كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

( كِتَابُ الدَّعْوَى ) لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَكَالَاتِ وَهِيَ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ نَاسَبَ ذِكْرَ كِتَابِ الدَّعْوَى عَقِيبَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ يَقْتَضِي سَابِقِيَّةَ السَّبَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَخْ ) هَذَا رُكْنُهَا لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ الشَّيْءُ وَالدَّعْوَى إنَّمَا تَقُومُ بِإِضَافَةِ الْمُدَّعِي إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ رُكْنًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تَكُونُ إلَّا حَالَ الْمُنَازَعَةِ لَا حَالَ الْمُسَالَمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ إلَخْ ) لِأَنَّهُ يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ إنَّنِي ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَلَا غَيْرُ ) هَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي ا هـ قَوْلُهُ : أَوْ نَعَمْ ) أَيْ فَإِذَا أَجَابَ بِنَعَمْ يَجِبُ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ لَا يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي أَلِك بَيِّنَةٌ ، فَإِنْ قَالَ لَا يَقُولُ لَك يَمِينُهُ ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَهُ ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ عَنْ الدَّعْوَى ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الدَّعْوَى ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ دَعْوَاهُ تُرِكَ وَالْمُنْكِرُ هُوَ الَّذِي إذَا تَرَكَ دَعْوَاهُ لَا يُتْرَكُ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَالْمُودَعِ إلَخْ ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ : إنَّ الْوَدِيعَةَ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْوُجُوبِ ) أَيْ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ إذْ الْأَصْلُ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا عُلِمَ جِنْسُهُ ، وَقَدْرُهُ ) ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْإِلْزَامُ بِوَاسِطَةِ الْإِشْهَادِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِشْهَادُ وَلَا الْإِلْزَامُ فِي الْمَجْهُولِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا يَجِبُ الْجَوَابُ عَلَى الْخَصْمِ ، فَإِذَا بَيَّنَ جِنْسَهَا وَنَوْعَهَا ، وَقَدْرَهَا وَصِفَتَهَا وَسَبَبَ وُجُوبِهَا صَحَّتْ الدَّعْوَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا مِنْ وُجُوبِ الْإِحْضَارِ وَالْحُضُورِ وَالْمُطَالَبَةِ بِالْجَوَابِ وَوُجُوبِ الْجَوَابِ وَالْيَمِينِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلُزُومِ إحْضَارِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى الْمَجْهُولَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِفَسَادِهَا ، وَإِنَّمَا وَجَبَ إذَا صَحَّتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } أَلْحَقَ الْوَعِيدَ بِمَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْحُضُورِ بَعْدَمَا طُولِبَ بِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارُهَا لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ بَعْدَ الْإِحْضَارِ فِيمَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ مِنْ الْمَنْقُولِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالرَّحَى حَضَرَهُ الْحَاكِمُ أَوْ بَعَثَ أَمِينَهُ

( قَوْلُهُ : وَسَبَبُ وُجُوبِهَا إلَخْ ) لِأَنَّ أَحْكَامَ الدُّيُونِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِسَبَبِ السَّلَمِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ لِيَقَعَ التَّحَرُّزُ عَنْ الِاخْتِلَافِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَبِيعٍ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِفَسَادِهَا ) وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ يُجَوِّزُونَ دَعْوَى الْمَجْهُولِ فِي الْوَصِيَّةِ ، فَإِنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ ، فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ وَيَصِحُّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى الْمُخَالَطَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَعَنْ مَالِكٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الدَّنِيءِ عَلَى الشَّرِيفِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا ) قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي فُصُولِهِ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ : إنَّ الدَّعْوَى لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَقَعَ فِي الدَّيْنِ أَوْ فِي الْعَيْنِ ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا فَلَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا ، فَإِنْ ادَّعَى مَنْقُولًا قَائِمًا ، فَإِنْ أَمْكَنَ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَلَا شَهَادَةَ شُهُودِهِ إلَّا بَعْدَ إحْضَارِ مَا وَقَعَ فِيهِ يُشِيرُ إلَيْهِ الْمُدَّعِي وَالشُّهُودُ لِتَنْقَطِعَ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَغَيْرِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمِنْ الْمَنْقُولَاتِ مَا لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْقَطِيعِ مِنْ الْغَنَمِ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَوْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْحُضُورُ وَكَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ يَبْعَثُ خَلِيفَتَهُ إلَى

ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي فِي دَارِهِ وَوَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي جَمَلٍ وَلَا يَسَعُ بَابُ دَارِهِ ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ يَأْمُرُ نَائِبَهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِيُشِيرَ إلَيْهِ الشُّهُودُ بِحَضْرَتِهِ وَفِي الْقُدُورِيِّ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئًا يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ كَالرَّحَى فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ أَمِينًا كَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى فِي الْمِصْرِ أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ كَيْفَ يَقْضِي الْقَاضِي بِهِ وَالْمِصْرُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ الطَّرِيقَ فِيهِ أَنْ يَبْعَثَ وَاحِدًا مِنْ أَعْوَانِهِ حَتَّى يَسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَيَقْضِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْضِي قَضَاءَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ أَوْ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ كُلِّفَ إحْضَارُهَا ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى أَيْضًا وُجُوبُ إحْضَارِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ مَجْلِسَ الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ مَنْقُولَةً قَائِمَةً فِي يَدِهِ حَتَّى يُشِيرَ الْمُدَّعِي أَوْ الشُّهُودُ إلَيْهَا أَوْ يُشِيرَ إلَيْهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْلَافِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَكَرَ قِيمَتَهَا ) أَيْ إنْ تَعَذَّرَ إحْضَارُ الْمَنْقُولَاتِ بِأَنْ كَانَتْ هَالِكَةً أَوْ غَائِبَةً ذَكَرَ قِيمَتَهَا ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْوَصْفِ وَيُمْكِنُ بِالْقِيمَةِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُدَّعَاةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِصَيْرُورَتِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ فَقَالَ غَصَبَ مِنِّي عَيْنًا كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَالَ فِي الْكَافِي ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ وَعَزَاهُ إلَى الْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ وَإِلَى صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ عَنْ مُمَارَسَتِهِ

( قَوْلُهُ : ذَكَرَ قِيمَتَهَا ) أَيْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي قِيمَتَهَا حَتَّى تَصِحَّ الدَّعْوَى بِوُقُوعِهَا عَلَى مَعْلُومٍ لِأَنَّ عَيْنَ الْمُدَّعَاةِ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَتُهَا وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالْوَصْفِ فَاشْتُرِطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا شَيْءٌ تُعْرَفُ الْعَيْنُ الْهَالِكَةُ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ ) أَيْ الْمُقَدَّرِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ ) أَيْ مَعَ بَيَانِ قِيمَتِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : ذِكْرُ الذُّكُورَةِ ) وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي مَسْأَلَةِ سَرِقَةِ الْبَقَرَةِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْمَنْقُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى إذْ لَوْ شَرْط لأحضرت وَلَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ ثُمَّ قَالَ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَعْرِيفُهُ بِالْإِشَارَةِ لِتَعَذُّرِ نَقْلِهِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَتَعَيَّنَ التَّحْدِيدُ إذْ الْعَقَارُ يُعْرَفُ بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَفَتْ ثَلَاثَةٌ ) أَيْ كَفَى ذِكْرُ ثَلَاثٍ مِنْ الْحُدُودِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَكْفِي وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَمْ يَتِمَّ بِذِكْرِ الثَّلَاثَةِ كَمَا لَا يَتِمُّ بِذِكْرِ الِاثْنَيْنِ وَلَنَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلِطَ فِي الرَّابِعَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِهِ الْمُدَّعِي وَلَا كَذَلِكَ تَرَكَهَا وَنَظِيرُهُ إذَا ادَّعَى شِرَاءَ شَيْءٍ بِثَمَنٍ مَنْقُودٍ ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ ، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ جِنْسِ الثَّمَنِ ، وَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ لَمْ تُقْبَلْ وَكَمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْحَدِّ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا إلَخْ ) ذَكَرَ هُنَا فُصُولًا ثَلَاثَةً : الْأَوَّلُ تَحْدِيدُ الْعَقَارِ وَهُوَ بَيَانُ حُدُودِهِ ، وَالثَّانِي ذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالثَّالِثُ ذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَنَقُولُ إنَّمَا شُرِطَ التَّحْدِيدُ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ وَالْعَقَارُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالتَّحْدِيدِ فَاشْتُرِطَ التَّحْدِيدُ حَتَّى تَقَعَ الشَّهَادَةُ عَلَى مَعْلُومٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ لَوْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ مَحْدُودٍ لَمْ تَصِحَّ حَتَّى يَحْضُرَ الْحَاكِمُ عِنْدَ الْأَرْضِ فَيَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهَا وَيُشِيرُ الشُّهُودُ إلَيْهَا بِالشَّهَادَةِ قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي وَعَلَى الشُّهُودِ الْإِعْلَامُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِي الدَّارِ الْبَلْدَةُ ثُمَّ الْمُحَلَّةُ الَّتِي فِيهَا الدَّارُ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ ثُمَّ يُبَيِّنُ حُدُودَ الدَّارِ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ هَذَا وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ أَوَّلًا الِاسْمَ الْعَامَّ وَهُوَ الْبَلْدَةُ ثُمَّ يُبَيِّنُ مَا هُوَ الْأَخَصُّ مِنْهُ وَهُوَ الْمُحَلَّةُ ثُمَّ يُعَرِّفُ بِمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمَحَلَّةِ وَهُوَ الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ لِيَحْصُلَ التَّعْرِيفُ وَالْإِعْلَامُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ قَبِلَ الْقَاضِي وَقَضَى بِهِ وَقَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ مِنْ فُصُولِهِ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْحَاكِمُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شُرُوطِهِ إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا الدَّارُ ثُمَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلَّةِ ثُمَّ مِنْ ذِكْرِ السِّكَّةِ فَيَبْدَأُ الْكَاتِبُ بِذِكْرِ الْكُورَةِ ثُمَّ بِذِكْرِ الْمَحَلَّةِ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَعَمِّ ثُمَّ

يَنْزِلَ مِنْ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْبَغْدَادِيُّ يَبْدَأُ بِالْأَخَصِّ ثُمَّ بِالْأَعَمِّ فَيَقُولُ دَارٌ فِي سِكَّةِ كَذَا فِي مُحَلَّةِ كَذَا فِي كُورَةِ كَذَا وَقَاسَهُ عَلَى النَّسَبِ حَيْثُ يَقُولُ فُلَانٌ ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ فُلَانٍ ثُمَّ يَذْكُرُ الْجَدَّ فَيَبْدَأُ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ ثُمَّ يَتَرَقَّى إلَى مَا هُوَ الْأَبْعَدُ لَكِنْ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْعَامَّ يُعْرَفُ بِالْخَاصِّ وَلَا يُعْرَفُ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ وَفَصْلُ النَّسَبِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَعَمَّ اسْمُهُ ، فَإِنَّ جَعْفَرًا فِي الدُّنْيَا كَثِيرٌ ، فَإِنْ عُرِفَ وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْأَخَصِّ فَيَقُولُ ابْنُ مُحَمَّدٍ وَهَذَا أَخَصُّ ، فَإِنْ عُرِفَ وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْجَدِّ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ وَقَالَ هَذَا الْفَصْلَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا ادَّعَى مَحْدُودًا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَبَيَّنَ الْحُدُودَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْمَحْدُودَ مَا هُوَ كَرْمٌ أَوْ أَرْضٌ أَوْ دَارٌ وَشَهِدَ الشُّهُودُ كَذَلِكَ هَلْ تُسْمَعُ وَهَلْ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ حَكَى فَتْوَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ وَحَكَى فَتْوَى شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا بَيَّنَ الْمِصْرَ وَالْمَحَلَّةَ وَالْمَوْضِعَ وَالْحُدُودَ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَلَا يُوجِبُ تَرْكُ بَيَانِ الْمَحْدُودِ جَهَالَةً فِي الْمُدَّعَى وَكَانَ ظَهِيرُ الدَّيْنِ الْمَرْغِينَانِيُّ يَكْتُبُ فِي جَوَابِ الْفَتْوَى لَوْ سَمِعَ قَاضٍ هَذِهِ الدَّعْوَى تَجُوزُ وَقِيلَ ذِكْرُ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ وَالْمَحَلَّةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكْتُبَ بِأَيِّ قَرْيَةٍ وَبِأَيِّ مَوْضِعٍ لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ عَقَارًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْعَقَارُ بِالْفَتْحِ الْأَرْضُ وَالضِّيَاعُ وَالنَّخْلُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا لَهُ دَارٌ وَلَا عَقَارٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقِيلَ الْعَقَارُ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ

الْمَبْنِيَّةِ وَالضَّيْعَةُ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ لَا غَيْرُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَسْمَاءُ أَصْحَابِهَا ) أَيْ ذِكْرُ أَسْمَاءِ أَصْحَابِ الْحُدُودِ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَذِكْرُ أَنْسَابِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ يَحْصُلُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنَّهُ فِي يَدِهِ ) أَيْ وَذَكَرَ أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا إلَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِهِمَا بَلْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ ) أَيْ لَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِيهِ بِتَصَادُقِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ وَلَعَلَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا تَوَاضَعَا فِيهِ لِيَكُونَ لَهُمَا ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي لِتَنْتَفِيَ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُعَايَنَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ ) كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرُ الْبُخَارِيُّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ ) أَيْ ذَكَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالشَّيْءِ الْمُدَّعَى ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ذَكَرَ حَقَّهُ عِنْدَهُ فَبِذِكْرِهِ أَنَّهُ طَالِبُ يَتَبَيَّنُ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الطَّلَبِ لَحَسِبَ الْقَاضِي أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ فَيُزِيلُ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِالنَّصِّ عَلَى الطَّلَبِ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا طَلَبَ ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ لَا لِإِنْشَائِهَا ، فَإِذَا بَيَّنَ طَلَبَهُ أَجَابَهُ وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ إجَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَزُولُ الِاحْتِمَالُ بِدُونِ طَلَبِهِ وَلِهَذَا قَالُوا يَجِبُ فِي الْمَنْقُولِ أَنْ يَقُولَ هُوَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ وَصْفَهُ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ ) لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِيهِ خَفَاءٌ وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا ) أَيْ عَنْ الدَّعْوَى لِيَنْكَشِفَ لَهُ وَجْهُ الْقَضَاءِ إنْ ثَبَتَ حَقُّهُ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ يُخَالِفُ الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْقَضَاءِ فِيهِ مَجَازٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِالْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ إلَّا إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَضَاءُ فَيَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ بِالْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ فَيَصِيرُ حُجَّةً يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ كَسَائِرِ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا لَا عَيْنًا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِحْضَارُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ إنَّمَا اُشْتُرِطَ ثَمَّةَ لِيَمْتَازَ الْمُدَّعَى مِنْ غَيْرِهِ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ وَعِنْدَ اسْتِحْلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَشْتَرِكُ مَعَ عَيْنٍ أُخْرَى فِي الْوَصْفِ وَالْحِلْيَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ الشَّكُّ مَا لَمْ تَكُنْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي الْحُضُورِ وَالدَّيْنُ لَا يُمْكِنُ إعْلَامُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ إحْضَارُهُ بَلْ اُكْتُفِيَ بِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مُسْتَهْلَكَةً حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِي قِيمَتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْمِثْلُ وَالْقِيمَةُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الدُّيُونِ تُقْبَلُ بِلَا إشَارَةٍ إلَيْهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْقُدُورِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ جَمِيعًا وَلَكِنْ إنْ كَانَ نَقْلِيًّا قَائِمًا بِعَيْنِهِ يُشْتَرَطُ الْإِحْضَارُ ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا يَجِبُ التَّحْدِيدُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَافْهَمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فُرُوعٌ ) فِي التَّتِمَّةِ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ وَقَالَ كُلُّ التَّرِكَةِ فِي يَدِ هَذَا يَحْلِفُ وَحْدَهُ بِاَللَّهِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ وَقِيلَ يَحْلِفُ يَمِينَيْنِ عَلَى الْوُصُولِ عَلَى الْبَتَاتِ وَعَلَى الدَّيْنِ عَلَى الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَاهُ وَلَا أَبْرَأَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْخَصْمُ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ ا هـ

قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى رَجُلٌ ادَّعَى دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَهَذَا لَيْسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَاصَّةً بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي حَقًّا فِي التَّرِكَةِ وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ مِثْلُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَى ا هـ قَالَ الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ مَا مُلَخَّصُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى مَيِّتٍ شَيْئًا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَارِثٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى الْوَصِيِّ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ لِلْمَيِّتِ قِبَلَهُ دَيْنٌ ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَيُقْضَى بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَإِذَا كَانَ خَصْمًا فِي الْجَمِيعِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّ الْوَصِيَّ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ فَهَذِهِ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا خَصْمٌ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى غَرِيمٍ أَوْ مُوصَى لَهُ لَمْ يُقْضَ بِهَا وَلَا يَكُونُ الْخَصْمُ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا وَارِثًا أَوْ وَصِيًّا لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فَهَذِهِ بَيِّنَةٌ أُقِيمَتْ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ فَلَا تُقْبَلُ ، وَإِذَا كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا نَصَّبَ لَهُمْ وَصِيًّا وَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْحَقِّ الْمُدَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَلِي عَلَيْهِمْ فَصَارَ كَالْأَبِ وَلِلْأَبِ أَنْ يُنَصِّبَ عَلَيْهِمْ وَصِيًّا كَذَلِكَ هَذَا وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي أَبْسَطُ مِنْ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَذَلِكَ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ لَهُمْ وَصِيًّا ثُمَّ

إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْغَرِيمِ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ هَذَا الْمَالَ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ إلَيْهِ وَلَا قَبَضَ لَهُ قَابِضٌ بِأَمْرِهِ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلَا عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا حَطَّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَلَا احْتَالَ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا أَحَالَ بِذَلِكَ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى فُلَانٍ الْمَيِّتِ وَلَا ارْتَهَنَ بِذَلِكَ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى فُلَانٍ الْمَيِّتِ ، فَإِذَا حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ يَجِبُ لِتَسْلِيمِ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمْ وَكَذَلِكَ السَّبِيلُ فِيمَا يَدَّعِي فِي يَدِ الْمَيِّتِ مِنْ ضَيْعَةٍ أَوْ عَقَارٍ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ آخِرَ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا : إنَّ الرَّجُلَ إذَا ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أَبْرَأْتَهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْوَارِثِ الصَّغِيرِ وَكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ا هـ فَقَوْلُهُ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ التَّحْلِيفَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي قُضِيَ عَلَيْهِ ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ لِلْقَضَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا حَلَفَ بِطَلَبِهِ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ قَالَ لَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَك يَمِينُهُ فَقَالَ يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَيْسَ لَك إلَّا هَذَا شَاهِدٌ لَك أَوْ يَمِينُهُ فَصَارَ الْيَمِينُ حَقًّا لَهُ لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ ، وَإِنَّمَا صَارَ حَقًّا لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ قَصَدَ إتْوَاءَ حَقِّهِ عَلَى زَعْمِهِ بِالْإِنْكَارِ فَمَكَّنَهُ الشَّارِعُ مِنْ إتْوَاءِ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَهِيَ الْغَمُوسُ إنْ كَانَ كَاذِبًا كَمَا يَزْعُمُ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ إتْوَاءِ الْمَالِ وَأَلَّا يَحْصُلَ لِلْحَالِفِ الثَّوَابُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا يَحْصُلُ لِلْحَالِفِ الثَّوَابُ ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي نِكَاحٍ إلَخْ أَنَّ الْيَمِينَ الصَّادِقَةَ فِيهَا الثَّوَابُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ لَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ جَعَلَ جِنْسَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلَيْسَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ آخَرُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } قَسَمَ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَفِيهِ الْأَلْفُ وَاللَّامُ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيُفِيدُ اسْتِغْرَاقَ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَلَا يُقَالُ : إنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُنْكِرُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْخَارِجُ هُوَ الْمُدَّعِيَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ هُوَ لِي وَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ هُوَ لَيْسَ لَك ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَقْصُودُ وَمَقْصُودُ الْخَارِجِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ ، وَالنَّفْيُ يَدْخُلُ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَمَقْصُودُ ذِي الْيَدِ نَفْيُهُ وَلِهَذَا يَقُولُ الْخَارِجُ أَوَّلُ مَا يَنْطِقُ هُوَ لِي وَيَقُولُ ذُو الْيَدِ لَيْسَ لَك فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فَسُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَوَّلِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمَا اعْتِبَارًا لِلْقَصْدِيِّ دُونَ الضِّمْنِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِذَا نَكَلَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي ، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ ، وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى لَهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صَارَ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ فَتُعْتَبَرُ يَمِينُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ اُعْتُبِرَ يَمِينُهُ ، وَقَالَ أَيْضًا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي

شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ الْآخَرِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيُقْضَى لَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ } يُرْوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ } وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رَوَاهُ ضَعِيفٌ رَدَّهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يَرْوِيهِ رَبِيعَةُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَأَنْكَرَهُ سُهَيْلٌ فَلَا يَبْقَى حُجَّةً بَعْدَ مَا أَنْكَرَهُ الرَّاوِي فَضْلًا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْمَشَاهِيرِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ قَضَى تَارَةً بِشَاهِدٍ يَعْنِي بِجِنْسِهِ وَتَارَةً بِيَمِينٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا كَمَا يُقَالُ رَكِبَ زَيْدٌ الْفَرَسَ وَالْبَغْلَ وَالْمُرَادُ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَمْعَ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَمِينُ الْمُدَّعِي بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا يُعْتَبَرُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَيَرْجِعُ إلَى يَمِينِ الْمُنْكِرِ عَمَلًا بِالْمَشَاهِيرِ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَيْضًا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْضَى بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي مَوْضِعَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَهْلِ الْحِجَازِ جَمِيعًا أَحَدُهُمَا إذَا أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْحَلِفِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي ، فَإِنْ حَلَفَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَى ، وَإِنْ أَبَى عَنْ الْمُنَازَعَةِ وَالثَّانِي إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ وَحَلَفَ قُضِيَ لَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُقْضَى بِيَمِينِ الْمُدَّعِي أَصْلًا فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُقْضَى بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا بَيِّنَةَ لِذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَحَقُّ ) أَيْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِتَأَكُّدِهَا بِالْيَدِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَالْمَرْأَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا ، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَوْلَى ، وَلَوْ ادَّعَيَا أَمَةً وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا أَمَتُهُ دَبَّرَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَأَقَامَا بَيِّنَةً كَانَ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْلَى ، وَلَنَا أَنَّ الْبَيِّنَاتِ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ ؛ لِأَنَّهَا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ مُبَيِّنَةً مُظْهِرَةً لَكِنَّهَا أَخَذَتْ حُكْمَ الْإِثْبَاتِ لِمَا أَنَّا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ إذْ الْأَحْكَامُ تَثْبُتُ بِأَسْبَابِهَا فَصَارَتْ كَالْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ ، فَإِنَّهَا أَمَارَاتٌ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَفِي حَقِّنَا لَهَا حُكْمُ الْإِثْبَاتِ وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَ الرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُحَالُ إلَى شَهَادَتِهِمْ إيجَابًا ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنَتُهُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا ؛ لِأَنَّهُ بِبَيِّنَتِهِ يَسْتَحِقُّ عَلَى ذِي الْيَدِ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَذُو الْيَدِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْخَارِجِ بِبَيِّنَتِهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْخَارِجِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِوَجْهٍ مَا ، وَقَدْرُ مَا أَثْبَتَتْهُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ كَانَ ثَابِتًا بِظَاهِرِ يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لَهُ وَإِذَا نَازَعَهُ أَحَدٌ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ دَفَعَ الْقَاضِي عَنْهُ وَلَمْ تَثْبُتْ بَيِّنَتُهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ ، وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ ، فَإِنَّهَا أَثْبَتَتْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَهُ فَكَانَتْ أَوْلَى إذْ الْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ النِّتَاجِ ، فَإِنَّ بَيِّنَةَ صَاحِبِ الْيَدِ فِيهِ

مُتَضَمِّنَةٌ لِدَفْعِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ وَأَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ لَا تَثْبُتُ إلَّا لِأَحَدِهِمَا ، فَإِذَا قَدَّرْنَا ثُبُوتَهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مُتَضَمِّنَةً دَفَعَ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَوُجِدَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ وَفِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَمْ يُوجَدْ التَّعَارُضُ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ لَمْ تُثْبِتْ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى تُعَارِضَهَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَد بِالدَّفْعِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَيُتَصَوَّرُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ بِهِمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَيِّنَتِهِ مَا يَدْفَعُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَلَا تُقْبَلُ وَبِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مُثْبِتًا فَتَعَارَضَتَا فَتُرَجَّحُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ وَبِخِلَافِ دَعْوَى النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى سَبَبِ الْمِلْكِ أَيْضًا فَصَارَتْ كَالنِّتَاجِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَكَلَامُنَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا فِي الْمِلْكِ بِسَبَبٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذَا الْيَدِ أَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ سَبَبًا لَا يَتَكَرَّرُ فِي الْمِلْكِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُقَالُ : إنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : السَّبَبُ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ إذْ لَا طَرِيقَ لِهَذَا الْمِلْكِ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ دَعْوَى الْمِلْكِ فِيهِ دَعْوَى لِلسَّبَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَلَاءِ شَخْصٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى لِتَعَيُّنِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ فِي مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي ، وَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجْهَهُ مِنْ

الِاسْتِغْرَاقِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ مَا لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا بِدَعْوَى السَّبَبِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا بَيِّنَةَ لِذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ) أَرَادَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَدَّعِيَ الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ السَّبَبَ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا مِلْكِي وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِلْكِي بِسَبَبِ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَا يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْخَارِجَ وَذَا الْيَدِ تَسَاوَيَا فِي الْبَيِّنَةِ وَانْفَرَدَ ذُو الْيَدِ بِالْيَدِ فَكَانَ أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ يَسْتَوِي الْجَوَابُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمِنًا أَوْ عَبْدًا أَوْ حُرًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا وَالْمُدَّعِي قَبِلَهُ كَذَلِكَ وَالْمُدَّعَى بِهِ أَيَّ مَالٍ كَانَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ا هـ قَوْلُهُ : وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ بِأَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ أَوْلَى وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَذَا فِي التَّفْرِيعِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ كَقَوْلِنَا كَذَا فِي الْخِرَقِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ) أَيْ كَمَا لَا تَدُلُّ الْيَدُ عَلَى النِّتَاجِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى غَيْرِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْيَدُ فَتَرَجَّحَتْ بِالْيَدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً بِلَا أَحْلِفُ أَوْ سَكَتَ ) أَيْ قُضِيَ لِلْمُدَّعِي إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرَّةً صَرِيحًا بِقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ أَوْ دَلَالَةً بِسُكُوتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَقُضِيَ لَهُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ قُضِيَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أَيْ فَعَلَيْهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ بَلْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ حَلَفَ يُقْضَى لَهُ بِالْمَالِ ، وَإِنْ نَكَلَ انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ حَلَّفَ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْمُنْكِرِ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ يَشْهَدُ لَهُ ، فَإِذَا نَكَلَ هُوَ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ وَلِأَنَّ النُّكُولَ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ اشْتِبَاهِ الْحَالِ أَوْ لِأَجْلِ التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَوْ لِأَجْلِ التَّرَفُّعِ عَنْ الصَّادِقَةِ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَهُ قَضَاءٌ فَيُقَالُ إنَّ عُثْمَانَ حَلَفَ كَاذِبًا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا يُقْضَى بِهِ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا أَنَّهُ وَافَقَ إجْمَاعَهُمْ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ الْمُنْكِرَ طَلَبَ مِنْهُ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي فَقَالَ لَيْسَ لَك إلَيْهِ سَبِيلٌ وَقَضَى بِالنُّكُولِ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قالون وَمَعْنَاهَا بِالرُّومِيَّةِ أَصَبْت وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ عِنْدَهُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا حَبْلُك عَلَى غَارِبِك

فَحَلَّفَ عُمَرُ الزَّوْجَ بِاَللَّهِ مَا أَرَدْت طَلَاقًا فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ أَدَاءً لِلْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَتْ هَذِهِ الْجِهَةُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ التَّرَفُّعِ وَالتَّوَرُّعِ وَالِاشْتِبَاه ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْوَاجِبِ فَلَا يَتَرَفَّعُ عَنْ الصَّادِقَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ فَلَا يَكُونُ نُكُولُهُ تَوَرُّعًا عَنْ الْكَاذِبَةِ ظَاهِرًا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ ، وَلَوْ كَانَ لِاشْتِبَاهِ الْحَالِ لَاسْتَمْهَلَ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ الْحَالُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الْبَذْلِ وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَضَى لَهُ إنْ نَكَلَ ) قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ النُّكُولُ حُجَّةٌ يُقْضَى بِهَا فِي بَابِ الْأَمْوَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَقَضَى لَهُ بِمَعْنَى عَلَى ) وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي قَوْلِهِ لَهُ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ نَكَلَ رَاجِعَيْنِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَضَمِيرُ لَهُ رَاجِعٌ لِلْمُدَّعِي وَضَمِيرُ نَكَلَ رَاجِعٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ لِأَجْلِ التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ عَنْ الْيَمِينِ يَحْمِلُ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ وَالتَّحَرُّزَ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَالتَّرَوِّيَ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ ، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) أَيْ حِينَ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمِقْدَادُ مَالًا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ ، فَإِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَبَا بَكْرٍ الْمَدْعُوَّ بخواهر زاده قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَضَوْا بِالنُّكُولِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَقْرَانِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ا هـ قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ النُّكُولَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْيَمِينِ جُعِلَ بَذْلًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ إقْرَارًا عَلَى مَذْهَبِ صَاحِبِيهِ فَلَوْلَا ذَلِكَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمَلًا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَحَيْثُ لَمْ يُقْدِمْ عَلَى الْيَمِينِ دَلَّ أَنَّهُ بَذَلَ الْحَقَّ أَوْ أَقَرَّ ، فَإِذَا بَذَلَ أَوْ أَقَرَّ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي

الْحُكْمُ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا نَكَلَ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يُعْتَبَرُ النُّكُولُ إقْرَارًا وَتَكْرَارُ النُّكُولِ شَرْطٌ دُونَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ شَرْطًا فِي النُّكُولِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّكْرَار شَرْطٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فَنَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّكْرَارُ فِي النُّكُولِ دُونَ الْإِقْرَارِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ وَلَا يُقَالُ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْ النُّكُولِ دُونَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ أَيْضًا فِي الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ يُقْبَلُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ لَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بَاذِلًا ) أَيْ حَقَّ الْمُدَّعِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ مُقِرًّا ) أَيْ بِحَقِّ الْمُدَّعِي عِنْدَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ ) بَيَانُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ لِقِدَمِ الْعَهْدِ فَمَنْ قَالَ بِرَدِّهَا عَلَى الْمُدَّعِي كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رَدَّا لِحُكْمِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فَاسِدٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَرْضُ الْيَمِينِ ثَلَاثًا نَدْبًا ) أَيْ عَرَضَ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ يَقُولُ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ، فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ إعْلَامًا لَهُ لِلْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ خَفَاءٍ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرَاهُ ، فَإِذَا كَرَّرَ عَلَيْهِ الْإِنْذَارَ وَالْعَرْضَ وَلَمْ يَحْلِفْ حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ مِنْ طَرَشٍ وَخَرَسٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ ، وَالْعَرْضُ ثَلَاثًا مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ نَظِيرُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَكَذَا هَذَا مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَمِينٌ قَاطِعٌ لِلْخُصُومَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْيَمِينِ عِنْدَ غَيْرِهِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ ، فَإِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً أَقَامَهَا عَلَيْهِ وَقَضَى لَهُ بِهَا وَبَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ السَّلَفِ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ وَيَقُولُونَ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِهِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ يَمِينُ الْمُنْكِرِ مَعَهَا وَهَذَا الْقَوْلُ مَهْجُورٌ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ وَكَانَ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ

أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ حَلَفَ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ضَامِنٌ لِلْمَالِ وَحَلَفَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

( قَوْلُهُ : حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ فِيمَا إذَا سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحْلِفُ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا سَكَتَ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ هَلْ بِهِ خَرَسٌ أَوْ طَرَشٌ ، فَإِنْ قَالُوا لَا جَعَلَهُ نَاكِلًا وَقَضَى عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَالْخَرَسُ آفَةٌ بِاللِّسَانِ تَمْنَعُ الْكَلَامَ أَصْلًا وَيُقَالُ طَرِشَ يَطْرَشُ طَرَشًا مِنْ بَابِ عَلِمَ أَيْ صَارَ أُطْرُوشًا وَهُوَ الْأَصَمُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْأَقْضِيَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَلَزِمَهُ السُّكُوتُ فَلَمْ يُجِبْ أَصْلًا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ ثُمَّ يَسْأَلُ جِيرَانَهُ عَسَى بِهِ آفَةٌ فِي لِسَانِهِ أَوْ سَمْعِهِ ، فَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ يُحْضَرُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ ، فَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُجِبْ يُنْزَلُ مَنْزِلَةَ مُنْكِرٍ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ هَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَظْهَرُ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْفَتْوَى فِي دَعْوَى الدَّيْنِ إنْ ادَّعَاهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً يَظْهَرُ كَذِبُهُ ، وَإِنْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبٍ وَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ كَذَا فِي الْفُصُولِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَفَيْءٍ وَاسْتِيلَادٍ وَرِقٍّ وَنَسَبٍ وَوَلَاءٍ وَحَدٍّ وَلِعَانٍ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ ) يَعْنِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَدَّهَا سِوَى الْحَدِّ وَاللِّعَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ فَيَجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَافُ كَالْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَلِفِ ظُهُورُ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ وَالنُّكُولُ إقْرَارٌ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبٌ فَتَرْكُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاذِلٌ أَوْ مُقِرٌّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَاذِلًا ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الْبَذْلُ مِنْهُ كَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَكَذَا يَجُوزُ فِي الدَّيْنِ وَلَا يَجُوزُ بَذْلُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ وَيَصِحُّ إيجَابُهُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً ، وَلَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا صَحَّ وَلَا وَجَبَ وَكَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ فِيمَا يُقْسَمُ ، وَلَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا صَحَّ وَلَا وَجَبَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ مَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَاللِّعَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِمَا فِيهَا مِنْ الشُّبُهَاتِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي الْإِنْكَارِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا نَكَلَ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الصَّادِقَةَ فِيهَا الثَّوَابُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَصِيَانَةُ مَالِهِ وَعِرْضِهِ بِدَفْعِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَالْعَاقِلُ يَمِيلُ إلَى مِثْلِ هَذِهِ وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ فِيهَا

هَلَاكُ النَّفْسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهَا مَخَافَةَ الْهَلَاكِ وَمُخَالَفَةً لِهَوَاهُ وَشُحِّ نَفْسِهِ وَإِيثَارًا لِلرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } فَيَكُونُ إقْرَارًا ضَرُورَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ بَذْلٌ وَإِبَاحَةٌ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ وَالْإِبَاحَةُ فَلَا يُقْضَى بِهَا بِالنُّكُولِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَكَالْحُدُودِ وَاللِّعَانِ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْبَذْلِ صِيَانَةُ عِرْضِهِ عَنْ الْكَذِبِ فَكَانَ أَوْلَى وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَقَضَائِهِ وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَجَازَ مُطْلَقًا بِدُونِ الْقَضَاءِ وَكَذَا لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِمَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ فُلَانٌ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ دَيْنًا فَاسْتَحْلَفَهُ فَنَكَلَ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَهُ الْبَاقِيَ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَاسْتَحْلَفَهُ فَنَكَلَ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ الْآخَرَ يَحْتَاجُ إلَى خُصُومَةٍ وَاسْتِحْلَافٍ جَدِيدٍ إذَا أَنْكَرَ ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَمَا اسْتَحْلَفَ ثَانِيًا بَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ بِالنُّكُولِ الْأَوَّلِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ مَعَ الْبَذْلِ فَلَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ بِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ تَحْلِيفَهُ لِتَنْتَهِيَ بِهِ الْخُصُومَةُ وَمَعَ الْبَذْلِ لَا خُصُومَةَ وَلَا طَلَبَ فَلَا تَجِبُ ، وَإِنَّمَا جَازَ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ كَمَا تَدْخُلُ الضِّيَافَةُ الْيَسِيرَةُ وَالْهَدِيَّةُ الْيَسِيرَةُ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَا بُدَّ لِلتُّجَّارِ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَمَعْنَى الْبَذْلِ تَرْكُ

الْمَنْعِ وَتَرْكُ الْمَنْعِ جَائِزٌ فِي الْمَالِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَالِ هَيِّنٌ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لِمَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ كَانَ لَهُ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى ظَاهِرًا وَأَبْطَلَهُ الْمُنْكِرُ بِالنِّزَاعِ وَالشَّرْعُ أَبْطَلَ نِزَاعَهُ إلَى الْيَمِينِ ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْيَمِينُ عَادَ الْأَصْلُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ ، وَإِنَّمَا صَحَّ إيجَابُهُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مُحِقٌّ وَأَنَّ مَعْنَى الْبَذْلِ تَرْكُ الْمَنْعِ وَلَئِنْ كَانَ بَذْلًا حَقِيقَةً فَالْمَالُ يَجِبُ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ فَيَجُوزُ بَذْلُهُ إذَا كَانَ مُفِيدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ يَدِهِ الْمُتَآكِلَةِ لِلْفَائِدَةِ فَكَذَا يَجُوزُ بَذْلُهُ لِدَفْعِ الْيَمِينِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَيُّ فَائِدَةٍ أَعْظَمُ مِنْهُ وَلِهَذَا نَكَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الصَّادِقَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الْيَمِينِ صِيَانَةُ مَالِهِ وَعِرْضِهِ إلَى آخِرِهِ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَذْلٍ صَرِيحًا ، وَإِنَّمَا صَارَ بَذْلًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ تَرْكُ مَنْعٍ وَأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ مُحِقًّا فَلَا يَمْتَنِعُ بِالشُّيُوعِ ثُمَّ الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ تُتَصَوَّرُ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَيُّهُمَا كَانَ إلَّا الْحَدَّ وَاللِّعَانَ وَالِاسْتِيلَادَ ، فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِيهَا إلَّا الْمَقْذُوفَ وَالْمَوْلَى وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ قَوْلَهُمَا لِلْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِمَا ، وَإِنْ رَآهُ مَظْلُومًا لَا

يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ إنْ رَأَى مِنْ الْخَصْمِ التَّعَنُّتَ وَقَصْدَ الْإِضْرَارِ بِالْآخِرِ قَبِلَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْحُدُودَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا وَقَالَ : إنْ زَنَيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا نَكَلَ ثَبَتَ الْعِتْقُ دُونَ الزِّنَا ثُمَّ إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُنْكِرُ فِي النَّسَبِ عِنْدَهُ هَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي يُنْظَرُ ، فَإِنْ كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ مِثْلُ الْجَدِّ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِهِمْ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلِ حَيْثُ تُقْبَلُ ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُعْتَقُ جَدِّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ فِيهِمْ إلَّا بِوَاسِطَةٍ فَيَكُونُ فِيهِ تَحْمِيلٌ عَلَى الْوَاسِطَةِ أَمَّا الْوَلَاءُ فَلَا يَثْبُتُ بِوَاسِطَةٍ بَلْ يُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَقُ وَلِهَذَا لَا تَرِثُ النِّسَاءُ الْوَلَاءَ ، وَلَوْ كَانَ بِوَاسِطَةٍ لَثَبَتَ لَهُنَّ وَكَذَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لَمَا كَانَ لَهُ كَمَا فِي الْمَالِ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ عَنْ عَشَرَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ ، فَإِنَّ مَالَهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُ ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لَكَانَ لِلِابْنِ الْوَاحِدِ النِّصْفُ وَلِلْعَشَرَةِ النِّصْفُ نَصِيبُ أَبِيهِمْ وَعِنْدَهُمَا

يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ إذَا كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَإِلَّا فَلَا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا يُسْتَحْلَفُ إلَى قَوْلِهِ وَوَلَاءٌ ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ اعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ وَصُورَتُهَا ادَّعَى الرَّجُلُ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ الْفَيْءَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى مَجْهُولٍ النَّسَبَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ وَلَدُهُ وَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ اخْتَصَمَا فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْ ادَّعَتْ الْأَمَةُ عَلَى مَوْلَاهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا أَوْ ادَّعَاهَا وَقَدْ مَاتَ الْوَلَدُ وَلَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَكْسُ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا ادَّعَى ذَلِكَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِإِقْرَارِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِإِنْكَارِ الْأَمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَدٌّ وَلِعَانٌ ) كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّك قَذَفْتَنِي بِالزِّنَا وَعَلَيْك الْحَدُّ لَا يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّك قَذَفْتَنِي بِالزِّنَا وَعَلَيْك اللِّعَانُ ا هـ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ إلَخْ حَاشِيَةً نَافِعَةً هُنَا فَرَاجِعْهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ ) الْمُرَادُ بِهِ قَاضِي خَانْ كَذَا فِي شَرْحَيْ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : يُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ ) النَّسَبُ وَالِاسْتِيلَادُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلِذَا قَالَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ ا هـ لَكِنَّ الشَّارِحَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الشَّرْحِ وَمَعْنَى الْبَذْلِ إلَخْ قَالَ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ بَذْلُهُ ) إذْ الْبَذْلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَعْيَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي

حَنِيفَةَ أَنَّهُ ) أَيْ النُّكُولُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَا يُقْضَى فِيهَا ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَلَا يُقْضَى بِهَا بِالنُّكُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا جَازَ ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ وَأَخَوَاهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ التِّجَارَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَنْ قَوْلِهِمْ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ عَنْ قَوْلِهِمَا ا هـ قَوْلُهُ : وَالْمَوْلَى ) لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ ادَّعَى الِاسْتِيلَادَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ قَوْلَهُمَا لِلْفَتْوَى ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْوَاقِعَاتِ وَالْفُصُولِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ ) لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبَزْدَوِيُّ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَمُرَادُهُ قَاضِي خَانْ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُخْتَصَرُ هُوَ مَتْنُ الْكَنْزِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى إلَخْ ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ فِي دَعْوَاهُ إنَّهُ قَدْ أَتَى مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ عِتْقِي وَلَا يَقُولُ إنَّهُ قَدْ زَنَى كَيْ لَا يَصِيرَ قَاذِفًا مَوْلَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُنْكَرُ فِي النَّسَبِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي يَثْبُتُ الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ دَعْوَى حَقٍّ آخَرَ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَمَّا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ فَلَا يَجْرِي الِاسْتِحْلَافُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا بَيَانُهُ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِخَمْسَةٍ بِالْوَالِدَيْنِ

وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا سِوَاهُمْ وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِأَرْبَعَةٍ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلَا يَصِحُّ بِالْوَلَدِ وَمَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فِي إقْرَارِهَا بِالْوَلَدِ أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَةِ الْوَلَدِ قَابِلَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ الِاسْتِحْلَافِ فِي الِادِّعَاءِ : الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ النَّسَبُ إذَا أَنْكَرَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يُفِيدُ ، فَإِنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ حَتَّى يُجْعَلَ النُّكُولُ بَذْلًا أَوْ إقْرَارًا فَيُقْضَى عَلَيْهِ ، فَإِذَا كَانَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ بِحَيْثُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ، فَإِذَا أَنْكَرَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحْلَف وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُسْتَحْلَفُ ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ عَنْ الدَّعْوَى ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ الدَّعْوَى فَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يُخَرِّجُ مَسَائِلَ الْبَابِ إلَى هُنَا لَفْظُ خُوَاهَرْزَادَهْ وَقَالَ أَيْضًا ثُمَّ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِي النَّسَبِ إذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي مُجَرَّدِ النَّسَبِ ، فَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِي النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْمَالِ لَا لِلنَّسَبِ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يَدَّعِي حَقٌّ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ لِلنَّسَبِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَهَذَا لِأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَ فِي النَّسَبِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَالْمَالُ مِمَّا

يَجْرِي فِيهِ الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا فَيُسْتَحْلَفُ لِلْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ لِلنَّسَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَانَ الْجَوَابُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْجَوَابِ فِي السَّرِقَةِ عِنْدَ الْكُلِّ إذَا أَنْكَرَ السَّارِقُ ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ لِلْمَالِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَكَ ضَمَانُ هَذَا الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَ فِي الْحَدِّ وَالْمَالِ جَمِيعًا فَيُسْتَحْلَفُ لِلْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ فَكَذَلِكَ هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ بِالضَّمِّ أَيْ لِمَنْ هُوَ أَقْعَدُ بِالنَّسَبِ وَأَقْرَبُ ا هـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَقَوْلُهُمْ الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ أَيْ لِأَكْبَرِ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِ وَالْمُرَادُ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا لَا أَكْبَرُهُمْ سِنًّا يُقَالُ : هُوَ أَكْبَرُ الْقَوْمِ أَيْ أَقْعَدُهُمْ فِي النَّسَبِ وَأَقْرَبُهُمْ إلَى الْجَدِّ الْأَكْبَرِ وَفِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ وَيَتْرُكَ ابْنًا وَابْنَ ابْنٍ فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ ابْنِ الِابْنِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ ) ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ فِعْلِهِ شَيْئَانِ الضَّمَانُ وَهُوَ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَيَجِبُ بِالنُّكُولِ ، وَالْقَطْعُ وَهُوَ لَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَلَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ أَوْ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ، فَإِنَّ ضَمَانَ الْمَالِ يَجِبُ بِهَا دُونَ الْقَطْعِ وَيَقُولُ فِي الِاسْتِحْلَافِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي مَاذَا تُرِيدُ ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْقَطْعَ قَالَ لَهُ إنَّ الْحُدُودَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا فَلَيْسَ لَك يَمِينُهُ ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ قَالَ لَهُ دَعْ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَادَّعِ الْمَالَ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ إلَخْ ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ ، وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا يَمِينَ فِي حَدٍّ إلَّا لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً اسْتَحْلَفَهُ ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ضَمَّنَهُ السَّرِقَةَ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لَا فِي الزِّنَا وَلَا فِي السَّرِقَةِ وَلَا الْقَذْفِ وَلَا شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا السُّكْرِ إلَّا إنْ طَالَبَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ بِضَمَانِ الْمَالِ اسْتَحْلَفَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ ضَمَّنَهُ الْمَالَ وَلَمْ يَقْطَعْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ أَمْرَيْنِ : الضَّمَانَ وَالْقَطْعَ ، وَالضَّمَانُ يُسْتَوْفَى بِالنُّكُولِ فَوَجَبَ إثْبَاتُ أَحَدِهِمَا وَإِسْقَاطُ الْآخَرِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ شُرِعَ لِلنُّكُولِ وَالنُّكُولُ إمَّا بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لِاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَالْحُدُودُ يُحْتَالُ لِدَرْئِهَا فَلَا يَتَكَلَّفُ لِاسْتِخْرَاجِهَا فَلَا يُشْرَعُ الْيَمِينُ فِيهَا إلَّا فِي السَّرِقَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَالُ فَيُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَيُقْضَى بِالْمَالِ عِنْدَ النُّكُولِ كَمَا يُقْضَى بِهَا بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الْوَطْءِ ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ ) أَيْ يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالُ وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ الصَّدَاقَ أَوْ النَّفَقَةَ ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْمَالِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ وَالْحَجْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَقُّ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ نَسَبًا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الْوَطْءِ ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ فِي الطَّلَاقِ إجْمَاعًا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَهَا فِيهِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى هُوَ الْمَالُ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ لَا التَّزَوُّجُ وَالِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الْمَالِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ الصَّدَاقَ ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَعَ النِّكَاحِ دَعْوَى الْمَالِ يَجْرِي الِاسْتِحْلَافُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَالُ ثُمَّ بِالنُّكُولِ يَثْبُتُ الْمَالُ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْبَذْلَ يَجْرِي فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ إلَخْ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى فِي النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ سِوَى النَّسَبِ كَالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ يُسْتَحْلَفُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي دَعْوَى النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : كَالْإِرْثِ ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ بِالِاتِّفَاقِ ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ النَّسَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْحَجْرُ ) بِأَنْ الْتَقَطَ رَجُلٌ صَبِيًّا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ أَخُوهَا تُرِيدُ قَصْرَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَأَخْذِهِ بِالْحَضَانَةِ وَأَنْكَرَ الْمُلْتَقِطُ ذَلِكَ ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ نَقْلِ الصَّبِيِّ إلَى حِجْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالنَّفَقَةُ ) أَيْ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي وَهُوَ زَمِنٌ إنَّهُ أَخُو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَافْرِضْ لِي النَّفَقَةَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَخَاهُ ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ

، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ دُونَ النَّسَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَامْتِنَاعُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ) صُورَتُهُ مَا إذَا أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَا أَخُوك فَأَنْكَرَ الْوَاهِبُ ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الِامْتِنَاعُ وَلَمْ تَثْبُتْ الْأُخُوَّةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَجَاحِدُ الْقَوَدِ فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَفِيمَا دُونَهُ يُقْتَصُّ ) أَيْ يُسْتَحْلَفُ جَاحِدُ الْقِصَاصِ ، فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ فِي امْتِنَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ احْتِمَالًا يَحْتَمِلُ لِأَجْلِ التَّرَفُّعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا تَجِبُ بِهِ الْعُقُوبَةُ كَالْحُدُودِ ، فَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ حَيْثُ لَا يُقْضَى فِيهِ بِشَيْءٍ وَكَذَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهِ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ فِيهِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَفِي النُّكُولِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ فَيُصَارُ إلَى الْأَرْشِ وَنَظِيرُهُ إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ تَجِبُ الدِّيَةُ وَبِالْعَكْسِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الضَّمَانِ فِي السَّرِقَةِ حَيْثُ يَجِبُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَأَمْثَالِهِ كَمَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ أَصْلٌ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْحَدِّ ، فَإِذَا قَصَرَ يَبْقَى الْأَصْلُ عَلَى حَالِهِ وَهُنَا الْأَصْلُ الْقِصَاصُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ حَتَّى أُبِيحَ قَطْعُهَا لِلْحَاجَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ إذَا قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ النَّفْسِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِأَمْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي رِوَايَةٍ وَالدِّيَةُ فِي أُخْرَى ، فَإِذَا سَلَكَ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ كَالْأَمْوَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا بِلَا فَائِدَةٍ وَهَذَا الْبَذْلُ مُفِيدٌ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ

لِلْأَكْلَةِ وَقَلْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ يُحْبَسُ فِيهِ كَمَا فِي الْقَسَامَةِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَجَاحِدُ الْقَوَدِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا فِي دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَفِيهِ يَبْرَأُ بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ جَمِيعًا وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ تَمَامُ الْبَيَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الطَّرَفِ يَحْلِفُ بِالِاتِّفَاقِ ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْتَصُّ فِي الطَّرَفِ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ فِي النَّفْسِ وَلَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ جُوعًا وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِالْمَالِ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ جَمِيعًا ا هـ ( قَوْلُهُ : يُسْتَحْلَفُ جَاحِدُ الْقِصَاصِ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ قَوْلُهُ : وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ إذَا قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ ) أَيْ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ يَعْنِي إذَا قَطَعَ يَدَ مَنْ قَالَ : اقْطَعْ يَدِي لَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَلَكِنْ لَا يُبَاحُ الْقَطْعُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَخْرِقْ ثَوْبِي أَوْ أَتْلِفْ مَالِي لَا يُبَاحُ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسْتَحْلَفُ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي أُخْرَى وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ يَحْلِفُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَحْلِفُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا وَلَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِاسْتِحْلَافِ وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ بِهِ مُؤْنَةَ الْمَسَافَةِ وَيَتَوَصَّلَ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ نُكُولِهِ وَفِي الْبَيِّنَةِ احْتِمَالٌ فَلَعَلَّهَا لَا تُقْبَلُ فَيُجِيبُهُ إذَا طَلَبَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ خَصْمِهِ وَشُهُودِهِ فَيَكُونُ عَاجِزًا وَلِأَنَّ فِي اسْتِحْلَافِهِ مَعَ حُضُورِ الشُّهُودِ هَتْكَ الْمُسَلَّمِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ مَا حَلَفَ فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّاهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّهُ بِتَغْيِيبِهِ نَفْسَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَهُ لِمَا تَلَوْنَا حَتَّى يُعْدِيَ عَلَيْهِ وَيَشْخَصَ إلَى الْقَاضِي وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَيَصِحَّ التَّكْفِيلُ بِإِحْضَارِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَاسْتِحْلَافِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ ثِقَةً مَعْرُوفًا بَيْنَ النَّاسِ لَا يُتَوَهَّمُ اخْتِفَاؤُهُ حَتَّى يَحْصُلَ بِهِ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ التَّكْفِيلُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَا بَيْنَ مَجْلِسَيْ الْقَاضِي حَتَّى إذَا كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَكْفُلُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي ، وَإِنْ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ أَيَّامٍ يَوْمًا يَكْفُلُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ بَيْنَ الْوَجِيهِ وَالْخَامِلِ وَبَيْنَ الْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ وَالْخَطِيرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُخْفِي نَفْسَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى حَقِيرًا لَا يُخْفِي الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ لِأَجْلِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّكْفِيلِ لَكِنْ إذَا أَعْطَى هُوَ بِاخْتِيَارِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَهَذَا إذَا قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ أَوْ شُهُودِي غُيَّبُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّكْفِيلِ ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ كَالْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ كُلُّ غَائِبٍ آتِيًا وَيُمْكِنُهُ الِاسْتِحْلَافُ فِي الْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِالتَّكْفِيلِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِيهِ ) أَيْ فِي إعْطَاءِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْخَطِيرُ ) لِأَنَّ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ لَمَّا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ لَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا أَوْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ الْمَالُ خَطِيرًا أَوْ حَقِيرًا كَالْيَمِينِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَبَى لَازَمَهُ ) أَيْ دَارَ مَعَهُ ( حَيْثُ سَارَ ) أَيْ إنْ أَبَى أَنْ يَكْفُلَ لَا يَجْبُرُهُ الْقَاضِي عَلَى التَّكْفِيلِ بَلْ يَأْمُرُهُ بِمُلَازَمَتِهِ مِقْدَارَ مُدَّةِ التَّكْفِيلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حَتَّى لَا يَغِيبَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ) كَانَ ( غَرِيبًا لَازَمَهُ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي ) أَيْ إلَى أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْقَدْرِ ظَاهِرًا وَكَذَا إذَا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارُ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ التَّوْكِيلَ بِخُصُومَتِهِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَعْطَاهُ وَكِيلًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ ، وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْوَكِيلِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْأَصِيلِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُسْتَوْفَى مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ دُونَ الْوَكِيلِ ، وَلَوْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِيفَاءُ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَصِيلِ أَيْسَرَ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لِيُحْضِرَهَا وَلَا يُغَيِّبَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّغْيِيبَ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ أَبَى لَازَمَهُ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْعَدَوِيِّ الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا وَأَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِمُلَازَمَتِهِ ثُمَّ قَالَ وَتَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ غَرِيبًا لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَلَكِنْ إنْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ مُخْتَارًا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَالذَّهَابِ ( فَرْعٌ ) ذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي الْبَابِ الْمُعَلَّمِ بِعَلَامَةِ الْوَاوِ إذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ بِشَيْءٍ وَيُصَالِحَهُ وَلَا يُعَجِّلَ بِالْيَمِينِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ وَهُوَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ ، وَإِنْ أَبَى الْخَصْمُ إلَّا أَنْ يُحَلِّفَهُ ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْحَقِّ وَسِعَهُ ذَلِكَ وَنَذْكُرُ هُنَا نُبَذًا مِنْ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْخَصَّافُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحِيَلِ إنْ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَنَوَى كُلَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِالْيَمَنِ أَوْ بِالْهِنْدِ أَوْ بِالسِّنْدِ أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ لَهُ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَحْنَثُ وَقَالَ : إنْ ابْتَدَأَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ يَحْتَالُ وَيَقُولُ هُوَ اللَّهُ وَيُدْغِمُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَفْهَمَ الْمُسْتَحْلِفُ فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلِفُ إنَّمَا أُحَلِّفُك بِمَا أُرِيدُ وَقُلْ أَنْتَ نَعَمْ كُلَّمَا أَوْقَعْت أَنَا كَيْفَ يَحْتَالُ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ كَتَبَ الْيَمِينَ فِي كِتَابٍ وَيُرِيدُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْمَشْيِ وَصَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ قَالَ نَعَمْ وَيَنْوِي بِنَعَمْ مِنْ النَّعَمِ أَيْ مِنْ الْأَنْعَامِ ، فَإِذَا أَجَابَهُ بِنَعَمْ يَنْوِي نَعَمًا مِنْ الْأَنْعَامِ لَمْ يَكُنْ

عَلَيْهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ نِسَاؤُك طَوَالِقُ وَنَوَى نِسَاءَهُ الْعُورَ أَوْ الْعُمْيَانَ أَوْ الْعَرْجَانِ أَوْ الْمَمَالِيكَ أَوْ الْيَهُودِيَّاتِ أَوْ النَّصْرَانِيَّاتِ وَيَقْصِدُ إلَى صِفَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَكَذَلِكَ الْمَمَالِيكُ وَجَمِيعُ مَا يَمْلِكُ مِنْ نَوْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا يَقْصِدُ بِنِيَّتِهِ إلَى مَا شَرَحْت لَك فَيَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ وَلَا يَحْنَثُ وَقَالَ : إنْ كَانَ يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلٍ مَضَى وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَأَحْضَرَ الْمَمْلُوكَ قَالَ يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى رَأْسِ الْمَمْلُوكِ وَظَهْرِهِ وَيَقُولُ : هَذَا حُرٌّ يَعْنِي ظَهْرُهُ حُرٌّ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَلَا يُعْتَقُ الْمَمْلُوكُ ، وَإِنْ حَلَفَ بِعِتْقِ الْمَمْلُوكِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا يَعْنِي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَيَنْوِي ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ مَرَّ فِعْلُ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَوَى وَقَصَدَ ، وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ قَالَ يَقُولُ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيَنْوِي عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلَ الْخُبْزِ وَالْغَسْلِ أَوْ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ وَيَنْوِي بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَوْ ثَلَاثَ جُمَعٍ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ قَالَ قُلْت : أَرَأَيْت سُلْطَانًا بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ كَلَامٌ فَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ الَّذِي بَلَغَهُ فَمَا الْوَجْهُ فِيهِ قَالَ الْوَجْهُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ الَّذِي اُسْتُحْلِفَ مَا الَّذِي بَلَغَك عَنِّي ، فَإِذَا قَالَ بَلَغَنِي عَنْك أَنَّك قُلْت كَذَا وَكَذَا وَحَكَى الْكَلَامَ ، فَإِنْ شَاءَ حَلَفَ لَهُ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي حَكَاهُ هَذَا وَلَا سَمِعَ بِهِ إلَّا السَّاعَةَ يَعْنِي مَا تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي حَكَاهُ وَلَا سَمِعَ بِهِ بِهَذَا الْكَلَامِ

بِعَيْنِهِ قَبْلَ السَّاعَةِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إثْمٌ ، وَإِنْ شَاءَ نَوَى فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَا شَرَحْنَاهُ ، وَإِنْ شَاءَ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَذَا الْكَلَامِ بِالْكُوفَةِ أَوْ بِالْبَصْرَةِ أَوْ فِي الْيَمَنِ أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ غَيْرَ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ تَكَلَّمَ بِهَذَا فِيهِ وَنَوَى بِاللَّيْلِ إنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِالنَّهَارِ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِاللَّيْلِ نَوَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالنَّهَارِ أَوْ نَوَى فِي دَارِ فُلَانٍ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْبَاقِي يُعْلَمُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَرْعٌ آخَرُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَأَيْت فِي مُحِيطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَاسْتِحْلَافُ الْأَخْرَسِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ إنْ كَانَ لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ وَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك حَقٌّ فَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْعِبَارَةِ مِنْ النُّطْقِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحَلِفِ وَالْقَاضِي لَوْ اسْتَحْلَفَ النَّاطِقَ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ احْلِفْ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ يَمِينًا فَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ وَلَوْ قَالَ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ فَقَالَ نَعَمْ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ إنْ كَانَ لِهَذَا عَلَيَّ كَذَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَفِي لَفْظٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَقَالَ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِإِطْلَاقِهِ يَمْنَعُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسُوغُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِهِمَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ لِقِلَّةِ مُبَالَاةِ النَّاسِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا لَكِنْ إذَا نَكَلَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا ، وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشَّاهِدَ كَاذِبٌ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا سِيَّمَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَتَاقٌ ) أَيْ وَحَجٌّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَغْلُظُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ ) أَيْ تُؤَكَّدُ الْيَمِينُ بِذِكْرِ أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ بِالتَّغْلِيظِ وَيَتَجَاسَرُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ وَلَهُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَاطُ وَيَحْتَرِزُ عَنْ عَطْفِ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْبَعْضِ كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ، وَلَوْ أُمِرَ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ ، وَقَدْ أَتَى بِهَا ، وَلَوْ لَمْ يُغَلِّظْ جَازَ وَقِيلَ لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ ، وَلَوْ غَلَّظَ عَلَيْهِ فَحَلَفَ مِنْ غَيْرِ تَغْلِيظٍ وَنَكَلَ عَنْ التَّغْلِيظِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ حَصَلَقَوْلُهُ : وَيَحْتَرِزُ عَنْ عَطْفِ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ ) أَيْ فَإِنَّهُ مَتَى حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً ، فَإِذَا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَيُرَاعِي الْقَاضِي هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ ) أَيْ لَا يُؤَكِّدْ عَلَيْهِ الْيَمِينَ بِزَمَانٍ وَلَا بِمَكَانٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي قَسَامَةٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِي مَالٍ عَظِيمٍ يَبْلُغُ مِائَتَيْ مِثْقَالٍ تُغَلَّظُ بِالْمَكَانِ فَيُحَلَّفُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَعِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَعِنْدَ الصَّخْرَةِ إنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي الْجَوَامِعِ فِي غَيْرِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي الْمَسَاجِدِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } وَالتَّخْصِيصُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ نَسْخٌ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا عَلَى الْقَاضِي حَيْثُ يُكَلَّفُ حُضُورُهَا وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَلِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الْيَمِينِ فَلَا يُشْرَعُ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَا تَنْقَطِعُ بِهِ الْخُصُومَةُ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِمَا كَالْبَيِّنَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( وَالنَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( وَالْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَالْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ الْيَهُودِيِّ أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا } وَلِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَعْتَقِدُونَ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِمْ فَيُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِمْ وَالْمَجُوسِيُّ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ النَّارِ فَيُؤَكِّدُ عَلَيْهِ بِذِكْرِ خَالِقِهَا وَالْوَثَنِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُ ، وَإِنَّمَا يُشْرِكُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا احْتِرَازًا عَنْ إشْرَاكِ غَيْرِهِ فِي التَّعْظِيمِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُحَلَّفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا ؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ النَّارِ فِي الْيَمِينِ تَعْظِيمًا لَهَا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْعِرُ بِذَلِكَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَظِّمَ النَّارَ بِخِلَافِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ؛ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبُ التَّعْظِيمِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا تَعْظِيمَ الْمُسْلِمِ الشَّعَائِرَ وَلَا يَعْبُدُونَهَا حَقِيقَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُحَلَّفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَهَا وَالْقَاضِي مَمْنُوعٌ مِنْ حُضُورِهَا مَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ عَنْهُ أَيْضًا

S

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ إلَخْ ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالصَّبِيُّ التَّاجِرُ وَالْمَرْأَةُ فِيمَا ادَّعَوْا أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ أَمَّا الذِّمِّيُّ ، فَإِنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْمُسْلِمَ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ لِأَنَّهُمْ مَحْمُولُونَ عَلَى أَحْكَامِنَا إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ بِعَقْدِ الْأَمَانِ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَجَازَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ التَّاجِرُ عَلَى أَصْلِنَا إذْ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ لَهُ جَائِزٌ فَيَصِيرُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ كَالْحُرِّ وَالْمَرْأَةِ لَا تُفَارِقُ الرِّجَالَ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فَجَرَيَا مَجْرًى وَاحِدًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيُسْتَحْلَفُ النَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَتَّهِمْهُ الْقَاضِي اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْيَهُودِ يُحَلَّفُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَفِي حَقِّ النَّصَارَى بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَيُحَلَّفُ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ

تَعَالَى وَلَا يُحَلَّفُ فِي كَنِيسَةِ الْيَهُودِ وَلَا بَيْعَةِ النَّصَارَى وَلَا بِبَيْتِ نَارِ الْمَجُوسِيِّ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحْلِفُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَالْأَصْلُ أَنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ أَوْ بَذْلٌ وَالْكَافِرُ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ وَالْبَذْلُ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى مُوسَى ) أَيْ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِنُبُوَّةِ مُوسَى وَيَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : عَلَى عِيسَى ) أَيْ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ يُقِرُّ بِنُبُوَّةِ عِيسَى وَيَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ لَهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ هُوَ اللَّهُ وَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : صُورِيَّا ) بِالْقَصْرِ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : أَنْشُدُك ) أَيْ أَسْأَلُك ا هـ ( قَوْلُهُ : بِذِكْرِ خَلْقِهَا ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِذِكْرِ خَالِقِهَا ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَأَمَّا الصَّابِئَةُ فَإِنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِإِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اُسْتُحْلِفُوا بِاَلَّذِي أَنْزَلَ الصُّحُفَ عَلَى إدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ اُسْتُحْلِفُوا بِاَلَّذِي خَلَقَ الْكَوَاكِبَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ أَيْ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ وَبَيْعٌ قَائِمٌ وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ وَمَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ وَالطَّلَاقِ ) وَلَا يُقَالُ بِاَللَّهِ مَا نَكَحْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا بِعْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا غَصَبْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْت ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ تَقَعُ ثُمَّ تَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ كَالطَّلَاقِ وَالْإِقَالَةِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ الْجَدِيدِ فَلَا يُمْكِنُ تَحْلِيفُهُ عَلَى السَّبَبِ فَيُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ ثُمَّ ادَّعَى طُرُوَّ الرَّافِعِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَيَحْتَالُ بِهَذَا الطَّرِيقِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَسْبَابِ أَحْكَامُهَا فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهَا لَا عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ وَالْمُدَّعِي هُوَ السَّبَبُ إلَّا إذَا عَرَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ قَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ ثُمَّ تَقَايَلْنَا وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ نَظَرًا لَهُ كَيْ لَا يَفُوتَ حَقُّهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ وَلَيْسَ فِي تَحْلِيفِهِ عَلَى الْحَاصِلِ ضَرَرٌ بِالْمُدَّعِي ، فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمَا بِالِارْتِدَادِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ ثُمَّ الِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا

يَتَكَرَّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ عِنْدَ ارْتِدَادِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ ضَرَرٌ بِالْمُدَّعِي مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَرَاهَا وَمِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ الْمَبْتُوتَةُ النَّفَقَةَ وَالزَّوْجُ لَا يَرَاهَا ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ حِينَئِذٍ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ فِي تَحْلِيفِهِ عَلَى الْحَاصِلِ تَرْكَ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إذْ هُوَ يَحْلِفُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُدَّعِيقَوْلُهُ : بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لَا يَجْرِي فِي النِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : الْآنَ ) قَيْدٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مَا اسْتَقْرَضْت مَا غَصَبْت ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ الِالْتِحَاقُ بِدَارِ الْحَرْبِ ) أَيْ وَالسَّبْيُ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ أَوْ نَفَقَةَ الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ ) لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى الْحَاصِلِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا إلَّا إذَا أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمُدَّعِي أَوْ كَانَ سَبَبًا لَا يَتَكَرَّرُ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ التَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ هُوَ الْأَصْلُ إلَّا إذَا عَرَضَ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى الْعِلْمِ لَوْ وَرِثَ عَبْدًا فَادَّعَاهُ آخَرُ ) أَيْ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا وَرِثَ عَبْدًا وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ لَهُ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَعْلَمُ بِمَا فَعَلَ الْمُوَرِّثُ فَيَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ فَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ وَهُوَ مُحِقٌّ ظَاهِرًا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى الْبَتَاتِ لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ ) يَعْنِي يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ إنْ كَانَ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِشِرَائِهِ إيَّاهُ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالشِّرَاءَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَمُبَاشَرَتِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُمَلَّكِ لَهُ لَمَا بَاشَرَ السَّبَبَ ظَاهِرًا فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِاخْتِيَارِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ التَّفَحُّصِ ظَاهِرًا فَيُطْلَقُ لَهُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ فَإِذَا امْتَنَعَ عَمَّا أُطْلِقَ لَهُ يَكُونُ بَاذِلًا أَمَّا الْوَارِثُ ، فَإِنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الْمِلْكِ وَلَا يَدْرِي مَا فَعَلَ الْمُوَرِّثُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُطْلَقُ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْيَمِينُ لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ وَمَتَى وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ تَكُونُ عَلَى

الْبَتَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَلَّفَ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا فَحَلَّفَهُمْ عَلَى الْبَتَاتِ فِي الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُهُمْ وَفِي الثَّانِي عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِمْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَبْدَ آبِقٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي تَحْلِيفَ الْبَائِعِ ، فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ سَالِمًا عَنْ الْعُيُوبِ فَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْعِلْمِ إذَا قَالَ الْمُنْكِرُ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْعِلْمَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ : إنَّ الْوَدِيعَةَ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِادِّعَائِهِ الْعِلْمَ بِذَلِكَ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ حَتَّى يَسْقُطَ الْيَمِينُ عَنْهُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ آكَدُ فَيُعْتَبَرُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً إلَخْ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْن أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى دَارًا فِي جِوَارِهِ وَأَنَّهُ يُطَالَبُ بِالشُّفْعَةِ فِيهَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ فَأَرَادَ إسْمَاعِيلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت فَقَالَ قَدْ يَشْتَرِي الْإِنْسَانُ وَيُسْقِطُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك شُفْعَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي الْحَالِ فَقَالَ الْمُدَّعِي إنَّ هَذَا يَعْتَقِدُ أَنَّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، فَإِنْ اسْتَحْلَفْته تَأَوَّلَ ذَلِكَ فَقَالَ إسْمَاعِيلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَكَمْتُ عَلَيْك بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك شُفْعَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي الْحَالِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا ) أَيْ كَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ الْمُشْتَرِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمُبَاشَرَتُهُ ) خَرَجَ بِهَذَا الْإِرْثُ ، فَإِنَّهُ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ لَكِنْ لَيْسَ بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَمُبَاشَرَتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ ) أَيْ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَبَضَ الْمُوَكِّلُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ صَحَّ وَلَمْ يَحْلِفْ بَعْدَهُ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ فَقِيلَ أَلَا تَحْلِفُ وَأَنْتَ صَادِقٌ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرٌ يَمِينِي فَيُقَالُ هَذَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ الْكَاذِبَةِ وَقِيلَ كَانَ لَهُ عَلَى مِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ سَبْعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَقْرَضَهَا إيَّاهُ فَقَضَاهُ مِنْهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلَمْ يَحْلِفْ وَلِأَنَّ بِالِافْتِدَاءِ صِيَانَةَ عِرْضِهِ وَهُوَ مُسْتَحْسَنٌ عَقْلًا وَشَرْعًا ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ذُبُّوا عَنْ أَعْرَاضِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ } وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إيَّاكَ وَمَا يَقَعُ عِنْدَ النَّاسِ إنْكَارُهُ ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ وَلِأَنَّ الْمُنْكِرَ يَدْفَعُ بِهِ الْخُصُومَةَ وَتُهْمَةَ الْكَذِبِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ أَوْ عِوَضٌ عَنْهُ فَيَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ مَالًا كَالْقِصَاصِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِعَقْدٍ وَاحِدٍ جِهَتَانِ كَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَمَا يُعْطَى مِنْ الثَّمَنِ بَدَلُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي زَعْمِ الْبَائِعِ وَهُوَ فِدَاءٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَعْتِقَ الْعَبْدُ وَكَمَا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْإِنْكَارِ ، فَإِنَّهُ بَدَلُ حَقِّهِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَلِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ ثُمَّ لَمَّا أَبْطَلَ حَقَّهُ فِي الْيَمِينِ فِي لَفْظِ الصُّلْحِ وَالْفِدَاءِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى يَمِينَهُ بِمَالٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ فَبَطَلَ وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الْيَمِينِ عَلَى حَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ إلَخْ ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمَالَ فَيَفْتَدِي يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَالَ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى ذَلِكَ الْيَمِينِ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَهُ مِنْ يَمِينِهِ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَمَّا جَوَازُ الِافْتِدَاءِ فَلِمَا إلَخْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَالِافْتِدَاءُ قَدْ يَكُونُ بِمَالٍ مِثْلَ الْمُدَّعَى أَوْ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى وَالصُّلْحُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى فِي الْغَالِبِ لِأَنَّ الصُّلْحَ يُنْبِئُ عَنْ الْحَطِيطَةِ وَكِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ كَانَ عَلَى مِقْدَادٍ ) كَانَ لِعُثْمَانَ عَلَى الْمِقْدَادِ سَبْعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَادَّعَى أَنَّهُ أَوْفَاهَا لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ ) تَمَامُهُ فَلَيْسَ كُلُّ سَامِعٍ نُكُرًا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُوسِعَهُ عُذْرًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ والمرغيناني وَالْمَحْبُوبِيَّ ا هـ مِعْرَاجٌ

( بَابُ التَّحَالُفِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ ) أَيْ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ إذْ الْبَيِّنَةُ مُبَيِّنَةٌ كَاسْمِهَا فَبَقِيَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا إذْ هِيَ مُتَعَدِّيَةٌ حَتَّى تُوجِبَ الْقَضَاءَ عَلَى الْقَاضِي فَلَا يُعَارِضُهَا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ ) أَيْ إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ وَلَا مُعَارَضَةَ فِي قَدْرِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَلَا فِي الزِّيَادَةِ فَيَجِبُ كُلُّهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى فِي الثَّمَنِ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى فِي الْمَبِيعِ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي النِّهَايَةِ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَبْدِك هَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ وَالْأُخْرَى تَنْفِيهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ

( بَابُ التَّحَالُفِ ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ ) أَيْ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ ا هـ هِدَايَةً ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ ) يَعْنِي ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْعَيْنَ بِعَشْرَةٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَهَا بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ أَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُرَّيْنِ بِعَشَرَةٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَ الْكُرَّ بِعَشَرَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى فَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى ا هـ غَايَة ( قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا ) أَيْ فِي قَدْرِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى فِي الْمَبِيعِ ) صُورَتُهُ مَا قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَحْدَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ مَعَ هَذَا الْعَبْدِ بِخَمْسِينَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِهِمَا جَمِيعًا لِلْمُشْتَرِي بِمِائَةِ دِينَارٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَتْ بَيِّنَتُهُ زِيَادَةً فَتُقْبَلُ فِي حَقِّ تِلْكَ الزِّيَادَةِ ا هـ غَايَةً ( قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ إلَخْ ) هَذَا الْفَرْعُ وَقَعَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْأُخْرَى تَنْفِيهِ ) أَمَّا حَقُّ الْمُشْتَرِي فَثَابِتٌ فِي الْجَارِيَةِ بِاتِّفَاقِهِمَا فَلَمْ تُثْبِتْ بَيِّنَتُهُ لَهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَجَزَا وَلَمْ يَرْضَيَا بِدَعْوَى أَحَدِهِمَا تَحَالَفَا ) أَيْ إنْ عَجَزَا عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَرْضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمَا قَالَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ مَا قِيلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ تَرْضَى بِمَا قَالَهُ صَاحِبُك وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ عَلَيْك تَحَالَفَا وَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَهَذَا طَرِيقٌ فِيهِ فَلَعَلَّهُمَا يَرْغَبَانِ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْفَسْخِ فَيَرْضَيَانِ بِهِ إذَا عَلِمَا ذَلِكَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ عَلَيْك ) فَيُغَالِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا وَفِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَسَخْنَا وَفِي صُورَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِيهِمَا يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ذُكِرَ لَهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا إذْ هُوَ الْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ أَوَّلًا فَيُنْكِرُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ فَيَكُونُ بَادِئًا بِالْإِنْكَارِ وَعِنْدَ نُكُولِهِ يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ كَمَا نَكَلَ مِنْ غَيْرِ تَأَخُّرٍ فَيَتَعَجَّلُ بِهِ فَائِدَةَ الْيَمِينِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ أَوْ الْبَذْلُ عِنْدَ النُّكُولِ وَبِنُكُولِ الْبَائِعِ تَتَأَخَّرُ الْفَائِدَةُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَتَأَخَّرُ إلَى زَمَانِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُمْسِكُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَانَ مَا يُتَعَجَّلُ بِهِ فَائِدَتُهُ أَوْلَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ } خَصَّهُ بِالذِّكْرِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِيَمِينِهِ فَإِنْ تَقَاصَرَ عَنْ إفَادَتِهِ فَلَا يَتَقَاصَرُ عَنْ إفَادَةِ التَّقْدِيمِ وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْبُدَاءَةِ هَذَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ وَإِنْ بَاعَ ثَمَنًا بِثَمَنٍ أَوْ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ بَدَأَ الْقَاضِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي فَائِدَةِ النُّكُولِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي ) هَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ زُفَرَ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ } وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْبَائِعِ وَهَلَاكُهُ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَانَ تَقْدِيمُ مَنْ فِي حَبْسِهِ الْمَبِيعُ أَوْلَى ا هـ غَايَةً وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ وَهِيَ أَنَّ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ ابْتَدَأَ بِالْخُصُومَةِ وَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ اُبْتُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ ابْتَدَأَ بِالدَّعْوَى اُبْتُدِئَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي ا هـ غَايَةً ( قَوْلُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي فَائِدَةِ النُّكُولِ ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا نَكِلَ لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ شَيْءٍ فِي الْحَالِ ا هـ غَايَةً

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفَسَخَ الْقَاضِي بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا } وَلِأَنَّهُمَا لَمَّا حَلَفَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ أَوْ بِلَا بَدَلٍ فَيُفْسَخُ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَاسِدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِيهِ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ وَطْءَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ يَحِلُّ بَعْدَ التَّحَالُفِ قَبْلَ فَسْخِ الْقَاضِي الْمَبِيعَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ يَنْفَسِخُ لَمَا حَلَّ وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَيَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِمَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ بِضَمِّ الْإِثْبَاتِ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي الْقَسَامَةِ بِقَوْلِهِمْ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَهُوَ النَّافِي فَيَحْلِفُ عَلَى هَيْئَةِ النَّفْيِ إشْعَارًا بِأَنَّ الْحَلِفَ وَجَبَ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْكِرٌ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ وَيَدَّعِي زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَحَدِهِمَا فَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي زِيَادَةَ الْبَدَلِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَالْمُنْكِرُ مِنْهُمَا يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ تَسْلِيمِهِ الْبَدَلَ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَصَارَا مُدَّعِيَيْنِ وَمُنْكِرَيْنِ فَتُقْبَلُ

بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فَظَاهِرٌ وَهُوَ قِيَاسٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقَابِضَ مِنْهُمَا لَا يَدَّعِي شَيْئًا عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ وَلَكِنْ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا }

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَسَخَ الْقَاضِي إلَخْ ) قَالَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْيَمِينِ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا انْتَفَى الثَّمَنَانِ فَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيَفْسُدُ فَيَنْقَضِ الْعَقْدُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَنْقُضُ الْقَاضِي فِيمَا بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَا أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي النَّقْضَ فَإِمَّا بِدُونِ الطَّلَبِ لَا يَنْقُضُ وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اللِّعَانِ وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا فَرَغَا مِنْ اللِّعَانِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا سَوَاءً طَلَبَا مِنْ الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَطْلُبَا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَحِلِّ قَدْ ثَبَتَتْ شَرْعًا عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا } وَهَذِهِ الْحُرْمَةُ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى طَلَبِ الْعَبْدِ وَأَمَّا الْعَقْدُ وَفَسْخُ الْعَقْدِ حَقُّهُمَا فَشَرْطُ طَلَبِ الْعَبْدِ لِهَذَا وَقَالَ الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي وَإِنْ حَلَفَا لَمْ يَنْقُضْ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَطْلُبَا ذَلِكَ أَوْ يَطْلُبَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ الْفَسْخَ حَقٌّ لَهُمَا بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا } ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا ) يَعْنِي إذَا اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَحَلَفَا فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا مَا نَصَّهُ حَتَّى لَوْ رَضِيَا بِتَرْكِ الدَّعْوَى لَا يُفْسَخُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَاسِدٍ ) أَيْ وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْفَسْخِ ا هـ غَايَةً ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِتَعْلِيلِ اشْتِرَاطِ طَلَبِ أَحَدِهِمَا الْفَسْخَ مَعَ أَنَّ رَفْعَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ وَوَجْهُ اشْتِرَاطِهِ أَنَّ الْفَسَادَ هُنَا وَقَعَ بَعْدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً

ابْتِدَاءً ا هـ ( قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْيَمِينِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا صِفَةُ التَّحَالُفِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَوْضُوعُ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ عِنْدَنَا إلَّا بِالنَّفْيِ فَلَوْ جَمَعْنَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لَتَضَمَّنَتْ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ تَأْكِيدٌ لِلنَّفْيِ وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مَوْضُوعُهَا النَّفْيُ وَيُضَمُّ إلَيْهَا الْإِثْبَاتُ عَلَى طَرِيقِ التَّأْكِيدِ فَيَقُولُ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَهَذَا وَارِثُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ جَوَابًا عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ زُفَرُ وَإِنَّمَا خُصَّ الْبَائِعُ بِالذَّكَرِ لِأَنَّ يَمِينَ الْمُشْتَرِي مَعْلُومَةٌ لَا يُشْكِلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَسَكَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبَيَّنَ مَا يُشْكِلُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ بَيَانُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ ) أَيْ وُضِعَتْ لَا عَلَى الْإِثْبَاتِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ ) لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِهِ أَوْ بَاذِلًا فَلَزِمَهُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ بِدُونِ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْبَذْلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا بِانْفِرَادِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي التَّحَالُفِ إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْبَذْلِ مَقْصُودًا وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ نَحْوُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ سَمْنًا فِي زِقٍّ وَوَزْنُهُ مِائَةُ رَطْلٍ ثُمَّ جَاءَ بِالزِّقِّ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَوَزْنُهُ عِشْرُونَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا زِقِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ زِقُّك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ رَطْلٍ ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ فَجَعَلَ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ وَفِيهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي نَفْسِ الْقَبْضِ وَالْمَقْبُوضِ فَكَذَا فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَزْدَادُ بِنُقْصَانِ الزِّقِّ وَيَنْقُصُ بِزِيَادَتِهِ فَالْبَائِعُ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي إيجَابِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَقَعَ مُقْتَضَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ ) قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ مَقْبُوضَةٌ كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَعْوَى الْبَائِعِ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَاهُ وَهُوَ الْبَيْعُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ آنِفًا وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ النُّكُولَ فِي مَعْنَى الْبَذْلِ وَبَذْلُ الْأَعْوَاضِ صَحِيحٌ فَإِذَا كَانَ النَّاكِلُ بَاذِلًا لَمْ تَبْقَ دَعْوَاهُ مُعَارِضَةً لِدَعْوَى صَاحِبِهِ فَيَثْبُتُ دَعْوَى صَاحِبِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِض ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ) أَيْ النُّكُولَ ا هـ ( قَوْلُهُ نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ سَمْنًا فِي زِقٍّ إلَخْ ) هَذَا الْفَرْعُ مَذْكُورٌ فِي مَتْنِ الْكَنْزِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَرَاجِعْ الْحَاشِيَةَ الَّتِي فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ نَقْلًا عَنْ الْكَمَالِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي لَوْ فِي الرُّؤْيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَذَا فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ ) يَعْنِي الْقَوْلُ فِيهِ لِلْقَابِضِ هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ حَيْثُ قَالَ وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ لِلْقَابِضِ فَلْيُرَاجَعْ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ إقَالَةِ السَّلَمِ لَمْ يَتَحَالَفَا ) وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ أَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَلِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَلُّ الْعَقْدُ بِانْعِدَامِهِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ التَّحَالُفُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ لَا غَيْرُ لِكَوْنِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ لَهُ أَلَا تَرَى أَنْ لِلثَّمَنِ وُجُودًا بِدُونِهِ وَكَذَا مُسْتَحِقُّهُمَا مُخْتَلَفٌ فَإِنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْبَائِعِ وَالْأَجَلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِلثَّمَنِ لَكَانَ حَقَّ الْبَائِعِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَتَحَالَفَانِ فِي الْأَجَلِ إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ أَوْ قَدْرِهِ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ مَالِيَّةِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْمُؤَجَّلَ أَنْقَصُ مِنْ الْحَالِ فِي الْمَالِيَّةِ وَلِأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ التَّحَالُفَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلَمْ يُفَصِّلْ قُلْنَا وُجُوبُ التَّحَالُفِ مُعَلَّقٌ بِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعِ فَيَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْعُ وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ لَا بِالْأَجَلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِوَصْفٍ لِلثَّمَنِ إذْ لَوْ كَانَ وَصَفًّا لَهُ لَذَهَبَ عِنْدَ ذَهَابِهِ إذْ الشَّيْءُ لَا يَبْقَى بِدُونِ وَصْفِهِ وَفُرِّقَ بَيْنَ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ جَعَلَ هُنَاكَ الْقَوْلَ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْأَجَلَ وَجَعَلَ الْقَوْلَ هُنَا لِمُنْكِرِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي السَّلَمِ وَتَرْكُهُ فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَإِقْدَامُهُمَا عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِنَافِيهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى ثَلَاثٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرُ الْخِيَارَ وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِلثَّمَنِ لِمَا قَبْلُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْبَيْعِ أَوْ فِي مَكَانِ إيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا انْفَرَدَ فِي إنْكَارِ أَصْلِ الْبَيْعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبُيُوعِ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ لَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا } مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَالْمُرَادُ بِاشْتِرَاطِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ التَّنْبِيهُ عَلَى عَدَمِ سُقُوطِهِ فِي حَالَةٍ أَدْنَى مِنْهَا كَأَنَّهُ يَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَحَالَفَا وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَمْيِيزُ الصَّادِقِ مِنْ الْكَاذِبِ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً بِتَحْكِيمِ قِيمَتِهَا فِي الْحَالِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَإِذَا كَانَ يَجْرِي

التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا مَعَ إمْكَانِ الْمَعْرِفَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَجْرِيَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ إذْ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُقَايَضَةً فَهَلَكَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ وَفِي التَّحَالُفِ فَائِدَةٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ مَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي أَوْ سُقُوطِ الثَّمَنِ كُلِّهِ عَنْ الْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ نُكُولِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَ أَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا } بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قَائِمَةً وَمَا رَوَيَاهُ مِنْ الْمُطْلَقِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُ التَّرَادِّ فِيهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّرَادَّ يَكُونُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْهَالِكِ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا كَانَ الرَّاوِي لَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا بِالْإِجْمَاعِ وَيُحَالُ تَرْكُ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَيْدَ إلَى غَفْلَتِهِ وَقِلَّةِ ضَبْطِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الرَّاوِيَانِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ يُتْرَكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَمَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُنَا يَرْوِيهِمَا ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُؤْخَذُ بِالْمُقَيَّدِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالتَّحَالُفُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى حَالِ هَلَاكِ السِّلْعَةِ

لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ إذْ لَا يَعُودُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى رَأْسِ مَالِهِ وَلَا يَدَّعِي الْمُشْتَرِي فِيهِ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ بِالتَّحَالُفِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَالْفَسْخُ يُرَدُّ عَلَى عَيْنِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُهُ كَالْعَقْدِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ وَلَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمَا إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ بِأَلْفَيْنِ وَأَنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ يَصِيرُ بِأَلْفَيْنِ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَبِخَمْسِمِائَةٍ بِالْحَطِّ وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَحَدُهُمَا لَا لِاخْتِلَافِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّنَانِيرَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ وَإِنْكَارُهُ صَحِيحٌ وَكَذَا دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِثَمَنٍ فَكَانَ دَعْوَاهُ الثَّمَنَ دَعْوَى الْمَبِيعِ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَى أَلْفٍ وَهُوَ يَكْفِي لِلصِّحَّةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً جَازَ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَالُفِ وَلَوْ كَانَ مُخْتَلِفًا لَمَا صَحَّ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا هِبَةً وَالْآخَرُ بَيْعًا لِاخْتِلَافِهِمَا حَقِيقَةً وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْبَيْعُ قَائِمًا بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِيهِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ فَإِذَا كَانَ بَاقِيًا رَدَّهُ وَرَدَّ الْآخَرُ مِثْلَ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَإِلَّا فَقِيمَتَهُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي التَّحَالُفِ هُنَا فَائِدَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْفَسْخِ أَنْ لَا يُسَلَّمَ

لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْعِوَضُ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُنَا يُسَلَّمُ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ كَمَا يُسَلَّمُ لَهُ بِالثَّمَنِ إذَا لَمْ يُفْسَخْ فَلَا يُعْتَدُّ بِاخْتِلَافِ سَبَبِ السَّلَامَةِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ كَمَنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ فَقَالَ الْمَقَرُّ لَهُ هِيَ غَصْبٌ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْتَنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ وَقَالَ مَا بِعْتُكَهَا وَإِنَّمَا زَوَّجْتُكَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ خِلَافُ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ وَكَذَا لَا يَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ بِالْفَسْخِ عَيْنُ مَالِهِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَلَا يَكُونُ فِي الْفَسْخِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْفَائِدَةِ هُوَ عَوْدُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ إلَى صَاحِبِهِ لَا أَيُّ فَائِدَةٍ كَانَتْ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصُورَتُهُ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِيهَا لَا يَتَحَالَفَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ وَجَعَلَ هَذَا فِي النِّهَايَةِ لَفْظَ الْمَبْسُوطِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْمَيِّتِ شَيْئًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ فِي الْهَالِكِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي ثَمَنِهِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيهِمَا وَيُرَدُّ الْحَيُّ وَقِيمَةُ الْهَالِكِ لِأَنَّ

هَلَاكَ كُلِّ السِّلْعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ امْتِنَاعَ التَّحَالُفِ لِلْهَلَاكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَالسِّلْعَةُ اسْمٌ لِجَمِيعِهَا فَلَا تَبْقَى السِّلْعَةُ بَعْدَ فَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَالُفُ فِي الْقَائِمِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَى قِيمَتِهِمَا وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّحْلِيفِ مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَيِّ وَيَخْرُجُ الْهَالِكُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَكُونُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى هَذَا فَيَتَحَالَفَانِ فَإِنْ حَلَفَا فُسِخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَأَخَذَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ وَلَا مِنْ قِيمَتِهِ شَيْئًا وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَدَمُ التَّحَالُفِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُهُ لَمْ يَتَحَالَفَا وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ وَأَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَمِينُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَتَكَلَّمُوا أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ إلَى مَاذَا يَنْصَرِفُ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ الْحَيَّ مِنْهُمَا صُلْحًا عَمَّا يَدَّعِيهِ قَبْلَ الْمُشْتَرِي مِنْ الزِّيَادَةِ وَيُجْعَلُ صُلْحُهُمَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ كَصُلْحِهِمَا عَلَى عَبْدٍ آخَرَ وَصَارَ تَقْدِيرُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ

قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعُ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا آخَرَ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده هَذَا لَا يَقْوَى لِأَنَّ الْأَخْذَ مُعَلَّقٌ بِمَشِيئَةِ الْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ أَخَذَ الْحَيَّ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَكَانَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ لَيْسَ فِي هَذَا الْأَخْذِ فَائِدَةٌ لَهُ أَيْضًا وَلَا يَحْتَمِلُهَا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ لِأَنَّ تَرْكَ حِصَّةِ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يُقَابِلُهُ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ ثُمَّ قَالَ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْصَرِفٌ إلَى التَّحَالُفِ وَصَارَ تَقْدِيرُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْمَيِّتِ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ التَّحَالُفُ دُونَ يَمِينِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ صَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْمَذْكُورِ أَوْلَى وَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا بَلْ يَنْصَرِفُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْمَيِّتِ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ لَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَعْرَضَ عَنْ دَعْوَاهُ لَا مَعْنَى لِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي عَدَمِ الْفَائِدَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الْإِمَامُ الْكَيْسَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْخُذُ الْبَائِعُ فِي حَقِّ الْهَالِكِ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ إنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ يُنْكِرُ مَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ مِنْ الزِّيَادَةِ فَإِذَا تَرَكَ الْبَائِعُ دَعْوَى الزِّيَادَةِ وَأَخَذَ الْحَيَّ وَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِحْلَافِ الْمُشْتَرِي وَالصَّحِيحُ هُوَ تَرْكُ دَعْوَى الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ لَا تَرْكُ ثَمَنِ الْهَالِكِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَتْرُكُ ثَمَنَ الْهَالِكِ كُلَّهُ

وَإِنَّمَا يَتْرُكُ الزَّائِدَ عَلَى مَا يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا شَيْئًا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفًا إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى التَّحَالُفِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّحَالُفِ وَهُوَ الْهَالِكُ قَدْ زَالَ بِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا فَصَارَ كَأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْحَيُّ وَحْدَهُ أَوْ بِرِضَاهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ فَلَمْ يَبْقَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي ثَمَنِ الْحَيِّ فَيَتَحَالَفَانِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ ثُمَّ تَفْسِيرُ التَّحَالُفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْهَلَاكَ عِنْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا حَيَّانِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَحَالَفَانِ عَلَى الْقَائِمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ دُونَ الْهَالِكِ لِأَنَّ التَّحَالُفَ لِلْفَسْخِ وَالْفَسْخَ لَا يُرَدُّ عَلَى الْهَالِكِ وَهَذَا لَا يَقْوَى لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَى الْقَائِمَ بِأَلْفٍ يَكُونُ صَادِقًا لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ مَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ كَانَ صَادِقًا فَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ الْحَلِفِ فَلَمْ يُفِدْ التَّحَالُفُ فَائِدَتَهُ وَالصَّحِيحُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُمَا بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ وَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفْ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ حَلَفَ فُسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا فِي الْقَائِمِ وَسَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُقْسِمُ عَلَى قِيمَتِهِمَا يَوْمَ الْقَبْضِ فَمَا أَصَابَ الْحَيَّ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الْهَالِكَ لَزِمَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ

الْهَالِكِ فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ لِأَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ السُّقُوطِ بِدَعْوَى قِلَّةِ قِيمَةِ الْهَالِكِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبٍ وَهَلَكَ الْآخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي سَقَطَ عَنْهُ ثَمَنُ مَا رَدَّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ وَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ كُلِّ الثَّمَنِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ السُّقُوطِ بِدَعْوَاهُ أَنَّ قِيمَةَ الْهَالِكِ أَقَلُّ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ أَيْضًا وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَيْمَانَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَقِيقَةُ لِأَنَّهَا تَتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَهُمَا يَعْرِفَانِ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَيْهَا وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ حَقِيقَةً فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَفِي الْبَيِّنَاتِ يُعْتَبَرُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَعْلَمَانِ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فَاعْتُبِرَ الظَّاهِرُ فِي حَقِّهِمَا وَالْبَائِعُ مُدَّعٍ ظَاهِرًا فَلِهَذَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا وَتَرَجَّحَتْ بِالزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا رَضِيَ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا إذَا هَلَكَ بَعْضُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَهُ

يَتَحَالَفَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا لَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبٍ لِأَنَّ الْكُلَّ يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ التَّعْلِيلَ بِأَنَّ السِّلْعَةَ اسْمٌ لِجَمِيعِهَا غَيْرُ سَدِيدٍ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَدَّعِي بَدَلًا زَائِدًا وَالْعَبْدَ يُنْكِرُهُ وَالْعَبْدَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ عَلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَدَاءِ مَا يُقِرُّ بِهِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَهُوَ قَبْلَ الْقَبْضِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ مُقَابِلٌ بِفَكِّ الْحَجَرِ وَهُوَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَالْيَدُ لِلْحَالِ وَقَدْ سُلِّمَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ وَلَا يَدَّعِي عَلَى مَوْلَاهُ شَيْئًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَحَالَفَانِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُقَابِلًا بِالْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَهُ لَا يُقَابِلُهُ أَصْلًا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ أَنَّهُ اخْتِلَافٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا نَظِيرُ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَكَذَا الْكِتَابَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ صُورَةً وَمَعْنًى لِأَنَّ صُورَةَ الْبَيْعِ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّضْيِيقِ وَالْكِتَابَةُ بِخِلَافِهِ وَالْبَيْعُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالْكِتَابَةُ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ فَلَا تَكُونُ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَتَحَالَفَانِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَالْمَصِيرُ إلَى التَّحَالُفِ فِيهِ مُفِيدٌ حَتَّى

إذَا نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمُكَاتِبَ إذَا نَكَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالتَّعْجِيزِ وَالدَّيْنُ فِيهِ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى لَا تَجُوزَ الْكَفَالَةُ بِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكُلَّ مَالُ الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَإِذَا انْعَدَمَ التَّحَالُفُ وَجَبَ اعْتِبَارُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَدَّى قَدْرَ مَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْحُرِّيَّةَ لِنَفْسِهِ عِنْدَ أَدَاءِ هَذَا الْقَدْرِ فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ يَعْتِقُ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَرْتَفِعُ بَعْدَ النُّزُولِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ وَأَمَّا إذَا اُخْتُلِفَ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ إقَالَةِ السَّلَمِ فَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَيْسَ بِبَيْعٍ بَلْ هُوَ إبْطَالٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ رَبَّ السَّلَمِ لَا يَمْلِكُ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِالْإِقَالَةِ بَلْ يَسْقُطُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ حَتَّى يَتَحَالَفَا فَاعْتُبِرَ فِيهِ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ حَقِيقَةً فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّحَالُفِ فَسْخُ الْعَقْدِ حَتَّى يَعُودَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى رَأْسِ مَالِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَالتَّحَالُفُ فِي الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ لَا يُفِيدُ هَذَا الْمَقْصُودَ وَهُوَ فَسْخُ الْإِقَالَةِ

لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي السَّلَمِ بَعْدَ نَفَاذِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ قَالَا نَقَضْنَا الْإِقَالَةَ لَا تُنْتَقَضُ وَكَذَا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا فَقَبَضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ لَا يَعُودُ السَّلَمُ فَكَذَا بِالتَّحَالُفِ لَا تَنْتَقِضُ الْإِقَالَةُ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ حَيْثُ تَنْتَقِضُ بِهَذِهِ النَّوَاقِضِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ سَقَطَ بِالْإِقَالَةِ فَلَوْ انْفَسَخَتْ الْإِقَالَةُ لَكَانَ حُكْمُ انْفِسَاخِهَا عَوْدَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالسَّاقِطُ لَا يَحْتَمِلُ الْعُودَ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ عَيْنٌ فَأَمْكَنَ عَوْدُهُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ ) ذِكْرُ الْبَعْضِ لَيْسَ بِقَيْدٍ إذْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ كُلِّ الثَّمَنِ كَذَلِكَ يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لَا غَيْرُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْإِبْرَاءِ ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَا فِي حَطِّ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ إبْرَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا فَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ ا هـ ( قَوْله وَلِهَذَا لَا يَخْتَلُّ الْعَقْدُ بِانْعِدَامِهِ ) أَيْ بِانْعِدَامِ الْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ ) أَعْنِي فِي جُودَتِهِ أَوْ رَدَاءَتِهِ ا هـ غَايَةً ( قَوْلُهُ وَجِنْسِهِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمُ وَالْآخَرُ دَنَانِيرُ ا هـ غَايَةً ( قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَخْ ) وَالتَّحْقِيقُ هُنَا أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّحَالُفَ شُرِعَ بِالنَّصِّ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ إذَا أَمْكَنَ الْفَسْخُ بَعْدَ التَّحَالُفِ لِيُتَوَصَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى رَأْسِ مَالِهِ إذَا لَمْ يَصِلْ لَهُ مَا ادَّعَى قِبَلَ صَاحِبِهِ وَهَذَا مُمْكِنٌ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ لِأَنَّهُمَا إذَا تَحَالَفَا لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْ الثَّمَنَيْنِ أَوْ الْمُثَمَّنَيْنِ فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ وَهُوَ فَاسِدٌ فَيَجِبُ الرَّدُّ وَالْمُتَارَكَةُ بِسَبَبِ الْفَسَادِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ زَائِدٍ وَهُوَ الْأَجَلُ وَالْخِيَارُ فَإِذَا تَحَالَفَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ يَبْقَى صَحِيحًا بِدُونِهِ كَمَا لَوْ عَقَدَ الْبَيْعَ بِدُونِهِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُفْسَخَ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَثَمَرَةُ التَّحَالُفِ الْفَسْخُ فَلَا تَحَالُفَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُؤَدِّي إلَى الْفَسْخِ وَيُعَلَّلُ أَيْضًا لِخِيَارِ الشَّرْطِ فَنَقُولُ نَوْعُ خِيَارٍ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بُيُوعِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ مَتَى اخْتَلَفَا فِي

الْمَمْلُوكِ بِالْعَقْدِ يَتَحَالَفَانِ وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي الْمَمْلُوكِ بِالشَّرْطِ لَمْ يَتَحَالَفَا أَوْ نَقُولُ مَتَى اخْتَلَفَا فِي كَلِمَةِ الْعَقْدِ تَحَالَفَا وَمَتَى لَمْ يَخْتَلِفَا فِي كَلِمَةِ الْعَقْدِ لَمْ يَتَحَالَفَا وَالْأَجَلُ مَمْلُوكٌ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ فِي كَلِمَةِ الْعَقْدِ وَالثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ مَمْلُوكٌ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مِنْ كَلِمَةِ الْعَقْدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي أَجَلِ الثَّمَنِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي أَصْلِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي مُضِيِّهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا وَالْبَيِّنَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُضِيِّ وَالْقَدْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُضِيِّ وَفِي الْقَدْرِ قَوْلُ الْبَائِعِ فَيَجْعَلُ شَهْرًا لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا فَأَمَّا إذَا كَانَ دَيْنًا يَعْنِي السَّلَمَ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ وَالتَّرَادَّ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَمْلُوكِ بِالشَّرْطِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَحَالَفَانِ وَيُتَرَادَّانِ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ فَالِاخْتِلَافُ كَالِاخْتِلَافِ فِي صِفَةِ السَّلَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ إلَخْ ) ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي أَجَلِ السَّلَمِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ وَفِي مُضِيِّهِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مُدَّعِي الْأَجَلِ هُوَ رَبُّ السَّلَمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَيَجُوزُ السَّلَمُ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِي الْأَجَلِ

هُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا وَيَجُوزُ السَّلَمُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ وَيَفْسُدُ الْمُسْلَمُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالْبَيِّنَةُ أَيْضًا بَيِّنَتُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَمُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ فِي الْقَدْرِ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ وَالْقَوْلُ فِي الْمُضِيِّ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْضِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي دَعْوَى التَّأْجِيلِ مُصَدَّقٌ كَرَبِّ السَّلَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ) أَيْ وَيُقْضَى بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي إذْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَمْر بِالتَّحَالُفِ وَالْفَسْخِ عَلَى قِيمَتِهِ وَجَعَلَا الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السِّلْعَةَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً يَتَحَالَفَانِ سَوَاءً كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ فِي تَحْلِيفِ الْبَائِعِ عِنْدَنَا لَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ وَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ ا هـ قَوْلُهُ أَوْ فِي الثَّمَنِ أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ا هـ شَرَحَهُ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ ) أَيْ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي هَلَاكٌ حُكْمًا وَالْهَلَاكُ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قَائِمَةً ) أَيْ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ) أَيْ

قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ ا هـ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَدَمُ التَّحَالُفِ ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ مُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ التَّحَالُفِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَحْلِفَ ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَتَكَلَّمُوا أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَصَارَ تَقْدِيرُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا آخَرَ ) أَيْ لَا مِنْ قِيمَةِ الْهَالِكِ وَلَا مِنْ ثَمَنِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَانَ صَادِقًا ) أَيْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت الْقَائِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي كَانَ صَادِقًا ا هـ قَوْلُهُ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَيْهَا ) أَيْ لِئَلَّا يَلْزَمُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَسَمِ بِجَهَالَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَعْلَمَانِ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ ) أَيْ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِي الْوَاقِعِ عَلَى خِلَافِ مَا ظَهَرَ عِنْدَهُمَا بِهَزْلٍ أَوْ تَلْجِئَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ تَحَالَفَا ) مَعْنَاهُ إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ مَا تَقَايَلَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ وَيَعُودُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ الْقَبْضِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ لِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ فَيَتَعَدَّى إلَى الْإِقَالَةِ كَمَا يَتَعَدَّى إلَى الْإِجَارَةِ وَإِلَى الْوَارِثِ وَإِلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ غَيْرُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَلَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُولًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًاقَوْلُهُ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ غَيْرُ الْمُشْتَرِي ) أَيْ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي بَقَاءَ الْعَقْدِ وَأَخْذَهُ الْقِيمَةَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ قَضَى لِمَنْ بَرْهَنَ ) أَيْ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا وَهِيَ كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلْمَرْأَةِ ) أَيْ إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ فَكَانَتْ أَوْلَى هَذَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ يَشْهَدُ لِلزَّوْجِ بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا يَدَّعِي الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلزَّوْجِ وَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ تُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَكَانَتْ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ يَشْهَدُ لَهَا بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا تَدَّعِيهِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَشْهَدُ لَهَا وَلَا لَهُ بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَتَهَاتَرَانِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَبَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ الْحَطَّ فَلَا تَكُونُ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَجَزَا ) أَيْ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ( تَحَالَفَا وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ ) لِأَنَّ يَمِينَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَفِي بِهِ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ مِنْ التَّسْمِيَةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِلَا تَسْمِيَةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلنِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بَلْ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَقَضَى بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ وَبِقَوْلِهَا لَوْ كَانَ كَمَا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ وَبِهِ لَوْ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيَنَ مَا قَالَتْهُ هِيَ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ هُوَ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى بِيَمِينِهِمَا التَّسْمِيَةُ اُحْتِيجَ إلَى تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيُقْضَى بِقَوْلِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ

مِمَّا ادَّعَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ هُوَ قُضِيَ بِذَلِكَ وَهَذَا تَخْرِيجُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَخْرِيجُ الرَّازِيّ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ أَوَّلًا فَيَجْعَلُ الْقَوْلَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ لِتَعْجِيلِ الْفَائِدَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مُفَصَّلًا فِي النِّكَاحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَتَحَالَفَانِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

( وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ تَحَالَفَا ) يَعْنِي قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ نَظِيرُ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَمُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ وَهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَإِنْ قِيلَ قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِلتَّحَالُفِ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْرَى فِيهَا التَّحَالُفُ قُلْنَا فِي الْمَعْدُومِ يُجْرَى التَّحَالُفُ كَمَا فِي السَّلَمِ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا قَائِمَةٌ ثُمَّ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَنْفَعَةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَنْفَعَةِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى فِي الْأُجْرَةِ وَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى فِي الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ فَمَا كَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا كَانَ أَوْلَى( قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ أَجَّرْتُك بِعَشَرَةٍ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بَلْ بِخَمْسَةٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَعْدَهُ لَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ ) أَيْ إنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ لَا يَتَحَالَفَانِ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّحَالُفِ الْفَسْخُ وَالْمَنَافِعُ الْمُسْتَوْفَاةُ لَا يُمْكِنُ عَقْدُ الْفَسْخِ فِيهَا فَامْتَنَعَ التَّحَالُفُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْهَلَاكَ إنَّمَا لَا يَمْنَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَبِيعِ لِمَا أَنَّ لَهُ قِيمَةً تَقُومُ مَقَامَهُ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا وَلَوْ جَرَى التَّحَالُفُ هُنَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَلَا قِيمَةَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَبِالْفَسْخِ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا عَقْدَ فَإِذَا امْتَنَعَ التَّحَالُفُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ( قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ عِنْدَهُ ) أَيْ التَّحَالُفَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْبَعْضُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ ) مَعْنَاهُ إذَا اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَنَافِعِ وَبَقَّى الْبَعْضَ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ حَتَّى يَمْتَنِعَ التَّحَالُفُ فِي الْمُسْتَوْفَى وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى الْكُلَّ وَيَجْرِي التَّحَالُفُ فِي الْبَاقِي وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا إذَا لَمْ يَسْتَوْفِ شَيْئًا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ فَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ التَّحَالُفَ فِيهِ عِنْدَهُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْبَاقِي فَكَذَا هُنَا وَهُمَا خَالَفَا أَصْلِهِمَا فِي الْمَبِيعِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ مِنْ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ فَلَوْ تَحَالَفَا لَا يَبْقَى الْعَقْدُ فَلَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ شَيْءٍ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَقْدَ فِي الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ فَيَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَقْدًا مُبْتَدَأً عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ التَّحَالُفِ فِي الْمَاضِي التَّعَذُّرُ فِيمَا بَقِيَ إذْ هُمَا فِي حُكْمِ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَيَتَحَالَفَانِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ التَّحَالُفُ فِيهِ عِنْدَهُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَإِذَا امْتَنَعَ فِي الْبَعْضِ امْتَنَعَ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةً كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا وَمِمَّا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ الْعِمَامَةُ وَالْقَبَاءُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالطَّيْلَسَانُ وَالسِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْكُتُبُ وَالْقَوْسُ وَالدِّرْعُ الْحَدِيدُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَمِمَّا يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ الْخِمَارُ وَالدِّرْعُ وَالْأَسَاوِرُ وَخَوَاتِمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهَا قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْيَدِ فِي الدَّعَاوَى بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ مِنْ جِهَتِهَا فَيَتَعَارَضَانِ فَتَرَجَّحَ بِالِاسْتِعْمَالِ مِنْ جِهَتِهَا وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا الْفُرُشُ وَالْأَمْتِعَةُ وَالْأَوَانِي وَالرَّقِيقُ وَالْعَقَارُ وَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَيِّ ) أَيْ إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْحَيُّ مِنْهُمَا مَعَ وَرَثَةِ الْآخَرِ كَانَ الْمَتَاعُ لِلْحَيِّ وَمُرَادُهُ مِنْ الْمَتَاعِ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَهُوَ الْمُشْكِلُ وَمَا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَهُوَ مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا وَلَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُشْكِلِ فَقَالَ يُدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ مِنْ

الْمُشْكِلِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مِثْلَ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لَهُ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهِمَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ حَتَّى تَقُومَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَهُ لِلزَّوْجِ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا وَلِلْبَاقِي مِنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَهُ لِلزَّوْجِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ مِنْهُ لِلْمَرْأَةِ قَدْرَ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِالْجِهَازِ عَادَةً فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا وَهُوَ أَقْوَى مِنْ ظَاهِرِ يَدِ الزَّوْجِ فَيَبْطُلُ بِهِ ظَاهِرُهُ وَلَا مُعَارِضَ فِي الْبَاقِي فَيُعْتَبَرُ وَلَهُمَا فِي الِاسْتِوَاءِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ فِي الْمُشْكِلِ بِالْمَوْتِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ فِي غَيْرِ الْمُشْكِلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ يَدَ الْبَاقِي مِنْهُمَا أَسْبَقُ إلَى الْمَتَاعِ لِأَنَّ الْوَارِثَ ثَبَتَتْ يَدُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَيَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ كَمَا يَقَعُ بِالصَّلَاحِيَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْيَدِ رُجْحَانًا مُطْلَقًا حَتَّى يُرَجَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ الصَّلَاحِيَّةِ وَلِأَنَّ يَدَ الْبَاقِي مِنْهُمَا يَدُ نَفْسِهِ وَيَدَ الْوَارِثِ خَلَفٌ عَنْ يَدِ الْمُوَرِّثِ فَلَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُشْكِلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالْبَاقِي مِثْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْهُ أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ

لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ إذْ هُمَا سَاكِنَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَالْبَيْتُ مَعَ مَا فِيهِ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالشُّبْهَةِ فِي الْخُصُومَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ إسْكَافًا وَعَطَّارًا لَوْ اخْتَلَفَا فِي آلَةِ الْأَسَاكِفَةِ أَوْ آلَةِ الْعَطَّارِينَ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَّخِذُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْبَيْعِ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلْمَرْأَةِ وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ إلَّا مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ السَّاكِنَةُ فِيهِ وَلِهَذَا تُسَمَّى قَعِيدَتُهُ وَيَدُ صَاحِبِ الْبَيْتِ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ وَفِي الدَّعَاوَى يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْيَدِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلزَّوْجِ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَمَا فِي الْبَيْتِ أَيْضًا يَكُونُ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ لَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَأَنَّ الْبَيْتَ يُضَافُ إلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَجِّرِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْمَنْزِلِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَيْهِ بِالسُّكْنَى وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ سِوَى مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ فَكَذَا هَذَا وَهَذِهِ هِيَ الْمُسْبِعَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَقَاوِيلَ السَّبْعَةَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَىقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ) أَيْ أَوْ كَانَ صَانِعًا لَهَا ا هـ .

قَالَ ( وَلَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَلِلْحُرِّ فِي الْحَيَاةِ وَلِلْحَيِّ فِي الْمَوْتِ ) أَيْ لَوْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَمْلُوكًا وَاخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ كَانَ الْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا وَلِلْحَيِّ مِنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى لِأَنَّهَا يَدُ مِلْكٍ وَلَا كَذَلِكَ يَدُ الْمَمْلُوكِ وَأَمَّا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَا يَدٌ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ فَكَانَ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا هَكَذَا ذُكِرَ الْحُكْمُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْمَتَاعُ لِلْحُرِّ مِنْهُمَا ثُمَّ قَالَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَصَمَ الْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ فِي أَيْدِيهمَا يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ اسْتَوَيَا فِيهِ حَتَّى يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فَكَذَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ إنَّ يَدَ الْمَمْلُوكِ لَا تَكُونُ مُسَاوِيَةً لِيَدِ الْحُرِّ فَإِنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَدَ الْمَمْلُوكِ يَدُ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَلِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ يَدُ مِلْكٍ حَقِيقَةً وَيَدَ الْمَمْلُوكِ لَيْسَتْ بِيَدِ مِلْكٍ فَكَانَتْ يَدُ الْحُرِّ أَقْوَى فَتَرَجَّحَتْ بِهِ فِي حَقِّ مَتَاعِ الْبَيْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَتَرَجَّحُ بِالصَّلَاحِيَّةِ فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَتَرَجَّحَ بِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَتَرَجَّحُ بِالصَّلَاحِيَّةِ فَكَذَا لَا تَتَرَجَّحُ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ

الظَّاهِرَ هُنَا يَشْهَدُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَكَانَتْ الصَّلَاحِيَّةُ وَالْمُلْكُ فِيهِ أَقْوَى دَلَالَةً عَلَيْهِ فَتَرَجَّحَتْ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى التَّنْصِيفِ بِاخْتِلَافِ الْعَطَّارِ وَالْإِسْكَافِ فِي آلَةِ أَحَدِهِمَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .قَوْلُهُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لِلْحُرِّ هَكَذَا نَقَلَهُ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي

( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ أَثْبَتَ ذُو الْيَدِ إقْرَارَهُ بِهِ وَالشَّرْطُ إثْبَاتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دُونَ الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ وَبِالْعَكْسِ تَنْدَفِعُ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ بِظَاهِرِ يَدِهِ صَارَ خَصْمًا وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ بِهَا لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ فِي إدْخَالِ الشَّيْءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ فَلَا يَثْبُتُ الْمُتَضَمَّنُ بِغَيْرِ أَصْلِهِ كَالْوَصِيَّةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فَصَارَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَاهَا بَعْدَ هَلَاكِهَا أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْفِعْلَ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِإِقْرَارِهِ لِلْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ كَلَامَهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَالْإِقْرَارُ مُوجِبٌ لِلْحَقِّ بِنَفْسِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ فَالْتُحِقَ بِالْبَيِّنَةِ فَيَثْبُتُ مَا أَقَرَّ بِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِغَائِبٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِحَاضِرٍ فَرَجَعَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَكَذَا الصَّحِيحُ لَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ فَمَرِضَ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي مَرَضِهِ كَانَ إقْرَارُهُ إقْرَارَ الصَّحِيحِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِشَخْصٍ ثُمَّ غَابَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ

مَالِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ مُوجِبًا بِنَفْسِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ فَيَثْبُتُ بِهِ أَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ لَا يَدُ خُصُومَةٍ قُلْنَا إنَّ بَيِّنَتَهُ أَثْبَتَتْ أَمْرَيْنِ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ وَدَفْعَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ أَوْ الْأَمَةِ إذَا أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ دُونَ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ أَثْبَتَ إقْرَارَهُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ مَقْصُودَ ذِي الْيَدِ إثْبَاتُ يَدٍ حَافِظَةٍ لِنَفْسِهِ لَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَهُوَ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ يَدِهِ فَيَثْبُتُ دُونَ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ بِالْحُضُورِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَفِيلُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا إذَا ادَّعَى إحَالَةَ غَرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ دَفْعَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ يُؤَدِّي إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَخُرُوجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ إلَخْ قُلْنَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ فَيَتَوَقَّفُ بِمُوَاجِبِهِ وَانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ مِنْهَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا صَدَقَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مِلْكَهُ كَانَ ثَابِتًا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ حَافِظَةً لَا يَدَ خُصُومَةٍ وَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ إذَا حَضَرَ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَيُسَلِّمُ الْقَاضِي الْمَقَرَّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ إذَا غَابَ الْمُقِرُّ بَعْدَ إقْرَارِهِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا

ادَّعَى الْعَيْنَ بَعْدَ هَلَاكِهَا عِنْدَهُ حَيْثُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْقِيمَةَ وَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِهَا عَلَى مُودِعِ الْغَاصِب فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ لِغَيْرِهِ وَفِي الْعَيْنِ يَتَبَيَّنُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْفِعْلَ عَلَيْهِ كَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ صَارَ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ فَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْعَيْنَ لِغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ تَجُوزُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ فَلَا تَنْدَفِعُ بِالتَّحْوِيلِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ لَا تَجُوزُ فَتَنْدَفِعُ بِالتَّحْوِيلِ لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا لَهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ فَإِذَا أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ يَدَهُ حَافِظَةٌ وَلَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ آخِرًا إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَالِحًا فَالْجَوَابُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ وَالِافْتِعَالِ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْنَ لِلْغَائِبِ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ مِنْ النَّاسِ يَأْخُذُ مَالَ غَيْرِهِ غَصْبًا وَيَدْفَعُهُ سِرًّا إلَى غَرِيبٍ يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ مِنْ الْبَلْدَةِ وَيُوَاعِدُهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ لِيُمْكِنَهُ الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ أَوْدَعَهُ غَيْرَهُ عِنْدَ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ فَيُضَيِّعُ بِذَلِكَ مَالَهُ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي أَحْوَالِ النَّاسِ وَيَعْمَلَ بِمُقْتَضَى حَالِهِمْ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ مَا وَلِيَ الْقَضَاءَ وَابْتُلِيَ بِأُمُورِ النَّاسِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُ صَاحِبَ الْمَالِ وَهُوَ الْمُوَدِّعُ أَوْ الْمُعِيرُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْبَعَهُ وَإِنْ قَالُوا لَا

نَعْرِفُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمْ مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِي عَلَى رَجُلٍ مَعْرُوفٍ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَلَعَلَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَلَوْ انْدَفَعَتْ لَبَطَلَ حَقُّهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُودِعُ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ يَبْطُلُ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ فَلَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ إلَّا إذَا أَحَالَهُ عَلَى مَعْرُوفٍ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمُدَّعِي وَالْمَعْرِفَةُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً أَلَا تَرَى { قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَجُلٍ أَتَعْرِفُ فُلَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فَقَالَ لَا فَقَالَ إذًا لَا تَعْرِفُهُ } وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بِوَجْهِهِ لَا يَحْنَثُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا إلَّا بِوَجْهِهِ عِنْدَ الشُّهُودِ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُدَّعِي مِنْ اتِّبَاعِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِانْدِفَاعِهَا عَنْهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي وَأَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ إذْ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَ الْمُودِعَ بِوَجْهِهِ وَيَقُولُونَ إنَّهُ غَيْرُ هَذَا الْمُدَّعِي وَمَقْصُودُ ذِي الْيَدِ إثْبَاتُ يَدٍ حَافِظَةٍ وَأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ لِهَذَا الْحَاضِرِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ كَافِيَةٌ لِهَذَا الْمَقْصُودِ وَحُصُولُ الضَّرَرِ لِلْمُدَّعِي بِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ اتِّبَاعِهِ مُضَافٌ إلَى نَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ أَوْ إلَى شُهُودِهِ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنُوا لَهُ خَصْمَهُ فَأَضَرُّوا بِهِ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ التَّعْرِيفُ وَلَكِنْ لَيْسَ تَعْرِيفُ خَصْمِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ

يُثْبِتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَأَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَمَّسَةَ كِتَابِ الدَّعْوَى لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَ صُوَرٍ مِنْ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ فِيهَا اخْتِلَافَ خَمْسَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى

( فَصْلٌ أَيْ فِيمَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ مَنْ يَكُونُ خَصْمًا شَرَعَ فِيمَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُ الدَّعْوَى وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخُصُومَةِ فَجَرَّ الْكَلَامَ إلَى ذِكْرِ مَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا فَذَكَرَ بَعْدَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي ذَلِكَ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَسْمَعُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْقُدُورِيِّ ثُمَّ قَالَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ إذَا كَانَ الْعَيْنُ قَائِمًا أَمَّا إذَا هَلَكَ فَلَا تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ بِدَعْوَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَكُونُ خَصْمًا فِيمَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَادَّعَى إنْسَانٌ عَلَيْهِ ضَمَانَ الْعَبْدِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ وَدِيعَةَ فُلَانٍ وَنَحْوَهُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُودِعُ الْغَاصِبَ فَيَكُونُ ضَامِنًا ا هـ وَقَدْ نَصَّ الشَّارِحُ عَلَى حُكْمِ هَلَاكِ الْعَيْنِ قَرِيبًا مِنْ هَذِهِ الْقَوْلَةِ فِي الشَّرْحِ بِقَوْلِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ ادَّعَاهَا بَعْدَ هَلَاكِهَا يَعْنِي فَإِنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ فَقَدْ قَاسَ ابْنُ شُبْرُمَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْمُتَّفَقِ ا هـ ( قَوْلُهُ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ) أَيْ الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِشَخْصٍ ) أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي فِي صَفْحَةِ هَذِهِ الْقَوْلَةِ فِي الشَّرْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ قُلْنَا ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ ا هـ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا إلَخْ ) وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا أَقَامَ

الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا أُودَعَهُ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَوَجْهِهِ حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَوْ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ ) أَيْ بِالتَّزْوِيرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَوَجَّهَتْ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِأَنَّهَا تَوَجَّهَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُ فُلَانًا الْغَائِبَ بِوَجْهِهِ وَلَكِنْ لَا نَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فَكَذَلِكَ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُصُولُ الْعَيْنِ إلَى ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُدَّعِي فَثَبَتَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَهَذَا يَكْفِي لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فَكَذَلِكَ هَذَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُسْمَعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ مَا لَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ الْغَائِبِ وَنَسَبَهُ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ خَصْمٌ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ وَهُوَ يَمْلِكُ نَقْلَ الْخُصُومَةِ إلَى غَيْرِهِ أَمَّا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُدَّعِي وَمَتَى صَارَ الْغَائِبُ مَعْرُوفًا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَانَ نَقْلًا وَإِذَا لَمْ يَصِرْ مَعْرُوفًا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُدَّعِي مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَهُ فَيَكُونُ إبْطَالًا لِحَقِّ الْمُدَّعِي وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهَا رَجُلٌ لَا نَعْرِفُ اسْمَهُ وَلَا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لِلْمَجْهُولِ وَلَعَلَّ الْمُودِعَ هُوَ الْمُدَّعِي فَعَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُودِعُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْخُصُومَةِ فَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِالشَّكِّ وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَقَالَ ذُو الْيَدِ لَا أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ ذُو الْيَدِ فَصَارَ مُكَذِّبًا لَهُمْ

فِي بَعْضِ شَهَادَتِهِمْ فَإِنْ قَالَ ذُو الْيَدِ أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَشُهُودُهُ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْدَعَهَا رَجُلٌ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الشُّهُودَ هَلْ تَعْرِفُونَهُ بِوَجْهِهِ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَيْهِ تُقْبَلُ وَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ لَا أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَنَسَبِهِ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فَكَذَا هَذَا وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ حَصَلَتْ بِالْمَعْلُومِ وَهُوَ إقْرَارُ الْمُدَّعِي فَتُقْبَلُ لَكِنْ الْمُقَرُّ لَهُ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ لَهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فَأَمَّا جَهَالَةُ الْمَشْهُودِ لَهُ تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِذِي الْيَدِ بَيِّنَةٌ عَلَى الْإِيدَاعِ عِنْدَهُ حَتَّى قَضَى الْقَاضِي بِهِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ وَجَدَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْإِيدَاعِ لَا تُسْمَعُ وَالْقَضَاءُ لِلْمُدَّعِي مَاضٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى ذِي الْيَدِ وَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِهِ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ ( قَوْلُهُ فِيهَا ) أَيْ فِي دَعْوَى الْفِعْلِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ ابْتَعْته مِنْ الْغَائِبِ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي غُصِبْته أَوْ سُرِقَ مِنِّي وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَا ) أَيْ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَوْدَعَهُ فُلَانًا لِأَنَّ ذَا الْيَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِدَعْوَاهُ الشِّرَاءَ مِنْ الْغَائِبِ صَارَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ فَيَكُونُ مُعْتَرِفًا بِأَنَّهُ خَصْمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُدَّعِي لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِ الْيَدِ غَصَبْته مِنِّي صَارَ ذُو الْيَدِ خَصْمًا بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَفِيهِ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا بِالْإِحَالَةِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْخُصُومَةِ فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى تَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِانْتِفَاءِ يَدِهِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ الْغَائِبُ وَأَقَامَ بَيِّنَتَهُ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ خَاصَّةً وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ قَوْلُ الْمُدَّعِي سُرِقَ مِنِّي يَكُونُ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى اسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِأَجْلِ السِّتْرِ عَلَيْهِ كَيْ لَا يُقْطَعَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ سَرَقْته مِنِّي وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ الْفِعْلَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ غُصِبَ مِنِّي عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ الْفِعْلَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْهُ إذْ الْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى فَاعِلِهِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ

الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَقْدٌ اسْتَوْفَى أَحْكَامَهُ فَصَارَ كَالْعَدَمِ فَكَانَ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى قَبْضِهِ لَمْ تَنْدَفِعْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي ابْتَعْته مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لِغَيْرِ الْمُدَّعِي فَيَكُونُ وُصُولُهُ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُدَّعِي ضَرُورَةً فَلَمْ يَكُنْ ذُو الْيَدِ خَصْمًا وَلَا لِلْمُدَّعِي أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَيَأْخُذُهُ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِالْحِفْظِ وَلَوْ صَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فِي شِرَائِهِ مِنْهُ لَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِهِ وَهِيَ عَجِيبَةٌ وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ وَكِيلُ فُلَانٍ ذَلِكَ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ وُصُولَ الدَّارِ إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ لَمْ يَثْبُت مِنْ جِهَةِ مَنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكِيلِهِ لِإِنْكَارِ الْمُدَّعِي وَكَذَا لَوْ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْوَكِيلَ دَفَعَهَا إلَى ذِي الْيَدِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ لِأَنَّ وُصُولَ الْعَيْنِ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ نَصًّا وَبِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي ضَرُورَةً لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ إنَّ فُلَانًا أَوْدَعَنِي الْعَيْنَ فَقَالَ الْمُدَّعِي كَانَ أَوْدَعَك إيَّاهَا ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْك أَوْ بَاعَك إيَّاهَا وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا وَهَبَهَا لَهُ وَلَا بَاعَهَا مِنْهُ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ جَعَلَهُ خَصْمًا لِأَنَّ نُكُولَهُ كَإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إقْرَارَهُ بِالشِّرَاءِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ خَصْمٌ وَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا وَلَا يَحْتَاجُ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الْوَدِيعَةِ لِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي بِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .( قَوْلُهُ سَقَطَتْ إلَخْ ) وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْإِيدَاعِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) أَيْ لِأَنَّ الْوِكَالَةَ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ ا هـ .

( بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ قُضِيَ لَهُمَا ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَزَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَلَا تَارِيخَهُ قُضِيَ بِالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يَتَهَاتَرَانِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَمْلِكَ شَخْصَانِ عَيْنًا وَاحِدَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهَا فَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا فِي دَعْوَى النِّكَاحِ أَوْ الْمَصِيرِ إلَى الْقُرْعَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَقْرَعَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي أَمَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ تَقْضِي بَيْنَ عِبَادِكَ بِالْحَقِّ ثُمَّ قَضَى بِهَا لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ } وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ لِتَعْيِينِ الْمُسْتَحِقِّ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي الْقِسْمَةِ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْضِي لِأَعْدَلِهِمَا بَيِّنَةً لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَصِيرُ حُجَّةً بِالْعَدَالَةِ فَالْأَعْدَلُ أَقْوَى فِي الْحُجَّةِ فَلَا يُزَاحِمُهُ الضَّعِيفُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُقْضَى لِمَنْ كَانَ شُهُودُهُ أَكْثَرَ عَدَدًا لِأَنَّ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ الْحَاصِلَةَ بِهِ أَرْجَحُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ { رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ { رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلِاشْتِرَاكِ

فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْمُوصِي لَهُمَا بِأَنْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا الْغَرِيمَانِ فِي التَّرِكَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ فَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا لِأَنَّ الْأَيْدِيَ قَدْ تَتَوَالَى فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيَعْتَمِدُ كُلُّ فَرِيقٍ مَا شَاهَدَ مِنْ السَّبَبِ الْمُطْلَقِ لِلشَّهَادَةِ وَهُوَ الْيَدُ فَيُحْكَمُ بِالتَّنْصِيفِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِكَوْنِ الشُّهُودِ أَعْدَلَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْكُلِّ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَذِبِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَكُونُ بِقُوَّةٍ فِي الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ وَمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا } إنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْقِمَارُ مُبَاحًا ثُمَّ انْتَسَخَ بِانْتِسَاخِ الْقِمَارِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُرْعَةَ لِتَعْيِينِ الِاسْتِحْقَاقِ بِهَا لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهَا قِمَارًا فَكَذَا التَّعْيِينُ الْمُسْتَحَقُّ وَإِنَّمَا يُقْرَعُ فِي الْقِسْمَةِ لِتَطْيِيبِ الْقَلْبِ وَنَفْيِ التُّهْمَةِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَ بِلَا قُرْعَةٍ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقِمَارِ

( بَابٌ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ ) لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ دَعْوَى الْوَاحِدِ شَرَعَ فِي دَعْوَى الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الْمُثَنَّى بَعْدَ الْوَاحِدِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا تَتَهَاتَرَانِ ) أَيْ وَتَجِبُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيَتَوَقَّفُ إلَى الصُّلْحِ عَلَى قَوْلٍ كَذَا فِي وَجِيزِهِمْ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ ) أَيْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِكَذِبِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ تَعْيِينُ الصَّادِقَةِ مِنْ الْكَاذِبَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي دَعْوَى النِّكَاحِ ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَانِ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ خَارِجَانِ ادَّعَيَا نِتَاجَ دَابَّةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ وَالدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُعْرَفْ سَبْقُ أَحَدِهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ سَقَطَا وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ ) يَعْنِي لَوْ أَقَامَ اثْنَانِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ زَوْجَتُهُ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِمَا إذْ النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ مِنْهُمَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ فَيُرْجَعُ إلَى تَصْدِيقِهَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُ قَوْلِهَا أَنَّ أَحَدَهُمَا زَوْجُهَا أَوْ أَسْبَقُهُمَا نِكَاحًا إلَّا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَأَقَامَ بَيِّنَةً فَحُكِمَ لَهُ بِهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ دَعْوَى أَحَدِ النِّكَاحِ فِيهَا بَعْدَهُ لِكَوْنِهَا أَقْوَى لِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهَا لَمَّا سَبَقَتْ وَحُكِمَ بِهَا تَأَكَّدَتْ فَلَا تُنْقَضُ بِغَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَّا إذَا أَثْبَتَتْ الثَّانِيَةُ أَنَّ نِكَاحَهُ أَسْبَقُ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فِي امْرَأَةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَرَّخَا وَكَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَقْدَمَ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَالدُّخُولِ بِهَا أَوْ نَقْلِهَا إلَى مَنْزِلِهِ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُرْجَعُ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ ) لَوْ قَالَ كَمَا لَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ لَكَانَ أَوْلَى ا هـ تَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ مِنْهُمَا ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي آخِرِ بَابِ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فِي الدَّعْوَى مِنْ شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ عَبْدًا فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَقَالَ الْعَبْدُ أَنَا لِأَحَدِهِمَا هَذَا بِعَيْنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ وَهُوَ لَهُمَا لِأَنَّ أَيْدِيَهُمَا دَلِيلُ الْمِلْكِ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ دَافِعَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَيَا امْرَأَةً فِي أَيْدِيهِمَا فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا حَيْثُ يُقْضَى بِهَا لَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدٍ لِأَنَّهَا فِي يَدِ نَفْسِهَا فَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهَا بِالزَّوْجِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ لِكُلٍّ نِصْفُهُ بِبَدَلِهِ إنْ شَاءَ ) أَيْ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجَيْنِ بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ بِلَا تَارِيخٍ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَتَخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَغَيُّرِ شَرْطِ عَقْدِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ الْفُضُولِيَّيْنِ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا وَاحِدًا مِنْ رَجُلٍ وَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا جُهِلَ التَّارِيخُ جُعِلَ كَأَنَّهُ بَاعَ كُلَّهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةً أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَرَ مِنْ وَكِيلِهِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ( قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) أَيْ فَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الثَّمَنِ وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ سَلَّمَ الدَّارَ كُلَّهَا لِلْبَائِعِ وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ نَقَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَ فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ عَقْدِهِ عَلَيْهِ ) فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ ا هـ هِدَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ كُلَّهُ ) أَيْ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَأَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ بَلْ اخْتَارَ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ صَارَ فِي النِّصْفِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِبَيِّنَتِهِ اسْتَحَقَّ جَمِيعَهُ وَكَانَ يُسَلَّمُ لَهُ لَوْلَا بَيِّنَةُ صَاحِبِهِ وَلَمَّا قَضَى الْقَاضِي بِهِ بَيْنَهُمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَكُونُ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَى النِّصْفِ بِالْمُزَاحَمَةِ ضَرُورَةَ الْقَضَاءِ بِهِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ نَظِيرَ تَسْلِيمِ أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ الْمَبِيعِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا النِّصْفَ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالسَّبَبِ كُلَّهُ وَالِانْقِسَامُ لِلْمُزَاحَمَةِ ضَرُورَةُ الْقَضَاءِ بِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا( قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ ) أَيْ إلَّا بِتَجْدِيدٍ وَلَمْ يُوجَدْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَرَّخَا فَلِلسَّابِقِ ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَبِيعِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ مِنْهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ بِهِ الْآخَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْهُ الْآخَرُ حَيْثُ لَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَسْبَقِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ خَصْمٌ عَنْ بَائِعِهِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ وَمِلْكُ بَائِعِهِمَا لَا تَارِيخَ فِيهِ فَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ حَضَرَا وَأَثْبَتَا الْمِلْكَ لِأَنْفُسِهِمَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ وَكَذَا لَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُؤَرِّخْ الْأُخْرَى كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُمَا إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ وَأَنَّ شِرَاءَهُمَا حَادِثٌ وَالْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ التَّارِيخُ فَيَثْبُت تَقَدُّمُهُ بِهِ فَلِهَذَا كَانَ الْمُؤَرَّخُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ بَائِعُهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا الْمِلْكَ وَلَمْ يَدَّعِيَا الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ حَيْثُ لَا يَكُونُ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَرْقَهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَرَّخَا فَلِلسَّابِقِ ) أَيْ لِأَنَّا لَمَّا حَكَمْنَا لِلْبَيْعِ لِلْأَوَّلِ مَلَكَهُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ بَائِعًا مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى ) فِي الْهِدَايَةِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِالشَّكِّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا فَلِذِي الْقَبْضِ ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَارِيخٌ وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ صَاحِبُ الْقَبْضِ أَوْلَى لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي إثْبَاتِ الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِالْقَبْضِ فَلَا يُنْقَضُ قَبْضُهُ الْمُعَايَنُ الْمُتَحَقِّقُ بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ حَتَّى لَا يُنْقَضَ بِتَارِيخِ الْآخَرِ أَيْضًا لِبَقَاءِ الِاحْتِمَالِ فِيهِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ شِرَاءَهُ قَبْلَ شِرَاءِ ذِي الْيَدِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هُوَ أَوْلَى لِانْقِطَاعِ الِاحْتِمَالِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ بَائِعُهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا قَبْضٌ حَيْثُ يَكُونُ فِيهِ غَيْرُ الْقَابِضِ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِبَائِعِهِمَا أَوَّلًا فَإِذًا يَجْتَمِعُ فِيهِ فِي حَقِّ الْبَائِعَيْنِ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِثُبُوتِهِ بِتَصَادُقِهِمَا فَكَانَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمَا فَقَطْ وَالسَّبَبُ فِي حَقِّ الْقَابِضِ أَقْوَى لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَبْضِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا فَلِذِي الْقَبْضِ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدَّيْنِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَقْتًا وَكَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ قَدْ قَبَضَهَا قَضَيْت بِهَا لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلَالَةُ السَّبَقِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا يَكُونُ صَحِيحًا إذَا تَقَدَّمَهُ عَقْدٌ فَكَانَ أَوْلَى وَرَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ عَلَى الْآخَرِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ ) مَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً مِنْ شَخْصٍ وَادَّعَى الْآخَرُ هِبَةً وَقَبَضَا مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ بِعَيْنِهِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمُثْبِتًا لِلْمِلِكِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُمَلِّكُ لَهُمَا أَوْ كَانَ مَعَهُمَا تَارِيخٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ الشِّرَاءُ فِيهِ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُمَلِّكِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا عَنْ مُمَلِّكِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَفِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمُمَلِّكُ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ لِثُبُوتِهِ بِاتِّفَاقِهِمَا وَإِنَّمَا حَاجَتُهُمَا إلَى إثْبَاتِ سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنْفُسِهِمَا وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى وَفِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُمَا تَارِيخٌ وَالْمُمَلِّكُ لَهُمَا وَاحِدٌ كَانَ لِأَقْدَمِهِمَا تَارِيخًا لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُمَلِّكُ لَهُمَا مُخْتَلِفًا حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ سَبْقُ التَّارِيخِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا الشِّرَاءُ مَعَ الصَّدَقَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَدَعْوَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَعَ الْقَبْضِ فِيهِمَا مُسْتَوِيَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَجْهِ التَّبَرُّعِ وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ لِأَنَّ أَثَرَ اللُّزُومِ يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالتَّرْجِيحُ يَكُونُ بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْحَالِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا اُمْتُنِعَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا وَهُوَ الْأَجْرُ لَا لِقُوَّةٍ فِي السَّبَبِ وَلَوْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْهِبَةِ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا كَمَا إذَا كَانَتْ لِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ أَوْ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْهَا وَالصَّدَقَةُ قَدْ لَا تَكُونُ لَازِمَةً بِأَنْ كَانَتْ لِغَنِيٍّ وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ

مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ الشُّيُوعَ لَا يَضُرُّهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِعِ فَصَارَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الِارْتِهَانِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْوَاحِدِ مِنْ اثْنَيْنِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ يُسْتَفَادُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَضَاؤُهُ كَهِبَةِ الْوَاحِدِ مِنْ اثْنَيْنِ وَقِيلَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ قَبْضَ الْكُلِّ ثُمَّ حَصَلَ الشُّيُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ يُقْضَى لَهُ بِالْعَقْدِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْعَقْدَيْنِ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ مِنْ رَجُلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تُؤَقَّتْ الْبَيِّنَتَانِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْضٌ وَأَمَّا إذَا وُقِّتَتَا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُوَقَّتَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَكَذَا إنْ وَقَّتَ صَاحِبُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالشِّرَاءُ وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءَ عَيْنٍ مِنْ رَجُلٍ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ الْعَيْنِ فَهُمَا سَوَاءٌ لِاسْتِوَاءِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْقُوَّةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَمُثْبِتٌ لِلْمِلْكِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ نِصْفُ الْعَيْنِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ لِاسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْمُسَمَّى وَلِلْمُشْتَرِي نِصْفُ الْعَيْنِ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الشِّرَاءُ أَوْلَى

وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ قِيمَةُ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ مُمْكِنٌ فَيُصَارُ إلَيْهِ إذْ الْبَيِّنَةُ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ وَالْعَمَلُ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا بِتَقْدِيمِ الشِّرَاءِ إذْ النِّكَاحُ عَلَى عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ جَائِزٌ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّ تَقَدُّمَ النِّكَاحِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْمَالِكِ قُلْنَا الْمَقْصُودُ مِنْ السَّبَبِ حُكْمُهُ وَحُكْمُ النِّكَاحِ مِلْكُ الْمُسَمَّى فِيهِ وَمَتَى قَدَرَ مُتَأَخِّرًا لَمْ يُوجَبْ حُكْمُهُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ كَمَا لَا يُصَارُ إلَى تَأَخُّرِ الشِّرَاءِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَهُمَا سَوَاءٌ فِي إفَادَةِ مِلْكِ الْعَيْنِ فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْهُمَا بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ أَوْلَى مِنْ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ أَقْوَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ وَالتَّصَرُّفَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَّا أَنَّا سَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ فِيمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إثْبَاتُ تَارِيخٍ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ

( قَوْلُهُ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا ) أَيْ لِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا صَارَ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَالشِّرَاءُ أَقْوَى مِنْ الْهِبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمُثْبِتًا لِلْمِلْكِ بِنَفْسِهِ ) أَيْ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ الشِّرَاءُ فِيهِ أَوْلَى ) أَيْ بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِقَوْلِ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا يَأْتِي وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ا هـ قَوْلُهُ بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ ) وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ فَالْمُؤَرِّخُ أَوْلَى أَيُّهُمَا كَانَ فَإِنْ كَانَ الْمُؤَرِّخُ هُوَ الْمُشْتَرِي فَلَا إشْكَالَ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ أَوْلَى فَمَعَ التَّارِيخِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ أَرَّخَ الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ أَوْلَى لِأَنَّ الشِّرَاءَ مُتَأَخِّرٌ مَعْنًى فَيَعْتَبِرُ بِمَا لَوْ كَانَ مُتَأَخِّرًا حَقِيقَةً بِأَنْ أَرَّخَ صَاحِبُ الشِّرَاءِ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَصَاحِبُ الْهِبَةِ مُنْذُ سَنَةٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الشِّرَاءَ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالَ حُدُوثِهَا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِحُدُوثِهَا ( قَوْلُهُ وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْهِبَةَ مَعَ الْقَبْضِ وَالصَّدَقَةَ مَعَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ حَتَّى يَكُونَ الْعَيْنُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ اللَّازِمَ مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مِلْكًا غَيْرَ لَازِمٍ فَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَنَّ لُزُومَ الصَّدَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا لَا بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَمْرِ الثَّابِتِ فِي الْحَالِ فَلَا تَتَرَجَّحُ الصَّدَقَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ ) أَيْ كَوْنُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ سَوَاءً فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ

وَالدَّابَّةِ صَحِيحٌ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَكَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ الْبَعْضِ أَيْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ سَوَاءٌ أَيْضًا عِنْدَ الْبَعْضِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا وَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِع ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا فَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدُهُمَا يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا قُضِيَ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَهُمَا سَوَاءٌ ) هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ أَمَّا إذَا أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى كَمَا فِي دَعْوَى الْهِبَةِ مَعَ الشِّرَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ ) حُسْنًا لِلظَّنِّ بِالشُّهُودِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الشِّرَاءَ مُقَدَّمًا عَلَى النِّكَاحِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِتَقَدُّمِهِ أَحَدٌ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ ا هـ كَاكِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالرَّهْنُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا وَقَبْضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخٌ وَلَا قَبْضٌ كَانَ الرَّهْنُ أَوْلَى وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ وَالْهِبَةَ أَمَانَةٌ وَالْمَضْمُونُ أَقْوَى فَكَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لِأَنَّهَا بَيْعُ انْتِهَاءٍ وَالْبَيْعُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ عَقْدَ ضَمَانٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ إلَّا عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعْنًى لَا صُورَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجَانِ عَلَى الْمِلْكِ وَالتَّارِيخِ أَوْ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ فَالْأَسْبَقُ أَحَقُّ ) أَيْ لَوْ أَقَامَ الْخَارِجَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَالتَّارِيخِ أَوْ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَعَلَى التَّارِيخِ كَانَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى فِيهِمَا أَمَّا الْأَوْلَى فَالْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا لِأَجْلِ ذِكْرِ التَّارِيخِ وَإِنَّمَا كَانَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا فِيهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مِلْكَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَجَعَلَ الْكَرْخِيُّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لِأَنَّ دَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ دَعْوَى التَّمَلُّكِ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذِي الْيَدِ مِنْ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِظَاهِرِ يَدِهِ يُعْتَبَرُ اسْتِحْقَاقًا لِلْمِلْكِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَيَكُونُ تَمَلُّكًا مِنْ جِهَتِهِ وَالتَّارِيخُ مُعْتَبَرٌ فِي دَعْوَى التَّمَلُّكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا التَّمَلُّكَ بِالشِّرَاءِ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْأَمَالِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ

أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ آخِرًا وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا هُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ مَعْنًى حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِزَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ كَالنِّتَاجِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ إثْبَاتِ التَّارِيخِ إثْبَاتُ زِيَادَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى خَصْمِهِ لِتَتَرَجَّحَ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَصْمِ فَإِثْبَاتُ زِيَادَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا تُتَصَوَّرُ فِي دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فِيهِ سَوَاءً وَلَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمُؤَرَّخُ أَوْلَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْمُبْهَمُ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَوْلَادَ وَالْإِكْسَابَ وَمُلْكُ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ التَّارِيخِ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُؤَرَّخَ مِلْكُهُ مُتَيَقَّنٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِمِلْكِ الْآخَرِ فَكَانَ الْمُتَيَقَّنُ أَوْلَى مِنْ الْمُحْتَمَلِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُبْهَمَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَقْدَمَ فَلَا يَتَرَجَّحُ الْمُؤَرَّخُ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْحُدُوثِ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ مَا لَمْ يُؤَرَّخْ فَإِذَا أُرِّخَ دَلَّ عَلَى سَبْقِ مِلْكِهِ فَتَرَجَّحَ بِهِ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهُمَا سَوَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَكَذَا إذَا أَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُمَا لَمَّا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَمَنْ أَثْبَتَ مِنْهُمَا التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ

كَانَ أَوْلَى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي يَدَّعِي مِنْهُ صَاحِبُهُ الشِّرَاءَ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَهُمَا سَوَاءٌ وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَالْمُؤَرِّخُ أَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَلَوْ أَرَّخَ الْآخَرُ مَا لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ أَقْدَمُ تَارِيخًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ أَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَالْآخَرُ الْمَهْرَ أَوْ أَحَدُهُمَا الرَّهْنَ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ كَانَ الْجَوَابُ فِيهَا فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا كَالْجَوَابِ فِي تِلْكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُدَّعِيَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اتَّفَقَا بِدَعْوَاهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ وَأَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ فَكَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا( قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ ) أَيْ بَلْ يُثْبِتُ الْيَدَ وَالْمِلْكُ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ ) أَيْ فَإِنَّهَا أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ وَذَكَرَا تَارِيخًا اسْتَوَيَا ) يَعْنِي لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ رَجُلٍ غَيْرِ الَّذِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْهُ صَاحِبُهُ كَانَا سَوَاءً حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَقْدَمَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِ وَمِلْكُ بَائِعِهِ مُطْلَقٌ وَلَا تَارِيخَ فِيهِ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعَيْنِ مِلْكٌ مُطْلَقٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ الْبَائِعَانِ وَادَّعَيَا الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ وَكَذَا لَوْ ذَكَرَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا دُونَ الْآخَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَجَّحُ بِالتَّقَدُّمِ حَقِيقَةً فَكَيْفَ يَتَرَجَّحُ بِالِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُمَلِّكُ لَهُمَا وَاحِدًا حَيْثُ يَكُونُ أَقْدَمُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى لِأَنَّ مِلْكَ بَائِعِهِمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّمَلُّكُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا مَلَّكَهُ لِأَحَدِهِمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْمُؤَرِّخُ أَوْلَى بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ هِبَةً وَقَبْضًا مِنْ رَجُلٍ وَادَّعَى آخَرُ شِرَاءً مِنْ غَيْرِهِ وَادَّعَى ثَالِثٌ مِيرَاثًا مِنْ غَيْرِهِمَا وَادَّعَى رَابِعٌ صَدَقَةً وَقَبْضًا مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بَيْنهمْ أَرْبَاعًا سَوَاءً كَانَ مَعَهُمْ تَارِيخٌ أَوْ مَعَ بَعْضِهِمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْمِلْكَ لِمُمَلِّكِهِمْ وَذَلِكَ لَا تَارِيخَ فِيهِ وَلَا يُقَدَّمُ الْأَقْوَى هُنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُقَوْله لِمُمَلِّكِهِمْ ) هُوَ بِالْإِفْرَادِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَتَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ أَوْ بَرْهَنَا عَلَى النِّتَاجِ وَسَبَبِ مِلْكٍ لَا يَتَكَرَّرُ أَوْ الْخَارِجُ عَلَى الْمِلْكِ وَذُو الْيَدِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَذُو الْيَدِ أَحَقُّ ) يَعْنِي فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَرِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَصْلًا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَيَسْتَوِي فِيهَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فَصَارَا كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَا السَّبَبَ كَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْحُدُوثَ وَفِيهِ الْأَقْدَمُ أَوْلَى مَا لَمْ يَدَّعِ الْمُتَأَخِّرُ التَّلَقِّيَ مِنْ جِهَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ تَدْفَعُ مِلْكَ غَيْرِهِ فِي وَقْتِ التَّارِيخِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ وَلَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا تَارِيخٌ أَوْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لَا تُثْبِتُ غَيْرَ مَا ظَهَرَ بِالْيَدِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مَا لَمْ يُثْبِتْ ذُو الْيَدِ التَّقَدُّمَ عَلَيْهِ صَرِيحًا بِلَا احْتِمَالٍ وَفِيمَا إذَا أَرَّخَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَحْدَهَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى فِيهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي وَقْتٍ مُتَقَدِّمٍ بِيَقِينٍ وَمِلْكَ الْآخَرِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُزَاحِمُ الْمُتَيَقَّنَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ قُلْنَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا

تَضَمَّنَتْ الدَّفْعَ وَلَمْ تَتَضَمَّنْ هُنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْخَارِجِ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ حَيْثُ يَكُونُ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا إلَّا إذَا أَرَّخَا وَكَانَ تَارِيخُ الْخَارِجِ أَقْدَمَ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَّخَا كَانَ أَقْدَمُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى عِنْدَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَهُمَا لِلدَّفْعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْوَقْتَ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْتَبِرُ التَّارِيخَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلِاحْتِمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَعْتَبِرُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ لِلْمُؤَرِّخِ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَارِيخَ الْوَاحِدِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ لِتَيَقُّنِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتِمَالِ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَرُجِّحَ بِالتَّيَقُّنِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ لَا يَتَكَرَّرُ فَلِأَنَّ بَيِّنَتَهُمَا قَامَتَا عَلَى مَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ فَاسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ فَيُقْضَى لَهُ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ لِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ تَسْتَوْعِبُ كُلَّ تَارِيخٍ فَلَا يُفِيدُ ذِكْرُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا اتَّحَدَ التَّارِيخَانِ أَوْ اخْتَلَفَا مَا لَمْ يَذْكُرْ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ سِنَّ الْمُدَّعَى وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي إثْبَاتِ أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ وَتَرَجَّحَ الْخَارِجُ بِإِثْبَاتِ مَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ وَهُوَ الْمِلْكُ لِنَفْسِهِ فَكَانَ أَوْلَى وَبِهِ

قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ نِتَاجِ دَابَّةٍ مِنْ دَابَّتَيْنِ فَصَارَ نَظِيرَ الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ فِي مَكَانَيْنِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى لِذِي الْيَدِ بِنَاقَةٍ بَعْدَ مَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَهَا وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَهَا وَلِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فِيهَا فَبِإِثْبَاتِهَا يَنْدَفِعُ الْخَارِجُ وَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولَةٌ لِلدَّفْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ أَرَّخَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَقْدَمُ تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا فِيهَا مِنْ تَضَمُّنِ مَعْنَى الدَّفْعِ فَكَذَا هُنَا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ حَيْثُ تَكُونُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ النِّتَاجَ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ وَهُوَ الْغَصْبُ وَأَشْبَاهُهُ إذْ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَصْلًا وَأَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْيَدِ فَأَصْلُ الْمِلْكِ ثَابِتٌ بِهَا ظَاهِرًا فَكَانَ ثَابِتًا بِالْيَدِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ إثْبَاتُ غَيْرِ الثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى إذْ الْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ وَمَا قَالَهُ عِيسَى غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي خَارِجَيْنِ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَا قَالَهُ هُوَ لَتَهَاتَرَتَا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالسَّوَاقِطُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يُقْضَى

بِهَا وَبِالسَّوَاقِطِ لِمَنْ فِي يَدِهِ أَصْلُ الشَّاةِ وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَا ذَكَرَهُ لَتُرِكَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا فِي يَدِهِ وَثَمَرَةُ مَا قَالَهُ تَظْهَرُ فِي التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُمَا إذَا تَهَاتَرَا يُصَارُ إلَى التَّحْلِيفِ وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَأَنَّهُ وُلِدَ عِنْدَهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ وَأَنَّهُ وُلِدَ عِنْدَهُ كَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ نِتَاجِ بَائِعِهِ كَمَا أَنَّهُ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ وَلَوْ حَضَرَ الْبَائِعَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُمَا وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمِلْكِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ كَانَ صَاحِبُ النِّتَاجِ أَوْلَى أَيُّهُمَا كَانَ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ وَبَعْدَهُ لَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّعْوَى بَيْنَ الْخَارِجَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَضَى بِالنِّتَاجِ لِصَاحِبِ الْيَدِ ثُمَّ أَقَامَ ثَالِثٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يَقْضِي لَهُ إلَّا أَنْ يُعِيدَهَا ذُو الْيَدِ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَكَذَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ بَيِّنَتَهُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْخَارِجَ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَى ذِي الْيَدِ شَيْئًا لِأَنَّ مِلْكَ ذِي الْيَدِ ثَبَتَ بِالنِّتَاجِ صَرِيحًا وَبَعْدَ مَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِلْخَارِجِ بِذَلِكَ السَّبَبُ لِأَنَّ النِّتَاجَ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَا اسْتَحَقَّهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِذِي الْيَدِ بِظَاهِرِ الْيَدِ مُسْتَحَقًّا عَلَى ذِي الْيَدِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْيَدِ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ مَا اسْتَحَقَّهُ

الْخَارِجُ مِنْ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِذِي الْيَدِ بِظَاهِرِ الْيَدِ مُسْتَحَقًّا عَلَى ذِي الْيَدِ فَجُعِلَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فَإِذَا لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَقِّ النِّتَاجِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ تُرِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى ذُو الْيَدِ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ حَيْثُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ لَا يُقْضَى لَهُ فِيهَا وَإِلَّا قُضِيَ لَهُ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَسَبَبُ مِلْكٍ لَا يَتَكَرَّرُ مَعْنَاهُ كُلُّ سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْيَدِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النِّتَاجِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَذَلِكَ مِثْلُ حَلْبِ اللَّبَنِ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ وَجَزِّ الصُّوفِ وَالْمِرْعِزَّى وَغَزْلِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَنَسْجِ الثَّوْبِ مِنْ غَزْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ وَهُوَ مِثْلُ الْخَزِّ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ لِأَنَّ ثَوْبَ الْخَزِّ وَالصُّوفِ وَالشَّعْرِ إذَا بَلِيَ يُنْقَضُ وَيُغْزَلُ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ يُنْسَجُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَا الْيَدِ نَسَجَهُ ثُمَّ غَصَبَهُ الْخَارِجُ وَنَقَضَهُ ثُمَّ نَسَجَهُ فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ بَلْ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَكَذَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَالزِّرَاعَةَ يَتَأَتَّى فِيهَا التَّكْرَارُ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ يُسْأَلُ عُدُولُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذَّكَرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَكْفِي وَالْأَحْوَطُ الِاثْنَانِ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْعُدُولُ عَنْهُ بِخَبَرِ النِّتَاجِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِشَرْطِ أَنْ يُبَيِّنَ فِي الدَّعْوَى نَصَّا أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ وُجِدَ فِي مِلْكِهِ

حَتَّى إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ ذُو الْيَدِ وَحْدَهُ نَسَجْت هَذَا الثَّوْبَ أَوْ نُتِجَتْ هَذِهِ الدَّابَّةُ عِنْدِي كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْسِجُ لِغَيْرِهِ وَتَلِدُ دَابَّةُ الْغَيْرِ عِنْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الثَّوْبَ نَسَجَهُ فِي مِلْكِهِ وَأَنَّ الدَّابَّةَ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ فَبَقِيَ دَعْوَى مُطْلَقِ الْيَدِ وَفِيهِ الْخَارِجُ أَوْلَى وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِيهِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهِ وَيَقُولَ نَسَجْتُهُ فِي مِلْكِي أَوْ نُسِجَ فِي مِلْكِي أَوْ وَلَدَتْ الدَّابَّةُ فِي مِلْكِي وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ هَذَا جُبْنِي اتَّخَذْته أَنَا أَوْ قَالَ اللَّبَنُ الَّذِي اُتُّخِذَ مِنْهُ هَذَا الْجُبْنُ مِلْكِي أَوْ الشَّاةُ الَّتِي حُلِبَ مِنْهَا لَبَنُهُ مِلْكِي كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَالَ اتَّخَذْتُهُ فِي مِلْكِي أَوْ حُلِبَ لَبَنُهُ فِي مِلْكِي كَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ قَضَى لَهُ بِهَا بِالْبَيِّنَةِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ أَنَّهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ كَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُمَا الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ صَحَّ ظَاهِرًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ ذِي الْيَدِ فَلَا يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ بِبَيِّنَتِهِ وَأَثْبَتَ ذُو الْيَدِ التَّلَقِّيَ مِنْهُ فَكَانَ لَهُ بِحُكْمِ التَّلَقِّي مِنْهُ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ لَهُ فِي ضِمْنِ دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَاهُ وَقَبُولَ بَيِّنَتِهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ صَرِيحًا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ الشِّرَاءُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ إذْ التَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ

( قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا بَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ الرَّقَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَقَالَ الْخَارِجُ أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ الْأَقْدَمُ ) أَيْ سَوَاءً كَانَ الْبَيْعُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي إلَخْ ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ مُتَّحِدٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا وَوَقَّتَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ وَفِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَوَقَّتَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ) يَعْنِي بِهِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَا ) أَيْ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أُخِذَ هَذَا بِالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْضَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا تَعَارَضَا فِي الْإِثْبَاتِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأُولَى مِنْ الْآخَرِ لَكِنَّا نَرُدُّ الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ وَأَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ } ( قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ ) حَتَّى يَحْلِفَ ذُو الْيَدِ لِلْخَارِجِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فِيهَا ) أَيْ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ ا هـ قَوْلُهُ وَمَا قَالَهُ عِيسَى إلَخْ ) هَذَا

الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الرَّدِّ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى عِيسَى لَوْ كَانَ عِيسَى شَارِحًا لِكَلَامِ مُحَمَّدٍ أَمَّا إذَا كَانَ مَا قَالَهُ عِيسَى مَذْهَبًا لَهُ لَا لِمُحَمَّدٍ كَيْف يَرُدُّ عَلَيْهِ بِمَذْهَبِ مُحَمَّدٍ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ يُصَارُ إلَى التَّحْلِيفِ ) أَيْ تَحْلِيفِ ذِي الْيَدِ لِلْخَارِجِ عِنْدَ عِيسَى وَعِنْدَنَا لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ اسْتِحْقَاقٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَسَبَبُ مِلْكٍ لَا يَتَكَرَّرُ ) يَعْنِي إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى نَسْجِ ثَوْبٍ فِيمَا لَا يَتَكَرَّرُ نَسْجُهُ كَغَزْلِ الْقُطْنِ كَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ وَهُوَ لَا يَتَكَرَّرُ وَكَذَلِكَ حَلْبُ اللَّبَنِ فَإِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ حُلِبَ فِي مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ اتِّخَاذُ الْجُبْنِ بِأَنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجُبْنَ لَهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ وَكَذَا اتِّخَاذ اللِّبَدِ وَالْمِرْعِزَّى أَنَّهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ وَكَذَا الصُّوفُ إذَا أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ صُوفُهُ جَزَّهُ مِنْ غَنَمِهِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ حَلْبِ اللَّبَنِ ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ حَلَبَ هَذَا اللَّبَنَ فِي مِلْكِي ا هـ فُرِشَتَا ( قَوْلُهُ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ الْغَرْسُ وَزِرَاعَةُ الْحُبُوبِ فَتَكَرَّرَ فَإِنَّهُ يَغْرِسُ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ يَقْلَعُ وَيَغْرِسُ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ الْحُبُوبُ تُزْرَعُ ثُمَّ تُغَرْبَلُ فَتُزْرَعُ مَرَّةً أُخْرَى ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا بَلَا ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ إذَا بَلِيَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ بَلِيَ الثَّوْبُ يَبْلَى مِنْ بَابِ تَعِبَ بِلًى بِالْكَسْرِ ا هـ قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ وَبَرِهِ خَزًّا قِيلَ هُوَ يُنْسَجُ فَإِذَا بَلِيَ يُغْزَلُ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ يُنْسَجُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِقْرَارُهُ ) أَيْ وَإِقْرَارُ

ذِي الْيَدِ بِالْمُلْكِ لِلْخَارِجِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَارِيخَ سَقَطَا وَتُتْرَكُ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ ) أَيْ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ أَوْ الْخَارِجَيْنِ أَوْ ذَوِي الْأَيْدِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا تَارِيخَ لَهُمَا تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ الْمُدَّعَى فِي يَدِ ذِي الْيَدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَتَكُونُ لِلْخَارِجِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا بِجَعْلِ ذِي الْيَدِ مُشْتَرِيًا مِنْ الْخَارِجِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلَالَةُ السَّبْقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِهِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لَهُ فَصَارَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى إقْرَارِ الْآخَرِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ بِهِمَا الْقَضَاءُ لِذِي الْيَدِ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ السَّبَبِ إذْ السَّبَبُ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا لِحُكْمِهِ فَإِذَا لَمْ يُفِدْ حُكْمَهُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا كَطَلَاقِ الصَّبِيِّ وَعَتَاقِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِأَنَّ سَبَبِيَّتَهُ بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ لِذِي الْيَدِ إلَّا بِمِلْكٍ مُسْتَحَقٍّ فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْقَضَاءُ لَهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ثُمَّ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ تَقَاصَّا إنْ كَانَ الثَّمَنَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَتَسَاوَيَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62