كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُكَفَّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَلِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهَا فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ كَفَّرَ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ زَهُوقِ الرُّوحِ وَكَمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَقَبْلَ الْعَوْدِ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ حَاصِلٌ بِالسَّبَبِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ مُتَرَاخٍ عَنْهُ بِالشَّرْطِ وَالْمَالِيُّ يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَ وُجُوبِهِ وَوُجُوبِ أَدَائِهِ أَمَّا الْبَدَنِيُّ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ فَلَمَّا تَأَخَّرَ الْأَدَاءُ لَمْ يَبْقَ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا وَجَبَ وَجَبَ أَدَاؤُهُ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْأَدَاءُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَالِيِّ لِأَنَّ الْمَالَ مَعَ الْفِعْلِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَالُ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَثْبُتَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ مَا لَمْ يُطَالِبُ وَكَذَا فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ يَجِبُ الْمَالُ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْحُكْمِ طَرِيقًا لَهُ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُحَرِّمَةٌ لَهُ فَكَيْفَ تَكُونُ سَبَبًا لَهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِ تَرْكِيبِ الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ إنَّهُ سَبَبٌ لِحُكْمٍ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِهِ بِخِلَافِ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْمَوْتِ وَلِهَذَا يُجَامِعُهُ الْمَوْتُ وَهُنَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا

وَبِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ قَبْلَ الْعُودِ وَفِي الْيَمِينِ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ قَبْلَ الْحِنْثِ وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّهُ سَبَبٌ فَإِنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لَهُ وَقْتَ الْحِنْثِ وَقَبْلَهُ سَبَبٌ لِلْبِرِّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ سَبَبًا لِشَيْءٍ ثُمَّ يَجْعَلُهُ النَّاسُ سَبَبًا لِغَيْرِهِ كَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ لِلْهُدَى وَالْكُفَّارُ جَعَلُوهُ سَبَبًا لِلضَّلَالِ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا } تَقْدِيرُهُ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ قَبْلَ الْإِيمَانِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَوَجَبَ التَّكْفِيرُ أَوَّلًا ثُمَّ الْحِنْثُ بَعْدَهُ مَفْصُولًا لِلْآمِرِ بِهِ بِكَلِمَةٍ ثُمَّ عَلَى زَعْمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى غَيْرِ السَّبَبِ كَالشَّرْطِ وَغَيْرِهِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ كَفَّارَةُ الصَّوْمِ وَكَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ ، وَالصَّوْمُ لَيْسَ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا وَكَذَا الْإِحْرَامُ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا مَا دَامَ الْبِرُّ بَاقِيًا وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إنْ فَعَلَهُ كَمَا لَا يُصَارُ إلَى التَّيَمُّمِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إذَا فَعَلَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَوْبَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ { تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ } وَالتَّوْبَةُ قَبْلَ الْجَرِيمَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا كَالطَّهَارَةِ قَبْل الْحَدَثِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ سَبَبًا كَمَا قَالَ لَجَازَ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالصَّوْمِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَفَرَّقَهُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ سَاقِطٌ

لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَالِيِّ فِعْلُ الْأَدَاءِ وَالْمَالُ آلَتُهُ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ عَيْنَ الْمَالِ فِي حُقُوقُ الْعِبَادِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ } وَالْفَاءُ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ فَيَقْتَضِي أَنْ تَجُوزَ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْيَمِينَ مُتَّصِلًا بِهَا وَقَالَ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ جَعَلَهَا كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَرَتَّبَهَا عَلَى الْحَلِفِ لَا عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحِنْثُ مُضْمَرٌ فِيهِ تَقْدِيرُهُ فَكَفَّارَتُهُ إذَا حَنِثْتُمْ ، وَتَقْدِيرُ الْأُخْرَى إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ كَمَا أُضْمِرَ الْفِطْرُ فِي قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَكَقَوْلِهِ { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } أَيْ إذَا قُمْتُمْ إلَيْهَا وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا اخْتَصَّ بِالْمَالِيِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَدَّمَ التَّكْفِيرَ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَدَقَةً تَطَوُّعًا كَمَا إذَا قَدَّمَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ ذَهَبَ الْمَالُ

( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ ) أَيْ دُونَ الصَّوْمِ ا هـ وَعَنْهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ رِوَايَتَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهَا ) قَالَ تَعَالَى { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ } ا هـ فَيُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا ا هـ كَافِي قَالَ الْكَمَالُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْحِنْثِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ سَبَبِيَّةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْمُضَافِ الْوَاقِعِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ مُتَعَلِّقِهِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ وَإِذَا ثَبَتَ سَبَبِيَّتُهُ جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَرْطٌ وَالتَّقْدِيمُ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ ثَابِتٌ شَرْعًا كَمَا جَازَ فِي الزَّكَاةِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ بَعْدَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَكَمَا فِي تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجُرْحِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالسِّرَايَةِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْمَالُ وَالصَّوْمُ وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ وَفِي الْجَدِيدِ لَا يُقَدِّمُ الصَّوْمَ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ يَعْنِي أَنَّ تَقَدُّمَ الْوَاجِبِ بَعْدَ السَّبَبِ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يُعْرَفْ شَرْعًا إلَّا فِي الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ مُطْلَقًا صَوْمًا كَانَ أَوْ مَالًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّقْدِيمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُحَرِّمَةٌ لَهُ ) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِلْبِرِّ لَا لِلْحِنْثِ ا هـ قَوْلُهُ { ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا } ) قَالَ فِي التَّيْسِيرِ إنَّ ثُمَّ هُنَا لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْوُجُودِ أَيْ ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ أَنَّ هَذَا لِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ا هـ كَشْفٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ التَّكْفِيرَ لَا

يُسْتَرَدُّ مِنْ الْفَقِيرِ ) وَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَاتِ قَبْلَ الْحِنْثِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَدَقَةً تَطَوُّعًا ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلَّهِ قُصِدَ بِهِ الْقُرْبَةُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَقَدْ حَصَلَ التَّقَرُّبُ وَتَرَتَّبَ الثَّوَابُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيُبْطِلَهُ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْوَفَاءِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبِرَّ مَعْصِيَةٌ أَيْضًا كَالْحِنْثِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى أَخَفِّهِمَا إثْمًا وَهُوَ الْحِنْثُ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ لَهُ شَرْعًا بِمَا رَوَيْنَا وَمَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ فِي الْبِرِّ لَيْسَ بِمُرَخَّصٍ لَهُ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِالْمُرَخَّصِ وَلِأَنَّ فِي الْحِنْثِ فَوَاتَ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَفِي الْبِرِّ لُزُومَ الْمَعْصِيَةِ بِلَا جَابِرٍ فَيَجِبُ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ ) مِثْلَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ أَوْ تَرْكُ فَرْضٍ فَالْحِنْثُ وَاجِبٌ أَوْ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا وَنَحْوَهُ فَإِنَّ الْحِنْثَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِ غَدًا لِأَنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ وَكَذَا تُيَسَّرُ الْمُطَالَبَةُ أَوْ عَلَى شَيْءٍ وَضِدِّهِ مِثْلُهُ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَالْبِرُّ فِي هَذَا وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّهُ الْبِرُّ فِيهَا أَمْكَنَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُكَفِّرُ ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ ابْنُ آدَمَ ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ حَنِثَ كَافِرًا لِأَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَهُوَ أَهْلٌ لَهُ لِأَنَّ الْبِرَّ يَتَحَقَّقُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْمِلُهُ اعْتِقَادُهُ عَلَى الْبِرِّ وَلِهَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ } وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْبِرُّ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ هَاتِكٌ حُرْمَةَ الِاسْمِ بِالْكُفْرِ وَالتَّعْظِيمُ مَعَ الْهَتْكِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْبِرُّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْمُعَظِّمِ بِخِلَافِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْخُصُومَاتِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِمَقْصُودِهِ وَهُوَ النُّكُولُ أَوْ الْإِقْرَارُ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ سَتَّارَةٌ كَاسْمِهَا وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا تَابِعٌ وَيَسْتَحِيلُ مِنْهُ الْعِبَادَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا وَلَا لِحُكْمِهَا وَهُوَ الثَّوَابُ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ أَصْلًا( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا ) وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ فَإِنْ حَنِثَ حَالَ كُفْرِهِ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ دُونَ الصَّوْمِ وَإِنْ حَنِثَ بَعْدَ إسْلَامِهِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يُحَرِّمْ ) أَيْ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ بِأَنْ يَقُولَ مَالِي عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ ثَوْبِي أَوْ جَارِيَتِي فُلَانَةَ أَوْ رُكُوبُ هَذِهِ الدَّابَّةِ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَتَغْيِيرُهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ بِالتَّبْدِيلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَرَ ) أَيْ إنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينًا فَصَارَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَلَبَ الْمَوْضُوعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا فِي النِّسَاءِ وَالْجَوَارِي وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك } ثُمَّ قَالَ { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك } } إلَى آخِرِ الْآيَةِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُ بِهَا وَقَالَ { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إنِّي جَعَلْت امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا فَقَالَ كَذَبْت لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك } عَلَيْكَ أَغْلَظُ الْكَفَّارَاتِ عِتْقُ رَقَبَةٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقِيلَ إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ { حَرَّمَ الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ } وَالتَّمَسُّكُ بِالنَّصِّ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلِأَنَّ

التَّحْرِيمَ لَمَّا صَارَ يَمِينًا فِي الْجَوَارِي صَارَ فِي جَمِيعِ الْمُبَاحَاتِ أَيْضًا يَمِينًا دَلَالَةً إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُبَاحٍ وَمُبَاحٍ وَلِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لِعَيْنِهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مُوجَبُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَلَالِ مُسَبَّبُ الْيَمِينِ فَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِ يُجْعَلُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى السَّبَبِ مَجَازًا وَلَوْ وَهَبَ مَا جَعَلَهُ حَرَامًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ عُرْفًا لَا حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَقَوْلُهُ وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْيَمِينِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ مِلْكُ فُلَانٍ أَوْ مَالُهُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْحُرْمَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ) لِلْعُرْفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لِلْعُمُومِ وَقَدْ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا كَمَا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْبِرُّ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فَإِذَا سَقَطَ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلتَّعَارُفِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَتَنَاوَلُ عَادَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً وَلَا يَصْرِفُ الْيَمِينَ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ

امْرَأَةٌ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَكَذَا يَنْبَغِي فِي قَوْلِهِ : حَلَال بروى حرام وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ هرجه يرست رَاسَتْ كيرم بروى حرام فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يُحَرَّمْ ) ضَبَطَهُ الرَّازِيّ بِالْقَلَمِ بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارِعَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَيْ إنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ ) يَعْنِي عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ ) أَيْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ فَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظٍ هُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ ا هـ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ ) فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ إلَخْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً ) وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَظَهَرَ أَنَّ مَا قِيلَ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ لَا يَصِحُّ إذْ لَيْسَ مَجْمُوعُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَخَصَّ الْخُصُوصِ بَلْ حُمِلَ عَلَى مَا تُعُورِفَ فِيهِ اللَّفْظُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ ) أَيْ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ فَإِذَا نَوَاهَا اتَّصَلَتْ النِّيَّةُ بِلَفْظٍ صَالِحٍ فَصَحَّ فِيهِ دُخُولُهَا فِي الْإِرَادَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ اسْقِينِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ فَلَوْ وَقَعَ كَانَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الزَّوْجَاتِ إيلَاءٌ فَإِنْ جَامَعَهَا فِي الْمُدَّةِ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ ) حَتَّى إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ كَمَا إذَا قَرَّبَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَيْهِ

الْفَتْوَى قَالَ فِي الْغَايَةِ أَرَادَ بِهِمْ مَشَايِخَ بَلْخٍ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ حَيْثُ قَالُوا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ الطَّلَاقَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِهِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ بِلَا نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ ا هـ مَا قَالَهُ فِي الْغَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لِمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَابُ فِي هَذَا وَنَقُولُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمِينَ ( وَاعْلَمْ ) أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُك وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامَ يَلْزَمُنِي وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى وَلَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ الطَّلَاق عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ كَقَوْلِهِ

امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ ا هـ كَافِي

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَوُجِدَ وَفَّى بِهِ ) أَيْ وَفَّى الْمَنْذُورَ هَذَا إذَا سَمَّى شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِيهِمَا أَعْنِي فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُعَلَّقِ لَكِنْ يَجِبُ فِي الْحَالِ فِي الْمُطْلَقِ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ وَتَفْصِيلَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَرَّ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى وَمَنْ اسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ } وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا لِأَنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ رُجُوعٌ وَلَا رُجُوعَ فِي الْأَيْمَانِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذَا نَسِيتَ } أَيْ إذَا نَسِيت الِاسْتِثْنَاءَ مَوْصُولًا فَاسْتَثْنِ مَفْصُولًا وَلَا يُؤَدِّي هَذَا الْقَوْلُ إلَى أَنْ تَكُونَ الْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ كُلُّهَا غَيْرَ مُلْزِمَةٍ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُقَيِّدَةً لِأَحْكَامِهَا لِأَنَّهُ يَبِيعُ أَوْ يَتَزَوَّجُ أَوْ يُطَلِّقُ ثُمَّ يَسْتَثْنِي أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ فَلَوْ كَانَ هَذَا يَصِحُّ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الزَّوْجِ الثَّانِي حَتَّى تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَلْ كَانَ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى تَبْطُلَ الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ بِهِ وَكَذَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ أَحْكَامَ الْحِنْثِ فِي الْأَيْمَانِ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَفْصُولُ جَائِزًا لَأَمَرَ اللَّهُ بِهِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْحِنْثُ وَلَا الْإِثْمُ وَمَعْنَى الْآيَةِ إذَا نَسِيت فِي أَوَّلِ كَلَامِكِ فَاذْكُرْهُ فِي آخِرِهِ مَوْصُولًا وَرُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ صَاحِبَ الْمَغَازِي كَانَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ فَكَانَ يَقْرَأُ عِنْدَهُ الْمَغَازِي وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُغْرِي الْخَلِيفَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّ هَذَا الشَّيْخَ يُخَالِفُ جَدَّكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ فَقَالَ لَهُ أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِكَ أَنْ تُخَالِفَ جَدِّي فَقَالَ إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْك مِلْكَك لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ فَبَارَكَ اللَّهُ لَك فِي عُهُودِك

إذًا فَإِنَّ النَّاسَ يُبَايِعُونَك وَيَحْلِفُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَسْتَثْنُونَ ثُمَّ يُخَالِفُونَ وَلَا يَحْنَثُونَ فَقَالَ نِعْمَ مَا قُلْت وَغَضِبَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اُسْتُرْ هَذَا عَلَيَّ ثُمَّ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُبْطِلٌ لِلْكَلَامِ وَمُخْرِجٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا عَمَلَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بَلْ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَتَغَيَّرُ بِذِكْرِهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ تَبَرُّكًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَفِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ قَوْلِ مُوسَى لِلْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ { سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } مَا يَرُدُّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْبِرْ وَلَمْ يُعَاتِبْ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَعُوتِبَ لِأَنَّ الْوَعْدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَالْعَهْدِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ بِرُّ عَدَمِ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ فِيهِ عَدَمُ الْحِنْثِ كَالْبِرِّ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .قَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ ) أَيْ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ ) أَيْ الْمُصَنِّفِ ا هـ .

( بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَنَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَحَقُّ بِالْإِرَادَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَعَانِي كَلِمِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ نَزَلَ عَلَى أَصَحِّ اللُّغَاتِ وَأَفْصَحِهَا قُلْنَا إنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ مَا هُوَ الْمَعْهُودُ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُ فَتَقَيَّدَ بِغَرَضِهِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْبِسَاطِ أَوْ لَا يَسْتَضِيءُ بِالسِّرَاجِ لَا يَحْنَثُ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا بِالِاسْتِضَاءَةِ بِالشَّمْسِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسْجِدِ وَالْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَالدِّهْلِيزِ وَالظُّلَّةِ وَالصُّفَّةِ ) لِأَنَّ الْبَيْتَ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا وَقِيلَ إذَا كَانَ الدِّهْلِيزُ بِحَيْثُ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ يَكُونُ دَاخِلًا وَهُوَ مُسَقَّفٌ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً وَالظُّلَّةُ هِيَ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَلَا يَكُونُ فَوْقَهُ بِنَاءٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِبَيْتٍ لِأَنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ فَوْقَهَا بِنَاءٌ إلَّا أَنَّ مِفْتَحَهُ إلَى الطَّرِيقِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى بَيْتِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ بَيْتِهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَصْرِ أَنَّ الظُّلَّةَ هِيَ الَّتِي أَحَدُ طَرَفَيْ جُذُوعِهَا عَلَى هَذِهِ الدَّارِ وَطَرَفُهَا الْآخَرُ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ الْمُقَابِلِ وَفِي الْمُغْرِبِ الظُّلَّةُ كُلُّ مَا أَظَلَّك مِنْ بِنَاءٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ سَحَابٍ أَيْ سَتَرَكَ وَأَلْقَى ظِلَّهُ عَلَيْك ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ ظُلَّةُ الدَّارِ يُرِيدُونَ بِهَا السُّدَّةَ الَّتِي فَوْقَ الْبَابِ وَفِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ وَهِيَ الَّتِي تَظَلُّ عِنْدَ بَابِ الدَّارِ وَفِي الصِّحَاحِ كَهَيْئَةِ الصِّفَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَحْنَثُ بِدُخُولِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهَا فِي الصَّيْفِ قِيلَ هَذَا

عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِأَنَّ صِفَافَهُمْ كَانَتْ ذَاتَ حَوَائِطَ أَرْبَعَةٍ وَالظَّاهِرُ مِنْ عُرْفِ دِيَارِ صَاحِبِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ لَا تُبْنَى عَلَى هَيْئَةِ الْبُيُوتِ بَلْ تُبْنَى ذَاتَ حَوَائِطَ ثَلَاثَةٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَلَا تَكُونُ بَيْتًا فَلِهَذَا قَالَ لَا يَحْنَثُ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَحْنَثَ مُطْلَقًا عِنْدَهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْبَيْتِ بَلْ يُنْفَى عَنْهَا فَيُقَالُ هَذِهِ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِبَيْتٍ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِشَيْءٍ مُسَقَّفٍ مَدْخَلُهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ مَدْخَلَهَا أَوْسَعُ مِنْ مَدْخَلِ الْبُيُوتِ الْمَعْرُوفَةِ فَكَانَ اسْمُ الْبَيْتِ مُتَنَاوَلًا لَهَا فَيَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْبُيُوتَ دُونَ الصِّفَافِ فَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَصَّ الْعَامَّ بِنِيَّتِهِ

لَمَّا كَانَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِ شَيْءٍ ذَكَرَ الْأَفْعَالَ الَّتِي تَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ بَابًا بَابًا إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجٌ إلَى مَسْكَنٍ يَدْخُلُ فِيهِ وَيَسْتَقِرُّ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ سَائِرُ الْأَفْعَالِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ { جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ } وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَرَ الرِّزْقَ بَعْدَ جَعْلِ الْأَرْضِ فِرَاشًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ انْتَهَى قَالَ الْكَمَالُ وَكُلٌّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ لَكِنَّ حَاجَةَ الْحُلُولِ فِي مَكَان أَلْزَمُ لِلْجِسْمِ مِنْ أَكْلِهِ وَلُبْسِهِ انْتَهَى ( قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَنَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ ) لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ الْعُرْفِيِّ أَعْنِي الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُرَادُ بِهَا مَعَانِيهَا الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا فِي الْعُرْفِ كَمَا أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَالَ كَوْنِهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْحَقَائِقِ بِلُغَتِهِ فَوَجَبَ صَرْفُ أَلْفَاظِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَا عُهِدَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَا ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَرَى عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ فَحَكَمَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ والمرغيناني وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ حَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى الْعُرْفِ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَصِيرُ الْمُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ إلَّا فِيمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ لَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ بَلْ أَخَذَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ وَأَنَّ مَالَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ وَوَضْعٌ عُرْفِيٌّ يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهِ مُتَكَلِّمٌ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ وَهَذَا يَهْدِمُ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ

فَإِنَّهُ لَمْ يَصِرْ الْمُعْتَبَرُ إلَّا اللُّغَةَ إلَّا مَا تَعَذَّرَ وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفُ اللُّغَةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ غَيْرَهَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا نَعَمْ مَا وَقَعَ اسْتِعْمَالُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْعُرْفِ تُعْتَبَرُ اللُّغَةُ عَلَى أَنَّهَا الْعُرْفُ فَأَمَّا الْفَرْعُ الْمَذْكُورَةُ فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ نَوَاهُ فِي عُمُومِ بَيْتٍ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَنَا بِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْعُرْفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ مُوجِبُ الْكَلَامِ مَا يَكُونُ مُوجِبًا عُرْفِيًّا لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةُ شَيْءٍ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِهِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَالْكَعْبَةُ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا بَيْتٌ فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لِلَّذِي بِبَكَّةِ } وَكَذَا الْمَسْجِدُ فِي قَوْله تَعَالَى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ } وَكَذَا بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ وَكَذَا الْحَمَّامُ وَلَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْبَيْتُ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّمَا يُرَادُ مَا يَبَاتُ فِيهِ عَادَةً فَدَخَلَ الدِّهْلِيزُ إذَا كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ يُبَاتُ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَةً لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى وَفِي الْمُدُنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْنَثُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ صَارَ دَاخِلًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ وَلَهُ سَعَةٌ تَصْلُحُ لِلْمَبِيتِ مِنْ سَقْفٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ وَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ بِالصِّفَةِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَرْبَعُ حَوَائِطَ كَمَا هِيَ صِفَافُ الْكُوفَةُ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُسَقَّفًا كَمَا هِيَ صِفَافُ دِيَارِنَا لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مِفْتَحَهُ وَاسِعٌ وَكَذَا الظُّلَّةُ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلَ

الدَّارِ مُسَقَّفًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَابَاطًا وَهُوَ مَا عَلَى ظَاهِرِ الْبَابِ فِي الشَّارِعِ مِنْ سَقْفٍ لَهُ جُذُوعٌ أَطْرَافُهَا عَلَى جِدَارِ الدَّارِ الْمُقَابِلِ لَهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ شَرْطًا فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدِّهْلِيزُ مُسَقَّفًا انْتَهَى كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَعَانِي كَلِمِ الْقُرْآنِ ) أَيْ وَعِنْدَ أَحْمَدُ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا انْتَهَى كَمَالٌ بِالْمَعْنَى ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ ) ثُمَّ الْبَيْعَةُ مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى وَالْكَنِيسَةُ لِلْيَهُودِ قَالَ الْقُتَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ لِلصَّابِئَيْنِ وَبِيَعٌ لِلنَّصَارَى وَصَلَوَاتٌ يُرِيدُ وَبُيُوتُ صَلَوَاتٍ يَعْنِي كَنَائِسَ الْيَهُودِ وَمَسَاجِدُ لِلْمُسْلِمِينَ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَصْلِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَكَنَ بَيْتًا مِنْ شَعْرٍ أَوْ فُسْطَاطًا أَوْ خَيْمَةً لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَحْنَثُ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانَ الْعَادَةُ دُونَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ فَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِيهَا وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْبَيْتِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ فِي الْكَعْبَةِ { إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } وَكَقَوْلِهِ { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } وَمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ مَنْقُولًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ فَذَلِكَ سَهْوٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَلِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا نَصْرٍ قَالَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُخَرِّبُ بَيْتًا فَخَرَّبَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ بَيْتًا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ السَّمَكَ لَمْ يَحْنَثْ

وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ انْتَهَى

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي دَارٍ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً وَفِي هَذِهِ الدَّارِ يَحْنَثُ وَإِنْ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ الِانْهِدَامِ ) أَيْ فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْخَرِبَةِ وَفِيمَا إذَا قَالَ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ وَلَوْ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَامِرَةٌ قَالَ لَبِيدٌ : عَفَتْ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا بِمِنًى تَأَبَّدَ غَوْلُهَا فَرِجَامُهَا وَقَالَ النَّابِغَةُ : يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الْأَمَدِ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ إنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ وَحَامِلًا عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً عَلَى الْيَمِينِ تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ فَتَتَقَيَّدُ بِهَا الْيَمِينُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ أَوْ هَذَا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ رُطَبًا فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا فَحِينَئِذٍ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ لَا يَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِزَمَانِ صِبَاهُ لِأَنَّ صِبَاهُ وَإِنْ كَانَ حَامِلًا عَلَى الْيَمِينِ لَكِنَّ هَجْرَ الصَّغِيرِ لِأَجْلِ صِغَرِهِ مَهْجُورٌ شَرْعًا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا } وَفِي تَرْكِ الْكَلَامِ لَهُ تَرْكُ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ فَكَانَ مَهْجُورًا فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالذَّاتِ دُونَ الصِّفَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ دَارٍ فَاشْتَرَى دَارًا خَرِبَةً نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قُلْتُمْ وَجَبَ أَنْ لَا يَنْفُذَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الْمُنْكَرِ مُعْتَبَرَةٌ قُلْنَا فِي الْوَكَالَةِ تُعُرِّفَتْ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِشِرَاءِ دَارٍ لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا بُيِّنَ الثَّمَنُ وَالْمَحَلَّةُ وَهِيَ فِي

الْيَمِينِ مُنَكَّرَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَافْتَرَقَا فَإِنْ قِيلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ دَاخِلَةً فِي الْيَمِينِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فَكَذَلِكَ أَيْضًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا فَإِنَّ يَمِينَهُ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِشَيْءٍ مِنْ أَوْصَافِ الرِّجَالِ قُلْنَا صِفَةُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ مُتَعَيِّنَةٌ لِعَدَمِ مَا يُزَاحِمُهَا مِنْ الْأَوْصَافِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ الْأَوْصَافَ فِيهِ مُتَزَاحِمَةٌ فَتَقْيِيدُهُ بِالْكُلِّ مُحَالٌ وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَسْقُطُ الْكُلُّ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِدُخُولِ الْمَبْنِيَّةِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي دَارًا بِدُخُولِهَا خَرِبَةً ) قَالَ الرَّازِيّ قَوْلُهُ فِي دَارًا عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بَيْتًا وَقَوْلِهِ بِدُخُولِهَا الْبَاءُ تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ لَا يَحْنَثُ ا هـ ( قَوْلُهُ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَهَا بَعْدَ مَا انْهَدَمَتْ ) يَعْنِي وَصَارَتْ صَحْرَاءَ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ ) أَيْ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَيُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَيْرُ عَامِرَةٍ فِي الْعَجَمِ وَالْعَرَبِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا ) وَالصِّفَةُ فِي الْمُنَكَّرِ مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّ الْغَائِبَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِدَارٍ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ تِلْكَ الصِّفَةِ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ ) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ فَأَغْنَتْ عَنْ الْوَصْفِ الَّذِي وُضِعَ لِلتَّوْضِيحِ فَاسْتَوَى وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا وَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِذَاتِهَا وَذَاتُهَا بَاقِيَةٌ بَعْدَ انْتِقَاضِ الْحِيطَانِ بِالدُّخُولِ فِيهَا وَكَذَا إذَا خَرِبَتْ وَبُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى لِأَنَّ ذَاتَهَا لَمْ تَتَبَدَّلْ ا هـ قَالَهُ الرَّازِيّ ( قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ جُمْلَةً مِنْ أَبْيَاتِ الْعَرَبِ فَهَذِهِ الْأَشْعَارُ وَمَا لَا يُحْصَى كَثْرَةٌ تَشْهَدُ بِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لِلْعَرْصَةِ لَيْسَ غَيْرُ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِهَذِهِ الْأَشْعَارِ لَا يُرِيدُونَ بِالِاسْمِ إلَّا الْعَرْصَةَ فَقَطْ فَإِنَّ هَذِهِ الدِّيَارَ الَّتِي ذَكَرُوهَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنَاءٌ أَصْلًا بَلْ هِيَ عَرَصَاتٌ مَنْزُولَاتٌ يَضَعُونَ فِيهَا الْأَخْبِيَةَ لَا الْأَبْنِيَةَ الْحَجَرَ وَالْمَدَرَ فَصَحَّ أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنَّمَا اللَّازِمُ فِيهَا كَوْنُهَا قَدْ نَزَلَتْ غَيْرَ أَنَّهَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْمُدُنِ لَا يُقَالُ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ فِيهَا لَوْ انْهَدَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضُهَا قِيلَ دَارٌ خَرَابٌ فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ جُزْءَ الْمَفْهُومِ لَهَا

فَأَمَّا إذَا انْمَحَتْ الْأَبْنِيَةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ سَاحَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الدَّارِ فِي الْعُرْفِ عَلَيْهَا كَهَذِهِ دَارُ فُلَانٍ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَالْحَقِيقَةُ أَنْ يُقَالَ كَانَتْ دَارًا وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً بِأَنْ صَارَتْ لَا بِنَاءَ بِهَا لَا يَحْنَثُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُقَابِلِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمُنَكَّرِ فِي الْحُكْمِ إذَا تَوَارَدَ حُكْمُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ فَأَمَّا إذَا دَخَلَ بَعْدَ مَا زَالَتْ بَعْضُ حِيطَانِهَا فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنَكَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُفَارَقَةُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا فِيهَا يَعْنِي مُعْتَبَرًا فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ لِأَنَّ ذَاتَه تَتَعَرَّفُ بِالْإِشَارَةِ فَوْقَ مَا تَتَعَرَّفُ بِالْوَصْفِ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ الْمُعَرِّفُ لَهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ جُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا لَا كَهَذَا الْبَيْتِ فَهُدِمَ أَوْ بُنِيَ آخَرُ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرِبَتْ فَجُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيهِ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَهُدِمَ ثُمَّ دَخَلَهُ أَوْ بَنَى بَيْتًا آخَرَ فَدَخَلَهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ دَارًا بَعْدَ مَا اعْتَرَضَ اسْمٌ آخَرُ عَلَيْهَا لِأَنَّ بَقَاءَ الِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْمُسَمَّى وَزَوَالَهُ عَلَى زَوَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بُنِيَتْ دَارًا لِأَنَّ الِاسْمَ كَانَ بَاقِيًا وَهِيَ صَحْرَاءُ حَتَّى يَحْنَثَ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَإِذَا بُنِيَتْ لَمْ يَتَبَذَّلْ اسْمُهَا وَلَوْ انْهَدَمَ الْحَمَّامُ وَنَحْوُهُ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ بُنِيَتْ دَارًا بَعْدَ انْهِدَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ بِالِانْهِدَامِ لَمْ يَعُدْ اسْمُ الدَّارِ لِبَقَاءِ اسْمِ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ فِيهِ وَإِنْ عَادَ الِاسْمُ بِالْبِنَاءِ لَكِنَّهُ بِصِفَةٍ جَدِيدَةٍ فَكَانَ غَيْرَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ وَبَعْدَ الِانْهِدَامِ زَالَ الِاسْمُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ السَّقْفُ وَبَقِيَتْ الْحِيطَانُ فَدَخَلَهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّقْفَ وَصْفٌ فِيهِ كَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَلَوْ بُنِيَ بَيْتًا آخَرَ بَعْدَ مَا انْهَدَمَ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّارِ

( قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيهِ ) وَكَذَا إذَا غَلَبَتْ عَلَيْهَا دِجْلَةُ أَوْ الْفُرَاتُ فَصَارَتْ بَحْرًا أَوْ نَهْرًا فَدَخَلَهَا لَا يَحْنَثُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَنَيْت ) أَيْ الدَّارَ بَنَيْت دَارًا مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ انْهِدَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّقْفَ وَصْفٌ فِيهِ ) وَهَذَا يُفِيدُك أَنَّ ذِكْرَ السَّقْفِ فِي الدِّهْلِيزِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُسَقَّفٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ لِلْبَيْتُوتَةِ كَمَا قَدَّمْنَا وَالْبَيْتُ لَا يَلْزَمُ فِي مَفْهُومِهِ السَّقْفُ فَقَدْ يَكُونُ مُسَقَّفًا وَهُوَ الْبَيْتُ الشَّتْوِيُّ وَغَيْرُ مُسَقَّفٍ وَهُوَ الصَّيْفِيُّ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّارِ ) حَلَفَ لَا يَجْلِسُ إلَى هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ وَهِيَ مِنْ آجُرٍّ أَوْ جَصٍّ أَوْ حِجَارَةٍ فَنُقِضَتْ ثُمَّ بُنِيَتْ ثَانِيًا بِحِجَارَتِهَا فَجَلَسَ إلَيْهَا لَا يَحْنَثُ وَكَذَا الْحَائِطُ ا هـ قَاضِي خَانْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَمَرَّ عَلَى الْبَابِ وَزَلَقَتْ رِجْلُهُ وَوَقَعَ فِي الدَّارِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الدَّارِ بِاخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَخَلَ مُكْرَهًا أَوْ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ وَأَلْقَتْهُ فِي الدَّارِ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى دَابَّةٍ فَانْفَلَتَتْ وَلَمْ يَسْتَطِعْ إمْسَاكَهَا فَأَدْخَلَتْهُ فِي الدَّارِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِهَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْحَائِطَ مِنْ جُمْلَةِ الدَّارِ وَتَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ هَذَا إذَا كَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَرَكًا لَا يَحْنَثُ كَمَا لَا يَحْنَثُ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ حَنِثَ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ الصُّعُودُ عَلَى السَّطْحِ وَالْحَائِطِ لَا يُسَمَّى دُخُولًا فَلَا يَحْنَثُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ ا هـ .

شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ ) أَيْ الْوَاقِفُ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ هُوَ دَاخِلَ الدَّارِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَوَقَفَ عَلَى السَّطْحِ يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ التَّخَلِّي فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْعَجَمِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى السَّطْحِ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا عِنْدَهُمْ وَعَلَى هَذَا الْوَاقِفُ عَلَى شَجَرَةٍ فِي الدَّارِ أَوْ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمْ وَدِهْلِيزُ الدَّارِ كَدِهْلِيزِ الْبَيْتِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ مُسَقَّفًا هُنَا لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُهُ بِدُونِهِ وَبِدُونِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الْبَيْتِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي طَاقِ الْبَابِ لَا ) أَيْ الْوَاقِفُ فِي طَاقِ الْبَابِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْبَيْتَ فَوَقَفَ عَلَى طَاقِ الْبَابِ لَا يَحْنَثُ هَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَتَرْكِيبَ الْغَلْقِ لِإِحْرَازِ مَا فِي الدَّارِ وَالْبَيْتِ فَمَا كَانَ دَاخِلًا فَهُوَ مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ دُونَ الْأُخْرَى إنْ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ أَوْ كَانَ الْجَانِبُ الْخَارِجُ أَسْفَلَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ أَسْفَلَ حَنِثَ لِأَنَّ اعْتِمَادَ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى رِجْلِهِ الَّتِي فِي الْجَانِبِ الْأَسْفَلِ فَتُعْتَبَرُ تِلْكَ دُونَ الْأُخْرَى وَلَوْ دَخَلَ كَنِيفَهَا وَهُوَ شَارِعٌ إلَى الطَّرِيقِ وَمِفْتَحُهُ مِنْ دَاخِلٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ وَفِي الْكَافِي لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَخَلَ فِي صَحْنِ دَارِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَ الْبَيْتَ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ الدُّخُولُ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالدَّارُ وَالْبَيْتُ وَاحِدٌ فَيَحْنَثُ إنْ دَخَلَ صَحْنَ الدَّارِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْقُعُودِ فِيهَا حَتَّى يَخْرُجَ ثُمَّ دَخَلَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ لِلدَّوَامِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ قَالَ لَأَدْخُلَنَّ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَمَكَثَ فِيهَا حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ نَوَى بِالدُّخُولِ الْإِقَامَةَ فِيهَا دِينَ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ ) أَيْ الدُّخُولُ الَّذِي حَلَفَ عَلَى إيجَادِهِ فِي الْغَدِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَوَامُ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى كَالْإِنْشَاءِ لَا دَوَامُ الدُّخُولِ ) يَعْنِي لِدَوَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا وَاسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ حَنِثَ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ دَوَامًا بِحُدُوثِ أَمْثَالِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهَا مُدَّةً يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا بِمَعْنَى التَّوْقِيتِ وَكَذَا لَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ دَاخِلُ الدَّارِ اُدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ وَلَا تَدْخُلْ وَيُقَالُ لِلْقَاعِدِ اُقْعُدْ وَكَذَا يُقَالُ لَهُ لَا تَقْعُدْ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } أَيْ لَا تَمْكُثْ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَلَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ الْأُولَى لَك وَالثَّانِيَةَ عَلَيْك } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا رَكِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ رُكُوبِهِ فَمَكَثَ سَاعَةً وَلَمْ يَنْزِلْ طَلُقَتْ وَإِنْ مَكَثَ سَاعَةً أُخْرَى طَلُقَتْ أُخْرَى وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ امْتِدَادُهُ لَهُ دَوَامٌ كَالْقُعُودِ وَالْقِيَامُ وَالنَّظَرُ وَنَحْوُهُ وَمَا لَا يَمْتَدُّ لَا دَوَامَ لَهُ كَالْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الدَّابَّةِ لِلْحَالِ أَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ أَوْ انْتَقَلَ لِلْحَالِ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ اللُّبْثِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى بَعْدَ الْيَمِينِ وَإِنْ قَلَّ وَذَلِكَ كَافٍ لِلْحِنْثِ وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْبِرِّ إلَّا بِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ بِالْبِرِّ وَنَهَى عَنْ الْحِنْثِ بِقَوْلِهِ { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } وَبِقَوْلِهِ { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ

بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } فَلَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ زَمَنَ الْبِرِّ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ فَكَانَ مَرْدُودًا بِالنَّصِّ فَإِنْ قِيلَ الْيَمِينُ كَمَا يُعْقَدُ لِلْبِرِّ يُعْقَدُ لِلْحِنْثِ أَيْضًا كَمَا فِي قَوْلِهِ لَأَمَسَّنَّ السَّمَاءَ قُلْنَا هُنَاكَ أَيْضًا عُقِدَتْ لِلْبِرِّ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ عَادَةً وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بَعْدَ انْعِقَادِهِ لِلْعَجْزِ عَادَةً لَا لِأَنَّهَا عُقِدَتْ لِلْحِنْثِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمُحِلَّةَ فَخَرَجَ وَبَقِيَ مَتَاعُهُ وَأَهْلُهُ حَنِثَ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُرِدْ الرُّجُوعَ وَبَقِيَ مَتَاعُهُ فِيهَا حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى السُّكْنَى وَهِيَ تَكُونُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَمَتَاعِهِ فَمَا لَمْ يَخْرُجْ الْكُلُّ فَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا عُرْفًا لِأَنَّ السُّكْنَى عِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ فِي مَكَان عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ فَإِنَّ مَنْ يَقْعُدُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي السُّوقِ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِيهِ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَا وَهِيَ تَكُونُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَضِدِّهَا وَهُوَ عَدَمُ السُّكْنَى يَكُونُ بِإِخْرَاجِهَا وَإِنْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْتَقِلَ وَغَلَبَتْهُ وَخَرَجَ هُوَ وَلَمْ يُرِدْ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ مُنِعَ هُوَ مِنْ الْخُرُوجِ بِأَنْ أُوثِقَ أَوْ مُنِعَ مَتَاعَهُ فَتَرَكَهُ أَوْ وَجَدَ بَابَ الدَّارِ مُغْلَقًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ وَلَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقُيِّدَ وَمُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَجِيئِي اللَّيْلَةَ إلَى الْبَيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَنَعَهَا وَالِدُهَا حَيْثُ تَطْلُقُ فِيهِمَا فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْفِعْلُ وَهُوَ السُّكْنَى وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ وَلِلْإِكْرَاهِ أَثَرٌ فِي إعْدَامِ الْفِعْلِ وَالشَّرْطُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الْفِعْلِ وَلَا أَثَرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي إبْطَالِ الْعَدَمِ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ دَارٍ أُخْرَى لِيَنْقُلَ إلَيْهَا الْمَتَاعَ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنَهَا وَكَذَا لَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ دَابَّةٍ لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْمَتَاعَ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمْتِعَتُهُ كَثِيرَةً فَاشْتَغَلَ بِنَقْلِهَا بِنَفْسِهِ وَهُوَ

يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَ دَابَّةً فَلَمْ يَسْتَكْرِ لَمْ يَحْنَثْ هَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ ذَا عِيَالٍ مُنْفَرِدًا بِالسُّكْنَى وَأَمَّا إذَا كَانَ سَاكِنًا فِي عِيَالِ غَيْرِهِ كَالِابْنِ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ الزَّوْجَةِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الْمَتَاعِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ سُكْنَى نَفْسِهِ لَا غَيْرُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَخَرَجَ هُوَ عَلَى عَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ وَمَتَاعُهُ فِيهَا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَعُودَ يَحْنَثُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بِخِلَافِ الْمِصْرِ ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْمِصْرِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ وَأَهْلَهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِي الْمِصْرِ الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ السُّوقِيَّ طُولَ نَهَارِهِ فِي السُّوقِ وَيَقُولُ اُسْكُنْ سِكَّةَ كَذَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْقَرْيَةُ كَالْمِصْرِ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَحَلَّةَ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْمَتَاعِ كُلِّهِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتَدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّكْنَى تَثْبُتُ بِالْكُلِّ فَتَبْقَى بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ وَقَدْ صَارَ هَذَا أَصْلًا لَهُ حَتَّى قَالَ بَقَاءُ صِفَةِ السُّكُونِ فِي الْعَصِيرِ يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهِ خَمْرًا وَبَقَاءُ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ فِي دَارٍ ارْتَدَّ أَهْلُهَا يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهَا دَارَ حَرْبٍ فَإِنْ قِيلَ الشَّيْءُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ كَالْعَشَرَةِ وَالدِّينَارِ مَثَلًا يَنْتَفِي هَذَا الِاسْمُ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْتَفِيَ السُّكْنَى هُنَا بِانْتِفَاءِ الْبَعْضِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ قُلْنَا إنَّمَا يَنْتَفِي الشَّيْءُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِهِ إذَا كَانَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْأَجْزَاء كَالْعَشَرَةِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَفْرَادِ فَلَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِهِ كَالرِّجَالِ لَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِ

الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ رِجَالٌ أَيْضًا وَالسُّكْنَى مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ يَبْقَى سَاكِنًا بِاعْتِبَارِ الْبَعْضِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ هَذَا إذَا كَانَ الْبَاقِي يَتَأَتَّى بِهِ السُّكْنَى وَأَمَّا إذَا بَقِيَ مِكْنَسَةٌ أَوْ وَتَدٌ أَوْ قِطْعَةُ حَصِيرٍ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِيهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ السُّكْنَى لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى قَالُوا هَذَا أَحْسَنُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ نَقْلَ الْكُلِّ قَدْ يَتَعَذَّرُ فَلَا يَحْنَثُ إذَا نُقِلَ الْأَكْثَرُ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَمْتِعَةِ وَأَمَّا الْأَهْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا لَا يَبَرُّ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ فِي كُوفِيٍّ انْتَقَلَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ إلَى مَكَّةَ لِيَسْتَوْطِنَهَا فَاسْتَوْطَنَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى خُرَاسَانَ فَمَرَّ بِالْكُوفَةِ يُصَلِّي فِيهَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ اسْتِيطَانَهُ لِلْكُوفَةِ بَطَلَ بِمَكَّةَ وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى خُرَاسَانَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ اسْتِيطَانَهُ لَهَا بَاقٍ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ وَطَنًا آخَرَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى أَهْلِهَا وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ هُوَ وَالْمَتَاعُ فِي السِّكَّةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ

( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ) قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ رَجُلٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ اللُّصُوصُ وَحَبَسُوهُمْ قَالُوا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَهَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأَهْرَاقَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا ا هـ قُلْت وَتَخْرِيجُ هَذَا الْفَرْعِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَصَحَّحَهُ مِنْ أَنَّ الذَّهَابَ بِمَعْنَى الْإِتْيَانِ فَلَا يَحْنَثُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْتِي مَكَّةَ بِمُجَرَّدِ الذَّهَابِ بَلْ إنَّمَا يَحْنَثُ بِالْوُصُولِ إلَيْهَا أَمَّا مَنْ جَعَلَ الذَّهَابَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّخْرِيجِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِمُجَرَّدِ الذَّهَابِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَنْزِلِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ تَطْلُقُ فِيهِمَا ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَجِيئِينِي ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ قَوْلُهُ أَحْسَنُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ ) أَيْ فِي نَفْيِ الْحِنْثِ عَنْهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَكَثِيرٌ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا لَيْسَ عَلَى نَقْلِ الْكُلِّ لِيَقُومَ الْأَكْثَرُ مَقَامَهُ بَلْ عَلَى الْعُرْفِ فِي أَنَّهُ سَاكِنٌ أَوْ لَا وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ تَرْكِ الْمَكَانِ وَعَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَنَقَلَ مِنْ أَمْتِعَتِهِ فِيهِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْرُ سُكْنَاهُ وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ نَقْلِ الْبَاقِي يُقَالُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَلْ

انْتَقَلَ عَنْهُ وَسَكَنَ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ فَلَا يَحْنَثُ ) وَكَذَا إذَا سَلَّمَ دَارِهِ بِإِجَارَةٍ انْتَهَى شُمُنِّيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَخْرُجُ فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ حَنِثَ وَبِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا لَا كُلًّا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ مَثَلًا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَأَخْرَجَهُ مَحْمُولًا حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَأَخْرَجَهُ بِرِضَاهُ أَوْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً أُخْرَى لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ لَا يَضْمَنُ فَصَارَ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ بِهِ وَفِي الْإِكْرَاهِ يُضَافُ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرَهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النَّقْلَ وَهُوَ الْأَمْرُ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِهِ وَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَخْرَجَتْهُ الرِّيحُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَدَّدَهُ فَخَرَجَ هُوَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَهُوَ الْخُرُوجُ إلَّا أَنَّهُ مُكْرَهٌ وَفِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا أَوْ طَائِعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَأُكْرِهَ فَأَكَلَ بِنَفْسِهِ يَحْنَثُ وَلَوْ حُطَّ الْمَأْكُولُ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَحَمْلُهُ بِرِضَاهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ كَحَمْلِهِ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ حَقِيقَةً وَلَا مَا يُوجِبُ النَّقْلَ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَمْرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ كَذَا فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ بِبَدَنِهِ وَلَوْ قَالَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ بِبَدَنِهِ وَأَهْلِهِ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً أُخْرَى لِأَنَّ الْمَوْجُودَ هُوَ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُضِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ

بِخُرُوجٍ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ دَاخِلٍ وَالْإِتْيَانُ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ فَتَغَايَرَا فَلَا يَحْنَثُ

( قَوْلُهُ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ بِهِ ) أَيْ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فَإِنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ كَذَا هَذَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِهِ ) لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ وَلَمْ يَخْرُجْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ فِي الصَّحِيحِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ فِي صُورَةِ الْحَمْلِ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنْ هَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ أَمْ لَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَنْحَلُّ وَعَلَيْهِ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ فَقَالَ سُئِلَ شَيْخُنَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَنْحَلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَغَيْرُهُ ا هـ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ قَالَ الْكَمَالُ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ تَنْحَلُّ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ ا هـ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَحْنَثُ لِانْقِطَاعِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَيْفَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا فِي الذِّمَّةِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ هَلْ يَحْنَثُ فَمَنْ قَالَ انْحَلَّتْ قَالَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ وَمَنْ قَالَ لَمْ تَنْحَلَّ قَالَ حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَدَّدَهُ إلَخْ ) أَفَادَ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ أَنْ يَخْرُجَ مَحْمُولًا لَا أَنْ يَخْرُجَ هُوَ بِنَفْسِهِ خَوْفًا مِنْ التَّهْدِيدِ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ مُكْرَهٌ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِخْرَاجِ مُكْرَهًا هُنَا أَنْ يَحْمِلَهُ وَيُخْرِجُهُ كَارِهًا لِذَلِكَ لَا الْإِكْرَاهُ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ أَنْ يَتَوَعَّدَهُ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِنَّهُ إذَا تَوَعَّدَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ حَنِثَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا ا هـ { فَرْعٌ } قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ

لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَصَعِدَتْ السَّطْحَ فَنَزَلَتْ فِي دَارِ الْجَارِ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ بِأَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الدَّارِ لَا التَّقْيِيدَ بِالْبَابِ وَلِأَنَّ بَابَ السَّطْحِ بَابُ الدَّارِ فَإِنْ عَيَّنَ الْبَابَ وَقَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذَا الْبَابِ فَيُقَيَّدُ بِذَلِكَ الْبَابِ وَقَالَ فِي الصُّغْرَى قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ لَا مِنْ بَابِ الدَّارِ طَلُقَتْ لِأَنَّ بَابَ الدَّارِ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الدَّارِ لَكِنْ إنَّمَا خَصَّ الْبَابَ لِأَنَّهُ الْمُعَدُّ لِلْخُرُوجِ فِي مُضَارَبَةِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَنَصَّ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي بِخِلَافِ هَذَا فَيُفْتَى بِمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْوَاقِعَاتِ ا هـ وَذَكَرَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى بَعْدَ قَوْلِهِ فَيُفْتَى بِمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا نَصُّهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِخِلَافِ هَذَا أَيْضًا وَالْمَذْكُورُ فِي الْقُدُورِيِّ إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ نَقَبَ بَابًا آخَرَ فَخَرَجَ مِنْهُ يَحْنَثُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَحَمَلَهُ بِرِضَاهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَمَلَهُ بِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ فِي الصَّحِيحِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا حَمَلَهُ فَرَضِيَ بِهِ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ فَجَوَابُهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ كَمَا إذَا خَرَجَ طَائِعًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِامْتِنَاعِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ صَارَ كَالْآمِرِ بِالْإِخْرَاجِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلٌ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ إلَى

أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِهِ لِأَنَّ حَاجَتَنَا إلَى إثْبَاتِ الْفِعْلِ وَبِالرِّضَا لَا يَثْبُتُ الْفِعْلُ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْأَمْرِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَخْرُجُ أَوْ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ حَنِثَ ) لِأَنَّ الْخُرُوجَ انْفِصَالٌ عَنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْ وَطَنِهِ قَاصِدًا إلَى مَكَّةَ فَقَدْ خَرَجَ إلَيْهَا عُرْفًا وَإِنْ لَمْ يَصِلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ } الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهَا مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ أَنْ يُجَاوِزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِ الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ حَتَّى لَوْ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْعُمْرَانَ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ حَيْثُ يَحْنَثُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ سَفَرٌ وَلَا سَفَرَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْعُمْرَانِ وَلَا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ إلَى جِنَازَةٍ ، وَالذَّهَابُ كَالْخُرُوجِ فِي الصَّحِيحِ وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ كَالْإِتْيَانِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْنَ } وَالْمُرَادُ الْإِتْيَانُ ، وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ يُقَالُ ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ بِمَعْنَى خَرَجَ إذَا زَالَ عَنْ مَكَانِهِ فَلَا يَقْتَضِي الْوُصُولَ وَأَذْهَبَهُ غَيْرُهُ إذَا أَزَالَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } أَيْ لِيُزِيلَهُ عَنْكُمْ وَلِهَذَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا كَمَا يُقَالُ اُخْرُجْ إلَى مَكَّةَ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي لَا يَأْتِيهَا لَا ) أَيْ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْتِيهَا لَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالْوُصُولِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ } وَالْمُرَادُ بِهِ الْوُصُولُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ الْحَائِضَ أَوْ أَتَاهَا فِي غَيْرِ

مَأْتَاهَا أَوْ أَتَى كَاهِنًا وَصَدَّقَهُ فِيمَا قَالَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ } ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الِانْفِصَالِ لِلْحِنْثِ وَفِي الْإِتْيَانِ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا يَحْنَثُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَنَوِّعٌ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ إلَيْهَا وَإِلَى غَيْرِهَا وَكَذَا الذَّهَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ كَالْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ لِأَنَّ الْوُصُولَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ

( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ انْفِصَالٌ عَنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ ) أَيْ لَا عَنْ الْوُصُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ أَنْ يُجَاوِزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِ الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ ) كَأَنَّهُ ضَمَّنَ لَفْظَ أَخْرُجُ مَعْنَى أُسَافِرُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَيْهَا سَفَرٌ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُدَّةُ سَفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الدَّاخِلِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَالذَّهَابُ كَالْخُرُوجِ فِي الصَّحِيحِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت إلَى بَيْتِ أَبِيك فَأَنْتِ كَذَا فَخَرَجَتْ نَاسِيَةً ثُمَّ تَذَكَّرَتْ فَرَجَعَتْ فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْخُرُوجُ وَالْإِتْيَانُ وَالذَّهَابُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ فِي الْإِتْيَانِ لَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ تَصِلْ إلَى دَارِ أَبِيهَا وَفِي الْخُرُوجِ يَحْنَثُ وَاخْتَلَفُوا فِي الذَّهَابِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الذَّهَابَ كَالْإِتْيَانِ قَالَ مَوْلَانَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ فِي ذَلِكَ إنْ نَوَى بِالذَّهَابِ الْوُصُولَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ نَوَى بِهِ الْخُرُوجَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يُحْمَلُ عَلَى الْإِتْيَانِ لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهَذَا الْإِتْيَانَ وَالْوُصُولَ ا هـ وَقَالَ فِي الْوُقَايَةِ وَذَهَابُهُ كَخُرُوجِهِ فِي الْأَصَحِّ ا هـ ( قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ الْإِتْيَانُ ) أَيْ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ وَتَبْلِيغُهُ الرِّسَالَةَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَيْ لِيُزِيلَهُ عَنْكُمْ ) أَيْ فَبِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ تَحَقَّقَ الْحِنْثُ وَكَوْنُهُ اُسْتُعْمِلَ مُرَادًا بِهِ الْوُصُولُ فِي { اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْنَ } لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَازِمٌ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا مَعَ الْوُصُولِ وَعَدَمِهِ فَيَكُونُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْخُرُوجِ بِلَا وُصُولٍ وَالْخُرُوجِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وُصُولٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا لِتَحَقُّقِ الْمُسَمَّى بِمُجَرَّدِ الِانْفِصَالِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ هَذَا ) أَيْ

كَوْنُ الذَّهَابِ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِالذَّهَابِ شَيْئًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا نَوَى أَحَدَهُمَا ) أَيْ الْخُرُوجَ أَوْ الْإِتْيَانَ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِالذَّهَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْت إلَى مَنْزِلِ أَبِيك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إنْ ذَهَبْت فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ قَصْدٍ وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ أَتَيْت فَهُوَ عَلَى الْوُصُولِ قَصَدَتْ الْخُرُوجَ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ لَمْ تَقْصِدْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَيَأْتِيَنَّهُ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ زَيْدًا أَوْ الْبَصْرَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فَوْتُ الْإِتْيَانِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ الْبِرَّ مَرْجُوٌّ مَا دَامَ حَيًّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَهُوَ عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ ) لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْعُرْفِ سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَارْتِفَاعُ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْهُودُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } وَالْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِطَاعَةُ الْحِسِّيَّةُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } وَيُقَالُ فُلَانٌ يَسْتَطِيعُ كَذَا وَالْمُرَادُ بِهَا سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ نَوَى الْقُدْرَةَ دِينَ ) أَيْ إنْ نَوَى حَقِيقَةَ الْقُدْرَةِ الَّتِي تُقَارِنُ الْفِعْلَ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا } إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَفِي رِوَايَةٍ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ كَيْفَمَا كَانَ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الْحَقِيقَةَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الظَّاهِرِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خِلَافَ الظَّاهِرِ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً قَوْلًا وَاحِدًا وَهَلْ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَوْ لَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَعَلَى إحْدَاهُمَا يَخْرُجُ قَوْلُهُ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْمَجَازَ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً

مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا فِيهِ تَشْدِيد عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ وَإِذَا نَوَى اسْتِطَاعَةَ الْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ أَبَدًا لِأَنَّهَا لَمْ تَسْبِقْ الْفِعْلَ

قَوْلُهُ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْحَالِفَ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِفَوَاتِ الْبِرِّ وَهُنَا فِي مَسْأَلَتِنَا الْيَمِينُ مُطْلَقَةٌ عَنْ الْوَقْتِ فَمَا دَامَ الْحَالِفُ حَيًّا يُرْجَى وُجُودُ الْبِرِّ وَهُوَ الْإِتْيَانُ فَلَا يَحْنَثُ فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ تَعَذَّرَ شَرْط الْبِرُّ وَتَحَقَّقَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِتْيَانِ فَيَحْنَثُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ لَا يَحْنَثُ أَمَّا إذَا فَاتَ الْوَقْتُ قَبْلَ دُخُولِهِ وَهُوَ حَيٌّ يَحْنَثُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ إلَخْ ) أَيْ وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ زَيْدًا غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ فَلَمْ يَمْنَعْ عَنْهُ مَانِعٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَوْ عَارِضٍ آخَرَ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْعُرْفِ سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ قَالَهُ الرَّازِيّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ حَلَفَ أَيْ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ وَصُورَتُهُ فِي التَّعْلِيقِ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ آتِك غَدًا إنْ اسْتَطَعْت وَلَا نِيَّةَ لَهُ تُصْرَفُ الِاسْتِطَاعَةُ إلَى سَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهَذَا مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ دُونَ الْقُدْرَةِ أَيْ دُونَ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْقُدْرَةُ الَّتِي لَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ بَلْ تُخْلَقُ مَعَهُ بِلَا تَأْثِيرٍ لَهَا فِيهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعَبْدِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ أَرَادَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ إنْ

اسْتَطَعْت صَحَّتْ إرَادَتُهَا فَإِذَا لَمْ يَأْتِهِ لِعُذْرٍ مِنْهُ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَحْنَثُ كَأَنَّهُ قَالَ لَآتِيَنَّكَ إنْ خَلَقَ اللَّهُ إتْيَانِي أَوْ إلَّا أَنْ يَخْلُقَ إتْيَانِي وَهُوَ إذَا لَمْ يَأْتِ لَمْ يُخْلَقْ إتْيَانُهُ وَلَا اسْتِطَاعَةُ الْإِتْيَانِ الْمُقَارِنَةُ وَإِلَّا لَأَتَى وَإِذَا صَحَّتْ إرَادَتُهَا فَهَلْ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً أَوْ دِيَانَةً فَقَطْ قِيلَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلُ الرَّازِيّ وَقِيلَ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ إذْ كَانَ اسْمُ الِاسْتِطَاعَةِ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِ الظَّاهِرِ ا هـ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْتِطَاعَةُ الْحَالِ وَالْمُرَادُ بِهَا سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ وَحَدُّهَا التَّهَيُّؤُ لِتَنْفِيذِ الْفِعْلِ عَنْ إرَادَةِ الْمُخْتَارِ وَالثَّانِي اسْتِطَاعَةُ الْفِعْلِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْقُدْرَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْفِعْلُ وَلَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ وَهِيَ عَرَضٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الْفِعْلِ مَعًا وَهِيَ عِلَّةٌ لِلْفِعْلِ عِنْدَنَا وَزَعَمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى الْفِعْلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْكَرَّامِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ إنْ نَوَى حَقِيقَةَ الْقُدْرَةِ الَّتِي تُقَارِنُ الْفِعْلَ ) أَيْ وَهِيَ الَّتِي يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَبْدِ حَالَةَ الْفَعْلِ مُقَارِنَةً لَهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَجِبُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي شُرِطَ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ وَحَتَّى ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجْ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ فِي كُلِّ خُرُوجٍ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَرَّةً أُخْرَى يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك فَإِنَّهُ بِالْإِذْنِ مَرَّةً تَنْتَهِي الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إلَّا بِإِذْنِي فَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى خُرُوجًا بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ مُلْصَقًا بِالْإِذْنِ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَكُلُّ خُرُوجٍ لَا يَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَانَ دَاخِلًا فِي الْيَمِينِ وَصَارَ شَرْطًا لِلْحِنْثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا نَتَنَزَّلُ إلَّا بِأَمْرِ رَبِّك } أَيْ لَا يُوجَدُ نُزُولٌ إلَّا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِمِلْحَفَةٍ أَوْ بِقِنَاعٍ وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهَا كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ فَقَدْ أَذِنْت لَك فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ نَهَاهَا لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي خَرْجَةٍ ثُمَّ نَهَاهَا عَنْ تِلْكَ الْخَرْجَةِ يَعْمَلُ نَهْيُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْعَامَّ بِالْخَاصِّ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالْعَامِّ لِاسْتِحَالَةِ بَقَائِهَا مَعَ إطْلَاقِ جَمِيعِ الْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْخَاصِّ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَكَذَا يَصِحُّ النَّهْيُ وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنَّمَا صَارَ مُحْتَمَلًا لَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَايَةً بِمَعْنَى حَتَّى بَعْدَ مَا كَانَ اسْتِثْنَاءً وَبَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا بَعْدَهُمَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُمَا فَصَحَّتْ

الِاسْتِعَارَةُ وَقَالُوا إنَّ هَذَا الْإِذْنَ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ الْمَنْعُ وَهُوَ الزَّوْجُ كَالْوَالِي إذَا اسْتَحْلَفَ رَجُلًا لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ وِلَايَتِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَائِمَةً وَقْتَ الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِأَجْنَبِيَّةٍ بِأَنْ قَالَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك فَلِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى لِلْغَايَةِ فَيَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهَا وَكَلِمَةُ أَنْ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْخُرُوجِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَخْرُجُ هِيَ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى كَلِمَةِ حَتَّى فَتَكُونُ لِلْغَايَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي حَيْثُ لَا يُحْمَلُ عَلَى كَلِمَةِ حَتَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ غَيْرُ مُتَعَذِّرَةٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا تَخْرُجُ إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } فَتَكْرَارُ الْإِذْنِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الدُّخُولِ فَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّهَا لِلْغَايَةِ كَحَتَّى قُلْنَا تَكْرَارُ الْإِذْنِ فِيهِ عَرَفْنَاهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ أَنَّ دُخُولَ دَارِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ فَصَارَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } أَوْ عَرَفْنَاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ } الْآيَةَ فَصَارَتْ الْعِلَّةُ هِيَ

الْإِيذَاءَ وَلَوْ نَوَى التَّعَدُّدَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك صُدِّقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَنْ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ فَتَكُونُ الْبَاءَ فِيهِ مُقَدَّرَةً فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا بِأَنْ آذَنَ لَك وَلِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا عَلَى نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً بِقَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْفِيفَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ بَاعَ فُلَانٌ مَالِي إلَّا بِإِذْنِي وَإِلَّا أَنْ آذَنَ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا وَالرِّضَا وَالْأَمْرُ كَالْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا( قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً إلَخْ ) قَالَ الرَّازِيّ وَفِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرٌ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْإِذْنَ مِنْ الْخُرُوجِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْخُرُوجِ إذْ لَوْ قُلْت إلَّا خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك لَاخْتَلَّتْ فَتَعَيَّنَ مَجَازُهُ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ غَايَةَ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ حُكْمَ الْمَصْدَرِ وَالْمُغَيَّا يَنْتَهِي بِالْمُسْتَثْنَى وَالْغَايَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهُمَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْت أَوْ ضُرِبَ الْعَبْدُ فَقَالَ إنْ ضُرِبْت تَقَيَّدَ بِهِ كَاجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ إنِّي تَغَدَّيْت ) يَعْنِي لَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَرَادَ رَجُلٌ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ أَخِّرْ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَتْ يَمِينُهُ بِتِلْكَ الْخَرْجَةِ وَالضَّرْبَةِ حَتَّى لَوْ قَعَدَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ تَرَكَ ضَرْبَ عَبْدِهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا يَتَقَيَّدُ فِي قَوْلِهِ اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ يَحْنَثُ بِالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الزَّجْرُ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ أَوْ مَعَك فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيَكُونُ مُبْتَدِئًا وَلَا يُقَالُ إنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ زَادَ فِي الْجَوَابِ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْعَصَا وَلَمْ يَكُنْ مُبْتَدِئًا لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا سُئِلَ بِمَا وَهِيَ تَقَعُ عَنْ ذَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ وَالصِّفَاتِ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَأَجَابَ بِهِمَا حَتَّى يَكُونَ مُجِيبًا عَنْ أَيِّهِمَا كَانَ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تُسَمَّى يَمِينَ فَوْرٍ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوْرِ الْقِدْرِ إذَا غَلَتْ يُقَالُ فَارَتْ الْقِدْرُ تَفُورُ فَوْرًا وَاسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْحَالُ الَّتِي لَا رَيْث فِيهَا وَلَا لَبْثَ فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ وَقِيلَ سُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ بِهِ بِاعْتِبَارِ فَوَرَانِ الْغَضَبِ وَتَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِظْهَارِهِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ فِيهِ وَكَانُوا يَقُولُونَ مِنْ قَبْلُ الْيَمِينُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ كَلَا يَفْعَلُ كَذَا وَمُؤَقَّتَةٌ كَلَا يَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَصَارَتْ قِسْمًا ثَالِثًا هِيَ مُؤَقَّتَةٌ

مَعْنًى مُطْلَقَةً لَفْظًا وَإِنَّمَا أَخْذُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِهِ حِين دُعِيَا إلَى نُصْرَةِ رَجُلٍ فَحَلَفَا أَنْ لَا يَنْصُرَاهُ ثُمَّ نَصَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْنَثَا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَرْأَةِ تَذْهَبُ لِتَخْرُجَ فَيَقُولُ لَهَا زَوْجُهَا إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَعُودُ فَتَجْلِسُ ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ سَاعَةٍ قَالَ لَا تَطْلُقُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَيَذْهَبُ لِيَضْرِبهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَرَكَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَمْ يَعْتِقْ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِآخَرَ اجْلِسْ فَتَغَدَّ فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَتَغَدَّى عِنْدَهُمْ لَمْ يَحْنَثْ إنَّمَا الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقُ فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَفَّ عَنْ ضَرْبِهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَمِنْهَا إذَا قَالَ لَهُ رَجُلٌ اجْلِسْ فَتَغَدَّ مَعِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْت مَعَك فَعَبْدِي حُرٌّ وَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ ثُمَّ عَادَ وَتَغَدَّى عِنْدَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ وَجْهُ الْقِيَاسِ إطْلَاقُ الْكَلَامِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْغَدَاءِ إخْرَاجُ الْكَلَامِ مُخْرَجَ الْجَوَابِ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ وَفِي الْفَصْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ مَقْصُودُ الْحَالِفِ مُنِعَ عَمَّا قُصِدَ مِنْ الْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ دَلَالَةً ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِظْهَارِهِ وَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي عُرْفِهِمْ قِسْمَيْنِ مُؤَبَّدَةً وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ مُطْلَقًا

وَمُؤَقَّتَةً وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمِينَ الْفَوْرِ وَهِيَ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُؤَقَّتَةٌ مَعْنَى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ وَهِيَ مَا يَكُونُ جَوَابًا بِالْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ تَعَالَ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَيَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ فَإِذَا تَغَدَّى فِي يَوْمِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ جَوَابًا تَضَمَّنَ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ وَالْمَسْئُولُ الْغَدَاءُ فِي الْحَالِ فَيَنْصَرِفُ الْغَدَاءُ إلَى الْغَدَاءِ الْحَالِيِّ لِتَقَعَ الْمُطَابَقَةُ فَلَزِمَ الْحَالِيُّ بِدَلَالَةِ الْحَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا تَغَدَّى فِي مَنْزِلِهِ مِنْ يَوْمِهِ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْجَوَابِ فَيُعْتَبَرُ مُبْتَدِئًا لَا مُجِيبًا فَيُعْمَلُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ وَيُلْغَى ظَاهِرُ الْحَالِ وَإِلْغَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي مَعْنَاهُ أَوْ مَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ حَالِيٍّ كَامْرَأَةٍ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت السَّاعَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ ضَرْبَ عَبْدِهِ ) أَيْ سَاعَةً بِحَيْثُ يَذْهَبُ فَوْرُ ذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ ) وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ غَدَاءٍ وَخُرُوجٍ وَضَرَبَ فَاعْتُبِرَ الْإِطْلَاقُ اللَّفْظِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرْنَا وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ ) أَوْ تَغَدَّى مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ الَّتِي لَا رَيْثَ فِيهَا ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ رَاثَ عَلَيَّ خَبَرُك يَرِيثُ رَيْثًا أَيْ أَبْطَأَ وَفِي الْمَثَلِ رُبَّ عَجَلَةٍ تَهَبُ رَيْثًا

وَيُرْوَى وَهَبْت رَيْثًا وَالْمَعْنَى وَاحِدُ مِنْ الْهِبَةِ وَمَا أَرَاثَكَ عَلَيْنَا أَيْ مَا أَبْطَأَ بِك عَنَّا وَرَجُلٌ رَيِّثٌ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ بَطِيءٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا لَبْثَ ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَاللُّبْثِ وَاللَّبَاثُ الْمُكْثُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَمِينُ الْفَوْرِ أَيْ الْحَالِ وَهِيَ كُلُّ يَمِينٍ خَرَجَتْ جَوَابًا بِالْكَلَامِ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ فَتَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزَفَرِ وَخِلَافُ زُفَرَ مَذْكُورٌ فِي التُّحْفَةِ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْغَدَاءِ فَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْغَدَاءَ الَّذِي دَعَوْتنِي إلَيْهِ فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى ذَلِكَ الْغَدَاءِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ قَصْدَ الزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ هِيَ لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت هَذِهِ الْخَرْجَةَ فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ بِتِلْكَ الْخَرْجَةِ وَكَذَا قَصَدَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْنَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ عَنْ الضَّرْبِ الَّذِي تَهَيَّأَ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ ضَرَبْت هَذِهِ الضَّرْبَةَ الَّتِي تَهَيَّأْت لَهَا فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ عُرْفًا وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَرْكَبُ عَبْدِهِ مَرْكَبُهُ إنْ يَنْوِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ) أَيْ مَرْكَبُ الْعَبْدِ مَرْكَبٌ لِلْمَوْلَى وَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَيَدْخُلُ فِيهِ إنْ نَوَاهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَتَّى إذَا قَالَ إنْ رَكِبْت دَابَّةَ فُلَانٍ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَلَمْ يَنْوِ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَهَا لَمْ يُعْتَقْ وَإِنْ نَوَاهَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا فَإِنْ نَوَى حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ حَتَّى لَا يُعْتَقَ بِعِتْقِهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ لَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا وَشَرْعًا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ } الْحَدِيثَ فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إذَا نَوَى لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى لَكِنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ قَدْ اخْتَلَّتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَرْكَبُ عَبْدِهِ مَرْكَبُهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ فِي مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةً لِعَبْدِهِ قَالَ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَلَمْ يُشْبِعْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَشْرَحْهَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ نَوَاهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِفُلَانٍ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَنْوِيَهُ فَإِنْ نَوَاهُ حَنِثَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَنْوِيَ فَإِذَا نَوَاهُ حَنِثَ بِكُلِّ حَالٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ هَذَا لَفْظُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ ) أَيْ فَهُوَ لِلْبَائِعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً عِنْدَهُ ) أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

{ بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ } الْأَكْلُ إيصَالُ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ وَالْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ مَمْضُوغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَمْضُوغٍ وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ وَالذَّوْقُ إيصَالُ الشَّيْءِ إلَى فِيهِ لِاسْتِبَانَةِ طَعْمِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا السَّوِيقَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا اللَّبَنَ فَثَرَدَ فِيهِ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشُرْبٍ وَلَا الْأَوَّلُ بِأَكْلٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَمَصَّهُ فَابْتَلَعَ مَاءَهُ وَرَمَى ثَفْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَصَّ نَوْعٌ ثَالِثٌ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ وَالْحَلْقِ وَالذَّوْقُ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ دُونَ الْحَلْقِ وَالِابْتِلَاعُ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الْحَلْقِ دُونَ الشِّفَاهِ وَالْمَصُّ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ اللَّهَاةِ خَاصَّةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِأَكْلِ ثَمَرِهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فَيَحْنَثُ بِجَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ جِمَارٍ أَوْ بُسْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ ثَمَرٍ أَوْ طَلْعٍ أَوْ دِبْسٍ يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِهَا وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَا يُؤْكَلُ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِصَنْعَةٍ حَادِثَةٍ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ وَالْخَلِّ لِأَنَّ هَذَا مُضَافٌ إلَى فِعْلٍ حَادِثٍ فَلَمْ يَبْقَ مُضَافًا إلَى الشَّجَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ كَيْفَ عَطَفَ الْمَصْنُوعَ عَلَى الثَّمَرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ } وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايِرَةِ وَيَحْنَثُ بِالْعَصِيرِ لِأَنَّهُ

لَمْ يَتَغَيَّرْ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَيْثُ يَحْنَثُ بِاللَّحْمِ خَاصَّةً وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ فَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّجَرَةِ تَمْرٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى ثَمَنِهَا

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ أَوَّلًا إلَى مَوْضِعٍ يَسْكُنُ وَيَسْتَقِرُّ ثُمَّ تَتَوَارَدُ سَائِرُ الْحَوَائِجِ وَأَوَّلُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ أَعْقَبَهُ الْخُرُوجُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَنْزِلِ يُرَادُ لِتَحْصِيلِ مَا بِهِ بَقَاءُ الْبِنْيَةِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ } عَلَى مَا يُقَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُ مَمْضُوغٍ ) حَتَّى لَوْ بَلَعَ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ يُسَمَّى آكِلًا ا هـ أَكْمَلُ ( قَوْلُهُ وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ ) كَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالنَّبِيذِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا السَّوِيقَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ ) وَلَوْ ثَرَدَ فِيهِ فَأَوْصَلَهُ إلَى جَوْفِهِ حَنِثَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ فَأَكَلَهُ مَعَهُ حَنِثَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَثَرَدَ ) مِنْ بَابِ قَتَلَ وَهُوَ أَنْ تَفُتَّهُ ثُمَّ تَبُلَّهُ بِمَرَقٍ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ وَالْمَصُّ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ اللَّهَاةِ خَاصَّةً ) اللَّهَاةُ بِالْفَتْحِ وَاحِدَةُ اللَّهَوَاتِ وَهِيَ اللَّحْمَاتُ فِي سَقْفِ أَقْصَى الْفَمِ وَأَمَّا اللُّهَا بِالضَّمِّ فَهِيَ الْعَطَايَا وَاحِدُهَا لُهْيَةٌ وَلُهْوَةٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ اللُّهَا تَفْتَحُ اللَّهَا أَيْ الْعَطَايَا تَفْتَحُ الْأَفْوَاهَ بِالشُّكْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا ) قَالَ الْكَمَالُ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ وَمِثْلُهُ لَا يُحْلَفُ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهِ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعُ الْأَكْلِ قَبْلَ الْيَمِينِ فَيَلْغُو الْحَلِفُ فَوَجَبَ لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الْعَاقِلِ صَرْفُهَا إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا تَجَوُّزًا

بِاسْمِ السَّبَبِ وَهُوَ النَّخْلَةُ فِي الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْخَارِجُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ لَكِنْ بِلَا تَغَيُّرٍ بِصُنْعٍ جَدِيدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ طَلْعٌ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الطَّلْعُ بِالْفَتْحِ مَا يَطْلُعُ مِنْ النَّخْلَةِ ثُمَّ يَصِيرُ ثَمَرًا إنْ كَانَ أُنْثَى وَإِنْ كَانَتْ النَّخْلَةُ ذَكَرًا لَمْ يَصِرْ ثَمَرًا بَلْ يُؤْكَلُ طَرِيًّا وَيُتْرَكُ عَلَى النَّخْلَةِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شَيْءٌ أَبْيَضُ مِثْلُ الدَّقِيقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ فَيُلَقِّحُ بِهِ الْأُنْثَى ا هـ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَيْضًا الطَّلْحُ الْمَوْزُ الْوَاحِدَةُ طَلْحَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَالطَّلْحُ مِنْ شَجَرِ الْعِضَاهِ الْوَاحِدَةُ طَلْحَةٌ أَيْضًا وَبِهِ سُمِّيَ الرَّجُلُ ا هـ وَالْعِضَاهُ وِزَانُ كِتَابٍ كُلُّ شَجَرِ الشَّوْكِ كَالطَّلْحِ وَالْعَوْسَجِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ دِبْسٍ يَخْرُجُ مِنْ تَمْرِهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَكَلَ عَيْنَ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَاهَا كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى ثَمَرِ النَّخْلَةِ دُونَ عَيْنِهَا لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ فَأُرِيدَ الْمَجَازُ ا هـ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خَشَبِ النَّخْلَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى أَكْلِ الدَّقِيقِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ مِنْ هَذَا الْكَرَمُ ) قَالَ الْكَمَالُ فَهُوَ عَلَى عِنَبِهِ وَحِصْرِمِهِ وَزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دِبْسُهُ وَالْمُرَادُ عَصِيرُهُ فَإِنَّهُ مَاءُ الْعِنَبِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِلَا صُنْعٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ نُضْجِ الْعِنَبِ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُكَمَّنًا بَيْنَ الْقِشْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ لَا يَحْنَثُ بِزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَتْ مَهْجُورَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحَلِفُ بِمُسَمَّى الْعِنَبِ ا هـ يَعْنِي فَيَكُونُ شَرْطُ حِنْثِهِ أَكْلَ مَا يُسَمَّى عِنَبًا وَالْعِنَبُ اسْمٌ لِلْقِشْرِ وَاللَّحْمِ وَالْمَاءِ جَمِيعًا وَهُوَ مَأْكُولٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَالزَّبِيبُ وَالْعَصِيرُ بَعْضُ أَجْزَائِهِ

فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ فَهُوَ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَهُوَ حِصْرِمُهُ وَعِنَبُهُ وَزَبِيبُهُ وَدِبْسُهُ أَيْ عَصِيرُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْ خَلٍّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ وَالْكَرَمِ كَذَلِكَ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يَحْنَثُ قَالَ فِي الْمُجْمَلِ الدِّبْسُ عُصَارَةُ الرُّطَبِ ا هـ قَالَ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ أَوْ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَأَكَلَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَزَبِيبِهِ أَوْ مِنْ تَمْرِ الرُّطَبِ وَدِبْسهِ أَوْ مِنْ لَبَنِ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ أَوْ سَمْنِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَأَكَلَ مِنْ شِيرَازِ أَوْ زُبْدِهِ لِأَنَّ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَيْنُهُ تُؤْكَلُ فَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْعِنَبَ أَوْ الرُّطَبَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ الْمَاءِ وَاللَّحْمِ وَالْقِشْرِ فَبِالْجَفَافِ زَالَ الْمَاءُ فَيَكُونُ آكِلًا بَعْضَ الشَّيْءِ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ وَكَلِمَةُ مِنْ وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي التَّبْعِيضَ إلَّا أَنَّهَا تَقْتَضِي أَكْلَ بَعْضِ الْعِنَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ الَّذِي يُسَمَّى عِنَبًا لَا أَكْلَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تُسَمَّى عِنَبًا وَكَذَا فِي الرُّطَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بَعْدَ مَا صَارَ تَمْرًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهُ بَعْدَ أَنْ شَاخَ لِأَنَّ الْفَائِتَ هُوَ الْوَصْفُ لَا الشَّخْصُ فَبَقِيَ كُلُّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَفَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ

يَمْتَنِعُ عَنْ أَكْلِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ لِرُطُوبَةٍ فِيهِمَا تَضُرُّ بِآكِلِهِمَا فَيُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِهِمَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالشَّابِّ فَإِنَّهُمَا لَا يُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ هِجْرَانَهُمَا مَهْجُورٌ شَرْعًا فَكَانَ الذَّاتُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْحَلِفِ دُونَ الصِّفَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فِي الزِّيَادَاتِ فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِهَذَا الرُّطَبِ فَصَارَ تَمْرًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ فَاتَ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمُوصَى بِهِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ فِي الْبَقِيَّةِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ تَنَاوَلَ بَعْضَ الْمَحْلُوفِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَا يُشْكَلُ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِعِنَبٍ ثُمَّ صَارَ زَبِيبًا ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَوُّتِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ وَهَلَاكٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ عِنَبًا فَجَعَلَهُ زَبِيبًا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ لِوُجُودِ التَّبَدُّلِ مُضَافًا إلَى صُنْعِ الْغَاصِبِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ فَأَكَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَحْنَثُ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ لِتَغَيُّرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِنَا مَرَّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالدِّبْسُ الْمَطْبُوخُ مَا نَصُّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الرُّطَبِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا صَقْرَ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كَمَا يَحْنَثُ بِالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالْبُسْرِ وَالرَّامِخِ وَالْجُمَّارِ وَالطَّلْعِ وَهَذَا لِأَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى الصَّنْعَةِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِالصَّنْعَةِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ابْتِدَاءً مِنْ النَّخْلَةِ وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَكُلُّ

مَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ انْعَقَدَ عَلَيْهِ يَمِينُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ الْمَذْكُورَةَ فِي كَلَامِهِ دَاخِلَةٌ عَلَى النَّخْلَةِ تَبْعِيضِيَّةٌ لَا ابْتِدَائِيَّةٌ نَعَمْ مِنْ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّأْوِيلِ بَلْ أَعْنِي قَوْلَهُ لَا آكُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلَةِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَالْمَذْكُورِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّجَرَةِ ثَمَرٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى ثَمَنِهَا ) فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا { فَرْعٌ } حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقَطَعَ غُصْنًا مِنْهَا وَوَصَلَهُ بِشَجَرَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْ هَذَا الْغُصْنِ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ ا هـ كَمَالٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ عَيَّنَ الْبُسْرَ وَالرُّطَبَ وَاللَّبَنَ لَا يَحْنَثُ بِرُطَبِهِ وَتَمْرِهِ وَشِيرَازِهِ بِخِلَافِ هَذَا الصَّبِيِّ وَهَذَا الشَّابِّ وَهَذَا الْحَمْلِ ) أَيْ وَلَوْ عَيَّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ أَوْ هَذَا الرُّطَبَ أَوْ هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ الْبُسْرُ رُطَبًا وَالرُّطَبُ تَمْرًا وَاللَّبَنُ شِيرَازًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَبَنًا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمْلِ أَوْ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ أَوْ هَذَا الصَّبِيَّ فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ كَبْشًا أَوْ كَلَّمَهُمَا بَعْدَ مَا شَاخَا حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَمْلِ صِفَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الصِّفَةَ لَغْوٌ فِي الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلَةً عَلَى الْيَمِينِ فَتُعْتَبَرُ وَصِفَةُ الصَّبِيِّ وَالشَّابِّ وَإِنْ كَانَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ لَكِنَّ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ صِبَاهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَحَمُّلِ أَخْلَاقِ الْفِتْيَانِ وَمَرْحَمَةِ الصِّبْيَانِ فَكَانَ مَهْجُورًا شَرْعًا وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً فَلَمْ يُعْتَبَرْ الدَّاعِي وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا الْكَلَامُ وَالْيَمِينُ يَجُوزُ عَقْدُهَا عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ قُلْنَا نَعَمْ يَجُوزُ قَصْدًا لَكِنْ إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُحْتَمَلًا فَالنَّهْيُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ غَيْرِ الْمَحْظُورِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ

( قَوْلُهُ بِخِلَافِ هَذَا الصَّبِيِّ وَهَذَا الشَّابِّ ) قَالَ الْكَمَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا شَاخَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَعَهُ مَنْهِيٌّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَنْ جَهْلِهِ وَسُوءِ أَدَبِهِ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ إذَا كَانَ الشَّارِعُ مَنَعَنَا مِنْ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ مُطْلَقًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الدَّاعِيَ قَدْ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَبَ الِاتِّبَاعُ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْهِجْرَانَ قَدْ يَجُوزُ وَيَجِبُ إذَا كَانَ لِلَّهِ بِأَنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ أَوْ يَخْشَى فِتْنَةً أَوْ فَسَادَ عِرْضِهِ بِكَلَامِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ الْهِجْرَانَ مُطْلَقًا فَحَيْثُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا أَنَّهُ وَجَدَ الْمُسَوِّغَ وَإِذَا وَجَدَ اُعْتُبِرَ الدَّاعِي فَتَقَيَّدَ بِصِبَاهُ وَشَبِيبَتِهِ وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الْحَمَلُ ) الْحَمَلُ بِفَتْحَتَيْنِ وَلَدُ الضَّائِنَةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ وَاللَّبَنُ شِيرَازُ ) أَيْ رَائِبًا وَهُوَ الْخَاثِرُ إذَا اسْتَخْرَجَ مَاؤُهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ ) بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ وَكَذَا صِفَةُ اللَّبَنِيَّةِ فَإِذَا زَالَتْ زَالَ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَأَكْلُهُ أَكْلُ مَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ ) أَيْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا وَلَا بُسْرًا حَنِثَ بِالْمُذَنِّبِ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُمَا حَنِثَ بِأَكْلِ الْمُذَنِّبِ سَوَاءٌ أَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا أَوْ بُسْرًا مُذَنِّبًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالرُّطَبُ الْمُذَنِّبُ بِكَسْرِ النُّونِ الَّذِي أَكْثَرُهُ رُطَبٌ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْهُ بُسْرٌ وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ عَكْسُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْأَسْرَارِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْمَنْظُومَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّطَبَ الْمُذَنِّبَ يُسَمَّى رُطَبًا وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ يُسَمَّى بُسْرًا عُرْفًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ فَصَارَ الِاعْتِبَارُ لِلْغَالِبِ إذْ الْمَغْلُوبُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْمَعْدُومِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا مُذَنِّبًا لَا يَحْنَثُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا أَوْ هَذَا اللَّبَنَ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى صَارَ مَغْلُوبًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ وَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَغْلُوبِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ آكِلَهُ آكِلُ بُسْرٍ وَرُطَبٍ فَيَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ كَافٍ لِلْحِنْثِ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يُصَادِفُهُ جُمْلَةٌ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَيَكُونُ الْمَغْلُوبُ تَبَعًا لَهُ وَالْأَكْلُ يَنْقَضِي شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُصَادِفُهُ وَحْدَهُ نَظِيرُهُ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ يَحْنَثُ لِمَا

ذَكَرْنَا وَبِخِلَافِ اللَّبَنِ الْمَصْبُوبِ فِيهِ الْمَاءُ لِأَنَّهُ يَشِيعُ فِيهِ وَيَخْتَلِطُ حَتَّى لَا يُرَى مَكَانُهُ فَيَكُونُ مُسْتَهْلَكًا وَهُنَا يُرَى مَكَانُهُ فَيَكُونُ قَائِمًا وَقْتَ التَّنَاوُلِ وَلَا يُقَالُ الْحِنْثُ يَكُونُ بِالْمَضْغِ وَالِابْتِلَاعِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا وَلَا يُرَى مَكَانُهُ فَكَانَ كَالْمَاءِ الْمَخْلُوطِ بِهِ وَالْمَاءُ غَالِبٌ لِأَنَّا نَقُولُ مَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ هُنَا أَكْمَلُ لِأَنَّ طَعْمَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ الْيَسِيرِ مَوْجُودٌ فِي الْحَلْقِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ وَلِأَنَّ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا إلَخْ ) هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي اثْنَتَيْنِ مِنْهَا اتِّفَاقٌ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيَانُهُ إذَا حَلَفَ وَقَالَ لَا آكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَيْضًا أَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا أَوْ قَالَ لَا آكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ فَإِنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ هَكَذَا نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ وَالْعَتَّابِيَّ ذَكَرَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبِعَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ ) أَيْ وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ يُسَمَّى بُسْرًا ) أَيْ وَلَا يُسَمَّى رُطَبًا لِأَنَّ الرُّطَبَ فِيهِ مَغْلُوبٌ ا هـ كَمَالٌ قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ آكِلَهُ آكِلُ بُسْرٍ وَرُطَبٍ فَيَحْنَثُ بِهِ ) لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمُسْتَهْلَكٍ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ حَانِثًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ ) أَيْ يَحْنَثُ إجْمَاعًا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ يُقَالُ لَوْلَا التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا فَصَّلَهُ فَأَكَلَهُ وَحْدَهُ أَمَّا لَوْ أَكَلَ ذَلِكَ الْمَحَلَّ مَخْلُوطًا بِبَعْضِ الْبُسْرِ تَحَقَّقَتْ التَّبَعِيَّةُ فِي الْأَكْلِ وَثَانِيًا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا

الْعُرْفِ وَإِلَّا فَالرُّطَبُ الَّذِي فِيهِ بُقْعَةُ بُسْرٍ لَا يُقَالُ لِآكِلِهِ آكِلُ بُسْرٍ فِي الْعُرْفِ فَكَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اُقْعُدْ فِي الْمَبْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ فِي لَا يَشْتَرِي رُطَبًا ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا لَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْبَيْعَ يُصَادِفُهُ جُمْلَةً فَيَكُونُ الْقَلِيلُ تَابِعًا لِلْكَثِيرِ وَلِهَذَا بَائِعُهُ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الرُّطَبِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَبَنًا أَوْ صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً لَهَا لَبَنٌ أَوْ صُوفٌ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى بَائِعًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَكَذَا مُشْتَرِيهِ لَا يُسَمَّى مُشْتَرِيًا لَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُبْتَنَى عَلَى الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمَسِّ حَيْثُ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْمَسَّ فِيهَا مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً وَاسْمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَاقٍ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسُّ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا فَمَسَّ ثَوْبًا اُتُّخِذَ مِنْهُ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ اسْمِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا أَوْ زُبْدًا أَوْ مَا لَا يَمَسُّهُ فَأَكَلَ لَبَنًا أَوْ مَسَّهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كِبَاسَةٍ ) الْكِبَاسَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ الْعِذْقُ وَهُوَ الْقِنْوُ وَالْقَنَا أَيْضًا وَيُقَالُ لِعُودِ الْعِذْقِ وَهُوَ عُودُ الْكِبَاسَةِ الْعُرْجُونُ وَالْأَهَانُ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْمُصَنَّفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْبَيْعَ يُصَادِفُهُ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ يُصَادِفُ بِلَا ضَمِيرٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِسَمَكٍ فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَحْنَثُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ سُمِّيَ لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } وَالْمُرَادُ لَحْمُ السَّمَكِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَنَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ مُنْشَؤُهُ الدَّمُ وَلَا دَمَ فِيهِ إذْ هُوَ مِنْ سَوَاكِنِ الْمَاءِ وَلِهَذَا حَلَّ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ فَصَارَ كَالْجَرَادِ فَكَانَ قَاصِرًا فِي اللَّحْمِيَّةِ وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ دُونَ الْقَاصِرِ فَخَرَجَ عَنْ الْمُطْلَقِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَلِهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ اللَّحْمِ لَحْمُ السَّمَكِ إلَّا بِقَرِينَةٍ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ لَحْمٍ فَاشْتَرَى لَحْمَ السَّمَكِ لَا يَلْزَمُهُ وَكَذَا بَائِعُ السَّمَكِ لَا يُسَمَّى لَحَّامًا عَادَةً وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً وَكَذَا فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِأَنَّهُ لَحْمٌ مِنْ وَجْهٍ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ وَالْكَبِدُ وَالْكَرِشُ لَحْمٌ ) لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدَّمُ فَصَارَتْ لَحْمًا حَقِيقَةً حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا إلَّا أَنَّ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ حَرَامٌ وَالْيَمِينُ قَدْ تُعْقَدُ لِمَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَزْنِي أَوْ لَا يَكْذِبُ يَصِحُّ يَمِينُهُ وَكَذَا يَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْعُمُومِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ بِشُرْبِهَا لِكَوْنِهَا شَرَابًا حَقِيقَةً وَلَا يُقَالُ الْكَفَّارَةُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَكَيْفَ تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ الْمَحْضِ لِأَنَّا نَقُولُ

الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا يُرَاعَيَانِ فِي السَّبَبِ لَا فِي الشَّرْطِ وَالسَّبَبُ لِلْكَفَّارَةِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ سَبَبًا عِنْدَ الْحِنْثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ مَعَ شُهُودِ الْيَمِينِ إذَا رَجَعُوا وَهَذَا بِخِلَافِ النَّذْرِ بِالْمَعْصِيَةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ مُوجِبًا كَالْيَمِينِ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ وَلَمْ يَشْرَعْ اللَّهُ تَعَالَى الْمَعَاصِيَ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا وَلَا بِمَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لِعَيْنِهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا لَهُ نَظِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ لَيْسَ لِعَيْنِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَكِنَّ هَذَا عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا بِخِلَافِ الْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لَا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِلْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ فَإِنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ هَذَا فِي عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

( وَبِشَحْمِ الظَّهْرِ فِي شَحْمًا ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَحْمِ الظَّهْرِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا أَوْ لَا يَشْتَرِيهِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ خَاصَّةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يَحْنَثُ بِشَحْمِ الظَّهْرِ أَيْضًا لِأَنَّ شَحْمَ الظَّهْرِ شَحْمٌ حَقِيقَةً وَفِيهِ خَاصِّيَّةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُذَابُ كَشَحْمِ الْبَطْنِ وَيَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الشَّحْمُ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَيَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الشَّحْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } فَاسْتَثْنَاهُ مِنْ الشُّحُومِ وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَتْ الشُّحُومُ أَرْبَعَةً شَحْمُ الْبَطْنِ وَشَحْمُ الظَّهْرِ وَشَحْمٌ مُخْتَلِطٌ بِالْعَظْمِ وَشَحْمٌ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْعَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى الْخِلَافِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ بِشِرَائِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتِمُّ بِالْحَالِفِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلشَّحْمِ إذَا اشْتَرَاهُ مِمَّنْ يُسَمَّى بَائِعُهُ شَحَّامًا وَأَمَّا الْأَكْلُ فَفِعْلٌ يَتِمُّ بِالْآكِلِ وَحْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا فَاشْتَرَى لَحْمًا لَا يَحْنَثُ وَفِي الْأَكْلِ يَحْنَثُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ لَا الشُّحُومِ فِي اتِّخَاذِ الْقَلَايَا وَالْبَاجَاتِ وَلَهُ قُوَّةُ اللَّحْمِ وَلَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ الشَّحْمِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَحْمًا لَمَا حَنِثَ فَكَيْفَ يَكُونُ شَحْمًا مَعَ كَوْنِهِ لَحْمًا وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مُنْقَطِعٌ بِدَلِيلِ اسْتِثْنَاءِ الْحَوَايَا فَإِنْ

قِيلَ الْمُرَادُ مَا حَمَلَتْهُ الْحَوَايَا مِنْ الشَّحْمِ قُلْنَا ذَا إضْمَارٌ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ وَلَكِنَّهُ يَثْبُتُ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَهُنَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وَهُوَ الْمُخُّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ شَحْمٌ وَلَئِنْ سُمِّيَ شَحْمًا لَا يَلْزَمُنَا لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ هَذَا إذَا حَلَفَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَمَّا اسْمُ بيه بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِأَلْيَةٍ فِي لَحْمًا أَوْ شَحْمًا ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ أَلْيَةٍ أَوْ شِرَائِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ شَحْمًا لِأَنَّهَا نَوْعٌ ثَالِثٌ حَتَّى لَا يُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ وَلَا الشُّحُومِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ مَعْنًى وَلَا عُرْفًا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِسَمَكٍ فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا ) أَيْ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا قَالَ الْكَمَالُ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عَلَى لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَالْغَنَمِ وَالطُّيُورِ مَطْبُوخًا وَمَشْوِيًّا وَفِي حِنْثِهِ بِالنِّيءِ خِلَافُ الْأَظْهَرِ أَنْ لَا يَحْنَثَ وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَحْنَثُ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ يَحْنَثُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ ا هـ { فَرْعٌ } حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ نَوَاهُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّحْمَ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ فِي اللُّغَةِ ) وَقُوَّتُهُ بِأَنْ يَكُونَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إذْ هُوَ مِنْ سَوَاكِنِ الْمَاءِ ) أَيْ وَالدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً ) قَالَ تَعَالَى { إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتِدٍ فَجَلَسَ عَلَى الْجَبَلِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ قَالَ تَعَالَى { وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ سَمَكًا طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْخِنْزِيرُ فِنْعِيلٌ حَيَوَانٌ خَبِيثٌ وَيُقَالُ إنَّهُ حُرِّمَ عَلَى لِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ وَالْجَمْعُ خَنَازِيرُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْكَبِدُ وَالْكَرِشُ ) أَيْ وَالْقَلْبُ وَالرِّئَةُ وَالطِّحَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدَّمُ ) وَتُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا ) فَإِنْ قُلْت قَدْ قُلْت قَبْلَ هَذَا إنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَلَا يَسْبِقُ أَوْهَامَ النَّاسِ

مِنْ لَفْظِ اللَّحْمِ إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ قُلْنَا النَّاظِرُ لَوْ نَظَرَ إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْإِنْسَانِ سَمَّاهُ لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ لَحْمِ السَّمَكِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَظْهَرُ الْفَرْقَ عَلَى أَنَّا نَقُولُ قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ قِيلَ الْحَالِفُ إذَا كَانَ مُسْلِمًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ أَكْلَهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَكِنَّ هَذَا عُرْفٌ عَمَلِيٌّ ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ كُلٌّ عَادَةً ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ ) أَيْ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَدَّانِ مِنْ اللَّحْمِ وَلَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ الرُّءُوسِ لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً يُقَالُ رَأْسٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ وَرَأْسٌ قَلِيلُ اللَّحْمِ ا هـ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةٍ فَأَكَلَ لَحْمَ الْعَنْزِ قَالُوا وَإِنْ كَانَ مِصْرِيًّا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ قَرَوِيًّا يَحْنَثُ لِأَنَّ أَهْلَ الْقُرَى لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشَّاةِ وَالْعَنْزِ مِنْهُ أَيْضًا ( قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَحْنَثُ ) قُلْت وَكَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَوْ أَكَلَ الرَّأْسَ وَالْأَكَارِعَ يَحْنَثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ إلَّا إذَا نَوَاهُ فِي اللَّحْمِ بِخِلَافِ شَحْمِ الظَّهْرِ حَنِثَ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ تَابِعُ اللَّحْمِ فِي الْوُجُودِ وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ لَحْمٌ سَمِينٌ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشَحْمٍ

) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِشِرَاءِ كِبَاسَةٍ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا شَحْمُ الْجَنْبِ الثَّانِي شَحْمُ الْجَنْبِ وَالْأَلْيَةِ لِأَنَّهُ عَلَى الْعُصْعُصِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَسْتَعْمِلَ اللُّحُومَ وَلَا الشُّحُومَ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي حَلِفِهِ عَلَى اللَّحْمِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا فِي يَمِينِ الشَّحْمِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الشَّحْمِ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ جَمِيعُ اسْتِعْمَالَاتِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِالْخُبْزِ فِي هَذَا الْبُرِّ ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُرِّ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا إذَا أَكَلَ مِنْ سَوِيقِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهُ وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّوِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْنَثُ بِهِمَا وَإِنْ قَضَمَهُ حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُعِينِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنَكَّرًا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ كَجَوَابِهِمَا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَهُوَ كَمَا نَوَى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ أَوْ مُحْتَمَلَهُ وَهُوَ الْمَجَازُ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ أَكْلَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ أَكْلٌ لَهُ عَادَةً يُقَالُ أَهْلُ مِصْرَ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ يُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَجَازِ أَفْرَادٌ كَثِيرَةٌ وَمِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَتَدْخُلُ الْحَقِيقَةُ فِي الْمَجَازِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْمَسْكَنِ وَحَقِيقَتُهُ لِلْمِلْكِ فَيَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ مَا يَسْكُنُهُ كَيْفَمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَأْجَرًا أَوْ عَارِيَّةً أَوْ مِلْكًا لِعُمُومِ الْمَجَازِ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي السَّوِيقِ لِأَنَّهُ أَكَلَ الْمُتَّخَذَ مِنْهُ وَحَلِفُهُ وَاقِعٌ عَلَيْهِ وَأَبُو يُوسُفَ خَالَفَ أَصْلَهُ لِأَنَّ حَلِفَهُ يَقَعُ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْهُ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ فِي السَّوِيقِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ لَهُ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ قَضْمًا وَمَطْبُوخَةً وَكُشْكًا وَهَرِيسَةً وَمَقْلِيَّةً وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَالْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى عِنْدَهُ مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ

فَرْخِهَا وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ فِي التَّكَلُّمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْعَتَاقِ وَلَوْ زَرَعَ الْحِنْطَةَ فَأَكَلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِالْخُبْزِ فِي هَذَا الْبِرِّ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ إنْ نَوَى لَا يَأْكُلُهَا حَبًّا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ وَإِنْ نَوَى أَكْلَ الْخُبْزِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنْ أَكَلَهَا قَضْمًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لَا يَحْنَثُ ) أَيْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْضِمَهَا غَيْرَ نِيئَةٍ وَلَوْ قَضَمَهَا نِيئَةً لَمْ يَحْنَثْ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهُ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَبَّ بِعَيْنِهِ فَإِذَا نَوَاهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَعَلَيْهِ نَصَّ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَلَا يُرَادُ الْمَجَازُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكِشْكًا ) وِزَانُ فَلْسٍ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَرُبَّمَا عُمِلَ مِنْ الشَّعِيرِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرْخِهَا ) لَا يَحْنَثُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى عَيْنِهَا إذَا كَانَ مَأْكُولًا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي هَذَا الدَّقِيقِ حَنِثَ بِخَبْزِهِ لَا بِسَفِّهِ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الدَّقِيقَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِسَفِّهِ لِأَنَّ عَيْنَ الدَّقِيقِ لَا تُؤْكَلُ فَانْصَرَفَ الْيَمِينُ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّفِّ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ أَكَلَ خَشَبَ النَّخْلَةِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَ إلَى الْمَجَازِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ بَعْدَهُ الْحَقِيقَةَ إلَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقِيلَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ أَكَلَ الدَّقِيقَ حَقِيقَةً وَالْعُرْفُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقِيقَةُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَنَى أَكْلَ الدَّقِيقِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْخُبْزِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْخُبْزُ مَا اعْتَادَهُ بَلَدُهُ ) أَيْ الَّذِي اعْتَادَ أَهْلُ بَلَدِ الْحَالِفِ أَكْلَهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ فِي الْقَاهِرَةِ أَنْ لَا يَأْكُلَ الْخُبْزَ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الْبُرِّ وَبِطَبْرِسْتَانَ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الرُّزِّ وَفِي زُبَيْدٍ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الذُّرَةِ وَالدَّخَنِ وَلَوْ أَكَلَ الْحَالِفُ خِلَافَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْخُبْزِ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إذَا أَكَلَ خُبْزَ الْقَطَائِفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ فَجَفَّفَهُ ثُمَّ دَقَّهُ فَشَرِبَهُ بِالْمَاءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا شُرْبٌ وَلَيْسَ بِأَكْلٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَكَلْت هَذَا الْخُبْزَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَبَتْ حِيلَةً حَتَّى تَأْكُلَ وَلَا تَطْلُقُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَدُقَّ ذَلِكَ الْخُبْزَ وَتُلْقِيهِ فِي عَصِيدَةٍ وَيُطْبَخُ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا فَتَأْكُلُ الْعَصِيدَةَ وَلَا تَحْنَثُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالشِّوَاءُ وَالطَّبِيخُ عَلَى اللَّحْمِ ) أَيْ وَمُطْلَقُ اسْمِ الشِّوَاءِ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ لِأَنَّ الشِّوَاءَ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ الْمَشْوِيَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشِّوَاءَ اسْمٌ لِمَنْ يَبِيعُ اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ دُونَ غَيْرِهِ فَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ مَا يُشْوَى مِنْ بِيضٍ وَغَيْرِهِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِكُلِّ مَا يُطْبَخُ لِكَوْنِهِ طَبِيخًا حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّبِيخَ اسْمٌ لِلْمَطْبُوخِ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ وَمُتَّخِذُهُ يُسَمَّى طَبَّاخًا وَلَا يُسَمَّى مَنْ يَطْبُخُ الْأَدْوِيَةَ طَبَّاخًا وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَدْوِيَةَ الْمَطْبُوخَةَ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فَحَلَمْنَاهُ عَلَى خَاصٍّ هُوَ مُتَعَارَفٌ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا أَكَلَ الْمَطْبُوخَ بِالْمَاءِ وَأَمَّا الْقَلِيَّةُ الْيَابِسَةُ فَلَا تُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَإِنْ أَكَلَ الْخُبْزَ بِالْمَرَقَةِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا وَفِيهَا أَجْزَاءُ اللَّحْمِ أَيْضًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ ) أَيْ اسْمُ الرَّأْسِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُبَاعُ فِي بَلَدِهِ مِنْ الرُّءُوسِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَيَمِينُهُ عَلَى رُءُوسٍ تُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَتُبَاعُ فِي مِصْرِهِ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ رَأْسَ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ رَأْسَ الْجَرَادِ وَالْعُصْفُورِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ وَهُوَ رَأْسٌ حَقِيقَةً فَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَقِيقَةَ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا يَقُولُ يَدْخُلُ فِيهِ رَأْسُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَحْنَثُ فِي رَأْسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ

رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي رَأْسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَتَبَدُّلِ عَادَةٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ إذْ مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَتَدُورُ مَعَهُ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ حَنَّثْتُمُوهُ بِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَهُوَ لَمْ يَجْرِ فِيهِ تَبَايُعٌ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا عُرْفٌ بَيْنَ النَّاسِ قُلْنَا الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ مُضَافٍ إلَى شَيْءٍ إنْ أَمْكَنَ بِحَقِيقَتِهِ يَعْمَلُ بِحَقِيقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُتَعَارَفِ وَبَيَانُهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ الْكَعْبَةَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الدُّخُولُ فِي بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَعَارَفُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ فِي حَقِّ الْهَدْمِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ فِيهِ إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى أَكْلِ الرَّأْسِ فَالْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ فِيهِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ الرَّأْسَ اسْمٌ لِلْعَظْمِ وَاللَّحْمِ وَأَكْلُ الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى اللَّحْمِ فَالْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ مُمْكِنٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَيَنْعَقِدُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُكُوبُ جَمِيعِ الدَّوَابِّ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأَكْلِ وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الشِّرَاءِ فَإِنَّ شِرَاءَ الرَّأْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُمْكِنٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ فَإِنَّ مِنْ الرُّءُوسِ مَا لَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهَا كَرُءُوسِ النَّمْلِ وَنَحْوِهَا

كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّفِّ ) هُوَ الصَّحِيحُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ ) لِانْصِرَافِ يَمِينِهِ إلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْيَمِينُ الْوَطْءَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَمُطْلَقُ اسْمِ الشِّوَاءِ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ ) أَيْ لِأَنَّ الشِّوَاءَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُنْضَجُ فِي النَّارِ بِلَا مَاءٍ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ فِي الْعُرْفِ لَمَّا أُرِيدَ بِهِ اللَّحْمُ وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ مَا يُشْوَى مِنْ بَيْضٍ وَغَيْرِهِ ) أَيْ كَالْفُولِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا شَوِيَّ الْعَرَبِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّبِيخَ اسْمٌ لِلْمَطْبُوخِ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا ) أَيْ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَكَلَ الْبَاقِلَاءَ الْمَطْبُوخَ أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ كَانَ طَبِيخًا فِي الْحَقِيقَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى خَاصٍّ ) أَيْ عَلَى أَخَصَّ الْخُصُوصِ وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَرَقِ وَهُوَ مُتَعَارَفُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْبَاذِنْجَانِ فَمَا طُبِخَ فَيَحْنَثُ بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْأُرْزِ الْمَطْبُوخِ بِلَا لَحْمٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ فَإِنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا بِخِلَافِ مَا لَوْ طُبِخَ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى الشَّحْمِ أَيْضًا وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّحْمَ بِالْمَاءِ طَبِيخٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ ا هـ كَمَالٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي بِالْمَاءِ حَتَّى إنَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ اللَّحْمِ قَلِيَّةً لَا يُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ الْخُبْزَ بِالْمَرَقَةِ يَحْنَثُ ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ أَكَلَ

الطَّبِيخَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ اللَّحْمَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِيهَا أَجْزَاءُ اللَّحْمِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ الْمَرَقَ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ اللَّحْمُ حَنِثَ وَقَدَّمْنَا مِنْ الْمَنْقُولِ خِلَافَهُ وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ ثَانِيًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا يَعْنِي فِي الْعُرْفِ بِخِلَافِ مَرَقِ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْعُرْفِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ ) قَالَ الْكَمَالُ فَكَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ فِيهَا ثُمَّ صَارَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَرَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ رُءُوسِ الْإِبِلِ وَفِي زَمَانِهِمَا فِي الْغَنَمِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَقَعَ فِيهِ الْحَلِفُ كَمَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ إلَخْ ) نَظَرَ فِيهِ الْكَمَالُ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ أَوَّلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ ) فِي الْحِنْثِ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ نَظَرٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إنَّهُ سَهْوٌ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ أَوَّلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَنَقَلْت مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ فِيهِ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَكْلُ الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ ) أَيْ فَصِيرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ إلَخْ ) يَعْنِي اللَّحْمَ يُمْكِنُ فِيهِ أَكْلُ كُلِّ مَا يُسَمَّى لَحْمًا فَانْعَقَدَ بِاعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ الرُّءُوسِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّحْمَ يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ ) أَيْ فَلِذَا حَنِثَ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ الْجَوَابُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا رَكِبَ كَافِرًا وَهُوَ دَابَّةٌ حَقِيقَةً فَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْرِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ إمْكَانَ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ عُمُومِهِ مُنْتَفٍ إذْ

مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلُ وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا وَلَا يُمْكِنُ رُكُوبُهُ فَصِيرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهَذَا يَهْدِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ فَوَجَبَ عِنْدَ عَدَمِ نِيَّتِهِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا عَلَيْهِ الْعُرْفُ وَتَقَدَّمَ تَصْحِيحُ الْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ عَدَمُ الْحِنْثِ وَلَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مَنْظُورًا إلَيْهِ لَمَا تَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْفُرُوعِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ كَرُءُوسِ النَّمْلِ وَنَحْوِهَا ) أَيْ كَرُءُوسِ الْآدَمِيِّ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْفَاكِهَةُ التُّفَّاحُ وَالْبِطِّيخُ وَالْمِشْمِشُ لَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ ) حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً يَحْنَثُ بِأَكْلِ التُّفَّاحِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ وَلَا يَحْنَثُ بِالْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ إلَخْ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ بَعْدَ الطَّعَامِ وَقَبْلَهُ أَيْ يُتَنَعَّمُ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي التُّفَّاحِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالتِّينِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِهَا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَغَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا فَإِنَّهُمَا يُبَاعَانِ مَعَهَا وَأَكَلَا لِأَنَّهُمَا يُوضَعَانِ عَلَى الْمَوَائِدِ مَعَ الْبُقُولِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِمَا وَأَمَّا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا هِيَ فَاكِهَةٌ حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَإِنَّ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فِيهَا مَوْجُودٌ فَإِنَّهَا أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ وَأَكْمَلُهَا وَلِهَذَا أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ فِي الْقُرْآنِ كَمَا أُفْرِدَ جَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهِمَا فِي لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ فَيَكُونُ التَّنَعُّمُ بِهَا فَوْقَ التَّنَعُّمِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْفَاكِهَةَ مِنْ التَّفَكُّهِ وَهُوَ التَّنَعُّمُ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَقَاءُ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ وَذَلِكَ بِمَا لَا يَصْلُحُ غِذَاءً وَلَا دَوَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ النَّارُ فَاكِهَةُ الشِّتَاءِ وَالْمِزَاحُ فَاكِهَةٌ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَصْلُحُ لَهُمَا لِأَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ يُؤْكَلَانِ غِذَاءً وَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْبَقَاءُ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالرُّمَّانُ يُؤْكَلُ لِلتَّدَاوِي فَيَتَحَقَّقُ الْقُصُورُ فِي مَعْنَى التَّفَكُّهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْفَاكِهَةِ

عَلَى الْإِطْلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ يَابِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَوَاكِهِ فَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَحَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ التَّوَابِلِ وَالْفَوَاكِهُ لَا يُخْتَلَفُ بَيْنَ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا فِي أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْغَدَاءِ وَمَا بَيَّنَّاهُ شَاهِدٌ لَهُ لَا لَهُمَا وَكَذَا قَوْله تَعَالَى { فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا } لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ إذْ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى بِالْإِجْمَاعِ وَجُعِلَ الْبِطِّيخُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْيَابِسُ مِنْ أَثْمَارِ الشَّجَرِ فَاكِهَةٌ إلَّا الْبِطِّيخَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَادُ يَابِسُهُ فَاكِهَةً فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْبِطِّيخَ لَيْسَ مِنْ الْفَاكِهَةِ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ يَابِسُهُ فَاكِهَةً فَرَطْبُهُ لَا يَكُونُ فَاكِهَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ لَا اللَّحْمِ وَالْبِيضِ وَالْجُبْنِ ) أَيْ الْإِدَامُ شَيْءٌ يَخْتَلِطُ بِهِ الْخُبْزُ وَهُوَ مِنْ الصِّبْغِ وَذَلِكَ بِالْمَائِعِ دُونَ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَأَدَّمُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمَائِعِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا إدَامٌ كَاللَّحْمِ وَالْجُبْنِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الْمُؤَدَامَةِ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً لَوْ نَظَرْت إلَيْهَا لَكَانَ أَحْرَى

أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا } أَيْ يُوَافَقُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا مُوَافِقٌ لَهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سَيِّدُ إدَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّحْمُ } وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ وَحَقِيقَةُ التَّبَعِيَّةِ بِالِاخْتِلَاطِ وَعَدَمُ الْأَكْلِ وَحْدَهُ فَكَذَا كَمَالُ الْمُوَافَقَةِ تَكُونُ بِالِامْتِزَاجِ وَالْمَرَقُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ بَلْ يُشْرَبُ وَالْمِلْحُ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ عَادَةً وَلِأَنَّهُ يَذُوبُ فِي الْفَمِ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَاطُ فَيَكُونُ تَبَعًا بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَأُخْتَيْهِ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ وَحْدَهَا فَلَمْ تَكُنْ إدَامًا وَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ فِيمَا رُوِيَ لِأَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ وَكَلَامُنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ خِلَافُهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إدَامًا فِيهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَيِّدَ الْإِدَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِدَامِ كَمَا يُقَالُ الْخَلِيفَةُ سَيِّدُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ الْعَجَمِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى إجْمَاعًا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى عَكْسِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا رَغِيفًا فَأَكَلَ مَعَهُ الْبِيضَ وَنَحْوَهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ هُوَ يَقُولُ أَنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ مَقْصُودًا فَلَا يَصِيرُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكَلَهُ مَعَ الْمَائِعَاتِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعَدُّ زِيَادَةً عَلَيْهِ وَهُمَا يَقُولَانِ هُوَ إدَامٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ تَبَعًا فَلَا يَحْنَثُ فِيهِمَا بِالشَّكِّ وَالْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا يُؤْكَلَانِ وَحْدَهُمَا غَالِبًا وَلِأَنَّ آكِلَهُمَا لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا عَادَةً وَالْبَقْلُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبِطِّيخُ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْبِطِّيخُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَاكِهَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَفِي لُغَةٍ لِأَهْلِ الْحِجَازِ جَعْلُ الطَّاءِ مَكَانَ الْبَاءِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ مَا هُوَ مَكْسُورُ الْأَوَّلِ وَتَقُولُ هُوَ الْبِطِّيخُ وَالطِّبِّيخُ وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُ الْأَوَّلَ وَهُوَ غَلَطٌ لِفَقْدِ فَعِّيلٍ بِالْفَتْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقِثَّاءُ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقِثَّاءُ فُعَالٌ وَهَمْزَتُهُ أَصْلٌ وَكَسْرُ الْقَافِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِمَا يَقُولُ لَهُ النَّاسُ الْخِيَارُ وَالْعَجُّورُ وَالْفَقُّوصُ الْوَاحِدَةُ قِثَّاءٌ وَأَرْضٌ تَغَدَّ وِزَانُ مَسْبَعَةٍ ذَاتُ قِثَّاءٍ وَبَعْضُ النَّاسِ يُطْلِقُونَ الْقِثَّاءَ عَلَى نَوْعٍ يُشْبِهُ الْخِيَارَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ حَنِثَ بِالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَيْ يَتَنَعَّمُ بِهِ ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْغِذَاءِ الْأَصْلِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى ) أَيْ مَعْنَى التَّفَكُّهِ بِأَنْ يُؤْكَلَ زِيَادَةً عَلَى الْغِذَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْإِجَّاصِ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْإِجَّاصُ مُشَدَّدٌ مَعْرُوفٌ الْوَاحِدَةُ إجَّاصَةٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ لِأَنَّ الْجِيمَ وَالصَّادَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا أَفْرَدْت بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ ) فَإِنْ قِيلَ أَيْنَ جَاءَ الْعُمُومُ وَفَاكِهَةٌ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ تَعُمّ وَالْمَقَامُ مَقَامُ الِامْتِنَانِ ا هـ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ تِينًا أَوْ مِشْمِشًا أَوْ خَوْخًا أَوْ سَفَرْجَلًا أَوْ إجَّاصًا أَوْ كُمِّثْرَى أَوْ تُفَّاحًا أَوْ جَوْزًا أَوْ لَوْزًا أَوْ فُسْتُقًا أَوْ عُنَّابًا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا وَلَوْ أَكَلَ خِيَارًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَزَرًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا مِنْ الْبُقُولِ وَلِهَذَا يُؤْدَمُ مَعَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ

أَنَّ الْفَاكِهَةَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ هِيَ مَا يُتَغَذَّى بِهَا مُنْفَرِدَةً حَتَّى يُسْتَغْنَى بِهَا فِي الْجُمْلَةِ فِي قِيَامِ الْبَدَنِ وَمَقْرُونَةً مَعَ الْخُبْزِ وَيُتَدَاوَى بِبَعْضِهَا كَالرُّمَّانِ فِي بَعْضِ عَوَارِضِ الْبَدَنِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا يُتَفَكَّهُ بِهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ أَصَالَةً لِحَاجَةِ الْبَقَاءِ قَصُرَ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَحَدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَيَحْنَثُ بِالثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ كَحَبِّ الرُّمَّانِ وَمِنْ الْأَقْوَاتِ وَهُوَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْمَشَايِخُ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ فَفِي زَمَانِهِ لَمْ يَعُدُّوهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ فَأَفْتَى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَفِي زَمَانِهِمَا عَدَّتْ مِنْهَا فَأَفْتَيَا بِهِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُخَالِفُ هَذَا الْجَمْعَ فَإِنَّ مَبْنَى هَذَا عَلَى الْعُرْفِ وَالِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ صَرِيحٌ فِي أَنْ مَبْنَاهُ اللُّغَةُ حَيْثُ قَالَ الْفَاكِهَةُ مَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ وَالتَّفَكُّهُ مَا يُتَنَعَّمُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ أَصَالَةً وَهَذَا مَعْنَى اللُّغَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْعِنَبِ وَأَخَوَيْهِ لَيْسَ كَذَلِكَ دَائِمًا فَقَصْرُ إلَخْ أَمْكَنَ الْحَوَابُّ بِجَوَازِ كَوْنِ الْعُرْفِ وَافَقَ اللُّغَةَ فِي زَمَنِهِ ثُمَّ تُغَدِّ فِي زَمَنِهِمَا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ الرَّجُلَ مِنْ خُرَاسَانَ لَوْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْعُرْفِ فَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَكُّهِ وَيُعَدُّ فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ وَمَا لَا فَلَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهَا ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ

وَحَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ التَّوَابِلِ ) أَيْ حَوَائِجِ الطَّبِيخِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا لَمْ يَصْبُغُ الْخُبْزَ مِمَّا لَهُ جُرْمٌ كَجُرْمِ الْخُبْزِ وَهُوَ بِحَيْثُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ كَاللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمِلْحُ ) أَيْ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الذَّوْبِ فِي الْفَمِ وَيَحْصُلُ بِهِ صَبْغُ الْخُبْزِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُصْبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَمَا ذَكَرْنَا إدَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا كَالْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَأَمْثَالِهَا لَيْسَ إدَامًا بِالْإِجْمَاعِ أَيْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ الِاتِّفَاقَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ التَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَكَذَا الْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ وَالنَّفَلُ وَكَذَا سَائِرُ الْفَوَاكِهِ وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يُؤْكَلَانِ تَبَعًا لِلْخُبْزِ يَكُونَانِ إدَامًا أَمَّا الْبُقُولُ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ آكِلَهَا لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا إلَّا مَا قَدْ يُقَالُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْلِ تُغَدَّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْبَصَلُ وَسَائِرُ الثِّمَارِ إدَامٌ وَفِي التَّمْرِ عِنْدَهُ وَجْهَانِ فِي وَجْهٍ إدَامٌ لِمَا رَوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ وَقَالَ هَذِهِ إدَامٌ } هَذِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي آخَرَ لَيْسَ إدَامًا وَأَنَّهُ فَاكِهَةٌ كَالزَّبِيبِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُبْنِ وَالْبَيْضِ فَجَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا ا هـ كَمَالٌ قَوْلُهُ فَجَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا أَيْ لِأَنَّهَا تُوكَلُ وَحْدَهَا غَالِبًا فَكَانَتْ تَبَعًا لِلْخُبْزِ وَمُوَافَقَةً لَهُ وَالْمُؤَادَمَةُ الْمُوَافَقَةُ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَبِقَوْلِ

مُحَمَّدٍ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ ) أَيْ وَاللَّحْمُ وَالْبَيْضُ وَالْجُبْنُ تُوَافِقُ الْخُبْزَ فَتَكُونُ إدَامًا وَلِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالنَّاسُ يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ اسْتِعْمَالَ الْإِدَامِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبِعَا فَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ وَلَوْ أَحْيَانًا لَيْسَ إدَامًا وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَدَامَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصِيرَ مَعَ الْخُبْزِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بِأَنْ يَقُومَ بِهِ قِيَامَ الصَّبْغِ بِالثَّوْبِ وَهُوَ أَنْ يَنْغَمِسَ فِيهِ جِسْمُهُ إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِأَنَّ الْخَلَّ وَنَحْوَهُ لَيْسَ عَرَضًا يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ وَالْأَجْرَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْبَيْضِ وَمَا مَعَهُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ مَا بِحَيْثُ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ مُوَافِقًا سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ كَوْنُهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا مَنَعْنَاهُ نَعَمْ مَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا أَكْمَلُ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ لَكِنَّ الْإِدَامَ لَا يَخُصُّ اسْمُهُ الْأَكْمَلَ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُرْفَعُ إلَى الْفَمِ وَحْدَهُ بَعْدَ الْخُبْزِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّبَعِيَّةُ بِخِلَافِ الْمُصْطَبِغِ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْفَاكِهَةُ لَيْسَتْ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ ) وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِطَعَامٍ يُؤْكَلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ حَنِثَ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْأَكْلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ التَّغَدِّي تَوَسُّعًا فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ فِي هَذَا الْوَقْتِ حَنِثَ فَإِنْ أَكَلَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّعَامَ الْمَأْكُولَ فِيهِ يُسَمَّى غَدَاءً فَيَتَنَاوَلُ الْأَكْلَ الْوَاقِعَ فِيهِ فَيَحْنَثُ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَأْكُلُهُ بَعْدَهُ فَلَا يَحْنَثُ وَمِقْدَارُ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ لِأَنَّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَا يُسَمَّى غَدَاءً عَادَةً وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ عَادَةً حَتَّى لَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ وَشَبِعَ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ حَضَرِيًّا وَإِنْ كَانَ بَدْوِيًّا يَحْنَثُ وَمِثْلُهُ لَوْ أَكَلَ تَمْرًا وَأَرُزًّا حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ وَالتَّصَبُّحُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى لِأَنَّهُ مِنْ الصَّبَاحِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَذَا الْوَقْتِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالسَّحُورُ مِنْهُ إلَى الْفَجْرِ ) أَيْ الْعَشَاءُ هُوَ الْأَكْلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالسُّحُورُ الْأَكْلُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنَّهَا اسْمٌ لِمَأْكُولٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَسُمِّيَ بِهَا الْفِعْلُ مَجَازًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَحْنَثُ بِالْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِيهَا لَا غَيْرُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَخَلَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ وَقْتَ السَّحَرِ مَا قَرُبَ مِنْ الْفَجْرِ فَانْتَهَتْ بِهِ يَمِينُهُ وَالْمَسَاءُ مَسَاءَانِ أَحَدُهُمَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْآخَرُ إذَا غَرَبَتْ فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يُمْسِيَ فَهُوَ عَلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى

الْمَسَاءِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي

( قَوْلُهُ وَمِقْدَارُ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ ) أَيْ غَدَاءً أَوْ عِشَاءً أَوْ سُحُورًا ا هـ ( قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ ) أَيْ فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الشِّبَعِ لَا يَحْنَثُ بِحَلِفِهِ مَا تَغَدَّيْت وَلَا تَعَشَّيْت وَلَا تَسَحَّرْت ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ بَلَدِهِ عَادَةً ) حَتَّى يُعْتَبَرَ الْأَرُزُّ غِذَاءً بِطَبَرِسْتَانَ وَاللَّبَنُ لِأَهْلِ الْبَوَادِي وَالتَّمْرُ بِبَغْدَادَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَهُوَ عَلَى الْمُدَرِ لِلْبَلَدِيِّ وَعَلَى بَيْتِ الشَّعْرِ لِلْبَدْوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَتَغَدَّى فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْغِذَاءِ الْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ كُوفِيًّا فَيَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ بَدْوِيًّا يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ حِجَازِيًّا يَقَعُ عَلَى السَّوِيقِ وَأَمَّا فِي بِلَادِنَا فَيَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَوَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ) أَيْ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ يُسَمَّى عِشَاءً بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَلِهَذَا سُمِّيَ الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ إذْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ { صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ } وَفُسِّرَتْ بِأَنَّهَا الظُّهْرُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ هَذَا وَتَفْسِيرُ التَّغَدِّي بِالْأَكْلِ مِنْ الْفَجْرِ إلَخْ مَذْكُورٌ فِي التَّجْرِيدِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَوَقْتُ التَّغَدِّي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَيُشْبِهُ كَوْنَهُ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِيهَا التَّسَحُّرُ بَعْدَ ذَهَابِ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَيُوَافِقُهُ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ قَالَ إذَا دَخَلَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ

فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ وَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ نِصْفُ اللَّيْلِ وَوَقْتُ السَّحُورِ مِنْ مُضِيِّ أَكْثَرِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ قَالَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ ا هـ فَعُرْفُهُمْ كَانَ مُوَافِقًا لِلُّغَةِ لِأَنَّ الْغَدْوَةَ اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوَّلُهُ فَالْأَكْلُ فِيهِ تَغَدٍّ وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَى السَّحُورِ غَدَاءً فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ { هَلُمَّ إلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ } وَلَيْسَ إلَّا مَجَازًا لِقُرْبِهِ مِنْ الْغَدَاةِ وَكَذَا السَّحُورُ لَمَّا كَانَ لِمَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَالسَّحَرُ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَمَّى مَا يُؤْكَلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَحُورًا بِفَتْحِ السِّينِ وَالْأَكْلُ فِيهِ التَّسَحُّرُ وَالتَّضَحِّي الْأَكْلُ فِي وَقْتِ الضُّحَى وَيُسَمَّى الضَّحَاءَ أَيْضًا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَوَقْتُ الضُّحَى مِنْ حِينِ تَحِلُّ الصَّلَاةُ إلَى أَنْ تَزُولَ وَأَصْلُ هَذِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْقَضَاءُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ ضَحْوَةً فَوَقْتُ الضَّحْوَةِ مِنْ حِينِ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَزُولَ وَإِنْ قَالَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ حَتَّى تَطْلُعَ فَلَهُ مِنْ حِينِ تَطْلُعُ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالنَّهْيُ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدْوَةً فَهَذَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالْآخَرُ إذَا غَرَبَتْ ) أَيْ فَأَيَّهمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي ) أَيْ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ لَبِسْت أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت وَنَوَى مُعَيَّنًا لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا ) أَيْ لَوْ حَلَفَ وَقَالَ إنْ أَكَلْت وَنَحْوَهُ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى شَيْئًا مُعَيَّنًا بِأَنْ قَالَ نَوَيْت الْخُبْزَ أَوْ اللَّحْمَ أَوْ نَحْوَهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً لِأَنَّ النِّيَّةَ تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ لِأَنَّهَا لِتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلِ وَالطَّعَامُ وَنَحْوُهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَإِنَّمَا ثَبَتَ مُقْتَضًى وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَبِهِ أَخَذَ الْجَصَّاصُ وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ لَا تَصِحُّ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت أَوْ قَالَ إنْ سَاكَنْت فُلَانًا وَنَوَى الْخُرُوجَ إلَى سَفَرٍ أَوْ الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ السَّفَرِ أَوْ سَاكَنَهُ فِي دَارٍ لَا يَحْنَثُ مَعَ أَنَّ السَّفَرَ وَالسُّكْنَى غَيْرُ مَذْكُورَيْنِ فِي اللَّفْظِ قُلْنَا الْخُرُوجُ مُتَنَوِّعٌ إلَى مَدِيدٍ وَقَصِيرٍ وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ اسْمًا وَحُكْمًا وَالْفِعْلُ يَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ دُونَ التَّخْصِيصِ فَيَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ رُوسِيَّةً صَحَّ وَيُصَدَّقُ وَلَوْ نَوَى امْرَأَةً بِعَيْنِهَا لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَنْوِيعٌ دُونَ الثَّانِي وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ ذِكْرٌ لِلْمَصْدَرِ لُغَةً لِأَنَّهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْمَكَانِ وَسَبَبُ الْخُرُوجِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ ثَبَتَ اقْتِضَاءً مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مَنَعُوا صِحَّةَ النِّيَّةِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْنَا وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ عَامَّةٌ مُتَنَوِّعَةٌ فَإِنَّ أَعَمَّهَا أَنْ يَكُونَ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُطْلَقُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَأَتَمُّهَا أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ نِيَّةَ النَّوْعِ فِي الْفِعْلِ صَحِيحٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ

زَادَ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا دِينَ ) أَيْ زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى كَلَامِهِ الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا وَنَوَى شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَمَا تَعُمُّ فِي النَّفْيِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اغْتَسَلَ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ السَّبَبِ بِدُونِ ذِكْرِهِ لَا يُصَدَّقُ

( قَوْلُهُ وَنَوَى شَيْئًا مُعَيَّنًا ) أَيْ مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَلْبُوسِ أَوْ الْمَشْرُوبِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً ) أَيْ فَأَيَّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ لَبِسَ حَنِثَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهَا الْخَصَّافُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لِتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلِ ) أَيْ وَالثَّوْبُ فِي إنْ لَبِسْت وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فِي إنْ أَكَلْت وَإِنْ شَرِبْت غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا فَلَمْ تُصَادِفْ النِّيَّةُ مَحَلَّهَا فَلَغَتْ فَإِنْ قِيلَ إنْ لَمْ يَذْكُرْ تَنْصِيصًا فَهُوَ مَذْكُورٌ تَقْدِيرًا وَهُوَ كَالْمَذْكُورِ تَنْصِيصًا أَجَابَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لِضَرُورَةِ اقْتِضَاءِ الْأَكْلِ مَأْكُولًا وَكَذَا الشُّرْبُ وَاللُّبْسُ وَالْمُقْتَضِي لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَالضَّرُورَةُ فِي تَصْحِيحِ الْكَلَامِ وَتَصْحِيحِهِ لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى مَأْكُولٍ لَا عَلَى مَأْكُولٍ هُوَ كَذَا فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْجَصَّاصُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ ا هـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَبَنَى كِتَابَ الْحِيَلِ عَلَيْهَا وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْجَصَّاصِ هَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَصَوَابُهُ الْخَصَّافُ ا هـ فَإِنْ قُلْت مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْجَصَّاصُ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ الْخَصَّافُ فَيَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ الْجَصَّاصُ قُلْت نَعَمْ يَجُوزُ مَا قُلْت لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ الْمُعْتَمَدِ عَنْهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَعُمُّ كَمَا تَعُمُّ فِي النَّفْيِ ) أَيْ لِمَآلِهَا إلَى كَوْنِهَا فِي سِيَاق النَّفْيِ

بِسَبَبِ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُثْبَتَ فِي الْيَمِينِ يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى نَفْيُ لُبْسِ ثَوْبِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي مِنْهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اغْتَسَلَ ) أَيْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ عَلَى الْكَرْعِ بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ حَتَّى لَوْ شَرِبَ بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ بِالْإِنَاءِ وَبِغَيْرِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَحَقِيقَتُهُ فِي الْكَرْعِ وَهُوَ الشَّرْطُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَقَالَا إذَا شَرِبَ بِالْإِنَاءِ أَيْضًا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ يُقَالُ يَشْرَبُ أَهْلُ بَغْدَادَ مِنْ دِجْلَةَ وَالْمُرَادُ الشُّرْبُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ حَقِيقَةً وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ عُرْفًا وَشَرْعًا { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمٍ نَزَلَ عِنْدَهُمْ هَلْ عِنْدَكُمْ مَاءٌ بَاتَ فِي الشَّنِّ وَإِلَّا كَرَعْنَا } وَالْحَقِيقَةُ مُرَادَةٌ وَلِهَذَا لَوْ شَرِبَ كَرْعًا يَحْنَثُ وَلَوْ حَنِثَ بِالشُّرْبِ بِإِنَاءٍ يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَهُمَا يَقُولَانِ لَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ هُوَ عَمَلٌ بِعُمُومِ الْمَجَازِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ الرَّاجِحَ أَوْلَى عِنْدَهُمَا مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ لِذَلِكَ وَعِنْدَهُ الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ بِشُرْبِهِ بِالْإِنَاءِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ فَعَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ وَشَرِبَ بِالْكَرْعِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْكَرْعُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ أَوْ مِنْ

مَاءِ الْفُرَاتِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي دِجْلَةَ وِفَاقًا وَخِلَافًا وَلَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ الْفُرَاتِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ لِعَدَمِ الْكَرْعِ فِي الْفُرَاتِ إجْمَاعًا لِحُدُوثِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْفُرَاتِ وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْفُرَاتِ وَمِثْلُ هَذَا النِّسْبَةِ لَمْ تَنْقَطِعْ بِمِثْلِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا فَهُوَ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ عَذْبٍ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَذْبِ وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَصْفًا لِلْمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا } وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ فَصُبَّ مَاؤُهُ فِي كُوزٍ آخَرَ فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِتَبَدُّلِ النِّسْبَةِ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ ) كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُتُونِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ بِغَيْرِ لَفْظِ مِنْ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا ) أَيْ يَتَنَاوَلُ بِفَمِهِ مِنْ نَفْسِ النَّهْرِ كَذَا قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَفِي الصِّحَاحِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ يَكْرَعُ كُرُوعًا إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِإِنَاءٍ وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْكَرْعُ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ كَرَعَ الرَّجُلُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْإِنَاءِ إذَا مَدَّ عُنُقَهُ نَحْوَهُ لِشُرْبِهِ وَمِنْهُ كَرِهَ عِكْرِمَةُ الْكَرْعَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهِيمَةِ تَدْخُلُ فِيهِ أَكَارِعهَا وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ كَرْعًا وَكُرُوعًا مِنْ بَابِ نَفَعَ شَرِبَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ شَرِبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِكَرْعٍ وَكَرَعَ كَرْعًا مِنْ بَابِ تَعِبَ لُغَةٌ وَكَرَعَ فِي الْإِنَاءِ أَمَالَ عُنُقَهُ إلَيْهِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَتَفْسِيرُ الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَخُوضَ الْإِنْسَانُ فِي الْمَاءِ وَلَا يَكُونُ الْكَرْعُ إلَّا بَعْدَ الْخَوْضِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ الْكُرَاعِ وَهُوَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ وَمِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ الْكَعْبِ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ ا هـ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ فِي حَدِيثٍ { أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارُ فِي حَائِطِهِ فَقَالَ إنْ كَانَ عِنْدَك مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا } ا هـ كَرَعَ فِي الْمَاءِ يَكْرَعُ كَرْعًا إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفِّهِ وَلَا بِإِنَاءٍ كَمَا تَشْرَبُ الْبَهَائِمُ لِأَنَّهَا تُدْخِلُ فِيهِ أَكَارِعُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى بِإِنَاءٍ حَنِثَ بِهِ إجْمَاعًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَا إذَا

شَرِبَ ) أَيْ مِنْهَا كَيْفَمَا شَرِبَ بِإِنَاءٍ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ كَرْعًا حَنِثَ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْمَاءِ إلَيْهَا ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرُ وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ يَحْنَثُ ) هَكَذَا شَاهَدْته فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَقَدْ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الْجُبِّ أَوْ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الشَّرَغِيُّ لَوْ كَانَ الْجُبُّ أَوْ الْبِئْرُ مَلْآنَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ مِنْهُ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الِاغْتِرَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلَآنِ فَيَمِينُهُ عَلَى الِاغْتِرَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَرَعَ مِنْ أَسْفَلِ الْبِئْرِ أَوْ الْجُبِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالْكَرْعِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ا هـ قَوْلُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْ وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ ا هـ وَقَوْلُهُ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الشَّرَغِيُّ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفِي آخِرِهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ نِسْبَةً إلَى شَرْغٍ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى بُخَارَى قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ ا هـ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ يَحْنَثُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِبَارَتُهُ هَكَذَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ أَوْ مِنْ هَذَا الْجُبِّ يَحْنَثُ فَتَأَمَّلْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ لَمْ أَشْرَبْ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَكَذَا وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فَصُبَّ أَوْ أَطْلَقَ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ فَصُبَّ حَنِثَ ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَاءٌ أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ أَطْلَقَ الْيَمِينَ أَيْ لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ وَلَيْسَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَمْ يَحْنَثْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَصُبَّ حَنِثَ أَيْ فِي الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتَةً بِالْيَوْمِ أَوْ لَمْ تَكُنْ مُؤَقَّتَةً بِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ أَوْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَاءٌ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ لَا يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ يَسْتَحِيلُ الشُّرْبُ مِنْهُ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُحَالِ لَا تَنْعَقِدُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ قَبْلَ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْبَرَّ فِي الْمُؤَقَّتِ يَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ الْبِرُّ فِيهِ فَبَطَلَتْ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ لِلْحَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ انْعَقَدَتْ لِلتَّصَوُّرِ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالصَّبِّ لِأَنَّ الْبِرَّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فَرَغَ فَإِذَا صَبَّ فَقَدْ فَاتَ الْبِرُّ فَيَحْنَثُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْحَالِفُ وَالْمَاءُ بَاقٍ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتِ يَحْنَثُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ فَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَحْنَثُ قَبْلَهُ وَفِي الْمُطْلَقِ يَحْنَثُ لِلْحَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ يَحْنَثُ عِنْدَ الصَّبِّ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبِرُّ كَمَا فَرَغَ

وَقَدْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ لِلْحَالِ فِي الْفَارِغِ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَعِنْدَ الصَّبِّ فِي الْمَشْغُولِ فَيَحْنَثُ فِي ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَصْلُهُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبَقَائِهَا التَّصَوُّرَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّصَوُّرُ بَلْ مَحَلُّهَا عِنْدَهُ خَبَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ وَتَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى خَبَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا مَحَلُّهَا خَبَرٌ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ لِأَنَّ مَحَلَّ الشَّيْءِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْيَمِينِ الْبِرُّ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ فَلَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا كَيَمِينِ الْغَمُوسِ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ تَنْعَقِدَ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي الْخَلْفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّا نَقُولُ شَرْطُ انْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الْخَلَفِ احْتِمَالُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلَا احْتِمَالَ هُنَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يُقَالُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجِدَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَاءَ فِي الْكُوزِ فَيَنْعَقِدُ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى تَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ الَّذِي يُوجِدُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ غَيْرُ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْكَائِنُ فِيهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرِ الْوُجُودِ لِتَحَقُّقِ عَدَمِهِ فِيهِ بِخِلَافِ تَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا ثُمَّ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فِي حَقِّ الْحِنْثِ فَحِنْثُهُ فِي الْمُقَيَّدِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَفِي الْمُطْلَقِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَعِنْدَ الصَّبِّ وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ فَحَنَّثَاهُ عِنْدَ الصَّبِّ فِي الْمُطْلَقِ فِيهِ دُونَ الْمُقَيَّدِ

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفُرُوقُ مِنْ الْمَعَانِي يَعْرِفُهُ مَنْ تَأَمَّلَ فِيهِ .

قَوْلُهُ فَبَطَلَتْ عِنْدَهُمَا ) أَيْ لِانْعِقَادِهَا ثُمَّ طَرَأَ الْعَجْزُ عَنْ الْفِعْلِ قَبْلَ آخِرِ الْمُدَّةِ لِفَوَاتِ شَرْطِ بَقَائِهَا وَهُوَ تَصَوُّرُ الْبِرِّ حَالَ الْبَقَاءِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ا هـ فَتْحٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ عَلِمَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَنَّ فِيهِ مَاءً أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالصَّبِّ ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتِ ) يَعْنِي بِوَجْهَيْهِ وَهُمَا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصَبَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَخْتَارَ الْفِعْلَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ فَمَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ فَإِذَا فَاتَ الْجُزْءُ الْآخَرُ فَلَمْ يَفْعَلْ يَحْنَثُ حِينَئِذٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ فِيهَا إذَا مَضَى الْيَوْمُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ ) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَقَائِهَا التَّصَوُّرُ ) أَيْ تَصَوُّرُ الْبِرِّ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا كَيَمِينِ الْغَمُوسِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ الْبِرُّ فَإِذَا فَاتَ الْبِرُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْهُ ثُمَّ إذَا لَمْ يَتَصَوَّرْ الْبِرَّ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَلَا حِنْثَ بِدُونِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِلَا حِنْثٍ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِذَاتِهَا وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي اللَّغْوِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ مَعَ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فَكُلُّ يَمِينٍ اسْتَحَالَ فِيهَا الْبِرُّ اسْتَحَالَ فِيهَا الْحِنْثُ فَلَمَّا اسْتَحَالَ شُرْبُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ اسْتَحَالَ الْبِرُّ فَلَمَّا اسْتَحَالَ الْبِرُّ اسْتَحَالَ الْحِنْثُ لِأَنَّ التَّرْكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَصِحُّ وُجُودُهُ وَهُنَا يَحْتَاجُ

إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَهُوَ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا تَنْعَقِدُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْحَيَاةِ الْقَائِمَةِ وَلَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ فَقَدْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى تَفْوِيتِ حَيَاةٍ يُعِيدُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } وَتَفْوِيتُ الْحَيَاةِ الْمُحْدَثَةِ يَكُونُ قَابِلًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ثُمَّ يَحْنَثُ مِنْ سَاعَتِهِ لِوُقُوعِ الْعَجْزِ عَادَةً ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَنِثَ لِلْحَالِ ) وَقَالَ زَفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ مُنْعَقِدَةً لَمَا حَنِثَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ فِي الْمُتَصَوَّرِ لَا يَحْنَثُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لِيَدْخُلَنَّ بَصْرَةَ وَنَحْوَهُ وَلَنَا أَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ مُمْكِنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَهَا وَكَذَلِكَ الْجِنُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ } الْآيَةَ وَكَذَلِكَ انْقِلَابُ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُمْكِنٌ بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ تَخْلُفُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ فَوَاتِهِ كَسَائِرِ الْمُتَصَوَّرَاتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ مِنْ الْكُوزِ الْفَارِغِ فَلَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا لِلْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً وَهُوَ يَصْلُحُ لِمَنْعِ تَأَخُّرِ الْحِنْثِ دُونَ مَنْعِ الِانْعِقَادِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَالِفَ إذَا مَاتَ يَحْنَثُ وَإِنْ تَصَوَّرَ أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَهُ بِإِحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْفَائِدَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَهِيَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بَدَلًا عَنْ الْبِرِّ وَالْحُكْمُ بِبَقَاءِ الْيَمِينِ كَانَ لِاحْتِمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِثُبُوتِ الْعَجْزِ كَمَا فِي الْمُطْلَقِ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَسْتَقِيمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَكَيْفَ يَحْنَثُ إلَّا إذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ لَهُ رِوَايَةً أُخْرَى وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ

الْبِرَّ لِلْحَالِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ إنْ تَرَكْتَ مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ عَادَةً

( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ انْقِلَابُ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُمْكِنٌ بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ) أَيْ بِخَلْعِهِ صِفَةَ الْحَجَرِيَّةِ وَإِلْبَاسِهِ صِفَةَ الذَّهَبِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَوَاهِرَ كُلَّهَا مُتَجَانِسَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فِي قَبُولِ الصِّفَاتِ أَوْ بِإِعْدَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَجَرِيَّةِ وَإِبْدَالِهَا بِأَجْزَاءٍ ذَهَبِيَّةٍ وَالتَّحْوِيلُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَهُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَكَانَ الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِحَلِفِهِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِلْجُزْءِ الثَّابِتِ عَادَةً فَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي آخَرِ جُزْءٍ كَمَا قُلْنَا مَعَ احْتِمَالِ إعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ مَعَهُ احْتِمَالُ أَنْ يَفْعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْعَادَةِ فَحَكَمَ بِالْحِنْثِ إجْمَاعًا ا هـ فَتْحٌ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَنْتَظِرُ آخِرَ الْحَيَاةِ فِيمَا يُرْجَى وُجُودُهُ غَالِبًا لِتَحَقُّقِ مُزَاحَمَتِهِ لِزَمَانِ الْحَالِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْبَصْرَةِ أَمَّا فِيمَا لَا يُرْجَى وُجُودُهُ غَالِبًا كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِ مُزَاحَمَةِ الْمَآلِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ ) أَيْ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدَ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى يُعْتَمَدُ التَّصَوُّرُ دُونَ الْقُدْرَةِ فِيمَا لَهُ خَلَفٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ لِمَكَانِ التَّصَوُّرِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ هُنَا عَقِيبَ وُجُوبِ الْبِرِّ بِحِنْثِهِ بِوَاسِطَةِ عَجْزِهِ الثَّابِتِ عَادَةً كَمَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ هُنَاكَ عَقِيبَ وُجُوبِ الصَّوْمِ ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ ) قَالَ

الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْحِنْثُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْبِرَّ لَيْسَ لَهُ زَمَانٌ يُنْتَظَرُ ا هـ فَمَحَطُّ الْخِلَافِ أَنَّهُ أَلْحَقَ الْمُسْتَحِيلَ عَادَةً بِالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ وَكُلُّ مَا وَقَعَ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ لَفْظِ مُتَصَوَّرٌ فَمَعْنَاهُ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مُتَعَقِّلًا مُفْهِمًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ ) حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا حِنْثَ ا هـ كَمَالٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَيْقَظَهُ أَوْ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَنَبَّهَهُ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفَ بِالْإِذْنِ حَنِثَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ كَلَّمَهُ وَأَسْمَعَهُ فَيَحْنَثُ وَلَوْ لَمْ يُوقِظْهُ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعْ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا يَحْنَثُ يَعْنِي بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْ أَصْغَى أُذُنَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْهَمْ لِنَوْمِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِغَفْلَتِهِ وَلِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْغَيْرِ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ مُقَامَهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْ أَصْغَى أُذُنَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ السَّمَاعِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُنَبَّهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ بَحِيثُ لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْنَثُ خِلَافًا لَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فَإِنَّ النَّائِمَ عِنْدَهُ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } أَيْ إعْلَامٌ وَقِيلَ سُمِّيَ الْكَلَامُ إذْنًا لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي الْإِذْنِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْإِذْنِ كَالرِّضَا قُلْنَا الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَيَتِمُّ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ

الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ بَعْدَ الْيَمِينِ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا بِهَا لَمْ يَحْنَثْ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ قُومِي لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا بِالْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ لِأَنَّهُ لِلْجَمِيعِ وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَلَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا وَاحِدًا لَا يَحْنَثُ وَلَوْ دَخَلَ دَارًا لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ وَضَعَ هَذَا أَوْ مِنْ أَيْنَ هَذَا حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَوْ قَالَ لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ هَذَا أَوْ مَنْ وَضَعَ هَذَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُخَاطِبٌ لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ أَحَدٌ لَا يَحْنَثُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَوْ كَلَّمَ غَيْرَهُ وَقَصَدَ أَنْ يُسْمِعَهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ أَشَارَ إلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْكَلَامَ حُرُوفٌ مَنْظُومَةٌ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ إمَامًا لَا يَحْنَثُ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِكَلَامٍ عُرْفًا وَلَوْ كَانَ الْمُؤْتَمُّ هُوَ الْحَالِفَ فَكَذَلِكَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَهُ وَلَوْ سَبَّحَ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَخَارِجَهَا يَحْنَثُ وَلَوْ قُرِعَ عَلَيْهِ الْبَابُ فَقَالَ مَنْ هَذَا يَحْنَثُ وَلَوْ نَادَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَبَّيْكَ أَوْ لَبَّى يَحْنَثُ وَلَوْ كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ لَا يَفْهَمُهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ افْعَلْ يَا حَائِطُ كَذَا وَكَذَا وَقَصَدَ إسْمَاعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَلَامٌ بِصِفَةِ

الْبُدَاءَةِ وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْيَمِينُ عَنْ الْحَالِفِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ فِي تِلْكَ الْيَمِينِ أَبَدًا لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْ الْحَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُون بَعْدَ وُجُودِ الْكَلَامِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ وَعَنْ هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالِفًا أَنْ لَا يُكَلِّمَ صَاحِبَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ هِيَ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ كَلَّمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا سَبَقَتْهُ بِالْكَلَامِ حِينَ حَلَفَتْ وَلَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَ كَلَّمَهَا بَعْدَ يَمِينِهَا فَقَدْ سَبَقَهَا بِالْكَلَامِ فَكُلُّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ كَلَامِهِ لَهَا فَفَاتَ شَرْطُ الْحِنْثِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَكَلَّمَهُ ) ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ النَّائِمَ عِنْدَهُ كَالْمُسْتَيْقِظِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا مَرَّ عَلَى مَاءٍ وَهُوَ نَائِمٌ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ مَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِبْعَادِ لِلْمَشَايِخِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا حَقِيقَةً وَإِلَى جَانِبِهِ حَفِيرَةِ مَاءٍ لَمْ يَعْلَمُ بِهَا لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ فَكَيْفَ بِالنَّائِمِ حَتَّى حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّاسِي وَأُضِيفَ إلَى هَذِهِ مَسَائِلُ تَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ جُعِلَ فِيهَا النَّائِمُ كَالْمُسْتَيْقِظِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتِمُّ بِالْحَالِفِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى عِلْمِ غَيْرِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ فَرَضِيَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الرِّضَا يَتِمُّ بِالتَّرَاضِي وَلَا حَاجَةَ إلَى عِلْمِ الْغَيْرِ فَكَذَا هُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ فَاذْهَبِي أَوْ وَاذْهَبِي لَا تَطْلُقُ وَلَوْ اذْهَبِي طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ وَأَمَّا مَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ أَوْ غَدًا حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ غَدًا فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُقَالُ إلَّا كَذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ

قَوْمِي ) أَيْ أَوْ شَتَمَهَا أَوْ زَجَرَهَا مُتَّصِلًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ قَضَاءً أَيْضًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ لَبَّيْ ) أَيْ قَالَ لَبَّيْ بِلَا كَافٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا فَابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْيَمِينِ مِنْ حِينَ حَلَفَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَصَارَ ذِكْرُ الشَّهْرِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ لَا لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَمَدِّهِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظٌ لِحَقِّهِ مِنْهُ فِي الْحَالِ فَيَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ التَّكَلُّمِ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت كَلَامَهُ شَهْرًا أَوْ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا أَوْ إنْ لَمْ أَسَاكِنه شَهْرًا يَتَنَاوَلُ شَهْرًا مِنْ حِينَ حَلَفَ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ مُطْلَقًا أَوْ تَرْكَ الْكَلَامِ أَوْ تَرْكَ الْمُسَاكَنَةِ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَصَارَ ذِكْرُ الْوَقْتِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالْآجَالُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ شَهْرًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الصَّوْمِ أَوْ الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ لَا يَتَأَبَّدُ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْوَقْتِ لِلْمَدِّ إلَيْهِ لَا لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ .قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ يَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ ) أَيْ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ عَمَّتْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ ) اُنْظُرْ مَا كَتَبْته مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي الزَّمَانُ وَالْحِينُ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ لَمْ يَحْنَثْ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ لَمْ يَحْنَثْ وَعَلَى هَذَا التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَإِطْلَاقُهُ يَتَنَاوَلُ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عَادَةً وَشَرْعًا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ عَنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ } وَلَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ أَحَدٌ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ } وَلِأَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لَأَفْسَدَتْ وَقَالَ تَعَالَى { حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامِ النَّاسِ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَخَارِجَهَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عَادَةً وَكَذَا شَرْعًا لِمَا رَوَيْنَا وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَكَمَا قَالَهُ الْقُدُورِيُّ وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَمَا اخْتَارَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا لِوُجُودِ التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا( قَوْلُهُ لِوُجُودِ التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً ) أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِحُرُوفٍ مَنْظُومَةٍ تَحْتَهَا مَعَانٍ مَفْهُومَةٌ فَيَكُونُ قَارِئُ الْقُرْآنِ مُتَكَلِّمًا لَا مَحَالَةَ فَيَحْنَثُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَعَلَى الْجَدِيدَيْنِ ) أَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَعْنَاهُ لَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُرَهُ } وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ وَكَذَا الطَّلَاقُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ نَوَى النَّهَارَ خَاصَّةً صُدِّقَ ) أَيْ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا فَيُصَدَّقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ نِيَّةِ الْحَقِيقَةِ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ خِلَافَ الْمُتَعَارَفِ فِي قَوْلِهِ لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَيْلَةَ أُكَلِّمُهُ عَلَى اللَّيْلِ ) أَيْ لَوْ قَالَ لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ خَاصَّةً كَالنَّهَارِ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً وَلَمْ يَجِئْ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْيَوْمِ وَهُمَا ضِدَّانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَجِئْ اسْتِعْمَالُ اللَّيْلِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ وَقَدْ أَطْلَقَتْهُ الْعَرَبُ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً لَيَالِيَ لَاقَيْنَا الْحَزِيمَ وَحِمْيَرَا قُلْنَا هَذَا الْقَائِلُ ذَكَرَ اللَّيَالِيَ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ وَذِكْرُ عَدَدِ أَحَدِهِمَا بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الِاعْتِكَافِ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي الْمُفْرَدِ فَلَا يَلْزَمُنَا

( قَوْلُهُ الْحَزِيمُ ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَذِكْرُ عَدَدِ أَحَدِهِمَا ) كَذَا هُوَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ وَذِكْرُ الْعَدَدَيْنِ ا هـ وَهَكَذَا عَبَّرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ كَلَّمْتُهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ أَوْ حَتَّى أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ حَتَّى فَكَذَا فَكَلَّمَ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوَإِذْنِهِ حَنِثَ وَبَعْدَهُمَا لَا ) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَكَلَّمَهُ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ إذْنِهِ طَلُقَتْ وَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْقُدُومَ وَالْإِذْنَ صَارَ غَايَةً لِلْيَمِينِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ فَيَحْنَثُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَهَا لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُمَا غَايَتَانِ لِدُخُولِ حَرْفِ الْغَايَةِ فِيهِمَا وَهِيَ كَلِمَةُ حَتَّى وَإِلَّا أَنْ ، أَمَّا حَتَّى فَظَاهِرٌ فَإِنَّهَا لِلْغَايَةِ وَأَمَّا إلَّا أَنْ فَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ وَتُسْتَعَارُ لِلشَّرْطِ وَالْغَايَةِ إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهَا إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ أَنَّهَا مَتَى دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَتَوَقَّفُ تَكُونُ لِلشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ إنْ قَدِمَ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ حَتَّى مَاتَ طَلُقَتْ فَحُمِلَتْ عَلَى الشَّرْطِ أَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْقُدُومِ وَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْطِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْغَايَةِ فِيهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ فِي وَقْتٍ وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ فَيَكُونُ مُعَلَّقًا بِعَدَمِ الْقُدُومِ لَا بِوُجُودِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُدُومَ رَافِعًا لِلطَّلَاقِ فَيَكُونُ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الطَّلَاقِ وَعَدَمُ الْقُدُومِ عَلَى وُجُودِ الطَّلَاقِ

وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ تَكُونُ لِلْغَايَةِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْكَلَامِ فَحُمِلَتْ عَلَى الْغَايَةِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى الْيَمِينِ وَهِيَ تَقْبَلُ الْغَايَةَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى رَجَبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْغَايَةِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ مُنَاسَبَةَ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْغَايَةِ أَقْوَى مِنْ مُنَاسَبَتِهِ لِلشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا كَلَّمَهُ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْتَهَتْ بِوُجُودِ الْغَايَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ سَقَطَ الْحَلِفُ ) أَيْ لَوْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ أَوْ يَقْدَمَ سَقَطَتْ الْيَمِين لِأَنَّ حُكْمَ هَذَا الْيَمِينِ حُرْمَةُ الْكَلَامِ فِي مُدَّةٍ تَنْتَهِي بِالْقُدُومِ وَالْإِذْنِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَبَطَلَتْ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصَوُّرُهُ بِإِعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ الْإِذْنُ أَوْ الْقُدُومُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَمَاتَ فُلَانٌ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِلْيَأْسِ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصَوُّرُ الْقَتْلِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ بِإِعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ ابْتِدَاءٌ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَكَذَا بَقَاءٌ فَيَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ لِسُقُوطِ الْغَايَةِ .

قَوْلُهُ أَمَّا حَتَّى فَظَاهِرٌ فَإِنَّهَا لِلْغَايَةِ ) أَيْ لِأَنَّهَا حَرْفٌ خَافِضَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ كَإِلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إلَّا أَنْ ) أَيْ فَلَأَنْ يَنْتَهِيَ مَنْعُ الْكَلَامِ فَشَابَهَتْ الْغَايَةَ إذَا كَانَتْ غَايَةً لِمَنْعِهِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُهَا وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى { لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } أَيْ إلَى مَوْتِهِمْ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَبَطَلَتْ ) أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ بَقَاءِ الْيَمِينِ تَصَوُّرُ الْبِرِّ عِنْدَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ الْقُدُومُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ) أَيْ الْقَائِمَةِ لَا فِي حَيَاتِهِ الْمُعَادَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَصَوُّرِ الْبِرِّ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إعَادَةِ فُلَانٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يَقْدَمَ وَيَأْذَنَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُعَادَةَ غَيْرُ الْحَيَاةِ الْمَحْلُوفِ عَلَى إذْنِهِ فِيهَا وَقُدُومُهُ وَهِيَ الْحَيَاةُ الْقَائِمَةُ حَالَةَ الْحَلِفِ لِأَنَّ تِلْكَ عَرَضٌ تَلَاشَى فَلَا تُمْكِنُ إعَادَتُهَا بِعَيْنِهَا وَإِنْ أُعِيدَتْ الرُّوحُ فَإِنَّ الْحَيَاةَ غَيْرُ الرُّوحِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَازِمٌ لِلرُّوحِ فِيمَا لَهُ رُوحٌ ا هـ ( قَوْلُهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً يَحْنَثُ فِي الْحَالِ حِينَ هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ ) أَيْ فَتَبْقَى الْيَمِينُ مُؤَبَّدَةً بَعْدَ سُقُوطِ الْغَايَةِ حَتَّى إذَا كَلَّمَ فُلَانًا الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ يَحْنَثُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ يَحْنَثُ أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَلَّمَهُ فِيهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ إنْ أَشَارَ وَزَالَ مِلْكُهُ وَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ كَالْمُتَجَدِّدِ وَإِنْ لَمْ يُشِرْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ إلَخْ إنْ أَشَارَ إلَى الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ قَالَ طَعَامُ زَيْدٍ هَذَا أَيْ هَذَا الطَّعَامُ وَزَالَ مِلْكُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَكَلَهُ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ كَمَا لَا يَحْنَثُ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ الْمُتَجَدِّدِ بِأَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ بَلْ أَطْلَقَهُ بِأَنْ قَالَ لَا آكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ فَزَالَ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَنْ مِلْكِهِ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا وَلَوْ تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ هُنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ أَشَارَ إلَيْهِ مَعَ الْإِضَافَةِ فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْفِعْلِ وَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ يَحْنَثُ فِي مِلْكِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الْيَمِينِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ فَلِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ فَيَحْنَثُ مَا دَامَتْ الْإِضَافَةُ بَاقِيَةً وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْمِلْكِ الْمُتَجَدِّدِ لَهُ فِي الدَّارِ وَحْدَهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتَجَدَّدُ فِيهَا عَادَةً فَهِيَ أَوَّلُ مَا يُشْتَرَى وَآخِرُ مَا يُبَاعُ فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ الْمُضَافَةُ إلَى الدَّارِ بِالْقَائِمَةِ مِنْهَا فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ تَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ فِي الْجَمِيعِ بِالْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا وَأَمَّا إذَا

أَشَارَ إلَيْهِ فَلِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى عَيْنٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ إضَافَةَ مِلْكٍ فَلَا يَبْقَى الْيَمِينُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا يُقْصَدُ هِجْرَانُهَا لِذَوَاتِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي مَلَاكِهَا وَالْيَمِينُ يَتَقَيَّدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ بِالصِّفَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَاضِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذِهِ صِفَةٌ حَامِلَةٌ عَلَى الْيَمِينِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ مِلْكًا لِفُلَانٍ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ إذَا فَعَلَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالْإِضَافَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْرِيفِ إلَّا أَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْأَغْيَارِ وَالْإِضَافَةُ لَا تَقْطَعُ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ قَائِمٌ فَيَحْنَثُ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ الْإِضَافَةُ تَلْغُو مَعَ الْإِشَارَةِ قُلْنَا الْإِضَافَةُ إنَّمَا تَلْغُو إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى غَيْرُ التَّعْرِيفِ وَهُنَا فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ فَائِدَةٌ أُخْرَى غَيْرُ التَّعْرِيفِ وَهُوَ هِجْرَانُ صَاحِبِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَامِلَهُ عَلَى الْيَمِينِ غِيظَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَيُعْتَبَرَانِ حَتَّى إذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا لَا يَحْنَثُ

( قَوْلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ ) أَيْ وَفِي الْمُشَارِ إلَيْهِ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ يَتَّضِحُ بِهَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ مِلْكًا لِفُلَانٍ فَإِنَّ الدَّيْمُومَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ حَالَ الْمُطَالَعَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً بَعْدَ الْيَمِينِ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُشَارِ وَلَا فِي غَيْرِ الْمُشَارِ وَفِي الْمُتَجَدِّدِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُشَارِ أَيْضًا وَيَحْنَثُ فِي غَيْرِهِ ا هـ قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْأَغْيَارِ ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْإِضَافَةُ لَا تُقْطَعُ ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ دَارٌ أُخْرَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظًا ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَامِلُهُ غِيظَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ حَنِثَ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ بَعْدَ الزَّوَالِ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذِهِ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ زَوَالِ الصَّدَاقَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ حَنِثَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحُرَّ مَقْصُودٌ بِالْهِجْرَانِ لِذَاتِهِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ الْمَحْضِ وَالدَّاعِي لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَيْ لَمْ يَقُلْ لَا أُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ لِأَنَّ فُلَانًا عَدُوٌّ لِي فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَعْيَانَ لَا تُهْجَرُ لِذَوَاتِهَا أَمَّا غَيْرُ الْعَبْدِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الْعَبْدُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ لِخِسَّتِهِ وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ أُلْحِقَ بِالْجَمَادِ حَتَّى يُبَاعَ كَالْبَهَائِمِ فَلَا يُقْصَدُ بِالْهِجْرَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ مُعْتَبَرَةً فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي غَيْرِ الْمُشَارِ لَا ) أَيْ لَوْ حَلَفَ فِي غَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ فَزَالَتْ النِّسْبَةُ إلَيْهِ بِأَنْ عَادَى صَدِيقَهُ أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هِجْرَانُهُ وَالْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَصَارَ كَالْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَهُمَا أَنَّ هِجْرَانَ الْحُرِّ لِغَيْرِهِ مُحْتَمَلٌ وَتَرْكُ الْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِالشَّكِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ ) أَيْ حَنِثَ بِالْمُسْتَحْدَثِ مِنْ الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ

الْمُعَيَّنَ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فَتَكُونُ مُعَادَاتُهُ لِذَاتِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي غَيْرِ الْمُشَارِ لَا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِالْبِنْتِ الَّتِي بَعْدَ الْيَمِينِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهَا إضَافَةُ نِسْبَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَى الْمَوْجُودِ حَالَ التَّزَوُّجِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّفَارِيقِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَزَوَّجَتْ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أَمَتَهُ أَنَّهُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ ا هـ ( قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ وَالصِّدِّيقِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ ) أَيْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ ( فَبَاعَهُ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطَّيْلَسَانِ لِأَجْلِ الطَّيْلَسَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ وَلِهَذَا لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْنَثُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا بِالْإِشَارَةِ إلَى الصَّاحِبِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الزَّمَانُ وَالْحِينُ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ) وَالْمُرَادُ بِالْمُنَكَّرِ مَا لَمْ تَدْخُلْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْحِينَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } أَيْ سَاعَةَ تُمْسُونَ وَيُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ } وَالْمُرَادُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَيُطْلَقُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسَطُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوَاسِطُهَا وَلِأَنَّ اللَّحْظَةَ لَا بِقَصْدِ الِامْتِنَاعِ عَنْهَا بِالْيَمِينِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ بِدُونِهَا وَأَرْبَعُونَ سَنَةً بِمَنْزِلَةِ الْأَبَدِ وَمَنْ يُؤَمِّلُ أَنْ يَعِيشَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لَأَطْلَقَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحِينَ لِأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَّاهُ وَالزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ حِينٍ وَمُنْذُ زَمَانٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُعَرَّفُ وَالْمُنَكَّرُ لِأَنَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِمَا كَانَتْ مَعْهُودَةً انْصَرَفَ الْمُعَرَّفُ إلَيْهَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالدَّهْرُ وَالْأَبَدُ الْعُمْرُ ) لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ مِنْهُمَا يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ عَادَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ } أَيْ الْأَبَدِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ صَامَ الْأَبَدَ فَلَا صِيَامَ لَهُ } أَيْ عُمْرَهُ كُلَّهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَهْرٌ مُجْمَلٌ ) أَيْ الْمُنَكَّرُ مِنْهُ مُجْمَلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا هُوَ كَالْحِينِ وَالْخِلَافُ فِي

الْمُنَكَّرِ خَاصَّةً هُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ دَهْرٍ وَمُنْذُ حِينٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ وَقَالَ لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ وَالتَّوَقُّفُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ مِنْ الْكَمَالِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سُئِلَ عَنْ خَيْرِ الْبِقَاعِ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَأَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَصَعِدَ إلَى السَّمَاءِ وَنَزَلَ فَقَالَ سَأَلْت رَبِّي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ خَيْرُ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ وَخَيْرُ أَهْلِهَا مَنْ يَكُونُ أَوَّلَ النَّاسِ دُخُولًا وَآخِرَهُمْ خُرُوجًا } وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ طُوبَى لِابْنِ عُمَرَ سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِي فَقَالَ لَا أَدْرِي فَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ الْكَمَالِ وَالتَّوَرُّعِ وَقِيلَ إنَّمَا قَالَ لَا أَدْرِي تَأَدُّبًا وَحِفْظًا لِلِسَانِهِ عَنْ التَّحَدُّثِ فِي الدَّهْرِ فَإِنَّهُ جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ } أَيْ خَالِقُ الدَّهْرِ وَقِيلَ وَجَدَ اسْتِعْمَالَ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفًا فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ مِنْهُ لِلْأَبَدِ وَالْمُنَكَّرُ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ لِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَتُرِكَ الْخَوْضُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأَيَّامُ وَأَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَالشُّهُورُ وَالسُّنُونَ عَشْرَةٌ وَمُنَكَّرُهَا ثَلَاثَةٌ ) وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ وَالْأَزْمِنَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا فِي الْأَيَّامِ وَأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ سَبْعَةٌ وَالشُّهُورُ اثْنَا عَشْرَ وَمَا عَدَاهَا لِلْأَبَدِ وَالْمُنَكَّرُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ ذُكِرَ مُنَكَّرًا فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ بِخِلَافِ مُنَكَّرِ الْمُعَاوَضَاتِ

حَيْثُ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِلْجَهَالَةِ وَأَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ إنْ كَانَ ثَمَّ مَعْهُودٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْجِنْسِ فَإِذَا كَانَ لِلْجِنْسِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى أَدْنَى الْجِنْسِ أَوْ إلَى الْكُلِّ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ وُجِدَ الْعَهْدُ هُنَا فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ لِأَنَّ الْأَيَّامَ تَدُورُ عَلَى سَبْعَةٍ وَالشُّهُورُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِمَا لَمْ يُوجَدْ فَيَسْتَغْرِقُ الْعُمْرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّ أَكْثَرَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ عَشْرَةٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ آلَةُ التَّعْرِيفِ اسْتَغْرَقَ الْجَمِيعَ وَهُوَ الْعَشَرَةُ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ الْأَقَلِّ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ مِنْ الْخَاصِّ وَالْأَصْلُ فِي الْعَامِّ هُوَ الْعُمُومُ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى الْخُصُوصِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذَكَرَاهُ مَعْهُودٌ لِأَنَّ انْتِهَاءَهَا لِانْتِهَاءِ أَسَامِيهَا لَا لِأَنْفُسِهَا وَآلَةُ التَّعْرِيفِ إنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَنَحْوِهَا فَانْصَرَفَتْ إلَى تَعْرِيفِهَا فِي أَنْفُسِهَا فَصَارَتْ لِأَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ اللَّفْظُ فَإِنْ قِيلَ آلَةُ التَّعْرِيفِ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ تُفِيدُ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ لَا تَعْرِيفَ الْعَدَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ النِّسَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِنْسِ لَا إلَى الْعَدَدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ قُلْنَا الْعَدَدُ فِي الزَّمَانِ مَعْهُودٌ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ عَادَةً فَصَارَ صَرْفُهُ إلَى هَذَا الْمَعْهُودِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْعَدَدِ لَحُمِلَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَحِينَئِذٍ يَتَنَكَّرُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ دُخُولِ آلَةِ التَّعْرِيفِ فَيَكُونُ بَاطِلًا بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ وَقْتِ

الْيَمِينِ فَلَا يَتَنَكَّرُ فَإِنْ قِيلَ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِآلَةِ التَّعْرِيفِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَقَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ وَنَحْوِهِ فَلِمَ حُمِلَ هَاهُنَا عَلَى الْكُلِّ قُلْنَا الْأَصْلُ فِي الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي الْأَزْمَانِ دُونَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ الْحَمْلُ وَهُوَ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَفْرَادَ كُلَّهَا فِي الْأَعْيَانِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْهُ وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ يُضَافُ الِامْتِنَاعُ إلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ لَا إلَى الْيَمِينِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْكُلِّ وَكَذَا بِالْفِعْلِ مَرَّةً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَحْنَثُ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فِي زَمَانٍ فَفَعَلَهُ مَرَّةً حَنِثَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا فَكَلَّمَهُ مَرَّةً وَفِي الْأَعْيَانِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَفْعَلَ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَلَوْ حَمْلَ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لَمَّا تَصَوَّرَ حِنْثُهُ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْكُلِّ وَفِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ أَيَّامًا كَثِيرَةً إنَّمَا انْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا السَّبْعَةُ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهُ بِالْكَثْرَةِ يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَقَلَّ وَهُوَ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِفْهُ كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ وَمُنْصَرِفًا إلَيْهِ وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَعْدَادِ مِمَّا فَوْقَ الثَّلَاثِ بِأُولَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِلَفْظِ الْأَيَّامِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ أَجْمَعَ مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا يَقَعُ عَلَى أَيَّامِ الْجُمُعَةِ فِي الْمُدَّةِ وَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَاتِ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ اسْمٍ لِيَوْمٍ مَخْصُوصٍ إلَّا إذَا نَوَى الْأُسْبُوعَ فَيُصَدَّقُ لِلِاحْتِمَالِ وَلِلتَّغْلِيظِ عَلَى نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ) قَالَ الْكَمَالُ فِي النَّفْيِ كَلَا أُكَلِّمُهُ الْحِينَ أَوْ حِينًا وَالْإِثْبَاتُ نَحْوُ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ أَوْ زَمَانًا ا هـ ( قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ) فَمِنْ وَقْتِ الطَّلْعِ إلَى وَقْتِ الرُّطَبِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَمِنْ وَقْتِ الرُّطَبِ إلَى وَقْتِ الطَّلْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَلِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ بَلْ إنَّهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَدِيدِ وَالْقَصِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ أَخُو الْحِينِ فِي الْوَضْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي خُصُوصِ الْمُدَّةِ فَيُصْرَفُ إلَى مَا سُمِعَ مُتَوَسِّطًا ثُمَّ قِيلَ هَذَا إنْ تَمَّ فِي زَمَانِ الْمُنَكَّرِ لَمْ يُتِمَّ فِي الْمُعَرَّفِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْأَبَدُ كَالدَّهْرِ وَالْعُمْرِ وَلِهَذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ فَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الزَّمَانَ إلَّا سَنَةً صَحَّ وَعُهِدَ بِهِ السِّتَّةَ أَشْهُرٍ إنَّمَا ثَبَتَتْ فِي لَفْظِ الْحِينِ وَكَوْنُ الزَّمَانِ مِثْلَهُ إنْ أُرِيدَ فِي الْوَضْعِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَيَّنِ لِخُصُوصِ مُدَّةٍ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي اُسْتُعْمِلَ فِيهَا وَسَطًا وَإِنْ أُرِيدَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ مِنْ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ زَمَانًا كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ شَاءَ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ ) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحِينِ وَالزَّمَانِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالدَّهْرُ وَالْأَبَدُ الْعُمْرُ ) { فَرْعٌ } إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ

الْعُمْرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ وَاخْتَلَفَ جَوَابُ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي الْمُنَكَّرِ نَحْوُ عُمْرًا فَمَرَّةً قَالَ فِي : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ عُمْرٍ يَقَعُ عَلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ وَمَرَّةً قَالَ هُوَ مِثْلُ الْحِينِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ا هـ كَمَال رَحِمَهُ اللَّهُ

( بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ) الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَيِّتَ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْأَخِيرَ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالْوَسَطَ لِفَرْدٍ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ مَتَى اتَّصَفَ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَتَّصِفُ بِالْآخَرِ مِنْهَا لِلتَّنَافِي بَيْنَهَا وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا حَنِثَ بِالْمَيِّتِ بِخِلَافِ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ ) أَيْ لَا يَعْتِقُ الَّذِي يُولَدُ بَعْدَهُ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ وَلَدٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا حَتَّى تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ الَّذِي بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَتُرْجَى شَفَاعَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ السَّقْطَ لَيَقُومُ مُحْبَنْطِئًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ لَا أَدْخُلُ حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَايَ } فَإِذَا كَانَ وَلَدًا تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ عَلَى أُمِّهِ ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَيْثُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ عِنْدَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ فَهُوَ حُرٌّ أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَذَلِكَ الْوَلَدُ حُرٌّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ وَهِيَ الْجَزَاءُ وَانْحِلَالُ الْيَمِينِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نُزُولِ الْجَزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ

قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمْ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ عِتْقَ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَانِي وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الثَّانِي فَلَوْلَا أَنَّ الْأَوَّلَ وِلَادَةٌ لَمَا عَتَقَ لِأَنَّهُ صَارَ أَوَّلًا وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ وَصْفًا لِلْمَوْلُودِ تَقَيَّدَ بِوِلَادَةِ الْحَيِّ نَظَرًا إلَى هَذَا الْوَصْفِ إذْ الْمَيِّتُ لَا يَقْبَلُهُ وَبِهِ فَارَقَ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ هُنَاكَ لَيْسَ وَصْفًا لِلشَّرْطِ أَوْ نَقُولُ ثَبَتَتْ الْحَيَاةُ فِيهِ مُقْتَضًى صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ اللَّغْوِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا مَيِّتًا فَهُوَ حُرٌّ لَغَا وَنَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ إنْ ضَرَبْت فُلَانًا فَعَبْدِي حُرٌّ يَتَقَيَّدُ بِحَيَاةِ الْمَضْرُوبِ لِأَنَّ مَعْنَى الضَّرْبِ وَهُوَ الْإِيلَامُ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا لِغَيْرِهِ حَيْثُ يَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ وَلَمْ يَتَقَيَّدْ الْيَمِينُ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ مَحَلُّ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْفُذُ فِيهِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حَيًّا أَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِالْحَيَاةِ نَصًّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ فَهُوَ حُرٌّ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ آخَرُ حَيٌّ حَيْثُ يَعْتِقُ الْآخَرُ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصَّحِيحِ وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَبْقَى لِأَنَّ الرِّقَّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ

الْوَلَدِ وَالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْضًا إجْمَاعًا وَلِهَذَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ حُرِّيَّةَ غَيْرِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَيَاةِ

بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ) قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فِي حَلِفِ النَّاسِ فَكَأَنَّ بَيَانَهُ أَهَمُّ بِاعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ) فَلَا يُسَمَّى وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةَ وَلَا يَعْتِقُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي إذَا قَالَ لَهَا إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَسْقَطَتْ سِقْطًا قَدْ اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ طَلُقَتْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِمِثْلِهِ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِمِثْلِهِ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ وَلَمْ تَنْقَضِ بِهِ عِدَّةٌ وَلَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْيَا فِي الْآخِرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مُحْبَنْطِئًا ) الْمُحْبَنْطِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ الْمُتَغَضِّبُ الْمُسْتَبْطِئُ لِلشَّيْءِ كَذَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَقَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ يُرْوَى بِغَيْرِ هَمْزٍ وَبِهَمْزٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ الْمُتَغَضِّبُ الْمُسْتَبْطِئُ لِلشَّيْءِ وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ الْعَظِيمُ الْبَطْنِ الْمُنْتَفِخُ يَعْنِي يَغْضَبُ وَيَنْتَفِخُ بَطْنُهُ مِنْ الْغَضَبِ حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَاهُ الْجَنَّةَ مِنْ حَبَطَ إذَا انْتَفَخَ بَطْنُهُ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْفِعْلُ مِنْهُمَا احْبَنْطَأَ مَهْمُوزًا وَاحْبَنْطَى مَقْصُورًا ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ إلَّا الْوَلَدَ الْحَيَّ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَزَاءَ وَصْفًا لِلْمَوْصُوفِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْوَلَدُ وَهَذَا الْوَصْفُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْحَيِّ فَيُقَيَّدُ الْمَوْصُوفُ بِالشَّرْطِ بِالْحَيَاةِ وَإِلَّا لَغَا الْكَلَامُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إذَا وَلَدْت

وَلَدًا حَيًّا ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ ) حَتَّى لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعْتِقُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ مَحَلُّ الْإِعْتَاقِ ) أَيْ لِصِحَّةِ ثُبُوتِهِ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ مَالِكِهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إضْمَارِ الْمِلْكِ فِيهِ أَمَّا الْمَيِّتُ لَا يَصِحُّ إيجَابُ الْعِتْقِ فِيهِ لَا مَوْقُوفًا وَلَا غَيْرَهُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الرِّقَّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ ) وَإِيضَاحُهُ أَنَّ اسْمَ الْعَبْدِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُهُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ فِيهِ فَكَانَ الْعَبْدُ اسْمًا لِشَخْصٍ قَامَ بِهِ الْمِلْكُ وَالْمَالِيَّةُ وَبِالْمَوْتِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْعَبْدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ حَيٌّ وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَبْدًا مَجَازًا بِالصِّفَةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ اسْمٌ لِلْمَوْلُودِ وَالْمَيِّتُ مَوْلُودٌ حَقِيقَةً كَالْحَيِّ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَيَاةِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا عَتَقَ وَلَوْ مَلَكَ عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ آخَرَ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ فَالْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وُجِدَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى فَيَعْتِقُ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى الْعَبْدَيْنِ مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا الشَّرْطُ وَهُوَ الْفَرْدِيَّةُ وَلَا فِيمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَهُمَا لِعَدَمِ السَّبْقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ زَادَ وَحْدَهُ عَتَقَ الثَّالِثُ ) أَيْ زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَحْدَهُ أَوْ أَمْلِكُهُ وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ وَاحِدًا بَعْدَهُمَا عَتَقَ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الِانْفِرَادُ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً يُقَالُ جَاءَ زَيْدٌ وَحْدَهُ أَيْ مُنْفَرِدًا فَيُشْتَرَطُ انْفِرَادُهُ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَانَ أَوَّلًا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ بِالدَّنَانِيرِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالْعُرُوضِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّنَانِيرِ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ أَسْوَدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبِيدًا بِيضًا ثُمَّ اشْتَرَى أَسْوَدَ عَتَقَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحَالِهِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَحْدَهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَنَفْيَ مُشَارَكَةِ الْغَيْرِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ وَوَاحِدًا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ وَتَأْكِيدَ الْمُوجَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي

الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي ذَاتِهِ وَهُوَ الرُّجُولِيَّةُ لَا فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَهُوَ الْكَيْنُونَةُ فِي الدَّارِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وَصْفَ التَّفَرُّدِ لِلرَّجُلِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَهُوَ الْكَيْنُونَةُ فِي الدَّارِ لَا انْفِرَادُهُ فِي ذَاتِهِ وَهُوَ الرُّجُولِيَّةُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَفِيهَا رَجُلَانِ كَانَ كَاذِبًا وَلَوْ قَالَ مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَحْدَهُ كَانَ صَادِقًا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ أَمْلِكُهُ وَحْدَهُ يَقْتَضِي التَّفَرُّدَ فِي التَّمَلُّكِ وَالْعَبْدُ الثَّالِثُ مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَعْتِقُ وَقَوْلُهُ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا صِفَةٌ لِلْعَبْدِ فَيَقْتَضِي التَّفَرُّدَ فِي ذَاتِهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْحُكْمُ بِهِ وَجَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إفَادَةِ مَعْنَى التَّفَرُّدِ حَالَةَ الشِّرَاءِ فَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا إذَا نَوَى مَعْنَى التَّوَحُّدِ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ الْمَوْلَى فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ عَتَقَ الْعَبْدُ الْكَامِلُ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ فَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي اسْمِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ وَصْفُ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ كَمَا لَوْ مَلَكَ مَعَهُ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ كُرٍّ أَمْلِكُهُ فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ كُرًّا وَنِصْفَ كُرٍّ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ النِّصْفَ يُزَاحِمُ الْكُلَّ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّهُ بِالضَّمِّ يَصِيرُ شَيْئًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ

قَوْلُهُ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً ) أَيْ فَيُقَيَّدُ عَامِلُهُ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِمَعْنَاهُ فَيُفِيدُ أَنَّ الشِّرَاءَ فِي حَالِ تَفَرُّدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ صَادِقٌ فِي الثَّالِثِ فَيَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ لِأَنَّ وَاحِدًا يَحْتَمِلُ التَّفَرُّدَ فِي الذَّاتِ فَتَكُونُ حَالًا مُؤَكِّدَةً لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَوْنُهُ كَذَلِكَ فِي ذَاتِهِ فَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَوَّلَيْنِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ أَوَّلٌ بِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ فِي ذَاتِهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ وَسَابِقٌ عَلَى مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ الثَّالِثُ أَوَّلًا بِهَذَا الْمَعْنَى وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ هَذَا الْمَعْنَى يَعْتِقُ كُلٌّ مِنْ الِاثْنَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ بِمَعْنَى الِانْفِرَادِ فِي تَعَلُّقِ الْفِعْلِ فَتَكُونُ مُؤَسِّسَةً فَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ فِي تَعْلِيقِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاسْتُشْكِلَ يَعْنِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَعْنِي أَوَّلَ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ بِمَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ مَعَ أَنَّ طَرِيقَ التَّفَرُّدِ فِيهِمَا عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ وَاحِدًا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ فِي الذَّاتِ وَوَحْدَهُ يَقْتَضِيهِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ دُونَ الذَّاتِ وَلِهَذَا صُدِّقَ الرَّجُلُ فِي قَوْلِهِ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِيهَا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ وَكُذِّبَ إنْ قَالَ وَحْدَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا إذَا قَالَ وَاحِدًا إنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ مُطْلَقٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدًا لَمْ يُفِدْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَا أَفَادَهُ لَفْظُ أَوَّلِ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَإِذَا قَالَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فِي التَّمْلِيكِ وَالثَّالِثُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62