كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

إلَى جَارِهِ ، أَوْ فُلْكٍ آخَرَ ) ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى جَارِهِ ، أَوْ الْإِلْقَاءَ إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى عِنْدَ إحَاطَةِ النَّارِ بِدَارِهِ وَعِنْدَ تَخَبُّطِ السَّفِينَةِ تَعَيَّنَ حِفْظًا فَلَا يَضْمَنُ بِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَدَعْوَى ضَرُورَةٍ دَعْوَى مُسْقِطٌ لَهُ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا إذَا أَتْلَفَهَا بِالصَّرْفِ فِي حَاجَتِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ فِيهِ ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى وَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَقِرَّ فِيهَا بِأَنْ وَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ ابْتِدَاءً ، أَوْ بِالتَّدَحْرُجِ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُودِعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ ) فِي الذَّخِيرَةِ الدَّفْعُ إلَى الْعِيَالِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَمِينًا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ا هـ ( فَرْعٌ ) لَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الدَّعْوَى فَلْيُرَاجَعْ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ ) صُورَتُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ وَيَتْرُكَ الْوَدِيعَةَ فِيهِ وَفِي بَيْتِهِ غَيْرُهُ وَالْإِيدَاعُ أَنْ يَنْقُلَ الْوَدِيعَةَ مِنْ بَيْتِهِ وَيَدْفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْإِيدَاعِ لِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَ مَالِ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَمَالُ نَفْسِهِ يُحْفَظُ بِالْإِيدَاعِ قُلْنَا قَوْلُهُ إنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ وَيَدُهُ تَحْفَظُهُ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ جَوَابٌ عَنْهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ أَيْ بِنَفْسِهِ غَالِبًا فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَحْفَظَ مَالَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَخَافَ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ ضَمِنَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَلَوْ أَرَادَ سَفَرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ بِعُذْرٍ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ الْغَرَقُ ) أَوْ اللُّصُوصُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) يَعْنِي لَوْ أَوْدَعَ غَيْرَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ عَنْ عُذْرٍ لَا يُصَدَّقُ إلَخْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَا نُصَدِّقُهُ عَلَى الْعُذْرِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيدَاعَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ فَإِذَا ادَّعَى سُقُوطَ الضَّمَانِ لِلضَّرُورَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ دَفَعَ

لِضَرُورَةٍ بِأَنْ احْتَرَقَ بَيْتُ الْمُودَعِ فَدَفَعَهَا إلَى جَارِهِ وَكَذَا فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَفِي الْمُنْتَقَى هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بَيْتَهُ احْتَرَقَ فَإِذَا عَلِمَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ طَلَبهَا رَبُّهَا فَحَبَسَهَا قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا ، أَوْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ حَتَّى لَا تَتَمَيَّزَ ضَمِنَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا إذْ لَا يَرْضَى صَاحِبُهَا بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ مَعْزُولًا فَصَارَ يَدُهُ عَلَيْهَا كَيَدِ الْغَاصِبِ فَيَضْمَنُ ، وَكَذَا بِالْخَلْطِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا مُتَعَدِّيًا إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَيَمْلِكُ الْمَخْلُوطَ وَلَا سَبِيلَ لِلْمُودِعِ فِي الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا إذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا شَرِكَهُ إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ إفْرَازٌ وَتَعْيِينٌ حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ عَيْنًا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَكَانَ إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ قَائِمًا مَعْنًى فَيَتَخَيَّرُ وَلَهُ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ وَلَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَاكُ مِنْ الْعِبَادِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إعْدَامَ الْمَحَلِّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِمْ فَيَصِيرُ ضَامِنًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُهَا الشَّرِكَةُ لِيَصِلَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى حَقِّهِ فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِلشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ ثُمَّ قَالُوا لَا يُبَاحُ لِلْخَالِطِ التَّنَاوُلُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُودِعُ الْخَالِطَ لَا سَبِيلَ لِلْمُودِعِ عَلَى الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا غَيْرُ ، وَقَدْ سَقَطَ بِإِبْرَائِهِ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ وَتَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ وَفِيهِ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ وَلَوْ

خُلِطَ الْمَائِعُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالزَّيْتِ بِالشَّيْرَجِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ بِالضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَتَعَيُّنِ الْمُبَادَلَةِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ وَقِيلَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْإِجْمَاعِ لَامِكَانِ التَّمْيِيزِ فِي الْجُمْلَةِ وَقِيلَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوطُ مِلْكًا لِلْخَالِطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَصِيرُ ، وَلَوْ خُلِطَ الْمَائِعُ بِجِنْسِهِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِمَا بَيَّنَّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَجْزَاءً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ شَرِكَهُ بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ عِنْدَهُ ، وَقَدْ مَرَّ فِي الرَّضَاعِ ، وَلَوْ خُلِطَتْ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ بَعْدَ الْإِذَابَةِ صَارَ مِنْ الْمَائِعَاتِ ؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ حَقِيقَةً عِنْدَ الْخَلْطِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ اشْتَرَكَا ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِالتَّعَدِّي ، وَلَمْ يُوجَدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ فَيَشْتَرِكَانِ ضَرُورَةً وَهَذِهِ شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهَا فِي الشَّرِكَةِ .

( قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ ) وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِنْ أَخْذِهَا دُونَ حَمْلِهَا إلَى صَاحِبِهَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ تَرَكَ الْخِلَافَ وَعَادَ إلَى الْوِفَاقِ ارْتَفَعَ الضَّمَانُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرْتَفِعُ كَالْجُحُودِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ قَاضِيخَانْ قَوْمٌ دَفَعُوا إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ لِيَدْفَعَ الْخَرَاجَ عَنْهُمْ فَأَخَذَهَا وَشَدَّهَا فِي مِنْدِيلِهِ وَوَضَعَ فِي كُمِّهِ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَذَهَبَتْ مِنْهُ الدَّرَاهِمُ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَأَصْحَابُ الْمَالِ لَا يُصَدِّقُونَهُ قَالُوا لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَثَمَّةَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ بِالضَّمَانِ ) ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَإِنْ انْشَقَّ الْكِيسُ فِي صُنْدُوقِهِ فَاخْتَلَطَتْ بِدَرَاهِمِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْنِي إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخِرِ أَلْفَانِ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ بِمَالِهِ الْآخَرِ خَلْطًا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا فَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي لِوُجُودِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي بَعْضِهِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ صِحَاحًا أَوْ مُكَسَّرَةً فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ أَحَدِهِمَا صِحَاحًا وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ مُكَسَّرَةً فَلَا يَثْبُتُ

الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُمَيَّزُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَدْفَعُ إلَى الْمُودِعِ مَالَهُ وَيُمْسِكُ الْمُودَعُ مَالَ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ صِحَاحًا جِيَادًا وَفِيهَا بَعْضُ الرَّدِيءِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ صِحَاحًا رَدِيئَةً وَفِيهَا بَعْضُ الْجِيَادِ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمَالَيْنِ ؛ لِأَنَّ هَذَا خَلْطٌ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ كَيْفَ يَقْتَسِمَانِ إنْ تَصَادَقَا أَنَّ ثُلْثَيْ مَالِ أَحَدِهِمَا جِيَادٌ وَرَدِيءٌ ( قَوْلُهُ فَيَشْتَرِكَانِ ) ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ ا هـ هِدَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَنْفَقَ بَعْضَهَا فَرَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْكُلَّ ) ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ صَارَ ضَامِنًا لَهُ بِالْإِنْفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ وَصَارَ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ ضَامِنًا أَيْضًا لِكَوْنِهِ خَلَطَ مَالَهُ بِهَا ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ وَقَبْلَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا خَلَطَهُ الْوَدِيعَةِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْوَدِيعَةِ فَيَضْمَنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا .( قَوْلُهُ وَصَارَ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ ضَامِنًا أَيْضًا ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَأَنْفَقَ طَائِفَةً مِنْهَا فِي حَاجَتِهِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أَنْفَقَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالْإِنْفَاقِ وَلَا يَضْمَنُ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْلَفْ فَإِنْ جَاءَ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ وَخَلَطَ بِالْبَاقِي صَارَ ضَامِنًا لِجَمِيعِهَا مَا أَنْفَقَ بِالْإِتْلَافِ وَمَا بَقِيَ بِالْخَلْطِ هَذَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَى مَالِهِ عَلَامَةً حِينَ خَلَطَ بِمَالِ الْوَدِيعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَامَةٌ لَا يَضْمَنُ سِوَى مَا أَنْفَقَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا ، ثُمَّ زَالَ التَّعَدِّي زَالَ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَإِقْرَارِهِ بَعْدَ جُحُودِهِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ ارْتَفَعَ حِينَ صَارَ ضَامِنًا لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى صَاحِبِهَا وَلَا تَعُودُ الْأَمَانَةُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَكَالْجُحُودِ وَلَنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ ، وَقَدْ وُجِدَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحِفْظِ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا فَإِذَا خَالَفَ فِي الْبَعْضِ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْوِفَاقِ فِي غَيْرِهِ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ فِيهِ فَارْتَفَعَ الْخِلَافُ ضَرُورَةً فَتَعُودُ الْأَمَانَةُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِلْحِفْظِ فِي مُدَّةٍ فَتَرَكَ الْحِفْظَ فِي بَعْضِهَا ، ثُمَّ عَادَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلْعَيْنِ إذَا تَعَدَّى فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ ، ثُمَّ زَالَ التَّعَدِّي حَيْثُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ إنَّمَا تَكُونُ بِإِعَادَةِ يَدِ الْمَالِكِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُمَا الْعَيْنَ كَانَ لِأَنْفُسِهِمَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فَإِذَا تَرَكَا الْخِلَافَ لَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ إلَى صَاحِبِهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْمُودَعِ فَإِنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ حُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فِي الْحِفْظِ فَإِذَا تَرَكَ الْخِلَافَ فَقَدْ رَدَّهَا إلَى يَدِ صَاحِبِهَا حُكْمًا فَبَرِئَ إذْ هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ وَبِخِلَافِ الْجُحُودِ ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ كَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّهُ بِالْجُحُودِ يُنْتَقَضُ إيمَانُهُ فَلَا يَعُودُ مُسْلِمًا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَبِالْمُخَالَفَةِ فِعْلًا لَا يُنْتَقَضُ حَتَّى

إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ صَحَّ ، وَلِهَذَا جُحُودُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ يَكُونُ فَسْخًا ، وَكَذَا جُحُودُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ بِحَضْرَتِهِ عَزَلَ نَفْسَهُ ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ الْمُودِعُ فَقَدْ عَزَلَهُ فَيَكُونُ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِمْسَاكِ غَاصِبًا وَلَوْ عَادَ إلَى الْإِقْرَارِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَإِقْرَارِهِ بَعْدَ جُحُودِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِهَا ، أَوْ عِنْدَهُ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الرَّدَّ ، أَوْ طَلَبَ مِنْهُ الرَّدَّ عِنْدَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَجَحَدَهَا لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يُعَدُّ إنْكَارًا وَلَا خِلَافًا ، وَإِنَّمَا هُوَ إتْقَانٌ لِلْحِفْظِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ وَلَمْ يَعْزِلْهُ صَاحِبُهَا فَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ سَبَبُ الضَّمَانِ لِكَوْنِهِ إتْلَافًا حُكْمًا فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً قُلْنَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إتْلَافًا إذَا أَرَادَ تَمَلُّكَهَا وَمُرَادُهُ هُنَا حِفْظُهَا بِقَطْعِ طَمَعِ الطَّامِعِينَ فَكَيْفَ يَكُونُ إتْلَافًا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ تَعَدَّى إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَقَّبَ لِلْمَسْأَلَةِ إنَّ الْمُودَعَ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَذَا فِي نَسْخِ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ وَفِي الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ إذَا خَالَفَا ثُمَّ تَرَكَا الْخِلَافَ بَقِيَ الضَّمَانُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْعَيْنَ بِالْخِلَافِ هَلْ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ أَمْ لَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْخِلَافِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْخِلَافِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ فِي حَالَةِ الْخِلَافِ وَاخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَيْنَ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ بِلَفْظِ الْبَرَاءَةِ وَالْبَرَاءَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ تَعَدَّى مَا نَصُّهُ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا تَعُودُ الْأَمَانَةُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا اعْتَبَرَا الْخِلَافَ فِعْلًا بِالْخِلَافِ قَوْلًا فَإِذَا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ فَكَذَا هُنَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْعَيْنِ إذَا تَعَدَّى إلَخْ ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ ثُمَّ جَاوَزَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ

فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ ، وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِالْوُصُولِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَبِالْعَوْدِ إلَيْهِ لَا يَعُودُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ عِنْدَهُ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهَا ) وَخَصَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ وَكَذَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِمَا أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي مَبْسُوطِ مُحَمَّدٍ وَفِيمَا ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ فَأَوْرَدَهُ كَذَلِكَ ا هـ مِعْرَاجٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ النَّهْيِ وَالْخَوْفِ ) أَيْ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يَنْهَهُ الْمُودِعُ وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا بِالْإِخْرَاجِ ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ الْخُرُوجُ بِهَا إلَى مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ ، وَإِنْ طَالَتْ لَا يَخْرُجُ بِمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ؛ لِأَنَّ الْقَصِيرَةَ لَا يُخَافُ فِيهَا عَادَةً ؛ وَلِهَذَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ السَّفَرَ الْقَصِيرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَخْرُجُ بِمَالِهِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ وَرُبَّمَا تَسْتَغْرِقُ الْمُؤْنَةُ الْوَدِيعَةَ ، وَفِيهِ إهْلَاكُهَا فَلَا يَجُوزُ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ إخْرَاجُ الْمَبِيعِ فَإِنْ أَخْرَجَ ضَمِنَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ ، وَهُوَ الْحِفْظُ فِي الْأَمْصَارِ عَادَةً وَصَارَ كَالِاسْتِحْفَاظِ بِأَجْرٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَمْرَ صَدَرَ مُطْلَقًا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَكَانِ كَمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِالزَّمَانِ ، وَالْمَفَازَةُ مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَالْكَلَامُ فِيهِ فَصَارَ كَالْمِصْرِ ؛ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ الْأَحْسَنِ لَمَا جَازَ ذَلِكَ لَهُمَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَوْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ تَتَقَوَّمُ فِي تَصَرُّفِهِمَا حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَيْعُهُمَا بِمِثْلِهَا وَزْنًا لِعَدَمِ النَّظَرِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَأْمُورٌ بِالْبَيْعِ لَا بِالْحِفْظِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحِفْظُ بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ إلَّا بَعْدَ حِفْظِهِ وَالِاسْتِحْفَاظُ

بِأَجْرٍ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ وَمَا يَلْزَمُ الْآمِرَ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ أَمْرِهِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِ وَالْمُعْتَادُ كَوْنُهُمْ فِي الْمِصْرِ لَا حِفْظُهُمْ فِيهِ وَمَنْ يَكُونُ فِي الْمَفَازَةِ يَحْفَظُ مَالَهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْأَخْبِيَةِ ، وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مُخِيفًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ بِأَنْ سَافَرَ مَعَ أَهْلِهِ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ نَهَاهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْمِصْرِ فَخَرَجَ بِهَا ضَمِنَ إنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ أَبْلَغُ فِي الْحِفْظِ فَكَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ لَا يَضْمَنُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَلَوْ أَوْدَعَا شَيْئًا لَمْ يَدْفَعْ الْمُودِعُ إلَى أَحَدِهِمَا حَظَّهُ ) أَيْ لَوْ أَوْدَعَ رَجُلَانِ شَيْئًا عِنْدَ رَجُلٍ فَحَضَرَ أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ نَصِيبَهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَا لَهُ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ طَلَبَ نَصِيبَهُ خَاصَّةً فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ ، وَهُوَ النِّصْفُ وَهُوَ لَهُ ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ فَكَذَا يُؤْمَرُ الْمُودَعُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُودَعَ لَا يَمْلِكُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمَا ؛ وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهُ لَا يَكُونُ قِسْمَةً بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى إذَا هَلَكَ الْبَاقِي رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخِذِ بِحِصَّتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ قِسْمَةٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ نَصِيبَ الْغَائِبِ إلَيْهِ لِعَدَمِ إذْنِهِ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ نِصْفَهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا وَأَخْذُهُ الشَّرِيكَ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا إذَا كَانَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَلِلْمَدِينِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٌ عِنْدَ آخَرَ فَلِغَرِيمِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ إذَا ظَفِرَ بِهَا وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلَا الْحَمَّامَ وَأَوْدَعَا عِنْدَ الْحَمَّامِيِّ أَلْفًا فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ ، ثُمَّ خَرَجَ الْآخَرُ وَطَالَبَهُ فَتَحَيَّرَ الْحَمَّامِيُّ وَذَهَبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ

رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ قُلْ لَا أُعْطِيك حَتَّى تُحْضِرَ صَاحِبَك فَانْقَطَعَ .

قَوْلُهُ وَالْخِلَافُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَإِنَّمَا قَالَ وَهُوَ الْمُرَادُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْوَجْهَيْنِ فَقَالَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا يُقْسَمُ اسْتِدْلَالًا بِوَضْعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ أَوْدَعُوا رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَغَابَ اثْنَانِ وَجَاءَ وَاحِدٌ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَكَذَلِكَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ اسْتَوْدَعَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ مَا سِوَاهَا مِمَّا يُقْسَمُ ثُمَّ جَاءَ أَحَدُهُمْ يَطْلُبُ نَصِيبَهُ وَلَمْ يَحْضُرْ صَاحِبَاهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهَا شَيْئًا ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثُلُثَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يَدْفَعُ نَصِيبَهُ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا قِسْمَةً عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى إنَّ الْغَائِبَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُودَعِ كَانَ لِلْغَائِبِ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ فِيمَا قَبَضَ ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَابِضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ فِيمَا قَبَضَ ( قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَرَضًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ثُمَّ خَرَجَ الْآخَرُ وَطَالَبَهُ ) أَيْ وَقَالَ إنَّا دَفَعْنَاهُ إلَيْك وَقَدْ ضَيَّعْت حَقِّي بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَحْدَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (

قَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ قُلْ لَا أُعْطِيك حَتَّى تُحْضِرَ صَاحِبَك ) أَيْ لَأَنَّكُمَا دَفَعْتُمَاهُ إلَيَّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ مَا يُقْسَمُ اقْتَسَمَاهُ وَحَفِظَ كُلٌّ نِصْفَهُ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ ضَمِنَ بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمُرْتَهَنَيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَقَالَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَضْمَنَ كَمَا فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ أَقْيَسُ أَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِحِفْظِهِمَا لَا بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا وَرِضَاهُ بِأَمَانَةِ الِاثْنَيْنِ لَا يَكُونُ رِضًا بِأَمَانَةِ الْوَاحِدِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ فِعْلَ الِاثْنَيْنِ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي يَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ لَا الْكُلَّ فَإِذَا سَلَّمَ الْكُلَّ إلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِهِ ضَمِنَ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ ؛ لِأَنَّ مُودَعَ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَالْمَالِكُ رَضِيَ بِثُبُوتِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَمْكَنَهُمَا الْمُهَايَأَةُ صَارَ رَاضِيًا بِحِفْظِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ إلَخْ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمُودِعَ وَاحِدٌ وَالْمُودَعَ مُتَعَدِّدٌ وَالْمُتَقَدِّمَةُ بِالْعَكْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ ضَمِنَ ) أَيْ ضَمِنَ الدَّافِعُ النِّصْفَ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ كَمَا سَيَجِيءُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ مَالًا قَالَ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ يَعْنِي يَقْتَسِمَانِهِ قَالَ فَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ كُلَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَتَوَى الْمَالُ قَالَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي دَفَعَ النِّصْفَ وَلَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ شَيْئًا قَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا تُسْتَطَاعُ قِسْمَتُهُ فَأَمَّا مَا لَا تُسْتَطَاعُ قِسْمَتُهُ نَحْوَ الْمَمْلُوكِ وَالثَّوْبِ فَإِذَا دَفَعَ أَحَدُ الْمُسْتَوْدَعِينَ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَضْمَنْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ ) أَيْ فَضَاعَ ضَمِنَ النِّصْفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ ) أَيْ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا ) أَيْ فَكَانَ دَفْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعًا إلَى أَمِينِ الْمَالِكِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْمُهَايَأَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ لَوْ أَوْدَعَ رَجُلَيْنِ عَبْدًا فَتَهَايَآ عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا شَهْرًا وَعِنْدَ الْآخَرِ شَهْرًا لَمْ يَضْمَنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحِفْظُ مَعًا فَجَازَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَدْفَعُ إلَى عِيَالِك ، أَوْ احْفَظْ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَدَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَوْ حَفِظَهُ فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ الْمُودِعُ قَالَ ذَلِكَ لِلْمُودَعِ فَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ مَعَ مُرَاعَاةِ شَرْطِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُفِيدًا فَيَلْغُو ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُحْفَظُ فِي يَدِ مَنْ مَنَعَهُ الْمُودِعُ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ فَرَسًا فَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى غُلَامِهِ ، أَوْ تَكُونَ عَقْدَ جَوْهَرٍ فَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى امْرَأَتِهِ ، أَوْ كَانَتْ بُيُوتُ الدَّارِ مُتَسَاوِيَةً ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا لَا يُحْفَظُ فِي يَدِ مَنْ نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ فَرَسًا فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ ، أَوْ كَانَتْ عَقْدَ جَوْهَرٍ فَنَهَاهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى امْرَأَتِهِ ، أَوْ كَانَتْ بُيُوتُ الدَّارِ مُخْتَلِفَةً بِأَنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا عَوَرٌ ظَاهِرٌ فَيَضْمَنُ بِالْمُخَالَفَةِ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ فِي مِثْلِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ حَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى مَنْ نَهَاهُ عَنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ بِأَنْ نَهَاهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى امْرَأَتِهِ فُلَانَةَ وَلَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى ، أَوْ نَهَاهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى غُلَامِهِ فُلَانٍ وَلَهُ غُلَامٌ آخَرُ فَخَالَفَهُ ، أَوْ قَالَ لَهُ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ ، أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَمَانَةِ وَالْكِيَاسَةِ وَمَعْرِفَةِ طُرُقِ الصِّيَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَمَّا يُوجِبُ شَيْئًا فِي الدَّيْنِ إذْ هِيَ الْحَامِلَةُ عَلَى الْحِفْظِ كَمَا يَنْبَغِي ، وَكَذَا الدُّورُ تَخْتَلِفُ فِي الْحِرْزِ فَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ مُفِيدًا فَيُعْتَبَرُ إذَا كَانَ لَا يُحْرِجُ بِالْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ ذَكَرْنَا وَإِلَّا

فَلَا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَدْفَعْ إلَى عِيَالِك إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي ، وَإِنْ قَالَ لَا تَدْفَعْهَا إلَى امْرَأَتِك أَوْ عَبْدِك أَوْ وَلَدِك أَوْ أَجِيرِك فَإِنِّي أَتَّهِمُهُمْ عَلَيْهَا فَدَفَعَهَا إلَى الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ فَهَلَكَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهَا ، وَإِنْ كَانَ يَجِدُ مِنْ أَهْلِهِ وَخَدَمِهِ مَنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ وَيَضَعُهَا عِنْدَهُ غَيْرَ هَذَا فَأَعْطَاهُ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ ضَمِنَهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِعُذْرٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي خَالَفَ بِغَيْرِ عُذْرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَنَهَاهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى امْرَأَتِهِ ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ إلَى غُلَامِهِ فَتَأَمَّلْ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ حَفِظَهَا إلَخْ ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي دَارٍ وَنَهَاهُ عَنْ الْوَضْعِ فِي دَارٍ أُخْرَى فَوَضَعَهَا فِي الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا فَهَلَكَتْ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ ، وَإِنْ كَانَ بَيْتَانِ فِي دَارٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَضْمَنْ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُسْتَوْدَعِ اخْبَأْهَا فِي بَيْتِك هَذَا فَخَبَّأَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ دَارِهِ تِلْكَ فَضَاعَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْسِكْهَا بِيَدِك وَلَا تَضَعْهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا فَوَضَعَهَا فِي بَيْتِهِ فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا ، وَلَوْ قَالَ اخْبَأْهَا فِي دَارِك هَذِهِ وَلَا تَخْبَأْهَا فِي دَارِك الْأُخْرَى فَوَضَعَهَا فِي الَّتِي نَهَى عَنْهَا ضَمِنَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا تُخْرِجْهَا مِنْ الْكُوفَةِ فَخَرَجَ بِهَا إلَى الْبَصْرَةِ كَانَ ضَامِنًا لَهَا ، وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ الْكُوفَةِ

إلَى الْبَصْرَةِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ فَهَلَكَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهَا إلَى بَيْتٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا نَقَلَهَا إلَى دَارٍ أُخْرَى وَلَنَا أَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ وَاحِدٌ بِدَلَالَةِ أَنَّ السَّارِقَ إذَا أَخَذَ مِنْ بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ فَنَقَلَ إلَى بَيْتٍ آخَرَ لَمْ يُقْطَعْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ بَعْدُ وَالْحِرْزُ الْوَاحِدُ لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِ فِي الْأَمْرِ يَسْقُطُ فِي الْإِيدَاعِ كَمَا لَوْ قَالَ احْفَظْهَا بِيَمِينِك دُونَ شِمَالِك أَوْ قَالَ ضَعْهَا فِي يَمِينِ الْبَيْتِ دُونَ يَسَارِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ تَفَاوُتٌ فِي الْحِرْزِ بِأَنْ كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً وَظَهْرُ الْبَيْتُ الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ إلَى السِّكَّةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَضْمَنُ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْحِرْزِ ظَاهِرٌ فِيهِمَا ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ السَّارِقُ مِنْ إحْدَى الدَّارَيْنِ فَنَقَلَ إلَى الْأُخْرَى قُطِعَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الْوَضْعِ فِيهَا أَحْرَزَ أَوْ كَانَتَا سَوَاءً فِي الْحِرْزِ لَا يَضْمَنُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ بِمُفِيدٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ وَيُمْكِنُ الْمُودَعُ مُرَاعَاتَهُ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ وَكُلُّ شَرْطٍ لَا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ وَلَا يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ فَهُوَ لَغْوٌ وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَلَوْ قَالَ احْفَظْهَا فِي كِيسِك وَلَا تَحْفَظْهَا فِي صُنْدُوقِك أَوْ قَالَ احْفَظْهَا فِي صُنْدُوقِك وَلَا تَحْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي الْبَيْتِ لَا يَضْمَنُ وَالصُّنْدُوقُ مِنْ الْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ضَمِنَ مُودَعُ الْغَاصِبِ لَا مُودَعُ الْمُودَعِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مُودَعُ الْمُودَعِ أَيْضًا فَيَكُونُ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ عَامِلًا لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ خَائِنٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الثَّانِي بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ وَالثَّانِي مُتَعَدٍّ بِقَبْضِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ الْغَاصِبِ وَمُودَعِ الْغَاصِبِ أَوْ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ ، أَوْ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ الثَّانِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ ، وَلَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ أَمِينٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ لَا يَضْمَنُ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ لِحُضُورِ رَأْيِهِ ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ بَاقٍ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ، وَصَاحِبُهَا رَضِيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ حُصُولِ رَأْيِهِ لَا بِصُورَةِ يَدِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ لَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِيدَاعَ مُبَاحٌ لَهُ إذَا لَمْ يَقْطَعْ رَأْيُ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ فَإِذَا فَارَقَهُ صَارَ مُضَيِّعًا لَهَا وَقْتَ التَّفْرِيقِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ بِالْعَقْدِ ، وَالْقَابِضُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالْقَبْضِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ الْأَوَّلُ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يُحْدِثْ فِعْلًا آخَرَ بَلْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ ، وَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا بَعْدَهُ ، وَهُوَ لَمْ يُفَوِّتْ الْحِفْظَ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي أَوَّلِهِ أَمِينًا وَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ فِعْلٌ يُبْطِلُهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ

فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالِاسْتِمْرَارِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ بَعْدُ فَكَذَا هَذَا ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُتَعَدِّيًا بِدُونِ إحْدَاثِ فِعْلٍ آخَرَ وَلَا يُقَالُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ لَمَا ضَمِنَ بِالْفِرَاقِ كَمَا إذَا دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ فَلَمَّا ضَمِنَ بِالْفِرَاقِ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَيَكُونُ الْقَابِضُ مِنْهُ أَيْضًا مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا جَازَ لَهُ الدَّفْعُ ، وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا صَارَ كَأَنَّ الْمُودِعَ قَالَ لَهُ أَذِنْت لَك أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِك بِشَرْطِ أَنْ لَا تُفَارِقَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا دَامَ مَعَهُ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَاصِبِ وَالْغَاصِبِ مِنْهُ وَأَخَوَاتِهَا ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا مِثْلَهُ بِالتَّلَقِّي مِنْهُ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فَكَذَا بَقَاءً ، ثُمَّ مُودَعُ الْغَاصِبِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ وَحَكَى أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ بِالْإِيدَاعِ وَلَا مُودَعُ الْمُودَعِ بِالْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُودِعَ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَحْفَظَ مَالَهُ تَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِغَيْرِهِ قُلْنَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُودِعِ الرِّضَا بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا الدَّلَالَةُ عَلَى الرِّضَا إذْ لَوْ رَضِيَ بِغَيْرِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ضَمِنَ مُودَعُ الْغَاصِبِ لَا مُودَعُ الْمُودَعِ ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَوْدَعَهَا الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ رَجُلًا آخَرَ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ قَالَ لِصَاحِبِ الْأَلْفِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَوْدَعَ الْأَوَّلَ وَلَا يُضَمِّنَ الْآخَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُضَمِّنُ صَاحِبُ الْمَالِ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لَا بِصُورَةِ يَدِهِ ) أَيْ لَا بِاعْتِبَارِ صُورَةِ مُجَرَّدِ يَدِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ رَأْيِ الْأَوَّلِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إلَخْ ) هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ أَوْرَدَهُمَا الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ وَنَصُّهُ فَإِنْ قُلْت إنَّ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ ضَامِنًا كَانَ الثَّانِي آخِذًا مِنْ يَدِ ضَمِينٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثَّانِي ضَامِنًا ضَرُورَةً قُلْت هَذِهِ مُغَالَطَةٌ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ بَلْ هُوَ أَمِينٌ حِينَئِذٍ لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا صَارَ ضَامِنًا بِالْمُفَارَقَةِ بِصُنْعٍ مِنْهُ وَالثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ فَلَا يَضْمَنُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَضْمَنُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي قَوْل ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ تَمْلِيكَهُ غَيْرَهُ بِمِثْلِ مَا مَلَكَهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ يَأْذَنُ وَالْمُكَاتَبُ يُكَاتِبُ وَالْمُسْتَأْجِرُ يُؤَاجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ يُعِيرُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْإِيدَاعِ وَلَا مِنْ الثَّانِي فِي الْقَبْضِ ا هـ ( قَوْلُهُ

فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ ) وَقِيَاسُهُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَيْسَ بِمَالِكٍ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِعَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَلَا لِمَنْفَعَتِهَا وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مَلَكَ مَنَافِعَ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِهِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ كُلٌّ أَنَّهُ لَهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَنَكَلَ لَهُمَا فَالْأَلْفُ لَهُمَا وَغُرْمُ آخَرَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ أَلْفٌ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ يَحْلِفُ لَهُمَا فَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا ، وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَاهُمَا صَحِيحَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَهُمَا فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ ، وَإِنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ لِلْآخَرِ قُضِيَ بِهِ لِمَنْ نَكَلَ لَهُ دُونَ الْآخَرِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ لَهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِهِ ، أَوْ لِبَذْلِهِ إيَّاهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَلِأَيِّهِمَا بَدَأَ الْقَاضِي بِالتَّحْلِيفِ جَازَ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَلِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْأَوْلَى عِنْدَ التَّشَاحِّ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمَا وَنَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ فَإِنْ نَكَلَ لِلْأَوَّلِ لَا يَقْضِي بِهِ حَتَّى يُحَلِّفَهُ لِلثَّانِي لِيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ هَلْ هُوَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ بِنَفْسِهِ وَالنُّكُولُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالْقَضَاءِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَكَلَ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَكَذَا الْبَيِّنَةُ لَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالْقَضَاءِ فَيُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ حَتَّى يَنْكَشِفَ وَجْهُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى لِلْمُتَقَدِّمِ حَتَّى يَحْلِفَ لِلْمُتَأَخِّرِ وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ وَيَغْرَمُ أَلْفًا آخَرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ ؛ لِأَنَّهُ بِالنُّكُولِ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ الْأَلْفِ

كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَإِذَا صَرَفَهُ إلَيْهِمَا فَقَدْ صَرَفَ نِصْفَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَيَغْرَمُهُ فَلَوْ قَضَى لِلْأَوَّلِ حِينَ نَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ لِلثَّانِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ حَتَّى لَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي بَعْدَهُ كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي وَقَالَ الْخَصَّافُ نَفَذَ قَضَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُشَارِكُهُ الثَّانِي فِيهِ ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْإِقْرَارِ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ ، ثُمَّ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلثَّانِي بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ مَا هَذَا الْعَبْدُ لِي بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَا يُفِيدُ بَعْدَمَا صَارَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ وَهَلْ يَحْلِفُ إذَا ضَمَّ إلَيْهِ الْقِيمَةَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ : بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْعَبْدُ وَلَا قِيمَتُهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا أَقَلُّ مِنْهُ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ يَضْمَنُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ : إنَّ مَا فَاتَ مِنْ حَقِّهِ لَمْ يَفُتْ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ ، وَإِنَّمَا فَاتَ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَضْمَنُ وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَ الْقَاضِيَ عَلَى الْقَضَاءِ بِهَا لِلْأَوَّلِ بِإِقْرَارِهِ ، ثُمَّ أَقَرَّ لِلثَّانِي بِأَنَّهُ مُودِعٌ عِنْدَهُ وَالْمُودَعُ يَكُونُ ضَامِنًا بِالتَّسْلِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ إلَخْ ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا قَالَ تَكُونُ هَذِهِ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا وَيَغْرَمُ أَلْفًا أُخْرَى فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَفْعُ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ إلَّا أَلْفًا وَاحِدَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى أَمَّا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا فَلِأَنَّهُ لَمَّا نَكَلَ لِأَحَدِهِمَا فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ أَلْفًا فَلَمَّا نَكَلَ لِلْآخَرِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا فَلَمَّا أَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفٍ وَلَمْ يَصِلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا خَمْسُمِائَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَمَامَ الْأَلْفِ ، بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ادَّعَى دَعْوَى صَحِيحَةً لِاحْتِمَالِ الصِّدْقِ فِي دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } وَلَكِنْ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُحَلِّفُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ لِبَذْلِهِ إيَّاهُ ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبِأَيِّهِمَا ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلِأَيِّهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا ) أَيْ فَإِنَّهُ بَعْدَ نُكُولِهِ لِلْأَوَّلِ إنْ نَكَلَ لِلثَّانِي يَكُونُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا وَيَقْضِي لَهُمَا جُمْلَةً ، وَإِنْ حَلَفَ لِلثَّانِي كَانَ

كُلُّ الْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ ا هـ قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ) أَيْ قَبْلِ قَضَاءِ الْقَاضِي ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنْ الْخَصَّافُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي ا هـ ( قَوْلُهُ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْخَصَّافُ يَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ بِنَاءً ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فَبِالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ ضَمِنَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَكَذَا بِالنُّكُولِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يَضْمَنْ ثَمَّةَ بِالْإِقْرَارِ فَكَذَا هُنَا بِالنُّكُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ ) أَيْ بِالْقَضَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

( كِتَابُ الْعَارِيَّةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَارِ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ وَوَزْنُهَا فَعْلِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ضَرْبُ الْمُدَّةِ وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ ، وَكَذَا يُعْمَلُ فِيهِ النَّهْيُ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ فِي الثِّمَارِ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَنْفَعَةِ كَذَلِكَ فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكًا ، وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَوْ كَانَ إبَاحَةً لَمَا جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ مَشْرُوعٌ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيْضًا كَالْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ فِيهِ التَّمْلِيكُ بِبَدَلٍ جَازَ فِيهِ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ بَدَلٍ إلَّا النِّكَاحَ ، وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ وَهَذَا لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، بِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ وَالْجَهَالَةُ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ حَتَّى إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَالْخِيَاطَةِ جَازَتْ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَالنَّهْيُ مُنِعَ عَنْ تَحْصِيلِهِ مَا لَمْ يَحْصُلْ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَيَكُونُ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمْلِيكِ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْحُدُوثِ .

( كِتَابُ الْعَارِيَّةُ ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ لَا الْإِبَاحَةَ لَكَانَ بَيَانُ الْمُدَّةِ مِنْ شَرْطِهَا ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهَا مَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ ، أَصْلُهُ الْإِجَارَةُ ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكًا لَجَازَ إجَارَةُ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ ، وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ بِأَنْ قَالَ أَبَحْت رُكُوبَ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ أَبَحْت لُبْسَ هَذَا الثَّوْبِ لَك ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ نَهْيُ الْمُعِيرِ الْمُسْتَعِيرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ آجَرَ دَابَّتَهُ شَهْرًا ثُمَّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا لَمْ يَصِحَّ وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْعَرِيَّةَ وَالْعَارِيَّةَ أَحَدُهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْآخَرِ وَلَكِنْ خُصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْمٍ فَقَالُوا فِي تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ عَرِيَّةٌ وَفِي تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ عَارِيَّةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةُ تَمْلِيكٌ لَا إبَاحَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك مَنَافِعَ فِي هَذَا الْعَيْنِ شَهْرًا يَنْعَقِدُ إعَارَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ إلَخْ ) وَانْعِقَادُهَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ بِسَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ كَانْعِقَادِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ لَازِمٌ ، فَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ انْقَلَبَتْ مِنْ الْجَوَازِ إلَى اللُّزُومِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُعِيرِ وَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ صِحَّةِ النَّهْيِ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ جَائِزَةً كَانَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَنْهَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ ) أَيْ كَالْمُبَاحِ

لَهُ الطَّعَامُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبِيحَ مِنْ غَيْرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ بِأَعَرْتُكَ ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَطْعَمْتُك أَرْضِي وَمَنَحْتُك ثَوْبِي ) لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا تُؤْكَلُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَغَلُّ مِنْهُ مَجَازًا ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَمَنَحْتُك ثَوْبِي مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْحَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ عُرْفًا وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ وَأَصْلُهُ أَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ نَاقَةً أَوْ شَاةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إذَا ذَهَبَ دَرُّهَا ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ فِي كُلِّ مَنْ أَعْطَى شَيْئًا مَنَحَ وَإِذَا أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ أَفَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ وَإِلَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَمَلْتُك عَلَى دَابَّتِي ) أَيْ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِمَا يُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ فُلَانًا عَلَى دَابَّتِهِ يُرَادُ بِهِ الْهِبَةُ تَارَةً وَالْعَارِيَّةَ أُخْرَى فَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى كَيْ لَا يَلْزَمُهُ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْعَارِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَارِي لَك سُكْنَى وَدَارِي لَك عُمْرِي سُكْنَى ) لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَقَبَتُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْفَعَتُهَا ، وَقَوْلُهُ سُكْنَى مُحْكَمٌ فِي إرَادَةِ الْمَنْفَعَةِ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ سُكْنَى خَرَجَ مَخْرَجَ التَّفْسِيرِ لِذَلِكَ الْمُحْتَمَلِ .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَطْعَمْتُك أَرْضِي ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْعَارِيَّةُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَطْعَمَهُ فَطَعِمَ وَنَفْسُ الْأَرْضِ لَا تُطْعَمُ فَكَانَ الْمُرَادُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَهُوَ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَنَحْتُك ثَوْبِي ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ } وَهَكَذَا ذَكَرَ الْجَوَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، وَقَالَ إذَا قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ فَهِيَ عَارِيَّةٌ وَلَكِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَبَا بَكْرٍ الْمَعْرُوفَ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فَصَّلَ فِي مَبْسُوطِهِ ، وَقَالَ إذَا قَالَ مَنَحْتُك إنْ كَانَ مُضَافًا إلَى مَا يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ يَكُونُ إعَارَةً وَإِنْ أَضَافَ إلَى مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالطَّعَامِ يَكُونُ هِبَةً وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمِنْحَةَ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْعَارِيَّةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ } وَأَرَادَ بِهِ الْعَارِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَكُونُ مَرْدُودَةً وَإِنَّمَا الْمَرْدُودَةُ الْعَارِيَّةُ وَتُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْهِبَةُ يُقَالُ مَنَحَ فُلَانٌ فُلَانًا أَيْ وَهَبَ لَهُ ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ اللَّفْظَةُ صَالِحَةً لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَالْعَمَلُ بِهِمَا مُتَعَذِّرٌ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلَّيْنِ عَارِيَّةً وَهِبَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَمِلْنَا بِهِمَا مُخْتَلِفَيْنِ فَقُلْنَا إذَا أُضِيفَتْ الْمِنْحَةُ إلَى عَيْنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ

مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ جُعِلَ عَارِيَّةً ، وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى عَيْنٍ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ جُعِلَ هِبَةً كَمَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ تَوْفِيرًا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ حَظَّهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي ) أَيْ جَعَلْته خَادِمًا لَك ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدَارِي لَك سُكْنَى ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَرَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بَيْنَ قَوْلِهِ هَذِهِ الدَّارُ لَك سُكْنَى أَوْ عُمْرِي سُكْنَى وَبَيْنَ قَوْلِهِ هِيَ لَك لِتَسْكُنَهَا فَقَالَ وَلَوْ قَالَ هِيَ لَك لِتَسْكُنَهَا كَانَ تَمْلِيكًا لِلدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّمْلِيكَ إلَى رَقَبَةِ الدَّارِ ، وَقَوْلُهُ لِتَسْكُنَهَا مَشُورَةً فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَقَوْلُهُ سُكْنَى مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ قَوْلِهِ لَك ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ : تَمْلِيكَ عَيْنِ الدَّارِ وَتَمْلِيكَ مَنْفَعَةِ الدَّارِ فَخَرَجَ قَوْلُهُ سُكْنَى تَفْسِيرًا قَاطِعًا لِلِاحْتِمَالِ فَتَعَيَّنَتْ الْعَارِيَّةُ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ مَتَى شَاءَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ } وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا بِحَسَبِ حُدُوثِهَا فَرُجُوعُهُ امْتِنَاعٌ عَنْ تَمْلِيكِ مَا لَمْ يَحْدُثْ فَلَهُ ذَلِكَ .( قَوْلُهُ { الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ } ) أَيْ يَجِبُ رَدُّهَا وَيَجِبُ أَدَاؤُهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَا يَضْمَنُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ الْغَيْرِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَأَشْبَهَ الْغَصْبَ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ } وَالْمُرَادُ بِمِثْلِهِ مَنْ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَارِيَّة مَضْمُونَةٌ } وَقَدْ { اسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ لَا بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ قَالَ فَضَاعَ بَعْضُهَا فَعَوَّضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَنَا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ رَاغِبٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْإِذْنُ بِالْقَبْضِ ثَبَّتَ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ وَلِأَنَّهُ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ وَبِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهَا لَا لِنَفْسِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ ، وَلِهَذَا إذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ وَضَمَّنَهُ الْمُسْتَحِقُّ قِيمَتَهَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُودِعِ وَفِي الْعَارِيَّةِ لَا يَرْجِعُ ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَإِنَّ الْوَارِثَ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ إلَيْهِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ } وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَادَلَةِ فَلَا يَضْمَنُ كَالْإِجَارَةِ الْوَدِيعَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُتَعَدِّي وَمَعَ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ لَا يُوصَفُ بِالتَّعَدِّي فَانْتَفَى الضَّمَانُ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْقَبْضِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَانْتِفَاءِ

الْمُبَادَلَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ شَرْعًا إمَّا بِعَقْدٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ أَوْ بِشُبْهَتِهِ بِأَنْ كَانَ فَاسِدًا أَوْ بِالتَّعَدِّي ، فَالْعَقْدُ الدَّالُّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ لَمْ يُوجَدْ وَلَا شُبْهَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَالتَّعَدِّي لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ الْإِذْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ بِالْإِتْلَافِ فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ فَهَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ ، وَحَدِيثُ صَفْوَانَ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلِهَذَا قَالَ { أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ } وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُرَخَّصُ تَنَاوُلُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَحَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَلِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ الضَّمَانَ ، وَالْعَارِيَّةُ إذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا الضَّمَانُ تُضْمَنُ عِنْدَنَا فِي رِوَايَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثَيْنِ ضَمَانَ رَدُّ الْعَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ حَرْبِيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَيَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ } يَقْتَضِي رَدَّ الْعَيْنِ وَبِهِ نَقُولُ ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْعَيْنِ وَاجِبٌ فِي الْأَمَانَاتِ وَإِنَّمَا لَا يَرْجِعُ الْمُسْتَعِيرُ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَهُوَ لَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مُتَبَرِّعٌ كَالْوَاهِبِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَا يَضْمَنُ ) أَقُولُ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِوَقْتٍ فَهَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا كَمَا سَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ بِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَعِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا تَعَدٍّ مَا نَصُّهُ وَلَوْ تَعَدَّى ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ إلَخْ ) أَمَّا إذَا هَلَكَتْ فِي حَالَةِ الِانْتِفَاعِ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يَوْمَ أُحُدٍ ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ يَوْمَ أُحُدٍ مَا نَصُّهُ هَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي نُسَخٍ وَشَطَبَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي نُسْخَتِهِ عَلَى أُحُدٍ وَكَتَبَ فَوْقَهُ حُنَيْنٍ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْعَارِيَّةِ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ شَرَطَ الضَّمَانَ فِي الْعَارِيَّةِ هَلْ تَصِحُّ ؟ فَالْمَشَايِخُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ كَذَا فِي التُّحْفَةِ ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ أَعِرْنِي ثَوْبَك فَإِنْ ضَاعَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ قَالَ لَا يَضْمَنُ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ ) وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ ) أَيْ تَقَدَّمَ وَهُوَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ سِلَاحًا لِيُقَاتِلَ بِهِ فَضَرَبَ بِالسَّيْفِ فَانْقَطَعَ نِصْفَيْنِ أَوْ طَعَنَ بِالرُّمْحِ فَانْكَسَرَ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ هَلَكَ مِنْ عَمَلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِيهِ ضَرُورَةً ،

وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَاسْتَعْمَلَ قِصَاعَ الْحَمَّامِ فَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا إذَا أَخَذَ كُوزَ الْفُقَّاعِ لِيَشْرَبَ فَسَقَطَ وَانْكَسَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ ) تَمَامُهُ ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدِعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَقِيلَ عُمَرُ وَفِي الْإِسْنَادِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ ا هـ عَبْدُ الْحَقِّ ( قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ ) يُحْتَرَزُ عَنْ الرَّهْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ حَرْبِيًّا ) أَيْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ ) أَيْ فَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ نَفَقَةُ الْعَارِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُؤَجِّرُ ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ فَيَلْزَمُ الْمُعِيرَ زِيَادَةُ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ لَمَا جَازَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ حَتَّى تَفْرُغَ مُدَّتُهَا فَيَتَضَرَّرَ فَلَا يَلْزَمُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهَا لُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْعَارِيَّةُ أَوْ عَدَمُ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْإِجَارَةُ فَلَا يَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَرْهَنُ كَالْوَدِيعَةِ ) لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوفِيَ دَيْنَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَازِمٌ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ فَصَارَ كَالْإِجَارَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ آجَرَ فَعَطِبَ ضَمِنَ ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالتَّسْلِيمِ فَصَارَ غَاصِبًا ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً فِي يَدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْعَيْنَ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِالْغَصْبِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ آجَرَ فَعَطِبَ ضَمِنَ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي ، وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهَا حَيْثُ شَاءَ وَلَمْ يُسَمِّ مَكَانًا وَلَا وَقْتًا وَلَا مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَذَهَبَ بِهَا إلَى الْحِيرَةِ أَوْ أَمْسَكَهَا بِالْكُوفَةِ شَهْرًا يَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يُؤَاجِرُهَا قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْإِجَارَةِ خَاصَّةً ، فَإِنَّهُ حَيْثُ آجَرَهَا صَارَ ضَامِنًا وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالِانْتِفَاعِ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ أَيَّ انْتِفَاءٍ شَاءَ وَإِلَيْهِ التَّعْيِينُ بِفِعْلِهِ إنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهَا فِي الرُّكُوبِ أَوْ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا ، وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ غَيْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ إذَا تَعَيَّنَ بِقَيْدٍ فَلَا يَبْقَى مُطْلَقًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ وَالْعَارِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَبِنَاءُ اللَّازِمِ عَلَى الْجَائِزِ لَا يَجُوزُ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ وَتَنْعَقِدُ جَائِزَةً لَا لَازِمَةً كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّ مِنْ أُصُولِ أَصْحَابنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا قِيمَةَ لَهَا وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَمْلِكْ أَنْ يُؤَاجِرَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمَّا ظَهَرَتْ بِالشَّرْطِ اقْتَصَرَتْ عَلَى الْمَشْرُوطِ فَلَمْ تَتَقَوَّمْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَفِي الْعَارِيَّةُ لَا شَرْطَ فَلَا قِيمَةَ فَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَآجَرَهَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ، وَالْغَاصِبُ إذَا فَعَلَ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ مَالِ الْغَيْرِ فَكَانَ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ ) أَيْ يُعِيرُ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ وَعِنْدَنَا لَمَّا كَانَتْ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ جَازَ أَنْ يُعِيرَ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ أَنْ يُمَلِّكْ كَالْمُسْتَأْجِرِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَكَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِشَيْءٍ تَتَقَيَّدُ بِهِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفْصِيلُهُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ ) لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا قَالَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا فَإِنْ آجَرَهَا فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُعِيرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَارُ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ مِثْلَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعِيرَ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ ) أَيْ وَيَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً ) أَيْ عَنْ الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وِلَايَةِ إعَارَةِ الْمُسْتَعِيرِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ بِهِمَا لَا يَتَجَاوَزُ عَمَّا سَمَّاهُ وَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ أَيَّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ ) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ تَقْيِيدٍ أَوْ إطْلَاقٍ ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً أَوْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بِالزَّمَانِ أَوْ بِالِانْتِفَاعِ أَوْ بِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً كَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ وَيَرْكَبُ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَمْ يَلْبَسْ هُوَ وَلَمْ يَرْكَبْ فَإِذَا أَلْبَسَ غَيْرَهُ أَوْ أَرْكَبَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ خِلَافُهُ تَعَدِّيًا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ، وَقَالَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ شَيْئًا بَتَفَاوُتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَاللُّبْسِ فِي الثَّوْبِ وَالرُّكُوبِ فِي الدَّابَّةِ فَجَعَلَهُ كَالْإِجَارَةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ عَلَى مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ عَلَيْهَا مَنْ أَشَاءُ وَأُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ أَشَاءُ كَمَا حُمِلَ الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُقَيَّدَةً بِالِانْتِفَاعِ دُونَ الْوَقْتِ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرُهُ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَالرُّكُوبِ وَأَخَوَاتِهِ وَلِلْمُسَمَّى أَنْ يَفْعَلَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ كَالسُّكْنَى وَالْحَمْلِ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالِانْتِفَاعِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا يُفِيدُ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْوَقْتِ تَقَيَّدَتْ بِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إلَّا

فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَمِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى إطْلَاقِهَا فَيَجُوزُ لَهُ مُطْلَقًا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُطْلَقِ عَنْ الِانْتِفَاعِ وَالْوَقْتِ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِهِمَا تَقَيَّدَتْ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ كَيْفَمَا كَانَ وَكَذَا مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا تَتَقَيَّدُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمُقَيَّدِ بِالِانْتِفَاعِ ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُسَمَّى لَهُ أَنْ يُخَالِفَ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ إلَى مِثْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ احْمِلْ عَلَى الدَّابَّةِ هَذِهِ الْحِنْطَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ مُطْلَقًا مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا بَعَثَ الْعَارِيَّةَ إلَى صَاحِبِهَا عَلَى يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَهَلَكَتْ فِي يَدِ الرَّسُولِ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا إيدَاعًا مِنْهُ قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَيْنُ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَصْدًا فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَنْفَعَةِ قَصْدًا وَتَسْلِيمُ الْعَيْنِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَافْتَرَقَا وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ مَشَايِخُ الْعِرَاق وَأَبُو اللَّيْثِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ دُونَ الْإِعَارَةِ وَالْعَيْنِ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فِي الْعَارِيَّةُ فَإِذَا مَلَكَ الْأَعْلَى فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْأَدْنَى قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .

( قَوْلُهُ أَوْ بِهِمَا ) فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ إلَخْ ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ ) وَالرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ كَمَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ لَكِنْ إنَّمَا مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ إعَارَتَهُ لِلْإِطْلَاقِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَهُ أَيْ الشَّافِعِيِّ الْإِعَارَةُ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبَاحَةَ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ كَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ ، ثُمَّ قَالَ فِي ذِكْرِ دَلِيلِنَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ مُطْلَقًا بَلْ لَهُ أَنْ يُعِيرَ إذَا أَعَارَهُ مُطْلَقًا ا هـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، ثُمَّ الْعَارِيَّةُ عَلَى مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي حَقِّ الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ جَمِيعًا وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ أَيَّ مَنْفَعَةٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ بِأَنْ قَيَّدَهُ بِيَوْمٍ وَعَيَّنَ نَوْعَ مَنْفَعَةٍ كَالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ عَمَلًا بِالتَّقْيِيدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِلَافًا إلَى خَيْرٍ أَوْ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَضْمَنُ وَالْخِلَافُ كَمَا إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ شَعِيرٍ أَوْ سِمْسِمٍ أَوْ أُرْزٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْحُبُوبِ مِثْلَ كَيْلِ الْحِنْطَةِ وَخِفَّتِهَا لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمَّا رَضِيَ بِالْحِنْطَةِ كَانَ أَرْضَى بِمَا دُونَهَا وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ وَالْخِلَافُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا

عَشَرَة مَخَاتِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ نَفْسِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ لَا يُفِيدُ ، وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ ، وَالرَّابِعُ عَلَى الْعَكْسِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ مُقَيَّدَةً فِي الِانْتِفَاعِ فَفِي الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمُسَمَّى وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْوَقْتَ وَالِانْتِفَاعَ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ فَإِنْ شَاءَ رَكِبَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ حَمَلَ وَإِنْ أَعَارَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ جَازَ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْحَمْلِ ، وَالْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ وَإِنْ أَعَارَهُ لِلرُّكُوبِ صَحَّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَعْيِينٌ لِلِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفَعِ ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَإِذَا أَعَارَهُ لِلرُّكُوبِ فَقَدْ عَيَّنَ جَهْلًا الِانْتِفَاعَ وَالْمُنْتَفِعَ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُ ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ لِلرُّكُوبِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ لَكِنْ لَمَّا أَطْلَقَ كَانَ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ مُفَوَّضًا إلَى الْمُسْتَعِيرِ فَإِذَا عَيَّنَ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ حَتَّى لَوْ رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَرْذَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَبِعَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ إذَا لَمْ يَضْمَنْ بِالرُّكُوبِ أَوْ اللُّبْسِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْعَيْنَ بِإِذْنِ الْمُسْتَعِيرِ وَتَمْلِيكِهِ فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ إذَا رَكِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَبِسَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ

لَمْ يُمْلَك لَمَا مَلَّكَ غَيْرَهُ ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ ، وَإِذَا كَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ مِثْلُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَحَمْلِ الدَّابَّةِ ، أَمَّا الرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ ا هـ فَقَوْلُهُ وَزِرَاعَةُ الْأَرْضِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ سَابِقًا بِأَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَالزِّرَاعَةُ فَإِنَّهُ عَدَّهَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ ا هـ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ ) أَيْ قَصْدًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَارِيَّةُ الْمُطْلَقَةَ تُعَارُ وَلَا تُؤَاجَرُ وَفِي إيدَاعِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارُ وَلَا تُؤَاجَرُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ يُعَارُ وَيُؤَاجَرُ وَفِي إيدَاعِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ سَيَأْتِي الْجَوَابُ فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ الْبَاقِلَّانِيُّ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي النِّهَايَةِ الْبَقَّالِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ ) وَالِدُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي آخِرِ كُتُبِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُعِيرُ إذَا وَجَدَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ فِي يَدِ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَهُوَ خَصْمٌ ، وَإِذَا قَالَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ قَدْ أَوْدَعَنِيهَا فُلَانٌ

الَّذِي أَعَرْتهَا مِنْهُ فَلَيْسَ بِخَصْمٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قُلْت هَكَذَا وَجَدْت هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَنْصُوصَةً فِي آخِرِ كُتُبِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ الْأَصْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَهُ أَنْ يُودِعَ فَرَاجِعْهُ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ الْجَوَابَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى مَنْعِ الْإِيدَاعِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ ) لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إذْنٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا يَتَأَتَّى الِانْتِفَاعُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِهْلَاكَ إلَّا إذَا مَلَكَهَا فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكَ عَيْنِهَا ضَرُورَةً ، وَذَلِكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْقَرْضِ وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا ضَرَرًا لِكَوْنِهِ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ تُوجِبُ رَدَّ الْعَيْنِ وَالْقَرْضُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ ، وَلِهَذَا صِيرَ إلَيْهِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَاتَّفَقَا هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَإِنْ بَيَّنَ جِهَةً يَنْتَفِعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا بِأَنْ يَسْتَعِيرَهَا لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ لِيُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ صَارَتْ عَارِيَّةَ أَمَانَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِإِهْلَاكِهَا فَكَانَ نَظِيرَ عَارِيَّةِ الْحُلِيِّ وَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ فَرْضٌ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ عَدًّا مِثْلَ الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي ، وَكَذَلِكَ الْأَقْطَانُ وَالصُّوفُ وَالْإِبْرَيْسَمْ وَالْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَسَائِرُ مَتَاعِ الْعِطْرِ وَالصَّنَادِلَةِ الَّتِي لَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنَافِعِهَا قَرْضٌ كَذَلِكَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ، ثُمَّ قَالَ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي وَإِنْ اسْتَعَارَ آنِيَةً يَتَجَمَّلُ بِهَا فِي مَنْزِلِهِ أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى أَوْ مِنْطَقَةً مُفَضَّضَةً أَوْ خَاتَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا قَرْضًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْإِعَارَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَمَّلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالتَّجَمُّلُ بِالْمَالِ نَوْعُ انْتِفَاعٍ ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ أَعَرْتُك هَذِهِ الْقَصْعَةَ مِنْ الثَّرِيدِ فَأَخَذَهَا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ وَهُوَ قَرْضٌ إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سَعَةٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ ، وَفِي الْعُيُونِ قَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ رُقْعَةً يُرَقِّعُ بِهَا قَمِيصَهُ أَوْ خَشَبًا يُدْخِلُهُ فِي بِنَائِهِ قَالَ لَا يَكُونُ هَذَا عَارِيَّةً وَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ فَإِنْ قَالَ أَرُدُّهُ عَلَيْك فَهُوَ عَارِيَّةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكَ عَيْنِهَا ضَرُورَةً ) قَالَ فِي الْكَافِي فِي بَابِ الصَّرْفِ اسْتَقْرَضَ كُرَّ بُرٍّ وَقَبَضَهُ مَلَكَهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ حَتَّى لَا يَسْتَهْلِكَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ إلَّا أَنَّ الْعَيْنَ هُنَا قَامَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهَا فَكَذَا الْعَيْنُ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَيْنَ لَمَّا قَامَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ قَامَ قَبْضُهَا

مَقَامَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ فَلَوْ بَاعَهُ مِنْ مُقْرِضِهِ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ مُقْرِضِهِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِلْكَ نَفْسِهِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنْ اشْتَرَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْبُرِّ مِنْ مُقْرِضِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ بَدَلِهِ فَسَدَ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ نَقَدَ بَدَلَهُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَوْ نَقَدَ حَتَّى صَحَّ ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْكُرِّ عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ وَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كُرٌّ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْقَرْضِ وَالْقَرْضُ مَعِيبٌ فَالْكُرُّ الَّذِي وَجَبَ بَدَلًا عَنْهُ يَكُونُ مَعِيبًا أَيْضًا ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَسَقَطَ لَمَّا اشْتَرَاهُ عَنْ ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ ، ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ النُّقْصَانُ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْكُرُّ الْقَرْضُ غَيْرَ مَعِيبٍ وَيُقَوَّمَ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ فَيَرْجِعَ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِكُرِّ مِثْلِهِ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ رِبًا ا هـ ( قَوْلُهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ ) بِخِلَافِ الْهِبَةِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أَوْ لِلْغَرْسِ صَحَّ ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَعْلُومَةٌ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا شَرْعًا وَإِيجَارُهَا فَكَذَا إعَارَتُهَا بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ) لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُكَلِّفُهُ قَلْعَهُمَا ) أَيْ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ أَرْضَهُ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ ، إلَّا إذَا شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُمَا مَقْلُوعَيْنِ وَيَكُونَانِ لَهُ كَيْ لَا تَتْلَفُ عَلَيْهِ أَرْضُهُ وَيَسْتَبِدُّ هُوَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّرْكُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا بِخِلَافِ الْقَلْعِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّفَاقُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقَلْعَ أُجِيبَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ ) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ لَا يَضْمَنُ لِلْمُسْتَعِيرِ مَا نَقَصَ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بِالْقَلْعِ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ لِلْعَارِيَّةِ وَقْتًا ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِمَا وَيُتْرَكَانِ فِي أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا وَقَّتَ لِلْعَارِيَّةِ وَقْتًا فَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ قُلْنَا الْعَارِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَيَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَمْ يَكُنْ غَارٍّ لَهُ بِالْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ اغْتَرَّ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَارًّا لَهُ بِذَلِكَ حَيْثُ نَصَّ عَلَى تَرْكِهَا فِي يَدِهِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ ، وَهَذَا لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَفِيَ بِالْوَعْدِ فَيَكُونُ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِهِ قَالَ

رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَقَّتَ فَرَجَعَ قَبْلَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ ) ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الْعَارِيَّةُ غَيْرُ مُلْزَمٍ كَأَصْلِ عَقْدِهَا ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَالْغُرُورُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا فِي التَّبَرُّعَاتِ ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَ ، وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ لَهُ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً وَنَحْنُ قَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ يُحْمَلُ عَلَى الْفَائِدَةِ مَا أَمْكَنَ ، وَجَوَازُ الْعَقْدِ يَثْبُتُ بِدُونِ التَّوْقِيتِ فَلَا بُدَّ لِلتَّوْقِيتِ مِنْ الْفَائِدَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْتِزَامِهِ الْقِيمَةَ لَهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ رَجَعْت قَبْلَ الْوَقْتِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك فَيَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الْتِزَامِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ مَا نَقَصَ أَنْ يَقُومَ قَائِمًا غَيْرَ مَقْلُوعٍ ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ ) الزَّرْعَ اسْتِحْسَانًا ( وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ .قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَلْعَ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ا هـ .

( فَرْعٌ ) فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ حَاكِيًا عَنْ أُسْتَاذِهِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ بَلْ يُقَالُ لَهُ إنْ شِئْت فَأَنْفِقْ وَإِلَّا فَخَلِّ يَدَك عَنْهُ ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا فَطَعَامُهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعَارَهُ لِيُعَارَ عَلَى الْمُعِيرِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَعْنِي إذَا قَالَ مَوْلَى الْعَبْدِ خُذْ عَبْدِي وَاسْتَخْدِمْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ الْمُسْتَعِيرُ فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ لِيُعَارَ عَلَى مَوْلَاهُ وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَعَلَى الْمُعِيرِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ا هـ كَاكِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ

( قَوْلُهُ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مُقْتَضَاهَا الرُّجُوعُ فَلَا يُغَيِّرُهُ التَّوْقِيتُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ الرُّجُوعُ لِئَلَّا يَلْزَمُ الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } ا هـ ( فَقَوْلُهُ فَيَكُونُ مَغْرُورًا ) أَيْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الِالْتِزَامِ الْمَعْنَوِيِّ عَلَى مَا يَأْتِي ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ وَقَّتَ فَرَجَعَ قَبْلَهُ ) أَيْ الْمُعِيرُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ ) أَيْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ نُقْصَانُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مَنْصُوبَيْنِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونَانِ مَرْفُوعَيْنِ وَالْغَرْسُ يُرْوَى بِالْفَتْحِ عَلَى إرَادَةِ الْمَغْرُوسِ وَبِالْكَسْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ اسْتِحْسَانًا ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى الْعَقْدُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ التَّفْرِيغِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا لَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْقَلْعِ لَأَضْرَرْنَا بِهِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَعُودُ إلَى الْمَالِكِ وَلَوْ بَقَّيْنَاهُ لَنَفَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَعُودُ إلَى الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّا نُبْقِيهِ بِأُجْرَةٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ أَوْلَى بِخِلَافِ النَّخْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِإِدْرَاكِهِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَوْ بَقَّيْنَاهُ لَعَطَّلْنَا عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ أَمَّا هَذَا فَلِإِدْرَاكِهِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَ الْغِرَاسُ لِلْبَيْعِ وَالنَّقْلِ لَا لِلِاسْتِبْقَاءِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الزَّرْعِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ حَيْثُ يُؤْمَرُ

بِقَلْعِ الزَّرْعِ إذَا زَرَعَ الْأَرْضَ ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَقَدْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى رَفْعِ الْعُدْوَانِ وَهَا هُنَا بِخِلَافِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ ) أَيْ حَقِّ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْأَرْضَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِئَلَّا تَفُوتَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَجَّانًا وَلَا يَتْلَفَ زَرْعُ الْآخَرِ أَيْضًا فَيَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودِعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنِ ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لَهُمْ وَالْأَصْلُ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ تَجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْقَبْضُ لَهُ أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَالرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَأَمْسَكَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى هَلَكَتْ ضَمِنَ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَالْغُرْمَ بِالْغَنَمِ وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مَقْبُوضَةٌ لِمَنْفَعَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْأَجْرَ سُلِّمَ لَهُ بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَدُّهَا ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ وَلَا يُقَالُ قَبْضُهُ كَانَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ مَا حَصَلَ لَهُ مَنْفَعَةٌ وَهِيَ عَرْضٌ يَفْنَى وَمَا حَصَلَ لِلْمُؤَجَّرِ عَيْنٌ تَبْقَى ، فَكَانَ هُوَ بِالْوُجُوبِ أَوْلَى ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْقَبْضِ حَاصِلَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ لِحِفْظِ الْعَيْنِ ، وَمَنْفَعَةُ حِفْظِهَا عَائِدٌ إلَيْهِ فَكَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ فَلِأَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ نَسْخُ فِعْلِهِ وَذَلِكَ بِرَدِّهَا وَإِعَادَتِهَا إلَى يَدِ مَالِكِهَا كَمَا كَانَتْ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَزَالَ يَدَهُ مُتَعَدِّيًا فَفِي رَدِّهَا بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِك ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَكَانَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً ، وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا وَالْمُرْتَهِنِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةُ وَفِي الرَّهْنِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ ا هـ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ ا هـ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَعَزَاهُ لِشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً إلَخْ ) سَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ فِي أَوَاخِرِ الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْحِ فَرَاجِعْهُ ا هـ وَكُتِبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ الْعَارِيَّةُ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا وَلَمْ يُوَقِّتْ وَلَا مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُلْبِسَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ وَالْعَارِيَّةَ الْمُقَيَّدَةُ فِيهِمَا بِأَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا يَوْمًا وَبَيَّنَ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ بِنَفْسِهِ فَفِي الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ وَيُلْبِسَ غَيْرَهُ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ وَفِي الْعَبْدِ وَالدَّارِ لَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً يَوْمًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ فِي الْيَوْمِ فَإِنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ مُقَيَّدَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِأَنْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا الْحِنْطَةَ مَتَى شَاءَ ا هـ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ

وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَإِنَّمَا أَعَدْتهَا لِفَائِدَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ فِي الْمِصْرِ وَقْتًا مَعْلُومًا فَمَضَى الْوَقْتُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا بِأَنْ يَمْضِيَ بِهَا إلَيْهِ وَعَلَى الَّذِي آجَرَ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْ مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَإِنْ انْتَفَعَ لَكِنَّهُ بِعِوَضٍ فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا حَتَّى لَوْ أَمْسَكَهَا أَيَّامًا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ طَلَبَهَا مِنْهُ أَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إلَى بَيْتِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِمْسَاكِ كَالْمُودِعِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى بَيْتِ الْمُودِعِ فَهَلَكَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّ قَبْضَهُ ) أَيْ قَبْضَ الْمُرْتَهِنِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ إلَى إصْطَبْلِ مَالِكِهَا أَوْ الْعَبْدَ إلَى دَارِ الْمَالِكِ بَرِئَ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُمَا إلَى صَاحِبِهِمَا ، وَإِنَّمَا ضَيَّعَهُمَا تَضْيِيعًا فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِصْطَبْلَ أَوْ الدَّارَ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَلَوْ رَدَّهُمَا عَلَى الْمَالِكِ كَأَنْ يَرُدَّهُمَا إلَى الْإِصْطَبْلِ أَوْ الدَّارِ فَكَانَ الرَّدُّ إلَيْهِمَا رَدًّا عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهَا لِلْحِفْظِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ غَيْرِهِ إذْ لَوْ رَضِيَ بِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِإِثْبَاتِ يَدِهِ فِي الْعَيْنِ وَبِإِزَالَةِ يَدِ صَاحِبِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ يَدِهِ وَإِثْبَاتِ يَدِ صَاحِبهَا فِيهَا ، وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَةً وَقِيلَ هَذَا فِي عَادَتِهِمْ وَفِي زَمَانِنَا لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى يَدِ صَاحِبِهِمَا وَعَنْ ابْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَرْبِطُ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الدَّابَّةَ تَكُونُ هُنَاكَ بِلَا حَافِظٍ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَره الْمُسَمَّى بِالْكَافِي ، وَإِذَا رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ فَلَمْ يَجِدْ خَادِمَهَا وَلَا صَاحِبَهَا فَرَبَطَهَا فِي دَارِ صَاحِبِهِ عَلَى مَعْلِفِهِ فَضَاعَتْ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ لَهَا فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أُضَمِّنَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ إلَى مَنْزِلِ صَاحِبِهَا الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فَرَبَطَهَا عَلَى آرِيِّهَا فَهَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَضْمَنُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُمَا ) أَيْ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُعْتَادِ بَيْنَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَسْتَعِيرُونَ الدَّابَّةَ فَيَرُدُّونَهَا إلَى إصْطَبْلِ الْمَالِكِ وَالْجِيرَانُ يَسْتَعِيرُونَ آلَةَ الْبُيُوتِ وَيَرُدُّونَهَا إلَى دَارِ صَاحِبِهَا وَيُسْلِمُونَهَا إلَى مَنْ فِيهِ دُونَ صَاحِبِ الدَّارِ فَلَوْ رَدَّ إلَى الْمَالِكِ أَيْضًا كَانَ الْمَالِكُ أَيْضًا يَحْفَظُهَا بِهَذَا الْمَكَانِ فَقَدْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْمُسْتَعِيرُ كُلْفَةً زَائِدَةً فَتَرَكَ الْقِيَاسَ بِالْعَادَةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ } ، وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَقْدَ جَوْهَرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا إلَى الْمُعِيرِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِحِفْظِهِ فِي الدَّارِ وَلَا دَفْعِهِ إلَى الْغُلَامِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ ) أَيْ حَيْثُ لَا يَبْرَأُ فِيهَا إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مَعَ عَبْدِ رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ بَرِئَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَالْإِيصَالِ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ يَحْفَظُ دَوَابَّهُ بِسَائِسِهِ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى صَاحِبِهَا عَادَةً وَهُوَ لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْمَالِكِ لَدَفَعَهَا هُوَ إلَى السَّائِسِ وَحِفْظُهُ بِسَائِسِهِ كَحِفْظِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ فَيَكْتَفِي بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ إلَى السَّائِسِ أَوْ مِنْ السَّائِسِ إلَى السَّائِسِ أَوْ مِنْ السَّائِسِ إلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى سَائِسِ الْمَالِكِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْدَعَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهِ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ لِمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ بِخِلَافِ غُلَامِ نَفْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَهَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ فِي يَدِ الْغِلْمَانِ عَادَةً ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِيهِمْ عَادَةً كَعُقَدِ لُؤْلُؤٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَرَدَّهَا الْمُسْتَعِيرُ إلَى يَدِ غُلَامِ صَاحِبِهَا أَوْ وَضَعَهَا فِي دَارِهِ أَوْ إصْطَبْلِهِ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ فِي مِثْلِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَهُ الْمُودِعُ إلَى غُلَامِهِ يَضْمَنُ ، ثُمَّ قِيلَ هَذَا إذَا رَدَّهَا إلَى يَدِ عَبْدِهِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَائِمًا يَدْفَعُ إلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ رِضَا الْمَالِكِ مَوْجُودًا دَلَالَةً ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ

لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَعَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَمَضَتْ مُدَّتُهَا ، ثُمَّ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا حَتَّى إذَا هَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ فَكَذَا إذَا تَرَكَهَا فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَأ ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْعَارِيَّةُ فَإِذَا كَانَ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْإِيدَاعَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ ، وَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الْإِيدَاعِ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَجِيرِهِ بَرِئَ ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ فِي حَقِّ الْعَيْنِ مُودِعٌ وَأَمِينٌ وَالْمُودِعُ يَمْلِكُ الدَّفْعَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ فَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَعَبْدُهُ فِي عِيَالِهِ ، وَكَذَا أَجْبُرُهُ إذَا كَانَ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً بِخِلَافِ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ فَكَانَ الرَّدُّ إلَى يَدِ هَؤُلَاءِ كَالرَّدِّ إلَى يَدِ الْمَالِكِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ غُلَامِ نَفْسِهِ ) قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ بِعَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ فَنَزَلَ عَنْهَا فِي السِّكَّةِ أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ فَخَلَّى عَنْهَا فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْبَيْتَ وَتَرَكَهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ لَمَّا غَيَّبَهَا عَنْ عَيْنِهِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَرْبِطْهَا بِشَيْءٍ أَمَّا إذَا رَبَطَهَا لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَنَزَلَ لِيُصَلِّيَ وَكَانَ يُمْسِكُهَا فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمْسَكَهَا لَمْ يَتْرُكْ حِفْظَهَا ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَبَعَثَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ وَكِيلِهِ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا الْحِنْطَةَ فَحَمَلَ الْوَكِيلُ طَعَامًا لِنَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ خُصُومَةِ الْمُتَفَاوِضِينَ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِيَكْرُبَ أَرْضَهُ وَعَيَّنَ الْأَرْضَ وَكَرَبَ أَرْضًا أُخْرَى فَعَطِبَ الثَّوْرُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ تَخْتَلِفُ فِي الْكِرَابِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً بِخِلَافِ مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَذْهَبَ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَذَهَبَ إلَى مَكَان آخَرَ بِتِلْكَ الْمَسَافَةِ كَانَ ضَامِنًا ، وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ الثَّوْرَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَكْرُبْ حَتَّى عَطِبَ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِمْسَاكِ

لِعَدَمِ الرِّضَا مِنْ الْمَالِكِ ، وَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَذْهَبْ ، ثُمَّ قَالَ الْمُسْتَعِيرُ إذَا وَضَعَ الْمُسْتَعَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنَامَ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ هَذَا حِفْظٌ عَادَةً لَكِنْ هَذَا إذَا نَامَ جَالِسًا ، أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا يَضْمَنُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ هَذَا ) أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ بِالرَّدِّ إلَى رَبِّ الدَّابَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ قَصْدًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ ، وَقَدْ مَرَّ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يُؤَوِّلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَيَقُولُ بِأَنَّ الْعَارِيَّةُ قَدْ انْتَهَتْ فَبَقِيَ مُودِعًا وَالْمُودِعُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَكْتُبُ الْمُعَارُ أَطْعَمْتنِي أَرْضَك ) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّك أَطْعَمْتنِي أَرْضَك وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَقَالَا يَكْتُبُ أَنَّك أَعَرْتنِي ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ هِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِهَذَا الْعَقْدِ وَالْكِتَابَةُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى كَمَا فِي إعَارَةِ الثَّوْبِ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ فِيهِ أَعَرْتنِي وَلَا يَكْتُبُ أَلْبَسْتنِي وَلَا أَسْكَنْتنِي وَلَهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ ؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّ الزِّرَاعَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ يُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاسْتِغْلَالُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّرَاعَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِعَارَةِ فَإِنَّهَا تَنْتَظِمُ الزِّرَاعَةَ وَالْبِنَاءَ وَالْمَرَاحَ وَنَصْبَ الْخِيَامِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا غَيْرُ مُتَنَوِّعَةٍ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ الْعَارِيَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ الْمَنْفَعَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ فِي كُلِّ فَصْلٍ مَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ حَتَّى يَكْتُبَ فِي اسْتِعَارَةِ الْأَرْضِ أَنَّك أَطْعَمْتنِي أَرْضَ كَذَا لِأَزْرَعَهَا مَا أَشَاءُ مِنْ غَلَّةِ الشِّتَاءِ أَوْ الصَّيْفِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ وَأَبْعَدُ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكْتُبُ الْمُعَارُ ) أَيْ الْمُعَارُ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْكِتَابَةُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى ) أَيْ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَحَقُّ بِأَنْ تُرَادَ وَبِقَوْلِهِمَا أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّرَاعَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَارِيَّةَ الْأَرْضِ قَدْ تَكُونُ لِلزِّرَاعَةِ ، وَقَدْ تَكُونُ لِغَيْرِهَا مِنْ السُّكْنَى وَالْبِنَاءِ وَلَفْظُ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ مَعْنَاهُ أَذِنْت لَك أَنْ تَزْرَعَ فِيهَا لِتَأْكُلَ مِنْ غَلَّاتِهَا فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ يَكْتُبُ بِهَا لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ وَيُعْلَمَ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الزِّرَاعَةِ خَاصَّةً دُونَ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى ، وَلَفْظَةُ الْإِطْعَامِ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا مَعْلُومٌ لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْلَمُ أَنَّ ذَاتَ الْأَرْضِ لَا تُؤْكَلُ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ لِتَبَيُّنِ الْمُرَادِ بِهَا ا هـ .

( كِتَابُ الْهِبَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلَا عِوَضٍ ) هَذَا فِي الِاصْطِلَاحِ وَفِي اللُّغَةِ هِيَ التَّبَرُّعُ وَالتَّفَضُّلُ بِمَا يَنْفَعُ الْمَوْهُوبَ لَهُ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْك وَلِيًّا } ، وَقَالَ تَعَالَى { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ } الْآيَةَ وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } وَالْبَشَرُ إذَا بَاشَرَهَا فَقَدْ اكْتَسَبَ مِنْ أَشْرَفِ الصِّفَاتِ لِمَا فِيهَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْكَرَمِ وَإِزَالَةِ شُحِّ النَّفْسِ وَإِدْخَالِ السُّرُورِ فِي قَلْبِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِيرَاثِ الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْنَهُمَا وَإِزَالَةِ الضَّغِينَةِ وَالْحَسَدِ ، وَلِهَذَا مَنْ بَاشَرَهَا كَانَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ عَاقِلًا بَالِغًا حُرًّا وَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُمَيِّزًا وَالْمَوْهُوبُ مَقْبُوضًا وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا .

كِتَابُ الْهِبَةِ ) قَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْعَارِيَّةُ وَهُوَ التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةُ كَالْمُفْرَدِ وَالْهِبَةُ كَالْمُرَكَّبِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ مَعَ الْمَنْفَعَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا تَفْسِيرُهَا لُغَةً فَهِيَ إعْطَاءُ الشَّيْءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ قَالَ تَعَالَى { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ } أَطْلَقَ اسْمَ الْهِبَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَانَا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَفِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الشَّرِيعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا شَرْطُ جَوَازِهَا فَالْقَبْضُ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عِنْدَنَا قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمَا وَكَوْنُهَا غَيْرَ مَشَاعٍ إذَا كَانَتْ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ شَرْطُ الْجَوَازِ أَيْضًا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِبَةُ الْمَشَاعِ جَائِزَةٌ ، وَكَذَا التَّصَرُّفُ بِالْمَشَاعِ وَكَوْنُ الْمَحَلِّ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْهِبَةُ مَالًا قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ شَرْطُ الْجَوَازِ أَيْضًا حَتَّى إذَا وُهِبَ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ الْخَمْرُ لَا يَصِحُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا رُكْنُهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ هُوَ مُجَرَّدُ إيجَابِ الْوَاهِبِ ، وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا إذَا حَلَفَ لَا يَهَبُ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا ) إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مَقْصُودُ الْوَاهِبِ مِنْ الْهِبَةِ كَصِلَةِ الرَّحِمِ لَكِنْ يُكْرَهُ الرُّجُوعُ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ بِإِيجَابٍ كَ ) قَوْلِهِ ( وَهَبْتُ وَنَحَلْتُ وَأَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ وَجَعَلْته لَك وَأَعْمَرْتُك هَذَا الشَّيْءَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ نَاوِيًا بِهِ الْهِبَةَ وَكَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَدَارِي لَك هِبَةً تَسْكُنُهَا لَا هِبَةَ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةٍ وَقَبُولٍ وَقَبْضٍ بِلَا إذْنٍ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِهِ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ وَمَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ لَا فِيمَا يُقْسَمُ ) أَيْ تَصِحُّ الْهِبَةُ بِإِيجَابٍ كَقَوْلِهِ وَهَبْت إلَخْ وَبِقَبُولٍ وَقَبْضٍ فِي الْمَجْلِسِ وَفِيمَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ يَمْلِكُهُ بِالْإِذْنِ صَرِيحًا لَا غَيْرُ ، كُلُّ ذَلِكَ فِي مَحُوزٍ وَمَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ أَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِأَنَّهُ عَقْدٌ فَيَنْعَقِدُ بِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ ، وَأَمَّا الْقَبْضُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّدَقَةُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً } وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْمِلْكِ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مَرَضِهِ كُنْتُ نَحَلْتُك جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي بِالْعَالِيَةِ وَإِنَّك لَمْ تَكُونِي قَبَضْتِيهِ وَلَا حُزْتِيهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَرَثَةِ وَلَوْ كَانَتْ تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَكَانَ لَهَا ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْمُتَبَرِّعِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ قَدْ مَاتَ وَالْوَرَثَةُ لَيْسُوا بِمُتَبَرِّعِينَ ، وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذَا الشَّيْءَ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ صَحَّ وَمَلَكَهُ لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَقَوْلُهُ وَقَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ بِلَا إذْنِهِ أَيْ بِلَا إذْنِ الْوَاهِبِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَبْضَ كَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بِهَا

قَبْلَهُ وَيُغْنِي عَنْ الْقَبُولِ كَمَا بَيَّنَّا وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى الْقَبْضِ دَلَالَةً إذْ مِلْكُهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِهِ فَيَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ كَالْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَلَا تَعْمَلُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا ، وَلِهَذَا صَحَّ الْإِذْنُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ بِقَوْلِهِ وَهَبْت ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْهِبَةِ وَبِقَوْلِهِ نَحَلْت ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَكُلَّ أَوْلَادِك نَحَلْت مِثْلَ هَذَا } وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا كُنْت نَحَلْتُك عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِقَوْلِهِ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا تُؤْكَلُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ الْهِبَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ ؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَغَلُّ مِنْهَا فَأَمْكَنَ ذَلِكَ بِالْعَارِيَّةِ وَبِقَوْلِهِ جَعَلْته لَك ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا الثَّوْبَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ كَانَ تَمْلِيكًا فَكَذَا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَبِقَوْلِهِ أَعَمَرْتُك لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مِنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ } وَلِأَنَّ مَعْنَى الْعُمْرَى هُوَ التَّمْلِيكُ لِلْحَالِ وَاشْتِرَاطُ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ لَهُ فَصَحَّ التَّمْلِيكُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَبِقَوْلِهِ حَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ نَاوِيًا بِهِ الْهِبَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِرْكَابَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ فَتَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ يُقَالُ حَمَلَ الْأَمِيرُ

فُلَانًا عَلَى الدَّابَّةِ يَعْنُونَ بِهِ التَّمْلِيكَ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } وَالْمُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَأَدَّى بِالْمَنَافِعِ ، وَكَذَا يُقَالُ كَسَا فُلَانٌ فُلَانًا إذَا مَلَّكَهُ لَا إذَا أَعَارَهُ وَبِقَوْلِهِ دَارِي لَك هِبَةً تَسْكُنُهَا ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلتَّمْلِيكِ ظَاهِرًا ، وَقَوْلُهُ تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْمَقْصُودِ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ هَذَا الطَّعَامُ لَك تَأْكُلُهُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لَك تَلْبَسُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ دَارِي لَك هِبَةَ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةٍ حَيْثُ تَكُونُ عَارِيَّةً عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَارِيَّةُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا هِبَةَ سُكْنَى أَيْ لَا تَكُونُ تَمْلِيكًا بِقَوْلِهِ دَارِي لَك هِبَةَ سُكْنَى وَقَوْلُهُ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ وَمَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ لَا فِيمَا يُقْسَمُ أَيْ تَجُوزُ الْهِبَةُ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ وَفِي مَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ وَلَا تَجُوزُ فِي مَشَاعٍ يُقْسَمُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَحُوزٍ عَنْ الْمُتَّصِلِ كَالثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرَةِ وَبِقَوْلِهِ مَقْسُومٍ عَلَى الْمَشَاعِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَجُوزُ هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَفِيمَا لَا يُقْسَمُ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ تَمْلِيكٍ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ فَأَشْبَهَتْ الْبَيْعَ وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا لَا يُنَافِي الْمِلْكَ فِي الشُّيُوعِ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ وَتَسْلِيمُهُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْكُلِّ إلَيْهِ كَالْمَشَاعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ شَرَطُوا الْقِسْمَةَ لِصِحَّةِ الْهِبَةِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ كَمَا فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لَمَّا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عَلَى الْكَمَالِ حَتَّى لَوْ اسْتَقْبَلَ

الْحَطِيمَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ بِالسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ ثَبَتَ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ وَالْكَامِلُ هُوَ الْمَوْجُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْقَبْضُ فِي الْمَشَاعِ مَوْجُودٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي حَيِّزِ الْقَابِضِ وَالْمَشَاعُ لَيْسَ فِي حَيِّزِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَيِّزِ شَرِيكِهِ مِنْ وَجْهٍ وَتَمَامُهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَنْصِبَاءَ بِهَا تَتَمَيَّزُ وَتَجْتَمِعُ وَمَا لَمْ يَجْتَمِعْ لَا يَصِيرُ مُحْرَزًا أَوْ يَكُونُ إحْرَازًا نَاقِصًا فَلَا يَنْهَضُ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ أَصْلِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ كَانَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لِاحْتِمَالِ هَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ كَيْ لَا يَلْزَمُهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْقِسْمَةِ فَيَصِيرُ عَقْدُ التَّبَرُّعِ مُوجِبًا لِضَمَانِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ وَلِمُطَالَبَتِهِ بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ التَّبَرُّعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ فِيهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَاكْتَفَى بِهِ وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبِرْنَا كَمَالَ الْقَبْضِ فِيهِ لَانْسَدَّ بَابُ الْهِبَةِ فِيهِ وَفِيمَا يُقْسَمُ لَا يَنْسَدُّ وَلَا يُقَالُ يَسْتَوْجِبُ الْمُهَيَّأَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَهُوَ إيجَابٌ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُهَايَأَةُ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ وَالتَّبَرُّعُ وَقَعَ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ إيجَابًا فِي غَيْرِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يُبَالِي ، وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ الْإِيجَابُ فِي عَيْنِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ وَالْقَبْضُ فِي الْوَصِيَّةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالسَّلَمُ وَالصَّرْفُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ

عَلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { يَدًا بِيَدٍ } الْمُرَادُ بِهِ التَّعْيِينُ غَيْرَ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الثَّمَنَيْنِ يَكُونُ بِالْقَبْضِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الصِّحَّةِ وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَلِأَنَّ هَذِهِ عُقُودُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُبَالِي بِوُجُوبِ ضَمَانِ الْقِسْمَةِ أَوْ الْمُطَالَبَةِ وَالْقَرْضُ تَبَرُّعُ ابْتِدَاءٍ حَتَّى لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ مُعَاوَضَةَ انْتِهَاءٍ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ فَلِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا مِنْ وَجْهٍ شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِ ، وَلِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ وَجْهٍ لَمْ نَشْتَرِطْ الْقِسْمَةَ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ أَوْ الشَّبَهَيْنِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْكَمَالُ وَلَوْ وَهَبَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ شَرِيكِهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْكَامِلَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِ وَالْحُكْمُ بِدُونِ عِلَّتِهِ لَا يُوجَدُ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ فَيَدُورُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْفَسَادُ عَلَى نَفْسِ الشُّيُوعِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَصِحُّ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ ) قَالَ الْكَاكِيُّ أَيْ تَصِحُّ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَفِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ يَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ فَصَارَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَكِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَنْعَقِدُ بِهِمَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَأَمَّا الْقَبْضُ فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يُمْلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَنَا هَذَا فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَّا إذَا حَلَفَ ، وَقَالَ لَا يَهَبُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَحْنَثُ بِلَا قَبُولٍ وَقَبْضٍ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِالْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ الْهِبَةَ اسْمٌ لِإِيجَابِ مِلْكٍ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْمَالِكِ إلَّا أَنَّ الْقَبُولَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَا شَرْطَ وُجُودِ الْهِبَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُقِرُّ لَهُ بِشَيْءٍ أَوْ لَا يُوصِي لَهُ بِشَيْءٍ فَأَقَرَّ أَوْ أَوْصَى هُوَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ يَحْنَثُ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا كَذَا فِي الْحَصْرِ وَالْمُخْتَلِفِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ا هـ ( قَوْلُهُ نَحَلْتُك جِدَادَ ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْجِيمِ مَعَ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْجِدَادُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ صِرَامُ النَّخْلِ وَهُوَ قَطْعُ ثَمَرَتِهَا يُقَالُ جَدَّ الثَّمَرَةَ يَجِدُّهَا جَدًّا وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنِّي كُنْت نَحَلْتُك جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي

مِلْكِ الْغَيْرِ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَاهِبِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بَاقٍ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى الْقَبْضِ ) أَيْ اقْتِضَاءً ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فَأَمَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ بَعْدَ الْهِبَةِ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَا تَقْبِضْ فَقَبَضَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ ، أَمَّا بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ فَبَعْدَ الْمَجْلِسِ أَوْلَى وَإِنْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ نَهْيَ الْوَاهِبِ الْمَوْهُوبَ لَهُ عَنْ الْقَبْضِ رُجُوعٌ عَنْ الْإِيجَابِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي بَابِ الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَالْبَائِعُ لَوْ نَهَى الْمُشْتَرِي عَنْ الْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا مِنْهُ عَنْ الْإِيجَابِ دَلَالَةً فَكَذَلِكَ هَذَا ، وَلَوْ رَجَعَ ثُمَّ قَبَضَ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فَكَذَلِكَ هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِذْنُ صَرِيحًا بَيَانُهُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِبَقَاءِ الْإِيجَابِ عَلَى الصِّحَّةِ مِنْ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَتَى فَاتَ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْقَى الْإِيجَابُ صَحِيحًا ، وَإِذَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَاءِ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَاهِبِ عَلَى الصِّحَّةِ وُجُودُ الْقَبْضِ لَا مَحَالَةَ كَانَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْإِيجَابِ إذْنًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبْضِ اقْتِضَاءً كَمَا فِي الْبَيْعِ جَعَلْنَا إقْدَامَ الْبَائِعِ عَلَى الْإِيجَابِ إذْنًا لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ مُقْتَضَى بَقَاءِ الْإِيجَابِ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا أَنَّ مَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً يَثْبُتُ ضَرُورَةً ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ

الضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِثُبُوتِ الْإِذْنِ فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَبْقَى صَحِيحًا مَتَى قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يُعْتَبَرُ ثَابِتًا فِيمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُثْبِتَ نَصًّا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ نَصًّا ثَابِتٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَثْبُتُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ وَالْجَوَابُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْهِبَةِ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ حَاضِرًا فَقَالَ لَهُ الْوَاهِبُ قَدْ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْهِبَةِ فَاقْبِضْهَا وَانْصَرَفَ الْوَاهِبُ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ إقْبَاضٌ مِنْهُ فَإِذَا قَبَضَ بِإِذْنِهِ تَمَّ الْعَقْدُ قَالَ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ نَزَلَ قَابِضًا وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَبْضَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَبْضَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ إذَا أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْهُ إلَيْهِ وَيُقْبِضْهُ لَا يُعَدُّ مُسَلِّمًا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَأَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقْبِضْ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ قَبْلَ إيصَالِ الْقَبْضِ بِهَا فَصَحَّ رُجُوعُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَ الْهِبَةَ بِحَضْرَةِ الْوَاهِبِ أَوْ بِغَيْرِ حَضَرَتْهُ جَازَ الْقَبْضُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِيخَانْ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ وَهَبْت عَبْدِي هَذَا مِنْك وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ نَالَهُ فَقَالَ قَبَضَتْهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَازَتْ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ وَيَصِيرُ قَابِضًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا مَا لَمْ

يَقْبِضْ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَقَالَ وَهَبْت مِنْك عَبْدِي فُلَانًا فَاذْهَبْ وَاقْبِضْهُ فَقَبَضَهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَبِلْت وَبِهِ نَأْخُذُ ا هـ كَلَامُ قَاضِيخَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّخْلِيَةِ لَا يَكُونُ قَبْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ قَبْضِ الْهِبَةِ مَا نَصُّهُ النَّوَادِرِ رَجُلٌ وُهِبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا وَهُوَ حَاضِرٌ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبَضَتْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ صَارَ قَابِضًا ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَبْضِهِ فَأُقِيمَ تَمَكُّنُهُ مَقَامَ قَبْضِهِ كَالتَّخْلِيَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا مَا لَمْ يَقْبِضْهُ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِضٍ حَقِيقَةً ا هـ وَعَلَى هَذَا فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَقَوْلُهُ الْحَقِيقِيُّ أَيْ وَهُوَ نَقْلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا فِي تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يَطْعَمُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ التَّمْلِيكُ لَا الْإِبَاحَةُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِطْعَامِ إطْعَامُ الطَّعَامِ وَالطَّعَامُ يُؤْكَلُ عَيْنُهُ فَكَانَ الْإِطْعَامُ فِي الْآيَةِ مُضَافًا إلَى مَا يَطْعَمُ عَيْنُهُ فَافْهَمْ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ ) أَيْ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ لَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ ) أَيْ وَأَلْفَاظُنَا تُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّرْعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ دَارِي لَك هِبَةً ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ مَشُورَةٌ ) هِيَ بِتَسْكِينِ الشَّيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِضَمِّ الشَّيْنِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بِمَعْنَى الشُّورَى وَهِيَ اسْتِخْرَاجُ رَأْيٍ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (

قَوْلُهُ قَالَ دَارِي لَك هِبَةً ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ ا هـ ( قَوْلُهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَحُوزٍ عَلَى الْمُتَّصِلِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَوْلُهُ مَحُوزَةٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ مَشْغُولَةً بِمَا لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْهِبَةُ كَالثَّمَرِ فِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ وَكَالظَّرْفِ فِيهِ مَتَاعٌ لِلْوَاهِبِ ، وَقَوْلُهُ مَقْسُومَةٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَشَاعِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَتِمُّ وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا تَامَّةٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا إنَّهَا فَاسِدَةٌ وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَاهُ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا فَاسِدَةٌ بَلْ غَيْرُ تَامَّةٍ كَذَا هَذَا ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ تَامَّةٌ كَذَا قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ ، وَقَالَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالتَّخْلِيَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هِبَةَ الشَّائِعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالتَّخْلِيَةِ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ نَصِيبًا مُسَمًّى فِي دَارٍ غَيْرِ مَقْسُومٍ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ جَمِيعَ الدَّارِ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَا إنْ وَهَبَ لَهُ نَصِيبًا فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ يُقْسَمُ وَكُلُّ شَيْءٍ يُقْسَمُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَنَعْنِي بِقَوْلِهِ إنَّهُ يُقْسَمُ أَنَّهُ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعَ الْبَيْتِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ مُنْتَفَعًا بِهِ ذَلِكَ النَّوْعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ مِثْلَ الْحَمَّامِ الصَّغِيرِ إذَا قُسِمَ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ هِبَتُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ اتِّفَاقًا وَقَالَ شَيْخُ

الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا إذَا وَهَبَ مَشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ وُهِبَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْ الشَّرِيكِ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ وُهِبَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ وُهِبَ مِنْ الشَّرِيكِ جَازَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا وُهِبَ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا إلَّا وَيَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَفُوتُ أَصْلًا بِالْقِسْمَةِ وَالتَّجَزِّي كَمَا فِي الْعَبْدِ مَتَى قُسِّمَ وَجُزِّئَ تَفُوتُ الْمَنْفَعَةُ أَصْلًا أَوْ تَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي الْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ إلَى هُنَا لَفْظُ خُوَاهَرْ زَادَهْ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَكَذَلِكَ قَرْضُ الْمَشَاعِ فِي الَّذِي يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ صَحِيحٌ وَالْقَرْضُ تَبَرُّعٌ وَالتَّبَرُّعُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْقَبْضِ بَيَانُهُ أَنَّهُ نَصَّ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا نِصْفُهُ قَرْضًا وَنِصْفُهُ مُضَارَبَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَارِهِ شَائِعًا يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ) أَيْ هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَظَاهِرُهُ كَمَا تَرَى يُشْعِرُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ، وَقَدْ قَدَّمْت لَك قَرِيبًا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ غَيْرُ تَامَّةٍ لَا فَاسِدَةٍ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا ) أَيْ بَلْ تَتِمُّ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ صَحَّ ) أَيْ وَلَوْ وَهَبَ مَشَاعًا ، ثُمَّ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ فِيهِ ، وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ رُسْتُمَ مِثْلُهُ وَذَكَرَ عِصَامٌ أَنَّهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ .( قَوْلُهُ لَوْ وَهَبَ مَشَاعًا ، ثُمَّ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ وَهَبَ شَخْصًا مَشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ وَأَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ فِيمَا يُقْسَمُ ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ صَحِيحَةٌ ، وَلِهَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ مَشَاعًا ، ثُمَّ قَسَّمَ مَا وَهَبَ وَأَفْرَزَهُ ، ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ جَازَ ، وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَ دَارًا فِيهَا طَعَامٌ لِلْوَاهِبِ أَوْ ثَمَرَةً مُعَلَّقَةً فِي نَخْلٍ أَوْ زَرْعًا فِي أَرْضٍ فَأَخْرَجَ الطَّعَامَ مِنْ الدَّارِ وَجَدَّ الثَّمَرَةَ مِنْ النَّخْلِ وَحَصَدَ الزَّرْعَ ، ثُمَّ سَلَّمَ ذَلِكَ مَحُوزًا مُفْرَزًا جَازَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى حَالِ الْقَبْضِ دُونَ حَالِ الْعَقْدِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ إنَّمَا فَسَدَتْ أَوْ لَمْ تَتِمَّ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ لِمَعْنَى الْإِشَاعَةِ فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَحَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا وَبَيَّنَ أَنَّهَا لَوْ حَازَتْهُ وَقَبَضَتْهُ جَازَ فَلَوْلَا أَنَّ الْعَقْدَ فِي الْمَشَاعِ وَقَعَ صَحِيحًا لَمْ تَمْلِكْهُ بِالْحِيَازَةِ وَالْقَبْضِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي بُرٍّ لَا وَإِنْ طَحَنَ وَسَلَّمَ ) أَيْ لَوْ وَهَبَ الدَّقِيقَ فِي الْحِنْطَةِ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ ، وَلَوْ طَحَنَهُ وَسَلَّمَ الدَّقِيقَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً ( وَكَذَا الدُّهْنُ فِي السِّمْسِمِ وَالسَّمْنُ فِي اللَّبَنِ ) لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَخْرَجَهُ الْغَاصِبُ مَلَكَهُ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ فَلَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ بِالْعَقْدِ فَوَقَعَ بَاطِلًا فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَهَذَا لِأَنَّ الْحِنْطَةَ اسْتَحَالَتْ وَصَارَتْ دَقِيقًا ، وَكَذَا غَيْرُهَا وَبَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ هُوَ عَيَّنَ أُخْرَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْغَصْبِ بِخِلَافِ الْمَشَاعِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ جَازَ ، وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَالزَّرْعُ وَالنَّخْلُ فِي الْأَرْضِ وَالتَّمْرُ فِي النَّخِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشَاعِ ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ وَامْتِنَاعُ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ وَذَلِكَ يَعُودُ إلَى امْتِنَاعِ الْقَبْضِ كَالشَّائِعِ فَإِذَا فَصَلَهَا وَسَلَّمَ جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَمَا فِي هِبَةِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ وَسَلَّمَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِ احْتِمَالًا فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ وَالدَّارُ الَّتِي فِيهَا الْمَتَاعُ وَالْجُوَالِقُ الَّذِي فِيهِ الدَّقِيقُ كَالْمَشَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَشْغُولٌ بِمَتَاعِ الْوَاهِبِ حَتَّى لَوْ نَزَعَ وَسَلَّمَ صَحَّ وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا يُعْتَدُّ بِالْإِذْنِ قَبْلَهُ كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِالتَّسْلِيمِ قَبْلَهُ ، وَلَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الدَّارِ وَسَلَّمَهَا مَعَهُ أَوْ الدَّقِيقَ فِي الْجُوَالِقِ وَسَلَّمَ الدَّقِيقَ مَعَ الْجُوَالِقِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَيْسَ بِمَشْغُولٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَاغِلٌ لِمِلْكِ الْوَاهِبِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ يَدًا لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ

أَنَّ يَدَ الْوَاهِبِ قَائِمَةٌ فِي الظَّرْفِ وَهُوَ آلَةٌ لِلْحِفْظِ فَيَكُونُ تَبَعًا فَثُبُوتُ الْيَدِ فِي التَّبَعِ لَا تُوجِبُ قِيَامَهُ فِي الْأَصْلِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ وَهَبَ الْجَارِيَةَ وَعَلَيْهَا حُلِيٌّ دُونَهُ صَحَّ وَبِالْعَكْسِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا نَزَعَهُ وَسَلَّمَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ هِيَ الْمُسْتَعْمَلَةُ لَهُ فَكَانَ تَبَعًا كَالْجُوَالِقِ .( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ ) فَإِنْ قِيلَ إنْ اسْتَقَامَ هَذَا فِي الصُّوفِ لَا يَسْتَقِيمُ فِي اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى خَطَرٍ قَدْ يَكُونُ لِلِانْتِفَاخِ بِسَبَبِ الرِّيحِ أَوْ بِسَبَبِ الدَّمِ أَوْ بِسَبَبِ اللَّبَنِ فَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ اللَّبَنِ وَفِي وُجُودِ الْمَالِيَّةِ وَمَعَ هَذَا جَازَتْ الْمَالِيَّةُ اسْتِحْسَانًا مَتَى أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الِانْتِفَاخَ لِلرِّيحِ مُحْتَمَلٌ وَلِلَّبَنِ مُحْتَمَلٌ فَاسْتَوَى الْوُجُودُ مَعَ الْعَدَمِ ، ثُمَّ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ التَّصَرُّفِ فِي الْحَالِ فِي وُسْعِهِمَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ اسْتَوَيَا فِي الْوَلَدِ وَلَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْوُجُودِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَإِذَا لَمْ يَتَرَجَّحْ الْوُجُودُ لَمْ تَثْبُتْ الْمَحَلِّيَّةُ وَلَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ بِالشَّكِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَلَكَ بِلَا قَبْضٍ جَدِيدٍ لَوْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَلَكَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهَا قَبْضًا ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ ثَابِتٌ فِيهَا وَهُوَ الشَّرْطُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَمَضْمُونَةً ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ مِثْلِهِ لَا عَنْ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونُ يَنُوبُ عَنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى تَجَانَسَ الْقَبْضَانِ نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِاتِّحَادِهِمَا جِنْسًا وَإِذَا اخْتَلَفَا نَابَ الْأَقْوَى عَنْ الْأَضْعَفِ دُونَ الْعَكْسِ ؛ لِأَنَّ فِي الْأَقْوَى مِثْلَ الْأَدْنَى وَزِيَادَةً وَلَيْسَ فِي الْأَدْنَى مَا فِي الْأَقْوَى فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَرْهُونِ وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لَا إشْكَالَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْهِبَةِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِنَفْسِهِ وَيَدُهُ ثَابِتَةٌ فِيهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْوَدِيعَةِ فَمُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ وَقَبَضَهُ لِأَجْلِ الْمَالِكِ ، فَكَيْفَ يَنُوبُ هَذَا الْقَبْضُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ ؟ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا كَمَا لَوْ وَهَبَهُ وَهُوَ فِي يَدِ الْوَاهِبِ لَكِنْ لِلْمُودَعِ يَدٌ حَقِيقَةً فَبِاعْتِبَارِهَا نَزَلَ قَابِضًا ؛ لِأَنَّا أَقَمْنَا يَدَهُ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ حُكْمًا مَا دَامَ عَامِلًا لَهُ وَبَعْدَ الْهِبَةِ لَيْسَ بِعَامِلٍ لَهُ فَتُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَلَكَ بِلَا قَبْضٍ جَدِيدٍ لَوْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ) أَقُولُ مَحَلُّهُ مَا إذَا وَجَدَ الْقَبُولَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَعَلَيْك بِمُرَاجَعَةِ الْحَاشِيَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنَّك تَظْفَرُ بِالْمَقْصُودِ وَتَغْنَمُ بِفَوَائِدَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَهِيَ هَذِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِذَا وَهَبَ لَهُ وَدِيعَةً فِي يَدِهِ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَقَبِلَ ذَلِكَ مَلَكَ الْهِبَةَ وَصَحَّ قَبْضُهُ بِهَذَا لِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِيَدِهِ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِمِثْلِهَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا مِثْلَ الرَّهْنِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ أَوْ الْمَبِيعِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ فَيَهَبُ الْمَالِكُ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَابِضًا بِكَوْنِ ذَلِكَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْضًا بَعْدَ عَقْدِ الْهِبَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةَ مَلَكَهَا بِعَقْدِ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ قَبْضٍ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ قَابِضًا حَتَّى يُخَلِّيَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَهَا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ يَدَ الْمُودِعِ يَدُ الْمُودَعِ فَكَأَنَّهُ وَهَبَ لَهُ مَا فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَبْضٍ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْهِبَةَ تَقِفُ صِحَّتُهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْقَبْضِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَبْضٍ بِصِفَةٍ وَمُجَرَّدُ الْقَبْضِ مَوْجُودٌ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَصَحَّتْ الْهِبَةُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا بَيْعَ الْوَدِيعَةِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي قَبْضًا مَضْمُونًا وَقَبْضُ الْمُودِعِ عَقِيبَ الْعَقْدِ قُبِلَ أَمَانَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ قَبْضٍ آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ

وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَضْمُونَةً فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِمِثْلِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَقْبُوضَةِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ قَبْضٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْهِبَةُ قَدْ وُجِدَ وَزِيَادَةٌ وَهُوَ الضَّمَانُ وَذَلِكَ الضَّمَانُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْغَاصِبَ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ جَازَ وَسَقَطَ فَصَارَتْ الْهِبَةُ بَرَاءَةً مِنْ الضَّمَانِ فَبَقِيَ قَبْضٌ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ الْمَضْمُونِ بِالثَّمَنِ وَكَالرَّهْنِ الْمَضْمُونِ بِالدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ عَقْدِ الْهِبَةِ وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ وَيَمْضِي وَقْتٌ يُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ قَبْضِهَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةً إلَّا أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لَهُ فَلَمْ تَكُنْ الْهِبَةُ بَرَاءَةً ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْهِبَةِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَجْدِيدِ قَبْضٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت رَجُلًا اسْتَوْدَعَ أَخَاهُ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ دَارًا أَوْ دَابَّةً ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ وَالدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ قَدْ وَهَبْتُ لَك الَّذِي اسْتَوْدَعْتُك وَهُوَ فِي يَدِ الْمُودَعِ أَيَجُوزُ ذَلِكَ ؟ قَالَ نَعَمْ إذَا قُبِلَتْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ قَدْ شَرَطَ الْقَبُولَ هُنَا وَذَكَرَ فِيمَا إذَا وَهَبَ عَبْدًا لِأَخِيهِ ، ثُمَّ قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَكَانَ أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ نَصًّا أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَمْ يَشْرَط الْقَبُولَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْعَبْدُ لَيْسَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَالَةَ

الْهِبَةِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُحْتَاجًا إلَى إحْدَاثِ قَبْضٍ حَتَّى يَمْلِكَ الْهِبَةَ فَمَتَى أَقْدَمَ عَلَى الْقَبْضِ كَانَ ذَلِكَ إقْدَامًا عَلَى الْقَبُولِ وَرِضًا مِنْهُ بِوُقُوعِ الْمِلْكِ لَهُ فَمَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ مِنْهُ نَصًّا بَعْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ يَقَعُ الْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَبْضِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَهُّمِ الضَّرَرِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَيْضًا فِي مَبْسُوطِهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ سَاكِنًا فِي دَارٍ بِأَجْرٍ أَوْ عَارِيَّةٍ قَالَ نَعَمْ هَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَدِيعَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ فَلَأَنْ يَنُوبَ قَبْضُ الْإِجَارَةِ وَفِي قَبْضِ الْإِجَارَةِ زِيَادَةُ ضَمَانٍ لَيْسَ فِي قَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِبَةُ الْأَبِ لِطِفْلِهِ تَتِمُّ بِالْعَقْدِ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مُودِعِهِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِ الْمَالِكِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ لِعَدَمِ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَابِضٌ لِنَفْسِهِ وَعَامِلٌ لِنَفْسِهِ ، وَلَوْ وَهَبَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ دَارًا وَالْأَبُ سَاكِنُهَا وَمَتَاعُهُ فِيهَا جَازَتْ الْهِبَةُ وَمَلَكَهَا الِابْنُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهِبَتُهَا لَهُ ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَسُكْنَاهُ وَمَتَاعُهُ فِيهَا لَا يُنَافِي يَدَهُ بَلْ يُقَرِّرُهَا فَتَكُونُ هِيَ فِي قَبْضِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ بِأَجْرٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَجْرٍ جَازَتْ الْهِبَةُ وَمَلَكَهَا الِابْنُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُنْتَقَى ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ فِي يَدِهَا وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِمَنْ فِي يَدِهِ ضَرْبُ وِلَايَةٍ حَتَّى كَانَ لَهُ تَأْدِيبُهُ وَتَسْلِيمُهُ فِي صِنَاعَةٍ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ النَّافِعَ فَيَنْفَرِدُ بِتَمْلِيكِهِ وَيَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْوَاهِبِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْهِبَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ يَتِمُّ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ ) ؛ لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَقَبْضُ الْهِبَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ هُوَ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْقَبْضِ إلَّا إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِ

وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأُمِّهِ وَأَجْنَبِيٍّ لَوْ فِي حِجْرِهِمَا ) أَيْ تَتِمُّ بِقَبْضِ أُمِّهِ وَبِقَبْضِ أَجْنَبِيٍّ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ النَّافِعِ لَهُ ، وَتَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَوْفَرِ الْمَنَافِعِ فَكَانَ لَهُمْ ذَلِكَ لِثُبُوتِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَكَانُوا أَحَقَّ بِحِفْظِهِ وَتَحْصِيلُ الْمَالِ لَهُ مِنْ ضَرُورَاتِ حِفْظِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَادَةً إلَّا بِقَوْتٍ وَمَلْبُوسٍ فَقَامُوا فِي هَذَا مَقَامَ الْوَلِيِّ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ لِكَوْنِهِ نَفْعًا مَحْضًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِقَبْضِهِ إنْ عَقَلَ ) أَيْ تَتِمُّ بِقَبْضِ الصَّبِيِّ نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا يَعْقِلُ التَّحْصِيلَ ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ أُلْحِقَ بِالْبَالِغِ الْعَاقِلِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِعَقْلِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ ، وَلِهَذَا يَجُوزُ قَبْضُ غَيْرِهِ لَهُ حَتَّى الْأَجْنَبِيُّ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِعَقْلِهِ وَجُعِلَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ لَمَا نَفَذَ عَلَيْهِ تَصَرُّفُ غَيْرِهِ وَلَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ عَقْلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِهِ نَظَرُهُ فِي عَوَاقِبِ أُمُورِهِ لِعَدَمِ اعْتِدَالِ عَقْلِهِ فَإِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ نَافِعًا مَحْضًا تَعَيَّنَ النَّظَرُ فِي نُفُوذِهِ فَيَنْفُذُ نَظَرًا لَهُ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فِي الضَّارِّ لِأَجْلِهِ وَالتَّوَقُّفُ فِي الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ لِأَجْلِهِ حَتَّى يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً فَكَذَا وَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ النَّافِعُ نَظَرًا لَهُ ، وَجَازَ تَصَرُّفُ الْوَلِيِّ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَظَرًا لَهُ أَيْضًا حَتَّى يَنْفَتِحَ لَهُ سَبَبُ تَحْصِيلِ النَّفْعِ بِطَرِيقَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ تَثْبُتَ

عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ لِغَيْرِهِ نَظَرًا لَهُ ثُمَّ يُرَدُّ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا النَّفْعِ الْمَحْضِ وَلَا مِنْ الْفِقْهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ بِالتَّمْيِيزِ وَالِاخْتِيَارِ .

( قَوْلُهُ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي رَجُلٌ رَهْنَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ وَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ لِتَمَامِ الْهِبَةِ ، وَقَدْ فُقِدَ حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا يَدَ الْأَبِ فِيمَا يَهَبُهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ يَدِ الِابْنِ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَهَا هُنَا الْيَدُ لِلْمُرْتَهِنِ لَا لِلرَّاهِنِ فَتَعَذَّرَ جَعْلُهَا لِلِابْنِ فَانْعَدَمَ قَبْضُهَا الَّذِي هُوَ مُتَمِّمٌ لِلْهِبَةِ فَقُلْنَا بِالْفَسَادِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ غَصْبًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَوْ مَقْبُوضًا لِرَجُلٍ بِحُكْمِ شِرَاءٍ فَاسِدٍ ؛ لِأَنَّهُ يَعْدَمُ الْيَدَ لِلْوَاهِبِ فَتَنْعَدِمُ يَدُ الصَّغِيرِ تَقْدِيرًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا تَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ أَمَّا هَلْ تَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهَبْته لَهُ قَبِلْته وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا كَقَوْلِنَا ، وَقَالَ مَالِكٌ لَوْ وَهَبَهُ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالْأَثْمَانِ لَمْ تَتِمَّ إلَّا أَنْ يَضَعَهَا عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَيُشْهَدْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ الْقَاضِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ ا هـ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهَبَ لِابْنِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي يَدِهِ جَازَ ذَلِكَ ، وَقَبْضُ الْأَبِ يَكْفِي بِلَا قَبُولِ الْأَبِ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ جُحُودِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ إدْرَاكِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْأَبِ إذْ كُلُّ عَقْدٍ يَتَوَلَّاهُ الْوَاحِدُ يَكْفِي فِيهِ الْإِيجَابُ كَبَيْعِ الْأَبِ مَالَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَرْسَلَ غُلَامَهُ فِي حَاجَةٍ ، ثُمَّ بَعْدَ الْإِرْسَالِ وَهَبَهُ مِنْ وَلَدِهِ صَحَّتْ إذْ

بَعْدَ الْإِرْسَالِ هُوَ فِي يَدِ مَوْلَاهُ حُكْمًا فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ الْعَبْدُ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَالْعَبْدُ لِلْوَلَدِ وَلَا يَصِيرُ مِيرَاثًا ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ عَبْدًا آبِقًا لَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَمَا دَامَ مُتَرَدِّدًا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ تَجُوزُ الْهِبَةُ وَالْأَبُ قَابِضٌ لَهُ بِنَفْسِ الْهِبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَلَكَهَا الِابْنُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهَبْتُهَا ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَجُوزُ قَبْضُ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ مَا وَهَبَ لَهَا بَعْدَ الزِّفَافِ ) لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حِفْظِهَا وَقَبَضَ الْهِبَةَ مِنْهُ ، وَلَوْ قَبَضَهُ لِأَبٍ أَيْضًا صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ الزَّوْجُ مِنْ جِهَتِهِ بِتَمْلِيكِهِ ، وَلِهَذَا مَلَكَهُ وَالْأَبُ حَاضِرٌ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَمْلِكَانِهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ غِيبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ كَانَ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ حُضُورِهِ وَتَمْلِكُهُ هِيَ أَيْضًا إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً لِمَا بَيَّنَّا وَاشْتَرَطَ الزِّفَافَ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعُولُهَا وَذَلِكَ بَعْدَ الزِّفَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فِي الصَّحِيحِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا لِوَاحِدٍ صَحَّ ) لِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا لَهُ جُمْلَةً وَهُوَ قَبَضَهَا مِنْهُمَا كَذَلِكَ فَلَا شُيُوعَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يَهَبَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا يَجُوزُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةُ الْجُمْلَةِ مِنْهُمَا إذْ التَّمْلِيكُ وَاحِدٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الشُّيُوعُ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْهِبَةِ حَتَّى امْتَنَعَ رَهْنُ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَيْضًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَلِأَنَّ الشُّيُوعَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يَفْسُدُ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ فَصَارَتْ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَهُ أَنَّهُ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا جَازَ ، وَلَوْلَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ لَمَا جَازَ فَيَنْصَرِفُ قَبْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى نَصِيبِهِ فَقَطْ وَهُوَ شَائِعٌ فَيَكُونُ الْقَبْضُ نَاقِصًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي هِبَةِ نَصِيبِهِ لِشَرِيكِهِ أَوْ مَعْدُومًا إذْ قَبْضُ الشَّائِعِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ النَّاقِصَ هُوَ الْمَانِعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا دُونَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ وَقَدْ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا فَلَا شُيُوعَ فِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا بَقِيَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَلَا كَذَلِكَ الْهِبَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا فِي النِّصْفِ فَكَانَ شَائِعًا ضَرُورَةً ، وَقَوْلُهُمَا لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ قُلْنَا نُقْصَانُ الْقَبْضِ أَيْضًا مَانِعٌ فَلَا تَكُونُ الْعِلَّةُ مُنْحَصِرَةً بِهِ فَلَا يَدُلُّ عَدَمُهَا عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَلَا تَرَى

أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ وَهَبَا لِرَجُلَيْنِ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَنَصِيبَ الْآخَرِ لِلْآخَرِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ عَلَى الْوَاهِبَيْنِ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ جَوَازُ إجَارَةِ الدَّارِ مِنْ رَجُلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهَا عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالرَّدِّ إلَى صَاحِبِهَا فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ بِحُكْمِ الْمُهَايَأَةِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا آجَرَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤْجِرَهَا مِنْ شَرِيكِهِ لِعَدَمِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ مِنْ شَرِيكِهِ لِمَا ذَكَرْنَا .( فَرْعٌ ) قَالَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ وَلَوْ اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثِيَابًا ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْبَابِ التَّعَارُفُ وَفِي التَّعَارُفِ يُرَادُ بِهَذَا الْبِرُّ وَالصِّلَةُ قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ جَوَازُ إجَارَةٍ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلَا يَلْزَمُهُ جَوَازُ إجَارَةٍ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةٍ وَهِبَتُهَا لِفَقِيرَيْنِ لَا لِغَنِيَّيْنِ ) أَيْ لَوْ تَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى فَقِيرَيْنِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا جَازَ وَلَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ وَلَا هِبَتُهَا لَهُمَا وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدِ مِنْهُمَا مَجَازًا عَنْ الْآخَرِ حَيْثُ جَعَلَ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرَيْنِ صَدَقَةً وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ هِبَةً ، وَالِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي الْحُكْمِ حَتَّى أَجَازَ الصَّدَقَةَ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ لَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاحِدٌ وَالْفَقِيرُ نَائِبٌ عَنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْهِبَةُ فَتَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ اثْنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ ، وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ صَحَّ وَإِنْ كَانُوا مَجْهُولِينَ ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعْلُومٌ ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِأَغْنِيَاءٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ لَا يَجُوزُ وَفِي الْأَصْلِ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَقَالَ عَقِيبَ ذِكْرِهِ الْهِبَةَ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ الْقَبْضَ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ فِي الْبَابَيْنِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْهِبَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَعَلَى هَذَا لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْهِبَةُ مِنْ شَخْصَيْنِ جَائِزَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَالصَّدَقَةُ أَوْلَى فَلَا يَتَأَتَّى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا نُعِيدُهُ ، وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ

لِرَجُلَيْنِ دَارًا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخِرِ الثُّلُثُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ قَبَضَهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا قَبَضَهُ فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ مَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا هِبَةٌ مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يَنُصَّ وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ النَّصُّ عَلَى الْبَعْضِ الشَّائِعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ فَلَا يَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَبْدًا عِنْدَ اثْنَيْنِ وَنَصَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فَكَذَا الْهِبَةُ ، وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهُ وَلِلْآخِرِ نِصْفُهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَقْتَضِي التَّنْصِيفَ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجَبِ فَيُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَلَا يَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَّ عَلَى التَّفَاوُتِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِيهِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْ مُوجِبِهِ فَيَقْتَضِي شُيُوعًا فِي الْعَقْدِ ضَرُورَةً وَقِيلَ إنَّمَا جَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا أَجْمَلَ الْهِبَةَ لَهُمَا أَوَّلًا ، ثُمَّ فَصَّلَ عَلَى التَّنْصِيفِ بِأَنْ قَالَ وَهَبْت لَكُمَا هَذِهِ الدَّارَ نِصْفُهَا لِهَذَا وَنِصْفُهَا لِهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ لَمْ يُخَالِفْ مُوجَبَ الْإِجْمَالِ فَيَكُونُ لَغْوًا ، وَأَمَّا إذَا فَصَّلَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ إجْمَالٍ بِأَنْ قَالَ وَهَبْت نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ لِهَذَا وَالنِّصْفَ الْآخَرِ لِهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ وَفِيمَا إذَا جَعَلَ نَصِيبَهُمَا مُتَفَاوِتًا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ تَفْصِيلَهُ يَكُونُ مُغَيِّرًا إنْ تَقَدَّمَ الْإِجْمَالُ فَيُعْتَبَرُ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِلْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إجْمَالٌ يَكُونُ

هِبَةُ الْمَشَاعِ ابْتِدَاءً فَيَبْطُلُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْأَرْجَحُ وَالْأَظْهَرُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ ) أَيْ فِي الْهِبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا جَعَلَ نَصِيبَهُمَا مُتَفَاوِتًا ) أَيْ كَالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ

( بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( صَحَّ الرُّجُوعُ فِيهَا ) يَعْنِي إذَا وَهَبَ لِشَخْصٍ هِبَةً وَقَبَضَهَا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ مِنْ زِيَادَةٍ وَمَوْتِ أَحَدهمَا وَعِوَضٍ وَخُرُوجٍ عَنْ الْمِلْكِ وَزَوْجِيَّةٍ وَقَرَابَةٍ مُحَرِّمَةٍ لِلنِّكَاحِ وَهَلَاكِ الْمَوْهُوبِ جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا إلَّا فِي الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ } وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ يُضَادُّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ لَا يَقْتَضِي ضِدَّهُ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ جَوَازُ الرُّجُوعِ فِي الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَتِمُّ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَسْبُهُ أَوْ بَعْضَهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا } أَيْ لَمْ يُعَوَّضْ وَالْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِبَةً حَقِيقَةً قَبْلَهُ وَإِضَافَتُهَا إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ كَمَا يُقَالُ أَكَلْنَا خُبْزَ فُلَانٍ وَإِنْ كَانَ الْآكِلُ قَدْ اشْتَرَاهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْهِبَةِ الْعِوَضُ ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَيَادِيُّ قُرُوضٌ ، وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ أَيْضًا بِالشَّرْعِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَهَادَوْا تَحَابُّوا } وَالتَّفَاعُلُ يَقْتَضِي الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ صِفَةُ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ عَدَمُ الِانْفِرَادِ بِالرُّجُوعِ إلَّا الْوَالِدَ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رِضًا وَلَا قَضَاءٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ

مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ يُنَافِي الرُّجُوعَ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ قُبْحِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُؤْمِنُ لَا يَكْذِبُ } ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الزَّانِي لَا يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أَيْ لَا يَلِيقُ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ أَوْ يَزْنِيَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي صِفَةَ الْإِيمَانِ إنْ فَعَلَهُ بَلْ هُوَ قَبِيحٌ وَمَعَ الْإِيمَانِ أَقْبَحُ فَكَذَا هَذَا قَبِيحٌ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ } ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ، ثُمَّ يَعُودُ } وَفِعْلُ الْكَلْبِ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالْقُبْحِ .( بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ) قَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ وُقُوعُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِلْكًا غَيْرَ لَازِمٍ وَفَائِدَتُهُ صِحَّةُ الرُّجُوعِ وَهَذَا بَابُ مَوَاضِعِ الرُّجُوعِ وَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ مِنْ زِيَادَةٍ ) أَيْ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ لَا مُنْفَصِلَةٍ ا هـ قَوْلُهُ جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ ) وَقَدْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ إذَا وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِفَقِيرٍ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا } ) فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنَعَ الرُّجُوعَ دَمْعٌ خَزَقَهُ ) يَعْنِي الْمَوَانِعَ لِلرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ أَشْيَاءُ يَجْمَعُهَا هَذِهِ الْحُرُوفُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهَا أَخَذَهَا هُوَ مِنْ بَيْتِ شِعْرٍ قِيلَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَانِعٌ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَهْ يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعٍ خَزَقَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَالسِّمَنِ ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمَوْهُوبِ وَالزِّيَادَةُ لَيْسَتْ بِمَوْهُوبَةٍ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا وَالْفَصْلُ مُتَعَذِّرٌ لِيَرْجِعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا وَبَطَلَ حَقُّ الْوَاهِبِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ التَّمَلُّكِ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ ، وَحَقُّ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فِيهِمَا فَكَانَ مُرَاعَاتُهُ أَوْلَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَصْلِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فَبَطَلَ أَصْلًا أَطْلَقَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ لَا يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ زِيَادَةً فِيهَا كُلِّهَا امْتَنَعَ فِي تِلْكَ الْقِطْعَةِ دُونَ غَيْرِهَا ، وَقَوْلُهُ الْمُتَّصِلَةُ يَحْتَرِزُ مِنْ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِإِمْكَانِ الْفَصْلِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بِزِيَادَةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَوْ رَدَّ الْأَصْلَ دُونَ الزِّيَادَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا لِسَلَامَةِ الْوَلَدِ لَهُ مَجَّانًا وَرَدُّ الْوَلَدِ مَعَهَا لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ فَبَطَلَ أَصْلًا وَرَجَعَ بِالنُّقْصَانِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَا يَرْجِعُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْهُوبَةِ إذَا وَلَدَتْ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا فَلَوْ حَبِلَتْ وَلَمْ تَلِدْ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ وَالْمُرَادُ

بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي نَفْسِ الْمَوْهُوبِ بِشَيْءٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَكَالْجَمَّالِ وَالْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ زَادَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَتَضَمَّنُ الرُّجُوعُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ الْمَانِعُ ، وَكَذَا إذَا زَادَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِيمَةِ كَمَا إذَا طَالَ الْغُلَامُ الْمَوْهُوبُ ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ، وَلَوْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان حَتَّى ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَاحْتَاجَ فِيهِ إلَى مُؤْنَةِ النَّقْلِ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَنْقَطِعُ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ كَزِيَادَةِ السِّعْرِ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّجُوعَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْكِرَاءِ وَمُؤْنَةِ النَّقْلِ فَبَطَلَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ وَالْمُؤْنَةُ بِلَا بَدَلٍ ، وَلَوْ وَهَبَ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ فَعَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَرْجِعُ ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَفَدَاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ الْفِدَاءُ ، وَلَوْ عَلَّمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الصَّنْعَةَ لَمْ يَمْتَنِعْ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ فِي الْعَيْنِ فَأَشْبَهَتْ الزِّيَادَةَ فِي السِّعْرِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُرْوَى الْخِلَافَ بِالْعَكْسِ ، وَلَوْ وَهَبَ وَصَيْفًا صَغِيرًا فَشَبَّ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَشَاخَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْهِبَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ شَبَّ وَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ سَقَطَ الرُّجُوعُ فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ

بِالنُّقْصَانِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْعُ الرُّجُوعِ دَمْعٌ خَزَقَهُ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ الْمَوَانِعُ مِنْ الرُّجُوعِ تِسْعَةٌ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ ، وَالزَّوْجِيَّةُ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ ، وَمَوْتُ الْوَاهِبِ ، وَمَوْتُ الْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَهَلَاكُ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ ، وَخُرُوجُهُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَحُصُولُ الْعِوَضِ ، وَالتَّغَيُّرُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَالتَّغَيُّرُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا التَّغَيُّرُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ فَمَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّغْيِيرُ يَمْنَعُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ إذَا وُجِدَ مِنْ الْغَاصِبِ فَلَأَنْ يَقْطَعَ حَقَّ التَّمَلُّكِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْخِيَاطَةُ وَالصَّبْغُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ) وَإِنْ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الثَّوْبِ وَالنُّقْصَانُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ، وَقَالَ أَيْضًا فِي الْكَافِي رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَرْضًا فَبَنَى الْمَوْهُوبُ لَهُ فِيهَا بِنَاءً ، ثُمَّ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فَخَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي لَيْسَ لَك أَنْ تَرْجِعَ فِيهَا ، ثُمَّ هَدَمَهَا الْمَوْهُ وبُ لَهُ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي لَمْ يَقَعْ قَضَاءً حَتَّى لَا يُنْقَضَ وَإِنَّمَا وَقَعَ فَتْوَى بِنَاءً عَلَى مَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَيُرْوَى الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَطَاتِ رَجُلٌ وَهَبَ لِإِنْسَانِ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الْمَشْطَ لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ ؛ لِأَنَّهَا ازْدَادَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ ) أَيْ فِي زِيَادَةٍ غَيْرِ حَاصِلَةٍ بِصُنْعِ الْعَبْدِ كَالسَّمْنِ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي

الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اتِّفَاقًا ا هـ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ ) وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقَّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ ا هـ كَاكِيٌّ وَلَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَنَيْت أَوْ صَبَغْت الثَّوْبَ وَأَنْكَرَ الْوَاهِبُ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اتِّفَاقًا ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى وَرَثَتِهِ وَهُمْ لَا يَسْتَفِيدُوهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ كَمَا إذَا انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ أُخْرَى فَلَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا سَبِيلٌ وَبِمَوْتِ الْوَاهِبِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ وَهُوَ لَا يُورَثُ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ أَوْ هُوَ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَهُوَ أَيْضًا لَا يُورَثُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ التَّعْيِينِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَهُ لِلْوَاهِبِ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِوَاهِبٍ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ فَإِنْ قَالَ خُذْهُ عِوَضَ هِبَتِك أَوْ بَدَلَهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِخَلَلٍ فِي مَقْصُودِهِ وَقَدْ زَالَ الْخَلَلُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ ، ثُمَّ زَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنَّ الْمَدْفُوعَ عِوَضٌ عَنْ الْهِبَةِ بِأَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا بَدَلًا عَنْهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا أَوْ جَزَاءَهَا أَوْ ثَوَابَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُنْبِئُ أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ ثَابِتٌ لَهُ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِعِوَضٍ يَرْضَى بِهِ هُوَ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَاهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ وَمِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ الْمَوْهُوبِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَشَرْطُ الْعِوَضِ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ حَتَّى لَوْ عَوَّضَهُ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ عَنْ الْبَعْضِ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي الْكُلِّ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْبَاقِي وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مِلْكٌ بِالْقَبْضِ فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ ، وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا ، وَلَوْ وَهَبَ لِلْوَاهِبِ شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهَا كَانَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ) أَيْ يَجُوزُ الْعِوَضُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِهَذَا الْعِوَضِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا لَهُ مِنْ قَبْلُ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ كَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ دُخُولُ مِلْكٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الصُّلْحِ ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ هُنَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ ؛

لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ شَيْئًا وَاجِبًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَدِينِ إذَا قَضَى بِأَمْرِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُسْقِطَ مُطَالَبَتَهُ عَنْهُ فَيَكُونَ آمِرًا بِأَنْ يُمَلِّكَهُ مَا كَانَ لِلطَّالِبِ وَهُوَ الدَّيْنُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَيْنًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ إلَّا لِيُسْلِمْ لَهُ الْمَوْهُوبَ كُلَّهُ فَإِذَا فَاتَ بَعْضُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِعَكْسِهِ لَا حَتَّى يَرُدَّ مَا بَقِيَ ) أَيْ إذَا اُسْتُحِقَّ بِعَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الْعِوَضِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ فَكَمَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِنِصْفِ الْعِوَضِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْهِبَةِ فَكَذَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ أَيْضًا بِنِصْفِ الْهِبَةِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْعِوَضِ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ إذْ هُوَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلَنَا أَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْهُ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهُ أَقَلَّ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَمَا جَازَ لِلرِّبَا ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مَالِكٌ لِلْهِبَةِ وَالْإِنْسَانُ لَا يُعْطِي بَدَلَ مِلْكِهِ لِغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ لِيُسْقِط حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ وَمَا بَقِيَ يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ الرُّجُوعِ ، وَلِهَذَا لَوْ عَوَّضَهُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ بِهِ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ إلَّا بِسَلَامَةِ كُلِّ الْعِوَضِ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كُلُّهُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ

فِي الْهِبَةِ كَأَنَّهُ أَعْطَاهُ هَذَا الْقَدْرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِأَنَّ لِلْعِوَضِ شَبَهَيْنِ يُشْبِهُ ابْتِدَاءَ الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ بِاخْتِيَارِهِ وَيُشْبِهُ الْمُبَادَلَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَلَكَهُ بِمُقَابَلَةِ الْهِبَةِ فَوَفَّرْنَا عَلَيْهِ حَظَّهُ مِنْهُمَا فَجَعَلْنَاهُ كَالْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ كُلِّهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالْهِبَةِ أَوْ بَعْضِهِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ الْخِيَارُ وَجَعَلْنَاهُ كَالْهِبَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِالْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ رَدِّ الْبَاقِي عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ عَوَّضَ النِّصْفَ رَجَعَ بِمَا لَمْ يُعَوَّضْ ) يَعْنِي إذَا عَوَّضَهُ عَنْ نِصْفِ الْمَوْهُوبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ كَانَ فِي الْكُلِّ فَإِذَا عَوَّضَهُ عَنْ بَعْضِهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ .

( قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ إلَخْ ) سَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ أَيْضًا فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مِنْ الشَّرْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا لِلْوَاهِبِ ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ بِهِبَتِهِ مَا قَصَدَ تَحْصِيلَ دِرْهَمٍ مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَالِمًا لَهُ فَعُلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ الْعِوَضُ الْآخَرُ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ هُنَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ) أَيْ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَرِيحًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا إذَا قَالَ عِوَضٌ عَنِّي عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَخْ ) لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَوِّضَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْهِبَةَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالتَّبَرُّعِ عَلَى إنْسَانٍ فَتَبَرَّعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا خَلَّصَهُ عَنْ هَذِهِ الْعُهْدَةِ بِأَمْرِهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَقْرِضًا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَمُوَكِّلًا إيَّاهُ بِالصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ كَذَلِكَ لَمْ يُتَصَوَّرْ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ مِمَّا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَفْرُغُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَلَا يَقَعُ الْفِعْلُ قَضَاءً إلَّا إذَا انْتَقَلَ فِي الْمُؤَدِّي إلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوَّلًا حَتَّى إذَا قَبَضَ رَبُّ الدَّيْنِ وَجَبَ لِلْمَدْيُونِ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا لَهُ عَلَيْهِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى فَرَاغِ ذِمَّتِهِ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِقْرَاضِ

فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ا هـ ( فَرْعٌ ) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ عَلَى الْعِوَضِ ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى النِّصْفِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْعِوَضِ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ ثَبَتَتْ بِلَا عِوَضٍ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ عَوَّضَهُ أَصْلًا وَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ الْعِوَضِ لِعَدَمِ سَلَامَةِ مَقْصُودِهِ مِنْ الْعِوَضِ وَهُوَ تَأَكُّدُ مِلْكِهِ فِي الْهِبَةِ هَذَا إذَا كَانَ بَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ قَائِمًا فَأَمَّا إذَا كَانَ هَالِكًا يَفْتَرِقُ الْجَوَابُ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ وَالْهِبَةِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ وَالْهِبَةُ هَالِكَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْهِبَةِ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْهِبَةَ وَالْعِوَضُ هَالِكٌ يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ بِقِيمَةِ الْعِوَضِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ وَبِمِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمُ لَهُ مَقْصُودُهُ مِنْ الْعِوَضِ وَهُوَ تَأَكُّدُ مِلْكِهِ فِي الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ حِينَ عَوَّضَهُ هَذَا عِوَضُ هِبَتِك أَوْ بَدَلُ هِبَتِك فَصَارَ كَالْوَاهِبِ إذَا نَصَّ عَلَى الْعِوَضِ حَالَةَ الْهِبَةِ إلَى هَذَا أَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَفِي تَقْرِيرِهِ بَسْطٌ فَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِنِصْفِ الْعِوَضِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَقْصُودَهُ مِنْ الْعِوَضِ فِي هَذَا الْقَدْرِ وَهَذَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ مِنْ يَدِ الْوَاهِبِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ الْوَاهِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الْهِبَةِ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ مَا بَقِيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ زُفَرُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِنِصْفِ الْهِبَةِ وَيَمْسِكُ

مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي الْأَسْرَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهَا تَتِمُّ بَيْعًا وَمُبَادَلَةً فَيُوَزِّعُ الْبَدَلَ عَلَى الْمُبَدِّلِ ، أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالسُّقُوطُ حُكْمٌ وَالْعِوَضُ عِلَّةٌ وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ بِالْعِلَّةِ وَلَا يَتَوَزَّعُ عَلَى الْعِلَلِ وَإِنْ كَثُرَتْ فَلَا يَبْطُلُ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ بِذَهَابِ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً إذَا بَقِيَ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَبِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَوِّضَ مَا مَلَّكَهُ الْعِوَضَ إلَّا جَزَاءً فَيُعْتَبَرُ حُكْمُ الْمُقَابَلَةِ فِي حَقِّهِ أَمَّا الْوَاهِبُ فَمَلَكَ الْهِبَةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ وَهَذَا جَوَابُ قِيَاسِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ الْمَوْهُوبُ لَهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْخَاءُ خُرُوجُ الْهِبَةِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ) لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ عَنْ مِلْكِهِ وَتَمْلِيكَهُ لِغَيْرِهِ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْوَاهِبِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَلِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ أُخْرَى فَلَا يَرْجِعُ فِيهَا ، وَلَوْ وَهَبَ لِمُكَاتَبِ غَيْرِهِ هِبَةً ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَرْجِعْ الْوَاهِبُ فِيهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةٌ لِلْمُكَاتَبِ حَقِيقَةً ، وَلِهَذَا كَانَ الْقَبُولُ إلَيْهِ وَثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ فِيهَا فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَبِالْعَجْزِ انْتَقَلَتْ إلَى مَوْلَاهُ فَصَارَ كَانْتِقَالِهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ فَبَطَلَ حَقُّ الرُّجُوعِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَقَعَتْ لِلْمُكَاتِبِ مِنْ وَجْهٍ وَلِمَوْلَاهُ مِنْ وَجْهٍ فَبِالْعِتْقِ تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبِالْعَكْسِ تَصِيرُ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، ثُمَّ إذَا عَتَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا فَكَذَا إذَا عَجَزَ وَكَانَ اعْتِبَارُ هَذَا الْجَانِبِ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَانِبِ الْآخَرِ كَيْ لَا يَلْزَمَ بِالشَّكِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِبَيْعِ نِصْفِهَا رَجَعَ فِي النِّصْفِ كَعَدَمِ بَيْعِ شَيْءٍ ) يَعْنِي إذَا بِيعَ نِصْفُ الْهِبَةِ يَرْجِعُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي كَأَنْ لَمْ يُبَعْ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُبَعْ مِنْهَا شَيْءٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ وَيَتْرُكَ النِّصْفَ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى نِصْفَهُ ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْكُلَّ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ النِّصْفَ فَكَذَا إذَا بِيعَ نِصْفُهَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهَا الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي النِّصْفِ فَيَتَقَدَّرُ الِامْتِنَاعُ بِقَدْرِهِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مَا جَازَ الرُّجُوعُ فِي النِّصْفِ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ عِنْدَ الْعَجْزِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ فَلَوْ وَهَبَ ، ثُمَّ نَكَحَ رَجَعَ وَبِالْعَكْسِ لَا ) أَيْ لَوْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَبِالْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ ، ثُمَّ أَبَانَهَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ نَظِيرُ الْقَرَابَةِ حَتَّى يَجْرِيَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا بِلَا حَاجِبٍ وَتَرُدُّ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ فِي هِبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ الصِّلَةَ وَالتَّوَادَّ دُونَ الْعِوَضِ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَقَدْ حَصَلَ فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الْعِوَضُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عِنْدَ فَوَاتِهِ ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالَةُ الْهِبَةِ فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً كَانَ مَقْصُودُهُ الْعِوَضَ فَثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّزَوُّجِ وَإِنْ كَانَتْ حَلِيلَةً لَهُ كَانَ مَقْصُودُهُ الصِّلَةَ دُونَ الْعِوَضِ وَقَدْ حَصَلَ فَسَقَطَ الرُّجُوعُ فَلَا يَعُودُ بِالْإِبَانَةِ .قَوْلُهُ لَوْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ لَا رُجُوعَ فِيمَا وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي كِتَابِ الْآثَارِ قَالَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَةِ أَيُّهُمَا وَهَبَ لِصَاحِبِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ فَلَوْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا } وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا صِلَةُ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ وَفِي الرُّجُوعِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ فَلَا يَرْجِعُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا كَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ ، وَلَوْ وَهَبَ لِعَبْدٍ أَخِيهِ أَوْ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ رَجَعَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا يَرْجِعُ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَوْلَى وَلَهُ أَنَّ الْهِبَةَ تَقَعُ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَلِلْعَبْدِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ فَبِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَلْزَمُ فِيهِمَا وَبِاعْتِبَارِ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يَلْزَمُ فِيهِمَا فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ الصِّلَةَ قَاصِرَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى ، وَالصِّلَةُ الْكَامِلَةُ هِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ الرُّجُوعِ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى الْقَاصِرَةِ ، وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ قِيَاسَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَرْجِعَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِلَةٌ كَامِلَةٌ ، وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِأَيِّهِمَا وَقَعَتْ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ ، وَلَوْ وَهَبَ لِلْمُكَاتَبِ وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنْ عَتَقَ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ اسْتَقَرَّ لَهُ فَيَكُونُ صِلَةً فِي حَقِّهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ وَحُكْمِهِ وَإِنْ عَجَزَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ الْعَجْزِ لِمَا بَيَّنَّا

فِي الْمُكَاتَبِ الْأَجْنَبِيِّ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ يَظْهَرُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَقَعَتْ لِلْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ الْهِبَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ أَجْنَبِيًّا وَمَوْلَاهُ قَرِيبُ الْوَاهِبِ فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ عَجَزَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ عَلَى مَا مَرَّ .( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ إلَخْ ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْعِتْقِ بِالْمُلْكِ ) يَعْنِي مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ حَيْثُ لَا تَثْبُتُ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إذَا كَانَ كَافِرًا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْهَاءُ الْهَلَاكُ ) يَعْنِي هَلَاكَ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ لِتَعَذُّرِهِ بَعْدَ الْهَلَاكِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَاكَ الْهِبَةِ يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمُودِعَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنَّمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ) لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِالرِّضَا أَوْ بِالْقَضَاءِ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَصْلِهِ وَهًى وَفِي عَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ وَوُجُودِهِ خَفَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ الْعِوَضَ الدُّنْيَوِيَّ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ إظْهَارَ الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا فَمَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي أَوْ يَفْسَخَاهَا بِالتَّرَاضِي مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مِنْ عِتْقٍ وَبَيْعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْحَاكِمِ وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْمَنْعِ ؛ لِأَنَّهُ أَوَانَ الْقَبْضِ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَلَا يَنْقَلِبُ مَضْمُونًا بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ وَإِنْ مَنَعَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ ، ثُمَّ إذَا حَصَلَ الرُّجُوعُ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ الرُّجُوعُ بِالتَّرَاضِي عَقْدٌ جَدِيدٌ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عَادَ إلَيْهِ بِتَرَاضِيهِمَا فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ، وَلِهَذَا لَوْ رَدَّهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِرِضَاهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَنَا أَنَّ عَقْدَ

الْهِبَةِ انْعَقَدَ مُوجِبًا حَقَّ الْفَسْخِ لِلْوَاهِبِ وَهُوَ بِالْفَسْخِ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا ثَابِتًا لَهُ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ لَازِمٍ فَإِذَا رُفِعَ رَجَعَ إلَيْهِ عَيْنُ مِلْكِهِ كَالْعَارِيَّةِ فَيَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْوَاهِبِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعُ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ ، وَلِهَذَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ سَلِيمًا فَاتَ رِضَاهُ فَيَرْجِعُ بِالْعِوَضِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ فَسْخُ الْعَقْدِ ضَرُورَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الْفَسْخِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْفَسْخِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَيَكُونُ مِلْكًا مُبْتَدَأً ضَرُورَةً غَيْرَ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرَّدِّ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِ حَقِّهِ جَعَلْنَاهُ فَسْخًا لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُتَعَاقِدَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا وِلَايَةَ لَهُمَا إلَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رَدُّهُ فِي الْمَرَضِ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُبْطِلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ أَبْطَلَهُ رَدَّ عَلَيْهِ كَيْفَمَا كَانَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَرُدَّ ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ تَلِفَتْ الْمَوْهُوبَةُ وَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِمَا ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَهُوَ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَامَةَ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَرَرُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ عَامِلٌ لَهُ وَبِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْتَزِمًا لِوَصْفِ السَّلَامَةِ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ .

S( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ ) لَفْظَةُ الرُّجُوعِ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ) حَتَّى لَوْ اسْتَرَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا كَانَ غَاصِبًا فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ فِي فَسْخِ عَقْدٍ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ ) أَيْ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ) أَيْ عِنْدَنَا يَرْجِعُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرْجِعُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي أَصْلِهِ وَهًى ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي أَصْلِهِ وَهًى مَا نَصُّهُ وَهَاءٌ هَكَذَا وَقَعَ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الْوَهَى وَالضَّمِيرُ فِي أَصْلِهِ لِلرُّجُوعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ ) أَيْ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِأَنْ وَهَبَ دَارًا أَوْ نَحْوَهَا وَرَجَعَ فِي نِصْفِهَا وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً كَمَا قَالَ زُفَرُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ وَحَيْثُ صَحَّ عُلِمَ أَنَّهُ فَسْخٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِمَا ضَمِنَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا إذَا لَمْ يُعَوِّضْهُ فَإِذَا كَانَ ثَمَّةَ عِوَضٍ رَجَعَ بِكُلِّ الْعِوَضِ إذَا اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْهِبَةِ وَبِقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْهِبَةِ إذَا اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةٌ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ وَتَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ بَيْعَ انْتِهَاء فَتُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَتُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ ) ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ بِعِوَضٍ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْبَرَاءَةِ كَفَالَةٌ وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ إبْرَاءٌ وَبَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ وَهِبَةُ الْمَنْفَعَةِ بِالْعِوَضِ إجَارَةٌ وَالْإِعَارَةُ بِعِوَضٍ إجَارَةٌ وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مُعْتَبَرًا بِلَفْظِهِ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْهِبَةِ وَانْتِهَاؤُهُ مُعْتَبَرًا بِمَعْنَاهُ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ كَالْهِبَةِ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ تَبَرُّعًا وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهُ بِلَفْظِهِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ الْقَبْضُ وَيَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَيُوجِبُ الْمِلْكَ عِنْدَ الْقَبْضِ فِي الْحَالِ وَيُعْتَبَرُ انْتِهَاؤُهُ بِمَعْنَاهُ حَتَّى يَنْفُذَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا وَقَدْ أَمْكَنَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ قَدْ يَكُونُ مُتَرَاخِيًا بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْقَبْضِ ، وَالْهِبَةُ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً بِانْقِطَاعِ الرُّجُوعِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَوَانِعِ لِلرُّجُوعِ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا فَإِنَّ الْعَمَلَ فِيهَا بِالْمَعْنَيَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ

لِلتَّضَادِّ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ فَتَعَيَّنَ إلْغَاءُ اللَّفْظِ وَالْعَمَلُ بِالْمَعْنَى ، وَلَوْ وَهَبَ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ بِمَالِهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعَ انْتِهَاءٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا .( قَوْلُهُ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ ) كَالْإِقَالَةِ لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَى مَعْنَى الْبَيْعِ وَالْفَسْخِ جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ا هـ .

( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ يُعْتِقَهَا أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالشَّرْطُ ) لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَلَا تَرَى { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ } وَهَذِهِ كُلُّهَا شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ أَمَّا فِي غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ فَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِيمَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ وَالْحَمْلُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ ، وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ لِلْجَارِيَةِ فَكَانَ تَبَعًا لَهَا فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْإِقْرَارِ فَانْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْهِبَةِ فَيَصِحُّ وَيَدْخُلُ الْحَمْلُ تَبَعًا لَهَا وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهْيٌ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ } وَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْهِبَةِ مُعَلَّقٌ بِفِعْلٍ حِسِّيٍّ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالشُّرُوطُ تُفْسِدُ الْحُكْمِيَّ لَا الْحِسِّيَّ بَلْ الشُّرُوطُ نَفْسُهَا تَبْطُلُ ، وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ، ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَتْ الْهِبَةُ فِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَاشْتِغَالُ بَطْنِهَا بِهِ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَمَا إذَا وَهَبَ أَرْضَهُ وَفِيهَا ابْنُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا دَبَّرَ الْحَمْلَ ، ثُمَّ وَهَبَهَا حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ وَلَا يُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْهِبَةِ فِي الْأُمِّ بِدُونِهِ ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِهِ فَصَارَ نَظِيرَ هِبَةِ النَّخْلِ بِدُونِ الثَّمَرِ أَوْ الْجُوَالِقِ بِدُونِ الدَّقِيقِ مِنْ حَيْثُ إنَّ

كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ الْقَبْضَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا فَصْلُ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَبِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِي الْأُمِّ دُونَ الْحَمْلِ وَفِي الْحَمْلِ دُونَ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ ، وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فِيهِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ بَطَلَ الشُّرُوطُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا .

( فَصْلٌ ) مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ بِمَنْزِلَةِ مَسَائِلَ شَتَّى تُذْكَرُ فِي آخَرِ الْكُتُبِ فَلِأَجْلِ هَذَا ذَكَرَهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ فِي فَصْلِ عَلَى حِدَةٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَنْ وَهَبَ أَمَةً إلَخْ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ جَائِزٌ اسْتِثْنَاؤُهُ وَمَا لَا فَلَا ، ثُمَّ الْحَمْلُ لَا يَجُوزُ هِبَتُهُ لِاحْتِمَالٍ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ اسْتِثْنَاؤُهُ ، وَقَدْ مَرَّ الْأَصْلُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَةً وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا أَرْطَالًا مَعْلُومَةً ، وَمَرَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ شَرْطًا فَاسِدًا فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِدَلِيلِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعْمِرِ وَجَوَّزَ الْهِبَةَ } وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ هِبَةُ مَا فِي الْبَطْنِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْهِبَةِ مَالٌ قَائِمٌ مَمْلُوكٌ لِلْوَاهِبِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَفِي قِيَامِ الْوَلَدِ وَمَالِيَّتِهِ شَكٌّ وَقْتَ الْهِبَةِ لِاحْتِمَالِ الِانْتِفَاخِ مِنْ الرِّيحِ وَاحْتِمَالِ كَوْنِ الْجَنِينِ مَيِّتًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْوُجُودِ وَالْمَالِيَّةِ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْهِبَةِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِمَا فِي الْبَطْنِ أَوْ الْخُلْعِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ جَائِزَةٌ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمَا يُثْمِرُ نَخِيلُهُ الْعَامَ ، وَالْخُلْعُ يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْمَعْدُومِ كَمَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ وَيَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مَا لَيْسَ بِمَالِ أَيْضًا كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إلَّا أَنَّهُ يَقَعُ مَجَّانًا ، وَإِذَا جَازَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَعْدُومِ وَإِلَى مَا لَيْسَ

بِمَالِ يَتَعَيَّنُ فَكَذَا إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ الْمَحَلِّ وَمَالِيَّتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ ، ثُمَّ لِمَا فِي الْبَطْنِ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا قَالَ فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ : فِي وَجْهٍ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ ، وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ أَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي فِيهِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ إذَا أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا صَحَّ الْعِتْقُ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَجُوزُ كِلَاهُمَا الْوَصِيَّةُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ ، وَقَدْ جَعَلَ الْجَارِيَةَ وَصِيَّةً وَمَا فِي بَطْنِهَا مِيرَاثًا وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَاسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا أَوْ غَلَّتَهَا لِلْوَرَثَةِ فَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ وَالْغَلَّةَ لَا يَجْرِي فِيهِمَا الْمِيرَاثُ دُونَ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَتِهَا وَغَلَّتِهَا لِإِنْسَانٍ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي فَلَا تَكُونُ الْخِدْمَةُ وَالْغَلَّةُ مَوْرُوثَةً عَنْ الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْ

الْمُوصَى لَهُ ، وَإِذَا أَوْصَى بِرَقَبَتِهَا لِإِنْسَانٍ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَلَدِ عَادَ الْمِلْكُ إلَى وَارِثِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهَا لِإِنْسَانٍ وَبِغَلَّتِهَا وَخِدْمَتِهَا لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ عَادَ الْمِلْكُ إلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ دُونَ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ وَالْخِدْمَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ وَالْخِدْمَةِ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ رَدَّ وَصِيَّتَهُ ، وَقَدْ أَوْصَى الْمُوصِي بِرَقَبَتِهَا لِآخَرَ فَإِنَّ الْغَلَّةَ وَالْخِدْمَةَ تَعُودُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَلَا تَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ وَمِثْلُهُ لَوْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَلَدِ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَلَكِنْ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا فَلَوْ أَوْقَعَ الْعُقُودَ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ ، أَمَّا عَقْدُ الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَبِلَتْ الْأُمُّ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لَا تَجُوزُ وَإِنْ سَلَّمَ الْأُمَّ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهِ فَالتَّسْمِيَةُ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ وَيَبْطُلُ الْقِصَاصُ وَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ وَيَكُونُ لِلْوَلِيِّ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تَصِحُّ عَلَى مَا هُوَ مَالٌ وَالْوَلَدُ لَيْسَ بِمَالٍ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ وَلَوْ أَنَّهُ أَعْتَقَ مَا فِي الْبَطْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ وَقْتَ الْعِتْقِ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِوُجُودِ الْوَلَدِ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ

النَّسَبِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَتَاقِ وَإِنَّمَا جَازَ عِتْقُ مَا فِي الْبَطْنِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُنَافِي الرِّقَّ وَمَا فِي الْبَطْنِ مَوْقُوفٌ ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِمَا فِي الْبَطْنِ تَصِحُّ إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهَا فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ وَلِلزَّوْجِ الْوَلَدُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْخُلْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا كَمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَلَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ وَلَكِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي وَلَمْ تَقُلْ مِنْ وَلَدٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَتْ مِنْ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهَا غَرَّتْ الزَّوْجَ حِينَ قَالَتْ مِنْ وَلَدٍ ، وَإِذَا لَمْ تَقُلْ مِنْ وَلَدٍ لَمْ تَغُرَّهُ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَرْأَةِ كَمَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي أَوْ عَلَى مَا فِي صُنْدُوقِي هَذَا مِنْ شَيْءٍ أَوْ لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَلِلزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ فَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرَّهُ حَيْثُ لَمْ تُسَمِّ لَهُ مَالًا ، فَأَمَّا إذَا قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي صُنْدُوقِي هَذَا مِنْ مَتَاعٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَتَاعٍ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا سَاقَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَمَا إذَا وَهَبَ أَرْضَهُ وَفِيهَا ابْنُهُ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ وَهَبَ أَرْضًا وَفِيهَا ابْنُ الْوَاهِبِ وَاقِفٌ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ تَمَّتْ الْهِبَةُ فَهَذَا مِثْلُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِيهِ إشْكَالٌ ) قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ قُلْت لَا إشْكَالَ ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فِي أَنَّ كُلَّ

وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَفْسُدُ أَيْ سَوَاءٌ عَبَّرَ بِهَذَا أَوْ بِهَذَا ا هـ قَوْلُهُ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ ) قَالَ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَكْرَارَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هِبَةٌ بِشَرْطِ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَالثَّانِي هِبَةُ شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهُ عِوَضًا عَنْ نَفْسِهِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهُوَ لَك وَأَنْتَ مِنْهُ بَرِيءٌ أَوْ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ فَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ ) لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ إسْقَاطٌ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَالِ حَتَّى تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِهِ مِنْ الْمَدِينِ وَوَصْفٌ مِنْ وَجْهٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْحَالِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَحْنَثُ وَمِنْ وَجْهٍ أَنَّهُ مَالٌ كَانَ تَمْلِيكًا فَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ، وَمِنْ وَجْهٍ أَنَّهُ وَصْفٌ كَانَ إسْقَاطًا فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشُّرُوطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهَذَا تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَبَطَلَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ إلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ النِّصْفَ ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الصُّلْحِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ الْعُمْرَى لِلْمُعْمَرِ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ عُمْرَهُ فَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ لَا الرُّقْبَى أَيْ إنْ مِتُّ قَبْلك فَهِيَ لَك ) وَهَذَا تَفْسِيرُ الرُّقْبَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِمُعْمِرِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتُهُ لَا تُرْقِبُوا مَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَفِي لَفْظِ { جَعَلَ الرُّقْبَى لِلَّذِي أَرْقَبَهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَنَّ مَعْنَى الْعُمْرَى هُوَ التَّمْلِيكُ فِي الْحَالِ وَيَجْعَلُهَا لَهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ ، ثُمَّ إذَا مَاتَ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَصَحَّ التَّمْلِيكُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَمَعْنَى الرُّقْبَى أَنْ يُمَلِّكَهَا لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونَ تَمْلِيكًا مُضَافًا إلَى زَمَانٍ وَهُوَ مِنْ الِارْتِقَابِ وَهُوَ الِانْتِظَارُ كَأَنَّهُ يَنْتَظِرُ مَوْتَهُ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَصِحُّ الرُّقْبَى أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْحَالِ وَاشْتِرَاطٌ لِلِاسْتِرْدَادِ بَعْد مَوْتَهُ عِنْدَهُ كَالْعُمْرَى كَأَنَّ الْوَاهِبَ يَنْتَظِرُ مَوْتَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أَعْمَرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أَرْقَبَهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ التَّمْلِيكُ فِي الْحَالِ وَاشْتِرَاطُ الرَّدِّ فِي الْمَآلِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ بَلْ الشَّرْطُ يَبْطُلُ وَمَتَى كَانَ التَّمْلِيكُ مُضَافًا إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبِلِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى تَفْسِيرِ الرُّقْبَى فَمَنْ قَالَ إنَّهُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ أَجَازَهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ

مُضَافٌ لَمْ يُجِزْهُ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ حَقِيقَةً وَمِثْلُ هَذَا تَقَدَّمَ فِي نِكَاحِ الصَّائِبَاتِ وَفِي فَسَادِ الصَّوْمِ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ وَفِي وُجُوبِ الدَّمِ إذَا غَسَلَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَبِلُبْسِ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِعُصْفُرٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ فَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الرُّقْبَى مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إبْطَالُ شَرْطِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ الِاسْتِرْدَادُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَمِثْلُهُ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الْعُمْرَى أَيْضًا وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا أَوْ أُرْقِبَهُ فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِمَا أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا يَمْنَعُهُمَا وَبَعْضُهَا يُجِيزُهُمَا وَبِالْحَمْلِ عَلَى مَا حَمَلْنَاهُ حَصَلَ التَّوْفِيقُ فَلَا مُعَارَضَةَ .

( قَوْلُهُ فَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الرُّقْبَى إلَخْ ) الرُّقْبَى قَدْ تَكُونُ مِنْ الْإِرْقَابِ ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ التَّرْقِيبِ فَحَيْثُ قَالَ أَجَازَ الرُّقْبَى يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ الْإِرْقَابِ بِأَنْ يَقُولَ أَرْقَبْتُ دَارِي لَك وَحَيْثُ قَالَ رُدَّ الرُّقْبَى يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ التَّرْقِيبِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أُرَاقِبُ مَوْتَك وَتُرَاقِبُ مَوْتِي فَإِنْ مِتُّ أَنَا فَهِيَ لَك وَإِنْ مِتَّ أَنْتَ فَهِيَ لِي فَيَكُونُ هُنَا تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ وَهُوَ مَوْتُ الْمُمَلِّكِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، ثُمَّ لَمَّا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا وَالْمُلْكُ لِذِي الْيَدِ فِيهَا يَقِينًا فَلَا نُزِيلُهُ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا يَكُونُ قَوْلُهُ دَارِي لَك تَمْلِيكًا إذَا لَمْ يُفَسِّرْ هَذِهِ الْإِضَافَةَ بِشَيْءٍ ، أَمَّا إذَا فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ رُقْبَى أَوْ حَبِيسٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ كَمَا لَوْ قَالَ دَارِي لَك سُكْنَى يَكُونُ عَارِيَّةً وَهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُبْهَمَ إذَا تَعَقَّبَهُ تَفْسِيرٌ فَالْحُكْمُ لِذَلِكَ التَّفْسِيرِ ا هـ مَبْسُوطٌ السَّرَخْسِيُّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَا فِي مَشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَيَلْزَمُ فِيهَا مَا يَلْزَمُ فِي الْهِبَةِ فَامْتَنَعَتْ بِدُونِ الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا رُجُوعَ فِيهَا ) أَيْ فِي الصَّدَقَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا هُوَ الثَّوَابُ دُونَ الْعِوَضِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ كَمَا لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْفَقِيرِ ، ثُمَّ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْهِبَةُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الْعِوَضَ دُونَ الثَّوَابِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ جُعِلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ سَوَاءً فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ فَكَذَا فِي الصَّدَقَةِ ، ثُمَّ قَالَ وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي ذِكْرِ لَفْظَةِ الصَّدَقَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْعِوَضَ ، وَمُرَاعَاةُ لَفْظِهِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ حَالِ الْمُتَمَلِّكِ ، ثُمَّ التَّصَدُّقُ عَلَى الْغَنِيِّ يَكُونُ قُرْبَةً يَسْتَحِقُّ بِهِ الثَّوَابَ وَقَدْ يَكُونُ مَالِكًا لِلنِّصَابِ وَلَهُ عِيَالٌ كَثِيرٌ وَالنَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا لِنَيْلِ الثَّوَابِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْحَالِ يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّصَدُّقِ عَلَى غَنِيَّيْنِ يُنَافِي هَذَا ؛ لِأَنَّهُمْ هُنَاكَ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِيهِ وَفِي الْهِبَةِ إلَّا حَالَ الْمُتَمَلِّكِ حَتَّى أَجَازُوهُمَا لِفَقِيرَيْنِ وَمَنَعُوهُمَا لِغَنِيَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَمْلِكَ الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ عَلَى الْفَقِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( كِتَابُ الْإِجَارَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ ) وَقِيلَ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ الْإِجَارَةُ فِعَالَةٍ مِنْ أَجَرَ يَأْجُرُ مِنْ بَابَيْ طَلَبَ وَضَرَبَ فَهُوَ آجِرٌ وَذَاكَ مَأْجُورٌ أَيْ الْإِجَارَةُ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا أُعْطِيَ مِنْ كِرَاءِ الْأَجِيرِ وَقَدْ أَجَرَهُ إذَا أَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ وَالْأَجْرُ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ ، وَلِهَذَا يُدْعَى بِهِ يُقَالُ أَجَرَك اللَّهُ وَأَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ آجَرْت مَمْلُوكِي أُوجِرَهُ إيجَارًا فَهُوَ مُؤَجَّرٌ وَفِي الْأَسَاسِ آجَرَنِي دَارِهِ فَاسْتَأْجَرْتُهَا وَهُوَ مُؤَجِّرٌ وَلَا نَقُلْ مُؤَاجِرٌ فَإِنَّهُ خَطَأٌ وَقَبِيحٌ قَالَ وَلَيْسَ آجِرٌ هَذَا فَاعِلٌ بَلْ هُوَ أَفْعَلُ وَهِيَ جَائِزَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يَظْهَرْ النَّسْخُ لَا سِيَّمَا إذَا قَصَّ لَنَا لَا عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ } وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا وُقُوعُ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ سَاعَةً فَسَاعَةً ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمَنَافِعُ مَعْدُومَةٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِمَا فِيهَا مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مَا سَيُوجَدُ إلَّا أَنَّهَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَهِيَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ وَالْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ

بِالْقَبُولِ ، فَعَمَلُهُ يَظْهَرُ فِي الْمَنْفَعَةِ مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا حَالَ وُجُودِهَا وَهَذَا كَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْمُسْلَمِ فِيهِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ جَوَازِ السَّلَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تُجْعَلُ الْمَنَافِعُ الْمَعْدُومَةُ مَوْجُودَةً حُكْمًا ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا يَنْعَقِدُ فِيهِ إذْ الشَّرْعُ حَكَمَ بِالِانْعِقَادِ وَهُوَ وَصْفُ الْعَقْدِ الْمُنْعَقِدُ فَحَكَمْنَا بِوُجُودِ الْمَحَلِّ لِيَنْعَقِدَ الْعَقْدُ فِيهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ لَزِمَ وَاللُّزُومُ وَصْفٌ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ فَحَكَمْنَا بِوُجُودِ الْمَحَلِّ لِيَنْعَقِدَ الْعَقْدُ فِيهِ فَأَنْزَلْنَا الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا لِذَلِكَ قُلْنَا ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ صِفَةُ الْكَلَامَيْنِ وَالْمَحَلُّ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحُكْمِ ، وَإِنَّمَا اشْتِرَاطُ وُجُودِ الْمَحَلِّ عِنْدَ الِارْتِبَاطِ ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ لِأَجْلِ الْحُكْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ حَتَّى يَعْمَلَ الْعَقْدُ فِيهِ فَجَعَلَ الدَّارَ خَلَفًا عَنْ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَلُ هَذَا اللَّفْظِ يَتَرَاخَى إلَى حِينِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ وَحُكْمِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ أَمْرٍ حُكْمِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ قَلْبُ الْحَقَائِقِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ حَقِيقَةً وَالْمَنْفَعَةُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا فِي لَحْظَةٍ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا مَوْجُودَةً حُكْمًا ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَرِدُ بِتَقْدِيرِ الْمُسْتَحِيلِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنْفَعَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى الْعَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ أَمْرٌ شَائِعٌ شَرْعًا كَإِقَامَةِ السَّفَرِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ أَوْلَى .

كِتَابُ الْإِجَارَةِ ) قَدَّمَ الْهِبَةَ عَلَى الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَلِأَنَّ فِيهَا عَدَمُ الْعِوَضِ وَالْعَدَمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوُجُودِ وَوَصَلَهُ بِفَصْلِ الصَّدَقَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ لَازِمَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُبْطِلُهُ أَوْ يُقَالُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا لِاسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ التَّمْلِيكُ عَلَى ضَرْبَيْنِ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ وَتَمْلِيكُ عَيْنٍ ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِبَدَلٍ أَوْ غَيْرِ بَدَلٍ فَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِبَدَلٍ هُوَ الْبَيْعُ وَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِغَيْرِ بَدَلٍ هِيَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِبَدَلٍ فَهِيَ الْإِجَارَةُ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ بَدَلٍ هِيَ الْعَارِيَّةُ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ خَطَأٌ أَوْ قَبِيحٌ ) أَمَّا خَطَؤُهُ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ أَفْعَلَ لَا مِنْ بَابِ فَاعَلَ ، وَأَمَّا قُبْحُهُ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ الْقُبْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهِيَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ ) أَيْ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَصْلُحُ مَحَلًّا لِلْإِضَافَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ لَيْسَتْ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ ا هـ بَزْدَوِيٌّ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَوْ قَالَ آجَرْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا ا هـ شَرْحُ مُغْنِي فِي بَابِ حُكْمِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ ( قَوْلُهُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ ) أَيْ لَا فِي حَقِّ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَأَخَّرُ إلَى حُدُوثِ

الْمَنْفَعَةِ فَعَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَعَدَّ الشَّافِعِيُّ حَالَةَ الِانْعِقَادِ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنْفَعَةِ لَا يَجُوزُ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْإِجَارَةُ إذَا أُضِيفَتْ إلَى مَنْفَعَةِ الدَّارِ تَصِحُّ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي هِبَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْأَجَلِّ الزَّاهِدِ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا قَالَ وَهَبْتُك مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ يَكُونُ إجَارَةً فَهَذَا أَوْلَى ا هـ اُنْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ نَاقِلًا عَنْ شَرْحِ الْمُغْنِي ا هـ وَهَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً ) لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا جَازَ كُلُّ عَيْنٍ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ يَجُوزُ أَيْضًا كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا أَوْ مَبِيعًا فِي الذِّمَّةِ كَالْمُقَدَّرَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ وَمَا لَا فَلَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيهِ ، وَقَوْلُهُ مَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى صَحَّ أُجْرَةً مَا لَا يَصِحُّ ثَمَنًا أَيْضًا كَالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ ثَمَنًا وَتَصْلُحَ أُجْرَةً إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ كَاسْتِئْجَارِ سُكْنَى الدَّارِ بِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَإِنْ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا لَا يَجُوزُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلسُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَكَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ فَيَكُونُ بَيْعًا بِالنَّسِيئَةِ عَلَى مَا قَالُوا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونَ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً بِخِلَافِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ عَلَى مَا قَالُوا .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ ) وَمِنْهُ الْأَجِيرُ ا لْوَاحِدُ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَجُوزُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ تَأَخَّرَتْ بِأَنْ كَانَتْ مُضَافَةً أَوْ تَقَدَّمَتْ بِأَنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِوَقْتِ الْعَقْدِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّرُهُ بِسَنَةٍ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ يُقَدِّرُهُ بِثَلَاثِينَ سَنَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ تَجُوزُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنَافِعِ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ فَجَازَ مُؤَبَّدًا قُلْنَا كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لَهَا كَوْنُهَا مَعْلُومَةً وَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ مَعْلُومَةً أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } فَجَازَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَكُونُ مَعْلُومَةً إلَّا بِضَرْبِ الْمُدَّةِ لَهَا فَلَا تَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلَةً بِخِلَافِ بَيْعِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةٌ بِدُونِهِ وَمِنْ شَرْطِهَا التَّأْبِيدُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا فَسَدَ الْبَيْعُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَ لَهَا أَجَلًا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ مِثْلُهُ عَادَةً ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى يُحْكَمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ عِنْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ فَصَارَ كَالتَّأْبِيدِ مَعْنًى فَلَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ التَّأْبِيدَ يُبْطِلُهَا وَبِهِ كَانَ يَقْضِي الْقَاضِي أَبُو عِصْمَةَ الْعَامِرِيُّ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ وَالْخَصَّافُ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الْخِيرَةَ فِي هَذَا الْكَلَامِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي

التَّوْقِيتَ وَلَا يَقْتَضِي تَعْيِينَ الْوَقْتِ .قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْفَعَةِ إلَخْ ) لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ وَاقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً شَرَعَ يَذْكُرُ كَيْفَ تُعْلَمُ الْمَنَافِعُ فَقَالَ وَالْمَنْفَعَةُ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَسْتَأْجِرَ مِائَتَيْ سَنَةٍ بِكَذَا فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَقَعُ بَعْضُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَبَعْضُهُ بَعْدَ الْوَفَاةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُزَادُ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ تُزَادَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ خَوْفًا مِنْ دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ مِلْكُهُ إذَا تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْحِيلَةَ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ أَنْ يَعْقِدَ عُقُودًا كُلُّ عَقْدٍ عَلَى سَنَةٍ وَيَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ اسْتَأْجَرَ الْوَقْفَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً بِكَذَا وَكَذَا عَقْدًا فِي كُلِّ عَقْدٍ سَنَةٌ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْحِيلَةَ فِيهِ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يُجِيزَهُ وَكَانَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفْتِي بِالْجَوَازِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي الضِّيَاعِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْمَنْعِ وَفِي غَيْرِ الضِّيَاعِ كَانَ يُفْتِي بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِيمَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْجَوَازِ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ اشْتَرَطَ لِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْمُدَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَ طَالَ أَوْ قَصُرَ ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ تُرَاعَى كَالنُّصُوصِ .( قَوْلُهُ خَوْفًا مِنْ دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْمُسْتَأْجِرِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ بِكَذَا ، وَكَذَا عَقْدًا فِي كُلِّ عَقْدٍ إلَخْ ) فَيَكُونُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَازِمًا وَالثَّانِي غَيْرَ لَازِمٍ ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ كَا لِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ ) أَيْ الْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَمِنْهُ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلرُّكُوبِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الْمَصْبُوغَ وَالصَّبْغَ وَقَدْرَ مَا يَصْبُغُ بِهِ وَجِنْسَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ وَالْمَخِيطِ وَمَنْ يَرْكَبُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْقَدْرَ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِلَا شُبْهَةٍ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى نَقْلِ هَذَا الطَّعَامِ إلَى كَذَا ) أَيْ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِالْإِشَارَةِ كَمَا ذَكَرَهُ مِنْ نَقْلِ الطَّعَامِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ الْمَنْقُولُ وَالْمَكَانُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ ) يَعْنِي الْمَنْفَعَةَ تَارَةً تُعْلَمُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِمُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الْمَصْبُوغَ ) أَيْ الثَّوْبَ الَّذِي يُصْبَغُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصَّبْغُ ) أَحْمَرُ أَوْ نَحْوُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَدْرَ مَا يَصْبُغُ بِهِ ) أَيْ إذَا كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمَسَافَةُ ) يَتَعَلَّقُ بِالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِشَرْطِهِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ ) أَيْ لَا تُمْلَكُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا ، وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَائِهِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فِي الْمُدَّةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَجِبُ تَسْلِيمُهَا عِنْدَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْبَدَلَيْنِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْدُومَةَ عِنْدَهُ جُعِلَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ } وَلِلشَّارِعِ جَعْلُ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا كَمَا جَعَلَ النُّطْفَةَ فِي الرَّحِمِ كَالْحَيِّ حُكْمًا فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ ، وَكَذَا يَجْعَلُ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً كَالْمَعْدُومِ حُكْمًا كَمَا جَعَلَ الْمُرْتَدَّ الْمُلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَيِّتًا فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَالْإِرْثِ وَعِتْقِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ كَالْمَوْجُودِ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ بِالدَّيْنِ ، وَلَوْ كَانَ مَعْدُومًا وَلَمَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَهُوَ حَرَامٌ شَرْعًا وَلَنَا أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ بِتَقَابُلِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمِلْكِ وَالتَّسْلِيمِ ، وَأَحَدُ الْبَدَلَيْنِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ لَمْ تَصِرْ مَمْلُوكَةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَعْدُومِ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ وَلَوْ مَلَكَ الْأُجْرَةَ لَمَلَكَهَا بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ

فَتَأَخُّرُ الْمِلْكِ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَجَوَازُ الْعَقْدِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْدُومَ جُعِلَ مَوْجُودًا حُكْمًا وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَالْمَوْجُودُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّسْلِيمُ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَفِي حَقِّ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ إذْ الْعَيْنُ هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا دُونَ الْعَرْضِ فَانْعَقَدَ فِي حَقِّهَا فِي الْحَالِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا وَصَارَ الْعَقْدُ مُضَافًا غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِلْحَالِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُتَصَوَّرُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى وَقْتِ حُدُوثِهَا فَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ وُجُودِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ ، وَإِنَّمَا قَامَتْ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ فِي حَقِّ الِانْعِقَادِ وَالتَّسْلِيمِ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَصَوُّرِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلِ إذَا مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَثْبُتُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ مِلْكِ الْبَدَلِ كَمَا لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى وَقْتِ حُدُوثِهَا غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِلْحَالِ فِي حَقِّهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ فِيهِ قَلْبَ الْحَقَائِقِ وَهُوَ جَعْلُ الْمَعْدُومِ مَوْجُودًا وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إقَامَةُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّغْيِيرِ مَعْهُودٌ فِي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62