كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

: بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْأَقَلَّ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ ) أَيْ اتِّفَاقًا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا ) هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ وَذَكَرَ الْحُكْمَ فِيهِ كَمَا هُنَا فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَرَاجِعْهُ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ : فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ فَشَهِدَا بِأَلْفٍ تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى وَهِيَ شَرْطٌ وَعَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا : أَنْتِ خَلِيَّةٌ ، وَالْآخَرُ : أَنْتِ بَرِّيَّةٌ لَا يُقْضَى بِبَيْنُونَةٍ أَصْلًا مَعَ إفَادَتِهِمَا مَعًا الْبَيْنُونَةَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ اخْتِلَافَ اللَّفْظِ وَحْدَهُ غَيْرُ ضَائِرٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ تُقْبَلُ أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ، وَإِنْ اُشْتُرِطَ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى وِزَانِ اتِّفَاقِهِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ لَا تُقْبَلُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ حَصَلَتْ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَدَّعِي أَلْفَيْنِ كَانَ مُدَّعِيًا الْأَلْفَ وَقَدْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ صَرِيحًا فَيُقْبَلُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا بِالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَنُصَّ شَاهِدُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ إلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَلْفَانِ وَلَمْ تَثْبُتْ الْأَلْفَانِ ، وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَنَمْنَعُ التَّرَادُفَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى خَلِيَّةٍ لَيْسَ مَعْنَى بَرِيَّةٍ لُغَةً ، وَالْوُقُوعُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا قُلْنَا : إنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا فَهُمَا لَفْظَانِ مُتَبَايِنَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ يَلْزَمُهُمَا لَازِمٌ وَاحِدٌ

هُوَ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ وَالْمُتَبَايِنَانِ قَدْ تَشْتَرِكُ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَاخْتِلَافُهُمَا ثَابِتٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى مِنْهُمَا كَانَ دَلِيلَ اخْتِلَالِ تَحَمُّلِهِمَا ، فَإِنَّ هَذَا يَقُولُ مَا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ إلَّا بِوَصْفِهَا بِخَلِيَّةٍ وَالْآخَرُ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِوَصْفِهَا بِبَرِيَّةٍ وَإِلَّا فَلَمْ تَقَعْ الْبَيْنُونَةُ ا هـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ : وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ مَا يُخَالِفُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا بَلْ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَبَدًا عَلَى أَنَّ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لِزَيْدٍ نِصْفَهُ قَالَ أَجْعَلُ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا الَّذِي أَجْمَعَا عَلَيْهِ وَالْبَاقِيَ لِلْمَسَاكِينِ وَكَذَا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا مَالًا لِزَيْدٍ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَالْآخَرُ أَقَلَّ مِنْهُ أَحْكُمُ لِزَيْدٍ بِمَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ يُعْطَى لِزَيْدٍ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا يَسَعُهُ وَيَسَعُ عِيَالَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ الْآخَرُ : يُعْطَى أَلْفًا قَالَ أُقَدِّرُ نَفَقَتَهُ وَعِيَالِهِ فِي الْعَامِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ حَكَمْت لَهُ بِالْأَلْفِ أَوْ الْأَلْفُ أَكْثَرُ أَعْطَيْته نَفَقَتَهُ وَالْبَاقِيَ لِلْمَسَاكِينِ هَذَا بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَ الْكِسْوَةَ فِي النَّفَقَةِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ قُلْت : فَلِمَ أَجَزْت هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِهِمَا قَالَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْوَاقِفُ أَنَّ لِزَيْدٍ بَعْضَ هَذِهِ الْغَلَّةِ فَاجْعَلْ لَهُ الْأَقَلَّ ا هـ فَإِيرَادُ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ ، فَإِنَّ إيرَادَهُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ : وَقَدْ اخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا صَرِيحٌ فِيهِ

ثُمَّ قَالَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ ا هـ وَحَاصِلُهُ أَنَّا عَلِمْنَا اسْتِحْقَاقَهُ وَتَرَدَّدْنَا بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ فَيَثْبُتُ الْمُتَيَقَّنُ ا هـ قَوْلُهُ : قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا : أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَرِيَّةٌ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي لَفْظَةِ الْإِيقَاعِ ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا ا هـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ : بَرِيَّةٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَرَاءَةِ الْفَرَاغُ عَقِيبَ الشُّغْلِ ، وَمَعْنَى الْخُلُوِّ الْفَرَاغُ الْمُطْلَقُ ، فَإِذَا اخْتَلَفَا لَفْظًا وَمَعْنًى لَا يَثْبُتُ الْمَشْهُودُ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْحُرْمَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ اتَّفَقَ اللَّفْظَانِ فِي الْمَعْنَى ) أَيْ وَهُوَ إثْبَاتُ الْحُرْمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الِاتِّفَاقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَوَجْهُ الِاتِّفَاقِ هُوَ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ : أَدَّعِي كَذَا وَالشَّاهِدُ يَقُولُ : أَشْهَدُ بِكَذَا وَلَا اتِّفَاقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ ، فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْرِفْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَالشَّهَادَةُ لَمْ تَبْطُلُ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ بَطَلَتْ قَالَ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي الْفُصُولِ وَذَكَرَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الشَّهَادَاتِ مِنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّعْوَى

وَالشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَيْ الشَّاهِدَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُطَابِقَةً لِلْأُخْرَى فِي اللَّفْظِ وَإِلَّا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى أَمَّا الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي الْمَعْنَى خَاصَّةً وَلَا عِبْرَةَ لِلَّفْظِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ ) أَيْ وَمَا لَمْ يُوَفِّقْ صَرِيحًا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ وَلَا يَكْفِي احْتِمَالُ التَّوْفِيقِ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا كَانَ إلَّا الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْفِيقَ فَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ ) عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِاتِّفَاقُ فِي اللَّفْظِ ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا فِي الْمَعْنَى لَا غَيْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا بِتَطْلِيقَةٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ ضَمَانُ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى شَاهِدَيْ الثَّلَاثِ دُونَ شَاهِدَيْ الْوَاحِدَةِ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَا إنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ لَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِ الثَّلَاثِ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يُوقِعَ أَيَّ عَدَدٍ شَاءَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُنَفَّذُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ قُبِلَتْ عَلَى الْأَلْفِ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِأَلْفٍ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَ وَخَمْسَمِائَةٍ لِاتِّفَاقِهِمَا بِالْأَلْفِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَدَّعِي الْأَلْفَ فَقَطْ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ مَنْ شَهِدَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْعَقْدَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( : وَلَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ تُقْبَلُ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُسْمَعْ أَنَّهُ قَضَاهُ

إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ فَتُقْبَلُ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِقَضَاءِ النِّصْفِ فَلَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ وَلَا يَكُونُ بِقَوْلِهِ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ مُنَاقِضًا لِشَهَادَتِهِ بِأَلْفٍ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ مَعْنَاهُ أَنَّ الدَّائِنَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا قَبَضَ فَلَا يُنَافِي بَقَاءَ دَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا يُقَالُ : إنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ شَاهِدَهُ بِالْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِيمَا شَهِدَ لَهُ ، وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ فِيمَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ كَمَا إذَا شَهِدَ لَهُ اثْنَانِ بِحَقٍّ ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بِحَقٍّ لِإِنْسَانٍ آخَرَ ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَهُ لَا تَبْطُلُ ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ فِيهِ فِيمَا شَهِدَ لَهُ فَيَكُونُ قَادِحًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَ شَهَادَةِ شَاهِدِ الْقَضَاءِ أَنْ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي اعْتِبَارِ الْمَعْنَى كَمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ خَالَفَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِخُمْسِ الْمِائَةِ ابْتِدَاءً بَلْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ انْفَرَدَ الْآخَرُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُسْمَعُ

( قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ الَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ( قَوْلُهُ : لَوْ شَهِدَا بِتَطْلِيقَةٍ ) يَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ ) ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ فَقَدْ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهَا فِيهَا وَالْمَالِكُ يُوجِدُ مِنْ مَمْلُوكِهِ مَا شَاءَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ قُبِلَتْ عَلَى الْأَلْفِ ) بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَعِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِالشَّهَادَةِ بِجُمْلَةٍ أُخْرَى مَنْصُوصٌ عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهَا لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَلْفِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ وَهُوَ يَدَّعِيهِمَا ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدُ ) فِي قَوْلِهِ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانٍ إلَخْ ا هـ قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ ) وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا يَعْنِي قَوْلَهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ يَعْنِي فَبَعْدَ ثُبُوتِ الْأَلْفِ بِاتِّفَاقِهِمَا شَهِدَ وَاحِدٌ بِسُقُوطِ خَمْسِمِائَةٍ فَلَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : إنَّهُ قَضَاهُ إيَّاهَا بَعْدَ قَرْضِهِ ، فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْكُلِّ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ شَاهِدِ الْقَضَاءِ وَذَكَرُوا قَوْلَ زُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ كَمَا لَوْ فَسَّقَهُ ، وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا إلَخْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِكْذَابِ التَّفْسِيقُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَغْلِيطًا لَهُ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ

اللَّهُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ انْفَرَدَ الْآخَرُ بِالْقَضَاءِ فَلَا تُسْمَعُ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا عَلِمَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْقَضَاءِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْقَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ قَدْ قَضَاهُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى دَعْوَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ادَّعَى بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْهَدَ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا عَلَى الظُّلْمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَرْضِ ) لِتَمَامِ الْحُجَّةِ فِي الْقَرْضِ وَعَدَمِهَا فِي الْقَضَاءِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهَا الْقَاضِي وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ ، وَلَوْ قَضَى لَكَانَ قَضَاءً بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ شَاهِدَ الْقَضَاءِ ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ بِقَضَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ فِي هَذِهِ وَفِي الْأُولَى بِقَضَاءِ الْبَعْضِ ، وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأُولَى ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ فِي الْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءِ ، وَالطَّلَاقِ ، وَالْعِتْقِ ، وَالْوَكَالَةِ ، وَالْوَصِيَّةِ ، وَالرَّهْنِ ، وَالدَّيْنِ ، وَالْقَرْضِ ، وَالْبَرَاءَةِ ، وَالْكَفَالَةِ ، وَالْحَوَالَةِ ، وَالْقَذْفِ تُقْبَلُ ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْجِنَايَةِ ، وَالْغَصْبِ ، وَالْقَتْلِ ، وَالنِّكَاحِ لَا تُقْبَلُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنْ كَانَ قَوْلًا كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ فِي الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مِمَّا يُعَادُ وَيُكَرَّرُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ فِعْلًا كَالْغَصْبِ أَوْ قَوْلًا لَكِنْ الْفِعْلُ فِيهِ شَرْطُ صِحَّتِهِ كَالنِّكَاحِ ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَحُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ فِعْلٌ وَهُوَ شَرْطٌ فَاخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ

يَمْنَعُ الْقَبُولَ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان غَيْرُ الْفِعْلِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَذْفِ فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ لَا تُقْبَلُ ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ إنْشَاءً فَهُمَا غَيْرَانِ وَلَيْسَ عَلَى كُلِّ قَذْفٍ شَاهِدَانِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا إنْشَاءً ، وَالْآخَرُ إخْبَارًا فَهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَنْ يَقُولَ : زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانٍ ، وَالْإِخْبَارَ أَنْ يَقُولَ : قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَمِعَ الْإِنْشَاءَ ، وَالْآخَرُ سَمِعَ الْإِقْرَارَ بِهِ وَيَثْبُتُ عِنْدَهُ قَذْفُهُ فَهُمَا شَاهِدَانِ بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِصْرَ رُدَّتَا ) يَعْنِي طَائِفَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ اجْتَمَعَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَشَهِدَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ تُرَدُّ الطَّائِفَتَانِ ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْأُخْرَى وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَابِ الْفِعْلِ ، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَتَكَرَّرُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَرَكَاتٌ انْقَرَضَ لِكَوْنِهِ عَرْضًا لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ ، وَالثَّانِيَ حَرَكَاتٌ أُخَرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ حَتَّى يَصِيرَ تَكْرَارَ الْأَوَّلِ وَإِعَادَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِخِلَافِ الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ يُحْكَى بِالْقَوْلِ فَيَكُونُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ حُكْمًا وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْقَتْلُ لَا تُقْبَلُ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ قَضَى بِإِحْدَاهُمَا أَوَّلًا

بَطَلَتْ الْأُخْرَى ) يَعْنِي لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى ثُمَّ شَهِدَتْ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا يُنْتَقَضُ بِالثَّانِيَةِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِأَنَّهُ قَتَلَ بِمَكَّةَ صَارَ ذَلِكَ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ فِي غَيْرِهَا إذْ قَتْلُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي مَكَانَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ كَانَ مَعَ رَجُلٍ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ فَتَحَرَّى وَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اتَّصَلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِوُقُوعِ التَّحَرِّي فِي الْآخَرِ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْهَدَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْقُدُورِيُّ وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ أَيْ بِقَضَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِقَبْضِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ فَإِمَّا بِالْأَلْفِ ثُمَّ يَقُولُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَعَلِمْت أَنَّهُ يَقْضِي فِيهَا بِأَلْفٍ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِمَّا بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَثْبُتُ اخْتِلَافُهُمَا إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَفِيهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَصْلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعِي فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ الَّذِي عَرَفَ الْقَضَاءَ حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِالْقَدْرِ الَّذِي سَقَطَ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ لَا يَنْبَغِي لَا يَحِلُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ أَبِي اللَّيْثِ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ قَوْمٍ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا فَبَعْدَ مُدَّةٍ جَاءَ رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ إلَى الْقَوْمِ فَقَالُوا : لَا تَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ بِذَلِكَ الدَّيْنِ ، فَإِنَّهُ قَضَاهُ كُلَّهُ الشُّهُودُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا امْتَنَعُوا مِنْ الشَّهَادَةِ ، وَإِنْ شَاءُوا أَخْبَرُوا الْحَاكِمَ بِشَهَادَةِ الَّذِينَ أَخْبَرُوهُمْ بِالْقَضَاءِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُونَ عُدُولًا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْمَالِ هَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَدَّعُوا الشَّهَادَةَ وَكَذَا إذَا حَضَرُوا بَيْعَ رَجُلٍ أَوْ نِكَاحَهُ أَوْ قَتْلَهُ فَلَمَّا أَرَادُوا الشَّهَادَةَ شَهِدَ عِنْدَهُمْ بِطَلَاقِ الزَّوْجِ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ عَايَنَّا امْرَأَةً أَرْضَعَتْهُمَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ عَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ إنْ كَانَ وَاحِدًا شَهِدُوا أَوْ اثْنَيْنِ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا وَكَذَا لَوْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّ الْمِلْكَ لِلثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ

بِالْمِلْكِ لِلْأَوَّلِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِمَا ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِصْرَ ) لَفْظَةُ يَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : تُرَدُّ الطَّائِفَتَانِ ) فَلَا يُقْتَلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ شَهِدَتْ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ ) وَحِينَئِذٍ فَيُقْتَلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا ) ، فَإِنَّهُ حِينَ قَضَى بِالْأُولَى وَلَا مُعَارِضَ لَهَا إذْ ذَاكَ يَنْفُذُ شَرْعًا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ثَبَتَ شَرْعًا بِحُدُوثِ مُعَارِضٍ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ ) وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِتَحَرِّيهِ الْأَوَّلِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فِيهِ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّحَرِّيَ الثَّانِيَ فِي رَفْعِهِ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ بِخِلَافِ الذُّكُورَةِ ، وَالْأُنُوثَةِ ، وَالْغَصْبِ ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى سَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ بَقَرَةً بَيْضَاءَ وَقَالَ الْآخَرُ بَقَرَةً سَوْدَاءَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَتُقْطَعُ يَدُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ ذَكَرًا ، وَالْآخَرُ قَالَ أُنْثَى أَوْ اخْتَلَفَا فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ فِي الْغَصْبِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِيهِمَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي السَّرِقَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ الْبَيْضَاءَ غَيْرُ السَّوْدَاءِ فَكَانَا سَرِقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَصَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الذُّكُورَةِ ، وَالْأُنُوثَةِ وَكَاخْتِلَافِهِمَا فِي اللَّوْنِ فِي الْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْغَصْبِ ضَمَانٌ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَالثَّابِتُ بِالسَّرِقَةِ حَدٌّ يَسْقُطُ بِهَا فَصَارَ نَظِيرَ اخْتِلَافِهِمَا فِي قِيمَتِهَا وَلَهُ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُضَافُ إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي ثِيَابِ السَّارِقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ بَيَانِ اللَّوْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا بِخِلَافِ بَيَانِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا تَبْلُغُ نِصَابًا وَلِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَكُونُ فِي اللَّيَالِي غَالِبًا وَيَكُونُ التَّحَمُّلُ فِيهَا مِنْ بَعِيدٍ فَيَتَشَابَهُ عَلَيْهِمَا اللَّوْنَانِ أَوْ يَجْتَمِعَانِ فِي بَقَرَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ جَانِبَيْهَا أَبْيَضَ ، وَالْجَانِبُ الْآخَرُ أَسْوَدَ فَيَشْهَدُ كُلٌّ بِمَا رَأَى أَوْ بِمَا وَقَعَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي بَقَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ يَكُونُ

بِالْقُرْبِ فَلَا يَشْتَبِهُ فَيَكُونَانِ سَرِقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَمْ يَتِمَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِيهِ بِالنَّهَارِ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يَقَعُ بِالنَّهَارِ وَهُوَ يَقْرُبُ مِنْهُ غَالِبًا فَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْحَالُ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَحْقِيقٍ وَتَأَمُّلٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قِيلَ فِي التَّوْفِيقِ احْتِيَالٌ لِإِيجَابِ الْحَدِّ وَهُوَ يَحْتَالُ لِدَرْئِهِ لَا لِإِيجَابِهِ قُلْنَا الْقَطْعُ لَا يُضَافُ إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَا يُوجِبُ الدَّرْءَ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْمُوجِبِ لَا فِي غَيْرِهِ ، فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا تَكُونُ الْبَقَرَةُ الْمَسْرُوقَةُ بَلْقَاءَ ، وَالْمَشْهُودُ بِسَرِقَتِهَا إمَّا بَيْضَاءُ أَوْ سَوْدَاءُ وَلَمْ يَقُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا : إنَّهَا بَلْقَاءُ فَتَكُونُ غَيْرَهَا ضَرُورَةً قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَعْرِفُ اللَّوْنَيْنِ أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْرِفُ إلَّا أَحَدَهُمَا فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ اللَّوْنِ فَسَمَّاهَا بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ مَوَاضِعِهَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي بَقَرَةً مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفٍ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى سَرِقَةَ بَقَرَةٍ سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ أَحَدَهُمَا وَقِيلَ هَذَا فِي لَوْنَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالسَّوَادِ ، وَالْحُمْرَةِ ، وَأَمَّا فِي لَوْنَيْنِ غَيْرِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالسَّوَادِ ، وَالْبَيَاضِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي ثَوْبٍ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا هَرَوِيٌّ وَقَالَ الْآخَرُ مَرْوِيٌّ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ لَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ إلَخْ ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قَالَ أُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَأَقْطَعُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا نُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَلَا نَقْطَعُهُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْرًا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ ) قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ بَقَرَةً وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا لَوْنًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَ وَاحِدٌ بِسَرِقَتِهِ حَمْرَاءَ وَالْآخَرُ سَوْدَاءَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ وَيُقْطَعُ وَقَالَا هُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ عَيَّنَ لَوْنًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ لَوْ ادَّعَى سَرِقَةَ ثَوْبٍ مُطْلَقًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَرَوِيٌّ وَالْآخَرُ مَرْوِيٌّ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَاخْتِلَافِهِمَا فِي اللَّوْنِ فِي الْغَصْبِ ) ، فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى غَصْبِ بَقَرَةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ وَالْآخَرُ بَيْضَاءُ لَمْ تُقْبَلْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ قَبُولُهَا إثْبَاتَ حَدٍّ فَلَأَنْ لَا يُقْبَلَ فِيمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ أَعْسَرُ إثْبَاتًا ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ ، وَأَمَّا مَا زِيدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَلَيْسَ مِمَّا فِيهِ الْكَلَامُ مِنْ السَّرِقَةِ بَلْ يَخُصُّ الزِّنَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ

وَبِخِلَافِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا أَوْ تَشَابُهَهُمَا لَا يَكُونُ فِي حَيَوَانٍ وَاحِدٍ عَادَةً وَلِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يُكَلَّفَانِ بَيَانَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمَا فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِيهِمَا فِي نَفْسِ الشَّهَادَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ ) أَيْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ لِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ تَبَعًا لِثُبُوتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ هُوَ الْمَقْصُودَ حَقِيقَةً فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ ، وَالسَّبَبُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ لَكِنْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الْحُكْمُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ فَكَانَ فِي إثْبَاتِهِ إثْبَاتُ الْحُكْمِ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ إلَّا بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ وَذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَزِيدَهُ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى شِرَاءٍ وَاحِدٍ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ بَطَلَتْ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا الْكِتَابَةُ ، وَالْخُلْعُ ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ فِيهِمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْعَبْدَ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي السَّبَبَ لِيَحْصُلَ لَهُ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ فَصَارَ نَظِيرَ الشِّرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ

الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ السَّبَبِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ فَيَصِيرُ مُقَابَلًا بِالْعِتْقِ فَقِيلَ الْأَدَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ فَكَانَ مَقْصُودُهُ إثْبَاتَ الْعَقْدِ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى لَا تُفِيدُ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالتَّعْجِيزِ ، وَالْمُرَادُ بِالْخُلْعِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِلْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا إثْبَاتُ السَّبَبِ دُونَ الْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ فَصَارَ نَظِيرَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ دَعْوَى الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمَالُ دُونَ السَّبَبِ فَيَثْبُتُ قَدْرُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ لِتَمَامِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ فِيهِ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ مَسَائِلَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالنِّكَاحُ وَالرَّهْنُ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا وَيُنْكِرَ الْآخَرَ أَوْ يَدَّعِيَ الْآخَرَ وَيُنْكِرَ هَذَا ا هـ وَقَدْ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْكَنْزِ مِنْهَا أَرْبَعَةً : الْبَيْعُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخُلْعُ وَالنِّكَاحُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلْوَضْعِ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ : وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ فِي دَعْوَى الْمَالِ وَهَذِهِ فِي دَعْوَى الْعَقْدِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ فِي الرَّجُلِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِأَلْفٍ وَشَاهِدًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ هَذَا بَاطِلٌ إلَى آخِرِ مَا هُنَاكَ فَقَدْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قَضَى بِالْأَلْفِ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهُنَا لَا يُقْبَلُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ بَيَانُهُ هُوَ أَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا فَقَطْ وَالْمَقْصُودُ هُنَا دَعْوَى الْعَقْدِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الدَّيْنَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ السَّبَبِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ

الثَّمَنَ مِنْ أَرْكَانِهِ وَالْمُرَكَّبُ الَّذِي بَعْضُ أَجْزَائِهِ مِقْدَارٌ خَاصٌّ غَيْرُ مِثْلِهِ بِمِقْدَارٍ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصَابُ شَهَادَةٍ فَلَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ أَصْلًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ ) بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ فَأَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ كَذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِي ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا ) أَيْ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَالتَّكْذِيبِ مِنْ الْمُدَّعِي ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ الشَّهِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ تُقْبَلُ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَصِيرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّارِحِينَ فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَى السَّيِّدِ لِمَالٍ عَلَى عَبْدِهِ لَا يَصِحُّ إذْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دَعْوَى الْكِتَابَةِ فَيَنْصَرِفُ إنْكَارُ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِهِ وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ إلَّا لِإِثْبَاتِهَا ا هـ كَمَالٌ

وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ، وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْعَبْدَ أَوْ الْقَاتِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعَبْدِ ، وَالْقَاتِلِ الْعَقْدُ دُونَ الْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيَّ يَثْبُتُ الْعَفْوُ ، وَالْعِتْقُ بِإِقْرَارِهِمَا فَيَكُونُ دَعْوَى الدَّيْنِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْخُلْعِ وَفِي الرَّهْنِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ كَدَعْوَى الدَّيْنِ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الرَّهْنَ إذْ الرَّهْنُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ فَلَا فَائِدَةَ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ ، وَالْإِنْسَانُ لَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقٍّ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُقِيمُهَا عَلَى حَقٍّ لَهُ وَصُورَةُ دَعْوَى الرَّهْنِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ رَهَنَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ فَيَطْلُبُ الِاسْتِرْدَادَ مِنْهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَفِي الْإِجَارَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَهِيَ نَظِيرُ الْبَيْعِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَهِيَ كَالدَّيْنِ يُثْبِتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ ، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي الْأَقَلَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي وَكَذَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الدَّيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَأَمَّا النِّكَاحُ فَيَصِحُّ بِأَلْفٍ ) يَعْنِي بِأَقَلَّ الْمَالَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الدَّعْوَى مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ

الْمَرْأَةِ وَسَوَاءٌ ادَّعَى الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إثْبَاتُ السَّبَبِ ، وَالنِّكَاحُ بِأَلْفٍ غَيْرُ النِّكَاحِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِيَ أَوْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ بِإِقْرَارِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ ، وَالْخُلْعِ ، وَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ يَكُونُ دَعْوَى الدَّيْنِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ ، وَالْمَوْلَى ، وَالْوَلِيَّ ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَالْعِتْقُ فَيَبْقَى دَعْوَى الْمَالِ الْمُجَرَّدِ عَنْ السَّبَبِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي النِّكَاحِ كَمَا تَصِحُّ عِنْدَ الْعَقْدِ تَصِحُّ بَعْدَهُ ، فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ سَمَّى لَهَا مَهْرًا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى قِيَامِهِ وَقِيَامُهُ تَارَةً يَكُونُ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ وَتَارَةً يَكُونُ حَالَةَ الْبَقَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ اخْتِلَافِ التَّسْمِيَتَيْنِ اخْتِلَافُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وُجِدَتْ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْعَقْدِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى التَّسْمِيَةِ فِي حَالٍ يَسْتَحِيلُ الْعَقْدُ لَا تَكُونُ بَيِّنَةً عَلَى الْعَقْدِ بَلْ عَلَى التَّسْمِيَةِ الْمُجَرَّدَةِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَتِهِمَا الْمَالَ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ فَحَاصِلُ الْقَضِيَّةِ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَمْ تَقُمْ إلَّا عَلَى الْمَالِ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ بِهَا التَّسْمِيَةُ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ لَا غَيْرُ وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ ، وَالِازْدِوَاجُ ، وَالْمِلْكُ وَمِنْ حُكْمِ التَّبَعِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ الْأَصْلَ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ

بِنَفْيِهِ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهِ فَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ سَالِمًا عَنْ الِاخْتِلَافِ فَلَزِمَ وَمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَهُوَ الْمَالُ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا كَمَا فِي الدَّيْنِ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ يَجْعَلُ أَبُو حَنِيفَةَ مَقْصُودَهَا الْمَالَ فَيُخْرِجُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُمَا يَجْعَلَانِ مَقْصُودَهَا الْعَقْدَ لِمَا بَيَّنَّا لَهُمَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ فَمَقْصُودُهُ الْعَقْدُ لَا الْمَالُ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْعَقْدِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَيَسْتَوِي فِيهِ دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ وَأَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ ، وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ لَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الْأَقَلِّ تَكْذِيبًا لِلشَّاهِدِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَقَلَّ هُوَ الْمُسَمَّى ثُمَّ صَارَ أَكْثَرَ بِالزِّيَادَةِ

( قَوْلُهُ وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ ذِكْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ الْخُلْعُ وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَرْأَةَ فِي الْخُلْعِ وَالْعَبْدُ فِي الْعِتْقِ وَالْقَاتِلُ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُمَا الْخَلَاصَ وَهُوَ مَقْصُودُهُمْ ، وَإِنْ كَانَتْ دَعْوَى مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى وَوَلِيُّ الْقَتِيلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ فَشَهِدَ بِهِ شَاهِدٌ وَالْآخَرُ بِالْأَقَلِّ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ بِعَطْفٍ مِثْلُ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُضِيَ بِالْأَقَلِّ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تَبْقَ الدَّعْوَى إلَّا فِي الدَّيْنِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : فَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي الطَّلَاقِ أَوْ فِي الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ أَوْ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ ، أَوْ الْمَوْلَى أَوْ وَلِيَّ الْقِصَاصِ فَهَذَا دَعْوَى الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هِيَ الْمَرْأَةَ أَوْ الْقَاتِلَ أَوْ الْعَبْدَ فَهَذَا دَعْوَى عَقْدٍ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الرَّهْنِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُرْتَهِنَ إلَخْ ) ، فَإِنْ قِيلَ : الرَّهْنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَكَانَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَالِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ

لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِدَعْوَى الدَّيْنِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ إذْ الرَّهْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالدَّيْنِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ الرَّهْنُ بِأَلْفٍ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلدَّيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ مَثَلًا هَكَذَا أُطَالِبُهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِي عَلَيْهِ عَلَى رَهْنٍ لَهُ عِنْدِي فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إلَّا الْمَالَ ، وَذِكْرُ الرَّهْنِ زِيَادَةٌ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِ ثُبُوتِ دَيْنِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ دَيْنِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ هَكَذَا أُطَالِبُهُ بِإِعَادَةِ رَهْنِ كَذَا وَكَذَا كَانَ رَهْنُهُ عِنْدِي عَلَى كَذَا ثُمَّ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ مَثَلًا فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا دَعْوَى الْعَقْدِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَنَّهُ رَهَنَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً يُوجِبُ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَخْتَلِفُ بِهِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ) أَيْ بِشَيْءٍ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَلَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الرَّاهِنَ لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ مَا دَامَ الدَّيْنُ قَائِمًا فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى فَلَمْ تَصِحَّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْإِجَارَةِ إنْ كَانَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالسَّابِعَةُ الْإِجَارَةُ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْآجِرُ أَنَّهُ آجَرَهُ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَشَهِدَ وَاحِدٌ كَذَلِكَ وَآخَرُ بِأَلْفٍ لَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ إذْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُسْتَحَقُّ بَدَلٌ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ الْعَقْدِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ فَلَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّهَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ أَوْ لَمْ يَسْتَوْفِ بَعْدَ أَنْ تَسَلَّمَ ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرَ فَهِيَ دَعْوَى الْمَالِ ،

فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يَدَّعِي الْأَكْثَرَ يَقْضِي بِأَلْفٍ إذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بَعْدَ الْمُدَّةِ إلَّا الْأَجْرُ ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِأَلْفٍ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ فَهُوَ دَعْوَى الْعَقْدِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ اخْتِلَافُهُمَا فِيهِ وَلَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ لِلِاخْتِلَافِ ا هـ قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ ) أَيْ لَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَيَمْلِكُ النِّكَاحَ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ ، وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعَ فَيَقْضِي بِذَلِكَ وَلَا يَنْظُرُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي النَّفْعِ وَهُوَ الْمَالُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَهُوَ الْمَالُ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ الْقَضَاءُ بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ ، فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ بِالْأَقَلِّ بِلَا تَفْصِيلٍ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي الدَّيْنِ ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ ثَمَّةَ أَصْلٌ كَالْمَبِيعِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بِدُونِ ذِكْرِ الثَّمَنِ فَكَانَ ذَلِكَ دَعْوَى الْعَقْدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ فَمَقْصُودُهُ الْعَقْدُ ) إذْ الزَّوْجُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهَا مَالًا ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِلْكُ الْمُوَرِّثِ لَمْ يَقْضِ لِوَارِثِهِ بِلَا جَرٍّ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ بِأَنْ ادَّعَى الْوَارِثُ عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا مِيرَاثُ أَبِيهِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ لِأَبِيهِ لَا يُقْضَى لَهُ حَتَّى يَجُرَّ الْمِيرَاثَ فَيَقُولَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ أَوْ يَقُولَا كَانَتْ لِأَبِيهِ يَوْمَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَغَيْرِهِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَرَّ شَرْطٌ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلَكِنْ إذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ أَوْ يَدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَانَ جَرًّا ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مِلْكَهُ أَوْ أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَارِثِ فَيَثْبُتُ الِانْتِقَالُ ضَرُورَةً فَيَكُونُ إثْبَاتًا لِلِانْتِقَالِ وَكَذَا إذَا أَثْبَتَ يَدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ إنْ كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِي الْأَمَانَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ ، وَالْمَضْمُونُ يَمْلِكُهُ الضَّامِنُ عَلَى مَا عُرِفَ فَيَكُونُ إثْبَاتُ الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إثْبَاتًا لِلْمِلْكِ ، وَإِثْبَاتُ يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْمُودِعِ ، وَالْمُسْتَعِيرِ ، وَالْمُسْتَأْجِرِ ، وَالْمُرْتَهِنِ ، وَالْغَاصِبِ وَغَيْرِهِمْ إثْبَاتٌ لِيَدِهِ فَيُغْنِي إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَقْتَ الْمَوْتِ عَنْ ذِكْرِ الْجَرِّ فَاكْتَفَى بِهِ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَرُّ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ إذَا أَثْبَتَ الْوَارِثُ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لِلْمُوَرِّثِ يَكْفِي ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ قَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ الشُّهُودِ كَانَتْ لَهُ وَمِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافُهُ عَنْهُ وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا

اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ فَيَكُونُ مِلْكُ الْوَارِثِ عَيْنَ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ مُسْتَمِرًّا إلَى هَذَا الْوَقْتِ لَا مِلْكًا آخَرَ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْحَيِّ إذَا أَثْبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَكَمَا إذَا ادَّعَى فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ وَيَقْضِي لَهُ بِهَا وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهَا كَانَتْ لِلْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فَهُوَ بَاقٍ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُزِيلُهُ لِاسْتِغْنَاءِ الْبَقَاءِ عَنْ دَلِيلٍ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مُتَجَدِّدٌ ثَبَتَ لَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ أَحْكَامٌ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْجَارِيَةِ وَحِلِّ وَطْئِهَا لَوْ كَانَتْ حَرَامًا عَلَى الْمُوَرِّثِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَكَذَا يَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ أَكْلُ صَدَقَةٍ وَرِثَهَا مِنْ الْفَقِيرِ ، وَلَوْلَا تَجَدُّدُ الْمِلْكِ لَمَا حَلَّ لَهُ ، فَإِذَا كَانَ مُتَجَدِّدًا فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ النَّقْلِ إلَيْهِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَرِّ لَا بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ وَحَاجَتِنَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَالِكِيَّةَ الْوَارِثِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَكَانَ مُتَجَدِّدًا ضَرُورَةً فَلَا يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِظَاهِرِ يَدِهِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعِ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ دَعْوَى غَيْرِهِ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَثْبَتَ الْحَيُّ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ حَيْثُ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا ؛ لِأَنَّا اعْتَبَرْنَا فِيهِ

اسْتِصْحَابَ الْحَالِ لِبَقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ حُجَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ حَيْثُ لَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهَا وَقْتَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مُضَافٌ إلَى الشِّرَاءِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ لَا إلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ بِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ حَتَّى لَا يَتَحَقَّقَ بِدُونِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ ثَابِتًا بِالشِّرَاءِ ، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ مُضَافٌ إلَى كَوْنِ الْمَالِ مِلْكَ الْمُوَرِّثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا إلَى الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ بَلْ مَوْضُوعٌ لِإِبْطَالِهِ فَكَمْ مِنْ مَوْتٍ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ الْمِلْكِ لِأَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ بِأَنْ قَالَ : إنْ مَاتَ سَيِّدُك فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَصِحُّ ، وَلَوْ كَانَ سَبَبَ الْمِلْكِ لَصَحَّ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَلَوْ شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ مُنْذُ شَهْرٍ رُدَّتْ ) أَيْ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِ فُلَانٍ مُنْذُ شَهْرٍ وَهُوَ حَيٌّ رُدَّتْ الشَّهَادَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ مُنْذُ شَهْرٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ مَتَى ثَبَتَ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُزِيلُهُ فَكَذَا الْيَدُ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَا بِالْأَخْذِ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ بِالْإِقْرَارِ مِنْهُ بِالْيَدِ لَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ بِمَجْهُولٍ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ وَبِخِلَافِ الْأَخْذِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَيْضًا وَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ وُجُوبُ

الرَّدِّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذْت حَتَّى تَرُدَّ } وَكَذَا الْإِقْرَارُ بِالْيَدِ مَعْلُومٌ عَلَى مَا يَجِيءُ وَلِأَنَّ يَدَ صَاحِبِ الْيَدِ مُعَايَنٌ وَيَدُ الْمُدَّعِي مَشْهُودٌ بِهِ فَلَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقِّقُ ؛ لِأَنَّ الْعِيَانَ يُوجِبُ الْعِلْمَ ، وَالشَّهَادَةَ تُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَكَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دَفَعَ إلَى الْمُدَّعِي ) أَيْ لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَدِ لِلْمُدَّعِي أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لِلْمُدَّعِي مُنْذُ أَشْهُرٍ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مَعْلُومٌ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ صَحَّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَمِلْكُ الْمُوَرِّثِ إلَخْ ) تَرْجَمَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِفَصْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا ذَكَرَ الشَّهَادَةَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي الشَّهَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَالِ الْمَمَاتِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَتْلُو الْحَيَاةَ فَنَاسَبَ وَضْعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ عَقِيبَ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ لَمْ يَقْضِ لِوَارِثِهِ بِلَا جَرٍّ ) أَيْ مِنْ الشُّهُودِ بِأَنْ يَجُرَّا الْمِيرَاثَ فَيَقُولَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ ا هـ ع ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فَتَعَيَّنَ الْبِرُّ لِلِادِّخَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ مَخْرُومٍ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ ) كَذَا هُنَا وَاَلَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُودِعِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا أَثْبَتَ يَدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ إلَى يَدِ غَصْبٍ وَأَمَانَةٍ وَمِلْكٍ ، فَإِنَّهَا عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ تَصِيرُ يَدَ مِلْكٍ لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا يَصِيرُ الْمَغْصُوبُ الْوَدِيعَةُ مِلْكَهُ لِصَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ شَرْعًا وَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ مَالِكِ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا ) أَيْ فِيمَا كَانَ الْمُوَرِّثُ مَغْرُورًا فِيهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ : أَوْ بِالْعَكْسِ ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةَ الْمَيِّتِ أَوْ مَوْطُوءَةَ وَارِثِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُرِّ ) أَيْ الصُّورِيِّ أَوْ الْمَعْنَوِيِّ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَا إلَى الْمَوْتِ ) أَيْ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الْمَوْتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ إلَخْ ) قَيَّدَ بِالْحَيِّ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَ الْمَيِّتُ

أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ تُقْبَلُ اتِّفَاقًا ا هـ عَيْنِيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا آنِفًا ا هـ ( قَوْلُهُ : رُدَّتْ ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلِهِ : لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ ) أَيْ زَائِلَةٌ فِي الْحَالِ وَلَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ حَتَّى تُحْمَلَ عَلَى الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ ) فَلَمْ يَجِبْ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الرَّدُّ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجِبُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَ إلَى الْمُدَّعِي ) قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ الَّتِي فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَتْ لِلْمُدَّعِي ، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ مُتَنَوِّعَةً ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ جَهَالَةٌ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بَلْ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ صَحَّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مَعْلُومٌ ، وَإِنَّمَا الْجَهَالَةُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا جَازَتْ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ ا هـ .

( بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تُقْبَلُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ) أَيْ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَجَبَتْ عَلَى شَاهِدِ الْأَصْلِ وَلَيْسَتْ بِحَقٍّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخُصُومَةُ فِيهَا ، وَالْإِجْبَارُ عَلَيْهَا ، وَالنِّيَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةُ احْتِمَالٍ ؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِيهَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْأُصُولِ وَفِي الْفُرُوعِ وَفِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ وَلِهَذَا لَا يُصَارُ إلَى الْفُرُوعِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأُصُولِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهَا إذْ شَاهِدُ الْأَصْلِ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَعَلَى شَهَادَةِ فُرُوعِ الْفُرُوعِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَصَارَ كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي

( بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ إلَخْ إذْ الْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَا تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَحَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْقِصَاصُ وَالْقَذْفُ وَحَدُّ شُرْبِ الْخَمْرِ ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْأَجْنَاسِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي نَوَادِرِ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ يَجُوزُ فِي التَّعْزِيرِ الْعَفْوُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَجَبَتْ عَلَى شَاهِدِ الْأَصْلِ ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ احْتِمَالٍ ) يَعْنِي تُهْمَةَ الْكَذِبِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَفِي الْفُرُوعِ تُهْمَةٌ زَائِدَةٌ وَهِيَ تُهْمَةُ عَدَمِ السَّمَاعِ مِنْ الْأُصُولِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَفِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ ) ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ ا هـ .

قَوْلُهُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِيهَا شُبْهَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَثْبُتَانِ بِهَا كَمَا لَا يَثْبُتَانِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ جَمِيعُ الْحُقُوقِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْوَقْفِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجُوزُ فِيهِ إحْيَاءً لَهُ وَصَوْنًا عَنْ انْدِرَاسِهِ وَقَوْلُهُ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَعْنِي إنْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ رَجُلَانِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ قَضِيَّةٌ مِنْ الْقَضَايَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ النِّصَابِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِيَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَغَايُرُ الْفُرُوعِ حَتَّى لَوْ أَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَهَادَتِهِ رَجُلَيْنِ وَأَشْهَدَهُمَا الْآخَرُ بِعَيْنِهِمَا جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلَانِ غَيْرُ اللَّذَيْنِ أَشْهَدَهُمَا صَاحِبَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ أَصْلٍ وَاحِدٍ فَلَا يَتِمُّ حُجَّةٌ لِلْقَضَاءِ بِهِمَا كَالْمَرْأَتَيْنِ لَمَّا قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ لَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلِأَنَّ الْفَرْعَ لَمَّا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ صَارَ شَاهِدًا أَوَ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى تِلْكَ الشَّهَادَةِ غَيْرَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ لَمَّا كَانَ شَاهِدًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْهِدَهُ صَاحِبُهُ عَلَى شَهَادَتِهِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى شَهَادَةِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ مُعَبِّرٌ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ رَسُولِهِ فِي إيصَالِ شَهَادَتِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَأَنَّهُ حَضَرَ وَشَهِدَ بِنَفْسِهِ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِرِوَايَةِ الْإِخْبَارِ ، فَإِنَّ رِوَايَةَ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ مَقْبُولَةٌ ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ

اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ كُلِّ أَصْلٍ فَرْعَانِ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ حَقٌّ مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ ، وَالْحَقُّ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ ؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلْقَاضِي الْقَضَاءَ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّصَابِ ، فَإِذَا تَمَّ وَشَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى الْآخَرِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى قَضِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ امْرَأَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ لَمْ يَتِمَّ بِهِمَا وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْأَصْلِ يَعْلَمُ الْحَادِثَةَ يَقِينًا فَلَا يَسْتَفِيدُ بِإِشْهَادِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ شَيْئًا وَلِأَنَّ مَعْنَى الْأَصَالَةِ يَقْتَضِي مُشَاهَدَةَ الْحَقِّ وَمَعْنَى الْفَرْعِيَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمُشَاهَدَةِ فَيَتَنَافَيَانِ فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ الْفَرْعَ بَدَلٌ عَنْ الْأَصْلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ بَدَلًا وَأَصْلًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِأَنَّ شَاهِدَ الْأَصْلِ يُثْبِتُ نِصْفَ الْحَقِّ ، وَالْفَرْعَانِ نِصْفَهُ وَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى شَهَادَةِ صَاحِبِهِ لَأَثْبَتَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْحَقِّ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْفَرْعُ بَدَلًا لَمَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَا مَعَ أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ إذْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ ، وَالْمُبْدَلِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَيْنِ لَيْسَا بِبَدَلٍ عَنْ الَّذِي شَهِدَ مَعَهُمَا بَلْ عَنْ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ وَقَوْلُهُ : إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَقَعَ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِتَمَامِ النِّصَابِ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَى شَهَادَتِهِ رَجُلًا ؛ لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تُشْهِدَ عَلَى

شَهَادَتِهَا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ امْرَأَةٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ

( قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ) وَبِقَوْلِنَا هَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَصَحُّ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ عُدُولٌ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ لَا بِشَهَادَتِهِمْ وَصَارُوا كَالْمُتَرْجِمِ وَسَيَنْدَفِعُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ ) أَيْ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تُقْبَلُ إلَخْ جَمِيعُ الْحُقُوقِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ ) فِي هَذَا النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ كُلِّهَا وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ جَمِيعًا عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا جَائِزَةٌ وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ الْأَرْبَعَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ التَّفْرِيعِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَوَّزَ شَهَادَةَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَلَمْ يَنْفِ شَهَادَتَهُمَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ آخَرَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ كُلِّ أَصْلٍ فَرْعَانِ عَلَى حِدَةٍ فَدَلَّ إطْلَاقُهُ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ جَمِيعًا عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلَيْنِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ

خِلَافُهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ ) وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْإِشْهَادُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا ) وَهَذَا صِفَةُ الْإِشْهَادِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ ، وَالتَّوْكِيلِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ كَمَا يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي لِيَنْقُلَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ هُنَا وَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ التَّحْمِيلِ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ ؛ لِأَنَّ مَنْ عَايَنَ الْحَقَّ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْت فُلَانًا يُقِرُّ لِفُلَانٍ بِكَذَا فَاشْهَدْ أَنْتَ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ أَوْ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَاشْهَدْ أَنْتَ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلَا يَقُولُ : اشْهَدْ عَلَيَّ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ وَكَذَا لَا يَقُولُ اشْهَدْ بِشَهَادَتِي ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِأَنْ يَشْهَدَ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ فَيَكُونُ آمِرًا لَهُ بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَهُوَ كَذِبٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَدَاءُ الْفَرْعِ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ ) وَهَذَا صِفَةُ أَدَاءِ الْفَرْعِ عِنْدَ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِ وَذِكْرُ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذِكْرُ التَّحْمِيلِ ، وَالْجُمْلَةُ تَحْصُلُ بِذَلِكَ وَلَهُ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَقْصَرُ كِلَا طَرَفَيْ الْأُمُورِ ذَمِيمٌ وَأَوْسَطُهَا صَمِيمٌ فَالْأَطْوَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ : أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّهُ شَهِدَ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدَهُ وَأَشْهَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ لِي اشْهَدْ

عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفِيهِ ثَمَانِ شِينَاتٍ أَوْ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ عِنْدِي بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ فَيَذْكُرُ فِيهِ سِتَّ شِينَاتٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فِيهِ خَمْسُ شِينَاتٍ ، وَالْأَقْصَرُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ : أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ فَيَذْكُرُ فِيهِ أَرْبَعَ شِينَاتٍ أَوْ يَقُولُ : أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا فَيَذْكُرُ فِيهِ شِينَيْنِ لَا غَيْرُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ وَأَقْصَرُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يُخَالِفُهُ فِيهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ فَأَخْرَجَ لَهُمْ الرِّوَايَةَ مِنْ السِّيَرِ فَانْقَادُوا لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا شَهَادَةَ لِلْفَرْعِ إلَّا بِمَوْتِ أَصْلِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ ) ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا لِلْحَاجَةِ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ ، وَالْعَجْزُ يَتَحَقَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ الْحُضُورَ مَعَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْعَجْزِ ، فَإِذَا سَقَطَ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَهُ كَيْ لَا يُتْوَى حَقُّهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَمْرُ الْقَاضِي بِالْحُضُورِ إلَى مَوْضِعِ الْمَرِيضِ شَنِيعٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَرُبَّمَا لَا يَتَفَرَّغُ لِلْقُعُودِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَمْرَاضِ ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ ، وَالسَّفَرُ عُذْرٌ ظَاهِرٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَلَّقَتْ بِهِ أَحْكَامٌ جَمَّةٌ مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ ، وَالْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ وَامْتِدَادِ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَسُقُوطِ الْجُمُعَةِ ، وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةِ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ

الْأَحْكَامِ فَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ جَازَ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ ، وَالثَّانِي وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَرْفَقُ ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْحُقُوقِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ ، وَالشَّاهِدُ أَيْضًا مُحْتَسِبٌ فَلَا يُكَلَّفُ مَا فِيهِ حَرَجٌ وَفِي الْبَيْتُوتَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ فَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَتِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ وَإِحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ وَأَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا تَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ فَشَهِدَ الْفُرُوعُ عَلَى شَهَادَتِهِ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا شَهِدَ الْفُرُوعُ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ ، وَالْأُصُولُ فِي الْمِصْرِ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ إنَابَةَ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْجَوَابِ إلَّا بِعُذْرٍ فَكَذَا لَا يَمْلِكُ الْأَصْلُ إنَابَةَ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الشَّهَادَةِ إلَّا بِعُذْرٍ ، وَالْجَامِعُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْجَوَابِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَاسْتِحْقَاقِ الْحُضُورِ عَلَى الشُّهُودِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا مَلَكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَابَةَ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْجَوَابِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكَذَا فِي الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ عَدَّلَهُمْ الْفُرُوعُ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ

الْفُرُوعَ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ فَصَحَّ تَعْدِيلُهُمْ شُهُودَ الْأَصْلِ وَكَذَا إذَا عَدَّلَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ صَاحِبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ بِتَنْفِيذِ شَهَادَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَلَوْ اُتُّهِمَ بِمِثْلِهِ لَاتُّهِمَ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ وَكَانَ يَنْسَدُّ بَابُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ وَكَيْفَ يُتَّهَمُ بِهِ وَشَهَادَتُهُ لَمْ تُرَدَّ بِرَدِّ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ بَلْ تُقْبَلُ بِضَمِّ آخَرَ مَعَهُ ، وَإِنْ اتَّفَقَ الرَّدُّ فَهِيَ إنَّمَا تُرَدُّ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ وَقِيلَ لَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَ صَاحِبِهِ لِلتُّهْمَةِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا عُدِّلُوا ) أَيْ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمْ الْفُرُوعُ عُدِّلُوا بِسُؤَالِ غَيْرِ الْفُرُوعِ عَنْ الْأُصُولِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَى الْفُرُوعِ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا نَقَلُوا شَهَادَتَهُمْ يَتَعَرَّفُ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمْ كَمَا إذَا حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَشَهِدُوا عِنْدَهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ الشَّهَادَةَ وَلَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعَدَالَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ كَانَ يَعْرِفُ الْفُرُوعَ ، وَالْأُصُولَ بِالْعَدَالَةِ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ ، وَإِنْ عَرَفَ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ بِالْعَدَالَةِ دُونَ الْآخَرِ سَأَلَ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفْهُمْ بِهَا ، فَإِنْ عَدَّلَ الْأُصُولُ الْفُرُوعَ أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ عَدَالَةُ الْأُصُولِ بِتَعْدِيلِ الْفُرُوعِ ، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْفُرُوعُ لِلْقَاضِي لَا نَعْرِفُ حَالَهُمْ أَوْ لَا نُخْبِرُك بِحَالِهِمْ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْإِشْهَادُ ) أَيْ إشْهَادُ شَاهِدِ الْأَصْلِ شَاهِدَ الْفَرْعِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْفَرْعَ كَالنَّائِبِ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَرْعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ وَنَائِبٌ عَنْهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ نَائِبٌ عَنْهُ فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ كَالنَّائِبِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَفَرْعَيْنِ عَنْ أَصْلٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الْفَرْعُ نَائِبًا حَقِيقَةً لَمَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ كَمَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ ) أَيْ شَاهِدُ الْأَصْلِ عِنْدَ الْفَرْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِيَنْقُلَهُ ) أَيْ لِيَنْقُلَ الْفَرْعُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى شُهُودُ الْفَرْعِ يَجِبُ أَنْ يَذْكُرُوا أَسْمَاءَ الْأُصُولِ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ حَتَّى لَوْ قَالُوا لِلْقَاضِي نَشْهَدُ أَنَّ رَجُلَيْنِ نَعْرِفُهُمَا أَشْهَدَانَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا يَشْهَدَانِ بِكَذَا أَوْ قَالُوا لِلْقَاضِي : لَا نُسَمِّيهِمَا لَك أَوْ قَالَا لَا نَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يُسَمِّيَا ؛ لِأَنَّهُمَا تَحَمَّلَا مُجَازَفَةً لَا عَنْ مَعْرِفَةٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَهُ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَقْصَرُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَهَا قَوْلٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا وَأَقْصَرُ مِنْهُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ لِشَهَادَةِ الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْخَصَّافُ وَلَفْظٌ أَقْصَرُ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ وَأَوْسَطُهَا حَمِيمٌ ) فِي نُسْخَةٍ صَمِيمٌ ( قَوْلُهُ : فَالْأَطْوَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ إلَخْ ) نَسَبَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا إلَى الْخَصَّافِ فَقَالَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يُكَرِّرُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ ثَمَانِ مَرَّاتٍ وَذَكَرَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَذْكُرُ فِيهِ سِتَّ شِينَاتٍ )

قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ يَكْفِي ثَلَاثُ شِينَاتٍ فِي الْإِشْهَادِ وَسِتٌّ فِي الْأَدَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فِيهِ خَمْسُ شِينَاتٍ ) أَيْ كَمَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ يَقُولُ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَيُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ لَفَظَاتٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ أَوْلَى وَأَحْوَطُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ هُوَ لَفْظُ شَهَادَتِهِ ثُمَّ يُخْبِرُ بِذَلِكَ بِصِفَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَهَادَتُهُ وَهُوَ التَّحْمِيلُ ، أَمَّا قَوْلُهُ وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي هُوَ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ جَازَ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ وَذَلِكَ كَذِبٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْمِيلِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ تَحْمِيلًا بِالشَّكِّ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَمْرَ الشَّاهِدِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَأَنَّهُ لَا يَكْذِبُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّحْمِيلَ فَيَصِحُّ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ وَاَلَّذِي فِيهَا خَمْسُ شِينَاتٍ كَمَا فِي الْكَنْزِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ وَبِهَذَا الْقَوْلِ نَأْخُذُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي الْحُضُورِ فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَتِلْكَ مَشَقَّةٌ قَلِيلَةٌ فَلَا تُعْتَبَرُ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ حَسَنٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ عَدَّلَهُمْ الْفُرُوعُ

صَحَّ ) وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَعْدِيلَهُمَا لَا يَكُونُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ فَتَعْدِيلُهُ الْأَصْلَ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ تَعْدِيلِ الْأَصْلِ نَفْسِهِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْفَرْعَ نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ فِي نَقْلِ عِبَارَتِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي ، فَإِذَا نَقَلَ عِبَارَتَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ النِّيَابَةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَجَانِبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اُتُّهِمَ بِمِثْلِهِ لَاتُّهِمَ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ ) بِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ لِيَصِيرَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا عِنْدَ النَّاسِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ) أَيْ الْوَاجِبَ عَلَى الْفُرُوعِ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ ) أَيْ الْإِشْهَادَ ، وَمَعْنَاهُ إذَا قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ لَمْ نَعْرِفْهُمْ وَلَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا فَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ ؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ شَرْطٌ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ خَبَرِ الْأُصُولِ وَبَيْنَ خَبَرِ الْفُرُوعِ ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ بِذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ التَّحْمِيلُ مَعَ الِاحْتِمَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فُلَانَةِ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ بِأَلْفٍ وَقَالَا أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا فَجَاءَ بِامْرَأَةٍ فَقَالَا : لَا نَدْرِي أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا قِيلَ لِلْمُدَّعِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ ) ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ لِلْحَاضِرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ تِلْكَ النِّسْبَةِ لِلْحَاضِرَةِ وَنَظِيرُهُ إذَا شَهِدُوا بِبَيْعِ مَحْدُودٍ بِذِكْرِ حُدُودِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ وَشَهِدُوا عَلَى الْخَصْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الْمَحْدُودَ بِتِلْكَ الْحُدُودِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَصِحَّ الْقَضَاءُ بِهِ ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَتَبَ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسُوبَةَ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ

يَشْهَدَانِ أَنَّهَا هِيَ الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لِوِلَايَتِهِ يَنْفَرِدُ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ إلَيْهِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا ) أَيْ لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا وَهُوَ الْجَدُّ الْأَعْلَى ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ شَرْطٌ فِيهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامَّةِ وَهِيَ عَامَّةٌ وَيَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَاصَّةِ ، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْفَخْذِ خَاصَّةٌ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ النَّسَبِ الشَّعْبُ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخْذُ فَكَانَ أَخَصَّ مِنْ الْكُلِّ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الصِّحَاحِ وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيّ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْفَصِيلَةَ آخِرَ الْكُلِّ فَالشَّعْبُ مَجْمَعُ الْقَبَائِلِ ، وَالْقَبِيلَةُ مَجْمَعُ الْعَمَائِرِ ، وَالْعِمَارَةُ مَجْمَعُ الْبُطُونِ ، وَالْبَطْنُ مَجْمَعُ الْأَفْخَاذِ ، وَالْفَخْذُ مَجْمَعُ الْفَصَائِلِ خُزَيْمَةُ شَعْبٌ وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ وَقُرَيْشٌ عُمَارَةٌ وَقُصَيٌّ بَطْنٌ وَهَاشِمٌ فَخْذٌ ، وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ وَسُمِّيَ الشَّعْبُ شَعْبًا ؛ لِأَنَّ الْقَبَائِلَ تَتَشَعَّبُ مِنْهُ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ النَّسَبِ حُصُولُ الْعِلْمِ بِالْمَنْسُوبِ ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالنَّسَبِ إلَى الْخَاصِّ دُونَ الْعَامِّ وَبَنُو تَمِيمٍ عَامٌّ فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ والفرغانية نِسْبَةٌ عَامَّةٌ وَكَذَا السَّمَرْقَنْدِيَّة ، وَالْبُخَارِيَّةُ ، وَالْمِصْرِيَّةُ ، والأوزجندي ةُ خَاصَّةٌ وَكَذَا النِّسْبَةُ إلَى السِّكَّةِ الصَّغِيرَةِ بِخِلَافِ الْمَحَلَّةِ الْكَبِيرَةِ ثُمَّ التَّعْرِيفُ ، وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَذِكْرُ الْفَخْذِ أَوْ الْفَصِيلَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ قَالَ الْكَمَالُ : لِأَنَّ إنْكَارَهُمَا الشَّهَادَةَ إنْكَارٌ لِلتَّحْمِيلِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ فَوَقَعَ فِي التَّحْمِيلِ تَعَارُضُ خَبَرِهِمَا بِوُقُوعِهِ وَخَبَرِ الْأُصُولِ بِعَدَمِهِ وَلَا ثُبُوتَ مَعَ التَّعَارُضِ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ : لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ التَّحْمِيلُ ، فَإِذَا أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ شَهَادَتَهُمْ لَا يُوجَدُ التَّحْمِيلُ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ شُهُودُ الْأَصْلِ مَا لَنَا شَهَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ شُهُودُ الْفَرْعِ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ أَمَّا مَعَ حَضْرَتِهِمْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ ، وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ شُهُودُ الْأَصْلِ ا هـ كَافِي قَالَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَبِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ سَوَاءٌ أَنْكَرَ الْأُصُولُ شَهَادَتَهُمْ بِنَفْسِ الْحَادِثَةِ أَوْ أَنْكَرُوا إشْهَادَهُمْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَكِنْ مَتْنُ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا صَوَّرَهُ فِي الْكَافِي لَا عَلَى مَا صَوَّرَهُ الشَّارِحُ حَيْثُ قَالَا بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ وَلَمْ يَقُولَا بِإِنْكَارِ الْإِشْهَادِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا ) فَسَّرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْفَخْذَ بِالْقَبِيلَةِ الْخَاصَّةِ وَفَسَّرَهَا الْعَتَّابِيُّ بِالْأَبِ الْأَعْلَى الَّذِي يُنْسَبُ أَبُوهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بَنِي تَمِيمٍ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ فَلَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُنْسَبُوا إلَى الْقَبِيلَةِ الْخَاصَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : الشَّعْبُ ) بِفَتْحِ الشِّينِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ ) أَيْ

قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيّ وَقَوْلِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ ) أَيْ لَا يُضْرَبُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يَوْجَعُ ضَرْبًا وَيُحْبَسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ الْقَضَاءُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَفِيهَا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ إزَالَةً لِلْفَسَادِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّهَا كَبِيرَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَيُّهَا النَّاسُ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } } وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلُ الزُّورِ } ، فَإِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَعْزِيرِهِ فَقَطْ لَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ شُرَيْحًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُشَهِّرُ وَلَا يَضْرِبُ وَكَانَ يَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا وَإِلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعُ مَا يَكُونُونَ وَيَقُولُ : إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ وَشُرَيْحٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ تَابِعِيًّا وَلَكِنَّهُ زَاحَمَ الصَّحَابَةَ فِي الْفَتْوَى وَسَوَّغُوا لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَرَجَعُوا إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُنَاظَرَةِ فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحَابَةِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ يُقَلِّدُهُمْ وَعَدَّهُمْ فَقَالَ مِثْلُ مَسْرُوقٍ ، وَالْحَسَنِ وَعَلْقَمَةَ وَشُرَيْحٍ وَمَنْ

كَانَ فِي رُتْبَتِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ فَيَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى هَذَا تَقْلِيدُهُ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ لِتَجْوِيزِهِمْ فِعْلَهُمْ وَقَوْلَهُمْ لَا سِيَّمَا شُرَيْحٌ ، فَإِنَّهُ كَانَ قَاضِيًا فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مَشْهُورًا بَيْنَهُمْ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ وَهُوَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ فَيَكُونُ تَقْلِيدُهُ تَقْلِيدًا لَهُمْ ضَرُورَةً وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ كَانَ سِيَاسَةً بِدَلِيلِ تَبْلِيغِهِ أَرْبَعِينَ وَهُوَ حَدُّ الْعَبِيدِ فِي الْقَذْفِ وَبِدَلِيلِ تَسْخِيمِهِ وَهُوَ مِثْلُهُ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ وَلِذَا لَمْ يَقُولُوا بِهِ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ الْمُثْلَةِ ، وَلَوْ كَانَ فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ ، وَالتَّسْخِيمَ يَمْنَعَانِهِ مِنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْوُقُوعِ فَلَا يُشْرَعَانِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُشَهَّرُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ ، وَالنَّدَامَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَا كَانَ ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَعْلَمَ رُجُوعَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ ، فَإِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلَهُ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ التَّشْهِيرُ أَوْ التَّعْزِيرُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ شَهِدَ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا وَأَمَّا إذَا قَالَ غَلِطْت أَوْ نَسِيت أَوْ أَخْطَأْت أَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ أَوْ لِمُخَالَفَةٍ بَيْنَ الشَّهَادَةِ ، وَالدَّعْوَى أَوْ بَيْنَ شَهَادَتَيْنِ ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ الْكَاذِبُ مِنْهُمْ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ الشَّاهِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَقَدْ يَكْذِبُ الْمُدَّعِي لِيُنْسَبَ

الشَّاهِدَ إلَى الْكَذِبِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّفْيِ ، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةُ الْإِثْبَاتِ وَلَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ مِنْ الضَّمَانِ ، وَالتَّعْزِيرِ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا بِقَتْلِ شَخْصٍ أَوْ مَوْتِهِ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ حَيًّا لِتَيَقُّنِنَا بِكَذِبِهِمْ ، وَالرِّجَالُ ، وَالنِّسَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي شَاهِدِ الزُّورِ سَوَاءٌ وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا تَابَ قَالُوا : إنْ كَانَ فَاسِقًا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ فِسْقُهُ ، فَإِذَا تَابَ وَظَهَرَ صَلَاحُهُ تُقْبَلُ لِزَوَالِ الْفِسْقِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ التَّوْبَةِ فَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَعْضُهُمْ بِسَنَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ لَا تُعْتَمَدُ وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ وَبِهِ يُفْتِي فَتَخَلَّصَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُرَدُّ بِسَبَبِ التُّهْمَةِ وَسَبَبُهَا أَنْوَاعٌ إمَّا مَعْنًى فِي الشَّاهِدِ وَهُوَ الْفِسْقُ ، وَالْعَمَى وَإِمَّا مَعْنًى فِي الْمَشْهُودِ لَهُ وَهُوَ وَصْلَةٌ خَاصَّةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ كَقَرَابَةِ الْوِلَادِ ، وَالزَّوْجِيَّةِ ، وَإِمَّا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ فِي حَقِّ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ عَجْزَهُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ دَلِيلَ كَذِبِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَاهِدَانِ أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ لَمْ يُضْرَبَا وَقَالَا يُعَزَّرَانِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ فِي حَقِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ هُوَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الشَّهَادَةَ وَالْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَفَائِدَتُهُ أَيْ وَفَائِدَةُ وَضْعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ فِيمَا إذَا أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كَذِبُ الشَّاهِدِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا قَامَتْ عَلَى أَنَّهُمَا شَهِدَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تُسْمَعُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِالْإِجْمَاعِ ) غَيْرَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِتَشْهِيرِ حَالِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرْبِ خُفْيَةً وَهُمَا أَضَافَا إلَى ذَلِكَ الضَّرْبِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَسَخَّمَ ) يُقَالُ سَخَّمَ وَجْهَهُ إذَا سَوَّدَهُ مِنْ السُّخَامِ وَهُوَ سَوَادُ الْقُدُورِ وَقَدْ جَاءَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْأَسْحَمِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَفِي الْمُغْنِي وَلَا يُسَخِّمُ وَجْهَهُ بِالْخَاءِ وَالْحَاءِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَشُرَيْحٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى تَقْلِيدَ التَّابِعِيِّ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ نَجْتَهِدُ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ هُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ سِيَاسَةً ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ ضَرْبِ عُمَرَ وَالتَّسْخِيمِ

كَانَ سِيَاسَةً ، فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ ذَلِكَ مَصْلَحَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَقَدْ يُرَدُّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابَةِ عُمَرَ بِهِ إلَى عُمَّالِهِ فِي الْبِلَادِ ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى السِّيَاسَةِ بِالتَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ إلَى الْحُدُودِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُجِيزُهُ وَقَدْ أَجَازَ عَالِمُ الْمَذْهَبِ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ وَتِسْعٌ وَسَبْعُونَ فَجَازَ كَوْنُ رَأْيِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَلِكَ ، وَأَمَّا كَوْنُ التَّسْخِيمِ مِثْلَهُ مَنْسُوخَةٌ فَقَدْ يَكُونُ رَأْيُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْمُثْلَةَ لَيْسَتْ إلَّا فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الْبَدَنِ وَيَدُومُ لَا بِاعْتِبَارِ عَرَضٍ يُغْسَلُ فَيَزُولُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَا كَانَ ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ شَهِدْت فِي هَذِهِ بِالزُّورِ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ ( قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا تَصْرِيحٌ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَشَاهِدُ الزُّورِ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ بِمُخَالَفَتِهِ الدَّعْوَى أَوْ الشَّاهِدَ الْآخَرَ أَوْ تَكْذِيبِ الْمُدَّعَى لَهُ إذْ قَدْ يَكُونُ مُحِقًّا فِي الْمُخَالَفَةِ أَوْ لِلْمُدَّعِي غَرَضٌ فِي أَذَاهُ وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِ وَاحِدٍ فَيَجِيءَ حَيًّا ا هـ

( كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ ) اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } وقَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَكْتُمْهَا ، فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَاتِمُ الشَّهَادَةِ كَشَاهِدِ الزُّورِ } وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الشَّاهِدُ بِالزُّورِ لَا يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى تَلْعَنَهُ مَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ ، وَالْأَرْضِ } فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الِاجْتِنَابُ عَنْهَا ، وَإِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ ، وَالتَّوْبَةُ عَنْهَا لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يَمْنَعُهُ عَنْهَا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ النَّاسِ وَخَوْفُ الْأَئِمَّةِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ الْخَالِقِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْمَخْلُوقِ وَفِيهِ تَدَارُكُ مَا أَتْلَفَهُ بِالزُّورِ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي ثُمَّ رُكْنُ الرُّجُوعِ أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت بِهِ أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْت وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ التَّعْزِيرُ ، وَالضَّمَانُ وَقَبْلَهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ أَيِّ حَاكِمٍ كَانَ كَالْفَسْخِ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ مِنْ قِيَامِ الْمَبِيعِ وَرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ تَوْبَةٌ عَمَّا اُرْتُكِبَ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ ، وَالتَّوْبَةِ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { السِّرُّ بِالسِّرِّ ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ } فَإِذَا كَانَتْ الْجَرِيمَةُ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ تَوْبَتُهَا كَذَلِكَ ، فَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ عِنْدَ غَيْرِهِ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَوْ أَقَامَ الْمَقْضِيُّ

عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا بَيِّنَةً بِأَنَّهُمَا رَجَعَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ طَلَبَ يَمِينَهُمَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَحْلِفَانِ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُمَا رَجَعَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي حَيْثُ يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا ، وَإِنْ أَقَرَّا بِرُجُوعٍ بَاطِلٍ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا بِهِ يُجْعَلُ رُجُوعًا مِنْهُمَا فِي الْحَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا رَجَعَا عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي كَانَ قَضَى بِالْحَقِّ حَيْثُ تُقْبَلُ هُنَاكَ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا صَحِيحًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ رَجَعَا قَبْلَ حُكْمِهِ لَمْ يَقْضِ بِهَا ) ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا مُتَنَاقِضٌ فَالْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَحَدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا الْحَقُّ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَا عَلَى الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ حَقِّهِ لَا يُضَافُ إلَى رُجُوعِهِمَا بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْعَدَمِ عَلَى مَا كَانَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ : لَوْلَا رُجُوعُهُمَا لَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا وَلَثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ لَكِنْ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ أَبَيَا أَنْ يَشْهَدَا ابْتِدَاءً وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا عِنْدَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمَا صَادِقَانِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يُجَرَّحَا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ عَلَى دَعْوَاهُ فَلَعَلَّهُ يَشْهَدُ لَهُ غَيْرُهُمَا مِنْ الْعُدُولِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ وَلَا يُتْوَى وَلَئِنْ تَوَى فَهُوَ مُضَافٌ إلَى عَجْزِهِ لَا إلَيْهِمَا

( كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ ) لَمَّا كَانَ هَذَا أَبْحَاثَ رَفْعِ الشَّهَادَةِ وَمَا تَقَدَّمَ أَبْحَاثَ إثْبَاتِهَا فَكَانَا مُتَوَازِيَيْنِ فَتُرْجِمَ هَذَا بِالْكِتَابِ كَمَا تُرْجِمَ ذَلِكَ لِلْمُوَازَاةِ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا فَلَيْسَ لِهَذَا أَبْوَابٌ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِ مَسَائِلِهِ لِيَكُونَ كِتَابًا كَمَا لِذَاكَ وَلِتَحَقُّقِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ إذْ لَا رَفْعَ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ نَاسَبَ أَنْ يَجْعَلَ تَعْلِيمَهُ بَعْدَهُ كَمَا أَنَّ وُجُودَهُ بَعْدَهُ وَخُصُوصَ مُنَاسَبَتِهِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَهُوَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِتَقَدُّمِهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ عَقِبَ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ ؛ إذْ الرُّجُوعُ يَقْتَضِي سَبْقَ الشَّهَادَةِ وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِشَهَادَةِ الزُّورِ إذْ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ مُسَبَّبٌ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ ثُمَّ لِلرُّجُوعِ رُكْنٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّاهِدِ شَهِدْت بِزُورٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي أَيِّ قَاضٍ كَانَ فَيَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَحُكْمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ ) قَالُوا وَيُعَزَّرُ الشُّهُودُ سَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ تَعَمُّدِ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَ أَوْ التَّهَوُّرِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَلَى ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ ا هـ كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَحُكْمُهُ إيجَابُ التَّعْزِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ رَجَعَ قَبْلَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ وَالضَّمَانِ مَعَ التَّعْزِيرِ إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَكَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا وَقَدْ أَزَالَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَبْلَهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ ) أَيْ بِالضَّرْبِ عِنْدَهُمَا وَبِالتَّشْهِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي

) قَالَ الْكَمَالُ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْقَاضِي الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرَهُ ا هـ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَزَادَ جَمَاعَةٌ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِرُجُوعِهِمَا وَيُضَمِّنَهُمَا الْمَالَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَرَادَ يَمِينَهُمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَرْجِعَا لَا يَحْلِفَانِ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى هَذَا الرُّجُوعِ لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَإِلْزَامُ الْيَمِينِ لَا يُقْبَلُ إلَّا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ ثُمَّ قَالَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَقَيُّدِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِذَلِكَ وَنُقِلَ هَذَا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ وَتَرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مُصَنِّفِي الْفَتَاوَى هَذَا الْقَيْدَ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ تَعْوِيلًا عَلَى هَذَا الِاسْتِبْعَادِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ شَاهِدٌ بِالرُّجُوعِ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ وَبِالْتِزَامِ الْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إذَا تَصَادَقَا أَنَّ لُزُومَ الْمَالِ عَلَيْهِ كَانَ بِهَذَا الرُّجُوعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالتَّوْبَةُ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجِنَايَةُ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ عَنْهَا وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ مُخْتَصًّا بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَيْضًا أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ { مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ مُعَاذٌ أَوْصِنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ

تَعَالَى مَا اسْتَطَعْت وَاذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ وَإِذَا عَمِلْت شَرًّا فَأَحْدِثْ تَوْبَةَ السِّرِّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِالْعَلَانِيَةِ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَحْلِفَانِ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا ) وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَإِلْزَامُ الْيَمِينِ لَا يُقْبَلُ إلَّا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ رَجَعَا قَبْلَ حُكْمِهِ لَمْ يَقْضِ بِهَا ) حَيْثُ قَالُوا نَشْهَدُ بِكَذَا لَا نَشْهَدُ بِهِ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الشُّهُودِ إنْ كَانَ حَالُهُمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلَ مِنْ حَالِهِمْ وَقْتَ الْأَدَاءِ فِي الْعَدَالَةِ صَحَّ رُجُوعُهُمْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيُعَزَّرُونَ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ الرُّجُوعِ كَحَالِهِمْ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ دُونَهُ يُعَزَّرُونَ وَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّاهِدِ وَهَذَا قَوْلُ أُسْتَاذِهِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ وَرَجَعَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَكِنْ إذَا قَضَى عَلَيْهِ هَذَا الْقَاضِي بِالضَّمَانِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَنَقَلَهُ عَنْ شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الدِّينِ الْبَدِيعُ يَسْتَبْعِدُ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَالْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ ) وَلِأَنَّهُ أَيْ كَلَامَهُ الَّذِي نَاقَضَ بِهِ وَهُوَ الْمُتَأَخِّرُ فِي احْتِمَالِهِ الصِّدْقَ كَالْأَوَّلِ

فَلَيْسَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَوُقِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهَا صَارَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ فَسَقَطَتْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ ) أَيْ إذَا رَجَعُوا بَعْدَمَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمْ لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا مُتَنَاقِضٌ فَكَمَا لَا يُحْكَمُ بِالْمُتَنَاقِضِ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالْمُتَنَاقِضِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ عَمْرًا قَتَلَهُ بَكْرٌ بِالْكُوفَةِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمِصْرَ ، فَإِنَّهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ يَرُدَّانِ وَبَعْدَهُ لَا يُنْقَضُ لِتَرَجُّحِهِ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ نُقِضَ أَدَّى إلَى النَّقْضِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِرُجُوعِهِ عَنْ الرُّجُوعِ ثُمَّ بِرُجُوعِهِ عَنْ هَذَا الرُّجُوعِ الْأَخِيرِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَا مَا أَتْلَفَاهُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا ) ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي يُوجِبُ الضَّمَانَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَضْمَنَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّسْبِيبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ قُلْنَا لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَاضِي عِنْدَ رُجُوعِ الشُّهُودِ ، وَإِنْ كَانَ مُبَاشِرًا ؛ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ مِنْ جِهَتِهِمَا ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمَا حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ بِإِثْمٍ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَيُعَزَّرُ وَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الضَّمَانَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى فَتَعَيَّنَ صَاحِبُ السَّبَبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى صَاحِبِ الْعِلَّةِ كَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى شُهُودِ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَمَا قَتَلَهُ الْوَلِيُّ وَهُوَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَأَمْرُ الدَّمِ أَعْظَمُ

ثُمَّ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْمَالَ وَهُوَ يُثْبِتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَيَقُولُ إنَّ الْقَاضِيَ مَلْجَأٌ وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمَالِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَلَا يُقَالُ أَنْتُمْ أَيْضًا تَنَاقَضَ قَوْلُكُمْ ، فَإِنَّكُمْ أَوْجَبْتُمْ عَلَى الشَّاهِدِ الْمَالَ إذَا رَجَعَ وَلَمْ تُوجِبُوا عَلَيْهِ الْقِصَاصَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءُ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِصَاصُ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِنِهَايَةِ الْجِنَايَةِ ، وَالتَّسْبِيبُ فِيهِ قُصُورٌ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْمُبَاشِرِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمُبَاشِرِ فَكَانَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ ، وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ دُونَ ضَمَانِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ ، وَالْمَالَ يَجِبُ ، وَالْخَطَأُ أَقْوَى مِنْ التَّسْبِيبِ لِوُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ فِيهِ وَلِهَذَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ بِخِلَافِ التَّسْبِيبِ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِهِ الْقِصَاصُ وَقَوْلُهُ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا وَهَذَا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَتَحَقَّقُ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي مَالَهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَيْنِ ، وَالدَّيْنِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الضَّمَانُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَشْهُودُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُقَيَّدٌ بِالْمُمَاثَلَةِ فَفِي الْعَيْنِ زَوَالُ مِلْكِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَنْهَا بِالْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا وَجَازَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُمَاثَلَةُ إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِيجَابِ الدَّيْنِ وَفِي الْعَيْنِ تَتَحَقَّقُ وَكَذَلِكَ فِي الْعَقَارِ يَضْمَنُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ

رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِيهِ وَهَذَا الْإِتْلَافُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِالْكَلَامِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْعَقَارَ عِنْدَ شَخْصٍ فَأَقَرَّ بِهِ الْمُودِعُ لِغَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْمُودِعِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ فِيهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ حَلَّلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ الْمَشْهُودَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَصِيرُ مَالًا فِي الْعَاقِبَةِ بِالْقَبْضِ فَيَتَحَقَّقُ الْإِتْلَافُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ رَجَعَا حَيْثُ لَا يَضْمَنَانِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ الْآدَمِيِّ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَبَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالرُّجُوعِ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ وَالْقَضَاءُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ لَا يَجُوزُ فَلَا يَفْسَخُ الْقَاضِي حُكْمَهُ بِالرُّجُوعِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَمَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْحُكْمُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَضَمِنَا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لَهُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِتْلَافِ السَّبَبُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالسَّبَبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ فَسَقَطَ حُكْمُ السَّبَبِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ وَلَنَا أَنَّ الشُّهُودَ لَمَّا رَجَعُوا عُلِمَ أَنَّ الْمَالَ وَصَلَ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ وَشَهَادَتُهُمْ كَانَتْ بَاطِلَةً وَتَسْلِيمُ مَالِ الْغَيْرِ إلَى الْغَيْرِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلَا عَلَى الْقَاضِي بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ فَلِأَنَّ رُجُوعَ الشَّاهِدِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ ، وَأَمَّا عَلَى الْقَاضِي فَلِأَنَّهُ كَالْمُلْجَأِ عَلَى الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فُرِضَ عَلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَرَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ يَكْفُرُ وَلَوْ رَأَى ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ يَفْسُقُ وَإِذَا كَانَ كَالْمُلْجَأِ كَانَ مَعْذُورًا فِي قَضَائِهِ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَعَلَى الْقَاضِي فَتَعَيَّنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الشُّهُودِ ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا سَبَبًا لِإِزَالَةِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ لِلْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالْعِتْقِ ثُمَّ رَجَعُوا ا هـ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ التَّسْبِيبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي إلَخْ ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِأَنَّهُمَا تَعَدَّيَا وَوَضَعَا

الشَّهَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى تَلَفِ الْمَالِ وَالْإِتْلَافُ بِسَبَبٍ إذَا كَانَ بِسَبِيلِ التَّعَدِّي يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا فِي حَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ كَلَامَ الشُّهُودِ مُتَنَاقِضٌ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّهَمٍ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَسْتَرِدُّ الْمَالَ مِنْ الْمَحْكُومِ لَهُ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الشَّاهِدِ صَحَّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّسْبِيبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ ) قُلْنَا الْمُبَاشِرُ الْقَاضِي وَالْمُدَّعِي وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُلْجَأِ إلَى مُبَاشَرَةِ الْقَضَاءِ الَّذِي بِهِ الْإِتْلَافُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِافْتِرَاضِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ ، وَإِذَا أَلْجَأَهُ الشَّرْعُ لَا يُضَمِّنُهُ ، وَأَمَّا الْمُدَّعِي فَلِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحَقٍّ ظَاهِرٍ مَاضٍ ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الرُّجُوعِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِيُنْقَضَ الْحُكْمُ وَإِذَا لَمْ يُنْقَضْ لَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ عَلَى إعْطَاءِ مَا أَخَذَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَاضِي شَرْعًا وَإِذَا تَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمُبَاشِرِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمُتَعَدِّي بِالتَّسْبِيبِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ) أَيْ خُوَاهَرْ زَادَهْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الضَّمَانُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ فِي شَرْطِ الْقَبْضِ لِضَمَانِ الْعَيْنِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْمِلْكِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ فِي زَعْمِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَالْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ فَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمِلْكُ عَنْ يَدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَشْهُودُ لَهُ ) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ فَقَالَ شَهِدَا بِعَيْنٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ قَبَضَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُمَا أَزَالَا مِلْكَ الْآخَرِ عَنْ

الْعَيْنِ الْمَقْضِيِّ بِهِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ قَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَضْمَنُونَ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا وَمَا حَالَا وَلِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا دَيْنًا وَلَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لَا جُرْمَ لَوْ قَبَضَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَصَارَ عَيْنًا يَضْمَنُ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فُرُوعٌ ) شَهِدَا أَنَّهُ أَجَّلَهُ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَاهُ حَالًّا ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَوْ تَوَى مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ لَوْ يَرْجِعَا عَلَى الطَّالِبِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ شَهِدَا عَلَى هِبَةِ عَبْدٍ وَتَسْلِيمٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ كَالْعِوَضِ ، وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْ الْوَاهِبُ الشَّاهِدَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا يُخَيِّرُ الْبَائِعَ بَيْنَ رُجُوعِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى سَنَةٍ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الشَّاهِدَيْنِ قِيمَتَهُ حَالَّةً وَلَا يُضَمِّنُهُمَا الْخَمْسَمِائَةِ ، فَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ رَجَعَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْبَائِعِ بِالضَّمَانِ وَطَابَ لَهُمَا قَدْرُ مِائَةٍ وَتَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ ا هـ كَمَالٌ مَعَ حَذْفِ فُرُوعٍ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الضَّمَانَ ) أَيْ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ إلَخْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَجَازَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ ) وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُوَافِقُ فِي وَجْهِ الدَّيْنِ وَيَقُولُ فِي الْعَيْنِ : إنَّ الْمِلْكَ ، وَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ لِلْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ لَكِنْ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَ شَيْئًا

مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ قَالَ الْبَزَّازِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الضَّمَانُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا ا هـ كَمَالٌ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ الشَّاهِدَانِ إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا رُجُوعًا مُعْتَبَرًا يَعْنِي عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لَكِنْ ضَمِنَا الْمَالَ الَّذِي شَهِدَا بِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى سَوَاءٌ قَبَضَ الْمَقْضِيُّ لَهُ الْمَالَ الَّذِي قَضَى بِهِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَذَا الْعَقَارُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ ، وَالْعِبْرَةُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِمَنْ رَجَعَ ) وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ الضَّمَانُ مَعَ بَقَاءِ مَنْ يَقُومُ بِكُلِّ الْحَقِّ بِأَنْ بَقِيَ النِّصَابُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَقِيَ مَنْ يَقُومُ بِنِصْفِ الْحَقِّ فَيَجِبُ ضَمَانُ النِّصْفِ وَلَا يُقَالُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْقَى بِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ ابْتِدَاءً كَالْحَوْلِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى النِّصَابِ يَبْقَى بِبَقَاءِ بَعْضِ النِّصَابِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ ابْتِدَاءً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( : فَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَرَجَعَ وَاحِدٌ لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ تَكْفِي لِثُبُوتِ الْحَقِّ فِي غَيْرِ الزِّنَا ، وَالْكَلَامِ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَتْ فَصَارَ الْحَقُّ مُسْتَحَقًّا بِهَا ، وَالِاسْتِحْقَاقُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَقِّ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمُتْلِفُ بِبَيِّنَةٍ لَا يَضْمَنُ لِلْأَوَّلِ شَيْئًا فَكَذَا هَذَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَا النِّصْفَ ) ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَيَبْقَى بِبَقَائِهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الرَّاجِعُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ كَانَ مُضَافًا إلَى الْبَاقِيَيْنِ وَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا بِرُجُوعِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّلَفُ مُضَافٌ إلَى الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ رُجُوعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ لِمَانِعٍ وَهُوَ بَقَاءُ الشَّاهِدَيْنِ فَلَمَّا رَجَعَ آخَرُ ظَهَرَ أَثَرُهُ إذْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ يَقُومُ بِنِصْفِ الْحَقِّ فَيَغْرَمَانِ النِّصْفَ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا كَمَا يَلْزَمُ جَمِيعَهُمْ الضَّمَانُ إذَا رَجَعُوا وَهُمْ ثَلَاثَةٌ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي الضَّمَانُ ؛ لِأَنِّي لَوْ رَجَعْت وَحْدِي لَمَا وَجَبَ

عَلَيَّ فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ الضَّمَانُ بِرُجُوعِ غَيْرِي( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالْعِبْرَةُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِمَنْ رَجَعَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرُوا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الرُّجُوعِ لِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ لَا لِرُجُوعِ مَنْ رَجَعَ وَأَنَّ الشَّاهِدَ فِي رُجُوعِهِ يَضْمَنُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَا أَثْبَتَ بِشَهَادَتِهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَرُجُوعُهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا فِي إبْطَالِ مَا ثَبَتَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا الْعِبْرَةُ لِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِرُجُوعِ مَنْ رَجَعَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ وَاجِبًا عَلَى الرَّاجِعِ مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُبْقِي كَمَا إذَا رَجَعَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ ضَمَانُ الْإِتْلَافِ بِلَا تَلَفٍ وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ الْحَقُّ بَاقٍ لَمْ يَتْلَفْ مِنْهُ شَيْءٌ بِبَقَاءِ الشَّاهِدَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَالْحَوْلِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى النِّصَابِ يَبْقَى إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَأَمَّا مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الِاثْنَيْنِ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَيَقْتَضِي أَنْ يَضْمَنَ الْوَاحِدُ الرَّاجِعُ كُلَّ الْمَالِ فَهُوَ مُصَادِمٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى نَفْيِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَفْيِهِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَلْزَمُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ مَا يَلْزَمُ فِي الِابْتِدَاءِ وَحِينَئِذٍ فَبَعْدَمَا ثَبَتَ شَيْءٌ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ نُسِبَ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ ثُبُوتُ حِصَّةٍ مِنْهُ بِشَهَادَتِهِ فَتَبْقَى هَذِهِ الْحِصَّةُ مَا بَقِيَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَيَكُونُ مُتْلِفًا لَهَا بِرُجُوعِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ الرُّبْعَ ) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِبَقَاءِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ إذْ الرَّجُلُ وَحْدَهُ بِالنِّصْفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا النِّصْفَ ) ؛ لِأَنَّهُ بِبَقَاءِ الرَّجُلِ بَقِيَ نِصْفُ الْحَقِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِمَا الرُّبْعُ أَثْلَاثًا ، وَإِنْ رَجَعَ رَجُلَانِ فَعَلَيْهِمَا النِّصْفُ ، وَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَتَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَتْ ثَمَانٍ لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ الرَّجُلُ ، وَالْمَرْأَتَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَ رُبْعَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بِبَقَاءِ الرَّجُلِ ، وَالْمَرْأَةِ بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ النِّصْفُ بِالرَّجُلِ ، وَالرُّبْعُ بِالْمَرْأَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ رَجَعُوا فَالْغُرْمُ بِالْأَسْدَاسِ ) يَعْنِي سُدُسَهُ عَلَى الرَّجُلِ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ عَلَى النِّسْوَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ ؛ لِأَنَّهُنَّ ، وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِهِنَّ مَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفَ الْحَقِّ وَبِشَهَادَتِهِنَّ النِّصْفَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ مُتَعَيِّنٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ لِلْقِيَامِ بِنِصْفِ الْحُجَّةِ فَلَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ إلَّا بِوُجُودِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْحُكْمُ بِكَثْرَةِ النِّسَاءِ ، فَإِذَا ثَبَتَ نِصْفُ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ ضَمِنَ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِنَّ فَعَلَيْهِنَّ ضَمَانُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ قَالَ عَلَيْهِ

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي نُقْصَانِ عَقْلِهِنَّ { عَدَلَتْ شَهَادَةُ كُلِّ اثْنَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ } فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِذَلِكَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ أَسْدَاسًا وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الرِّجَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي الْمِيرَاثِ تَقُومَانِ مَقَامَ ابْنٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ فَلَا يَزْدَادُ نَصِيبُهُنَّ ، وَإِنْ اخْتَلَطْنَ بِابْنٍ يَزِيدُ فَيُعْتَدُّ بِكَثْرَتِهِنَّ فَكَذَا هُنَا ، وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ دُونَ الرَّجُلِ كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَهُوَ الرَّجُلُ وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْحَقِّ لِبَقَاءِ مَنْ يَقُومُ بِالنِّصْفِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَثَمَانِ نِسْوَةٍ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الْحَقِّ وَلَا شَيْءَ عَلَى النِّسْوَةِ ؛ لِأَنَّهُنَّ ، وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ فَيَجْعَلُ الرَّاجِعَاتِ كَأَنَّهُنَّ لَمْ يَشْهَدْنَ وَهَذَا سَهْوٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ أَخْمَاسًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَانَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِشَاهِدَةٍ بَلْ هِيَ بَعْضُ الشَّاهِدِ فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ الْخُمُسَانِ وَعَلَيْهِنَّ ثَلَاثَةُ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ، وَلَوْ رَجَعَ

الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاجِعَةِ أَثْلَاثًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ

( قَوْلُهُ : فَعَلَيْهِمَا الرُّبْعُ أَثْلَاثًا ) ثُلُثَا الرُّبْعِ وَهُوَ سُدُسٌ عَلَى الرَّجُلِ وَثُلُثُ الرُّبْعِ وَهُوَ نِصْفُ سُدُسٍ عَلَى الْمَرْأَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَ ) أَيْ النِّسْوَةُ التِّسْعُ الرَّاجِعَاتُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ رَجَعُوا ) أَيْ الرَّجُلُ وَالنِّسْوَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ ) فَصَارَتْ شَهَادَةُ عَشْرِ نِسْوَةٍ كَشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَتَصِيرُ شَهَادَةُ عَشْرِ نِسْوَةٍ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ خَمْسَةِ رِجَالٍ فَصَارَ كَأَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا سِتَّةَ رِجَالٍ فَرَجَعُوا جَمِيعًا فَوَجَبَ الضَّمَانُ أَسْدَاسًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ بِالِاتِّفَاقِ ) عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ فَعِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْمَالِ وَعِنْدَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَهُوَ الرَّجُلُ ) كَمَا لَوْ شَهِدَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعَ خَمْسَةٌ ثُمَّ لَيْسَتْ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِضَمَانِ النِّصْفِ مِنْ الْأُخْرَيَيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَخْ ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ ، وَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا إلَخْ فَلَا سَهْوَ إذْ كَذَا أَفَادَ شَيْخُنَا الْبُرْهَانُ الطَّرَابُلُسِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ شَاهِدٍ فَلَا يُضَافُ

الْحُكْمُ إلَى بَعْضِ الْعِلَّةِ ا هـ قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ ) أَيْ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ أَثْلَاثٌ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ضَمِنَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ نِصْفَ الْمَالِ أَثْلَاثًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الرَّجُلُ نِصْفَ الْمَالِ وَلَا تَضْمَنُ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الثَّابِتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ نِصْفُ الْحَقِّ وَبَقِيَ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ نِصْفُ الْحَقِّ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَقُّ بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى الشُّيُوعِ ثُمَّ تُقَامُ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ مَقَامَ رَجُلٍ فَثَلَاثُ نِسْوَةٍ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَنِصْفٍ ، فَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا وَعِنْدَهُ أَخْمَاسًا عَلَى النِّسْوَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَرَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا ) سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ أَوْ هُوَ وَمُرَادُهُ هَذَا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَتْلَفَا عَلَيْهِ شَيْئًا بِعِوَضٍ يُقَابِلُهُ ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّهَا ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا الْبُضْعَ بِعِوَضٍ مُتَقَوِّمٍ وَأَمَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَأَتْلَفَا عَلَيْهِ الْمَالَ الْمُتَقَوِّمَ بِمُقَابَلَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَا لَهُ مُطْلَقًا قُلْنَا الْبُضْعُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ دُخُولِهِ فِي الْمِلْكِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ زَادَا عَلَيْهِ ضَمِنَاهَا ) أَيْ إنْ زَادَا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ضَمِنَا الزِّيَادَةَ هَذَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلنِّكَاحِ وَهُوَ يُنْكِرُ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى الزَّوْجِ قَدْرَ الزِّيَادَةِ بِلَا عِوَضٍ وَلَمْ يُذْكَرْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَحُكْمُهُ أَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ لَهَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْمُتَقَوِّمِ إذْ التَّضْمِينُ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ وَيَتَقَوَّمُ بِالتَّمَلُّكِ ضَرُورَةَ إبَانَةِ خَطَرِ الْمَحَلِّ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا كَالْقِصَاصِ ، وَالنِّكَاحِ لَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مَالًا ، فَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ يُعَادِلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ لَا يَعْدِلُهُ لَا يَضْمَنُ بِقَدْرِ الْعِوَضِ وَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْعِوَضِ وَتَخْرُجُ الْمَسَائِلُ عَلَى هَذَا ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا بِقَبْضِ مَهْرِهَا أَوْ بَعْضِهِ فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا

عَلَيْهَا مَالًا وَهُوَ الْمَهْرُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا دُونَ الْبُضْعِ ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُمِائَةٍ وَأَنَّهَا قَبَضَتْ الْأَلْفَ وَهِيَ تُنْكِرُ فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا فِيهِ إذْ لَمْ يَقْضِ بِوُجُوبِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنِّكَاحِ مَعَ قَبْضِ الْمَهْرِ قَضَاءٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِهَا عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا قَضَاءٌ بِالْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِهِ فَلَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ بِالْقَبْضِ إتْلَافًا لِلْمُسَمَّى لِعَدَمِ وُجُوبِهِ أَصْلًا بَلْ وَقَعَتْ إتْلَافًا لِلْبُضْعِ فَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْرِيرِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الشُّهُودِ قِيمَةَ الْبُضْعِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِهِ بِالْقَضَاءِ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ ، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ إيَّاهُ ، وَلَوْ شَهِدَا بِالنِّكَاحِ عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَشْهَدَا بِالْقَبْضِ حَتَّى قَضَى بِهِ ثُمَّ شَهِدَا بِالْقَبْضِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ ضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ أَلْفًا ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا شَهِدَا بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ بِشَهَادَتِهِمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا ذَلِكَ فَيَضْمَنَانِ جَمِيعَهُ ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ ، وَقَالَتْ : تَزَوَّجَنِي عَلَى أَلْفٍ وَذَلِكَ مَهْرُ مِثْلِهَا فَأَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدَيْنِ بِمَا ادَّعَى وَقَضَى لَهُ بِذَلِكَ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا تِسْعَمِائَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ

النِّكَاحِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمَهْرِ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَلَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَقَضَى لَهَا عَلَيْهِ بِأَلْفٍ فَأَتْلَفَا عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ تِسْعَمِائَةٍ فَيَضْمَنَانِهِ وَعِنْدَهُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهَا شَيْئًا وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَإِنْ أَتْلَفَا مَنْفَعَةً بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَكْرَى دَابَّتَهُ بِمِائَةٍ وَأَجَّرَ مِثْلَهَا مِائَتَانِ فَرَكِبَهَا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ ، وَالْمُنْكِرُ صَاحِبَ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شُبْهَةِ عَقْدٍ ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لِمَا عُرِفَ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي صَاحِبَ الدَّابَّةِ ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ ضَمِنَا لَهُ مَا زَادَ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِلَا عِوَضٍ وَقُدِّرَ أَجْرُ الْمِثْلِ بِعِوَضٍ فَلَمْ يَضْمَنَاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَضْمَنَا فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا نَقَصَ ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّهُ بَاعَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ لَمْ يَضْمَنَا لَهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الْمَبِيعَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ أَوْ يَفُوقُهُ ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافَ ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ أَوْ كَانَ بَاتًّا ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْبَيْعُ السَّابِقُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمَا ، فَإِنْ قِيلَ : الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ وَقَدْ كَانَ

مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ فِي الْمُدَّةِ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ رَضِيَ بِالْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَا لَهُ شَيْئًا قُلْنَا : السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ هُوَ الْبَيْعُ الْمَشْهُودُ بِهِ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ عِنْدَ النَّفَاذِ فَكَانَ الْإِتْلَافُ حَاصِلًا بِشَهَادَتِهِمَا فَيَضْمَنَانِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ مُنْكِرًا لِلْبَيْعِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُقِرِّ بِالْبَيْعِ فَيَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ عِنْدَ النَّاسِ فَيَكُونُ كَاذِبًا عِنْدَهُمْ فَيَتَوَقَّاهُ حَذَرًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا أَجَازَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشُّهُودِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْمُسَبِّبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشِرِ هَذَا إذَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَشْهَدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَهِدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ مَعَ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ يُنْظَرُ ، فَإِنْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ ضَمِنَا الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا بِالْقَبْضِ فَيَضْمَنَانِهِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرَ بِشَهَادَتِهِمَا الْأُولَى ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِيمَةُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْبَيْعِ لَا بِوُجُوبِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالثَّمَنِ يُقَارِنُهُ مَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْقَبْضِ ، وَالْقَضَاءُ بِالشَّيْءِ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ لَا يُقْضَى بِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ

شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْبَيْعِ ، وَالْإِقَالَةِ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيْعِ لِاقْتِرَانِ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْإِقَالَةِ فَكَذَا هُنَا ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالشِّرَاءِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَضْمَنَا لِلْمُشْتَرِي شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ لَا يَكُونُ إتْلَافًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَا مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الزَّائِدَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَضْمَنَانِهِ لَهُ وَكَذَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَجَازَ الْبَيْعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَإِنْ جَازَ بِإِجَازَتِهِ لَا يَضْمَنَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الْبَائِعِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَرَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ الْعَرْضُ أَعْنِي مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ كَمَا فِي إتْلَافِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ الْمَغْصُوبَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِ الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً مَرِيضَةً لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِلْبُضْعِ قِيمَةٌ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ إبَانَةً لِخَطَرِ الْمَحَلِّ ا هـ كَلَامُ الْأَتْقَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : قُلْنَا : الْبُضْعُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ دُخُولِهِ إلَخْ ) وَفِي الذَّخِيرَةِ وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ تُعْتَبَرُ مَالًا عِنْدَ الدُّخُولِ فَصَلُحَتْ عِوَضًا وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ ، وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ إزَالَةَ مَالِ الصَّغِيرِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا يَمْلِكُ الْأَبُ خُلْعَ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِمَالِهَا ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ زَادَا ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زَادَ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْعَيْنِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى الزَّوْجِ قَدْرَ الزِّيَادَةِ بِلَا عِوَضٍ ) حَيْثُ لَمْ يُدْخِلَا بِإِزَائِهَا شَيْئًا ا هـ قَوْلُهُ : وَهُوَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُسْتَنْكَرُ عُرْفًا هُوَ الْأَصَحُّ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا بِأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلزَّوْجِ نِصْفَ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ ارْتِدَادِهَا وَتَقْبِيلِ ابْنِ زَوْجِهَا ثَابِتٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُوجَدَ ذَلِكَ مِنْهَا فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِهِ وَلِلتَّأْكِيدِ حُكْمُ الْإِيجَابِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا أَوْجَبَا عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ آخَرُ فِي يَدِهِ يَلْزَمُ الْآخِذَ الْجَزَاءُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالتَّسْبِيبِ وَلِلتَّقْرِيرِ حُكْمُ الْإِيجَابِ وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَلَا تُوجِبُ شَيْئًا إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ وَهُمَا بِإِضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهِ أَلْزَمَاهُ نِصْفَ الْمَهْرِ فَيَضْمَنَانِ لَهُ ذَلِكَ وَيُنْتَقَضُ هَذَا بِمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّحْرِيرِ إحْدَاهُمَا امْرَأَةٌ لَهَا عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَالٌّ فَأَخَذَتْهُ مِنْهُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَسُبِيَتْ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ لَا يَضْمَنُونَ وَهَذَا الدَّيْنُ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى حَالِهِ لَسَقَطَ بِارْتِدَادِهَا ، وَالثَّانِيَةُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ امْرَأَةً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا حَتَّى لَزِمَهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ ، وَإِنْ وُجِدَ التَّأْكِيدُ مِنْهُ إذْ لَوْلَا قَتْلُهُ لَكَانَ احْتِمَالُ السُّقُوطِ ثَابِتًا وَلَكِنْ نَقُولُ الْقَتْلُ مِنْهُ لِلنِّكَاحِ ، وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ ، وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِّ ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يَحِلُّ وَلَمْ يُؤَكِّدَا بِشَهَادَتِهِمَا شَيْئًا إذْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ أَوْ نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّ

دَيْنَهَا يَسْقُطُ بَلْ يَكُونُ لِوَرَثَتِهَا وَتَقْضِي بِهِ دُيُونَهَا فَلَا يَسْقُطُ فَبَطَلَ السُّؤَالُ مِنْ الْأَصْلِ ، وَالِابْنُ إذَا أَكْرَهَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَزَنَى بِهَا يَلْزَمُ أَبَاهُ نِصْفُ الْمَهْرِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ ؛ لِأَنَّ الِابْنَ بِإِكْرَاهِهِ إيَّاهَا أَلْزَمَ أَبَاهُ نِصْفَ الْمَهْرِ فَصَارَ نَظِيرَ الشُّهُودِ وَلَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ غَرِمُوا لِلْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَلَمْ تَرِثْ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِلْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَقَعَتْ لَهُمْ وَضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ الصَّدَاقِ ، وَالْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ كَانَ مُؤَكَّدًا ظَاهِرًا بِالْمَوْتِ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِمُسْقِطٍ وَكَذَا الْمِيرَاثُ كَانَ وَاجِبًا لَهَا بِمَوْتِهِ فَهُمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ أَبْطَلَا عَلَيْهَا نِصْفًا مُؤَكَّدًا مِنْ الْمَهْرِ وَإِرْثًا ثَابِتًا بِالظَّاهِرِ فَيَضْمَنَانِ لَهَا ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَضْمَنَا لَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ لَمْ يَضْمَنَا ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ لَا بِشَهَادَتِهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَضْمَنَانِ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَكَذَا إذَا قَتَلَهَا قَاتِلٌ يَضْمَنُ الْقَاتِلُ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَهُ وَكَذَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْرَمَ لِلزَّوْجِ نِصْفَ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرَ أَنْ يَتَمَلَّكَ بِلَا عِوَضٍ فَكَذَا عِنْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ عَيْنُ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ فَمِنْ ضَرُورَةِ تَقَوُّمِهِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ التَّقَوُّمُ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى كَمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا أَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُتْلِفُ بِالْوَطْءِ شَيْئًا حَتَّى لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا ، وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُ مُتَقَوِّمًا لَكَانَ لَهُ وَلَكَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ كَمِلْكِ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْبُضْعِ وَالْمَالِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا ، وَأَمَّا عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَالْمُتَقَوِّمُ هُوَ الْمَمْلُوكُ دُونَ الْمِلْكِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَتَقَوُّمُهُ لِإِظْهَارِ خَطَرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ حَتَّى يَكُونَ مَصُونًا عَنْ الِابْتِذَالِ وَلَا يُمْلَكُ مَجَّانًا ، فَإِنَّ مَا يُمْلَكُ مَجَّانًا لَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ عِنْدَ إصَابَتِهِ وَذَلِكَ مَحَلٌّ لَهُ خَطَرٌ مِثْلُ النُّفُوسِ ؛ لِأَنَّ النَّسْلَ يَحْصُلُ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ فِي طَرَفِ الْإِزَالَةِ ، فَإِنَّهَا لَا تَتَمَلَّكُ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهَا مِلْكُ الزَّوْجِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا هُوَ مَشْرُوطٌ لِمَعْنَى

الْخَطَرِ عِنْدَ التَّمَلُّكِ كَالشُّهُودِ ، وَالْوَلِيِّ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْهُ عِنْدَ الْإِزَالَةِ وَلِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ دُونَ الدُّخُولِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلَعَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى مَالِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى مَالِهِ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ ، فَإِنَّهُ مِلْكُ مَالٍ ، وَالْمَالُ مِثْلٌ لِلْمَالِ فَعِنْدَ الْإِتْلَافِ يَضْمَنُ بِالْمَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَفِي الْعِتْقِ ضَمِنَا الْقِيمَةَ ) أَيْ إذَا شَهِدَا بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ، وَالْوَلَاءُ لِلَّذِي شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ وَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا بِثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ بَلْ هُوَ كَالنَّسَبِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ } فَلَا يَكُونُ الضَّمَانُ بَدَلًا عَنْهُ بَلْ عَمَّا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِنْ مِلْكِ الْمَالِ وَهَذَا الضَّمَانُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ إلَّا مِلْكَهُ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَزِمَ مِنْهُ فَسَادُ مِلْكِ صَاحِبِهِ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ الْمُوَاسَاةَ صِلَةً ، وَالصِّلَاتُ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ كَالزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ دَبَّرَهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهُ التَّدْبِيرُ ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا لِلْعَبْدِ حَقَّ الْعِتْقِ وَبِذَلِكَ تُنْتَقَصُ مَالِيَّتُهُ ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سَوَاءٌ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَسَعَى فِي ثُلُثَيْهِ

وَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُعْسِرًا يَضْمَنَانِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَيَرْجِعَانِ بِهِ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَقَضَى بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ كُلَّهَا ؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ فَصَارَا كَالْغَاصِبِ لَهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ ثُمَّ الشَّاهِدَانِ يَتْبَعَانِ الْمُكَاتَبَ بِالْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِهَا ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ حِينَ ضَمِنَا قِيمَتَهُ وَكَانَ مِنْ قَضِيَّةِ الضَّمَانِ أَنْ يَمْلِكَاهُ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ لَكِنْ الْمُكَاتَبُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَلَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ رُجُوعِهِمَا ، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُكَاتَبُ لَهُ ، وَإِنَّمَا الشَّاهِدَانِ قَامَا مَقَامَهُ فِي أَخْذِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْهُ لَا غَيْرُ فَأَدَاؤُهُ إلَيْهِمَا كَأَدَائِهِ إلَى الْمَوْلَى وَيَطِيبُ لَهُمَا مَا أَخَذَا مِنْ الْمُكَاتَبِ إنْ كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مِثْلَ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ تَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ ، وَإِنْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ كَانَ لِمَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَمْ تَصِرْ مِلْكًا لِلشَّاهِدَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَرُدُّ الْمَوْلَى مَا أَخَذَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا غَصَبَ الْمُدَبَّرَ فَأَبَقَ عِنْدَهُ فَضَمَّنَهُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ ثُمَّ جَاءَ مِنْ الْإِبَاقِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْغَاصِبِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَكَذَا هَذَا ، وَلَوْ اخْتَارَ الْمَوْلَى أَنْ يَتْبَعَ الْمُكَاتَبَ وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْ مِنْهُ ، وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ

هُنَا حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ وَكَانَ الرُّجُوعُ حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى ، فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ لِلْمَوْلَى نُقْصَانَ قِيمَتِهَا ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ فَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ بَاقِيَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَوَرِثَهَا الْوَرَثَةُ فَفَوَّتَا عَلَيْهِمْ هَذَا الْقَدْرَ ، وَإِنْ رَجَعَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى ضَمِنَا جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِلْوَرَثَةِ لِإِتْلَافِهِمَا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ وَرَجَعَا حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى ضَمِنَا نُقْصَانَ قِيمَتِهَا لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَضَمِنَا جَمِيعَ قِيمَةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا كَانَ عَبْدًا لَهُ فَفَوَّتَا عَلَيْهِ ذَلِكَ ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَلَدِ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ لَا يَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ مَنْ زَعَمَ الْوَلَدُ أَنَّ رُجُوعَهُمَا بَاطِلٌ وَقَبَضَ الْأَبُ الضَّمَانَ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَى الِابْنِ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِدَيْنٍ وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَرِيكٌ ، فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَضْمَنَانِ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَمِنْ بَاقِي قِيمَةِ الْأُمِّ وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا إنْ تَرَكَ مَالًا وَلَا يَرْجِعَانِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا شَرِيكُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي زَعْمِهِ ظَلَمَهُمَا فَلَا يُظْلَمُ هُوَ وَكَذَا فِي زَعْمِهِمَا فَلَا يَظْلِمَانِهِ وَلَا يَضْمَنَانِ لِشَرِيكِهِ مَا أَخَذَهُ الْوَلَدُ بِالْإِرْثِ ، وَإِنْ رَجَعَا بَعْدَ وَفَاةِ الْمَوْلَى ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ شَرِيكٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ وَهُوَ يُكَذِّبُهُمَا فِي الرُّجُوعِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ يَضْمَنَانِ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَمِنْ جَمِيعِ قِيمَةِ الْأُمِّ

وَلَا يَضْمَنَانِ لَهُ مَا وَرِثَهُ الْوَلَدُ وَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ هُنَا بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا شَرِيكُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا ظُلْمُ شَرِيكِهِ لَا ظُلْمُ أَبِيهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْإِرْثِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَضْمَنَا جَمِيعَ قِيمَتِهَا هُنَا ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَضْمَنَا مِنْ قِيمَتِهَا شَيْئًا لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى ، وَإِنْ شَهِدَا بَعْدَ وَفَاتِهِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ ضَمِنَا جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِلْوَرَثَةِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ ضَمِنَا قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ كُلَّهَا وَمَا أَخَذَهُ الْوَلَدُ بِالْإِرْثِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى حَيْثُ لَا يَضْمَنَانِ مَا أَخَذَهُ الْوَلَدُ مِنْ التَّرِكَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا تَكُونُ شَهَادَةً بِالْمَالِ ، وَالْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ الِابْنُ أَوَّلًا فَيَرِثَهُ الْأَبُ فَلَا تَكُونُ شَهَادَتُهُمَا إتْلَافًا لِلْمَالِ فَلَا يَضْمَنَانِ ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَشَهَادَتُهُمَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَالِ فَتَكُونُ إتْلَافًا لَهُ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ كُلَّهُ حَتَّى الْوَلَدَ نَفْسَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا كَانَ عَبْدًا مِيرَاثًا لَهُمْ

قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَضْمَنَا لَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا وَقَضَى الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى ضَمِنَا النِّصْفَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى يَضْمَنَانِ الْمُتْعَةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِمُقَابَلَةِ عِوَضٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَضْمَنَانِ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ ) أَيْ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْأَبُ مِنْهُمَا غَيْرَ نُقْصَانِ قِيمَةِ الْأُمِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ ) أَيْ مِنْ نُقْصَانِ قِيمَةِ الْأَبِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الْقِصَاصِ الدِّيَةُ وَلَمْ يَقْتَصَّا ) أَيْ فِيمَا إذَا شَهِدَا بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شَخْصٍ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا عَمْدًا فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَبَّبَا لِقَتْلِهِ فَصَارَا كَالْمُكْرَهِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُعَانُ ، وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ وَأَوْلَى بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا وَلَنَا أَنَّهُمَا تَسَبَّبَا لِقَتْلِهِ وَلَيْسَا بِمُلْجِئَيْنِ إذْ الْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا بَلْ جَانِبُ الْعَفْوِ مُتَرَجِّحٌ ، وَالتَّسَبُّبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِنِهَايَةِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً عَمْدًا بِآلَةٍ صَالِحَةٍ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ قَتْلًا بِوَاسِطَةٍ لَيْسَتْ فِي يَدِ الشَّاهِدِ وَهُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَاخْتِيَارُ الْوَلِيِّ قَتْلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَالْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ مِنْ الْمُبَاشِرِ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَى الْمُتَسَبِّبِ كَدَلَالَةِ السَّارِقِ وَفَتْحِ بَابِ الْقَفَصِ وَحَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَتْلُ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِلْجَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمُلْجَأَ هُوَ الَّذِي يَخَافُ الْعُقُوبَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُؤْثِرُ نَفْسَهُ بِالطَّبْعِ فَيَكُونُ كَمَسْلُوبِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ وَلَا فِي حَقِّ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَخَافُ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُلْجَأً ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُقِيمُ الطَّاعَةَ خَوْفًا مِنْ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَقْهُورًا وَالْوَلِيُّ يُبَاشِرُ الْقَتْلَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي الْعَفْوِ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى

الْإِكْرَاهُ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ فَيُقْدِمُ عَلَى الْقَتْلِ فَيُنْسَبُ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرِهِ ، وَالْمُكْرَهُ كَالْآلَةِ لَهُ وَلِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً ، وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِهَا دُونَ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ ، وَإِنْ رَجَعَ الْوَلِيُّ مَعَهُمَا أَوْ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَلِيَّ الدِّيَةَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ مُتْلِفٌ لَهُ حَقِيقَةً ، وَالشَّاهِدَانِ مُتْلِفَانِ لَهُ حُكْمًا ، وَالْإِتْلَافُ الْحُكْمِيُّ مِثْلُ الْحَقِيقِيِّ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا عِنْدَهُمَا إنْ ضَمَّنَ الْوَلِيَّ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ فَلَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا عَلَى الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّهُمَا عَامِلَانِ لَهُ فِي الشَّهَادَةِ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُمَا بِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَا لَهُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ فَقَضَى لَهُ بِهَا وَأَخَذَ الدِّيَةَ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا وَهَذَا لِأَنَّهُمَا لَمَّا ضَمِنَا قَامَا مَقَامَ الْوَلِيِّ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا الْقِصَاصَ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ كَغَاصِبِ الْمُدَبَّرِ إذَا غَصَبَ مِنْهُ آخَرُ فَهَلَكَ عِنْدَ الثَّانِي وَاخْتَارَ الْمَوْلَى تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ فَضَمَّنَهُ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ قَامَ مَقَامَ الْمَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُدَبَّرَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِمَّا يُمْلَكُ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى مَلَكَهُ الْوَلِيُّ وَوَرَثَتُهُ إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَلَهُ بَدَلٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمَلُّكِ فَيَكُونُ السَّبَبُ مُعْتَبَرًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي بَدَلِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَعْمَالِهِ فِي الْأَصْلِ كَالْيَمِينِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ يَنْعَقِدُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ الَّذِي هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْبِرَّ وَهُوَ مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ عَقْلًا وَكَذَا شُهُودُ الْكِتَابَةِ إذَا رَجَعُوا وَضَمِنُوا

لِلْمَوْلَى الْقِيمَةَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بِهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكُوا مِنْهُ شَيْئًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الشُّهُودَ ضَمَّنُوا لِإِتْلَافِهِمْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ حُكْمًا ، وَالْمُتْلِفُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ بِسَبَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَالْوَلِيِّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا مُتْلِفِينَ لَمَا ضَمِنُوا مَعَ الْمُبَاشِرِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ التَّسَبُّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَافِرَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الدَّافِعِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُمْ جُنَاةٌ وَمَنْ ضَمِنَ بِجِنَايَتِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ ، فَإِنَّمَا يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا ضَمِنَا مَلَكَا الدِّيَةَ وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْقَابِضُ بِصَرْفِهِ إلَى حَاجَتِهِ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي بَدَلِهِ أَنْ لَوْ كَانَ السَّبَبُ مِمَّا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ حُكْمِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْمِلْكِ فِي الْقِصَاصِ بِالضَّمَانِ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ خُلْفِهِ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ ، وَلَوْ كَانَ الْقِصَاصُ مِلْكًا لِإِنْسَانٍ حَقِيقَةً لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُتْلِفُ عَلَيْهِ بِأَنْ قَتَلَهُ شَخْصٌ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شُهُودٌ بِالْعَفْوِ ثُمَّ رَجَعُوا لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ وَلَا الشُّهُودُ شَيْئًا لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَانْعِقَادُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ وُجُودِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً وَبِهَذَا فَارَقَ مَسْأَلَةَ غَصْبِ الْمُدَبَّرِ ، وَالْمُكَاتَبِ ، فَإِنَّهُ فِيهِ لَوْ كَانَ مَالِكًا حَقِيقَةً لَكَانَ يَضْمَنُهُ الْمُتْلَفُ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا جُعِلَ كَالْمَالِكِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ انْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْبَدَلِ لِذَلِكَ

( قَوْلُهُ : فَصَارَا كَالْمُكْرَهِ ) وَهَذَا لِأَنَّ الشَّاهِدَ كَالْمُكْرِهِ أَيْضًا لِلْقَاضِي عَلَى قَضَائِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَرَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ يَكْفُرُ وَلَوْ رَأَى وَأَخَّرَ يَفْسُقُ ثُمَّ الْمُكْرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَجِبَ عَلَى الشَّاهِدِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُعَانُ ) أَيْ يُعَانُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْكَاكِيُّ قَوْلُهُ وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ بِنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْوَلِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرَهِ ا هـ قَوْلُهُ : وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُلْجَأً ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لَوْ لَمْ يَقْضِ بَعْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا ) ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ مُضَافٌ إلَى شَهَادَتِهِمْ لِصُدُورِهَا مِنْهُمْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا شُهُودُ الْأَصْلِ بِلَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا أَوْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ) أَيْ لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِمْ لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفُرُوعِ أَوْ بِقَوْلِهِمْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ إذْ الْقَاضِي يَقْضِي بِمَا يُعَايِنُ مِنْ الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَمْ نُشْهِدْهُمْ أَنْكَرُوا السَّبَبَ أَصْلًا وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَهُوَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ ، وَالْكَذِبِ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى كَلَامِهِمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالُوا ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَيْثُ لَا يُقْضَى بِهِ لِإِنْكَارِهِمْ التَّحْمِيلَ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ شُهُودُ الْأَصْلِ فِيمَا إذَا قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ قَامُوا مَقَامَ الْأُصُولِ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُمْ فَصَارَ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ مَجْلِسَ الْقَاضِي فَشَهِدُوا ثُمَّ رَجَعُوا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالُوا لَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا حَيْثُ لَمْ يَضْمَنُوا ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا ، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا التَّحْمِيلَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْأُصُولِ شَهَادَةٌ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ، وَالشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ لَا تَكُونُ سَبَبًا لِإِتْلَافِ شَيْءٍ فَلَا يَلْزَمُهُمَا الضَّمَانُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي وَلِهَذَا اخْتَصَّ الرُّجُوعُ بِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِلتَّنَاسُبِ وَلِأَنَّا نَقُولُ : إنَّ الْفُرُوعَ نَائِبُونَ مَنَابَهُمْ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ الْإِشْهَادِ لَوْ مَنَعُوهُمْ عَنْ أَدَاءِ

الشَّهَادَةِ كَانَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ إذَا دَعَاهُمْ الْمُدَّعِي إلَيْهِ ، وَلَوْ كَانُوا نَائِبِينَ عَنْ الْأُصُولِ لَمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَنْعِ وَلَكِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا تَحَمَّلُوا وَهُوَ إشْهَادُ الْأُصُولِ إيَّاهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ بِأَنْ قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّا رَجَعْنَا عَنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ وَعِنْدَهُ يَضْمَنُونَ ، وَالْوَجْهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا ) اعْلَمْ أَنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ إذَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بَعْدَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ ضَمِنُوا الْمَشْهُودَ بِهِ ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَشْهُودِ بِهِ حَصَلَ بِأَدَائِهِمْ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَانَ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى شَهَادَتِهِمْ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ لَا شُهُودُ الْأَصْلِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ وَقَالُوا : لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَكَذَلِكَ أَثْبَتَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُطْلَقًا بِلَا ذِكْرِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي نَصْرٍ الْبَغْدَادِيِّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُونَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ) اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَرْجِعَا عَمَّا شَهِدَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ ، وَالْفُرُوعُ ضَمِنَ الْفُرُوعُ فَقَطْ ) ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِالشَّهَادَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَهِيَ مِنْ الْفُرُوعِ مُبَاشَرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَالْأُصُولُ مُسَبِّبُونَ لِلتَّلَفِ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْمُبَاشِرَ ، وَالْمُسَبِّبَ إذَا اجْتَمَعَا وَهُمَا مُتَعَدِّيَانِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُسَبِّبِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأُصُولَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ عَايَنَ الشَّهَادَةَ مِنْ الْفُرُوعِ وَوَقَعَ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفُرُوعَ نَائِبُونَ عَنْهُمْ وَنَقَلُوا شَهَادَتَهُمْ بِأَمْرِهِمْ فَيُخَيَّرُ فِي تَضْمِينِ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ شَاءَ ، وَالْجِهَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ أَوْ نَقُولُ إحْدَاهُمَا إشْهَادٌ ، وَالْأُخْرَى أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّضْمِينِ بَلْ يُجْعَلُ كُلُّ فَرِيقٍ كَالْمُنْفَرِدِ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ يَثْبُتُ بِالنَّقْلِ ، وَالْإِشْهَادِ ، وَالنَّقْلُ مِنْ الْفُرُوعِ ، وَالْإِشْهَادُ مِنْ الْأُصُولِ فَلَوْلَا إشْهَادُ الْأُصُولِ لَمَا تَمَكَّنَ الْفُرُوعُ ، وَلَوْلَا نَقْلُ الْفُرُوعِ لَمَا تَمَكَّنَ الْأُصُولُ فَكَانَ فِعْلُ كُلِّ فَرِيقٍ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَبَبَ ضَمَانٍ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاشَرَةِ أَمَّا الْفُرُوعُ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى وَجْهٍ لَوْ لَمْ يَعْمَلْ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ يَأْثَمُ وَكَذَلِكَ الْأُصُولُ مُبَاشِرُونَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْفُرُوعِ مَنْقُولٌ إلَى الْأُصُولِ ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ مُضْطَرُّونَ مِنْ جِهَةِ الْأُصُولِ إلَى الْأَدَاءِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعُوا عَنْ

الْأَدَاءِ أَثِمُوا فَصَارُوا نَظِيرَ الْقَاضِي لِمَا أَلْجَأَهُ الشُّهُودُ إلَى الْقَضَاءِ نُسِبَ إلَيْهِمْ فَضَمِنُوا ثُمَّ أَيُّ فَرِيقٍ أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا ضَمِنَ بِجِنَايَتِهِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى غَاصِبِ الْغَاصِبِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْفُرُوعِ كَذَبَ الْأُصُولُ أَوْ غَلِطُوا ) يَعْنِي بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ كَمَا لَا يُنْتَقَضُ بِرُجُوعِهِمْ وَلَا يَلْزَمُهُمْ غَرَامَةٌ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا ، وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِأَنَّهُمْ كَذَبُوا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَ الْمُزَكُّونَ بِالرُّجُوعِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يَضْمَنُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِأَنْ شَهِدُوا عَلَى إحْصَانِ الزَّانِي ثُمَّ رَجَعُوا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا سَبَبَ التَّلَفِ وَهُوَ الزِّنَا مَثَلًا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِالْأَصَالَةِ ، وَإِنَّمَا أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ فَصَارُوا فِي الْمَعْنَى كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ مُوجِبًا فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَثْبَتَ سَبَبَ الْإِتْلَافِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ التَّزْكِيَةِ وَسَبَبُ التَّلَفِ الشَّهَادَةُ وَهِيَ لَا تُعْمَلُ إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا غَيْرَ الْمُوجِبِ مُوجِبًا ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الزِّنَا وَهُمْ لَمْ يُثْبِتُوهُ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ التَّزْكِيَةِ لِشُهُودِ الْحَدِّ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُعْمَلُ إلَّا بِهَا فَصَارَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهَا كَمَا يُضَافُ إلَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النِّسَاءُ

مُزَكَّيَاتٍ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْحُدُودِ كَمَا لَا تَصْلُحُ لِلشَّهَادَةِ فِيهَا ، وَلَوْلَا إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهَا لَصَلَحْنَ لِلتَّزْكِيَةِ فِيهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ ، وَالْعِلَّةُ مُؤَثِّرَةٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ مُؤَثِّرَةٌ أَيْضًا فِي إعْمَالِ الْعِلَّةِ إذْ الشَّهَادَةُ لَا تُوجِبُ الْعَمَلَ إلَّا بِهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي إثْبَاتِ الزِّنَا ، فَإِنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ إنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَقَدْ أَوْفَى حَقَّهَا شَرْعًا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَهَذِهِ الْخِصَالُ تَمْنَعُ الزِّنَا فَلَا تَكُونُ مُوجِبَةً لَهُ ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مَذْمُومٌ وَهَذِهِ الْخِصَالُ مَحْمُودَةٌ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا سَبَبًا لِلْآخَرِ فَلَمَّا لَمْ يُوجِبْ الزِّنَا لَا يُوجِبُ الرَّجْمَ أَيْضًا بَلْ هُوَ مُوجِبٌ الزِّنَا عِنْدَ وُجُودِ الْإِحْصَانِ

قَوْلُهُ : لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ ) فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّضْمِينِ بِأَنْ يُقَالَ يَضْمَنُ الْفَرِيقَانِ حَقَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْصَافًا بَلْ لَهُ الْخِيَارُ فِي تَضْمِينِ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ شَاءَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَصَارُوا نَظِيرَ الْقَاضِي لَمَّا أَلْجَأَهُ الشُّهُودُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ يَضْمَنُونَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْفُرُوعِ كَذَبَ الْأُصُولُ أَوْ غَلِطُوا ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي : وَإِنْ قَالَ اللَّذَانِ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي قَدْ أَشْهَدَانَا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَكِنَّهُمَا كَذَبَا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُمَا الضَّمَانُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى غَيْرِهِمَا بِأَنَّهُمَا كَذَبَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِيهِ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشُهُودُ الْيَمِينِ ) أَيْ يَضْمَنُ شُهُودُ الْيَمِينِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَشْهَدَا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ أَوْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَنْهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا قِيمَةُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ الْعِلَّةِ إذْ التَّلَفُ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ أَوْ التَّطْلِيقُ وَهُمْ الَّذِينَ أَثْبَتُوا ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمْ ، وَالشَّرْطُ ، وَإِنْ كَانَ مَانِعًا ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ أُضِيفَ التَّلَفُ إلَى تِلْكَ الْكَلِمَةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ دُونَ زَوَالِ الْمَانِعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا شُهُودُ الْإِحْصَانِ ، وَالشَّرْطِ ) أَيْ لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْإِحْصَانِ وَلَا شُهُودُ الشَّرْطِ وَفِيهِمَا خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا شُهُودُ الْإِحْصَانِ فَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَصَارَ كَحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ ، وَالشَّرْطُ إذَا سَلِمَ عَنْ مُعَارَضَةِ الْعِلَّةِ صَلُحَ عِلَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَضْمَنُ عِنْدَ عُدْمِ مَنْ يُلْقِي ، وَالْحَفْرُ شَرْطُ الْوُقُوعِ فَيُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ قُلْنَا : إنَّ الْإِحْصَانَ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْطِ أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ بِصُورَتِهَا وَتَتَوَقَّفُ صَيْرُورَتُهَا عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ كَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ قَدْ وُجِدَتْ بِصُورَتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَتَوَقَّفَتْ صَيْرُورَتُهَا عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُنَا لَوْ زَنَى ثُمَّ أَحْصَنَ لَا يُرْجَمُ وَلَكِنْ إذَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ عَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَهُ الرَّجْمُ وَهَذَا مَعْنَى الْعَلَامَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ الرَّجْمِ وَلَا وُجُودُهُ إذْ الْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى الْعَلَامَةِ الْمُظْهِرَةِ ، وَأَمَّا شُهُودُ الشَّرْطِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرْجِعُوا وَحْدَهُمْ أَوْ مَعَ شُهُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ التَّعْلِيقُ ، فَإِنْ رَجَعُوا مَعَ شُهُودِ الْيَمِينِ لَا يَضْمَنُونَ وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ

يَضْمَنُونَ ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا قُلْنَا شُهُودُ الْيَمِينِ أَثْبَتُوا بِشَهَادَتِهِمْ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلْحُكْمِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَالْآخَرُونَ أَثْبَتُوا الشَّرْطَ ، وَالشَّرْطُ لَا يُعَارِضُ الْعِلَّةَ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى عِلَّتِهِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ وَإِلَى الشَّرْطِ مَجَازًا ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ عِنْدَ الشَّرْطِ ، وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ ، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ يَضْمَنُونَ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ تُعَارِضْهُ الْعِلَّةُ صَلُحَ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَصَارَ عِلَّةً ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ لَمْ تُجْعَلْ عِلَّةً لِذَوَاتِهَا فَجَازَ أَنْ تَخْلُفَهَا الشُّرُوطُ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالتَّفْوِيضِ وَشَاهِدَانِ بِالْإِيقَاعِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْإِيقَاعِ ؛ لِأَنَّهُ الْعِلَّةُ ، وَالتَّفْوِيضُ سَبَبٌ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَشُهُودُ الْيَمِينِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ صُورَتُهُ شَهِدَا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ أَوْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ أَوْ الطَّلَاقُ وُجِدَ وَقَدْ نَزَلَ الْمُعَلَّقُ فَحَكَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ هِيَ السَّبَبُ وَالتَّلَفُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى مَنْ أَثْبَتَ السَّبَبَ دُونَ الشَّرْطِ الْمَحْضِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قُبَيْلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَغَيْرِ السُّنَّةِ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَقَضَى الْقَاضِي بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شَاهِدَا الْيَمِينِ دُونَ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَلِفَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قَضَى بِعِتْقِهِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ بِقَوْلِهِ : أَنْتَ حُرٌّ لَا بِدُخُولِ الدَّارِ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى مَا أَثْبَتَهُ شَاهِدُ الْيَمِينِ دُونَ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا وَقَضَى الْقَاضِي بِجَمِيعِ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعُوا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ وُجُوبُ الْمَهْرِ مُضَافًا إلَى التَّزَوُّجِ ؛ لِأَنَّ شُهُودَ الدُّخُولِ أَثْبَتُوا أَنَّ الزَّوْجَ اسْتَوْفَى عِوَضَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ فَخَرَجَتْ شَهَادَةُ شُهُودِ النِّكَاحِ مِنْ أَنْ تَكُونَ إتْلَافًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي

شَرْحِ الْجَامِعِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ لَوْ رَجَعَا عَلَى الِانْفِرَادِ هَلْ يَضْمَنَانِ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَضْمَنَانِ ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى مُحَصِّلِ الشَّرْطِ عِنْدَ انْعِدَامِ إمْكَانِ الْإِيجَابِ عَلَى صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَاجِبٌ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ ، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُونَ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا وَحْدَهُمْ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ يَضْمَنُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي التَّلَفِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَهُ أَثَرٌ فِي وُجُوبِ الْعِلَّةِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ سَبَبُ الضَّمَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْإِحْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ فِي تَقْسِيمِ الشَّرْطِ قُلْنَا فِي شُهُودِ التَّعْلِيقِ وَشُهُودِ الشَّرْطِ إذَا رَجَعُوا الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ التَّعْلِيقِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا قَوْلَ الْمَوْلَى أَنْتَ حُرٌّ وَهَذَا بِانْفِرَادِهِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِإِضَافَةِ حُكْمِ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ هُنَاكَ شَبَهَ الْعِلَّةِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ شَيْئًا سَوَاءٌ رَجَعَ الْفَرِيقَانِ أَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ شُهُودُ التَّخْيِيرِ وَشُهُودُ الِاخْتِيَارِ ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى شُهُودِ الِاخْتِيَارِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ سَبَبٌ وَمَا عَارَضَهُ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِلْحُكْمِ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ السَّبَبِ فَلَمْ يَضْمَنْ شُهُودُ السَّبَبِ شَيْئًا كَمَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ لَا شُهُودُ الْإِحْصَانِ ) صُورَتُهُ كَمَا قَالَ الْعَيْنِيُّ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَيَشْهَدَ آخَرَانِ أَنَّهُ مُحْصَنٌ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا ؛ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ

وَالشَّرْطُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ صُورَتُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي شُهُودِ الْيَمِينِ ا هـ .

كِتَابُ الْوَكَالَةِ الْوَكَالَةُ الْحِفْظُ وَمِنْهُ الْوَكِيلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِمَالِي يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَقَطْ وَقِيلَ تَرْكِيبُهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى التَّفْوِيضِ وَالِاعْتِمَادِ وَمِنْهُ التَّوَكُّلُ يُقَالُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا أَيْ فَوَّضْنَا أُمُورَنَا ، وَالتَّوْكِيلُ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إلَى الْغَيْرِ وَسُمِّيَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَكَّلَ إلَيْهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ أَيْ فَوَّضَهُ إلَيْهِ وَاعْتَمَدَ فِيهِ عَلَيْهِ وَالْوَكِيلُ الْقَائِمُ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَقَدْ { وَكَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ } وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلَى الْمَدِينَةِ } الْآيَةَ وَكَانَ الْبَعْثُ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ ، وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهُ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفَاتِ وَعَنْ حِفْظِ مَالِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ أَشَدَّ الِاحْتِيَاجِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَأَلْفَاظُهَا كُلُّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِهِ وَكَّلْتُك ، أَوْ هَوَيْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ رَضِيت أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت وَلَوْ قَالَ : لَا أَنْهَاك عَنْ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( صَحَّ التَّوْكِيلُ ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْأَدِلَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ إقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ ) أَيْ التَّصَرُّفُ الْجَائِزُ الْمَعْلُومُ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ حَتَّى إنَّ التَّصَرُّفَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا يَثْبُتُ بِهِ أَدْنَى تَصَرُّفَاتِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الْحِفْظُ فَقَطْ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مِمَّنْ يَمْلِكُهُ ) أَيْ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ

يَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ مِنْهُ وَيَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْتَفِيدَ الْوِلَايَةَ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ ، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَالشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ حَاصِلَةً بِمَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ فَأَمَّا كَوْنُ الْمُوَكِّلِ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ فِيهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَجُوزَ عِنْدَهُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَتَوْكِيلِ الْمُحْرِمِ الْحَلَالَ بِبَيْعِ الصَّيْدِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ التَّصَرُّفِ وَإِنْ امْتَنَعَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِعَارِضِ النَّهْيِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْأَسْبَابِ أَحْكَامُهَا ، فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْأَحْكَامُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا .كِتَابُ الْوَكَالَةِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا ا هـ غَايَةٌ أَوْرَدَ كِتَابَ الْوَكَالَةِ عَقِيبَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْوَكَالَةِ إعَانَةُ الْغَيْرِ بِإِحْيَاءِ حَقِّهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْحِفْظُ فَقَطْ ) وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ الْفَرْعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ وَقَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَكِيلًا بِالْحِفْظِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا كَانَ الْوَكِيلُ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا ) يَعْنِي يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الشِّرَاءَ جَالِبٌ لِلْمَبِيعِ وَسَالِبٌ لِلثَّمَنِ وَالْبَيْعَ عَلَى عَكْسِهِ وَيَعْرِفُ الْغَبَنَ الْفَاحِشَ مِنْ الْيَسِيرِ وَيَقْصِدَ بِذَلِكَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَالرِّبْحِ لَا الْهَزْلَ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعِبَارَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ لِيَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ وَذَلِكَ بِالْعَقْلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( بِكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ ) أَيْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِكُلِّ شَيْءٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ بِنَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ وَالْأَدِلَّةِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْوَكِيلُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَعْقِدَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ لَا مَا اسْتَفَادَهُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِأَمْرِ آمِرِهِ ، وَكَذَا لَا يَرِدُ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَكْسٌ وَالنَّقْضُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الطَّرْدِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاضُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ بِهِ وَاسْتَقْرَضَ لَهُ الْوَكِيلُ كَانَ لَهُ لَا لِلْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي بَابِ الْقَرْضِ لَا يَجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ وَالْأَمْرُ بِالْقَبْضِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فِيهِ مَقَامَهُ وَبِخِلَافِ الرِّسَالَةِ بِالِاسْتِقْرَاضِ ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُرْسِلِ ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ مُعَبِّرٌ وَالْعِبَارَةُ مِلْكُ الْمُرْسِلِ فَقَدْ

أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ فَيَصِحُّ ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَغَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ لِلْوَكِيلِ وَلِهَذَا حُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزٌ

( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَا يَرِدُ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ عَكْسٌ ) وَيَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ نَقْضٌ وَهُوَ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمًا بِبَيْعِهَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ بِنَفْسِهِ وَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ غَيْرِهِ بَيْعَهَا أَيْضًا حَتَّى لَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِذَلِكَ جَازَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ هُنَا لِمَعْنًى فِي الْمُسْلِمِ وَهُوَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاجْتِنَابِهَا وَفِي التَّوْكِيلِ بِبَيْعِهَا اقْتِرَابُهَا وَالْحُرْمَةُ إذَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَحَلِّ لَا تَكُونُ مَانِعَةً حَتَّى لَوْ قَالَ قَائِلٌ : كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْحَائِضُ وَالْمُحَرَّمَةُ لِأَنَّا نَقُولُ هُنَاكَ جَائِزٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ بِمَعْنًى عَارِضٍ حَتَّى إذَا انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى ظَهَرَ الْحِلُّ الَّذِي ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ : لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ كَافِرًا بِقَبُولِ نِكَاحِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ شَائِيَةِ الْعِبَارَةِ ا هـ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي كِتَابِ السِّيَرِ فِي نَوْعٍ آخَرَ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ لِذِمِّيٍّ أَنْ يُؤَمِّنَ أَهْلَ الْحَرْبِ فَأَمَّنَهُمْ جَازَ أَمَانُهُمْ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْأَمَانَ بِنَفْسِهِ يَجِبُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْأَمَانَ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا وَكَّلَ ذِمِّيًّا أَنْ يُزَوِّجَ لَهُ مُسْلِمَةً جَازَ وَإِنْ كَانَ الذِّمِّيُّ لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِالْمُسْلِمَةِ لِنَفْسِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَبِخِلَافِ الرِّسَالَةِ بِالِاسْتِقْرَاضِ ) بِأَنْ يَقُولَ : أَرْسَلَنِي فُلَانٌ إلَيْك يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا الْوَكِيلُ مَنْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ وَالرَّسُولُ مَنْ يُبَلِّغُ الْمُبَاشِرَ وَالسِّلْعَةُ أَمَانَةٌ فِي أَيْدِيهِمَا ا هـ تَهْذِيبُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِالْخُصُومَةِ فِي الْحُقُوقِ بِرِضَا الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مُدَّةَ السَّفَرِ أَوْ مُرِيدًا لِلسَّفَرِ أَوْ مُخَدَّرَةً ) أَيْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ بِشَرْطِ أَنْ يَرْضَى الْخَصْمُ إلَّا إذَا كَانَ مَعْذُورًا بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَا : يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ فَيَصِحُّ بِدُونِ رِضَا الْخَصْمِ كَالتَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ وَالْإِيفَاءِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى تَجْوِيزِهِ بِهَا إذَا لَا يَهْتَدِي إلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ أَوْ لَا يَرْضَى بِهَا عِنْدَ الْحُكَّامِ كُلُّ أَحَدٍ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَحْضُرُ خُصُومَةً أَبَدًا وَكَانَ يَقُولُ : إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا وَإِنَّ لَهَا قُحْمًا وَكَانَ إذَا خُوصِمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ وَكَّلَ عَقِيلًا فَلَمَّا كَبُرَ عَقِيلٌ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَقَالَ هُوَ وَكِيلِي فَمَا قُضِيَ عَلَيْهِ وَمَا قُضِيَ لَهُ فَهُوَ لِي وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهَا بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا خَصْمِهِ فَكَذَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنَّ التَّوْكِيلَ حَوَالَةٌ وَهِيَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَكَذَا التَّوْكِيلُ وَهَذَا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَخْتَلِفُ وَالْجَوَابُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ الْحَوَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ هُوَ أَلَدُّ وَأَشَدُّ إنْكَارًا وَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ الْتِزَامِهِ كَالْحَوَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهِ عُذْرٌ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ؛ لِأَنَّ

الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إسْقَاطُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِهِ وَفِي عُدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى هَيْئَةُ مَنْ يُسَافِرُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ مِنْ الْخَصْمِ التَّعَنُّتَ فِي الْإِبَاءِ مِنْ قَبُولِ التَّوْكِيلِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَقْبَلُ التَّوْكِيلَ مِنْ الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ قَصْدَ الْإِضْرَارِ بِخَصْمِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ إلَّا بِرِضَاهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْحَيْضُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَبْسُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْقَاضِي الَّذِي تَرَافَعُوا إلَيْهِ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى تَجْوِيزِهِ بِهَا ) أَيْ إلَى تَجْوِيزِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : قُحَمًا ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْحَاءِ ا هـ وَالْقُحْمَةُ الشِّدَّةُ وَالْوَرْطَةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْخُصُومَةِ وَإِنَّ لَهَا لَقُحَمًا وَفَتْحُ الْقَافِ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ا هـ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَمًا هِيَ الْأُمُورُ الْعَظِيمَةُ الشَّاقَّةُ وَاحِدَتُهَا قُحْمَةٌ ا هـ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْقُحْمَةُ بِالضَّمِّ الْأَمْرُ الشَّاقُّ لَا يَرْكَبُهُ أَحَدٌ وَالْجَمْعُ قُحَمٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ ) أَيْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِيفَاءُ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَا يُسْتَوْفَى بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَوْعِ شُبْهَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَنَا أَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَيَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَفَا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ إذْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَفْوِ وَقَدْ يَحْتَاجُ الْمُوَكِّلُ إلَى ذَلِكَ لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ أَوْ لِأَنَّ قَلْبَهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْبَةِ الشُّهُودِ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ نَادِرٌ فَلَا يُتَوَهَّمُ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، فَإِذَا قَامَتْ وَثَبَتَ الْحَقُّ فَلِلْمُوَكِّلِ اسْتِيفَاؤُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِهَا أَيْضًا كَمَا لَا يَجُوزُ بِاسْتِيفَائِهَا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا رِضَا الْخَصْمِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ ، وَأَمَّا حَالُ حَضْرَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْ الْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ عَلَى الْوَكِيلِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ عَنْ

الْأَصْلِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِبْدَالِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا مِنْ الْأَخْرَسِ ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ بَدَلٌ عَنْ الْعِبَارَةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِثْبَاتِ الِاسْتِيفَاءُ ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بِهِ لَا يَصِحُّ بِالْإِثْبَاتِ أَيْضًا ، وَلَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ تَنَاوَلَ مَا لَيْسَ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَلَا يُضَافُ وُجُوبُ الْحَدِّ إلَى الْخُصُومَةِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ ، وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ مُضَافٌ إلَى الْجِنَايَةِ وَظُهُورُهُ مُضَافٌ إلَى الشَّهَادَةِ وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ مَحْضٌ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْوُجُوبِ وَلَا فِي الظُّهُورِ إذْ الْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ وَيُمْكِنُ التَّدَارُكُ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّوْكِيلُ بِالْجَوَابِ مِنْ جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ ، وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِ وَقَعَ بِدَفْعِ دَعْوَى الْقِصَاصِ وَالْحُدُودُ وَدَفْعُهَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ وَالتَّوَكُّلُ بِإِثْبَاتِ حَدِّ الزِّنَا ، وَالشُّرْبِ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ ، وَإِنَّمَا تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ ، فَإِذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ بِهِقَوْلُهُ وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ الثَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ : أَظْهَرُ ) أَيْ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْحُقُوقُ فِيمَا يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِهِ ، وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَالرُّجُوعُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ وَالْمِلْكِ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يُعْتَقُ قَرِيبُ الْوَكِيلِ بِشِرَائِهِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَبَعٌ لِلْحُكْمِ وَلَيْسَتْ بِأَصْلٍ ، وَالْوَكِيلُ لَيْسَ بِأَصْلٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ أَصْلًا فِي حَقِّ الْحُقُوقِ الَّتِي هِيَ مِنْ تَوَابِعِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَالرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ وَأَخَوَاتِهِ وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ أَصْلٌ فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقُومُ بِالْكَلَامِ وَصِحَّةُ كَلَامِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ آدَمِيًّا عَاقِلًا فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ بِالتَّصَرُّفِ وَأَفْعَالِهِ غَيْرَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا اسْتَنَابَهُ فِي تَحْصِيلِ الْحُكْمِ جَعَلْنَاهُ نَائِبًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلضَّرُورَةِ كَيْ لَا يَبْطُلَ مَقْصُودُهُ وَرَاعَيْنَا الْأَصْلَ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْعَقْدِ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ كَانَ سَفِيرًا كَمَا زَعَمَ لَمَا اسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَيْهِ كَالرَّسُولِ وَكَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ وَأَخَوَاتِهِ حَتَّى إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَإِيقَاعُ الْحُكْمِ لِلْمُوَكِّلِ فَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ كَانَ أَصِيلًا فِيهِ فَيَقَعُ لَهُ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَهِيَ الْحُقُوقُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَقَبْضُهُ وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُهُ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ مَا بَاعَ أَوْ رُجُوعُهُ هُوَ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ مَا اشْتَرَى وَالْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ

لَهُ فِي رِوَايَةٍ بَلْ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً خِلَافَةً عَنْهُ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَكِيلَ أَصْلٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ لَكِنْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَخْلُفُهُ الْمُوَكِّلُ فَيَقَعُ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِيهِ كَالْعَبْدِ تَيَّهِبُ أَوْ يَصْطَادُ وَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ بِالْوَكَالَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً إلَخْ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْوَكَالَةِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي حَقِّ الْحُقُوقِ لَمْ يَخْلُفْهُ ، فَإِذَا كَانَ أَصْلًا فِي حَقِّ الْحُقُوقِ جَازَ تَوْكِيلُهُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْمُوَكِّلِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا ، وَفِي قَوْلِهِ : تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ لَهُمَا تَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْحُقُوقُ وَتَلْزَمُهُمَا الْعُهْدَةُ مُطْلَقًا وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ جَازَ بَيْعُهُ وَلَزِمَتْهُ الْعُهْدَةُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ ، فَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بَلْ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ حَتَّى يُطَالِبَ الْبَائِعَ الْآمِرَ بِالثَّمَنِ دُونَ الْمُبَاشِرِ ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ ضَمَانُ كَفَالَةٍ وَلَيْسَ بِضَمَانِ ثَمَنٍ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ مَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلضَّامِنِ فِي الْمُشْتَرِي وَهَذَا لَا يُفِيدُهُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ وَاسْتَوْجَبَ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْعُهْدَةُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ ثَمَنٍ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ مَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْمُشْتَرَى وَهُنَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ

الْحُكْمُ ، فَإِنَّهُ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرَى لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ حَبْسَهُ بِهِ فَكَانَ ضَمَانَ كَفَالَةٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَفِي الْإِيضَاحِ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِالنَّقْدِ فَاشْتَرَى كَمَا أَمَرَهُ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَحِقَتْهُ الْعُهْدَةُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ وَيُحْبَسَ الْمَبِيعَ عَنْهُ فَيَصِيرَ الْحَقُّ كَالْمُعَلَّقِ بِالْبَيْعِ فَيَخْرُجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ نَسِيئَةً فَاشْتَرَاهُ كَمَا أَمَرَهُ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ لَهُ دُونَ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ نَسِيئَةً لَمْ يَمْلِكْ حَبْسَ الْمَبِيعِ فَظَهَرَ مَعْنَى التَّبَرُّعِ بِالْتِزَامِ الدَّيْنِ فَلَا يَصِحُّ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ لِقُصُورِ أَهْلِيَّةِ الصَّبِيِّ وَلِحَقِّ مَوْلَى الْعَبْدِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الرَّسُولِ وَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ ثُمَّ الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ تَلْزَمُهُ تِلْكَ الْعُهْدَةُ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ لَا تَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ لُزُومِ الْعُهْدَةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حَقُّ الْمَوْلَى إذْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ وَقَدْ زَالَ حَقُّهُ فَيَلْزَمُهُ وَالْمَانِعُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ حَقُّ نَفْسِهِ وَلَا يَزُولُ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ قَبَضَهُ مَعَ هَذَا يَصِحُّ قَبْضُهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَكَانَ أَصِيلًا فِيهِ فَانْتِفَاءُ اللُّزُومِ لِمَا ذَكَرْنَا لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْجَوَازِ وَلَوْ

كَانَ الْمَأْمُورُ مُرْتَدًّا جَازَ تَصَرُّفُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ فَتُعْتَبَرُ عِبَارَتُهُ وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهِيَ فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي تَصَرُّفَاتِهِ لِنَفْسِهِ( قَوْلُهُ : فَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ كَانَ أَصِيلًا فِيهِ فَيَقَعُ لَهُ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ ) أَمَّا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَدْ حَكَى الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فِيهِ خِلَافًا وَحَكَى ابْنُ فِرِشْتَا الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ وَعَزَاهُ لِلْفُصُولِ وَفِيهِ مَا فِيهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِيمَا يُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ عَنْ إنْكَارٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ فَلَا يُطَالَبُ وَكِيلُهُ بِالْمَهْرِ وَلَا وَكِيلُهَا بِتَسْلِيمِهَا ) أَيْ فِي كُلِّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ إلَخْ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَقَعَ النِّكَاحُ لَهُ فَصَارَ كَالرَّسُولِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ صَادِرًا مِنْ شَخْصٍ عَلَى سَبِيلِ الْأَصَالَةِ ، وَالْحُكْمُ وَاقِعٌ لِغَيْرِهِ فَجَعَلْنَاهُ سَفِيرًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ ، أَمَّا غَيْرُ النِّكَاحِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ مَالِكِيَّتُهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ فَكَانَ النِّكَاحُ إسْقَاطًا لِلْحُرْمَةِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَطْءِ وَلِهَذَا لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَسْخِ وَالتَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ وَفِيمَا وَرَاءَ الْوَطْءِ فَهُوَ إسْقَاطٌ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ إذْ الْحُرْمَةُ تُنَافِي الْمِلْكَ وَالسَّاقِطُ مُتَلَاشٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ ثُمَّ يَسْقُطَ ثَانِيًا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ بِالِانْتِقَالِ ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَكَانَ حُكْمُ النِّكَاحِ ثَابِتًا لِمَنْ أُضِيفَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمُوَكِّلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَإِنَّ حُكْمَهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَجَازَ أَنْ يَصْدُرَ السَّبَبُ مِنْ شَخْصٍ أَصَالَةً وَيَقَعَ الْحُكْمُ لِغَيْرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحِلَّ فِيهِ خُلِقَ مُبَاحًا وَقَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ، وَذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَهُ شَخْصٌ ثُمَّ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى شَخْصٍ وَجَازَ

أَنْ يَصْدُرَ السَّبَبُ مِنْ شَخْصٍ وَيَقَعَ الْحُكْمُ لِغَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ غَيْرَ أَصْلٍ إذْ جَوَازُ الِانْتِقَالِ عَنْهُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَخَوَاتِ هَذَا النَّوْعِ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالْهِبَةُ وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالْإِقْرَاضُ وَالرَّهْنُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَأَنَّهُ يُلَاقِي مَحِلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا فِيهِ بَلْ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَكَذَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ فِيهِ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَلْتَزِمُ بَدَلَ الْقَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ بِعْ شَيْئًا مِنْ مَالِك عَلَى أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ لِي وَنَظِيرَ التَّوْكِيلِ بِالشَّحَّاثَةِ فَكَانَ بَاطِلًا وَمَا اسْتَقْرَضَهُ فَهُوَ لِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْأَمْرِ وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَدَلٌ يَلْزَمُهُ حَتَّى يَكُونَ بَيْعُ مَالِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ لِغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَالْوَكِيلُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَحِلِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِيهِ فَصَارَ سَفِيرًا عَنْ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَارَةِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ وَحُقُوقُهُ بِهَا وَهِيَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ أَجْنَبِيًّا بَلْ أَصِيلًا فِيهِ

قَوْلُهُ : لَكِنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ وَكَّلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ إنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الِاسْتِقْرَاضَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَالَ : إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا أَوْ قَالَ أَقْرِضْ فُلَانًا كَذَا كَانَ الْقَرْضُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْ الِاسْتِقْرَاضَ لِلْمُوَكِّلِ يَكُونُ الْقَرْضُ لِلْوَكِيلِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِالْمُبَاحَاتِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاسْتِقَاءِ وَاسْتِخْرَاجِ الْجَوْهَرِ مِنْ الْمَعَادِنِ فَمَا أَصَابَ الْوَكِيلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ وَكَذَا التَّوْكِيلُ بِالتَّكَدِّي ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَالتَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الْقَرْضِ يَصِحُّ بِأَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ : أَقْرِضْنِي ثُمَّ يُوَكِّلُ رَجُلًا بِقَبْضِهِ صَحَّ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ : وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ الْوَكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَبَيْنَ مُوَكِّلِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَبَضْت الْمَالَ مِنْ الْمُقْرِضِ وَدَفَعْت إلَى الْمُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُرِيدُ بِهَذَا إلْزَامَ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إيجَابِ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَنَظِيرُ التَّوْكِيلِ بِالشَّحَّاثَةِ ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي بَابِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالشَّحَّاذُ الْمُلِحُّ فِي مَسْأَلَتِهِ وَعَوَامُّ الْعِرَاقِيِّينَ يَقُولُونَ شَحَّاثٌ بِالثَّاءِ وَيُخْطِئُونَ فِيهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلِلْمُشْتَرِي مَنْعُ الْمُوَكِّلِ عَنْ الثَّمَنِ ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ إنَّ الْمُوَكِّلَ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ لَهُ مَنْعُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْمُوَكِّلِ ( صَحَّ وَلَا يُطَالِبُهُ الْوَكِيلُ ثَانِيًا ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَزْعِهِ مِنْهُ ثُمَّ رَدِّهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي لِوُصُولِ الثَّمَنِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْوَصِيِّ ثَانِيًا ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ لَيْسَ لَهُ قَبْضُ مَالِهِ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْمَدِينِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهِ تَضْيِيعًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَمُتَصَرِّفٌ فِي مَالِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ فِيهِ فَيَكُونُ قَبْضُهُ مُعْتَبَرًا وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ إذَا صَارَفَ وَقَبَضَ الْمُوَكِّلُ بَدَلَ الصَّرْفِ حَيْثُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ وَلَا يُعْتَدُّ بِقَبْضِهِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الصَّرْفِ مُعَلَّقٌ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَكَانَ الْقَبْضُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْعَاقِدَيْنِ فَكَذَا الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَإِنَّمَا جَازَ لِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دَيْنٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّقَاصِّ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْوَكِيلِ فَقَطْ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بِهِ وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ

الصَّرْفِ حَيْثُ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الدَّيْنِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِنْ الثَّمَنِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إبْرَاؤُهُ فَكَذَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِهِ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ فَلَا تَقَعُ وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ الْمُقَاصَّةَ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ كَانَتْ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ أَوْلَى عِنْدَهُمَا كَمَا لَوْ أَبْرَآهُ مَعًا ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْوَكِيلَ ضَمَانُهُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مِلْكُ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِبْرَاؤُهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ كَمَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْمُشْتَرِي وَدَلِيلُ الْخِلَافِ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا يَصِيرُ ضَامِنًا وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْقَبْضِ وَالْقَبْضَ خَالِصُ حَقِّ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ بِنَفْسِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ هُوَ بِالْإِبْرَاءِ مُمْتَنِعًا عَنْ الْقَبْضِ مُسْقِطًا حَقَّ نَفْسِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ بِقَبْضِهِ يَتَعَيَّنُ مِلْكُ الْآمِرِ فِي الْمَقْبُوضِ ، وَإِذَا انْسَدَّ عَلَيْهِ هَذَا الْبَابُ بِإِبْرَائِهِ صَارَ ضَامِنًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ إذَا أَعْتَقَ الْمَرْهُونَ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَيَضْمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ لِانْسِدَادِ بَابِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِالْإِعْتَاقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إبْرَاءُ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ فِيمَا بَاعَاهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ

( بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ) الْأَصْلُ أَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا كَانَتْ تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ وَلَا يُمْكِنُ دَرْكُهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِلَّا فَلَا وَالْجَهَالَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ وَهِيَ الْجَهَالَةُ فِي الْجِنْسِ فَتَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ سَوَاءٌ بُيِّنَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ وَهِيَ مَا كَانَتْ فِي النَّوْعِ الْمَحْضِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ وَقَالَهُ بِشْرٌ لَا تَجُوزُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ } وَلِأَنَّ جَهَالَةَ النَّوْعِ لَا تُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَيُمْكِنُ دَفْعُهَا بِصَرْفِ التَّوْكِيلِ إلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ أَنَّ عَامِّيًّا وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ فَرَسٍ فَاشْتَرَى فَرَسًا يَصْلُحُ لِلْمُلُوكِ لَا يَلْزَمُهُ وَالثَّالِثَةُ جَهَالَةٌ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ إنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوْ النَّوْعَ بِأَنْ قَالَ عَبْدًا تُرْكِيًّا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ تَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ بِبَيَانِ الثَّمَنِ يُعْلَمُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ يُرِيدُ وَبِبَيَانِ النَّوْعِ يُعْلَمُ ثَمَنُهُ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرَةً وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْجِنْسِ حَيْثُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِنْ بُيِّنَ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَلَا يُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَمَرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ صَحَّ سَمَّى ثَمَنًا أَوْ لَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْقَ الْجَهَالَةُ بَعْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ إلَّا فِي

الصِّفَةِ وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ بِأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهِ إذْ اخْتِلَافُ الصِّفَةِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ أَصْلِ الْمَقْصُودِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مِثْلِهِ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِبَيَانِ جِنْسِ الْمُثَمَّنِ يَصِيرُ مَعْلُومًا عَادَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ وَلِأَنَّا لَوْ شَرَطْنَا الِاسْتِقْصَاءَ فِي الصِّفَةِ وَالْبَيَانِ فِي النَّوْعِ رُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْقِيَامِ بِذَلِكَ وَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ وَحُرِجُوا وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ جَازَ إنْ سَمَّى ثَمَنًا وَإِلَّا لَا ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَلَيْسَتْ بِفَاحِشَةٍ وَلَا يَسِيرَةٍ ، فَإِذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُ عُلِمَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ مَقْصُودُهُ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْعَبِيدِ مَعْلُومٌ بَيْنَ النَّاسِ وَالْتَحَقَ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ بِذَلِكَ فَجَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنَهُ الْتَحَقَ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَلَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ الْعَمَلِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَبِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ النَّظَرِ وَالْجَمَالِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ ، فَإِنَّ الْجَمَالَ مَنْفَعَةٌ مَطْلُوبَةٌ مِنْ بَنِي آدَمَ وَلِهَذَا جُعِلَ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ مِنْ بَنِي آدَمَ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ الْجَمَالُ لِكَوْنِهِ مَجْمَعَ الْمَحَاسِنِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ يَخْتَلِفُ التُّرْكِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَالسِّنْدِيُّ وَالْحَبَشِيُّ وَالتَّكْرُورِيُّ وَكَذَا إذَا بَيَّنَ نَوْعَهُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِمَقْصُودِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ إذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومَ النَّوْعِ فَعِنْدَ التَّصْرِيحِ بِنَوْعِهِ أَوْلَى أَنْ تَجُوزَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا ) يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ

دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ فِي الْجِنْسِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الِامْتِثَالِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ نَوْعٍ يَشْتَرِيهِ الْوَكِيلُ مِنْ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ إلَّا وَيُمْكِنُ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَقُولَ : إنِّي عَنَيْتُ خِلَافَهُ وَالْأَمْرُ بِمَا لَا يُمْكِنُ الِامْتِثَالُ بِهِ بَاطِلٌ فَتَخَلَّصَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْجِنْسِ لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ مُطْلَقًا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي النَّوْعِ تَجُوزُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ مَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ كَانَتْ أَنْوَاعًا ، فَإِنْ ذُكِرَ الثَّمَنُ أَوْ النَّوْعُ جَازَتْ وَالْتَحَقَ بِالثَّانِي ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْتَحَقَ بِالْأَوَّلِ فَلَمْ تَجُزْ وَالْجِنْسُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُتَغَايِرَةٌ وَالنَّوْعُ اسْمٌ لِأَحَدِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمٍ فَوْقَهُ ، وَقِيلَ : الْجِنْسُ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالنَّوْعِ وَالنَّوْعُ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالشَّخْصِ وَقِيلَ كُلُّ اسْمٍ مُنْتَظِمٍ أَشْيَاءَ نَوْعٌ بِاعْتِبَارِ مَا فَوْقَهُ جِنْسٌ بِاعْتِبَارِ مَا دُونَهُ ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ بِأَنْ قَالَ : ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْتَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ لَهُ يَكُونُ مُمْتَثِلًا وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي بِأَلْفٍ ثِيَابًا أَوْ دَوَابَّ أَوْ أَشْيَاءَ أَوْ مَا شِئْتَ أَوْ مَا رَأَيْتَ أَوْ أَدْنَى شَيْءٍ حَضَرَك أَوْ مَا يُوجَدُ أَوْ مَا يَتَّفِقُ جَازَ ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ دَلَالَةُ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِي بِأَلْفٍ أَوْ بِعْ جَازَتْ الْوَكَالَةُ وَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْأَلْفِ مِنْهُ وَيَصِيرُ الْبَائِعُ قَابِضًا لِلْآمِرِ أَوَّلًا بِحُكْمِ الْقَرْضِ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ : اجْعَلْهُ بِضَاعَةً لِي ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبِضَاعَةِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ وَكَذَا

لَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِي بِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ عَامٌّ فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ لِي مَا بَدَا لَك أَوْ قَالَ سَلَّطْتُك عَلَى الشِّرَاءِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَذِنْتُ لَك أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ لِمَا بَيَّنَّا

بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ) ( قَوْلُهُ : بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاء ) كَذَا تَرْجَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ عَقِبَهُ فَصْلٌ فِي الشِّرَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدَّمَ بَابَ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى سَائِرِ الْأَبْوَابِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى الْوَكَالَةِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَدَّمَ فَصْلَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مُثْبِتٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَبِيعُ وَالْبَيْعُ مُزِيلٌ لَهُ وَالثُّبُوتُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَكَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدٍ وَإِذَا قَالَ لَهُ : اشْتَرِ لِي حِمَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِي بَغْلًا ، فَإِنْ اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثِّيَابَ مُخْتَلِفَةٌ ، فَإِنْ قَالَ : اشْتَرِ ثَوْبًا هَرَوِيًّا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا اشْتَرَاهُ بِمَا يُشْتَرَى مِثْلُهُ أَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِنْسٍ سَمَّاهُ مِنْ الثِّيَابِ ، فَإِنْ سَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَزَادَ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ وَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ ، فَإِنْ وَصَفَ لَهُ صِفَةً وَسَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ تِلْكَ الصِّفَةَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْآمِر ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ بِشْرٌ لَا تَجُوزُ ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ تُمْنَعُ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ ا هـ وَبِقَوْلِ بِشْرٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ

بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ : { وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ } ) وَجَعَلَ جَهَالَةَ النَّوْعِ عَفْوًا وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّوْعِ وَالنَّوْعِ يَسِيرٌ فَلَا يَمْنَعُ الِامْتِثَالَ لَكِنْ تَنْصَرِفُ الْوَكَالَةُ إلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالثَّالِثَةُ جَهَالَةٌ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَالثَّالِثَةُ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ إنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوْ الصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ : تُرْكِيًّا أَوْ هِنْدِيًّا أَوْ رُومِيًّا صَحَّتْ الْوَكَالَةُ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ أَوْ الصِّفَةَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي أَكْثَرُ مِنْ اخْتِلَافِ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ وَعَادَةُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ فَكَانَتْ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَكَذَا الدَّارُ مُلْحَقَةٌ بِالْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ وَكَثْرَتِهَا ، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ بِدُونِ بَيَانِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلَّةِ وَبِمَا سُمِّيَ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِي حِنْطَةً لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ عَدَدَ الْقُفْزَانِ أَوْ الثَّمَنَ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَمَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ أَوْ الثَّمَنَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَحُرِجُوا ) حَرَجَ صَدْرُهُ ضَاقَ حَرَجًا مِنْ بَابِ لَبِسَ ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً أَوْ عَبْدًا ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَبِيدَ وَالْجَوَارِيَ مُخْتَلِفُونَ ، فَإِنْ

وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُوَلَّدًا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ سِنْدِيًّا أَوْ سَمَّى جِنْسًا مِنْ الْأَجْنَاسِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا وَتَسْمِيَةُ الثَّمَنِ وَتَسْمِيَةُ الْجِنْسِ سَوَاءٌ ا هـ غَايَةٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَقَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ أَمَرَ آخَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ ، وَإِنْ سَمَّى ثَمَنَ الدَّارِ وَبَيَّنَ جِنْسَ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ جَازَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَازَ إنْ سَمَّى ثَمَنًا وَإِلَّا لَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْعَبْدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَهُ أَمَّا إذَا بَيَّنَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ ( قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْتَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ ) أَيْ جَازَتْ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ يَقَعُ عَلَى الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ ) لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ يَنْصَرِفُ إلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ غَيْرَهُمَا مِنْ الطَّعَامِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلَّ مَطْعُومٍ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لَهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّعَامَ مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ يُرَادُ بِهِ الْبُرُّ عَادَةً وَدَقِيقُهُ وَلَا عُرْفَ فِيمَا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالْأَكْلِ فَبَقِيَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ أَيِّ طَعَامٍ كَانَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَبِيعُ طَعَامًا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْبُرِّ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقِيلَ : إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ كَثِيرَةً فَعَلَى الْبُرِّ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً فَعَلَى الْخُبْزِ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَى الدَّقِيقِ وَالْفَارِقُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى إذَا عُرِفَ أَنَّهُ بِالْكَثِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ يُرِيدُ بِهِ الْخَبَرَ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلِيمَةٌ يَتَّخِذُهَا هُوَ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْخُبْزَ لَهُ ؛ لِأَنَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا يَشْتَرِيهِ لِلِادِّخَارِ وَهُوَ الْمُرَجِّحُ لِجَانِبِ الْحِنْطَةِ إذْ الْخُبْزُ لَا يَقْبَلُ الِادِّخَارَ وَكَذَا الدَّقِيقُ لَا يَقْبَلُهُ طَوِيلًا فَتَعَيَّنَ الْبُرُّ لِلِادِّخَارِ وَهُوَ فِي الْكَثِيرِ عَادَةً وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ : الطَّعَامُ فِي عُرْفِنَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ يَعْنِي الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَنَحْوِهِ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَ ، وَقَالَ : اشْتَرِ لِي طَعَامًا مَا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَكِيلًا وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ مِقْدَارَهُ وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ بِمَا سَمَّى لَهُ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِهِمْ يَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِالشِّرَاءِ وَلِهَذَا يُسَمَّى عِنْدَهُمْ السُّوقُ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا سُوقَ الطَّعَامِ ، وَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ هَكَذَا تُرِكَ الْقِيَاسُ بِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ ) هَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْوَكِيلِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ لَا يَرُدُّهُ إلَّا بِأَمْرِهِ ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكَالَةِ قَدْ انْتَهَى بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي رَدِّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إبْطَالَ مِلْكِهِ وَيَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ بِدُونِ رِضَاهُ وَلِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ نَائِبٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ فَكَانَ لَهُ جَانِبَانِ فَجَانِبُ النِّيَابَةِ يَمْنَعُهُ الرَّدَّ وَجَانِبُ الْأَصَالَةِ لَا يَمْنَعُهُ فَعَمَلُنَا بِجَانِبِ الْأَصَالَةِ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَبِجَانِبِ النِّيَابَةِ بَعْدَهُ ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَوْ رَضِيَ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ جَازَ وَسَقَطَ حَقُّ الرَّدِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ فَعَنْ الْعَيْبِ أَوْلَى وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَعَامَّتُهُمْ صَحَّحُوا إبْرَاءَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ عَنْ الثَّمَنِ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَمْلَأَ مِنْ الْوَكِيلِ ، فَإِذَا بَرِئَ يَبْقَى دَيْنُهُ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ وَهُوَ مُفْلِسٌ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ فِيهِ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَأَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ إذْ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ بِإِبْرَائِهِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً كَأَنَّ الْوَكِيلَ بَاعَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلِهَذَا يَحْبِسُ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَإِسْقَاطُ حَقِّهِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا

يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ حَقِّ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُ

( قَوْلُهُ : لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكَالَةِ قَدْ انْتَهَى بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ ) وَلِهَذَا قَالَ إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُطَالِبَ الْوَكِيلَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَانْقَطَعَ حَقُّهُ كَذَلِكَ هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَدَفَعَهَا إلَى الْآمِرِ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهَا إلَّا بِرِضَا الْآمِرِ ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْآمِرِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ أَوْ أَبْرَأ الْبَائِعَ عَنْ الْعَيْبِ وَقَدْ أَمَرَهُ الْآمِرُ بِرَدِّهَا صَحَّ رِضَاهُ وَإِبْرَاؤُهُ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآمِرِ حَتَّى كَانَ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ مَعَ الْعَيْبِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْمَأْمُورِ وَضَمَّنَهُ الثَّمَنَ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الثَّمَنِ صَحِيحًا ثَمَّةَ فِي حَقِّ الْآمِرِ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْبِ هَاهُنَا أَيْضًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمِنْهُمْ أَيْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا بَلْ صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْبِ عِنْدَ الْكُلِّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَفَرَّقُوا لِأَبِي يُوسُفَ ( قَوْلُهُ : فَعَامَّتُهُمْ صَحَّحُوا إبْرَاءَهُ ) أَيْ إبْرَاءَهُ عَنْ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا ) أَيْ بَيْنَ إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ عَنْ الْعَيْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ ) أَيْ وَبَيْنَ إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ ) ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْآمِرُ شَيْئًا حَتَّى هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمَأْمُورِ ، فَإِنَّهَا تَهْلَكُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمَالِكِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ وَلَمْ يُحْدِثْ مَنْعًا يَرْجِعُ الْآمِرُ

عَلَى الْمَأْمُورِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْآمِرَ يَشْتَرِي مِنْهُ حُكْمًا وَقَدْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهَا بِمَوْتِهَا فِي يَدِهِ حُكْمًا ، وَكَذَا إذَا لَمْ تَمُتْ لَكِنْ اعْوَرَّتْ فِي يَدِ الْوَكِيلِ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الِاعْوِرَارَ عَيْبٌ حَدَثَ فِي يَدِ الْآمِرِ حُكْمًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يَحْبِسُ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ إلَخْ ) ، وَإِذَا وَجَدَ الْمُوَكِّلُ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَبَسَ الْمَبِيعَ بِثَمَنٍ دَفَعَهُ مِنْ مَالِهِ ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَدَفَعَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ لِلْبَائِعِ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْبَائِعِ مِنْ مَالِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ الْحُكْمِيَّةَ قَدْ جَرَتْ بَيْنَهُمَا وَصَارَ الْوَكِيلُ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ الْمُوَكِّلُ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَسَلَامَةُ الْمَبِيعِ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ وَلِأَنَّ تَوْكِيلَهُ إيَّاهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَيْهِ إذْنٌ مِنْهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ صَرِيحًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ وَيَحْبِسُ عَنْهُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ لِتَنَزُّلِهِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَقَوْلُهُ بِثَمَنٍ دَفَعَهُ مِنْ مَالِهِ وَقَعَ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ أَيْضًا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَخَذَ حُكْمَهُ وَالْمُشْتَرِي لَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ ثَمَنَهُ كَمَا لَوْ كَانَ بَائِعًا لَهُ حَقِيقَةً يُحَقِّقُهُ أَنَّ حَبْسَ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ لَيْسَ لِأَجْلِ نَقْدِ الثَّمَنِ عَنْهُ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّهُ بَائِعٌ لَهُ حُكْمًا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَيْسَ لِلْوَكِيلِ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَتَقُومُ يَدُهُ مَقَامَ يَدِ الْمُوَكِّلِ وَيَكُونُ قَبْضُهُ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَحْبِسُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَيْسَ لِلْأَمِينِ حَبْسُ الْأَمَانَةِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى صَاحِبِهَا قُلْنَا : الْمُوَكِّلُ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ بِبَدَلٍ اسْتَوْجَبَهُ عَلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْعِ فَيَحْبِسُهُ بِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ حَقِيقَةً وَقَدْ ذَكَرْنَا

أَنَّ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً وَلِهَذَا يَرُدُّهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِعَيْبٍ وَيَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْبَيْعِ فَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ بَلْ قَبْضُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِإِحْيَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِتَتْمِيمِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ فَيَتَبَيَّنُ فِي الْآخِرَةِ بِحَبْسِهِ أَنَّ الْقَبْضَ كَانَ لَحِقَهُ وَبِعَدَمِ الْحَبْسِ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ وَقَبْلَ ذَلِكَ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلِأَنَّ هَذَا الْقَبْضَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَبْضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ بِهِ قَابِضًا وَمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَكُونُ عَفْوًا فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ إذْ فِي سُقُوطِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ الْمُوَكِّلُ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ ) أَيْ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إذَا هَلَكَ عِنْدَ الْمُوَكِّلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا ) وَالتَّحَالُفُ مِنْ خَوَاصِّ الْمُبَادَلَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ أَيْضًا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ ) قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ وَسَامَحَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ هَلْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَنْ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ثُمَّ قَالَ حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِلْوَكِيلِ لَيْسَ لِأَجْلِ مَا نَقَدَ بَلْ لِأَجْلِ بَيْعٍ حُكْمِيٍّ انْعَقَدَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ النَّقْدِ وَقَبْلَهُ قُلْت هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ مِنْ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَكَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ فَقَالَ : وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ وَقَبَضَهُ وَطَلَبَ الْآمِرُ أَخْذَ الْعَبْدِ مِنْ الْوَكِيلِ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يَدْفَعَ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ فَهُوَ سَوَاءٌ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ فَحَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِمَوْتِهِ لَا يَحِلُّ عَلَى الْآمِرِ وَنَقَلَهُ عَنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ مِنْ وَكَالَةِ الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَكُونُ قَبْضُهُ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ ) ، وَإِذَا سَلَّمَهُ حَقِيقَةً سَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ فَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ حُكْمًا وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ عِنْدَهُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62