كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْحَالِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ، وَلَمْ يَكُنْ عَتَاقُهُ لَغْوًا ، وَهُوَ هُنَا جَعَلَهُ لَغْوًا وَلَا يُقَالُ الْمَرْهُونُ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَتْلَفَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ فَكَذَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ كَأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَالِيَّةَ الْمَشْغُولَةَ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَالْمَوْلَى يُتْلِفُ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ لَهُ الْمَدِينَ ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ وَلِهَذَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ وَنَفَاذُ الْبَيْعِ مِنْ الْمُكَاتَبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى التِّجَارَةِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَعَدَمُ نَفَاذِ عِتْقِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ( قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَعْتَقَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ أَوْ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ ) ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ حَقُّ الْبَيْعِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُنَافِي مِلْكَ الْعَيْنِ فَتَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ وَالْإِعْتَاقُ يَعْتَمِدُ مِلْكَ الْعَيْنِ دُونَ الْيَدِ ، فَإِنْ قِيلَ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَنْفُذُ كَالْمَبِيعِ قُلْنَا الثَّابِتُ لِلرَّاهِنِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَالثَّابِتُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقٌّ فَقَضِيَّةُ الْحَقِيقَةِ يَسْتَدْعِي النَّفَاذَ ، وَقَضِيَّةُ الْحَقِّ يَسْتَدْعِي عَدَمَ النَّفَاذِ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْحَقِيقَةِ عَلَى الْحَقِّ ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ ا هـ كَافِي بِمَعْنَاهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطُولِبَ بِدَيْنِهِ لَوْ حَالًّا ) أَيْ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ الرَّاهِنُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالدَّيْنِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِالرَّهْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِدَيْنِهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَيَكُونُ إيفَاءً وَاسْتِيفَاءً فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ الْعَبَدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ ) أَيْ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَتُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ يَعْنِي إذَا كَانَ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ وَفِي التَّضْمِينِ فَائِدَةٌ ، وَهِيَ حُصُولُ الِاسْتِيثَاقِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فَيَحْبِسُهَا إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ ، فَإِذَا حَلَّ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَسُلِّمَتْ لَهُ رَقَبَتُهُ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعْتِقِ لِعُسْرَتِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهَذَا الْعِتْقِ كَمَا فِي عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ إذْ الضَّمَانُ بِالْخَرَاجِ وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ ثُمَّ يَقْضِي بِالسِّعَايَةِ الدَّيْنَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ صُرِفَ بِجِنْسِهِ فَيَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا كَانَتْ السِّعَايَةُ رَهْنًا عِنْدَهُ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ قُضِيَ بِهِ الدَّيْنُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَالِّ ، وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ وَإِلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الرَّهْنِ

وَإِلَى الدَّيْنِ فَيُسْتَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ ) أَيْ يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِالسِّعَايَةِ عَلَى مَوْلَاهُ إذَا أَيْسَرَ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى فِي الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي ضَمَانًا وَاجِبًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِتَكْمِيلِهِ عِنْدَهُمَا وَهُنَا يَسْعَى فِي ضَمَانٍ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ تَمَامِ إعْتَاقِهِ فَافْتَرَقَا ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّقَبَةِ كَانَ ثَابِتًا ، فَإِذَا حَصَلَتْ الرَّقَبَةُ لِلْعَبْدِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ بَدَلِهَا مِنْ الرَّاهِنِ ضَمِنَهَا الْعَبْدُ كَالْمَرِيضِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ كَذَا هَذَا ، ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ فِي الْمُسْتَسْعَى الْمُشْتَرَكِ فِي حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَفِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ شَرَطَ الْإِعْسَارَ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْمِلْكِ وَالثَّابِتَ لَلشَّرِيكِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَحَقُّ الْمِلْكِ أَدْنَى مِنْ حَقِيقَتِهِ فَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ فِيهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ ، وَفِي الْأَعْلَى فِي الْحَالَتَيْنِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يَسْعَى لِلْبَائِعِ فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ ، وَفِي الْمَرْهُونِ يَسْعَى لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَسْتَوْفِي مِنْ عَيْنِهِ ، وَكَذَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الرَّاهِنِ حَيْثُ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا السِّعَايَةَ فِيهَا

لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِرَهْنِ عَبْدِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ رَهَنْتُك عِنْدَ فُلَانٍ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ تَجِبُ السِّعَايَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَنَحْنُ نَقُولُ أَقَرَّ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي حَالَةِ تَمَلُّكِ التَّعْلِيقِ بِأَدَاءِ السِّعَايَةِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ حَالُ انْقِطَاعِ الْوَلَايَةِ ، وَلَوْ دَبَّرَ الرَّاهِنُ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَمْنَعُ مَا هُوَ حُكْمُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ ، وَهُوَ الْبَيْعُ وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا صَحَّ الِاسْتِيلَادُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ حَقِّ التَّمَلُّكِ كَمَا فِي جَارِيَةِ الِابْنِ وَبِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَوْلَى ثُمَّ إذَا صَحَّا خَرَجَا عَنْ الرَّهْنِ لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ إذْ لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُمَا ثُمَّ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِعْتَاقِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَاهُمَا الْمُرْتَهِنُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مَالُ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ حَيْثُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّ نَفْسِهِ ، وَلَمْ يَحْبِسْ عِنْدَهُ إلَّا قَدْرَ الْقِيمَةِ ، فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا أَدَّيَاهُ بَعْدَ يَسَارِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَاهُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى وَالْمُعْتَقُ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ ، وَقِيلَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا يَسْعَيَانِ فِي قِيمَتِهِمَا قِنًّا ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الرَّهْنِ حَتَّى يُحْبَسُ مَكَانَهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمُعَوَّضِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا لَا يَضْمَنُ فِيمَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا

أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَالًّا ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مِلْكُ الْمَوْلَى وَقَدْ قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِمَا وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ بِمَالٍ آخَرَ أُمِرَ بِقَضَائِهِ كُلِّهِ مِنْهُ فَكَذَا إذَا قَدَرَ بِكَسْبِهِمَا ، وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا الرَّاهِنُ لَمْ يَسْعَيَا إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا أَوْ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا بَعْدَ الْعِتْقِ مِلْكُهُمَا وَمَا أَدَّيَاهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعَانِ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمَوْلَى وَلَوْ أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُنْذُ عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهُ عَلَى مَالِيَّتِهِ فَيَصِحُّ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ وَلَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدُفِعَ بِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَعَى فِي مِائَةٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَوَّلِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَطُولِبَ بِدَيْنِهِ لَوْ حَالًّا ) قَالَ فِي الْكَافِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَضْمِينِ الْقِيمَةِ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ لَوَقَعَ فِعْلُهُ اسْتِيفَاءً فَلَمْ يَكُنْ فِي التَّضْمِينِ وَأَنَّهُ يَقَعُ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ حَقِّهِ فَائِدَةٌ إلَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْقِيمَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ ، وَإِنْ أَعْسَرَ الرَّاهِنُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ سِعَايَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَوْمَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ مُعْسِرًا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِدَيْنِهِ إنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ فَاسْتَسْعَاهُ ا هـ غَايَةٌ ( فَرْعٌ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ بِأَلْفٍ هِيَ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ أَوْ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَالْعَبْدُ حُرٌّ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ ، وَإِنْ أَعْسَرَ الرَّاهِنُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ سِعَايَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَوْمَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ مُعْسِرًا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِدَيْنِهِ إنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ فَاسْتَسْعَاهُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ سَعَى فِي قِيمَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ سَعَى فِي الدَّيْنِ وَكُلُّ شَيْءٍ سَعَى فِيهِ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَدَّاهُ عَنْهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ

أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ الْأَقَلَّ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ إلَّا فِيهِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ الْأَقَلَّ لَمْ يَسْلَمْ لِلْعَبْدِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ ) يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ بِالِاسْتِعَارَةِ إذَا عَجَزَ عَنْ فِكَاكِ الرَّهْنِ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ مُضْطَرًّا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى ) يَعْنِي الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَاسْتَسْعَاهُ السَّاكِتُ لَا يَرْجِعُ بِمَا سَمَّى عَلَى الْمُعْتِقِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَسْعَى لِلْبَائِعِ ) فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا ) كَمَا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَهْلِكُ بِدَيْنِهِ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مَالِكًا لِذَلِكَ الْأَقَلِّ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ ) ، وَهُوَ أَنَّ التَّدْبِيرَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لَهُ ، وَإِذَا كَانَ لَا يَمْتَنِعُ حَقِّيَّةَ الْعِتْقِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَحَقُّ الْعِتْقِ أَوْلَى ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا صَحَّا ) أَيْ التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ خَرَجَا أَيْ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَأَمَّا السِّعَايَةُ فِي الْمُدَبَّرِ فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلسِّعَايَةِ فِي الْمُعْتَقِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى مَعَ يَسَارِ الْمَوْلَى لِكَوْنِ أَكْسَابِهِ عَلَى مِلْكِهِ فَجَازَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا كَمَا جَازَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ سَائِرِ

أَمْوَالِ الرَّاهِنِ وَالثَّانِي أَنْ يَسْعَى فِي الدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِأَنَّ إكْسَابَهُ مِلْكٌ لِمَوْلَاهُ وَدَيْنُ الْإِنْسَان إذَا قُضِيَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يُقْضَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُعْتَقُ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي قَدْرِ مَا سَلِمَ لَهُ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَرْجِعُ عَلَى مَوْلَاهُ وَالْمُعْتَقُ يَرْجِعُ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ ) أَيْ بِالسِّعَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا ) أَيْ بِالسِّعَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ يُنْكِرُهُ ) أَيْ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ إلَخْ ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةَ مَالِيَّتِهِ فَيَصِحُّ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ فَيَصِحُّ ) أَيْ فَيَصِحُّ إقْرَارُ السَّيِّدِ فِيمَا لَا وَلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِيهِ وَالْوَلَايَةُ لِلسَّيِّدِ فِي الْمَالِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ ) أَيْ الْعَبْدُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِتْلَافُ الرَّاهِنِ كَإِعْتَاقِهِ ) أَيْ إذَا أَتْلَفَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ ثُمَّ الضَّمَانُ يَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ ثُمَّ تَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ حَالَ قِيَامِهِ ، فَكَذَا فِي اسْتِرْدَادِ مَا قَامَ مَقَامَهُ وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ الِارْتِهَانِ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ ، وَكَانَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ يَوْمُ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِهِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ ، وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْعَيْنِ ، فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ وَالْمَضْمُونُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ دَيْنَهُ وَرَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ رَجَعَ بِالْفَضْلِ ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ ، وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ

السِّعْرِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ ، وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ ، فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَا مُعْتَبَرًا فَكَيْفَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ سِوَى مَا ضَمِنَ بِالْإِتْلَافِ وَكَيْفَ يَكُونُ مَا انْتَقَصَ بِهِ كَالْهَالِكِ حَتَّى سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ ، وَهُوَ لَمْ يُنْتَقَصْ إلَّا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ ، وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ

( قَوْلُهُ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ أَيْ الْوَاجِبُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ الْأَجْنَبِيِّ قِيمَةُ الرَّهْنِ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ لَا قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِ الرَّهْنِ وَاحْتَرَزَ بِهَذَا عَنْ اسْتِهْلَاكِ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبَضَ ، وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ بِدُونِ الِاسْتِهْلَاكِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ الْهَلَاكِ ( قَوْلُهُ ، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْهَلَاكُ وَالِاسْتِهْلَاكُ ا هـ ( قَوْلُهُ يَوْمُ قَبْضِهِ ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ أَنَّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا جَمِيعًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ ) أَيْ الَّذِي انْتَقَصَ مِنْ الرَّهْنِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقَبْضِ الرَّهْنِ الَّذِي سَبَقَ الِاسْتِهْلَاكَ وَلَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَلِذَلِكَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النَّاقِصِ ، وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِ النَّاقِصِ كَانَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ ، وَلَيْسَ لِتَرَاجُعِ السِّعْرِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا إذَا رَدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ بَعْدَ انْتِقَاصِ قِيمَتِهِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَأَجَابَ عَنْهُ ، وَقَالَ : إنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَتَحْقِيقُ الْجَوَابِ مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ وَقَدْ مَرَّ آنِفًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ) صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَقُولُ هُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَكَيْفَ يَسْتَشْكِلُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا إلَخْ ) يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا حَالَ

قِيَامِ الْعَيْنِ أَمَّا حَالَ الْإِتْلَافِ فَهُوَ مَضْمُونٌ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ قَالَ الْقُدُورِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مَا نَصُّهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ فِي الرَّهْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِ الرَّهْنِ ، فَأَمَّا إذَا أَتْلَفَ الْعَيْنَ فَالضَّمَانُ مُتَعَلِّقٌ بِقَبْضِهَا كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِقْدَارَ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَبْضِ ا هـ وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ كَاتِبُهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَالَ بَقَاءِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قِيمَتِهِ ، وَأَمَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَخَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ بِإِعَارَتِهِ مِنْ رَاهِنِهِ ) أَيْ بِإِعَارَةِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ مِنْ رَاهِنِهِ يَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ كَانَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ ، وَقَدْ انْتَقَصَ بِالرَّدِّ إلَى صَاحِبِهِ فَارْتَفَعَ الضَّمَانُ لِارْتِفَاعِ الْمُقْتَضِي لَهُ وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ بِإِذْنِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ مَجَّانًا ) لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِرُجُوعِهِ عَادَ ضَمَانُهُ ) أَيْ بِرُجُوعِ الرَّهْنِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَادَ الضَّمَانُ حَتَّى يَذْهَبُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ لِعَوْدِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ إلَى يَدِهِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ غُرَمَائِهِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةُ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَالضَّمَانُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الرَّهْنِ رَهْنٌ ، وَلَيْسَ بِمَضْمُونٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ الضَّمَانُ ) لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِكُلٍّ أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا ) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ حَقًّا مُحْتَرَمًا إذْ هُوَ بَاقٍ عَلَى الرَّهْنِيَّةِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَلَى الرَّهْنِ ثُمَّ لَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ثَانِيًا كَانَ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لَازِمٌ لِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ

يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ وَالْإِيدَاعُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ كَالْإِعَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْعَارِيَّةِ وَالرَّهْنَ كَالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ وَبَيْعُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ وَإِجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ مِنْ الرَّاهِنِ كَالْإِعَارَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَلْزَمُ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ فَتَبْطُلُ بِهِ هَذِهِ الْعُقُودُ وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ أَعَارَهُ لِلْعَمَلِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ بِالدَّيْنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَالْيَدِ وَالضَّمَانِ ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ لِارْتِفَاعِ يَدِ الْأَمَانَةِ بِالْفَرَاغِ ، وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ أَمَانَةً لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةُ بِالِاسْتِعْمَالِ ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّهْنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْهَلَاكِ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ حَالَةَ الْعَمَلِ ، وَادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعَمَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ

( قَوْلُهُ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ ) ؛ وَلِأَنَّهُ تَلِفَ فِي يَدِ مَالِكِهِ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ عَلَى غَيْرِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا ) قَيَّدَ بِالْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ لِلرَّاهِنِ أَوْ أَجَرَهُ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَغَيْرِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَجَرَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ صَحَّ وَيَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ بِذَلِكَ وَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ ، وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ مَا نَصُّهُ : وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ إذَا جَدَّدَ الْقَبْضَ لِلْإِجَارَةِ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَلَمْ يَحْبِسْهُ عَنْ الرَّاهِنِ هَلَكَ أَمَانَةً وَلَا يَذْهَبُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَلَوْ حَبَسَهُ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ صَارَ غَاصِبًا ا هـ ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ جَوَازِ إجَارَةِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَوْ أَجَرَهُ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةً ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعَارَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ وَفِي الْإِيضَاحِ أَجَرَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الرَّهْنِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَإِذَا لَزِمَ الْعَقْدُ انْتَفَى الرَّهْنُ ا هـ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ أَجَرَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِ الرَّهْنِ ، وَكَذَلِكَ الرَّاهِنُ إذَا

آجَرَهُ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ وَأَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ أَجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ فَأَجَازَهُ الرَّاهِنُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ إلَخْ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا بَاشَرَ أَحَدُهُمَا الْإِجَارَةَ أَوْ الْبَيْعَ أَوْ الْهِبَةَ وَمَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ وُصُولِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَازِمَةٌ فَبَطَلَ بِهَا عَقْدُ الرَّهْنِ فَكَانَ الْمُرْتَهِنُ وَسَائِرُ الْغُرَمَاءِ سَوَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ فَمَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَخَصَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ لَازِمٍ فَلَمْ يَبْطُلْ بِهَا الرَّهْنُ ، وَإِذَا بَطَلَ الرَّهْنُ بِالْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ انْفَسَخَتْ لَمْ يَعُدْ الرَّهْنُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَقَبْضٍ ؛ لِأَنَّهُ انْفَسَخَ بِطَرَيَانِ مَا يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا إلَخْ ) كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ قَضَاءٌ الدَّيْنِ بِمَالِهِ ) أَيْ بِمَالِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ وَهُوَ الشَّخْصُ الْمُتَبَرِّعِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ ، وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَنْفَصِلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ زَوَالًا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُزِيلُ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ ثُمَّ يَكُونُ رَهْنًا بِمَا رَهَنَهُ بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ خُصُوصًا فِي الْعَارِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا غَيْرُ مُفْسِدَةٍ لِكَوْنِهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ عَيَّنَ قَدْرًا أَوْ جِنْسًا أَوْ بَلَدًا فَخَالَفَ ضَمَّنَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ ) أَيْ لَوْ عَيَّنَ الْمُعِيرِ قَدْرَ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ أَوْ جِنْسَهُ أَوْ الْبَلَدَ الَّذِي يَرْهَنُهُ فِيهِ فَخَالَفَ كَانَ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ قِيمَتَهُ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ فَصَارَ الرَّاهِنُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ ، وَهُوَ يَنْفِي الزِّيَادَةَ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ ، وَيَنْفِي النُّقْصَانَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَكْثَرِ بِمُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْكَثِيرِ وَالنُّقْصَانُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ إلَّا إذَا عَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالْكَثِيرِ حَاصِلٌ بِذَلِكَ مَعَ تَيَسُّرِ أَدَائِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِهِ فَتَعْيِينُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ

بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لِتَعَسُّرِ أَدَائِهِ ، وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْجِنْسِ وَالشَّخْصِ وَالْبَلَدِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيَسُّرِ بَعْضِ الْأَجْنَاسِ فِي التَّحْصِيلِ دُونَ بَعْضٍ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ وَالْبُلْدَانِ فِي الْحِفْظِ وَالْأَمَانَةِ فَيَضْمَنُ بِالْمُخَالَفَةِ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ تَمَّ عَقْدُ الرَّهْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدِّينِ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَافَقَ وَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ) لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ وَبِالْهَلَاكِ يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ فَسَقَطَ الدَّيْنُ عَنْ الرَّاهِنِ وَيَضْمَنُ لِلْمُعِيرِ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ دَيْنَهُ إنْ كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا ، وَإِلَّا يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَكَذَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بِعَيْبٍ أَصَابَهُ يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ ، وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ افْتَكَّهُ الْمُعِيرُ لَا يَمْتَنِعُ الْمُرْتَهِنُ إنْ قَضَى دَيْنَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ مِلْكِهِ ؛ وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ فَصَارَ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ الرَّاهِنِ فَيُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْقَبُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى الْأَجْنَبِيُّ الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذْ لَا يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلَا فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَكَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بَلْ هُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ إذَا افْتَكَّهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ بِهِ أَكْثَرَ لَا يَرْجِعُ

بِالزَّائِدِ عَلَى قِيمَتِهِ ، وَهَذَا مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ تَخْلِيصَ الرَّهْنِ لَا يَحْصُلُ بِإِيفَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ ، فَكَانَ مُضْطَرًّا وَبِاعْتِبَارِ الِاضْطِرَارِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ مَعَ بَقَاءِ الِاضْطِرَارِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ تَخْلِيصُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَدَاءِ الدَّيْنِ كُلِّهِ إذْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ عِنْدَ الرَّاهِنِ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ بَعْدَ مَا افْتَكَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ ، وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِيفَاءَ بِمَالِهِ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِيفَاءِ عَنْهُ وَلَا يُقَالُ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُعِيرِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ وُجِدَ بِالرَّهْنِ وَالرَّاهِنُ يَدَّعِي فَسْخَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الرَّهْنُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَإِنَّمَا يُوجِبُهُ الْإِيفَاءُ بِهِ ؛ وَلِهَذَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ يُوجِبُهُ لَضَمِنَ كُلَّهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْأَصْلَ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا فِي إنْكَارِهِ الْوَصْفَ وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِدَيْنٍ مَوْعُودٍ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ وَقِيمَتُهُ وَالْمُسَمَّى سَوَاءٌ ضَمِنَ قَدْرَ الْمَوْعُودِ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ كَالْمَوْجُودِ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَسَلَامَةِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْهُ ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُعِيرُ جَازَ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الرَّقَبَةِ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ

الْمُعِيرَ قِيمَتَهُ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ أَتْلَفَهُ بِالْإِعْتَاقِ فَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ ، فَيَرُدَّ إلَى الْمُعِيرِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعَيْنِ ، فَأَخَذَتْ حُكْمَ الْعَيْنِ ، وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لِيَرْهَنَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ ثُمَّ قَضَى الْمَالَ ، فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِهِ وَرَدَّ عَلَى الرَّاهِنِ مَا قَبَضَهُ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ بِالرَّهْنِ وَضَمِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ قَدْرَ مَا صَارَ بِهِ مُوفِيًا دَيْنَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَهَنَهُ أَزَالَ التَّعَدِّيَ ، وَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ ، فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّهْنِ وَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الرَّاهِنِ بَعْدَ الِاسْتِرْدَادِ لَا يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَادَ إلَى حُكْمِ الرَّهْنِ ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ بَعْدَ الِاسْتِرْدَادِ ثُمَّ تَرَكَهُ ثُمَّ هَلَكَ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَمِينٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ لَا حُكْمُ الْعَارِيَّةُ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الْعَارِيَّةُ بِالْفِكَاكِ فَصَارَتْ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ عَامِلًا لِلْمَالِكِ بِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ فَإِذَا تَعَدَّى لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إلَى يَدِ الْمَالِكِ عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : يَبْرَأُ الْمُسْتَعِيرُ إذَا زَالَ التَّعَدِّي كَالْوَدِيعَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ هُوَ بِمَسْأَلَةِ الْمُسْتَعِيرِ لِلرَّهْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ فَلَا يَبْقَى حُجَّةٌ لَهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَلَوْ مَاتَ مُسْتَعِيرُ الرَّهْنِ مُفْلِسًا فَالرَّهْنُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ وَلَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَا الْمُعِيرِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَوْ أَرَادَ الْمُعِيرُ الْبَيْعَ وَأَبَى الْمُرْتَهِنُ مِنْ بَيْعِهِ بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ إذَا كَانَ

فِيهِ وَفَاءٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ ، وَقَدْ حَصَلَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ لَمْ يُبَعْ إلَّا بِرِضَاهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْحَبْسِ مَنْفَعَةً فَلَعَلَّ الْمُعِيرَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الرَّهْنِ فَيُخَلِّصُهُ بِالْإِيفَاءِ أَوْ تَزْدَادُ قِيمَتُهُ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فَيَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقَّهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُعِيرُ مُفْلِسًا ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِقَضَاءِ دَيْنِ نَفْسِهِ ، وَيَرُدُّ الرَّهْنَ لِيَصِلَ كُلُّ ذِي حَقٍّ إلَى حَقِّهِ ، وَإِنْ عَجَزَ لِفَقْرِهِ فَالرَّهْنُ عَلَى حَالِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُعِيرُ حَيًّا ، وَلِوَرَثَتِهِ أَخْذُهُ إنْ قَضَوْا دَيْنَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَرِّثِ ، فَإِنْ طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُعِيرِ وَوَرَثَتُهُ بَيْعَهُ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِيعَ ، وَإِلَّا فَلَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ كَمَا مَرَّ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ كَانَ الْفَاضِلُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَفِ بِدَيْنِ غُرَمَاءِ الْمُعِيرِ لَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَإِنْ كَانَ يَفِي بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ

( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَوْ عَيْنُ الْمُعِيرِ إلَخْ ) كَانَ ضَامِنًا قِيمَةَ الثَّوْبِ الْمُسْتَعَارِ لِلرَّهْنِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَيَفْسَخَ الرَّهْنَ فِيهِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ عَارِيَّةٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي هَذَا الرَّهْنِ صَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ ا هـ غَايَةٌ فَرْعٌ كَثِيرُ الْوُقُوعِ : قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا عِنْدَهُ ا هـ ، وَإِنْ بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ ضَامِنًا ا هـ قَاضِيخَانْ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ ) أَيْ تَقْيِيدَ الْمُعِيرِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ ا هـ ( قَوْلُهُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ ) أَيْ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى فِكَاكِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ ) أَيْ الزِّيَادَةَ عَلَى الْقِيمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ ثُمَّ عَقَدَ الرَّهْنَ إلَخْ ) لِي فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ إذْ الْقَبْضُ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ ، وَإِنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْمُخَالَفَةِ ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ قَبْلَهُ فَيَقْتَصِرُ مِلْكُهُ عَلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ وَافَقَ وَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي ، وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ بِعَشْرَةٍ فَرَهَنَهُ بِعَشْرَةٍ وَقِيمَةُ الثَّوْبِ عَشْرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الْمَالُ عَنْ

الرَّاهِنِ وَوَجَبَ مِثْلُهَا لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ اقْتِضَاءِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ الْمُعِيرُ مُقْرِضًا مِثْلَهُ مِنْ الرَّاهِنِ وَيَرْجِعُ بِمِثْلِهِ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ ) أَيْ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعَيْبِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَلَى قِيمَتِهِ ) بَيَانُهُ إذَا أَعَارَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَتَيْنِ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ بِمِائَتَيْنِ رَجَعَ بِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِهَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَا إذَا قَضَى بِنَفْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي قَضَاهَا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى خَلَاصِ عَبْدِهِ إلَّا بِقَضَاءِ الْجَمِيعِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمُرْتَهِنِ بِالْهَلَاكِ كَاسْتِيفَائِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَلَا يَرْجِعُ الْمُعِيرُ إذَا وَفَّى بِالْمُبَاشَرَةِ إلَّا بِمَا يَرْجِعُ بِهِ إذَا وَفَّى مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ ) يَعْنِي قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ هَلَكَ قَبْلَ الْفِكَاكِ وَقَالَ الرَّاهِنُ هَلَكَ بَعْدَ الْفِكَاكِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَرَمٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَالِكٌ ، وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ فَيَضْمَنُهُ وَالْمُرْتَهِنُ حَقُّهُ لَازِمٌ مُحْتَرَمٌ وَتَعَلُّقُ مِثْلِهِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ ؛ وَلِهَذَا يُمْنَعُ الْمَرِيضُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ يَأْخُذُ الضَّمَانَ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَحْبِسُهُ بِالدَّيْنِ ، فَإِذَا حَلَّ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَإِلَّا حَبَسَهُ بِدَيْنِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَجِنَايَتُهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَالِهِمَا هَدَرٌ ) أَيْ جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ، وَعَلَى مَالِهِمَا هَدَرٌ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَالْمُرَادُ بِهِ جِنَايَةٌ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُهُ فَمُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَمَّا لِلْمُرْتَهِنِ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ وَكَذَا الْوَلِيُّ ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ فِي حَقِّ الدَّمِ إذْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ بَاطِلٌ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ بِهَا جَائِزٌ ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا يُوجِبُ الْمَالَ عَلَى عَكْسِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ صَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فَأَفَادَ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى وَمُسْتَحَقٌّ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهَا إذْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَيْثُ تُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي

حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ مُسْتَنِدًا حَتَّى يَكُونُ الْكَفَنُ عَلَيْهِ ، فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ فَاعْتُبِرَتْ ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ جِنَايَةُ الرَّهْنِ مُوجِبَةً لِلدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ لَا دَفْعَ الرَّقَبَةِ بِأَنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْآدَمِيِّ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِدَفْعِ الرَّقَبَةِ بِأَنْ كَانَتْ عَلَى الْآدَمِيِّ فِي النَّفْسِ خَطَأً أَوْ فِيمَا دُونَهَا ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَمُعْتَبَرَةٌ ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهَا فَائِدَةَ تَمَلُّكِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مَالِكٍ حَقِيقَةً ، فَكَانَتْ جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ جِنَايَةً عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ غَيْرَ أَنَّهَا سَقَطَتْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ دَفْعَ الْعَبْدِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَهَذَا أَفَادَتْ مِلْكَ رَقَبَةِ الْعَبْدِ ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ يَسْقُطُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَارُ مِلْكَ رَقَبَةِ الْعَبْدِ ، وَرُبَّمَا يَكُونُ بَقَاءُ الدَّيْنِ أَنْفَعَ لَهُ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ أَخْذَهُ وَوَافَقَهُ الرَّاهِنُ عَلَى ذَلِكَ أَبْطَلَا الرَّهْنَ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ يُوجِبُ هَلَاكَهُ عَلَى الرَّاهِنِ فَيَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ جَنَى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ، فَدَفَعَ بِهَا سَقَطَ الدَّيْنُ ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْجِنَايَةَ ، فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ مِنْ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبَ الضَّمَانِ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْغَاصِبِ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ

وَمَا ذَكَرَا مِنْ الْفَائِدَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَا يَسْتَبِدُّ بِأَخْذِهِ وَقَدْ لَا يَخْتَارُ هُوَ الدَّفْعَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْفِدَاءِ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ بِحِسَابِهَا ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ أَمَانَةٌ فَصَارَ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمُودَعِ ، وَلَوْ جَنَى الرَّهْنُ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى ابْنِ الْمُرْتَهِنِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى يُدْفَعَ بِهَا أَوْ يُفْدَا ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَالِ يُبَاعُ كَمَا إذَا جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ إذْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ

قَوْلُهُ وَالْمُرْتَهِنُ حَقُّهُ لَازِمٌ إلَخْ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا ا هـ وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ رَاجِعٌ إلَى الرَّهْنِ وَفِي دَيْنِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَفِي بِقَدْرِهَا إلَى الْجِنَايَةِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَمَنْ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ ، وَإِذَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَكَانَ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ سَقَطَ مِنْ الضَّمَانِ بِقَدْرِهِ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ كَانَ أَمَانَةً ، وَإِنَّمَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِعَقْدِ الرَّهْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ إذَا أَتْلَفَهَا الْمُودَعُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَجَنَى عَلَى الرَّاهِنِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا فَهُوَ هَدَرٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ : وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَحُكْمُ جِنَايَةِ الْخَطَأِ حُكْمُ الدَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ أَنْ يُقِرَّ عَلَيْهِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَلَا يَقْبَلُ إقْرَارَ الْعَبْدِ بِهِمَا فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَثْبُتْ الْآخَرُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ جِنَايَةُ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ وَلَا تَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَصَارَ الْمَوْلَى مَعَهُ فِيهَا كَالْأَجْنَبِيِّ ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ جِنَايَتُهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّهِ جَعَلَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فَلَا فَائِدَةَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَلَيْسَ هَذَا كَجِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ ضَمَانًا يَتَعَلَّقُ بِهِ

التَّمْلِيكُ فَصَارَ كَعَقْدِ الْغَاصِبِ وَالرَّهْنُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْكَافِي : قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ ثُمَّ جِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فَهَذَا كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ مَضْمُونٌ لِغَيْرِهِ وَعَيْنُهُ أَمَانَةٌ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَقَضِيَّةُ وَصْفِ الْأَمَانَةِ أَنْ تَكُونَ جِنَايَةً هَدَرًا وَلِهَذَا كَانَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ هَدَرًا ، وَإِنْ كَانَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فَهَذَا كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَى مَمْلُوكِهِ وَمَتَاعِهِ ، وَأَمَّا إذَا جَنَى الرَّهْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ هَدَرٌ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ثَابِتَةٌ إذَا كَانَتْ فِي بَنِي آدَمَ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَا الرَّهْنَ وَدَفَعَاهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ قَالَ لَا أَطْلُبُ الْجِنَايَةَ فَيَكُونُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ ) التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ جَنَى الرَّهْنُ إلَخْ ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي أَنَّ جِنَايَةَ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ هَدَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ جِنَايَتِهِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ ، فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ وَغَرِمَ مِائَةً وَحَلَّ الْأَجَلُ فَالْمُرْتَهِنُ يَقْبِضُ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ ) وَأَصْلُهُ أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عِنْدَ رَدِّهِ نَاقِصًا بِالسِّعْرِ خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ انْتَقَصَتْ فَأَشْبَهَ انْتِقَاصَ الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْبَيْعِ إذَا حَصَلَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَا فِي الْغَصْبِ حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِالسِّعْرِ عِنْدَ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهُ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ إذْ الْيَدُ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ بَقِيَ مَرْهُونًا بِكُلِّ الدَّيْنِ فَإِذَا قَتَلَهُ حُرٌّ غَرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّ الْجَابِرَ بِقَدْرِ الْفَائِتِ وَأَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ ، وَإِنْ كَانَ مُقَابَلًا بِالدَّمِ عَلَى أَصْلِنَا حَتَّى لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ الْمَالِيَّةِ ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ ، فَكَذَا فِيمَا قَامَ مَقَامَهُ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ وَقِيمَتُهُ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ أَلْفًا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ نَقُولُ : لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَلْفِ بِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا

لِمِائَةٍ وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ فِي الْعَيْنِ فَإِذَا هَلَكَتْ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِتِسْعِمِائَةٍ بِالْهَلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ بِالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَلْفِ بِمِائَةٍ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَجَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا لِتِسْعِمِائَةٍ بِالْعَبْدِ الْهَالِكِ ، وَهُوَ الْمَقْتُولُ وَالْمِائَةُ بِالْمِائَةِ قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ بِأَمْرِهِ قَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ ، وَرَجَعَ بِتِسْعِمِائَةٍ ) أَيْ لَوْ بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الْعَبْدَ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ ، وَكَانَ رَهْنًا بِأَلْفٍ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ تِلْكَ الْمِائَةَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ قَضَاءً لِحَقِّهِ ، وَرَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الرَّهْنُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى فَكَذَا هُنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، فَدُفِعَ بِهِ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ ) ، وَهُوَ الْأَلْفُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ إلَّا أَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا بِقَدْرِ الْعَشْرِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَانْتَقَصَ بِالسِّعْرِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ ، وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَرْهُونَ تَغَيَّرَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَيُخَيَّرُ الرَّاهِنُ كَالْمَبِيعِ

وَالْمَغْصُوبِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا وَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَاتِلَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ وَرَجَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ ، وَلَهُمَا أَنَّ التَّغَيُّرَ لَمْ يَظْهَرْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامِ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا كَمَا ذَكَرْنَا مَعَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَيْنُ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ؛ وَلِأَنَّ جَعْلَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ } الْحَدِيثَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْغَصْبِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الْفَسْخُ ، وَفِي الْغَصْبِ تَمْلِيكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ، وَهُمَا مَشْرُوعَانِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَ بِهِ ، وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَمْلِكُ الدَّفْعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ ، وَلَوْ فَدَاهُ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ ، وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ قِيلَ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَأَيَّهُمَا فَعَلَ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ هَلَكَ بِالدَّفْعِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَكَذَا بِالْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ وَلَدِ الرَّهْنِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا حَيْثُ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ ابْتِدَاءً بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا دَفَعَ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ

وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ ابْتِدَاءً فَإِنْ فِدَاهُ فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أُمِّهِ عَلَى حَالِهِمَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ ، فَإِنْ أَدَّاهُ الْمُرْتَهِنُ فَدَيْنُ نَفْسِهِ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْفِدَاءِ ، وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ بِعْهُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ فَإِنْ أَدَّى بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَبِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ يَأْخُذُ صَاحِبُ دَيْنِ الْعَبْدِ دِينَهُ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ حَقَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى ، وَكَذَا عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا يُقَدَّمُ دَيْنُ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي مِلْكِ الْعَيْنِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ وَدَيْنُ غَرِيمِ الْعَبْدِ مِثْلُ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ اُسْتُحِقَّتْ بِمَعْنًى هُوَ فِي ضَمَانِهِ فَأَشْبَهَ الْهَلَاكَ ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْهُ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِهِ وَمَا فَضَلَ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ ثُمَّ إنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ قَدْ حَلَّ أَخْذُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحِلَّ ثُمَّ يَأْخُذُهُ إذَا حَلَّ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لَا يَفِي بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الثَّمَنَ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَعْتِقَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ إذَا أَدَّى الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ هَذَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا

وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيلَ لَهُمَا افْدِيَاهُ أَوْ ادْفَعَاهُ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ مَضْمُونٌ وَالْبَعْضُ أَمَانَةٌ وَالْفِدَاءُ فِي الْمَضْمُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الدَّفْعِ دَفَعَاهُ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ وَالدَّفْعُ لَا يَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَإِنَّمَا لَهُ التَّخْلِيصُ بِالْفِدَاءِ ؛ وَلِهَذَا يُطْلَبُ رِضَاهُ فِي الدَّفْعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَخْتَارَ الْفِدَاءَ ، وَإِنْ تَشَاحَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ قَالَ أَنَا أَفْدِي أَيَّهُمَا كَانَ أَمَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ ؛ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفِدَاءِ الَّذِي يَخْتَارُهُ إبْطَالُ حَقِّ الرَّاهِنِ وَفِي الدَّفْعِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّاهِنُ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا فِي حِصَّةِ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَخْتَارَهُ فَيُخَاطِبُ الرَّاهِنَ فَلَمَّا الْتَزَمَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ خِطَابُهُ وَالْمُرْتَهِنُ مُحْتَاجٌ إلَى إصْلَاحِ الْمَضْمُونِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِصْلَاحِ الْأَمَانَةِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْمُرْتَهِنُ مُتَطَوِّعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فَدَى مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُخْتَارُ لِلْفِدَاءِ هُوَ الرَّاهِنُ ؛ فَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَيْسَ لَهُ وَلَايَةُ الدَّفْعِ فَكَيْفَ يَخْتَارُهُ وَلِأَنَّ فِي الدَّفْعِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمُرْتَهِنُ تَفْوِيتَ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَحْصُلُ لَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَسْقُطُ بِالدَّفْعِ كَمَا يَسْقُطُ بِفِدَاءِ الرَّاهِنِ ثُمَّ إذَا أَفْدَاهُ الرَّاهِنُ يُحْتَسَبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ حِصَّةُ

الْمَضْمُونِ مِنْ الْفِدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ أَمْرٌ لَازِمٌ دُفِعَ أَوْ فُدِيَ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ صَارَ هَالِكًا فَإِذَا فَدَاهُ صَارَ كَأَنَّهُ حَصَّلَهُ بِالْفِدَاءِ ، فَلَمْ يُجْعَلْ الرَّاهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ مِنْ الْفِدَاءِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ ، وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ فِي حِصَّةِ الْأَمَانَةِ كَانَ عَلَيْهِ ، وَفِي حِصَّةِ الْمَضْمُونِ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، فَإِذَا أَدَّاهُ الرَّاهِنُ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَطَوِّعٍ فِيهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ كَأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَهُ فَيَبْقَى الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ بِخِلَافِ مَا إذَا فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ حَيْثُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي حَالِ حَضْرَةِ الرَّاهِنِ لَا فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَعَنْ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى عَكْسِهِ بِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ حَاضِرًا ، فَالْمُرْتَهِنُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الْفِدَاءِ ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَانَ مُتَطَوِّعًا فِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَا يُخَاطِبُ الْمُرْتَهِنَ فِي حَالِ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّفْعِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الْعَبْدِ مِنْهُ مَا لَمْ يَحْضُرْ الرَّاهِنُ ، فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى الْفِدَاءِ ، فَإِذَا فَدَاهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا وَأَمَّا فِي حَالَةِ حَضْرَتِهِ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يُخَاطِبُهُمَا بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا يَتَوَصَّلُ الْمُرْتَهِنُ إلَى اسْتِدَامَةِ يَدِهِ إلَّا بِالْفِدَاءِ ، فَكَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا كَمُعِيرِ الرَّهْنِ وَصَاحِبِ الْعُلُوِّ إذَا بَنَى السُّفْلَ ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ عُلُوَّهُ وَكَذَا فِي جِنَايَةِ وَلَدِ الرَّهْنِ إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَنَا أَفْدِي كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ يَخْتَارُ الدَّفْعَ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَهُوَ مَحْبُوسٌ

بِدَيْنِهِ ، وَلَهُ فِي الْفِدَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مِنْ زِيَادَةِ الِاسْتِيثَاقِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الرَّاهِنِ ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ( قَوْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ ) ، وَإِذَا انْتَقَصَ مِنْ عَيْنِهِ شَيْءٌ ذَهَبَ قِسْطُهُ مِنْ الدَّيْنِ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ فَدَاهُ طَهُرَ ) طَهُرَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ الْمَحَلُّ ) ، وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ الْجِنَايَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ ) فَلَوْ أَنَّهُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ لَرَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ يَأْخُذُ صَاحِبُ ) أَيْ الَّذِي اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا يُقَدَّمُ دَيْنُ الْعَبْدِ إلَخْ ) أَيْ قِيمَةُ الْمُسْتَهْلَكِ ا هـ قَالَ الْقُدُورِيُّ : وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَحَقَّ وَلِيِّ دَيْنِ الْعَبْدِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ ) يَعْنِي إنْ كَانَ مَا أَخَذَهُ غَرِيمُ الْعَبْدِ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ مِثْلَ مَا لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بَطَلَ قَدْرُ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَا فَضَلَ ) أَيْ وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ مِنْ دَيْنِهِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لَا يَفِي بِدَيْنِ الْغَرِيمِ ) أَيْ الَّذِي اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ ، وَهُوَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ تَشَاحَّا ) أَيْ فِي الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي ، وَلَوْ كَانَ الْمُوصِي حَيًّا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ ، فَكَذَا الْوَصِيَّةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَّبَ لَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ ) وَفِعْلُ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَجَزُوا عَنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَقَدْ تَعَيَّنَ النَّظَرُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَيَسْتَوْفِيَ حُقُوقَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمٍ لَهُ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ ؛ لِأَنَّهُ إيثَارٌ لِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَأَشْبَهَ الْإِيثَارَ بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَالْجَامِعُ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَيِّتَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ ، وَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ اعْتِبَارًا بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ قَبْلَ الرَّهْنِ ، فَكَذَا بَعْدَهُ ، وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ فَيَمْلِكُهُ ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إنْ وَكَّلَ وَإِلَّا فَلَا إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَكَذَا لَوْ ارْتَهَنَ الْمُوصِي وَمَاتَ قَامَ الْوَصِيُّ مَقَامَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِقَوْلُهُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَنْ رَهَنَ عِنْدَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ ا هـ .

( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ بِعَشْرَةٍ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ ، وَهُوَ يُسَاوِي عَشْرَةً فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشْرَةٍ ) ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ بَقَاءً يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ بَقَاءً كَمَا أَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ ابْتِدَاءً وَالْخَمْرُ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ بَقَاءً أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ فِيهَا إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ لِتَغَيُّرِ وَصْفِ الْمَبِيعِ كَمَا إذَا تَعَيَّبَ ، فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ بَقَاءً وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا فَإِذَا تَخَمَّرَ ، فَقَدْ فَسَدَ لَكِنْ بِالتَّخَلُّلِ يَعُودُ الْعَقْدُ صَحِيحًا لِعَوْدِ الْمَالِيَّةِ الْمُتَقَوِّمَةِ فِيهَا وَزَوَالِ الْمُفْسِدِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهُوَ وَيُسَاوِي عَشْرَةً يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ الْقِيمَةُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ ، وَفِيهِمَا نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا مَرَّ فِي انْكِسَارِ الْقَلْبِ ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ الْفَائِتَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ وَفَوَاتُ شَيْءٍ مِنْ الْوَصْفِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ نَقَصَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدْرِ سَقَطَ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِلَّا فَلَا

( فَصْلٌ ) هَذَا الْفَصْلُ بِمَنْزِلَةِ فَصْلِ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ الْكُتُبِ فَلِذَلِكَ أَخَّرَهُ اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَ فِيمَا سَبَقَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَمَا أَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ : ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ عَقْدُ تَمْلِيكٍ يَدًا ، فَإِذَا مَلَكَ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ رَقَبَةً وَيَدًا أَوْلَى أَنْ يَمْلِكَهُ يَدًا ا هـ ذَكَرَهُ فِي الرَّهْنِ ( قَوْلُهُ لِعَوْدِ الْمَالِيَّةِ الْمُتَقَوِّمَةِ فِيهَا إلَخْ ) فَكَانَ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَنْتَقِصْ مِنْ مِقْدَارِهِ بِالتَّخَمُّرِ وَالْغَالِبُ النُّقْصَانُ ، فَإِذَا انْتَقَصَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْن بِقَدْرِهِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِنُقْصَانِ الْمِقْدَارِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَصَ سِعْرُهُ لَا مِقْدَارُهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لَكِنَّ الرَّاهِنَ يَتَخَيَّرُ كَمَا إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ رَهْنًا عِنْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ كَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَإِنْ لَمْ تُنْتَقَصْ قِيمَتُهُ لَا يُخَيَّرُ فِيهِ فَيَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الْجَبْرِ عَلَى الْفِكَاكِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا ) قَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ الشَّارِحِ قُلْت الْقِيمَةُ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ بِازْدِيَادِ الْقَدْرِ وَنُقْصَانِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشْرَةٌ فَمَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا ، وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ ) لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ ، وَإِذَا جَنَى بَعْضُ الْمَحَلِّ يَعُودُ الْحُكْمُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدُبِغَ جِلْدُهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالْمَفْسُوخُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَيَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَقُولُ يَعُودُ الْبَيْعُ صَحِيحًا ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمئِذٍ دِرْهَمَيْنِ كَانَ الْجِلْدُ رَهْنًا بِدِرْهَمَيْنِ ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّقْوِيمِ بِأَنْ تُقَوَّمَ الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ ثُمَّ تُقَوَّمُ مَسْلُوخَةً ، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا هُوَ قِيمَةُ الْجِلْدِ هَذَا إذَا كَانَتْ الشَّاةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةً ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ الْجِلْدُ أَيْضًا بَعْضُهُ أَمَانَةٌ بِحِسَابِهِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ قَالُوا هَذَا إذَا دَبَغَهُ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ وَإِنْ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ ثَبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِهِ بِمَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ ثُمَّ قِيلَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ حَتَّى إذَا أَدَّى الرَّاهِنُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ أَخَذَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَدَثَ الدَّيْنُ الثَّانِي وَصَارَ بِهِ مَحْبُوسًا حُكْمًا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ حُكْمًا ، فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَهُ حَقِيقَةً بِأَنْ رَهَنَ الرَّهْنَ بِدَيْنٍ آخَرَ غَيْرَ مَا كَانَ مَحْبُوسًا بِهِ ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالثَّانِي فَكَذَا هَذَا ، وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَا هُوَ

فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا هُوَ دُونَهُ كَالْمَبِيعِ بِأَلْفٍ إذَا بَاعَهُ ثَانِيًا مِنْهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ دُونَهُ وَالرَّهْنُ بِالثَّانِي هُنَا دُونَ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ حَبْسَ الْجِلْدِ بِالْمَالِيَّةِ الَّتِي اتَّصَلَتْ بِالْجِلْدِ بِحُكْمِ الدِّبَاغِ وَتِلْكَ الْمَالِيَّةُ تَبَعٌ لِلْجِلْدِ ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لَهُ وَالْوَصْفُ دَائِمًا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ ، وَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ رَهْنٌ بِمَا هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ ، وَلَيْسَ بِتَبَعٍ لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ الدَّيْنُ ، فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَيَثْبُتُ الثَّانِي أَيْضًا ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَدْ تَحَقَّقَ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّ رَدَّهُمَا مُمْكِنٌ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِمَا ، وَلَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَجُعِلَ بِالدَّيْنِ ثُمَّ عَادَ يَعُودُ الدَّيْنُ وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَعُودُ بَلْ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ مَلَكَهُ كَالْمَغْصُوبِ يَعُودُ بَعْدَ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ قُلْنَا إنَّ الرَّهْنَ لَا يُمْلَكُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا يَقَعُ بِقَبْضِهِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ فَإِذَا عَادَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فَبَقِيَ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِهِ الْعَيْنُ أَنَّ كَفَنَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الشَّاةِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ تَأَكَّدَ عَقْدُ الرَّهْنِ ، فَإِذَا عَادَتْ الْمَالِيَّةُ بِالدِّبَاغِ صَادَفَتْ عَقْدًا قَائِمًا فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ بِقِسْطِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ قَالُوا فِي الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ دُبِغَ جِلْدُهَا ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَعُودُ وَلَا نَصَّ فِيهِ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْحَاصِلُ هُنَا مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْكَافِي أَنَّ لِعُلَمَائِنَا فِيهِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَطَلَ أَصْلًا لِانْعِدَامِ مَحَلِّيَّةِ الرَّهْنِ بِهَلَاكِ الشَّاةِ ثُمَّ عَادَ حُكْمُ الرَّهْنِ بِقَدْرِ الْجِلْدِ ؛ لِأَنَّهُ حَيِيَ هَذَا الْقَدْرَ وَلَوْ حَيِيَ كُلُّهُ يَعُودُ كُلُّ الرَّهْنِ فَإِذَا حَيِيَ بَعْضَهُ يَعُودُ بِقَدْرِهِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ فِي قَدْرِ الْجِلْدِ ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَحَلِّيَّةِ قَائِمٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَكَانَ فِي بَقَاءِ الرَّهْنِ فَائِدَةٌ فَيَتَوَقَّفُ فِيهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَعُودُ الْبَيْعُ ) وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعُودُ لِمَا بَيَّنَّا ا هـ كَافِي

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنَمَاءُ الرَّهْنِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ لِلرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ ، وَالرَّهْنُ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْجَانِيَةِ حَيْثُ لَا يَسْرِي حُكْمُ الْجِنَايَةِ إلَى الْوَلَدِ وَلَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ حَتَّى يَنْفَرِدُ الْمَالِكُ بِإِبْطَالِهِ بِالْفِدَاءِ وَبِخِلَافِ وَلَدِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْكَفِيلَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ وَوَلَدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ حَقُّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ وَفِي الْكَفَالَةِ الْحَقُّ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَالْوَلَدُ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الذِّمَّةِ وَفِي الْغَصْبِ السَّبَبُ إثْبَاتُ يَدِ الْعَادِيَةِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمُحِقَّةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْوَلَدِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِيهِ تَبَعًا ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَالتَّبَعِيَّةُ تَجْرِي فِي الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَفِي الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا الْمُسْتَحَقُّ لَهُ الْخِدْمَةُ ، وَهِيَ مَنْفَعَةٌ وَالْوَلَدُ غَيْرُ صَالِحٍ لَهَا قَبْلَ الِانْفِصَالِ ، فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا وَبَعْدَهُ لَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا أَيْضًا بَعْدَ أَنْ انْعَقَدَ غَيْرَ مُوجِبٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَهْلِكُ مَجَّانًا ) أَيْ إذَا هَلَكَ النَّمَاءُ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلَ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا إذْ اللَّفْظُ لَا يَتَنَاوَلُهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ فُكَّ بِحِصَّتِهِ ) أَيْ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ ، وَبَقِيَ النَّمَاءُ يُفَكُّ الْوَلَدُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِكَاكِ وَالتَّبَعُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا يَكُونُ لَهُ قِسْطٌ كَوَلَدِ الْمَبِيعِ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ حَتَّى لَوْ

هَلَكَتْ الْأُمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَقِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ ، وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ حِصَّةُ الْأَصْلِ وَفَكَّ النَّمَاءَ بِحِصَّتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ بِالْفِكَاكِ وَالْأُمُّ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِ اعْتِبَارِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ بَعْدَ هَلَاكِ أُمِّهِ قَبْلَ الْفِكَاكِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا عِنْدَ الْفِكَاكِ ، وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَكْلِ زَوَائِدِ الرَّهْنِ بِأَنْ قَالَ مَهْمَا زَادَ فَكُلْهُ فَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ ، وَهَذِهِ إبَاحَةٌ وَالْإِطْلَاقُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَالْخَطَرِ بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَسَّمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَكَلَهَا الْمُرْتَهِنُ ، وَعَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَلِفَتْ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ بِفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ ، فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَخَذَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ فَبَقِيَ حِصَّتُهُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَ الْكَافِي وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَالْمُحِيطِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ

( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ الرَّاهِنُ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ أُمِّهِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَذَهَبَتْ الْأُمُّ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ قَبْلَ الْفِكَاكِ فَإِذَا مَاتَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَيُحْكَمُ بِأَنَّ الْأُمَّ هَلَكَتْ بِالدَّيْنِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ فُرُوعًا جَمَّةً فَلْتُنْظَرْ ثَمَّةَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ إلَخْ ) مِثَالُهُ مَا قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا شَاةً تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةٍ وَأَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْتَلِبَ لَبَنَهَا وَيَشْرَبَ مِنْهُ وَيَأْكُلَ فَفَعَلَ صَحَّ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمِلْكِ قَدْ رَضِيَ فَإِذَا حَضَرَ الرَّاهِنُ افْتَكَّ الشَّاةَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مَا أَتْلَفَهُ الْمُرْتَهِنُ فَكَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَلَوْ هَلَكَتْ الشَّاةُ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الرَّاهِنُ ثُمَّ حَضَرَ ، فَإِنَّ الدَّيْنَ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَقِيمَةِ اللَّبَنِ فَتُقْضَى حِصَّةُ اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُرْتَهِنِ نُقِلَ إلَى الرَّاهِنِ فَصَارَ الرَّاهِنُ مُسْتَرِدًّا فَصَارَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الدَّيْنِ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّبَنِ خَمْسَةٌ صَارَ بِإِزَائِهِ ثُلُثُ الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ ثُلُثَا الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الشَّاةِ ، وَيُؤَدِّي ثُلُثَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ لَا فِي الدَّيْنِ ) مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ الْمَزِيدِ وَصُورَةُ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ رَهْنًا عَلَى الرَّهْنِ الْأَوَّلِ فَيَكُونَانِ رَهْنًا بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ ، وَأَمَّا صُورَةُ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ فَهُوَ أَنْ يَزِيدَ دَيْنًا عَلَى الدَّيْنِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ رَهْنًا بِالدَّيْنَيْنِ ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِرٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلرَّهْنِ الثَّانِي مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ فَيَخْرُجُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ بِقَدْرِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا أَوْ مَضْمُونًا ، وَذَلِكَ شَائِعٌ وَالشُّيُوعُ مُفْسِدٌ لِلرَّهْنِ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الدَّيْنَ فِي بَابِ الرَّهْنِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنُ كَالثَّمَنِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ ، وَإِمْكَانُ الْإِلْحَاقِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُثْبِتُ فِيهِ ضَمَانَ الدَّيْنِ الثَّانِي فَيَكُونُ بَعْضُ الرَّهْنِ مَضْمُونًا بِهِ وَبَعْضُهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ مُشَاعٌ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ تَحَوُّلَ بَعْضِ الدَّيْنِ إلَى الرَّهْنِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَصَارَ الشُّيُوعُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الرَّهْنِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعِ صِحَّةِ الرَّهْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ شَيْئًا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ جَازَ ، وَلَوْ كَانَ الشُّيُوعُ فِي الدَّيْنِ يُمْنَعُ لَمَا جَازَ وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ

غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي طَرَفِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ، وَلَا هُوَ مَعْقُودٌ بِهِ بَلْ وُجُودُهُ سَابِقٌ عَلَى الرَّهْنِ ؛ وَلِهَذَا يَبْقَى الدَّيْنُ بَعْدَ فَسْخِ الرَّهْنِ وَالزِّيَادَةُ تَكُونُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ أَوْ فِي الْمَعْقُودِ بِهِ كَالثَّمَنِ لَا فِي غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَالزِّيَادَةُ تَخْتَصُّ بِهِمَا ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالزِّيَادَةِ ، وَأَمَّا نَفْسُ زِيَادَةِ الدَّيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فَصَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ جَائِزٌ إجْمَاعًا ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَتُسَمَّى هَذِهِ زِيَادَةَ قَصْدِيَّةِ قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا وَعَلَى قِيمَةِ الْأَوَّلِ يَوْمَ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ يَوْمَ قَبْضِهِ ، فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ وَلَدًا ثُمَّ إنَّ الرَّاهِنَ زَادَ مَعَ الْوَلَدِ عَبْدًا وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَالدَّيْنُ أَلْفٌ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ مَعَ الْوَلَدِ خَاصَّةً يُقْسَمُ مَا فِي الْوَلَدِ عَلَيْهِ يَوْمَ فِكَاكِهِ وَعَلَى الْعَبْدِ الَّذِي زِيدَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ زِيَادَةً مَعَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ وَالْوَلَدُ لَا حِصَّةَ لَهُ إلَّا وَقْتَ الْفِكَاكِ فَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قُسِمَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى الْعَبْدِ الزِّيَادَةُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقِيلَ ذَلِكَ الْوَلَدُ تَبَعٌ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الْفِكَاكِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا هَلَكَ خَرَجَ مِنْ الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَطَلَ الْحُكْمُ فِي الزِّيَادَةِ ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ فِكَاكِ الْوَلَدِ هَلَكَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ ، وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَعَ الْأُمِّ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا

، وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا لِمَا ذَكَرْنَا فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ قُسِمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا إذَا هَلَكَتْ فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ ذَهَبَ وَسَقَطَ وَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ افْتَكَّ بِهِ الرَّاهِنُ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ دَخَلَتْ عَلَى الْأُمِّ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَيْهَا وَعَلَى الزِّيَادَةِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا أَصَابَ الْأُمَّ قُسِمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا إذَا هَلَكَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ إلَى الْفِكَاكِ ، وَلَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ بَعْدَ هَلَاكِهَا قَبْلَ الْفِكَاكِ أَوْ هَلَكَ هُوَ وَحْدَهُ دُونَهَا ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا حِصَّةَ لَهُ إلَّا وَقْتَ الْفِكَاكِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا فَبَقِيَ حِصَّةُ الْأُمِّ كُلُّهَا عَلَيْهَا تَذْهَبُ بِهَلَاكِهَا وَحِصَّةُ الزِّيَادَةِ أَيْضًا تَذْهَبُ بِذَهَابِ الزِّيَادَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّهْنَ فِي الْأُمِّ وَحْدَهَا ، وَزَادَ الْعَبْدُ عَلَيْهَا فَأَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ بِحِصَّتِهِ وَافْتَكَّ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ

( قَوْلُهُ ، وَأَمَّا صُورَةُ الزِّيَادَةِ إلَخْ ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَهُوَ أَنْ يَرْهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اسْتَقْرَضَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَلْفًا أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِهِمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا بِالْأُولَى خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ بِالْأَلْفِ الْأُولَى وَلَا يَهْلِكُ بِالْأَلْفَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ وَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ أَلْفًا وَقَالَ إنَّمَا قَضَيْتهَا مِنْ الْأَلْفِ الْأُولَى فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ ) ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَخْ ) ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَذَلِكَ الْبَعْضُ مُشَاعٌ ) وَلَوْ رَهَنَهُ ابْتِدَاءً نِصْفَ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَتُسَمَّى هَذِهِ زِيَادَةً قَصْدِيَّةً ) ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الزِّيَادَةِ الضِّمْنِيَّةِ ، وَهِيَ زِيَادَةُ النَّمَاءِ وَثَمَّةَ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعَلَى قِيمَةِ الْأَوَّلِ يَوْمَ قَبْضِهِ ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفٌ يُقْسَمُ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا فِي الزِّيَادَةِ ثُلُثُ الدَّيْنِ وَفِي الْأَصْلِ ثُلُثَا الدَّيْنِ ا هـ هِدَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ فَدَفَعَ عَبْدًا آخَرَ رَهْنًا مَكَانَ الْأَوَّلِ وَقِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ فِي الْآخِرِ أَمِينٌ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ مَا دَامَا بَاقِيَيْنِ إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ ، فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانه ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ لَا بِدُخُولِهِمَا فِيهِ فَإِذَا رَدَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ ، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الثَّانِي يَدُ أَمَانَةٍ وَيَدُ الرَّاهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَضَمَانٍ فَلَا تَنُوبُ عَنْهُ كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ جِيَادٌ فَاسْتَوْفَى زُيُوفًا يَظُنُّهَا جِيَادًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا زُيُوفٌ وَطَالَبَهُ بِالْجِيَادِ وَأَخَذَهَا فَإِنَّ الْجِيَادَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّ الزُّيُوفَ وَيُجَدِّدَ الْقَبْضَ فِي الْجِيَادِ ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَعَيْنُهُ أَمَانَةٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ وَالْقَبْضُ يُرَدُّ عَلَى الْعَيْنِ فَيَنُوبُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ عَنْ قَبْضِ الْعَيْنِ ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ ، وَلَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ بِالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَلَا جِهَتِهِ لِسُقُوطِهِ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ، فَيَصِيرُ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ وَكَذَا إذَا ارْتَهَنَتْ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا رَهْنًا فَأَبْرَأَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ أَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَيْهِ أَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ هَلَكَ

الرَّهْنُ فِي يَدِهَا يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى إلَى مَنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ الْمُتَطَوِّعُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ أَصْلًا وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ ، وَهُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلدَّيْنِ لَكِنْ يَكُونُ الْمَقْبُوضُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي مُطَالَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ اسْتِيفَاءٍ يُوجَدُ يَعْقُبُ مُطَالَبَةً مِثْلَهُ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ فَتُرِكَ الطَّلَبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَأَمَّا الدَّيْنُ نَفْسُهُ فَثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ وَيُنْتَقَضُ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى عَيْنٍ وَكَذَا إذَا أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ ، وَهَلَكَ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَرَاءَةِ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِالْحَوَالَةِ عَنْ مِلْكِ الْمُحِيلِ مِثْلَ مَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَوْ مِثْلَ مَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ ، وَكَذَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ لِتَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالتَّصَادُقِ عَلَى قِيَامِهِ فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ وَقَالَ فِي الْكَافِي : ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ

لَا دَيْنَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ تَصَادُقُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا حِينَ هَلَكَ الرَّهْنُ وَوُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِضَمَانِ الرَّهْنِ فَصُيِّرَ مُسْتَوْفِيًا ، وَأَمَّا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ثُمَّ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّهُ بِتَصَادُقِهِمَا يَنْتَفِي الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَضْمُونًا رَجُلٌ دَفَعَ مَهْرَ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا فَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِنِصْفِ مَا أَدَّى ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَتَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَاءِ ثَمَنِهِ ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِمَا أَدَّى وَقَالَ زُفَرُ : رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ الزَّوْجُ وَالْمُشْتَرِي بِذَلِكَ عَلَى الْقَابِضِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَطَوِّعَ أَدَّى عَنْهُمَا ، فَصَارَ كَأَدَائِهِمَا بِإِذْنِهِمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا قَضَى عَنْهُمَا بِأَمْرِهِمَا رَجَعَ عَلَيْهِمَا بِمَا أَدَّى فَمَلَكَاهُ بِالضَّمَانِ وَهُنَا لَمْ يَمْلِكَاهُ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُتَطَوِّعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

قَوْلُهُ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ ) كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ رَدَّ الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ عَنْ الْغَرِيمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ وَلِهَذَا صَحَّتْ الْهِبَةُ ، وَإِذَا بَقِيَ أَصْلُ الدَّيْنِ بَقِيَ الرَّهْنُ فَبَقِيَ الضَّمَانُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ ا هـ ( قَوْلُهُ بِالدَّيْنِ عَيْنًا ) أَيْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى عَيْنٍ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ ا هـ هِدَايَةٌ أَيْ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى الْعَيْنِ اسْتِيفَاءٌ لِلدَّيْنِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ ) أَعْنِي أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَنْ الْمُحِيلِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا بَرَاءَةٌ وَقَعَتْ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ فَلَا يَخْرُجُ الرَّهْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا ، فَإِذَا هَلَكَ بِالدَّيْنِ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ حُكْمُ الِاسْتِيفَاءِ عِنْدَ الْهَلَاكِ إلَى الْقَبْضِ السَّابِقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَحَالَ بِالدَّيْنِ وَلَا دَيْنَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَوْ ارْتَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يُسَاوِيهَا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِهِ الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ : وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ عَلَى ظَاهِرِ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ دُونَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَقِيقَةً بِمَا سَاوَمَهُ ، وَلَمْ يُحَقِّقْهُ فَكَذَا الْمَقْبُوضُ عَلَى ظَاهِرِ الدَّيْنِ ا هـ .

غَايَةٌ

( كِتَابُ الْجِنَايَاتِ ) ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَجْنِيهِ الْمَرْءُ مِنْ شَرٍّ اكْتَسَبَهُ تَسْمِيَةً لِلْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا ، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ وَأَصْلُهُ مِنْ جَنْيِ الثَّمَرِ ، وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرِ ، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَكِنْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ يُرَادُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ الْفِعْلُ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ ، ثُمَّ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَالْإِثْمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مُوجَبُ الْقَتْلِ عَمْدًا ، وَهُوَ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ وَنَحْوِهِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَاللِّيطَةِ وَالنَّارِ الْإِثْمُ وَالْقَوَدُ عَيْنًا ) أَيْ الْقَتْلُ الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُوجِبُ الْإِثْمَ وَالْقِصَاصَ مُتَعَيِّنًا أَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَمْدِيَّةِ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهَا وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْعُقُوبَةُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ } الْحَدِيثَ ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ السِّلَاحِ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى السِّلَاحِ ؛ فَلِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ ، وَهُوَ فِعْلُ الْقَلْبِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَأُقِيمَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ غَالِبًا مَقَامَهُ تَيْسِيرًا كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا مَقَامَ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَالْبُلُوغُ مَقَامَ اعْتِدَالِ الْعَقْلِ تَيْسِيرًا وَالْآلَةُ الْقَاتِلَةُ غَالِبًا

هِيَ الْمُحَدَّدَةُ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُعَدَّةُ لِلْقَتْلِ ، وَمَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ ، فَلَيْسَ بِمُعَدٍّ لَهُ حَتَّى لَوْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَوْ خَشَبَةٍ كَبِيرَةٍ أَوْ بِصَنْجَةِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجُرْحَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْمَأْثَمِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } الْآيَةَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سِبَابُ الْمُؤْمِنِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ } وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } وقَوْله تَعَالَى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي الْقَتْلِ خَطَأً بِقَوْلِهِ { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ قِصَاصًا نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فَلَا يُشْرَعُ إلَّا إذَا تَنَاهَتْ الْجِنَايَةُ ، وَلَا تَتَنَاهَى إلَّا بِالْعَمْدِ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَمْدِ ، فَلَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ الْمُتَنَاهِيَةَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يُعْفَى ) أَيْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ فَيَسْقُطَ الْقِصَاصُ بِعَفْوِهِمْ ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ إنْ كَانَ الْعَفْوُ بِغَيْرِ بَدَلٍ ، وَإِنْ كَانَ بِبَدَلٍ يَجِبُ الْمَشْرُوطُ بِالصُّلْحِ لَا بِالْقَتْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيِّ : رَحِمَهُ اللَّهُ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ وَفِي قَوْلٍ عَنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ

الْقَوَدُ عَيْنًا لَكِنْ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْقَاتِلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمَّا أَنْ يُودِيَ } وَقَالَ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا } وَهَذَا نَصٌّ عَلَى التَّخْيِيرِ ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَابِرًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعُ جَبْرٍ فَيَتَخَيَّرُ فِي تَعْيِينِ الْوَاجِبِ كَالْكَفَّارَاتِ أَوْ فِي الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ بَعْدَ الْوُجُوبِ كَالْمِثْلِيِّ الْمُنْقَطِعِ ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رِضَاهُ لِتَعَيُّنِهِ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ ، وَهُوَ بِامْتِنَاعِهِ مُتَعَنِّتٌ وَمُلْقٍ نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالْمُضْطَرِّ إذَا وَجَدَ مَالَ الْغَيْرِ ، وَمَعَهُ ثَمَنُهُ ، فَإِنَّهُ يَتَعَرَّضُ لَهُ شَرْعًا وَالْآدَمِيُّ قَدْ يَضْمَنُ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْخَطَأِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ فَيَقْتَضِي أَنَّ جِنْسَ الْعَمْدِ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ لَا الْمَالِ وَمَنْ جَعَلَهُ مُوجِبًا لِلْمَالِ فَقَدْ زَادَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ الْعَمْدُ قَوَدٌ لَا مَالَ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجَبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّ صُورَةً وَمَعْنًى إذْ الْآدَمِيُّ خُلِقَ مُكَرَّمًا لِيَتَحَمَّلَ التَّكَالِيفَ وَيَشْتَغِلَ بِالطَّاعَةِ وَلِيَكُونَ خَلِيفَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ وَالْمَالُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِهِ وَمُبْتَذَلًا لَهُ فِي حَوَائِجِهِ فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا وَقَائِمًا مَقَامَهُ وَالْقِصَاصُ يَصْلُحُ لِلتَّمَاثُلِ صُورَةً ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِقَتْلٍ وَكَذَا مَعْنًى ؛

لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَتْلِ الِانْتِقَامُ وَالثَّانِي فِيهِ كَالْأَوَّلِ ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ قِصَاصًا وَبِهِ يَحْصُلُ مَنْفَعَةُ الْإِحْيَاءِ لِكَوْنِهِ زَاجِرًا لَا يَأْخُذُ الْمَالَ فَتَعَيَّنَ مُوجَبًا لَا الْمَالَ ؛ وَلِهَذَا يُضَافُ مَا وَجَبَ مِنْ الْمَالِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إلَى الصُّلْحِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا } ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْمَالِ لَمَا أَضَافَهُ إلَى الصُّلْحِ ، وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، وَفِي الصُّلْحِ مَا يُمْكِنُ فِي النَّفْسِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ يَسْتَقِيمُ ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْوَلِيِّ عِنْدَ إعْطَاءِ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ وَتَخْيِيرُهُ لَا يُنَافِي رِضَا الْآخَرِ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِلدَّائِنِ خُذْ بِدَيْنِك إنْ شِئْت دَرَاهِمَ ، وَإِنْ شِئْت دَنَانِيرَ ، وَإِنْ شِئْت عُرُوضًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ غَيْرَ حَقِّهِ إلَّا بِرِضَا الْمَدِينِ ، وَهَذَا سَائِغٌ فِي الْكَلَامِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِكِ } أَيْ لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك عِنْدَ الْمُضِيِّ فِي الْعَقْدِ وَلَا تَأْخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِكِ عِنْدَ التَّفَاسُخِ فَخَيَّرَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا ، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ ذَلِكَ أَوْ احْتَمَلَهُ لَا تَبْقَى حُجَّةٌ لَهُ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْقِصَاصُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ تَكُنْ الدِّيَةُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } إلَى قَوْلِهِ { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } وَالْعَفْوُ فِي أَنْ

يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ مِمَّا كَانَ كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ تَكُنْ فِيهِمْ دِيَةٌ أَيْ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ أَخْذُهُ عِوَضًا عَنْ الدَّمِ أَوْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَسْفِكُوا الدِّمَاءَ فَخَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَنَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } الْآيَةَ وَنَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ { مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ الَّتِي أُبِيحَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَجَعَلَ لَهُمْ أَخْذَهَا إذَا أُعْطُوهَا } وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ { أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعُ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ اخْتَصَمُوا إلَيْهِ كِتَابُ اللَّهُ الْقِصَاصُ } وَلَمْ يُخَيِّرْ ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ وَاجِبًا بِهِ لَخَيَّرَ إذْ مَنْ وَجَبَ لَهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ عَلَى الْخِيَارِ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا وَإِنَّمَا يُحْكَمُ لَهُ بِأَنْ يَخْتَارَ أَيُّهُمَا شَاءَ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ الْقِصَاصَ صَحَّ عَفْوُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ لَمَا صَحَّ عَفْوُهُ قَبْلَ تَعَيُّنِهِ بِاخْتِيَارِهِ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ بَاطِلٌ فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ لَا يَنْفَرِدُ الْوَلِيُّ بِالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الْمَالِ بَدَلًا عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَلَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ بِمَالٍ آخَرَ غَيْرِ الدِّيَةِ كَالدَّارِ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يُجْبَرُ الْقَاتِلُ عَلَى الدَّفْعِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إحْيَاءُ نَفْسِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُضْطَرَّ الَّذِي ذَكَرَهُ يُجْبَرُ عَلَى الشِّرَاءِ بِحَيْثُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَإِنَّمَا نَقُولُ يَأْثَمُ

إذَا تَرَكَ الشِّرَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَمَاتَ وَكَذَا نَقُولُ هُنَا أَيْضًا يَأْثَمُ إذَا لَمْ تَخْلُصْ نَفْسُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَالْآدَمِيُّ قَدْ يَضْمَنُ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْخَطَأِ قُلْنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي الْخَطَأِ ضَرُورَةُ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِثْلٌ لَهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعُقُوبَةُ ، وَهُوَ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ صِيرَ إلَيْهِ لِصَوْنِ الدَّمِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَخَاطَأَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ، وَأَدَّى إلَى الْتَفَّانِي ؛ وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهَا بِعُذْرِ التَّخَاطُؤِ كَمَا فِي الْمَالِ فَيَجِبُ الْمَالُ صِيَانَةً لَهَا عَنْ الْإِهْدَارِ وَلَا يُقَالُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالَ وَلَا الْعُدُولَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْجَانِي أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءُ فَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ الشَّلَّاءَ وَكَذَا لَوْ عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ بَطَلَ حَقُّ الْبَاقِينَ فِي الْقِصَاصِ وَوَجَبَ لَهُمْ الدِّيَةُ وَلَوْلَا أَنَّهُ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ لَمَا وَجَبَ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : إنَّمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمْ كَامِلًا وَكَلَامُنَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَلْزَمُنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا الْكَفَّارَةُ ) أَيْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِمَحْوِ الْإِثْمِ ، وَهُوَ فِي الْعَمْدِ أَكْبَرُ ، فَكَانَ أَدْعَى إلَى إيجَابِهَا وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبْيِهَا أَيْضًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِالْمُبَاحِ وَالْعُقُوبَةِ بِالْمَحْظُورِ ، وَقَتْلُ الْعَمْدِ كَبِيرَةٌ مَحْضٌ فَلَا تُنَاطُ بِهِ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ مِثْلِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالرِّبَا .

وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي الْإِثْمِ فَشَرْعُهُ لِدَفْعِ الْأَدْنَى لَا يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الْأَعْلَى ؛ وَلِأَنَّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَعِيدًا مُحْكَمًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ وُجُودِ التَّشْدِيدِ فِي الْوَعِيدِ بِنَصٍّ قَاطِعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ تَحَكُّمًا مِنْهُ بِلَا دَلِيلٍ ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ؛ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } الْآيَةَ كُلُّ مُوجِبَةٍ هُوَ مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ الْجَزَاءِ لِلشَّرْطِ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ نَسْخًا وَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ

( كِتَابُ الْجِنَايَات ) مُنَاسَبَةُ الْجِنَايَاتِ بِالرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ هُوَ صِيَانَةُ الدَّيْنِ عَنْ التَّوَى وَالتَّلَفِ بِوَثِيقَةِ الرَّهْنِ فَكَذَا حُكْمُ الْجِنَايَةِ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ هَلَاكِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } وَلَكِنْ قَدَّمَ الرَّهْنَ ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ ، فَإِنَّهَا مَحْظُورَةٌ ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ وَكُلُّ مَا لَيْسَ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ إلَخْ ) أَيْ الْمُرَادُ الْقَتْلُ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ ، فَإِنَّ الْقَتْلَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَتْلِ رَجْمًا وَالْقَتْلِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا ثُمَّ الْقَتْلُ عِبَارَةٌ عَنْ إزْهَاقِ الرُّوحِ بِفِعْلِ شَخْصٍ ، وَإِنْ كَانَ انْزِهَاقُ الرُّوحِ بِلَا فِعْلٍ مَخْلُوقٍ يُسَمَّى ذَلِكَ مَوْتًا ا هـ ( قَوْلُهُ هَذَا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ ) وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي تَقْسِيمِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ ) وَصَاحِبُ النَّافِعِ قَالَ الْقَتْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهٍ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَالْقَتْلِ بِالتَّسْبِيبِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْخَطَأِ فَلَمْ يُفْرِدْ لَهُ نَوْعًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ا هـ قُلْت وَلَعَلَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّوْعَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَهُمَا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ وَمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ بَيَانُ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الَّذِي فِيهِ مُبَاشَرَةٌ وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ لَيْسَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ ،

وَأَمَّا مَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ ، فَإِنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَطَأِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسِّكِّينِ وَالسَّيْفِ أَوْ مَا كَانَ كَالْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حِدَةٌ يَبْضَعُ بَضْعًا أَوْ لَيْسَ لَهُ حِدَةٌ وَلَكِنْ يَرُضُّ رَضًّا كَالْعَمُودِ وَسَنْجَاةِ الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ طَعْنٌ بِالرُّمْحِ أَوْ الْإِبْرَةِ أَوْ الْأَشْفَى بَعْدَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الْحَدِيدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } وَفِي رِوَايَةٍ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسِّلَاحِ } وَفِي رِوَايَةٍ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالْحَدِيدِ } وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَعْنَى ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ مِثْلَ الصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْآنُكِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ بَضْعًا أَوْ رَضًّا وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْحَدِيدِ إنْ عَمِلَ عَمَلَ الْحَدِيدِ فَهُوَ عَمْدٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا إذَا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ فَهُوَ عَمْدٌ ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَهُ ؛ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْجِلْدَ وَكَذَلِكَ مَا لَهُ حَدٌّ يَعْمَلُ عَمَلَ السَّيْفِ كَالزُّجَاجِ وَلِيطَةِ الْقَصَبِ وَحَجَرٍ لَهُ حَدٌّ مِمَّا يَبْضَعُ بَضْعًا أَوْ يَطْعَنُ كَخَشَبٍ لَهُ حَدٌّ يَجْرَحُ فَهَذَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْحَدِيدِ فَهُوَ عَمْدٌ إلَى هُنَا شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ : ذَكَرَ فِي الشُّرُوطِ الْكَبِيرِ لِأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْعَمُودِ مِنْ الْحَدِيدِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرَحُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا قَاسِمٌ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى

شَرْحِ الْمَجْمَعِ : فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْعِبْرَةُ لِلْحَدِيدِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ جَرَحَ أَوْ لَا وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ الْعِبْرَةُ لِلْجُرْحِ نَفْسِهِ حَدِيدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ ا هـ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الزَّيْلَعِيِّ اخْتِيَارُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ عَادَةً هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ فَقَتْلُ الْعَمْدِ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } أَيْ مُوجَبُ قَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَقَتْلُ الْعَمْدِ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ كَالْآلَةِ الَّتِي تَقْطَعُ وَتَجْرَحُ كَلِيطَةِ قَصَبٍ وَحَجَرٍ لَهُ حِدَةٌ لِصِحَابِهَا وَعَمُودِ حَدِيدٍ وَسَنْجَةِ حَدِيدٍ الصَّحِيحُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا يَجْرَحُ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ : عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَسَنَجَاتُ الْمِيزَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ الْجُرْحُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَةَ الْأَتْقَانِيِّ بِتَمَامِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْكَنْزِ وَمَنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ فَارْجِعْ إلَيْهَا إنْ شِئْت وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ قَوْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا هُمَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } إلَى آخِرِ الْآيَةِ ) وقَوْله تَعَالَى { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } وَشَرَائِعُ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرِيعَةُ رَسُولِنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهَا وَقَالَ تَعَالَى { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وَالسُّلْطَانُ الْقَتْلُ بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى { فَلَا يُسْرِفُ فِي الْقَتْلِ } وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِالْعَمْدِ ، وَإِنْ كَانَتْ النُّصُوصُ مُطْلَقَةً ؛ لِأَنَّ

الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا أَيْضًا جِنَايَةً مَحْضَةً ، وَهُوَ الْعَمْدُ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَطَأَ فِيهِ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ أَوْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } أَيْ حُكْمُ الْعَمْدِ قَوَدٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) ثُمَّ إنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ بِأَنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا مُخَاطَبًا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا وَالْمَقْتُولُ مَعْصُومُ الدَّمِ عِصْمَةً أَبَدِيَّةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا شُبْهَة مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةَ الْوِلَادَةِ أَيْ لَا يَكُونُ وَلَدَهُ وَإِنْ سَفَلَ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمْلُوكَهُ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ وَيَقْتَصُّ بِالسَّيْفِ وَلَا يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يُعْفَى ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ مَتْنًا وَشَرْحًا أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ حَرْبِيًّا جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ يَنْظُرُ فِيهِمَا الْإِمَامُ فَأَيَّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ مَجَّانًا ا هـ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ ا هـ قَوْلُهُ أَوْ الدِّيَةُ أَيْ إذَا رَضِيَ بِهَا الْقَاتِلُ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْمِثْلِيِّ الْمُنْقَطِعِ ) يَعْنِي إذَا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ مِثْلِيٌّ بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَإِنَّ الطَّالِبَ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَدَلَ إلَى الْقِيمَةِ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمِثْلُ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَمَا رَوَيْنَا ) ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الْكَفَّارَةُ ) وَلَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ

نِصْفِ الْقِصَاصِ يَسْقُطُ الْكُلُّ وَلَا يَنْقَلِبُ الْبَاقِي مَالًا ا هـ قُنْيَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشِبْهُهُ ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ ، الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْقَوَدُ ) أَيْ مُوجَبُ الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَقَوْلُهُ ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ أَيْ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي الْعَمْدِ ، وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِي الْعَمْدِ هُوَ الْمُحَدَّدُ وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ مِنْ الْآلَةِ كَالْحَجَرِ وَالْعَصَا وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا إذَا ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ بِخَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ بِهِ غَالِبًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَصْدَ الْفِعْلِ لَا الْقَتْلَ ، فَكَانَ عَمْدًا بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الْفِعْلِ وَخَطَأً بِاعْتِبَارِ الْقَتْلِ لَهُمْ أَنَّ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّأْدِيبُ أَوْ إتْلَافَ الْعُضْوِ لَا الْقَتْلُ ، فَكَانَ شِبْهَ عَمْدٍ وَلَا يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَلْبَثُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الْقَتْلُ كَالسَّيْفِ ، فَكَانَ عَمْدًا فَيَجِبُ الْقَوَدُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ رَأْسَ يَهُودِيٍّ رَضَّ رَأْسَ صَبِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ وَكَذَا قَتَلَ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَتَلَتْ امْرَأَةً بِمِسْطَحٍ ، وَهُوَ عَمُودُ الْفُسْطَاطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا } وَبِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْعَصَا الْكَبِيرَةَ وَالْكَلَامُ فِي مِثْلِهَا ؛ وَلِأَنَّ قَصْدَ الْقَتْلِ أَمْرٌ

مُبْطَنٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلِهِ ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهَذِهِ الْآلَةُ لَا تَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ الْقَتْلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لَهُ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْقَتْلُ بِهَا عَلَى غَفْلَةٍ مِنْهُ وَلَا يَقَعُ الْقَتْلُ بِهَا غَالِبًا فَقُصِرَتْ الْعَمْدِيَّةُ لِذَلِكَ فَصَارَ كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَهُوَ الْآلَةُ الْمُحَدَّدَةُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الصَّغِيرِ مِنْهَا وَالْكَبِيرِ لِأَنَّ الْكُلَّ صَالِحٌ لِلْقَتْلِ بِتَخْرِيبِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَكَذَا مَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ بَيْنَ الصَّغِيرِ مِنْهُ وَالْكَبِيرِ حَتَّى لَا يُوجِبُ الْكُلُّ الْقِصَاصَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَدٍّ لِلْقَتْلِ وَلَا صَالِحٍ لَهُ لِعَدَمِ نَقْصِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا ، فَكَانَ فِي قَصْدِهِ الْقَتْلَ شَكٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ قُصُورٍ وَالْقِصَاصُ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ وَمَا رَوَوْهُ مِنْ رَضِّ الْيَهُودِيِّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلِمَ أَنَّ الْيَهُودِيَّ كَانَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فَإِنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ بِعَصَا أَوْ بِسَوْطٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُقْتَلُ بِهِ حَدًّا أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَعَلَهُ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَقَتَلَهُ حَدًّا كَمَا يُقْتَلُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ فَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ فَضِيلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ { أَنَّ امْرَأَتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ فَقَتَلَتْهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ وَقَضَى فِيمَا فِي بَطْنِهَا بِغُرَّةٍ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ أُغَرَّمُ مَنْ لَا طَعِمَ وَلَا شَرِبَ وَلَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِيِّ } وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ : هَذَا مِنْ

إخْوَانِ الْكُهَّانِ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا رَوَوْهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّاوِيَ لِذَلِكَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى زَعْمِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا { قَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ كُنْت بَيْنَ بَيْتَيْ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا } هَكَذَا رَوَوْهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ } ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِحَّ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ ، ثُمَّ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ ضَرَبَاتٍ حَتَّى مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُوَالَاةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِيرُ عَمْدًا بِهَا فَيُوجِبُ الْقِصَاصَ ، وَلَوْ أَلْقَاهُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ غُرْفَةٍ فِي الْمَاءِ أَوْ خَنَقَهُ حَتَّى مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَمْدٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ إثْمًا يُشْبِهُ الْعَمْدَ ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمَ دِينِهِ قَاصِدًا لَهُ ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ عَلَى الْخَطَأِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِيضَاحِ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ

وَجَدْت فِي كُتُبِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ الْإِثْمَ كَامِلٌ مُتَنَاهٍ وَتَنَاهَيْهِ يَمْنَعُ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ وَجَوَابُهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنْ نَقُولَ إنَّهُ آثِمٌ إثْمَ الضَّرْبِ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ لَا إثْمَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ ، وَهُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ وَلَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ بِدُونِ الْقَتْلِ وَبِعَكْسِهِ تَجِبُ فَكَذَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى الْقَتْلِ دُونَ الضَّرْبِ ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ بِهِ ، فَلِمَا رَوَيْنَا ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَيَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ لِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْخَطَأِ وَلِهَذَا أَوْجَبَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَتْلِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ كَالْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْمُجَازَاةِ لِوُجُودِ الْقَصْدِ مِنْهُ إلَى الْفِعْلِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَصِفَةِ التَّغْلِيظِ فِي الدِّيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشِبْهِهِ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَصْلِ شِبْهُ الْعَمْدِ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ فِي الْعَصَا أَوْ السَّوْطِ أَوْ الْحَجَرِ أَوْ الْيَدِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا فَقَتَلَهُ إنَّ ذَلِكَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَكَذَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَشَجَّهُ وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِصَخْرَةٍ أَوْ عُودٍ وَكَذَا لَوْ وَكَزَهُ أَوْ وَجَأَهُ فَمَاتَ مِنْ وَجْأَتِهِ أَيْ عَضَّهُ فَمَاتَ مِنْ عَضَّتِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْإِبِلِ إذَا فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِيهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْإِبِلِ فَلَا يُغَلَّظُ فِيهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ : وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا يَجْرِي مَجْرَى السِّلَاحِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِآلَةٍ لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهَا فِي الْغَالِبِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ فَهُوَ أَنْ يَضْرِبَ بِشَيْءٍ الْغَالِبُ فِيهِ الْهَلَاكُ كَمِدَقَّةِ الْقَصَّارِينَ وَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ وَالْعَصَا الْكَبِيرَةِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا قَتَلَهُ بِهِ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ عَمْدٌ فَأَمَّا إذَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِعَصًا صَغِيرَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ صَغِيرٍ أَوْ بِلِيطَةٍ وَكَانَ مَا لَا يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهِ الْهَلَاكُ كَالسَّوْطِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِذَا تَابَعَ الضَّرْبَ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ عَمْدٌ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ ) سَيَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَإِنَّمَا يَقْتَصُّ بِالسَّيْفِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يُقْتَلُ بِأَيٍّ شَيْءٍ رَآهُ الْإِمَامُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَضِيلَةَ ) هَكَذَا هُوَ

فِي نُسَخٍ بِالْفَاءِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ نُضَيْلَةَ فَلْيُحَرَّرْ ا هـ ( قَوْلُهُ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِيِّ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْأَعْرَابِ فَلْيُحَرَّرْ ا هـ قَوْلُهُ أَوْ غَرَّقَهُ فِي الْمَاءِ أَوْ خَنَقَهُ ) سَيَأْتِي حُكْمُ الْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ فِي الْمَتْنِ فِي الْبَابِ الْآتِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ طَرَحَهُ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ ظَهْرِ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُقْتَلُ غَالِبًا يَجِب الْقِصَاصُ وَيَكُونُ عَمْدًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْتَلُ غَالِبًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ، وَيَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ ا هـ ( فَرْعٌ ) فِي مَسْأَلَةِ السُّمِّ وَلَوْ سَقَاهُ سُمًّا حَتَّى مَاتَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ السُّمَّ حَتَّى أَكَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَمَاتَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ وَيُحْبَسُ وَيُعَزَّرُ ، وَلَوْ أَوْجَرَهُ إيجَارًا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ فِي شُرْبِهِ فَشَرِبَ وَمَاتَ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ خُدْعَةٌ فَلَا يَجِبُ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ ا هـ قَاضِيخَانْ وَفِي الْمُجَرَّدِ لَوْ قَمَطَ رَجُلًا وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَرَسَبَ وَغَرِقَ كَمَا أَلْقَاهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ غَرِقَ بِعَجْزِهِ وَفِي الْأَوَّلِ بِطَرْحِهِ فِي الْمَاءِ ا هـ قَاضِيخَانْ قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ أَيْ وَيَرِثُهُ ا هـ ظَهِيرِيَّةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْخَطَأُ ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَة ) أَيْ مُوجَبُ قَتْلِ الْخَطَأِ وَمُوجَبُ مَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَوْلُهُ ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخَصًا إلَخْ تَفْسِيرٌ لِنَفْسِ الْخَطَأِ ، فَإِنَّهُ عَلَى نَوْعَيْنِ : خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ تَفْسِيرٌ لِلْخَطَأِ فِي الْقَصْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ فِي الْفِعْلِ حَيْثُ أَصَابَ مَا قَصَدَ رَمْيَهُ ، وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي الْقَصْدِ أَيْ فِي الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْحَرْبِيَّ مُسْلِمًا وَالْآدَمِيَّ صَيْدًا ، وَقَوْلُهُ أَوْ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا أَيْ أَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا ، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ دُونَ الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا إذَا اخْتَلَفَ الْمَحَلُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ بِالضَّرْبِ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْهُ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَمْ يَخْتَلِفْ لِوُجُودِ قَصْدِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَالْقَتْلِ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مِنْهُ كَمَحَلِّ وَاحِدٍ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا يُعْذَرُ ، وَإِنَّمَا صَارَ الْخَطَأُ نَوْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَرَّفُ بِفِعْلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فَيَتَحَمَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَطَأَ عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا ذَكَرَ أَوْ عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِأَنْ رَمَى آدَمِيًّا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ ، وَقَوْلُهُ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ بَيَانٌ لِمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَطَأٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ قَصْدِ النَّائِمِ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَصِيرَ مُخْطِئًا لِمَقْصُودِهِ وَلَمَّا وُجِدَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجُعِلَ كَالْخَطَأِ ؛ لِأَنَّهُ

مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ ، وَإِنَّمَا كَانَ حُكْمُ الْمُخْطِئِ مَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } وَقَدْ قَضَى بِهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا وَقَدْرُ الدِّيَةِ وَصِفَتُهَا وَمَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ نَذْكُرُهُ فِي الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَتْلِ لَا يَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إثْمَ تَرْكِ التَّحَرُّزِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثَبُّتِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُبَاحَةَ لَا تَجُوزُ مُبَاشَرَتُهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا فَإِذَا آذَى أَحَدًا فَقَدْ تَحَقَّقَ تَرْكُ التَّحَرُّزِ فَيَأْثَمُ وَلَفْظَةُ الْكَفَّارَةِ تُنْبِئ عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا سِتَارَةٌ وَلَا سِتْرَ بِدُونِ الْإِثْمِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخَطَأِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مُبَاحًا فَيُصِيبُ مَحْظُورًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ بِالضَّرْبِ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ إلَخْ ) فِي الذَّخِيرَةِ قَصَدَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَهُوَ عَمْدٌ ، وَفِيهِ الْقَوَدُ ، وَلَوْ أَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى : وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَ الْقَتْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ عَمْدًا ا هـ كَاكِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةُ ) أَيْ مُوجَبُ الْقَتْلِ بِسَبَبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةِ أَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ بِهِ فَلِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالْحَفْرِ فَجُعِلَ كَالدَّافِعِ لِلْمُلْقَى فِيهِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ فَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ دُونَ الْقَتْلِ بِالْخَطَأِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنْهُ كَمَا فِي الْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْقَتْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً ؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْكُلُّ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا هَذَا ) أَيْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا الْقَتْلَ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : هُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَأِ فِي أَحْكَامِهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشِبْهُ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا ) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَخْتَصُّ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ بِخِلَافِ النَّفْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعُ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَطَلَبُوا إلَيْهِمْ الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ } وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ اللَّطْمَةَ لَوْ أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَرَأَيْنَاهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ أَوْجَبَتْهُ بِحُكْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ فِي النَّفْسِ شِبْهَ عَمْدٍ هُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِبْهُ عَمْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ( قَوْلُهُ لَطَمْتُ جَارِيَةً ) أَيْ مِنْ الْأَنْصَارِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ ) أَيْ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ا هـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ا هـ .

( بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَمْدًا ) لِمَا بَيَّنَّا وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي الْكَمَالَ فِي الْجِنَايَةِ ، فَلَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَأْمِنِ ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } فَهَذَا يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا إذْ الْحُرُّ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ مَمْلُوكٌ وَالْمَالِكِيَّةُ أَمَارَةُ الْقُدْرَةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ أَمَارَةُ الْعَجْزِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } فَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا ؛ وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ وَالرِّقَّ مَوْتٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى مُعْتِقِهِ بِالْوَلَاءِ حَتَّى يَرِثُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ بِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْحُرِّ بِطَرَفِ الْعَبْدِ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ الطَّرَفَ أَهْوَنُ وَأَقَلُّ حُرْمَةً لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلنَّفْسِ ، فَلَأَنْ لَا يَجِبَ فِي النَّفْسِ ، وَهِيَ أَعْظَمُ حُرْمَةً أَوْلَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ ؛ لِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى نُقْصَانٍ فَلَا يَمْتَنِعُ كَمَا فِي الْمُسْلَمِ وَالْمُسْتَأْمِنِ ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ كَحَقِيقَةِ الْكُفْرِ ، فَصَارَ كَالْمُسْتَأْمِنِ وَلَنَا الْعُمُومَاتُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } وقَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } وَلَا يُعَارَضُ بِمَا تَلَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُقَابَلَةً مُقَيَّدَةً وَفِيمَا تَلَوْنَا مُقَابَلَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ الْحُرِّ بِالْحُرِّ لَا تُنَافِي مُقَابَلَةَ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ الْعُمُومُ عَلَى مُوَافَقَةِ حُكْمِهِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ مَا بَقِيَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَابَلَ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى وَالذَّكَرَ بِالذَّكَرِ ثُمَّ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَكَذَا لَا يَمْنَعُ مُقَابَلَةُ الْعَبْدَ بِالْحُرِّ حَتَّى يُقْتَلُ بِهِ الْعَبْدُ بِالْإِجْمَاعِ ، فَكَذَا بِالْعَكْسِ إذْ لَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لَمُنِعَ الْعَكْسُ أَيْضًا وَفِي مُقَابَلَةِ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى دَلِيلٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَتْ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ مُقَاتَلَةٌ ، فَكَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَقَلَّ مِنْهُمْ عَدَدًا ، وَكَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ أَشْرَفَ عِنْدَهُمْ فَتَوَاضَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بِمُقَابَلَةِ الْحُرِّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالْأُنْثَى مِنْهُمْ بِمُقَابَلَةِ الذَّكَرِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ وَبَيَانًا أَنَّ الْجِنْسَ يُقْتَلُ بِجِنْسِهِ عَلَى خِلَافِ مُوَاضَعَتِهِمْ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ جَمِيعًا ، فَكَانَتْ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ إذْ هِيَ بِالدِّينِ عِنْدَهُ وَبِالدَّارِ عِنْدَنَا ، وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى الزَّجْرِ وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي غَيْرِ الْعِصْمَةِ لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْقِصَاصُ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمِلْكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ هَذَا

الْوَجْهِ ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَكَذَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ ، وَلَوْ كَانَ مَالًا لَمَا قُتِلَ وَكَذَا عَجْزُهُ وَمَوْتُهُ وَبَقَاءُ أَثَرِ كُفْرِهِ حُكْمِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِ الْعِصْمَةِ ، وَلَا يُورِثُ شُبْهَةً ، وَلَوْ أَوْرَثَ شُبْهَةً لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْجُزْءِ الْمُبَانِ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ ؛ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ ، وَفِي النَّفْسِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حَتَّى يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ وَبِالْمَفْلُوجِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ أَطْرَافِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ إلَّا فِي الْعِصْمَةِ فَأَظْهَرْنَا أَثَرَ الرِّقِّ فِيهَا دُونَ النَّفْسِ لِمَا أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ حَيْثُ النَّفْسُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ خُلِقَ مَعْصُومًا

( بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ ) لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ : وَهِيَ خَمْسَةٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمْدُ وَقَدْ يُوجِبُ الْعَمْدُ الْقِصَاصَ وَقَدْ لَا يُوجِبُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْقِصَاصِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } السُّلْطَانُ الْقَتْلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ { فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ } وَقَالَ تَعَالَى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } وَقَالَ تَعَالَى { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } وَلَا يُقَالُ يَرِدُ قَتْلُ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا إشْكَالًا عَلَى الْكُلِّيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مُوجَبُ ذَلِكَ الْقِصَاصُ أَيْضًا وَلَكِنْ سَقَطَ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ ، وَذَلِكَ عَارِضٌ وَالْكَلَامُ فِي الْأُصُولِ لَا فِي الْعَوَارِضِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الِابْنُ شَهِيدًا ، وَإِنْ كَانَ تَجِبُ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا لِلشُّبْهَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَحْقُونِ الدَّم حَقْنُ الدَّمِ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يُسْفَكَ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ ) قَالَ قَاضِيخَانْ : عَبْدٌ قُتِلَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَوَلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لَهُمْ جَمِيعًا لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمْ بِهِ فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمْ يَنْقَلِبُ حَقُّ الْبَاقِينَ مَالًا إلَى الْقِيمَةِ كَمَا يَنْقَلِبُ فِي الْحُرِّ إلَى الدِّيَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَتْلِ

الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ وَعَلَى قَتْلِ الْعَبْدِ بِالْحُرِّ وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ { النَّفْسُ بِالنَّفْسِ } لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وَالسُّلْطَانُ الْقَوَدُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ فَرْعٌ قَالَ فِي الْمَنَارِ وَالْقِصَاصُ لَا يُضْمَنُ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا يَعْنِي مَنْ قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَا يَضْمَنُ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَنَا وَيَضْمَنُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ا هـ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلسِّرَاجِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِأَنَّ قَاتِلَ الْقَاتِلِ لَا يَضْمَنُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ إنْ خَطَأً وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إنْ كَانَ عَمْدًا كَذَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ ) ؛ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ نَفْسًا مَعْصُومَةً عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ ا هـ قَوْلُهُ حَتَّى يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ وَبِالْمَفْلُوجِ ) أَيْ وَالْبَصِيرُ بِالْأَعْمَى وَالْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ وَالشَّرِيفُ بِالْخَامِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ { جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمٌ غَيْرُ الْقُرْآنِ قَالَ وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قُلْت وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ } وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادُ قَالَ { : انْطَلَقْت أَنَا وَالْأَشْتَرُ إلَى عَلِيٍّ فَقُلْنَا هَلْ عَهِدَ إلَيْك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً قَالَ لَا إلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَإِذَا فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } الْحَدِيثَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ } ؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ النُّقْصَانَ وَالْكَافِرُ كَالْمَيِّتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ ، وَبَيْنَ الْحَيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ حَيْثُ يُقْتَلُ بِهِ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ وَقْتَ الْقَتْلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ ؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ فِي الْجُمْلَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً كَالْمِلْكِ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ هُوَ يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى لَا يُحَدُّ إذَا وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ

الْمُنْكَدِرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ قَتَلَ مُعَاهِدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ وَقَالَ أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ } ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَبْدِ وَقَدْ وُجِدَتْ نَظَرًا إلَى الدَّارِ ، وَإِلَى التَّكْلِيفِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الْقُدْرَةُ عَلَى مَا كُلِّفَ بِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِدَفْعِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ عَنْهُ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُحَرَّمَ التَّعَرُّضِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ بِنَفْسِهِ بَلْ بِوَاسِطَةِ الْحِرَابِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ كَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالذَّرَارِيِّ ، وَقَدْ انْدَفَعَ الْقَتْلُ عَنْهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ ، فَكَانَ مَعْصُومًا بِلَا شُبْهَةٍ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ ، وَلَوْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ خَلَلٌ لَمَا قُتِلَ الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْتَأْمِنُ بِالْمُسْتَأْمِنِ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ مَعْصُومَةً بِلَا شُبْهَةٍ كَالْمُسْلِمِ ؛ وَلِهَذَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ ، وَلَوْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ شُبْهَةٌ لَمَا قُطِعَ كَمَا لَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ مَالِ الْمُسْتَأْمِنِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ وَأَمْرُ الْمَالِ أَهْوَنُ مِنْ النَّفْسِ فَلَمَّا قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُقْتَلَ بِقَتْلِهِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ مَوْلَاهُ وَيُقْتَلُ بِقَتْلِ مَوْلَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ قَتَلَ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ قُتِلَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَهَذَا قَتْلُ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ فَلَوْلَا أَنَّ الْمُسْلِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِقَتْلِ

الذِّمِّيِّ ابْتِدَاءً لَمَا دَامَ الْوُجُوبُ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْبَقَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا مُعْتَبَرَةٌ بِالِابْتِدَاءِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْلِمًا لَوْ جَرَحَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَبِعَكْسِهِ لَوْ جَرَحَ مُرْتَدٌّ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } أَيْ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلِهَذَا عَطَفَ { ذُو الْعَهْدِ } ، وَهُوَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْمُسْلِمِ تَقْدِيرُهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ بِكَافِرٍ حَرْبِي ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا قَتَلَ ذِمِّيًّا قُتِلَ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَرْبِيُّ إذْ هُوَ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ وَلَا يُقَالُ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ مُطْلَقًا أَيْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَيَكُونُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ " ذُو عَهْدٍ " مُفْرَدٌ وَقَدْ عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ فَيَأْخُذُ الْحُكْمَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ النَّاقِصَ بِأَخْذُ الْحُكْمَ مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ التَّامِّ كَمَا يُقَالُ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَيُقَالُ قُتِلَ زَيْدٌ بِعَمْرٍو وَخَالِدٍ أَيْ كِلَاهُمَا قَامَ أَوْ قُتِلَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ لَهُ خَبَرٌ آخَرُ ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِسَوْقِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ نَفْيُ الْقَتْلِ قِصَاصًا لَا نَفْيُ مُطْلَقِ الْقَتْلِ ، فَكَذَا الثَّانِي تَحْقِيقًا لِلْعَطْفِ إذْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ فِي الْمُفْرَدِ ، وَلَا يُقَالُ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا بِذِي عَهْدٍ أَيْ لَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلَا بِذِمِّيٍّ لِأَنَّا نَقُولُ : لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَكَانَ لَحْنًا إذْ لَا يَجُوزُ عَطْفُ الْمَرْفُوعِ عَلَى الْمَجْرُورِ ، فَلَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَلَا يُقَالُ

رُوِيَ " ذِي عَهْدٍ " بِالْجَرِّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْكَافِرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتُمْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنْ صَحَّ ذَلِكَ هُوَ جَرٌّ لِلْمُجَاوَرَةِ لَا لِلْعَطْفِ عَلَيْهِ حَتَّى يُشَارِكَهُ فِي الْحُكْمِ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } بِالْجَرِّ لِلْمُجَاوَرَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْحُكْمِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ ، وَكَذَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الْمُرَادُ بِهِ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حِينَ قُتِلَ عُمَرُ مَرَرْت عَلَى أَبِي لُؤْلُؤَةَ وَمَعَهُ الْهُرْمُزَانُ فَلَمَّا بَعَثَهُمْ ثَارُوا فَسَقَطَ مِنْ بَيْنَهُمْ خَنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ مُمْسَكُهُ فِي وَسَطِهِ فَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَعَهُ السَّيْفُ حَتَّى دَعَا الْهُرْمُزَانَ فَلَمَّا خَرَجَ إلَيْهِ قَالَ انْطَلِقْ حَتَّى نَنْظُرَ إلَى فَرَسٍ لِي ثُمَّ تَأَخَّرَ عَنْهُ حَتَّى إذَا مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ السَّيْفِ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ ثُمَّ دَعَوْت جُفَيْنَةَ ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَلَمَّا خَرَجَ إلَيَّ عَلَوْته بِالسَّيْفِ فَصُلِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَتَلَ ابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ صَغِيرَةً فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ فَقَالَ أَشِيرُوا إلَيَّ فِي قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ فَتَقَ فِي الدِّينِ مَا فَتَقَ فَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِيهِ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَأْمُرُونَهُ بِالشِّدَّةِ عَلَيْهِ وَيَحْثُونَهُ عَلَى قَتْلِهِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُثْمَانَ لَقَدْ عَفَاك اللَّهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَمَا بُويِعَتْ ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى النَّاسِ سُلْطَانٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى

خُطْبَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ كَانَا كَافِرَيْنِ وَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهِمَا فَمُحَالٌ أَنْ يُرِيدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيَّ ثُمَّ يُشِيرُ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالذِّمِّيِّ وَعَلِيٌّ فِيهِمْ ، وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَرْبِيُّ وَلَا يُقَالُ لَعَلَّ عُثْمَانَ أَرَادَ قَتْلَهُ بِبِنْتِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ لَا بِجُفَيْنَةَ وَالْهُرْمُزَانِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِهَا لَا بِهِمَا لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَبْعَدَهُمَا اللَّهُ فَمُحَالٌ أَنْ لَا يُبَيِّنَ ذَلِكَ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا تُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْعِصْمَةِ وقَوْله تَعَالَى { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ } أَيْ فِي الْفَوْزِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ } وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعِصْمَةِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ لَا عُمُومَ لَهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ } أَنَّ الْمَنْفِيَّ الِاسْتِوَاءُ فِي الْعَمَى وَالْبَصَرِ لَا فِي كُلِّ وَصْفٌ ؛ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِصْمَةِ وَكَذَا نُقْصَانُ حَالِ الْكَافِرِ بِكُفْرِهِ لَا يُزِيلُ عِصْمَتَهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَسَائِرِ الْأَوْصَافِ النَّاقِصَةِ كَالْجَهْلِ وَالْفِسْقِ وَالْأُنُوثَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُفْرَهُ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ بَلْ حِرَابُهُ هُوَ الْمُبِيحُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمِلْكِ فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ ، فَإِنَّهُ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْأُخْتِ الْمَذْكُورَةِ بِعَارِضٍ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ الَّذِي يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ غَيْرِ ذِمِّيٍّ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ عَهْدٌ أَوْ مِيثَاقٌ ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ دَارِ الْحَرْبِ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ : لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ جُحَيْفَةَ ) كَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا هُوَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي بِخَطِّ شَمْسِ الدِّينِ الزَّرَاتِيتِيِّ الْمُقَابَلَةِ عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ عَلَى وَفْقَ الصَّوَابِ الْأَتْقَانِيُّ وَأَبُو جُحَيْفَةَ هَذَا هُوَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الْكُنَى وَذَكَرَهُ بِكُنْيَتِهِ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَقَدْ قَلَّدَ الْعَيْنِيُّ الشَّارِحَ فَقَالَ لَمَّا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ جُحَيْفَةَ وَالصَّوَابُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ { أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ } ا هـ فَتَنَبَّهْ ( قَوْلُهُ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادُ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْقَيْسِيِّ الضُّبَعِيِّ ا هـ إصَابَةٌ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يُقْتَلُ بِهِ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ ا هـ قَوْلُهُ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ ) قَالَ فِي الْفَائِقِ التَّكَافُؤُ التَّسَاوِي أَيْ تَتَسَاوَى فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لَا فَضْلَ فِيهَا لِشَرِيفٍ عَلَى وَضِيعٍ وَالذِّمَّةُ الْأَمَانُ وَمِنْهَا سُمِّيَ الْمُعَاهِدُ ذِمِّيًّا ؛ لِأَنَّهُ أُومِنَ عَلَى مَالِهِ وَدَمِهِ لِلْجِزْيَةِ

أَيْ إذَا أَعْطَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَمَانًا فَلَيْسَ لِلْبَاقِينَ إخْفَاؤُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَشِيرُوا إلَيَّ فِي قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ ) يَعْنِي عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَقَ فِي الدِّينِ ) لَفْظَةُ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ فَلْيُرَاجَعْ الْحَدِيثَ ا هـ ( قَوْلُهُ مَا فَتَقَ ) فَتَنَ الدَّيْنَ مَا فَتَنَ ا هـ مِنْ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ ) أَيْ قَتْلُ الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ وَابْنَةِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمِنٍ ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِحَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَانْعَدَمَتْ الْمُسَاوَاةُ وَكَذَا كُفْرُهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحِرَابِ لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمِنُ بِالْمُسْتَأْمِنِ قِيَاسًا لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْمُبِيحِقَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا مَضَتْ أَخْرَجْنَاهُ وَلَا نُمَكِّنُهُ مِنْ الْمَقَامِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى مَأْمَنِهِ صَارَ مُبَاحَ الدَّمِ وَالْمُسْلِمُ مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِصَاصِ التَّسَاوِي فِي حَقْنِ الدَّمِ وَلَمْ يُوجَدْ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَبِالزَّمِنِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ ) يَعْنِي يُقْتَلُ الرَّجُلُ الصَّحِيحُ بِهَؤُلَاءِ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : وَيُقْتَلُ الْحَرُّ بِالْحُرِّ إلَخْ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمِنٍ ، وَإِنَّمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ فِي الْعِصْمَةِ وَالْمُسَاوَاةُ فِيهَا هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَاوَاةُ فِيمَا وَرَاءَهَا لَانْسَدَّ بَابُ الْقِصَاصِ وَلَظَهَرَ الْفِتَنُ وَالتَّفَانِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ) لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا مِنْ الْعُمُومَاتِ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْوَلَدِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ } ؛ وَلِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَقْتُلُ وَلَدَهُ غَالِبًا لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَبَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ ابْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِإِحْيَائِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِ وَلِهَذَا لَا يَقْتُلُهُ إذَا وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا ، وَهُوَ مُحْصَنٌ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ خِلَافُهُ ، وَلَوْ قُتِلَ بِهِ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الِابْنَ بِنَائِبَةٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأُمُّ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ كَالْأَبِ ) سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُمْ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَبِ يَكُونُ وَارِدًا فِيهِمْ دَلَالَةً ، فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ شَامِلَةً لِلْجَمِيعِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْقَتْلِ وَقَالَ مَالِكٌ : رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ قَتَلَهُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ تَأْدِيبَهُ وَإِنْ ذَبَحَهُ ذَبْحًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ؛

لِأَنَّهُ عَمْدٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا تَأْوِيلٌ بَلْ جِنَايَةُ الْأَبِ أَغْلَظُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الرَّحِمِ فَصَارَ كَمَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ حَيْثُ يُحَدُّ كَمَنْ زَنَى بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى ، وَلَيْسَ هَذَا كَالزِّنَا بِبِنْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ يَتَجَنَّبُ مَا يَضُرُّ وَلَدَهُ بَلْ يَتَحَمَّلُ الضَّرَرَ عَنْهُ حَتَّى يَسْلَمَ وَلَدُهُ فَهَذَا هُوَ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَقْصِدُ قَتْلَ وَلَدِهِ فَإِنْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّفَرَ لَمَّا كَانَ فِيهِ الْمَشَقَّةُ غَالِبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَا يُتَّفَقُ لِبَعْضِهِمْ فِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ وَلَا كَذَلِكَ الزِّنَا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْوَلَدِ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا جَدٌّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَلَا مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ ، وَإِنْ عَلَا بِوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ ، وَلَا وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا جَدَّةٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَلَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ عَلَتْ أَوْ سَفَلَتْ ، وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَقَتْلُ الْوَلَدِ بِالْوَالِدِ إجْمَاعٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ : مَنْ قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَلَكِنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ يُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثَ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا يَرِثُ مِنْ وَالِدَيْهِ وَلَا مِنْ مَالِ ابْنِهِ شَيْئًا وَيَرِثُ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ الِابْنِ بَعْدَ الْأَبِ وَلَا يَحْجُبُ الْأَبُ عَنْ الْمِيرَاثِ أَحَدًا وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْآثَارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَارْجِعْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إلَخْ ا هـ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَا وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ ، وَلَمْ يَقْتَصُّوا مِنْهُ لَوْ ذَبَحَهُ وَنُوجِبُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا فِي الْحَالِ ا هـ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي الدِّيَاتِ مَا نَصُّهُ وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ قَوَدُهُ بِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَبِمُكَاتَبِهِ وَبِعَبْدِ وَلَدِهِ وَبِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ ) لِمَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ عُقُوبَةٌ وَكَذَا لَا يَسْتَوْجِبُ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْقِصَاصُ لَا يَتَجَزَّأُ ، فَإِذَا سَقَطَ فِي الْبَعْضِ لِأَجَلِ أَنَّهُ مَلَكَ الْبَعْضَ سَقَطَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِابْنَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى أَبِيهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ أَخ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فَإِنَّ ابْنَهَا مِنْهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الَّذِي لَهَا عَلَى أَبِيهِ فَسَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا قَتَلَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ لِابْنِهِ مِنْهَا أَنْ يَقْتُلَهُ فَيَسْقُطُ الْقِصَاص( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَبِمُكَاتَبِهِ ) ، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ فَمِلْكُهُ بَاقٍ فِيهِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ ) أَيْ لِلْمَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ سَقَطَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي ) أَيْ كَالدَّمِ إذَا كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ بِالسَّيْفِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَرَّةِ إنْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ مَشْرُوعٍ ثُمَّ إنْ مَاتَ بِذَلِكَ فَبِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ حَزَّ رَقَبَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ وَلِهَذَا سُمِّيَ قِصَاصًا ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ كَاللِّوَاطِ وَسَقْيِ الْخَمْرِ اخْتَلَفَتْ مَشَايِخُهُمْ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُتَّخَذُ لَهُ مِثْلُ آلَتِهِ مِنْ الْخَشَبِ فِي اللِّوَاطَةِ وَيُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ وَيُسْقَى الْمَاءَ فِي سَقْيِ الْخَمْرِ وَيُمْهَلُ قَدْرُ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا حَزَّ رَقَبَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْمُمَاثَلَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُحَزُّ رَقَبَتُهُ وَلَا يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِخِلَافِ الْقَتْلِ بِالْحَجَرِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجْمَ مَشْرُوعٌ ، وَهُوَ بِالْحَجَرِ وَكَذَا قِتَالُ الْكُفَّارِ وَهُوَ بِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ صَبِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ } لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ الْقِصَاصِ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ فَيَجِبُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ ذَاتًا وَوَصْفًا وَلَنَا مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النُّعْمَانِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ لَا وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إذَا قُتِلَ بِغَيْرِهِ كَالنَّارِ إجْمَاعًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ وَاجِبٌ فَيُسْتَوْفَى بِالسَّيْفِ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْمُسْتَحَقَّ لَا

يُسْتَوْفَى إلَّا بِمَا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَوْتُ ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يَمُوتُ إلَّا بِالسِّرَايَةِ وَهِيَ مَوْهُومَةٌ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا ؛ وَلِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ } فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَأَنْ يُرِيحُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ ذَبْحَهُ مِنْ الْأَنْعَامِ فَمَا ظَنَّك بِالْآدَمِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُحْتَرَمِ ؛ وَلِأَنَّ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يُسْتَقَادُ مِنْ الْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ } ، وَلَوْ كَانَ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِينَاءِ مَعْنًى ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بَرِئَ أَوْ سَرَى فَلَمَّا ثَبَتَ الِاسْتِينَاءُ لِيُنْظَرَ مَا تَئُولُ إلَيْهِ الْجِنَايَةُ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ مَا تَئُولُ إلَيْهِ الْجِنَايَةُ إنْ سَرَتْ صَارَتْ قَتْلًا وَلَا يُعْتَبَرُ الطَّرَفُ مَعَهُ فَيُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ عَنْ النَّفْسِ فَقَطْ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً ، فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَى وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ فِي الْحَالِ ثُمَّ إذَا سَرَتْ وَمَاتَ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ لَا غَيْرُ لِكَوْنِ الْأَطْرَافِ تَبَعًا لَهَا فَهَذَا يَكْشِفُ لَك مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَمَا رَوَاهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ كَمَا نُسِخَتْ الْمُثْلَةُ ، أَوْ يَكُونُ الْيَهُودِيُّ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُقْتَلُ كَمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ لِيَكُونَ أَرْدَعَ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ؛ وَلِأَنَّ قَصْدَ الْيَهُودِيِّ كَانَ أَخْذَ الْمَالِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى فِي الْخَبَرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { عَدَا يَهُودِيٌّ عَلَى جَارِيَةٍ فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا }

الْحَدِيثَ ، وَهَذَا شَأْنُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، وَهُوَ يُقْتَلُ بِأَيِّ شَيْءٍ شَاءَ الْإِمَامُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَتَلَ الْيَهُودِيَّ بِخِلَافِ مَا كَانَ قَتَلَ بِهِ الْجَارِيَةَ فَإِنَّهُ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ رَضَخَ رَأْسَ جَارِيَةٍ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى قُتِلَ } وَأَيْضًا ، فَإِنَّهُ مَا قُتِلَ إلَّا بِقَوْلِ الْجَارِيَةِ إنَّهُ قَتَلَنِي وَبِمِثْلِهِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا بِالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَا نَفْيُ الزِّيَادَةِ مِنْ جِهَةِ عَلِيٍّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ { لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ وَمُثِّلَ بِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَئِنْ ظَفِرْت بِهِمْ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { ، وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ } الْآيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ نَصْبِرُ فَصَبَرَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ } وَهَذِهِ مُثْلَةٌ أَيْضًا ، وَهِيَ أَيْضًا مَنْسُوخَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مُكَاتَبٌ قُتِلَ عَمْدًا وَتَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثُهُ سَيِّدُهُ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ يَقْتَصُّ ) أَمَّا الْأَوَّلُ ، وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ هُنَا قَدْ اخْتَلَفَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَلَاءِ إنْ مَاتَ حُرًّا وَبِالْمِلْكِ إنْ مَاتَ عَبْدًا فَاشْتَبَهَ الْحَالُ فَلَا يَسْتَحِقُّ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فَيَسْقُطُ أَصْلًا كَمَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَ الْمَوْلَى فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ بِيَقِينٍ ، وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ أَيْضًا مُتَّحِدٌ مَعْلُومٌ فَلَا يُفْضِي اخْتِلَافُ السَّبَبِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ حُكْمٍ فَلَا يَضُرُّ مُجَرَّدُ اخْتِلَافِ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ السَّبَبَيْنِ فَلَا يُدْرَى بِأَيِّهِمَا يُحْكَمُ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ تَعَيُّنِ السَّبَبِ ، وَأَمَّا الثَّانِي ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرَ الْمَوْلَى ؛ فَلِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ لِمَوْتِهِ لَا عَنْ وَفَاءٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدًا عَمْدًا فَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا قَتَلَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ظَاهِرٌ فَاشْتَبَهَ الْمُسْتَحِقُّ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ

اشْتِرَاطُ الْوَارِثِ وَقَعَ اتِّفَاقًا ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَيْضًا الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَوْتِهِ رَقِيقًا ، أَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا لَا ) أَيْ لَا يُقْتَصُّ ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الْمَوْلَى وَالْوَارِثُ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ حَقٌّ ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ حُرًّا كَمَا قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَالْقِصَاصُ لِلْوَارِثِ ، وَإِنْ مَاتَ عَبْدًا كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَالْقِصَاصُ لِلْمَوْلَىقَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ فَلَا يُفْضِي اخْتِلَافُ السَّبَبِ إلَى الْمُنَازَعَةِ ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا مِنْ قَرْضٍ يَجِبُ الْأَلْفُ عَلَى الْمُقِرِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ تَعَيُّنِ الثَّمَنِ ) يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِمُتَّحِدٍ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ يُغَايِرُ حُكْمَ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِي النِّكَاحِ مَقْصُودٌ وَفِي مِلْكِ الْيَمِينِ تَبَعٌ لَا مَقْصُودَ فَلَمَّا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الْحِلُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ) أَيْ بِإِجْمَاعِ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ وَقَعَتْ وَالْمُسْتَحِقُّ الْمَوْلَى لِبَقَاءِ الرِّقِّ وَحَصَلَ الْمَوْتُ وَالْمُسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَمَّا تَغَيَّرَ الْمُسْتَحِقُّ صَارَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَالْقِصَاصُ إلَخْ ) فَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ لَا يُقْتَصُّ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَلِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَكَذَا الرَّاهِنُ لَا يَلِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ لِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِلَا بَدَلٍ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا فَيُؤَدِّيَ إلَى بُطْلَانِ حَقِّ الْغَيْرِ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْقِصَاصُ ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَجَعَلَاهُ كَالْمُكَاتَبِ الَّذِي تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا وَلَاءَ فَلَمْ يَشْتَبِهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْقِصَاصُ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ ، وَإِنْ نَقَضَ فَلِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ ارْتَفَعَ وَظَهَرَ أَنَّهُ الْمَالِكُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ فَسَخَ فَلَا قِصَاصَ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لَهُ وَوَجَبَتْ لَهُ الْقِيمَةُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ ) أَيْ إذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ قِصَاصًا وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى مَالٍ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ ، أَمَّا الْقَتْلُ فَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَكُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى النَّفْسِ وَلِأَبِيهِ وَلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَأَمْثَالِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ وَلَايَةُ اسْتِيفَاءِ قِصَاصٍ وَجَبَ لِلْمَعْتُوهِ ؛

لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ جُعِلَ التَّشَفِّيَ الْحَاصِلُ لَهُ كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ ؛ وَلِهَذَا يُعَدُّ ضَرَرُ وَلَدِهِ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَالْعَمِّ ، وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ الْقَوَدِ فَلَمَّا مَلَكَ الْقَوَدَ كَانَ الصُّلْحُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَلِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا لِمَا بَيَّنَّا وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ وَيَدْخُلَ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ إذْ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَالْوَصِيُّ يَتَوَلَّى التَّصَرُّفَ فِيهِ كَمَا يَتَوَلَّى الْأَبُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ بَلْ أَوْلَى وَقَالُوا الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ التَّصَرُّفَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ ، وَهُوَ التَّشَفِّي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ ، فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ فِي الصَّحِيحِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَسْتَوْفِيهِ

السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِ ، وَهَذَا لَا وَلِيَّ لَهُ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ فِيهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْقَاضِي كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ يُصَالِحُ فَقَطْ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقِصَاصُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ بِأَنْ قُتِلَ لَهُمْ وَلِيٌّ جَازَ لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصِّغَارُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّغَارُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ لَا وَلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّغَارِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا حَقَّهُمْ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْبَعْضِ لِعَدَمِ التَّجَزِّي وَلَا الْكُلُّ لِعَدَمِ الْوَلَايَةِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَحْصُلُ لَهُمْ فَتَعَيَّنَ التَّأْخِيرُ إلَى إدْرَاكِهِمْ كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا الْكَبِيرُ حَيْثُ يَصِحُّ ، وَإِنْ بَطَلَ بِذَلِكَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ بِعِوَضٍ فَيُجْعَلُ كَلَا بُطْلَانٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ حِينَ قَتَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ بِهِ وَقَدْ كَانَ فِي أَوْلَادِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ صِغَارٌ وَلَمْ يُنْتَظَرْ بُلُوغُهُمْ ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلًّا كَمَا فِي وَلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِلْقَاتِلِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ لَضَمِنَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا لِلْبَاقِينَ وَكَذَا لِلصِّغَارِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِخِلَافِ مَا إذَا

كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَسْتَوْفِيهِ بَعْضُهُمْ فِيهِ مَعَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِ الْكَبِيرِ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ وَفِي الصِّغَارِ احْتِمَالُ الْعَفْوِ مُنْقَطِعٌ فِي الْحَالِ فَافْتَرَقَا ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْمِلْكُ أَوْ الْوَلَاءُ ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا السَّبَبُ الْقَرَابَةُ ، وَهِيَ مُتَكَامِلَةٌ ؛ وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا أَوْ الْمُعْتَقَةَ لَهُمَا وَفِي الْقَرَابَةِ يُزَوِّجُ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ وَلَوْ كَانَ الْكَبِيرُ وَلِيًّا لِلصَّغِيرِ مِمَّنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ يَسْتَوْفِيهِ الْكَبِيرُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَلَايَةُ لَهُمَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْقَرَابَةِ ، وَإِنْ كَانَ وَلِيًّا لِلصَّغِيرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَعَلَى الْخِلَافِ ، فَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الِاسْتِيفَاءَ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْكُلِّ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الْعَفْوُ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ ) أَرَادَ بِوَلِيِّ الْمَعْتُوهِ قَرِيبُهُ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ مَثَلًا وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَعْتُوهِ يَكُونُ لَهُ أَبٌ فَيَقْتُلُ رَجُلٌ وَلِيَّ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا قَالَ لِلْأَبِ أَنْ يَقْتُلَ وَأَنْ يُصَالِحَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا الْقَتْلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَحَاصِلُ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اتَّفَقَتْ فِي الْأَبِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَأَنَّهُ يُصَالِحُ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَصِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ النَّفْسِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ مَا دُونَهَا وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الصُّلْحَ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ فِي الْبَابَيْنِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَصِيِّ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ صُلْحُهُ فِي النَّفْسِ عَلَى مَالٍ فَقَالَ هَاهُنَا أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ صُلْحُهُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ لَا يَصِحُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فَأَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ وَكَذَلِكَ مِلْكُ النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَلِيٌّ أَقْرَبَ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى

الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ا هـ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَلِلْأَتْقَانِيِّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ هُنَا اعْتِرَاضٌ ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ ا هـ مَا كَتَبَهُ عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ ا هـ قَوْلُهُ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى مِثْلِ الدِّيَةِ أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقٌ حَيْثُ جَوَّزَ صُلْحَ أَبِي الْمَعْتُوهِ عَنْ دَمِ قَرِيبِهِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِقَدْرِ الدِّيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِ ، وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ مِنْ الْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ فَإِذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَالصُّلْحُ أَوْلَى وَالنَّفْعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا كَانَ ذَلِكَ دُونَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ أَوْ أَكْثَرَ ، وَهُوَ حَالٌ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ كَتَبَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَلَى هَامِشِ الزَّيْلَعِيِّ حَاشِيَةً عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَنَصُّ الْحَاشِيَةِ وَكَذَا اعْتِرَاضُ الْأَتْقَانِيِّ هُنَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهْمٌ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ ) فِي الصَّحِيحِ يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةً فِي النَّفْسِ

وَالْمَالِ جَمِيعًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي رَجُلٍ قُتِلَ عَمْدًا وَلَا وَلِيَّ لَهُ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ اللَّقِيطُ فِي قَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا أُدْرِكَ مَعْتُوهًا ، وَأَمَّا إذَا أُدْرِكَ عَاقِلًا ثُمَّ لَحِقَهُ الْعَتَهُ فَفِي قَوْلِ زُفَرَ لَا وَلَايَةَ لِلْوَصِيِّ فِي مَالِهِ وَلَا فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حُكْمُهُ وَحُكْمُ الَّذِي أُدْرِكَ مَعْتُوهًا سَوَاءٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَصِيُّ يُصَالِحُ فَقَطْ ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ يُصَالِحُ عَنْهُ ، وَهُوَ النَّفْسُ أَمَّا اسْتِيفَاءُ الْأَبِ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ وَالصُّلْحُ عَنْهُ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَنْزِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْوَافِي فَقَالَ فِيهِ مَا نَصُّهُ لِأَبِي الْمَعْتُوهِ قَوَدٌ وَصُلْحٌ لَا عَفْوٌ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ وَقَطْعِ الْمَعْتُوهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حُكْمَ الْوَصِيِّ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ الْكَافِي فَقَالَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا الْقَتْلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَلَيْسَ لَهُ الْوَلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَتْلُ ا هـ قُلْت وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا الصُّلْحُ عَنْ الطَّرَفِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِهِ وَلَمَّا كَانَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَنْزِ اقْتَصَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَبِ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَالصُّلْحِ عَنْهَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِيفَاءَ الْأَبِ الطَّرَفَ وَالصُّلْحَ عَنْهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ قَوْلَهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْقَتْلِ إلَخْ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْكَافِي وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا

الْإِطْلَاقِ هُوَ قَوْلُهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَبِ الطَّرَفَ وَالصُّلْحَ عَنْهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكَنْزِ كَمَا قَدَّمْنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُ الشَّارِحِ إذْ لَمْ يُسْتَثْنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لَا لِلْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوهِمُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي يُسْتَثْنَ عَلَى الْمُصَنِّفِ ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْكَنْزِ وَلَا فِي أَصْلِهِ الْوَافِي نَعَمْ هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَكَأَنَّ الْبَدْرَ الْعَيْنِيَّ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَنْزِ فَقَالَ ثُمَّ إطْلَاقُ قَوْلِهِ يَشْمَلُ الصُّلْحَ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ ا هـ وَقَدْ عَلِمْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْكَنْزَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِيفَاءَ الطَّرَفِ فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ مِنْ الشُّمُولِ فَتَنَبَّهْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ ا هـ قَوْلُهُ ، وَإِنْ بَطَلَ بِذَلِكَ حَقُّهُ ) أَيْ حَقُّ الصَّغِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إلَخْ ) رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا أَصَابَهُ ابْنُ مُلْجِمٍ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ أَمَّا أَنْتَ يَا حَسَنُ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَعْفُوَ فَاعْفُ ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْتَصَّ فَاقْتَصَّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِيَّاكَ وَالْمُثْلَةَ فَلَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ قُتِلَ بِهِ وَفِي وَرَثَةِ عَلِيٍّ صِغَارٌ مِنْهُمْ الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ وَكَانَ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ الْكَبِيرِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ فَلَمْ يَسْتَأْنِ بِهِ بُلُوغَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَعَلَى الْخِلَافِ ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْكَبِيرِ الِاسْتِيفَاءُ وَعِنْدَهُمَا لَا حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ يَقْتَصُّ إنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ وَإِلَّا لَا كَالْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ ) هَذَا إذَا أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهَا أَوْ بِالْعُودِ أَوْ بِالْخَنْقِ أَوْ بِالتَّغْرِيقِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هُنَاكَ فَلَا نُعِيدُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا وَصَارَ ذَا فِرَاشٍ وَمَاتَ يُقْتَصُّ ) ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ أَوْ الْبُرْءِ مِنْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَزَيْدٍ وَأَسَدٍ وَحَيَّةٍ ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ جِنْسٌ آخَرَ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرًا فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ بِهِ وَفِعْلُ زَيْدٍ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ هَدَرٌ مُطْلَقًا وَمُعْتَبَرٌ مُطْلَقًا وَهَدَرٌ مِنْ وَجْهِ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةً فَيَجِبُ عَلَى زَيْدٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ فِعْلُ زَيْدٍ عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ قُتِلَ وَإِنْ أَصَابَهُ الْعُودُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهَذِهِ بِعَيْنِهَا مِنْ الْخَوَاصِّ أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فَإِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِوُجُودِ الْقَتْلِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِ الْحَدِيدِ فَقَتَلَهُ دَقًّا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِوُجُودِ الْقَتْلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ سِلَاحٌ كُلُّهُ حِدَّة وَعَرْضُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَهُوَ سِلَاحٌ كُلُّهُ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرِيعَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } وَقَالَ تَعَالَى { وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْجُرْحُ إنْ قَتَلَهُ جَرْحًا بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ يَجِبُ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَتْ حَدِيدًا أَوْ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ آلَةً يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ عَادَةً لِوُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِتَخْرِيبِ الْحَيَاةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِصِفَةِ التَّعَمُّدِ ، وَإِنْ قَتَلَهُ دَقًّا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْآلَةُ حَدِيدًا أَوْ لَمْ تَكُنْ لِعَدَمِ إفْسَادِ الظَّاهِرِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ حَاصِلًا بِصِفَةِ الْكَمَالِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَسَنَجَاتُ الْمِيزَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ الْجُرْحُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْعُودِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَكِنَّهُ إنْ كَانَ عَظِيمًا لَا يَلْبَثُ كَانَ كَالسَّيْفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ كَالسَّوْطِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ ، احْتَجَّا بِأَنَّ مَا لَا يَلْبَثُ يَعْمَلُ عَمَلَ السَّيْفِ وَزِيَادَةً فَوَجَبَ أَنْ

يَلْحَقَ بِهِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ هَذَا قَتْلٌ تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْخَطَأِ فَلَا يَجِبُ الْقَوَدُ كَالْقَتْلِ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ فَيَصِيرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِمَا لَهُ أَثَرٌ فِيهِمَا نَاقِصًا ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُغْرِقُ الصَّبِيَّ أَوْ الرَّجُلَ فِي الْبَحْرِ قَالَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ : عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا وَلَكِنْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالتَّغْرِيقِ وَعِنْدَهُمَا بِالسَّيْفِ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهَا ) فَإِنْ جَرَحَهُ فَكَذَلِكَ إجْمَاعًا ، وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْهُ فَكَذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِاعْتِبَارِهِ الْحَدِيدَ دُونَ الْجُرْحِ وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لَا قَوَدَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ زَاهِدِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا وَجَبَ قَتْلُهُ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أَبْطَلَ دَمَهُ } ؛ وَلِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَتْلُهُ إذْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَاغِيًا بِذَلِكَ وَكَذَا إذَا شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ دَفْعًا عَنْهُ فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ ، وَإِنْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصَا فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا خَارِجَ الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِاللَّيْلِ وَلَا فِي خَارِجِ الْمِصْرِ ، فَكَانَ لَهُ دَفْعُهُ بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ ، وَقِيلَ إذَا كَانَ عَصَا لَا يَلْبَثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ السِّلَاحِ عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا كَمَا فِي السَّيْفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصَا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَهَرَ عَصًا نَهَارًا فِي مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قُتِلَ بِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَصَا تَلْبَثُ وَالْغَوْثَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ فِي الْمِصْرِ ، فَكَانَ بِالْقَتْلِ مُتَعَدِّيًا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالسِّلَاحِ عِنْدَهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّهُ كَالسِّلَاحِ عِنْدَهُمَا حَتَّى يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ بِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ

عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ وَعَلَى هَذَا الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْمُولًا عَلَى قَتْلِهِ بِفِعْلِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك وَكَوْنُ الدَّابَّةِ مَمْلُوكَةً لِلْغَيْرِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ كَالْعَبْدِ إذَا شَهَرَ سَيْفًا عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، فَكَذَا هَذَا فَصَارَ كَالصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ فَقَتَلَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مُعْتَبَرٌ فِي الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا إذَا أَتْلَفَا مَالًا أَوْ نَفْسًا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ بِخِلَافِ فِعْلِ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا حَتَّى لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْعَجْمَاءَ جُبَارٌ وَكَذَا عِصْمَتُهُمَا بِحَقِّهِمَا وَعِصْمَةُ الدَّابَّةِ لِحَقِّ الْمَالِكِ ، فَكَانَ فِعْلُهُمَا مُسْقِطًا لِعِصْمَتِهِمَا فَلَا يَضْمَنَانِ وَيَضْمَنُ الدَّابَّةَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ أَوْ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْنَا تَحَمُّلَ أَذَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ أَبَاحَ قَتْلَهَا مُطْلَقًا لِتَوَهُّمِ الْإِيذَاءِ مِنْهَا فَمَا ظَنُّك عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِيذَاءِ وَمَالِكُ الدَّابَّةِ لَمْ يَأْذَنْ فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ وَكَذَا عِصْمَةُ عَبْدِ الْغَيْرِ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَفِعْلُهُ مَحْظُورٌ فَيَسْقُطُ بِهِ عِصْمَتُهُ وَلَنَا أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَمْ يَقَعْ بَغْيًا فَلَا تَسْقُطُ الْعِصْمَةُ بِهِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِقَتْلِهِمَا وَلَا الضَّمَانُ بِفِعْلِ الدَّابَّةِ فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ كَانَ قَضِيَّتُهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ

؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ ، وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَتَجِبُ الدِّيَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ فَقَتَلَهُ الْآخَرُ قُتِلَ بِهِ الْقَاتِلُ ) مَعْنَاهُ إذَا شَهَرَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ ثُمَّ إنَّ الْمَضْرُوبَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ ضَرَبَ الضَّارِبَ وَهُوَ الشَّاهِرُ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الشَّاهِرَ لَمَّا انْصَرَفَ بَعْدَ الضَّرْبِ عَادَ مَعْصُومًا مِثْلَ مَا كَانَ ؛ لِأَنَّ حِلَّ دَمِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِ شَهْرِهِ وَضَرْبِهِ فَإِذَا انْكَفَّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرِيدُ ضَرْبَهُ ثَانِيًا انْدَفَعَ شَرُّهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَتْلِهِ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِدُونِهِ فَعَادَتْ عِصْمَتُهُ فَإِذَا قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا ظُلْمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ صُورَتُهَا فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا قَالَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَهَرَ عَلَيْهِمْ السَّيْفَ وَقَصَدَ قَتْلَهُمْ صَارَ حَرْبًا عَلَيْهِمْ فَكَانَ كَالْبَاغِي فَبَطَلَتْ عِصْمَةُ دَمِهِ لِلْمُحَارِبَةِ قَالَ تَعَالَى { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } فَجَازَ لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ شَهَرَ عَلَيْهِمْ السَّيْفَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ دَفْعًا لِلشَّرِّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ دَفْعَ الشَّرِّ وَاجِبٌ وَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُعِينُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعُوا الشَّرَّ عَنْهُمْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا } يَعْنِي إذَا كَانَ ظَالِمًا تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ ، وَإِذَا كَانَ مَظْلُومًا تَمْنَعُ الظُّلْمَ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ ) مِنْ اللُّبْثِ الْإِبْطَاءِ وَالتَّأَخُّرِ ا هـ ابْنُ الْأَثِيرِ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ شَهَرَ عَصًا نَهَارًا فِي مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قُتِلَ بِهِ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمَجْمَعِ قُبَيْلَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونُ بِقَتْلِهِمَا ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ ا هـ ( فَرْعٌ ) وَمَنْ نَظَرَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ مِنْ ثُقْبٍ أَوْ شَقِّ بَابٍ أَوْ نَحْوِهِ فَطَعَنَهُ صَاحِبُ الدَّارِ بِخَشَبَةٍ أَوْ رَمَاهُ بِحَصَاةٍ فَقَلَعَ عَيْنَهُ يَضْمَنُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لَا يَضْمَنُهَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْك بِغَيْرِ إذْنِ فَحَذَفْته بِحَصَاةٍ وَفَقَأَتْ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك جُنَاحٌ } وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سُفْيَانَ { أَنَّ

رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُكُّ رَأْسَهُ وَمُدَارَةٌ فِي يَدِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَنْظُرُنِي لَطَعَنْت بِهَا فِي عَيْنِك } وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ } ، وَهُوَ عَامٌّ ؛ وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ النَّظَرِ لَا يُبِيحُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَظَرَ مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَكَمَا لَوْ دَخَلَ فِي بَيْتِهِ وَنَظَرَ فِيهِ وَنَالَ مِنْ امْرَأَتِهِ مَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَجُزْ قَلْعُ عَيْنِهِ ؛ وَلِأَنَّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَيْلًا فَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَاتَّبَعَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَاتِلْ دُونَ مَالِك } أَيْ لِأَجْلِ مَالِك ؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِهِ انْتِهَاءً إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ إلَّا بِهِ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَيْهِ يَطْرَحُ مَالَهُ فَقَتَلَهُ مَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا قَتَلَ الْغَاصِبَ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْقَاضِي فَلَا تَسْقُطُ عِصْمَتُهُ بِخِلَافِ السَّارِقِ وَاَلَّذِي لَا يَنْدَفِعُ بِالصِّيَاحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

( بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يُقْتَصُّ بِقَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمِفْصَلِ ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ أَكْبَرَ وَكَذَا الرِّجْلُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنُ وَالْعَيْن إنْ ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ ، وَإِنْ قَلَعَهَا لَا وَالسِّنُّ وَإِنْ تَفَاوَتَا وَكُلُّ شَجَّةٍ تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } أَيْ ذُو قِصَاصٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ } وَالْقِصَاصُ يُبْنَى عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا ، وَقَدْ أَمْكَنَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِكِبَرِ الْعُضْوِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَيُمْكِنُ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْعَيْنِ إذَا ضُرِبَتْ وَذَهَبَ ضَوْءُهَا ، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَنْ تُحْمَى لَهَا الْمِرْآةُ وَيُجْعَلَ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُسَدَّ عَيْنُهُ الْأُخْرَى ثُمَّ تُقَرَّبَ الْمِرْآةُ مِنْ عَيْنِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا انْقَلَعَتْ حَيْثُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ عَلِيٌّ يَجِبُ الْقِصَاصُ فَبَيَّنَ إمْكَانَ الِاسْتِيفَاءِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ هُنَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْكِبَرُ وَالصِّغَرُ فِي الْعُضْوِ حَتَّى أُجْرِيَ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ بِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ وَاعْتَبَرَهُ بِالشَّجَّةِ فِي الرَّأْسِ إذَا كَانَتْ اسْتَوْعَبَتْ رَأْسَ الْمَشْجُوجِ ، وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ رَأْسَ الشَّاجِّ فَأَثْبَتَ لِلْمَشْجُوجِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ ، وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَأَخَذَ بِقَدْرِ شَجَّتِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّ الشَّجَّةَ الْمُسْتَوْعِبَةَ لِمَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ أَكْثَرُ شَيْنًا مِنْ الشَّجَّةِ الَّتِي لَا تَسْتَوْعِبُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْعُضْوِ فَإِنَّ الشَّيْنَ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ وَكَذَا

مَنْفَعَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍبَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ) لَمَّا ذَكَرَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ شَرَعَ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَهَا ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ يَتْبَعُ الْكُلَّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ ) ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمَارِنِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَ قَصَبَةُ الْأَنْفِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ سِوَى السِّنِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْأُذُنُ ) ، وَأَمَّا الْأُذُن إذَا قُطِعَ كُلُّهَا فَفِيهَا الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّهَا لَا تَنْقَبِضُ وَلَا تَنْبَسِطُ ، وَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهَا وَلِلْقَطْعِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ أَمْكَنَتْ الْمُمَاثَلَةُ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفَ سَقَطَ الْقِصَاصُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ ) فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِمَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ ) أَيْ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ ا هـ ( قَوْلُهُ الَّتِي لَا يَسْتَوْعِبُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ ) أَيْ قَرْنَيْ الشَّاجِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْفَعَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ ) أَيْ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ } وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَبِوَضْعِ صَاحِبِ الْكِتَابِ ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يُبْنَى عَلَى الْمُسَاوَاة وَقَدْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا فِي غَيْرِ السِّنِّ وَاخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي السِّنِّ هَلْ هُوَ عَظْمٌ أَوْ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ عَظْمٌ ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ وَيَنْمُو بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَيَلِينُ بِالْخَلِّ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعِظَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَظْمٍ فَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ تَرَكَ السِّنَّ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الِاسْمِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَسْتَثْنِهِ وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّهُ عَظْمٌ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعِظَامِ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُبْرَدَ بِالْمِبْرَدِ بِقَدْرِ مَا كُسِرَ مِنْهُ وَكَذَا إنْ قُلِعَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ لَهَاتُهُ وَلَكِنْ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ

( قَوْلُهُ فَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ تَرَكَ السِّنَّ ) أَيْ اسْتَثْنَى السِّنَّ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمِ السِّنِّ إلَّا فِي السِّنِّ اسْتَثْنَاهُ فِي أَثَرِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ لَهَاتُهُ ) كَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنُسْخَةِ الزَّرَاتِيِتيِّ الْمُقَابَلَةِ عَلَى خَطِّ الشَّارِحِ وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَهَاتُهُ مَا نَصُّهُ هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ صَوَابُهُ لِثَاتَهُ ؛ لِأَنَّ اللِّثَةَ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ هِيَ مَا حَوْلَ الْأَسْنَانِ وَأَصْلُهَا لَثِيَ وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنْ الْيَاءِ وَجَمْعُهَا لِثَاتٌ وَلِثَى ا هـ ، وَأَمَّا اللَّهَاةُ فَهِيَ كَمَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ اللَّهَاةُ هِيَ الْهَنَةُ الْمُطْبَقَةُ فِي أَقْصَى سَقْفِ الْفَمِ وَالْجَمْعُ اللُّهَى وَاللَّهَوَاتُ وَاللَّهَيَاتُ أَيْضًا ا هـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ اللَّهَاةُ لَحْمَةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْحَلْقِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ مَنْ تَسَحَّرَ بِسَوِيقٍ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَلَهَاتِهِ شَيْءٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفُ لِثَاتِهِ ، وَهِيَ لَحْمَاتُ أُصُولِ الْأَسْنَانِ ا هـ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ اللِّثَةُ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ عُمُورُ الْأَسْنَانِ ، وَهِيَ مَغَارِزُهَا ثُمَّ قَالَ وَفِي حَدِيثِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ فَمَا زِلْت أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهَوَاتُ جَمْعُ لَهَاةٍ وَهِيَ اللَّحْمَاتُ فِي سَقْفِ أَقْصَى الْفَمِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ وَعَبْدَيْنِ ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِي الطَّرَفِ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَلَا بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَلَا بَيْنَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لِلْأَنْفُسِ وَشُرِعَ الْقِصَاصُ فِيهَا لِلْإِلْحَاقِ بِالْأَنْفُسِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ وَمَا لَا فَلَا وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا وِقَايَةُ الْأَنْفُسِ كَالْأَمْوَالِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ طَرَفِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ بِتَقْوِيمِ الشَّارِعِ وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ وَإِنْ تَسَاوَيَا فِيهِمَا فَذَلِكَ بِالْحِرْزِ وَالظَّنِّ ، وَلَيْسَ بِيَقِينٍ فَصَارَ شُبْهَةً فَامْتَنَعَ الْقِصَاصُ بِخِلَافِ طَرَفِ الْحُرَّيْنِ ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِهِ بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا يَتَعَلَّقُ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ ، وَلَا تَفَاوُتَ فِيهِ

قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا وُجُودَ التَّفَاوُتِ فِي الْبَدَلِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ لَكِنَّ الْمَعْقُولَ مِنْهُ مَنْعُ اسْتِيفَاءِ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ دُونَ الْعَكْسِ فَإِنَّ الشَّلَّاءَ تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ ، وَأَنْتُمْ لَا تَقْطَعُونَ يَدَ الْمَرْأَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ فَالْجَوَابُ إنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ مَانِعًا مُطْلَقًا وَالشَّلَلُ لَيْسَ مِنْهُ فَيَعْتَبِرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ تَفَاوُتًا مَالِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا سُلِكَ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ تَفَاوُتًا فِي الْمَنْفَعَةِ تَنْتَفِي بِهِ الْمُمَاثَلَةُ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ فَقُلْنَا تُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَلَا تُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ جَائِزٌ دُونَ الْبَدَلِ بِالْأَطْرَافِ ا هـ أَكْمَلَ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ : فَإِنْ قِيلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ صَحِيحٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَطْعِ الصَّحِيحِ بِالْأَشَلِّ وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ بِالْأُنْثَى فَهَلَّا أَجَزْتُمْ أَنْ تُقْطَعَ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ كَمَا يُقْطَعُ الْأَشَلُّ بِالصَّحِيحِ قِيلَ النَّقْصُ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ فَيَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْكَامِلِ بِالنَّاقِصِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ كَالشَّلَلِ ، وَنَقْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَيَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ كَالْيَسَارِ بِالْيَمِينِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَقْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ ) ، فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَى الْحُرِّ عِنْدَهُ أَيْضًا ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطَرَفُ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ سِيَّانَ ) أَيْ مِثْلَانِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا لِلتَّسَاوِي فِي الْأَرْشِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجْرِي لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَصْلِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَطْعُ يَدٍ مِنْ نِصْفِ سَاعِدٍ وَجَائِفَةٌ بُرِئَ مِنْهَا وَلِسَانٌ وَذَكَرٌ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الْحَشَفَةَ ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ كَسْرُ الْعَظْمِ وَيَتَعَذَّرُ التَّسَاوِي فِيهِ إذْ لَا ضَابِطَ لَهُ ، وَفِي الْجَائِفَةِ الْبُرْءُ نَادِرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْرَحَ الثَّانِي جَائِفَةً عَلَى وَجْهٍ يَبْرَأُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ إهْلَاكًا فَلَا يَجُوزُ ، وَالذَّكَرُ وَاللِّسَانُ يَنْقَبِضَانِ وَيَنْبَسِطَانِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْحَشَفَةِ ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ فَصَارَ كَالْمِفْصَلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ مِنْ أَصْلِهِمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ ، وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضَ الذَّكَرِ أَوْ بَعْضَ اللِّسَانِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِجَهَالَةِ مِقْدَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ كُلَّ الْأُذُنِ أَوْ بَعْضَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ وَلَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ ، وَالشَّفَةُ إنْ اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ

( قَوْلُهُ وَفِي الْجَائِفَةِ الْبُرْءُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَأَمَّا الْجَائِفَةُ ، وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْبَطْنِ مِنْ الصَّدْرِ أَوْ الظَّهْرِ أَوْ الْبَطْنِ إذَا بَرَأَتْ لَا يَكُونُ فِيهَا الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الْجَائِفَةَ الْمُقْتَصُّ بِهَا نَادِرٌ بُرْؤُهَا إذْ الْهَلَاكُ فِيهَا غَالِبٌ ، فَإِذَا أَفْضَتْ إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالْأُولَى لِوُجُودِ الْبُرْءِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْقِصَاصِ بَلْ يَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَلَا تَكُونُ الْجَائِفَةُ إلَّا فِيمَا يَصِلُ إلَى الْبَطْنِ وَلَا تَكُونُ فِي الرَّقَبَةِ وَلَا فِي الْحَلْقِ وَلَا فِي الْيَدَيْنِ وَلَا فِي الرِّجْلَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي الْأُنْثَيَيْنِ وَالدُّبُرِ فَهِيَ جَائِفَةٌ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ) وَقَدْ قَالُوا جَمِيعًا لَوْ قُطِعَ بَعْضُ اللِّسَانِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مِفْصَلٌ يُوقَعُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَلَا تُعْلَمُ الْمُمَاثَلَةُ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَخُيِّرَ بَيْنَ الْأَرْشِ وَالْقَوَدِ إنْ كَانَ الْقَاطِعُ أَشَلَّ أَوْ نَاقِصَ الْأَصَابِعِ أَوْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ ) أَمَّا الْأَوَّلُ ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ وَيَدُ الْمَقْطُوعِ صَحِيحَةً كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ ؛ فَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ مُتَعَذِّرٌ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ فِي الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ كَامِلًا كَمَنْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا لِإِنْسَانٍ فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا رَدِيئًا ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ نَاقِصًا وَبَيْنَ أَنْ يَعْدِلَ إلَى الْقِيمَةِ ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ سَقَطَ فِي الزِّيَادَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ فَيَسْتَوْفِي مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَمَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ يُضَمِّنُهُ ، وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ وَصْفٌ فَلَا يَضْمَنُ بِانْفِرَادِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَجَوَّزَ بِالرَّدِيءِ مَكَانَ الْجَيِّدِ ، وَلَوْ سَقَطَتْ يَدُهُ الْمَعِيبَةُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْقِصَاصِ عِنْدَنَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا وَحَقُّهُ ثَابِتٌ فِيهِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ الْمَالَ كَمَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَإِذَا فَاتَ الْمَحَلُّ بَطَلَ الْحَقُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ بِقَوَدٍ أَوْ سَرِقَةٍ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عِنْدَهُ أَصْلِيٌّ كَالْقَوَدِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ تَعَيَّنَ الْمَالُ وَلَنَا أَنَّ الْقَوَدَ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَفُوتُ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ كَمَا إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ بِقِصَاصٍ أَوْ سَرِقَةٍ قَدْ أَوْفَى بِهَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَسَلِمَتْ لَهُ مَعْنًى فَيَغْرَمُ

لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ النَّفْسِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ لِغَيْرِهِ فَقُتِلَ بِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَالِ فَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ ، وَأَمَّا الثَّانِي ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ بِأَنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ اسْتَوْعَبَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ ، وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ ؛ فَلِأَنَّ الشَّجَّةَ إنَّمَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِكَوْنِهَا مُشِينَةً فَيَزْدَادُ الشَّيْنُ بِزِيَادَتِهَا ، وَفِي اسْتِيفَاءِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَعَلَ وَبِاسْتِيفَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ لَا يَلْحَقُ الشَّاجَّ مِنْ الشَّيْنِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَيُخَيَّرُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ وَالصَّحِيحَةِ ثُمَّ لَوْ اخْتَارَ الْقَوَدَ يَبْدَأُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ وَفِي عَكْسِهِ ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَشْجُوجِ أَكْبَرَ يَتَخَيَّرُ أَيْضًا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الشَّيْنِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ فِي طُولِ الرَّأْسِ ، وَهِيَ تَأْخُذُ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا إلَى قَفَاهُ وَلَا تَأْخُذُ إلَى قَفَا الْآخَرِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ لِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ الرَّازِيّ الْكَبِيرِ أَنَّ لَهُ الِاقْتِصَاصَ وَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُنْظَرُ إلَى الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ كَالْيَدِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الشَّجَّةِ لِأَجْلِ الشَّيْنِ ، وَهُوَ يَتَفَاوَتُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَفِي قَطْعِ الْيَدِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ ، وَهِيَ لَا تَتَفَاوَتُ وَلَعَلَّ الصَّغِيرَةَ أَنْفَعُ مِنْ الْكَبِيرَةِ فَافْتَرَقَا

( قَوْلُهُ وَلَوْ سَقَطَتْ يَدُهُ الْمَعِيبَةُ ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَقْطَعَهَا رَجُلٌ ظُلْمًا أَوْ تَتْلَفُ بِآفَةٍ مِنْ السَّمَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ بَطَلَ حَقُّهُ إلَخْ ) وَلَا يُقَالُ إنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا فِي الْيَدِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ هَذَا الْحَقِّ إلَى بَدَلِهِ فَإِذَا تَلِفَ لَمْ تَجُزْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ عَنْهُ مَعَ تَلَفِهِ كَذَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ يَبْدَأُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ ) حَتَّى يَبْلُغَ مِقْدَارَهَا فِي طُولِهَا إلَى حَيْثُ يَبْلُغُ ثُمَّ يَكُفُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ إنَّ لَهُ الِاقْتِصَاصَ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَهُ الِاقْتِصَاصُ ا هـ

( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ ) أَيْ إذَا صُولِحَ الْقَاتِلُ عَلَى مَالٍ عَنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ حَالًّا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ، الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا } وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَخْذُ الْمَالِ بِرِضَا الْقَاتِلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَهُ يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ مَجَّانًا فَكَذَا تَعْوِيضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ مِنْ إحْسَانِ الْوَلِيِّ وَإِحْيَاءِ الْقَاتِلِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ فَكَذَا التَّعْوِيضُ وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَيُفَوَّضُ إلَى اصْطِلَاحِهِمَا كَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً حَيْثُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ ، فَيَكُونُ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْهُ رِبًا وَإِنَّمَا وَجَبَ حَالًّا ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِهِ الْحَوْلُ كَالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَوَدُ ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْعَقْدِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ الْمَالِ إلَّا مُقَابَلًا بِهِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } الْآيَةَ ) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ) أَيْ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِنَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً إلَخْ ) إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ مَا اُفْتُرِضَتْ فِيهِ الدِّيَةُ ، وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ يَجُوزُ وَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ ) أَيْ سُقُوطَ الْقَوَدِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَتَنَصَّفُ إنْ أَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَسَيِّدُ الْقَاتِلِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَمَوْلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ رَجُلًا بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَوْلَى نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِصَاصِ وَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَنْقَسِمُ بَدَلُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَلْفَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَيْهِمَا فَيَنْتَصِفُ مُوجِبُهُ وَهُوَ الْأَلْفُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ حَظِّهِ عَلَى عِوَضٍ أَوْ عَفَا فَلِمَنْ بَقِيَ حَظُّهُ مِنْ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا بِالْعَفْوِ أَوْ بِالصُّلْحِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَنْفُذُ عَفْوُهُ وَصُلْحُهُ فَيَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ أَيْضًا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا فَكَذَا سُقُوطًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْآخَرِ قَتْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِصَاصَانِ لِاخْتِلَافِ الْقَتْلِ وَالْمَقْتُولِ فَبِسُقُوطِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ الْآخَرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ ثُبُوتًا هَكَذَا بَقَاءً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ، فَإِذَا سَقَطَ انْقَلَبَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يَعْفُ مَالًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ لِمَعْنًى فِي الْقَتْلِ وَهُوَ ثُبُوتُ عِصْمَةِ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ عَنْ الْقِصَاصِ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَإِ فَإِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ فِيهِ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُخْطِئًا فَلَا يَجِبُ لِلْعَافِي شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ الْمُتَعَيِّنَ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ شُرَكَائِهِ لِعَدَمِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُمْ مَالًا وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا حَقَّ لِلزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ وَلَا فِي الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَهِيَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَثْبُتُ حَقُّهُمَا فِي الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْعَقْدُ ، وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامُ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِهِ الْأَقَارِبُ الَّذِينَ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ

بَعْضًا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا عَاقِلَةَ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ ، وَمَنْ تَرَكَ كُلًّا فَعَلَيَّ وَالْقِصَاصُ حَقُّهُ } ، فَيَكُونُ لِجَمِيعِهِمْ كَالْمَالِ { وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ } ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ حَتَّى إنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَبَيْنَ ابْنِ الِابْنِ فَثَبَتَ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالزَّوْجِيَّةُ تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَوْ يَثْبُتُ الْإِرْثُ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَسِّمُ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ وَالدِّيَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ تَدْخُلُ الدِّيَةُ فِيهِ وَالْقِصَاصُ بَدَلُ النَّفْسِ كَالدِّيَةِ فَيُورَثُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ فِيهِ وَصَايَاهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَاسْتِحْقَاقِهِ بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَيْسَ بِالْعَقْدِ ، بَلْ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّنَاصُرِ وَالْعَقْلِ عَدَمُ الْإِرْثِ لِلْقِصَاصِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّغِيرَ وَالنِّسَاءَ مِنْ الْأَقَارِبِ لَا يَعْقِلْنَ وَيَرِثْنَ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَعْقِلُ عَنْهَا أَبْنَاؤُهَا الْكِبَارُ وَيَرِثُونَهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا حَظَّ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَلَهُنَّ حَقُّ الْعَفْوِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ لِضَعْفِهَا وَلِهَذَا لَا تُقْتَلُ الْكَافِرَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَلَا تُوضَعُ عَلَيْهَا الْجِزْيَةُ الْوَاجِبَةُ مَكَانَ الْقَتْلِ فَصَارَتْ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ

كَالصَّغِيرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ ، وَقَوْلُهُ : لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ قُلْنَا إنَّهَا إنْ لَمْ تَقْدِرْ تُوَكِّلْ فَإِنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ

( قَوْلُهُ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَإِ إلَخْ ) وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ دَمًا بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَفَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا فَاسْتَشَارَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَرَى هَذَا قَدْ أَحْيَاهُ فَلَا يَمْلِكُ الْآخَرُ أَنْ يُمِيتَ مَا أَحْيَاهُ حَمَلَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ الْقِصَاصِ بِعَفْوِ أَحَدِ شَرِيكَيْ الدَّمِ مَذْهَبُنَا ، وَقَالَ مَالِكٌ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْتُلَهُ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَتْلِ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَضِيَّةُ عُمَرَ ، وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ قَضِيَّتَهُ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ تَصِيرُ مِيرَاثًا لِكُلِّ الْوَرَثَةِ عِنْدَنَا بِالسَّبَبِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ مَوْرُوثَةٌ بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيْ النَّفْسِ فَيَنْقَسِمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ كَالدِّيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ مَالٌ لِلْمَيِّتِ تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نَصِيبِهِ أَوْ يُصَالِحَ عَنْهُ وَيَبْطُلُ بِذَلِكَ الْقِصَاصُ وَكَانَ عَلَى الْقَاتِلِ حَقُّ مَنْ لَمْ يَعْفُ عَنْ

الدِّيَةِ ، وَلَيْسَ لِلْعَافِي مِنْ الدِّيَةِ شَيْءٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَرَدَ عَلَى كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ { وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا } وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ الدِّيَةُ بَيْنَ مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ ؛ وَلِأَنَّهَا مَالٌ لِلْمَيِّتِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي دَمِ عَمْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَقَالَ زُفَرُ فِي سَنَتَيْنِ لَنَا أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ فَيَسْقُطُ فِي السِّنِينَ الثَّلَاثِ كَمَا لَزِمَ بَعْضَ الْعَاقِلَةِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ لَمْ تَلْزَمْ مِنْ أَجْزَاءِ دِيَةٍ وَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ جُمْلَةُ الْوَاجِبِ فَصَارَ كَمَا يَجِبُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ بِقَطْعِ الْيَدِ خَطَأً ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الضِّبَابِيُّ مَا نَصُّهُ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالضِّبَابُ بَطْنٌ مِنْ الْعَرَبِ ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي جَمْهَرَةِ اللُّغَةِ وَأَشْيَمَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ قَتَلَهُ خَطَأً ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقْتَلُ الْجَمِيعُ بِالْفَرْدِ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْتَلَ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ ، وَلَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا وَاحِدًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهِ ، وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ ، وَالْقِصَاصُ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِحْيَاءِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَلَزِمَ سَدُّ بَابِ الْقِصَاصِ وَفَتْحُ بَابِ التَّفَانِي إذْ لَا يُوجَدُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ غَالِبًا ؛ لِأَنَّهُ يُقَاوِمُهُ الْوَاحِدُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا نَادِرًا وَالزَّاجِرُ يُشْرَعُ فِيمَا يَغْلِبُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ ؛ وَلِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ وَاشْتِرَاكُ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فِي بَابِ النِّكَاحِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْفَرْدِ ) بِشَرْطِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْكُلِّ بِأَنْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا سَارِيًا ا هـ خُوَاهَرْ زَادَهْ ( قَوْلُهُ : تَمَالَأَ ) أَصْلُهُ الْمُعَاوَنَةُ فِي مِلْءِ الدَّلْوِ ، ثُمَّ عَمَّ فَقَالُوا تَمَالَئُوا أَيْ تَعَاوَنُوا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْفَرْدُ بِالْجَمْعِ اكْتِفَاءً ) أَيْ يُقْتَلُ الْفَرْدُ إذَا قَتَلَ جَمَاعَةً وَيُكْتَفَى بِذَلِكَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمْ إنْ قَتَلَهُمْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ فِي تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَإِنْ قَتَلَهُمْ جَمِيعًا مَعًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَيُقْضَى بِالْقَوَدِ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَبِالدِّيَةِ لِلْبَاقِينَ وَفِي قَوْلٍ قُتِلَ لَهُمْ جَمِيعًا وَتُقْسَمُ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ قَتْلَاتٌ وَمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ قَتْلٌ وَاحِدٌ فَلَا تَمَاثُلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا ذَكَرْنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَحَصَلَ التَّمَاثُلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا الْقِصَاصُ ، وَلَوْ لَا أَنَّ التَّمَاثُلَ ثَابِتٌ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِثْلَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِثْلًا لِلْآخَرِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ مِثْلًا لَهُ كَاسْمِ الْأَخِ وَالزَّوْجِ فَوُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِثْلٌ لَهُ إذْ هُوَ لَا يَجِبُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ كَكَسْرِ الْعَظْمِ أَوْ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ كَالْجَائِفَةِ فَإِنَّ الثَّانِيَ لَمَّا تَوَهَّمَ مَوْتَهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ

قَوْلُهُ : وَفِي قَوْلٍ قُتِلَ لَهُمْ جَمِيعًا ) قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْوَاحِدُ يُقْتَلُ بِالْجَمَاعَةِ قِصَاصًا عَلَى سَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقْتَلُ اكْتِفَاءً غَيْرَ أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُمْ عَلَى التَّعَاقُبِ يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ اكْتِفَاءً وَتَجِبُ دِيَاتُ الْبَاقِينَ وَإِنْ قَتَلَهُمْ عَلَى الْمُقَارَنَةِ لَهُ فِيهِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يُقْتَلُ بِالْوَاحِدِ غَيْرُ عَيْنٍ وَتَجِبُ دِيَاتُ الْبَاقِينَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ وَفِي قَوْلٍ يُقْرَعُ فَيُقْتَلُ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَتَجِبُ الدِّيَاتُ لِلْبَاقِينَ إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّرِيقَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ا هـ ( فَرْعٌ ) فَإِنْ قُلْت فَمَا الْجَوَابُ عَنْ أَنَّ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ لَا تُقْطَعُ بِالْأَيْدِي اكْتِفَاءً ، بَلْ تُقْطَعُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْبَاقِينَ إلَى الْمَالِ قُلْت الطَّرَفُ مُتَبَعِّضٌ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى اسْتِيفَائِهِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُسْتَوْفِيًا لِجُزْءِ حَقِّهِ وَيَنْتَقِلُ فِي الْبَاقِي إلَى الْمَالِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ فَوَجَدُوا قَفِيزًا وَاحِدًا فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهُ وَيَنْتَقِلُونَ فِي الْبَاقِي إلَى الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَعِّضٌ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمُتَبَعِّضٍ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَطْعِ الْيَدِ وَحَزِّ الرَّقَبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ قَتَلَ لَهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَقِيَّةِ كَمَوْتِ الْقَاتِلِ ) أَيْ إذَا حَضَرَ أَوْلِيَاءُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْتُولِينَ قَتَلَ لَهُمْ وَسَقَطَ حَقُّ أَوْلِيَاءِ بَقِيَّةِ الْمَقْتُولِينَ كَمَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ حَتْفَ أَنْفِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُقْطَعُ يَدُ رَجُلَيْنِ بِيَدٍ ) مَعْنَاهُ إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا وَالْمَفْرُوضُ إذَا أَخَذَا سِكِّينًا وَاحِدًا مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْفَصَلَتْ هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالْأَنْفُسِ ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لَهَا وَمُلْحَقَةٌ بِهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ فِي الْوَسَطِ وَبَانَتْ الْيَدُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ ؛ لِأَنَّ مَا انْقَطَعَ بِقُوَّةِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِقُوَّةِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ الْكُلُّ بِالْبَعْضِ وَالِاثْنَتَانِ بِالْوَاحِدَةِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْمُسَاوَاةُ فِي الْعِصْمَةِ لَا غَيْرُ وَفِي الطَّرَفِ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي النَّفْعِ وَالْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ وَالنَّفْسُ السَّالِمَةُ عَنْ الْعُيُوبِ تُقْتَلُ بِالْمَفْلُوجِ وَالْمَشْلُولِ فَكَذَا الِاثْنَانِ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفْسِ ؛ وَلِأَنَّ زُهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ فَأُضِيفَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا وَقَطْعُ الْعُضْوِ يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ الْبَعْضُ وَيُتْرَكَ الْبَاقِي وَفِي الْقَتْلِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ عَلَى قَفَاهُ وَالْآخَرُ عَلَى حَلْقِهِ حَتَّى الْتَقَيَا فِي الْوَسَطِ وَمَاتَ مِنْهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَفِي الْيَدِ لَا يَجِبُ ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ الِاجْتِمَاعِ غَالِبٌ مَخَافَةَ الْغَوْثِ لَا فِي الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَاتٍ بَطِيئَةٍ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِسَبَبِهَا

كَالشَّدِّ أَوْ نَقُولُ ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا فَلَا يَلْحَقُ بِهَا( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ ) وَلَنَا أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الْجَمَاعَةِ يَسْتَدْعِي التجزي لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَصَلَ مِنْهُ بَعْضُ الْقَطْعِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَسْتَدْعِي التجزي ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ وَهُوَ الْيَدُ يَقْبَلُ التجزي فَإِذَا حَصَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضُ الْقَطْعِ لَمْ يَجُزْ إضَافَةُ الْقَطْعِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا فَلَمْ يَجُزْ قَطْعُ الْأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ قَتْلِ الْأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا عَلَى الْكَمَالِ فَحَصَلَ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْأَنْفُسِ وَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ وَالِاعْتِدَاءُ مُقَيَّدٌ بِالْمُمَاثَلَةِ قَالَ تَعَالَى { فَاعْتُدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } ، وَقَالَ تَعَالَى { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إلَّا مِثْلَهَا } وَقَطْعُ الْيَدِ مُتَجَزِّئٌ فَلَا تَجُوزُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْأَيْدِي وَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّ لِلْيَدِ نِصْفًا وَرُبُعًا وَثُمُنًا وَنَحْوُ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا فَلَا يَلْحَقُ بِهَا ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا تُقْتَلُ الْأَنْفُسُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ نَقُولَ الْقِيَاسُ كَذَلِكَ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَالْمَخْصُوصُ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَطْعُ الطَّرَفِ لَيْسَ فِي مَعْنَى قَتْلِ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بالتجزي ؛ لِأَنَّهُ إبَانَةُ الْعُضْوِ فَجَازَ أَنْ يُقْطَعَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ ، وَأَمَّا الْقَتْلُ إزْهَاقُ الرُّوحِ وَأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ا هـ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62