كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَا دِيَتَهَا ) أَيْ ضَمِنَ الْقَاطِعَانِ دِيَةَ الْمَقْطُوعَةِ ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ فَيَجِبُ مِنْ مَالِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ ) يَعْنِي إذَا حَضَرَا مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ قَطَعَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ يُقْطَعُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْيَدِ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ قِصَاصًا فَمَنَعَ اسْتِحْقَاقَهَا الثَّانِي بِالْقَطْعِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ ، ثُمَّ رَهَنَهُ مِنْ آخَرَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعًا يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَالْأَرْشُ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ لَا تَفِي بِالْحَقَّيْنِ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهَا مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْقُرْعَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ تُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْقَطْعُ وَكَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ يَمْتَنِعُ بِالْأَوَّلِ لَمَا شَارَكَهُ الثَّانِي بِخِلَافِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَثْبُتُ لِلثَّانِي بَعْدَ مَا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً ؛ وَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ حَقُّهُ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ حَتَّى يَحْسِبَهُ بِحَقِّهِ وَيَكُونُ خَصْمًا فِيهِ إذَا اُسْتُهْلِكَ وَيَقْبِضُ بَدَلَهُ ، فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ تَصَرُّفًا يُفْضِي إلَى قَطْعِ الْيَدِ ، وَالْمَحَلُّ خَالٍ عَنْ حَقِّهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلِهَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ لَا

يُطَالَبُ الْقَاطِعُ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ ثَابِتًا فِيهَا لَطَالَبَهُ بِهِ كَالْمُرْتَهِنِ ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْأَوَّلُ ثُبُوتَ حَقِّ الثَّانِي فِيهَا اسْتَوَيَا فِيهَا فَيُقْطَعُ لَهُمَا إذَا حَضَرَا مَعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيُقْضَى لَهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ يَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ حَيْثُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَتْلِ لَهُمَا وَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِالدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ فِيمَا تَقَدَّمَ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يُطَالِبُ ) بِأَنْ قَطَعَهَا شَخْصٌ آخَرُ لَا يَكُونُ لِلْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ مَنْ قَطَعَ يَدَ قَاطِعِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ فَقُطِعَ يَدُهُ لَهُ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِيَقِينٍ ، وَحَقُّ الْآخَرِ مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ صُلْحًا فَصَارَ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا حَضَرَ وَالْآخَرُ غَائِبٌ حَيْثُ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْآخَرُ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُهُ لِلْحَاضِرِ وَطَلَبَ يُقْضَى لَهُ بِالدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ أَوْفَى بِهَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهَا لِسَلَامَتِهَا لَهُ ، وَلَوْ قُضِيَ بِالْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدِّيَةِ فَلِلْآخَرِ الْقَوَدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ الْأَرْشُ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ بِالْقَضَاءِ أَثْبَتَ الشِّرْكَةَ بَيْنَهُمَا فَعَادَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْبَعْضِ ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْآخَرُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ فَالْعَفْوُ قَبْلَهُ كَالْعَفْوِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَلَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَ الْقَاطِعِ مِنْ الْمِرْفَقِ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِذَهَابِ الْيَدِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ بِالْقَطْعِ ظُلْمًا وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا كَمَا إذَا قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَطْعِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ ظُلْمًا ، ثُمَّ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ ذِرَاعَ الْقَاطِعِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دِيَةَ الْيَدِ وَحُكُومَةَ عَدْلٍ فِي قَطْعِ الذِّرَاعِ إلَى الْمِرْفَقِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْقَاطِعِ كَانَتْ مَقْطُوعَةً مِنْ الْكَفِّ حِينَ قَطَعَ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمِرْفَقِ فَكَانَتْ كَالشَّلَّاءِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَاحِدًا فَقُطِعَ الْقَاطِعُ مِنْ الْمِرْفَقِ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ وَوَجَبَ

عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلِلْمَقْطُوعِ مِنْ الْمِرْفَقِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَطَعَ مِنْ الْمِرْفَقِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ لِمَا ذَكَرْنَا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِقَتْلِ عَمْدٍ يُقْتَصُّ بِهِ ) ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ بِالْمَالِ وَلَنَا أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي مِثْلِهِ لِكَوْنِهِ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِهِ فَيَصِحُّ ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِالْآدَمِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَجُوزُ ، فَإِذَا صَحَّ لَزِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ حَقِّ الْمُوَلَّى ضَرُورَةً وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ قَصْدًا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمُوَلَّى بِإِبْطَالِ حَقِّهِ قَصْدًا ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ ، وَكَذَا إقْرَارُهُ بِالْقَتْلِ خَطَأً ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ دَفْعُ الْعَبْدِ أَوْ الْفِدَاءُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ فَلَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ ، فَيَكُونُ بَاطِلًا( قَوْلُهُ : وَقَالَ زُفَرُ إلَخْ ) وَقَوْلُ زُفَرَ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ السَّهْمُ مِنْهُ إلَى آخَرَ يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ وَلِلثَّانِي الدِّيَةُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَمْدٌ وَالثَّانِيَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ فَكَأَنَّهُ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ فَأَصَابَ مُسْلِمًا وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ .

( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ، ثُمَّ قَتَلَهُ أُخِذَ بِالْأَمْرَيْنِ لَوْ عَمْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ خَطَأَيْنِ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا إلَّا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَنْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ ) مَعْنَى هَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ ، ثُمَّ قَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْقَتْلِ وَمُوجِبُ الْقَطْعِ إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً أَوْ كَانَا خَطَأَيْنِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ لَا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكُلَّ لَا يَتَدَاخَلَانِ إلَّا الْخَطَأَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ فَيَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ لَا يَتَدَاخَلَانِ ، أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ فَيُقْتَلُ حُرًّا وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا فَصَارَا كَالْخَطَأَيْنِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ غَالِبًا وَاعْتِبَارُ كُلِّ ضَرْبَةٍ عَلَى حِدَتِهَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَيُجْمَعُ تَيْسِيرًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ بِأَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْفِعْلَيْنِ كَالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ أَوْ يَتَخَلَّلُ الْبُرْءُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ فَيُعْتَبَرُ عَلَى حِيَالِهِ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُرْءِ فَصَارَ كَسِرَايَةِ الْأَوَّلِ وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ ؛ لِأَنَّ حَزَّ الرَّقَبَةِ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْقَطْعِ كَالْبُرْءِ حَتَّى لَوْ صَدَرَا مِنْ شَخْصَيْنِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ فَكَذَا إذَا كَانَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَقْطَعُ

الْأَوْلِيَاءُ يَدَهُ ، ثُمَّ يَقْتُلُونَهُ إنْ شَاءُوا وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ بِالْقَتْلِ مُتَعَذِّرٌ لِاخْتِلَافِهِمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا ؛ وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ صُورَةً وَمَعْنًى تَكُونُ بِاسْتِيفَائِهِمَا وَبِالِاكْتِفَاءِ بِالْقَتْلِ لَمْ تُوجَدْ الْمُمَاثَلَةُ إلَّا مَعْنًى فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ صُورَةً وَمَعْنًى فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ وَهِيَ بَدَلُ الْمَحَلِّ وَالْمَقْتُولُ وَاحِدٌ فَيَجِبُ بَدَلٌ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قَتَلُوا وَاحِدًا خَطَأً يَجِبُ عَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْفِعْلُ ، وَلَوْ قَتَلُوهُ عَمْدًا قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْفِعْلِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ ؛ وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ لَوْ وَجَبَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَزِّ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ بِالْحَزِّ فَيَجْتَمِعُ وُجُوبُ بَدَلِ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَوَجَبَ بِقَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ دِيَاتٌ كَثِيرَةٌ لِلْأَطْرَافِ ؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ بِتَلَفِ النَّفْسِ ، أَمَّا الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ فَقِصَاصَانِ فَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَ وَسَرَى حَيْثُ يُكْتَفَى بِالْقَتْلِ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا وَالثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَلِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهِمَا لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَلِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ فِي الثَّانِي وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ

فَيُعْطَى لِكُلِّ فِعْلٍ حُكْمُ نَفْسِهِ ، وَقَوْلُهُ لَا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ هَذَا إخْرَاجٌ عَنْ قَوْلِهِ أُخِذَ بِالْأَمْرَيْنِ أَيْ بِمُوجِبَيْ فِعْلِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ وَلَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَةُ النَّفْسِ لَا غَيْرُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ ، وَقَوْلُهُ كَمَنْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ يَعْنِي يَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا إذَا كَانَ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ خَطَأَيْنِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الضَّرَبَاتِ الَّتِي بَرَأَ مِنْهَا وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ سَقَطَ أَرْشُهَا لِزَوَالِ الشَّيْنِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَوْ بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ بَعْدَ الْبُرْءِ يَجِبُ مُوجِبُهُ مَعَ دِيَةِ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الشَّيْنِ فِي النَّفْسِ وَهُوَ بِبَقَاءِ الْأَثَرِ

فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : وَمُوجِبُ الْقَطْعِ إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً ) هَذِهِ حَالَةٌ تَتَقَسَّمُ إلَى حَالَتَيْنِ ، إحْدَاهُمَا قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ، ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً وَالْأُخْرَى قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً ، ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ فَصَارَتْ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَالْحَالَتَانِ الْأُخْرَيَانِ كَذَلِكَ تُتَصَوَّرُ أَرْبَعُ صُوَرٍ فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةَ صُوَرٍ فِي سِتٍّ مِنْهَا لَا يَتَدَاخَلَانِ اتِّفَاقًا وَفِي وَاحِدَةٍ يَتَدَاخَلَانِ اتِّفَاقًا فَتَجِبُ دِيَةٌ فَقَطْ وَالثَّامِنَةُ خِلَافِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَدَاخَلَانِ ، وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ ا هـ ( فُرُوعٌ ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقْطَعُ يَدَ الرَّجُلِ عَمْدًا ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ خَطَأً قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ الْيَدُ أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ خَطَأً ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ عَمْدًا قَبْلَ الْبُرْءِ قَالَ يُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا بِالْيَدِ وَالنَّفْسِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا يُشَاكِلُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ عَمْدًا أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ خَطَأً ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ خَطَأً أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ عَمْدًا ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ خَطَأً أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ خَطَأً ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ عَمْدًا ، ثُمَّ كُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَبْرَأَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَبْرَأَ فَصَارَتْ فِي الْحَاصِلِ ثَمَانِيَ مَسَائِلَ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً أَوْ الْقَطْعُ خَطَأً وَالْقَتْلُ عَمْدًا وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَ الْبُرْءِ فَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بَعْدَ الْبُرْءِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمُوجِبَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ

قَدْ انْتَهَى ، فَيَكُونُ الْقَتْلُ بَعْدَهُ فِعْلًا ابْتِدَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ ، ثُمَّ يَقْتُلَهُ ، وَلَوْ كَانَا خَطَأَيْنِ أَخَذَ دِيَةَ الطَّرَفِ وَدِيَةَ النَّفْسِ جَمِيعًا ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا يُقْتَصُّ فِيمَا هُوَ عَمْدٌ وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ فِيمَا هُوَ خَطَأٌ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَإِنْ كَانَا خَطَأً يُكْتَفَى بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ مَا فَوَّتَ إلَّا نَفْسًا وَاحِدَةً فَلَا يَجِبُ بِهِ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا اُقْتُصَّ فِيمَا هُوَ عَمْدٌ وَأُخِذَ بِالدِّيَةِ فِيمَا هُوَ خَطَأٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَتَدَاخَلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ لِاخْتِلَافِهِمَا فَأَمَّا إنْ كَانَا عَمْدَيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ قَطَعَ ، ثُمَّ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالْقَتْلِ ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقَتْلُ هُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ مَا فَوَّتَ بِالْفِعْلِ إلَّا النَّفْسَ فَحَسْبُ كَمَا إذَا كَانَا خَطَأً فَثَمَّةَ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا لَا يَجِبُ هُنَا إلَّا قِصَاصٌ وَاحِدٌ إذَا كَانَا عَمْدًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتَى بِجِنَايَتَيْنِ قَطْعٍ وَقَتْلٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ مِنْ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يُعْتَبَرُ كُلُّ فِعْلٍ وَيُؤْخَذُ بِمُوجِبِ الْفِعْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْأَوَّلِ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْبُرْءِ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ حَتَّى لَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ فَلِلْوَلِيِّ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَا خَطَأَيْنِ تَجِبُ دِيَةٌ وَنِصْفُ دِيَةٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً يَجِبُ فِي الْيَدِ الْقَوَدُ وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً وَالْقَتْلُ عَمْدًا يَجِبُ فِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي

النَّفْسِ الْقَوَدُ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً يُعْتَبَرُ كُلُّ فِعْلٍ عَلَى حِدَةٍ فَيَجِبُ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يُعْتَبَرُ الْكُلُّ جِنَايَةً وَاحِدَةً اتِّفَاقًا فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَا عَمْدَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْوَلِيِّ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَطَعَ وَقَتَلَ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ ا هـ حِصَارِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ ) أَيْ إذَا كَانَ الْقَتْلُ قَبْلَ الْبُرْءِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَعَدَمُ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ ) وَمَعْنَى الْجَمْعِ هُنَا الِاكْتِفَاءُ بِالْقَتْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ ) أَيْ بِقَطْعِ يَدِ الْقَاطِعِ وَبِقَتْلِ الْقَاتِلِ ا هـ قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ ) أَيْ إذَا قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فَقَطْ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا فِي خَطَأَيْنِ ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنُسْخَةِ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ الزَّرَاتِيتِيِّ الْمُقَابَلَةِ عَلَى خَطِّ الشَّارِحِ وَغَالِبُ نُسَخِ الْمَتْنِ إلَّا بِأَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْعَيْنِيِّ وَالرَّازِيِّ وَغَيْرِهِمَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ ) جَعَلَ كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُ إلَّا عَشَرَةً فَمَاتَ مِنْهَا فَلَا تَجِبُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَفَا الْمَقْطُوعُ عَنْ الْقَطْعِ فَمَاتَ ضَمِنَ الْقَاطِعُ الدِّيَةَ ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ لَا فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا عَفَا عَنْ الْقَطْعِ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا حَتَّى إذَا مَاتَ بَعْدَ الْعَفْوِ بِالسِّرَايَةِ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إذَا أُضِيفَ إلَى الْفِعْلِ كَالْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ يُرَادُ بِهِ مُوجِبُهُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْفِعْلِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ وَمُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ ضَمَانُ الطَّرَفِ إنْ اقْتَصَرَ وَضَمَانُ النَّفْسِ إنْ سَرَى فَيَتَنَاوَلُهُمَا فَصَارَ كَالْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ؛ وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصِرَ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ جِنْسٌ وَهُمَا نَوْعَانِ فَصَارَتْ السِّرَايَةُ وَالِاقْتِصَارُ صِفَةً لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَمَرَ إنْسَانًا بِقَطْعِ يَدِهِ فَقَطَعَهَا وَسَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ بِالْقَطْعِ يَتَنَاوَلُهُ فَكَذَا الْعَفْوُ عَنْهُ يَتَنَاوَلُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمُسَبَّبُ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ عَنْ الْغَصْبِ كَانَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ مُوجِبِ الْغَصْبِ وَهُوَ رَدُّ الْعَيْنِ عِنْدَ قِيَامِهَا وَرَدُّ الْقِيمَةِ بَعْدَ هَلَاكِهَا ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ كَانَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ مُوجِبِ الْعَيْبِ وَهُوَ الرَّدُّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْقَتْلِ دُونَ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَتْلًا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَعَفْوُهُ عَنْ الْقَطْعِ يَكُونُ عَفْوًا

عَنْ غَيْرِ حَقِّهِ فَيَبْطُلُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ : لَا قَطْعَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ يَتَنَاوَلُهُ كَمَا قَالَا لَاقْتَضَى بَرَاءَتَهُ عَنْهُ فَكَذَا الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَفْوَ عَنْ الْقَتْلِ لِكَوْنِهِمَا غَيْرَيْنِ فَلَمْ يُصَادِفْ الْعَفْوُ مَحَلَّ حَقِّهِ فَيَبْطُلُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ عَمْدًا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي سُقُوطِهِ ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَفْوَ إلَى حَقِّهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَذَلِكَ يَكْفِي لِدَرْءِ الْقِصَاصِ لَا لِسُقُوطِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّارِيَ نَوْعٌ مِنْ الْقَطْعِ وَأَنَّ السِّرَايَةَ صِفَةٌ لَهُ ، بَلْ السَّارِي قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ بِالسِّرَايَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجِنَايَاتِ مَآلُهَا لِمَا أَنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ، ثُمَّ يَصِيرُ مُوجِبًا لَهُ بِالسِّرَايَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ ، ثُمَّ يَصِيرُ غَيْرَ مُوجِبٍ لَهُ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْمِفْصَلِ فَسَرَى إلَى نِصْفِ السَّاعِدِ وَبِاعْتِبَارِ الْمَآلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْيَدِ وَلِهَذَا لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْيَدِ بَعْدَ السِّرَايَةِ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ كَانَ السَّارِي نَوْعًا لَهُ لَصَحَّ لِإِمْكَانِ الصَّرْفِ إلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ الْأَوَّلَ لَا يُوجِبُ قَطْعًا سَارِيًا وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ فَقَطْ إنْ كَانَ مُقْتَصِرًا أَوْ الْقَتْلَ فَقَطْ إنْ كَانَ سَارِيًا فَلَا مُوجِبَ لِلْقَطْعِ السَّارِي فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَيْسَ بِاسْمٍ لِلْقَتْلِ وَلَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ السَّارِي عَلَى الْجَانِي حَتَّى يُسْتَعَارَ لَهُ فَلَغَا بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا

يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصِرَ وَالْقَتْلَ ابْتِدَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا جِنَايَةَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ أَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا قَطْعَ لِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا صَرِيحٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ السِّرَايَةِ ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْإِذْنِ بِالْقَطْعِ فَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْ الْقَاطِعِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ انْتَقَلَ الْفِعْلُ إلَيْهِ فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَ نَفْسِهِ فَمَاتَ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ لَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْقَاطِعِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ فَكَأَنَّ هَذَا شَاهِدٌ لِأَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا تَرَاهُ ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَصْبِ فَلِأَنَّ الْغَصْبَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ أَوْ قِيمَتِهِ فَجَازَ اسْتِعَارَتُهُ عَلَى الْمُسَبَّبِ ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْقَطْعِ عَلَى عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ حَيْثُ لَا يُنْتَقَضُ الصُّلْحُ ، وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ السَّارِيَ لَانْتَقَضَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا أَعْتَقَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْإِمْضَاءِ فَتَضَمَّنَ إعْتَاقُهُ نَقْضَ الصُّلْحِ الْأَوَّلِ وَالتَّحَوُّلَ إلَى الصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَهُوَ كَالْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ حَتَّى إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ : عَفَوْت عَنْ الْيَدِ كَانَ عَفْوًا عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ عِنْدَهُمَا ، وَعَنْ دِيَةِ الْيَدِ فَقَطْ عِنْدَهُ ، وَلَوْ قَالَ عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ كَانَ عَفْوًا عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى إذَا مَاتَ مِنْهُ

يَسْقُطُ كُلُّ الدِّيَةِ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْمَالُ ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَمْدًا حَيْثُ يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَعَارَ أَرْضَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَانْتَفَعَ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعِيرُ حَيْثُ يُنَفَّذُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِهَا فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ

قَوْلُهُ : وَلِهَذَا لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْيَدِ ) أَيْ قَطَعَ يَدَهُ فَمَاتَ فَعَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَنْ مُوجِبِ الْيَدِ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَجَازَ اسْتِعَارَتُهُ عَلَى الْمُسَبَّبِ ) يَعْنِي لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ ) وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ ، وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ الْقَاتِلَ وَاحِدًا مِنْ الْعَاقِلَةِ ، أَمَّا مَنْ جَعَلَهُ وَاحِدًا مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ فَلَا تَصِحُّ قَالُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَإِنْ حَصَلَتْ لِلْقَاتِلِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَصِحَّ فِي الِابْتِدَاءِ صَحَّتْ فِي الِانْتِهَاءِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَطَلَتْ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ كُلُّهَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَوْصَى لِمَنْ تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَلِمَنْ لَا تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ صَارَ كُلُّهَا لِمَنْ تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ كَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْحَيِّ تَصْحِيحًا لِلْوَصِيَّةِ فَهُنَا إذَا لَمْ تَصِحَّ لِلْقَاتِلِ تَعُودُ إلَى الْعَاقِلَةِ فَتَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ ا هـ غَايَةٌ سَيَأْتِي مَعْنَى هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ لَكِنَّنِي بَادَرْت بِكِتَابَتِهَا ظَنًّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ) وَإِنَّمَا يُحْجَرُ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُ الْقَاتِلِ فِيهِ سَوَاءٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ ، ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا لَوْ خَطَأً ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ فَكَذَا التَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ أَوْ عَلَى الْقَطْعِ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا فَهَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ مِنْ نَفْسِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُقَالُ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الطَّرَفِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْعَمْدِ الْقِصَاصُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهَا الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْعَفْوَ لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ ، فَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلٌ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ وَذَلِكَ فِي مَالِهَا ؛ لِأَنَّهُ عَمْدًا وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، فَإِذَا وَجَبَ لَهُ الدِّيَةُ وَلَهَا الْمَهْرُ تَقَاصَّا إنْ اسْتَوَيَا قَدْرًا وَوَصْفًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ ، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ ؛ لِأَنَّ

الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَمْدًا ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَيْهَا وَالْمَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِيفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ فَيَتَقَاصَّانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ فَمَاتَ مِنْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصِحُّ مَهْرًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لَوْ عَمْدًا ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مَهْرًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَسَقَطَ أَصْلًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْقِصَاصَ بِشَرْطِ أَنْ يَصِيرَ مَالًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مَجَّانًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ خَطَأً رُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَهُمْ ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً ) ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ تَزَوُّجٌ عَلَى مُوجِبِهَا وَمُوجِبُهَا الدِّيَةُ هُنَا وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ إلَّا أَنَّهُ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُحَابَاةٌ وَالْمَرِيضُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي التَّزَوُّجِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَنْفُذُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهَا ، وَقَدْ صَارَتْ مَهْرًا فَتَسْقُطُ كُلُّهَا عَنْهُمْ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا ، فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهَا سَقَطَ عَنْهُمْ فَلَا يَغْرَمُونَ لَهَا وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يُنْظَرُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُمْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَهُمْ فَيَصِحُّ ؛

لِأَنَّهُمْ أَجَانِبُ وَإِنْ كَانَ لَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ الثُّلُثِ وَأَدَّوْا الزِّيَادَةَ إلَى الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا نَفَاذَ لَهَا إلَّا مِنْ الثُّلُثِ ، ثُمَّ قِيلَ لَا يَسْقُطُ قَدْرُ نَصِيبِ الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَصِحُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِمَنْ تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَلِمَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ ، فَيَكُونُ الْكُلُّ لِمَنْ تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ كَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا تَكُونُ لِلْحَيِّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ نَصِيبُهُ لَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فَمَا أَصَابَ الْعَاقِلَةَ يَسْقُطُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَا أَصَابَ الْقَاتِلَ يَكُونُ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ فَيُقْسَمُ أَيْضًا فَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ أَيْضًا ، ثُمَّ هَكَذَا وَهَكَذَا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فَلَوْ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ فِي حِصَّتِهِ ابْتِدَاءً لَزِمَنَا تَصْحِيحُهَا انْتِهَاءً فَصَحَّحَاهَا ابْتِدَاءً قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَصَارَ الْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدًا عِنْدَهُمَا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَاقْتَصَّ لَهُ فَمَاتَ الْأَوَّلُ قُتِلَ بِهِ ) أَيْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَاقْتُصَّ لَهُ فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ قُتِلَ الْمَقْطُوعُ الثَّانِي بِهِ وَهُوَ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ قِصَاصًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلًا عَمْدًا وَحَقُّ الْمُقْتَصِّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقَتْلِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إذَا قَطَعَ طَرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، ثُمَّ قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْإِسَاءَةِ ، فَإِذَا بَقِيَ لَهُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَوَارِثُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْقَطْعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ غَيْرِهِ قُلْنَا إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَقُّهُ لَا حَقَّ لَهُ غَيْرُهُ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبَرِّئًا عَنْهُ بِدُونِ عِلْمِهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ قِصَاصًا مِنْ الْقَطْعِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ فَيَسْقُطُ حُكْمُ السِّرَايَةِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ خَارِجٌ عَنْ وُسْعِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُ الْقِصَاصِ فَصَارَ كَالْإِمَامِ إذَا قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ فَمَاتَ وَكَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ وَكَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا وَمَاتَ وَهَذَا لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَبَعٌ لِابْتِدَاءِ الْجَنَابَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ غَيْرَ مَضْمُونٍ وَسَرَايَتُهُ مَضْمُونَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حَقَّهُ

فِي الْقَطْعِ وَالْمَوْجُودُ قَتْلٌ حَتَّى لَوْ قَطَعَ ظُلْمًا كَانَ قَتْلًا فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَيَضْمَنُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوا مِنْ الْمَسَائِلِ ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ ، وَكَذَا الْفِعْلُ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ بِالْعَقْدِ ، وَإِقَامَةُ الْوَاجِبِ لَا تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ ، بَلْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ كَالْمُرُورِ عَلَى الطَّرِيقِ وَكَضَرْبِ الزَّوْجَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَطَعَ يَدَ الْقَاتِلِ وَعَفَا ضَمِنَ الْقَاطِعُ دِيَةَ الْيَدِ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مِنْ نَفْسٍ لَوْ أَتْلَفَهَا لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، ثُمَّ سَرَى ، وَهَذَا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إتْلَافَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ إذْ الْأَجْزَاءُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَبَطَلَ حَقُّهُ بِالْعَفْوِ فِيمَا بَقِيَ لَا فِيمَا اسْتَوْفَى وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْفُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْيَدِ ، وَكَذَا إذَا عَفَا ، ثُمَّ سَرَى لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَالْقَطْعُ السَّارِي أَفْحَشُ مِنْ الْمُقْتَصِرِ أَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَمَا سَرَى ، ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الْيَدِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ، ثُمَّ عَفَا عَنْ الْيَدِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَرْشَ الْأَصَابِعِ مِنْ الْكَفِّ كَالْأَطْرَافِ مِنْ النَّفْسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ فَيَضْمَنُ ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ لَا فِي الْقَطْعِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ الطَّرَفَ تَبَعًا لِلنَّفْسِ ، وَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ، وَحَقُّهُ فِي الطَّرَفِ ثَبَتَ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ حَقِّ الْقَتْلِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا قَبْلَهُ ، فَإِذَا وُجِدَ الِاسْتِيفَاءُ ظَهَرَ حَقُّهُ فِي الطَّرَفِ تَبَعًا ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَوْفِ لَمْ يَظْهَرْ حَقُّهُ فِي الطَّرَفِ لَا أَصْلًا وَلَا تَبَعًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْفُ فَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ لِمَانِعٍ وَهُوَ قِيَامُ الْحَقِّ فِي النَّفْسِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَمْلِكَ قَتْلَهُ وَتَكُونَ أَطْرَافُهُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِالْعَفْوِ ظَهَرَ حُكْمُ السَّبَبِ ، وَإِذَا سَرَى فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لِلْقَتْلِ

فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَفْوَ كَانَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ ، وَلَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرَأَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ ، وَلَوْ قَطَعَ ، ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ انْعَقَدَ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ السِّرَايَةَ فَكَانَ حَزُّ الرَّقَبَةِ تَتْمِيمًا لِمَا انْعَقَدَ لَهُ الْقَطْعُ فَلَا يَضْمَنُ حَتَّى لَوْ حَزَّ رَقَبَتَهُ بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ظُهُورَ حَقِّهِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي التَّوَابِعِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ فِي النَّفْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ إتْلَافِهَا وَالْأَصَابِعُ تَابِعَةٌ قِيَامًا وَالْكَفُّ تَابِعٌ لَهَا عَرَضًا ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ تَقُومُ بِالْأَصَابِعِ بِخِلَافِ الطَّرَفِ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍقَوْلُهُ : وَإِنْ قَطَعَ ) أَيْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْقَطْعُ السَّارِي أَفْحَشُ مِنْ الْمُقْتَصِرِ ) فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ السَّارِيَ لَا يَضْمَنُ الْمُقْتَصِرَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْحَالِ ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَوَقَّفَ عَلَى الْبُرْءِ كَمَا فِي الْجِنَايَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ بِغَيْرِ حَقٍّ ا هـ .

( بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُقَيَّدُ حَاضِرٌ بِحُجَّتِهِ إذَا أَخُوهُ غَابَ عَنْ خُصُومَتِهِ فَإِنْ يَعُدْ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهِ لَيَقْتُلَا ، وَلَوْ خَطَأً أَوْ دَيْنًا لَا ) أَيْ إذَا قَتَلَ شَخْصٌ وَلَهُ وَلِيَّانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ لَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ قِصَاصًا فَإِنْ عَادَ الْغَائِبُ ، فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْتُلَاهُ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ إعَادَةِ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ لِيَقْتُلَاهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا يُعِيدُ ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ دَيْنًا لَا يُعِيدُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يُحْبَسُ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْقَتْلِ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْقِصَاصِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ الِاسْتِيفَاءُ وَالْحَاضِرُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَطَأً أَوْ دَيْنًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَتَى أَقَامَهَا مَنْ لَهُ الْخُصُومَةُ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً مُلْزَمَةً فَلَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ ، وَعَنْ شُرَكَائِهِ فِيمَا يَدَّعِي لِلْمَيِّتِ وَعَلَى الْمَيِّتِ كَمَا فِي دَعْوَى الْخَطَأِ وَدَعْوَى الْمَالِ وَالْقِصَاصِ مَوْرُوثٌ عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ وَيَصِحَّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا ، وَكَذَا تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْهُ كَمَا فِي الدِّيَةِ ، فَإِذَا لَمْ تَجِبْ إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ الدَّمِ وَهُوَ الدِّيَةُ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ

لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ أَيْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فَيَسْتَحِقُّونَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ كَالْعَبْدِ يَقْبَلُ الْهِبَةَ يَقَعُ الْمِلْكُ فِيهِمَا لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكُ الْفِعْلِ فِي الْمَحَلِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَإِنَّمَا صَحَّ الْمَجْرُوحُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ انْعَقَدَ لَهُ وَفِي قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } ، نَصَّ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لِمِلْكِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَمْلِكُهُ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ حَقُّ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُ وَحَقُّ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمَا ، فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْآخَرِينَ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُ فَبِإِقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ لَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَيُعِيدُهَا بَعْدَ حُضُورِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا انْقَلَبَ مَالًا يَصِيرُ حَقًّا لِلْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا صَارَ صَالِحًا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ فَصَارَ مُفِيدًا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِصِحَّةِ عَفْوِ الْمُوَرِّثِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ مُعَارَضٌ بِعَفْوِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ بَعْدَ الْجَرْحِ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ السَّبَبِ فَلَوْلَا أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لَهُ ابْتِدَاءً لَمَا صَحَّ عَفْوُهُ

( بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ ) لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالْقَتْلِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقَتْلِ أَوْرَدَهَا عَقِيبَ حُكْمِ الْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ صَارَ كَالتَّابِعِ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً إلَخْ ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ ، وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ بِالدِّيَةِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ ، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ بَيِّنَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْقِصَاصُ مَوْرُوثٌ ) أَيْ يُثْبِتُ مِلْكَ الْقَوَدِ لِلْمُوَرِّثِ ، ثُمَّ لِلْوَارِثِ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ لِلْأَبِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُمَا ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الصُّلْحِ عَنْ النَّفْسِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْقَاضِي ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ لِلصَّغِيرِ لَا فِي النَّفْسِ وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا أَنْ يُصَالِحَ ، وَذَكَرَ فِي الصُّلْحِ إذَا قَتَلَ رَجُلًا لَا وَلِيَّ لَهُ عَمْدًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُصَالِحَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَيَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ ، وَكَذَا الدِّيَةُ ا هـ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ ؛ وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَ الْقَتِيلِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ ، وَكَذَا الدِّيَةُ ا هـ قَوْلُهُ : وَيَصِحُّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي الْوَصَايَا جَرِيحٌ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ

وَالْقَتْلُ عَمْدٌ كَانَ بَاطِلًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً مِنْ وَجْهٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ ، وَهَذَا حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ حَقُّ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا إذَا انْقَلَبَ مَالًا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ ، وَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَصِبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ حَقَّ نَفْسِهِ لَا حَقَّ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ وَلِيٍّ آخَرَ ، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ ثَبَتَ الْقَتْلُ مِنْ وَجْهٍ أَيْضًا وَالثُّبُوتُ مِنْ وَجْهٍ أَوْرَثَ الشُّبْهَةَ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا فَجَازَ أَنْ يَنْتَصِبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَثْبَتَ الْقَاتِلُ عَفْوَ الْغَائِبِ لَمْ يُقَدْ ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا كَانَ الْحَاضِرُ خَصْمًا وَسَقَطَ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ سُقُوطُ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَانْقِلَابُ نَصِيبِهِ مَالًا وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ فَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ ، فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ صَارَ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَبْدُهُمَا وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقُتِلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ غَائِبٌ فَحُكْمُهُ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَلِيَّيْنِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْحَاضِرُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ ، وَلَوْ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِمَا بَيَّنَّا فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْكُلِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْخَطَأِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْبَاقِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا كَذَلِكَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ( قَوْلُهُ : فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَاضِرُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَكَذَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ ا هـ فَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .

( فَرْعٌ ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ بِالْعَفْوِ فَلَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ لَا زَائِدَ عَلَيْهَا الْأَوَّلُ أَنْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ، الثَّانِي أَنْ يُكَذِّبَهُمَا الْقَاتِلُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ، الثَّالِثُ أَنْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، الرَّابِعُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يُكَذِّبَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ حُكْمُهُمَا مَعْلُومٌ مِنْ الْمَتْنِ وَالرَّابِعُ ذَكَرَ حُكْمَهُ الشَّارِحُ وَالْأَوَّلُ الْحُكْمُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الشَّاهِدَيْنِ مَالًا وَيَبْطُلُ حَقُّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ا هـ وَهَذَا التَّقْسِيمُ مِمَّا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَتْقَانِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ ا هـ ( فَرْعٌ آخَرُ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ ، وَقَالَ الْآخَرُ إنَّهُ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ أَوْ شَهِدَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْقَتْلِ أَوْ وَقْتِهِ أَوْ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ مِنْ بَدَنِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَهِدَ وَلِيَّانِ بِعَفْوِ ثَالِثِهِمَا لَغَتْ ) أَيْ إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ وَزَعْمُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ لَهُمْ أَثْلَاثًا ) أَيْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَيَلْزَمُهُ لَكِنْ يَزْعُمُونَ كُلُّهُمْ أَنَّ نَصِيبَ الْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ سَقَطَ بِعَفْوِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ عَلَيْهِ وَيُحَوَّلُ نَصِيبُهُ أَيْضًا مَالًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ) أَيْ إنْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ كَذَّبَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ فَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيَّيْنِ الشَّاهِدَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ أَقَرَّا بِبُطْلَانِ حَقِّهِمَا فِي الْقِصَاصِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَادَّعَيَا انْقِلَابَهُ مَالًا فَلَا يُصَدَّقُ دَعْوَاهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا الْعَفْوَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ الْقَاتِلِ ضَمِنَ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْئًا بِدَعْوَاهُ الْعَفْوَ قُلْنَا ارْتَدَّ إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِ

الْقَاتِلِ إيَّاهُ فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ هَذَا الثُّلُثُ لِلشَّاهِدَيْنِ لَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ عَفَا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلِلشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ فَكَذَا هَذَا ، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْقَاتِلَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَفْوِ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ الشَّاهِدَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا إذَا عَفَيَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً ، بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ بِجَعْلِ الْوَاجِبِ لِلشَّاهِدَيْنِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يَقْتَصُّ ) ؛ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَفِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا عُرِفَ وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ تَتَحَقَّقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُخْطِئًا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يُطْلِقُوهُ ، بَلْ يَقُولُونَ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الضَّرْبِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا صَارَ بِالضَّرْبِ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَتَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْقَتْلُ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصًا ، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أَدْرِ بِمَاذَا قَتَلَهُ بَطَلَتْ ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ فَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي مَكَان آخَرَ أَوْ زَمَانٍ آخَرَ ، وَكَذَا الْقَتْلُ بِآلَةٍ غَيْرِ الْقَتْلِ بِآلَةٍ أُخْرَى وَتَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ فَلَمْ يُقْبَلْ ؛ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطٌ لِلْقَبُولِ فَلَمْ يُوجَدْ ؛ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ ، وَكَذَا لَوْ كَمُلَ النِّصَابُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَتَيَقَّنَ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمُ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَمُلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ يُقْبَلُ الْكَمَالُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ أَحَدُهُمَا الْآلَةَ ، وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ فَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَالْمُقَيَّدُ مَوْجُودٌ فَاخْتَلَفَا ، وَكَذَا أَيْضًا حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ مَنْ قَالَ قَتَلَهُ بِعَصَا يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ عَلَى الْقَاتِلِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ فَبَطَلَتْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصَا ، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أُرِدْ بِمَاذَا قَتَلَهُ ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ مُعَايَنَةً وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا فِعْلٌ وَالْآخَرَ قَوْلٌقَوْلُهُ : وَالْآخَرُ قَوْلُ ) الَّذِي فِي نُسْخَةِ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنُسْخَةِ الزراتيني الْمُقَابَلَةِ عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْآخَرُ قَوْلُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ إلَخْ ، وَلَيْسَ فِيهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ ، وَقَالَا لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ ) فِي مَالِهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلِ مَجْهُولٍ ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ إذَا جُهِلَتْ فَقَدْ جُهِلَ الْقَتْلُ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ ، فَيَكُونُ هَذَا غَفْلَةً مِنْ الشُّهُودِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُحْمَلٍ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا لَا نَدْرِي عَلَى الْغَفْلَةِ ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا سَعَيَا لِلدَّرْءِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ فِي الْعُقُوبَاتِ إحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمَا وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِغٌ شَرْعًا ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَ الْكَذِبَ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَا خَيْرًا } فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ جَهْلُهُمَا أَوْ اخْتِلَافُهُمَا بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ فَلَا يَثْبُتُ الْخَطَأُ بِالشَّكِّقَوْلُهُ : فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مَنْدُوبٌ إلَى السَّتْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْمُطْلَقَ فِي الْأَصْلِ عَمْدٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالشَّكِّ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا لَهُ قَتْلُهُمَا ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ ) أَيْ إذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا فَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمَا وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ يُنْبِئُ أَنَّ كُلَّ الْقَتْلِ وُجِدَ مِنْ الْمُقِرِّ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَا قَتَلْته انْفَرَدْت بِقَتْلِهِ ، وَكَذَا قَوْلُ الشُّهُودِ قَتَلَهُ فُلَانٌ يُوجِبُ انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ وَقَوْلُ الْوَلِيِّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا تَكْذِيبٌ لِبَعْضِهِ حَيْثُ ادَّعَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْقَتْلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِقَتْلِهِ ، بَلْ شَارَكَهُ آخَرُ ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّكْذِيبِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِادِّعَائِهِ فِسْقَهُمْ بِهِ دُونَ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ فِسْقَ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، وَلَوْ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَكْذِيبٌ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الِانْفِرَادَ بِالْقَتْلِ فَتَصْدِيقُهُ يُوجِبُ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتَلْته وَحْدَك وَلَمْ يُشَارِكْ فِيهِ أَحَدٌ كَمَا تَقُولُ ، فَيَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ قَتَلْتُمَاهُ ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُمَا فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا ، وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى آخَرَ

أَنَّهُ قَتَلَهُ ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلَهُ كِلَاهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِبَعْضِ مُوجِبِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِأَحَدِ الْمُقِرِّينَ صَدَقْت أَنْتَ قَتَلْته وَحْدَك كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَنْتَ قَتَلْته كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ لِعَدَمِ تَكْذِيبِ شُهُودِهِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَذَّبَ الْآخَرَيْنِ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَطَأِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ فِعْلُ الرَّامِي وَلَا فِعْلَ لَهُ بَعْدَهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ حَالَةٍ فِي حَقِّ الْحَلِّ وَالضَّمَانِ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِرَدِّهِ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ قَبْلَ الْوُصُولِ ) أَيْ إذَا رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إلَيْهِ ، ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ يَجِبُ عَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ لَا عِصْمَةَ لَهُ وَإِتْلَافُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ هَدَرٌ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِارْتِدَادِهِ أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسِهِ ، فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجِبِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ إخْرَاجَ نَفْيِهِ عَنْ التَّقْوِيمِ كَالْإِبْرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ بُرِّئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ إذْ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ دُونَ الْإِصَابَةِ وَلَا فِعْلَ لَهُ أَصْلًا بَعْدَهُ فَيَصِيرُ قَاتِلًا بِالرَّمْيِ وَالْمَرْمِيُّ إلَيْهِ مُتَقَوِّمٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَأَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَجُرِحَ الصَّيْدُ وَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ ، وَكَذَا لَوْ كَفَّرَ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ جَازَ تَكْفِيرُهُ فَكَانَ الْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ لِسُقُوطِ الْعِصْمَةِ فِي حَالَةِ التَّلَفِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِإِسْلَامِهِ ) أَيْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِإِسْلَامِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِأَنْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ قَبْلَ

الْإِصَابَةِ ، ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِصَيْرُورَتِهِ مُتَقَوِّمًا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَذَا كُلُّهُ يَشْهَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ

( بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَتَجِبُ الدِّيَةُ إلَخْ ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ رَمَى رَجُلًا وَالْمَرْمِيُّ مُسْلِمٌ ، ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ ، ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَمَاتَ قَالَ الدِّيَةُ عَلَى الرَّامِي لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي وَإِنْ رُمِيَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَوَقَعَ بِهِ السَّهْمُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّامِي شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذِهِ مِنْ الْخَوَاصِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ حَقِّهِ ، ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَجَرَحَ الصَّيْدَ وَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ ) وَيُعْتَبَرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ ، وَلَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَرَمَى إلَى صَيْدٍ ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ ، ثُمَّ أَصَابَهُ وَجَرَحَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ وَوَقْتَ الرَّمْيِ كَانَ مَجُوسِيًّا ، وَكَذَلِكَ إرْسَالُ الْكَلْبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ ) أَيْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً و ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : لَا بِإِسْلَامِهِ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَوَقْتَ الرَّمْيِ لَمْ يَكُنْ الْمَرْمِيُّ مُتَقَوِّمًا لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ بِكَوْنِهِ مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا فَكَانَ تَلَفُهُ هَدَرًا ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ فِعْلَهُ وَقْتَ الرَّمْيِ وَقَعَ هَدَرًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُعْتَبَرًا ؛ وَلِأَنَّ قَتْلَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا حَالَةَ الْإِصَابَةِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَتْلِهِمْ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ وَقْتِ الْإِصَابَةِ فِي حَقِّهِمْ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ الرَّمْيِ ؛

لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ ثَمَّةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْقِيمَةُ بِعِتْقِهِ ) أَيْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بِعِتْقِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا لَوْ رَمَى إلَى عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ ، ثُمَّ أَصَابَهُ فَمَاتَ مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ يَبْقَى مُجَرَّدُ الرَّمْيِ وَهُوَ جِنَايَةٌ يَنْتَقِصُ بِهَا قِيمَةُ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَ الرَّمْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَبْلَ الرَّمْيِ وَثَمَانِمِائَةٍ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مِائَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا أَرْشُ الْيَدِ مَعَ النُّقْصَانِ الَّذِي نَقَصَهُ الْقَطْعُ إلَى الْعِتْقِ وَهُوَ بِنَفْسِ الرَّمْيِ صَارَ جَانِيًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ النُّقْصَانَ كَالْقَطْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الرَّامِيَ يَصِيرُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْتَحَقُّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إتْلَافٌ لِبَعْضِ الْمَحَلِّ وَالْإِتْلَافُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ ، ثُمَّ إذَا سَرَى لَا يُوجِبُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ شَيْئًا لَوَجَبَ لِلْعَبْدِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْهُ وَظُهُورِ حَقِّهِ فِيهِ فَتَصِيرُ النِّهَايَةُ مُخَالِفَةً لِلْبِدَايَةِ فَصَارَ ذَلِكَ كَتَبَدُّلِ الْمَحَلِّ ، وَعِنْدَ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ لَا تَتَبَدَّلُ السِّرَايَةُ فَكَذَا هُنَا ، أَمَّا الرَّمْيُ فَقَبْلَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا قَلَّتْ فِيهِ

الرَّغَبَاتُ فَلَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ قَبْلَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ ، وَلَكِنْ انْعَقَدَ الرَّمْيُ عِلَّةً تَامَّةً لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ ، وَعِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ يَسْتَنِدُ الْوُجُوبُ إلَى وَقْتِ الِانْعِقَادِ فَلَا تُخَالِفُ النِّهَايَةُ الْبِدَايَةَ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إنَّمَا صَارَ عِلَّةً عِنْدَ الْإِصَابَةِ إذْ الْإِتْلَافُ لَا يَصِيرُ عِلَّةً مِنْ غَيْرِ تَلَفٍ يَتَّصِلُ بِهِ وَوَقْتُ التَّلَفِ الْمُتْلَفُ حُرٌّ فَتَجِبُ دِيَتُهُ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الِارْتِدَادِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى الرَّمْيِ مَا يُبْطِلُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ فِيمَا تَقَدَّمَ فَجَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ ، أَمَّا هُنَا اعْتَرَضَ عَلَى الرَّمْيِ مَا يُؤَكِّدُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْجِنَايَةُ

قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ ) قَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ يُشْتَرَى لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الرَّمْيُ وَبِكَمْ يُشْتَرَى فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَجِبُ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَوَجُّهَ السَّهْمِ إلَيْهِ يُوجِبُ إشْرَافَهُ عَلَى الْهَلَاكِ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْجَرْحِ الْوَاقِعِ بِهِ ، وَلَوْ جَرَحَهُ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ تَنْقَطِعُ السِّرَايَةُ فَلَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ وَلَا الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ يُبْطِلُ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ مَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ إنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ إنْسَانٍ خَطَأً ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِيمَةُ النَّفْسِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ مَعَ النُّقْصَانِ الَّذِي نَقَصَهُ الْقَطْعُ إلَى أَنْ عَتَقَ دَلَّ أَنَّ الْعِتْقَ يُبْطِلُ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرَّامِيَ جُعِلَ قَاتِلًا بِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الرَّمْيُ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَصَابَهُ السَّهْمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَحِينَ إذَا كَانَ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ عَبْدًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الرَّمْيِ لِلْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ كَانَ مَوْلًى لِرَجُلٍ بِالْمُوَالَاةِ فَرَمَى رَجُلًا ، ثُمَّ تَحَوَّلَ وَلَاؤُهُ إلَى غَيْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى مَوْلَاهُ الْأَوَّلِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا ، وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ، ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ فَقَتَلَهُ حَلَّ الصَّيْدُ فَكَذَا هَاهُنَا ، وَلَيْسَ الرَّمْيُ كَالْجَرْحِ الَّذِي قَاسَهُ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ يَحْصُلُ بِهِ تَلَفُ بَعْضِ الْمَحَلِّ وَحِينَ إذْ كَانَ الْمَحَلُّ لِلْمَوْلَى فَيَجِبُ الضَّمَانُ لِلْمَوْلَى أَيْضًا ، ثُمَّ بَعْدَ سِرَايَةِ الْجَرْحِ إلَى النَّفْسِ لَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ لَوَجَبَ

لِلْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقٌ حِينَئِذٍ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ لِكَوْنِ الِانْتِهَاءِ مُخَالِفًا لِلِابْتِدَاءِ ؛ وَلِأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ حَقِيقَةً ، وَعِنْدَ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ لَا تَتَحَقَّقُ السِّرَايَةُ وَأَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ اتِّصَالِ السَّهْمِ بِالْمَحَلِّ فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ إتْلَافٌ أَصْلًا فَلَمْ يَجِبْ حِينَ وُجُودِهِ ضَمَانٌ فَلَمْ يَلْزَمْ مُخَالَفَةُ الِانْتِهَاءِ الِابْتِدَاءَ وَإِنَّمَا انْقَلَبَ الرَّمْيُ عِلَّةَ الْإِتْلَافِ عِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ بِطَرِيقِ اسْتِنَادِ الْحُكْمِ إلَى وَقْتِ الرَّمْيِ فَكَأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ تَلْزَمْ الْمُخَالَفَةُ فَلَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ قَاطِعًا لِسِرَايَةِ الرَّمْيِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إلَى الْعِتْقِ ) مَثَلًا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْقَطْعِ مِائَةً ، وَعِنْدَ الْعِتْقِ سَبْعِينَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُونَ مَعَ أَرْشِ الْيَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْجِنَايَةُ ) إلَّا أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ وَقَعَ مُوجِبًا ضَمَانَ الْقِيمَةِ وَاعْتِبَارُهُ وَقْتَ الْإِصَابَةِ يُوجِبُ الدِّيَةَ فَلَا تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ بَعْدَ الرَّمْيِ ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَضْمَنُ الرَّامِي بِرُجُوعِ شَاهِدِ الرَّجْمِ بَعْدَ الرَّمْيِ ) مَعْنَاهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِرَجْمِ رَجُلٍ فَرَمَاهُ رَجُلٌ ، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحَجَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي لِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةَ الرَّمْيِ وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا( قَوْلُهُ : وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا ) ، وَلَكِنْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاجِعِ إنْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ وَإِنْ رَجَعَ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ رُبْعُ الدِّيَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ الصَّيْدُ بِرِدَّةِ الرَّامِي لَا بِإِسْلَامِهِ ) مَعْنَاهُ إذَا رَمَى مُسْلِمٌ صَيْدًا فَارْتَدَّ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِالصَّيْدِ حَلَّ أَكْلُهُ ، وَلَوْ رَمَاهُ وَهُوَ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْوُقُوعِ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إذْ الرَّمْيُ هُوَ الذَّكَاةُ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُهُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ لَا الْإِصَابَةِ فَتُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَعَدَمُهَا عِنْدَهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَجَبَ الْجَزَاءُ بِحِلِّهِ لَا بِإِحْرَامِهِ ) أَيْ لَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَحَلَّ قَبْلَ الْإِصَابَةِ ، ثُمَّ أَصَابَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَإِنْ رَمَاهُ وَهُوَ حَلَالٌ فَأَحْرَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَوَقَعَ عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَهُوَ الرَّمْيُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَوُجِدَ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَالْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا عَدَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْإِصَابَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

( كِتَابُ الدِّيَاتِ ) الدِّيَةُ اسْمُ الْمَالِ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُقَالُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ ذَلِكَ سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَالُ بِالدِّيَةِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( دِيَةُ شَبَهِ الْعَمْدِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ إلَى جَذَعَةٍ ) أَيْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إلَّا أَنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامُّهَا كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ } ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّغْلِيظَ فِيهِ وَاجِبٌ لِشَبَهِهِ بِالْعَمْدِ وَمَعْنَى التَّغْلِيظِ يَتَحَقَّقُ بِإِيجَابِ سِنٍّ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ وَلَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَضَى فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا } وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْخَطَأُ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ أَخْمَاسًا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَبَهُ الْعَمْدِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ } فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْخَلِفَاتِ لَزَادَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمِائَةِ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ مَا تَحْمِلُ حَيَوَانٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَهُ عُرْضِيَّةُ الِانْفِصَالِ فَصَارَ ذَلِكَ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ فَمَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَاعًا

مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَثْلَاثًا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً وَمَذْهَبُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَجِبُ أَثْلَاثًا مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَمَذْهَبُ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْمُغِيرَةِ وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَثْلَاثًا كَمَذْهَبِهِمَا وَلَمْ تَجْرِ الْمُحَاجَّةِ بِهِ بَيْنَهُمْ ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَجَرَتْ وَلَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ وَلَا يُعَارِضُونَا بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ كَانَ الْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ وَهُوَ الْأَدْنَى أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ عِوَضُ النَّفْسِ وَالْحَامِلُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسْتَحَقَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي أَنَّ صِفَةَ الْحَمْلِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْحَمْلِ ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ مِنْهُمْ لِلْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَاتِ وَالشَّرْعُ نَهَانَا عَنْ أَخْذِ الْحَامِلِ فِي الصَّدَقَاتِ لِكَوْنِهَا مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ فَكَذَا فِي الدِّيَاتِ

كِتَابُ الدِّيَاتِ ) ذَكَرَ مَسَائِلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ بَعْدَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ أَحَدُ مُوجِبِي الْجِنَايَةِ فِي الْآدَمِيِّ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقِصَاصُ أَعْلَاهُمَا وَأَقْوَاهُمَا قَدَّمَهُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ وَالصِّيَانَةِ فِيهِ أَكْثَرُ ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِيمَا كَانَ مِنْ الْعَوَارِضِ كَالْخَطَأِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ فَقُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى الدِّيَةِ ، وَلِهَذَا وَهَذَا وَضَعَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَدَّمَ كِتَابَ الدِّيَاتِ عَلَى كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَالطَّحَاوِيُّ قَدَّمَ الْقِصَاصَ عَلَى الدِّيَاتِ حَيْثُ تَرْجَمَ الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ كِتَابُ الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ أَحْكَامَ الْجِنَايَاتِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَلَمْ يُسَمِّ كِتَابَ الْجِنَايَاتِ ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ أَحْكَامِهَا الدِّيَاتُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَالدِّيَةُ تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَفِي الْخَطَإِ وَفِي الْعَمْدِ أَيْضًا عِنْدَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ ) بِنْتَ مَخَاضٍ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ ؛ لِأَنَّ مُمَيَّزَ أَحَدَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ يَجِيءُ مَنْصُوبًا ، وَقَدْ عُلِمَ فِي النَّحْوِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامَّهَا ) الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ مَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الْخَامِسَةَ وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ وَالْبَازِلُ مِنْ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ ) الْخَلِفَةُ الْحَامِلُ مِنْ النُّوقِ ا هـ خُوَاهَرْ زَادَهْ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُعَارِضُونَا بِمِثْلِهِ ) أَيْ لَا يُقَالُ لَوْ صَحَّ حَدِيثُكُمْ أَيْضًا لَرَجَعُوا إلَيْهِ وَلَمَا اخْتَلَفُوا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ ) إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَتَغَلَّظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمُقَدَّرَاتُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا فَلَمْ تَتَغَلَّظْ بِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ فِي التَّقْدِيرِ بِغَيْرِ الْإِبِلِ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ ) فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْخَطَأُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ابْنُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ ) أَيْ دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ابْنُ مَخَاضٍ إلَخْ أَيْ خُمُسُهُ ابْنُ مَخَاضٍ وَخُمُسُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَخُمُسُهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَخُمُسُهُ حِقَّةٌ وَخُمُسُهُ جَذَعَةٌ ، فَإِذَا كَانَ أَخْمَاسًا يَكُونُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ عِشْرُونَ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ ذَكَرٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِمَذْهَبِنَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ عِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَخَفُّ لِإِقَامَةِ ابْنِ مَخَاضٍ مَقَامَ ابْنِ لَبُونٍ فَكَانَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمُخْطِئِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ابْنَ اللَّبُونِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتِ الْمَخَاضِ فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ أَخَذَهُ مَكَانَهَا فَإِيجَابُ عِشْرِينَ مِنْهُ مَعَ الْعِشْرِينَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ كَإِيجَابِ أَرْبَعِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ ، بَلْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّغَايُرِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُرِدْ بِتَغَيُّرِ أَسْنَانِ الْإِبِلِ إلَّا التَّخْفِيفَ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّخْفِيفُ فَلَا يَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ) أَيْ الدِّيَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا مِنْ

الدَّنَانِيرِ أَلْفُ دِينَارٍ وَكَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ } وَمَا قُلْنَا أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ وَهَكَذَا كَانَتْ دَرَاهِمُهُمْ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى زَمَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الْخَبَّازِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةً الْوَاحِدُ مِنْهَا وَزْنُ عَشَرَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَهُوَ قَدْرُ الدِّينَارِ وَالثَّانِي وَزْنُ سِتَّةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ سِتَّةِ دَنَانِيرَ وَالثَّالِثُ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَجَمَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَخَلَطَهُ فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَارَ ثُلُثُ الْمَجْمُوعِ دِرْهَمًا فَكَشَفَ هَذَا أَنَّ الدِّينَارَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا فَوَزْنُ الْعَشَرَةِ يَكُونُ مِثْلَهُ عِشْرِينَ قِيرَاطًا ضَرُورَةَ اسْتِوَائِهِمَا وَوَزْنُ السِّتَّةِ يَكُونُ نِصْفَ الدِّينَارِ وَعَشَرَةً ، فَيَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا وَوَزْنُ الْخَمْسَةِ يَكُونُ نِصْفَ الدِّينَارِ ، فَيَكُونُ عَشَرَةُ قَرَارِيطَ ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا ، فَإِذَا جَعَلْتهَا أَثْلَاثًا صَارَ كُلُّ ثُلُثٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ دِرْهَمُهُمْ ، فَإِذَا حُمِلَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ اسْتَوَيَا وَاَلَّذِي يُرَجِّحُ مَذْهَبَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجَنِينِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ، وَعِنْدَنَا عُشْرُ دِيَةِ نَفْسِهِ

إنْ كَانَ أُنْثَى وَنِصْفُ الْعُشْرِ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ دِيَةَ الْأُمِّ خَمْسَةُ آلَافٍ وَدِيَةَ الرَّجُلِ ضَعْفُ ذَلِكَ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافٍ ؛ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّهَا مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَالدِّينَارُ مُقَوَّمٌ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَلَا تَرَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ مُقَدَّرٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنِصَابَ الذَّهَبِ فِيهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا ، فَيَكُونُ غَنِيًّا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ الزَّكَاةُ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ الدِّينَارَ مُقَوَّمٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، ثُمَّ الْخِيَارُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إلَّا الْقَاتِلَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا يَجِبُ مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَرَضَ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَكُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ فِي زَمَانِنَا قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَلَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْمَالِيَّةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَجْهُولَةُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ بِهَا ضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا فَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْقِيَاسِ وَالْآثَارِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقَضَاءَ بِهَا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ

فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً ، وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ عَلَى مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَوْلُهُمَاقَوْلُهُ : فَجَمَعَ عُمَرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ ) أَيْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دِرْهَمًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا نَصُّهُ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ حُلَّةٍ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ ، وَلَوْ صَالَحَ مَعَ الْعَاقِلَةِ أَوْ مَعَ الْقَاتِلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ( قَوْلُهُ : لَا يَجُوزُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا ) أَيْ تَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ عِنْدَهُ يَجُوزُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَفَّارَتُهُمَا مَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ ) أَيْ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ خَطَأً وَشِبْهَ عَمْدٍ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَالصَّوْمُ عَلَى التَّرْتِيبِ مُتَتَابِعًا كَمَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَشِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأً فِي الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي حَقِّ الضَّرْبِ فَتَتَنَاوَلُهُمَا الْآيَةُ وَلَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالِاخْتِلَافِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ حَيْثُ تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةً لِوُجُودِ التَّوْقِيفِ فِي التَّغْلِيظِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَأِ وَالْمَقَادِيرُ لَا تَجِبُ إلَّا سَمَاعًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَجُوزُ الْإِطْعَامُ وَالْجَنِينُ ) ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا ؛ وَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ كُلُّ الْوَاجِبِ لِلْفَاءِ فِي الْجَوَابِ أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ وَالْجَنِينُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ فَلَمْ يَجُزْ ؛ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَجُوزُ الرَّضِيعُ لَوْ أَحَدَ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهُ وَالظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَطْرَافِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجِبِلَّةُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اكْتَفَى هُنَا بِالظَّاهِرِ فِي سَلَامَةِ أَطْرَافِهِ حَتَّى جَازَ التَّكْفِيرُ بِهِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ أَطْرَافِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَاجَةُ فِي التَّكْفِيرِ إلَى دَفْعِ الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْحَاجَةُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى إلْزَامِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ ؛ وَلِأَنَّهُ يُظْهِرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدُ فِي التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ فَافْتَرَقَا

قَوْلُهُ : لِلْفَاءِ فِي الْجَوَابِ ) ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِ الْفَاءِ يُعْلَمُ أَنَّهُ جَزَاءُ الشَّرْطِ قَبْلَهُ وَجَزَاءُ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ جَزَاءً إلَّا إذَا كَانَ كَامِلًا فِي كَوْنِهِ جَزَاءً أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُجْعَلُ قَوْلُهُ : فَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءً كَامِلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ وَزَيْنَبُ طَالِقٌ أَيْضًا أَوْ وَعَبْدِي حُرٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالرَّضِيعُ فِي الْعَادَةِ هُوَ الَّذِي لَمْ تَتَبَيَّنْ سَلَامَةُ أَعْضَائِهِ حَتَّى جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَقَّدِ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مَوْلُودٍ يُولَدُ فَقَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّكَرُ قَدْ تَحَرَّكَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ لِسَانَهُ ، وَقَدْ اسْتَهَلَّ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، وَكَذَلِكَ بَصَرُهُ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْصَرَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ سَلِيمِ الْأَطْرَافِ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّ سَلَامَةَ الْأَطْرَافِ لَمْ تَثْبُتْ بِالدَّلِيلِ وَالْقَطْعُ يَحْسِمُ بَابَ حُدُوثِ السَّلَامَةِ فَصَارَ النُّقْصَانُ لَازِمًا فَوَجَبَ حُكُومَةُ الْعَدْلِ ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلَا يَحْسِمُ بَابَ السَّلَامَةِ ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَ ، ثُمَّ عَاشَ حَتَّى ظَهَرَتْ سَلَامَةُ أَعْضَائِهِ وَأَطْرَافِهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ لَمْ تَتَأَدَّ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الثُّلُثُ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يَتَنَصَّفُ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ السُّنَّةُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ ، وَلَوْ كَانَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا خَالَفُوهُ ، وَقَوْلُهُ سُنَّةً مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةُ زَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْهُ مَوْقُوفًا ؛ وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى الْمُحَالِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ أَلَمُهَا أَشَدَّ وَمُصَابُهَا أَكْثَرَ أَنْ يَقِلَّ أَرْشُهَا بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ أُصْبُعٌ مِنْهَا يَجِبُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ ، وَلَوْ قُطِعَ أُصْبُعَانِ يَجِبُ عِشْرُونَ ، وَإِذَا قُطِعَ ثَلَاثٌ يَجِبُ ثَلَاثُونَ ؛ لِأَنَّهَا تُسَاوِي الرِّجْلَ فِيهِ عَلَى زَعْمِهِ لِكَوْنِهِ مَا دُونَ الثُّلُثِ ، وَلَوْ قُطِعَ أَرْبَعَةٌ يَجِبُ عِشْرُونَ لِلتَّنْصِيفِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَقَطْعُ الرَّابِعَةِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا ، بَلْ يَسْقُطُ مَا وَجَبَ بِقَطْعِ الثَّالِثَةِ وَحِكْمَةُ الشَّارِعِ تُنَافِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ شَيْئًا شَرْعًا وَأَقْبَحُ مِنْهُ أَنْ تُسْقِطَ مَا وَجَبَ بِغَيْرِهَا هَذَا مِمَّا يُحِيلُهُ الْعُقَلَاءُ بِالْبَدِيهَةِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَطْرَافَ بِالْأَنْفُسِ وَتَرَكَهُ هُنَا حَيْثُ نَصَّفَ دِيَةَ النَّفْسِ وَلَمْ يُنَصِّفْ دِيَةَ الْأَطْرَافِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدِيَةُ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ ) ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ } وَالْكُلُّ عِنْدَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ } وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَدَى الْعَامِرِيِّينَ اللَّذَيْنِ كَانَ لَهُمَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ } ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يَجْعَلَانِ دِيَةَ الذِّمِّيِّ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } دَلَالَةٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ظَاهِرًا مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ { وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } ؛ وَلِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُتَقَوِّمُونَ لِإِحْرَازِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالدَّارِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا مُلْحَقِينَ بِالْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ بِقَتْلِهِمْ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِمْ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْوَالَهُمْ لَمَّا كَانَتْ مَعْصُومَةً مُتَقَوِّمَةً يَجِبُ بِإِتْلَافِهَا مَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي

أَمْوَالِهِمْ فَمَا ظَنُّك فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ نَقْصَ الْكُفْرِ فَوْقَ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ فَوَجَبَ أَنْ تُنْتَقَصَ دِيَتُهُ بِهِ كَمَا تُنْتَقَصُ بِالْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ ، فَإِذَا انْتَقَصَ بِأَثَرِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُنْتَقَصَ بِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نُقْصَانُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَا بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ ، بَلْ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ بِالنِّكَاحِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالْحُرُّ الذَّكَرُ يَمْلِكُهُمَا فَلِهَذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا وَالْكَافِرُ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُهُ كَبَدَلِهِ وَالْمُسْتَأْمِنُ دِيَتُهُ مِثْلُ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا( قَوْلُهُ : الْعَامِرِيِّينَ ) كَذَا بِخَطِّهِ فَلْيُرَاجَعْ الْحَدِيثُ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ ) صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ لَهُ أَحَادِيثُ رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ جَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالْفَضْلُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ أَسْلَمَ حِينَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أُحُدٍ وَكَانَ شُجَاعًا وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّجَاشِيِّ فِي زَوَاجِ أُمِّ حَبِيبَةَ وَإِلَى مَكَّةَ فَحَمَلَ خُبَيْبًا مِنْ خَشَبَتِهِ وَكَانَ مِنْ رِجَالِ الْعَرَبِ نَجْدَةً وَعَاشَ إلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ ا هـ إصَابَةً لِابْنِ حَجَرٍ قَوْلُهُ : بِالنِّكَاحِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ إسْقَاطُ الْبَاءِ

( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ وَالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللِّحْيَةِ إنْ لَمْ تَنْبُتْ وَشَعْرِ الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُهَا وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ عُشْرُهَا وَمَا فِيهَا مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ } وَمِثْلُهُ ذُكِرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْبَعْضِ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْبَاقِي دَلَالَةً ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَالْأَصْلُ فِي الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ إذْ النَّفْسُ لَا تَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَإِتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْآدَمِيِّ تَعْظِيمًا لَهُ دَلِيلُهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْأَعْضَاءُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ فَمِنْهَا مَا هُوَ أَفْرَادٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُزْدَوَجٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَرْبَاعٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَعْشَارٌ وَمِنْهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ تَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمُزْدَوَجِ وَالْأَرْبَاعِ وَالْأَعْشَارِ كَذَلِكَ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ

وَهُوَ مَقْصُودٌ ، وَكَذَلِكَ إذَا قُطِعَ الْمَارِنُ وَهُوَ مَا دُونَ قَصَبَةِ الْأَنْفِ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ أَوْ قَطَعَ الْأَرْنَبَةَ وَهُوَ طَرَفُ الْأَنْفِ أَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ مَعَ الْقَصَبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إزَالَةِ الْجَمَالِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ عُضْوٌ وَاحِدٌ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْأَنْفِ أَنْ تَجْتَمِعَ الرَّوَائِحُ فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ لِتَعْلُوَ إلَى الدِّمَاغِ وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَطْعِ الْمَارِنِ ، وَكَذَا إذَا قُطِعَ اللِّسَانُ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ النُّطْقُ فَإِنَّ الْآدَمِيَّ يَمْتَازُ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَبِهِ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ مَصَالِحِهِ إلَّا بِإِفْهَامِ غَيْرِهِ أَغْرَاضَهُ وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَطْعِهِ ، وَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِ بَعْضِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِتَفْوِيتِ صُورَةِ الْآلَةِ ، وَقَدْ حَصَلَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ دُونَ الْبَعْضِ تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ ، وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ وَهِيَ التَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالْيَاءُ فَمَا أَصَابَ الْفَائِتَ يَلْزَمُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ فِيهِ وَهِيَ الْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْغَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَلَا الشَّفَوِيَّةِ وَهِيَ الْبَاءُ وَالْمِيمُ وَالْوَاوُ ، وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرِهَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَالِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ تَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَسَّمَ الدِّيَةَ عَلَى

الْحُرُوفِ فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُرُوفِ أُسْقِطَ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ وَمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَلْزَمَهُ بِحِسَابِهِ مِنْهَا ، وَكَذَا الذَّكَرُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ جَمَّةٍ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِيلَادِ وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالرَّمْيِ بِهِ وَدَفْقِ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْأَعْلَاقِ عَادَةً ، وَكَذَا فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقُ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهُ ، وَكَذَا فِي الْعَقْلِ الدِّيَةُ إذَا ذَهَبَ بِالضَّرْبِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِدْرَاكِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِهِ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبِهِ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ كَمَالُ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ ذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُعْرَفُ الذَّهَابُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ ، وَقِيلَ ذَهَابُ الْبَصَرِ يَعْرِفُهُ الِاطِّبَاءُ ، فَيَكُونُ قَوْلُ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ عَدْلَيْنِ حُجَّةً فِيهِ ، وَقِيلَ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الشَّمْسَ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ فَإِنْ دَمَعَتْ عَيْنُهُ عُلِمَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ يُلْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةٌ فَإِنْ هَرَبَ مِنْهَا عُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَذْهَبْ وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ أَنْ يُغَافَلَ ، ثُمَّ يُنَادَى ، فَإِذَا أَجَابَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ وَإِلَّا فَهُوَ ذَاهِبٌ وَرُوِيَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَتَطَارَشَتْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ لَهَا فَجْأَةً غَطِّي عَوْرَتَك فَاضْطَرَبَتْ

وَتَسَارَعَتْ إلَى جَمْعِ ثِيَابِهَا فَظَهَرَ كَذِبُهَا ، وَكَذَا فِي اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةُ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْآدَمِيِّينَ وَلِهَذَا يَنْمُو بَعْدَ كَمَالِ الْخِلْقَةِ وَلِهَذَا يَحْلِقُ الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ بَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الدِّيَةُ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْفَعَةٌ وَلِهَذَا يَجِبُ فِي شَعْرِ الْعَبْدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرَّأْسِ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ فَلَا يَهْتَدِي إلَيْهِ الرَّأْيُ ؛ وَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ فِي أَوَانِهَا جَمَالٌ ، وَكَذَا شَعْرُ الرَّأْسِ جَمَالٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْلَعَ يَتَكَلَّفُ فِي سَتْرِهِ فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ جَمَالٌ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَسْبِيحُهُمْ سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءَ بِالْقُرُونِ وَالذَّوَائِبِ } بِخِلَافِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَمَالُ ، وَأَمَّا لِحْيَةُ الْعَبْدِ فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَالْجَوَابُ عَنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ دُونَ الْجَمَالِ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِالْحَلْقِ بِخِلَافِ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ الْجَمَالُ فَيَجِبُ بِفَوَاتِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ

مَعْدُودَةٌ ، فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا يَشِينُهُ وَلَا يُزَيِّنُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِي لِحْيَتِهِ جَمَالٌ كَامِلٌ ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فَسَدَتْ الْمَنْبَتُ فَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِفِعْلِ الْجَانِي أَثَرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبَةِ الَّتِي لَا يَبْقَى أَثَرُهَا فِي الْبَدَنِ وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ ، فَإِذَا نَبَتَ أَبْيَضَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ يُزَادُ بِبَيَاضِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ يَشِينُهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَتَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ بِاعْتِبَارِهِ وَفِي الْعَبْدِ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ قِيمَتُهُ وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَلَا يَثْبُتُ قِيَاسًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً فَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَلَّمُ بِهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ السِّرَايَةُ بِخِلَافِ النَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ وَيُؤَجَّلُ فِيهِ سَنَةً فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فِيهَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مُزْدَوَجًا مِنْ الْأَعْضَاءِ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ فَفِي قَطْعِهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي

الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ } ؛ وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ اثْنَتَيْنِ مِنْهَا تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ فَتَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا تَفْوِيتُ نِصْفِ الْمَنْفَعَةِ فَيَجِبُ النِّصْفُ ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْإِبْصَارِ وَالْبَطْشِ وَإِمْسَاكِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْأَكْلِ ، وَمَنْفَعَةُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ وَفِي تَفْوِيتِ الرِّجْلَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ وَفِي الْأُذُنَيْنِ تَفْوِيتُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ ، وَقَدْ { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُذُنَيْنِ بِالدِّيَةِ } وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْإِمْنَاءِ وَالنَّسْلِ وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِثَدْيِهَا حَلَمَةٌ يَتَعَذَّرُ عَلَى الصَّبِيِّ الِالْتِقَامُ عِنْدَ الِارْتِضَاعِ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ فِي الْحَاجِبَيْنِ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي الشَّعْرِ ، وَعِنْدَنَا يَجِبُ فِيهِمَا الدِّيَةُ لِتَفْوِيتِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَرْبَاعًا فَهِيَ أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ فَفِيهَا الدِّيَةُ إذَا قَلَعَهَا وَلَمْ تَنْبُتْ وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا دَفْعُ الْأَذَى وَالْقَذَى مِنْ الْعَيْنِ وَتَفْوِيتُ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْبَصَرَ وَيُورِثُ الْعَمَى ، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْكُلِّ الدِّيَةُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَجَبَ فِي الْوَاحِدِ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي ثَلَاثَةٍ

ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْأَشْفَارِ حُرُوفَ الْعَيْنَيْنِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْأَهْدَابَ وَسَمَّاهَا أَشْفَارًا تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَمِثْلُهُ سَائِغٌ لُغَةً كَمَا يُقَالُ سَالَ الْمِيزَابُ وَسَالَ الْوَادِي وَهُوَ لَا يَسِيلُ وَإِنَّمَا الْمَاءُ هُوَ الَّذِي يَسِيلُ فِيهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً إذَا لَمْ تَنْبُتْ فَأَرَادَ بِهِ الشَّعْرَ ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ هُوَ الَّذِي يَنْبُتُ دُونَ الْجُفُونِ وَأَيُّهُمَا أُرِيدَ كَانَ مُسْتَقِيمًا ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّعْرِ وَمَنَابِتِهِ دِيَةً كَامِلَةً فَلَا يَخْتَلُّ الْمَعْنَى ، وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْأَشْفَارَ مَعَ الْجُفُونِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَعْشَارًا كَالْأَصَابِعِ فَفِي قَطْعِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ } ؛ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ أَوْ الْبَطْشِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشَرَةٌ فَتُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ فِيهَا كَالْأَسْنَانِ وَالْيَدِ الْيُمْنَى مَعَ الْيُسْرَى وَكُلُّ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثَهَا وَمَا فِيهَا مِفْصَلَانِ كَالْإِبْهَامِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُهَا وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا فِيهَا مَفَاصِلُ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ ، وَأَمَّا مَا يَزِيدُ عَلَى

ذَلِكَ فَالْأَسْنَانُ فَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ } وَهِيَ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ ؛ وَلِأَنَّ الْكُلَّ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِيهِ كَالْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَلَئِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ فَفِي الْآخَرِ زِيَادَةُ الْجَمَالِ فَاسْتَوَيَا فَتُزَادُ دِيَةُ هَذَا الطَّرَفِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ ، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي الْكُلِّ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ هَذَا إذَا كَانَ خَطَأً وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : وَالْيَدَيْنِ ) مِنْ قَوْلِهِ وَالْيَدَيْنِ إلَى قَوْلِهِ وَالرِّجْلَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمِنْهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَعْضَاءُ الَّتِي يَجِبُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا دِيَةٌ هِيَ ثَلَاثَةُ أَعْضَاءٍ اللِّسَانُ وَالْأَنْفُ وَالذَّكَرُ فَإِذَا اُسْتُوْعِبَ الْأَنْفُ جَدْعًا أَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مِنْهُ وَحْدَهُ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ عَنْ الْعَظْمِ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، وَكَذَا إذَا اُسْتُوْعِبَ اللِّسَانُ أَوْ قُطِعَ مِنْهُ مَا يَذْهَبُ بِالْكَلَامِ كُلِّهِ ، وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ إذَا اُسْتُوْعِبَ أَوْ قُطِعَتْ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا فَفِيهِ الدِّيَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ ) ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا ذَكَرْنَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ وَالْقَوْلُ لِلْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّهُ هَذَا يَمِينٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ إذْهَابُ بَصَرِ غَيْرِهِ ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ : قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَسْبِيحُهُمْ سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى } ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ اللِّحْيَةُ الشَّعْرُ النَّازِلُ عَلَى الذَّقَنِ وَالْجَمْعُ لِحَى مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدْرٍ وَتُضَمُّ اللَّامُ أَيْضًا مِثْلُ حِلْيَةٍ وَحُلَى ا هـ قَوْلُهُ : إذَا لَمْ تَنْبُتْ ) ضَبَطَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْ الْإِنْبَاتِ أَيْ إذَا لَمْ تَنْبُتُ الْأَشْفَارُ الْأَهْدَابُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا ) فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ سِنٍّ رُبْعُ ثُمْنِ الدِّيَةِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الْعُشْرِ فَيَخْطِرُ بِبَالِي أَنَّ عَدَدَ الْأَسْنَانِ وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ سِنًّا فَالْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ أَسْنَانُ الْحُلُمِ قَدْ لَا تَنْبُتُ لِبَعْضِ النَّاسِ ، وَقَدْ يَنْبُتُ لِبَعْضِ النَّاسِ بَعْضُهَا

وَلِلْبَعْضِ كُلُّهَا فَالْعَدَدُ الْأَوْسَطُ لِلْأَسْنَانِ ثَلَاثُونَ ، ثُمَّ لِلْأَسْنَانِ مَنْفَعَتَانِ الزِّينَةُ وَالْمَضْغُ فَإِذَا سَقَطَ سِنٌّ تَبْطُلُ مَنْفَعَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ السِّنِّ الَّتِي تُقَابِلُهَا وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَهُوَ الزِّينَةُ بَاقِيًا ، وَإِذَا كَانَ الْعَدَدُ الْأَوْسَطُ ثَلَاثِينَ فَمَنْفَعَةُ السِّنِّ الْوَاحِدَةِ ثُلُثُ الْعُشْرِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ السِّنِّ الْأُخْرَى الَّتِي تُقَابِلُهَا سُدُسُ الْعُشْرِ وَمَجْمُوعُهُمَا نِصْفُ الْعُشْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَقِيقَةِ ا هـ شَرْحُ وِقَايَةٍ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ فِي كِتَابِ التَّصْحِيحِ أَخَذَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْأَسْنَانِ كُلِّهَا دِيَةً وَاحِدَةً كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا حَتَّى سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ كَانَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَثُلُثٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ ا هـ ، وَذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَالْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ ، وَقَالَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَأَسْنَانُ الْكَوْسَجِ قَالُوا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَخَمْسُمِائَةٍ ، وَهَذَا غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ فِي الْأَعْضَاءِ إلَّا أَنَّ الْمَرْجِعَ النَّصُّ ا هـ

.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا ) أَيْ إذَا ضَرَبَ عُضْوًا فَذَهَبَ نَفْعُهُ بِضَرْبِهِ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا إذَا ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ بِهِ أَوْ عَيْنَهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهَا بِهِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ ، فَإِذَا زَالَتْ مَنْفَعَتُهُ كُلُّهَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ كُلُّهُ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِدُونِ الْمَنْفَعَةِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فَلَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْأَرْشِ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عِنْدَ الْإِتْلَافِ بِأَنْ أَتْلَفَ عُضْوًا ذَهَبَ مَنْفَعَتُهُ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ أَوْ أَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْجَمَالِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ أَعْتِبَارُهُمَا مَعَهَا ، بَلْ يَكُونُ تَبَعًا لَهَا ، فَيَكُونُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةُ فَقَطْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ ، ثُمَّ إذَا انْفَرَدَ بِالْإِتْلَافِ يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَلَا يَكُونُ لَهَا أَرْشٌ إذَا تَلِفَتْ مَعَهَا ، وَإِذَا انْفَرَدَتْ بِالْإِتْلَافِ كَانَ لَهَا أَرْشٌ ، وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ رَجُلٍ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ مَنْفَعَةُ النَّسْلِ ، وَكَذَا لَوْ أَحْدَبَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ ؛ لِأَنَّ جَمَالَ الْآدَمِيِّ فِي كَوْنِهِ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ ، وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ، وَلَوْ زَالَتْ الْحَدَبَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزَوَالِهَا لَا عَنْ أَثَرٍ ، وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبَةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِبَقَاءِ الشَّيْنِ بِبَقَاءِ أَثَرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ ) الشِّجَاجُ عَشَرَةٌ الْحَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ أَيْ شَقَّهُ فِي الدَّقِّ ، وَالدَّامِعَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسَيِّلُهُ كَالدَّمْعِ فِي الْعَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ الدَّمْعِ فَسُمِّيَتْ بِهَا ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّمْعِ مِنْ الْمُقْلَةِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ عَيْنَهُ تَدْمَعُ بِسَبَبِ أَلَمٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ وَفِي الْمُحِيطِ الدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنَيْنِ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تُسَيِّلُ الدَّمَ ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الدَّامِيَةَ هِيَ الَّتِي تُدْمِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَالدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ كَدَمْعِ الْعَيْنِ ، وَمَنْ قَالَ إنَّ صَاحِبَهَا تَدْمَعُ عَيْنَاهُ مِنْ الْأَلَمِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَالْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَضْعِ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ وَمِنْهُ مِبْضَعُ الْفَصَّادِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ فَتَقْطَعُهُ كُلَّهُ ، ثُمَّ يَتَلَاحَمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ يَلْتَئِمُ وَيَتَلَاصَقُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا عَلَى مَا تَؤُولُ إلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ الْتَحَمَ الشَّيْئَانِ إذَا اتَّصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَالْمُتَلَاحِمَةُ مَا تُظْهِرُ اللَّحْمَ وَلَا تُقَطِّعُهُ وَالْبَاضِعَةُ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّهَا تُقَطِّعُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُتَلَاحِمَةُ تَعْمَلُ فِي قَطْعِ أَكْثَرِ اللَّحْمِ وَهِيَ بَعْدَ الْبَاضِعَةِ ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ الْمُتَلَاحِمَةُ أَيْ الْقَاطِعَةُ لِلَّحْمِ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي وُجِدَ فِي الشِّجَاجِ رَاجِعٌ إلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لَا إلَى الْحُكْمِ وَالسِّمْحَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ

إلَى السِّمْحَاقِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ وَالْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ وَالْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَالْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ أَيْ تُحَوِّلُهُ وَالْآمَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَأُمُّ الدِّمَاغِ هِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَبَعْدَ الْآمَّةِ شَجَّةٌ تُسَمَّى الدَّامِغَةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا عَادَةً ، فَيَكُونُ قَتْلًا وَلَا يَكُونُ مِنْ الشِّجَاجِ وَالْكَلَامِ فِي الشِّجَاجِ ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَارِصَةَ وَالدَّامِعَةَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَبْقَى لَهُمَا فِي الْغَالِبِ أَثَرٌ وَهَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ لُغَةً وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جِرَاحَةً فَهَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَجِبُ بِالْجِرَاحَةِ مَا يَجِبُ بِالشَّجَّةِ مِنْ الْمُقَدَّرِ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالنَّقْلِ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الشِّجَاجِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمُقَدَّرُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الْجِرَاحَةِ بِهَا دَلَالَةً وَلَا قِيَاسًا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي الشَّيْنِ ؛ لِأَنَّ شِجَاجَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يَظْهَرَانِ فِي الْغَالِبِ وَغَيْرُهُمَا مَسْتُورٌ غَالِبًا فَلَا يَظْهَرُ وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّحْيَيْنِ فَعِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ فَيَتَحَقَّقُ الشِّجَاجُ فِيهِمَا فَيَجِبُ فِيهِمَا مُوجِبُهَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَقُولُ إنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ لَا تَقَعُ بِهِمَا وَنَحْنُ نَقُولُ هُمَا يَتَّصِلَانِ بِالْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ فَصَارَا كَالذَّقَنِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَحْتَهُ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ يُفْتَرَضَ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ حَقِيقَةً إلَّا

أَنَّا تَرَكْنَاهُمَا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ هُنَا فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُهَا وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَفِي الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُهَا فَإِنْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ فَثُلُثَاهَا ) لِمَا رُوِيَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ } وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِي الْآمَّةِ وَيُرْوَى الْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ الدِّيَةِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ } ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ صَارَتْ جَائِفَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ بِخِلَافِ سَائِرِ الشِّجَاجِ حَيْثُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ ، وَقِيلَ لَا تَتَحَقَّقُ الْجَائِفَةُ فِيمَا فَوْقَ الْحَلْقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الْحَارِصَةِ وَالدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ حُكُومَةُ عَدْلٍ ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُهَا فَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْحُكُومَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ مَمْلُوكًا بِدُونِ هَذَا الْأَثَرِ ، ثُمَّ يَقُومُ وَبِهِ هَذَا الْأَثَرُ ، ثُمَّ يُنْتَظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ عُشْرِ الْقِيمَةِ مَثَلًا يَجِبُ ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ رُبْعُ عُشْرِ الدِّيَةِ ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ

مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ فَرُبَّمَا يَكُونُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُوجِبَ فِي هَذِهِ الشِّجَاجِ وَهُوَ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ فِي الْمُوضِحَةِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ ، بَلْ الصَّحِيحُ الِاعْتِبَارُ بِالْمِقْدَارِ ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْظُرُ الْمُفْتِي فِي هَذَا إنْ أَمْكَنَهُ الْفَتْوَى بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يُفْتِي بِالثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ قَالَ وَكَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفْتِي بِهِ ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ أَقَلِّ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهُ مِثْلَ نِصْفِ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ أَوْ ثُلُثَهَا وَجَبَ نِصْفُ أَوْ ثُلُثُ أَرْشِ تِلْكَ الشَّجَّةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعًا فَرُبْعٌ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَالِثًا وَإِلَّا شُبِّهَ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْكَرْخِيُّ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اعْتَبَرَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَنْ قُطِعَ طَرَفُ لِسَانِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُفَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ ) ( قَوْلُهُ : فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمُقَدَّرُ بِهَا ) أَيْ بِالشِّجَاجِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا قِصَاصَ فِي غَيْرِ الْمُوضِحَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ السِّكِّينُ وَمَا فَوْقَهَا كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ } ، وَهَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا خَوْفُ التَّلَفِ كَالْجَائِفَةِ فَيُسْبَرُ غَوْرُهَا بِمِسْبَارٍ ، ثُمَّ يُتَّخَذُ حَدِيدَةٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيُقْطَعُ بِهَا مِقْدَارُ مَا قُطِعَ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِذَلِكَ وَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ } ؛ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهَا مُمْكِنَةٌ بِإِنْهَاءِ السِّكِّينِ إلَى الْعَظْمِ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِقَوْلُهُ : وَهُوَ الْأَصَحُّ ) كَذَا فِي الْكَافِي ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ ) أَيْ أَصَابِعُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ لِمَا رَوَيْنَا ، فَيَكُونُ فِي الْخَمْسَةِ خَمْسُونَ ضَرُورَةً وَهُوَ النِّصْفُ ؛ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ مَعَ الْكَفِّ ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ وَلَا يَزِيدُ الْأَرْشُ بِسَبَبِ الْكَفِّ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ فِي حَقِّ الْبَطْشِ ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهَا ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ } وَالْيَدُ اسْمٌ لِجَارِحَةٍ يَقَعُ بِهَا الْبَطْشُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ ، وَالْبَطْشُ يَقَعُ بِالْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ فَيَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ، فَيَكُونُ الْكَفُّ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَعَ نِصْفِ سَاعِدٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ ) أَيْ إذَا قُطِعَ الْكَفُّ مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ وَالْحُكُومَةُ فِي نِصْفِ السَّاعِدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعَنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَصَابِعِ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ إلَى الْمَنْكِبِ وَأَصْلُ الْفَخِذِ هُوَ تَبَعٌ فَلَا تَزِيدُ بِهِ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ وَالْيَدُ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ وَالرِّجْلُ إلَى أَصْلِ الْفَخِذِ فَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ ؛ وَلِأَنَّ السَّاعِدَ لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا ، فَيَكُونُ تَبَعًا لِمَا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِيهِ كَالْكَفِّ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِآلَةٍ بَاطِشَةٍ وَوُجُوبُ الْأَرْشِ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَقُوَّةُ الْبَطْشِ تَتَعَلَّقُ بِالْأَصَابِعِ وَالْكَفُّ تَبَعٌ لَهَا فِي الْبَطْشِ فَكَذَا فِي الْأَرْشِ وَلَا يَقَعُ الْبَطْشُ بِالسَّاعِدِ أَصْلًا وَلَا تَبَعًا فَلَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ تَبَعًا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ أَوْ لِلْكَفِّ وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالْكَفِّ وَلَا إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ ، بَلْ هِيَ اسْمٌ إلَى الزَّنْدِ إذَا ذُكِرَتْ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ بِدَلِيلِ آيَةِ السَّرِقَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي قَطْعِ الْكَفِّ وَفِيهَا أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ عُشْرُهَا أَوْ خُمْسُهَا وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ ) أَيْ إذَا كَانَ فِي الْكَفِّ أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ فَقَطَعَهَا يَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي الْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ وَخُمْسُهَا فِي أُصْبُعَيْنِ وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَا يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ الْكَفِّ وَإِلَى أَرْشِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَصَابِعِ فَيَجِبُ أَكْثَرُهُمَا وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَرْشَيْنِ مُتَعَذِّرٌ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ إذْ ضَمَانُ الْأُصْبُعِ هُوَ ضَمَانُ الْكَفِّ وَضَمَانُ الْكَفِّ هُوَ ضَمَانُ الْأُصْبُعِ ، وَكَذَا إهْدَارُ أَحَدِهِمَا مُتَعَذِّرٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ ، أَمَّا الْكَفُّ فَلِأَنَّ الْأَصَابِعَ قَائِمَةٌ بِهِ ، وَأَمَّا الْأَصَابِعُ فَلِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ رَجَّحْنَا بِالْكَثْرَةِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ شَجَّ رَأْسَ إنْسَانٍ وَتَنَاثَرَ بَعْضُ شَعْرِهِ يَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ وَهِيَ الْبَطْشُ وَالْقَبْضُ وَالْبَسْطُ قَائِمَةٌ بِهَا ، وَكَذَا حُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ حَيْثُ أَوْجَبَ فِي الْيَدِ نِصْفَ الدِّيَةِ ، ثُمَّ جَعَلَ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ وَمِنْ ضَرُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا بِمُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ دُونَ الْكَفِّ وَالْأَصْلُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَإِنْ قَلَّ وَلَا يَظْهَرُ التَّابِعُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ فَلَا يَتَعَارَضُ حَتَّى يُصَارَ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ وَلَئِنْ تَعَارَضَا فَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصِّغَارَ إذَا اخْتَلَطَتْ مَعَ الْمَسَانِّ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ تَبَعًا وَإِنْ كَانَتْ الصِّغَارُ أَكْثَرَ تَرْجِيحًا

لِلْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الشَّجَّةِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْآخَرِ ؛ وَلِأَنَّ أَرْشَ الْأُصْبُعِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ ، وَلَيْسَ لِلْكَفِّ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَلَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِإِبْطَالِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ لِعَدَمِ النَّقْلِ أَوْ شُبْهَتِهِ فَكَيْفَ يُصَارُ إلَيْهِ هُنَا مَعَ وُجُودِهِ ، بَلْ لِإِبْطَالِهِ ، وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ مِفْصَلٌ وَاحِدٌ مِنْ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ يَجِبُ أَرْشُ الْمِفْصَلِ عَلَى الظَّاهِرِ عِنْدَهُ وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ أَرْشَ ذَلِكَ الْمِفْصَلِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ أَوْلَى كَمَا قَالَ فِي الْقَسَامَةِ إنَّ أَهْلَ الْخُطَّةِ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قَلُّوا لِكَوْنِهَا أَصْلًا وَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ التَّبَعِ مَعَهُ وَإِنْ كَثُرَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ إذَا كَانَ دُونَ أُصْبُعٍ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهُمَا أَرْشًا ؛ لِأَنَّ أَرْشَ مَا دُونَ الْأُصْبُعِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ اعْتِبَارُهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِنَوْعِ اجْتِهَادٍ وَكَوْنِهِ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ النَّصِّ ، فَإِذَا لَمْ يَرِدْ النَّصُّ فِي أَرْشِ مِفْصَلٍ وَلَا مِفْصَلَيْنِ اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْأَكْثَرَ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ أَرْشَهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ كَالنَّصِّ ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْكَفِّ أُصْبُعٌ وَلَا بَعْضُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لَا يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ التَّبَعِ لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الْمَتْبُوعِ ، وَلَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ ثَلَاثُ أَصَابِعَ يَجِبُ أَرْشُ الْأَصَابِعِ وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَاسْتَتْبَعَتْ الْكَفَّ كَمَا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا قَائِمَةً

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَعَيْنِ الصَّبِيِّ وَذَكَرِهِ وَلِسَانِهِ إنْ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ بِنَظَرٍ وَحَرَكَةٍ وَكِلَامٍ حُكُومَةُ عَدْلٍ ) ، أَمَّا الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ فَلِأَنَّهَا جُزْءُ الْآدَمِيِّ فَيَجِبُ الْأَرْشُ فِيهَا تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْعٌ وَلَا زِينَةٌ كَمَا فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ وَلَا يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَلَمْ يُعْلَمْ تَسَاوِيهِمَا إلَّا بِالظَّنِّ فَصَارَ كَالْعَبْدِ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَجَبَ أَرْشُهَا ، وَلَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي الشَّرْعِ فَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ بِخِلَافِ لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ حَيْثُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا يَبْقَى فِيهَا أَثَرُ الْحَلْقِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِالْحَلْقِ ، بَلْ بِبَقَاءِ الشُّعَيْرَاتِ يَلْحَقُهُ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ نَظِيرَ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِي قَطْعِ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ يَبْقَى أَثَرُهُ فَيَشِينُهُ ذَلِكَ فَيَجِبُ الْأَرْشُ ، وَأَمَّا عَيْنُ الصَّبِيِّ وَذَكَرُهُ وَلِسَانُهُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْفَعَةُ ، فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهَا لَا يَجِبُ أَرْشُهَا كَامِلًا بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْجَمَالُ ، وَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى الْكَمَالِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالْكَلَامِ وَفِي الذَّكَرِ بِالْحَرَكَةِ وَفِي الْعَيْنِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ بِنَظَرٍ وَحَرَكَةٍ وَكَلَامٍ ، فَيَكُونُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْجَانِي وَإِنْ أَنْكَرَ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي ، وَكَذَا إذَا

قَالَ لَا أَعْرِفُ صِحَّتَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا إلَّا بِالْبَيِّنَةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً كَيْفَمَا كَانَ إلَّا إذَا عُرِفَتْ أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَأَشْبَهَ الْأُذُنَ وَالْمَارِنَ قُلْنَا الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَحَاجَتُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَبَيْنَ الْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةُ عَدْلٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَيْفًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ وَهُوَ الْإِيلَاجُ وَالْإِنْزَالُ وَالْإِحْبَالُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ هَذَا الْعُضْوِ ، فَإِذَا عَدِمَتْ لَا يَجِبُ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِلَا ضَوْءٍ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاءِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْعَقْلِ يُبْطِلُ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا بِدُونِهِ فَصَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ كَالنَّفْسِ فَيَدْخُلُ أَرْشُهَا كَمَا فِي النَّفْسِ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَسْقُطُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِفَوَاتِ كُلِّ الشَّعْرِ ، وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ كُلُّهَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ فَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ وَأَرْشُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِيهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ لَا يَدْخُلُ وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ لِلْأَوَّلِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَأَمْكَنَ الِاسْتِيفَاءُ وَإِلَّا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَعْضَاءِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ بَصَرُهُ أَوْ سَمْعُهُ أَوْ كَلَامُهُ أَوْ شَعْرُهُ فَلَمْ يَنْبُتْ أَوْ عَقْلُهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي ذَهَابِ شَعْرِهِ وَعَقْلِهِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْمُوضِحَةِ يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ وَيَكُونُ فِي السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ الْكَلَامِ أَيُّهَا ذَهَبَ بِالشَّجَّةِ أَرْشُ الشَّجَّةِ وَالدِّيَةُ ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى رَوَى ذَلِكَ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ ، وَقَالَ فِي الْجَوَامِعِ تَدْخُلُ فِي السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَصَرِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ ظَاهِرٌ ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَرْشُ الشَّجَّةِ إلَّا فِي الشَّعْرِ خَاصَّةً ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الشَّجَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَعْرٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ ) وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الرَّأْسِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ لَا ) أَيْ لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِهَا لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي أَرْشِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْبَصَرِ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَلَا يَلْحَقُ بِالْعَقْلِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ ، وَأَمَّا السَّمْعُ وَالْكَلَامُ فَلِأَنَّهُمَا مَبْطَنَانِ فَيَلْحَقَانِ بِالْعَقْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِمَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ كَمَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِ الْعَقْلِ وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَيَتَعَدَّدُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ بِتَعَدُّدِهَا وَلَا يَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَعَدُّدِ أَثَرِ الْفِعْلِ لَا لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْعَقْلِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى كُلِّ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِالْأَعْضَاءِ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالنَّفْسِ أَوْ نَقُولُ ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي مَعْنَى تَبْدِيلِ النَّفْسِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْبَهَائِمِ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ يُشَارُ إلَيْهِ فَصَارَ كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ لَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْعَقْلِ أَيْضًا لِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ مَحَلَّ الْعَقْلِ غَيْرُ مَحَلِّ الْمُوضِحَةِ بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا

( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ ، وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ يَبْطُلُ بِالشَّعْرِ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ ، وَقَدْ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَوْجَبْتُمْ بِالسَّمْعِ دِيَةً وَبِالْبَصَرِ دِيَةً وَبِالْكَلَامِ دِيَةً ، وَلَوْ أَدَّتْ الشَّجَّةُ إلَى الْمَوْتِ لَمْ يَجِبْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَوْتُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ الْمَوْتُ فَوَاتُ الْجُمْلَةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَبَعٌ لِلْجُمْلَةِ فَيَدْخُلُ التَّبَعُ فِي الْمَتْبُوعِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَمُتْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي غَيْرُ تَابِعٍ لِلْآخَرِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي أَرْشِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ إذْهَابُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ قِيلَ لَهُ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي وَتَصْدِيقِهِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مَرَّ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّعْرُ وَالْمُوضِحَةُ ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الْجَمَالِ بِسَبَبِ الشَّعْرِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ أَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى أَوْ قَطَعَ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ أَوْ كُلُّ الْيَدِ أَوْ كَسَرَ نِصْفَ سِنَّةٍ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ فَلَا قَوَدَ ) ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُطْلَقًا ، وَقَالَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالدِّيَةُ فِي الْعَيْنِ فِيمَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى بِجَنْبِهَا يُقْتَصُّ لِلْأُولَى وَيَجِبُ الْأَرْشُ لِلْأُخْرَى ، وَعِنْدَهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْعُضْوَيْنِ يَجِبُ أَرْشُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا بِأَنْ قَطَعَ الْأُصْبُعَ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعُ بِمَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ يَجِبُ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي بِالْإِجْمَاعِ ، وَكَذَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ السِّنِّ وَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ أَوْ اصْفَرَّ أَوْ احْمَرَّ تَجِبُ دِيَةُ السِّنِّ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ قَالَ أَقْطَعُ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى وَأَتْرُكُ مَا يَبِسَ أَوْ أَكْسِرُ الْقَدْرَ الْمَكْسُورَ مِنْ السِّنِّ وَأَتْرُكُ الْبَاقِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ مَا وَقَعَ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَجَّهُ مُنَقِّلَةً فَقَالَ أَشُجُّهُ مُوضِحَةً وَأَتْرُكُ الْبَاقِيَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ إذَا أَوْجَبَ مَالًا فِي الْبَعْضِ سَقَطَ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَا عُضْوَيْنِ أَوْ عُضْوًا وَاحِدًا ، وَعِنْدَهُمَا فِي الْعُضْوَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ مَعَ وُجُوبِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا لَا يَجِبُ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، فَيَكُونُ جِنَايَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ فَصَارَ كَجِنَايَتَيْنِ مُبْتَدَأَتَيْنِ وَالشُّبْهَةُ فِي إحْدَاهُمَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الْأُخْرَى كَمَنْ رَمَى إلَى رَجُلٍ فَأَصَابَهُ وَنَفَذَ السَّهْمُ

إلَى غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ فَيَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْأَوَّلِ وَالدِّيَةُ فِي الثَّانِي وَكَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَاضْطَرَبَ السِّكِّينُ فَأَصَابَ أُصْبُعًا أُخْرَى خَطَأً فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ كَسْرِ نِصْفِ السِّنِّ إذَا اسْوَدَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا أَوْ قَطَعَ الْأُصْبُعَ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا أَوْ شُلَّتْ الْيَدُ كُلُّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَفِعْلَيْنِ مُبْتَدَأَيْنِ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ وَالْمَحَلِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْجَزَاءَ بِالْمِثْلِ ، وَالْجُرْحُ الْأَوَّلُ سَارَ ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ السَّارِي فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ الْمَالُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سِرَايَةٌ أَنَّ فِعْلَهُ أَثَرٌ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَالسِّرَايَةُ عِبَارَةٌ عَنْ آلَامٍ تَتَعَاقَبُ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْبَدَنِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهَا كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي الطَّرَفِ مَعَ النَّفْسِ بِأَنْ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ نَفْسَيْنِ فَإِنَّ الْفِعْلَ فِي النَّفْسِ الثَّانِيَةِ مُبَاشَرَةٌ عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى إذْ لَا يُتَصَوَّرُ السِّرَايَةُ مِنْ نَفْسٍ إلَى نَفْسٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ فِعْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَفِي النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ نَجْعَلَهُ كَفِعْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً وَالسِّرَايَةُ فِيهَا مُتَصَوَّرٌ فَأَوْرَثَتْ نِهَايَتُهُ شُبْهَةَ الْخَطَأِ فِي الْبِدَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا صَارَ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِعَاقِبَتِهِ أَثَرُ ذَلِكَ فِي بِدَايَتِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اضْطَرَبَ السِّكِّينُ فَقَطَعَ أُصْبُعًا أُخْرَى حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي الْأُخْرَى لَيْسَ بِالْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَلَا بِأَثَرِهِ ، بَلْ بِفِعْلٍ آخَرَ مَقْصُودٍ فَيُفْرَدُ بِحُكْمِهِ أَوْ نَقُولُ إنَّ ذَهَابَ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ حَصَلَ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ فَإِنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ بَاقٍ عَلَى اسْمِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَالْأَصْلُ فِي سِرَايَةِ الْأَفْعَالِ أَنْ لَا يَبْقَى

الْأَوَّلُ بَعْدَ مَا حَدَثَتْ السِّرَايَةُ كَالْقَطْعِ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ صَارَ قَتْلًا فَلَمْ يَبْقَ قَطْعًا وَهَا هُنَا الشَّجَّةُ أَوْ الْقَطْعُ لَمْ يَنْعَدِمْ بِذَهَابِ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ الْفِعْلُ الْأَوَّلُ تَسْبِيبًا إلَى فَوَاتِ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ بِمَنْزِلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَالتَّسْبِيبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بَصَرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ سِرَايَةَ الْفِعْلِ تُنْسَبُ إلَى الْفِعْلِ شَرْعًا حَتَّى يُجْعَلَ الْفَاعِلُ مُبَاشِرًا لِلسِّرَايَةِ فَيُؤْخَذُ بِهِ كَمَا لَوْ سَرَى إلَى النَّفْسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيُعْتَبَرُ قَتْلًا بِطَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ بِجَنْبِهَا أُخْرَى أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بِهَا سَمْعُهُ أَوْ كَلَامُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّلَّاءِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الْمَقْطُوعَةِ وَالْمُوضِحَةِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّلَلِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَفِي الْبَصَرِ يَجِبُ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَهُ وَحْدَهُ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ مِنْهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْبَصَرِ دُونَ الشَّلَلِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ فَافْتَرَقَا ، وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَسَقَطَتْ فَفِيهَا الْقِصَاصُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لَا قِصَاصَ فِيهَا ، وَلَوْ شَجَّهُ فَأَوْضَحَهُ ، ثُمَّ شَجَّهُ أُخْرَى فَأَوْضَحَهُ فَتَأَكَّلَتَا حَتَّى صَارَتَا شَيْئًا وَاحِدًا فَلَا قِصَاصَ فِيهَا فِي الْمَشْهُورِ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالْوَجْهُ فِيهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ ) لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الشَّجَّةِ وَدِيَةُ الْعَيْنَيْنِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ دِيَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ ، أَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى إنْسَانٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ صَارَ بَعْضُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ مَالًا ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ يَجِبُ الْأَرْشُ فَإِذَا صَارَ بَعْضُ الْجِنَايَةِ مَالًا صَارَ كُلُّهُ مَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَشُلَّ مَا بَقِيَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا ، وَأَمَّا مَذْهَبُهُمَا فَلِأَنَّ هَذِهِ جِنَايَتَانِ فِي مَكَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا مَدْخَلَ لِأَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ مَآلًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَلَا قَوَدَ ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأُولَى مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَع مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ ، الثَّانِيَةُ مَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى ، الثَّالِثَةُ مَا إذَا قَطَعَ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ أَوْ كُلُّ الْيَدِ ، الرَّابِعَةُ مَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ سِنَّةٍ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ فَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لَا خِلَافَ فِيهِمَا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَالْأُولَى وَالثَّانِيَةُ خِلَافِيَّتَانِ ، وَقَدْ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِيهِمَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ ا هـ قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : يَجِبُ أَرْشُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا ) فَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدِيَةُ الْعَيْنَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيَجِبُ دِيَةُ الْأُصْبُعَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَزَاءَ ) أَيْ الْجَزَاءَ مُقَيَّدٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالتَّسْبِيبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي

نَوَادِرِهِ سَمِعْت مُحَمَّدًا ا قَالَ فِي رَجُلٍ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ عَصًا فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ بِذَلِكَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ ، وَقَدْ ذَهَبَ الضَّوْءُ قَالَ اُقْتُصَّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَمْدٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَلَعَ سِنَّةً فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى سَقَطَ الْأَرْشُ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَا عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ مُوجِبَةً لَهُ وَاَلَّذِي نَبَتَ نِعْمَةً مُبْتَدَأَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ فَحَصَلَ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ مَالٌ آخَرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ زَالَتْ مَعْنًى وَلِهَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى فَلَمْ تَفُتْ الْمَنْفَعَةُ بِهِ وَلَا الزِّينَةُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِوُجُودِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ هَذَا إذَا نَبَتَتْ مِثْلُ الْأُولَى وَإِنْ نَبَتَتْ مُعْوَجَّةً فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَوْ نَبَتَتْ إلَى النِّصْفِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأَرْشِ ، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا مَكَانَهَا وَنَبَتَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ فَعَلَى الْقَالِعِ كَمَالُ الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذْ الْعُرُوقُ لَا تَعُودُ وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا إذَا لَمْ تَعُدْ إلَى حَالِهَا الْأُولَى بَعْدَ النَّبَاتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ ، وَأَمَّا إذَا عَادَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَبَتَتْ ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِقَوْلُهُ : فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ إلَخْ ) ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ غُصْنًا لِرَجُلٍ فَنَبَتَ مَكَانَهُ آخَرُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ ، وَكَذَا لَوْ حَصَدَ زَرْعًا أَوْ بَقْلًا فَنَبَتَ مَكَانَهُ آخَرُ لَا يَبْرَأُ عَنْ ضَمَانِ الْمَحْصُودِ وَالْمَقْلُوعِ ا هـ عِمَادِيٌّ فِي ( 32 )

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أُقِيدَ فَنَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ يَجِبُ ) مَعْنَاهُ إذَا قَلَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ فَأُقِيدَ أَيْ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَالِعِ ، ثُمَّ نَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ الْمُقْتَصِّ لَهُ يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ أَرْشُ سِنِّ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجَنَابَةُ وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَظِرَ الْيَأْسَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقِصَاصِ خَوْفًا مِنْ مِثْلِهِ إلَّا أَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ تَضْيِيعُ الْحُقُوقِ فَاكْتَفَيْنَا بِالْحَوْلِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهِ ظَاهِرًا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْفَسَادِ ، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ وَلَمْ تَنْبُتْ قَضَيْنَا بِالْقِصَاصِ ، ثُمَّ إذَا نَبَتَ تَبَيَّنَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِيهِ وَكَانَ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ الْقِصَاص لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْمَالُ وَفِي النِّهَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَأْنَى فِي سِنِّ الْبَالِغِ حَتَّى يَبْرَأَ ؛ لِأَنَّ نَبَاتَهُ نَادِرٌ وَلَا يُفِيدُ تَأْجِيلُهُ إلَى سَنَةٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى الْبُرْءِ لِيُعْلَمَ عَاقِبَتُهُ وَعَزَاهُ إلَى التَّتِمَّةِ ، وَلَوْ ضَرَبَ سِنَّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ يُسْتَأْتَى حَوْلًا لِيَظْهَرَ أَثَرُ فِعْلِهِ ، وَلَوْ سَقَطَ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ لِيُفِيدَ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً ، ثُمَّ جَاءَ ، وَقَدْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ وَالتَّحْرِيكُ يُورِثُ السُّقُوطَ لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ، وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ الَّذِي ضُرِبَ لِلتَّبْيِينِ ، وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ ، وَلَوْ اسْوَدَّتْ بِالضَّرْبِ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ لِزَوَالِ الْجَمَالِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِتَعَذُّرِ الْإِمْكَانِ ، وَكَذَا إذَا كَسَرَ بَعْضَهُ وَاسْوَدَّ الْبَاقِي أَوْ احْمَرَّ أَوْ

اخْضَرَّ يَجِبُ فِيهِ الْأَرْشُ كَامِلًا وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِمَا قُلْنَا فَأَوْجَبَ فِي الِاسْوِدَادِ وَنَحْوِهِ كَمَالَ الْأَرْشِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ سِنٍّ وَسِنٍّ وَقَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ الْأَضْرَاسِ الَّتِي لَا تُرَى وَبَيْنَ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُرَى فَيَجِبُ فِي الْأَوَّلِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَفُتْ بِهِ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِنْ فَاتَ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ وَفِي الثَّانِي يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ كَيْفَمَا كَانَ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ وَإِنْ اصْفَرَّتْ يَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ فِيهَا أَرْشُ السِّنِّ كَامِلًا ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ تُؤَثِّرُ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَالِ كَالسَّوَادِ وَلَنَا أَنَّ الصُّفْرَةَ لَا تُوجِبُ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ وَلَا تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الصُّفْرَةَ لَوْنُ السِّنِّ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فِي بَعْضِ النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالْخُضْرَةُ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجَمَالِ فِي الْبَيَاضِ فَيَجِبُ فِي الصُّفْرَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الصُّفْرَةَ فِي الْحُرِّ لَا تُوجِبُ شَيْئًا وَفِي الْعَبْدِ تُوجِبُ حُكُومَةَ عَدْلٍ ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ مِنْ أَلْوَانِ السِّنِّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ السِّنِّ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَالصُّفْرَةُ لَا تُخِلُّ بِهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَمْلُوكِ الْمَالِيَّةُ وَهِيَ قَدْ تُنْتَقَصُ بِالصُّفْرَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حُصُولِ الِاسْوِدَادِ بِضَرْبَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ قِيَاسًا ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الضَّرْبِ الِاسْوِدَادُ فَصَارَ إنْكَارُهُ لَهُ كَإِنْكَارِهِ أَصْلَ الْفِعْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْرُوبِ ؛ لِأَنَّ مَا يَظْهَرُ عَقِيبَ فِعْلٍ مِنْ الْأَثَرِ يُحَالُ عَلَى الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الضَّارِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بِغَيْرِهِ

( قَوْلُهُ : وَلَوْ سَقَطَتْ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ ) أَيْ فِيمَا سَقَطَ بِضَرْبِهِ أَيْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِ السُّقُوطِ قَالَ الضَّارِبُ سَقَطَتْ بِضَرْبَةِ غَيْرِي ، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ، بَلْ بِضَرْبَتِك ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ : فَأَوْجَبَ ) أَيْ مُحَمَّدٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ أَوْ ضَرَبَ فَجَرَحَ فَبَرَأَ وَذَهَبَ أَثَرُهُ فَلَا أَرْشَ ) ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ الْمُوجِبَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ لَمْ يَزُلْ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَأَعْطَاهُ لِلطَّبِيبِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَسَّرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الشَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفِعْلِهِ وَزَوَالُ مَنْفَعَتِهِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِ أَثَرِهِ وَالْمَنَافِعُ لَا تُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَتَيْنِ أَوْ بِشَبَهِ الْعَقْدِ كَالْفَاسِدَةِ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا تَلْزَمُهُ الْغَرَامَةُ ، وَكَذَا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِمُجَرَّدِ الْأَلَمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ إنْسَانًا ضَرْبًا مُؤْلِمًا مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْشِ ، وَكَذَا لَوْ شَتَمَهُ شَتْمًا يُؤْلِمُ قَلْبَهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا قَوَدَ بِجَرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يُؤَخَّرُ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ؛ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْرِيَ إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرَ أَنَّهُ قُتِلَ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ جُرْحٌ إلَّا بِالْبُرْءِ فَيَسْتَقِرُّ بِهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ فِيهِ قَوَدُهُ لِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ ، وَكَذَا مَا وَجَبَ صُلْحًا أَوْ اعْتِرَافًا أَوْ لَمْ يَكُنْ نِصْفَ الْعُشْرِ ) أَيْ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا { لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا } ؛ وَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَاتِلِ تَخْفِيفًا عَنْهُ وَذَلِكَ يَلِيقُ بِالْمُخْطِئِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ دُونَ الْمُتَعَمِّدِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ التَّغْلِيظَ وَاَلَّذِي وَجَبَ بِالصُّلْحِ إنَّمَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا تَتَحَمَّلُ مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ ، وَكَذَا مَا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ فَيَلْزَمُهُ دُونَهُمْ وَإِنَّمَا لَا تَتَحَمَّلُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ وَالِاسْتِئْصَالِ بِالْجَانِي وَالتَّحْمِيلُ تَحَرُّزًا عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، ثُمَّ الْكُلُّ يَجِبُ مُؤَجَّلًا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ حَالًّا ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ ، فَيَكُونُ حَالًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ فِي سَنَةٍ ؛ لِأَنَّ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَالثُّلُثُ وَمَا دُونَهُ يَجِبُ فِي سَنَةٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا وَجَبَ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ يَجِبُ حَالًّا ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ شَرْعًا إلَى بَدَلٍ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَدَلُ حَالًّا كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ وَالتَّأْجِيلُ فِي دِيَةِ الْقَتْلِ خَطَأً ثَبَتَ شَرْعًا تَخْفِيفًا ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَا كَذَلِكَ الْعَامِدُ فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ فَتَجِبُ حَالًا أَلَا تَرَى أَنَّ تَحْمِيلَ الْعَاقِلَةِ لَمَّا كَانَ تَخْفِيفًا عَنْهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَكَذَا هَذَا التَّخْفِيفُ ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلُ الْمَقْتُولِ وَحَقُّهُ فِي نَفْسِهِ حَالٌّ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْجَبْرِ وَلَنَا أَنَّ

هَذَا مَالٌ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ ، فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا كَمَا إذَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ بِالِاعْتِرَافِ بِخِلَافِ مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ ابْتِدَاءً فَلَا يَتَأَجَّلُ إلَّا بِالشَّرْطِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُتْلَفَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُضْمَنُ بِالْمَالِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِيمَةٍ لَهُ إذْ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنَّمَا عَرَفْنَا تَقَوُّمَهُ بِالْمَالِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ إنَّمَا قَوَّمَهُ بِدِيَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِيجَابُ الْمَالِ حَالًّا زِيَادَةٌ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَصْفًا فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ قَدْرًا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا تَكْفِيرَ فِيهِ وَلَا حِرْمَانَ عَنْ الْمِيرَاثِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمْدُهُ عَمْدٌ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَهُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ فَمَنْ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْخَطَأُ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْعَمْدُ وَلِهَذَا يُؤَدَّبُ وَيُعَزَّرُ وَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ عَلَى فِعْلٍ يَقَعُ عَمْدًا لَا خَطَأً وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مُوجِبُهُ الْآخَرُ وَهُوَ الْمَالُ ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ فَصَارَ نَظِيرَ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُمْ إذَا سَرَقُوا لَا تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ الْمَالِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِمَا قُلْنَا وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلْغَرَامَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الصَّوْمِ لِعَدَمِ الْخِطَابِ ، وَكَذَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ عِنْدَهُ بِالْقَتْلِ وَلَنَا أَنَّ مَجْنُونًا صَالَ عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ فَضَرَبَهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَقَالَ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ ؛ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ، فَلَيْسَ مِنَّا } وَالْعَاقِلُ الْمُخْطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَهَؤُلَاءِ وَهُمْ أَغْرَارٌ أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ قَدْرَ نِصْفِ الْعُشْرِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ فَلَا يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ كَمَا فِي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَلَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الْعَمْدِ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ وَهُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالْعَقْلِ وَهُمْ عَدِيمُو الْعَقْلِ أَوْ قَاصِرُوهُ فَكَيْفَ

يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ الْقَصْدُ وَصَارُوا كَالنَّائِمِ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا وَالْكَفَّارَةُ كَاسْمِهَا سِتَارَةٌ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ لِتَسَتُّرِهِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ مَرْفُوعُو الْقَلَمِ ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ بِمَعْنَى أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ عِبَادَةٌ وَلَا عُقُوبَةٌ ، وَكَذَا سَبَبُ الْكَفَّارَةِ يَكُونُ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَكُونَ الْعُقُوبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْحَظْرِ وَفِعْلُهُمْ لَا يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يَبْتَنِي عَلَى الْخِطَابِ وَهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ

( فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا تَجِبُ غُرَّةٌ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ ) الْغُرَّةُ الْخِيَارُ غُرَّةُ الْمَالِ خِيَارُهُ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ النَّجِيبِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الْفَارِهَةِ ، وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُقَدَّرٍ ظَهَرَ فِي بَابِ الدِّيَةِ وَغُرَّةُ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ كَمَا سُمِّيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً وَسُمِّيَ وَجْهُ الْإِنْسَانِ غُرَّةً ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يَظْهَرُ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ دِيَةُ الرَّجُلِ ، وَلَوْ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا وَفِي الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِهَذَا لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى ؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَالْعُشْرُ مِنْ دِيَتِهَا قَدْرُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَيَقَّنْ بِحَيَاتِهِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ نَقَصَتْ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِضَرْبِهِ مَنَعَ حُدُوثَ الْحَيَاةِ فِيهِ ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ كَالْمُزْهِقِ لِلرُّوحِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَجَبَ قِيمَةُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ حُدُوثِ الرِّقِّ فِيهِ ، وَكَذَا وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ قِيمَةُ بَيْضِ الصَّيْدِ بِكَسْرِهِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ { امْرَأَةً مِنْ هُذَيْلٍ ضَرَبَتْ بَطْنَ امْرَأَةٍ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَضَى

بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ } ؛ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { دُوهُ ، وَالدِّيَةُ } بَدَلُ النَّفْسِ وَتَجِبُ فِي سَنَةٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُورَثُ وَبَدَلُ الْعُضْوِ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْعُضْوِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ } ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَدَلَ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ بَدَلُ الْعُضْوِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِالْأُمِّ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْأَوَّلِ فِي حَقِّ التَّوْرِيثِ وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأُمِّ نُقْصَانٌ وَبِالثَّانِي فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ إلَى سَنَةٍ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْعُضْوِ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدِّيَةِ حَيْثُ يَجِبُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ وَيَسْتَوِي فِي الْجَنِينِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْإِحْيَاءِ إنَّمَا ثَبَتَ لِتَفَاوُتِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الذَّكَرَ يَمْلِكُ الْمَالَ وَالنِّكَاحَ وَالْأُنْثَى لَا تَمْلِكُ سِوَى الْمَالِ فَكَانَ الذَّكَرُ أَزْيَدَ فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْجَنِينِ مَعْدُومٌ إذْ لَا يَمْلِكُ وَلَا يَسْتَحِقُّ سِوَى الْإِعْتَاقَ وَتَوَابِعَهُ ، وَالنَّسَبُ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ فَيَسْتَوِي الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهَا ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يُعْرَفُ الذَّكَرُ مِنْ الْأُنْثَى فَيَتَقَدَّرُ الْكُلُّ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ تَيْسِيرًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ فَدِيَةٌ ) أَيْ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا خَطَأً أَوْ

شِبْهَ عَمْدٍ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ فَدِيَةٌ وَغُرَّةٌ ) لِمَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُمَا ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَى فَأَصَابَ شَخْصًا وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ إنْ كَانَا خَطَأً وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَاتَتْ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَدِيَةٌ فَقَطْ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ الْغُرَّةُ مَعَ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ مَاتَ بِضَرْبِهِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ بِالْحَيَاةِ وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ بِحَيَاتِهَا وَتَنَفُّسَهُ بِنَفَسِهَا فَيَتَحَقَّقُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ إذْ الِاحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا بَعْدَمَا مَاتَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ دِيَةُ الْأُمِّ وَدِيَةُ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا وَمَاتَا

فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْآدَمِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا فِي الْآدَمِيِّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْجَنِينُ بَيَانُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ الْجَنِينُ مَا دَامَ مُجْتَنًّا فِي الْبَطْنِ لَيْسَتْ لَهُ ذِمَّةٌ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْأُمِّ وَلَكِنَّهُ مُتَفَرِّدٌ بِالْحَيَاةِ مُعَدٌّ لِيَكُونَ نَفْسًا لَهُ ذِمَّةٌ فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ لَهُ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَلِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَأَمَّا بَعْدَمَا يُولَدُ فَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ صَارَ ضَامِنًا وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ امْرَأَتِهِ بِعَقْدِ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْجَنِينُ وَالْجَنِينُ هُوَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِ الْأُمِّ سُمِّيَ بِهِ لِاجْتِنَانِهِ أَيْ لِاسْتِتَارِهِ فِي الْبَطْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِنَّمَا سَمَّى الْغُرَّةَ غُرَّةً ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ فِي الدِّيَاتِ وَأَقَلُّ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ فِي الْوُجُودِ وَسُمِّيَ غُرَّةً لِمَعْنَى الْأَوَّلِيَّةِ وَلِهَذَا سُمِّيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَبْدُو عِنْدَ النَّظَرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي أَجِنَّةِ الْبَهَائِمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ شَاةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا كَانَ عَلَيْهِ نُقْصَانُهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْجَنِينِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ ) أَيْ لِلْإِلْزَامِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلْزَامُ

الْغَيْرِ كَمَا فِي رَضِيعٍ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ جَازَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ وَلِيدَةٍ ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ الْوَلِيدُ هُوَ الطِّفْلُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ثُمَّ قَالَ وَالْجَمْعُ وِلْدَانٌ وَالْأُنْثَى وَلِيدَةٌ وَالْجَمْعُ الْوَلَائِدُ ، وَقَدْ تُطْلَقُ الْوَلِيدَةُ عَلَى الْجَارِيَةِ وَالْأَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا ) ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْعَاقِلَةُ تَعْقِلُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا تَعْقِلُ مَا دُونَهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْغُرَّةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَوْجَبْنَا الْغُرَّةَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ كَيْفَ أُغَرَّمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ } ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اسْتَبَّتَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينًا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ } قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إذَا ضُرِبَ بَطْنُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ أُخِذَ مِنْهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ

الْغَنَمِ أُخِذَ مِنْهُ مِائَةٌ مِنْ الشَّاءِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي مُوَطَّئِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَسْتَوِي فِي الْجَنِينِ إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ خَمْسُمِائَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى فِي إيجَابِ الْغُرَّةِ ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِاسْمِ الْجَنِينِ مُطْلَقًا وَمُطْلَقُهُ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا يَجِبُ فِيهِ يُورَثُ عَنْهُ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ فَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ ابْنَهُ مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ غُرَّةٌ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا ) وَإِنَّمَا يُورَثُ ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْغُرَّةُ بَدَلُهُ فَيَرِثُهَا وَرَثَتُهُ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ مُبَاشَرَةً ظُلْمًا وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ لَوْ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أُنْثَى ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ وَضَمَانُ الْأَجْزَاءِ يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْغُرَّةُ وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ فَلَا يُقَدَّرُ بِغَيْرِهِ إذْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نُقْصَانُ الْأَصْلِ ، وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَمَا وَجَبَ إلَّا عِنْدَ نُقْصَانِ الْأَصْلِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ مَوْرُوثٌ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الطَّرَفِ لَمَا وُرِثَ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ الطَّرَفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ ، وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَمَا وُرِثَ فِي الْحُرِّ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ ضَمَانُ النَّفْسِ كَانَ دِيَتُهُ مُقَدَّرَةً بِنَفْسِ الْجَنِينِ لَا بِنَفْسِ غَيْرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغُرَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِدِيَةِ الْأُمِّ ، بَلْ بِدِيَةِ نَفْسِ الْجَنِينِ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ دِيَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَكَذَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ تَجِبُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُقَدَّرًا مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْأُمِّ إنْ انْتَقَصَتْ بِذَلِكَ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْبَهَائِمِ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي قَتْلِ الرَّقِيقِ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَلِهَذَا يُجَاوِزُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ عِنْدَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ اعْتِبَارًا بِالْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِلصِّيَانَةِ وَهُمَا فِي

الْحَاجَةِ إلَيْهَا سَوَاءٌ هَذَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا وَمِنْ غَيْرِ الْمَغْرُورِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ الْغُرَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ حَرَّرَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ فَأَلْقَتْهُ فَمَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ ) ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالضَّرْبِ وَالضَّرْبُ صَادَفَهُ وَهُوَ رَقِيقٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ وَهُوَ حَيٌّ فَاعْتَبَرْنَا حَالَتَيْ السَّبَبِ وَالتَّلَفِ فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ السَّبَبِ وَهُوَ الضَّرْبُ ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ حِينَئِذٍ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ التَّلَفِ كَأَنَّهُ ضَرَبَهُ فِي الْحَالِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَا نَقَصَ بِضَرْبِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْعِتْقُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ أَوْ جَرَحَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ، ثُمَّ مَاتَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ وَالْجَرْحِ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لَكِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحَالَتَانِ فَجُعِلَ كَأَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْجَنِينِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالضَّرْبِ الْأُمُّ وَأَوْجَبَ الْقِيمَةَ دُونَ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَمَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَلِيُّ ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ السَّهْمُ فَمَاتَ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحَلِّ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ بِدُونِ الِاتِّصَالِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ فِي الْحَالِ وَالْعِتْقُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَمَعَ هَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَمْلُوكُ لَهُ ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ أَيْ الدِّيَةَ ، وَقَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ لَيْسَ

هُوَ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّرْبَ وَقَعَ عَلَى الْأُمِّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ جِنَايَةً فِي حَقِّ الْجَنِينِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا وَلِذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ سِرَايَتُهُ بِخِلَافِ مَنْ جَرَحَ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَمَّتْ مِنْهُ لَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَنِينِ مَقْصُودًا إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَأَشْبَهَ الرَّمْيَ الَّذِي تَمَّ مِنْ الرَّامِي وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْإِصَابَةِ ، وَقِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَتُهُ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ مَضْرُوبًا إلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ

( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَنَا أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا وَجَبَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جُزْءًا فَإِنَّ ضَمَانَ الْجُزْءِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ النُّقْصَانِ فِي الْأَصْلِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ ، وَإِذَا كَانَ بَدَلَ نَفْسِهِ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ وَالْمَقْتُولُ هُوَ الْجَنِينُ فَكَانَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ أُمِّهِ غَيْرَ أَنَّا أَوْجَبْنَا عُشْرَ الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ ثَمَّ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ عُشْرُ الدِّيَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَالْقِيمَةُ فِي الْمَمَالِيكِ كَالدِّيَةِ فِي الْأَحْرَارِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الدِّيَةِ بِالْقِيمَةِ فَيُؤَدِّي إلَى هَذَا ضَرُورَةً فَإِنْ قِيلَ فِيهِ تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ ؛ لِأَنَّ عُشْرَ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ أُنْثَى أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ ذَكَرًا وَفِي الدِّيَاتِ يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى وَلَا يُفَضَّلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ قُلْنَا هَذَا تَسْوِيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَالتَّسْوِيَةُ جَائِزَةٌ بَيْنَنَا بِالِاتِّفَاقِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ هُنَا كَالدِّيَةِ وَدِيَةُ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الذَّكَرِ فَصَارَ الْعُشْرُ مِنْ هَذَا مِثْلُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ الذَّكَرِ وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَفَاوُتِ الْحَالِ بِتَفَاوُتِ الْمَالِكِيَّةِ ، وَهَذَا يَكُونُ فِي الْمُنْفَصِلِ لَا فِي الْأَجِنَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكِيَّةٌ فِي الْجَنِينِ وَإِنَّمَا يَجِبُ ضَمَانُ الْجَنِينِ بِاعْتِبَارِ قَطْعِ النُّشُوِّ وَالْأُنْثَى فِي مَعْنَى النُّشُوِّ تُسَاوِي الذَّكَرَ وَرُبَّمَا تَكُونُ الْأُنْثَى أَسْرَعَ نُشُوًّا كَمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلِهَذَا جَوَّزْنَا تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ لَوْ تُصُوِّرَ ا هـ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي جَنِينِ الْمَمْلُوكِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ

قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَهُمَا فِي الْمِقْدَارِ سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ لِقِيَامِ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الدِّيَةِ فَحِينَئِذٍ لَا مُعْتَبَرَ بِالتَّفَاوُتِ ا هـ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابَةِ الْمُسَمَّى بِمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ إنْ كَانَ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى اعْتِبَارًا بِالْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الذَّكَرِ وَعُشْرُ دِيَةِ الْأُنْثَى إلَّا أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ وَالْقِيمَةُ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَتَتَفَاوَتُ غُرَّةُ جَنِينِ الْأَمَةِ بِتَفَاوُتِ الْقِيمَةِ ا هـ وَقَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ الْمُسَمَّى بِالْغُرَرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ حَيًّا وَعُشْرُهَا أُنْثَى ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ لَمَّا وَرَدَ فِي جَنِينٍ حُرٍّ بِعُشْرِ دِيَةِ حُرَّةٍ وَلَمْ يَرِدْ فِي جَنِينِ رَقِيقٍ وَجَبَ التَّقْدِيرُ فِيهِ مِنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَمْلُوكِ كَالدِّيَةِ فَفَرَّقُوا فِيهِ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى بِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَفْيًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ غُرَّتَيْهِمَا إذْ فِي الْعَادَةِ قِيمَةُ الذَّكَرِ أَزْيَدُ مِنْ قِيمَتِهَا بِكَثِيرٍ ، وَإِذَا اشْتَبَهَ ذُكُورَتُهُ وَأُنُوثَتُهُ أُخِذَ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ حَالُ الْوِلَادَةِ وَتُصْرَفُ إلَى سَيِّدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَخْ ) وَجَنِينُ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ سَوَاءٌ وَبِهِ صُرِّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ) أَيْ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرَحَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقِيمَةَ تَكُونُ لِلْمَوْلَى أَوْ تَكُونُ مِيرَاثًا مِنْ الْمَضْرُوبِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِيرَاثًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا أَعْتَقَهُ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ نَفْسِهِ فَصَارَ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ

الْقِيمَةَ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِيمَةُ صَارَ كَأَنَّ الرَّجُلَ قَتَلَ مَمْلُوكَهُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ اسْتَنَدَ إلَى الضَّرْبِ وَوَقْتَ الضَّرْبِ كَانَ مَمْلُوكًا كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : فَصَارَ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : لَا كَفَّارَةَ عَلَى الضَّارِبِ فَلِأَنَّ الْقَتْلَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِجَوَازِ أَنَّ الْحَيَاةَ لَمْ تُخْلَقْ فِيهِ وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِتَحَقُّقِ الْقَتْلِ ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَضَى بِالْغُرَّةِ لَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ ، وَلَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لَذَكَرَهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَجِبُ احْتِيَاطًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ ، وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مُتَنَاقِضٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُهُ جُزْءًا حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْهِ عُشْرَ قِيمَةِ الْأُمِّ وَهُنَا اعْتَبَرَهُ نَفْسًا حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَنَحْنُ اعْتَبَرْنَاهُ جُزْءًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُلُّ الْبَدَلِ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَعْضَاءَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا إذَا تَبَرَّعَ بِهَا هُوَ ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا ، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَفْضَلَ لَهُ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا صَنَعَ مِنْ الْجَرِيمَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْجَنِينُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَالتَّامِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ ؛ وَلِأَنَّهُ بِهِ يَتَمَيَّزُ مِنْ الْعَلَقَةِ وَالدَّمِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ وُلِدَ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ ) أَيْ إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتَطْرَحَهُ أَوْ عَالَجَتْ فَرْجَهَا حَتَّى أَسْقَطَتْهُ ضَمِنَ عَاقِلَتُهَا الْغُرَّةَ إنْ فَعَلَتْ بِلَا إذْنٍ ) ؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ مُتَعَدِّيَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا ضَمَانُهُ وَتَتَحَمَّلُ عَنْهَا الْعَاقِلَةُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا تَرِثُ هِيَ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْغُرَّةُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي ، وَلَوْ فَعَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَسْتَحِقَّ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ ، وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ وَجَبَ لِلْمَوْلَى غُرَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهَا وَأَنَّهُ مَغْرُورٌ وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ وَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَصَارَتْ قَاتِلَةً لِلْجَنِينِ فَتَجِبُ الْغُرَّةُ لَهُ وَيُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ إنْ شِئْت سَلِّمْ الْجَارِيَةَ وَإِنْ شِئْت افْدِهَا ؛ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ فِي جَنَابَةِ الْمَمْلُوكِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتَطْرَحَهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَرْأَةُ إذَا ضَرَبَتْ بَطْنَ نَفْسِهَا مُتَعَمِّدَةً أَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا فَسَقَطَ يَضْمَنُ عَاقِلَتُهَا الْغُرَّةَ وَنَقَلَهُ عَنْ الزِّيَادَاتِ ، وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ امْرَأَةٌ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا عَمْدًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ، ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إنْ كَانَ لَهَا عَاقِلَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَذَلِكَ فِي مَالِهَا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ ، وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا تَجِبُ الْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَوْ كَانَ الشُّرْبُ لِإِصْلَاحِ الْبَدَنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

( بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَخْرَجَ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا أَوْ دُكَّانًا فَلِكُلٍّ نَزْعُهُ ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ مُطَالَبَتُهُ بِالنَّقْضِ كَالْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ أَوْ الذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ الْمُرُورَ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ ، فَيَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ بِنَقْضِهِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالْهَدْمِ بِمُطَالَبَتِهِمْ ؛ لِأَنَّ خُصُومَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ هَذَا إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ ، وَأَمَّا إذَا بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ كَالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُنْقَضُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ إنَّمَا يُنْقَضُ بِخُصُومَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى خُصُومَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِهِ إزَالَةَ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ لَبَدَأَ بِنَفْسِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَزُلْ مَا فِي قُدْرَتِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ ، أَحَدُهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ إحْدَاثُهُ فِي الطَّرِيقِ أَمْ لَا ، وَالثَّانِي فِي الْخُصُومَةِ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهِ وَرَفْعِهِ بَعْدَهُ ، وَالثَّالِثُ فِي ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، أَمَّا الْإِحْدَاثُ فَقَدْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ إحْدَاثُهُ فِيهِ مَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ فِي الطَّرِيقِ بِالْمُرُورِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ جَائِزٌ فَكَذَا مَا هُوَ مِثْلُهُ فَيَلْحَقُ بِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ ، وَإِذَا أَضَرَّ بِالْمَارَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي

الْإِسْلَامِ } ، وَهَذَا نَظِيرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ التَّأْخِيرُ إذَا طَالَبَهُ صَاحِبُهُ ، وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهُ وَعَلَى هَذَا الْقُعُودُ فِي الطَّرِيقِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَإِنْ أَضَرَّ لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا ، وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِيهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ وَأَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ بَعْدَ الْوَضْعِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا وَضَعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ إلَى الْإِمَامِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ قَبْلَ الْوَضْعِ لَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْوَضْعِ صَارَ فِي يَدِهِ خَاصَّةً وَاَلَّذِي يُخَاصِمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ إبْطَالَ يَدِهِ الْخَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ ضَرَرٍ عَنْ نَفْسِهِ ، فَيَكُونُ مُتَعَنِّتًا وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْوَضْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ يَدِهِ الْخَاصَّةِ وَلِكُلِّ أَحَدٍ يَدٌ فِيهِ وَاَلَّذِي يُرِيدُ الْإِحْدَاثَ يَقْصِدُ إبْطَالَ أَيْدِيهِمْ الْعَامَّةِ وَإِدْخَالَهُ فِي يَدِهِ الْخَاصَّةِ فَكَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي إحْدَاثِهِ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُتَعَنِّتٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ ، بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ إذْنَ الشَّارِعِ أَحْرَى وَوِلَايَتَهُ أَقْوَى فَصَارَ كَالْمُرُورِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ بِمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ الطَّرِيقُ فَكَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَا وُضِعَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ

( بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ بِالْمُبَاشَرَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ وَالضَّرْبُ عَلَى بَطْنِ الْمَرْأَةِ مُبَاشَرَةٌ فِي قَتْلِ الْجَنِينِ وَقَدَّمَ الْمُبَاشَرَةَ ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالتَّسْبِيبُ بِالْوَاسِطَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَكَانَ أَمَسَّ حَاجَةٍ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ أَيْ فَكَانَ أَصْلًا ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ جُرْصُنًا ) الْجُرْصُنُ جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ إلَى الطَّرِيقِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَفَسَّرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِالْبُرْجِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَائِطِ ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْبُرْجُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَجْرَى مَاءٍ مُرَكَّبٌ فِي الْحَائِطِ نَاتِئٌ فَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ يَشْغَلُ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ إذْ لَيْسَ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَلَامٌ عَلَى هَذَا التَّرْكِيبِ أَعْنِي الْجِيمَ وَالرَّاءَ وَالصَّادَ ، بَلْ مُهْمَلٌ فِي كَلَامِهِمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ ) أَيْ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ حَقَّ النَّقْضِ فِيمَا أَحْدَثَهُ غَيْرُهُ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ خُصُومَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إلَخْ ) فَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ } ) الْحَدِيثَ كَمَا أَثْبَتَ فِي الْفِرْدَوْسِ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ } أَيْ لَا يَضُرُّ الرَّجُلُ أَخَاهُ ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِمَعْنَى الضُّرِّ وَهُوَ يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَالضِّرَارُ مِنْ اثْنَيْنِ بِمَعْنَى الْمُضَارَّةِ وَهُوَ أَنْ تَضُرَّ مَنْ ضَرَّك ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ : فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ ) وَفِي الْجَمْهَرَةِ ضَرَبْت عُرْضَ الْحَائِطِ وَعُرْضَ الْجَبَلِ

وَكَذَلِكَ عُرْضَ النَّهْرِ أَيْ نَاحِيَتَهُ وَأَرَادَ بِهِ هُنَا أَضْعَفَ النَّاسِ وَأَرْذَلَهُمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ ) وَفِي الْعِمَادِيَّةِ حَكَى الْخِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ عَلَى عَكْسِ هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُتَعَنِّتٌ ) وَالْمُتَعَنِّتُ هُوَ الَّذِي يُخَاصِمُ فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي النَّافِذِ إلَّا إذَا أَضَرَّ ) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِحْدَاثِ الْجُرْصُنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالْخِلَافَ الَّذِي فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي غَيْرِهِ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ ) أَيْ فِي غَيْرِ النَّافِذِ مِنْ الطُّرُقِ لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ بِإِحْدَاثِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ ؛ لِأَنَّ الطُّرُقَ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا فَهُمْ فِيهَا شُرَكَاءُ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الشُّفْعَةَ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِخِلَافِ النَّافِذِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ نَافِذًا كَانَ حَقَّ الْعَامَّةِ فَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى إذْنِ الْكُلِّ فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ النَّافِذِ ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى إرْضَائِهِمْ مُمْكِنٌ فَبَقِيَ عَلَى الشِّرْكَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا( قَوْلُهُ : لَا يَمْلِكُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ إلَّا أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ وَهُمْ كُلُّهُمْ بَالِغُونَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ ) أَيْ إذَا مَاتَ إنْسَانٌ بِسُقُوطِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَنِيفٍ أَوْ مِيزَابٍ أَوْ جَرْصَنٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَخْرَجَهُ إلَى الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِهَلَاكِهِ مُتَعَدٍّ فِي إحْدَاثِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِهِ أَوْ بِإِحْدَاثِ مَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ ، وَكَذَا إذَا عَثَرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ ، وَلَوْ عَثَرَ بِمَا أَحْدَثَهُ هُوَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَحْدَثَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَالْمَدْفُوعِ عَلَى الْآخَرِ ، وَلَوْ سَقَطَ الْمِيزَابُ فَأَصَابَ مَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيهِ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ وَضَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِشَغْلِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ ، وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ النِّصْفُ وَهُدِرَ النِّصْفُ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَسَبُعٌ وَمَاتَ مِنْهُمَا ، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّ طَرَفٍ أَصَابَهُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا يَضْمَنُ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ دَاخِلًا لَا يَضْمَنُ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ وَفِي الشَّغْلِ شَكٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالٍ يَضْمَنُ الْكُلَّ وَفِي حَالٍ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَيَضْمَنُ النِّصْفَ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ فِي حَالٍ النِّصْفَ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ فَيَتَنَصَّفُ ، فَيَكُونُ مَعَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَعَدَّدُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهَا بِخِلَافِ حَالَةِ الْحِرْمَانِ ، وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا

إلَى الطَّرِيقِ ، ثُمَّ بَاعَ الْكُلَّ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ ، ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ وَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يُنْسَخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ سَقَطَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى إنْسَانٍ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ وَفِي حَقِّ الْبَائِعِ قَدْ بَطَلَ الْإِشْهَادُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِشْهَادِ فَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْإِشْغَالُ بَاقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَضْمَنُ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِشْغَالَ لَوْ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ وَفِي الْحَائِطِ لَا يَضْمَنُ غَيْرُ الْمَالِكِ ، وَلَوْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جَمْرًا فَاحْتَرَقَ بِهِ شَيْءٌ يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ ، وَلَوْ حَرَّكَتْ الرِّيحُ عَيْنَ الْجَمْرِ فَحَوَّلَتْهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ لِنَسْخِ الرِّيحِ فِعْلَهُ بِالتَّحْوِيلِ وَإِنْ حَرَّكَتْ الشَّرَارَ يَضْمَنُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ فَلَمْ يُنْسَخْ فِعْلُهُ فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ بَاقِيَةً ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُ وَإِنْ حَوَّلَتْهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِعَاقِبَتِهِ ، وَقَدْ أَفْضَى إلَيْهَا فَيَضْمَنُ كَمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ دَابَّةٍ جَالَتْ فِي رِبَاطِهَا ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَكُنْ مُسَلَّمًا إلَى رَبِّ الدَّارِ قَبْلَ

فَرَاغِهِمْ مِنْهُ فَانْقَلَبَ فِعْلُهُمْ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَيُحْرَمُونَ مِنْ الْإِرْثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الْمِيزَابِ أَوْ الْكَنِيفِ إلَى الطَّرِيقِ فَقَتَلَ إنْسَانًا بِسُقُوطِهِ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ ؛ لِأَنَّهُ تَسْبِيبٌ وَهُنَا مُبَاشَرَةٌ وَالْقَتْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَسْتَنِدْ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا عَلَى وُجُوهٍ ، أَمَّا إنْ قَالَ لَهُمْ ابْنُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي فَإِنَّهُ مِلْكِي أَوْ لِي فِيهِ حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ مِنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَعْلَمُوا الْفَعَلَةُ ، ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِ مَا قَالَ ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَصَابَ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ وَيَرْجِعُونَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ بِأَمْرِ الْآمِرِ فَكَأَنَّهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الشَّاةُ بَعْدَ الذَّبْحِ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الذَّابِحَ وَيَرْجِعَ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فَكَذَا هَذَا ، وَأَمَّا إنْ قَالَ لَهُمْ أَشْرِعُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِشْرَاعِ فِي الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى بَنَوْا ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا إنْ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَكَذَا فِي جَوَابِ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ ، وَقَدْ عَلِمُوا فَسَادَ أَمْرِهِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْبَحَ شَاةَ جَارٍ لَهُ وَأَعْلَمَهُ فَذَبَحَ ، ثُمَّ ضَمِنَ الذَّابِحُ لِلْجَارِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ ، وَكَذَا لَوْ

اسْتَأْجَرَهُمْ لِيَبْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِنَاءُ دَارِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لَكِنْ غَيْرُ صَحِيحٍ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَاسِدٌ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ عَمَلًا بِهِمَا وَإِظْهَارُ شَبَهِ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَيْ الْقَتْلِ بِسُقُوطِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ كَالْقَتْلِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتْلٌ بِسَبَبٍ حَتَّى لَا تَجِبَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي أَثْنَائِهَا وَآخِرِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَالْمَدْفُوعِ عَلَى الْآخَرِ ) يَعْنِي يَصِيرُ الْمُحْدِثُ فِي الطَّرِيقِ كَالدَّافِعِ لِلْعَاثِرِ عَلَى الَّذِي سَقَطَ الْعَاثِرُ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ أَحْوَالَ إلَخْ ) جَوَابٌ لَا يُقَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ ) وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهَا ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ : فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ ) ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ وَضَعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَتَغَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى أَثَرُ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَوْضُوعًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَا اعْتِرَاضَ فِعْلٍ آخَرَ عَلَيْهِ فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُ ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الرِّيحُ مُتَحَرِّكَةً حِينَ وَضَعَ الْجَمْرَ عَلَى الطَّرِيقِ ، ثُمَّ حَرَّكَتْ الرِّيحُ الْجَمْرَ عَنْ مَكَانِهِ فَأَحْرَقَ شَيْئًا يَضْمَنُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَقُولُ بِالضَّمَانِ إذَا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ عَنْ مَكَانِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ رِيحًا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَرَاحَ الْيَوْمُ يَرَاحُ إذَا اشْتَدَّ رِيحُهُ وَيَوْمٌ رَاحٍ شَدِيدُ الرِّيحِ فَإِذَا كَانَ طَيِّبَ الرِّيحِ قَالُوا رَيِّحٌ بِالتَّشْدِيدِ وَمَكَانٌ رَيِّحٌ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ ) الْفَعَلَةَ جَمْعُ فَاعِلٍ كَالْقَتَلَةِ جَمْعُ قَاتِلٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ ) إذَا اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَحْفِرُونَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ أَوْ فِي فِنَائِهِ يُنْظَرُ حُكْمُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ فَرَاجِعْهُ ا هـ وَسَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا

لِيَبْنِيَ لَهُ فِنَاءَ حَانُوتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ تَسْبِيبٌ ) وَالْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ يَثْبُتَانِ بِالْقَتْلِ حَقِيقَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إلَخْ ) اُنْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَرَقَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيَرْجِعُ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ ) أَيْ لِأَنَّ الذَّابِحَ مُبَاشِرٌ وَالْآمِرَ مُسَبِّبٌ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ الْمَغْرُورُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : مِنْ حَيْثُ إنَّ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ ) أَيْ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَهِيمَةً فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ ) أَيْ لَوْ كَانَ الْهَالِكُ فِي الْبِئْرِ أَوْ بِسُقُوطِ الْجُرْصُنِ بَهِيمَةً يَكُونُ ضَمَانُهَا فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ ، وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ وَاِتِّخَاذُ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَسْبِيبٌ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ إنْسَانٌ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا قَصَدَ إمَاطَةَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ حَتَّى لَوْ جَمَعَ الْكُنَاسَةَ فِي الطَّرِيقِ وَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِشَغْلِهِ الطَّرِيقَ ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَتَلِفَتْ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى مَنْ نَحَّاهُ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ ، وَكَذَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ رَشَّ أَوْ تَوَضَّأَ فَعَطِبَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ قَعَدَ فِيهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً أَوْ مَتَاعَهُ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى فَيَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِهِ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي السِّكَّةِ مَا نَقَصَ بِالْحَفْرِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ لِشَرِيكِهِ مِلْكًا حَقِيقَةً فِي الدَّارِ حَتَّى يَبِيعَ نَصِيبَهُ وَيُقَسَّمَ بِخِلَافِ السِّكَّةِ قَالُوا هَذَا إذَا رَشَّ مَاءً كَثِيرًا بِحَيْثُ يُزْلَقُ فِيهِ عَادَةً ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ لَا يَضْمَنُ ، وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ الصَّبِّ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَاطَرَ

بِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَنْ وَثَبَ فِي الْبِئْرِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَوَقَعَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ بِأَنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ أَعْمَى ، وَقِيلَ يَضْمَنُ مَعَ الْعِلْمِ أَيْضًا إذَا رَشَّ جَمِيعَ الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْمُرُورِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَشَبَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الطَّرِيقِ وَفِي أَخْذِهَا جَمِيعَ الطَّرِيقِ أَوْ بَعْضَهُ ، وَلَوْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَضَمَانُ مَا عَطِبَ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ بَنَى فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ لِفَسَادِ الْأَمْرِ وَإِنْ حَفَرَ بَالُوعَةً فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ يَضْمَنُ مَا عَطِبَ فِيهَا لِوُجُودِ التَّعَدِّي ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي جَمِيعِ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ وَفِنَاءُ دَارِهِ كَدَارِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مَا عَطِبَ بِمَا حَفَرَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ ، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ ، أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ فِيهِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَلَوْ وَقَعَ رَجُلٌ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورِ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَمَاتَ فِيهِ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ غَمًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا

مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجُوعِ كَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ غَمًّا يَجِبُ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ فِيهِ ، أَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْبِئْرِ ، وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ ضَامِنٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَنَاوَلَ الْخُبْزَ وَالْمَاءَ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ غَيْرَ الْآدَمِيِّ كَالدُّيُونِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَمَا كَانَ مِنْ جِنَايَةٍ بِذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا بَلَغَ الْقَدْرَ الَّذِي عَرَّفْتُك أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي مَالِهِ وَمَا كَانَ مِنْ جِنَايَةٍ عَلَى غَيْرِ بَنِي آدَمَ فَهُوَ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ ا هـ قَوْلُهُ : لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا شَغْلٌ جَدِيدٌ حَصَلَ بِفِعْلِ الَّذِي نَحَّاهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ ا هـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَإِنْ قَالُوا هَذَا مُحْتَسِبٌ فِيمَا يَفْعَلُ حَيْثُ أَمَاطَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ قُلْنَا بَلَى ، وَلَكِنْ أَخْطَأَ الْحِسْبَةَ حَيْثُ شَغَلَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْحِسْبَةُ التَّامَّةُ أَنْ يَطْرَحَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ مَمَرًّا أَوْ يَطْرَحَهُ فِي حُفْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ عَلَى وَجْهٍ تَمْتَلِئُ الْحَفِيرَةُ فَيَصِيرُ مُحْتَسِبًا مِنْ وَجْهَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً فِي طَرِيقٍ بِأَمْرِ سُلْطَانٍ أَوْ فِي مِلْكِهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِيهَا ) أَيْ فِي الطَّرِيقِ ( أَوْ قَنْطَرَةً بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّ حَفْرَ الْبَالُوعَةِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ وَالْقَنْطَرَةِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ وَإِنْ وُجِدَ التَّعَدِّي مِنْهُ فِيهِمَا لَكِنْ تَعَمُّدُهُ بِالْمُرُورِ عَلَيْهِمَا يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَى الْوَاضِعِ ؛ لِأَنَّ الْوَاضِعَ مُسَبِّبٌ وَالْمَارُّ مُبَاشِرٌ فَصَارَ هُوَ صَاحِبَ عِلَّةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّسْبِيبُ مَعَهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَمْثَالَهُ فِيمَا مَضَى وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَحْفِرُونَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُجَرَاءِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا فِي غَيْرِ فِنَائِهِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ قَدْ صَحَّ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَنُقِلَ فِعْلُهُمْ إلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَغْرُورُونَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ آخَرَ بِذَبْحِ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّاةِ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ وَهُنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَعَدٍّ فَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ فَإِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَلَا غُرُورَ مِنْ جِهَتِهِ لِعِلْمِهِمْ بِذَلِكَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ ، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ هَذَا فِنَائِي ، وَلَيْسَ لِي حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ فَحَفَرُوا فَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يَغُرَّهُمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ

فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ أَمْرًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَلِذَا يُنْقَلُ إلَيْهِ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِلْعَامَّةِ ضَمِنُوا سَوَاءٌ قَالَ لَهُمْ إنَّهُ لِي أَوْ لَمْ يَقُلْ لِعِلْمِهِمْ بِفَسَادِ أَمْرِهِ قَبْلُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ ضَمِنَ ) سَوَاءٌ تَلِفَ بِالْوُقُوعِ أَوْ بِالْعَثْرَةِ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَتَاعِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ مُبَاحٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ إلَى الْهَدَفِ أَوْ إلَى الصَّيْدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ كَانَ رِدَاءٌ قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ لَا ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ لَا يَضْمَنُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ أَنَّ حَامِلَ الشَّيْءِ يَقْصِدُ حِفْظَهُ فَلَا يَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَاللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فَجُعِلَ فِي حَقِّهِ مُبَاحًا مُطْلَقًا ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا لَبِسَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ مَا لَا يُلْبَسُ عَادَةً كَاللِّبَدِ وَالْجُوَالِقِ وَالدِّرْعِ مِنْ الْحَدِيدِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى لُبْسِهِ وَسُقُوطُ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِهَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَسْجِدٌ لِعَشِيرَةٍ فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قِنْدِيلًا أَوْ جَعَلَ فِيهِ بَوَارِي أَوْ حَصَاةً فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ ضَمِنَ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا الْفَاعِلُ فَصَارَ كَأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَكَمَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّ بَسْطَ الْحَصِيرِ وَتَعْلِيقَ الْقِنْدِيلِ مِنْ بَابِ التَّمْكِينِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَيَسْتَوِي فِيهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرُهُمْ وَلَهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَفَتْحِ بَابِهِ وَإِغْلَاقِهِ وَتَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ حَتَّى لَا يُعْتَدَّ بِمَنْ سَبَقَهُمْ فِي حَقِّ الْكَرَاهِيَةِ وَبَعْدَهُمْ يُكْرَهُ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ مُقَيَّدٌ بِهَا وَقَصْدُ الْقُرْبَةِ لَا يُنَافِي الْغَرَامَةَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ كَمَا إذَا تَفَرَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَكَمَا إذَا وَقَفَ عَلَى الطَّرِيقِ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى أَوْ لِدَفْعِ الظُّلْمِ فَعَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَغْرَمُ وَالطَّرِيقُ فِيهِ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَهْلِهِ ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَعَنْ ابْنِ سَلَّامٍ بَانِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْعِمَارَةِ وَالْقَوْمُ أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ ، وَعَنْ الْإِسْكَافِ الْبَانِي أَحَقُّ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ وَالْقَوْمُ يَرَوْنَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ ( رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ ضَمِنَ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَا ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا أَوْ مَرَّ فِيهِ أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ ، وَأَمَّا الْمُعْتَكِفُ فَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ كَالْفَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا أَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } ، وَقَالَ تَعَالَى { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } ، فَإِذَا بُنِيَتْ لَهُمَا لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ فِيهِ مِنْ ضَرُورَاتِهَا فَيُبَاحُ لَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا } وَتَعْلِيمُ الْفِقْهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ كَالذِّكْرِ فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ دَلَالَةً وَلَهُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَةِ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا ضَاقَ عَلَى الْمُصَلِّي كَانَ لَهُ أَنْ يُزْعِجَ الْقَاعِدَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْقَاعِدُ مُشْتَغِلًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ التَّدْرِيسِ أَوْ مُعْتَكِفًا ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُزْعِجَ الْمُصَلِّيَ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي سَبَقَ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ بُنِيَ لَهَا وَاسْمُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ اسْمٌ لِمَوْضِعِ السُّجُودِ وَفِي الْعَادَةِ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ إلَّا لِلصَّلَاةِ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَكَانَ الْكَوْنُ فِيهِ حَقُّ الصَّلَاةِ

مُبَاحًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِيَظْهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَبَيْنَ التَّبَعِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ قُرْبَةً مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي الطَّرِيقِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ كَانَ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ وَمَعَ هَذَا يَضْمَنُ إذَا تَلِفَ بِهِ شَيْءٌ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي الصَّحِيحِ ، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ ، فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لِلشَّيْءِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجَالِسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدُرُوسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ إنْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ مُعْتَكِفًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ إنْ جَلَسَ لِلْحَدِيثِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ أَوْ نَامَ أَوْ قَامَ فِيهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارًّا ضَمِنَ عِنْدَهُ ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَعَدَ لِلْعِبَادَةِ كَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ أَوْ الِاعْتِكَافِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّدْرِيسِ أَوْ لِلذِّكْرِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قَوْلِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ فِي النِّهَايَةِ

( فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَائِطٌ مَائِلٌ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ ضَمِنَ رَبُّهُ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ إنْ طَالَبَ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ هُوَ تَعَدٍّ لَا مُبَاشَرَةُ عِلَّةٍ وَلَا مُبَاشَرَةُ شَرْطٍ أَوْ سَبَبٍ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ كَانَ فِي مِلْكِهِ مُسْتَقِيمًا وَالْمَيَلَانُ وَشَغْلُ الْهَوَاءِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ ؛ وَلِأَنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ فَقَدْ أَشْغَلَ هَوَاءَ الطَّرِيقِ بِمِلْكِهِ وَرَفْعُهُ فِي قُدْرَتِهِ ، فَإِذَا تُقُدِّمَ إلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ ، فَإِذَا امْتَنَعَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي حَجْرِهِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّسْلِيمِ إذَا طُولِبَ بِهِ حَتَّى يَضْمَنَ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الثَّوْبِ قَبْلَ الطَّلَبِ ؛ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّفْرِيغِ فَتَنْقَطِعُ الْمَارَّةُ حَذَارِ الْوُقُوعِ عَلَيْهِمْ فَيَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَاجِبٌ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَائِطِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَتَعَيَّنَ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يَجِبُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ كَالرَّمْيِ إلَى الْكُفَّارِ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ وَكَقَطْعِ الْيَدِ الْمُسْتَأْكَلَةِ ، ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَتَحَمَّلُ تَخْفِيفًا عَنْهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الِاسْتِئْصَالِ فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ دُونَ الْخَطَأِ ،

فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى التَّخْفِيفِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فِي النَّقْضِ وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ بِالسُّقُوطِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ بِظَاهِرِ الْيَدِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ وَالشَّرْطُ طَلَبُ النَّقْضِ مِنْهُ دُونَ الْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ جُحُودِهِ أَوْ جُحُودِ عَاقِلَتِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى طَلَبِ الشُّفْعَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ لِصِحَّةِ الطَّلَبِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ النَّقْضِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَخُوفٌ أَوْ مَائِلٌ فَاهْدِمْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ فَيُتْلِفَ شَيْئًا أَوْ اهْدِمْهُ فَإِنَّهُ مَائِلٌ صَحَّ الطَّلَبُ وَصَارَ إشْهَادًا إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا صَحَّ أَيْضًا ، وَلَوْ قَالَ لَهُ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَهْدِمَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِطَلَبٍ وَلَا إشْهَادٍ ، بَلْ هُوَ مَشْهُورَةٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ إلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّفْرِيغِ كَالْمَالِكِ وَالْوَصِيِّ فِي مِلْكِ الصَّغِيرِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْعَبْدِ التَّاجِرِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَالتَّالِفُ بِهِ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ مَالًا وَالنَّفْسُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَإِلَى الرَّاهِنِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْهَدْمِ وَإِلَى الْمُكَاتَبِ ، ثُمَّ إنْ أَتْلَفَ حَالَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَبَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَبَعْدَ الْعَجْزِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُكَاتَبِ وَعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمَوْلَى ، وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى مَنْ

يَسْكُنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُودَعِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ وَأَتْلَفَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ السَّاكِنُ وَلَا الْمَالِكُ وَيُشْتَرَطُ دَوَامُ تِلْكَ الْوِلَايَةِ إلَى وَقْتِ السُّقُوطِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ وَيُشْتَرَطُ لِلضَّمَانِ أَنْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ النَّقْضِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ حَتَّى إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ فَسَقَطَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ نَقْضِهِ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ وَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ قَبْلَ أَنْ يَهِيَ الْحَائِطُ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى التَّقَدُّمِ لَا عَلَى الْقَتْلِ وَسَوَّى فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُطَالِبُ بِالنَّقْضِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ أَيٍّ مَنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبَةُ حَقٍّ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَهْلِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِمُطَالَبَةِ حَقِّهِمْ فَكَذَا لِحَقِّ الْعَامَّةِ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُمْ الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيُّ فِي الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ جَازَ طَلَبُهُمْ وَإِشْهَادُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْإِذْنِ الْتَحَقُوا بِالْحُرِّ الْبَالِغِ ، ثُمَّ بَعْدَ الْإِشْهَادِ تَكُونُ الْخُصُومَةُ عَنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا ابْتِدَاءً ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ بِلَا طَلَبٍ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالْبِنَاءِ فَصَارَ كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالطَّلَبُ إلَى رَبِّهَا ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ

وَإِنْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ الدَّارَ فَكَذَا بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ هَوَاءَهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَجَّلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ صَحَّ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ ) أَيْ إنْ أَجَّلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ حَتَّى لَوْ سَقَطَ فِي الْإِبْرَاءِ أَوْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي التَّأْجِيلِ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ مَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ أَوْ أَبْرَأَهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ وَالْإِبْرَاءُ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ ، وَالسَّاكِنُ فِي الدَّارِ كَالْمَالِكِ فِيهِ حَتَّى يَصِحَّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ لِمَا ذَكَرْنَا

فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقَتْلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ تَسْبِيبِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقَتْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْجَمَادِ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ ، وَذَكَرَ مَسَائِلَهُ بِلَفْظِ الْفَصْلِ فِي أَوَّلِهَا لَا بِلَفْظِ الْبَابِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ نَوْعٌ مِمَّا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ حَقِّ هَذَا الْفَصْلِ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْ مَسَائِلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ ؛ لِأَنَّهُ جَمَادٌ وَالْجَمَادُ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْحَيَوَانِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ هُنَا لِمُنَاسَبَةٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَائِطَ تُنَاسِبُ الْجُرْصُنَ وَالرَّوْشَنَ وَغَيْرَهُ فَلِهَذَا أَلْحَقَهُ بِهَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا تُقُدِّمَ ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مِنْ مَاضِي التَّقَدُّمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَكَقَطْعِ الْيَدِ الْمُسْتَأْكَلَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَطْعُ الْيَدِ لِلْأَكْلَةِ عِنْدَ خَوْفِ هَلَاكِ النَّفْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ ) وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ فِيمَا أَصَابَ الْحَائِطُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ ، وَلَوْ أَقَرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ ) حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ طُولِبَ بِنَقْضِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِلَى الْمُكَاتَبِ ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ مُكَاتَبٌ لَهُ حَائِطٌ مَائِلٌ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ إنْسَانًا فَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَقَلُّ مِنْ

قِيمَتِهِ وَمِنْ دِيَةِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ إنْسَانًا فَفِيهِ دِيَةُ الْقَتِيلِ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ كَنِيفًا ، ثُمَّ عَتَقَ ، ثُمَّ وَقَعَ وَقَتَلَ إنْسَانًا كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ ، وَالْفَرْقُ مَا قُلْنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْحَائِطِ كَالْمُبْتَدِئِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَكَأَنَّهُ قَتَلَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قَتِيلًا ابْتِدَاءً فَأَمَّا إخْرَاجُ الْجَنَاحِ وَالْكَنِيفِ فَجِنَايَةٌ وَاقِعَةٌ فَلَمْ تُجْعَلْ مُبْتَدَأً بَعْدَ الْعِتْقِ ، بَلْ كَانَ مُضَافًا إلَى حَالِ الرِّقِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ إلَخْ ) وَلَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ إذَا سَقَطَ الْحَائِطُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْدَمَا مَلَكَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ فَقَدْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ فِيهَا النَّقْضَ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَرْكِ النَّقْضِ فَإِذًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ ، ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ وَبَاعَ الْجَنَاحَ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ ضَمِنَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْوَضْعِ جِنَايَةٌ فَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ لَا يُغَيِّرُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْحَائِطِ لَمْ يَكُنْ جِنَايَةً وَإِنَّمَا الْجِنَايَةُ تَرْكُ النَّقْضِ ، وَإِذَا صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ فِي حَالِ الْوُقُوعِ خَرَجَ فِعْلُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جِنَايَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَا عَلَى الْقَتْلِ ) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ شَهَادَةً عَلَى الْقَتْلِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِشُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَيْهِ ، بَلْ هِيَ شَهَادَةٌ عَلَى مَيَلَانِ الْحَائِطِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالْبِنَاءِ ) أَيْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَوَاءَ الْبُقْعَةِ فِي حُكْمِهَا ، وَلَوْ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَانَ مُتَعَدِّيًا كَذَلِكَ إذَا بَنَى فِي هَوَاءِ

مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ ا هـ غَايَةٌ قَالَ قَاضِيخَانْ فِي بَابِ الصُّلْحِ مَا نَصُّهُ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ مَا تَحْتَهَا إلَى الثَّرَى وَمَا فَوْقَهَا إلَى السَّمَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا سُكَّانٌ فَالْمُطَالَبَةُ إلَيْهِمْ وَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُعِيرُ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَائِطٌ بَيْنَ خَمْسَةٍ أُشْهِدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ ضَمِنَ خُمْسَ الدِّيَةِ ، دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ حَفَرَ أَحَدُهُمَا فِيهَا بِئْرًا أَوْ بَنَى حَائِطًا فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ مَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ وَبِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ هَدَرٌ وَفِي الْحَفْرِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَبِاعْتِبَارِ مِلْكِ شَرِيكِهِ مُتَعَدٍّ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ كَمَا إذَا هَلَكَ بِجَرْحِ الرَّجُلِ وَنَهْشِ الْحَيَّةِ وَعَقْرِ الْأَسَدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَهُوَ الْقَلِيلُ مِنْهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً عَلَى حِدَةٍ فَتَجْتَمِعُ الْعِلَلُ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ التَّلَفُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ ، ثُمَّ تُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لِلتَّلَفِ صَغُرَتْ الْجِرَاحَةُ أَمْ كَبِرَتْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّ التَّلَفَ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ يُضَافُ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ الْوَاحِدُ مِنْ الشُّرَكَاءِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِمَ شَيْئًا مِنْ الْحَائِطِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ قُلْنَا إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَدْمِ نَصِيبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ إصْلَاحِهِ بِطَرِيقِهِ وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْحُكَّامِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْغَرَضُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الضَّرَرِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَلَا تَتَعَيَّنُ بِالْهَدْمِ ، وَلَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى الطَّرِيقِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَعَثَرَ إنْسَانٌ بِنَقْضِهِ فَمَاتَ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ مِلْكُهُ ، فَيَكُونُ التَّفْرِيغُ إلَيْهِ وَالْإِشْهَادُ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ ؛ لِأَنَّ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62