كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا ضَمِنَهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ رَبَّيْ الدَّيْنِ لَمَّا اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ سِلْعَةً وَجَبَ عَلَى ذِمَّتِهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نِصْفَ الدَّيْنِ فَلَوْ اسْتَوْفَى نِصْفَ الدَّيْنِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَا هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الشَّرِيكِ الْمُشْتَرِي فِي ضَمَانِ رُبُعِ الدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ ) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ إذَا اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ سِلْعَةً لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ بَلْ يَضْمَنُ رُبُعَ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى سِلْعَةٍ كَالثَّوْبِ مَثَلًا حَيْثُ يَكُونُ الْمُصَالِحُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الثَّوْبِ ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ رُبُعَ الدَّيْنِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ رُبُعَ الدَّيْنِ بِلَا خِيَارٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَى ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِهِ قَابِضًا وَنَحْنُ نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِيطَةِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ وَمَا صَارَ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ فَإِذَا أَلْزَمْنَاهُ رَدَّ حِصَّةِ السَّاكِتِ يَلْزَمُ الضَّرَرُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ دُونَ التَّجَوُّزِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ فِي إلْزَامِ رَدِّ الْحِصَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهُ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ قَالَ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ قَبْلَ دَيْنِهِمَا فَقَدْ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ مِنْ حِصَّتِهِ وَلَا شَيْءَ لَلشَّرِيك عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ قَضَى

دَيْنَ الْمَطْلُوبِ بِمَا دَايَنَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ وَمَنْ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَهُ ، وَلَوْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ كَانَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ قَاضٍ لَا مُقْتَضٍ ؛ لِأَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ يُجْعَلُ قَضَاءً عَنْ أَوَّلِهِمَا أَمَّا أَوَّلُهُمَا لَا يُجْعَلُ قَضَاءً ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ ) أَيْ هُوَ مُؤَدٍّ دَيْنَهُ لَا مُسْتَرِدٌّ دَيْنَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ ) أَيْ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالْإِسْقَاطُ لَا يُسَمَّى اسْتِيفَاءً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ ) أَيْ كَمَا إذَا أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا عَنْ نِصْفِ دَيْنِهِ وَالدَّيْنُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا يَكُونُ لِلْمُبْرِئِ الْمُطَالَبَةُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلِلسَّاكِتِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ كَالشِّرَاءِ بِنَصِيبِهِ ) أَيْ حَتَّى لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ عِنْدَهُمْ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِالْمُقَاصَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ اسْتَأْجَرَ بِنَصِيبِهِ دَارًا مِنْ الْغَرِيمِ وَسَكَنَهَا يَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ نَصِيبِهِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ مُطْلَقًا أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَجُعِلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ بَدَلُ نَصِيبِهِ الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَضْمَنُ بِاعْتِبَارِهِ مَالًا لِشَرِيكِهِ ا هـ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ) قِيلَ الْمَسْأَلَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا مَا إذَا رَمَى النَّارَ عَلَى ثَوْبِ الْمَدْيُونِ فَأَحْرَقَهُ أَمَّا إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ فَأَحْرَقَهُ فَالسَّاكِتُ يَتْبَعُ الْمُحْرِقَ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ قَارِئُ

الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ ) أَيْ إذْ الْبُضْعُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ لَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ رِوَايَتَيْ الْكِتَابَيْنِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَكِتَابِ الصُّلْحِ فَفِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ا هـ قَوْلُهُ وَكِتَابُ الصُّلْحِ أَيْ مِنْ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ الِاخْتِلَافِ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي إنْشَاءِ التَّأْخِيرِ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ الدَّيْنَ مُؤَجَّلٌ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ حُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمَا يَقِيسَانِ الْإِنْشَاءَ عَلَى الْإِقْرَارِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عَقِبَ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَلْزَمُ إذَا أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ نَصِيبِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ كُلِّهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَكَانَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْكُلَّ مُؤَجَّلٌ وَفِي زَعْمِ الْآخَرِ أَنَّ الْكُلَّ حَالٌّ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ نَصِيبِ نَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَذَا ذَكَرَ فِي

شَرْحِ الْكَافِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ) أَيْ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا كَانَ لَهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ سُودٌ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ بِيضٌ عَلَى رَجُلٍ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبِيضُ لِأَحَدِهِمَا وَالسُّودُ لِلْآخَرِ كَانَ بَاطِلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ لِتَمْيِيزِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَنَعْنِي مِنْ الْقِسْمَةِ هَذَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ مُخْتَلِفَانِ وَصْفًا وَحُكْمًا ) أَمَّا وَصْفًا فَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُؤَجَّلٌ وَالْآخَرَ مُعَجَّلٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُطَالِبَ بِنَصِيبِهِ لَا لِلْآخَرِ لَوْ لِقِسْمَةٍ لَيْسَتْ إلَّا لَأَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَقَدْ صَارَ كَذَلِكَ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا يَحْتَجُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَهَذَا كَلَامٌ ظَاهِرُ الِاخْتِلَالِ ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ التَّأْجِيلُ لَا يُوجِبُ الْقِسْمَةَ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمُطَالَبَةِ فَأَصْلُ الدَّيْنِ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَتَغَيُّرُ صِفَةِ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ وَتَغَيُّرُ صِفَةِ النَّصِيبِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ نَصِيبَهُ لِفُلَانٍ صَحَّ وَقَدْ تَغَيَّرَ صِفَةُ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ وَالْآنَ صَارَ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَيْنًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَ صَحَّ وَالشَّرِكَةُ بَاقِيَةٌ لَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا لِنَصِيبِ الْآخَرِ وَصْفًا وَحُكْمًا إلَى آخَرَ مَا ذَكَرْنَا وَبِهَذَا تَتَحَقَّقُ الْقِسْمَةُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْقَوْلُ مَا قَالَتْ حَذَامِ ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى يُطَالِبَ ) يُوجَدُ فِي نُسَخٍ عَدِيدَةٍ حَتَّى لَا بِإِثْبَاتٍ لَا وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا

بِسَطْرٍ بَيَانُهُ إلَخْ ا هـ شَاهَدْت لَا ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ ) فَلَوْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ الْكِتَابَةَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ ) يَعْنِي لَوْ أَبْرَأ أَحَدُهُمَا الْمَدْيُونَ عَنْ نَصِيبِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُبْرِئِ فِيهِ ) أَيْ نَصِيبِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطَلَ صُلْحُ أَحَدِ رَبَّيْ السَّلَمِ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مَا دَفَعَ ) أَيْ عَلَى مَا دَفَعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الصُّلْحُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْدَالِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَجُوزُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَالصُّلْحِ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا أَجَازَهُ شَرِيكُهُ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ فِي حَقِّهِ ، ثُمَّ يَكُونُ لِشَرِيكِهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِيمَا قَبَضَ وَيَكُونُ الدَّيْنُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَكَإِقَالَةِ نَصِيبِهِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ الْعَقْدِ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ قَدْ تَمَّ بِهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ كَشَطْرِ الْعِلَّةِ وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ مَا لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ بِإِجَازَةِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَحَدُ الْمُعْتِقَيْنِ الْمُعْتَقَةَ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْعَيْنَ أَصْلٌ لِوُجُودِ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْعَقْدُ إلَّا بِوُجُودِهَا فَكَذَا تَكُونُ أَصْلًا لِصِحَّةِ الرَّفْعِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْجُودَةٌ حِسًّا وَمُعَايَنَةً قَبْلَ الْعَقْدِ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْعَقْدِ فَكَذَا رَفْعُهُ لِتَمَامِ الْعِلَّةِ فِيهَا ، وَفِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَلَا وِلَايَةُ

التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَّا بِهِ فَكَانَ فِعْلُهُمَا عِلَّةَ ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ وَالْوِلَايَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ ، لَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَكَانَ قِسْمَةً لِلدَّيْنِ وَهُوَ فِي الذِّمَّةِ وَلَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِمَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ رُجُوعِ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ عَوْدُ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ إلَى ذِمَّتِهِ وَالْمُسَلَّمُ فِيهِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَقَايَلَا ، ثُمَّ فَسَخَا الْإِقَالَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ صُلْحُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ مَا عَادَ إلَى ذِمَّتِهِ ، وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ إلَّا بِسُقُوطِ الْكُلِّ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَخْلُوطًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَاهُ وَنَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ كَوْنُهُ يُؤَدِّي إلَى الْعَوْدِ بَعْدَ سُقُوطِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ فَلَا يُؤَدِّي إلَى عَوْدِهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الصُّورَةُ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ عِنْدَهُمَا لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُبْطِلَةٌ لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْخَلْطِ يَبْطُلُ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ وُجُودِ الْخَلْطِ بِعِلَلٍ ؛ وَلِأَنَّ مَنْ أَجَازَهُ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُعَيَّنَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَنْهَضُ حُجَّةً لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ تَرَادُفِ الْعِلَلِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ

فَعَدَمُ بَعْضِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْلُفَهُ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ إذَا لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ بَلْ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِكَوْنِهِمَا اشْتَرَكَا فِي دَيْنِ السَّلَمِ وَالشَّرِكَةُ فِي دَيْنِ السَّلَمِ ثَابِتَةٌ بِسَبَبِ اتِّحَادِ الْعَقْدِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْبِضُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَّا شَارَكَهُ فِيهِ صَاحِبُهُ وَلَا تَأْثِيرَ لِخَلْطِ الْمَالِ فِيهِ وَلَا لِعَدَمِهِ فَكَذَا فِي رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَكَانَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بَاطِلًا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَطَلَ ) أَيْ بَطَلَ بِدُونِ إجَازَةِ الشَّرِيكِ أَيْ لَمْ يَنْفُذْ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ شَرِيكِهِ فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ الصُّلْحُ أَصْلًا وَبَقِيَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهِ ، وَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ نِصْفُ رَأْسِ الْمَالِ بَيْنَهُمَا وَبَاقِي الطَّعَامِ بَيْنَهُمَا ا هـ اخْتِيَار ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صُلْحُ ) سَمَّاهُ صُلْحًا مَجَازًا إذْ هُوَ فَسْخٌ فِي الْحَقِيقَةِ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ عَلَى لَفْظِ الْمَتْنِ مَا نَصُّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ السَّلَمِ إذَا صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ وَيَفْسَخَ عَقْدَ الشَّرِكَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا دَفَعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ شَرِيكُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ نَقْلًا عَنْ التَّقْرِيبِ ا هـ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) وَقَدْ ذُكِرَ الْخِلَافَ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ وَالْمَنْظُومَةِ وَكِتَابِ التَّقْرِيبِ لِلْقُدُورِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ الصُّلْحُ وَجَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَكَإِقَالَةِ نَصِيبِهِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ ) أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَهُمَا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ صُلْحُ أَحَدِهِمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجُوزَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً أَوْ فِي نِصْفٍ مِنْ نَصِيبِهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً يَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ لِمَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي

يُوسُفَ وَعِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ ، وَإِنْ جَازَ فِي نِصْفٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا فِي حَقِّ شَرِيكِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ فِي بَابِ السَّلَمِ بِوِلَايَةِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ حَادِثٌ بِالْعَقْدِ لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَصَارَ الْعَقْدُ أَصْلًا فِيهِ وَاسْتَنَدَتْ وِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ قَائِمٌ بِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ ا هـ ( فَرْعٌ ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا اعْتَبَرَا جَانِبَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَوْجُودًا بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَأَبُو يُوسُف اعْتَبَرَ جَانِبَ الدَّيْنِ فَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُف ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَمَا قَالَاهُ أَدَقُّ فِي الْفَرْقِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْعَقْدِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ بِالْعَقْدِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ إلَخْ ) يَعْنِي لَوْ جَازَ صُلْحُ أَحَدِهِمَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَشَارَكَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ فِي الْمَقْبُوضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا شَارَكَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ رَجَعَ الشَّرِيكُ الْمُصَالِحُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِالصُّلْحِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُصَالِحِ وَالْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ سَاقِطًا بِالصُّلْحِ ثُمَّ عَادَ فَيَلْزَمُ عَوْدُ السَّلَمِ بَعْدَ سُقُوطِهِ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ ثُبُوتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ إلَى ذِمَّتِهِ ) أَيْ ذِمَّةُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَقَايَلَا ) أَيْ فِي السَّلَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ

أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ صُلْحُهُ ) أَيْ صُلْحُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَخْلُوطًا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالُوا هَذَا إذَا خَلَطَا الْمَالَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا خَلَطَا رَأْسَ الْمَالِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَلَنَا فِي قَيْلِهِمْ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي السَّلَمِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخَلْطِ وَعَدَمِهِ بَلْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يَخْلِطَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ وَوَضَعَهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِيمَا إذَا نَقَدَ رَأْسَ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ عَنْ عَرَضٍ أَوْ عَقَارٍ بِمَالٍ ، أَوْ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ ، أَوْ بِالْعَكْسِ ) أَيْ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ ( صَحَّ قَلَّ ، أَوْ كَثُرَ ) يَعْنِي قَلَّ مَا أَعْطَوْهُ أَوْ كَثُرَ ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَادَلَةِ ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَنْ عَيْنٍ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ إذْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ ، وَبَيْعُ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ جَائِزٌ ، وَكَذَا بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ لِعَدَمِ الرِّبَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَفِيهِ الْأَثَرُ أَنَّ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ صَالَحَهَا وَرَثَتُهُ عَنْ رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَقِيلَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ نِصْفَ حَقِّهَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَتَخَارَجُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ أَيْ يُخْرِجُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَعْلُومَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَبَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فِيهِ جَائِزٌ كَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْمُقِرِّ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا قَدْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَإِلَى التَّتِمَّةِ وَقَالَ لَا تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ ، أَوْ وَقَعَ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا يَعْنِي مُقِرًّا غَيْرَ مَانِعٍ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ

، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِهِ شَرْطٌ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَجْهُولِ لَا يُمْكِنُ ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْمَكِيلِ ، أَوْ الْمَوْزُونِ ، وَإِنَّمَا لَا يَنُوبُ هَذَا الْقَبْضُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْمَضْمُونِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِهِ بِأَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَكَان يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ بِالتَّخْلِيَةِ ، وَالْمَضْمُونُ يَنُوبُ عَنْ الْأَمَانَةِ وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْقَبْضَيْنِ يَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَالْمَضْمُونِ عَنْ الْمَضْمُونِ أَوْ الْأَمَانَةِ عَنْ الْأَمَانَةِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ إلَخْ ) فِي الْهِدَايَةِ عَقَدَ لِهَذَا فَصْلًا فَقَالَ فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَعْنَى التَّخَارُجِ أَنْ يُصَالِحَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى شَيْءٍ فَيَخْرُجُ مِنْ الْبَيْنِ وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْفَصْلَ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَرْضَى بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَيْنِ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ دُونَ نَصِيبِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ لَا يَصِحُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ الْأَثَرُ ) أَيْ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ أَنَّ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ) أَيْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ فَاخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مِيرَاثِهَا مِنْهُ ثُمَّ صَالَحُوهَا عَلَى الشَّطْرِ وَكَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَحَظُّهَا رُبُعُ الثُّمُنِ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ التَّرِكَةِ فَصَالَحُوهَا عَلَى نِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا وَأَخَذَتْ بِهَذَا الْحِسَابِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْأَلْفَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُفَسِّرْ أَنَّهَا دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَذَكَرَ ثَلَاثَةً قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْمُصَالَحَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ كَمْ نِسْوَةٍ مَاتَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَفَسَّرَ الثَّمَانِينَ بِالدِّينَارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ قَالَ : قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ فِي بَرَاءَةِ قَوْله تَعَالَى { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَوِّعِينَ } وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ { حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ جِئْتُك بِنِصْفِهَا فَاجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمْسَكْت نِصْفَهَا لِعِيَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيمَا أَعْطَيْت وَفِيمَا أَمْسَكْت } فَبَارَكَ اللَّهُ فِي مَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى إنَّهُ خَلَفَ امْرَأَتَيْنِ حِينَ مَاتَ فَبَلَغَ ثُمُنُ مَالِهِ لَهُمَا مِائَةٌ وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَالًا بَلَغَ الصُّلْحُ عَنْ رُبُعِ ثَمَنِهَا هَذَا الْمَبْلَغَ يَكُونُ مِمَّا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَدْرَهُ وَقْتَ الصُّلْحِ لَا يَكُونُ مُسْتَدْرَكًا فَلَا يَكُونُ نَصِيبُ الْمُصَالَحَةِ مُسْتَدْرَكًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَهَذَا دَلِيلُ ثَرْوَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ كَانَ قَاسَمَ اللَّهَ مَالَهُ فِي حَيَاتِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ وَأَمْسَكَ نِصْفَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِجَمْعِ الْمَالِ وَاكْتِسَابِ الْغِنَى مِنْ الْحِلِّ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ عِلْيَةِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ وَلَكِنْ تَرْكُ الْجَمْعِ وَالِاسْتِكْثَارِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا } الْحَدِيثُ ا هـ ( فَرْعٌ ) النَّدْبُ إلَى الصُّلْحِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُحْدِثُ بَيْنَهُمْ الضَّغَائِنَ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا فِي حَالِ اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْقَضَاءِ أَمَّا فِي حَالِ ظُهُورِ وَجْهِ الْقَضَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ فِي الدُّعَاءِ إلَى الصُّلْحِ أَمْرًا لِأَحَدِهِمَا بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ وَمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ دُعَاؤُهُمَا إلَى الصُّلْحِ بِطَرِيقِ النَّدْبِ لَا بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ لِمَا قَالَ مِنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ صِيَانَتُهُمَا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْعَدَاوَةِ وَيَنْبَغِي

أَنْ لَا يَدْعُوَهُمَا إلَى ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَبَيَا عَنْ ذَلِكَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يَرُدُّهُمَا إلَى مَنْ يَسْمَعَانِ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ عَسَى أَنْ يَحْتَشِمَ مِنْ الْقَاضِي فَيَتْرُكُ بَعْضَ حَقِّهِ حِشْمَةً مِنْ الْقَاضِي وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ رُدُّوا الْخُصُومَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَى أَهْلِهَا وَالصُّلْحُ فِي حَقِّهَا أَنْدَبُ احْتِرَازًا عَنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَبَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فِيهِ ) أَيْ فِي التَّخَارُجِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ ) أَيْ أَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ شَيْئًا ا هـ نِهَايَةٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَجْهُولِ إلَخْ ) قَبْضُ الْمَجْهُولِ الْعَيْنِ هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَمَّا مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَيُمْكِنُ قَبْضُهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ إلَخْ ) الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَأَعْيَانُ التَّرِكَةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فَيَكُونُ رِبًا أَوْ شُبْهَةَ الرِّبَا كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَنْ نَقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ لَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ حَظِّهِ مِنْهُ ) أَيْ لَوْ صَالَحَ عَنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ حَتَّى يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرُ نَصِيبِهِ بِنَصِيبِهِ وَالزَّائِدُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَجَبَ اعْتِبَارُ شَرْطِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِ ، وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَوْهُ قَدْرَ حَقِّهِ أَوْ أَقَلَّ يَكُونُ الْعُرُوض ، أَوْ الْعُرُوض وَبَعْضُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ حَاصِلًا لَهُمْ بِلَا عِوَضٍ فَيَكُونُ رِبًا وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَقَلَّ فَكَانَ أَرْجَحَ وَأَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ فَيَجُوزُ ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ مَا يَأْخُذُهُ لَا يَكُونُ بَدَلًا لَا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا فِي قَدْرِهِ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرَضًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا جَازَ مُطْلَقًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ، قُبِضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ لِعَدَمِ الرِّبَا وَإِذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صَحَّ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّا نَصْرِفُ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ .

قَوْلُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ ) أَيْ أَبُو الْفَضْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَجْهُ ذَلِكَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ إنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِمَا مِنْ الْعَيْنِ فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَيْ مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَافِي أَمَّا فِي حَالَةِ الْمُنَاكَرَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ مُعَاوَضَةً يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إسْقَاطًا ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّ الْمُدَّعَى فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا ا هـ قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَيْ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ الْمُنَاكَرَةِ الْمُعْطِي يُعْطِي الْمَالَ لِيَقْطَعَ الْمُنَازَعَةَ وَيُفْدَى يَمِينُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الرِّبَا إلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ هَذَا ا هـ ذَخِيرَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَخْرَجُوهُ لِيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ بَطَلَ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَبَطَلَ فِيهِ ، ثُمَّ تَعَدَّى إلَى الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ بَيَّنَ حِصَّةَ الدَّيْنِ ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ إذَا بَيَّنَ حِصَّتَهُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ ، أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَيَّنَ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا صَحَّ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَفِي النِّهَايَةِ يَرِدُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا يَصِحُّ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ وَيَفْسُدُ فِي حِصَّةِ الشَّعِيرِ وَهَا هُنَا قَالَا فَسَدَ فِي الْكُلِّ قَالَ هَذَا مِمَّا يُحْفَظُ ، ثُمَّ قَالَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يُقَابِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ إذَا بَيَّنَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَتَصْحِيحًا لِقَاعِدَتِهِمَا .

( قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ) أَيْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ النَّقْضِ الَّذِي قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ حَيْثُ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فِيمَا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ لَكِنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْقِنِّ ا هـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي الْكَافِي قِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فِيمَا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْقِنِّ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ ( صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ ، أَوْ تَمْلِيكٌ لِلدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ وَأُخْرَى أَيْ حِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مُتَبَرِّعِينَ ، ثُمَّ قَالَ : وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالَحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوا عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَيُحِيلُهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ ، وَهَذَا فِي الْوَجْهَيْنِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَعْطَوْا الْمُصَالِحَ شَيْئًا بِمُقَابَلَةِ الدَّيْنِ ، أَوْ قَدْرَ الدَّيْنِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ الدَّيْنُ فَقَدْ حَصَلَ لَهُمْ ضَرَرٌ دُنْيَوِيٌّ وَلَيْسَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّهُمْ ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمْ قَدْرُ الدَّيْنِ لَكِنْ حَصَلَ لَهُمْ الدَّيْنُ بِمُقَابَلَتِهِ فَانْتَفَى عَنْهُمْ الضَّرَرُ إلَّا ضَرَرَ النَّقْدِ فَإِنَّ الْعَيْنَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ وَالْأَوْجَهُ مِنْهُ أَنْ يَبِيعُوهُ كَفًّا مِنْ تَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ ، ثُمَّ يُحِيلُهُمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ ، أَوْ يُحِيلُهُمْ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ بَيْعِ شَيْءٍ لِيَقْبِضُوهُ لَهُ ، ثُمَّ يَأْخُذُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا مَكِيلٌ وَلَا مَوْزُونٌ فَصُولِحَ عَلَى مَكِيلٍ ، أَوْ مَوْزُونٍ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا بِأَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ مِنْ جِنْسِهِ فَيَكُونُ فِي حَقِّهِ بَيْعُ الْمُقَدَّرِ بِجِنْسِهِ جُزَافًا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَإِذَا كَانَ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَكْثَرَ وَإِنَّ احْتِمَالَهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ هُوَ احْتِمَالُ الِاحْتِمَالِ فَنَزَلَ إلَى

شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ مَعَ جَهَالَةِ التَّرِكَةِ يَجُوزُ ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ ، أَوْ بَعْضُهَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَصِيرَ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مَعْلُومًا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ ) يَعْنِي إذَا شَرَطَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُبْرِئَ الْمُصَالِحُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ الْغُرَمَاءَ وَهُمْ الْمَدْيُونُونَ وَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ صَحَّ الصُّلْحُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ ) أَيْ لِلدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ ) أَيْ فِي الصُّلْحِ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي ضَرَرُ النَّقْدِ ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بَطَلَ الصُّلْحُ وَالْقِسْمَةُ ) ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ التَّرِكَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُسْتَغْرِقَ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ التَّرِكَةِ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِرْثِ ، وَلَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ هَذَا كَفَالَةٌ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ وَهُوَ الْمَيِّتُ فَتَصِيرُ حَوَالَةً فَيَخْلُو مَالُ الْمَيِّتِ عَنْ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بِالدَّيْنِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوهُ أَوْ يُصَالِحُوا عَنْهُ ، وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ التَّرِكَةِ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالصَّرْفِ إلَى جُزْءٍ دُونَ جُزْءٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَغْرِقِ فَيُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ دَيْنٍ قَلِيلٍ فَلَوْ مَنَعَ غَيْرُ الْمُسْتَغْرَقِ مِنْهُ تَمَلُّكَ الْوَارِثِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ ، أَوْ إلَى أَنْ لَا يَمْلِكُوا أَصْلًا فَقُلْنَا بِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ الدَّيْنِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يُقْضَى بِهِ الدَّيْنُ كَيْ لَا يَحْتَاجُوا إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .( قَوْلُهُ فَتَصِيرُ حَوَالَةً ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ كَانَتْ حَوَالَةً فَيَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَفِيلُ فَتَخْلُو التَّرِكَةُ عَنْ الدَّيْنِ فَتَنْفُذُ الْقِسْمَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

( كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ شَرِكَةٌ بِمَالٍ مِنْ جَانِبٍ وَعَمَلٌ مِنْ جَانِبٍ ) يَعْنِي : الْمُضَارَبَةُ عَقْدُ شَرِكَةٍ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٌ مِنْ الْآخَرِ هَذَا فِي الشَّرْعِ وَالْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا فِيهَا الرِّبْحَ لِأَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ مُضَارَبَةً عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَقِيلَ : هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا فَيَكُونُ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ بِسَبَبِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَلِلْمُضَارِبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَسَبُّبٌ لِوُجُودِ الرِّبْحِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ ، وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ } يَعْنِي الَّذِينَ يُسَافِرُونَ لِلتِّجَارَةِ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ غَالِبًا لِطَلَبِ الرِّبْحِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } وَهُوَ الرِّبْحُ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ هَذَا الْعَقْدَ مُقَارَضَةً وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَقْطَعُ قَدْرًا مِنْ مَالِهِ وَيُسَلِّمُهُ لِلْعَامِلِ ، وَأَصْحَابُنَا اخْتَارُوا لَفْظَةَ الْمُضَارَبَةِ لِكَوْنِهَا مُوَافِقَةً لِمَا تَلَوْنَا مِنْ نَظْمِ الْآيَةِ ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ صَاحِبُ مَالٍ وَلَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ فَشُرِعَتْ لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُهُمْ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا فَتَرَكَهُمْ عَلَيْهَا وَتَعَامَلَهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى أَنَّ { عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا وَأَنْ لَا يَنْزِلَ وَادِيًا وَلَا يَشْتَرِيَ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ فَبَلَغَ

ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْسَنَهُ } فَصَارَتْ مَشْرُوعَةً بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ الْأَثْمَانِ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا شَائِعًا وَنَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْلُومًا وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا مُسَلَّمًا إلَيْهِ فَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَسَدَتْ وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ دَفَعْت هَذَا الْمَالَ إلَيْك مُضَارَبَةً ، أَوْ مُعَامَلَةً ، أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِهَا الْمُضَارَبَةُ وَحُكْمُهَا أَنْوَاعٌ : إيدَاعٌ وَوَكَالَةٌ وَإِجَارَةٌ وَغَصْبٌ وَأَنْوَاعُهَا : عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ عَلَى مَا يَجِيءُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ مُفَصَّلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُضَارِبُ أَمِينٌ وَبِالتَّصَرُّفِ وَكِيلٌ وَبِالرِّبْحِ شَرِيكٌ وَبِالْفَسَادِ أَجِيرٌ وَبِالْخِلَافِ غَاصِبٌ وَبِاشْتِرَاطِ كُلِّ الرِّبْحِ لَهُ مُسْتَقْرِضٌ وَبِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ مُسْتَبْضِعٌ ) يَعْنِي بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ أَمِينًا ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَيْهِ مَضْمُونًا أَقْرَضَهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً ، ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْعَمَلِ فَإِذَا عَمِلَ وَرَبِحَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَأَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ الْقَرْضِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ أَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ بِالْقَرْضِ ، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَهُوَ الْعَامِلُ ، أَوْ أَقْرَضَهُ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَعَقَدَا شَرِكَةَ الْعِنَانِ ، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ وَيَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْتَقْرِضُ فَإِنْ رَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا صَارَ وَكِيلًا بِالتَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي

مِلْكِهِ بِأَمْرِهِ وَهَذَا مَعْنَى الْوَكَالَةِ ، وَإِنَّمَا صَارَ شَرِيكًا لَهُ إذَا رَبِحَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ فَصَارَ ثُبُوتُ الشَّرِكَةِ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّتِهَا وَصِحَّةِ الِاشْتِرَاطِ ، وَإِنَّمَا صَارَ أَجِيرًا إذَا فَسَدَتْ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ إذَا فَسَدَتْ وَهُوَ بَدَلُ عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَكَذَا عَمَلُهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَرْضَ بِالْعَمَلِ مَجَّانًا فَيَجِبُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الشَّرِيكِ حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً إذَا فَسَدَتْ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الرِّبْحَ بِالْمَالِ لَا بِالْعَمَلِ ، ثُمَّ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الشَّرِكَةِ ، وَإِنَّمَا صَارَ غَاصِبًا بِالْخِلَافِ لِوُجُودِ التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ كَالْغَصْبِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ فَإِذَا خَالَفَ فَقَدْ تَعَدَّى فَصَارَ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ ، وَإِنَّمَا صَارَ الْمُضَارِبُ مُسْتَقْرِضًا بِاشْتِرَاطِ كُلِّ الرِّبْحِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ كُلَّهُ إلَّا إذَا صَارَ رَأْسُ الْمَالِ مِلْكًا لَهُ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ كَالثَّمَرَةِ لِلشَّجَرِ ، وَكَالْوَلَدِ لِلْحَيَوَانِ فَإِذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الرِّبْحِ لَهُ فَقَدْ مَلَّكَهُ جَمِيعَ رَأْسِ الْمَالِ مُقْتَضًى فَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَقْتَضِي الرَّدَّ كَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ لَفْظَةَ الْمُضَارَبَةِ تَقْتَضِي رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ فَجَعَلْنَاهُ قَرْضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ عَمَلًا بِهِمَا ؛ وَلِأَنَّ الْقَرْضَ أَدْنَى التَّبَرُّعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْحَقَّ عَنْ الْعَيْنِ دُونَ الْبَدَلِ وَالْهِبَةُ تَقْطَعُ عَنْهُمَا فَكَانَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَقَلَّ ضَرَرًا ، وَإِنَّمَا صَارَ مُسْتَبْضِعًا بِاشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ

الْمُضَارِبَ لَمْ يَطْلُبْ لِعَمَلِهِ بَدَلًا وَعَمَلُهُ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ فَكَانَ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبِضَاعَةِ فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهَا .

( كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ ) وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ قَالَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْدُومٍ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَسَدَ كَانَ إجَارَةً بِالْإِجْمَاعِ وَجَهَالَةُ الْعَمَلِ وَالْأَجْرِ تُوجِبُ فَسَادَ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَجَوَّزْنَاهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَمَلٌ ) هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالرَّفْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي رَأْسِ الْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا تَكُونُ مُضَارَبَةً ) أَيْ بَلْ بِضَاعَةً إنْ شَرَطَ جَمِيعَهُ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ قَرْضًا إنْ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هِيَ دَفْعُ الْمَالِ إلَى الْغَيْرِ لِيَتَّجِرَ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا ) أَيْ ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْعَاقِدَيْنِ حُصُولُ الرِّبْحِ وَلَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ عَادَةً إلَّا بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ } ) وَقَالَ تَعَالَى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ } وَأَطْلَقَ اسْمَ الْمُضَارِبِ عَلَى الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ ضَارِبٌ فِي الْأَرْضِ لَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ طَالِبٌ لِلضَّرْبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَنَّ عَبَّاسًا ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَنَّ عَبَّاسَ ا هـ قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ ) إمَّا تَسْمِيَةً أَوْ إشَارَةً ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا أَنْوَاعٌ إيدَاعٌ ) لَيْسَ هَذَا حُكْمَهَا وَإِنَّمَا هِيَ حَالَاتٌ لِلْمُضَارِبِ وَأَوْصَافٌ لَهُ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ

الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ مَقْبُوضٌ بِالْقِيمَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْوَثِيقَةُ ) احْتِرَازٌ عَنْ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ أَقْرَضَهُ إلَخْ ) هَذِهِ الْحِيلَةُ الثَّانِيَةُ عَزَاهَا الْأَتْقَانِيُّ لِشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ ) أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ الْمُقْرِضِ وَرَأْسُ مَالِ الْمُسْتَقْرِضِ جَمِيعَ مَا اسْتَقْرَضَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهِ جَمِيعًا وَيُشْتَرَطَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْمَلُ الْمُسْتَقْرِضُ خَاصَّةً فِي الْمَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ ) أَيْ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَعْدَمَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِلْمُضَارِبِ وَلَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ إذَا تَصَرَّفَا وَرَبِحَا لَا يَطِيبُ لَهُمَا الرِّبْحُ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ ) ، وَمَعْنَاهُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا غَيْرُ عِنْدَهُمَا وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُمَا ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرِكَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ رَأْسِ الْمَالِ بِمِثْلِ الْمَقْبُوضِ وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ يُسْتَرْبَحُ عَلَيْهَا بِالتِّجَارَةِ عَادَةً فَكَانَتْ كَالنَّقْدَيْنِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمُضَارَبَةِ وَأَمْكَنَ تَقْدِيرُ رَأْسِ الْمَالِ بِالْقِيمَةِ إذْ هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ ؛ وَلِهَذَا تَبْقَى الْمُضَارَبَةُ عَلَيْهَا فَكَذَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ ، وَالْمُضَارَبَةُ بِغَيْرِ النُّقُودِ تُؤَدِّي إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَرُبَّمَا زَادَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا بَاعَهَا شَرَكَهُ فِي الرِّبْحِ فَحَصَلَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ إذْ الْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ شَيْءٌ فِي ضَمَانِهِ بِخِلَافِ النُّقُودِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الشِّرَاءِ بِهَا يَجِبُ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ رِبْحُ مَا ضَمِنَ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ عُرُوضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَأَوَّلُ تَصَرُّفٍ يَكُونُ فِيهَا بَيْعٌ وَقَدْ يَحْصُلُ بِهَذَا الْبَيْعِ رِبْحٌ بِأَنْ يَبِيعَهُ ، ثُمَّ يَرْخُصَ سِعْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ رِبْحُهُ بِدُونِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ هَذَا اسْتِئْجَارًا عَلَى الْبَيْعِ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا كَمَا فِي الْعُرُوضِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا وَقَالَ : بِعْهُ وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضَافَةَ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْضِ

الثَّمَنِ ، وَلَنَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ الْعَرَضِ أَوَّلًا ، وَهُوَ كَبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ ، ثُمَّ عَقَدَ الْمُضَارَبَةَ عَلَى الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ ، وَهُوَ كَالْمَقْبُوضِ فِي يَدِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ هَذَا الْعَبْدَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا تَوْكِيلٌ وَإِجَارَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ قَابِلٌ لِلْإِضَافَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِضَافَةَ سَبَبٌ لِلْحَالِ دُونَ التَّعْلِيقِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَرَضَ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَيَكُونُ ذَلِكَ رَأْسَ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا يَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ اقْبِضْ دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالْقَبْضِ وَإِضَافَةٌ لِلْمُضَارَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعَيِّنَ الْبَائِعَ ، أَوْ الْمَبِيعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَبَطَلَ التَّوْكِيلُ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى كَانَ لِلْمَأْمُورِ ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِقَبْضِ مَا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا ذَكَرْنَا حَتَّى يَكُونَ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ لَكِنَّ الْمُشْتَرَى عُرُوضٌ فَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا .

( قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ ) وَمَا كُتِبَ فِي بَعْضِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِهِمْ بَلْ ذَكَرَ فِيهَا لَا تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ وَالْمُضَارَبَةُ بِغَيْرِ النُّقُودِ تُؤَدِّي إلَيْهِ ) بَيَانُهُ أَنَّهُ الْمُضَارِبُ لَوْ بَاعَ الْعُرُوضَ فَهَلَكَتْ الْعُرُوض فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ إنْ سَلَّمَهَا تَمَّ الْبَيْعُ ، وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَرَضُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْهُ يَكُونُ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَهُوَ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا تَكُونُ الْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ إنَّمَا تَكُونُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا إلَخْ ) يَعْنِي بِهَذَا وَجْهَ الْحِيلَةِ فِي جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ وَوَجْهُهَا هَذَا وَحِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ وَقَالَ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا مَتَاعٌ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يَبِيعُ الْمَتَاعَ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ وَيَقْبِضُ الْمَالَ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُضَارِبِ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَشْتَرِي الْمُضَارِبُ هَذَا الْمَتَاعَ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ قَابِلٌ لِلْإِضَافَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي وَكَالَةِ الطَّحَاوِيِّ إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ غَدًا كَانَ وَكِيلًا فِي الْغَدِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ ؛ وَلِهَذَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ يَجُوزُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَمَامُ الْبَيَانِ فِيهِ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ

فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ قُبَيْلَ بَابِ اشْتِرَاطِ الرِّبْحِ لِغَيْرِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَمَرَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً وَيَشْتَرِي بِهِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْمَتَاعِ وَيَبِيعُهُ فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ أَمَانَةً عِنْدَهُ ، وَمَا اشْتَرَى فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَرِبْحُهُ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَيْنُهُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا اشْتَرَى وَبَاعَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ وَبَرِئَ الْمُضَارِبُ مِنْ دَيْنِهِ وَلِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِثْلُ أَجْرِ عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إنْ فَسَدَتْ بَقِيَ أَمْرًا بِالشِّرَاءِ لَهُ بِمَا عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَعِنْدَهُمَا الْأَمْرُ بِهِ صَحِيحٌ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ وَقَدْ أَطْمَعَهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَصِحَّ فَيَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَمَرَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ مَعْلُومًا يَصِحُّ الشِّرَاءُ لِلْآمِرِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَتْنًا وَشَرْحًا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ الْكَلَامُ فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا ) أَيْ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إلَّا إذَا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَحَقَّقُ بِهِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَزِيدَ الرِّبْحُ عَلَى الْمُسَمَّى .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ هُوَ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ فَإِذَا اشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً كَالْمِائَةِ وَنَحْوِهَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَكُونُ الرِّبْحُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ فَلَا يَبْقَى لِلْآخَرِ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرًا مَعْلُومًا مُشَاعًا مِنْ كُلِّ الرِّبْحِ مِثْلُ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَإِذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا مِائَةً مِنْ الرِّبْحِ مَثَلًا أَوْ مِائَةً مَعَ الثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَ إلَّا مِائَةً وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ لَمْ تَجُزْ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَرْبَحَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ ثُمَّ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَدَّى إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ صَحَّتْ وَبَطَلَ الشَّرْطُ مِثْلُ أَنْ يَشْرِطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَهَذَا أَنَّ مَا تَقِفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ مَا أَمْكَنَ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ ؛ وَلِأَنَّهَا وَكَالَةٌ مَعْنًى وَالْوَكَالَةُ لَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتُ عَطْفًا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ بِمَا تَصِحُّ ا هـ قُلْت وَقَدْ وَجَدْته فِي نُسَخٍ كَذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا وَيَكُونُ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ مُضَارِعُ كَانَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَصْدَرًا مَجْرُورًا بِالْبَاءِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا زِيَادَةَ عَشْرَةٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ عَنْ الْمَشْرُوطِ ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَيَجِبُ الْأَجْرُ لِلْمُضَارِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْأَجِيرِ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ ، وَقَدْ وُجِدَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ فِي الصَّحِيحَةِ مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا فَوْقَهَا فِي إمْضَاءِ حُكْمِهَا وَاسْتِحْقَاقِ الْمُسَمَّى فِيهَا وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَمَانَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي الصَّحِيحَةِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْعُقُودِ يَأْخُذُ الْحُكْمَ مِنْ الصَّحِيحِ مِنْهَا ؛ وَلِأَنَّهُ عَيْنٌ فِي يَدِ أَجِيرِهِ وَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَقِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ إجَارَةٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا الطَّرِيقِ مَا شَاءَ مِنْ الْمَالِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ هَذِهِ مُضَارَبَةٌ لَفْظًا وَإِجَارَةٌ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَلَبَ لِعَمَلِهِ أُجْرَةً فَعَمِلْنَا بِاللَّفْظِ فِي انْتِقَاءِ الضَّمَانِ وَبِالْمَعْنَى فِي حَقِّ وُجُوبِ أَجْرِ مِثْلِهِ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ كَأَجِيرِ الْوَحْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيجَارِ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى أَنَّ لِلَّذِي أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً زِيَادَةً مِنْ الرِّبْحِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَالَ لَا خَيْرَ فِي هَذَا وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ فَمَا أَدَّى إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ كَانَ فَاسِدًا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْبَحُ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَلَا يَحْصُلُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرٌ مِثْلُ عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ ابْتَغَى لِعَمَلِهِ عِوَضًا فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ لِفَسَادِ الْعَقْدِ كَانَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ زِيَادَةُ عَشْرَةٍ ) أَيْ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الرِّبْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يُجَاوِزُ عَنْ الْمَشْرُوطِ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ ) أَيْ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَهَذَا ) أَيْ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ ) يَعْنِي يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ ) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْأَجِيرِ إذَا فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ ثُمَّ الْأَجِيرُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إمَّا بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ وَفِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ تَسْلِيمُ

الْمَنَافِعِ وَإِمَّا بِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ كَمَا فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَقَدْ وُجِدَ تَسْلِيمُ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَلَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ الْعَقْدِ فَيَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ ) فِيهِ نَظَرٌ كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ) أَيْ إذَا لَمْ يَرْبَحْ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَجِبُ مَا نَصُّهُ فِي الْفَاسِدَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَمَانَةٌ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْمُضَارِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ كَالْأَجِيرِ فِيهَا فَإِنْ ضَاعَ مِنْهُ الْمَالُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ كَمَا تَرَى وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَجَعَلَهُ أَمَانَةً كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ وَجُمْلَةُ الْبَيَانِ هُنَا مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَقَالَ وَلَوْ قَالَ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَلِلْمُضَارِبِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَسَى لَا يَرْبَحُ إلَّا مِائَةً وَمَتَى فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ انْقَلَبَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً حَتَّى لَوْ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَرَبِحَ مَالًا أَوْ لَمْ يَرْبَحْ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ وَهَلْ يُجَاوِزُ نِصْفَ الرِّبْحِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي شَرِكَةِ الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ أَنَّ الْمَجْمُوعَ يَكُونُ لِلْجَامِعِ وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ نِصْفَ الْمَجْمُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِنِصْفِ الرِّبْحِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ

الرِّبْحِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ ، وَلَوْ وُضِعَ الْمَالُ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مَضْمُونًا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِحُكْمِ الْمَالِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ أَوْ فَسَدَتْ يَكُونُ أَمَانَةً ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عِنْدَهُ فَقَدْ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا وَلَهُ وِلَايَةُ جَعْلِهِ أَمِينًا وَكَذَا كُلُّ مُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ عَمِلَ بِهَا الْمُضَارِبُ فَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا رِبْحَ لَهُ وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مَضْمُونَةٍ ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ ) أَيْ بَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَنَّ هَذِهِ ) أَيْ الْمُضَارَبَةَ الْفَاسِدَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ ) أَيْ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ فَأَمَّا الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ إجَارَةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى فَيَكُونُ الْمَالُ مَضْمُونًا عِنْدَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْهَلَاكُ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ا هـ كَاكِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ يُفْسِدُهَا وَإِلَّا لَا وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَشَرْطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَدِّيًا إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ لَا يُفْسِدُهَا بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَاَلَّذِي يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا سَنَةً ، أَوْ دَارِهِ لِيَسْكُنَهَا سَنَةً ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَ الرِّبْحِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَالْبَعْضَ أُجْرَةَ دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ وَلَا يَعْلَمُ حِصَّةَ الْعَمَلِ حَتَّى تَجِبَ حِصَّتُهُ وَيَسْقُطُ مَا أَصَابَ مَنْفَعَةَ الدَّارِ ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ صَحَّ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى جَهَالَةِ حِصَّةِ الْعَمَلِ إذْ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ مُقَابَلٌ بِعَمَلِهِ لَا غَيْرُ وَلَا جَهَالَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا شَرَطَ لَهُ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الرِّبْحِ شَائِعًا ، ثُمَّ هُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَيَبْطُلُ هُوَ دُونَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالْوَكَالَةِ وَالْهِبَةِ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَشَرْطُ الْوَضِيعَةِ شَرْطٌ زَائِدٌ لَا يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ وَلَا الْجَهَالَةَ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا وَتَكُونُ الْوَضِيعَةُ وَهُوَ الْخُسْرَانُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ مَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ بِالْهَلَاكِ يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَالِ دُونَ غَيْرِهِ وَالْمُضَارِبُ أَمِينٌ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالشَّرْطِ فَصَارَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ ، أَوْ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِيهِ مُفْسِدٌ وَمَا لَا فَلَا .

( قَوْلُهُ صَحَّ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ دَفَعَ أَلْفًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ أَرْضَهُ يَزْرَعُهَا سَنَةً أَوْ عَلَى أَنْ يُسْكِنَهُ دَارِهِ سَنَةً فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا شَرْطًا لَا تَقْتَضِيهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا رَبُّ الْمَالِ سَنَةً أَوْ يَدْفَعَ دَارِهِ إلَى رَبِّ الْمَالِ يَسْكُنُهَا سَنَةً فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ نِصْفِ الرِّبْحِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَعَنْ أُجْرَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ فَصَارَ حِصَّةُ الْعَمَلِ مَجْهُولًا بِالْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَذَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ) أَيْ كَمَا لَوْ شَرَطَ لُزُومَ الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ إذْ الْعَقْدُ شُرِعَ لِإِثْبَاتِ مُوجَبِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ إذْ مُوجَبُهُ تَسْلِيمُ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ وَذَا يَمْنَعُهُ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ ) يَعْنِي رَبُّ الْمَالِ يُسَلِّمُ الْمَالَ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِهِ وَالْمَالُ مَحَلُّ الْعَمَلِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ كَالْإِجَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَسْلِيمُ الْمَالِ إلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ انْعَقَدَتْ عَلَى الْعَمَلِ مِنْهُمَا فَشَرْطُ انْتِفَاءِ يَدِ رَبِّ الْمَالِ فِيهَا يُخْرِجُ الْعَقْدَ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَرِكَةً وَلَا كَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَمَلَ مِنْ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَى الْعَامِلِ وَتَخْلِيصِهِ لَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يُنَافِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ عَاقِدًا ، أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَى مَالِهِمَا بِجِهَةِ الْمِلْكِ كَالْكَبِيرِ فَبَقَاءُ يَدِهِمَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُسَلِّمًا إلَى الْمُضَارِبِ وَكَذَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً فَشَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ شَرِيكُهُ مَعَ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ لَلشَّرِيكِ فِيهِ مِلْكًا فَيَمْنَعُ يَدَهُ مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُضَارِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَاقِدُ مَالِكًا وَشَرَطَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ فَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمُضَارَبَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ تَفْسُدُ كَالْمَأْذُونِ يَدْفَعُ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَيَشْتَرِطُ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَيْهِ وَالْيَدُ ثَابِتَةٌ لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ وَيَدُهُ يَدُ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّصَرُّفِ فَكَانَ قِيَامُ يَدِهِ مَانِعًا لِصِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مُضَارَبَةً لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ كَالْأَبِ

وَالْوَصِيِّ إذَا دَفَعَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً وَشَرَطَا أَنْ يَعْمَلَا بِأَنْفُسِهِمَا مَعَ الْمُضَارِبِ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَخَذَا مَالَهُ مُضَارَبَةً لِيَعْمَلَا بِأَنْفُسِهِمَا بِالنِّصْفِ صَحَّ فَكَذَا إذَا شَرَطَا عَمَلَهُمَا مَعَ الْمُضَارِبِ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ فِيهِ مُضَارِبًا وَحْدَهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُضَارِبًا مَعَ غَيْرِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَاقِعٌ لِلصَّغِيرِ حُكْمًا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَصَارَ دَفْعُهُ كَدَفْعِ الصَّغِيرِ وَشَرْطُهُ كَشَرْطِهِ فَتُشْتَرَطُ التَّخْلِيَةُ مِنْ قِبَلِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الْمَالِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ ، وَإِنْ دَفَعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ مَعَ الْمُضَارِبِ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُضَارَبَةِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِيهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا دَفَعَ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ مَعَهُ لَا يَفْسُدُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِدَفْعِ الْمَالِ ) قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ وَبِدَفْعٍ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتُ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ كَمَا تَقَدَّمَ ا هـ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت ا هـ ( قَوْلُهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُضَارِبِ شَرْطُ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ ، وَشَرْطُ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ يُفْسِدُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ كَالْوَدِيعَةِ وَإِذَا شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ مَعَهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ تَبْقَى عَلَى الْمَحَلِّ فَيُمْنَعُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَرَدَّهُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَفَعَلَ وَرَبِحَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ صَرِيحُ النَّقْضِ وَلَا دَلَالَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعِينًا بِهِ عَلَى الْعَمَلِ وَمَتَى وَقَعَ الْعَمَلُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ إعَانَةً لَا يُجْعَلُ هَذَا اسْتِرْدَادًا فَلَا تُنْتَقَضُ بِهِ الْيَدُ الثَّابِتَةُ لِلْمُضَارِبِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ فِي حَالِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ مَانِعَةٌ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَالتَّسْلِيمُ شَرْطُ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا اسْتَعَانَ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَفَعَلَ حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ هُوَ الْعَمَلُ فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ أَمَّا هَاهُنَا فَالْعَمَلُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِي تَحْصِيلِ الرِّبْحِ فَافْتَرَقَا وَصَارَ كَأَنَّ الْمَالِكَ وَهَبَ لِلْمُضَارِبِ رَأْسَ الْمَالِ

ثُمَّ اشْتَرَكَا ، وَلَوْ فَعَلَ كَذَلِكَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَا هَاهُنَا كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ وَلَوْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً فَالْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ وَالْمُضَارَبَةُ الْأُولَى جَائِزَةٌ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ تَنْفَسِخُ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهِيَ تُعْرَفُ فِي الْمُخْتَلَفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَالِ عَاقِدًا كَالْبَالِغِ أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ مِثْلُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا دَفَعَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ الصَّغِيرِ يَفْسُدُ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ مَالِكٌ لِلْمَالِ فَبَقَاءُ يَدِهِ فِيهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُضَارَبَةِ كَالْكَبِيرِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالٍ إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا دَفَعَا مَالًا مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ شَرِيكِهِ مَعَ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ كَالدَّافِعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ شَرِيكُ رَبِّ الْمَالِ إنْ كَانَتْ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ يَدَ الشَّرِيكِ كَيَدِهِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَصَارَ كَأَنَّ يَدَ رَبِّ الْمَالِ بَاقِيَةٌ عَلَى الْمَالِ فَمَنَعَتْ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَكَذَلِكَ شَرِيكُ الْعِنَانِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ لَمْ يَفْسُدْ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ شَرِيكَ الْعِنَانِ فِي غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ يُنَزِّلُ مَنْزِلَةَ

الْأَجَانِبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ وَيَشْتَرِي وَيُوَكِّلُ وَيُسَافِرُ وَيُبْضِعُ وَيُودِعُ ) يَعْنِي لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقَةً بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ مَثَلًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ الْأَنْوَاعَ كُلَّهَا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فِي جِهَةٍ مِنْ التَّصَرُّفِ دُونَ جِهَةٍ ، أَوْ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ دُونَ نَوْعٍ فَيُطْلِقُ لَهُ الْكُلَّ لِيَحْصُلَ لَهُ غَرَضُهُ وَهُوَ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَالتَّوْكِيلُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْإِيدَاعُ وَالْمُسَافَرَةُ مِنْ صَنِيعِهِمْ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ فِي بَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ فِي غُرْبَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَى بَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ صَاحِبَهُ رَضِيَ بِهِ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُقِيمُ بِدَارِ الْغُرْبَةِ دَائِمًا فِي الْغَالِبِ وَإِعْطَاؤُهُ الْمَالَ مُضَارَبَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَيَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ إذْ اللَّفْظُ دَالٌّ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَوْهُومِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَالْمُضَارِبُ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ أَدْنَى مِنْهَا وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ يُوجِبُ قَصْرَ يَدِهِ عَنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَيُعْجِزُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِضِدِّ مَقْصُودِ رَبِّ الْمَالِ فَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ بَلْ فَوْقَهُ ؛

لِأَنَّ الْقَرْضَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ بِوَاسِطَةِ الطَّلَبِ ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فَيَكُونُ فِيهَا نَوْعُ إهْلَاكٍ أَوْ تَبَرُّعٍ ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ بِالنَّسِيئَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَهُمْ فَيَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ الرِّبْحِ عَادَةً فَكَانَ أَوْفَقَ لِمَقْصُودِ رَبِّ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْضَاعِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَالْمُضَارَبَةِ قُلْنَا : الْمُضَارَبَةُ يَصِيرُ شَرِيكًا وَالْعَبْدُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فَافْتَرَقَا .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ ) ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك أَنْ تَبِيعَهُ بِالنَّقْدِ فَبِعْتَهُ بِالنَّسِيئَةِ وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَا بَلْ أَمَرْتنِي بِبَيْعِهِ مُطْلَقًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ فِي مِثْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ يَعْنِي الْبَزَّازِيَّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَنَسِيئَةٍ مَا نَصُّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَكِيلًا خَاصًّا مَلَكَ ذَلِكَ بِإِطْلَاقِ الْوَكَالَةِ فَإِذَا كَانَ عَامًّا أَوْلَى ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ عَسَى لَا يَحْصُلُ لَهُ الرِّبْحُ إلَّا بِالنَّسِيئَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَّا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُ التُّجَّارُ إلَيْهِ يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ إلَى أَجَلٍ طَوِيلٍ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ أَنْ تَبِيعَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا وَالنَّسِيئَةُ بِالْهَمْزِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ وَرُبَّمَا تُدْغَمُ بَعْدَ التَّخْفِيفِ كَالْخَطِيئَةِ وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ التَّأْخِيرُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ا هـ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ لِلْمُضَارِبِ تَأْخِيرَ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ فَقَوْلُهُ مُتَعَارَفٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ طَوِيلٍ ا هـ ( قَوْلُهُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَفْعَلَ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقَةً ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِالْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ أَنْ لَا تَكُونَ مُقَيَّدَةً بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَسَيَجِيءُ بَعْدَ هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَيْسَ

لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ ) أَيْ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ فِي غُرْبَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُبْضِعَ وَيُودِعَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي الْمَالِ بِعِوَضٍ فَإِذَا أَبْضَعَ فَقَدْ حَصَلَ الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الرِّبْحِ إلَّا بِالْعَمَلِ وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُضَارِبُ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْأَجِيرِ ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ التُّجَّارِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ إلَّا بِذَلِكَ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السُّفُنَ وَالدَّوَابَّ وَالرِّجَالَ لِحَمْلِهِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْصُلُ بِنَقْلِ الْمَالِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَا يُمْكِنُهُ نَقْلُهُ بِنَفْسِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَأَنْ يَرْتَهِنَ بِدَيْنٍ لَهُ مِنْهَا عَلَى رَجُلٍ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْإِيفَاءُ وَالِارْتِهَانُ الِاسْتِيفَاءُ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِعَقْدٍ عَامٍّ وَالْحَاصِلُ هُنَا مَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَتَوَابِعِهَا فَيَمْلِكُهَا بِمُطْلَقِ الْإِيجَابِ وَهُوَ الْإِيدَاعُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَقِسْمٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ لَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً أَوْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ هَذَا بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَرْضَ بِشَرِكَةِ

غَيْرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَقُومُ بِهِ التِّجَارَةُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ فَإِذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلَهُ ذَلِكَ ، وَقِسْمٌ آخَرُ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا وَهُوَ الْإِقْرَاضُ وَالِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَالِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْمَالِ تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَالتَّوْكِيلُ مُقَيَّدٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعَدِّيَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَإِذَا نَصَّ عَلَيْهِ اُعْتُبِرَ بِنَفْسِهِ حَتَّى يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لَا مُضَارَبَةً ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ فَهَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَضْمَنَ إلَّا مِقْدَارَ رَأْسِ الْمَالِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الِاسْتِدَانَةَ لَزِمَهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِدَانَتُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ خَاصَّةً ، وَأَمَّا إذَا اسْتَدَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَمَا يَشْتَرِيهِ بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ ، أَلَا تَرَى الْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارَبَةً ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَالٍ عَيْنٍ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُضَارَبَةً لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ وَإِطْلَاقُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي التَّسَاوِي فَلِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقَدْ قَالُوا لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَ سَفْتَجَةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِدَانَةٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يُعْطِي سَفْتَجَةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرْضٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْقَرْضَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ

يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَعُودُ إلَى التِّجَارَةِ وَلَا يَتَنَاوَلُ التَّبَرُّعَ وَالِاسْتِدَانَةَ ا هـ قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ إلَخْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَانَ أَدْنَى مِنْهَا ) أَيْ فَكَانَ السَّفَرُ أَدْنَى مِنْ الْإِيدَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ ) ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ الْمُطْلَقَ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ عِنْدَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبْضَاعِ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ فِي الْمَشْهُورِ يَمْلِكُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ) رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً ) ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى الْمَهْرِ وَإِلَى سُقُوطِ نَفَقَتِهَا بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ فَإِنَّ فِيهِ إشْغَالَ رَقَبَتِهِ بِالدَّيْنِ وَاسْتِحْقَاقَ بَيْعِهِ بِهِ ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُضَارَبَةِ يَدُلُّ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ لَا بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ وَلَا يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ ، وَإِنْ كَانَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْتَضِي الِاكْتِسَابَ دُونَ التِّجَارَةِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ فَيَمْلِكَ تَزَوُّجَ الْأَمَةِ أَيْضًا وَنَظِيرُهَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ حَيْثُ يَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ دُونَ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ لِلصَّغِيرِ فَمَهْمَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِلصَّغِيرِ فَعَلَاهُ وَمَا لَا فَلَا وَنَظِيرُ الْمُضَارِبِ الشَّرِيكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ ، أَوْ مُفَاوَضَةٍ حَتَّى كَانَ تَزْوِيجُهُ الْأَمَةَ عَلَى الْخِلَافِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ وَاحِدًا مِنْهُمَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُضَارِبُ إلَّا بِإِذْنٍ ، أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَالَ مُضَارَبَةً إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ ، أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا بِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُسْتَعِيرِ حَيْثُ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ أَمْثَالَهَا ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ لَا بِحُكْمِ النِّيَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ صَارَ حُرًّا يَدًا فَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْبَيْعِ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ فَيَمْلِكُهُ وَالْمَأْذُونُ بِفَكِّ الْحَجْرِ بَقِيَ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ ، وَالْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ أَيْضًا تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ وَبِخِلَافِ الْإِيدَاعِ وَالْإِبْضَاعِ ؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهَا فَتَضَمَّنَهُمَا وَبِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِدَانَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُمَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ التَّعْمِيمُ فِيمَا هُوَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَلَيْسَا مِنْهُ فَصَارَا كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَنَظِيرُ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُضَارِبُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك ) أَيْ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِاشْتِرَاكِ غَيْرِهِ فِي الرِّبْحِ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك ) ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ فَدَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةً فَلَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَمِلَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ فِي الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيَجِبُ لِلثَّانِي أَجْرُ الْمِثْلِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ حَتَّى إنَّ الْمَالَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ هَلَكَ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا بِالْإِيدَاعِ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ وَإِذَا عَمِلَ الثَّانِي صَارَ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا وَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي بِمَا ضَمِنَ وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ إلَى الثَّانِي هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَضْمَنُ إذَا عَمِلَ الثَّانِي مَا لَمْ يَرْبَحْ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ الرِّبْحُ وَلَا يَصِيرُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا بِالتَّوْكِيلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِالْإِشْرَاكِ وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَطَ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَارَكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَخَلَطَ ضَمِنَ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك

فَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ وَإِذَا رَبِحَ قَسَمَ الرِّبْحَ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فَرِبْحُ مَالِهِ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً وَرِبْحُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَارَكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ جَازَ وَيَقْسِمُ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ فَإِذَا قَسَمَ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مَعَ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مَعَ الرِّبْحِ يَسْتَوْفِي مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَمَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَنَاوَلُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ لَكِنْ لَا تَتَنَاوَلُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّنَاوُلِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُضَارَبَةَ بِالشَّكِّ ا هـ ذَخِيرَةٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهَا ) أَيْ دُونَ الْمُضَارَبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُمَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ ) أَيْ لَا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك ا هـ ( قَوْلُهُ وَنَظِيرُ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ يَخْلِطَ الْمَالَ بِمَالِ نَفْسِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ لَا بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ وَالشَّرِكَةُ أَعَمُّ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَفِي خَلْطِ الْمَالِ يَثْبُتُ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ حَقًّا لِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَتَعَدَّ عَمَّا عَيَّنَهُ مِنْ بَلَدٍ وَسِلْعَةٍ وَوَقْتٍ وَمُعَامِلٍ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ ) أَيْ إذَا خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا ، أَوْ فِي مُعَامَلَةِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ فَإِنْ تَعَدَّى صَارَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ وَفِي التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ مِنْ أَمْنِ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَخِيَانَةِ الْمُضَارِبِ وَمِنْ نَفَقَتِهِ مِنْ مَالِهِ ، وَكَذَا الْأَسْعَارُ قَدْ تَخْتَلِفُ فَبِالتَّقْيِيدِ تَحْصُلُ الْفَائِدَةُ فَتُعْتَبَرُ ، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ بَلَدًا وَأَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ ، أَوْ دَفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمُخَالَفَةِ صَارَ غَاصِبًا وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِخْرَاجِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ وَالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ فَكَانَ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ الْمَغْصُوبِ ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا حَتَّى رَدَّ الْمَالَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ كَالْمُودَعِ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْوِفَاقِ وَعَادَ الْمَالُ مُضَارَبَةً مِثْلَ مَا كَانَ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ بَاقِيَةٌ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ ، وَكَذَا لَوْ رَدَّ الْبَعْضَ يَكُونُ الْمَرْدُودُ مُضَارَبَةً حَتَّى إذَا اشْتَرَى فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ كَانَ لِلْمُضَارَبَةِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لَمَّا كَانَ مُفِيدًا تَقَيَّدَ بِهِ وَصَارَ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا لَكِنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِالشِّرَاءِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَإِذَا رَجَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ زَالَ الضَّمَانُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى مَا كَانَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَيَّدَهُ فِي سُوقٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْمِصْرِ حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ الْوَاحِدَ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ وَكَإِقَالَةٍ ؛ لِأَنَّهُ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُفِيدُ

التَّقْيِيدُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ بِأَنْ قَالَ اعْمَلْ فِي هَذَا السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَتَقَيَّدُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَيْهِ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ يُفِيدُ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ حَقِيقَةً ، وَكَذَا حُكْمًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْحِفْظَ فِي مَحَلَّتِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى فَإِذَا تُصُوِّرَ الِاخْتِلَافُ تَقَيَّدَ بِهِ فَيَضْمَنُ إذَا خَالَفَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ بِعْ نَسِيئَةً وَلَا تَبِعْ حَالًّا حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَالًّا عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَافِ السِّعْرِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ بِيَقِينٍ فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالزِّيَادَةِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُفِيدٍ لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى إذَا أَوْدَعَ ، وَقَالَ لَا تَضَعْهَا مِنْ يَدِك لَيْلًا وَنَهَارًا لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ ، ثُمَّ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِالْمَذْكُورِ قَوْلُهُ خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً تَعْمَلُ بِهِ فِي مِصْرَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعْمَلُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالْكَلَامُ الْمُبْهَمُ إذَا تَعَقَّبَهُ تَفْسِيرٌ كَانَ الْحُكْمُ لِلتَّفْسِيرِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَاعْمَلْ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ وَاَلَّذِي وَصَلَ الْكَلَامَ الْمُبْهَمَ وَتَعَقَّبَهُ كَانَ تَفْسِيرًا لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ بِمِصْرَ ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي مِصْرَ ؛ لِأَنَّ فِي لِلظَّرْفِ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ ظَرْفًا إذَا حَصَلَ الْفَاعِلُ وَالْفِعْلُ فِيهِ وَكَذَا إذَا قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِمِصْرَ ؛ لِأَنَّ عَلَى لِلشَّرْطِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَاعْمَلْ بِهِ فِي

مِصْرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ فِي الْعَمَلِ فِي غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَقَدْ تَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ فَيَكُونُ مَشُورَةً لَا شَرْطًا فِي الْأَوَّلِ ، وَفِي الْكَافِي مَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ مِنْ الْأَلْفَاظِ سِتَّةٌ دَفَعْت إلَيْك الْمَالَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ ، أَوْ لِتَعْمَلَ بِهِ ، أَوْ تَعْمَلُ بِالْكُوفَةِ مَجْزُومًا ، أَوْ مَرْفُوعًا أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ ، أَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيْك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ وَمَا لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ لَفْظَانِ دَفَعْت إلَيْك مُضَارَبَةً وَاعْمَلْ بِالْكُوفَةِ ، أَوْ قَالَ اعْمَلْ بِالْكُوفَةِ وَالضَّابِطُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى ذَكَرَ عَقِيبَ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّلَفُّظُ بِهِ ابْتِدَاءً وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَا قَبْلَهُ يُجْعَلُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ ، وَإِنْ اسْتَقَامَ الِابْتِدَاءُ بِهِ لَا يُبْنَى عَلَى مَا قَبْلَهُ وَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً كَمَا فِي اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الزِّيَادَةُ شُورَى فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا ، وَلَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ الطَّعَامَ ، أَوْ قَالَ فَاشْتَرِ بِهِ الطَّعَامَ ، أَوْ قَالَ لِتَشْتَرِي بِهِ الطَّعَامَ ، أَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي الطَّعَامِ فَهَذَا كُلُّهُ مُفِيدٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَتَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمُعَامَلَةِ قَضَاءً وَاقْتِضَاءً ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، أَوْ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَتَبِيعَ مِنْهُمْ فَبَاعَ فِي الْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ، أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَادَةً التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ أَوْ بِالنَّوْعِ

فَيُقَيَّدُ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فِي الْأَوَّلِ وَيَبِيعَ فِيهَا مِنْ أَهْلِهَا وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الثَّانِي وَيَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ مُفِيدٌ فَيُعْتَبَرُ وَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالصَّيَارِفَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُمْ فَيَجْتَمِعُ فِيهِمْ الصَّالِحُ وَالطَّالِحُ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِهِمْ فَلَا يُعْتَبَرُ وَيُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ مِنْ حِفْظِ الْمَالِ عَلَى مَا يَرَى هُوَ فَيُعْتَبَرُ وَكَذَلِكَ إنْ وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ وَقْتًا يَتَقَيَّدُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا يَتَقَيَّدُ بِالنَّوْعِ وَالْمَكَانِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَتَعَدَّ عَمَّا عَيَّنَهُ مِنْ بَلَدٍ وَسِلْعَةٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى شَرَطَ عَلَى الْمُضَارِبِ شَرْطًا فِي الْمُضَارَبَةِ إنْ كَانَ شَرْطًا لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ فَائِدَةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُضَارِبِ مُرَاعَاتُهُ وَالْوَفَاءُ بِهِ وَإِذَا لَمْ يُوَفِّ بِهِ صَارَ مُخَالِفًا وَعَامِلًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيُجْعَلُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَسْعَارُ قَدْ تَخْتَلِفُ ) أَيْ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى خَارِجَ الْكُوفَةِ وَبَاعَ وَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ فَالرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا يَتَصَدَّقُ أَصْلُهُ الْمُودَعُ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَصَارَ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ مُتَعَدِّيًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَكَلَّمُوا أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ مُخَالِفًا بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْعَمَلِ وَالْأَمْرُ بِالْعَمَلِ مُقَيَّدٌ فَصَارَ الْأَمْرُ بِالْحِفْظِ مُقَيَّدًا أَيْضًا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ بِالْكُوفَةِ فَخَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَاشْتَرَى بِهَا قَالَ إذَا اشْتَرَى فَهُوَ ضَامِنٌ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ شَرَطَ الشِّرَاءَ لِلضَّامِنِ كَمَا تَرَى وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْكُوفَةِ فَقَدْ خَالَفَ وَقَدْ جَعَلَهُ مُخَالِفًا بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ قِيلَ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا شَرَطَ

الشِّرَاءَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِيُقَرِّرَ الضَّمَانَ لَا لِأَصْلِ الْوُجُودِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ بِالْعَوْدِ قَبْلَ الشِّرَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَيَّدَهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْبَلَدِ حَيْثُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ إذَا جَاوَزَهُ خِلَافُ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا حَتَّى إذَا اشْتَرَى وَبَاعَ بِالْكُوفَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهَا لَمْ يَضْمَنْ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ دَفَعَهُ مُضَارَبَةٌ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ السُّوقِ بِالْكُوفَةِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ فِي غَيْرِ السُّوقِ إذَا كَانَ فِي الْكُوفَةِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي السُّوقِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ السُّوقِ ؛ لِأَنَّ الْأَسْعَارَ لَا تَتَفَاوَتُ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَلَا يَكُونُ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا ، وَلَوْ قَالَ لَا تَعْمَلُ بِهِ إلَّا فِي السُّوقِ فَعَمِلَ فِي الْكُوفَةِ فِي غَيْرِ السُّوقِ فَهُوَ مُخَالِفٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي السُّوقِ ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْعَمَلَ بِهِ تَقَيُّدُهُ بِمَكَانٍ وَالتَّقْيِيدُ لَغْوٌ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي بَدَأَ بِالنَّهْيِ وَاسْتَثْنَى تَصَرُّفًا خَاصًّا فَلَوْ أَلْغَيْنَاهُ لَا يَسْتَقِيمُ الْإِطْلَاقُ بِصَدْرِ الْكَلَامِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَافِ السِّعْرِ بَيْنَهُمَا ) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ مَرْفُوعًا ) تَعْمَلُ بِهِ بِالْكُوفَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي

الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ ) إذْ لَا يَسْتَقِيمُ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهَا فَاعْتُبِرَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا فَصَارَتْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ ) أَيْ وَهُمَا قَوْلُهُ وَاعْمَلْ بِالْكُوفَةِ بِالْوَاوِ وَغَيْرِ الْوَاوِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِيمُ الِابْتِدَاءُ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ مِمَّا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الزِّيَادَةُ شُورَى ) كَأَنَّهُ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ أَنْفَعُ وَأَحْسَنُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ بِالنَّوْعِ ) أَرَادَ بِهِ الصَّرْفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيَبِيعُ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ ) أَيْ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الصَّرْفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَشْتَرِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِقَرَابَةٍ ، أَوْ بِسَبَبِ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ ، وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَفِي التَّصَرُّفِ فِيهِ كَثِيرًا وَالْعِتْقُ يُنَافِيهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُنَاكَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَهُنَا مُقَيَّدٌ بِمَالٍ يُمْكِنُ التِّجَارَةُ فِيهِ حَتَّى لَوْ وَجَدَ فِي الْوَكَالَةِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَبِيعُهُ ، أَوْ قَالَ أَسْتَخْدِمُهُ أَوْ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا نَفَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْوَكِيلِ إذَا خَالَفَ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَيْثُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَشْتَرِ مَنْ يَعْتِقُ إلَخْ ) إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْؤُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً امْرَأَةٌ فَاشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ زَوْجَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ وَبَطَلَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ ا هـ سِرَاجٌ وَهَّاجٌ ( قَوْلُهُ أَوْ بِسَبَبِ يَمِينٍ ) أَيْ بِأَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إذَا مَلَكَهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ عَلَيْهِ إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ وَيَفْسُدُ بِسَبَبِهِ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ أَوْ يَعْتِقُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي الْعِتْقِ فَيُمْتَنَعُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَالْمُرَادُ مِنْ ظُهُورِ الرِّبْحِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي جُمْلَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَيْنِ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ ، أَوْ أَقَلَّ لَا يَظْهَرُ مِلْكُ الْمُضَارِبِ فِيهِ بَلْ يُجْعَلُ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا وَصَارَ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ، أَوْ أَقَلُّ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ ، أَوْ أَكْثَرُ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ ، أَوْ أَقَلُّ فَاشْتَرَاهُمْ لَا يَعْتِقُ مِنْهُمْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ مِنْهُمْ شَيْئًا حَتَّى تَزِيدَ قِيمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَلَى حِدَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَمِّهِ إلَى آخَرَ .قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ ظُهُورِ الرِّبْحِ ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي الْحَوَاشِي الْآتِيَةِ وَفِي الْأَصْلِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَ إنْ فَعَلَ ) أَيْ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ إنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ ، وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْعَبْدَ لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ صَحَّ ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى زِيَادَةٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ جَازَ شِرَاؤُهُ لِلْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذْ لَا مِلْكَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِلْمُضَارَبَةِ فَيَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ ظَهَرَ عَتَقَ حَظُّهُ ) أَيْ إنْ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِي الْمُشْتَرَى بَعْدَ الشِّرَاءِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَقَلَّ ، ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ بَعْضَ قَرِيبِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَضَمِنَ إنْ فَعَلَ ) أَيْ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَوْ عَلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيمَا تَقَدَّمَ بَلْ أَخَّرَهُ إلَى هُنَا ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ ) أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأَخًا لَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ لِلْأَخِ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ فَكَذَا هُنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسَعَى الْمُعْتَقُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ اُحْتُبِسَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ فَيَضْمَنُهَا كَالْعَبْدِ الْمَوْرُوثِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَبُوهُ وَفِي الْكَافِي لَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَا فَضْلَ فِيهِ وَنِصْفُهُ بِمَالِهِ صَحَّ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ هَذَا النِّصْفَ لَا رِبْحَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْعِتْقُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا دَخَلَ الْعِتْقُ فِيهِ حُكْمًا لِمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا ، وَالشَّرِيكُ فِي هَذَا وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ كَالْمُضَارِبِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَبْدًا هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ نَفَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُضَارِبِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْأَبُ ، أَوْ الْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ عَبْدًا هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّغِيرِ ، أَوْ الْمَعْتُوهِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِمَا ، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْأَبِ ، أَوْ الْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِيهِ لِلصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى يَصِحُّ ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ عَتَقَ عَلَى الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى أَمْ لَا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَعَى الْمُعْتَقُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ ) أَيْ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ ) أَيْ مَعَ الْمُضَارِبِ ( فَاشْتَرَى بِهِ أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ مُوسِرًا ) أَيْ ادَّعَاهُ الْمُضَارِبُ فِي حَالِ يَسَارِهِ ( فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ سَعَى لِرَبِّ الْمَالِ فِي أَلْفٍ وَرُبُعِهِ ) أَيْ رُبُعِ الْأَلْفِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ( أَوْ أَعْتَقَهُ فَإِنْ قَبَضَ الْأَلْفَ ضَمِنَ الْمُدَّعِي ) وَهُوَ الْمُضَارِبُ ( نِصْفَ قِيمَتِهَا ) أَيْ نِصْفَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمُضَارِبِ وَقَعَتْ صَحِيحَةً ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ النِّكَاحِ بِأَنْ يُحْمَلَ أَنَّ الْبَائِعَ زَوَّجَهَا مِنْهُ ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْهُ وَهِيَ حُبْلَى مِنْهُ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ لَكِنْ لَا تَنْفُذُ هَذِهِ الدَّعْوَى لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِيهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْبَعْضِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ وَلَا فِي الْوَلَدِ ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّفِ فَلَا تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ فَإِذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ وَصَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ السَّابِقَةُ فِيهِ لِوُجُودِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ ، ثُمَّ ظَهَرَتْ الزِّيَادَةُ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ السَّابِقُ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْشَاءٌ فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ بِحُدُوثِهِ أَمَّا الدَّعْوَةُ فَإِخْبَارٌ فَإِذَا رُدَّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ بَاقٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَتْ

دَعْوَتُهُ فِيهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ يُرَدُّ إقْرَارُهُ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ حُرًّا وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ الْغَيْرِ ، ثُمَّ مَلَكَهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ ؛ لِمَا قُلْنَا فَإِذَا نَفَذَتْ دَعْوَتُهُ صَارَ الْغُلَامُ ابْنًا لَهُ وَعَتَقَ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْهُ وَهُوَ رُبُعُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِالْمِلْكِ وَالنَّسَبِ فَصَارَتْ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَجْهَيْنِ ، وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا وُجُودًا فَيُضَافُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْعِتْقُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ أَصْلُهُ وَضْعُ الْقُفَّةِ عَلَى السَّفِينَةِ وَالْقَدَحِ الْأَخِيرِ وَالْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ فِي الزِّنَا ؛ وَلِهَذَا قَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِلَّذِي أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالزِّنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إيَّاكَ وَالرَّابِعَةَ فَإِنَّهَا هِيَ الْمُوجِبَةُ وَلَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي إذْ لَا يَجِبُ ضَمَانُ الْعِتْقِ إلَّا بِالتَّعَدِّي فَكَانَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْغُلَامِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ اُحْتُبِسَتْ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْإِعْتَاقِ فَإِذَا اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ اسْتَسْعَاهُ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ فَإِذَا قَبَضَ مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ وَظَهَرَ أَنَّ الْأُمَّ كُلَّهَا رِبْحٌ لِفَرَاغِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَنَفَذَ فِيهَا دَعْوَةُ الْمُضَارِبِ وَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِرَبِّ الْمَالِ مُوسِرًا كَانَ ، أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّعَدِّي ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ

؛ وَلِهَذَا لَوْ وَرِثَ أُمَّ وَلَدِهِ مَعَ غَيْرِهِ يَتَمَلَّكُهَا كُلَّهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَضْمَنَ حِصَّةَ غَيْرِهِ مِنْ قِيمَتِهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ لَا تَمَلُّكٍ وَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا عَلَى مُعْسِرٍ وَاشْتِرَاطُ الْيَسَارِ هُنَا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ قَبْضَ رَبِّ الْمَالِ الْأَلْفَ مِنْ الْغُلَامِ حَتَّى تَصِيرَ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا قَبَضَهُ مِنْ الْغُلَامِ فَرَغَتْ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَصَارَتْ كُلُّهَا رِبْحًا فَظَهَرَ فِيهَا مِلْكُ الْمُضَارِبِ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجْعَلُ الْمَقْبُوضَ مِنْ الْوَلَدِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الْوَلَدَ كُلَّهُ رِبْحًا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِرَأْسِ الْمَالِ عَلَى حَالِهَا ؟ قُلْنَا : الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ مَالِهِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِجَعْلِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ؛ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى الرِّبْحِ إذْ لَا يَسْلَمْ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بَعْدَ سَلَامَةِ رَأْسِ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ فَكَانَ جَعْلُهُ بِهِ أَوْلَى بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى يَدِهِ ، وَلَوْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَلْفٍ وَزَادَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ حَتَّى صَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ صَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُضَارِبِ وَيَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ قِيمَتُهَا ظَهَرَ فِيهَا الرِّبْحُ وَمَلَكَ الْمُضَارِبُ بَعْضَ الرِّبْحِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ فِيهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ وَهُوَ أَلْفٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَإِذَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ أَلْفٌ اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ وَصَارَ الْوَلَدُ كُلُّهُ رِبْحًا فَيَمْلِكُ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَى رَبِّ الْمَالِ الْأَلْفُ

فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأُمِّ ، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ عَلَى أَنَّهُ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا عَتَقَ الْوَلَدُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ ظَهَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْسَرُ الْمَالَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَجَّلٌ وَهُوَ مُوسِرٌ وَالسِّعَايَةُ مُؤَجَّلَةٌ وَالْعَبْدُ مُعْسِرٌ وَيَأْخُذُ مِنْهُ أَيْضًا مَا بَقِيَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَيَضْمَنُ أَيْضًا نِصْفَ عُقْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ ظَهَرَ أَنَّهُ رِبْحٌ ؛ لِأَنَّ عُقْرَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ لِلْمُضَارَبَةِ وَيَسْعَى الْغُلَامُ فِي نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَوَطِئَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ ثُمَّ زَادَ الْغُلَامُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْس مِائَةٍ وَالرَّجُلُ الْمُدَّعِي مُوسِرٌ قَالَ إنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ الْغُلَامَ فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا ضَمِنَ الْمُدَّعِي نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُهُ وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ أَيْ الْمُدَّعِي لِلْوَلَدِ وَهُوَ الْمُضَارِبُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِيَسَارِهِ نَفْيًا لِشُبْهَةٍ تَرِدُ بِأَنْ يُقَالَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُضَارِبُ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ إذَا كَانَ الْمُضَارِبُ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعِتْقِ يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَكِنَّهُ لَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ لَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ اعْلَمْ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى أَلْفٍ فَدَعْوَةُ الْمُضَارِبِ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَالِدِ وَالْأُمِّ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَانْتَفَى الْحَدُّ لِاحْتِمَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ ظُهُورِ الرِّبْحِ فِي الثَّانِي وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَصْلًا وَيَضْمَنُ الْعُقْرَ فَيَكُونُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنَافِعِ فَصَارَ كَالْكَسْبِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْجَارِيَةَ وَالْوَلَدَ ؛ لِأَنَّهُمَا مَالُ الْمُضَارَبَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَيُعْتَبَرُ رَأْسُ الْمَالِ فِي كُلِّ عَبْدٍ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ قِسْمَةُ الرَّقِيقِ فَتُجْعَلُ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ كَعَبْدٍ وَاحِدٍ

فَيَظْهَرُ الرِّبْحُ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ نِصْفَ الرِّبْحِ فَتَصِحُّ دَعْوَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَبِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى زَادَ الْغُلَامُ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ نَفَذَتْ الدَّعْوَةُ السَّابِقَةُ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي الظَّاهِرِ حَمْلًا لَهَا عَلَى الصِّحَّةِ وَهُوَ فِرَاشُ النِّكَاحِ لَكِنَّهَا لَمْ تَنْفُذْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَشْغُولَانِ بِرَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَهْلَكَ أَحَدُهُمَا فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ رَأْسُ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فَإِذَا وُجِدَ الْمِلْكُ بِظُهُورِ الرِّبْحِ نَفَذَتْ الدَّعْوَةُ وَعَتَقَ الْوَلَدُ عَلَى الْمُضَارِبِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَيْسَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلٌ فَالرِّبْحُ لَا يَظْهَرُ فِيهِمَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنْ صَارَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَالْآنَ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَنِصْفُهُ لِلْمُضَارِبِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَقَدْ مَلَكَ الْمُضَارِبُ شَيْئًا مِنْ الْوَلَدِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ الْمَوْقُوفَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ سَعَى ) أَيْ الْوَلَدُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ) أَيْ إنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْوَلَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ قَبَضَ ) أَيْ رَبُّ الْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ الْأَلْفَ ) أَيْ مِنْ الْوَلَدِ الَّذِي اسْتَسْعَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ رُبُعُهُ ) أَيْ رُبُعُ رَأْسِ الْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ لِرَبِّ الْمَالِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ادَّعَى لَمْ تَنْفُذْ الدَّعْوَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَحِينَ نَفَذَتْ الدَّعْوَةُ لَمْ يُوجَدْ صُنْعٌ مِنْ الْمُضَارِبِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعِتْقِ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الصُّنْعِ وَلَمْ يُوجَدْ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ ) عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَصْلُهُ وَضْعُ الْقُفَّةِ

إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ سَفِينَةٌ لَا تَحْمِلُ إلَّا مِائَةً مَنٍّ فَأَوْقَعَ فِيهَا رَجُلٌ مَنًّا زَائِدًا عَلَى الْمِائَةِ فَغَرِقَتْ كَانَ الضَّمَانُ كُلُّهُ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقَدَحُ الْأَخِيرُ ) أَيْ فِي السُّكْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمِلْكِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ بِازْدِيَادِ الْقِيمَةِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي ازْدِيَادِ الْقِيمَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ ) أَيْ مَالِيَّةُ الْغُلَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَانَتْ ) أَيْ الْأُمُّ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَاسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا فَيَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ كَسْبَهَا وَخِدْمَتَهَا فَصَارَ ذَلِكَ الضَّمَانُ بِبَدَلٍ وَالضَّمَانُ إذَا كَانَ بِبَدَلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الصُّنْعِ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الصُّنْعِ كَذَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصْلِ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ الَّتِي تَجْرِي الْقِسْمَةُ فِيهَا إذَا كَانَتْ جَمَاعَةً وَفِيهَا فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا نَصِيبٌ نَحْوَ أَنْ يَصِيرَ كُلُّهُ حِنْطَةً أَوْ كُلُّهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ سِوَى الرَّقِيقِ أَوْ ثِيَابًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ حَتَّى إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَصِيبُهُ مِنْهُ يَبْلُغُ نِصَابًا كَامِلًا وَلَوْ صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكُلُّ جِنْسٍ مِنْهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ مَالِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ وَيَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَاصِلِ هَذَا

الْقَدْرُ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ كَانَ أَلْفًا فَاشْتَرَى مَا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ ، وَلَوْ صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ رَقِيقًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ وَاحِدًا وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ وَهُوَ نِصْفُ الْفَضْلِ ، وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَأْسُ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيَكُونُ كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْسَمُ قِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ فَيَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ قَدْرُ رُبُعِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ كَانَتْ جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْكُلِّ فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْكُلِّ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَانَ لِلْمُضَارِبِ نِصْفُ الْفَضْلِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَرِثَ أُمَّ وَلَدِهِ إلَخْ ) بِأَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ مَلَكَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ وِرَاثَةً يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ أَيْضًا نِصْفَ عُقْرِهَا ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ فَكَيْفَ يَجِبُ الْعُقْرُ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ .

( بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ ضَارَبَ الْمُضَارِبُ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَضْمَنْ مَا لَمْ يَعْمَلْ الثَّانِي ) أَيْ إذَا دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ الثَّانِي ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يَرْبَحَ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ تَصَرَّفَ أَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي مِثْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ بِالدَّفْعِ وَالثَّانِي بِالْأَخْذِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ كَالْمُودَعِ إذَا أَعَارَ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الدَّفْعَ إيدَاعٌ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ كَوْنُهُ لِلْمُضَارَبَةِ بِالتَّصَرُّفِ ، وَوَجْهُ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَقْدَ الْمُجَرَّدَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ؛ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْفُضُولِيُّ بِمُجَرَّدِ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَلَا بِالتَّسْلِيمِ لِأَجْلِ التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّهُ إيدَاعٌ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَا بِالتَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ ، وَهُوَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْمُخَالَفَةِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا بِهِ لَكِنْ إذَا رَبِحَ أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ فِيهِ وَإِثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي مَالِ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ كَمَا إذَا خَلَطَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ ثُمَّ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ رَأْسَ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِهِمَا ؛

لِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ الضَّمَانَ عَلَى مُودَعِ الْمُودَعِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي كَمُودَعِ الْمُودَعِ وَقِيلَ يَضْمَنُ الثَّانِي عِنْدَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْعِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مُودَعِ الْمُودَعِ فَإِنَّهُ يَقْبِضُهُ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِ الْمَالِ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ خَالَفَ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ مُضَارَبَةً إلَى الثَّانِي ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُ سَلَامَةَ الْمَقْبُوضِ لَهُ عَنْ الضَّمَانِ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ إذْ هُوَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ كَمُودَعِ الْغَاصِبِ وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ دَفَعَ مُضَارَبَةَ مِلْكِ نَفْسِهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِصِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ وَيَطِيبُ لِلثَّانِي مَا رَبِحَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ وَلَا خُبْثَ فِي عَمَلِهِ وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَمِلْكُهُ فِيهِ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا فَلَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةٍ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَتَانِ صَحِيحَتَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا فَاسِدَةً ، أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ هِيَ الْفَاسِدَةَ صَارَ أَجِيرًا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْأُولَى فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فَسَادَهَا يُوجِبُ فَسَادَ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمَّا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً وَصَارَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَلَوْ صَحَّتْ الثَّانِيَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَصَارَ الثَّانِي شَرِيكًا ، وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يُشْرِكَ

غَيْرَهُ بَلْ الْمُضَارِبُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَكَانَتْ فَاسِدَةً بِالضَّرُورَةِ وَكَانَا أَجِيرَيْنِ ، وَكَذَا إذَا كَانَتَا فَاسِدَتَيْنِ فَإِذَا كَانَا أَجِيرَيْنِ لَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا يُقَالُ الْأَجِيرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِلْعَمَلِ فَكَيْفَ جَازَ هُنَا لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بَعْدَ مَا فَسَدَتْ الْأُولَى ، وَهُوَ أَجِيرٌ فِيهَا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْفَاسِدُ مِنْ الْعُقُودِ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ مِنْهَا فَلَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِي الْفَاسِدَةِ أَيْضًا .

( بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً مِنْ رَبِّ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ ذَكَرَ حُكْمَ دَفْعِ الْمُضَارِبِ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مُضَارَبَةٌ مُفْرَدَةٌ وَهَذِهِ مُرَكَّبَةٌ وَالْمُرَكَّبُ بَعْدَ الْمُفْرَدِ وُجُودًا وَعَدَمًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ ضَارَبَ الْمُضَارِبُ بِلَا إذْنٍ ) أَيْ أَوْ تَفْوِيضٍ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ اعْمَلْ بِرَأْيِك ؛ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ يَمْلِكُ أَنْ يُضَارِبَ حِينَئِذٍ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ ) أَيْ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ) هُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ عَمَلِ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَإِذَا عَمِلَ الثَّانِي بِالْمَالِ إنْ عَمِلَ عَمَلًا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ بِأَنْ وَهَبَ الْمُضَارِبُ الثَّانِي الْمَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ عَمِلَ عَمَلًا دَخَلَ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ بِأَنْ اشْتَرَى بِالْمَالِ شَيْئًا فَإِنْ رَبِحَ فَعَلَيْهِمَا الضَّمَانُ ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّفْعِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَيُبْضِعَ فَلَمْ يَضْمَنْ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَرَّفَ الثَّانِي حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْعَمَلُ فِي الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمَالِكُ فَتَحَقَّقَ الْخِلَافُ فَوَجَبَ الضَّمَانُ فَجُعِلَ الْأَمْرُ مُرَاعًى أَيْ مَوْقُوفًا قَبْلَ الْعَمَلِ حَتَّى إذَا عَمِلَ الثَّانِي

وَجَبَ الضَّمَانُ وَإِلَّا فَلَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا بِالتَّسْلِيمِ ) يَعْنِي لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُضَارِبِ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُضَارِبِ الثَّانِي ا هـ قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ) يَعْنِي إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَعَمِلَ الثَّانِي ثَبَتَ الضَّمَانُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الدَّفْعِ ا هـ وَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ مَلَكَ بِالضَّمَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَمُودَعِ الْمُودَعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إذْ هُوَ مَغْدُورٌ ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْغَدْرِ كَذَا السَّمَاعُ ا هـ غَايَةٌ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ الزَّيْلَعِيُّ مَغْرُورٌ بِالرَّاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَمُودَعِ الْغَاصِبِ ) يَعْنِي أَنَّ مُودَعَ الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا ضَمِنَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ ) أَيْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ الثَّانِي لَمْ يَعْمَلْ بِالْمَالِ حَتَّى ضَاعَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْمُضَارِبِينَ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ إذْ هُوَ حِفْظٌ وَصِيَانَةٌ وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْحِفْظِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالتَّصَرُّفِ وَقَدْ انْعَدَمَ التَّصَرُّفُ هَاهُنَا ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُضَارِبُ الثَّانِي الْمَالَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى أَمْرِهِ فَانْقَطَعَتْ إضَافَتُهُ عَنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةٍ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالِاسْتِنَادِ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ فِي الرِّبْحِ

وَلَا يَطِيبُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ هَذَا ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَمَانِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَتَانِ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْأُولَى ) أَيْ فَقَطْ وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ جَائِزَةً ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَانَا أَجِيرَيْنِ ) وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ لَهُ فَكَأَنَّهُ عَمِلَ بِنَفْسِهِ وَلِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِمُضَارَبَةٍ صَحِيحَةٍ فَاسْتَحَقَّ مَا سَمَّى لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتَا فَاسِدَتَيْنِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ جَوَابُهَا فِي الْأَصْلِ ا هـ وَقَوْلُهُ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْمُضَارَبَتَانِ جَائِزَتَيْنِ أَوْ فَاسِدَتَيْنِ أَوْ الْأُولَى جَائِزَةٌ وَالثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ أَوْ عَكْسُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ أَجِيرٌ فِي الْمَالِ وَالثَّانِي أَجِيرُ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَعْمَلُ فِي مَالِهِ فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ رَجُلًا ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ دَفَعَ بِإِذْنٍ بِالثُّلُثِ وَقِيلَ لَهُ : مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلْأَوَّلِ السُّدُسُ وَلِلثَّانِي الثُّلُثُ ) أَيْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ إلَى الْمُضَارِبِ الثَّانِي بِالثُّلُثِ وَكَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لِلْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، وَرَبِحَ الثَّانِي فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ السُّدُسُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الثَّانِي صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِ الْمَالِكِ ، وَرَبُّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَعَلَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي ثُلُثَهُ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ شَيْئًا فَبَقِيَ لَهُ السُّدُسُ وَيَطِيبُ ذَلِكَ لِكُلِّهِمْ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَالْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي يَسْتَحِقَّانِهِ بِالْعَمَلِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ عَنْهُمَا فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَاسْتَأْجَرَ هُوَ غَيْرَهُ لِيَخِيطَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَزَادَ قِيمَةُ الثَّوْبِ طَابَ لَهُمْ جَمِيعًا لِمَا قُلْنَا فَهَذِهِ لَا شُبْهَةَ فِيهَا وَهِيَ تِجَارَةٌ حَسَنَةٌ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ سُدُسَ الرِّبْحِ ، وَهُوَ قَاعِدٌ .( قَوْلُهُ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى نَصِيبِهِ ) أَيْ إلَى نَصِيبِ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ ا هـ قَوْلُهُ وَزَادَ قِيمَةَ الثَّوْبِ ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا الْكَاكِيُّ وَذَكَرَ مَا قَبْلَهَا ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَزَادَ قِيمَةَ الثَّوْبِ مَا نَصُّهُ عَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ فِي مَعْنَاهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَك اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ) أَيْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْأَوَّلِ ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ( فَلِلثَّانِي ثُلُثُهُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْمَالِكِ نِصْفَانِ ) ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ هُنَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مَا رَزَقَ اللَّهُ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْمَرْزُوقُ لِلْأَوَّلِ هُوَ الثُّلُثَانِ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ اسْتَحَقَّهُ الثَّانِي بِشَرْطِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ رِزْقِ الْأَوَّلِ إلَّا الثُّلُثَانِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَطِيبُ لَهُمْ بِلَا شُبْهَةٍ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذِهِ أَحْسَنُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لَهُ مَا رَبِحْتَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ وَدَفَعَ بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي النِّصْفُ وَاسْتَوَيَا فِيمَا بَقِيَ ) أَيْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَيَّ شَيْءٍ رَبِحْت فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، ثُمَّ دَفَعَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي نِصْفُ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لَهُ ذَلِكَ وَشَرْطُهُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَالْبَاقِي وَهُوَ النِّصْفُ اسْتَوَى فِيهِ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ هُنَا إلَّا نِصْفَ مَا رَبِحَهُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ هُوَ إلَّا النِّصْفَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ صَارَ لِلثَّانِي بِشَرْطِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ رِبْحِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمَشْرُوطَ فِيهَا لِلثَّانِي الثُّلُثُ فَيَبْقَى لَهُمَا الثُّلُثَانِ وَفِي هَذِهِ النِّصْفُ فَيَبْقَى لَهُمَا النِّصْفُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قِيلَ لَهُ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلِي نِصْفُهُ ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ فَدَفَعَ بِالنِّصْفِ فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلثَّانِي النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ مَا رَزَقَ اللَّهُ ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ الرِّبْحِ فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ مِنْ الْجَمِيعِ ، وَقَدْ شَرَطَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَيَكُونُ لَهُ أَيْضًا النِّصْفُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ فَيَخْرُجُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ غَيْرَهُ لَهُ لِيَخِيطَ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا رَبِحْت بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، أَوْ مَا رَزَقَك اللَّهُ حَيْثُ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهَا نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّانِي وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ الرِّبْحِ ، أَوْ ثُلُثَهُ مِنْ مُطْلَقِ الرِّبْحِ فَلَهُ مَا شَرَطَ مِنْ جَمِيعِ الرِّبْحِ ، وَإِنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَهُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ أَوْ ثُلُثَهُ فَلَهُ مَا شَرَطَ مِمَّا فَضَلَ مِنْ نَصِيبِ الثَّانِي فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ الْأَوَّلُ فِي هَذِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَفِي الْأُولَى يُمْكِنُ عَلَى مَا رَأَيْت وَيُمْكِنُ أَنْ يَضْمَنَ لِلثَّانِي أَيْضًا عَلَى مَا تَبَيَّنَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي ثُلُثَيْهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسًا ) أَيْ سُدُسَ الرِّبْحِ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ النِّصْفَ مِنْ مُطْلَقِ الرِّبْحِ فَلَهُ ذَلِكَ وَاسْتَحَقَّ الْمُضَارِبُ الثَّانِي ثُلُثَيْ الرِّبْحِ بِشَرْطِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لَكِنْ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُغَيِّرَ شَرْطَهُ فَيَغْرَمُ لَهُ قَدْرَ السُّدُسِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الثُّلُثَيْنِ بِالْعَقْدِ ؛ وَلِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ

الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ أَيْضًا سَبَبٌ لِلرُّجُوعِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ فَدَفَعَهُ الْأَجِيرُ إلَى مَنْ يَخِيطُهُ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْغُرُورَ بِضِمْنِ الْعَقْدِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّ الْغُرُورَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ هَذَا الطَّرِيقُ آمِنٌ فَاسْلُكْهَا فَسَلَكَهَا فَقُطِعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَرَطَ لِلْمَالِكِ ثُلُثَهُ وَلِعَبْدِهِ ثُلُثَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثَهُ صَحَّ ) أَيْ إذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ مَعَ الْمُضَارِبِ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثَ الرِّبْحِ جَازَ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا لِلْمَوْلَى فَكَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمَوْلَى ثُلُثَيْ الرِّبْحِ وَاشْتِرَاطُ عَمَلِ الْعَبْدِ غَيْرُ مُفْسِدٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُضَارِبَ فِي مَالِ مَوْلَاهُ وَلِلْعَبْدِ يَدٌ حَقِيقَةً وَلِهَذِهِ لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ أَخْذِ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدُ ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا هُنَا ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ يَدُ مَوْلَاهُ ثَابِتَةً فِيهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ لِزَوَالِ يَدِ الْمَوْلَى عَنْ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ يَدِهِ يَمْنَعُ تَسْلِيمَ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ فَلَا يَجُوزُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَهُوَ لِلْمَوْلَى سَوَاءٌ شَرَطَ فِيهَا عَمَلَ الْعَبْدِ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ لِغُرَمَائِهِ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَهُوَ لِلْمَوْلَى ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ بِاشْتِرَاطِ عَمَلِهِ صَارَ مُضَارِبًا فِي مَالِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ فَيَأْخُذُهُ غُرَمَاؤُهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ فَكَانَ الْمَشْرُوطُ كَمَسْكُوتٍ عَنْهُ فَيَكُونُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ نَصِيبِهِ ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ لِكَوْنِهِ كَالْأَجِيرِ وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ الثُّلُثَ لِعَبْدِ الْمُضَارِبِ يَصِحُّ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ مَا شَرَطَهُ لَهُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمَوْلَى مِنْ الِابْتِدَاءِ

وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لِغُرَمَائِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ مَا شَرَطَهُ لَهُ لِرَبِّ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُ فَلَا يَكُونُ الْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ مَشْرُوطًا لِلْمَوْلَى فَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ لَهُ ، وَكَذَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لِلْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَبَطَلَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ لِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ بِلَا عَمَلٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ إنْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ يَبْقَى فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ ، وَعِنْدَهُمَا الْمَوْلَى يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدِينِ فَاشْتِرَاطُهُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا لِلْمَوْلَى فَيَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْمَوْلَى وَلَوْ عَقَدَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَشَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى مَوْلَاهُ لَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ فَصَارَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدِينِ فَلَا يَجُوزُ ، وَلَوْ شَرَطَ بَعْضَ الرِّبْحِ لِمُكَاتَبِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارِبِ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ عَمَلُهُ وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُضَارِبًا لَهُ بِاشْتِرَاطِهِ الْعَمَلَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُضَارِبَ فِي مَالِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ ، وَإِنَّمَا الْمَشْرُوطُ هِبَةٌ مَوْعُودَةٌ فَلَا يَلْزَمُ وَعَلَى هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ إنْ شَرَطَ لَهُ بَعْضَ الرِّبْحِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَيُعْلَمُ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ الْعَبْدِ مَعَ الْمُضَارِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا ، أَوْ

إعْلَامًا أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ الْمَوْلَى حَتَّى لَا تَمْنَعَ صِحَّةَ الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِهِ عَلَى الْمَوْلَى .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِعَبْدِهِ ) أَيْ لِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ وَالتَّقْيِيدُ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ لَا لِلشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ عَبْدِ الْمُضَارِبِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ لِأَجْنَبِيٍّ ( قَوْلُهُ إذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ إلَخْ ) وَأَمَّا إذَا شَرَطَ الثُّلُثَ لِابْنِ الْمُضَارِبِ أَوْ لِزَوْجَتِهِ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَمَا شُرِطَ لِابْنِ الْمُضَارِبِ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمُضَارِبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَلَا عَمَلٍ ا هـ فَصَارَ الْمَشْرُوطُ مَسْكُوتًا عَنْهُ وَمَا سُكِتَ عَنْهُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمَوْلَى ثُلُثِي الرِّبْحِ ) وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ شَرَطَ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُضَارِبِ أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ فِي قَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا مَشْرُوطٌ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَوْلَى ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ رِبْحًا فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا مَالٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ لَهُ ) أَيْ لِرَبِّ الْمَالِ ا هـ قَوْلُهُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمَوْلَى مِنْ الِابْتِدَاءِ ) أَيْ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ الثُّلُثَانِ وَلِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَبَطَلَ ) فَصَارَ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَمَا سُكِتَ عَنْهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ وَكَالَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِهِ وَلَا تُورَثُ ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِلُحُوقِ الْمَالِكِ مُرْتَدًّا ) يَعْنِي تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ بِلُحُوقِ رَبِّ الْمَالِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ؛ لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ ؛ وَلِهَذَا يُورَثُ مَالُهُ وَتَعْتِقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ وَقَبْلَ لُحُوقِهِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ مُضَارِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّفَاذِ بِالْإِسْلَامِ ، أَوْ الْبُطْلَانِ بِالْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لَهُ فَصَارَ كَتَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ إنَّمَا تَوَقَّفَتْ لِمَكَانِ تَوَقُّفِهِ فِي مِلْكِهِ وَلَا مِلْكَ لَهُ هُنَا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَهُ عِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ كَالْوَكِيلِ فَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ بَطَلَ الْإِذْنِ فَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْمُضَارِبُ تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَلَا يَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ الْخَاصَّةِ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ شِرَاءِ الْمُضَارِبِ وَبَيْعِهِ وَإِذَا أَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَرُدَّ عَبْدًا قَدْ اشْتَرَاهُ بِالْعَيْبِ فَطَلَبَ الْبَائِعُ يَمِينَ الْمُضَارِبِ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ مُنْذُ اشْتَرَاهُ فَنَكَلَ الْمُضَارِبُ عَنْ الْيَمِينِ بَقِيَ الْعَبْدُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا شِرَاءً مُبْتَدَأً وَلَوْ اشْتَرَاهُ ابْتِدَاءً صَحَّ فَكَذَا إذْ اسْتَرَدَّ بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالْعَيْبِ يَلْزَمُهُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَمِنْهَا مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا فِي بَابِ الْمُضَارِبِ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَقَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَدَفَعَهُ الْمُضَارِبُ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ فَعَمِلَ بِهِ فَرَبِحَ فَلِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِلْأَوَّلِ سُدُسُهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُهُ فَإِنْ دَفَعَ الثَّانِي إلَى ثَالِثٍ مُضَارَبَةً وَقَدْ كَانَ قَالَ لِلثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك لَهُ أَنْ يُشَارِكَ بِهِ وَأَنْ يَخْلِطَهُ بِمَالِهِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ إذَا قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ

غَيْرَهُ ، وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَفَادَ وِلَايَةَ التَّوْكِيلِ بِالْإِذْنِ وَالْإِذْنُ وُجِدَ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ هَذِهِ الْوِلَايَةَ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ وِلَايَةَ التِّجَارَةِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَيَمْلِكُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ ، وَهَذَا نَوْعُ تِجَارَةٍ فَمَلَكَ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا دُفِعَ إلَيْهِ الثَّمَنُ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ لَوْ هَلَكَ مَا أَخَذَهُ ثَانِيًا لَا يَرْجِعُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى وَالْمُضَارِبُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ فَصْلٍ فِي الِاخْتِلَافِ مِنْ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَنَ إذَا تَوَى فِي يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ لَوْ تَوَى ثَانِيًا لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا أَدَّى الثَّمَنَ بِأَمْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَإِذَا رَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَدْ قَبَضَ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَلَا يَرْجِعُ ثَانِيًا بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ قَابِضٌ لِلْمُضَارَبَةِ لَا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُضَارَبَةِ كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضًا ثُمَّ عَزَلَهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَعْمَلْ عَزْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ بَعْدَ خُطُوطٍ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُضَارَبَةِ بِهِ وَهُوَ حَقُّ

الْبَيْعِ لِيَرْبَحَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ إذَا عَلِمَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا عِنْدَهُمْ ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَبِرِدَّتِهِ وَلَحَاقِهِ وَبِمَوْتِ الْمُضَارِبِ دُونَ رِدَّتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ ) أَيْ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ إنْ عَلِمَ ) أَيْ يَنْعَزِلُ الْمُضَارِبُ بِعَزْلِ رَبِّ الْمَالِ إيَّاهُ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ الْعَزْلَ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ بِعَزْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْوَكَالَةِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَلِمَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ بَاعَهَا ) أَيْ عَلِمَ الْمُضَارِبُ بِالْعَزْلِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضٌ بَاعَ الْعُرُوضَ وَلَا يَنْعَزِلُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الرِّبْحِ وَلَا يَظْهَرُ إلَّا بِالنَّضِّ فَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْبَيْعِ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ لَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِهَا ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ لِلضَّرُورَةِ حَتَّى يَظْهَرَ الرِّبْحُ إنْ كَانَ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ النَّضِّ فَصَارَ كَمَا إذَا عَزَلَهُ بَعْد مَا نَضَّ وَصَارَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ عَزَلَهُ وَالْمَالُ نُقُودٌ لَكِنْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ قِيَاسًا ؛ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِرَدِّ جِنْسِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ضَرُورَةً وَمَوْتُهُ وَارْتِدَادُهُ مَعَ اللُّحُوقِ وَجُنُونُهُ مُطْبَقًا وَالْمَالُ عُرُوضٌ كَعَزْلِهِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ حَتَّى لَا يَمْنَعَهُ مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ بَيْعِهِ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ عَزْلُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ لَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ لِأَجْلِ حَقِّ الْمُضَارِبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِبْحٌ فَيَظْهَرُ ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَزْلُ حُكْمِيًّا ، أَوْ قَصْدِيًّا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَتَّى بِأَنْ نَضَّ كُلُّهُ ، أَوْ كَانَ وَكِيلًا لَا مُضَارِبًا حَيْثُ يَخْتَلِفُ فِيهِ بَيْنَ الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ وَالْحُكْمِيِّ حَتَّى لَا يَنْعَزِلَ فِي الْقَصْدِيِّ إلَّا إذَا عَلِمَ وَفِي الْحُكْمِيِّ يَنْعَزِلُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْوَكَالَةِ وَهُنَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ ثُبُوتُ حَقِّهِ ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ

فِيهِ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَزْلِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ هُنَا فَكَذَا كَوْنُهُ حُكْمِيًّا ؛ لِأَنَّ الْقَصْدِيَّ بَعْدَ الْعِلْمِ يُسَاوِي الْحُكْمِيَّ مُطْلَقًا .( قَوْلُهُ وَلَا يَظْهَرُ إلَّا بِالنَّضِّ ) فِي الْمُغْرِبِ نَضِيضُ الْمَاءِ خُرُوجُهُ مِنْ الْحَجَرِ أَوْ نَحْوِهِ وَسَيَلَانُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا مِنْ حَدِّ ضَرَبَ وَمِنْهُ خُذْ مَا نَضَّ لَك مِنْ دَيْنِك أَيْ مَا تَيَسَّرَ وَحَصَلَ وَفِي الْحَدِيثِ { يَقْتَسِمَانِ مَا نَضَّ بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَيْنِ } أَيْ صَارَ وَرِقًا وَعَيْنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَتَاعًا وَالنَّاضُّ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ا هـ كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ نَاضِّ الْمَالِ هُوَ مَا نَضَّ مِنْهُ أَيْ صَارَ وَرِقًا وَعَيْنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَتَاعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَكِنْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ وَالنَّاضُّ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ افْتَرَقَا وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَرِبْحٌ أُجْبِرَ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأُجْرَةِ لَهُ ، وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ فَيُجْبَرُ عَلَى إتْمَامِ عَمَلِهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْمَحْضَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِضَاءُ ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِضَاءُ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ ، وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ عَلَى إنْهَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَلَا يُقَالُ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْوَاجِبُ عَلَيْهِ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَةً .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ افْتَرَقَا ) الْمُرَادُ مِنْ افْتِرَاقِ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ فَسْخُهُمَا عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِضَاءُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُهُ الِاقْتِضَاءُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُوَكِّلُ الْمَالِكُ عَلَيْهِ ) أَيْ يُوَكِّلُ الْمُضَارِبُ الْمَالِكَ ، وَهُوَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَرَبُّ الْمَالِ لَيْسَ بِعَاقِدٍ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ إلَّا بِتَوْكِيلِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّوْكِيلِ كَيْ لَا يُضَيِّعَ حَقَّهُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ وَكِيلٍ بِالْبَيْعِ وَكُلُّ مُسْتَبْضِعٍ إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّقَاضِي لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّقَاضِي وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُحِيلَ صَاحِبَ الْمَالِ كَيْ لَا يُضَيِّعَ حَقَّهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالسِّمْسَارُ يُجْبَرُ عَلَى التَّقَاضِي ) ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لِلنَّاسِ عَادَةً بِأُجْرَةٍ فَجُعِلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّقَاضِي وَالِاسْتِيفَاءُ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بَدَلُ عَمَلِهِ فَصَارَ كَالْمُضَارِبِ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ وَالسِّمْسَارُ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ وَالْجَمْعُ السَّمَاسِرَةُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لِلنَّاسِ بِأُجْرَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَأْجَرَ ، وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ شَيْئًا مَعْلُومًا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَتِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمُسَاعَدَةِ غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ يَوْمًا لِلْخِدْمَةِ فَيَسْتَعْمِلَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِبَيَانِ قَدْرِ الْمُدَّةِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ ، وَلَوْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَعْطَاهُ شَيْئًا لَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَعَهُ حَسَنَةً فَجَازَاهُ خَيْرًا وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ .

( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ) أَيْ ، وَلَوْ ضَمِنَ الْعَاقِدُ لِرَبِّ الْمَالِ هَذَا الدَّيْنَ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَمْ يَجُزْ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ جَعَلَهُ أَمِينًا فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ ضَمِينًا فِيمَا جَعَلَهُ الْعَقْدُ أَمِينًا ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَمِنْ الرِّبْحِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَرَأْسُ الْمَالِ أَصْلٌ لِتَصَوُّرِ وُجُودِهِ بِدُونِ الرِّبْحِ لَا الْعَكْسُ فَوَجَبَ صَرْفُ الْهَالِكِ إلَى التَّبَعِ لِاسْتِحَالَةِ بَقَائِهِ بِدُونِ الْأَصْلِ كَمَا يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَكُونُ ضَمِينًا لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ .قَوْلُهُ إلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قُسِمَ الرِّبْحُ وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ ، أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ رَأْسَ مَالِهِ ) أَيْ إذَا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَالْمُضَارَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ يَفْسَخَاهَا بِأَنْ اقْتَسَمَا بَعْضَ الْمَالِ وَتَرَكَا بَعْضَهُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّهُ رَأْسُ الْمَالِ وَالْمُقْتَسَمُ رِبْحٌ ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَتْرُوكُ فِي يَدِهِ وَهُوَ أَمَانَةٌ تَرَادَّا الرِّبْحَ الَّذِي اقْتَسَمَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ وَرَأْسُ الْمَالِ أَصْلٌ فَلَا يُسَلَّمُ الرِّبْحُ بِدُونِ سَلَامَةِ الْأَصْلِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ التَّاجِرِ لَا يَسْلَمُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَسْلَمَ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ لَا تَسْلَمُ لَهُ نَوَافِلُهُ حَتَّى تَسْلَمَ لَهُ عَزَائِمُهُ ، أَوْ قَالَ فَرَائِضُهُ } فَإِذَا هَلَكَ مَا فِي يَدِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَأْسِ مَالٍ وَأَنَّ مَا اقْتَسَمَاهُ لَيْسَ بِرِبْحٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ التَّبَعِ بِدُونِ الْأَصْلِ فَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ مَا أَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ رِبْحٌ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَتِمَّ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ وَمَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَنَظِيرُهُ عَزْلُ الْوَرَثَةِ بَعْضَ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ بِهِ ، ثُمَّ اقْتِسَامُهُمْ بَقِيَّةَ التَّرِكَةِ ، ثُمَّ هَلَاكُ الْمَعْزُولِ فَإِنَّ قِسْمَتَهُمْ قَدْ بَطَلَتْ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ التَّرَادُّ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ غَرِيمٌ فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَسْلَمُ لَهُمْ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ مَا فَضَلَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ التَّرَادِّ يَكُونُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ

رَأْسِ مَالِهِ إلَّا فِي الرِّبْحِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ .( قَوْلُهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ التَّبَعِ إلَخْ ) قَالَ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ وَلَوْ رَبِحَ أَلْفَيْنِ فَأَخَذَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفًا وَأَخَذَ الْمُضَارِبُ مِنْ الْأَلْفَيْنِ حِصَّتَهُ أَلْفًا وَلَمْ يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ حَتَّى هَلَكَ رَدَّ الْمُضَارِبُ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَا لَمْ يَأْخُذْ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الرِّبْحُ إلَّا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ ، وَإِنْ كَانَ مَا أَخَذَهُ الْمُضَارِبُ هَلَكَ يَهْلَكُ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَخَرَجَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَسْتَوْفِيهِ الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ صَارَ فِي ضَمَانِهِ وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِ رَبُّ الْمَالِ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قُسِمَ الرِّبْحُ وَفُسِخَتْ ، ثُمَّ عَقَدَاهَا فَهَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَتَرَادَّا الرِّبْحَ الْأَوَّلَ ) أَيْ لَوْ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَفَسَخَا الْمُضَارَبَةَ ، ثُمَّ عَقَدَاهَا ثَانِيًا فَهَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَرَادَّا الرِّبْحَ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ بِالْفَسْخِ ، وَثُبُوتُ الثَّانِيَةِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الثَّانِيَةِ لَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْأُولَى فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا آخَرَ وَهَذِهِ هِيَ الْحِيلَةُ فِيمَا إذَا خَافَ الْمُضَارِبُ أَنْ يُسْتَرَدَّ مِنْهُ الرِّبْحُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِسَبَبِ هَلَاكِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْحِيلَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمُضَارِبُ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ ، ثُمَّ يَقْتَسِمَا الرِّبْحَ ، ثُمَّ يَرُدُّ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ وَيَقُولُ لَهُ : اعْمَلْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَتَكُونُ بِذَلِكَ مُضَارَبَةً مُسْتَقْبَلَةً فَهَلَاكُ الْمَالِ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ رَدَّ الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ فِي الْأُولَى وَهَكَذَا إذَا فَعَلَا ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا اقْتَسَمَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا التَّرَادُّ عِنْدَ الْهَلَاكِ .

( فَصْلٌ ) اعْلَمْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ كَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِئْجَارِ لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ وَالشِّرَاءِ لَهُ ، وَلَوْ سَفِينَةً إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا وَتَأْخِيرُ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ ، وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ الدَّيْنَ بَعْدَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ ، ثُمَّ بَيْعُهُ نَسِيئَةً وَهُنَا يَمْلِكُ وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَيَمْلِكُهُ إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك ، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ فَيَلْتَحِقُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً ، أَوْ شَرِكَةً وَخَلْطُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ لَا بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ عَارِضٌ لَا تَتَوَقَّفُ التِّجَارَةُ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْعَقْدِ ، وَلَكِنَّهُ هُوَ طَرِيقٌ فِي التَّثْمِيرِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُوَافِقٌ لَهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ وَقَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك دَالٌّ عَلَيْهِ وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَلَا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَغْلَ ذِمَّتِهِ بِالدَّيْنِ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَصُورَتُهُ هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّيْنِ بَعْدَمَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ نَوْعًا مِنْ التِّجَارَةِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ كَانَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا وَرِبْحُهُ تَبَعٌ لِأَصْلِهِ حَتَّى يَسْتَحِقَّانِهِ بِقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْأَصْلَ وَيَبْطُلُ شَرْطُهُمَا فِيهِ خِلَافَ ذَلِكَ إذْ هُوَ شَرِكَةُ وُجُوهٍ وَلَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ عُرُوضًا ، ثُمَّ اشْتَرَى شَيْئًا آخَرَ بِالدَّيْنِ يَكُونُ زَائِدًا عَلَى

رَأْسِ الْمَالِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ الْمُضَارَبَةُ ، أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ابْتِدَاءً كَانَ حِصَّةُ دَفْعِ الزِّيَادَةِ شَرِكَةً ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ كَانَ يَنْفُذُ عَلَى الْمُضَارِبِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ نَفَذَ عَلَيْهِمَا وَأَخَذَ السَّفَاتِجَ مِثْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ ، وَكَذَا إعْطَاؤُهَا ؛ لِأَنَّهُ إقْرَاضٌ ، وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَغَيْرِ مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ كُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالنَّصِّ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى بِمَكِيلٍ ، أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ نَفَذَ عَلَى الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ ، وَلَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ كَانَ لِلْمُضَارَبَةِ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ وَجْهٍ .

( قَوْلُهُ فَصْلٌ اعْلَمْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ) هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ نَقْلًا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ فَرَاجِعْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّ لَهُ الْأَمْرَ الْعَامَّ الْمَعْرُوفَ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ الْمُضَارِبُ لَهُ وِلَايَةُ الْأَمْرِ الشَّائِعِ الْمَشْهُورِ فِي عُرْفِ النَّاسِ يَعْنِي بِهِ مَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةَ أَنَّهُ يَشْتَرِي دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَلَا يَشْتَرِي سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ وَيَشْتَرِي سَفِينَةً لِلْحَمْلِ اعْتِبَارًا لِصَنِيعِ التُّجَّارِ قَالَ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ دَفَعَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ خَاصَّةً لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِنَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَالْحُمُولَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَفْعَلُهُ التُّجَّارُ وَلَا يَشْتَرِي سَفِينَةً يَحْمِلُ فِيهَا الطَّعَامَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ لَا جَرَمَ فِي بَلَدٍ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ عَامَّةً جَازَ شِرَاءُ السَّفِينَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَتْ عَامَّةً كَذَا فِي الشَّامِلِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا هُوَ تِجَارَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلتُّجَّارِ مِنْهُ بُدٌّ ، أَمَّا مَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ هُوَ تِجَارَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ لَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَمِنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ غُلَامِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ احْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَعْسَرِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ بِخِلَافِ

الْوَصِيِّ يَحْتَالُ بِمَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَنْظَرُ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي لَوْ قَبِلَ الْمُضَارِبُ الْحَوَالَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي جَازَ ، وَإِنْ كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَعْسَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَايِلَ الْبَيْعَ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَبِيعَ مِنْ الْأَعْسَرِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَقْبَلُ الْحَوَالَةَ مِنْ مُشْتَرِي مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَعْسَرَ مِنْهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ مُتَعَارَفٌ ) قَدْ ذَكَرْنَا فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِيمَا سَبَقَ وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ بَاعَ ثُمَّ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ تَأْجِيلَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُضَارِبِ أَعَمُّ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الرِّبْحِ دُونَ الْوَكِيلِ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ عِنْدَهُ تَأْجِيلُ الْمُضَارِبِ دُونَ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ ثُمَّ يَبِيعَهَا بِنَسَاءٍ فَمَلَكَ التَّأْخِيرَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ فَإِذَا مَلَكَ الْإِقَالَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ وَكَأَنَّهُ بَاعَ بِنَسِيئَةٍ ابْتِدَاءً وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ فَلَا يَمْلِكُ التَّأْجِيلَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَالٍ عَيْنٍ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُضَارَبَةً لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِدَانَةِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ

الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ أَوْ اشْتَرَى بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ إلَى أَجَلٍ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ اسْتِدَانَةٌ عَلَى الْمَالِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مَا يُؤَدِّيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى بِدَنَانِيرَ أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ دَنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِالْعُرُوضِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ قَدْ أُجْرِيَا عِنْدَ التُّجَّارِ مَجْرَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا أَثْمَانٌ وَبِهِمَا يُقْضَى فِي النَّفَقَاتِ وَالْأُرُوشُ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَلَا يَتَعَذَّرُ نَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسٍ هُوَ فِي يَدِهِ وَأَمَّا الْفُلُوسُ فَالْقِيَاسُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَا وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ تَكُونَ كَالدَّرَاهِمِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الْمُضَارَبَةَ بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ كَسَائِرِ الْأَثْمَانِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهَا كَالْعُرُوضِ فَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيُّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً ) وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَفْسُدُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ مِنْ رِبْحِهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ ، وَهَذَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِيهِ بَلْ يَكُونُ مُسْتَرِدًّا لِمَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَاسْتِرْدَادَ مَالِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّهُ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ ، أَوْ كَمَا إذَا أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الْمُضَارِبِ إلَيْهِ ، وَهُوَ نَاضٌّ وَكَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً ، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إجَارَةٌ وَالْأَجِيرُ إذَا اسْتَعَانَ بِالْمُؤَجِّرِ وَفَعَلَهُ الْمُؤَجِّرُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَالْخَيَّاطِ إذَا اسْتَعَانَ بِصَاحِبِ الثَّوْبِ فَخَاطَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا ، وَلَنَا أَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ وُجِدَ وَصَارَ التَّصَرُّفُ بَعْدَ ذَلِكَ حَقًّا لِلْمُضَارِبِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ وَكِيلًا فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ أَرْجَحُ حَتَّى جَازَ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ وَبِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَمَلِ وَلَوْ عَمِلَ وَلَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ، وَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ بِالْعَمَلِ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ فَرْعًا عَلَى عَمَلِهِ كَمَا يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ الْمَالِ فَرْعًا عَلَى الْمَالِ فَإِذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِهَذَا الطَّرِيقِ صَلَحَ رَبُّ الْمَالِ مُعِينًا لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ فَكَانَ عَمَلُهُ ثَابِتًا تَقْدِيرًا ، وَكَذَا يَدُهُ فَلَا يَكُونُ بِأَخْذِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْفَسْخِ مُبْطِلًا لَهَا كَالرَّاهِنِ إذَا اسْتَعَارَ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا

أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمُضَارِبُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعِينًا هُنَا لِعَدَمِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ فَيَقَعُ الْعَمَلُ لِنَفْسِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَالِاسْتِرْدَادَ إذَا كَانَ الْمَالُ نَاضًّا حَتَّى لَوْ كَانَ عُرُوضًا وَأَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الْمُضَارِبِ لَا يَكُونُ اسْتِرْدَادًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً ، أَوْ أَخَذَهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ ، أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ ابْتِدَاءً حَيْثُ تَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُبْطِلَةً لِلْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ ، أَوْ يَكُونُ الْمَالُ وَالْعَمَلُ مُسْتَحَقًّا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَتَخْرُجُ بِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُضَارَبَةً وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَحْضَةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ عَمَلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ عَنْ الْأَجِيرِ إذْ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الْعَمَلِ شَرْطٌ فِي الْإِجَارَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .

( قَوْلُهُ فَكَيْفَ يَصْلُحُ وَكِيلًا إلَخْ ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ إضَافَةُ الْأَبْضَاعِ إلَى الْمُضَارِبِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْبِضَاعَةُ لِلْمُبْضِعِ وَلَا مَالَ لِلْمُضَارِبِ قُلْت لَيْسَ بِشَرْطٍ أَنْ تَكُونَ الْبِضَاعَةُ مِلْكًا لِلْمُبْضِعِ ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ الْأَبْضَاعِ الِاسْتِعَانَةُ بِالْغَيْرِ فِي التَّصَرُّفِ وَرَبُّ الْمَالِ يَصْلُحُ مُعِينًا لَهُ وَالِاسْتِعَانَةُ بِالْأَجْنَبِيِّ جَائِزَةٌ فَرَبُّ الْمَالِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ فِي مَالِهِ أَكْثَرُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ كَمَا إذْ أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَعَمِلَ فِيهِ انْتَقَضَتْ الْمُضَارَبَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَخْ ) أَيْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارَبَةً ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَفْسُدُ وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً حَكَمْنَا بِبَقَاءِ الْأُولَى لَا بِانْفِسَاخِهَا ا هـ قَوْلُهُ حَيْثُ تَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُبْطِلَةً إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ شَرْطِ الْعَقْدِ وَهُوَ التَّخْلِيَةُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ ا هـ وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( قَوْلُهُ فَتَخْرُجُ بِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُضَارَبَةً ) أَمَّا الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى فِيمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ فَبَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَلَا يَصِحُّ الْإِلْزَامُ الْمُتَقَدِّمُ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ الْمُضَارِبُ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدُ شَرِكَةٍ بِأَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِنْ الدَّافِعِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْمُضَارِبِ وَالرِّبْحُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَلَا مَالَ هُنَا لِلْمُضَارِبِ فَلَوْ جَازَ مَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُ قَلْبُ الْمَوْضُوعِ فِي

التَّصَرُّفِ فَلَمْ تَبْطُلْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ سَافَرَ فَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ وَرَكُوبُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ عَمِلَ فِي الْمِصْرِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ كَالدَّوَاءِ ) أَيْ إذَا سَافَرَ الْمُضَارِبُ لِلتِّجَارَةِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَمَأْكَلُهُ وَمَشْرَبُهُ وَمَلْبَسُهُ وَرَكُوبُهُ يَكُونُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ عَمِلَ فِي مِصْرِهِ فَفِي مَالِهِ كَمَا يَكُونُ الدَّوَاءُ فِي مَالِهِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِسَبَبِ الِاحْتِبَاسِ كَنَفَقَةِ الْقَاضِي وَالزَّوْجَةِ ، وَهُوَ إذَا سَافَرَ صَارَ مَحْبُوسًا بِهِ فَتَجِبُ مُؤْنَتُهُ الرَّاتِبَةُ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ وَبِخِلَافِ الْأَجِيرِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ بِيَقِينٍ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ وَالْمُضَارِبُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الرِّبْحَ فَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَحْصُلَ فِيهِ رِبْحٌ فَلَوْ لَمْ يُنْفِقْ مِنْهُ لَتَضَرَّرَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُسْتَبْضِعِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَبَرِّعَانِ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي مِصْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَا تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ فِيهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ سَاكِنٌ بِالسَّكَنِ الْأَصْلِيِّ وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الِاحْتِبَاسِ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمُضَارِبِ الْمُسَافِرِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ ، أَوْ الْأَجِيرِ أَوْ الشَّرِيكِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِيمَا يَعْمَلُ بِهِ فَكَذَا هَذَا إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى ؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا عَمِلَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ وَفِي مِصْرِهِ يَأْكُلُ مِنْ مَالِهِ وَالْمَكَانُ الْقَرِيبُ مِنْ مِصْرِهِ بِمَنْزِلَةِ مِصْرِهِ وَالْفَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَكَان بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ وَيَرُوحَ إلَى مَنْزِلِهِ فَهُوَ كَمِصْرِهِ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَتَّجِرُونَ فِي السُّوقِ ، ثُمَّ يَبِيتُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ

يَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ فَمُؤْنَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحْبُوسًا بِهِ وَمِنْ مُؤْنَتِهِ الْوَاجِبَةِ فِيهِ : غَسْلُ ثِيَابِهِ وَأُجْرَةُ مَنْ يَخْدُمُهُ وَعَلَفُ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا وَالدُّهْنُ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْحِجَازِ وَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَالْحَلَّاقِ وَقَصِّ الشَّارِبِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِهَا ؛ وَلِأَنَّ نَظَافَةَ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ تُوجِبُ كَثْرَةَ مَنْ يُعَامِلُهُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَسَخِ تَعُدُّهُ النَّاسُ مِنْ الْمَفَالِيسِ فَيَجْتَنِبُونَ مُعَامَلَتَهُ فَيُطْلِقُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى إذَا زَادَ يَضْمَنُ وَلَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ رَدَّهُ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَالْحَاجِّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا بَقِيَ شَيْءٌ فِي يَدِهِ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَحْجُوجِ عَنْهُ ، أَوْ الْوَرَثَةِ وَكَالْغَازِي إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ يَرُدُّ إلَى الْغَنِيمَةِ مَا مَعَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَكَالْأَمَةِ إذَا بَوَّأَهَا الْمَوْلَى مَنْزِلًا مَعَ الزَّوْجِ ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا لِلْخِدْمَةِ وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ فِي يَدِهَا اسْتَرَدَّهُ الزَّوْجُ ، وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الدَّوَاءَ أَيْضًا يَكُونُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ بَدَنِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّفَقَةَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا وَالْحَاجَةُ إلَى الدَّوَاءِ مِنْ الْعَوَارِضِ فَكَانَ مَوْهُومًا فَلَا يَجِبُ كَمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَفِي النِّهَايَةِ الشَّرِيكُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ فَنَفَقَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي بَعْدَمَا ذَكَرَ وُجُوبَ النَّفَقَةِ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ فَقَالَ بِخِلَافِ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ التَّعَارُفُ أَنَّ الشَّرِيكَ الْعَامِلَ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَكُوبُهُ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ أَيْ بِالْمَعْرُوفِ ا هـ كَيْ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْرِفَ فِي النَّفَقَةِ وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عَلَى الْمَعْرُوفِ عِنْدَ التُّجَّارِ وَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ ضَمِنَ الْفَضْلَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قِيلَ رَضِيَ بِنَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قِيلَ لَهُ النَّفَقَةُ لَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ لَهُ لَكِنَّهَا مِنْ مُؤَنِ الْمَالِ كَأَجْرِ الْأَجِيرِ لِلْعَمَلِ فِي الْمَالِ وَأُجْرَةِ الْحَمَّالِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ خَرَجَ إلَى السَّفَرِ بِمَالِهِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ جَمِيعًا كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَتَجِبُ مُؤْنَتُهُ الرَّاتِبَةُ ) أَيْ الثَّابِتَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُسْتَبْضِعِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُسْتَبْضِعِ فِي مَالِ الْبِضَاعَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِيهَا ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ) وَبِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا سَافَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ا هـ كَيْ وَقَوْلُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ أَيْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ سَاكِنٌ بِالسَّكَنِ ) أَيْ لَا لِأَجْلِ الْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالدُّهْنُ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الدُّهْنَ فِي مَالِ الْمُضَارِبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الدُّهْنُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الدُّهْنَ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَلَا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ فَصَارَ كَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الدُّهْنَ يُسْتَعْمَلُ لِمَنْفَعَةٍ فِي الْبَدَنِ وَغَيْرُهُ غَيْرُ نَادِرٍ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ

الْكَرْخِيُّ وَلَيْسَ فِي الْخِضَابِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْحِجَامَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اللَّحْمِ فَقَالَ كَمَا كَانَ يَأْكُلُ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ رَدَّهُ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ فِي زَمَانِ تَفْرِيغِ نَفْسِهِ لِعَمَلِ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَيُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ اسْتَرَدَّهُ الزَّوْجُ ) هَكَذَا هُوَ فِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ فَاعْلَمْ ا هـ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الدَّوَاءُ وَالْحِجَامَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَلَا يَقْضِي بِالدَّوَاءِ وَالْحِجَامَةِ كَذَلِكَ هَاهُنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِذَلِكَ وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي الْحِجَامَةِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ وَمَعْنَى هَذَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِذَلِكَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ رَبِحَ أَخَذَ الْمَالِكُ مَا أَنْفَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) أَيْ إذَا رَبِحَ الْمُضَارِبُ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ الْمُضَارِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَتِمَّ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ فَإِذَا اسْتَوْفَى رَأْسَ مَالِهِ وَفَضَلَ شَيْءٌ اقْتَسَمَاهُ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَصْلٌ ، وَالرِّبْحُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْلَمُ لَهُمَا الْفَرْعُ حَتَّى يَسْلَمَ لِرَبِّ الْمَالِ الْأَصْلُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الَّذِي ذَهَبَ بِالنَّفَقَةِ هَالِكٌ وَالْهَالِكُ يُصْرَفُ إلَى الرِّبْحِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ بَاعَ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً حَسَبَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ لَا عَلَى نَفْسِهِ ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ الْمَتَاعَ الَّذِي أَنْفَقَ عَلَيْهِ ضَمَّ جَمِيعَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ مِنْ أُجْرَةِ الْحَمْلِ وَالطِّرَازِ وَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ وَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ يَقُولَ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ وَتَعَارَفَ التُّجَّارُ إلْحَاقَهَا بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فَجَازَ ذَلِكَ وَلَا يَضُمُّ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ وَتَقَلُّبَاتِهِ فِي الْمَالِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَارَفُوا ضَمَّهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَزِيدُ هُوَ أَيْضًا فِي قِيمَةِ الْمَتَاعِ بِخِلَافِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَتَاعِ ؛ لِأَنَّهَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ صَارَتْ فِي مَعْنَى الثَّمَنِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَصَّرَهُ أَوْ حَمَلَهُ بِمَالِهِ وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ) يَعْنِي إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَاشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ كُلِّهِ مَتَاعًا ، ثُمَّ نَقَلَهُ ، أَوْ قَصَّرَ ثِيَابَهُ بِمَالٍ مِنْ عِنْدِهِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَكُونُ تَنْفِيذُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِدَانَةً مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَكَذَا لَوْ زَادَ عَلَى الثَّمَنِ بِأَنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الزِّيَادَةِ وَفِي الْكَافِي لَوْ اشْتَرَى بِكُلِّ رَأْسِ الْمَالِ ، وَهُوَ أَلْفٌ ثِيَابًا وَاسْتَقْرَضَ مِائَةً لِلْحَمْلِ رَابَحَ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ كَانَتْ عَشْرَةً مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ أَيْ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ عَلَى شَرْطِهِمَا وَسَهْمٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقْرَضَهُ لِنَفْسِهِ ، وَالْكِرَاءُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً ، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ الثِّيَابَ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفِ لَا غَيْرُ وَالثَّمَنُ كُلُّهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْكِرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ كَاسْتِكْرَاءِ الْأَجْنَبِيِّ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ لِلْمُضَارِبِ فِي الثِّيَابِ حَقًّا يُضَاهِي الْمِلْكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ بَيْعِ الثِّيَابِ لَمْ يَصِحَّ نَهْيُهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ فَقَامَ الثِّيَابُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ فَيَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى الْكُلِّ فَإِذَا بَاعَهَا مُرَابَحَةً يَقْسِمُ ثَمَنَهَا عَلَى مَالِهِمَا فَمَا أَصَابَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ بَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ فِيهَا عَلَى حَالِهَا وَمَا أَصَابَ الْمِائَةَ الْمُسْتَقْرَضَةَ كَانَ لَهُ خَاصَّةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ ) ؛ لِأَنَّ

الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ ، وَقَدْ اخْتَلَطَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ مُتَقَوِّمٌ فَيَكُونُ شَرِيكًا ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ وَالْحُمْلَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ فَلَا يَكُونُ خَلْطًا بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضِيعُ عَلَى الْغَاصِبِ دُونَ الصَّبْغِ ، ثُمَّ إذَا بِيعَ الْمَتَاعُ قُسِمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ وَعَلَى مَا زَادَ مِنْ الصَّبْغِ فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الثَّوْبِ كَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ كَانَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَالٌ مُشْتَرَكٌ فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ ، وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ بِهَذَا الْخَلْطِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك يَنْتَظِمُهُ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُتَعَدِّيًا بَلْ يَكُونُ شَرِيكًا كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ ، أَوْ اخْتَلَطَ الْمَالُ الْمُودَعُ بِمَالِ الْمُودِعِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا بَلْ يَضْمَنُ كَالْغَاصِبِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا مَتَاعًا وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَلَمَّا اشْتَرَى الْمَتَاعَ حَمَلَهُ بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ قَصَرَهُ بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا صَنَعَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْمِائَةِ شَيْءٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ صَبَغَ الثِّيَابَ حُمْرًا كَانَ شَرِيكًا بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِي الثِّيَابِ وَلَا يَضْمَنُ الثِّيَابَ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُضَارِبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنْهَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ فَإِذَا عَرَفْت ذَلِكَ قُلْنَا إذَا حَمَلَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَقَدْ اسْتَدَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ اسْتِغْرَاقِ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَكَذَا إذَا قَصَرَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَلَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَارَةَ لَيْسَتْ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ وَأَمَّا إذَا صَبَغَهَا لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا لَكِنْ لَا يَضِيعُ مَالُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ قَصَّرَ يَضِيعُ مَالُهُ ، وَلَوْ صَبَغَ لَا يَضِيعُ فَهَا هُنَا أَوْلَى ؛ وَلِهَذَا لَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ رَبُّ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ الِاتِّصَالِ بِثَوْبِهِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هُنَا يَصِيرُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ حَتَّى لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ يَأْخُذُ الْمُضَارِبُ مِنْ الثَّمَنِ مَا

زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَمَا بَقِيَ يَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَلَا يَكُونُ الْمُضَارِبُ ضَامِنًا لِلثِّيَابِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَثَبَتَ لَهُ وِلَايَةُ الْخُلْطَةِ وَالشَّرِكَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَهُ ، أَمَّا الِاسْتِدَانَةُ فَلَا تُسْتَفَادُ وِلَايَتُهَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ وَلَمْ يُوجَدْ كَذَا قَالَ قَاضِيخَانْ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَخَصَّ الْحُمْرَةَ ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَلْوَانِ فَمِثْلُ الْحُمْرَةِ يَعْنِي إذَا صَبَغَ الثِّيَابَ سُودًا كَانَ كَالْقِصَارَةِ سَوَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نُقْصَانٌ وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ الَّذِي دَخَلَ فِي الثِّيَابِ بِفِعْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ بِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَصَبَغَ الثِّيَابَ سُودًا فَنَقَصَهَا ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ فَكَذَا إذَا صَبَغَهَا بِمَالِ نَفْسِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْمُحِيطِ ، وَإِنْ صَبَغَهَا الْمُضَارِبُ بِعُصْفُرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ صَبْغٍ آخَرَ يَزِيدُ فِي الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَالْمُضَارِبُ لَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ ضَمِنَ وَإِذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك كَانَ رَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُضَارِبَ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثِّيَابَ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ اتَّصَلَ بِثَوْبِهِ كَمَا فِي الْغَاصِبِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَضْلٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَضْلٌ فَبِقَدْرِ مَا كَانَ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الثِّيَابِ لَا يَضْمَنُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ رَبُّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ الْمُضَارِبُ الثِّيَابَ

جَازَ بَيْعُهُ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ بَاعَهَا مُسَاوَمَةً يُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ غَيْرِ مَصْبُوغَةٍ وَعَلَى قِيمَتِهَا مَصْبُوغَةً فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا يَكُونُ قِيمَةَ الصَّبْغِ حَتَّى إذَا كَانَ قِيمَةُ الثِّيَابِ غَيْرَ مَصْبُوغَةٍ أَلْفًا وَقِيمَتُهَا مَصْبُوغَةٌ أَلْفًا وَمِائَتَانِ وَبِيعَتْ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فَالْأَلْفُ لِلْمُضَارَبَةِ وَالْمِائَتَانِ لِلْمُضَارِبِ بَدَلُ صَبْغِهِ وَإِنْ بَاعَهَا مُرَابَحَةً فَإِنَّ هَذَا الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِهِ الثِّيَابَ وَعَلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ الَّذِي صَبَغَ الْمُضَارِبُ الثِّيَابَ بِهِ وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاكْتَرَى سَفِينَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْمَالُ عِنْدَهُ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ كُلِّهِ طَعَامًا وَحَمَلَهُ فِي السَّفِينَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْكِرَاءِ ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِتِسْعِمِائَةٍ مِنْهَا طَعَامًا وَبَقِيَتْ فِي يَدِهِ مِائَةٌ فَأَدَّاهَا فِي الْكِرَاءِ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْكِرَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى إصْلَاحِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِجَمِيعِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ثِيَابًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَمْلِهَا أَوْ قِصَارَتِهَا أَوْ نَقْلِهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَارَ بِالِاسْتِئْجَارِ مُسْتَدِينًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا فَصَارَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ مُتَطَوِّعًا ( قَوْلُهُ وَالْحُمْلَانُ ) الْحُمْلَانُ أَجْرُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّوَابِّ كَذَا فِي الدِّيوَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحُمْلَانُ بِالضَّمِّ وَالْحَمْلُ

مَصْدَرُ حَمَلَ وَالْحُمْلَانُ أَيْضًا أَجْرُ مَا يُحْمَلُ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ بَزًّا وَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَاشْتَرَى بِهِمَا عَبْدًا فَضَاعَا غَرِمَا أَلْفًا وَالْمَالِكُ أَلْفًا ) أَيْ غَرِمَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ أَلْفًا ، ثُمَّ غَرِمَ رَبُّ الْمَالِ وَحْدَهُ أَلْفًا آخَرَ فَيَغْرَمُ الْمُضَارِبُ خَمْسَمِائَةٍ وَالْمَالِكُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ( وَرُبُعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ وَبَاقِيهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَيُرَابِحُ عَلَى أَلْفَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمَّا صَارَ أَلْفَيْنِ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِي الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْهُ خَمْسُمِائَةٍ فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَرُبُعُهُ لِلْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِرَبِّ الْمَالِ ، ثُمَّ إذَا ضَاعَ الْأَلْفَانِ قَبْلَ النَّقْدِ كَانَ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ ثَمَنِ الْعَبْدِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فِي الْعَبْدِ فَرُبُعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ ، وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَبَاقِيهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ يَعْنِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ ، وَرَأْسُ الْمَالِ هُوَ جَمِيعُ مَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ وَهُوَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ أَوَّلًا أَلْفًا ، ثُمَّ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَلَا يَبِيعُ الْعَبْدُ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَيُرَابِحُ عَلَى أَلْفَيْنِ ، وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ كَانَ لِلْمُضَارِبِ رُبُعُهُ ، وَهُوَ أَلْفٌ وَالْبَاقِي لِلْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَأَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا رَأْسُ الْمَالِ وَخَمْسُمِائَةٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَضَاعَا ) أَيْ الْأَلْفَانِ قَبْلَ النَّقْدِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَرِمَا أَلْفًا وَالْمَالِكُ أَلْفًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالُوا هَذَا جَوَابُ الْحَاصِلِ يَعْنِي أَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ يَجِبُ هَكَذَا وَلَكِنَّ الْأَلْفَيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ يَجِبَانِ جَمِيعًا عَلَى الْمُضَارِبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَرُبُعُ الْعَبْدِ إلَخْ ) مِنْ قَوْلِهِ وَرُبُعُ الْعَبْدِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى أَلْفَيْنِ مِنْ الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَرُبُعُهُ لِلْمُضَارِبِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ رُبُعَ الثَّمَنِ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ ) فَلَمَّا مَلَكَ الْمُضَارِبُ رُبُعَهَا بِسَبَبِ ضَمَانِ رُبُعِ الثَّمَنِ خَرَجَ رُبُعُهَا عَنْ الْمُضَارَبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا ) أَيْ إذْ ضَمَانُ رَبِّ الْمَالِ الثَّمَنَ لَا يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ ) أَيْ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ا هـ قَوْلُهُ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ الرِّبْحُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِكِ بِأَلْفٍ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِنِصْفِهِ رَابَحَ بِنِصْفِهِ ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَبْدًا كَانَ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ الْأَلْفِ ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فَيَكُونُ بَيْعَ مَالِهِ بِمَالِهِ فَيَكُونُ كَالْمَعْدُومِ ، وَإِنْ حُكِمَ بِجَوَازِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُضَارِبِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمَانَةِ وَعَلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ فَتُبْنَى عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ فَيَكُونُ الْمُضَارِبُ كَالْوَكِيلِ لَهُ فِي بَيْعِهِ ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْجَارِيَ بَيْنَهُمَا كَالْمَعْدُومِ لِمَا ذَكَرْنَا فَتُبْنَى الْمُرَابَحَةُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُضَارِبُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لَهُ وَنَاوَلَهُ إيَّاهُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِكِ بِأَلْفٍ عَبْدًا إلَخْ ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً ثُمَّ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ إيَّاهُ بِأَلْفٍ عَلَى كَمْ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً قَالَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ قَالَ فَإِنْ اشْتَرَى الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً عَبْدًا بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ قَالَ يَبِيعُهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ بِالنِّصْفِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَصْلُ هَذَا مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ يَنْبَنِي عَلَى الْأَمَانَةِ وَيُمْتَنَعُ بِشُبْهَةِ الْخِيَانَةِ كَمَا يُمْتَنَعُ بِحَقِيقَتِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ لَا يُبَاعُ مُرَابَحَةً إلَّا بِبَيَانٍ لِشُبْهَةِ الْحَطِّ وَكَذَا الْمُشْتَرَى نَسِيئَةً لَا يُبَاعُ مُرَابَحَةً بِدُونِ الْبَيَانِ لِشُبْهَةِ الزِّيَادَةِ بِمُقَابَلَةِ الْأَجَلِ فَإِذَا اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ فَالْمُضَارِبُ اشْتَرَى لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَبَيْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ نَفْسِهِ بَاطِلٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حَقُّ الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ حَقٍّ ثَالِثٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَبَقِيَتْ شُبْهَةُ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَأَمَّا إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ مُرَابَحَةً بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ وَقَعَا لِرَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَقَعْ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ مِائَةٍ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْمِائَةِ وَفِيمَا وَقَعَ لِرَبِّ الْمَالِ لَا يُعْتَبَرُ الرِّبْحُ لِشُبْهَةِ بُطْلَانِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَهَذَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ عَلَى النِّصْفِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ

بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُسَاوَمَةً بَاعَهُ كَيْفَ شَاءَ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُسَاوَمَةِ لَا يَتَقَيَّدُ بِثَمَنٍ بَلْ الثَّمَنُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرَاهُ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بَاعَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ عَقْدُ أَمَانَةٍ فَيَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ وَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَقَعَ لِرَبِّ الْمَالِ وَالثَّانِي كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بِشِرَاءِ الْمُضَارِبِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ صَحَّ الْعَقْدُ لِزِيَادَةِ فَائِدَةٍ وَهِيَ ثُبُوتُ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ لِلْمُضَارِبِ فَبَقِيَ شُبْهَةُ عَدَمِ وُقُوعِ الْعَقْدِ الثَّانِي فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِخَمْسِمِائَةٍ بَاعَهُ الْمُضَارِبِ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ وَقَعَا لِرَبِّ الْمَالِ فَيَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِهَا عَبْدًا فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّا نَعْتَبِرُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ وَذَلِكَ أَلْفٌ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ بَيَانُهُ أَنَّ الْأَلْفَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ فَيُعْتَبَرُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَنِصْفُ الْأَلْفِ الَّتِي هِيَ

الرِّبْحُ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمَّا النِّصْفُ الَّذِي هُوَ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ إلَى مِلْكِ الْمُضَارِبِ حَقِيقَةً بِإِزَاءِ هَذَا الْعَبْدِ فَيُعْتَبَرُ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ قَوْلِ الشَّارِحِ ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ إلَخْ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ شَرْحِ الْكَافِي إذْ مُقْتَضَاهُمَا أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّارِحِ هَذِهِ بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لَا بِخَمْسِمِائَةٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَتَنَبَّهْ ا هـ وَفِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفٍ عَبْدًا وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ وَهُوَ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ ا هـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْكَافِي وَقَالَ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَى مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ ثَوْبًا بِعَشْرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشْرَةٍ وَكَذَا الْعَكْسُ ، وَلَوْ كَانَ مُضَارِبًا يَبِيعُ مُرَابَحَةً لِرَبِّ الْمَالِ بِاثْنَيْ عَشْرَ وَنِصْفٍ ا هـ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْفِدَاءِ عَلَى الْمَالِكِ وَرُبُعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ وَالْعَبْدُ يَخْدُمُ الْمَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْمُضَارِبَ يَوْمًا ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَظْهَرُ فِيهِ الرِّبْحُ ، وَهُوَ أَلْفٌ هُنَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَأَلْفٌ لِرَبِّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفَانِ فَصَارَ الْفِدَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَرْبَاعًا فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرُّبُعُ عَلَى الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ فَإِذَا فَدَيَاهُ خَرَجَ الْعَبْدُ كُلُّهُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ أَمَّا نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ فَبِقَضَاءِ الْقَاضِي بِانْقِسَامِ الْفِدَاءِ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِالْفِدَاءِ يَتَضَمَّنُ قِسْمَةَ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْفِدَاءِ يُوجِبُ سَلَامَةَ الْمُفْدَى وَلَا سَلَامَةَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ بِخِلَافِ مَا مَضَى ؛ لِأَنَّ كُلَّ الثَّمَنِ ثَمَّ عَلَى الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمَا ضَمِنَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ صَارَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِمَا إذْ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الدَّفْعُ وَبِالْفِدَاءِ صَارَ كَأَنَّهُمَا اشْتَرَيَاهُ فَإِذَا خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ يَخْدُمُهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَخْدُمُ الْمَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَيْ رَبَّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبَ يَوْمًا .

قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا مَضَى إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّ دَفْعَ الْفِدَاءِ هُنَا كَابْتِدَاءِ الشِّرَاءِ فَيَخْرُجُ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ ثَمَّةَ دَفْعُ الثَّمَنِ فَلَا يَكُونُ كَابْتِدَاءِ الشِّرَاءِ وَتَبْقَى الْمُضَارَبَةُ فِيهَا لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بِخِلَافِ الرُّبُعِ فَإِنَّهُ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً وَتَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ لِلْمُنَافَاةِ وَقَدْ مَرَّ الْبَيَانُ ثَمَّةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَهَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ النَّقْدِ دَفَعَ الْمَالِكُ أَلْفًا آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ وَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا دَفَعَ ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَضَاعَ الثَّمَنُ قَبْلَ النَّقْدِ رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا ، ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ النَّقْدِ أَيْضًا رَجَعَ عَلَيْهِ أَيْضًا فَهَكَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كُلَّمَا هَلَكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ جَمِيعَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ هَلَاكِ الثَّمَنِ بَعْدَ الشِّرَاءِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ وَالْمُضَارَبَةُ تُنَافِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكُلُّ مَا قَبَضَ يَكُونُ أَمَانَةً وَإِذَا هَلَكَ كَانَ الْهَالِكُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَقَبْضُ الْوَكِيلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ اسْتِيفَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ فَإِذَا قَبَضَهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِذَلِكَ فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَإِذَا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنْ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تُنَافِي الضَّمَانَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا تَوَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ جَازَ ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ مَا قَبَضَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَمَانَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقَعْ اسْتِيفَاءً بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ قَبْلَ الشِّرَاءِ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ ، ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ النَّقْدِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِوُقُوعِ الْأَوَّلِ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا بِقَبْضِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ

فَيَكُونُ أَمَانَةً فَإِذَا هَلَكَ رَجَعَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، ثُمَّ إذَا هَلَكَ لَا يَرْجِعُ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ أَصْلًا وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ ؛ وَلِأَنَّ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لَزِمَ مِنْهُ تَضْيِيعُ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ ثَانِيًا يَضِيعُ وَفِي الْمُضَارَبَةِ لَا يَضِيعُ ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيَسْتَوْفِيهِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ لَتَضَرَّرَ الْمُضَارِبُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ بِالشِّرَاءِ مَرَّةً وَانْعَزَلَ فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَ الِانْعِزَالِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بِالتَّصَرُّفِ بَلْ لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا دَامَ مُتَصَرِّفًا لَهُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا إلَخْ ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا فَهَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَالَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا أُخْرَى أَبَدًا فَإِذَا دَفَعَهَا الْمُضَارِبُ إلَى الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ بِرِبْحٍ كَثِيرٍ فَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ مِنْ بَعْدُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ أَبَدًا مِنْ الْخَوَاصِّ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا هَلَكَ الْمَالُ رَجَعَ مَرَّةً فَإِنْ هَلَكَ رَجَعَ أُخْرَى فَإِنْ هَلَكَ فَكَذَلِكَ ثُمَّ هَلَكَ كَذَلِكَ أَيْضًا حَتَّى يُسَلِّمَ إلَى الْبَائِعِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا هَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا إلَيْهِ ثُمَّ اشْتَرَى فَهَلَكَ الثَّمَنُ الْمَنْقُودُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ أَبَدًا ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ إلَيْهِ فَاشْتَرَى ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَهَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ يَغْرَمُ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ أَصْلًا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَصْلَيْ الْوَكَالَةِ أَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِحَقِّ الْأَمَانَةِ دُونَ الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا هَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَهُوَ دَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ فَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَصْلًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يُنَافِي الْوَكَالَةَ ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ يَصِيرُ وَكِيلًا وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَمِينًا وَعَقْدُ الْوَكِيلِ يُوجِبُ دَيْنًا لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ

وَالْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا قَبَضَ مِنْ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ حُمِلَ قَبْضُهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ لَا عَلَى جِهَةِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ مَرَّةً لَمْ يَبْقَ الْحَقُّ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا بِحَالٍ فَيُحْمَلُ قَبْضُهُ عَلَى جِهَةِ الْأَمَانَةِ لَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ كَانَ الْمُضَارِبُ ضَامِنًا وَهُوَ بَاطِلٌ ؛ وَلِهَذَا رَجَعَ الْمُضَارِبُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْبَائِعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا دَفَعَ ) يَعْنِي لَا يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يَصِلَ رَبُّ الْمَالِ إلَى جَمِيعِ مَا أَوْصَلَهُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ أَمَّا إذَا أَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً لَا يُرَابِحُ إلَّا عَلَى أَلْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَعَهُ أَلْفَانِ فَقَالَ دَفَعْتَ إلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْتُ أَلْفًا وَقَالَ الْمَالِكُ دَفَعْتُ أَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفَانِ فَقَالَ لِرَبِّ الْمَالِ : دَفَعْتُ إلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْتُ أَلْفًا وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ دَفَعْتُ إلَيْك أَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ أَوَّلًا الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي الرِّبْحَ وَالشَّرِكَةَ فِيهِ وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَشَرَطْتُ لَك ثُلُثَ الرِّبْحِ وَقَالَ الْمُضَارِبُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ وَشَرَطْتُ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ الْقَابِضُ ، وَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ لِلزِّيَادَةِ ، وَهُوَ لَوْ أَنْكَرَ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ قَالَ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ بِضَاعَةً كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا فِي إنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ كَاسْمِهَا ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَتْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى فِي مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ ، وَبَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ أَوْلَى فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا .

قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ وَقَعَ فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَ الْمُضَارِبُ وَالْمُضَارِبُ أَنْكَرَ زِيَادَةَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ مَا قَبَضْتُ مِنْكَ إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَرَبُّ الْمَالِ يَقُولُ قَبَضْتُ مِنِّي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ زِيَادَةَ الْقَبْضِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ إلَّا قَبْضُ الْأَلْفِ فَالْأَلْفُ الزَّائِدَةُ تَكُونُ رِبْحًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ جَاءَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً وَأَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً لِفُلَانٍ عِنْدِي أَوْ قَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً وَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ خَالِصِ مَالِي وَرَبُّ الْمَالِ يَقُولُ لَا وَلَكِنْ أَلْفُ دِرْهَمٍ رَأْسُ الْمَالِ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ رِبْحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ ) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الصِّفَةِ كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى مَا يَجِيءُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَمِينًا كَانَ ) أَيْ كَالْمُودَعِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ ضَمِينًا ) أَيْ كَالْغَاصِبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ الْقَابِضُ ) أَيْ وَهُوَ يُنْكِرُ زِيَادَةَ الْقَبْضِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَعَهُ أَلْفٌ فَقَالَ : هُوَ مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ وَقَدْ رَبِحَ أَلْفًا وَقَالَ الْمَالِكُ هُوَ بِضَاعَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ ، أَوْ الشَّرِكَةَ فِي مَالِهِ ، أَوْ شَرْطًا مِنْ جِهَتِهِ وَرَبُّ الْمَالِ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ أَقْرَضْتَنِي ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ وَدِيعَةٌ ، أَوْ بِضَاعَةٌ ، أَوْ مُضَارَبَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمَلُّكَ ، وَهُوَ يُنْكِرُ ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْقَرْضَ وَالْمُضَارِبُ الْمُضَارَبَةَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ ، ثُمَّ رَبُّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ ضَمَانًا ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ وَادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْخُصُوصَ ، أَوْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَقَالَ الْمُضَارِبُ مَا سَمَّيْتَ لِي تِجَارَةً بِعَيْنِهَا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْعُمُومُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ أَعْرَفَ بِهِ كَالْوَكَالَةِ وَكَمَا إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الْعَمَلِ قُلْنَا الْأَصْلُ فِي الْوَكَالَةِ الْخُصُوصُ وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ وَقَبْلَ الْعَمَلِ يَكُونُ إنْكَارُ رَبِّ الْمَالِ نَهْيًا لَهُ عَنْ الْعُمُومِ ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَصَحَّ نَهْيُهُ ، وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعًا كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْخُصُوصِ فَكَانَ قَوْلُ مَنْ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ الْإِذْنُ أَوْلَى ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ

لِحَاجَتِهِ إلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إلَى الْبَيِّنَةِ ، وَلَوْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ : دَفَعْتُ إلَيْك مُضَارَبَةً أَنْ تَعْمَلَ فِي بَزٍّ فِي رَمَضَانَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ دَفَعْتُ إلَيَّ لِأَعْمَلَ فِي طَعَامٍ فِي شَوَّالٍ ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ مَنْ يَقُولُ فِي شَوَّالٍ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ آخِرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْسَخُ أَوَّلَهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا وَقْتًا ، أَوْ وَقَّتَا وَقْتًا وَاحِدًا ، أَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى يَقْضِي بِمَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُوَقِّتَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ أَقْرَضْتَنِي ) أَيْ الْمَالَ وَالرِّبْحُ لِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ التَّمْلِيكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً أَوْ وَدِيعَةً ثُمَّ أَقْرَضَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَانَتْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى ) ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الضَّمَانَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْعُمُومُ ) أَيْ ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا الْأَلْفَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْعُمُومَ لَمَا صَحَّ إلَّا بِالتَّخْصِيصِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَمَا إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الْعَمَلِ ) كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فُرُوعٌ ) وَنَفَقَةُ عَبْدِ الْمُضَارَبَةِ وَجُعْلُهُ إذَا أَبَقَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ظَهَرَ رِبْحٌ أَوْ لَا بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُتَرَدِّدٌ وَمِلْكُ رَبِّ الْمَالِ مُتَقَرِّرٌ وَيَضُمُّ رَأْسَ الْمَالِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَيْنِ وَقَالَ أَضِفْ مِنْ عِنْدَك أَلْفًا أُخْرَى يَكُونُ أَلْفَانِ مِنْهَا شَرِكَةً وَالْأَلْفُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ جَازَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَضُمَّ إلَى مَالِ الْقِرَاضِ شَرِكَةً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَامِلًا فِي الْمُضَارَبَةِ لِرَجُلٍ ثُمَّ يُضَارِبُهُ آخَرُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَوْ دَفَعَ أَلْفًا عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ رِبْحِهَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي رِبْحَ نِصْفِهَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَأَبِي ثَوْرٍ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ بِالْأَلْفِ أَمَةً أَوْ غَنَمًا أَوْ بَقَرًا أَوْ مَوْزُونًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ زَكَّى حَظَّهُ لِظُهُورِ الرِّبْحِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدُ وَقَالَ

مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَا يُزَكِّي لِعَدَمِ مِلْكِهِ الرِّبْحَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَتَيْنِ أَوْ غَنَمًا وَبَقَرًا أَوْ شَعِيرًا لَا يُزَكِّي لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ وَلَا يُكَاتِبُ الْمُضَارِبُ قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَبَعْدَهُ يَنْفُذُ فِي حِصَّتِهِ عِنْدَنَا وَلِرَبِّ الْمَالِ فَسْخُهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ كَمَا قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ يَقْضِي بِمَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقَعَانِ مَعًا وَلَا عَلَى التَّرْتِيبِ ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يَشْهَدُوا بِهِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا يَعْمَلُ بِبَيِّنَةِ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ ا هـ .

( كِتَابُ الْوَدِيعَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْإِيدَاعُ هُوَ تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ الْوَدِيعَةُ مَا يُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ : الْوَدِيعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّرْكِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَوْ لَيُكْتَبُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ } أَيْ تَرْكُهُمْ إيَّاهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } قُرِئَتْ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْمُودَعُ الشَّيْءُ الْمَتْرُوكُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْإِيمَانُ نُورُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْدَعَهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ } فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْأَلَ التَّوْفِيقَ عَلَى حِفْظِ وَدِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى حِفْظِ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } وَحِفْظُهَا يُوجِبُ سَعَادَةَ الدَّارَيْنِ وَالْخِيَانَةُ تُوجِبُ الشَّقَاءَ فِيهِمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْأَمَانَةُ تَجُرُّ الْغِنَى وَالْخِيَانَةُ تَجُرُّ الْفَقْرَ } وَرُوِيَ أَنَّ زُلَيْخَا لَمَّا اُبْتُلِيَتْ بِالْفَقْرِ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهَا مِنْ الْحُزْنِ عَلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَلَسَتْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فِي زِيِّ الْفُقَرَاءِ فَمَرَّ بِهَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَامَتْ تُنَادِي أَيُّهَا الْمَلِكُ اسْمَعْ كَلَامِي فَوَقَفَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَتْ الْأَمَانَةُ أَقَامَتْ الْمَمْلُوكَ مَقَامَ الْمُلُوكِ وَالْخِيَانَةُ أَقَامَتْ الْمُلُوكَ مَقَامَ الْمَمْلُوكِ فَسَأَلَ عَنْهَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقِيلَ إنَّهَا زُلَيْخَا فَتَزَوَّجَهَا

مَرْحَمَةً عَلَيْهَا ، ثُمَّ شَرْطُ الْوَدِيعَةِ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهَا عِنْدَ الِاسْتِحْفَاظِ وَرُكْنُهَا قَوْلُ الْمُودِعِ أَوْدَعْتُك هَذَا الْمَالَ ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُودَعِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، أَوْ بِالْفِعْلِ فَقَطْ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الطَّلَبِ وَصَيْرُورَةُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ أَمَانَةٌ فَلَا تُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ؛ وَلِأَنَّ الْمُودَعَ مُتَبَرِّعٌ فِي الْحِفْظِ وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ؛ وَلِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ فَيَكُونُ هَلَاكُهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ ؛ وَلِأَنَّ لِلنَّاسِ حَاجَةً إلَى الْإِيدَاعِ فَلَوْ ضَمِنَ الْمُودَعُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ فَكَانُوا يُحْرَجُونَ بِذَلِكَ ، وَهَلَاكُهَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْ لَا وَبَيْنَ إنْ هَلَكَ لِلْأَمِينِ مَالٌ غَيْرُهَا مَعَهَا ، أَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ ادَّعَى أَنَّهَا سُرِقَتْ وَحْدَهَا يَضْمَنُ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ .

( كِتَابُ الْوَدِيعَةِ ) مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِمَا تَقَدَّمَ مَرَّتْ فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْعَارِيَّةَ وَالْهِبَةَ وَالْإِجَارَةَ لِلتَّنَاسُبِ بِالتَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ بِلَا تَمْلِيكِ شَيْءٍ وَفِي الْعَارِيَّةِ أَمَانَةٌ مَعَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ لَكِنْ بِلَا عِوَضٍ وَفِي الْهِبَةِ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ وَهِيَ الْهِبَةُ الْمَحْضَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ وَفِي الْإِجَارَةِ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ وَفِيهِ مَعْنَى اللُّزُومِ وَمَا كَانَ لَازِمًا أَقْوَى وَأَعْلَى مِمَّا كَانَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَكَانَ فِي الْكُلِّ التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى فَأَوَّلُ الْقَطْرِ غَيْثٌ ثُمَّ يَنْسَكِبُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ مَشْرُوعٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وَهُوَ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لِصَاحِبِهَا بِحِفْظِ مَالِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ ائْتَمَنَ أَمَانَةً فَلْيُؤَدِّهَا } وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْوَدِيعَةُ مَا نَصُّهُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ وَالْمُودَعُ الشَّيْءُ الْمَتْرُوكُ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ أَوْدَعْت زَيْدًا مَالًا وَاسْتَوْدَعْته إيَّاهُ إذَا دَفَعْته إلَيْهِ لِيَكُونَ عِنْدَهُ فَأَنَا مُودِعٌ وَمُسْتَوْدِعٌ بِالْكَسْرِ وَزَيْدٌ مُودَعٌ وَمُسْتَوْدَعٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَالُ مُودَعٌ وَمُسْتَوْدَعٌ أَيْضًا أَيْ وَدِيعَةٌ ا هـ ( فَرْعٌ ) فِي صُورَةِ وَضْعِ الْمَالِ عِنْدَ آخَرَ وَذَهَابُهُ وَتَرْكُهُ أَوْ إلْقَاءُ الرِّيحِ فِي بَيْتِهِ كَانَ قَابِلًا لِلْوَدِيعَةِ عُرْفًا بِالسُّكُوتِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ أَيْنَ أَضَعُ ثِيَابِي فَقَالَ الْحَمَّامِيُّ ثَمَّةَ فَوَضَعَهُ فَسُرِقَتْ يَضْمَنُ الْحَمَّامِيُّ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِقَوْلِهِ قَابِلًا لِلْوَدِيعَةِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ

وَالْمُغْنِي وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ ا هـ ( قَوْلُهُ عِنْدَ الِاسْتِحْفَاظِ ) حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ الْآبِقَ أَوْ الْمَالَ السَّاقِطَ فِي الْبَحْرِ أَوْ الطَّيْرَ الَّذِي يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ لَا يَصِحُّ وَكَوْنُ الْمُودَعِ مُكَلَّفًا شَرْطٌ أَيْضًا لِيَجِبَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ) احْفَظْ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ خُذْ هَذَا الشَّيْءَ وَدِيعَةً عِنْدَك ا هـ ( قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ ) حَتَّى لَوْ رَأَى إنْسَانًا يَسُوقُهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ يَضْمَنُ لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ بِالْعَقْدِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْمُودَعَ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْعَقْدِ ا هـ بَدَائِعُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْإِيجَابُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي حَقِّ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ أَوْدَعْتُك الْمَغْصُوبَ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَالِ أَمَانَةً حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِرَبِّ الْمَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ وَحْدَهُ وَأَمَّا وُجُوبُ الْحِفْظِ فَيَلْزَمُ الْمُودَعَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً ا هـ شَرْحِ مَجْمَعٍ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ أَمَانَةٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي قَوْلِكَ لِإِنْسَانٍ حَيَوَانٌ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ أَمَانَةً بِاسْتِحْفَاظِ صَاحِبِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ وَأَلْقَتْ ثَوْبَ إنْسَانٍ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ يَكُونُ ذَلِكَ أَمَانَةً عِنْدَهُ وَلَكِنْ بِلَا قَصْدٍ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ أَيْ هِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ التَّقْصِيرُ فِي الْحِفْظِ وَخَلْطُهَا بِمَالِهِ وَمَنْعُهَا مِنْ مَالِكِهَا بَعْدَ الطَّلَبِ ثُمَّ

قَالَ فِيهَا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ يَجُوزُ لِلْمُودَعِ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِمْ وَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ تَلَفِهَا الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ وَالْمَمْلُوكُ وَالْأَجِيرُ ثُمَّ قَالَ فِيهَا شَيْئَانِ لَا يُوجِبَانِ الضَّمَانَ مَعَ الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَا تَدْفَعْ إلَى زَوْجَتِك فَدَفَعَ إلَيْهَا وَتَلِفَ أَوْ قَالَ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْمُودِعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ أَنْ يَحْفَظَهَا مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَمَالُ نَفْسِهِ يَحْفَظُهُ بِمَنْ فِي عِيَالِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ لَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَة إذَا دَفَعَتْ الْوَدِيعَةَ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى أَجِيرِهِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَكِيلِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ ، أَوْ دَفَعَ إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ حَفِظَهُ مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَهُ وَجَعَلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَزَاهُ إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ ، وَهُوَ إلَى الْحَلْوَانِيِّ ، ثُمَّ قَالَ ، وَعَنْ هَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي التُّحْفَةِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ بِالْعِيَالِ فَقَالَ وَيَلْزَمُ الْمُودَعَ حِفْظُهُ إذَا قَبِلَ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ وَذَكَرَ فِيهِ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ بِشَرِيكِ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ مَالُهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْعِيَالَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ ) أَيْ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَرْضَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْمُضَارِبِ لَا يُضَارِبُ وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ لَهُ إيدَاعٌ حَتَّى يَضْمَنَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ فِي الْحِرْزِ وَضْعٌ فِي يَدِ مَنْ فِي يَدِهِ الْحِرْزُ فَيَكُونُ كَالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَخَافَ الْحَرَقَ ، أَوْ الْغَرَقَ فَيُسَلِّمُهَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62