كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

كَفَالَةِ الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ وُجُوبُ مُطَالَبَتِهِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَفَائِدَةُ كَفَالَةِ الْعَبْدِ عَنْ مَوْلَاهُ تَعَلُّقُهُ بِرَقَبَتِهِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَرَادَ بِهِ إقْرَارَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ عِيَانًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ إلَّا فِي الْمُودَعِ الْمَحْجُورِ إذَا اسْتَهْلَكَهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا حَتَّى يَعْتِقَ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى يَعْتِقَ أَيْضًا فَهَذَا كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ فِي الْحُكْمِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَفِيلَ يُؤْخَذُ بِهِ حَالًّا ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ ، وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَانَ مَحْجُورًا وَأَوْدَعَهُ إنْسَانٌ فَاسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ حَتَّى يَعْتِقَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ ، وَهُوَ مَحْجُورٌ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِالْمَهْرِ حَتَّى يَعْتِقَ فَإِنْ كَفَلَ إنْسَانٌ بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ حَالًّا وَغَيْرَهُ فَهُوَ حَالٌّ أَمَّا صِحَّةُ الْكَفَالَةِ فَلِأَنَّ الْمَالَ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَصِيلِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُطَالَبْ الْأَصِيلُ فِي الْحَالِ لِعُسْرَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ لِصِحَّةِ سَبَبِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِهِ وَالْكَفِيلُ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ فَيُطَالَبُ حَالًّا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ عَنْ مُطَالَبَةِ الْعَبْدِ وَهُوَ الْعُسْرُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عَنْ غَائِبٍ حَيْثُ تَصِحُّ وَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِهِ حَالًّا وَإِنْ عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَقَعَتْ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ مَالًا أَيْ مَالًا غَيْرَ

وَاجِبٍ عَلَى الْعَبْدِ أَدَاؤُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ ا هـ قَوْلُهُ فَهُوَ حَالٌّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ ) يَعْنِي هُوَ حَالٌّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا ا هـ ( قَوْلُهُ كَمَا إذَا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ ) أَيْ بِأَنْ أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ ، وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَالَ حَالٌّ عَلَى الْعَبْدِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ ذِمَّتِهِ ) أَيْ وَعَدَمِ الْأَجَلِ فَكَيْفَ وَالْعِتْقُ لَا يَصْلُحُ أَجَلًا لِجَهَالَةِ وَقْتِ وُقُوعِهِ ، وَقَدْ لَا يَقَعُ أَصْلًا ا هـ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ ) أَيْ حَيْثُ يَصِحُّ وَيُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ حَالًّا وَإِنْ عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ مُفَلَّسٍ ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَلَّسَهُ الْقَاضِي حَيْثُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ حَالًّا لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَفِيلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَامَ مَقَامَ الطَّالِبِ ) أَيْ وَالطَّالِبُ مَا كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَا الْكَفِيلُ ا هـ ( قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَمَّا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ مِثْلِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَوْ كَانَ كَفَلَ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ الْمُعَايَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْعِتْقِ إذَا أَدَّى ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ غَيْرُ مُؤَخَّرٍ إلَى الْعِتْقِ فَيُطَالَبُ السَّيِّدُ بِتَسْلِيمِهِ رَقَبَتَهُ أَوْ الْقَضَاءَ عَنْهُ وَبَحَثَ أَهْلُ الدَّرْسِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الرُّجُوعِ الْأَمْرُ بِالْكَفَالَةِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ السَّيِّدِ وَقَوِيَ عِنْدِي كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ أَمْرَ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ ادَّعَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ ) أَيْ كَفَلَ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ رَجُلٌ ا هـ ( قَوْلُهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ، وَهَذَا إذَا كَفَلَ بِنَفْسِ الْعَبْدِ فَلَوْ كَفَلَ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ يَجِبُ

الضَّمَانُ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنْ مَاتَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عَنْ حُرٍّ فَمَاتَ الْحُرُّ مُفْلِسًا لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ عَنْ كَفَالَتِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَفَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ، فَلَا تَبْطُلُ بَعْدَ مَوْتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي الْأُولَى تَكَفَّلَ عَنْ ذِي الْيَدِ بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ ) فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ غَرِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَغَرِمَهَا الْكَفِيلُ أَيْضًا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَحْمِلُ الضَّمَانَ عَنْ الْغَيْرِ ، فَإِذَا وَجَبَ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْأَصِيلِ وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ ، وَقَدْ انْتَقِلْ الضَّمَانُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ إلَى الْقِيمَةِ فَيَنْتَقِلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ إلَخْ ) حَيْثُ يَقْضِي بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْكَفِيلَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَصَحِيحُهُ كَيْفَمَا كَانَتْ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا ا هـ ( قَوْلُهُ قُلْنَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ ) أَيْ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ، وَكَذَا الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا بِحَالٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَأَجَازَ ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْكَفَالَةَ فَأَدَّى الْكَفِيلُ شَيْئًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ا هـ قَاضِي خَانْ .

كِتَابُ الْحَوَالَةِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ التَّحْوِيلُ وَالنَّقْلُ وَمِنْهُ حَوَالَةُ الْغِرَاسِ نَقْلُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ هُوَ النَّقْلُ مُطْلَقًا عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ بِرِضَا الْمُحْتَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ ) وَهَذَا مِنْ شَرَائِطِهَا وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْقَبُولُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ } وَالْأَمْرُ بِالِاتِّبَاعِ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَلِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِالدُّيُونِ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَهُوَ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ وَهَذَا النَّقْلُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ النَّقْلُ الشَّرْعِيُّ فِي الثَّابِتِ شَرْعًا ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَحِسِّيٌّ ، فَلَا يَنْتَقِلُ بِالنَّقْلِ الْحُكْمِيِّ بَلْ النَّقْلِ الْحِسِّيِّ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ رِضَاهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الذِّمَمُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِيفَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُمَاطِلُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَفِّي نَاقِصًا وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ رِضَاهُ ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعَنِّفُ فِيهِ وَيَسْتَعْجِلُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَاهِلُ وَيُمْهِلُ وَيُسَامِحُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمُحِيلَ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ أَوْ لِيَسْقُطَ دَيْنُهُ وَنَظِيرُهَا الْكَفَالَةُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِدُونِ رِضَا الْمَكْفُولِ عَنْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَرِئَ الْمُحِيلُ بِالْقَبُولِ مِنْ

الدَّيْنِ ) وَهَذَا حُكْمُهَا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا التَّوَثُّقُ وَهُوَ بِازْدِيَادِ الْمُطَالَبَةِ كَالْكَفَالَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَبْرَأُ فِي الْكَفَالَةِ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالْحَوَالَةِ وَلَنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ فَمَعْنَى الْحَوَالَةِ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِفَرَاغِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَتَى انْتَقَلَ مِنْ ذِمَّةٍ لَا يَبْقَى فِيهَا وَالْكَفَالَةُ مَعْنَاهَا الضَّمُّ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُوجَبُهَا ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مَعَ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ ، وَالِاسْتِيثَاقُ فِيهَا بِالضَّمِّ وَفِي الْحَوَالَةِ بِاخْتِيَارِ مَنْ هُوَ الْأَمْلَأُ مِنْ الْمُحِيلِ وَأَحْسَنُ مِنْ الْمُحِيلِ فِي الْقَضَاءِ ، وَلَا يُقَالُ لَوْ بَرِئَ لَمَا أُجْبِرَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْقَبُولِ إذَا قَضَاهُ الْمُحِيلُ الدَّيْنَ كَمَا لَوْ قَضَاهُ الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَجْنَبِيُّ مُتَبَرِّعٌ وَالْمُحِيلُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهِ بِالتَّوَى فَلَمْ يَكُنْ أَجْنَبِيًّا إذْ قَصْدُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْبَرَاءَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْرَأُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ ، وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا إذَا أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحِيلَ مِنْ الدَّيْنِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ ، وَالثَّانِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَحَالَ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى إنْسَانٍ كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَجَّلَ الدَّيْنَ كَذَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَحَالَ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ بَطَلَ حَقُّهُ

فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ سَقَطَتْ ، وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا أَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ مُطَالَبَةٌ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى رَجُلٍ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بَاقِيَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُحِيلِ ، وَكَذَا إذَا أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بَاقِيَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ نَائِبُ الْمُحِيلِ فَصَارَ مُطَالَبَتُهُ كَمُطَالَبَةِ الْمُحِيلِ وَالْمُكَاتَبُ عَلَى عَكْسِ مَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ إذَا أَحَالَ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ يَعْتِقُ كَمَا تَثْبُتُ الْحَوَالَةُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ نَائِبًا عَنْ الْمُكَاتَبِ وَإِذَا أَحَالَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى حَقُّ مُطَالَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْمُكَاتَبِ مُعَلَّقَةٌ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَقَدْ بَرِئَتْ إذَا أَحَالَ الْمُكَاتَبُ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ ، وَأَمَّا إذَا أَحَالَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَا يَبْرَأُ ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِلْوَثِيقَةِ فَيَبْقَى مَا بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ وَيَبْطُلُ إذَا بَطَلَتْ ، وَكَذَا الْبَيْعُ اعْلَمْ أَنَّ إحَالَةَ الْمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ إنَّمَا تَجُوزُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ وَقَيَّدَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَكُونُ نَائِبًا عَنْ الْمُكَاتَبِ فِي الْقَبْضِ فَيَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ كَانَ لَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ نَقْلُ الدَّيْنِ إلَى الذِّمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَصَارَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَيْنَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُحِيلِ حُكْمًا ، فَلَوْ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَزِمَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ يَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ غَيْرَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُحِيلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَالْكَفَالَةِ ، وَإِنْ كَانَ

الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي أَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا قَيَّدَهَا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهَا تَبَرُّعٌ لَيْسَ الْمُكَاتَبُ مِنْ أَهْلِهِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ الْقِنُّ عَنْ مَوْلَاهُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا بِالتَّوَى ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّوَى ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُحِيلِ قَدْ بَرِئَتْ بَرَاءَةً مُطْلَقَةً بِالْحَوَالَةِ ، فَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّتِهِ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ ، وَغَاصِبُ الْغَاصِبِ إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْآخَرِ ، ثُمَّ بِالتَّوَى عِنْدَهُ لَا يَعُودُ الْحَقُّ عَلَى الْآخَرِ وَكَالْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَدِينَ فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ تَضْمِينِ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَبَيْنَ اتِّبَاعِ الْمُعْتِقِ ، فَإِنْ اخْتَارُوا أَحَدَهُمَا وَتَوَى مَا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْآخَرِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا فِي الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَقَالَ لَا تَوًى عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِهِ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الثَّانِي لَا مُجَرَّدُ الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ لَا تَخْتَلِفُ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ فِي الْإِيفَاءِ فَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ بَيْنَ النَّاسِ وَالْمَعْلُومُ كَالْمَشْرُوطِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَجِبُ الرُّجُوعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَسَلَامَتُهُ مِنْ الْعَيْبِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَوْ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ عِنْدَ فَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالْعِوَضِ لِمَا قُلْنَا وَهَذَا لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ خَلَفٌ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِإِحَالَتِهِ هُوَ فَإِذَا فَاتَ الْخَلَفُ

رَجَعَ بِالْأَصْلِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ يَخْلُفُ عَنْ الْآخَرِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ ابْتِدَاءً بِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ عِوَضَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحِيلَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ ، وَكَذَا الْمَوْلَى وَالْمُعْتَقُ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِخَلَفٍ عَنْ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ حَقَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَلَى أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا حَتَّى يَنْقُلَهُ إلَى الْآخَرِ فَافْتَرَقَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا ) أَيْ التَّوَى يَكُونُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَجْحَدَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُحِيلِ وَلَا لِلْمُحْتَالِ أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا عَيْنًا ، وَلَا دَيْنًا ، وَلَا كَفِيلًا ؛ لِأَنَّ التَّوَى هُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِهِمَا وَهَذَا إذَا ثَبَتَ مَوْتُهُ مُفْلِسًا بِتَصَادُقِهِمَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الْمُحْتَالُ مَاتَ مُفْلِسًا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ كَمَا إذَا كَانَ هُوَ حَيًّا وَأَنْكَرَ الْيُسْرَ وَلَوْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ بَعْدَ مَا حَبَسَهُ لَا يَكُونُ تَوًى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ تَوًى ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَخْذِ مِنْهُ بِتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ وَقَطْعِهِ عَنْ مُلَازَمَتِهِ عِنْدَهُمَا ، فَصَارَ كَعَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْجُحُودِ أَوْ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَتَعَذُّرُ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ بِغَيْبَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّوَى فِي الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا بِخُرُوجِ مَحَلِّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا صَالِحًا لِلْوُجُوبِ بِمَوْتِهِ مُعْدَمًا أَوْ بِالْجُحُودِ وَلِأَنَّ

الْإِفْلَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ يُمْسِي الْإِنْسَانُ فَقِيرًا وَيُصْبِحُ غَنِيًّا وَبِالْعَكْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْتَغْنَى فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِأَنْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ يَرِثُهُ وَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ جَرَحَ الْخَصْمُ الشُّهُودَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ لِاحْتِمَالِ تَوْبَتِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْإِفْلَاسِ وَعَدَمِهِ ، وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ رَهْنًا رَهَنَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَسَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ لَمْ يُسَلِّطْهُ يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا إذْ لَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ وَالرَّهْنُ بِدَيْنٍ ، وَلَا دَيْنَ مُحَالٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ كَفِيلًا بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ خَلَفٌ عَنْهُ .

كِتَابُ الْحَوَالَةِ } ( قَوْلُهُ وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْقَبُولُ ) أَيْ قَبُولُ الْمُحْتَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَفَالَةِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ رَجُلٌ الْحَالَّةَ لِلْغَائِبِ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ إذَا بَلَغَهُ ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَحَالَ عَلَى غَائِبٍ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ صَحَّتْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مِنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ } ) رَوَاهُ فِي الْهِدَايَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا اتَّبَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا بِلَفْظِ أُحِيلَ مَعَ لَفْظِهِ يَتْبَعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَمِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْوَسَطِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ قِيلَ وَقَدْ يُرْوَى فَإِذَا أُحِيلَ بِالْفَاءِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاتِّبَاعِ لِلْمُلَاءَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمًا ، فَإِذَا أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظُّلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ وَعَنْ أَحْمَدَ لِلْوُجُوبِ ، وَالْحَقُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرُ إبَاحَةٍ هُوَ دَلِيلُ نَقْلِ الدَّيْنِ شَرْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةُ فَإِنَّ بَعْضَ الْأَمْلِيَاءِ عِنْدَهُ مِنْ اللَّدَدِ فِي الْخُصُومَةِ وَالتَّعْسِيرِ مَا تَكْثُرُ بِهِ الْخُصُومَةُ وَالْمَضَارَّةُ ا هـ فَمَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ هَذَا لَا يَطْلُبُ الشَّارِعُ اتِّبَاعَهُ بَلْ عَدَمَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْخُصُومَاتِ

وَالظُّلْمِ ، وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ مِنْهُ الْمُلَاءَةُ وَحُسْنُ الْقَضَاءِ ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ اتِّبَاعَهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى الْمَدْيُونِ وَالتَّيْسِيرِ وَمِنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَمُبَاحٌ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ إضَافَةُ هَذَا التَّفْصِيلِ إلَى النَّصِّ ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ لِلَفْظِ الْأَمْرِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ فَإِنْ جُعِلَ لِلْأَقْرَبِ أُضْمِرَ مَعَهُ الْقَيْدُ وَإِلَّا فَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَازِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِهَا ا هـ فَتْح ( قَوْلُهُ وَهُوَ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ ) أَيْ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ، فَلَا يَتَأَتَّى نَقْلُهَا مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَلَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ فِي الْعَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَحِسِّيٌّ إلَخْ ) وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَوْصَافَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ لِأَنَّا نَقُولُ أَحْكَامُ الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَاهِرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ ا هـ مُسْتَصْفَى ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ ) ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَهُوَ أَيْ الْمُحِيلُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ عَاجِلًا بِانْدِفَاعِ الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ عَنْهُ فِي الْحَالِ وَآجِلًا بَعْدَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِأَمْرِهِ وَحَيْثُ ثَبَتَتْ الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَانَ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْرَأُ ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ أَيْضًا ا هـ فَتْحٌ بِمَعْنَاهُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهِ بِالتَّوَى ) أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْتَقَلَ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ، فَإِذَا تَوَى يَرْجِعُ فَلَمْ يَكُنْ الْمُحِيلُ مُتَبَرِّعًا فِي الْقَضَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْبَرَاءَةِ ) أَيْ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْرَأُ عَنْ

الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَرِئَ الْمُحِيلُ بِالْقَبُولِ مِنْ الدَّيْنِ ) اخْتِيَارًا لِمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَإِذَا بَرِئَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ الدَّيْنِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ أَيْضًا عِنْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِبَرَاءَتِهِ مِنْهُمَا الشَّارِحُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ ) أَيْ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ دَيْنُ الْمُحْتَالِ وَتَمْتَنِعُ مُطَالَبَتُهُ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ا هـ ( قَوْلُهُ كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ ) سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَاَلَّذِي يَأْتِي هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ا هـ { فَرْعٌ } قَالَ فِي السِّرَاجِيَّةِ رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ بِمَالٍ فَأَحَالَ الْغَرِيمَ بِالْمَالِ عَلَى رَجُلٍ فَلِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْبِضَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمُرْتَهِنُ لَوْ أَحَالَ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الرَّهْنِ ا هـ تَتَارْخَانْ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَهُوَ أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ التَّوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَمُوتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا وَلَا يَتْرُكَ مَالًا مُعَيَّنًا وَلَا دَيْنًا وَلَا كَفِيلًا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحْتَالِ لَهُ ، وَالثَّانِي أَنْ يَجْحَدَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ وَلَمْ يَكُنْ الْمُحْتَالُ لَهُ بَيِّنَةً وَحَلَفَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَقَدْ بَرِئَ وَعَادَ الْمَالُ إلَى الْمُحِيلِ وَلَا يَكُونُ التَّوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَعِنْدَهُمَا التَّوَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : وَجْهَانِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَمَّا إذَا جَحَدَ الْمَالَ وَحَلَفَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُطَالَبَتِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَقَدْ تَوَى الْحَقَّ ، وَكَذَا إذَا مَاتَ

مُفْلِسًا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ ذِمَّةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَقُّ وَلَا تَرِكَةٌ فَسَقَطَ الْحَقُّ عَنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ لِلْمُحْتَالِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ كَانَتْ بَرَاءَةَ نَقْلٍ وَاسْتِيفَاءٍ لَا بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ فَلَمَّا تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ وَجَبَ الرُّجُوعُ ، وَأَمَّا تَفْلِيسُ الْقَاضِي بِالشُّهُودِ حَالَ حَيَاةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَذَاكَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا ؟ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى ذَلِكَ وَهُمَا يَرَيَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَجْزٌ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَجْزٌ يُتَوَهَّمُ ارْتِفَاعُهُ بِحُدُوثِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحُ ، فَلَا يَعُودُ إلَى الْمُحِيلِ كَمَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ عَجْزٌ لَا يُتَوَهَّمُ ارْتِفَاعُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ إلَخْ ) كَذَا فِي الشَّافِي وَالْمَبْسُوطِ وَفِي شَرْحِ النَّاصِحِيِّ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ مَعَ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ لِإِنْكَارِهِ عَوْدَ الدَّيْنِ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ رَهْنًا رَهَنَهُ غَيْرُهُ ) أَيْ رَهَنَهُ غَيْرُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُحْتَالِ ثُمَّ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا يَبْطُلُ حُكْمُ الدَّيْنِ فِي الدُّنْيَا فَيَبْطُلُ الرَّهْنُ بِهِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَلَا دَيْنَ مُحَالٌ أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ مِلْكَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَأْتِي مَا قَالَهُ مِنْ مَوْتِهِ مُفْلِسًا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ فَقَالَ الْمُحِيلُ أَحَلْت بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك ضَمِنَ الْمُحِيلُ مِثْلَ الدَّيْنِ ) أَيْ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ قَدْ تَحَقَّقَ بِإِقْرَارِ الْمُحِيلِ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ ، وَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالْحَوَالَةِ إقْرَارًا مِنْهُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ ، وَلَا قَبُولُهُ الْحَوَالَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ قَدْ تَكُونُ مُطْلَقَةً وَقَدْ تَكُونُ مُقَيَّدَةً بِمَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بَلْ حَقِيقَةُ الْحَوَالَةِ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً إذْ الْمُقَيَّدَةُ تَوْكِيلٌ بِالْأَدَاءِ وَالْقَبْضِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ الْمُحِيلُ لِلْمُحْتَالِ أَحَلْتُك لِتَقْبِضَهُ لِي فَقَالَ الْمُحْتَالُ أَحَلْتَنِي بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ ) لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ ، وَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمُحِيلِ بِالْحَوَالَةِ وَإِقْدَامُهُ عَلَيْهَا إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا لِلْمُحْتَالِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَوَالَةِ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَكَالَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ دُيُونًا وَامْتَنَعَ الْمُضَارِبُ عَنْ التَّقَاضِي وَلَيْسَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَا يُجْبَرُ ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ أَحِلْ رَبَّ الْمَالِ أَيْ وَكِّلْهُ فَإِذَا احْتَمَلَ التَّوْكِيلَ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَعْوَاهُ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ إذْ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ الذِّمَمِ هُوَ الْأَصْلُ ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الدَّيْنَ عَلَى الْمُحِيلِ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَالٍ لَهُ بَاعَهُ الْمُحِيلُ لَهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ مِنْهُ وَادَّعَى أَنَّ الدَّيْنَ

لَهُ وَوَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا إذَا أَنْكَرَ الْمُحِيلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ وَالْإِنْسَانُ يَتَصَرَّفُ ظَاهِرًا لِنَفْسِهِ لَا يُسْمَعُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ كَانَ لَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَحَالَ بِمَالِهِ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً صَحَّتْ ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ دَرَاهِمُ عِنْدَ شَخْصٍ فَأَحَالَ بِهَا غَرِيمَهُ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْجَوَازِ ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُقَيَّدَةٌ بِهَا إذْ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّسْلِيمَ إلَّا مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمَغْصُوبِ حَيْثُ لَا يَبْرَأُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْقِيمَةَ وَالْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ لَا إلَى خَلَفٍ بِأَنْ اسْتَحَقَّ بِالْبَيِّنَةِ صَارَ مِثْلَ الْوَدِيعَةِ وَقَدْ تَكُونُ مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ : مُقَيَّدَةٌ وَمُطْلَقَةٌ فَالْمُقَيَّدَةُ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِ وَالْمُطْلَقَةُ أَنْ يُرْسِلَ الْحَوَالَةَ إرْسَالًا ، وَلَا يُقَيِّدَهَا بِشَيْءٍ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ يُحِيلَهُ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا وَالْكُلُّ جَائِزٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ أُمُورًا جَائِزَةً عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَهِيَ تَبَرُّعُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ فِي ذِمَّتِهِ وَالْإِيفَاءِ وَتَوْكِيلِ الْمُحْتَالِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَأَمْرِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ إلَى الْمُحْتَالِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ، وَحُكْمُ الْمُطْلَقَةِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ حَقُّ الْمُحِيلِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ ، وَلَكِنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ يَرْجِعُ

عَلَى الْمُحِيلِ بَعْدَ أَدَائِهِ إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِرِضَاهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ إذَا لُوزِمَ وَيَحْبِسَهُ إذَا حُبِسَ حَتَّى يُخَلِّصَهُ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْمُحِيلِ كَانَ مُؤَجَّلًا فِي حَقِّ الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ الدَّيْنُ حَالًّا بِمَوْتِ الْمُحِيلِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ وَصَارَ أَجْنَبِيًّا وَيَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ كَانَ حَقَّهُ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَحُكْمُ الْمُقَيَّدَةِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا أَحَالَ بِهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ ، وَلَوْ مَلَكَ الْمُطَالَبَةَ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُحْتَالِ ، وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّهِ بِالْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ بَلْ تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، فَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِأَخْذِ مَا عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ فَكَذَا بِأَخْذِهِ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا ، فَلَوْ أَخَذَ لَبَطَلَ حَقُّهُ ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ أَخَذَ الْمُحِيلُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَبْرَأَ الرَّاهِنُ يَرْجِعُ بِرَهْنِهِ وَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ ، وَكَذَا إذَا وَرِثَهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ كَانَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ الْمُحْتَالُ بِهِمَا بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُحْتَالُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَالْمُحِيلُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَخْذُهُ فَصَارَ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ ، فَلَا تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُ وَلَئِنْ كَانَ

مِلْكُهُ ثَابِتًا فَتَعَلُّقُ حَقِّ الْمُحْتَالِ سَابِقٌ فَصَارَ كَالْمَرْهُونِ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ سَابِقًا عَلَى حَقِّهِمْ وَكَدِينِ الصِّحَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ لِمَا قُلْنَا وَلَنَا أَنَّ هَذَا مَالُ الْمُحِيلِ لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ فَيَكُونُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُحْتَالُ ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ لَكِنْ بِالْحَوَالَةِ وَجَبَ لِلْمُحْتَالِ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَعَ بَقَاءِ دَيْنِ الْمُحِيلِ وَلِهَذَا لَوْ تَوَى مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ يَتْوَى عَلَى الْمُحِيلِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ أَيْضًا يَدُ الِاسْتِيفَاءِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ عَلَى مَا فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ لَا يُتَصَوَّرُ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ أَنْ يَأْخُذَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْ الْحَوَالَةَ إلَّا لِيَتَمَلَّكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ لِيُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ، فَلَوْ أَخَذَهُ يَفُوتُ الرِّضَا فَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ هُوَ أَحَقَّ بِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُحْتَالِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ تَحَوَّلَ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، فَلَا يُزَاحِمُ غُرَمَاءَ الْمُحِيلِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُطْلَقَةً وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ الْمَالِ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَالَ فَاتَ الرِّضَا بِالْحَوَالَةِ فَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ فَيَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْحَوَالَةِ وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً ؛ لِأَنَّ الْمُحِيلَ بِالْحَوَالَةِ بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ وَصَارَ الْمُحْتَالُ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ لَهُ حَقٌّ بِمَالِهِ ، فَلَا يُزَاحِمُ غُرَمَاءَ الْمُحِيلِ وَإِذَا قَسَمَ

الدَّيْنَ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ لَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ بِحِصَّةِ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ صَارَ مُسْتَحَقًّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الرَّهْنَ ، وَلَا بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ بَعْدَ الْمُحَاصَّةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ تَاوِيًا ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ ) أَيْ إذَا أَرَادَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى الْمُحْتَالِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى إلَى الْمُحِيلِ فَقَالَ الْمُحِيلُ لَيْسَ لَك أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ لِأَنِّي كُنْت أَحَلْت عَلَيْك بِدَيْنِي فَقَالَ الْمُحْتَال عَلَيْهِ بَلْ لِي أَنْ أَرْجِعَ عَلَيْك لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ ) أَيْ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الدَّيْنُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ ) أَيْ الْمُحْتَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ ) أَيْ لِتَيَسُّرِ مَا يَقْضِي بِهِ وَحُضُورِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ ) أَيْ بِمَوْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً رَجَعَ الطَّالِبُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَى أَجَلِهِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ أَخَذَ الْمُحِيلُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ ) وَقَدْ قَالُوا لَوْ أَحَالَ رَجُلٌ رَجُلًا بِمَالٍ ثُمَّ إنَّ الْمُحِيلَ نَقَدَ الْمَالَ الَّذِي أَحَالَهُ بِهِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فِيمَا نَقَدَ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ عِنْدَنَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَإِنْ بَرِئَ فِي الظَّاهِرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّجُوعَ مُتَرَقَّبٌ فَهُوَ بِالْقَضَاءِ يَقْصِدُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُتَبَرِّعًا كَالْوَارِثِ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ إذَا أَدَّى الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ حَقًّا بِالْأَدَاءِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا قَالُوا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ أَحَالَ صَاحِبَ الْمَالِ عَلَى رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَوَالَةً مُطْلَقَةً وَلَمْ يَقُلْ أَحَلْتُهُ عَلَيْك بِمَالِي عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ مَا لِي عَلَيْك فَقَبِلَ فَعَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَلْفَانِ : أَلْفُ

الْمُحِيلِ وَأَلْفُ الْمُحْتَالِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُطَالِبَ بِأَلْفٍ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْحَوَالَةِ لَا تَقِفُ عَلَى ثُبُوتِ مَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الْحَوَالَةُ بِنَفْسِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهَا بِهِ ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ فَبَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَحَالَهُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ وَفِي يَدِهِ أَلْفٌ وَدِيعَةٌ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهَا كَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا وَإِذَا أَدَّى الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمَالَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ الْمُحْتَالُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ رَجَعَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى الْمُحِيلِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ ، فَإِذَا ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْأَدَاءِ فَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَمْلِكُهُ بِهَا ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ بَرِئَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إسْقَاطٌ وَلَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ وَمَتَى لَمْ يَمْلِكْ مَا فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَرْجِعْ ا هـ أَقْطَعُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا وَرِثَهُ ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَنْعَكِسُ الْجَوَابُ فَفِي الْهِبَةِ وَالْإِرْثِ يَرْجِعُ وَفِي الْإِبْرَاءِ لَا يَرْجِعُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ ) أَيْ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُحْتَالُ دَيْنَ الْحَوَالَةِ فَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ ا هـ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ السَّفَاتِجُ ) وَهُوَ قَرْضٌ اسْتَفَادَ بِهِ الْمُقْرِضُ أَمْنَ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقْرِضَ مَالَهُ إذَا خَافَ عَلَيْهِ الْفَوَاتَ لِيُرَدَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْأَمْنِ وَهُوَ تَعْرِيبُ سفته وَسَفَّتْهُ شَيْءٌ مُحْكَمٌ وَسُمِّيَ هَذَا الْقَرْضُ بِهِ لِإِحْكَامِ أَمْرِهِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا } وَقِيلَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً ، فَلَا بَأْسَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ السَّفَاتِجُ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى السَّفْتَجُ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْقَرْضِ فَهُوَ حَرَامٌ وَالْقَرْضُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا جَازَ وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهَا إلَى بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَقْرَضَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَكَتَبَ كَانَ هَذَا جَائِزًا ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ اُكْتُبْ لِي سَفْتَجَةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا عَلَى أَنْ أُعْطِيَك هُنَا ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَقَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَسَفَاتِجُ التُّجَّارِ مَكْرُوهَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِإِسْقَاطِ خَطَرِ الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يُقْرِضَ مُطْلَقًا ثُمَّ يَكْتُبَ السَّفْتَجَةَ ، فَلَا بَأْسَ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ كُلِّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا } و لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ ، فَإِذَا شَرَطَ فِي بَلَدٍ أَنْ يَدْفَعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ صَارَ فِي حُكْمِ التَّأْجِيلِ وَالتَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الدَّفْعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا لَا يُكْرَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا أَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ فِي الدُّيُونِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ نُورِ الدِّينِ الْكُرْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا أَوْرَدَهَا فِي الْحَوَالَةِ لِأَنَّهُ أَحَالَ الْخَطَرَ الْمُتَوَقَّعَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ فِي مَعْنَى الْحَوَالَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً ، فَلَا بَأْسَ بِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ ، ثُمَّ قَالُوا إنَّمَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ لِذَلِكَ ، فَلَا وَاَلَّذِي يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ فِي ظِلِّ جِدَارِ غَرِيمِهِ ، فَلَا أَصْلَ لَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ

انْتِفَاعًا بِمِلْكِهِ كَيْفَ وَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَلَا مُتَعَارَفًا ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ فِي الدُّيُونِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا نَصُّهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ أَحْسَنَ مِمَّا عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا ا هـ كَمَالٌ .

( كِتَابُ الْقَضَاءِ ) الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ الْإِتْقَانُ وَالْإِحْكَامُ قَالَ قَائِلُهُمْ وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاوُد أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعُ أَيْ أَحْكَمَ صَنْعَتَهَا وَهُوَ فِي الشَّرْعِ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ وَبِهِ أُمِرَ كُلُّ نَبِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ } وَقَالَ تَعَالَى { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } وَالْحَاكِمُ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فِي إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ وَإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ الْعِبَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ يَمِيلُ إلَيْهَا كُلُّ لَبِيبٍ وَمَحَاسِنُهُ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَسَدَ الْبِلَادُ وَالْعِبَادُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَثْبُت بِهِ الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ الشَّاهِدِ بِشَهَادَتِهِ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ ، وَالْحَاكِمُ بِحُكْمِهِ يُلْزِمُ الْخَصْمَ وَمَنْ صَلُحَ شَاهِدًا صَلُحَ قَاضِيًا فَكَانَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَيُسْتَفَادُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ كَمَا هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّدَ ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ ، لَا يَنْعَزِلُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ ؛ وَإِذَا أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا ) وَكَذَا لَوْ قَضَى بِالرِّشْوَةِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ ، وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا دُونَهَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا أَبَقَ يَنْعَزِلُ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَهُوَ آبِقٌ جَازَ ، وَعَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْفَاسِقَ

لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ وَأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ ، وَكَذَا الِاجْتِهَادُ حَتَّى لَوْ وَلِيَ الْجَاهِلُ الْقَضَاءَ صَحَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا عَدْلًا مَأْمُونًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ } الْحَدِيثَ فَفَسَّرَ الْقَاضِيَيْنِ أَحَدَهُمَا جَاهِلٌ يَحْكُمُ بِالْجَهْلِ وَالْآخَرُ عَالِمٌ يَحْكُمُ بِالْجَوْرِ وَالثَّالِثُ الْعَالِمُ الْعَادِلُ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ وَالْجَاهِلُ عَاجِزٌ عَنْهُ ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَالْفَاسِقُ غَيْرُ مَأْمُونٍ ، فَلَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَمَّاهُ قَاضِيًا ، وَلَوْلَا أَنَّ التَّوْلِيَةَ تَصِحُّ لَمَا سَمَّاهُ قَاضِيًا وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجَازُوا حُكْمَ مَنْ تَغَلَّبَ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَجَارَ وَتَقَلَّدُوا مِنْهُ الْأَعْمَالَ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ ، وَلَوْلَا أَنَّ تَوْلِيَتَهُ صَحِيحَةٌ لَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا وَقِيلَ لَا ) يَصْلُحُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ حَذَارِ النِّسْبَةِ إلَى الْخَطَأِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ فَظًّا غَلِيظًا جَبَّارًا عَنِيدًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَفَهْمِهِ وَعِلْمِهِ بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَوُجُوهِ الْفِقْهِ ) وَيَكُونُ شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ دَفْعُ الْفَسَادِ وَإِيصَالُ الْحُقُوقِ إلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَإِقَامَةِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَقْوَى وَاجِبٍ عَلَيْهِمْ فَكُلُّ مَنْ

كَانَ أَعْرَفَ وَأَقْدَرَ وَأَوْجَهَ وَأَهْيَبَ وَأَصْبَرَ عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّاسِ كَانَ أَوْلَى وَيَنْبَغِي لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَفَحَّصَ فِي ذَلِكَ وَيُوَلِّي مَنْ هُوَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ ) لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الِاجْتِهَادِ قِيلَ أَنْ يَعْلَمَ الْكِتَابَ بِمَعَانِيهِ وَالسُّنَّةَ بِطُرُقِهَا وَالْمُرَادُ بِعِلْمِهِمَا عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْهُمَا وَمَعْرِفَةُ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ لِيُمْكِنَهُ اسْتِخْرَاجُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَاسْتِنْبَاطُهَا مِنْ أَدِلَّتِهَا بِطَرِيقِهَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْفُرُوعِ الَّتِي اسْتَخْرَجَهَا الْمُجْتَهِدُونَ بِآرَائِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْفُرُوعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى اجْتِهَادِ السَّلَفِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ حَفِظَ الْمَبْسُوطَ وَمَذْهَبَ الْمُتَقَدِّمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ حَدِيثٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ لِيَعْرِفَ مَعَانِيَ الْآثَارِ أَوْ صَاحِبَ فِقْهٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْحَدِيثِ كَيْ لَا يَشْتَغِلَ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ قَرِيحَةٍ يَعْرِفُ بِهَا عَادَاتِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ تُبْتَنَى عَلَيْهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُفْتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَكَذَا ) يَعْنِي فِي الْعِلْمِ وَالْأَمَانَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْمَقْصُودِ وَأَبْعَدُ مِنْ الْغَلَطِ وَأَكْثَرُ اهْتِمَامًا فِي دِينِهِ عِنْدَ تَجَدُّدِ الْحَوَادِثِ فَيَكُونُ كَلَامُهُ أَوْثَقَ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ التَّقَلُّدُ لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ ) أَيْ الظُّلْمَ كَيْ لَا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى مُبَاشَرَةِ

الظُّلْمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَمِنَهُ لَا ) أَيْ إنْ أَمِنَ الظُّلْمَ لَا يُكْرَهُ التَّقَلُّدُ لِأَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاءَهُمْ تَقَلَّدُوهُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَسْأَلُ الْقَضَاءَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ السَّمَاءِ يُسَدِّدُهُ و لِأَنَّ مَنْ طَلَبَهُ يَعْتَمِدُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُحْرَمُ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ عَلَى رَبِّهِ فَيُلْهَمُ } وَكَرِهَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْقَضَاءِ مُخْتَارًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ } وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِأَعْوَانٍ وَقَدْ لَا يُعِينُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ مَنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلْعِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً تُرْجَى لَهُ النُّبُوَّةُ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ أَيِسُوا مِنْ نُبُوَّتِهِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَسْقَطَةٌ ، وَإِنْ تَعَيَّنَ هُوَ لِلْقَضَاءِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيْرُهُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعًا لِظُلْمِ الظَّالِمِينَ .

( كِتَابُ الْقَضَاءِ ) ( قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَوْ صَنَعَ ) امْرَأَةٌ صَنَاعُ الْيَدَيْنِ أَيْ حَاذِقَةٌ مَاهِرَةٌ بِعَمَلِ الْيَدَيْنِ وَامْرَأَتَانِ صَنَاعَانِ وَنِسْوَةٌ صُنُعٌ مِثْلُ قَذَالٍ وَقُذُلٍ وَرَجُلٌ صِنْعُ الْيَدَيْنِ وَصِنْعُ الْيَدَيْنِ أَيْضًا بِالْكَسْرِ أَيْ صَانِعٌ حَاذِقٌ ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ صَنَعٌ بِالتَّحْرِيكِ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاوُد أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْمَعِيِّ وَيُرْوَى أَوْ صِنْعُ السَّوَابِغِ ا هـ صِحَاحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى تَجْتَمِعَ فِي الْمَوْلَى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ شَرَائِطَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَدَالَةِ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وِلَايَةٌ كَالشَّهَادَةِ بَلْ الْقَضَاءُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَلَمَّا اشْتَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الصِّفَاتِ كَانَ اشْتِرَاطُهَا فِي الْقَضَاءِ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ كَمَا هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّدَ ) أَيْ كَمَا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ ، وَلَوْ قَبِلَ جَازَتْ عِنْدَنَا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَضَى بِالرِّشْوَةِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى ) ذَكَرَ الْأُسْرُوشِنِيُّ إذَا ارْتَشَى الْقَاضِي وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى وَيَنْفُذُ فِيمَا لَمْ يَرْتَشِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّهُ يَنْفُذُ فِيمَا ارْتَشَى أَيْضًا وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ قَضَايَاهُ فِيمَا ارْتَشَى وَفِيمَا لَمْ يَرْتَشِ بَاطِلَةٌ وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَإِنْ ارْتَشَى وَلَدُ الْقَاضِي أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ فَهُوَ وَمَا لَوْ ارْتَشَى الْقَاضِي سَوَاءٌ وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ مَرْدُودًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِ

الْقَاضِي نَفَذَ وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَشِي رَدَّ مَا قَبَضَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْلِيدِ الْفَاسِقِ الْقَضَاءَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحَّ التَّقْلِيدُ وَلَا يَنْعَزِلَ بِالْفِسْقِ ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إلَّا إذَا شُرِطَ فِي التَّقْلِيدِ أَنَّهُ مَتَى جَارَ يَنْعَزِلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَنْعَزِلُ وَالْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا مَعَ الْفِسْقِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ بِلَا خِلَافٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فِي آخَرِ أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ كِتَابِ الْأَجْنَاسِ الْفَقِيهُ إذَا كَانَ فَاسِقًا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْتَى مِنْهُ فِيهِ كَلَامٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ فِي نَوَادِرِهِ سَمِعْت بِشْرَ بْنَ غَيَّاثٍ يَقُولُ أَرَى الْحَجْرَ عَلَى ثَلَاثَةٍ : فَقِيهٍ فَاسِقٍ وَطَبِيبٍ جَاهِلٍ وَمُكَارٍ مُفْلِسٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ فِي قَوْلِ نَفْسِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مِنْ الْفَقِيهِ الْفَاسِقِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُخَطِّئَهُ الْفُقَهَاءُ فَيُجِيبُ بِمَا هُوَ الصَّوَابُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ فَظًّا ) أَيْ جَافِيًا ا هـ ( قَوْلُهُ غَلِيظًا ) أَيْ شَدِيدًا فِي الْكَلَامِ مُتَفَاحِشًا ا هـ ( قَوْلُهُ جَبَّارًا ) أَيْ مُتَكَبِّرًا مُقْبِلًا بِغَضَبٍ ا هـ ( قَوْلُهُ عَنِيدًا ) أَيْ مُعَانِدًا عَنِيفًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ دَفْعُ الْفَسَادِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِعَيْنِهَا فَسَادٌ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِعِلْمِهِمَا عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِجَمِيعِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَيْ لَا يَشْتَغِلَ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَنْصُوصِ إلَخْ ) وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ

الْعِبَارَتَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ مُشْتَهِرٌ بِالْحَدِيثِ وَلَهُ فِقْهٌ أَيْضًا ، وَالثَّانِي مُشْتَهِرٌ بِالْفِقْهِ وَلَهُ بَصَرٌ بِالْحَدِيثِ أَيْضًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ بِتَخْفِيفِ الْكَافِ أَيْ فُوِّضَ أَمْرُهُ إلَيْهَا وَمَنْ فُوِّضَ أَمْرُهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ مَخْذُولًا غَيْرَ مُرْشَدٍ لِلصَّوَابِ لِكَوْنِ النَّفْسِ أَمَارَةً بِالسُّوءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَدْ لَا يُعِينُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الدُّخُولَ فِيهِ رُخْصَةٌ طَمَعًا فِي إقَامَةِ الْعَدْلِ وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ فَلَعَلَّهُ يُخْطِئُ ظَنُّهُ ، فَلَا يُوَفَّقُ لَهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ فِي نَوْبَةِ عَلِيٍّ وَكَانَ الْحَقُّ بِيَدِ عَلِيٍّ يَوْمئِذٍ وَقَدْ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ تَقَلَّدُوهُ مِنْ الْحَجَّاجِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ تَقَلَّدَ يَسْأَلُ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ وَهُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالْمَحَاضِرُ وَغَيْرِهِمَا ) مِنْ الصُّكُوكِ وَنَصْبِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْقُيَمَاءِ فِي الْأَوْقَافِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ لِأَنَّ الدِّيوَانَ وُضِعَ لِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَيُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ نُسْخَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي يَدِهِ لِاحْتِمَالِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَالْأُخْرَى فِي يَدِ الْخَصْمِ وَمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأَوْرَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا إلَى الْجَدِيدِ لِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ فِي يَدِ الْأَوَّلِ لِعَمَلِهِ وَقَدْ انْتَقَلَ الْعَمَلُ إلَى غَيْرِهِ ، فَلَا مَعْنَى لِتَرْكِهَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ أَوْ مِنْ مَالِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَ وَضَعُوهَا فِي يَدِهِ لِعَمَلِهِ ، وَكَذَا الْقَاضِي يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَيَبْعَثُ عَدْلَيْنِ مِنْ أُمَنَائِهِ أَوْ عَدْلًا وَاحِدًا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ لِيَقْبِضَا دِيوَانَ الْمَعْزُولِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ شَيْئًا فَشَيْئًا ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نُسَخِ السِّجِلَّاتِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ نَصْبِ الْأَوْصِيَاءِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى

يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ مِنْ تَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ مِنْ نُسَخِ قُيَمَاءِ الْأَوْقَافِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ الصُّكُوكِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النُّسَخَ كَانَتْ تَحْتَ تَصَرُّفِ الْمَعْزُولِ ، فَلَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى نُسْخَةٍ مِنْهَا فَأَمَّا الْجَدِيدُ فَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يُجْمَعْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا فِي خَرِيطَةٍ وَبِالْجَمْعِ يَسْهُلُ وَإِنَّمَا يَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ حُجَّةً لِيَنْكَشِفَ عَنْهُمَا مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمَا فَإِذَا قَبَضَا ذَلِكَ خَتَمَا عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّغْيِيرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ ) أَيْ الْقَاضِي الْجَدِيدُ يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ ( فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَلْزَمَهُ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا وَشَهَادَةُ الْفَرْضِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَا سِيَّمَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَادَّعَى أَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا لَا يُعَجَّلُ بِتَخْلِيَتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا نَادَى عَلَيْهِ ) أَيْ إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يُقِرَّ هُوَ نَادَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ حَبَسَهُ بِحَقٍّ ظَاهِرٍ ، فَلَا يُعَجَّلُ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ حَالُهُ وَيُنَادَى عَلَيْهِ إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ أَيَّامًا وَيَقُولُ الْمُنَادِي مَنْ كَانَ يُطَالِبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، فَإِنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَفِي رَأْيِ الْقَاضِي أَنْ يُطْلِقَهُ ، فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ فِيهَا وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا وَأَطْلَقَهُ ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَبَيْنَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْوَرَثَةِ كَفِيلٌ إذَا أَرَادُوا

الْقِسْمَةَ عِنْدَهُ أَنَّ الْوَرَثَةَ ظَهَرَ حَقُّهُمْ فِي الْمَالِ ، فَلَا يُؤَخَّرُ إلَى التَّكْفِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْهُومٌ ، فَلَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْبِسُهُ إلَّا بِحَقٍّ ظَاهِرٍ وَاحْتِمَالُ حَبْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَوْهُومٌ ، فَلَا يُعَارِضُ الظَّاهِرَ وَهَذَا لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْإِقْرَارِ إقْرَارُ مَنْ فِي يَدِهِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ الْتَحَقَ بِالرَّعَايَا ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الَّذِي فِي يَدِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ مُودِعُ الْقَاضِي وَيَدُ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ إلَّا إذَا بَدَأَ صَاحِبُ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيُسَلِّمُ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ أَوْ يُنْكِرَ التَّسْلِيمَ فَحُكْمُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ يُقِرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْقَاضِي ، وَالرَّابِعُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولَ لَا

أَدْرِي لِمَنْ هُوَ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ ) وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ يَجْلِسُ لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجَسٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } ، وَالْحَائِضُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ دُخُولِهِ وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ لَا لِلْخُصُومَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمِ } { وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَفْصِلُ الْخُصُومَاتِ فِي مُعْتَكَفِهِ } وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَجْلِسُونَ لِلْحُكْمِ فِي الْمَسَاجِدِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ عِبَادَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي الْمَسْجِدِ كَالصَّلَوَاتِ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الِاشْتِبَاهِ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَبَعْضِ الْمُقِيمِينَ وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ فِي حَقِّ الْقَاضِي فَكَانَ أَوْلَى وَلَيْسَ فِي بَدَنِ الْمُشْرِكِ نَجَاسَةٌ تُلَوِّثُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِهِ وَالْحَائِضُ تُخْبِرُ بِحَالِهَا ؛ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَيَخْرُجُ لَهَا الْقَاضِي كَمَا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ عَلَى الدَّابَّةِ فَالْجَامِعُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ وَأَسْهَلُ عَلَى النَّاسِ إذَا كَانَ وَسَطَ الْبَلَدِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرَفِ يَخْتَارُ مَسْجِدًا آخَرَ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ فِي دَارِهِ ) لِأَنَّ الْحُكْمَ عِبَادَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ فَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ فِي مَنْزِلِهِ أَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ وَإِلَّا فَلْيَقْعُدْ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجُلُوسَ لِلْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ وَلَيْسَ

فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا بَوَّابٌ أَفْضَلَ ، وَلَوْ حَكَمَ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ جَازَ ، وَلَا يَحْكُمُ وَهُوَ مَاشٍ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَجْتَمِعُ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالْمَشْيِ ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْعُدَ فِي الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الرَّأْيِ لِزِيَادَةِ رَاحَةٍ فِيهِ ، وَلَكِنَّ الْقَضَاءَ مُسْتَوِي الْجُلُوسِ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْقَضَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ فَاسْتَوَى وَارْتَدَى وَتَعَمَّمَ ، ثُمَّ أَفْتَى تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْفُتْيَا ، وَلَا يَجْلِسُ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ التُّهْمَةَ ، وَإِنْ جَلَسَ وَحْدَهُ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْقَضَاءِ ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُقْعِدَ مَعَهُ أَهْلَ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يَزِلَّ عَنْ الْحَقِّ فَيُنَبِّهُونَهُ عَلَيْهِ وَيُجْلِسَهُمْ قَرِيبًا مِنْهُ لِلْمَشُورَةِ ، وَكَذَا أَهْلُ الْعَدْلِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَعْوَانِ حَيْثُ يَكُونُونَ بَعِيدًا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ لِأَجْلِ الْهَيْبَةِ وَهُوَ أَهْيَبُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَرُدُّ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ قَرِيبِهِ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ ) لِأَنَّ الْأُولَى صِلَةُ الرَّحِمِ وَرَدُّهَا قَطِيعَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ وَالْمُرَادُ بِالْقَرِيبِ هُوَ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ، وَالثَّانِيَةُ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا هِيَ جَرْيٌ عَلَى الْعَادَةِ ، فَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِمَا الرِّشْوَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا خُصُومَةٌ أَوْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ مِنْ الْغُلُولِ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْهَدَايَا ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الرِّشْوَةَ فَيَتَجَنَّبُ عَنْهَا وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَعْوَةٌ خَاصَّةٌ ) أَيْ لَا يَحْضُرُ دَعْوَةً خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِأَجْلِهِ وَالْخَاصَّةُ هِيَ الَّتِي لَا يَتَّخِذُهَا صَاحِبُهَا لَوْلَا حُضُورُ الْقَاضِي وَقِيلَ كُلُّ دَعْوَةٍ اُتُّخِذَتْ

فِي غَيْرِ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ فَهِيَ خَاصَّةٌ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْخَاصَّةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْقَرِيبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا جَرَتْ لَهُ عَادَةٌ بِهَا أَوْ لَمْ تَجْرِ وَقَالَ فِي الْكَافِي ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ الْمُضِيفِ قَرَابَةٌ يُجِيبُهُ فِي الدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ ؛ لِأَنَّ إجَابَةَ دَعَوْتِهِ صِلَةُ الرَّحِمِ قَالَ كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْقَرِيبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجِيبُ وَإِنَّمَا لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَتَّخِذْ الدَّعْوَةَ لِأَجْلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةُ حُقُوقٍ : إذَا دَعَاهُ أَنْ يُجِيبَهُ وَإِذَا مَرِضَ أَنْ يَعُودَهُ وَإِذَا مَاتَ أَنْ يَحْضُرَهُ وَإِذَا لَقِيَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ أَنْ يَنْصَحَهُ وَإِذَا عَطَسَ أَنْ يُشَمِّتَهُ } وَحَقُّ الْمُسْلِمِ لَا يَسْقُطُ بِالْقَضَاءِ لَكِنْ لَا يُطِيلُ مُكْثَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَرِيضِ خُصُومَةٌ مَعَ أَحَدٍ لَا يَعُودُهُ .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ كَانَ قَاضِي الْخَوَارِجِ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدْلِ فَقَضَى ، ثُمَّ رَفَعَ إلَى قَاضِي الْعَدْلِ أَمْضَاهُ وَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ بَيْنَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَكَانُوا خَارِجِينَ عَلَى إمَامِ الْحَقِّ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ فَسَخَ قَضَاءَهُ ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ شُرَيْحٍ تَوَلَّوْا لَهُمْ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ نَقْضُ قَضَائِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ عَادِلًا فِي نَفْسِهِ لَا يُعْتَبَرُ فِسْقُ مَنْ وَلَّاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ بِيَدِ عَلِيٍّ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ فِي نَوْبَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِنَوْبَتِهِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الرَّوَافِضِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي نَوْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَمِنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصَلِّهِ جَهَنَّمَ } وَهَذَا لِأَنَّ خِلَافَتَهُمْ انْعَقَدَ عَلَيْهَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ يَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَفِي رَأْيِ الْقَاضِي أَنْ يُطْلِقَهُ ) مِنْ كَلَامِ الْمُنَادِي ا هـ ( قَوْلُهُ أَنْ يُطْلِقَهُ ) أَيْ يُنَادِي كَذَلِكَ أَيَّامًا ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ) أَيْ بِنَفْسِهِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ غَائِبٌ يَحْضُرُ وَيَدَّعِي عَلَيْهِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ قَالَ لَا كَفِيلَ لِي

أَوَّلًا أُعْطِيَ كَفِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى شَيْءٍ نَادَى عَلَيْهِ شَهْرًا ، ثُمَّ تَرَكَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ ، وَإِنَّمَا طَلَبَهُ الْقَاضِي بِهِ احْتِيَاطًا فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ بِنَوْعٍ آخَرَ فَيُنَادِي عَلَيْهِ شَهْرًا ، فَإِذَا مَضَى الْمُدَّةُ أَطْلَقَهُ ا هـ قَوْلُهُ وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ ) أَيْ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْأَمِينُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي ) أَيْ وَيُسَلِّمُ لِلْمُقِرِّ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ ) أَيْ وَهُوَ كَوْنُهُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ الْمَعْزُولُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجُلُوسَ لِلْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ أَفْضَلُ أَيْ كَوْنُهُ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ أَفْضَلَ وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ أَنَّ وَأَنَّ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ قَوْلِهِ فَحَاصِلُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدَعْوَةٌ خَاصَّةٌ ) الدَّعْوَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ الضِّيَافَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعَرَبِ وَتَيْمُ الرَّبَابِ تَكْسِرُ دَالَهَا وَذَكَرَهَا قُطْرُبٌ بِالضَّمِّ وَغَلَّطُوهُ ا هـ تَحْرِيرٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا جُلُوسًا وَإِقْبَالًا ) أَيْ يُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوسِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ } وَلِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ أَحَدَهُمَا يَجْتَرِئُ عَلَى خَصْمِهِ وَتَنْكَسِرُ هِمَّةُ صَاحِبِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَرْكِ حَقِّهِ وَيَنْبَغِي لِلْخَصْمَيْنِ إذَا حَضَرَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَنْ يَجْثُوَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَا يَتَرَبَّعَانِ ، وَلَا يُقْعِيَانِ ، وَلَا يَحْتَبِيَانِ ، وَإِنْ فَعَلَا ذَلِكَ مُنِعَا تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحُكْمِ كَمَا يَجْلِسُ الْمُتَعَلِّمُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُعَلِّمِ تَعْظِيمًا لَهُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْقَاضِي قَدْرُ ذِرَاعَيْنِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِإِصْغَاءٍ أَوْ رَفْعِ صَوْتٍ ، وَلَا يَقْعُدُ أَحَدُهُمَا مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ وَالْآخَرُ مِنْ الْيَسَارِ ؛ لِأَنَّ جَانِبَ الْيَمِينِ أَفْضَلُ فَيَكُونُ تَقْدِيمًا لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ فِيهِ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَبَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَالرَّعِيَّةِ وَبَيْنَ الدَّنِيِّ وَالشَّرِيفِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْمَلِكِ الَّذِي وَلَّاهُ الْقَضَاءَ ، وَكَذَا فَعَلَ شُرَيْحٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِعَلِيٍّ مَعَ خَصْمِهِ ، وَاحِدٌ مِنْ الرَّعِيَّةِ وَعَلِيٌّ خَلِيفَةٌ فَإِذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْفِعْلِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا يَجِدُهُ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْمَيْلِ إلَى أَحَدِهِمَا بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقَسْمِ بَيْنَ نِسَائِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلْيَتَّقِ عَنْ مَسَارَّةِ أَحَدِهِمَا وَإِشَارَتِهِ وَتَلْقِينِ حُجَّتِهِ وَضِيَافَتِهِ ) أَيْ يَجْتَنِبُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً وَمَكْسَرَةً لِقَلْبِ الْآخَرِ ، وَلَوْ أَضَافَهُمَا جُمْلَةً ، فَلَا بَأْسَ لِوُجُودِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا قَالَ رَحِمَهُ

اللَّهُ ( وَالْمِزَاحِ ) أَيْ يَجْتَنِبُ الْمِزَاحَ مُطْلَقًا مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَعَ غَيْرِهِمَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ ، وَلَا يُكْثِرُ فِي غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالْمَهَابَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمَا بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَا إلَيْهِ لِأَجْلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ حِشْمَةَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَإِذَا حَضَرَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَهُمَا بِالْكَلَامِ فَقَالَ مَا لَكُمَا ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا حَتَّى يَبْدَآهُ بِالْمَنْطِقِ وَهُوَ أَحْسَنُ كَيْ لَا يَكُونَ مُهَيِّجًا لِلْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَعَدَ لِقَطْعِهَا وَإِذَا تَكَلَّمَ الْمُدَّعِي أَسْكَتَ الْآخَرَ وَاسْتَمَعَ حَتَّى يَفْهَمَ مَا يَقُولُ فَإِذَا فَرَغَ الدَّعْوَى أَمَرَهُ بِالسُّكُوتِ وَاسْتَنْطَقَ الْآخَرَ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَكَلَّمَا جُمْلَةً لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَهْمِ هَذَا إذَا كَانَتْ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً قَالَ لَهُ قُمْ فَصَحِّحْ دَعْوَاك لِأَنَّ الْجَوَابَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بَعْدَ تَصْحِيحِ الدَّعْوَى فَإِذَا صَحَّتْ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ وَيُرَتِّبُ النَّاسَ فِي الْفَصْلِ عَلَى تَرْتِيبِ مَجِيئِهِمْ فَيَبْدَأُ بِالسَّابِقِ فَالسَّابِقِ وَيَجْعَلُ فِي ذَلِكَ أَمِينًا يُخْبِرُهُ ، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي زَحْمَةٍ بَلْ يَجْعَلُ الرِّجَالَ نَاحِيَةً وَالنِّسَاءَ نَاحِيَةً إلَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَعْوًى فَيَجْلِسَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقْتَ الدَّعْوَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَلْقِينِ الشَّاهِدِ ) أَيْ يَجْتَنِبُ تَلْقِينَ الشَّاهِدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَيُوهِمُ الْمَيْلَ إلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ كَسْرُ قَلْبِ الْآخَرِ فَصَارَ كَتَلْقِينِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْصَرُ وَقَدْ يَقُولُ أَعْلَمُ مَكَانَ قَوْلِهِ أَشْهَدُ لِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ

فَكَانَ فِي تَلْقِينِهِ إحْيَاءَ الْحَقِّ ، وَلَا تُهْمَةَ فِي مِثْلِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ كَإِشْخَاصِ الْغَرِيمِ وَتَكْفِيلِهِ وَحَيْلُولَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَهَذَا نَوْعُ رُخْصَةٍ عِنْدَهُ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ مَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ وَالْعَزِيمَةَ فِيمَا قَالَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تُهْمَةٍ .قَوْلُهُ وَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا جُلُوسًا وَإِقْبَالًا ) قَوْلُهُ وَإِقْبَالًا سَاقِطٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ، وَلَكِنْ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ ، وَهُوَ مُلْحَقٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ( قَوْلُهُ الدَّنِيِّ ) يَعْنِي الذِّمِّيَّ كَذَا فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ ( قَوْلُهُ وَإِشَارَتُهُ ) أَيْ بِيَدِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَوْ حَاجِبِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ ) أَيْ كَمَا إذَا تَرَكَ الشَّاهِدُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ مَثَلًا أَمَّا فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ ، فَلَا كَمَا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَشُهِدَ الشَّاهِدُ بِأَلْفٍ فَلَقَّنَهُ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ فَتَلَقَّنَ الشَّاهِدُ ذَلِكَ وَوُفِّقَ ا هـ .

( فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ ) وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ دَعَارَتِهِ ، وَالْحَبْسُ يَصْلُحُ لِلْعُقُوبَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَجَعَلَهُ مِنْ جُمْلَتِهِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ } وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَبْسُ ، وَأَمَّا السُّنَّةُ ؛ فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ وَحَبَسَ رَجُلًا آخَرَ مِنْ جُهَيْنَةَ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ } ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ ؛ فَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَمْ يَكُنْ سِجْنٌ وَكَانَ يُحْبَسُ فِي الْمَسْجِدِ وَالدِّهْلِيزِ وَبِالرُّبُطِ وَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَنَى السِّجْنَ وَكَانَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ بَنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ وَسَمَّى السِّجْنَ نَافِعًا وَلَمْ يَكُنْ حَصِينًا فَانْفَلَتَ النَّاسُ مِنْهُ وَبَنَى سِجْنًا آخَرَ وَسَمَّاهُ مُخَيَّسًا وَقَالَ فِيهِ شِعْرًا أَلَا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيَّسَا بَنَيْت بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي أَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ فِي الثَّمَنِ وَالْقَرْضِ وَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَمَا الْتَزَمَهُ بِالْكَفَالَةِ ) مَعْنَاهُ يَحْبِسُهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي حَبْسَهُ بَعْدَ إبَائِهِ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِبَاءِ ظَهَرَ مَطْلُهُ وَبِالْمَالِ الَّذِي حَصَلَ فِي يَدِهِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ بِاخْتِيَارِهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْمَالِ لَهُ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ بِالتَّقَلُّبِ فِيهِ ، وَكَذَا لَا يَلْتَزِمُ الْإِنْسَانُ بِاخْتِيَارِهِ مَالًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ عَادَةً فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ

وَهُوَ ظُلْمٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ ، ثُمَّ شَرَطَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِبَاءَ بَعْدَ أَمْرِهِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَحْبِسُهُ كَمَا ثَبَتَ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ ، وَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ ؛ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ ، وَمِثْلُهُ حُكِيَ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ عَكْسُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَعْتَذِرُ فَيَقُولُ مَا عَلِمْتُ أَنَّ لَهُ عَلَيَّ دَيْنًا إلَّا السَّاعَةَ فَإِذَا عَلِمْتُ قَضَيْت ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ وَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِيفَاءِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُوَفِّيَ فَلَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُ بِالْأَمْرِ وَالْمُطَالَبَةِ بِذَلِكَ وَالصَّوَابُ لَا يَحْبِسُهُ فِيمَا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلَهُ ، فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ مَالًا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَالَ وَالْمُدَّعِي يَقُولُ لَهُ مَالٌ فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّ لَهُ مَالًا ؟ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ لَهُ مَالًا وَهُوَ يُنْكِرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي فِيمَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ الدُّيُونِ وَهُوَ كُلُّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ فَيَحْبِسُهُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا فِي غَيْرِهِ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ غِنَاهُ فَيَحْبِسُهُ بِمَا رَأَى )

أَيْ لَا يَحْبِسُهُ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدُّيُونِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَدُيُونِ النَّفَقَاتِ وَضَمَانِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِبَدَلِ مَالٍ ، وَلَا مُلْتَزَمٍ بِعَقْدٍ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي الْمَالَ بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى ؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ الْآدَمِيَّ يُولَدُ فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ وَالْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا فَكَانَ الْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ مَعَ يَمِينِهِ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ لَهُ مَالًا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ حَصَلَ فِي يَدِهِ ، وَلَا يَلْتَزِمُ الْإِنْسَانُ عَادَةً مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَظَهَرَ غِنَاهُ بِذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ الَّذِي يُحْبَسُ فِيهِ مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ لَا يُحْبَسُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّسَامُحُ بِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا ، فَلَا يَدُلُّ دُخُولُهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَدِينِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي عَارِضًا ، فَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَ أَبُو عُبَد اللَّهِ الثَّلْجِيُّ أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ أَصْلُهُ مَالٌ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مَالٌ وَعُرِفَتْ قُدْرَتُهُ بِذَلِكَ وَالْمُنْكِرُ يَدَّعِي خِلَافَ ذَلِكَ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكُلُّ دَيْنٍ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مَالًا كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ شَيْءٌ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُعْرَفْ غِنَاهُ فَكَانَ مُتَمَسَّكًا بِالْأَصْلِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ

كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَنَحْوِهِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بِمُعَاقَدَتِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُدَّعِي إذْ لَا يَلْتَزِمُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ أَنَّ الزَّوْجَ مُوسِرٌ وَطَلَبَتْ نَفَقَةَ الْمُوسِرَاتِ وَادَّعَى هُوَ الْفَقْرَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ تَخْرُجَانِ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا ، وَلَا تُخَالِفَانِ شَيْئًا مِنْهَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِمَا قَوْلَ الْمُنْكِرِ بِاتِّفَاقِ الْأَقَاوِيلِ ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَلْخِيّ يَحْكُمُ الزِّيُّ فَإِذَا كَانَتْ هَيْئَتُهُ هَيْئَةَ الْفُقَرَاءِ يَعْنِي الْمَدِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ هَيْئَتُهُ هَيْئَةَ الْأَغْنِيَاءِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَالْعَبَّاسِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَ فِي اللُّبْسِ ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى غِنَاهُمْ وَقَوْلُهُ يَحْبِسُهُ بِمَا رَأَى أَيْ يَحْبِسُهُ قَدْرَ مَا يَرَى يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي أَوْ فِي غَيْرِهِ ، وَلَكِنَّ الْمُدَّعِيَ أَثْبَتَ الْمَالَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِحَبْسِهِ مُدَّةً مُقَدَّرَةً وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَأَظْهَرَهُ وَلَمْ يَصْبِر عَلَى مُقَاسَاتِهِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّخْصِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمَالِ ، فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ اتِّفَاقِيٌّ وَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ حَتْمًا .

( فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ ) ( قَوْلُهُ وَحَبَسَ رَجُلًا آخَرَ مِنْ جُهَيْنَةَ أَعْتَقَ شِقْصًا إلَخْ ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُجْزَلٍ وَلَيْسَ بِصَحَابِيٍّ بَلْ تَابِعِيٌّ وَاسْمُهُ لَاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَّ { عَبْدًا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَحَبَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ } فَهُوَ مُرْسَلٌ وَيُمْكِنُ فِي وَجْهِ حَبْسِهِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَزِمَهُ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ فَحَبَسَهُ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ وَدَفَعَ قِيمَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ ا هـ قَوْلُهُ مُخَيَّسًا ) ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ فِي بَابِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَعَ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ ا هـ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَخَيَّسَهُ تَخْيِيسًا أَيْ ذَلَّلَهُ وَمِنْهُ الْمُخَيَّسُ ، وَهُوَ اسْمُ سِجْنٍ كَانَ بِالْعِرَاقِ أَيْ مَوْضِعُ التَّذْلِيلِ وَكُلُّ سِجْنٍ مُخَيِّسٌ وَمُخَيَّسٌ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ فِيهِ شِعْرًا ) أَيْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَلَا تَرَانِي إلَخْ ) أَنْشَدَهُ فِي الصِّحَاحِ أَمَا تَرَانِي فِي مَوْضِعَيْنِ فِي ( خيس ) وَ ( كيس ) وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَيْضًا مُكَيَّسًا ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فِي الْكَافِ مَعَ الْيَاءِ الْكَيْسُ الظُّرْفُ وَحُسْنُ التَّأَتِّي فِي الْأُمُورِ وَرَجُلٌ كَيِّسٌ مِنْ قَوْمٍ أَكْيَاسٍ وَالْمُكَيَّسُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْكِيَاسَةِ ا هـ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالرَّجُلُ كَيِّسٌ مُكَيَّسٌ أَيْ ظَرِيفٌ ( قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَيْضًا بَنَيْت بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسًا ) بَعْدَ هَذَا كَلَامٌ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ، وَهُوَ بَابًا حَصِينًا وَأَمِينًا كَيِّسًا ا هـ قَوْلُهُ وَأَمِينًا أَيْ وَنَصَبْت أَمِينًا يَعْنِي السَّجَّانَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ ، ) أَيْ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالدَّيْنِ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَحْوَجَهُ إلَى شَكْوَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ ) أَيْ يَسْأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلَكَ مَالٌ ؟ ا هـ ( قَوْلُهُ وَدُيُونِ

النَّفَقَاتِ ) أَيْ لَا يُحْبَسُ فِي دُيُونِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ وَالْمُرَادُ النَّفَقَةُ الْمَقْضِيُّ بِهَا أَوْ الَّتِي تَرَاضَيَا عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِذَلِكَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَدَّعِ الْفَقْرَ يُحْبَسُ كَمَا لَوْ أَثْبَتَ غَرِيمُهُ غِنَاهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ أَمَّا النَّفَقَةُ الْمَاضِيَةُ مِنْ غَيْرِ فَرْضٍ وَتَقْدِيرٍ فَلَا حَبْسَ فِيهَا مُطْلَقًا نَعَمْ يُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ الْحَاضِرَةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا كَمَا سَيَجِيءُ مَتْنًا وَشَرْحًا فَإِنْ قُلْتُ : قَوْلُ الشَّارِحِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ مَالٍ وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي النَّفَقَةِ الَّتِي قُضِيَ بِهَا أَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهَا قُلْتُ : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ادَّعَى الْفَقْرَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ هُنَا إذْ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ وَفُهِمَ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ عَدَمِ الْحَبْسِ لَنَاقَضَ قَوْلَهُ لَا فِي غَيْرِهِ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ ، وَقَدْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ وَلَمْ يُعْطِهَا وَقَدَّمَتْهُ إلَى الْقَاضِي مِرَارًا وَلَمْ يَنْجَعْ نُصْحُ الْقَاضِي فِيهِ ؛ حَبَسَهُ ا هـ فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي الْحَبْسِ فِي الْمَقْضِيِّ بِهَا لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الْفَقْرَ أَوْ ادَّعَاهُ وَعَلِمَ الْقَاضِي يَسَارَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ امْتَنَعَ عَنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ لَمْ يَحْبِسْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ يُخْبِرُهُ بِالْحَبْسِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ ا هـ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ الشَّلَبِيِّ ( قَوْلُهُ الثَّلْجِيُّ ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ صَاحِبُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ ) أَيْ الْقَاضِي يَسْأَلُ عَنْ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ مَا حَبَسَهُ قَدْرَ مَا يَرَاهُ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إعْسَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ ، وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ ، وَالْعَدْلُ الْوَاحِدُ يَكْفِي فِي هَذَا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ إنَّ حَالَ الْمُعْسِرِينَ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَحَالُهُ ضَيِّقَةٌ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا السُّؤَالُ مِنْ الْقَاضِي عَنْ حَالِ الْمَدْيُونِ بَعْدَ مَا حَبَسَهُ احْتِيَاطٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْإِعْسَارِ شَهَادَةٌ بِالنَّفْيِ وَالشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَسْأَلَ وَيَعْمَلَ بِرَأْيِهِ ، وَلَكِنْ لَوْ سَأَلَ مَعَ هَذَا كَانَ أَحْوَطَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّاهُ ) لِأَنَّ عُسْرَتَهُ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ وَاسْتَحَقَّ النَّظْرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } فَحَبْسُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ ظُلْمًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ ) أَيْ لَا يَمْنَعُهُمْ عَنْ مُلَازَمَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَمْنَعُهُمْ لِأَنَّهُ مُنْتَظَرٌ بِإِنْظَارِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْمَيْسَرَةِ ، فَلَوْ كَانَ مُنْتَظَرًا بِإِنْظَارِهِمْ بِأَنْ ضَرَبُوا لَهُ الْأَجَلَ لَا يَكُونُ لَهُمْ حَقُّ الْمُلَازَمَةِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَكَذَا بِإِنْظَارِهِ تَعَالَى بَلْ أَوْلَى ، وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ مُنْتَظَرٌ إلَى زَمَانِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيفَاءِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَيُلَازِمُونَهُ كَيْ لَا يُخْفِيَهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكْسِبُ فَوْقَ حَاجَتِهِ الدَّارَّةَ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ فَضْلَ كَسْبِهِ بِخِلَافِ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهِ لِأَنَّهُ مُؤَخَّرٌ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَفْسُ الدَّيْنِ

حَالٌّ وَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ ، وَلَكِنْ لَا يُطَالَبَ لِعُسْرَتِهِ ، وَزَوَالُ الْعُسْرَةِ مُتَوَقَّعٌ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ فَيُلَازِمُونَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرَدُّ الْبَيِّنَةِ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ ) لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَلَمْ تُقْبَلْ مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ الْحَبْسُ وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى وَكَافَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَحَقُّ ) يَعْنِي إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْيَسَارِ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْإِعْسَارِ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَبَّدَ حَبْسَ الْمُوسِرِ ) لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ الْحَقِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ خَلَّدَهُ فِي الْحَبْسِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ، ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَبَّدَ حَبْسَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا خَلَّى سَبِيلَهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ جَاحِدًا فَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي وَظَهَرَ لِلْقَاضِي جُحُودُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ وَمُمَاطَلَتِهِ أَوْ ظَهَرَ لَهُ مُمَاطَلَتُهُ بَعْدَ مَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ لِمَا مَرَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُحْبَسُ الرَّجُلَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، فَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلِ مَالٍ ، وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ ) أَيْ لَا يُحْبَسُ الْوَالِدُ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ وَلَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ ، وَلَا بِقَتْلِ مُوَرِّثِهِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ ، وَلَا بِقَذْفِ أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ بِطَلَبِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا إذَا أَبَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ) يَعْنِي لَا يُحْبَسُ بِسَبَبِ الِابْنِ إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُحْبَسُ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِحَاجَةِ الْوَقْتِ وَهُوَ بِالْمَنْعِ قَصَدَ إهْلَاكَهُ فَيُحْبَسُ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِقَتْلِهِ إذَا شَهَرَ عَلَيْهِ السَّيْفَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ وَلِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، فَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ عَلَيْهَا تَفُوتُ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، فَلَا يَخَافُ فِيهَا

الْفَوَاتَ وَهَكَذَا حُكْمُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ ، وَإِنْ عَلَوْا ، وَكَذَا الْمَوْلَى لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لِلْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحْبَسُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَبْسَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءَ وَهُمْ أَجَانِبُ ، فَلَا يَمْتَنِعُ ، وَلَا يُحْبَسُ الْعَبْدُ بِدَيْنِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْمَوْلَى يُحْبَسُ بِدَيْنِ مُكَاتَبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لَا يُحْبَسُ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَقَدْ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ إلَّا بِرِضَاهُ وَالْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ إذَا ظَهَرَ ظُلْمُهُ بِالْمُمَاطَلَةِ ، وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَوْلَاهُ وَيُحْبَسُ بِدَيْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ غَيْرِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ظَالِمًا بِمَنْعِهِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِ سَبَبِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُحْبَسُ فِيهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِسْقَاطِ أَيْضًا بِأَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ فَيُرَدَّ رَقِيقًا فَيَسْقُطُ عَنْهُ دَيْنُ الْمَوْلَى فَصَارَ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِهِ لَا تَجُوزُ كَمَا لَا تَجُوزُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِدَيْنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ ، ثُمَّ صِفَةُ الْحَبْسِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ فِرَاشٌ ، وَلَا وِطَاءٌ ، وَلَا يُخَلَّى أَحَدٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ

لِيَسْتَأْنِسَ بِهِ ، وَلَا يُخْرَجُ لِجُمُعَةٍ ، وَلَا لِجَمَاعَةٍ ، وَلَا لِحَجٍّ فَرْضٍ ، وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةٍ ، وَلَوْ أَعْطَى كَفِيلًا ، وَلَا لِمَجِيءِ رَمَضَانَ ، وَلَا لِلْأَعْيَادِ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ وَيُوفِيَ ، وَلَا يُخْرَجُ لِمَوْتِ قَرِيبِهِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فَيُخْرَجُ حِينَئِذٍ لِقَرَابَةِ الْوِلَادِ وَفِي رِوَايَةٍ يُخْرَجُ ، وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُجَهِّزُهُ ، وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا أَضْنَاهُ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ لَا يُخْرَجُ وَإِلَّا أُخْرِجَ وَلَا يُخْرَجُ لِلْمُعَالَجَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمُعَالَجَةُ فِي السِّجْنِ ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ لَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي السِّجْنِ مَوْضِعٌ يَسْتُرُهُ لِأَنَّ اقْتِضَاءَ شَهْوَةِ الْفَرْجِ كَاقْتِضَاءِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَقِيلَ يُمْنَعُ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِنَّ مَنْعَهُ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَهُوَ يُرَخَّصُ لَهُ تَنَاوُلُ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ خَوْفًا مِنْ الْهَلَاكِ فَكَيْفَ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ قَرَابَتِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ لِلْمُشَاوِرَةِ وَالتَّدْبِيرِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَلَكِنْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمُكْثِ طَوِيلًا وَالْمَالُ الَّذِي يُحْبَسُ فِيهِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ حَتَّى يُحْبَسُ فِي دِرْهَمٍ وَمَا دُونَهُ ؛ لِأَنَّ مَانِعَهُ ظَالِمٌ مُتَعَنِّتٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ لَيْسَ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إمَّا نَقْلُ شَهَادَةٍ أَوْ نَقْلُ حُكْمٍ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ فَكَانَ ذِكْرُهُ فِيهِ أَنْسَبُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ كِتَابَهُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ عِبَارَتِهِ ، فَلَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَعَبَّرَ بِلِسَانِهِ مَا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَكِتَابُهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ يُزَوَّرُ وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ ، وَكَذَا الْخَاتَمُ يُشْبِهُ الْخَاتَمَ فَكَانَ أَكْثَرَ احْتِمَالًا مِنْ الْبَيِّنَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَجَازَ ذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْجَمْعُ بَيْنَ شُهُودِهِ وَخَصْمِهِ ، ثُمَّ هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْلُ حُكْمٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى سِجِلًّا وَسَيَأْتِيك بَيَانُهُ ، وَنَقْلُ شَهَادَةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، وَلَا يُقَالُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ يَحْتَاجُ الْقَاضِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَى تَعْدِيلِ الْأُصُولِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي بِلَادِ الْغُرْبَةِ وَيَتَعَسَّرُ نَقْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَيْضًا إذْ أَكْثَرُ النَّاسُ لَا يُحْسِنُونَ ذَلِكَ ، وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي غُنْيَةً عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ يُعَدِّلُ الشُّهُودَ ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يُنْقَلُ كِتَابُهُ فَحَسْبُ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ بِزِيَادَةِ الِاحْتِمَالِ وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ كُلُّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالشُّفْعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَفَاةِ وَالْوِرَاثَةِ وَالْقَتْلِ إذَا

كَانَ مُوجِبًا لِلْمَالِ وَالنَّسَبِ مِنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَالْغَصْبِ وَالْأَمَانَةِ الْمَجْحُودَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْمَجْحُودَةِ وَالْأَعْيَانِ الْمَنْقُولَةِ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولَةِ كَالْعَقَارِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ لِلضَّرُورَةِ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَنْقُولِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهَا عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَى الدَّيْنِ وَأَمْثَالِهِ وَالْعَقَارُ يُعْرَفُ بِالْحُدُودِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِهِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَصَارَ كَالدَّيْنِ ، وَفِي دَعْوَى النِّكَاحِ الْمَقْصُودُ نَفْسُ النِّكَاحِ لَا نَفْسُ الْمَرْأَةِ أَوْ نَفْسُ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا هُمَا كَالدَّائِنِ وَالْمَدِينِ وَالنِّكَاحُ كَالدِّينِ ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْأَمَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَنْقُولَاتِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِيهِ وَلِتَعَذُّرِ دَفْعِ الْأَمَةِ إلَى رَجُلٍ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْمِلْكِ لِيَنْقُلَهَا إلَى الْكَاتِبِ ، وَعَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا بِشَرَائِطِهِ وَهِيَ أَنْ يُكَلِّفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ وَهُوَ الْيَوْمُ فِي يَدِ فُلَانٍ وَيُعَرَّفُ الْعَبْدُ غَايَةَ التَّعْرِيفِ بِصِفَتِهِ وَاسْمِهِ وَسِنِّهِ وَقِيمَتِهِ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي وَيَذْكُرُ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْهِنْدِيَّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فُلَانٌ حِلْيَتُهُ كَذَا وَقَامَتُهُ كَذَا وَسِنُّهُ كَذَا وَقِيمَتُهُ كَذَا مِلْكُ فُلَانٍ الْمُدَّعِي هَذَا وَقَدْ أَبَقَ إلَى بَلْدَةِ كَذَا وَهُوَ الْيَوْمُ عِنْدَ فُلَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الْكَاتِبِ وَنَصَّهُ بِشُرُوطِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ سَلَّمَ الْعَبْدَ إلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ

شَهِدُوا لَمْ يَشْهَدُوا بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعِي بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَيَجْعَلُ خَاتَمًا مِنْ رَصَاصٍ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ مُتَعَرِّضٌ فِي الطَّرِيقِ أَنَّهُ سَرَقَهُ وَيَكْتُبُ كِتَابًا إلَى الْكَاتِبِ بِذَلِكَ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَعَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ أَمَرَ الْمُدَّعِيَ أَنْ يُحْضِرَ شُهُودَهُ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ فَيُعِيدُوا الشَّهَادَةَ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ مِلْكُهُ ، فَإِذَا شَهِدُوا حَكَمَ بِهِ وَكَتَبَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوَّلًا لِيُبْرِئَ كَفِيلَهُ وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ الْعَبْدُ هُوَ الْخَصْمُ وَهُوَ غَائِبٌ ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ مَا جَرَى عِنْدَهُ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَمَا فِيهِ وَيَبْعَثُ بِالْعَبْدِ وَالْكِتَابَةُ مَعَهُ إلَى ذَلِكَ الْحَاكِمِ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ بِهِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ فَلْيَفْعَلْ هُوَ كَذَلِكَ وَيُبْرِئُ الْكَفِيلَ وَإِنَّمَا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ لِيَقْطَعَ وَهْمَ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَالْحِلْيَةِ ، وَفِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْعَبْدُ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ بِالْإِحْضَارِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ تَرْتَفِعُ فَلِهَذَا يَجِبُ إحْضَارُهُ ، وَالْجَارِيَةُ كَالْعَبْدِ فِيمَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُهَا لِلْمُدَّعِي بَلْ يَبْعَثُهَا مَعَ أَمِينٍ مَعَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَلِحُضُورِ الْخَصْمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا ) أَيْ كِتَابُ الْحُكْمِ يُسَمَّى سِجِلًّا وَإِنَّمَا يُكْتَبُ حَتَّى لَا تُنْسَى الْوَاقِعَةُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَلِيَكُونَ الْكِتَابُ مُذَكِّرًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى

كِتَابَةِ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِحُضُورِ الْخَصْمِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ غَابَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَحَدَهُ فَحِينَئِذٍ يُكْتَبُ لَهُ لِيُسَلَّمَ إلَيْهِ حَقُّهُ أَوْ لِيَنْفُذَ حُكْمُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَمْ يَحْكُمْ ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ حَاضِرًا لَا يَحْكُمُ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ ، ثُمَّ نُقِلَ إلَيْهِ نَفَّذَهُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ خِلَافَ مَذْهَبِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْكُومٌ بِهِ فَيَلْزَمُهُ وَالثَّانِي ابْتِدَاءُ حُكْمٍ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَهُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَقِيقَةِ ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ الْكَاتِبَ لَمْ يَحْكُمْ بِالشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا نَقَلَهَا لِيَحْكُمَ بِهَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَلِهَذَا يَحْكُمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِرَأْيِهِ ، وَإِنْ خَالَفَ رَأْيُهُ رَأْيَ الْكَاتِبِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ اسْتَحْكَمَ بِالْقَضَاءِ وَهُوَ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إنْ كَانَ الْخَصْمُ غَائِبًا وَإِلَّا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ نَقْضُهُ فَإِذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَالنَّاقِلُونَ لِكِتَابِ الْقَاضِي يَشْهَدُونَ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْقَاضِي وَأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْدِيلِ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا فِي الْحَادِثَةِ ، وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَعْدِيلِهِمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِمْ ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَهُوَ مِنْ شَرَائِطِهِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عِنْدَ الثَّانِي ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ

يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ إذْ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِمَا فِيهِ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ خَتْمِهِ بِحَضْرَتِهِمْ ، ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ ، وَلَا بُدَّ لِلشُّهُودِ مِنْ حِفْظِ مَا فِيهِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِلْكِتَابِ عِنْوَانٌ وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَاسْمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ حَتَّى لَوْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ مِنْ دَاخِلِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الظَّاهِرِ لَا يُقْبَلُ وَقِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالْعُنْوَانُ يَكُونُ عَلَى الظَّاهِرِ فَيُعْمَلُ بِهِ وَيُكْتَبُ فِيهِ اسْمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاسْمُ الْمُدَّعِي عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ بِهِ التَّمْيِيزُ وَذَلِكَ بِذِكْرِ جَدِّهِمَا وَيُذْكَرُ الْحَقُّ فِيهِ وَيُذْكَرُ اسْمُ الشُّهُودِ إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِذِكْرِ شَهَادَتِهِمْ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الشُّهُودِ إلَّا نَقْلَ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ ، وَلَا عَلَى الْقَاضِي سِوَى كِتَابَةِ الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ وَصَلَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ بِلَا خَصْمٍ ، وَلَا شُهُودٍ ) لِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ لِلْحُكْمِ بِهِ ، فَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِحُضُورِ الْخَصْمِ كَالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ حَيْثُ يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ وَيَكْتُبُهَا وَالْخَصْمُ غَائِبٌ ؛ لِأَنَّهُ لِلنَّقْلِ لَا لِلْحُكْمِ وَنَظِيرُهُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهَا حُضُورُ الْخَصْمِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُزَوَّرَ الْكِتَابُ ، فَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ إنْكَارِ الْخَصْمِ أَنَّهُ كِتَابُ

الْقَاضِي ، وَإِنْ أَقَرَّ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كِتَابُهُ ، وَلَا يَلْزَمُ كِتَابُ الِاسْتِئْمَانِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حَيْثُ يُعْمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كِتَابُهُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ وَهَذَا مُلْزِمٌ ، فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ إقْرَارِ الْخَصْمِ ، وَلَا يَلْزَمُ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَرَسُولُ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِلَا بَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ فِيهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ لَا بِالتَّزْكِيَةِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْخُذُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ، وَلَكِنْ لَا يَعْمَلُ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَتَحَهُ الْقَاضِي وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمهُ مَا فِيهِ ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ عِنْدَهُ بِأَنْ كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ عَدَالَتَهُمْ بِأَنْ كَانَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ قَدْ كَتَبَ عَدَالَتَهُمْ أَوْ سَأَلَ مَنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ الثِّقَاتِ فَزُكُّوا ، وَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ ، وَلَا يُلْزِمُ الْخَصْمَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُهُ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمْ فَيَحْتَاجُ الْمُدَّعِي إلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الشُّهُودِ لِإِثْبَاتِ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْقَاضِي لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ كَالشُّهُودِ الْأُوَلِ بِخِلَافِ قَبُولِ الْكِتَابِ حَيْثُ يَقْبَلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ قَبْلَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ ، وَقَوْلُهُ سَلَّمَهُ إلَيْنَا إلَخْ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِهِ حَتَّى إذَا قَالُوا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا أَوْ لَمْ يَخْتِمْهُ بِحَضْرَتِنَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَشَرَطَ فِي

الذَّخِيرَةِ حُضُورَ الْخَصْمِ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ لَا لِقَبُولِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ قَبِلَهُ مَعَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ جَازَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَمِنْ يَدِ الْمُدَّعِي أَيْضًا إذَا جَاءَ بِهِ وَحْدَهُ ، وَكَذَا سَهَّلَ عِنْدَ الْإِثْبَاتِ فَقَالَ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِالْخَتْمِ وَغَيْرِهِ قَبِلَهُ فَسَهَّلَ فِي ذَلِكَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ ، وَلَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ مَا يُخَالِفُ شَهَادَتَهُمْ رَدَّهُ ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَسَافَةٍ بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ حَتَّى يَجُوزَ كِتَابُ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْمَسَافَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَهِيَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ صَحِيحًا فِي الْمِصْرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مَقْبُولٌ ، وَإِنْ كَانَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُمَا اعْتَبَرَاهُ بِالتَّوْكِيلِ ، وَفِي الظَّاهِرِ اعْتَبَرَ بِالْعَجْزِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ ) هَذَا إذَا مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَى الثَّانِي أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَمَوْتُ الْأُصُولِ قَبْلَ أَدَاءِ الْفُرُوعِ الشَّهَادَةَ يُبْطِلُ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ فَكَذَا هَذَا ، وَكَذَا إذَا جُنَّ الْكَاتِبُ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ أَوْ عَمِيَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَبْطُلُ بَلْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَقْضِي بِهِ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْأَمَالِي وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفُرُوعِ وَكِتَابَتُهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ شُهُودِ الْفَرْعِ الشَّهَادَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْحَقِّ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَالنَّقْلُ قَدْ تَمَّ بِالْكِتَابَةِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفَرْعِ إذَا مَاتُوا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ فَكَذَا هَذَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَاهِدٍ مَاتَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ لِهَذَا النَّقْلِ حُكْمَ الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا النَّقْلَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْقَاضِي ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَدٌ ، وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ هَذَا النَّقْلُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ قَضَاءٌ فَثَبَتَ أَنَّ لِهَذَا النَّقْلِ حُكْمَ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَتِمَّ بَعْدُ ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ وَقَبْلَ قِرَاءَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَقْضِيِّ بِهِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَكُنْ النَّقْلُ تَامًّا فَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقْضِيَةِ إذَا مَاتَ الْقَاضِي قَبْلَ تَمَامِهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْفَرْعِ إذَا مَاتَ الْأُصُولُ بَعْدَ أَدَائِهِمْ الشَّهَادَةَ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْحُكْمَ عَلَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُجُوبُ بِمَوْتِ الْأُصُولِ أَوْ بِمَوْتِ الْفُرُوعِ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ إذَا مَاتَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُجُوبُ فَكَذَا هَذَا ، وَلَوْ قَبِلَهُ مَعَ هَذَا وَحَكَمَ بِهِ ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَأَمْضَاهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ صَادَفَ مَحَلًّا مُجْتَهَدًا فِيهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ

الْقَضَاءِ يَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ مِنْ قَاضٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ بَعْدَ مَا قَرَأَ الْكِتَابَ لَا يَبْطُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَحْكُمُ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِهِ بِالْقِرَاءَةِ ، فَلَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّاهِدُ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا ، وَفِي اخْتِلَافِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَعْقُوبَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ ) أَيْ يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ إلَى فُلَانٍ الْقَاضِي وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَحِينَئِذٍ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ اسْمِهِ عَائِدٌ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَبْطُلُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي الَّذِي جَاءَ بَعْدَهُ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ اعْتَمَدَ عَلَى عِلْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَانَتِهِ وَالْقُضَاةُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَمَانَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الْأُمَنَاءِ فِي الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ الْكُلَّ فَكَانُوا مَكْتُوبًا إلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَحَدٌ لِأَنَّ إعْلَامَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ شَرْطٌ ، وَتَمَامُ الْإِعْلَامِ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْقَدْرِ وَإِذَا عَيَّنَ وَاحِدًا حَصَلَ التَّعْرِيفُ لَهُ وَصَحَّ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَصَارَ غَيْرُهُ تَبَعًا لَهُ ، وَأَجَازَ أَبُو

يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَاسْتَحْسَنَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ ، وَلَا يَقْبَلُ الْقَاضِي رِسَالَةَ قَاضٍ آخَرَ وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ عِبَارَتَهُ فَيَكُونُ كَالْقَاضِي حَضَرَ وَتَكَلَّمَ بِهِ وَهُوَ لَوْ حَضَرَ وَتَكَلَّمَ بِهِ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهُ كَتَبَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَكَانَ الْكِتَابُ مِنْهُ كَالْخِطَابِ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مُشَافَهَةً لِصُدُورِ الْكِتَابِ مِنْ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْكِتَابَ لَا يُقْبَلُ قِيَاسًا وَإِنَّمَا قُبِلَ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الرِّسَالَةِ ؛ لِأَنَّ فِي الْكِتَابِ غُنْيَةً عَنْهُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ إذَا تَعَذَّرَ حُضُورُ خَصْمِهِ عِنْدَهُ ، وَكَذَا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ثَانِيًا أَنْ يَكْتُبَ إلَى آخَرَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ الْوَاقِعَةَ عِنْدَ الْأَوَّلِ صَارَتْ مَنْقُولَةً إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حُكْمًا فَصَارُوا كَأَنَّهُمْ شَهِدُوا عِنْدَهُ حَقِيقَةً فَجَازَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى غَيْرِهِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهَا مِرَارًا مَاسَةٌ وَهِيَ الْمُجَوِّزَةُ لِلنَّقْلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِمَوْتِ الْخَصْمِ ) يَعْنِي لَا يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْخَصْمِ ؛ لِأَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ ؛ لِأَنَّ قَرِيبَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَنْفُذُ لَهُ وَكَمَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ فِي مِصْرِهِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ ، وَلَا يَكْتُبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فِي مِصْرٍ آخَرَ ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ وَالْخَتْمِ وَالشَّهَادَةِ كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالْقِيَاسُ

أَنْ لَا يَجُوزَ فِي مِصْرِهِ إلَّا بِهِ ، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ لِلْعَادَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ إلَى الْوَالِي وَيَسْتَعِينُ بِهِ فِيمَا عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لَحَرِجُوا ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْأَمِيرِ فَيَشْهَدُ ، وَالْأَمِيرُ لَا يُمْكِنُهُ التَّفَحُّصُ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ فَقُبِلَ الْكِتَابُ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الضَّرُورَةَ وَالْعَادَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَمِيرُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الْقَاضِي بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ وَالضَّرُورَةِ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ .

بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ) ( قَوْلُهُ ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ ) أَيْ وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اثْنَيْنِ وَالْحَبْسُ يَتِمُّ بِقَاضٍ وَاحِدٍ وَالْوَاحِدُ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كِتَابَهُ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الْأُصُولِ كَمَا أَنَّ الْفُرُوعَ يَنْقُلُونَ بِشَهَادَتِهِمْ شَهَادَةَ الْأُصُولِ ، ثُمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَكَذَلِكَ كِتَابُ الْقَاضِي فِيهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ ، وَالْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يُزَوَّرُ ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ قَدْ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَيَتَمَكَّنُ نَوْعُ شُبْهَةٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَهُوَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْعُرُوضِ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَيْ يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا لِتَعَامُلِ النَّاسِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا بِشَرَائِطِهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ يَخْتَصُّ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِشَرَائِطَ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ فِي مَعْلُومٍ لِمَعْلُومٍ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ مِنْهُ مَعْلُومًا وَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ مَعْلُومًا وَالْمُدَّعَى بِهِ مَعْلُومًا وَالْمُدَّعِي مَعْلُومًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْلُومًا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ

وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَوْضِعُهُ كِتَابُ الْإِبَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَأَرَادَ بِهَا بَيَانَ حِلْيَةِ الْعَبْدِ وَصِفَتِهِ وَنِسْبَتِهِ لِلَّذِي أَخَذَهُ وَالْخَتْمِ فِي عُنُقِهِ وَأَخْذِ الْكَفِيلِ وَحَاصِلُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ الَّذِي لَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَالدَّارِ وَالْعَقَارِ ، وَأَمَّا الْمَنْقُولُ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ ، وَالْآبِقُ إذَا أَبَقَ فَأُخِذَ فِي بَلْدَةٍ فَأَقَامَ صَاحِبُهُ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ عَبْدُهُ أَخَذَهُ فُلَانٌ فِي مِصْرِ كَذَا وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْحِلْيَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدِي وَزَكَّوْا أَنَّ عَبْدًا صِفَتُهُ كَذَا أَخَذَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَأَنَّهُ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَنَسَبَهُمَا إلَى أَبِيهِمَا وَإِلَى فَخِذِهِمَا وَيَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ اسْمُهُ وَاسْمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبُهُمَا ، وَالْعِبْرَةُ لِلدَّاخِلِ لَا لِلْخَارِجِ ، فَإِذَا جَاءَ الْكِتَابُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ يُسَلَّمُ الْعَبْدُ وَيُخْتَمُ فِي عُنُقِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إلَى الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَبِلَهُ وَقَضَى بِهِ وَسَلَّمَ الْعَبْدَ إلَى الَّذِي جَاءَهُ بِالْكِتَابِ وَأَبْرَأَ كَفِيلَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَهَذَا الْكِتَابُ بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ يُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ قَبُولِ الْكِتَابِ فِي الْأَمَةِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ ا هـ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى ، وَلَوْ كَتَبَ اسْمَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَنَسَبَهُ وَلَمْ يَكْتُبْ اسْمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ

وَنَسَبَهُ ، وَلَكِنْ كَتَبَ إلَى مَنْ بَلَغَ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ لَا يَجُوزُ ، وَأَبُو يُوسُفَ وَسَّعَ وَأَجَازَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ اسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبَهُ ، ثُمَّ كَتَبَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ جَازَ فَإِنَّ كُلَّ قَاضٍ وَصَلَ إلَيْهِ عَمِلَ بِهِ ، وَلَوْ لَمْ يُكْتَبْ فِي الْكِتَابِ التَّارِيخُ لَا يَقْبَلُهُ وَإِنْ كَتَبَ فِيهِ تَارِيخًا يُنْظَرُ هَلْ هُوَ كَانَ قَاضِيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ لَا ؟ وَلَا يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا ، وَكَذَا كَوْنُهُ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِمْ بِدُونِ الْكِتَابَةِ ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَادِثَةِ وَلَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا جَائِزٌ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا تُقْبَلُ وَقَالَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ وَيَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمِصْرَيْنِ أَوْ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي رُسْتَاقَ ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقَ إلَى قَاضِي مِصْرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْهُ أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْخَصْمِ لَمْ يَحْكُمْ وَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ لِيَحْكُمَ بِهَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى خَصْمٍ ، فَإِذَا كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا حَكَمَ عَلَيْهِ

لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ إلَى الْقَاضِي ، وَهَذَا الْكِتَابُ يُسَمَّى سِجِلًّا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ حَاضِرًا يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ وَلَا يَحْكُمُ بِهَا وَيَكْتُبُ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَحْكُمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِذَلِكَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ ، وَهَذَا الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي يُسَمَّى الْكِتَابَ الْحَاكِمِيَّ ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لِيَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُنَا الْوَكِيلُ عَنْ الْغَائِبِ أَوْ الْمُسَخَّرِ الَّذِي جُعِلَ وَكِيلًا لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَفْسَهُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذْ الْحُكْمُ يَتِمُّ عَلَى الْخَصْمِ بِحُكْمِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا أَصْلًا لَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا نَائِبُهُ ، وَقَدْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ كَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى خَصْمٍ ( قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ ) أَيْ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ إلَخْ ) هَذِهِ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ لِلطَّالِبِ وَيَكْتُبُ مَعَهُمْ نُسْخَتَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِمَا فِيهِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ ، وَالشَّرْطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَيُسَلِّمُ الْكِتَابَ إلَى الْمُدَّعِي وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ مِنْ دَاخِلِ الْكِتَابِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ

بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا مُعَنْوَنًا فِي دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ وَالْعِبْرَةُ لِلدَّاخِلِ لَا لِلْخَارِجِ ا هـ قَالَ الْكَاكِيُّ وَالشَّرْطُ عِنْدَهُمَا عُنْوَانُ الْبَاطِنِ لَا عُنْوَانُ الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْعُنْوَانَ الظَّاهِرَ اكْتَفَى الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالْعُنْوَانِ الْبَاطِنِ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ بِلَا خَصْمٍ وَلَا شُهُودٍ ) قَالَ الْأَقْطَعُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَخْتَصُّ بِالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَالْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْكِتَابِ فَاعْتُبِرَ حُضُورُ الْخَصْمِ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يُشْبِهُ الْكِتَابَ ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ مَا نَصُّهُ أَيْ لَمْ يَأْخُذْهُ ا هـ ( صُورَةُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَخْتِمُ الْكِتَابَ بِمَا ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ مِنْ صُورَةِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَهِيَ قَوْلُهُ مِنْ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا سَلَامٌ عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَجُلًا أَتَانِي يُقَالُ لَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ فِي كُورَةِ كَذَا حَقًّا فَسَأَلَنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ بَيِّنَتِهِ وَأَكْتُبَ إلَيْك بِمَا يَسْتَقِرُّ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ فَسَأَلْته الْبَيِّنَةَ فَأَتَانِي بِعِدَّةٍ مِنْهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ وَيُحِيلُهُمْ وَيَنْسِبُهُمْ فَشَهِدُوا عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا كَذَا

دِرْهَمًا دَيْنًا حَالًّا وَسَأَلَنِي أَنْ أُحَلِّفَهُ مَا قَبَضَ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا قَبَضَهُ لَهُ قَابِضٌ بِوَكَالَةٍ وَلَا احْتَالَ بِشَيْءٍ فَأَحْلَفْتُهُ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا قَبَضَ مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي وَلَا قَبَضَهُ لَهُ وَكِيلٌ وَلَا أَحَالَهُ وَلَا قَبَضَهُ لَهُ قَابِضٌ وَإِنَّهَا لَهُ عَلَيْهِ ، وَسَأَلَنِي أَنْ أَكْتُبَ لَهُ إلَيْك بِمَا يَسْتَقِرُّ عِنْدِي فَكَتَبْتُ إلَيْك بِهَذَا الْكِتَابِ وَأَشْهَدْت عَلَيْهِ شُهُودًا أَنَّهُ كِتَابِي وَخَاتَمِي وَقَرَأْته عَلَى الشُّهُودِ قَالَ ثُمَّ يَطْوِي الْكِتَابَ وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ وَيَخْتِمُ الشُّهُودُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْثَقُ ، ثُمَّ يَكْتُبُ عَلَيْهِ عُنْوَانَ الْكِتَابِ مِنْ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا إلَى فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا ، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ أَتَى بِهِ الْمُدَّعِي إلَى الْقَاضِي الَّذِي بِالْكُورَةِ فَذَكَرَ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَيْهِ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْمَعَ لَهُ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي حَتَّى يُحْضِرَ الْخَصْمَ ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ وَأَقَرَّ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ قَبِلَ بَيِّنَتَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ ، فَإِذَا أَنْكَرَ قَالَ جِئْنِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ ، فَإِذَا جَاءَ بِبَيِّنَةٍ وَعَدَلُوا سَمِعَ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي الَّذِي ذَكَرَ فَيَقُولُ لَهُ أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مَا فِيهِ ، فَإِذَا قَالُوا نَعَمْ قَدْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَأَشْهَدَنَا أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ ، ثُمَّ خَتَمَهُ وَقَالَ هَذَا خَاتَمِي ، فَإِذَا سَمِعَ مِنْهُ لَمْ يَكْسِرْ الْخَاتَمَ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ ، فَإِذَا عَدَلُوا لَمْ يَكْسِرْ الْخَاتَمَ حَتَّى يَحْضُرَ الْخَصْمُ ، فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمُ كَسَرَ الْخَاتَمَ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْخَصْمِ مَا فِي الْكِتَابِ ، فَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ نَعَمْ قَدْ أَشْهَدَنَا عَلَى مَا فِيهِ عَلَى مَا قَرَأَ عَلَيْنَا سَأَلَ الْخَصْمَ عَمَّا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا أَقَرَّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ وَإِنْ

أَنْكَرَ قَالَ لَك حُجَّةٌ وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا فِيهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ قَضَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حُجَّةٌ قَبِلَ حُجَّتَهُ ، فَإِنْ قَالَ لَسْتُ أَنَا فُلَانًا الْفُلَانِيَّ الَّذِي شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ قَالَ لَهُ أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّ فِي هَذِهِ الصِّنَاعَةِ أَوْ الْقَبِيلَةِ رَجُلًا يُنْسَبُ مِثْلَ مَا تُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِلَّا أَلْزَمْتُك مَا شَهِدُوا بِهِ ، فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَوْ الصِّنَاعَةِ مَنْ يُنْسَبُ بِمِثْلِ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ أَبْطَلَ الْكِتَابَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَوْ الصِّنَاعَةِ أَحَدٌ عَلَى اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ قَضَى عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْمُجَرَّدِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ ) أَيْ لِأَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْأَمَانَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُعْطِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمهُ مَا فِيهِ ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ وَخَاتَمُهُ قَبِلَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ قِرَاءَةِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا أَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُهُ وَالْخَاتَمَ خَاتَمُهُ ثَبَتَ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ ، فَإِذَا قَرَأَهُ عَرَفَ مَا فِيهِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَمِ التُّهَمِ ) وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ ، ثُمَّ قَالَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَصَحُّ أَيْ يَجُوزُ الْفَتْحُ بِالشَّهَادَةِ بِكِتَابِهِ وَخَتْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَالَةِ الشُّهُودِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَسَافَةٍ بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ ) وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا إلَخْ ) قَالَ مِسْكِينٌ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ كِتَابُ الْقَاضِي فِيمَا دُونَ

مَسِيرَةِ سَفَرٍ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ غَدَا إلَى بَابِ الْقَاضِي لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ يُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ ( قَوْلُهُ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَخْ ) فِي الْخَصَّافِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مِصْرٍ فِيهِ قَاضِيَانِ فِي كُلِّ جَانِبٍ قَاضٍ يَكْتُبُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ كِتَابًا يُقْبَلُ كِتَابُهُ ، وَلَوْ أَتَى أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالْحَادِثَةِ بِنَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَانَ الْأَوَّلُ خَاطَبَهُ فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ وَفِي الثَّانِي خَاطَبَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْكَاتِبُ عَلَى الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ أَوْ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَقِي مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَشَهَادَتُهَا جَائِزَةٌ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ فَكَذَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا فِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَشَهَادَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُوَلَّى الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ لِقُصُورِ عَقْلِهَا قُلْنَا هِيَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَبِهِ تَصِيرُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فَكَذَا لِلْقَضَاءِ كَالرَّجُلِ .قَوْلُهُ فَكَذَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَلَا تَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْجُمُعَةِ ) لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا التَّقْلِيدُ ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ ، وَفِي الْجُمُعَةِ جَوَّزْنَا لِلْمَأْمُورِ بِأَدَائِهَا أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ ، ثُمَّ إنْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا ، فَلَا تَنْعَقِدْ دُونَهَا ، وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ بِالْأَصْلِ فَكَانَ الثَّانِي بَانِيًا ، فَلَا يُشْتَرَطُ لِلْبِنَاءِ مَا يُشْتَرَطُ لِلِافْتِتَاحِ و لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ مَعَهُ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ حُكْمًا إذْ هِيَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْخُطْبَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْمُسْتَخْلَفُ الْجُمُعَةَ وَأَعَادَهَا جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مَعَ ذَلِكَ فَحَكَمَ الْخَلِيفَةُ فَأَجَازَهُ الْقَاضِي جَازَ إذَا كَانَ الْمُسْتَخْلَفُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ كَافِرٍ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَا إذَا قَضَى بِحَضْرَةِ الْقَاضِي جَازَ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ بِتَوْلِيَتِهِ حُضُورُ رَأْيِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاشَرَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْبَتِهِ فَأَجَازَهُ ، وَلَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِأَنْ قَالَ لَهُ وَلِّ مَنْ شِئْت لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ شَاءَ فَيَصِيرَ نَائِبًا عَنْ الْإِمَامِ فِي التَّوْلِيَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ عَزْلَهُ كَالْوَكِيلِ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ بِالتَّوْكِيلِ فَوَكَّلَ صَارَ وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ حَيْثُ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ وَيَمْلِكُ

التَّوْكِيلَ وَالْعَزْلَ فِي حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَدْ يَعْجِزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْجَرْي عَلَى مُوجِبِ الْوَصِيَّةِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمُوصِي فَيَكُونُ الْمُوصِي رَاضِيًا بِاسْتِعَانَتِهِ بِغَيْرِهِ دَلَالَةً كَيْ لَا تَفُوتَ مَصَالِحُهُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَالْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُمَا يَتَصَرَّفَانِ بِأَنْفُسِهِمَا ، فَلَا تَفُوتُهُمَا الْمَصَالِحُ ، وَلَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْعَزْلَ بِأَنْ قَالَ اسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت كَانَ لَهُ الْعَزْلُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْإِمَامِ ، فَلَا يَمْلِكُ إلَّا مَا أَطْلَقَ لَهُ لِأَنَّ رِضَاهُ بِتَصَرُّفِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِتَوْلِيَتِهِ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْأَمَانَةِ وَالتَّصَرُّفِ .( قَوْلُهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ ) بِخِلَافِ الْمُسْتَعِير حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ مُتَصَرِّفًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْإِذْنِ فَيَمْلِكُ بِقَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ إنْ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ وَالْإِجْمَاعَ ) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الِاجْتِهَادَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ ، فَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفُذْ الْأَوَّلُ لَمَا نَفَذَ الثَّانِي أَيْضًا ، وَكَذَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِيءَ قَاضٍ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ فَكَانَ نَافِذًا ضَرُورَةً وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا كَثُرَ اشْتِغَالُهُ قَلَّدَ الْقَضَاءَ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَاخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا ، ثُمَّ لَقِيَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ قَضَى عَلَيَّ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَوْ كُنْتُ أَنَا مَكَانَهُ لَقَضَيْتُ لَك فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَمَا يَمْنَعُك مِنْ الْقَضَاءِ قَالَ لَيْسَ هُنَا نَصٌّ وَالرَّأْيُ مُشْتَرَكٌ ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِقَضِيَّةٍ ، ثُمَّ قَضَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ تِلْكَ كَمَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ كَمَا نَقْضِي ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ، ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الثَّانِي يَرَى خِلَافَ مَا حَكَمَ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ التَّقْيِيدُ بِهِ فَيُوهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْضِيه إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ وَقَالُوا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ ، وَلَا يُمْضِيه الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ ، وَقَالَ فِيهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، فَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهِد فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي

حَنِيفَةَ ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَإٍ بِيَقِينٍ ، وَفِي أُخْرَى لَا يَنْفُذُ ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ عِنْدَهُ وَقَدْ نَهَى عَنْ اتِّبَاعِ هَوَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ، ثُمَّ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ ، وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا نَقَضَهُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ غَيْرُ سَائِغٍ فَيَنْتَقِضُ بِهِ وَقَيَّدَ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْغَرِيبِ وَالْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ مَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي قَضَى بِهِ الْأَوَّلُ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ، فَلَا كَلَامَ فِيهِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَفًا فِيهِ اخْتِلَافًا يَسْتَنِدُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَكَذَلِكَ حُكْمُهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِنَقْضٍ بَعْدَ مَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ مِثَالُهُ إذَا رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ الْمُضَافِ فَأَبْطَلَ الْيَمِينَ نَفَذَ ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِتَزَوُّجِهَا بَعْدَهُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ أَبْطَلْت الْيَمِينَ وَنَقَضْت هَذَا الطَّلَاقَ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رَاوِيَةٍ لَا يَنْفُذُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ لَا يُوجَدُ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، فَإِذَا قَضَى حِينَئِذٍ وُجِدَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَالِاجْتِهَادِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ آخَرَ يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَلِلْغَائِبِ ، وَقَضَاءُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَشَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَقَضَاءُ الْفَاسِقِ وَشَهَادَتُهُ قَبْلَ التَّوْبَةِ حَتَّى لَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ أَوْ قَضَى الْفَاسِقُ

أَوْ الْمَحْدُودُ فِي الْأَصَحِّ لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ فَقَضَى لِصِحَّةِ حُكْمِهِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ لَوْ فَسَخَهُ انْفَسَخَ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَقَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يُوجَدْ مَحَلُّهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ ، وَلَا يَنْفُذُ بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ ، وَلَوْ رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ وَنَفَّذَهُ لِأَنَّ قَضَاءَهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ ، فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِالتَّنْفِيذِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ بِالْقِصَاصِ بِتَعْيِينِ الْوَلِيِّ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيَمِينَهُ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتِ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ مُعْتَقِ الْبَعْضِ أَوْ بِلُزُومِ ثَمَنٍ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْجَدَّةِ أَوْ امْرَأَةِ الْجَدِّ أَوْ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِمُضِيِّ سِنِينَ أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ جَنِينٍ ذُبِحَتْ أُمُّهُ وَمَاتَ فِي بَطْنِهَا أَوْ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الثَّانِي أَوْ إبْطَالِ عَفْوِ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَوَدِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى حُبْلَى أَوْ حَائِضٍ قَبْلَ الدُّخُولِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا ، وَلَا يَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى ، لَوْ قَضَى بِجَوَازِهِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَضِيَّةٍ فِي عَصْرٍ ، ثُمَّ أَجْمَع الْعُلَمَاءُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي عَصْرٍ آخَرَ بَعْدَهُمْ هَلْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ أَمْ لَا فَعِنْدَهُ يَرْتَفِعُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ خِلَافُ الْمُتَقَدِّمِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْتَفِعُ فَيَكُونُ خِلَافُهُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَرْتَفِعُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْحَاكِمِ

فِيهِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ ضَعِيفٌ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِخِلَافِهِ لِضَعْفِهِ .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ ) الْمُرَادُ بِالْإِمْضَاءِ التَّنْفِيذُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ ) وَالْمُرَادُ مِنْ خِلَافِ الْكِتَابِ خِلَافُ نَصِّ الْكِتَابِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَأْوِيلِهِ السَّلَفُ مِثْلُ قَوْلِهِ { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْأَبِ وَلَا جَارِيَتَهُ وَلَا يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِجَوَازِ نِكَاحِ امْرَأَةِ الْأَبِ كَانَ لِلْقَاضِي الثَّانِي فَسْخُهُ ا هـ غَايَةٌ ، وَكَذَا إذَا قَضَى بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَا يَصِحُّ وَيُبْطِلُهُ الْقَاضِي الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ ) حَتَّى لَوْ قَضَى بِإِبْطَالِهِ ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَالثَّالِثُ يُنْفِذُ قَضَاءَ الْأَوَّلِ وَيُبْطِلُ قَضَاءَ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَوَّلِ كَانَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَالْقَضَاءُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي الثَّانِي مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ بَاطِلًا ا هـ مُحِيطٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ هُنَا مَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَنْفُذُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْفُذُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ رَأْيَهُ حَسَبَ نُفُوذِهِ عَلَى مَنْ وَافَقَ رَأْيَهُ فَإِذْنُ هَذَا قَضَاءٌ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نُفُوذِهِ ا هـ ( فَرْعٌ ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ نَصُّهُ رَجُلٌ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ ابْنَتَهَا فَخَاصَمَتْهُ زَوْجَتُهُ فِي ذَلِكَ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فَقَضَى بِالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا لَيْسَ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِلَ قَضَاءَ الْأَوَّلِ ، بَلْ يُنْفِذُهُ نَصَّ عَلَيْهِ

الْخَصَّافُ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا فَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا ، وَالْعُلَمَاءُ وَالْأَحَادِيثُ فِيهَا مُخْتَلِفَةٌ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ ، ثُمَّ هَلْ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُقَامُ مَعَهَا ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ جَاهِلًا حَلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَإِنْ قَضَى بِتَحْرِيمِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَتَى كَانَ جَاهِلًا يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ عَالِمًا يُنْظَرُ إنْ قَضَى الْقَاضِي بِتَحْرِيمِهَا وَالْمَقْضِيُّ لَهُ يَرَى حِلَّهَا نَفَذَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَقْضِيٌّ عَلَيْهِ فَيَتْبَعُ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ رَأْيَ الْقَاضِي ، وَإِنْ قَضَى لَهُ بِحِلِّهَا وَالْمَقْضِيُّ لَهُ يَرَى حُرْمَتَهَا هَلْ يَنْفُذُ ؟ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ إذَا كَانَ بِخِلَافِ رَأْيِ الْمَقْضِيِّ لَهُ هَلْ يَنْفُذُ ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ وَيَتْبَعُ رَأْيَ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ الْمَقَامُ مَعَهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَنْفُذُ وَيَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي حَتَّى يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَ فِي اسْتِحْسَانِ الْأَصْلِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا طَلَّقَهَا بِلَفْظَةِ الْكِنَايَةِ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ ، وَهُوَ يَرَى الْكِنَايَةَ رَوَاجِعَ ، وَقَدْ قَضَى لَهُ بِالرَّجْعَةِ حَلَّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ خِلَافَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ فَتْوَى ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ إنْ شَاءَ رَاجَعَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُرَاجِعْ ، وَبِالْفَتْوَى لَا يَصِيرُ الْحَلَالُ حَرَامًا وَالْبَائِنُ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّ هَذَا عَمْدًا وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ وَالْوَلِيُّ يَعْرِفُ أَنَّ الشُّهُودَ شُهُودُ زُورٍ لَا يَحِلُّ لَهُ

أَنْ يَقْتُلَهُ فَكَذَا هَذَا لَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ إلْزَامٌ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ ثُبُوتَ اعْتِقَادِ الْحِلِّ وَالرَّجْعَةِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ جَاهِلًا يَنْفُذُ فَكَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً بِخِلَافِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ لَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الِاسْتِيفَاءُ ا هـ قَوْلُهُ فَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ ) وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ ، فَإِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِأَحَدِهَا يُبْطِلُهُ الْقَاضِي الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَظِيرُ خِلَافِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ مَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ بِالْقَسَامَةِ أَعْنِي يَحْلِفُ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلِّهِ وَكَانَ ثَمَّةَ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي ، وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ا هـ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ بِأَنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَعَيَّنَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ رَجُلَيْنِ فِي الْمَحَلَّةِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ يَقْضِي الْقَاضِي بِالْقَوَدِ فَهَذَا الْقَضَاءُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَقْضِ

بِالْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ ، فَلَا يَكُونُ خِلَافُ مَالِكٍ مُعْتَبَرًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } الْآيَةَ فَاَللَّهُ تَعَالَى شَرَعَ الْفَصْلَ بِالْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَكَانَ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ شَاذٌّ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَيُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَقْضِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ إلَّا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَفِعْلُهُ مِمَّا لَا يُؤْخَذُ بِهِ ، فَلَا يَكُونُ هَذَا مُحْتَمَلًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ ، وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَلَا يَنْفَسِخُ كَذَا ذَكَر الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ أَمْ لَا ؟ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرْفَعُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَرْفَعُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي يَعْنِي أَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنَّهُمْ لَا يُبَعْنَ ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ أُرِقَّهُنَّ فَقَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ رَأْيُك فِي رَأْيِ عُمَرَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِك وَحْدَك ، ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِجَوَازِ الْبَيْعِ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ فَيُبْطِلُهُ الثَّانِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا لَمْ يَرْتَفِعْ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ كَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي فَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ، فَلَا يَفْسَخُهُ الثَّانِي

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي آخِرِ فُصُولِ الْإِجْمَاعِ مِنْ كِتَابِ التَّقْوِيمِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ رَوَى عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَمْ يَجُزْ وَذَكَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَوْ قَضَى قَاضٍ بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ ، ثُمَّ رَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يُنْفِذْهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَسَادِهِ وَصَحَّ رُجُوعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا آيَةُ الطَّلَاقِ وَالْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ حَرَامٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمُتْعَةِ نَافِذٌ لَكِنَّ هَذَا شَاذٌّ لَا يُعْمَلُ بِهِ ، وَهَذَا فِي لَفْظِ الْمُتْعَةِ بِأَنْ قَالَ أَتَمَتَّعُ بِك إلَى أَجَلٍ فَأَمَّا إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك إلَى شَهْرٍ عِنْدَنَا بَطَلَ النِّكَاحُ وَعِنْدَ زُفَرَ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ التَّوْقِيتُ فَكَانَ هَذَا مَوْضِعَ الِاجْتِهَادِ ا هـ قَوْلُهُ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ مُعْتَقِ الْبَعْضِ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِدَامَةُ الرِّقِّ فِيهِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا قَالَ بَعْضُهُمْ يَخْرُجُ إلَى الْعِتْقِ بِالسِّعَايَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الثَّانِي ) ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَظِيرُ خِلَافِ الْإِجْمَاعِ مَا إذَا قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ كَانَ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَنْقُضَهُ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ اخْتِلَافُ

الشَّافِعِيِّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ ) أَيْ الْأَمْلَاكِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ سَبَبُهَا مُعَيَّنًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَكَمَا إذَا قَضَى بِنِكَاحٍ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ وَكَمَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ شَاهِدَكِ زَوَّجَاكِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَلَوْ لَمْ يَنْفُذْ بَاطِنًا كَانَ تَمْهِيدًا لِلْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ عَهِدْنَا نُفُوذَ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بِاللِّعَانِ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَأَحَدُهُمَا كَاذِبٌ بِيَقِينٍ ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَتَحَالَفَا يَفْسَخُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا الْبَيْعَ فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا حَتَّى يَحِلَّ لِلْبَائِعِ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ فَكَذَا فِي كُلِّ الْفُسُوخِ وَالْعُقُودِ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا ذَكَرُوا لِأَنَّا نَجْعَلُ حُكْمَ الْحَاكِمِ إنْشَاءً وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ قَابِلًا فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً لَا يُقْبَلُ الْإِنْشَاءُ وَإِنَّمَا لَا يُشْتَرَطُ الشُّهُودُ فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مُقْتَضًى فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ وَمَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ وَشَهَادَةُ الْعَبِيدِ وَنَحْوِهِمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا بِخِلَافِ الْفُسَّاقِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ حُجَّةً وَإِنَّمَا لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا فِي الْأَمْلَاكِ

الْمُرْسَلَةِ ؛ لِأَنَّ فِي أَسْبَابِ الْمِلْكِ تَزَاحُمًا وَلَيْسَ تَعْيِينُ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا بِغَيْرِ سَبَبٍ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْبَشَرِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى سَبَبًا مُعَيَّنًا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِقَالَةِ وَالْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ التَّبَرُّعَاتِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَالْبَيْعُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ تَبَرُّعٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ لِأَنَّ النُّفُوذَ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُهُ ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ لَيْسَ بِتَبَرُّعٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ يَمْلِكَانِهِ وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا بِثَلَاثٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ فَجَحَدَ الزَّوْجُ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ إنْ عَلِمَتْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَتْ لَا يَسَعُهَا الْإِقَامَةُ مَعَهُ ، وَلَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْئًا وَهَذَا لَا يُشْكِلُ فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْإِنْشَاءِ قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ ، وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ إنْشَاءَ النِّكَاحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْإِنْشَاءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِنْشَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ وَهُنَا لَمْ يَقْضِ بِهِ لِاعْتِرَافِ الزَّوْجَيْنِ بِالنِّكَاحِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ ادَّعَتْ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا وَعَجَزَتْ عَنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيَبْقَى مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَلَمْ يَحْتَجْ الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِالنِّكَاحِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ بِنَفَاذِ الْحُكْمِ ظَاهِرًا أَنْ يَثْبُتَ فِيمَا بَيْنَنَا مِثْلَ ثُبُوتِ التَّمْكِينِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ مِنْ نَفَاذِهِ بَاطِنًا ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ النَّفَاذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِيمَا إذَا كَانَ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَيْ الْمُطْلَقَةِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِدُونِ سَبَبٍ وَفِي الْأَسْبَابِ كَثْرَةٌ فَتَعَذَّرَ تَعْيِينُ سَبَبٍ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذُكِرَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَيْ الْمُطْلَقَةِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَأَجْمَعُوا أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ كُفَّارًا يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ ، ثُمَّ أَنْكَرَ وَحَلَفَ وَقَضَى بِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْفُذُ بَاطِنًا فِي الطَّلَاقِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِعَقْدٍ وَلَا فَسْخٍ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِ الزَّوْجُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ فَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا اتِّفَاقًا حَتَّى لَا يَحِلَّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَطْؤُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ فَقَالَ لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ ) وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ تَصْحِيحَ الْقَضَاءِ عَلَى وِفَاقِ الْحُجَّةِ وَهَذِهِ الْحُجَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ كَذَبَتْ وَالْكَذِبُ بَاطِلٌ ، فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا ، وَلَكِنَّ الْعَدَالَةَ الظَّاهِرَةَ دَلِيلُ الصِّدْقِ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَتْ حُجَّةً مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الْعَمَلِ ظَاهِرًا فَأَمَّا ثُبُوتُ

حَقِيقَةِ التَّنْفِيذِ فَمُمْتَنِعٌ لِانْعِدَامِ دَلِيلِهِ ، وَهُوَ الْحُجَّةُ الصَّحِيحَةُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُجَّةَ الْقَضَاءِ قَامَتْ وَافْتُرِضَ عَلَى الْقَاضِي الْعَمَلُ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الصِّدْقِ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فِي حَقِّ الْقَاضِي ، وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى ذَلِكَ فَصَارَتْ سَاقِطَةَ الْعِبْرَةِ وَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ دَلِيلَ الصِّدْقِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ، وَهُوَ الْعَدَالَةُ ، فَإِذَا وُجِدَ فَقَدْ قَامَ دَلِيلٌ أَوْجَبَ الشَّرْعُ الْعَمَلَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاجْتِهَادِ يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ ، فَإِذَا بَنَى الْقَاضِي الْقَضَاءَ عَلَى مَا جُعِلَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلًا يَجِبُ صَوْنُ قَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ مَا أَمْكَنَ ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ مُضَافًا إلَيْهِ قَالَ تَعَالَى { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَقَالَ تَعَالَى { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } ، فَإِذَا قَضَى بِمَا رَضِيَ مِنْ الشُّهَدَاءِ فَقَدْ قَضَى بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُودِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا إذَا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ تَجْحَدُ وَأَقَامَ عَلَيْهَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا حَلَّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَحَلَّ لِلْمَرْأَةِ التَّمْكِينُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا ذَلِكَ ، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ ، وَهُوَ يَجْحَدُ وَمِنْهَا إذَا قَضَى بِالْبَيْعِ بَيْنَهُمَا بِشَهَادَةِ الزُّورِ ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّك بِعْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَيَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَصُورَةُ الْقَضَاءِ فِي الْفُسُوخِ كَثِيرَةٌ أَيْضًا مِنْهَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ

الْمُتَبَايِعَيْنِ فَسْخَ الْعَقْدِ وَأَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ فَفَسْخَ الْقَاضِي يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْءُ الْجَارِيَةِ وَمِنْهَا إذَا ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الثَّانِي الْوَطْءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ ا هـ قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ ) وَإِنَّمَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ إذَا كَانَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَيْسَ فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي ، فَلَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَ مِنْهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا مِنْهُ ، وَهُوَ فِي يَده بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا عِنْدَهُمَا وَهَلْ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مُعَيَّنٌ يَدَّعِيه الْمُدَّعِي وَأَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ بِالسَّبَبِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ كَمَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ أَوْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ كَمَنْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبَ ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَضَى لِهِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ بِالنَّفَقَةِ وَأَبُو سُفْيَانَ غَائِبٌ فَقَالَ لَهَا خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي } مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ حُضُورِ خَصْمٍ وَلِأَنَّ الْحُجَّةَ وُجِدَتْ عَلَى التَّمَامِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ كَاسْمِهَا فَجَازَ الْقَضَاءُ بِهَا كَمَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَلَنَا { قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ فَإِنَّك إذَا سَمِعْت كَلَامَ الْآخَرِ عَلِمْت كَيْفَ تَقْضِي } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ ، وَلَا مُنَازَعَةَ هُنَا لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ ، فَلَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ وَجْهَ الْقَضَاءِ يَشْتَبِهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقِرَّ الْخَصْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْكِرَ وَأَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّهُ بِالْإِقْرَارِ يَقْتَصِرُ وَبِالْبَيِّنَةِ يَتَعَدَّى ، فَلَا يَجُوزُ مَعَ الِاشْتِبَاهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ فَإِنَّك إذَا سَمِعْت كَلَامَ الْآخَرِ عَلِمْت كَيْفَ تَقْضِي } فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِوَجْهِ الْقَضَاءِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ وَأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ وَأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِكَلَامِهِمَا وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا إذَا عَجَزَ الْمُنْكِرُ عَنْ الطَّعْنِ فِي الشُّهُودِ وَمَعَ غَيْبَتِهِ لَا يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ ، فَلَا

يَكُونُ حُجَّةً ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِي حَدِيثِ هِنْدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً وَإِنَّمَا كَانَتْ فَتْوَى أَوْ إعَانَةً لَهَا عَلَى أَخْذِ مَالِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمْ تَدَّعِ الزَّوْجِيَّةَ وَلَمْ تُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَالِمًا بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ أَصْلًا ، وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي } لَيْسَ لَهُمَا فِيهِ حُجَّةٌ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ لَنَا ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ اسْمٌ لِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْبَيَانُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي ، وَلَا فِي حَقِّ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ عَالِمٌ بِحَقِّهِ وَالْقَاضِي بَانَ لَهُ بِكَلَامِ الْمُدَّعِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَازِعٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الْخَصْمِ ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَزُكِّيَتْ بَيِّنَتُهُ ، ثُمَّ غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ هُوَ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ إعَادَتِهَا وَكَذَا إذَا غَابَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ ، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَغَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ فَوَصَّى عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ الْبَيِّنَةَ فَيَبْطُلُ بِهِ دُونَ الْإِقْرَارِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ أَيْضًا ، ثُمَّ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ قَدْ يَكُونُ بِإِنَابَتِهِ أَوْ بِإِنَابَةِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ ، وَقَدْ يَكُونُ حَكَمًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ شَيْئًا وَاحِدًا مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ دَارًا فِي يَدِ إنْسَانٍ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ وَادَّعَى الْمُنْكِرُ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْ ادَّعَى فِي دَارٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ شُفْعَةً ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ

اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ ، وَقَالَ ذُو الْيَدِ الدَّارُ دَارِي لَمْ أَشْتَرِهَا مِنْ أَحَدٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَ ائْبَ أَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا عَلَى أَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ الْغَائِبِ بِأَمْرِهِ فَأَقَرَّ الْحَاضِرُ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَيَثْبُتُ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَزِمَهُ ، وَلَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَيْهِمَا شَيْئَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الْقَاذِفُ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُ الْغَائِبَ قَدْ أَعْتَقَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَوْطًا أَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ عَبْدَانِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُمَا أَعْتَقَهُمَا وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ تُقْبَلُ وَيَثْبُتُ الْعِتْقُ عَلَى الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّيْنِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ إذْ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الشَّهَادَةِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْحُرِّ وَحَدُّ الْحُرِّ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَحْرَارِ ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ شَرِيكَهُ الْغَائِبَ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ ، وَقَالَ انْقَلَبَ نَصِيبِي مَالًا تُقْبَلُ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْحَقَّيْنِ يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ بِنَقْلِ امْرَأَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ إلَيْهِ فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ طَلَّقَهَا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ الْيَدِ عَنْهُمَا فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَنْقُلَهُمَا ، وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ ، فَلَا يَقَعَانِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ مَوْلَاهَا زَوَّجَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَرَادَ

رَدَّهَا بِعَيْبِ الزَّوَاجِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَزَالَ الْعَيْبُ ، وَلَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا لِمَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ يُنْظَرُ ، فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ يَتَضَرَّرُ بِالشَّرْطِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا إنَّك عَلَّقَتْ طَلَاقِي بِطَلَاقِ فُلَانٍ الْغَائِبِ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ تُقْبَلُ بِأَنْ قَالَتْ عَلَّقْتَ طَلَاقِي بِدُخُولِ فُلَانٍ الْغَائِبَ الدَّارَ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا تُقْبَلُ مُطْلَقًا كَمَا فِي السَّبَبِ مِنْهُمْ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي كَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى السَّبَبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ أَيْضًا .

( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقِرَّ الْخَصْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْكِرَ ) بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهُ الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ صَادِقٌ ظَاهِرًا لِوُجُودِ دِينِهِ وَعَقْلِهِ الصَّارِفَيْنِ عَنْ الْكَذِبِ الدَّاعِيَيْنِ إلَى الصِّدْقِ ، فَإِذَا كَانَ الْمُدَّعِي صَادِقًا لَا يُنْكِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصِّدْقَ لِدِينِهِ وَعَقْلِهِ ، فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الْإِقْرَارَ لَا يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَأَحْكَامُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ ) فَحُكْمُ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَيَظْهَرُ فِي الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ خِلَافُ ذَلِكَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ أَنَّهُ شَرْطٌ فَلْيُنْظَرْ ا هـ قَوْلُهُ عِنْد قَوْلِهِ يَعْنِي فِي الْمَتْن الَّذِي تَقَدَّمَ ( قَوْلُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَالِمًا بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ أَصْلًا ) وَمِمَّا يُرَجِّحُهُ وُقُوعُ الِاسْتِفْهَامِ فِي الْقِصَّةِ فِي قَوْلِهَا هَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَّضَ إلَيْهَا تَقْدِيرَ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَلَوْ كَانَ قَضَاءً لَمْ يُفَوِّضْهُ إلَى الْمُدَّعِي وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْلِفْهَا عَلَى مَا ادَّعَتْ وَلَا كَلَّفَهَا الْبَيِّنَةَ ا هـ قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَغَابَ إلَخْ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي بَابِ الِاسْتِحْلَافِ ، وَلَوْ أَقَرَّ وَغَابَ قَضَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءُ إعَانَةٍ ، وَلَوْ أُقِيمَ الْبَيِّنَةُ فَلَمْ تُزَكَّ فَغَابَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَزُكِّيَتْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَالَ غَيْبَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْجَرْحِ فِي الشُّهُودِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ شَيْئًا وَاحِدًا مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ إلَخْ ) وَفِي هَذَا الْقِسْمِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ ا

هـ ( قَوْلُهُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبَ ) أَيْ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَإِنَّهُ قَضَى بِهَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ الدَّارُ ا هـ وَأَيْضًا فَمَا ادَّعَاهُ عَلَى الْغَائِبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ مَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبٌ لَا مَحَالَةَ لِمِلْكِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبَ ) أَيْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَأَنَّهُ شَفِيعُهَا يَقْضِي بِالشِّرَاءِ فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَزِمَهُ ) أَيْ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالثَّانِي ) أَيْ النَّوْعُ الثَّانِي ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَمَسَائِلُهُ ثَلَاثٌ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَوْطًا ) أَيْ فَتُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِب جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَمْكَنَ الْعِتْقُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَإِنْ ادَّعَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ حَدًّا كَامِلًا وَعَلَى الْغَائِبِ عِتْقًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعِتْقُ سَبَبًا لِثُبُوتِ مَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ الْحَدِّ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْعِتْقِ بِحَالٍ فَيُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ جَمِيعًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ الْبَيِّنَةَ إلَخْ ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالثَّالِثَةُ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْحَاضِرُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنَّ الْغَائِبَ عَفَا عَنْ نَصِيبِهِ فَانْقَلَبَ نَصِيبِي مَالًا وَأَنْكَرَ الْقَاتِلُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِهَا عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقْرِضُ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ وَيَكْتُبُ الصَّكَّ لَا الْوَصِيُّ وَالْأَبُ ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ وَالْوَصِيُّ وَالْأَبُ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى ذَلِكَ فَيَضْمَنَانِ بِإِقْرَاضِ مَالِ الصَّغِيرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ تَبَرُّعٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ ، فَلَا يَمْلِكَانِهِ وَلِأَنَّهُ بِإِقْرَاضِهِمَا يَكُونُ عَلَى شَرَفِ التَّوَى بِأَنْ يَجْحَدَ الْمُسْتَقْرِضُ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ وَتُرَدُّ شُهُودُهُ لِأَنَّ كُلَّ مُسْتَقْرِضٍ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ ، وَلَا كُلَّ شَاهِدٍ مَقْبُولٌ ، وَلَا كُلَّ قَاضٍ عَادِلٌ بِخِلَافِ إقْرَاضِ الْقَاضِي حَيْثُ يَكُونُ الْإِقْرَاضُ أَحْسَنُ تَصَرُّفٍ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ كَثِيرُ الِاشْتِغَالِ ، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَاشِرَ الْحِفْظَ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ إلَى أَمِينِهِ وَدَفْعُهُ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الْقَرْضِ أَنْظَرُ لِلْيَتِيمِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ تَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيُؤْمَنُ التَّوَى بِجُحُودِ الْمُسْتَقْرِضِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي وَلِكَوْنِهِ لَا يُقْرِضُهُ لِدِيَانَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِأَحْوَالِ النَّاسِ إلَّا مِنْ أَمِينٍ يُؤْمَنُ ، وَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْجُحُودُ وَإِنَّمَا يَكْتُبُهُ فِي الصَّكِّ لِيَحْفَظَهُ ؛ لِأَنَّهُ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ يُخَافُ أَنْ يَنْسَاهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْأَبِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ قَرْضًا لِنَفْسِهِ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قِيلَ لَهُ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الَّذِينَ أَقْرَضَهُمْ مَالَ الْأَيْتَامِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ لَكِنْ إنَّمَا يَقْدِرُ مِنْ الْغَنِيِّ لَا مِنْ الْفَقِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ الْمُعْسِرَ

ابْتِدَاءً فَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ انْتِهَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( بَابُ التَّحْكِيمِ ) لَمَّا كَانَ الْمُحَكَّمُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُكَّامِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي وَهُوَ جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا } نَزَلَتْ فِي تَحْكِيمِ الزَّوْجَيْنِ ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَرَكَهُمْ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ } وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَكَّمَا رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ صَحَّ لَوْ صَلَحَ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا ) لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا وَلِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةَ أَنْفُسِهِمَا فَصَحَّ تَحْكِيمُهُمَا وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ فِي حَقِّهِمَا وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ النُّكُولِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَشَرَطَ لِنُفُوذِ حُكْمِهِ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ إبَاحَتَهُ ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ ، فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ مِنْ حَكَّمَاهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْعَاقِلَةِ حُكْمَهُ وَلِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا عَلَى الْقَاتِلِ ، وَلَوْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَ جِرَاحَتُهُ بِبَيِّنَةٍ وَأَرْشُهَا أَقَلُّ مِمَّا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ خَطَأً كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ كَانَ قَدْرُ مَا تَتَحَمَّلُهُ ، وَلَكِنَّ الْجِرَاحَةَ كَانَتْ عَمْدًا لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ نَفَذَ حُكْمُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُهُ وَأَجَازَ فِي الْمُحِيطِ التَّحْكِيمَ فِي الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ

الْخَصَّافُ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِيمَا بَيْنَهُمَا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي حَتَّى لَوْ حَكَّمَا كَافِرًا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ صَبِيًّا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فَكَذَا حُكْمًا ، وَإِنْ حَكَّمَا فَاسِقًا أَوْ امْرَأَةً جَازَ كَمَا فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ ، وَكَذَا الْكَافِرُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِ ، وَكَذَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكِّمِينَ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ حُكْمِهِ ) لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَكَانَ لَهُمَا عَزْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّ الْمُقَلِّدَ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ التَّحْكِيمَ ثَبَتَ بِتَرَاضِيهِمَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ عَزْلُهُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا لِأَنَّا نَقُولُ التَّحْكِيمُ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ فَيَسْتَبِدُّ أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْوَكَالَاتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ حَكَمَ لَزِمَهُمَا ) لِأَنَّ حُكْمَهُ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ عَلَيْهِمَا كَالْقَاضِي إذَا حَكَمَ لَزِمَ ، ثُمَّ بِالْعَزْلِ لَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ فَكَذَا هَذَا وَلِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَكُونُ دُونَ صُلْحٍ جَرَى بَيْنَهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا ، وَفِيهِ لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ بَعْدَ تَمَامِهِ فَهَذَا أَوْلَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَمْضَى الْقَاضِي حُكْمَهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ ) يَعْنِي إذَا رَفَعَا حُكْمَهُ إلَيْهِ وَتَحَاكَمَا عِنْدَهُ نَفَّذَهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ ، ثُمَّ فَائِدَةُ هَذَا الْإِمْضَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَهُ نَقْضَهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ إمْضَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ ابْتِدَاءً ، وَلَوْ لَمْ يُمْضِهِ

لَنَقَضَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا أَبْطَلَهُ ) أَيْ إنْ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَهُ أَبْطَلَهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ التَّحْكِيمِ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَفَعَ إلَيْهِ حُكْمَ حَاكِمٍ حَيْثُ لَا يُبْطِلُهُ ، وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً ؛ لِأَنَّ مُقَلِّدَهُ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً فَكَانَ نَائِبُهُ لَهُ فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكُلِّ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ نَقْضِهِ كَحُكْمِ الْإِمَامِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُحَكَّمِ لِأَنَّهُ بِاصْطِلَاحِ الْخَصْمَيْنِ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا ، وَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ حُكْمُهُ بِمَنْزِلَةِ اصْطِلَاحِهِمَا فِي الْمُجْتَهَدَاتِ حَتَّى كَانَ لَهُ نَقْضُ اصْطِلَاحِهِمَا إذَا رَأَى خِلَافَ ذَلِكَ فَكَذَا هَذَا ، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَعْطَى لَهُ حُكْمَ الْقَاضِي فِي حَقِّهِمَا حَتَّى اشْتَرَطَ فِيهِ شَرَائِطَ الْقَضَاءِ ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمَا كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَلَّى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ مَا لَمْ يُخَالِفْ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَلَوْ أَخْبَرَ هَذَا الْمُحَكَّمُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَائِمَةٌ ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ لِانْقِضَاءِ الْوِلَايَةِ هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُحَكَّمُ بَيْنَهُمَا لِأَحَدِهِمَا قَدْ أَقْرَرْت عِنْدِي لِهَذَا بِكَذَا وَكَذَا أَوْ قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَلَيْك بِكَذَا وَكَذَا فَعَدَلُوا ، وَقَدْ أَلْزَمْتُك ذَلِكَ وَحَكَمْت عَلَيْك بِهِ لِهَذَا وَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَقَرَّهُ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ نَفَذَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ يَمْلِكُ

إنْشَاءَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ كَالْقَاضِي الْمُوَلَّى إذَا قَالَ فِي حَالِ قَضَائِهِ لِإِنْسَانٍ قَضَيْت عَلَيْك لِهَذَا بِإِقْرَارِك أَوْ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عِنْدِي بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ حَكَّمَا رَجُلًا مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ، وَقَالَا لَمْ تَحْكُمْ بَيْنَنَا ، وَقَالَ الْحَكَمُ حَكَمْتُ فَالْحُكْمُ مُصَدَّقٌ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَكَى مَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ وَجَعَلَ إقْرَارَهُ كَإِنْشَاءِ الْحُكْمِ ، وَلَا يُصَدَّقُ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ ، وَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ ، وَقَالَ فِيهِ الْمُحَكَّمُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ الْحُكُومَةِ بِأَحَدِ أَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا بِالْعَزْلِ أَوْ بِانْتِهَاءِ الْحُكُومَةِ نِهَايَتِهَا بِأَنْ كَانَ مُؤَقَّتًا فَمَضَى الْوَقْتُ أَوْ بِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ بِأَنْ عَمِيَ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَلَوْ غَابَ أَوَأُغْمِيَ عَلَيْهِ وَبَرِئَ مِنْهُ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ حُبِسَ كَانَ عَلَى حُكْمِهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُبْطِلُ الشَّهَادَةَ ، فَلَا تُبْطِلُ الْحُكُومَةَ وَكَذَا لَوْ وَلِيَ الْقَضَاءَ ، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى حُكُومَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ الْمُحَكِّمِينَ وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْ جِهَةِ الْوَالِي وَوِلَايَةُ الْحُكُومَةِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُحَكِّمِينَ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَالِي ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ حَصَلَ مُطْلَقًا فَكَانَ لَهُ الْحُكُومَةُ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا ، وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ جَازَ ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ التَّحْكِيمِ ) ( قَوْلُهُ لَمَّا كَانَ الْمُحَكَّمُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُكَّامِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ ) أَيْ إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ ذِكْرَهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ أَدْنَى حَالًا مِنْ حُكْمِ الْقَاضِي وَلِهَذَا إذَا خَالَفَ حُكْمُهُ مَذْهَبَ الْقَاضِي الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ أَبْطَلَهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِيهِمَا وَيَجُوزُ حُكْمُ الْقَاضِي رَضِيَ الْخَصْمُ أَوْ لَا ، وَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْحَكَمِ إلَّا بَعْدَ رِضَا الْخَصْمَيْنِ يُقَالُ حَكَّمَهُ أَيْ فَوَّضَ الْحُكْمَ إلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى الْعَائِلَةِ ) يَعْنِي لَوْ حَكَّمَاهُ فِي دَمٍ خَطَأٍ فَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ لَا يَجُوزُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ ) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ ) أَيْ نَقُولَ يَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْعَقْدُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا ، ثُمَّ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْمُشَارَكَةِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَائِمَةٌ وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ وَهُمَا عَلَى تَحْكِيمِهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْ قَوْلُ الْمُحَكَّمِ ذَكَرَهُ تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي إذَا قَالَ الْحَكَمُ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ قَدْ أَقْرَرْتَ عِنْدِي بِكَذَا أَوْ قَالَ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْك وَأَلْزَمْتُك بِالْحُكْمِ وَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ فَالْحُكْمُ مَاضٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُنْفِذَ التَّحْكِيمَ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَالْمَجْلِسُ بَاقٍ ، فَإِذَا قَالَ حَكَمْت صُدِّقَ وَإِنْ قَالَ الْحَكَمُ كُنْت حَكَمْت بِكَذَا

لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ صَارَ مَعْزُولًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ أَنِّي حَكَمْتُ عَلَيْهِ بِكَذَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ صَارَ قَضَاؤُهُ كَالْقَاضِي بَعْدَ الْعَزْلِ إذَا قَالَ قَضَيْت بِكَذَا لَا يُصَدَّقُ كَذَا هَذَا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطَلَ حُكْمُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ كَحُكْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ ) أَيْ يَبْطُلُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ لِهَؤُلَاءِ كَمَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِحُكْمِهِ لَهُمْ فَيَبْطُلُ دُونَ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا كَالشَّهَادَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ وَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ لِأَبِي امْرَأَتِهِ وَأُمِّهَا ، وَكَذَا لِامْرَأَةِ ابْنِهِ أَوْ لِزَوْجِ ابْنَتِهِ إذَا كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْحَيَاةِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَهُمْ قَضَاءٌ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ إذَا كَانُوا يَتَوَارَثُونَ ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَوَارَثُونَ جَازَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ لِلْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِهِمْ وَالْأَعْمَامِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُمْ جَائِزَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَهُوَ حَسْبِي وَنَعَمْ الْوَكِيلِ .( قَوْلُهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ يَجُزْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي فَصْلِ مَنْ يُجَوِّزُ قَضَاءَ الْقَاضِي لَهُ وَيُجَوِّزُ قَضَاءَ الْقَاضِي لِأُمِّ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مَا مَاتَتْ وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حَيَّةً ، وَكَذَا لَوْ قَضَى لِامْرَأَةِ أَبِيهِ بَعْدَ مَا مَاتَ الْأَبُ جَازَ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فِي الْأَحْيَاءِ لَا يَجُوزُ ا هـ .

( بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَتِدُ ذُو سُفْلٍ فِيهِ ، وَلَا يَنْقُبُ كَوَّةً بِلَا رِضَا ذِي الْعُلْوِ ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ سُفْلٌ وَلِآخَرَ عُلُوٌّ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا ، وَلَا يَنْقُبَ فِيهِ كُوَّةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا يَصْنَعُ فِيهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْعُلْوِ بَيْتًا أَوْ يَضَعَ عَلَيْهِ جُذُوعًا أَوْ يُحْدِثَ كَنِيفًا قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ إلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ مِثْلَ مَا قَالَا وَقِيلَ فِيهِ خِلَافٌ حَقِيقَةً وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُمَا الْإِبَاحَةُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ لَهُ وَالْحُرْمَةُ لِعَارِضٍ وَهُوَ الضَّرَرُ بِالْغَيْرِ فَمَا أَشْكَلَ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَعِنْدَهُ الْأَصْلُ هُوَ الْحَظْرُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالرَّهْنِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْإِطْلَاقِ لِعَارِضٍ وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ بِيَقِينٍ فَمَا أَشْكَلَ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحَظْرِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ الْمُشْكِلِ فَظَهَرَ فِيهَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ ، وَلَا خِلَافَ فِيمَا لَا إشْكَالَ فِيهِ ، وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي ، وَلَكِنْ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ إنْ شَاءَ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ عُلُوَّهُ ، ثُمَّ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ السُّكْنَى فِيهِ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي ذَلِكَ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا انْهَدَمَتْ فَبَنَاهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذْ هُوَ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْسِمَ عَرْصَتَهَا وَيَبْنِيَ نَصِيبَهُ ،

وَصَاحِبُ الْعُلْوِ لَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَعَلَى هَذَا لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُ الدَّارِ أَوْ بَعْضُ الْحَمَّامِ فَأَصْلَحَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إذْ لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ بَعْضِهِ ، وَلَوْ انْهَدَمَ كُلُّهُ فَعَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا ، وَلَوْ هَدَمَ صَاحِبُ السُّفْلِ سُفْلَهُ بِنَفْسِهِ يُجْبَرُ عَلَى إعَادَتِهِ لِتَعَدِّيهِ بِمَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالرَّاهِنِ يُعْتِقُ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ أَوْ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِعِتْقٍ أَوْ نَحْوِهِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُجْبِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ ، فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْآخَرِ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ إذْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ كَرْيُ النَّهْرِ أَوْ إصْلَاحِ سَفِينَةٍ مَعِيبَةٍ وَفِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي ، وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا كَمَسْأَلَةِ انْهِدَامِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى حَقِّهِ أَصْلًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِالْإِصْلَاحِ فَصَارَ مُضْطَرًّا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ تَصَرَّفَ صَاحِبُ السُّفْلِ فِي سَاحَةِ السُّفْلِ بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ .

( بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَتِدُ ) وَتَدَ الْوَتَدَ يَتِدُهُ إذَا ضَرَبَهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَنْقُبُ كَوَّةً ) بِفَتْحِ الْكَافِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ لِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلْوِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَا يَصْنَعُ فِيهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ ) وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ سُفْلَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِ الْعُلْوِ فِي سُكْنَاهُ الْعُلْوَ قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ) عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ إلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ عُلُوٌّ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ فِي الْعُلْوِ بِنَاءً أَوْ يَتِد وَتَدًا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ ضَرَّ بِالسُّفْلِ يُمْنَعُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ لَا يُمْنَعُ وَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَالْإِشْكَالِ يُمْنَعُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ الْأَصْلُ هُوَ الْخَطَرُ ) وَقَوْلُهُ قِيَاسٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلْوِ مِنْ تَوْهِينِ بِنَاءٍ أَوْ نَقَضِهِ فَوَجَبَ نَقْضُهُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِيمَا لَا إشْكَالَ فِيهِ ) أَيْ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ ) أَيْ أَمَّا إذَا هَدَمَهُ بِنَفْسِهِ فَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي الشَّرْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ إلَخْ ) وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَائِطِ وَعِمَارَتِهِ قَالَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ ، وَهَذَا عِنْدِي فِي غَايَةِ الْحُسْنِ إذَا كَانَ بِقَضَاءٍ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لَوْ عَلَا بِنَاءُ السُّفْلِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ

الْبِنَاءِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتُلِفَ أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْبِنَاءِ أَوْ وَقْتَ الرُّجُوعِ وَالصَّحِيحُ وَقْتَ الْبِنَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِبِنَائِهِ ، فَلَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ يُجْبَرُ عَلَى إعَادَتِهِ لِتَعَدِّيهِ بِمَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ ) أَيْ ، وَهُوَ قَرَارُ الْعُلْوِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ كَرْيِ النَّهْرِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَرْيِهِ وَكَرَى الْآخَرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي ) يَعْنِي الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ إذَا جَنَى فَفَدَاهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يُجْبَرُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ لَا يَفْتَحُ فِيهَا أَهْلُ الْأُولَى بَابًا بِخِلَافِ الْمُسْتَدِيرَةِ ) مَعْنَاهُ سِكَّةٌ طَوِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا سِكَّةٌ أُخْرَى طَوِيلَةٌ وَهِيَ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لِأَهْلِ السِّكَّةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا إلَى السِّكَّةِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْبَابَ يُقْصَدُ لِلْمُرُورِ ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ فِيهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَهْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا كَانَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لَهُمْ لَا لِأَهْلِ الْأُولَى ، فَلَوْ مُكِّنُوا مِنْ فَتْحِ الْبَابِ لَخَرَجُوا مِنْهُ إلَيْهَا إذْ لَا يُمْكِنُهُمْ الْمَنْعُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَيُخَافُ أَنْ يَسُدَّ بَابَهُ الْأَصْلِيَّ وَيَكْتَفِيَ بِالْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَيَجْعَلَ دَارِهِ مِنْ تِلْكَ السِّكَّةِ فَيَمْنَعَ مِنْهُ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ ، فَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ وَلِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِمْ ضَرَرٌ بِأَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِمْ فَيُمْنَعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ نَافِذَةً ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطْرَاقَ حَقُّ الْعَامَّةِ وَهُمْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَقِيلَ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ لِأَنَّهُ رَفَعَ جِدَارَهُ وَهُوَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ كُلَّهُ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ نَقْضُ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يُرَكَّبُ عَلَيْهِ بَابًا وَيَدَّعِي الْمُرُورَ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ فَيُسْتَدَلُّ بِالْبَابِ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَدِيرَةِ يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الزَّائِغَةُ الثَّانِيَةُ مُسْتَدِيرَةً حَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْأُولَى فَتْحُ الْبَابِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُسْتَدِيرَةً وَهِيَ الَّتِي فِيهَا اعْوِجَاجٌ حَتَّى بَلَغَ عِوَجُهَا رَأْسَ السِّكَّةِ صَارَتْ كِلْتَاهُمَا سِكَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ حَتَّى إذَا بِيعَ دَارٌ فِيهَا يَجِبُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ الْمُسْتَدِيرَةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ أَيْضًا ،

وَإِنْ كَانَتْ نَافِذَةً فَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا حَقُّ الْمُرُورِ ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِي دَارِهِ حَمَّامًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ وَمَا فِيهِ مِنْ النَّدَاوَةِ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِأَنْ يَبْنِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ حَائِطًا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجِيرَانَ إذَا مَا تَأَذَّوْا مِنْ دُخَانِهِ فَلَهُمْ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ دُخَانُ الْحَمَّامِ مِثْلَ دُخَانِهِمْ ، وَلَوْ اتَّخَذَ دَارِهِ حَظِيرَةَ غَنَمٍ وَالْجِيرَانُ يَتَأَذَّوْنَ مِنْ نَتْنِ السِّرْقِينِ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ مَنْعُهُ ، وَلَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ يَقِينًا فَلَهُ مَنْعُهُ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَلَوْ أَرَادَ بِنَاءَ تَنُّورٍ فِي دَارِهِ لِلْخُبْزِ الدَّائِمِ كَمَا يَكُونُ فِي الدَّكَاكِينِ أَوْ رَحًا لِلطَّحْنِ أَوْ مِدَقَّاتٍ لِلْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَاحِشًا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَتُرِكَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ ، وَلَوْ سَقَطَ حَائِطٌ بَيْنَ دَارَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا عَوْرَاتٌ فَطَلَبَ مِنْ جَارِهِ أَنْ يُسَاعِدَهُ فِي الْبِنَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُجْبَرُ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْبَرُ فِي زَمَانِنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ السُّتْرَةَ لَا يُجْبَرُ وَإِلَّا أُجْبِرَ وَقِيلَ إنْ كَانَ يَقَعُ بَصَرُهُ فِي دَارِ جَارِهِ فَلَهُ مَنْعُهُ عَنْ الصُّعُودِ حَتَّى يَتَّخِذَ سِتْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فِي سَطْحِهِ فَلَا يَمْنَعُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسَأَلَ

الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا فَاشْتَرَيْتهَا وَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا يُقْبَلُ وَبَعْدَهُ يُقْبَلُ ) لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَشُهُودُهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِهِ قَبْلَهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُمْكِنُ إذْ الشِّرَاءُ وُجِدَ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ ، فَلَا يَكُونُ مُتَنَاقِضًا ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ وَالْمَسْأَلَتَانِ بِحَالِهِمَا لَا يُقْبَلُ فِي الْأُولَى وَيُقْبَلُ فِي الثَّانِيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ وَعَدَمِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ جَحَدَنِي الْهِبَةَ أَوَّلًا ، وَلَا يُقَالُ فِي الثَّانِي أَيْضًا وُجِدَ التَّنَاقُضُ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي شِرَاءَ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ فِي وَقْتٍ بِالْهِبَةِ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَمْلِكَهُ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا جَحَدَ الْهِبَةَ وَوَافَقَهُ بِالتَّرْكِ انْفَسَخَتْ الْهِبَةُ إذْ جَمِيعُ الْعُقُودِ تَنْفَسِخُ بِالْجُحُودِ إذَا وَافَقَهُ صَاحِبُهُ بِالتَّرْكِ غَيْرَ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْفَسْخَ ، فَلَا يَكُونُ مُتَنَاقِضًا ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَ لِأَحَدِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الشِّرَاءَ مُتَأَخِّرًا وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ وَصَاحِبُ الْيَدِ يُنْكِرُ فَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَحَلَفَ ذُو الْيَدِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ ادَّعَى الْإِرْثَ مِنْ أَبِيهِ أَوَّلًا ، ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ لَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّوْفِيقُ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى التَّوْفِيقِ مِنْ الْمُدَّعِي

وَإِلَّا فَلَا يُوَفَّقُ وَقِيلَ التَّوْفِيقُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَاهُ قِيَاسٌ وَعَدَمُ التَّوْفِيقِ بِدُونِ دَعْوَاهُ اسْتِحْسَانٌ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ ) وَالزَّائِغَةُ الْأُولَى غَيْرُ نَافِذَةٍ أَيْضًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَ نَافِذَةٍ حَالًا مِنْ الزَّائِغَتَيْنِ جَمِيعًا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِأَهْلِ السِّكَّةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا إلَخْ ) وَلَكِنْ هَذَا فِيمَا إذَا أَرَادَ بِفَتْحِ الْبَابِ الْمُرُورَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ اسْتِحْسَانًا وَإِذَا أَرَادَ بِهِ الِاسْتِضَاءَةَ أَوْ الرِّيحَ دُونَ الْمُرُورِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ كَذَا نَقَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْكِتَابِ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى فَتَحَ الْبَابَ فَقَدْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ طَرِيقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ مَنْعُهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَزَمَانٍ حَتَّى لَوْ فَتَحَ بَابًا لِلِاسْتِضَاءَةِ وَالرِّيحِ وَنَحْوِهِ لَا يُمْنَعُ ا هـ قَوْلُهُ فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي مُحِيطِهِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ بِيعَتْ فِيهَا دَارٌ فَأَهْلُهَا شُفَعَاءُ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا عِطْفٌ إنْ كَانَ مُرَبَّعًا فَأَصْحَابُ الْعِطْفِ أَوْلَى بِمَا بِيعَ فِي عِطْفِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ التَّرْبِيعِ يَصِيرُ الْعِطْفُ الْمُرَبَّعُ كَالْمُنْفَصِلِ عَنْ السِّكَّةِ ؛ لِأَنَّ هَيْئَاتِ الدُّورِ فِي الْعِطْفِ الْمُرَبِّعِ تُخَالِفُ هَيْئَاتِ الدُّورِ فِي السِّكَّةِ فَصَارَ الْعِطْفُ الْمُرَبَّعُ بِمَنْزِلَةِ سِكَّةٍ أُخْرَى فَصَارَ كَسِكَّةٍ فِي سِكَّةٍ وَلِهَذَا يُمْكِنُهُ نَصْبُ الدَّرْبِ فِي أَعْلَاهُمْ وَهُمْ وَأَهْلُ السِّكَّةِ فِيمَا بِيعَ فِي السِّكَّةِ سَوَاءٌ كَمَا لَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي السِّكَّةِ الْعُظْمَى فَهُمْ وَأَهْلُ السِّكَّةِ

الصُّغْرَى فِيهَا سَوَاءٌ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ كَانَ الْعِطْفُ مُدَوَّرًا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْعِطْفَ الْمُدَوَّرَ اعْوِجَاجٌ فِي بِضْعِ السِّكَّةِ وَبِذَلِكَ لَا يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ سِكَّتَيْنِ لِأَنَّ هَيْئَاتِ الدُّورِ فِيهَا لَا تَخْتَلِفُ بِسَبَبِ الِاعْوِجَاجِ فَكَانَتْ سِكَّةً وَاحِدَةً إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْبَرُ فِي زَمَانِنَا ) قَالَ الْعِمَادِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَأَجْنَاسِهَا الْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ يُلْحِقُ ضَرَرًا بِالْغَيْرِ ، لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِي مَوْضِعٍ يَتَعَدَّى فِيهِ ضَرَرُ تَصَرُّفِهِ إلَى غَيْرِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَقِيلَ بِالْمَنْعِ وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ يُقْبَلُ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ ) إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ وَهَبَنِي مُنْذُ شَهْرٍ ، ثُمَّ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ مُنْذُ سَنَةٍ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُمْكِنُ إلَخْ ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ وَهَبَنِي مُنْذُ شَهْرٍ ، ثُمَّ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْته مِنْهُ مُنْذُ أُسْبُوعٍ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَتَانِ بِحَالِهِمَا ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى الْهِبَةَ فِي وَقْتٍ ، ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا ا هـ وَقَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأُولَى أَيْ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْهِبَةَ فِي وَقْتِ إقْرَارٍ مِنْهُ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، ثُمَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَكَانَ مُنَاقِضًا ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا دَعْوَاهُ الشِّرَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَرِّرُ إقْرَارَهُ بِالْمُلْكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا جَحَدَ الْهِبَةَ إلَخْ )

انْفَسَخَتْ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَوَقَّفَ الْفَسْخُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي عَلَى رِضَاهُ ، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْفَسْخَ فَتَمَّ الْفَسْخُ فِيمَا بَيْنَهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا ، فَإِذَا اشْتَرَى مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ اشْتَرَى مَا لَا يَمْلِكُهُ فَصَحَّ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ ) أَيْ الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِي نَفْسِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ ، ثُمَّ جَحَدَ أَبُوهُ الشِّرَاءَ حَتَّى مَاتَ فَوَرِثَهَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرْكَ الْخُصُومَةَ ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ الشِّرَاءَ كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا مِنْهُ إذْ الْجُحُودُ كِنَايَةٌ عَنْ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْجُحُودُ إنْكَارٌ لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فَكَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ ، فَإِذَا سَاعَدَهُ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ تَمَّ الْفَسْخُ فَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا بِالْعَيْبِ إنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَامِ الْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي حَتَّى إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ، وَفِي النِّهَايَةِ إذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ قَبْلَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الثَّانِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْكُلَ عِنْدَ التَّحْلِيفِ فَاعْتُبِرَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ ، فَإِنْ قِيلَ الْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ فَكَيْفَ يَكُونُ فَسْخًا قُلْنَا نَحْنُ لَا نُثْبِتُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَإِنَّمَا نُثْبِتُهُ بِالْعَزْمِ وَالْيَمِينِ أَوْ بِالْعَزْمِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي الْجَارِيَةِ بِالنَّقْلِ مِنْ مَوْضِعِ الْخُصُومَةِ إلَى بَيْتِهِ أَوْ بِالِاسْتِخْدَامِ أَوْ إمْسَاكِهَا بِيَدِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْفَسْخِ فَكَانَ فَسْخًا دَلَالَةً إذْ الْفِعْلُ قَدْ يُوجَدُ دَلَالَةً كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَرْتُك هَذَا الدَّابَّةَ يَوْمًا لِتَرْكَبَهَا فَأَخَذَهَا وَاسْتَعْمَلَهَا كَانَ ذَلِكَ

قَبُولًا مِنْهُ دَلَالَةً ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ وَالِاسْتِعْمَالَ لَا يَحِلُّ بِدُونِ الْقَبُولِ .قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيُقَالُ هُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْثُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا فَهِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَبِعْهَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ يَتَقَابَلَا وَلَنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ قَدْ تَكُونُ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ وَبِلَفْظِ الرَّدِّ وَبِجُحُودِهِمَا بِأَنْ تَجَاحَدَا الْبَيْعَ ، ثُمَّ إذَا جَحَدَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ حَصَلَ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ ، فَإِذَا عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاقْتَرَنَ عَزْمُهُ بِالْفِعْلِ ، وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا مِنْ مَجْلِسِ الْخُصُومَةِ إلَى مَنْزِلِهِ وَاسْتِخْدَامُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْفَسْخِ فَتَمَّ الْفَسْخُ بَيْنَهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ زُيُوفٌ صُدِّقَ ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ قَبَضْت مِنْهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّهَا نَبَهْرَجَةٌ ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ وَالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ دُونَ السَّتُّوقَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ جَازَ حَتَّى فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ دُونَ السَّتُّوقَةِ ، وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ فَيُصَدَّقُ فِي إنْكَارِهِ قَبْضَ حَقِّهِ مَعَ يَمِينِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْجِيَادَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ ؛ لِأَنَّ الزُّيُوفَ ضِدُّ الْجِيَادِ وَحَقُّهُ فِي الْجِيَادِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ حَقِّهِ مُطْلَقًا إقْرَارًا مِنْهُ بِقَبْضِ الْجِيَادِ وَالِاسْتِيفَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحَقِّ بِوَصْفِ التَّمَامِ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ قَبْضِ حَقِّهِ أَيْضًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ ، ثُمَّ ادَّعَى الْعَيْبَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْبَيْعِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَيْنَ حَقِّهِ دَلَالَةً ، ثُمَّ بِدَعْوَاهُ الْعَيْبَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُنَاقِضًا ، فَلَا يُقْبَلُ كَلَامُهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ وَحَقُّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ فَبِالْإِقْرَارِ بِقَبْضِهَا لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِقَبْضِ حَقِّهِ ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ قَبَضْت دَرَاهِمَ جِيَادًا لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا ، وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ اسْتَوْفَى ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ زُيُوفًا يُنْظَرُ ، فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ وَهُوَ

الْمَقْصُودُ بِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا صُدِّقَ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ ، ثُمَّ قَالَ إنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ يُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا قَالَ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ الزُّيُوفُ مَا رَدَّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا تَرُدُّهُ التُّجَّارُ وَالسَّتُّوقَةُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ ، وَقِيلَ الزُّيُوفُ هِيَ الْمَغْشُوشَةُ وَالنَّبَهْرَجَةُ هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ وَالسَّتُّوقَةُ صُفْرٌ مُمَوَّهٌ ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ السَّتُّوقَةُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصُّفْرُ أَوْ النُّحَاسُ هُوَ الْغَالِبُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ ) يَعْنِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ مَدْيُونِهِ بِدَيْنِ قَرْضٍ اقْتَرَضَهُ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ بَدَلِ إجَارَةٍ أَوْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ قَالَ بَعْدَ نَعَمْ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا ) وَفِي الْمَبْسُوطِ أَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ قَبَضَ مِمَّا لَهُ عَلَى فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ قَالَ وَجَدْتهَا زُيُوفًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ صُدِّقَ يُفِيدُهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ إجَارَةٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إنْ وَصَلَ لَا إنْ فَصَلَ ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِ تِجَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الِالْتِزَامِ أَوْ بِالتِّجَارَةِ إذْ هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُسْلِمِ وَقِيلَ يُصَدَّقُ هُنَا إذَا وَصَلَ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْجَوْدَةِ تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِعَقْدِ التِّجَارَةِ ، فَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِي كَلَامِهِ بِجِهَةِ التِّجَارَةِ لَا تَصِيرُ صِفَةُ الْجَوْدَةِ مُسْتَحَقَّةً ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ ) أَيْ فَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الزُّيُوفِ مُتَنَاقِضًا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّهُ قَالَ اُقْتُضِيَتْ الدَّرَاهِمُ ، ثُمَّ دَعْوَاهُ السَّتُّوقَةَ أَوْ الرَّصَاصَ إنْكَارٌ مِنْهُ لِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ

الدَّرَاهِمِ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ ) أَيْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ ، فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ جِيَادٌ مُفَسِّرٌ ، فَلَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ فَيَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا صُدِّقَ ) وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ قَبَضْت مَالِي عَلَيْهِ أَوْ حَقِّي عَلَيْهِ جُعِلَ مُقِرًّا بِقَبْضِ الْقَدْرِ وَالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، فَإِذَا اسْتَثْنَى الْجَوْدَةَ فِيهِ اسْتَثْنَى الْبَعْضَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَمَا لَوْ قَالَ مِائَةً إلَّا دِرْهَمًا أَمَّا لَوْ قَالَ قَبَضْتُ عَشَرَةً جِيَادًا فَقَدْ أَقَرَّ بِالْقَدْرِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ وَبِالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ ، فَإِذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ مِنْ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْجَوْدَةِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ إلَّا دِينَارًا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا وَإِنْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا كَذَا هُنَا ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْجَوْدَةِ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَبَعٌ وَصِفَةٌ لِلدَّرَاهِمِ وَاسْتِثْنَاءُ التَّبَعِ مَوْصُولًا لَا يَصِحُّ كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ مَوْصُولًا قُلْنَا اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ إنَّمَا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَخَلَ فِي اسْمِ الدَّارِ تَبَعًا ، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مَقْصُودًا أَمَّا الْجُودَةُ دَخَلَتْ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا كَالْوَزْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ فَكَانَ دَاخِلًا مَقْصُودًا لَا تَبَعًا فَيَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مَوْصُولًا كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالسَّتُّوقَةُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ السَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ؛

لِأَنَّ غِشَّهَا غَالِبٌ وَاسْمُ الدَّرَاهِمِ بِاعْتِبَارِ الْفِضَّةِ وَالنِّسْبَةِ إلَى الْغَالِبِ مُتَعَيِّنٌ ، فَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْغِشُّ فَلَيْسَتْ دَرَاهِمَ إلَّا مَجَازًا وَلِذَا قِيلَ هُوَ مُعَرَّبُ سه طَاقه يَعْنِي ثَلَاثَ طَاقَاتٍ الطَّاقُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ فِضَّةٌ وَالْأَوْسَطُ نُحَاسٌ وَهِيَ شِبْهُ الْمُمَوَّهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ ، ثُمَّ صَدَّقَهُ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ الْمُقِرُّ لَهُ بِأَنْ قَالَ مَا كَانَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ أَوْ قَالَ بَلْ هُوَ لَك أَوْ لِفُلَانٍ ، ثُمَّ صَدَّقَهُ فَقَالَ بَلْ كَانَ لِي عَلَيْك فِي مَكَانِهِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَقَدْ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْخَصْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ وَأَنْكَرَ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ كَمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ فَعَمِلَ فِيهِ التَّصْدِيقُ أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ فَيَنْفَرِدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَافْتَرَقَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ عَبْدِهِ لِغَيْرِهِ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ لَا يَرْتَدُّ بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى إذَا ادَّعَاهُ الْمُقَرُّ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ إقْرَارٌ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ ، فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ، وَلَوْ قَبِلَ الْإِقْرَارَ أَوْ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدِّينِ أَوْ وَهَبْتَهُ لَهُ ، ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَرْتَدُّ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبُولِ قَدْ تَمَّ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهَبْت لَك رَقَبَتَك فَرَدَّ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ وَهُوَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِإِنْسَانٍ كَالدَّيْنِ وَغَيْرِهِ فَصَدَّقَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ لَا يُقْبَلُ ، وَلَوْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُقِرِّ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَالشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ دَعْوَاهُ مُتَنَاقِضَةٌ فَفَسَدَتْ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَى فُلَانٍ شَيْءٌ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ وَعِنْدَ أَبِي

يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُقَرِّ لَهُ يَحْلِفُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْإِشْهَادِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا تَحَرُّزًا عَنْ امْتِنَاعِ الْآخَرِ عَنْ التَّسْلِيمِ .( قَوْلُهُ فَكَذَّبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ حَيْثُ لَا يَرْتَدُّ بِذَلِكَ ) أَيْ حَتَّى كَانَ لِلرَّادِّ أَنْ يَعُودَ وَيَدَّعِيَهُ فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلْ بِالرَّدِّ بَقِيَ مُقِرًّا بِنَسَبِهِ لِغَيْرِهِ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى أَلْفٍ وَهُوَ بَرْهَنَ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ قُبِلَ ) أَيْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَاهُ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَالْإِبْرَاءَ يَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيَبْرَأُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ قَضَى بِبَاطِلٍ ، وَقَدْ يُصَالِحُ عَلَى شَيْءٍ فَيَثْبُتُ ظَاهِرًا ثُمَّ يُقْضَى ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْقِصَاصَ عَلَى شَخْصٍ فَأَنْكَرَهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ، وَكَذَا لَوْ جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الرِّقِّ يُقْبَلُ فَكَذَا هَذَا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِيهِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ زَادَ وَلَا أَعْرِفُك لَا ) أَيْ لَوْ زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ بِأَنْ قَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ ، وَلَا أَعْرِفُك لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ قَوْلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُعَامَلَةٌ مِنْ دَفْعٍ وَأَخْذٍ وَقَضَاءٍ وَاقْتِضَاءٍ بِلَا مَعْرِفَةِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ، وَلَا يَعْرِفُهُ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فَعَلَى هَذَا

قَالُوا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ، وَفِي الْكَافِي قِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ، وَقَالُوا فِيمَنْ قَالَ لَمْ أَدْفَعْ ، ثُمَّ قَالَ دَفَعْتُ إلَيْهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِلتَّنَاقُضِ إلَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ .( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَكُنْ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ ، وَلَكِنْ آذَيْتنِي بِخُصُومَتِك الْبَاطِلَةِ فَدَفَعْتُ إلَيْك مَا تَدَّعِيه دَفْعًا لِأَذَاك ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ ) أَيْ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ يُقْبَلُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ أَيْضًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِيهِ أَظْهَرُ ) أَيْ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ فِي الْحَالِ لِأَنِّي قَدْ قَضَيْت حَقَّك أَوْ لِأَنَّك أَبْرَأْتنِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ يَصِحُّ ، وَهَذَا لِأَنَّ لَيْسَ لِنَفْيِ الْحَالِ ا هـ كَافِي قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي قِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ) أَيْ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَتَحَقَّقُ بِلَا مَعْرِفَةٍ ا هـ كَافِي .

رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمَتَهُ فَقَالَ لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ فَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ ) أَيْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ لَمْ يَبِعْهَا هُوَ وَإِنَّمَا بَاعَهَا مِنْهُ وَكِيلُهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْعَيْبِ فَيَكُونُ صَادِقًا بِذَلِكَ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَأَقَامَ الْمُنْكِرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْوِيلِ أَوْ يَقُولُ أَخَذَهُ مِنِّي بِبَيِّنَةٍ كَاذِبَةٍ ، ثُمَّ اسْتَقَلْتُهُ مِنْهُ فَأَقَالَنِي وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْعَقْدِ إذْ الصِّفَةُ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ لَا تُتَصَوَّرُ ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يَقْضِي عَلَى مَا مَرَّ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمَتَهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخَرِ أَدَبِ الْقَاضِي وَأَثْبَتَ فِيهَا الْخِلَافَ فَقَالَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُقْبَلُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَبْطُلُ الصَّكُّ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ ) أَيْ يَبْطُلُ صَكُّ الشِّرَاءِ وَالْإِقْرَارِ إذَا كَتَبَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَبْطُلَ الشِّرَاءُ وَالْإِقْرَارُ بِذَلِكَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُبْطِلٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَوْ كَتَبَ فِي آخَرِ الصَّكِّ فَمَنْ قَامَ بِهَذَا الْحَقِّ فَهُوَ وَكِيلٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ كَتَبَ فَمَا أَدْرَكَ فُلَانًا مِنْ دَرَكٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ بَطَلَ الصَّكُّ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَبْطُلَ الْإِقْرَارُ وَالشِّرَاءُ ، وَقَالَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه وَهُوَ الْأَخِيرُ فَيَبْطُلُ بِهِ ضَمَانُ الدَّرَكِ وَالتَّوْكِيلِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْجُمَلِ الِاسْتِقْلَالُ وَالصَّكُّ يُكْتَبُ لِلِاسْتِيثَاقِ ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ كَانَ مُبْطِلًا لَهُ فَيَكُونُ ضِدَّ مَا قَصَدُوهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه ضَرُورَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ كِتَابًا إلَى بَعْضِ إخْوَانِهِ أَوْ وُكَلَائِهِ ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيه حَتَّى لَا يَبْطُلَ الْكِتَابُ كُلُّهُ فَكَذَا هَذَا وَلَهُ أَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مِثْلُ قَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الْعَادَةِ إنَّمَا جَرَى بِأَنْ يَتْرُكَ فُرْجَةً أَوْ يَكْتُبَ بِخَطٍّ عَلَى حِدَةٍ ، فَلَوْ فَعَلَ هُنَا ذَلِكَ انْصَرَفَ إلَى مَا يَلِيه ، وَلَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ ، وَلَا الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّ الْفُرْجَةَ كَالسُّكُوتِ حَالَ النُّطْقِ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يُكْتَبُ فِي كَتْبِ الرِّسَالَةِ لِلتَّبَرُّكِ عَادَةً لَا لِلْإِبْطَالِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ مَا يَلِيه أَيْضًا ، وَفِي الصَّكِّ يَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ ، ثُمَّ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَهُمْ أَنْ يُكْتَبَ فِي أَسْفَلِ الصَّكِّ مَنْ قَامَ بِهَذَا

الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ أَيْ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ بِإِثْبَاتِ مَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْكِتَابَةِ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ رِضَا الْخَصْمِ بِالتَّوْكِيلِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَكِنْ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْخَصْمِ ، فَإِذَا رَضِيَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالْإِسْقَاطُ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إذْ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ ، ثُمَّ يُوَكِّلُ مَنْ شَاءَ وَقِيلَ لَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا وَإِنَّمَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يُفِيدُ الرِّضَا بِهِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ فَيُفِيدُ .

( قَوْلُهُ وَقَالَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه ) وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ كَذَا ذَكَرَ فِي الشَّامِلِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ قِسْمِ الْمَبْسُوطِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ ) أَيْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يُبْطِلُ الْكُلَّ ، فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَلَا يَلْزَمُ نَذْرُ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ ) يَعْنِي مَنْ أَخْرَجَهُ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ ، ثُمَّ كَتَبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِهَذِهِ الْكِتَابَةِ ا هـ كَمَالٌ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ ، وَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتُبْ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ وَيَلْزَمُهُ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ لِلْمَجْهُولِ بِالْخُصُومَةِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ وَتَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ كِتَابَتِهِ إثْبَاتُ رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَوْكِيلِ مَنْ يُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِي ، فَلَا يَمْتَنِعُ الْمَدْيُونُ عَنْ سَمَاعِ خُصُومَةِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ عِنْدَهُ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عَلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ بِهَذَا يَثْبُتُ الرِّضَا بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ وَالرِّضَا بِتَوْكِيلِ مَجْهُولٍ بَاطِلٌ ، فَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا وَقِيلَ بَلْ فَائِدَتُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ ) ، وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ تُضَافَ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ وَأَقْرَبُ أَوْقَاتِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتُضَافُ إلَيْهِ قُلْنَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَهَذَا الظَّاهِرُ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ ، وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ أَيْضًا ، وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمَقْصُودُهَا ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَمُرَادُهُمْ الدَّفْعُ وَيَشْهَدُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ تَدَّعِي بِهِ الِاسْتِحْقَاقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَهُمْ يَدَّعُونَ بِهِ الدَّفْعَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَسَائِلُ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ النَّقْضِ مِنْهَا مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٍ فَقَالَ رَجُلٌ فَقَأْتَ عَيْنَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي فَقَأْته وَهُوَ فِي مِلْكِي كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فَيَأْخُذُ أَرْشَهُ مِنْهُ فَاسْتُحِقَّ بِالظَّاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ وَأَرْشُهُ لِغَيْرِهِ فَلِهَذَا اسْتَحَقَّهُ هُوَ لَا بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَحُكِّمَ الْحَالُ فَكَانَ جَارِيًا فِي الْحَالِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِهَذَا الظَّاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا يُسْتَحَقُّ بِالظَّاهِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبُ

الِاسْتِحْقَاقِ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مَوْجُودًا بِيَقِينٍ فَيُسْتَحَقُّ بِهِ فَهُنَا سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ ، وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى السَّبَبُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْحَالِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ وَصَارَ فَارًّا فَتَرِثُ ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَبَانَهَا فِي الصِّحَّةِ ، فَلَا تَرِثُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَتَرِثُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا تَرِثُ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ الْمَانِعَ وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الصِّحَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ مَاتَ ذِمِّيٌّ إلَخْ ) تَرْجَمَ هُنَا فِي الْهِدَايَةِ بِفَصْلٍ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي آخِرِ أَبْوَابِ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ آخِرُ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا فَكَانَ ذِكْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ مُنَاسِبًا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لَا تُصَدَّقُ الْوَرَثَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ يَكُونُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا حَلِفَ عَلَيْهِمْ إلَّا إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ كُفْرَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهَا أَنْ تُحَلِّفَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ ا هـ قَوْلُهُ قُلْنَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ ) أَيْ سَبَبُ حِرْمَانِ الْمَرْأَةِ ، وَهُوَ إسْلَامُهَا مِنْ مِيرَاثِ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ وَتُحَكَّمُ الْحَالُ عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلٍ آخَرَ وَاجِبٍ ، وَالْحَالُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ ، وَهَذَا الظَّاهِرُ ) هُوَ اسْتِصْحَابٌ أَعْنِي اسْتِصْحَابَ الْمَاضِي لِلْحَالِ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ وَمَا ذَكَرَهُ اسْتِصْحَابٌ عَكْسُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ يَكُونُ مِنْ الْمَاضِي لِلْحَالِ وَمِنْ الْحَالِ إلَى الْمَاضِي ، وَلَكِنَّهُ اعْتَبَرَهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلَيْسَ حُكْمُ الِاسْتِصْحَابِ كَذَلِكَ ، وَالْمُرَادُ بِجَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَ مَالِكُهَا مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا طَالَبَهُ بِمُدَّةٍ فَقَالَ كَانَ الْمَاءُ مُنْقَطِعًا حُكْمُ جَرَيَانِهِ فِي الْحَالِ ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا فِي الْحَالِ فَيُعْطَفُ عَلَى الْمَاضِي لِرَفْعِ أُجْرَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمَاضِي فَكَذَا هَذَا وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِصْحَابِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالظَّاهِرِ ، فَإِنْ مَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ ظَاهِرًا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ قَدْ تُثْبِتُ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا ا

هـ كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ اخْتَلَفَا فِي وُجُوبِ الْأَجْرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَقُولُ الْمَاءُ مُنْقَطِعٌ ، فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَقَالَ الْآجِرُ جَارٍ فَيَجِبُ الْأَجْرُ فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي الْحَالِ جَارِيًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْآجِرِ ، وَلَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ ، وَهَذَا حُكْمٌ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي حَقِّ مَا مَضَى بِخِلَافِ الْمَفْقُودِ فَإِنَّ هُنَاكَ حُكْمًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ الْمَاضِي فِي حَقِّ الْحَالِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالِاسْتِصْحَابِ تَارَةً يَكُونُ فِي الْحَالِ لِلْمَاضِي وَتَارَةً مِنْ الْمَاضِي إلَى الْحَالِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَمُرَادُهُمْ الدَّفْعُ ) أَيْ وَالِاسْتِصْحَابُ يَكْفِي لَهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ مَا فِي الْمَاضِي مِنْ كُفْرِهَا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمَسْأَلَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ اُعْتُبِرَ فِيهِمَا لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ ا هـ كَمَالٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ الْمُودِعُ هَذَا ابْنُ مُودِعِي لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ دُفِعَ الْمَالُ إلَيْهِ ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ حَيٌّ أَصَالَةً بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُودِعِ بِالْقَبْضِ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُودَعِ فِي الْعَيْنِ بِإِزَالَتِهَا عَنْ يَدِهِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ الْمَدِينِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ الطَّالِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِخَالِصِ حَقِّهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَدِيعَةِ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْمُودَعِ وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بِالدَّفْعِ مُتَعَدِّيًا وَلِهَذَا يَضْمَنُ إذَا جَاءَ الْمُودَعُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ ، وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى ضَاعَتْ عِنْدَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قِيلَ لَا يَضْمَنُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّهُ فِي زَعْمِهِ وَكِيلٌ وَالْمَنْعُ مِنْ وَكِيلِهِ كَالْمَنْعِ مِنْهُ ، وَاخْتُلِفَ فِي اللُّقَطَةِ إذَا أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهَا لِفُلَانٍ هَلْ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَصَدَّقَهُ مُودِعُ الْمَيِّتِ أَوْ غَاصِبُهُ أَوْ وَصِيُّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ لِآخَرَ هَذَا ابْنُهُ أَيْضًا ، وَكَذَّبَهُ الْأَوَّلُ قَضَى لِلْأَوَّلِ ) يَعْنِي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62