِهِ إلَّا أَنَّ عَاقِلَةَ الْعَبْدِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ وَبِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ حَتَّى تَجِبَ الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فَيَجِبُ ضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا عَاقِلَةَ لَهُمْ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ وَبِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ ؛

لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَفِي إثْبَاتِ الْخِيَرَةِ نَوْعُ تَخْفِيفٍ فِي حَقِّهِ كَيْ لَا يُسْتَأْصَلَ فَيُخَيَّرَ ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ مُفِيدٌ وَالْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي قَبْلَ الِاخْتِيَارِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ وَلَهُ النَّقْلُ إلَى الْقِيمَةِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْجَانِي الْحُرِّ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْمُوجِبُ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوَاجِبُ اسْتِيفَاءً فَصَارَ كَالْعَبْدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَإِذَا اخْتَارَ الدَّفْعَ يَلْزَمُهُ حَالًّا ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ وَلَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ ، وَكَذَا إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ يَجِبُ عَلَيْهِ حَالًّا ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُتْلِفُ وَلِهَذَا سُمِّيَ فِدَاءً وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ الْمَوْلَى وَفَعَلَهُ فَلَا شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرُهُ ، أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ، فَإِذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّقَبَةِ سَقَطَ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْأَرْشُ ، فَإِذَا أَوْفَاهُ حَقَّهُ سَلَّمَ الْعَبْدَ لَهُ ، وَكَذَا إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ فَعَلَ وَلَمْ يَخْتَرْهُ قَوْلًا سَقَطَ حَقُّ الْوَلِيِّ فِي الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْيِينُ الْمَحَلِّ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ ، وَالتَّعْيِينُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْفِعْلِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْفِعْلُ وَالْمَحَلُّ تَابِعٌ ضَرُورَةَ وُجُودِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَادِرًا عَلَى الْأَرْشِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَصْلَ حَقِّهِمْ فَبَطَلَ حَقُّهُمْ فِي الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّعْيِينِ لِلْمَوْلَى لَا لِلْأَوْلِيَاءِ ، وَقَالَا لَا يَصِحُّ اخْتِيَارُهُ الْفِدَاءَ إذَا كَانَ مُفْلِسًا إلَّا بِرِضَا الْأَوْلِيَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ حَقًّا لِلْأَوْلِيَاءِ حَتَّى يَضْمَنَهُ الْمَوْلَى بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ أَوْ بِوُصُولِ الْبَدَلِ إلَيْهِمْ وَهُوَ الدِّيَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ حَيْثُ لَمْ يُبَرَّأْ الْمَوْلَى لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّتِهِ ، وَلَوْ فَدَاهُ الْمَوْلَى ، ثُمَّ عَادَ فَجَنَى كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ كَحُكْمِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالْفِدَاءِ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ مِنْ قَبْلُ وَهَذِهِ ابْتِدَاءُ جِنَايَةٍ ، وَلَوْ جَنَى قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ فِي الْأُولَى شَيْئًا أَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ جِنَايَاتٍ قِيلَ لِمَوْلَاهُ إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بِالْكُلِّ أَوْ تَفْدِيَهُ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِنَايَاتِ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالدُّيُونِ الْمُتَلَاحِقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ فَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً ، وَأَمَّا الْجِنَايَةُ ، فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا تَعَلُّقُ الْحَقِّ لِوَلِيِّ الْأُولَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقٍّ آخَرَ بِهِ ، ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى غَيْرِهِ ؛

لِأَنَّ الْحُقُوقَ صَارَتْ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا وَهِيَ الْجِنَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ أَوْ أَوْلِيَاءُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ مِنْ الْبَعْضِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ مُتَّحِدٌ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْجِنَايَةُ الْمُتَّحِدَةُ ، وَكَذَا الْمُسْتَحَقُّ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَجِبُ لِلْمَقْتُولِ ، ثُمَّ لِلْوَارِثِ خِلَافَةٌ فَلَا يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ فِي مُوجِبِهَاقَوْلُهُ : وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي إتْبَاعِ الْجَانِي ) أَيْ بَعْدَ الْعِتْقِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّ الْوَاجِبَ ) أَيْ الْأَصْلِيَّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَهُ ) أَيْ الْمَالِكِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إلَى الْقِيمَةِ ) وَالْأَدَاءُ مِنْ مَالِ الْآخَرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا اخْتَارَ ) أَيْ الْمَوْلَى ا هـ قَوْلُهُ : لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرُ الْمُرْتَهِنِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَعْتَقَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ ، وَلَوْ عَالِمًا بِهَا لَزِمَهُ الْأَرْشُ كَبَيْعِهِ وَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِقَتْلِ فُلَانٍ وَرَمْيِهِ وَشَجِّهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ ) مَعْنَاهُ إذَا جَنَى عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى أَحْدَثَ فِيهِ تَصَرُّفًا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَإِلَّا فَلَا ، فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ جِئْنَا إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ إلَخْ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ فَوَّتَ حَقَّهُ فِي أَقَلِّهِمَا فَيَضْمَنُهُ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِهَذَا الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ بِدُونِ الْعِلْمِ لَا يَتَحَقَّقُ وَفِي الثَّانِي صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّفْعِ فَالْأَقْدَامُ عَلَيْهِ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْفِدَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا وَإِنْ بَاعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَبَيْعِهِ يَعْنِي كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْهِبَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُمْنَعُ مِنْ الدَّفْعِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالتَّمْلِيكِ بِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ بِالْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ مُخَاطَبٌ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ وَإِنَّمَا هُوَ إظْهَارُ الْحَقِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا بِذَلِكَ ، فَإِذَا لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ وَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ

لِلْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَمْ تَنْدَفِعْ فَيُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَفْدِيَةَ أَوْ تَدْفَعَهُ فَإِنْ فَدَاهُ صَارَ مُتَطَوِّعًا بِالْفِدَاءِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ إذَا حَضَرَ وَصَدَّقَهُ أَنَّهُ لَهُ وَإِنْ دَفَعَهُ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْخِيَارِ إذَا حَضَرَ إنْ شَاءَ أَجَازَ دَفْعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ وَأَلْحَقَهُ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالتَّمْلِيكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُقِرِّ ظَاهِرًا فَيَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْإِقْرَارِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الْأَطْرَافِ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُوجِبٌ لِلدَّفْعِ فَلَا يَخْتَلِفُ ، وَكَذَا لَا فَرْقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَاتًّا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُزِيلُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ، ثُمَّ نَقَضَهُ أَوْ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ بِهِ وَلَا يُقَالُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْإِجَازَةِ بِهِ فَوَجَبَ هُنَا أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مُخْتَارًا لَلَزِمَ مِنْهُ بَيْعُ مِلْكِ غَيْرِهِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْبَيْعِ الْغَرَرِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ ، وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَزُولُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ حَيْثُ يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِهَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَفَكِّ الْحَجْرِ عَنْ الْعَبْدِ فِي الْحَالِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةً ، ثُمَّ عَجَزَ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَبَعْدَهَا لَا يَدْفَعُهُ لِتَقَرُّرِ

الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ وَإِعْتَاقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْمَوْلَى فِيمَا ذَكَرْنَاهُ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ فِيهِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ ، وَلَوْ ضَرَبَهُ فَنَقَصَهُ كَانَ مُخْتَارًا بَعْدَ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ جُزْءًا مِنْهُ إلَّا إذَا زَالَ النُّقْصَانُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الدَّفْعِ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْقِيمَةِ وَبِوَطْءِ الْبِكْرِ يَكُونُ مُخْتَارًا بِخِلَافِ وَطْءِ الثَّيِّبِ مِنْ غَيْرِ إعْلَاقٍ وَالتَّزْوِيجِ وَالِاسْتِخْدَامِ ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ إذْ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إمْسَاكُ شَيْءٍ مِنْهُ وَالِاسْتِخْدَامُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَطَعَنَ عِيسَى فِي التَّزْوِيجِ فَقَالَ إنَّهُ تَعْيِيبٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا بِهِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا وَفِي الْوَطْءِ خِلَافُ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْإِمْسَاكِ فَصَارَ كَوَطْءِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ قُلْنَا لَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلُ الْإِمْسَاكِ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَكَانَ وَاطِئًا مِلْكَ غَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا ، ثُمَّ يَدْفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ إذْ لَا يَتَبَيَّنُ بِالدَّفْعِ أَنَّ الْوَطْءَ وَقَعَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِزَوَائِدِهِ ، وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ يَسْتَحِقُّهُ بِزَوَائِدِهِ وَيَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ ، فَيَكُونُ مُحْدِثًا فِيهِ مَا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِهِمَا لِلْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْجِزْهُ عَنْ الدَّفْعِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ وَالرَّهْنَ

لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِ الْعَبْدِ سَابِقًا عَلَى حَقِّهِمَا فَيُفْسَخَانِ صَوْنًا لِحَقِّهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمَوْلَى بِجِهَةِ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي مِلْكٌ صَحِيحٌ وَالْمِلْكُ أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ تَعَلَّقَا بِالْعَيْنِ فَيُرَجَّحُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالسَّبْقِ ، وَكَذَا لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفَوِّتُ الدَّفْعَ وَلَا يُنْقِصُ الرَّقَبَةَ إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى بَعْدَمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ فَيَلْزَمُ الْمَوْلَى قِيمَتُهُ ، وَلَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَعَلِمَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ صَارَ مُخْتَارًا فِيمَا عَلِمَ وَفِيمَا لَمْ يَعْلَمْ يَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ قَتَلْت فُلَانًا أَوْ رَمَيْته أَوْ شَجَجْته فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إنْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَبَيْعِهِ وَتَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِقَتْلِ فُلَانٍ وَرَمْيِهِ وَشَجِّهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ كَمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِبَيْعِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا وَبِتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْقَتْلِ وَالرَّمْيِ وَالشَّجِّ يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالتَّعْلِيقِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ أَوَانَ تَكَلُّمَهُ بِهِ لَا جِنَايَةَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا عِلْمَ لِلْمَوْلَى بِمَا سَيُوجَدُ بَعْدُ وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ ، ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ أَوْ لَا

يُعْتِقَ ، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَثَبَتَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ تِلْكَ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ بِالْجِنَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك يَصِيرُ ابْتِدَاءُ الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إذَا مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَرِضَ حَتَّى طَلُقَتْ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ يَصِيرُ فَارًّا ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُطَلِّقًا بَعْدَ وُجُودِ الْمَرَضِ بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَهُ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ طَلَاقٌ أَوْ إعْتَاقٌ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ إذْ الْيَمِينُ لِلْمَنْعِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّهُ حَرَّضَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ بِتَعْلِيقِ أَقْوَى الدَّوَاعِي إلَى الْقَتْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ ، وَهَذَا دَلَالَةُ الِاخْتِيَارِ هَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَالَ لَهُ إنْ ضَرَبْته بِالسَّيْفِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي الْقِصَاصِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُفَوِّتًا حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ عَمْدًا وَدَفَعَ إلَيْهِ فَحَرَّرَهُ فَمَاتَ مِنْ الْيَدِ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ لَمْ يُحَرِّرْهُ رُدَّ عَلَى سَيِّدِهِ وَيُقَادُ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى ظَهَرَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْأَطْرَافِ وَبِالسِّرَايَةِ ظَهَرَ أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ فَصَارَ الصُّلْحُ بَاطِلًا لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَالَحٍ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَالُ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَطَلَ الصُّلْحُ وَالْبَاطِلُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً كَمَا لَوْ وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا فِي عِدَّتِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ فَكَذَا هَذَا فَوَجَبَ الْقِصَاصُ ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ قَصَدَ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَقْصِدُ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ فَكَانَ مُصَالِحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ابْتِدَاءً عَلَى الْعَبْدِ مُقْتَضَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالْمَوْلَى أَيْضًا مُصَالِحٌ مَعَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رَاضٍ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ عِوَضًا عَنْ الْقَلِيلِ كَانَ أَرْضَى بِكَوْنِهِ عِوَضًا عَنْ الْكَثِيرِ ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ صَحَّ الصُّلْحُ فِي ضِمْنِ الْإِعْتَاقِ ابْتِدَاءً ، وَإِذَا لَمْ يُعْتِقْهُ لَمْ يُوجَدْ الصُّلْحُ ابْتِدَاءً وَالصُّلْحُ الْأَوَّلُ وَقَعَ بَاطِلًا فَيُرَدُّ الْعَبْدُ إلَى الْمَوْلَى وَالْأَوْلِيَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَأَعْتَقَهُ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ

وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ رُدَّ عَلَى مَوْلَاهُ ، وَقِيلَ لِلْأَوْلِيَاءِ إمَّا أَنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فَاتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ وَاخْتَلَفَا صُورَةً ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ تَرُدُّ إشْكَالًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا إذَا عُفِيَ عَنْ الْيَدِ ، ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَفْوُ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَالِكَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْتِقْ الْعَبْدَ وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَالصُّلْحُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَالْجَوَابُ ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ فَقَدْ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ ، فَيَكُونَانِ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالٍ يُقَرِّرُ الْجِنَايَةَ وَلَا يُبْطِلُهَا ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْجِنَايَةِ اسْتِيفَاءٌ لِلْجِنَايَةِ مَعْنًى لِاسْتِيفَاءِ بَدَلِهَا ، وَإِذَا بَقِيَتْ الْجِنَايَةُ يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ عُقُوبَتُهَا وَهُوَ الْقِصَاصُ ، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَهُوَ مُعْدِمٌ لِلْجِنَايَةِ ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَإِنْ بَطَلَ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ لَكِنْ بَقِيَتْ شُبْهَةٌ لِوُجُودِ صُورَةِ الْعَفْوِ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَجَوَابُهُ هُوَ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْعِتْقَ يُجْعَلُ صُلْحًا ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْعَفْوِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا يَرِدُ فِي الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَجْعَلَانِ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ وَفِي الصُّلْحِ لَمْ يَجْعَلَا كَذَلِكَ ، بَلْ أَوْجَبَا الْقِصَاصَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَجَعَلَاهُ صُلْحًا مُبْتَدَأً إذَا أَعْتَقَهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( جَنَى مَأْذُونٌ لَهُ مَدْيُونٌ خَطَأً فَحَرَّرَهُ سَيِّدُهُ بِلَا عِلْمٍ عَلَيْهِ قِيمَةً لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقِيمَةً لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ الدَّفْعُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالْبَيْعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ إيفَاءً مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدَةِ بِأَنْ يُدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَوَّلًا ، ثُمَّ يُبَاعَ لِلْغُرَمَاءِ فَيَضْمَنُهُمَا بِالتَّفْوِيتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْمَوْلَى بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَظْهَرُ حَقُّ الْفَرِيقَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْمِلْكِ فَصَارَ كَأَنْ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ ، ثُمَّ الْغَرِيمُ أَحَقُّ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ وَالْغَرِيمُ مُقَدَّمٌ فِي الْمَالِيَّةِ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ ، ثُمَّ يُبَاعَ لِلْغَرِيمِ فَكَانَ مُقَدَّمًا مَعْنًى وَالْقِيمَةُ هِيَ الْمَعْنَى فَتُسَلَّمُ إلَيْهِ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ كَانَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فَيَظْهَرَانِ فَيَضْمَنُهُمَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى جِنَايَةً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ دُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ، ثُمَّ بِيعَ فِي الدَّيْنِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنَّمَا بُدِئَ بِالدَّفْعِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ بَيْعُهُ بَعْدَ الدَّفْعِ ، وَلَوْ بُدِئَ بِبَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي جِنَايَةٌ وَلَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي الدَّفْعِ إذَا كَانَ يُبَاعُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فَائِدَتُهُ ثُبُوتُ اسْتِخْلَاصِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ

الْجِنَايَةِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِخْلَاصِ وَلِلْإِنْسَانِ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ ، فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الدَّفْعُ فَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ ، وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ ، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِالْجِنَايَةِ أَوَّلًا ، وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَاعَهُ فِي الدَّيْنِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ حَضَرَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَفْضُلْ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ سَقَطَ حَقُّهُ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ فِيمَا فَعَلَ ، وَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ وَدُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لَاحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ ثَانِيًا لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْفَسْخِقَوْلُهُ : الدَّفْعُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ ) يَعْنِي أَتْلَفَ الدَّفْعَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَأَتْلَفَ الْبَيْعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ وَلَدَتْ بِيعَتْ مَعَ وَلَدِهَا لِلدَّيْنِ وَإِنْ جَنَتْ فَوَلَدَتْ لَمْ يُدْفَعْ الْوَلَدُ لَهُ ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهَا وَهُوَ وَصْفٌ لَهَا حُكْمِيٌّ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةَ الثَّابِتَةَ فِي الْأَصْلِ تَسْرِي إلَى الْفَرْعِ كَالْمِلْكِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ، وَأَمَّا الدَّفْعُ بِالْجِنَايَةِ فَوَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا فِي ذِمَّتِهَا وَإِنَّمَا يُلَاقِيهَا أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الدَّفْعُ فَقَبْلَ الدَّفْعِ كَانَتْ رَقَبَتُهَا خَالِيَةً عَنْ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَى الْأَوْلَادِ وَلَا الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مَحْسُوسَانِ كَالدَّفْعِ وَلَا تَبَعِيَّةَ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهَا فَلِمَاذَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى إذْ أَعْتَقَهَا وَالْإِنْسَانُ إذَا أَتْلَفَ الْمَدْيُونَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا قُلْنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ اسْتِيفَاءٌ لَا بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ لَا غَيْرُ ، وَلَوْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ لَضَمِنَ كُلَّ الدَّيْنِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَلِهَذَا يَتْبَعُ الْغَرِيمُ بِالْفَاضِلِ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى لَمَّا اتَّبَعَ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا وُجُوبُ دَفْعِ الْأَرْشِ مَعَهَا إذَا جَنَى عَلَيْهَا قَبْلَ الدَّفْعِ وَأَخَذَ الْمَوْلَى الْأَرْشَ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْئِهَا وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا ، فَإِذَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْهَا وَأَخْلَفَ بَدَلًا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ كَمَا إذَا قُتِلَتْ وَأَخْلَفَتْ بَدَلًا اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ ، وَقَوْلُهُ مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ وَلَدَتْ شَرْطٌ لِلسِّرَايَةِ إلَى الْوَلَدِ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهَا إذَا

وَلَدَتْ ، ثُمَّ لَحِقَهَا الدَّيْنُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ الْأَكْسَابِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَا كَسَبَتْ قَبْلَ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ لَهَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْكَسْبِ حَتَّى لَوْ نَازَعَهَا أَحَدٌ فِيهِ كَانَتْ هِيَ الْخَصْمَ فِيهِ فَبِاعْتِبَارِ الْيَدِ كَانَتْ هِيَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهَا لِقَضَاءِ دَيْنِهَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا اُسْتُحِقَّ بِالسِّرَايَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَا بَعْدَهُ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَكَوَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي الرَّقَبَةِ حَتَّى صَارَ صَاحِبُهَا مَمْنُوعًا عَنْ التَّصَرُّفِ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْوَلَدِ ) أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْهَا وَلَا عَنْ جُزْئِهَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَبْدٌ زَعَمَ رَجُلٌ أَنَّ سَيِّدَهُ حَرَّرَهُ فَقَتَلَ وَلِيَّهُ خَطَأً لَا شَيْءَ لَهُ ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ فَزَعَمَ رَجُلٌ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَتَلَ الْعَبْدُ خَطَأً وَلِيَّ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعَ الْعَبْدِ وَلَا الْفِدَاءِ بِالْأَرْشِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَسْقُطُ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ عَنْ الْمَوْلَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ حُرٌّ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَجَعَلَ فِي الْكِتَابِ الْإِقْرَارَ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَهُمَا لَا يَتَفَاوَتَانِ ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالدَّفْعِ ، وَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِحُرِّيَّتِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَصَارَ نَظِيرَ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ، ثُمَّ أَقَرَّ بِتَحْرِيرِ مَوْلَاهُ قَبْلَ الْبَيْعِ( قَوْلُهُ : وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ ) أَيْ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَ مُعْتَقٌ لِرَجُلٍ قَتَلْت أَخَاك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ ، وَقَالَ الرَّجُلُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ ) مَعْنَاهُ إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ ، ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ بَعْدَ الْعِتْقِ قَتَلْت أَخَاك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ ، وَقَالَ الرَّجُلُ ، بَلْ قَتَلْته وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ لِمَا أَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ رِقُّهُ مَعْرُوفًا وَالْوُجُوبُ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ بِعْت دَارِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا مَجْنُونٌ ، وَقَدْ كَانَ جُنُونُهُ مَعْرُوفًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا( قَوْلُهُ : فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ : دَفْعًا أَوْ فِدَاءً ) وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ فِي حَالِ رَقِّهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي ، وَقَالَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ لَهَا ، وَكَذَا كُلُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ ) مَعْنَاهُ إذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ جَارِيَةً ، ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ هِيَ بَلْ قَطَعْتهَا وَأَنَا حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَكَذَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي كُلِّ مَا أَخَذَ مِنْهَا إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ اسْتِحْسَانًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَمَا فِي الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ وَفِي الْقَائِمِ أَقَرَّ بِيَدِهَا حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا ، ثُمَّ ادَّعَى التَّمْلِيكَ عَلَيْهَا وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ، ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَذْهَبْت ضَوْءَ عَيْنِك الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ ، ثُمَّ فُقِئَتْ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا بَلْ أَذْهَبْتهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى مَفْقُوءَةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ يَدَهَا إذَا قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ ، وَكَذَا أَخْذُهُ مِنْ غَلَّتِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَحَصَلَ الْإِسْنَادُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فِي حَقِّهِمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ حَرْبِيٍّ أَسْلَمَ أَخَذْت مَالَك وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ فَقَالَ بَلْ أَخَذْته بَعْدَمَا أَسْلَمْتقَوْلُهُ : مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فِي حَقِّهِمَا ) أَيْ فِي حَقِّ الْغَلَّةِ وَالْوَطْءِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَمَرَ صَبِيًّا حُرًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ وَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ فَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ ، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا كَانَ الْآمِرُ لِلصَّبِيِّ صَبِيًّا ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِأَقْوَالِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُمَا وَلَا رُجُوعَ لِعَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ الْآمِرِ أَبَدًا وَيَرْجِعُونَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِبَارِ كَانَ لِحَقِّ الْمَوْلَى لَا لِنُقْصَانِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ ، وَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَاصِرُ الْأَهْلِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْإِمَامِ الْعَتَّابِيِّ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا أَبَدًا ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَكَانِ الْحَجْرِ ، وَهَذَا أَوْفَقُ لِلْقَوَاعِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْقَتْلِ قِبَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُبَيْلَ هَذَا وَلِهَذَا لَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَهَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ مَاتَ فِيهَا أَلْفُ نَفْسٍ فَيَقْتَسِمُونَهَا بِالْحِصَصِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا إنْ أَمَرَ عَبْدًا ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ عَبْدًا وَالْمَأْمُورُ أَيْضًا عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا فَيُخَاطَبُ مَوْلَى الْقَاتِلِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ وَيَرْجِعُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْفِدَاءِ وَقِيمَةِ

الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَمْدًا وَالْعَبْدُ الْقَاتِلُ صَغِيرًا ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا يَجِبُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ ، وَلَوْ أَمَرَ رَجُلٌ حُرٌّ صَبِيًّا حُرًّا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ ، ثُمَّ تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَبِّبُ إذْ لَوْلَا أَمْرُهُ لَمَا قَتَلَ لِضَعْفٍ فِيهِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَعْقِلُ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ مَا لَزِمَ بِسَبَبِ الْقَوْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا قَوْلٌ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَهُوَ تَسْبِيبٌ فَتَعْقِلُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَلَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ عَلَى الْآمِرِ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ صَارَ غَاصِبًا لِلْعَبْدِ بِالْأَمْرِ كَمَا إذَا اسْتَخْدَمَهُ وَضَمَانُ الْغَصْبِ فِي مَالِهِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لِكَوْنِ الْمَأْمُورِ حُرًّا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغَصْبُ ، فَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَلَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْآمِرِ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَأْتَمِرُ هُوَ أَيْضًا بِأَمْرِ مِثْلِهِ لَا سِيَّمَا فِي الدَّمِ وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ يُخَيَّرُ مَوْلَى الْمَأْمُورِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَأَيُّهُمَا فَعَلَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ غَصْبٍ وَإِنَّهُ مِنْ

جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَمَلُّكِ الْمَضْمُونِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا حَيْثُ لَا تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْمَأْمُورِ عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِعَدَمِ تَحْقِيقِ الْغَصْبِ فِي الْحُرِّ ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ صَبِيًّا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ حَتَّى يَرْجِعَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِيهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ جِنَايَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ تِجَارَةٍ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَصْبِ فِيهِ فَصَارَ الصَّبِيُّ الْآمِرُ فِي حَقِّهِ كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ مُكَاتَبًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَالْمَأْمُورُ صَبِيٌّ حُرٌّ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ وَتَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ الْقِنِّ فَإِنَّ حُكْمَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا سَقَطَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَمَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ تُبَاعُ رَقَبَتُهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَ الْمَوْلَى بِدَيْنِهِمْ وَهُوَ الْقِيمَةُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَبْطُلَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ صَارَ قِنًّا وَأَمْرُهُ لَا يَصِحُّ وَلَكِنَّهُمَا يَقُولَانِ لَمَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَتَقَرَّرَ فَلَا يَسْقُطُ حَتَّى لَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ بَطَلَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ جِنَايَتِهِ إنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَمَا أَدَّى كُلَّ الْقِيمَةِ لَا يَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَا يَسْتَرِدَّ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ ، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ ، ثُمَّ عَجَزَ سُلِّمَ مَا

أَدَّاهُ لَهُمْ وَبَطَلَ الْبَاقِي عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا تَخَيَّرَ مَوْلَاهُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَةِ الْمَأْمُورِ إلَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ فَتَنْقُصُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بَقِيَ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا ضَمَانُ الْغَصْبِ فَفِيهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَيْفَ نَقَصَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَضَمَانِ الْجِنَايَةِ فَجَوَابُهُ هَذَا ضَمَانُ الْغَصْبِ لَكِنْ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَبِاعْتِبَارِ الْغَصْبِ وَجَبَ قِيمَةُ الْمَأْمُورِ وَبِاعْتِبَارِ السَّبَبِ رَوْعِي التَّقْدِيرُ لِوُجُوبِهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَاعْتُبِرَ بِهَا فِي حَقِّ التَّقْدِيرِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَمَوْلَى الْمَأْمُورِ يُطَالِبُ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ بِبَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا يَسْقُطُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ فَمَوْلَى الْمَأْمُورِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْمَأْمُورِ عَلَى الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ غَصْبٍ فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِعْتَاقِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمَوْلَى بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمُعْتَقِ وَبِالْفَضْلِ عَلَى الْمُعْتِقِ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الْمَأْمُورِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُكَاتَبًا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ ضَمَانُ قِيمَةِ نَفْسِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ هَذَا أَنْ يُجْعَلَ ضَمَانَ غَصْبٍ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ حُرٌّ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْغَصْبِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا كَالْحُرِّ وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ الْآمِرِ لِكَوْنِ الْمَأْمُورِ كَبِيرًا حُكْمًا سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الصَّغِيرَ مُلْحَقٌ بِالْكَبِيرِ فَصَارَ كَالْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إذَا كَانَ مَأْمُورًا( قَوْلُهُ : وَأَمْرُهُ لَا يَصِحُّ ) أَيْ أَمْرُ الْقِنِّ بِالْقَتْلِ لَا يَصِحُّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَبْدٌ قَتَلَ رَجُلَيْنِ عَمْدًا وَلِكُلٍّ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفَعَ سَيِّدُهُ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرَيْنِ أَوْ فَدَاهُ بِالدِّيَةِ ) أَيْ لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ إنْ شَاءَ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى اللَّذَيْنِ لَمْ يَعْفُوا مِنْ وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتَيْنِ مَالًا وَهُوَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَتِيلَيْنِ يَجِبُ لَهُ قِصَاصٌ كَامِلٌ عَلَى حِدَةٍ ، فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصَانِ وَجَبَ أَنْ يَنْقَلِبَ كُلُّهُ مَالًا وَذَلِكَ دِيَتَانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى عِشْرُونَ أَلْفًا أَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ غَيْرَ أَنَّ نَصِيبَ الْعَافِيَيْنِ سَقَطَ مَجَّانًا فَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتَيْنِ مَالًا وَذَلِكَ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ أَوْ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ لَهُمَا فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَتَلَ أَحَدَهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرَ خَطَأً فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَدَى بِالدِّيَةِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَبِنِصْفِهَا لِأَحَدِ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا ) ؛ لِأَنَّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ حَقُّهُمَا فِي الدِّيَةِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَحَقُّ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فِي الْقِصَاصِ ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَإِذَا فَدَى فَدَاهُ بَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَخَمْسَةُ آلَافٍ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ وَإِنْ دَفَعَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا ثُلُثَيْهِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَثُلُثَهُ لِلسَّاكِتِ مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الدِّيَةِ كَذَلِكَ فَيَضْرِبُ وَلِيَّا الْخَطَأِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَيَضْرِبُ غَيْرُ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو

يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَدْفَعُهُ أَرْبَاعًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَرُبْعَهُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ سُلِّمَ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمْ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمَوْلَى رُبْعُ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ نَصِيبُ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ وَيُدْفَعُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ إلَيْهِمْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ كَمَا سُلِّمَ لَهُ النِّصْفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ نَصِيبُ الْعَافِينَ قُلْنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا ؛ لِأَنَّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ اسْتَحَقَّاهُ كُلَّهُ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ حَقِّهِمَا شَيْءٌ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ تَعَلَّقَ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلِّ قَتِيلٍ سَقَطَ حَقُّ الْعَافِيَيْنِ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَخَلَا نَصِيبُهُمَا مِنْهُ عَنْ حَقِّهِمَا وَصَارَ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى وَهُوَ النِّصْفُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ حَقَّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ عَلَى حَالِهِ فَكَانَتْ الرَّقَبَةُ كُلُّهَا مُسْتَحَقَّةً لَهُمَا وَالنِّصْفُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا فَيَقْتَسِمُونَ كُلَّهُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ فِيهِ أَوْ الْمُنَازَعَةِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ وَأَضْدَادُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بِأُصُولِهَا الَّتِي نَشَأَ مِنْهَا الْخِلَافُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا نُعِيدُهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَبْدُهُمَا قَتَلَ قَرِيبَهُمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْكُلُّ ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَتَلَ قَرِيبًا لَهُمَا كَأَبِيهِمَا أَوْ أَخِيهِمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْجَمِيعُ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُ الْعَافِي مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ غَيْرَ نَصِيبِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ قَبْلُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِقَرِيبٍ لَهُمَا أَوْ لِمُعْتِقِهِمَا فَقَتَلَ مَوْلَاهُ فَوَرِثَاهُ بَطَلَ الْكُلُّ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَدْفَعُ الَّذِي عَفَا نِصْفَ نَصِيبِهِ إلَى الْآخَرِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِرُبْعِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ ثَبَتَ لَهُمَا فِي الْعَبْدِ عَلَى الشُّيُوعِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ وَهُوَ النِّصْفُ مَالًا غَيْرَ أَنَّهُ شَائِعٌ فِي كُلِّ الْعَبْدِ ، فَيَكُونُ نِصْفُهُ فِي نَصِيبِهِ وَنِصْفُهُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَمَا أَصَابَ نَصِيبَهُ سَقَطَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا وَمَا أَصَابَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ ثَبَتَ وَهُوَ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ فَيَدْفَعُ نِصْفَ نَصِيبِهِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ حَقَّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ دَمِهِ وَلِهَذَا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ ، ثُمَّ الْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ فِيهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا فَلَا يَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمَّا صَارَ مَالًا صَارَ بِمَعْنَى الْخَطَأِ وَفِيهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قُتِلَ عَبْدٌ خَطَأً تَجِبُ قِيمَتُهُ وَنَقَصَ عَشَرَةٌ لَوْ كَانَتْ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ وَفِي الْأَمَةِ عَشَرَةٌ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ وَالْمَغْصُوبُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَفِي الْغَصْبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ؛ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الدَّمِ لَكَانَ لِلْعَبْدِ إذْ هُوَ فِي حَقِّ الدَّمِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى عَقْدُ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ بِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ أَصْلًا أَوْ بَدَلًا فِي حَالِ قِيَامِهِ أَوْ هَلَاكِهِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَكَقَلِيلِ الْقِيمَةِ وَالْغَصْبِ ؛ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ بِالْمَالِ أَصْلٌ ، وَضَمَانُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِالْمَالِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ لَا يُصَارُ إلَى إيجَابِهِ بِخِلَافِ الْأَصْلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْله تَعَالَى { وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ آدَمِيٌّ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ حُكْمَانِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِيهَا فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا فَكَذَا فِي حَقِّ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَكُونُ مُكَلَّفًا ، وَلَوْلَا أَنَّهُ آدَمِيٌّ لَمَا وَجَبَ

الْقِصَاصُ وَلَا كُلِّفَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ الْآدَمِيَّةِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَالْآدَمِيَّةِ وَجَبَ اعْتِبَارُ أَعْلَاهُمَا وَهِيَ الْآدَمِيَّةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى وَهِيَ الْمَالِيَّةُ ؛ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّةَ أَسْبَقُ وَالرِّقُّ عَارِضٌ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِنْكَافِ فَكَانَ اعْتِبَارُ مَا هُوَ الْأَصْلُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَالْمُتْلَفُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَاحِدٌ ، فَإِذَا اُعْتُبِرَ فِي إحْدَى حَالَتَيْ الْقَتْلِ آدَمِيًّا وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى كَذَلِكَ إذْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَتَبَدَّلُ جِنْسُهُ بِاخْتِلَافِ حَالَةِ إتْلَافِهِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ ؛ لِأَنَّ فِي الْعَكْسِ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَالْجَمَادِ وَمَا رَوَيَا مِنْ الْأَثَرِ مُعَارَضٌ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَصْبِ ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهَا إذْ الْغَصْبُ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى الْمَالِ وَبَقَاءُ الْعَقْدِ لَا يَعْتَمِدُ الْمَالِيَّةَ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُ الْفَائِدَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ قَتْلِهِ عَمْدًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ مَالًا وَلَا بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِقِيمَتِهِ رَأْيًا بِخِلَافِ كَثِيرِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُبْلَغُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ وَيُنْقَصُ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْأَثَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْخَبَرِ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا ؛ وَلِأَنَّ آدَمِيَّتَهُ أَنْقَصُ ، فَيَكُونُ بَدَلُهَا أَقَلَّ كَالْمَرْأَةِ وَالْجَنِينِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَنْقَصَ تَنَصَّفَتْ النِّعَمُ

وَالْعُقُوبَاتُ فِي حَقِّهِ إظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ فَكَذَا فِي هَذَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَمَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةً ؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْأُنْثَى نِصْفُ دِيَةِ الذَّكَرِ ، فَيَكُونُ النَّاقِصُ عَنْ دِيَةِ الْأُنْثَى نِصْفَ النَّاقِصِ عَنْ دِيَةِ الذَّكَرِ كَمَا فِي الْأَطْرَافِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَالٍ لَهُ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ عَشَرَةٌ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ الدِّيَةِ فَيُنْقَصُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ بِحِسَابِهِ ، وَلَوْ نَقَصَ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ عَشَرَةٌ لَمَا وَجَبَ أَصْلًا قَالَ ( وَمَا قُدِّرَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ قُدِّرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ إذْ هُوَ بَدَلُ الدَّمِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، فَيَكُونُ فِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ وَيُنْقَصُ هَذَا الْمِقْدَارُ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ ، وَقِيلَ يَضْمَنُ فِي الْأَطْرَافِ بِحِسَابِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ شَنِيعٍ وَهُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي الْأَطْرَافِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجِبُ فِي النُّفُوسِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مَثَلًا مِائَةَ أَلْفٍ فَإِنَّهُ بِقَطْعِ يَدِهِ يَجِبُ خَمْسُونَ أَلْفًا وَبِقَتْلِهِ عَشَرَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً وَفِي لِحْيَتِهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ لَا الْجَمَالُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَجِبُ كَمَالُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودٌ أَيْضًا

فَصْلٌ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى غَيْرِهِ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَوَجَبَ تَرْتِيبُهُ كَذَلِكَ لِلْمُنَاسَبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : قُتِلَ عَبْدٌ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا تُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ قُضِيَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً وَفِي الْأَمَةِ إذَا ازْدَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ كَذَا ذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ قِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قِيمَتُهُ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ مِنْهَا شَيْئًا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ وَأَجْمَعُوا فِي الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ رُوِيَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُبْلَغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِالْقَتْلِ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنَّهُ مَضْمُونٌ عِنْدَنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ

حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ إلَخْ ) مَسْأَلَةُ مَا إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْله تَعَالَى { وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ } ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً دِيَةً وَالْعَبْدُ مُؤْمِنٌ قُتِلَ خَطَأً فَيَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِمَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيِّ لَا بِمُقَابَلَةِ الْمَالِ وَمَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِ يُسَمَّى قِيمَةً وَضَمَانًا وَهُوَ الْعُرْفُ فَثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ أَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيِّ وَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ فِي الدِّيَةِ وَيُنْقَصُ عَنْهَا بِأَثَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لِنُقْصَانِ الرِّقِّ فِيهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ كَامِلِ الْحَالِ وَنَاقِصِ الْحَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ رَاجِحٌ فِيهِ أَنَّ أَكْثَرَ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ حَيْثُ الْآدَمِيَّةُ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ ) يَتَمَشَّى مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِيمَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمَا رَوَيَا مِنْ الْأَثَرِ مُعَارَضٌ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ ) وَأَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا دِيَةُ الْحُرِّ فَتُنْقَصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ كَمَا تُنْقَصُ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ خَمْسَةَ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ فِي الْيَدِ جُزْءٌ مِمَّا يَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ فَقُدِّرَ

بِنِصْفِهَا وَمَا يَجِبُ فِي الْأُنْثَى لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْ دِيَةِ الذَّكَرِ وَإِنَّمَا هِيَ دِيَةٌ فِي نَفْسِهَا فَلِذَلِكَ قُدِّرَ النَّقْصُ فِيهَا بِعَشَرَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَتْلِ الْأَمَةِ خَطَأً إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى دِيَةِ الْحُرَّةِ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةً قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي كِتَابِ الْعُيُونِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ هُوَ الْقِيَاسُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : لِمَا وَجَبَ أَصْلًا ) أَيْ فِي جِرَاحَةٍ يُسَاوِي أَرْشُهَا عَشَرَةً فَمَا دُونَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ ) هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحَيْهِ وَالِاخْتِيَارِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْمُنْتَقَى وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْمُحِيطِ نُقْصَانُ الْخَمْسَةِ هُنَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ فَصْلِ الْأَمَةِ ا هـ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا تُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَفِي الْمَبْسُوطِ يَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَطْعِ يَدِهِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِحَالٍ وَلَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْقَوْلُ بِهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ بِقَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَوْقَ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا يَضْمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ وَحَكَاهُ الْأَكْمَلُ عَنْ النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ مَشَى عِزُّ الدِّينِ يُوسُفُ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَحَرَّرَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ مِنْهُ وَلَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُهُ لَا يُقْتَصُّ وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ ) وَإِنَّمَا لَا يُقْتَصُّ فِي الْأَوَّلِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجَرْحِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةَ الْجَرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَيَتَحَقَّقُ الِاشْتِبَاهُ فَيَتَعَذَّرُ فَلَا يَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ أُخَرُ سِوَى الْمَوْلَى وَاجْتِمَاعُهُمَا لَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الدَّوَامِ فِيهِمَا فَلَا يَكُونُ الِاجْتِمَاعُ مُفِيدًا وَلَا يُقَالُ يَأْذَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْآذِنُ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَائِمٌ فَصَارَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا فِيهِ دُونَ الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ فَيُقْتَلُ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِلرِّضَا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ قَدْ اخْتَلَفَ ؛ لِأَنَّهُ الْمِلْكُ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجَرْحِ وَالْوِرَاثَةُ بِالْوَلَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ فَنُزِّلَ اخْتِلَافُ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ أَوْ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ ، وَقَالَ لَا بَلْ زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْقَرْضِ ، وَقَالَ

الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ وَبِانْقِطَاعِهَا يَبْقَى الْجَرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَوْفِيهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُقْضَى لَهُ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ فَأَمْكَنَ الْإِيجَابُ وَالِاسْتِيفَاءُ لِاتِّحَادِ الْمُسْتَوْفِي وَالْمُسْتَوْفَى وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَاضِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمُقْضَى لَهُ مَجْهُولٌ وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ إذْ مِلْكُ الْيَمِينِ يُغَايِرُ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُثْبِتُ الْحِلَّ مَقْصُودًا وَمِلْكُ الْيَمِينِ لَا يُثْبِتُهُ مَقْصُودًا ، وَقَدْ لَا يُثْبِتُ الْحِلَّ أَصْلًا ؛ وَلِأَنَّ مَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ السَّبَبِ لِلْحِلِّ انْتَفَى بِإِنْكَارِ الْآخَرِ فَبَقِيَ بِلَا سَبَبٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ بِدُونِهِ إذْ لَا يَجْرِي فِيهِ الْبَدَلُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ بِيَقِينٍ وَلَا مُنْكِرَ لَهُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ وَلَا مَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ فَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ وَالْإِعْتَاقُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لِذَاتِهِ ، بَلْ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ غَيْرُ الْمَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ فِي الطَّرَفِ أَوْ فِي الْقَتْلِ خَطَأً ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ مَالِكًا لِلْمَالِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجَرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى وَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ أَوْ زِيَادَةِ الْجَرْحِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْعَبْدِ لِحُرِّيَّتِهِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذَ وَصَايَاهُ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيَسْقُطُ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ

، وَأَمَّا الْقَتْلُ عَمْدًا فَمُوجِبُهُ الْقِصَاصُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِلْعَبْدِ فَالْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا فِي الْخَطَأِ وَفِي الْعَمْدِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ فَلَا يَجِبُ إلَّا أَرْشُ الْقَطْعِ وَمَا يَنْقُصُ بِذَلِكَ إلَى الْإِعْتَاقِ وَتَسْقُطُ الدِّيَةُ وَالْقِصَاصُ ، وَكَذَا فِي الْقَطْعِ إذَا لَمْ يَمُتْ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِوَى أَرْشُ الْقَطْعِ وَمَا نَقَصَهُ إلَى الْإِعْتَاقِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنْ النُّقْصَانِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ يَجِبُ فِيهِ أَرْشُ الْقَطْعِ وَمَا نَقَصَهُ إلَى الْإِعْتَاقِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا مَا نَقَصَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِقَوْلُهُ : وَقَدْ لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ أَصْلًا ) أَيْ كَمَا إذَا مَلَكَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَشُجَّا فَبَيَّنَ فِي أَحَدِهِمَا فَأَرْشُهُمَا لِلسَّيِّدِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ، ثُمَّ شُجَّا فَبَيَّنَ الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ الشَّجِّ فَأَرْشُهُمَا لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمُعَيَّنِ وَالشَّجَّةُ تُصَادِقُ الْمُعَيَّنَ فَبَقِيَا مَمْلُوكَيْنِ فِي حَقِّ الشَّجَّةِ ، وَلَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا تَجِبُ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ وَبَعْدَ الشَّجَّةِ بَقِيَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّ الْمَحَلِّ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إظْهَارًا مَحْضًا ، فَإِذَا قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ مَعًا وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ ، فَيَكُونُ الْكُلُّ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا يَجِبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدِيَةُ حُرٍّ فَيُقْسَمُ مِثْلُ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْأَوَّلِ لِمَوْلَاهُ وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ مَعًا حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْمَمْلُوكَيْنِ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِقَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرًّا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنْكِرُ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْمَجْهُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ وَإِنَّمَا صَحَّحْنَاهُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَأَثْبَتنَا لَهُ وِلَايَةَ النَّقْلِ مِنْ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ النَّفْسُ دُونَ الْأَطْرَافِ وَالدِّيَةِ فَبَقِيَ مَمْلُوكًا فِي حَقِّهِمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِيهِمَا فَتَكُونُ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُ هُوَ نِصْفَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَتْرُكُ النِّصْفَ لِوَرَثَتِهِ ؛

لِأَنَّ مُوجِبَ الْعِتْقِ ثَابِتٌ فِي أَحَدِهِمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ فَيُوَزَّعُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ قَتَلَاهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى لِتَعَيُّنِهِ لِلرِّقِّ وَعَلَى الْقَاتِلِ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا قُتِلَ أَوَّلًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَتُهُ وَلِلْمَوْلَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْقِيمَةِ كَالْأَوَّلِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَدُّمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ دَفَعَ سَيِّدُهُ عَبْدَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ وَلَا يَأْخُذُ النُّقْصَانَ ) أَيْ إذَا فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ الْمَفْقُوءَ إلَى الْفَاقِئِ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ كَامِلًا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ مَا نَقَصَهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُضَمِّنُهُ كُلَّ الْقِيمَةِ وَيُمْسِكُ الْجُثَّةَ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الضَّمَانَ مُقَابَلًا بِالْفَائِتِ فَبَقِيَ الْبَاقِي حِينَئِذٍ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا إذَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَفَقَأَ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْمَالِيَّةُ قَائِمَةٌ فِي الذَّاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَالِيَّةِ فِي الذَّاتِ دُونَ الْأَطْرَافِ سَاقِطٌ ، بَلْ الْمَالِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا ، بَلْ اعْتِبَارُ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَطْرَافِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ ، فَإِذَا كَانَتْ الْمَالِيَّةُ مُعْتَبَرَةً ، وَقَدْ وُجِدَ أَيْضًا إتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ ، وَهَذَا الضَّمَانُ مُقَدَّرٌ بِقِيمَةِ الْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَرِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَقَأَ عَيْنَيْ حُرٍّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَبِخِلَافِ عَيْنَيْ الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَفِي قَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَفَقْءِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ لَمْ يُوجَدْ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا جِئْنَا إلَى تَعْلِيلِ مَذْهَبِ الْفَرِيقَيْنِ لَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَوَدُ فِيهَا وَلَا تَتَحَمَّلَهَا الْعَاقِلَةُ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَانَ مُعْتَبَرًا بِالْمَالِ ، فَإِذَا كَانَ مُعْتَبَرًا بِهِ وَجَبَ تَخْيِيرُ

الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَإِنْ خَرَقَ ثَوْبَ الْغَيْرِ خَرْقًا فَاحِشًا يُوجِبُ تَخْيِيرَ الْمَالِكِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ أَيْضًا غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهِ وَفِي الْأَطْرَافِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ آخَرَ يُؤْمَرُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ، وَهَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ أَنْ تُبَاعَ رَقَبَتُهُ فِيهَا ، ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ أَنْ لَا يَنْقَسِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ ، بَلْ يَكُونُ بِإِزَاءِ الْفَائِتِ لَا غَيْرُ وَلَا يَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَالِيَّةِ أَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى الْجُزْءُ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ وَيَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا فَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ اعْتِبَارًا لِلْمَالِيَّةِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالَاهُ ؛ لِأَنَّ فِيمَا قَالَاهُ اعْتِبَارَ جَانِبِ الْمَالِيَّةِ فَقَطْ وَهُوَ أَدْنَى ، وَإِهْدَارُ جَانِبِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ أَعْلَى وَمِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ الْآدَمِيَّةِ فَقَطْ وَالشَّيْءُ إذَا أَشْبَهَ شَيْئَيْنِ يُوَفِّرُ حَظَّهُمَا عَلَيْهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( جَنَى مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْمَوْلَى بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرًا بِالشَّامِ فَكَانَ إجْمَاعًا ؛ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ مَانِعًا بِالتَّدْبِيرِ تَسْلِيمَهُ فِي الْجِنَايَةِ ، وَكَذَا بِالِاسْتِيلَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَحْدُثُ فَصَارَ كَمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْعَيْنِ وَقِيمَتُهَا تَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لِاخْتِيَارِهِ الْأَقَلَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَانِي قِنًّا حَيْثُ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَلَا يَجِبُ الْأَقَلُّ ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَخْتَارُ دَفْعَ الْعَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ دَفْعَ النَّقْدِ عَلَى مَا هُوَ الْأَيْسَرُ عِنْدَهُ أَوْ يُبْقِي مَا يَخْتَارُهُ عَلَى مِلْكِهِ وَيُخْرِجُ الْآخَرَ عَنْ مِلْكِهِ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَثُرَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً ؛ وَلِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ فِيهِ كَدَفْعِ الْعَيْنِ فِي الْقِنِّ وَدَفْعُ الْعَيْنِ لَا يَتَكَرَّرُ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهَا وَيَتَضَارَبُونَ بِالْحِصَصِ فِي الْقِيمَةِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حَالَةِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا قَتَلَ رَجُلًا وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ يَجِبُ عَلَى

الْمَوْلَى أَلْفَا دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الْأَوْسَطِ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ ، فَيَكُونُ لِوَلِيِّ الْأَوْسَطِ أَلْفٌ مِنْهَا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْأَوَّلِ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَكَذَا الثَّالِثُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا ، ثُمَّ يُعْطَى خَمْسَمِائَةٍ فَيُقَسَّمُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَوْسَطِ يُضْرَبُ الْأَوَّلُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَيُضْرَبُ الْأَوْسَطُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ وَهُوَ تِسْعَةُ آلَافٍ لِوُصُولِ الْأَلْفِ إلَيْهِ فَبَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ خَمْسُمِائَةٍ تُقَسَّمُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِيهَا فَيَضْرِبُ الثَّالِثُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَيَضْرِبُ الْأَوَّلُ بِعَشَرَةٍ إلَّا مَا أَخَذَ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ وَيَضْرِبُ الْأَوْسَطُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا مَا أَخَذَ فِي الْمَرَّتَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ بِقَضَاءٍ فَجَنَى أُخْرَى يُشَارِكُ الثَّانِي الْأَوَّلَ ) أَيْ إذَا دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ جِنَايَاتِهِ كُلَّهَا لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَلَا تَعَدِّيَ مِنْ الْمَوْلَى بِدَفْعِهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ فَيَتْبَعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْأُولَى فَيُشَارِكُهُ فِيهَا وَيَقْتَسِمَانِهَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ اتَّبَعَ السَّيِّدَ أَوْ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ ) أَيْ لَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى كَانَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ

فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي وَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً وَلَا عِلْمَ لَهُ بِمَا يَحْدُثُ حَتَّى يُجْعَلَ مُتَعَدِّيًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرَةِ تُوجِبُ قِيمَةً وَاحِدَةً فَهُمْ شُرَكَاءُ فِيهَا وَالْجِنَايَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ كَالْمُقَارِنَةِ حُكْمًا وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِيهَا كُلُّهُمْ ، ثُمَّ إذَا دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ مُتَعَدِّيًا فِي حَقِّ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْفُذَ هَذَا الدَّفْعُ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ ، فَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ دَفَعَ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الثَّانِي فَالثَّانِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ ظُلْمًا فَصَارَ بِهِ ضَامِنًا فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ حَقَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ لِلثَّانِي وَهُوَ حِصَّتُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ ؛ وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُشَارِكَ وَمُتَأَخِّرَةٌ مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَتُعْتَبَرُ مُقَارِنَةً فِي حَقِّ التَّضْمِينِ أَيْضًا كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ ، وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ ، وَقَدْ جَنَى جِنَايَاتٍ لَمْ يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ مُفَوِّتًا بِالْإِعْتَاقِ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِامْتِنَاعِ الدَّفْعِ كَالْمُدَبَّرِ ، وَإِذَا أَقَرَّ

الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى نَفْسِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْمَوْلَى غَيْرُ نَافِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ بِأَنْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَمْدًا حَيْثُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَيُقْتَلُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ فَغَصَبَهُ رَجُلٌ وَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَقْطَعَ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَمَاتَ مِنْهُ بَرِئَ ) لِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ ضَمَانَ مَا غُصِبَ وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ بِاسْتِرْدَادِ الْمَغْصُوبِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا قَطَعَهُ الْمَوْلَى فِي يَدِهِ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَفِي الثَّانِيَةِ حِينَ قَطَعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ لِوُصُولِ مِلْكِهِ إلَى يَدِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَاطِعُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَكَانَتْ السِّرَايَةُ مُضَافَةً إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ لِاخْتِلَافِ الْمُسْتَحَقِّينَ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ وَضْعًا وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضَرُورَةً كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ بَعْدَ مِلْكِ الْمَوْلَى الْبَدَلَ وَلَمْ يُوجَدْ تَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ التَّلَفِ بِالسِّرَايَةِ يَكُونُ هَدَرًا إلَّا أَنْ يُنْسَبَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِ الْجَانِي .

( بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ ) تَرْجَمَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِبَابِ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّرْجَمَةِ الصَّبِيَّ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ لَمَّا ذَكَرَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ جِنَايَتِهِمَا مَعَ غَصْبِهِمَا لِأَنَّ الْمُفْرَدَ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ ثُمَّ جَرَّ كَلَامَهُ إلَى بَيَانِ غَصْبِ الصَّبِيِّ ا هـ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْغَصْبَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدٌ إلَى أَوَّلِ الْغَصْبِ فَلَمَّا كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ كَانَ تَخَلُّلُ الْغَصْبِ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالسِّرَايَةِ قَاطِعًا لِلسَّرَايَةِ كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ الْبَيْعُ وَإِذَا بَطَلَ حُكْمُ السِّرَايَةِ صَارَ كَأَنَّهُ غَصَبَ عَبْدًا أَقْطَعَ الْيَدِ وَمَاتَ عِنْدَهُ وَأَوْرَدَ أَبُو اللَّيْثِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا مَاتَ مِنْ جِرَاحَةِ الْمَوْلَى فَلِمَ لَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ الْغَصْبُ صَارَ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْهَلَاكِ فَلَا يَسْتَنِدُ الْهَلَاكُ إلَى الْقَطْعِ فَصَارَ فِي حَقِّ الْغَاصِبِ كَأَنَّ الْعَبْدَ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ) أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ قَبْضَ الْمُشْتَرِي صَارَ فَاصِلًا بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْهَلَاكِ فَكَذَا هَذَا ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( غَصَبَ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ ) أَيْ إذَا غَصَبَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَمَاتَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ الْغَاصِبُ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ وَهَذَا مِنْ أَفْعَالِهِ فَيَضْمَنُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَصَبَ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْغَصْبُ ظَاهِرًا فَيَضْمَنُ فِي الْحَالِ يُبَاعُ فِيهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرَةٌ وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعِتْقِ كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّقَّ يُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ مُبْقًى فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ سَيِّدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لَهُمَا ) أَيْ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا فِي الْقِنِّ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ مَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِسَبَبٍ وُجِدَ عِنْدَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لِأَنَّ رَدَّ الْمُسْتَحِقَّ بِسَبَبٍ وُجِدَ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَلَا رَدٍّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَكَيْ لَا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَيْهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ فَيَسْتَحِقُّ كُلَّهُ ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ

الثَّانِي فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارِغًا عَنْ الْحَقِّ أَخَذَهُ لِيُتِمَّ حَقَّهُ وَقَوْلُهُ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ الْغَاصِبِ عِوَضُ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ عِوَضٌ مَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ، وَمِثْلُهُ جَائِزٌ كَالذِّمِّيِّ إذَا بَاعَ خَمْرًا وَقَضَى بِثَمَنِهَا دَيْنَ مُسْلِمٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ ثَمَنُ الْخَمْرِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ بَدَلُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثَانِيًا عَلَى الْغَاصِبِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ بَدَلِهِ فِي يَدِهِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوب عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُدَبَّرٍ لِرَجُلٍ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى قَالَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ نِصْفَانِ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَأْخُذُهُ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ أَيْضًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيُسَلِّمُ لَهُ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى أَحَدٍ وَإِذَا كَانَ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً قَالَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ نِصْفَيْنِ بَيْنَ وَلِيَّيْ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّ حُكْمَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ أَنْ يَلْزَمَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا عَلَى الْمَوْلَى فَنَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ بَيْنَ وَلِيَّيْ الْجِنَايَتَيْنِ ( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ ) فَيَصِيرُ مُبْطِلًا حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فِيهِ وَلَمْ يَمْنَعْ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً فَلَا يُزَادُ عَلَى قِيمَتِهَا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَإِذَا وَجَدَ ) أَيْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ا هـ ( قَوْلُهُ لِيُتِمَّ حَقَّهُ ) لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَى الْوَلِيِّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِعَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا ) أَيْ بِعَكْسِ مَا ذَكَرَ لَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ ثَانِيًا ، وَصُورَتُهُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ جَنَى عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوَّلًا فَغَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّمَا امْتَنَعَ الدَّفْعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُنَا لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا دَفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى لَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَفِي الْأُولَى يَجْتَمِعُ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَا أَخَذَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَبِعَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ ثَانِيًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا لَمْ يَدْفَعْ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى سَلَّمَ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَهُنَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ هَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْإِجْمَاعِ بِمَا دَفَعَ ثَانِيًا ؛ لِأَنَّ الَّذِي دَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثَانِيًا هُنَا بِسَبَبِ جِنَايَةٍ وُجِدَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَوْلَى ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فِيهَا بِسَبَبِ

جِنَايَةٍ وُجِدَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْقِنُّ كَالْمُدَبَّرِ غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْعَبْدَ هُنَا وَثَمَّةَ الْقِيمَةَ ) أَيْ الْعَبْدَ الْقِنَّ فِيمَا ذَكَرْنَا كَالْمُدَبَّرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْقِنَّ وَفِي الْمُدَبَّرِ الْقِيمَةَ حَتَّى إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا قِنًّا فَجَنَى فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَدْفَعُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى الْأُولَى بَلْ يُسَلِّمُ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُدَبَّرِ وَإِنْ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ غَصَبَهُ فَجَنَى فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا عَلَى الْغَاصِبِ لِمَا ذَكَرْنَا .( قَوْلُهُ ثَانِيًا ) مُتَعَلِّقٌ بِدَفَعَ لَا بِالْمَأْخُوذَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْأُولَى ) يَعْنِي قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَتَّى يُسَلِّمَ لِلْمَوْلَى مَا رَجَعَ بِهِ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا يَأْخُذُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بَاقِيَ حَقِّهِ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ فَرَدَّهُ فَغَصَبَهُ فَجَنَى عِنْدَهُ عَلَى سَيِّدِهِ قِيمَتُهُ لَهُمَا ) مَعْنَاهُ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً فَرَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ثُمَّ غَصَبَهُ ثَانِيًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ بِالتَّدْبِيرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَتَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَاسْتَحَقَّ كُلَّهُ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ وَالنِّصْفَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَيَرْجِعُ بِالنِّصْفِ لِذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَفَعَ نِصْفَهَا إلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْغَاصِبِ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ عِنْدَ وُجُودِ جِنَايَتِهِ ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ حَقَّهُ بِحُكْمِ الْمُزَاحِمَةِ مِنْ بَعْدُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرَجَعَ بِذَلِكَ النِّصْفَ عَلَى الْغَاصِبِ ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِالنِّصْفِ الَّذِي دَفَعَهُ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا النِّصْفِ ثَانِيًا بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَا إلَى وَلِيِّ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ لِسَبْقِ حَقِّ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَقَدْ وَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا النِّصْفَ لِوُجُودِ الْمُزَاحِمِ وَقْتَ وُجُودِ جِنَايَتِهِ وَالْمُزَاحِمَةُ مَوْجُودَةٌ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ وَلِيِّ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْكُلَّ وَقْتَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا رَجَعَ حَقُّهُ

إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ أَخَذَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ ثُمَّ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ كَالْأُولَى وَقِيلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عِوَضُ مَا سَلَّمَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَا .( قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ ) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَكَذَا قَرَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِلَا خِلَافِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ ) أَيْ لَوْ قِيلَ بِالرُّجُوعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ ) أَيْ عَمَّا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ مَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشَةِ حَيَّةٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لِكَوْنِهِ حُرًّا يَدًا مَعَ أَنَّهُ رَقِيقٌ رَقَبَةً فَالْحُرُّ يَدًا وَرَقَبَةً أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ ، وَالصَّبِيُّ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ، وَهَذَا لِأَنَّ نَقْلَهُ إلَى أَرْضِ مَسْبَعَةٍ أَوْ إلَى مَكَانِ الصَّوَاعِقِ إتْلَافٌ مِنْهُ تَسْبِيبًا وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِتَفْوِيتِ يَدِ الْحَافِظِ وَهُوَ الْوَلِيُّ فَيَضْمَنُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعَ وَالصَّوَاعِقَ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَكَان فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْهُ فَإِذَا نَقَلَهُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَقَدْ أَزَالَ حِفْظَ الْوَلِيِّ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فَيُضَافُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ تَعَدِّيًا كَالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ نَقُولُ إنَّهُ يَضْمَنُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا تَسْبِيبًا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْكَبِيرِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِرِضَاهُ كَالْحُرِّ الْبَالِغِ ، وَالْحُرُّ الصَّغِيرُ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ بِدُونِ رِضَاهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِ الْوَلِيِّ فَمَاتَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَضْمَنُ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْحُرِّ الْكَبِيرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ بِمَا صَنَعَ

بِهِ مِنْ قَيْدٍ وَنَحْوِهِ يَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ وَالْحُرُّ الْكَبِيرُ أَيْضًا كَمَا يَضْمَنُ الصَّغِيرُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْغَاصِبِ بِتَقْصِيرِ حِفْظِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( كَصَبِيٍّ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ ) أَيْ يَضْمَنُ عَاقِلَهُ الْغَاصِبِ كَمَا يَضْمَنُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ إذَا قَتَلَ عَبْدًا أُودِعَ عِنْدَهُ وَإِنْ أُودِعَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ ، وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُودَعِ وَالطَّعَامِ الْمُودَعِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ الصَّبِيَّ الْمُودَعَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أُودِعَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يُؤَاخِذُ بِالضَّمَانِ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَاضُ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ ، وَكَذَا الْإِعَارَةُ فِيهِمَا ثُمَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي صَبِيٍّ عُمُرُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا أَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ فِي الْحِفْظِ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ وَكَمَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ فِي يَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا لَمَا ضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي سُلِّطَ الْغَيْرُ فِيهِ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاحِ حَتَّى لَا يَضْمَنَهُ مَنْ اسْتَهْلَكَهُ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاسْتِهْلَاكِ فِيهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا يُؤَاخِذُ

بِضَمَانِهِ كَمَا إذَا أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ وَضَعَهُ فِي يَدٍ غَيْرِ مَانِعَةٍ فَلَمْ تَبْقَ مَعْصُومَةً إلَّا إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ فِي الْحِفْظِ وَلَا إقَامَةَ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى يَلْزَمَهُ وَلَا لِلصَّبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَلْتَزِمَ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَالِغِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ إذْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ فَكَانَتْ عِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِلْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِكِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ بِالتَّسْلِيطِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِ عَبْدِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ تَسْلِيطُهُ فَيَضْمَنُهُ الصَّبِيُّ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَصَبَ صَبِيًّا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَرَادَ بِغَصْبِ الصَّبِيِّ أَخْذَهُ بِسَبِيلِ التَّعَدِّي لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْغَصْبِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِسَبِيلِ التَّعَدِّي لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَالِ لَا فِي غَيْرِهِ ا هـ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ ) فَلَا يَضْمَنُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ مَاتَ بِحُمَّى ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِتَفْوِيتِ يَدِ الْحَافِظِ ) أَيْ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ ) قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْدَعَ الْعَبْدُ إلَخْ ) قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَمَنْ أَوْدَعَ عِنْدَ صَبِيٍّ مَالًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ضَمِنَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ قَبِلَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا لِلْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ ضَمِنَ لِلْحَالِ وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ عَبْدٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ يَضْمَنُ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ بَالِغًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مِنْ غَيْرِ إيدَاعٍ ضَمِنَ وَأَجْمَعُوا إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَجَنَى عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُؤَاخَذُ بِهِ وَيُطَالِبُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَاضُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ وَكُلِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَاحِدٌ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ إلَخْ ) وَصُورَةُ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَجُلٍ قَدْ أَوْدَعَ صَبِيًّا قَدْ عَقَلَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْدَعَ غُلَامًا مَا فَقَتَلَهُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ ا هـ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ فَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَيَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ تَسْلِيطَهُ هَدَرٌ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إلَخْ ) وَالْغَالِبُ مِمَّنْ بَلَغَ هَذَا السِّنَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ إلَخْ ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ مَذْهَبُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ إلَخْ ) وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الصَّبِيِّ فِي يَدِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ الْعِصْمَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الصَّبِيِّ دُونَ غَيْرِهِ ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَنْ

عَلَيْهِ الْقِصَاصُ تَسْقُطُ عِصْمَةُ دَمِهِ فِي حَقِّ مَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فَحَسْبُ حَتَّى بَقِيَ مَعْصُومَ الدَّمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ا هـ غَايَةٌ .

( بَابُ الْقَسَامَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ لَمْ يُدْرَ قَاتِلُهُ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ) هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْجَمْعِ وَأَمَّا عِنْدَ الْحَلِفِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ فَيَجْتَرِئُ عَلَى يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا يَعْنِي جَمِيعًا وَلَا يَعْكِسُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ قَاتِلًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْضَى بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّوْثُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ يَشْهَدَ عَدْلٌ أَوْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ لَوْثٌ يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ حَلَفُوا لَا دِيَةَ لَهُمْ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا اُسْتُحْلِفَ الْمُدَّعُونَ وَاسْتَحَقُّوا مَا ادَّعَوْا لِمَا رُوِيَ { أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ فَقَالَ عَمُّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا وَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ وَذَكَرَ عَدَاوَةَ يَهُودٍ لَهُمْ فَقَالَ أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ قَالَ قُلْت فَكَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِهِمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قَالَ فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ قَالُوا كَيْفَ نُقْسِمُ عَلَى مَا لَمْ نَرَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ أُخْبِرَ

بِذَلِكَ { أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ } ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَلِيِّ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ وَرَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي أَصْلٌ لَهُ كَمَا فِي النُّكُولِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ وَالْقِصَاصُ لَا يُجَامِعُهَا وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَهَا فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَوْ أُعْطِي النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَسَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَحَكَمَ فِيهِمَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ وَرَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْيَهُودِ فِي الْقَسَامَةِ وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ الْمَالَ الْمُبْتَذَلَ فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفْسَ الْمُحْتَرَمَةَ وَمَا رَوَيَاهُ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَلَئِنْ ثَبَتَ إنَّمَا قَالَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ إنْكَارًا عَلَيْهِمْ لَمَّا لَمْ يَرْضَوْا بِأَيْمَانِهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إنَّ الْيَهُودَ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَدَّعُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ وَكَمَا لَا تُقْبَلُ مِنْكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ أَيْمَانَكُمْ فَتَسْتَحِقُّونَ بِهَا كَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْيَهُودِ بِدَعْوَاكُمْ عَلَيْهِمْ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ حُكْمُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْكَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَلَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ إذْ قَالَ لِوَادِعَةَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ وَحَيٍّ آخَرَ يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ قَالَ اغْرَمُوا فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ نَحْلِفُ وَتُغَرِّمُنَا فَقَالَ نَعَمْ ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى مَا قُلْنَا وَقَوْلُهُ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ أَوْ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا أَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ وَلَوْ اخْتَارُوا أَعْمًى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ بِخِلَافِ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا تَلَاعُنَ بَيْنَ الْمَحْدُودِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِذَا حَلَفُوا فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الدِّيَةُ وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ بَعْدَمَا حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَإِذَا حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ قَضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ فَلَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ يَمِينِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا } ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ عَهْدٌ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمًا كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ { وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ } مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْحَبْسِ وَالْيَمِينِ مَشْرُوعَةٌ لِتَعْيِينِ الْقَاتِلِ لَا لِتَجِبَ الدِّيَةُ عِنْدَ نُكُولِهِمْ حَتَّى تَنْتَفِيَ بِالْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ

الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا أَوْ لِتَقْصِيرِهِمْ عَنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْقَتْلِ خَطَأً وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ الْيَمِينَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِذَاتِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ أَصْلِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَالَ الْمُدَّعَى وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَسْقُطُ بِبَذْلِهِ الدِّيَةَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لَا يَتَمَيَّزُونَ عَنْ الْبَاقِي وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ تَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيُقَالُ لِلْوَلِيِّ أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ لَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِثْلَهُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالنَّصِّ إذَا كَانَ فِي مَكَان يُنْسَبُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَفِيمَا وَرَاءَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ، وَلِأَنَّ دَعْوَاهُ إبْرَاءٌ لَهُمْ حَيْثُ ادَّعَى مَعْرِفَةَ مَنْ قَتَلَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي إطْلَاقِ النُّصُوصِ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى فَيَجِبَانِ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ لَا بِالْقِيَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُمَا لَأَوْجَبْنَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ثُمَّ حُكْمُ

ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ مَا ادَّعَاهُ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَسَامَةٍ لِانْعِدَامِ النَّصِّ وَامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ فَفِي دَعْوَى الْمَالِ يَثْبُتُ وَفِي دَعْوَى الْقِصَاصِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يَتِمُّ الْعَدَدُ كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ لِيَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا ) ؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا مَا أَمْكَنَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُقُوفُ عَلَى الْفَائِدَةِ فِيمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَافَى عِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَمَّتْ خَمْسِينَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ فَيُكْمِلُ ، وَتَكْرَارُ الْيَمِينِ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ مُمْكِنٌ شَرْعًا كَمَا فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ وَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ كَامِلًا فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُكَرِّرَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةَ الْإِكْمَالِ وَقَدْ كَمُلَ .

( بَابُ الْقَسَامَةِ ) لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتْلِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ثُمَّ الْقَسَامَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَيْمَانِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَى خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الدَّارِ إذَا وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الرِّجَالُ خَمْسِينَ رَجُلًا تَكَرَّرَ الْيَمِينُ إلَى أَنْ تَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَسَبَبُهَا وُجُودُ قَتِيلٍ لَا يُدْرَى قَاتِلُهُ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَقْرَبُ إلَى الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَقْسِمُ رَجُلًا عَاقِلًا بَالِغًا حُرًّا لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ بِالْمَيِّتِ أَثَرُ الْقَتْلِ نَحْوَ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْجِرَاحَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْأَثَرُ مَوْجُودًا فَهُوَ مَيِّتٌ لَا قَتِيلٌ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَمِنْ شَرْطِهَا أَيْضًا تَكْمِيلُ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا بَيَّنَّا وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ مَنْ يَقْسِمُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا قِيَامَ لِلْقَسَامَةِ إلَّا بِهَا وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا وَشَرْعِيَّتُهَا ثَبَتَتْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَبِالْإِجْمَاعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ إلَخْ ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعْنَا أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ فِي دَارِ رَجُلٍ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ أَثَرُ خَنْقٍ فَإِنَّ هَذَا قَتِيلٌ وَفِيهِ الْقَسَامَةُ عَلَى عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ إذَا وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ يَقْسِمُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ يَغْرَمُونَ

الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ وَاَلَّذِينَ يَحْلِفُونَ خَمْسُونَ رَجُلًا يَتَخَيَّرُهُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَلِيُّ الدَّمِ فَإِنْ نَقَصُوا عَنْ الْخَمْسِينَ كُرِّرَتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ حَتَّى تَكْمُلَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَيْسَ يَحْلِفُ فِيهِمْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا جِرَاحَةٌ فَلَيْسَ فِي هَذَا قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ هَذَا مَيِّتٌ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِيهِمْ الْفَاسِقُ وَالصَّالِحُ فَالْخِيَارُ فِي اسْتِحْلَافِهِمْ إلَى الْوَرَثَةِ يَخْتَارُونَ أَهْلَ الصَّلَاحِ إنْ أَحَبُّوا حَتَّى يَسْتَحْلِفُوهُمْ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ لَا يُتِمُّونَ خَمْسِينَ وَأَرَادُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ الْبَاقِينَ تَمَامَ خَمْسِينَ رَجُلًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ ) بِدَلِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُسْتَمِعِ وَالرَّائِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا شُبْهَةٌ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالشُّبْهَةِ فِي الْجَدِيدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ إذْ قَالَ ) أَيْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَادِعَةَ ) حَيٌّ مِنْ هَمْدَانَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَحَيٍّ آخَرَ ) وَالْقَتِيلُ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ اغْرَمُوا ) حَتَّى قَالُوا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ لَا أَيْمَانُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَمْوَالِنَا وَلَا أَمْوَالُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَيْمَانِنَا فَقَالَ عُمَرُ أَمَّا أَيْمَانُكُمْ فَلِحَقْنِ دِمَائِكُمْ وَأَمَّا أَمْوَالُكُمْ فَلِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ عَمْدًا

أَوْ خَطَأً ) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ جَمِيعًا أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ لَا بِأَعْيَانِهِمْ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ أَوْ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْجَمِيعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ ) سَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي الْمَتْنِ آخِرَ الْبَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ) يَعْنِي تَجِبُ الْقَسَامَةِ ( قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي كِتَابِ الْقُدُورِيِّ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ إلَخْ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الدَّعْوَى بِالْوُقُوعِ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ كَذَلِكَ أَعْنِي أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ بِحَالِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ ) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا عُرِفَ ) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا كَانَ ) أَيْ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ا هـ غَايَة ( قَوْلُهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ) فَلَمْ تَجِبْ الْقَسَامَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ ) أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِيهِ ا هـ قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ إلَخْ ) فِيمَا إذَا كَانَ الدَّعْوَى عَلَى الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ ا هـ .

أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَخْ ) بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِيهِ بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَا اُسْتُحْلِفَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْأَرْشُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مَعْنَى النُّكُولِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَذْلِ مَا دُونَ النَّفْسِ يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فِي قَطْعِ يَدِهِ فَفَعَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ قِصَاصٌ وَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِحَقٍّ فَإِذَا صَحَّ بَذْلُهُ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالنُّكُولِ كَالْأَمْوَالِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا النُّكُولُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ بِدَلِيلِ افْتِقَارِهِ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَالْإِقْرَارُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَثْبُتُ بِمَا قَامَ مَقَامَ الْغَيْرِ وَمَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ كَدَمِ الْعَمْدِ الْمُشْتَرَكِ إذْ عَفَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَقْرَأَ وَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ جُوعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ كَمَا فِي النُّكُولِ فِي الطَّرَفِ وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ لِمَا مَرَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ فِي إسْقَاطِ الْقِصَاصِ اسْتِعْظَامًا لِحُرْمَةِ النَّفْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِغَيْرِهَا مِنْ تَكْرَارِ الْأَيْمَانِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا وَإِنَّمَا قَالَ يُحْبَسُ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَكُونُ نَفْسَ الْحَقِّ بِدَلِيلِ اجْتِمَاعِ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْحَقِّ فَمَتَى امْتَنَعَ مِنْ إيفَائِهَا وَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ بِمُوجِبِ نُكُولِهِ وَجَبَ أَنْ يُحْبَسَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَمَّا

تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ إلَخْ ) وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِيهِمْ الْفَاسِقُ وَالصَّالِحُ فَالْخِيَارُ فِي اسْتِحْلَافِهِمْ إلَى الْوَرَثَةِ يَخْتَارُونَ أَهْلَ الصَّلَاحِ إنْ أَحَبُّوا حَتَّى يَسْتَحْلِفُوهُمْ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ لَا يُتِمُّونَ خَمْسِينَ وَأَرَادُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ الْبَاقِي تَمَامَ خَمْسِينَ رَجُلًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِيُتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ خَمْسُونَ بِالرَّفْعِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ ، وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعٌ وَالنُّصْرَةُ لَا تَقُومُ بِالِاتِّبَاعِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ أَوْ يَسِيلُ دَمٌ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ فِي الْقَتِيلِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَتِيلٍ ، وَإِنَّمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا قَسَامَةَ وَلَا غَرَامَةَ ؛ لِأَنَّ الْغَرَامَةَ تَتْبَعُ فِعْلَ الْعَبْدِ وَالْقَسَامَةِ لِاحْتِمَالِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَثَرٍ يَكُونُ بِالْمَيِّتِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَثَرِ لَا يَكُونُ بِفِعْلِ الْبَشَرِ فَلَا يَكُونُ قَتِيلًا ، وَكَذَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَخَارِقَ يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ عَادَةً فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَادَةً إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ وَلَوْ وُجِدَ بَدَنُ الْقَتِيلِ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَإِنْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ أَوْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ كَانَ مَعَهُ الرَّأْسُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ عُرِفَ بِالنَّصِّ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْبَدَنِ وَلَكِنْ أَعْطَيْنَا لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَأَجْرَيْنَا عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ وَالْأَقَلُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لَاجْتَمَعَتْ الدِّيَاتُ وَالْقَسَامَاتُ بِمُقَابَلَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِأَنْ تُوجَدَ أَطْرَافُهُ فِي الْقُرَى مُتَفَرِّقَةً وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَنْتَفِي مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ فَيَجْرِيَانِ فِي الْأَكْثَرِ أَوْ النِّصْفِ مَعَ الرَّأْسِ لَا غَيْرُ

احْتِرَازًا عَنْ التَّكْرَارِ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ كَالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سِقْطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوقُ الْكَبِيرَ حَالًا وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مَيِّتًا ظَاهِرًا ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فِي تَامِّ الْخَلْقِ بِالظَّاهِرِ وَلَمْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَذَكَرَهُ بِالظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ أَقَلُّ خَطَرًا وَلِهَذَا يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَلَا تَجِبُ فِيمَا لَمْ تُعْلَمْ سَلَامَتُهُ يَقِينًا بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ خَطَرَهَا عَظِيمٌ فَيَجِبُ بَدَلُهَا بِالظَّاهِرِ وَلِهَذَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ نَفْسٌ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ النَّفْسِ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِتَمَامِ الْخَلْقِ وَعُضْوٍ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ الْعُضْوِ إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْخَلْقِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ إلَخْ ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ وَدَلَالَةُ الْقَتْلِ جِرَاحَةٌ تُوجَدُ أَوْ دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ يَصْعَدُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فِيهِ فَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ يَنْزِلُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى فِيهِ فَلَيْسَ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ عَلَى التَّفْصِيلِ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْقَتِيلَ اسْمٌ لِمَيِّتٍ مَاتَ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ حَيٌّ عَادَةً فَإِذَا وُجِدَ فِي الْمَحَلِّ سَبَبٌ قَاتِلٌ عَادَةً يُوجَدُ مِنْ الْعِبَادِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ وَإِلَّا فَلَا وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ يَخْرُجُ مِنْهُ عَادَةً مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ لَا يَكُونُ أَثَرُ الْقَتْلِ كَمَا إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ فَمِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ رُعَافٍ فَلَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ سَبَبٍ فِي الْمَحَلِّ ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِعِلَّةٍ فِي الْبَاطِنِ وَقَدْ يَكُونُ لِأَكْلِ شَيْءٍ غَيْرِ مُوَافِقٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْلِيلِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِعِرْقٍ انْفَجَرَ فِي الْبَاطِنِ أَوْ لِضَعْفِ الْكُلَى أَوْ لِضَعْفِ الْكَبِدِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْقَتْلِ ظَاهِرًا لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا بِضَرْبٍ حَادِثٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَرَامَةَ ) أَرَادَ بِهَا الدِّيَةَ ا هـ قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ) أَيْ تَكْرَارُ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَجْرِيَانِ ) أَيْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ ) أَيْ لَوْ وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ فِيهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِلَفْظِ

الْعُقَلَاءِ بِتَأْوِيلِ إرَادَةِ الْقَوْمِ أَوْ الْجَمَاعَةِ أَوْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا ) فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْأَثَرُ وَلَا يُقَالُ الظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ تَعْلَمْ صِحَّتَهُ سِوَى حُكُومَةِ الْعَدْلِ وَلَمْ يَجِبْ مَا وَجَبَ فِي التَّسْلِيمِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ سَلَامَتَهَا لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْأَطْرَافِ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ الصِّحَّةَ مَا يَجِبُ فِي السَّلِيمِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ لَهَا تَعْظِيمُ النُّفُوسِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ شَيْءٌ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ بِخِلَافِ الْجَنِينِ فَإِنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ وَعُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا انْفَصَلَ تَامَّ الْخَلْقِ وَبِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَجَبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ تَعْظِيمًا لِلنُّفُوسِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْأَثَرُ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ تَامِّ الْخَلْقِ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا وَأَمَّا إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ لَا يَفُوقُ حَالَ الْكَبِيرِ فَإِذَا وُجِدَ الْكَبِيرُ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا هُنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ حَيًّا ا هـ ( قَوْلُهُ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْخَلْقِ ) فَكَانَ الظَّاهِرُ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَحَلَّةِ وَبِهِ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ لَا بِسَبَبِ الْجِرَاحَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَتِيلٌ عَلَى دَابَّةٍ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ فِيهَا السَّائِقُ وَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ فِي أَيْدِيهِمْ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لِلدَّابَّةِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَدْبِيرَ الدَّابَّةِ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لَهَا وَتَدْبِيرُ الدَّارِ إلَى مَالِكِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا وَقِيلَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِك الدَّابَّةِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْقُلُ قَرِيبَهُ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان لِلدَّفْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الدَّابَّةِ أَحَدٌ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ الْقَتِيلُ عَلَى الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى الدَّابَّةِ كَوُجُودِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الدَّابَّةُ .( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْقُلُ قَرِيبَهُ ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ وَقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ فَفَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّائِقُ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ وَعِلَّتُهُ تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ إلَخْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ بِأَنْ يُذْرَعَ فَوُجِدَ إلَى أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ ، وَكَذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ وَأَرْحَبَ فَوُجِدَ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَقِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ وَأَمَّا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ يُمْكِنُهُمْ الْغَوْثُ فَيُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ وَإِذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْغَوْثُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ .( قَوْلُهُ وَادِعَةَ وَأَرْحَبَ ) هُمَا حَيَّانِ مِنْ هَمْدَانَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى أَحَدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ وَيَنْتَصِرُ بِعَاقِلَتِهِ وَلَا تَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْيَهُودِ وَكَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ قَسَّمَ خَيْبَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُلَّاكَ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ عَادَةً دُونَ السُّكَّانِ ، وَلِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارُهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَرَاجِ .قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ عَلَيْهِمْ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ هُوَ عَلَيْهِمْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ وَالْمُشْتَرِينَ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَهْلُ الْخُطَّةِ هُمْ الَّذِينَ خَطَّ لَهُمْ الْإِمَامُ وَقَسَّمَ الْأَرَاضِيَ بِخَطِّهِ لِيُمَيِّزَ أَنْصِبَاءَهُمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَلِهَذَا جُعِلُوا مُقَصِّرِينَ جُنَاةُ الْوِلَايَةِ أَيْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ بِاعْتِبَارِ الْكَوْنِ فِيهِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ لِلْخُطَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ لَمَا شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ فِي الْعُرْفِ فَيَخْتَصُّ بِعُهْدَتِهَا ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْقَسَامَةَ تَجِبَانِ بِسَبَبِهَا ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْخُطَّةِ أَصِيلٌ وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْمَالِكِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ وَالْمَحَلَّةِ وَقِيلَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ ) أَيْ إنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ لِزَوَالِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ خَلَصَتْ لَهُمْ الْوِلَايَةُ لِزَوَالِ مَنْ يُزَاحِمُهُمْ ثُمَّ إذَا وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ تَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَدْخُلُ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يُشَارِكُهُمْ عَوَاقِلُهُمْ فِيهَا فَصَارُوا كَمَا إذَا كَانُوا غَائِبِينَ وَلَهُمَا

أَنَّهُمْ بِالْحُضُورِ لَزِمَتْهُمْ نُصْرَةُ الْبُقْعَةِ كَمَا تَلْزَمُ صَاحِبَ الدَّارِ فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ يَعْقُوبُ وَإِنَّمَا قَسَامَةُ الْقَتِيلِ عَلَى ذَوِي الْخُطَّةِ وَالدَّخِيلِ قَالَ فِي الْحَصْرِ مَا نَصُّهُ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَحَلَّةِ أَصْحَابُ الْخُطَطِ وَالْمُشْتَرُونَ وَالسُّكَّانُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ كُرِّرَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ مَبْنَى هَذَا الْأَمْرِ عَلَى التَّدْبِيرِ وَالرَّأْيِ وَالنِّسْبَةِ ، وَذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي دَارٍ فَهُوَ عَلَى مَالِكِهَا دُونَ خَدَمِهِ وَأُجَرَائِهِ وَإِذَا وُجِدَ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ فَعَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَهْلُ الْخُطَّةِ وَالْمُشْتَرُونَ وَالسُّكَّانُ سَوَاءٌ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَيْهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ الْحِفْظَ أَوْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَالْكُلُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ا هـ مَا قَالَهُ فِي الْحَصْرِ وَقَالَ فِي الْمُصَفَّى فِي شَرْحِ هَذَا الْبَيْتِ مَا نَصُّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَحَلَّةِ أَصْحَابُ الْخُطَطِ وَالْمُشْتَرُونَ وَالسُّكَّانُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ وَقَالَا عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ كُرِّرَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ فَإِنْ قُلْت هَلْ فِي الْبَيْتِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الدَّخِيلِ قُلْت نَعَمْ لِأَنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الدَّخِيلِ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْمَعْقُولِ وَنَقْضَ الْأُصُولِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَذْهَبُ الْخِلَافُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَجِبَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ فَحَسْبُ وَالدَّخِيلُ فَعِيلٌ

مِنْ دَخَلَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُشْتَرِينَ وَالسُّكَّانَ ا هـ ( قَوْلُهُ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَهُمَا ) وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ تَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى التَّفَاوُتِ فَهِيَ عَلَى الرُّءُوسِ ) أَيْ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِيهَا مُتَفَاضِلَةٌ بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مَثَلًا لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ تَنْقَسِمُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي التَّدْبِيرِ فَكَانُوا سَوَاءً فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرِ فَيَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ بِيعَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْخِيَارِ عَلَى ذِي الْيَدِ ) أَيْ إذَا بِيعَتْ الدَّارُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي فِي يَدِهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودِعِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ وَفِي الَّذِي شَرَطَ فِيهِ الْخِيَارَ يُعْتَبَرُ قَرَارُ الْمِلْكِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا يَقْدِرُ بِالْمِلْكِ بِدُونِ الْيَدِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَفِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ الْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَكَذَا فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْبَاتِّ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ تَصَرُّفًا وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ فَتُعْتَبَرُ يَدُهُ إذْ بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الضَّامِنِ ، وَهَذِهِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ فَتَجِبُ عَلَى الضَّامِنِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمِلْكُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَلَا مِلْكَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ

الدَّارُ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً ؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ تَرْكِ الْحِفْظِ وَهُوَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ وَهُوَ مَنْ لَهُ يَدٌ أَصَالَةً لَا يَدٌ نِيَابَةً وَيَدُ الْمُودِعِ يَدُ نِيَابَةٍ ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ ، وَكَذَا الْغَاصِبُ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِذِي الْيَدِ ) أَيْ إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَا تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْيَدِ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى تَعْقِلَهُ عَاقِلَتُهُ عَنْهُ وَالْيَدُ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَكِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ فَلَا تَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا تَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِيهَا هُوَ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ غَيْرُهُ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِهِ يُرِيدُ بِهِ إذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ لَهُ وَقَالُوا هِيَ وَدِيعَةٌ فِي يَدِك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الْمِلْكِ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الْفُلْكِ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيَسْتَوِي الْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِيهِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي فِي الدَّارِ بَيْنَ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْفُلْكَ تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ فَتَكُونُ فِي الْيَدِ حَقِيقَةً فَتُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ عَلَى أَهْلِهَا وَفِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ لَا قَسَامَةَ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ إلَيْهِمْ وَالْجَامِعُ وَالشَّارِعُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالْقَسَامَةُ لِنَفْيِ تُهْمَةِ الْقَتْلِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَدِيَتُهُ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ ، وَكَذَلِكَ الْجُسُورُ الْعَامَّةُ وَالْأَسْوَاقُ الْعَامَّةُ الَّتِي فِي الشَّوَارِعِ ، وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ يَكُونُ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي السُّوقِ الَّتِي هِيَ لِلْعَامَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مِثْلِ هَذَا كُلِّهِ إلَى الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ لَا إلَى أَهْلِ هَذِهِ السُّوقِ بِخِلَافِ الْأَسْوَاقِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَهْلِهَا أَوْ الَّتِي فِي الْمَحَالِّ وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي فِيهَا حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى الْمُلَّاكِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا ؛ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَرْبَابِهَا أَوْ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي صَفٍّ مِنْ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الصَّفِّ يَبِيتُونَ فِي حَوَانِيتِهِمْ فَدِيَةُ الْقَتِيلِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَبِيتُونَ فِيهَا فَالدِّيَةُ عَلَى الَّذِينَ لَهُمْ مِلْكُ الْحَوَانِيتِ وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِهِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا ) لِأَنَّ أَهْلَ السِّجْنِ مَقْهُورُونَ فَلَا يَتَنَاصَرُونَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مَا يَجِبُ لِأَجْلِ النُّصْرَةِ ، وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ غُنْمُهُ يَعُودُ إلَيْهِمْ فَغُرْمُهُ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِهِ ) لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَتْلَ مِنْهُمْ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهَا فِي الْوَرَقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُهْدَرُ لَوْ فِي بَرِيَّةٍ أَوْ وَسْطِ الْفُرَاتِ ) ؛ لِأَنَّ الْفُرَاتَ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّهْرُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ حَيْثُ يَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَى أَهْلِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ ، وَكَذَا الْبَرِيَّةُ لَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهَا وَلَا مِلْكَ فَيُهْدَرُ مَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ الْقَتِيلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْبَرِيَّةُ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ النَّهْرَ الْعَظِيمَ إذَا كَانَ مَوْضِعَ انْبِعَاثِ مَائِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ انْبِعَاثِ مَائِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَتِيلَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيُهْدَرُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ مُحْتَبِسًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى ) أَيْ لَوْ كَانَ الْقَتِيلُ مُحْتَبِسًا فِي شَاطِئِ النَّهْرِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ؛ لِأَنَّ الشَّطَّ فِي أَيْدِيهِمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ فَكَانُوا أَخَصَّ بِنُصْرَتِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ ضَمَانُ الْمُحْتَبِسِ فِيهِ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَوْضُوعِ بِالشَّطِّ .( قَوْلُهُ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ) يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْ الْقُرَى ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ تُسْقِطُ الْقَسَامَةَ عَنْهُمْ وَعَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ لَا ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مَعَ تَشَعُّبِهِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ ) ؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْحِفْظُ عَلَيْهِمْ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا أَبْرَأَهُمْ الْوَلِيُّ بِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أُولَئِكَ كُلِّهِمْ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَيَبْرَأُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ يُبَرَّءُونَ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَءُونَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ فَلَا يَسْتَقِيمُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالسُّيُوفِ يَسْتَقِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ هَذَا إذَا كَانَ الْفَرِيقَانِ غَيْرَ مُتَأَوِّلَيْنِ اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ أَوْ خَوَارِجَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مِمَّنْ أَصَابَهُ الْعَدُوُّ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَأَجْلَوْا ) أَيْ انْكَشَفُوا وَانْفَرَجُوا يَعْنِي ذَهَبُوا وَتَرَكُوا قَتِيلًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَبْرَأَهُمْ الْوَلِيُّ بِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أُولَئِكَ ) أَيْ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالسُّيُوفِ ا هـ قَوْلُهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلِفُ قَتَلَهُ زَيْدٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ صَارَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ عَلَى حَالِهِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُسْتَحْلِفِ أَنَّهُ قَتَلَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْقَاتِلَ وَاعْتَرَفَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ يَجُوزُ أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ لَهُ قَاتِلًا آخَرَ مَعَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطَلَ شَهَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِمْ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِخُصَمَاءَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَلَهُ أَنَّهُمْ خُصَمَاءُ بِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَلَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا بَعْدُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ لَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَهُوَ يَجْعَلُهُمْ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا

وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ فَمِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا خَاصَمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عُزِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالشَّفِيعُ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَرَكَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْبَيْعِ وَمِنْ جِنْسِ الثَّانِي أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يُخَاصِمْ وَالشَّفِيعُ إذَا لَمْ يَطْلُبْ وَشَهِدَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِهَا عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ وَالشَّاهِدُ يَقْطَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا شَيْءَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حِينَ وُجِدَ الْجُرْحُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَدَرًا وَلَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْقَتْلِ فِي مِلْكِهِ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَحَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا وَقْتَ ظُهُورِ الْقَتْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَهَدَرَ دَمَهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَبْقَى مِلْكُهُ كَذَلِكَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَيْتٍ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ وَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ فَكَانَ تَوَهُّمُ ذَلِكَ سَاقِطًا

فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا وَتُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَسَامَةُ أَيْضًا عَلَى الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَأَشْبَهَتْ الصَّبِيَّ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَسَامَةَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَتُهْمَةُ الْقَتْلِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُتَحَقِّقَةٌ ثُمَّ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ ؛ لِأَنَّا أَنْزَلْنَاهَا قَاتِلَةً فَتُشَارِكُ الْعَاقِلَةَ فَتَجِبُ عَلَيْهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهَا وَفِيمَا إذَا بَاشَرَتْ الْقَتْلَ بِنَفْسِهَا وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى تِلْكَ الْقَبِيلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحِمَهُ اللَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ وَلَا قَسَامَةَ ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ فِرَاشٍ وَلَهُ أَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فَإِنْ لَمْ يَزَلْ صَاحِبُ فِرَاشٍ أُضِيفَ الْمَوْتُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ جَرِيحٌ بِهِ رَمَقٌ فَحَمَلَهُ إنْسَانٌ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الَّذِي حَمَلَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَوُجُودُهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ جَرِيحًا فِي الْمَحَلَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ

أَوْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَرْبَابِهَا ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ وَلَوْ وُجِدَ فِي مُعَسْكَرٍ نَزَلُوا فِي فَلَاةٍ مُبَاحَةٍ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَإِنْ وُجِدَ فِي خَيْمَةٍ أَوْ فُسْطَاطٍ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ كَمَا فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانُوا قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ فَعَلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا قَبَائِلَ قَبَائِلَ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَالِّ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمِصْرِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُزْعِجَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَلَوْ وُجِدَ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا وَإِنْ اسْتَوَوْا فَعَلَيْهِمَا كَمَا إذَا وُجِدَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الْمَحَلَّتَيْنِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْفُسْطَاطِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْأَخْبِيَةِ اعْتِبَارًا لِلْيَدِ عِنْدَ انْعِدَامِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانُوا نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلَطِينَ فَعَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ كُلِّهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا جُمْلَةً صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَتَكُونُ مَنْسُوبَةً إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ فَتَجِبُ غَرَامَةُ مَا وُجِدَ خَارِجَ الْخِيَامِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَإِنْ كَانَ لِلْأَرْضِ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ فَلَا يُزَاحِمُونَ الْمَالَ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحَلَّةِ أَوْ الدَّارِ أَنَّ الْعَسْكَرَ نَزَلُوا فِيهِ لِلِانْتِقَالِ وَالِارْتِحَالِ لَا لِلْقَرَارِ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهِ لِلْقَرَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَإِنْ كَانُوا لَقُوا عَدُوَّهُمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا

دِيَةَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( قَوْلُهُ وَهُوَ يَجْعَلُهُمْ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ عِنْدَ دَعْوَى الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ شَهِدَا بِأَنَّهُ قَتَلَهُ جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَهَادَتَهُمَا شَهَادَةَ مَنْ انْتَصَبَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فَشَهِدَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ نَفْسَ وُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ جَعَلَهُمَا خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ شَهَادَتَهُمَا هَذِهِ شَهَادَةَ رَجُلٍ لَهُ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا ثُمَّ لَمْ يَصِرْ خَصْمًا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُونَ خَصْمًا لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَيْهِمْ فَإِذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِمْ زَالَتْ هَذِهِ الْعَرْضِيَّةُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَصْلًا فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ فِيهَا كَالشَّفِيعِ إذَا شَهِدَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ صَارُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَمَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَكِيلِ إذَا خُوصِمَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ ثُمَّ عُزِلَ وَشَهِدَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ وُجُودُ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا أُغَرِّمُكُمْ الدِّيَةَ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَبِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ ا هـ وَإِنَّمَا نَقَلْت هَذَا لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ

شَهَادَتُهُ ) ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ عَنْ الْيَتِيمِ خَصْمٌ فِي حُقُوقِهِ وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْيَتِيمِ شَرْعًا فِي حُقُوقِهِ ثُمَّ لَوْ بَلَغَ الْيَتِيمُ فَشَهِدَ الْوَصِيُّ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ا هـ نِهَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَمِنْ جِنْسِ الثَّانِي ) أَيْ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَشَهِدَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ) ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلَانِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ثُمَّ شَهِدَا بِذَلِكَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا لِمَكَانِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ فَصَارَتْ الْوَكَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالْمَكَانِ فَلَا تَثْبُتُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ وَقَّتَ بِالزَّمَانِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ فَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَظْهَرُ وَمَا قَالَاهُ أَحَقُّ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا ا هـ نِهَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ لِوَرَثَتِهِ ا هـ فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَا ) أَيْ وَزُفَرُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ هَذَا إذَا اخْتَلَفَ الْعَوَاقِلُ أَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ عَاقِلَةُ الْمَقْتُولِ مَعَ عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَقْتُولِ لِلْوَرَثَةِ فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ الْعَوَاقِلُ وَالِاتِّحَادُ هُوَ الْغَالِبُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ تَعْقِلَ عَاقِلَةُ الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ وَلَيْسَ بِمَعْقُولٍ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ قُلْت الْعَاقِلَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ

وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ فَمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْوَرَثَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ يَجِبُ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُمْ وَهَذَا لِأَنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلُ دِيوَانِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَقْرِبَاؤُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ا هـ كَافِي وَهِدَايَةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَوَاقِلِ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي الْمَعَاقِلِ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ عَقْلٌ ا هـ .

( كِتَابُ الْمَعَاقِلِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ وَهِيَ الدِّيَةُ ) أَيْ الْمَعَاقِلُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِالضَّمِّ وَالْمَعْقُلَةُ الدِّيَةُ وَتُسَمَّى عَقْلًا ؛ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ أَيْ تُمْسِكَهُ يُقَالُ عَقَلَ الْبَعِيرُ عَقْلًا شَدَّهُ بِالْعِقَالِ وَمِنْهُ الْعَقْلُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الْقَبَائِحِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) وَالْعَاقِلَةُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ يُقَالُ عَقَلْت الْقَتِيلَ أَيْ أَعْطَيْت دِيَتَهُ وَعَقَلْت عَنْ الْقَاتِلِ أَيْ أَدَّيْت عَنْهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الدِّيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الدِّيَةَ وَأَنْوَاعَهَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَأَمَّا وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { قَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ وَدِيَةِ جَنِينِهَا عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ فَقَالَ أَبُو الْقَاتِلَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذَا مِنْ الْكُهَّانِ } ، وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا وَجْهَ إلَى إهْدَارِهَا وَلَا إيجَابَ لِلْعُقُوبَةِ عَلَى الْمُخْطِئِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَمَرْفُوعٌ عَنْهُ الْخَطَأُ وَفِي إيجَابِ الْكُلِّ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إجْحَافِهِ وَاسْتِئْصَالِهِ فَيُضَمُّ إلَيْهِ الْعَاقِلَةُ تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ ، وَإِنَّمَا كَانُوا أَخَصَّ بِالضَّمِّ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَصِّرُ فِي الِاحْتِرَازِ لِقُوَّةٍ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا لَا يَحْتَرِزُ فِي أَفْعَالِهِ إذَا كَانَ قَوِيًّا فَكَأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِأَحَدٍ وَتِلْكَ الْقُوَّةُ تَحْصُلُ بِأَنْصَارِهِ غَالِبًا وَهُمْ أَخْطَئُوا بِنُصْرَتِهِمْ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِلْإِقْدَامِ عَلَى التَّعَدِّي فَقَصَّرُوا بِهَا عَنْ حِفْظِهِ فَكَانُوا أَوْلَى بِالضَّمِّ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ

يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا يَنْقَلِبُ مَالًا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالشُّبْهَةِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْعَمْدَ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ فَلَا تَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ .

( كِتَابُ الْمَعَاقِلِ ) لَمَّا كَانَ مُوجَبُ الْقَتْلِ خَطَأً وَمَا فِي مَعْنَاهُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا وَمَعْقُلَةً لِأَنَّ إبِلَ الدِّيَاتِ كَانَتْ تُعْقَلُ بِفِنَاءِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ ثُمَّ عَمَّ هَذَا الِاسْمُ فَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ مَعْقَلَةً وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِالْمَعْقَلَةِ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ عَنْ أَنْ تُسْفَكَ وَمَعَاقِلُ الْجِبَالِ الْمَوَاضِعُ الْمَنِيعَةُ فِيهَا وَيُقَالُ عَقَلَ الدَّوَاءُ بَطْنَهُ يَعْقِلُهُ عَقْلًا إذَا أَمْسَكَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْقَافِ كَمَكْرُمَةٍ قَالَ الشَّارِحُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِالضَّمِّ قُلْت هَذَا لَيْسَ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِالضَّمِّ يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَى ضَمِّ الْمِيمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الضَّمُّ لِلْقَافِ وَالْفَتْحُ لِلْمِيمِ ا هـ قَوْلُهُ وَأَمَّا وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الدِّيَةُ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى { فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } وَبِالسُّنَّةِ ، نَحْوُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ } وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا مُنْكِرَ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ أَصْلًا وَوُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بِحَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُ مُسْنَدًا إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَةِ جَنِينِهَا عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا وَمَنْ مَعَهُمْ وَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ

ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ } مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمَفْتُوحَيْنِ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بِلَادِ قَوْمِهِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْبَصْرَةِ وَابْتَنَى بِهَا دَارًا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ ، وَكَذَا الَّذِي بَاشَرَ شِبْهَ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْآلَةَ لَيْسَتْ بِمَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إجْحَافِهِ ) أَيْ إجْحَافِ الْخَاطِئِ أَيْ إهْلَاكِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ ) أَيْ ابْتِدَاءً وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ لَا ابْتِدَاءً كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ حَيْثُ يَكُونُ مُوجَبُ الْقَتْلِ الْقِصَاصَ ابْتِدَاءً وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ إلَى الدِّيَةِ لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْأَبِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَكَذَا إذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ صُلْحًا عَنْ الْعَمْدِ يَجِبُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً إلَّا إذَا اشْتَرَطَ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ مَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ) وَأَهْلُ الدِّيوَانِ أَهْلُ الرَّايَاتِ وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسَامِيهِمْ فِي الدِّيوَانِ ، وَهَذَا عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْعَشِيرَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَكَانَ كَذَلِكَ إلَى أَيَّامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ ، وَلِأَنَّهَا صِلَةٌ فَالْأَقَارِبُ بِهَا أَوْلَى كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَاتِ وَلَنَا قَضِيَّةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ بَلْ هُوَ تَقْرِيرُ مَعْنَى الْعَقْلِ كَانَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَقَدْ كَانَتْ بِأَنْوَاعٍ بِالْحَلِفِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَدِّ وَهُوَ أَنْ يُعَدُّ الرَّجُلُ مِنْ قَبِيلَةٍ وَفِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ صَارَتْ بِالدِّيوَانِ فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِهِ اتِّبَاعًا لِلْمَعْنَى وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ الْيَوْمَ قَوْمٌ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ وَإِنْ كَانُوا بِالْحَلِفِ فَأَهْلُهُ وَالدِّيَةُ صِلَةٌ كَمَا قَالَ لَكِنَّ إيجَابَهَا فِيمَا هُوَ صِلَةٌ وَهُوَ الْعَطَاءُ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهِمَا فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَمَا تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعَطَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ أَهْلُ الدِّيوَانِ ) اُنْظُرْ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي الْمَقَالَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَفِيهَا مَا يُنَاسِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَفَوَائِدُ جَلِيلَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ بِالْحِلْفِ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْعَهْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُعَدَّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَدِّ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ يُقَالُ فُلَانٌ عَدِيدُ بَنِي فُلَانٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَجَعَلَهَا ) أَيْ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِمْ التَّنَاصُرُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ إلَخْ ) أَنَّهُ جَعَلَ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّخْفِيفُ وَقَدْ حَصَلَ ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا لِلسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ وَلَوْ خَرَجَتْ عَطَايَا ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ إذْ الْوُجُوبُ بِالْقَضَاءِ وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ وَهُوَ التَّخْفِيفُ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَجِبُ فِي سَنَتَيْنِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكَوْنُ كُلِّ ثُلُثٍ فِي سَنَةٍ ضَرُورَةً وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ كَالْوَاجِبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى يَجِبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا أَوْ انْقَلَبَ الْقِصَاصُ بِالشُّبْهَةِ مَالًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ يَكُونُ حَالًّا ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِلتَّخْفِيفِ لِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يُلْتَحَقُ بِهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى إيجَابَ الْمَالِ بِمُقَابِلَةِ النَّفْسِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ إذَا كَانَ خَطَأً فَلَا يَتَعَدَّاهُ فَيَجِبُ مُؤَجَّلًا وَلَوْ قَتَلَ عَشْرَةٌ رَجُلًا وَاحِدًا خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَهُوَ بَدَلُ النَّفْسِ فَيُؤَجَّلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَوَّلُ الْمُدَّةِ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْمِثْلُ وَالنَّقْلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَيُعْتَبَرُ

ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِهِ وَنَظِيرُهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ قِيمَتَهُ لَا تَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْمِثْلُ ) أَيْ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي الضَّمَانِ هُوَ الْمِثْلُ الْفَائِتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ الصَّالِحِ لِلْكَرَامَاتِ كَالْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَبَيْنَ الْمَالِ ، وَالتَّحَوُّلُ مِنْ الْمِثْلِ الَّذِي هُوَ الْآدَمِيُّ إلَى قِيمَةِ الْآدَمِيِّ الْفَائِتِ ثَبَتَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ فَاعْتُبِرَ ابْتِدَاءً مُدَّةَ وُجُوبِ الْقِيمَةِ مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَيَأْتِي فِي مَقْلُوبِ الْوَرَقَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ إلَخْ مَا يُؤَكِّدُهُ فَانْظُرْهُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دِيوَانِيًّا فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ ) لِمَا رَوَيْنَا ، وَلِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ ) وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيَنْقُصُ مِنْهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَإِنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ كَمَا ذَكَرَ هُنَا ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْفِيفِ مُرَاعًى فِيهِ وَلَوْ أَخَذَ مِنْهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَرْبَعَةً يَكُونُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اثْنَا عَشْرَ دِرْهَمًا فَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّ التَّخْفِيفِ لِبُلُوغِهِ حَدَّ الْجِزْيَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ ) لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى التَّخْفِيفِ وَاخْتَلَفُوا فِي آبَاءِ الْقَاتِلِ وَأَبْنَائِهِ قِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ لِنَفْيِ الْحَرَجِ حَتَّى لَا يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْكَثْرَةِ وَالْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لَا يَكْثُرُونَ قَالُوا هَذَا فِي حَقِّ الْعَرَبِ ؛ لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا أَنْسَابَهُمْ فَأَمْكَنَ إيجَابُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ وَأَمَّا الْعَجَمُ فَقَدْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ الْمَحَالَّ وَالْقُرَى الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ الْبَاقِي فِي مَالِ الْجَانِي وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الرَّايَاتِ إذَا لَمْ تَتَّسِعْ لِذَلِكَ أَهْلُ رَايَةٍ

ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الرَّايَاتِ أَيْ أَقْرَبُهُمْ نُصْرَةً إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ يُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَيَسْتَوِي بَيْنَ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَيَعْتَبِرُ بِالزَّكَاةِ وَأَدْنَاهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَهُمْ نِصْفُ دِينَارٍ وَلَكِنَّا نَقُولُ هِيَ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الزَّكَاةِ ، أَلَا تَرَى لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ فَيَنْقُصُ مِنْهَا تَحْقِيقًا لِزِيَادَةِ التَّخْفِيفِ وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ أَصْحَابَ الرِّزْقِ يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّ الرِّزْقَ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَايَا فَأُقِيمَ مَقَامَهَا إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا صِلَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ أَرْزَاقُهُمْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يُؤْخَذُ كُلَّمَا خَرَجَ رِزْقُ ثُلُثِ الدِّيَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَايَا وَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ سُدُسُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَبِحِسَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَعْطِيَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ دُونَ الْأَرْزَاقِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ أَصْلٌ وَمِنْ الْأَرْزَاقِ خَلَفٌ فَلَا يُعْتَبَرُ الْخَلَفُ مَعَ الْأَصْلِ ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ أَيْسَرُ لَهُمْ ، وَالْأَخْذُ مِنْ الْأَرْزَاقِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِهِمْ إذْ الْأَرْزَاقُ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ وَيَتَضَرَّرُونَ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ وَالْأَعْطِيَةُ لِيَكُونُوا مُؤْتَلِفِينَ فِي الدِّيوَانِ قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ فَيَتَيَسَّرُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ مِنْهُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) أَيْ الْقَاتِلُ ا هـ مِسْكِينٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَمَنْ جَنَى مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ فُرِضَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ عَلَى الْإِخْوَةِ ثُمَّ بَنِي الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْأَعْمَامِ ثُمَّ بَنِي الْأَعْمَامِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ وَهَلْ يُدْخِلُ الْبَنُونَ وَالْآبَاءُ بَعْضَهُمْ قَالُوا يُدْخِلُونَ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يُدْخِلُونَ لِأَنَّ الِانْتِصَارَ غَيْرُ مُعْتَادٍ مِنْ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَخْ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبُعُ دِينَارٍ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْأَعْطِيَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطِيَّةِ أَنَّ الرِّزْقَ مَا يُفْرَضُ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ وَالْعَطِيَّةُ مَا تُفْرَضُ لِيَكُونُوا قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ الْعَطِيَّةُ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلِ وَالرِّزْقُ مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ا قَالَ إذَا كَانَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ وَأَعْطِيَاتٌ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ دُونَ أَرْزَاقِهِمْ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الرِّزْقَ يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ أَيْضًا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ ) أَيْ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ بِهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكُلُّ فَكَذَا الْبَعْضُ إذْ الْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ قُلْنَا إيجَابُ الْكُلِّ إجْحَافٌ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَعْضُ ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ لِلنُّصْرَةِ وَهُوَ يَنْصُرُ نَفْسَهُ ، مِثْلُ مَا يَنْصُرُهُ غَيْرُهُ بَلْ أَشَدُّ فَكَانَ أَوْلَى بِإِيجَابٍ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْمُخْطِئُ مَعْذُورًا فَالْبَرِيءُ مِنْهُ أَوْلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } وَعَدَمُ وُجُوبِ الْكُلِّ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الْبَعْضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَوَاقِلِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَمَعَ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْجُزْءِ بِالْكُلِّ بَاطِلٌ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْوَرَقَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فِي كَلَامِ الشَّرْحِ فَارْجِعْ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ ) حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْلِ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا حُرًّا صَحِيحَ الْعَقْلِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَاقِلَةٌ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ كَاللَّقِيطِ وَالْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَ فَعَاقِلَتُهُ بَيْتُ الْمَالِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ هَذَا إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا فَأَمَّا إذَا عَاقَدَ أَحَدًا عَقْدَ الْوَلَاءِ فَجِنَايَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى الَّذِي وَالَاهُ وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُوَالِ أَحَدًا حَتَّى عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ وَأَمَّا إذَا بَاشَرَا الْقَتْلَ بِأَنْفُسِهِمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُشَارِكَانِ الْعَاقِلَةَ ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ ) ؛ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَاسْمُهُ يُنْبِئُ عَنْهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ } .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَعْقِلُ عَنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ ) وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ هُوَ الْحِلْفُ فَيَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ الَّذِي عَاقَدَهُ وَعَاقِلَةُ مَوْلَاهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَبِيلَتُهُ أَيْ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ الَّذِي عَاقَدَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَنَاصَرُ بِهِ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَلَاءِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْعَمْدَ وَلَا مَا لَزِمَ صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا ) لِمَا رَوَيْنَا ، وَلِأَنَّهُ لَا يُتَنَاصَرُ بِالْعَبْدِ وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَنْهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ ) فِي الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إقْرَارٌ مِنْهُمْ فَيَلْزَمُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ زَالَ أَوْ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالْمُشَاهَدِ ؛ لِأَنَّهَا كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ هُنَا مَعَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْتَبَرُ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُمَّ مَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ يَجِبُ مُؤَجَّلًا وَمَا ثَبَتَ بِالصُّلْحِ حَالٌّ إلَّا إذَا اشْتَرَطَ التَّأْجِيلَ فِي الصُّلْحِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّهُ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَلَمْ يَرْتَفِعُوا إلَى الْحَاكِمِ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَانَ أَوَّلُ الْمُدَّةِ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَكَذَا فِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ ، وَلَوْ تَصَادَقَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَكَذَّبَتْهُمَا الْعَاقِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ بِتَصَادُقِهِمَا تَقَرَّرَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْقَضَاءِ وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ يَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ مِنْ الْوَلِيِّ بِالْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا فَافْتَرَقَا .

( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ) أَرَادَ بِهِ مَا إذَا أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَأً حَيْثُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَيَدَّعِي وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَهُنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَدَّعِي وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَصَادَقَ مَعَ الْقَاتِلِ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَدْ قَضَى بِهَا الْقَاضِي عَلَيْهِمْ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) يَعْنِي إذَا قَتَلَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَتَحَمَّلَ النَّفْسُ أَيْضًا بَلْ تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِ وَفِي الْحَدِيثِ { لَا تَعْقِلْ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا } وَلَنَا أَنَّهُ آدَمِيٌّ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَالْحُرِّ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ وَهِيَ بَدَلُ الْآدَمِيِّ لَا الْمَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَكَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ مَا دُونَ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ جِنَايَتُهُ أَيْ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ عَمْدٍ وَلَا جِنَايَةَ عَبْدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ تُوجِبُ دَفْعَهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَوَاقِلِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ جُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ نَفْسَهُ ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ مِنْهُمَا وَالْفَرْضُ لَهُمَا مِنْ الْعَطَايَا لِلْمَعُونَةِ لَا لِلنُّصْرَةِ كَفَرْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِيمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا وَأَمَّا إذَا بَاشَرَا الْقَتْلَ أَنْفُسُهُمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُشَارِكَانِ الْعَاقِلَةَ ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ .

S( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ و مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ ذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ الِاصْطِدَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ ) الذُّرِّيَّةُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَأَرَادَ هُنَا الصِّبْيَانَ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الذَّرِّ وَهِيَ صِغَارُ النَّمْلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْفَرْضُ لَهُمَا ) أَيْ لِلصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِلْمَعُونَةِ ) أَيْ لِمَعُونَةِ الْجُنْدِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِالطَّبْخِ وَالْخِيَاطَةِ وَحِفْظِ الْمَنْزِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ا هـ غَايَةٌ

وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ إذَا كَانَ لِأَهْلِ كُلِّ مِصْرٍ دِيوَانٌ عَلَى حِدَةٍ ؛ لِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِالدِّيوَانِ عِنْدَ وُجُودِهِ ، وَلَوْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ فِي السُّكْنَى فَأَهْلُ مِصْرِهِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ وَيَعْقِلُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ سَوَادِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لِأَهْلِ الْمِصْرِ فَإِنَّهُمْ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ اسْتَنْصَرُوا بِهِمْ فَيَعْقِلُونَهُمْ أَهْلُ الْمِصْرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْقُرْبِ وَالنُّصْرَةِ وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَدِيوَانُهُ بِالْكُوفَةِ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنْصِرُ بِأَهْلِ دِيوَانِهِ لَا بِجِيرَانِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِنْصَارَ بِالدِّيوَانِ أَظْهَرُ فَلَا يَظْهَرُ مَعَهُ حُكْمُ الْبَصْرَةِ بِالْقَرَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَقُرْبِ السُّكْنَى وَالْعَدِّ وَالْحِلْفِ وَبَعْدَ الدِّيوَانِ النُّصْرَةِ بِالنَّسَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْمَعَاقِلُ مِنْهَا أَخَوَانِ دِيوَانُ أَحَدِهِمَا بِالْبَصْرَةِ وَدِيوَانُ الْآخَرِ بِالْكُوفَةِ لَا يَعْقِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُ عَنْهُ أَهْلُ دِيوَانِهِ وَمَنْ جَنَى جِنَايَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي أَهْلِ الدِّيوَانِ عَطَاءٌ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا وَمَسْكَنُهُ الْمِصْرُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الدِّيوَانِ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الدِّيوَانِ قَرَابَةٌ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ هُمْ الَّذِينَ يَذُبُّونَ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَيَقُومُونَ بِنُصْرَتِهِمْ وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ وَلَا يَخُصُّونَ بِالنُّصْرَةِ أَهْلَ الْعَطَاءِ فَقَطْ بَلْ يَنْصُرُونَ أَهْلَ الْمِصْرِ كُلَّهُمْ وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُونُوا قَرِيبًا لَهُ لَا يَعْقِلُونَهُ ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُونَهُ إذَا كَانُوا قَرِيبًا لَهُ وَفِي الْبَادِيَة أَقْرَبُ مِنْهُمْ نَسَبًا ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ وَأَهْلُ الْمِصْرِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ مَكَانًا فَكَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى النُّصْرَةِ لَهُمْ وَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ

الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ فِي الْإِنْكَاحِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَدْوِيُّ نَازِلًا فِي الْمِصْرِ لَا مَسْكَنَ لَهُ فِيهِ لَا يَعْقِلُهُ أَهْلُ الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَطَاءِ لَا يَنْصُرُونَ مَنْ لَا مَسْكَنَ لَهُ فِيهِ كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ لَا يَعْقِلُونَ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ النَّازِلِ فِيهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَنْصِرُونَ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ عَوَاقِلُ مَعْرُوفَةٌ يَتَعَاقَلُونَ بِهَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمْ قَتِيلًا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَعَانِي الْعَاصِمَةِ عَنْ الْأَضْرَارِ وَمَعْنَى التَّنَاصُرِ مَوْجُودٌ فِي حَقِّهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَاقِلَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى الْعَاقِلَةِ أَنْ لَوْ وُجِدَتْ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مُسْلِمَيْنِ تَاجِرَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ يُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْقِلُونَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَتْلِ لَيْسَ بِنُصْرَتِهِمْ .

قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُونُوا قَرِيبًا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي قَرِيبًا لِأَهْلِ الدِّيوَانِ بَلْ قَالُوا عُقِلَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ صَارَ كَالْعَدِيدِ وَالْحَلِيفِ لَهُمْ وَبَعْضُهُمْ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ وَقَالُوا عُقِلَ عَنْهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَعْقِلُونَهُ إذَا كَانُوا قَرِيبًا لَهُ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ ) وَهَذَا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ أَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا جَنَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَعَاقِلَتُهُ بَيْتُ الْمَالِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَسَيَجِيءُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ ) وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْقَتْلَ لِيَشْمَلَ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي مَالِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ جِنَايَةً وَقَعَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

وَلَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَالْكُفَّارُ يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُعَادَاةُ بَيْنَهُمْ ظَاهِرَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْقِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِانْقِطَاعِ التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمْ ، وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَلَهُ بِهَا عَطَاءٌ وَحَوَّلَ دِيوَانَهُ إلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْضِي عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ الْكُوفَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الْجِنَايَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ وَعَاقِلَتُهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَوَّلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَلَنَا أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ وَبِالْقَضَاءِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَالِ ، وَكَذَا الْوُجُوبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ مَنْ يَكُونُ عَاقِلَتُهُ عِنْدَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَوَّلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَكِنَّ حِصَّةَ الْقَاتِلِ تُؤْخَذُ مِنْ عَطَائِهِ بِالْبَصْرَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْعَطَاءِ وَعَطَاؤُهُ بِالْبَصْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَت الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يَضُمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبَ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَفِي الضَّمِّ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ فِيمَا قَضَى بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِ تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مَسْكَنُهُ بِالْكُوفَةِ وَلَيْسَ لَهُ عَطَاءٌ فَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَوْطَنَ الْبَصْرَةَ قَضَى عَلَى أَهْلِ

الْبَصْرَةِ بِالدِّيَةِ وَلَوْ كَانَ قَضَى بِهَا عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُمْ ، وَكَذَا الْبَدْوِيُّ إذْ أُلْحِقَ بِالدِّيوَانِ بَعْدَ الْقَتْلِ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ وَبَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَادِيَةِ لَا تَتَحَوَّلُ عَنْهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ثُمَّ جَعَلَهُمْ الْإِمَامُ فِي الْعَطَاءِ حَيْثُ تَصِيرُ الدِّيَةُ فِي عَطَائِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ قَضَى بِهَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَقْضَ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِهَا فِي أَمْوَالِهِمْ وَعَطَاؤُهُمْ أَمْوَالُهُمْ غَيْرَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ أَدَاءً وَالْأَدَاءُ مِنْ الْعَطَاءِ أَيْسَرُ إذَا صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُ الْعَطَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا قَضَى بِهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْإِبِلِ وَالْعَطَاءُ دَرَاهِمَ فَحِينَئِذٍ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى الدَّرَاهِمِ أَبَدًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لَكِنْ يَقْضِي بِالْإِبِلِ مِنْ مَالِ الْعَطَاءِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ .( قَوْلُهُ لَكِنَّ حِصَّةَ الْقَاتِلِ إلَخْ ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَوَّلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ا هـ .

قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنَّ الْقَاتِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ هُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَخَصَّ مِنْ بَعْضٍ بِذَلِكَ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ ، وَوَجْهُهَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْجَانِي وَهُوَ الْقَاتِلُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمُتْلَفِ وَالْإِتْلَافُ مِنْهُ إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُهَا تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ عَلَى مَا عُرِفَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ .

وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ يَعْقِلُهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ مِنْهَا دُونَ الْأَبِ فَإِذَا عَقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ قَضَى لَهُمْ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِكْذَابِ ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ الْأَبِ حَيْثُ بَطَلَ اللِّعَانُ بِالْإِكْذَابِ وَمَتَى ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ كَانَ ثَابِتًا مِنْهُ مِنْ الْأَصْلِ فَقَوْمُ الْأُمِّ تَحَمَّلُوا مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى قَوْمِ الْأَبِ فَيَرْجِعُونَ بِهَا عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ فِي ذَلِكَ ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَلَدٌ مُسْلِمٌ حُرٌّ فَلَمْ تُؤَدَّ كِتَابَتُهُ حَتَّى جَنَى ابْنُهُ جِنَايَةً وَعَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ أُمِّهِ ثُمَّ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَتَحَوَّلُ وَلَاؤُهُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ مِنْ وَقْتِ ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ لِلْأَبِ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ عَقَلُوا عَنْهُمْ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62