كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ وَقَعَ بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ مَجَّانًا كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا ) ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ مُعَلَّقٌ بِالْقَبُولِ وَقَدْ وُجِدَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا لِتَصِيرَ غَارَّةً لَهُ وَلَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ لِتَجِبَ عَلَيْهَا قِيمَتُهُ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ حَيْثُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَهَانَهَا وَأَهْدَرَ تَقَوُّمَهَا فَلَمْ تَصْلُحْ لِإِبْطَالِ قِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ وَلَا لِتَقْوِيمِ غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ مِثْلُهُ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهَا بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فَقَدْ وَقَعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ الْعَامِلُ فِيهِ لَفْظَ الطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ وَالْأَوَّلُ صَرِيحٌ فَيَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَالثَّانِي كِنَايَةٌ فَيَكُونُ بَائِنًا وَقَوْلُهُ كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا يَعْنِي كَقَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا وَمُرَادُهُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ مَجَّانًا أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَا يَقَعُ مَجَّانًا فِي قَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ مُتَقَوِّمٌ أَوْ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَلَمْ تَصِرْ غَارَّةً وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالْغُرُورِ .

( قَوْلُهُ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ مَجَّانًا إلَخْ ) يَعْنِي بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَيْهَا وَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وُقُوعًا مَجَّانًا وَوَزْنُهُ فَعَّالٌ ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ ا هـ عَيْنِيٌّ ، وَقَالَ الرَّازِيّ قَوْلُهُ مَجَّانًا قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ ) أَيْ : عَلَيْهَا مِثْلُ كَيْلِ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَلَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ زَادَتْ مِنْ مَالٍ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ رَدَّتْ مَهْرَهَا أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ) أَيْ زَادَتْ عَلَى قَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ مَالٍ أَوْ قَالَتْ مِنْ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى الْمَهْرَ الَّذِي أَخَذَتْهُ مِنْهُ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِزَوَالِ مِلْكِهِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى وَقِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى إيجَابِ قِيمَةِ الْبُضْعِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ الْبُضْعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي مِنْ مَالٍ أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ غَنَمِي مِنْ حَمْلٍ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ يَجِبُ رَدُّ الْمَهْرِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَقُلْ مِنْ مَالٍ أَوْ حَمْلٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا سَمَّتْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِدَرَاهِمَ حَيْثُ تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ لِلْجَهَالَةِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ حَالَةَ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ فَأَمْكَنَ إيجَابُ قِيمَتِهِ إذَا جُهِلَ الْمُسَمَّى فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرْت بِكَلِمَةِ مِنْ وَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بَعْضُ الدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَّا ثَلَاثَةً فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَفِي يَدِهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قُلْنَا قَدْ تَكُونُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَمَّ الْكَلَامُ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى ضَرْبِ إبْهَامٍ فَهِيَ

لِلْبَيَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ } وَإِلَّا فَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ وَقَوْلُهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ إبْهَامٍ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهَا لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ هُوَ فَتَعَيَّنَتْ لِلْبَيَانِ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ تَامٍّ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِلتَّبْعِيضِ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَعَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَسَوَّى بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُنَكَّرِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهَا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فِي الْمُعَرَّفِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِاللَّامِ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ الْمُعَرَّفِ بِهَا حَتَّى يُصْرَفَ إلَى أَدْنَى الْجِنْسِ عِنْدَ تَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ قُلْنَا إنَّمَا يُصْرَفُ إلَى الْجِنْسِ إذَا عُرِّيَ عَنْ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْعَهْدِ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعَهْدِ وَهُوَ قَوْلُهَا عَلَى مَا فِي يَدِي فَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْجَمْعِيَّةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَهْدِ وَقَالَ حُمَيْدٍ الدِّينِ إنَّمَا تَكُونُ اللَّامُ لِلْجِنْسِ إذَا أَمْكَنَ إرَادَةُ كُلِّ الْجِنْسِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ وَأَمَّا إذَا اسْتَحَالَ فَلَا وَفِي مَسْأَلَتِنَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ دَرَاهِمِ الْعَالَمِ فِي يَدِهَا فَلَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ فَلَا يَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ فِي ضِمْنِ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ لَا لِلتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } فَوُجُودُهُمَا

كَعَدَمِهِمَا فَلَا يُفِيدَانِ التَّعْرِيفَ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ بَاعَدَ أُمَّ الْعَمْرِ مِنْ أَسِيرِهَا حُرَّاسُ أَبْوَابٍ عَلَى قُصُورِهَا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ ) أَيْ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ ا هـ قَوْلُهُ : وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى ) أَيْ : وَهُوَ الْمَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُ لِلْجَهَالَةِ ) أَيْ لِجَهَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ لَهَا عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ الْخُلْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي الْآبِقِ وَيَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِيهِ لَا فِي الْخُلْعِ فَإِذَا بَطَلَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ أَبَقَ لَهَا عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ ) أَيْ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُطَالَبُ بِتَحْصِيلِهِ وَتَسْلِيمِهِ بَلْ إنْ حَصَلَ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَا فِي الْخُلْعِ ) وَإِنَّمَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ الْآبِقِ فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ دُونَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَبَانَتْ إلَخْ ) وَإِنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ يَجِبُ ثُلُثُ الْأَلْفِ ا هـ كَاكِيٌّ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَزِمَهَا كُلُّ الْأَلْفِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يَقَعُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ) أَيْ لَوْ قَالَ لَهُ بِعْتُك هَذِهِ الْعَبِيدَ الثَّلَاثَةَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ فِي وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بِثُلُثِ الْأَلْفِ لَمْ يَجُزْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَبَانَتْ ) ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ وَهُوَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ وَيَكُونُ بَائِنًا لِوُجُوبِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، وَهَذَا لَا يَبْطُلُ لِقَبُولِهِ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَبِالِاخْتِبَارِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي عَلَى أَلْفٍ وَقَعَ رَجْعِيٌّ مَجَّانًا ) أَيْ وَفِي قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى إنَّ قَوْلَهُ أَحْمِلُ هَذَا بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ ، وَكَذَا بِعْتُكَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَفُلَانَةَ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَحْدَهَا كَانَ عَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ وَلَهُ أَنَّ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَضْعًا فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلْوُجُوبِ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلشَّرْطِ مَجَازًا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ اللُّزُومُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { يُبَايِعْنَك عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا } أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ الدُّخُولُ شَرْطًا وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِهِ فَجُعِلَتْ مَجَازًا عَنْ الْبَاءِ فَإِذَا كَانَتْ عَلَى لِلشَّرْطِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يُوجَدُ إلَّا عِنْدَ اسْتِكْمَالِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ الْجَزَاءِ كَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَكَانَ الْكُلُّ عَلَامَةً وَاحِدَةً فَلَا

يُوجَدُ الْجَزَاءُ بِدُونِهِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا غَرَضَ لَهَا فِي طَلَاقِ فُلَانَةَ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ كَالشَّرْطِ مِنْهَا وَلَهَا فِي اشْتِرَاطِ إيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَى نَفْسِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فَافْتَرَقَا .( قَوْلُهُ ، وَقَالَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَلْزَمُهَا كُلُّ الْأَلْفِ ا هـ عَيْنِيٌّ قَوْلُهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلشَّرْطِ إلَخْ ) وَجَعَلَهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ وَهَا هُنَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ بِمَعْنَى الْبَاءِ ا هـ رَازِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ كُلِّهَا لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَوْلَى أَنْ تَرْضَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ لَزِمَ وَبَانَتْ ) أَيْ لَزِمَ الْمَالُ وَبَانَتْ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ أَوْ تَعْلِيقٌ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلَيْنِ أَوْ وُجُودَ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَوْ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ فَلَا تَنْعَقِدُ الْمُعَاوَضَةُ بِدُونِ الْقَبُولِ ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَنْزِلُ بِدُونِ الشَّرْطِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي إلْزَامِ صَاحِبِهِ بِدُونِ رِضَاهُ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ .( قَوْلُهُ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ كُلِّهَا ) فَلَوْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ لَتَضَرَّرَ الزَّوْجُ ا هـ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ تَعْلِيقٌ ) هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِأَلْفٍ بِعِوَضِ أَلْفٍ تَجِبُ لِي عَلَيْكِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى شَرْطِ أَلْفٍ يَكُونُ لِي عَلَيْكِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ وَعَتَقَ مَجَّانًا ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَبِلَا أَوْ لَمْ يَقْبَلَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا إنْ قَبِلَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَتْ هِيَ طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَفَعَلَ لَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُعَاوَضَاتِ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا وَلَك دِرْهَمٌ كَقَوْلِهِمْ أَحْمِلُهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ وُجُوبُهُ بِسَبَبِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ فِي الْإِجَارَةِ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى وُجُوبِهِ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخُلْعُ أَيْضًا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاسْتَوَيَا ، وَلِأَنَّ الْوَاوَ تَكُونُ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ وُجُوبِ الْأَلْفِ لِي عَلَيْك أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ وَلَهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ وَلَك أَلْفٌ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً وَلَا يَتَّصِلُ بِمَا قَبْلَهُ إلَّا بِدَلَالَةِ الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجُمَلِ الِاسْتِقْلَالُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَضَرَّتُك طَالِقٌ تَطْلُقُ ضَرَّتُهَا فِي الْحَالِ لِمَا قُلْنَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَاصِرَةً بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَضَرَّتُك تَعَلَّقَ طَلَاقُ ضَرَّتِهَا بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهِ مُفْرَدًا فَلَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ تَعَلَّقَ عِتْقُ عَبْدِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً تَامَّةً ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ التَّعْلِيقِ قَاصِرٌ ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلثَّانِي فَكَانَ الْخَبَرُ

مُحْتَاجًا إلَيْهِ بِخِلَافِ طَلَاقِ الضَّرَّةِ ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْأَوَّلِ يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُ ، وَلَوْ كَانَ غَرَضُهُ التَّعْلِيقَ لَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَضَرَّتُك فَإِذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا يَكُونُ كَلَامًا مُبْتَدَأً لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَوَّلِ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَوْلُهَا وَلَك أَلْفٌ مُجَرَّدُ دَعْوَى أَوْ وَعْدٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ بِدُونِ الْمَالِ فَلَا يَنْفَكَّانِ عَنْهُ ، وَلِهَذَا إذَا قَالَ لَهُ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ الْأَجْرَ يَكُونُ اسْتِئْجَارًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَفِي الْبَيْعِ تَجِبُ الْقِيمَةُ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ دُونَ آخِرِهِ فَيَصِيرُ تَعْلِيقًا لِلْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ ، وَلِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ حَقِيقَةً وَالْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْآخَرِ ، وَكَذَا الشَّرْطُ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْجَزَاءِ وَالْمَالُ غَيْرُ لَازِمٍ بِيَقِينٍ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ ، وَكَذَا حَالُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ ؛ لِأَنَّ الْكِرَامَ يَمْتَنِعُونَ عَنْ أَخْذِ الْعِوَضِ .( قَوْلُهُ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ا هـ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ ) مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ جَوَابًا لَهُ ) هَذَا حَاشِيَةٌ وَأَمَّا الثَّابِتُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ خَبَرًا لَهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهَا فِي الْخُلْعِ لَا لَهُ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا يَصِحُّ لَهَا أَيْضًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُهَا الْمَالُ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الزَّوْجِ يَمِينٌ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ وَصَحَّتْ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لِكَوْنِ الْمَوْجُودِ مِنْ جَانِبِهِ طَلَاقًا وَقَبُولِهَا شَرْطَ الْيَمِينِ فَلَا يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ لَا لِلْمَنْعِ مِنْ الِانْعِقَادِ وَالْيَمِينُ وَشَرْطُهَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ وَلَهُ أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ لِكَوْنِ الْمَوْجُودِ مِنْ جِهَتِهَا مَالًا ، وَلِهَذَا يَصِحُّ رُجُوعُهَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَلَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ بَلْ هُوَ مَانِعٌ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَكَوْنُهُ شَرْطًا لِيَمِينِ الزَّوْجِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُعَاوَضَةً فِي نَفْسِهِ كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ إنْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَعَبْدِي الْآخَرُ حُرٌّ فَإِنَّ الْبَيْعَ شَرْطٌ لِعِتْقِ الْعَبْدِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُعَاوَضَةٌ وَجَانِبُ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ مِثْلُ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى يَصِحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَهُ دُونَ الْمُولِي فَيَبْطُلُ بِرَدِّ الْعَبْدِ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَضَتْ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ كَمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَحْصُلُ لَهَا بِالْخُلْعِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ مَالٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَكَذَا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ تَتْلَفُ عَلَى مِلْكِ الْمُولِي بِالْإِعْتَاقِ وَمَعَ هَذَا جَازَ قَبُولُ الْمَالِ فِيهِمَا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهَا فِي الْخُلْعِ ) أَيْ كَقَوْلِهِ خَالَعْتُكِ بِكَذَا عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا لَهُ ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَتْ قَبِلْت إنْ رَدَّتْ الطَّلَاقَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَطَلَ الطَّلَاقُ وَإِنْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ الْأَلْفُ لِلزَّوْجِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ بَطَلَ الْخِيَارُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ا هـ رَازِيٌّ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ ) أَيْ وَالْمُعَاوَضَاتُ تَقْبَلُ الْخِيَارَ كَالْبَيْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ ) لَكِنَّ جَوَازَهُ فِي الْخُلْعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْخِيَارِ بِالثَّلَاثِ وَرَدَ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ وَالْبَيْعُ مِنْ الْإِثْبَاتَاتِ ا هـ شَرْحُ الْمَنَارِ لِابْنِ فِرِشْتَا فِي الْمَنْزِلِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ قَبِلْت صُدِّقَ ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِمَالٍ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ وَقَبُولَهَا شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَتِمُّ الْيَمِينُ بِلَا قَبُولٍ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهَا إقْرَارًا بِالْحِنْثِ لِصِحَّتِهَا بِدُونِهِ بَلْ هِيَ ضِدُّهُ ، وَلِهَذَا يُنْتَقَضُ بِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْحِنْثِ قَوْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَلَمْ تَقْبَلْ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِ الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَإِنْكَارُهُ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهُ فَلَا يُسْمَعُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ إلَخْ ) أَوْ خَالَعْتكِ أَمْسِ بِأَلْفٍ ا هـ قُنْيَةٌ ( قَوْلُهُ فَقَالَتْ قَبِلْت صَدَقَ ) أَيْ الزَّوْجُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْحِنْثِ قَوْلَهُ إلَخْ ) قَالَتْ اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك أَمْسِ بِالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ إلَّا أَنَّك لَمْ تَبِعْ فَقَالَ لَا بَلْ بِعْت وَقَعَ الطَّلَاقُ وَسَقَطَ الْمَهْرُ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَالْقَوْلُ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلِي أَوْ قَالَ خَالَعْتُكِ أَمْسِ بِهَا ، وَقَالَتْ لَا بَلْ قَبِلْت فَالْقَوْلُ لَهُ ا هـ قُنْيَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ ) حَتَّى لَوْ خَالَعَهَا أَوْ بَارَأَهَا بِمَالٍ مَعْلُومٍ كَانَ لِلزَّوْجِ مَا سَمَّتْ لَهُ وَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدِهِمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ دَعْوَى فِي الْمَهْرِ مَقْبُوضًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُسْقِطَانِ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الْخُلْعِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبَارَأَةِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَكَالْإِبَانَةِ وَالطَّلَاقِ بِعِوَضٍ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ إلَّا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَشْرُوطِ ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِمَا دَيْنٌ آخَرُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ النِّكَاحِ وَلَا نَفَقَةِ الْعِدَّةِ مَعَ كَوْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ وَأَضْعَفُ مِنْ الْمَهْرِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ تَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّ غَرَضَهُمَا أَنْ يَبْرَآ مِمَّا لَزِمَهُمَا بِالْمُعَاشَرَةِ لَا بِالْمُعَامَلَةِ فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا كَانَ لَهُ قَبْلَ الْمُعَاشَرَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْخُلْعَ أَيْضًا يَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلْعِ وَهُوَ الْفَصْلُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ يَبْقَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ حَقٌّ وَإِلَّا تَحَقَّقَتْ الْمُنَازَعَةُ بَعْدَهُ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْإِبَانَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْحُقُوقِ مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَا عَلَى مَالٍ وَسَائِرُ الدُّيُونِ لَيْسَ وُجُوبُهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ فَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَى سُقُوطِهَا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ لَمْ تَجِبْ

بَعْدُ وَالْخُلْعُ مُسْقِطٌ لِلْوَاجِبِ لَا مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا الْبَرَاءَةَ مِنْهَا سَقَطَتْ ، وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَهِيَ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ يُنْظَرُ فَإِنْ وَقَّتَا لَهُ وَقْتًا كَالسَّنَةِ وَنَحْوِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا عَنْ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا مَعْصِيَةٌ وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ الْتَزَمَتْهَا أَوْ سَكَنَتْ مِلْكَهَا صَحَّ مَشْرُوطًا فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا ثُمَّ جُمْلَةُ الْخُلْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فَإِمَّا أَنْ لَا يُسَمِّيَا شَيْئًا أَوْ سَمَّيَا الْمَهْرَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ مَالًا آخَرَ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَصَارَتْ سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا فَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا بَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ حَقِّ الْآخَرِ مِمَّا لَزِمَهُ بِالنِّكَاحِ فِي الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ أَيْضًا وَإِنْ سَمَّيَا الْمَهْرَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ عَنْهُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَجَعَ عَلَيْهَا بِجَمِيعِهِ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ بِالشَّرْطِ وَخَمْسِمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْأَلْفِ الْمَقْبُوضِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ اسْمٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّهُ بِالشَّرْطِ وَخَمْسُمِائَةٍ أُخْرَى بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهَا قَبَضَتْ مَا لَا تَسْتَحِقُّ

فَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا إلَّا خَمْسُمِائَةٍ بِالشَّرْطِ وَيَسْقُطُ عَنْهَا الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ كَمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ آخَرَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ اسْتِحْسَانًا ، وَكَذَا إذَا سَمَّيَا بَعْضَ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَيَسْقُطُ عَنْهَا الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَفِي الْقِيَاسِ يَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا أَلْفًا بِالشَّرْطِ وَهِيَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالزَّائِدِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَهْرَ اسْمٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَيَجِبُ لَهَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ لَهُ مِثْلُهُ عَلَيْهَا بِالشَّرْطِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَإِنْ سَمَّيَا بَعْضَ الْمَهْرِ بِأَنْ خَالَعَهَا عَلَى عُشْرِ مَهْرِهَا مَثَلًا وَالْمَهْرُ أَلْفٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْمَهْرُ مَقْبُوضٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالشَّرْطِ وَسَلَّمَ الْبَاقِيَ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ عَنْهُ كُلُّ الْمَهْرِ مِائَةً بِالشَّرْطِ وَالْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِسِتِّمِائَةٍ مِائَةٌ مِنْهَا بَدَلُ الْخُلْعِ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُشْرُ مَهْرِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبَرِئَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْبَاقِي بِحُكْمِ لَفْظِ الْخُلْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا سَقَطَ كُلُّهُ عَنْهُ اسْتِحْسَانًا الْعُشْرُ بِالشَّرْطِ وَالنِّصْفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَإِنْ سَمَّيَا مَالًا آخَرَ غَيْرَ الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَ

بَعْدَ الدُّخُولِ وَكَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى وَيَسْلَمُ لَهَا مَا قَبَضَتْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الْخُلْعِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُبَارَأَةُ ) الْمُبَارَأَةُ بِالْهَمْزَةِ وَتَرْكُهَا خَطَأٌ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ بَرِئْت مِنْ نِكَاحِك بِكَذَا وَتَقْبَلُهُ هِيَ ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا ( قَوْلُهُ لِمُحَمَّدٍ إنَّ هَذَا ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ ) ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ وَرَضَاعِ وَلَدِهِ الَّذِي هِيَ حَامِلٌ بِهِ إذَا وَلَدَتْهُ فِي سَنَتَيْنِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ وَلَدَتْهُ فَمَاتَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَإِنَّهَا تَرُدُّ قِيمَةَ الرَّضَاعِ قَالَ بَعْدَ هَذَا ، وَلَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ فَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ فَعَلَيْهَا قِيمَةُ رَضَاعِ وَلَدٍ سَنَةً ، وَلَوْ شَرَطَتْ أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَهِيَ بَرِيئَةٌ مِنْ قِيمَةِ الرَّضَاعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَهَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِي الْخُلْعِ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا شَرَطَتْ أَنَّهَا إذَا مَاتَتْ أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا فَهَذَا الشَّرْطُ جَائِزٌ ا هـ تَتَارْخَانْ ( قَوْلُهُ وَالْخُلْعُ مُسْقِطٌ لِلْوَاجِبِ إلَخْ ) ، وَلَوْ خَالَعَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ عِنْدَ الْأَبِ صَحَّ الْخُلْعُ دُونَ الشَّرْطِ ، وَلَوْ خَلَعَتْ عَلَى أَنْ تُمْسِكَ الْوَلَدَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ ا هـ تَتَارْخَانِيَّةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا مِنْ السُّكْنَى ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ صَالَحَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ عَلَى شَيْءٍ إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ صَحَّ الصُّلْحُ وَإِنْ كَانَتْ بِالْحَيْضِ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ صَالَحَتْهُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ سُكْنَاهَا عَلَى دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ لَا يَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ الْمَرْأَةِ ا هـ وَقَالَ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَكَانَ لَهَا

السُّكْنَى وَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِمَالٍ وَلَمْ تَذْكُرْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ وَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ قَالَتْ أَنَا أَكْتَرِي بَيْتًا وَأَعْتَدُّ فِيهِ كَانَ لَهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتًا وَتَعْتَدَّ فِيهِ وَإِنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ كَانَ الْكِرَاءُ عَلَى زَوْجِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخُلْعِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ ا هـ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ فَلَهَا السُّكْنَى وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى عَلَى الْمَرْأَةِ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ ا هـ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْإِحْدَادِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَسْقُطُ عَنْهُ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ خَلَعَ صَغِيرَتَهُ بِمَالِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا ) أَيْ لَوْ خَلَعَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِمَالِهَا لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا أَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَالِهَا كَالتَّبَرُّعِ بِهِ لِكَوْنِهِ مُقَابَلًا بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مُتَقَوِّمٍ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ ؛ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا حَالَةَ الْخُرُوجِ ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمَرِيضِ ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَهَا إنْسَانٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِ بُضْعِهَا وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ بِمَالِهَا وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَقَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَبُولِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا لَمْ يَضْمَنْ بَدَلَ الْخُلْعِ كَانَ هَذَا خُلْعًا مَعَ الْبِنْتِ كَأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا كَالْكَبِيرَةِ إذَا خَالَعَ عَنْهَا الْأَجْنَبِيُّ وَالثَّانِيَ أَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَالِ فَقَطْ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَبُولِ الْأَبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِقَبُولِ الْأَبِ فَيَكُونُ كَتَعْلِيقِهِ بِسَائِرِ أَفْعَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُلْعَ بِالْخَمْرِ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَا يُوجِبُ شَيْئًا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا وَطَلُقَتْ ) طَلُقَتْ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نَسْخِ الْمَتْنِ ا هـ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَتْنِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الشَّارِحِ وَقَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا إلَخْ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفْصِحُ بِذَلِكَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ طَلُقَتْ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ ) أَيْ لَوْ خَالَعَهَا الْأَبُ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ لِبَدَلِ الْخُلْعِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا الضَّمَانِ الْكَفَالَةَ عَنْ الصَّغِيرَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَلْزَمُهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْتِزَامُ الْمَالِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ بَدَلِ الْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَلَا يَحْصُلُ لَهَا بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ قَبْلُ وَاشْتِرَاطُ الْبَدَلِ فِيهِ الْتِزَامٌ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً كَالْكَفَالَةِ فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَصِحُّ عَلَيْهَا وَفِي الْعِتْقِ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَصَارَ مُعَاوَضَةً كَالْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَالثَّمَنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ ، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَافْتَرَقَا وَلَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ الْبَدَلَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لَهُ بِأَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً وَهِيَ الَّتِي تَعْرِفُ أَنَّ الْخُلْعَ سَالِبٌ وَالنِّكَاحَ جَالِبٌ فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ يَعْتَمِدُهُ دُونَ لُزُومِ الْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عَنْهَا صَحَّ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ ؛ لِأَنَّهَا تَتَخَلَّصُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِلَا مَالٍ وَلِذَلِكَ صَحَّ مِنْهَا فَصَارَ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَلَا يَصِحُّ فِي أُخْرَى ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا بِمَعْنَى شَرْطِ الْيَمِينِ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ

قَبِلَهُ الْأَبُ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِنْ ضَمِنَهُ صَحَّ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ ثُمَّ قِيلَ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى مَالٍ آخَرَ مِثْلَ مَهْرِهَا أَمَّا الْخُلْعُ عَلَى مَهْرِهَا فَغَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ مِلْكِهَا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ وَلَا يُعْتَبَرُ ضَمَانُهُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَهْرِهَا كَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ مِثْلَهُ لَا عَيْنَهُ وَضَمَانُ الْأَبِ إيَّاهُ صَحِيحٌ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ مَهْرُهَا أَلْفًا مَثَلًا وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ قِيَاسًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُهُمَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ إذَا خَالَعَتْ عَلَى مَهْرِهَا وَهُوَ أَلْفٌ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ فِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهَا خَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا أَلْفٌ بِالشَّرْطِ وَوَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْتَقَيَا بِقَدْرِهِ قِصَاصًا فَبَقِيَ عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةٍ زَائِدَةٌ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ عَلَيْهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ أَلْفٌ بِالشَّرْطِ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يُرَادُ بِهِ مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ عُرْفًا وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ خَمْسِمِائَةٍ بِالشَّرْطِ لِمَا قُلْنَا وَتَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِيمَا تَقَدَّمَ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْأَلْفِ كُلِّهِ ثُمَّ جُمْلَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَبُولِهَا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا وَفِي وُقُوعِهِ بِقَبُولِ الْأَبِ رِوَايَتَانِ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ ضَمِنَ كَمَا فِي الْكَبِيرَةِ إذَا خَالَعَ عَنْهَا الْأَجْنَبِيُّ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ خُلْعِ الْأَبِ فَنَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ حُكْمِ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ لِيَزْدَادَ

وُضُوحًا لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَنَقُولُ بَدَلُ الْخُلْعِ إذَا أُضِيفَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْعَيْنِ وَالْمَرْأَةُ مُخَاطَبَةٌ أَوْ لَمْ يُضَفْ إلَى أَحَدٍ يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِهَذَا الْعَقْدِ إذْ الْمِلْكُ يَسْقُطُ عَنْهَا بَيَانُهُ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ فَالْقَبُولُ إلَى الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَمْ يُضَفْ إلَى أَحَدٍ وَلَزِمَهَا تَسْلِيمُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ ، وَلَوْ قَالَ اخْلَعْهَا عَلَى عَبْدِي هَذَا أَوْ عَلَى أَلْفَيْ هَذِهِ فَخَلَعَهَا صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْأَجْنَبِيُّ وَلَا إلَى قَبُولِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَكَانَ الْبَدَلُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اخْلَعْنِي عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ أَوْ دَارِهِ فَأَجَابَهَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ خَالَعْتُكِ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ جَرَى مَعَهَا فَكَانَتْ هِيَ الدَّاخِلَةَ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِرَبِّ الْعَبْدِ خَالَعْتُ امْرَأَتِي عَلَى عَبْدِك يُعْتَبَرُ قَبُولُ صَاحِبِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أُضِيفَ إلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلزَّوْجِ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ يُعْتَبَرُ قَبُولُ فُلَانٍ لِأَنَّ الْبَدَلَ أُضِيفَ إلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ فُلَانًا ضَامِنٌ فَأَجَابَهَا تَمَّ الْخُلْعُ مَعَهَا ؛ لِأَنَّهَا الْعَاقِدَةُ وَتَوَقَّفَ الضَّمَانُ عَلَى قَبُولِ فُلَانٍ ، وَلَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِأَلْفٍ فَفَعَلَ لَزِمَهَا الْمَالُ دُونَ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْخُلْعِ تَرْجِعُ إلَى مَنْ عُقِدَ لَهُ لَا إلَى الْوَكِيلِ وَلَوْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ صَحَّ وَطُولِبَ بِهِ وَإِذَا أَدَّى رَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْخُلْعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ

بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَكَانَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالْخُلْعِ وُجُوبَ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إذَا ضَمِنَ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا إذَا ضَمِنَ بِأَمْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ جَوَازَ النِّكَاحِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كَالْخُلْعِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ طَلُقَتْ إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْخُلْعِ رَجُلٌ خَلَعَ ابْنَتَهُ مِنْ زَوْجِهَا إنْ كَانَتْ الْبِنْتُ كَبِيرَةً وَضَمِنَ الْأَبُ بَدَلَ الْخُلْعِ تَمَّ الْخُلْعُ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يَتِمُّ الْخُلْعُ فَالْأَبُ أَوْلَى وَإِنْ خَالَعَ الْأَبُ عَلَى صَدَاقِهَا تَمَّ الْخُلْعُ أَيْضًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَجَازَتْ الْمَرْأَةُ تَصِحُّ إجَازَتُهَا وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ كَانَ صَدَاقُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ كَأَنَّ الْأَبَ قَالَ لَهُ خَالِعْ عَلَى صَدَاقِهَا إنْ أَجَازَتْ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ فَعَلَى مِقْدَارِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً فَإِنْ ضَمِنَ الْأَبُ تَمَّ الْخُلْعُ بِقَبُولِهِ وَيَكُونُ صَدَاقُهَا عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لَا عَلَى الْأَبِ وَلَا عَلَى الصَّغِيرَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ إنْ قَبِلَتْ الصَّغِيرَةُ يَقَعُ كَمَا لَوْ كَانَ الْخُلْعُ مَعَ الصَّغِيرَةِ وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عِنْدَ الْخُلْعِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّ لِسَانَ الْأَبِ كَلِسَانِهَا ا هـ وَهُنَاكَ فُرُوعٌ أُخَرُ فَانْظُرْهَا ( قَوْلُهُ فَالْقَبُولُ إلَى الْمَرْأَةِ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هِيَ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَفِعَ بِهِ هِيَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إضَافَةُ الْبَدَلِ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ ضَمَانٍ أَوْ إضَافَةَ مِلْكٍ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَتْهُ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُ مَا لَا تَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ مِلْكٍ فَقَدْ جَعَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ بَدَلَ الْخُلْعِ وَالْخُلْعُ يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْبَدَلِ فَصَارَ مُسْتَوْجِبًا لِلْبَدَلِ فَإِيجَابُ

الْأَجْنَبِيِّ بَدَلَ الْخُلْعِ جَائِزٌ فَصَارَ تَقْدِيرُ هَذَا الْخُلْعِ كَأَنَّهُ قَالَ خَالِعْ امْرَأَتَك بِأَلْفٍ يَجِبُ عَلَيَّ ابْتِدَاءً بِحُكْمِ الْخُلْعِ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا يَكُونُ الْعَاقِدُ هُوَ وَالْقَبُولُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ قَبُولَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ ، وَلَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِأَلْفٍ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ امْرَأَةٌ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِأَلْفٍ فَإِنْ أَرْسَلَ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ بِأَنْ قَالَ خَالِعْ امْرَأَتَكَ عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةَ ضَمَانٍ بِأَنْ قَالَ خَالِعْهَا عَلَى أَلْفٍ مِنْ مَالِي أَوْ بِالْفَيْءِ أَوْ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ يَتِمُّ الْخُلْعُ بِقَوْلِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ النَّائِبِ كَقَبُولِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا فَالْبَدَلُ عَلَيْهَا وَهِيَ تُطَالِبُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي بَابِ الْخُلْعِ سَفِيرٌ وَرَسُولٌ وَكَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى أَلْفِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالْبَدَلُ عَلَى الْوَكِيلِ وَهُوَ مُطَالَبٌ بِهِ لَا الْمَرْأَةُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَأْمُرْهُ بِالضَّمَانِ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَ امْرَأَةً لِلْمُوَكِّلِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ فَإِنَّ ثَمَّةَ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الزَّوْجَ بِالْمَهْرِ وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْهُ وَهَا هُنَا لَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَرْأَةَ بِبَدَلِ الْخُلْعِ وَثَمَّةَ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَهُنَا يَرْجِعُ وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْخُلْعِ إذَا كَانَ الْبَدَلُ مُضَافًا إلَيْهِ يَجِبُ ابْتِدَاءً بِحُكْمِ الْخُلْعِ لَا بِحُكْمِ الضَّمَانِ وَكَانَ الْوَكِيلُ مَالِكًا لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْخُلْعِ قَبْلَ الْوَكَالَةِ وَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ مُطْلَقِ الْوَكَالَةِ وَكَانَ فَائِدَةُ الدُّخُولِ

تَحْتَ الْوَكَالَةِ الرُّجُوعَ بِمَا ضَمِنَ ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ لَا بِحُكْمِ الضَّمَانِ فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا ضَمِنَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الضَّمَانِ عَلَى الزَّوْجِ لَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الْأَصْلَ وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الضَّمِينَ ، وَإِذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ا هـ .

( بَابُ الظِّهَارِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ بِمُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ ) وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ لَفْظَةَ اتِّفَاقًا لِيُخْرِجَ أُمَّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتَهَا لِأَنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِهِمَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِي إذَا قَضَى بِجَوَازِ نِكَاحِهِمَا يَنْفُذُ عِنْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً وَلَمَسَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِابْنَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ، وَحُرْمَةَ الدَّوَاعِي غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مُقَابَلَةُ الظَّهْرِ بِالظَّهْرِ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا شَحْنَاءُ يَجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْآخَرِ .بَابُ الظِّهَارِ ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَمَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِمُحَرَّمَةٍ ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ حَرَامًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُظَاهِرٍ كَمَا إذَا شَبَّهَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِالْأُخْرَى عَلَى التَّأْبِيدِ وَاحْتِرَازٌ عَمَّا إذَا شَبَّهَ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ أَوْ بِمَجُوسِيَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى التَّأْبِيدِ ) أَيْ كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نَسَبٍ أَوْ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا شَحْنَاءُ ) ضَبَطَهَا الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِكَسْرِ الشِّينِ ا هـ .

وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً ، وَالرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ حَتَّى لَا يَصِحَّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ وَرُكْنُهُ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ .( قَوْلُهُ وَالرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ وَإِلَخْ ) وَأَهْلُهُ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ ) فَيَقَعُ الظِّهَارُ بِهِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ النِّيَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ وَكَذَا إذَا شَبَّهَ بِعُضْوٍ شَائِعٍ أَوْ مُعَبَّرٍ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَنْ يَكُونَ لِمَرْأَةٍ مُحَلَّلَةٍ بِالنِّكَاحِ لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ قَالَ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } ا هـ .

وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ ، وَالدَّوَاعِي إلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ ، وَنَقَلَ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حُرِّمَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ ، وَدَوَاعِيهِ بِأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى يُكَفِّرَ ) أَيْ حُرِّمَ عَلَى الْمُظَاهِرِ الْوَطْءُ ، وَدَوَاعِيهِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } إلَى أَنْ قَالَ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } نَزَلَتْ فِي { خَوْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ رَآهَا وَهِيَ تُصَلِّي ، وَكَانَتْ حَسْنَاءَ فَلَمَّا سَلَّمَتْ رَاوَدَهَا فَأَبَتْ فَغَضِبَ فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنَّ أَوْسًا تَزَوَّجَنِي وَأَنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فِي وَلَمَّا خَلَا سِنِّي وَنَثَرَ بَطْنِي جَعَلَنِي كَأُمِّهِ } ، وَرُوِيَ { أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّ لِي مِنْهُ صِبْيَةً إنْ ضَمَمْتهمْ إلَيْهِ ضَاعُوا ، وَإِنْ ضَمَمْتهمْ إلَيَّ جَاعُوا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا عِنْدِي فِي أَمْرِك مِنْ شَيْءٍ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لَهَا حُرِّمْت عَلَيْهِ فَهَتَفَتْ وَشَكَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُعْتِقُ رَقَبَةً فَقَالَتْ قُلْت لَا يَجِدُ قَالَ فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قُلْت مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَقُلْت فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَحْسَنْت اذْهَبِي فَأَطْعِمِي عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } الْحَدِيثَ ، وَلِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ حَيْثُ شَبَّهَ مَنْ هِيَ فِي أَقْصَى غَايَاتِ الْحِلِّ بِمَنْ هِيَ فِي أَقْصَى غَايَاتِ الْحُرْمَةِ

فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ بِهِ بِالْحُرْمَةِ الْمُغَيَّاةَ بِالْكَفَّارَةِ ، وَالْوَطْءُ إذَا حُرِّمَ حُرِّمَ بِدَوَاعِيهِ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حُرِّمَ الدَّوَاعِي لَأَفْضَى إلَى الْحَرَجِ ، وَلَا يُقَالُ كَثْرَةُ الْوُجُودِ تَدْعُو إلَى شَرْعِ الزَّوَاجِرِ لِيَقِلَّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى السُّقُوطِ لِأَنَّا نَقُولُ أَيَّامُ الطُّهْرِ وَالْفِطْرِ أَكْثَرُ فَبِوُجُودِ الْوَطْءِ فِيهِمَا تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ عَنْهَا فَلَا تَدْعُو إلَى شَرْعِ الزَّوَاجِرِ ، وَلِأَنَّ الدَّوَاعِيَ لَا تُفْضِي إلَى الْوَطْءِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَنْفِرُ عَنْهَا فَلَا تَكُونُ دَاعِيَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تَحْرُمُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي لِأَنَّ التَّمَاسَّ أُرِيدَ بِهِ الْوَطْءُ ، وَهُوَ مَجَازٌ فِيهِ فَلَا يُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ ، وَنَحْنُ نَقُولُ التَّمَاسُّ حَقِيقَةً اللَّمْسُ بِالْيَدِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ لَفْظًا ، وَيَلْحَقُ غَيْرُهُ بِهِ بِالْقِيَاسِ احْتِيَاطًا فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ ، وَبِمِثْلِهِ لَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا .

( قَوْلُهُ إلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْمُظَاهِرِ الْمُوَاقِعِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَنُقِلَ حُكْمُهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الظِّهَارُ مُزِيلًا لِلنِّكَاحِ كَالْحَيْضِ يَحْرُمُ بِهِ الْوَطْءُ إلَى وُجُودِ الطُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزُولَ النِّكَاحُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَيُنَاسِبُ الْمُجَازَاةَ عَلَيْهَا بِالْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعَهَا بِالْكَفَّارَةِ ا هـ وَقَوْلُهُ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى نَقْلِ حُكْمِ الظِّهَارِ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ بَيَانُهُ أَنَّ الظِّهَارَ جِنَايَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ فِي آيَةِ الظِّهَارِ مُنْكَرًا وَزُورًا قَالَ تَعَالَى { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا } أَرَادَ بِالْمُنْكَرِ مَا تُنْكِرُهُ الْحَقِيقَةُ وَالشَّرْعُ وَبِالزُّورِ الْكَذِبَ وَالْبَاطِلَ فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ بِالْكَفَّارَةِ زَجْرًا لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ ابْنُ الصَّامِتِ ) هُوَ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمَّا خَلَا سِنِّي وَنَثَرَ بَطْنِي ) أَرَادَتْ أَنَّهَا كَانَتْ شَابَّةً تَلِدُ أَوْلَادًا عِنْدَهُ ا هـ هَرَوِيٌّ ( قَوْلُهُ فَقَالَ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ ) الْعَرَقُ بِالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ سِتُّونَ صَاعًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقِيلَ هُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أَصَحُّ ( قَوْلُهُ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ ) فَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ أَيْ فِي الْحَرَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي ) وَهَذَا فِي الْجَدِيدِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ ا هـ عَيْنِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ وَطِئَ قَبْلَهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَطْ ) أَيْ لَوْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رُوِيَ { أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ حِينَ ، وَاقَعَ امْرَأَتَهُ ، وَقَدْ كَانَ ظَاهَرَ مِنْهَا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُك اللَّهُ فَقَالَ رَأَيْت خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ قَالَ فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ { قَالَ لَهُ اسْتَغْفِرْ رَبَّك ، وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ } ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَبَيَّنَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى ) وَأَرَادَ بِالْكَفَّارَةِ الْأُولَى الْكَفَّارَةَ الْوَاجِبَةَ بِالظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَنْصُوصِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك ) كَذَا فِي حَظِّ الشَّارِحِ وَفِي النُّسَخِ مَا أَمَرَ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَبَيَّنَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَذَا اللَّفْظُ أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا أَيَّ شَيْءٍ نَوَى أَمَّا إذَا نَوَى الظِّهَارَ فَظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِخَ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ فَتَكُونُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ نِيَّةَ الْمَنْسُوخِ فَلَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَعْيِينُ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ وَاللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الطَّلَاقِ وَكَذَا إذَا نَوَى تَحْرِيمَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي كَانَ كَذَّابًا فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَوْدُهُ عَزْمُهُ عَلَى وَطْئِهَا ) أَيْ عَوْدُ الْمُظَاهِرِ ، وَهُوَ الْعَوْدُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } عَزْمُهُ عَلَى وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سُكُوتُهُ عَنْ طَلَاقِهَا ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الظِّهَارَ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ الْعَوْدُ إمْسَاكَهَا ، وَالثَّانِي أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي ، وَفِيمَا قَالَهُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ يَتَّصِلُ بِهِ سُكُوتُهُ عَنْ طَلَاقِهَا ، وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ النَّصِّ أَصْلًا ، وَقَالَ مَالِكٌ الْعَوْدُ الْوَطْءُ نَفْسُهُ ، وَهَذَا يَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَنْفِي جَوَازَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ ، وَكَذَا الْآيَةُ تَرُدُّهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ التَّحْرِيرَ بَعْدَ الْعَوْدِ قَبْلَ التَّمَاسِّ فَلَوْ كَانَ الْعَوْدُ هُوَ الْوَطْءُ لَمَا اسْتَقَامَ ، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ : الْعَوْدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ مَرَّةً أُخْرَى ، وَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا بِدُونِ الثَّانِيَةِ ، وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ ، وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ لَقِيلَ يُعِيدُونَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ الْإِعَادَةِ لَا مِنْ الْعَوْدِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ يَنْفِيهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الظِّهَارِ هَلْ كَرَّرَ أَوْ لَا ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّكْرَارَ لَسَأَلَهُ ، وَاللَّامُ فِي قَوْله تَعَالَى لِمَا قَالُوا بِمَعْنَى إلَى ، وَقِيلَ بِمَعْنَى فِي ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا فَيُرِيدُونَ الْوَطْءَ ، وَالْعَوْدُ الرُّجُوعُ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ } ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُوجِبُهُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فَإِذَا قَصَدَ وَطْأَهَا ، وَعَزَمَ عَلَيْهِ

رَجَعَ عَمَّا قَالَ فَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا أَوْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى وَطْئِهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا .( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ ) بَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } رَتَّبَ التَّحْرِيرَ عَلَى الْعَوْدِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى عَنْ إلَخْ ) قَالَ الرَّازِيّ وَقِيلَ إلَى بِمَعْنَى عَنْ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ ثُمَّ يَعُودُونَ إلَى مَقُولِهِمْ وَيُرَادُ بِالْمَقُولِ النِّسَاءُ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَا فِي لِمَا قَالُوا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَيُرَادُ بِالْمَصْدَرِ الْمَفْعُولُ كَضَرْبِ الْأَمِيرِ وَنَسْجِ الْيَمَنِ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { خُذُوا زِينَتَكُمْ } وَحَاصِلُ الْمَعْنَى ثُمَّ يَعْزِمُونَ إلَى نِسَائِهِمْ أَيْ إلَى مُبَاشَرَتِهِنَّ لَكِنْ إذَا بَدَا لَهُ فِي الْوَطْءِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تَجِبُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهَا أَوْ مَوْتِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعَوْدَ بِالْعَزْمِ وَلَا اسْتِقْرَارَ فِي الْعَزْمِ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ رَجَعَ وَتَرَكَ الْعَزْمَ سَقَطَتْ عَنْهُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِ الْوَطْءِ حَتَّى يَحِلَّ عَلَى مِثَالِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ النَّفَلَ يُؤْمَرُ بِالطَّهَارَةِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ ، وَتَرَكَ التَّنَفُّلَ لَا يُؤْمَرُ بِهَا ثُمَّ سَبَبُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ هُوَ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ فَيَكُونُ سَبَبُهَا دَائِرًا أَيْضًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ الْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ ، وَالْعِبَادَةُ بِالْمُبَاحِ ، وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَوْدِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذَّاتِ فَيَجُوزُ بَعْدَ ثُبُوتِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لِتَرْفَعَ بِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الطَّهَارَةِ إنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبُهَا لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَتَجُوزُ بَعْدَ وُجُودِهِ ، وَلِهَذَا جَازَتْ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا أَوْ بَعْدَ مَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِالِارْتِدَادِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَزُولُ بِغَيْرِ التَّكْفِيرِ مِنْ أَسْبَابِ الْحِلِّ كَمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطْنُهَا وَفَخِذُهَا وَفَرْجُهَا كَظَهْرِهَا ) أَيْ بَطْنُ أُمِّهِ وَفَرْجُهَا وَفَخِذُهَا كَظَهْرِهَا حَتَّى لَوْ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِعُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهَا ، وَلَمْسُهَا ، وَالظِّهَارُ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ الْيَدِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَمْسُهُ بِلَا شَهْوَةٍ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأُخْتُهُ وَعَمَّتُهُ وَأُمُّهُ رَضَاعًا كَأُمِّهِ ) أَيْ كَأُمِّهِ نَسَبًا حَتَّى يَصِيرَ مُظَاهِرًا بِتَشْبِيهِهِ مَنْكُوحَتَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِنَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ لَيْسَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ هِيَ فِي عِصْمَتِهِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ فَإِذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ حَلَّتْ لَهُ لِعَدَمِ الْجَمْعِ .( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِهَا ) أَيْ أُخْتِ امْرَأَتِهِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرَأْسُك وَفَرْجُك وَظَهْرُك وَوَجْهُكِ وَرَقَبَتُكِ وَنِصْفُكِ وَثُلُثُكِ كَأَنْتِ ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُكِ أَوْ وَجْهُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ كَانَ مُظَاهِرًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَمِيعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ ، وَهُوَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ ، وَمِنْ جَانِبِ الْمُحَرَّمِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عُضْوًا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَقَدْ وُجِدَ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَأْسُك وَفَرْجُك وَوَجْهُك إلَخْ ) وَلَوْ قَالَ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ ظُفْرُك أَوْ شَعْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ بَاطِلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ قَالَ جَنْبُك أَوْ ظَهْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَدُك أَوْ رِجْلُك لِأَنَّ هَذَا الْعُضْوَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ عَادَةً وَأَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَغَيْرِهِمَا إذَا شَبَّهَهُ بِظَهْرِ الْأُمِّ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي إلَى سَائِرِ الْبَدَنِ يُشَاعُ الْجُزْءُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ فَهُوَ مُظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِذَا مَضَى بَطَلَ الظِّهَارُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ مُظَاهِرٌ أَبَدًا وَكَذَلِكَ شَهْرًا أَوْ قَالَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَيَسْقُطُ إذَا مَضَى شَهْرٌ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّ حُرْمَةَ الظِّهَارِ شَهْرٌ فَيَتَأَقَّتُ الظِّهَارُ بِتَأْقِيتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي بِرًّا أَوْ ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى ، وَإِلَّا لَغَا ) أَيْ وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَهُوَ كَمَا نَوَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ يَسْتَفْسِر لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنْ التَّشْبِيهِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت الْبِرَّ أَيْ الْكَرَامَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ بِالتَّشْبِيهِ فَاشٍ فِي الْكَلَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عِنْدِي فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَالْبِرِّ مِثْلُ أُمِّي ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا ، وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بِالْعُضْوِ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْأُمِّ فِي الْحُرْمَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، وَنَوَى الطَّلَاقَ ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ شَيْئًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ عَلَى الْكَرَامَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ لَهَا فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى ، وَلِأَنَّ كَلَامَ الْمُسْلِمِ يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ مَا أَمْكَنَ ، وَفِي جَعْلِهِ ظِهَارًا حَمْلٌ لَهُ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا فَيَدْخُلُ الْعُضْوُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ إيلَاءً لِأَنَّ أُمَّهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَمِينٌ بِالنَّصِّ ، وَإِنْ نَوَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ إيلَاءً لِيَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِيلَاءِ ، وَحُكْمَهُ أَخَفُّ ، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ بِالْوَطْءِ ، وَلَا يَبْقَى حُكْمُهُ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْحَالِ ، وَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ

بِخِلَافِ الظِّهَارِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ تَخْتَصُّ بِهِ ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ إيلَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُؤَكَّدَ بِالتَّشْبِيهِ ظِهَارٌ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلَ أُمِّي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ ) لِأَنَّهُ إذَا شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا وَهُوَ عُضْوٌ مِنْهَا كَانَ ظِهَارًا فَلَأَنْ يَكُونَ ظِهَارًا وَقَدْ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا وَجَمِيعُهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى الظَّهْرِ أَوْلَى وَأَحْرَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظِهَارٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَقَالَ مَشَايِخُنَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ كَقَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ ظِهَارًا وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ إيلَاءً وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْبِرَّ وَالْكَرَامَةَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ إلَخْ ) فَاقْتَضَى مُشَابَهَتَهُ فِي وَصْفٍ خَاصٍّ وَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظِهَارًا وَغَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا بِالشَّكِّ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا نَوَى التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي فَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْكِتَابِ أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافًا وَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ ثُمَّ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ يَكُونُ ظِهَارًا بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتَدَلَّ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ

كَأُمِّي فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى التَّحْرِيمَ يَكُونُ ظِهَارًا قَالَ فَإِذَا ظَهَرَتْ لَك الرِّوَايَةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَنَّهُ ظِهَارٌ عِنْدَهُمْ فَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى التَّحْرِيمَ صَارَ مُلْتَحِقًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي ا هـ ( قَوْلُهُ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ ) لِأَنَّ سَبَبَ الظِّهَارِ وَحُرْمَتَهُ لِعَيْنِهِ وَلَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِالْوَطْءِ وَيَبْقَى مَا لَمْ يُكَفِّرْ وَيَثْبُتُ لِلْحَالِ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ التَّكْفِيرِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي ) أَيْ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَوْ الْكَافَ تَقْتَضِي التَّشْبِيهَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى ) أَيْ إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ كَمَا نَوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيَكُونُ طَلَاقًا بِالنِّيَّةِ ، وَقَوْلُهُ كَأُمِّي لِتَأْكِيدِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ فَظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا فِي الْحُرْمَةِ بِأُمِّهِ وَلَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا كَانَ ظِهَارًا فَبِكُلِّهَا أَوْلَى ، وَانْتَفَى احْتِمَالُ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ هُنَا لِتَصْرِيحِهِ بِالْحُرْمَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ فَيَثْبُتُ بِهِ الْأَدْنَى ، وَالْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ دُونَ الْحُرْمَةِ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالظِّهَارِ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَالْحُرْمَةَ بِالطَّلَاقِ تُزِيلُهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ إيلَاءٌ لِمَا مَرَّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً فَظِهَارٌ ) أَيْ لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ النِّيَّةُ ، وَقَوْلُهُ حَرَامٌ تَوْكِيدٌ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَا يُغَيِّرُهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ نَوَى ظِهَارًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ ظِهَارٌ ، وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَطَلَاقٌ ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً فَإِيلَاءٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُحْتَمَلٌ كَلَامُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَالْإِيلَاءَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَقَوْلَهُ كَظَهْرِ أُمِّي تَوْكِيدٌ لِتِلْكَ الْحُرْمَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِأَنْتِ ، وَلَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَظَهْرِ أُمِّي لِأَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْمُبَانَةِ لَا يَصِحُّ ، وَلَا يُقَالُ الظِّهَارُ وَالطَّلَاقُ يُوجَدَانِ مَعًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَوِّنَانِ مَعًا الظِّهَارَ بِلَفْظِهِ ، وَالطَّلَاقَ بِنِيَّتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ ، وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ ، وَعَنَيْت بِهِ تِلْكَ يَقَعُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ ، وَعَلَى الْمَعْرُوفَةِ بِالظَّاهِرِ ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إيلَاءً وَظِهَارًا بِاتِّفَاقِهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا .( قَوْلُهُ يَقَعُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ ) صَوَابُهُ بِاعْتِرَافِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا ظِهَارَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } الْآيَةَ ، وَلَفْظُ النِّسَاءِ يَتَنَاوَلُ الْمَنْكُوحَاتِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا خِلَافًا لِمَالِكٍ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلُونَا إذْ لَفْظُ النِّسَاءِ مُضَافًا إلَى الْأَزْوَاجِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِمَاءَ ، وَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } وَفِي قَوْله تَعَالَى { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } حَتَّى لَا يُحَرَّمَ عَلَيْهِ أُمُّ أَمَتِهِ بِغَيْرِ وَطْءٍ ، وَلَا يَصِيرُ مُولِيًا مِنْ أَمَتِهِ ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَقَلَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ ، وَالْأَمَةُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلظِّهَارِ كَالْإِيلَاءِ كَانَ طَلَاقًا لِلْحَالِّ فَأَخَّرَهُ الشَّرْعُ إلَى مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْأَصْلُ ، وَلِأَنَّ الْحِلَّ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْأَمَةِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الِاسْتِخْدَامُ حَتَّى يَثْبُتَ مِلْكُ الْيَمِينِ فِيمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا وَأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا تَكُونُ مَقْصُودَةً بِالتَّحْرِيمِ إذْ الْحِلُّ فِيهَا تَبَعٌ لِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا مَقْصُودٌ ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ ، وَفِي الْمَنْكُوحَةِ أَصْلٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَمَةَ مَحَلٌّ لِلظِّهَارِ بَقَاءً بِأَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا يَبْقَى حُكْمُ الظِّهَارِ الْأَوَّلِ عَلَى حَالِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ ، وَلِهَذَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ ،

وَكُلًّا مِنَّا فِي الِابْتِدَاءِ ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ بَقَاءً ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ ابْتِدَاءً كَبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ ، وَكَالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الْأَمَةِ ابْتِدَاءً ، وَتَبْقَى بَعْدَمَا تَثْبُتُ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَلَا التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْدَمَا أَعْتَقَهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَكَذَا هَذَا ، وَهَذَا لِأَنَّ وَقْتَ ثُبُوتِهِ كَانَتْ مَحَلًّا لَهُ فَيَثْبُتُ لِمُصَادَفَتِهِ الْمَحَلَّ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا بِشُرُوطِهِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَجَازَتْهُ بَطَلَ ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَتْ النِّكَاحَ بَطَلَ الظِّهَارُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الزُّورِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ ، وَيَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ إعْتَاقُهُ بَلْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ، وَالشَّيْءُ إذَا تَوَقَّفَ يَتَوَقَّفُ بِحُقُوقِهِ ، وَالظِّهَارُ مَحْظُورٌ فَلَا يُسْتَحَقُّ بِمِلْكِ النِّكَاحِ بَلْ لَا يَجُوزُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارًا مِنْهُنَّ ) أَيْ لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ لِوُجُودِ رُكْنِهِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، وَهُوَ التَّشْبِيهُ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَفَّرَ لِكُلٍّ ) أَيْ كَفَّرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، وَقَالَ مَالِكٌ يَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُنَّ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ ثُمَّ قَرِبَهُنَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهَذَا لِأَنَّ الظِّهَارَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ كَالْإِيلَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الظِّهَارُ يَمِينٌ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ ، وَذَلِكَ يَمِينٌ فَلَا تَجِبُ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِانْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ تَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهَا بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِيهِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ ، وَزُورٌ مَحْضٌ ، وَالْيَمِينَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ مُبَاحٌ ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ كَفَّارَتُهُمَا فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْيَمِينَ إمَّا بِاَللَّهِ ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَلَمْ يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الظِّهَارِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارًا ) بِالنِّصْفِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ ) هُوَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ فَلَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ) وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ هَذِهِ تُخَالِفُ مَذْهَبَنَا لِأَنَّ تَكَرُّرَهُ يَدُلُّ أَنَّهُ سَبَبٌ وَهُمْ مَنَعُوا تَقْدِيمَهُ وَلَوْ كَانَ سَبَبًا لَجَازَ وَهَذَا سَهْوٌ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ سَبَبًا بِالْحِنْثِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

( فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) أَيْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ، وَالتَّذْكِيرُ بِتَأْوِيلِ التَّكْفِيرِ وَهِيَ قَبْلَ الْوَطْءِ لِمَا تَلَوْنَا ، وَمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مَنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ ، وَلِأَنَّ التَّكْفِيرَ لِانْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالظِّهَارِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَطْءِ لِيَحِلَّ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ ، وَالْكَافِرَةِ وَالْمُسْلِمَةِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَجُوزُ الْكَافِرَةُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَدُوَّةٍ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ عَيْبٌ ، وَلِهَذَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَهُ كَافِرًا وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ لَا فَعِنْدَنَا لَا يُحْمَلُ ، وَعِنْدَهُ يُحْمَلُ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ ، وَهُنَا قَيَّدَهُ بِالنَّصِّ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ مِنْ الْكَفَّارَاتِ ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِذَاتٍ مَرْقُوقَةٍ مَمْلُوكَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَقَدْ وُجِدَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْإِيمَانِ زِيَادَةٌ وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَتَعَدَّى الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ ، وَلَا نَصَّ فِيهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ أَوْ شُبْهَتِهِ حَتَّى صَارَ مُؤَخَّرًا عَنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ ، وَهُنَا نَصٌّ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ ، وَهُوَ إطْلَاقُ الْكِتَابِ ، وَلِأَنَّ الْفَرْعَ لَيْسَ نَظِيرَ الْأَصْلِ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ أَعْظَمُ ، وَلِهَذَا لَمْ يُشَرَّعْ فِيهِ الْإِطْعَامُ ، وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِغَيْرِهِ فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِطْعَامِ تَغْلِيظًا

لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ ، وَتَعْظِيمًا لِلْجَرِيمَةِ حَتَّى تَتِمَّ صِيَانَةُ النَّفْسِ ، فَكَذَا لَا يَجُوزُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ فِي التَّغْلِيظِ لِأَنَّ قَيْدَ الرَّقَبَةِ بِالْإِيمَانِ أَغْلَظُ فَيُنَاسِبُهُ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ جَرِيمَةَ الْقَتْلِ أَعْظَمُ ، وَالْمَقْصُودَ مِنْ التَّحْرِيرِ تَمْكِينُهُ مِنْ الطَّاعَةِ ، وَارْتِكَابَهُ الْمَعْصِيَةَ مَنْسُوبٌ إلَى سُوءِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْعِتْقِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَصْرُوفَ إلَى الْكَفَّارَةِ مَالِيَّتُهُ دُونَ اعْتِقَادِهِ ، وَكَوْنَهُ عَدُوَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ } الْآيَةَ ، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ بِالْعِتْقِ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِعِتْقِ الْكَافِرَةِ ، وَلَا يُقَالُ هُوَ مَأْمُورٌ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وَهِيَ نَكِرَةٌ فَتَخْتَصُّ بِالْإِثْبَاتِ ، وَقَدْ أُرِيدَ بِهَا الْمُؤْمِنَةُ فَلَا تَدْخُلُ الْكَافِرَةُ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذِهِ مُطْلَقَةٌ فَتَتَنَاوَلُ رَقَبَةً عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزَ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ ، وَإِنْ كَانَا مُتَضَادَّيْنِ ، وَكَذَا الْبَيْضَاءُ وَالسَّوْدَاءُ ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُتَضَادَّةِ ، وَيَجُوزُ الْمُرْتَدُّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ قُلْنَا إنَّا نَمْنَعُ ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْقَتْلَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً جَازَتْ بِلَا خِلَافٍ ، وَالْعَيْبُ إذَا كَانَ لَا يُفَوِّتُ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ ، وَلِهَذَا جَازَ الْأَصَمُّ وَالْأَعْوَرُ ، وَمَقْطُوعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ ، وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ ، وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ ، وَالْمُرَادُ بِالْأَصَمِّ الَّذِي يَسْمَعُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَلَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ .

( فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ ) لَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً إلَى وُجُودِ الْمَنْهِيِّ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ شَرَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِبَيَانِ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مَشْرُوعَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ دُونَ التَّخْيِيرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهَا بِحَرْفِ الْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ الْإِعْتَاقُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } وَالْمُرَادُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ إذَا وَرِثَ أَبًا فَنَوَى بَدْءَ الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَالشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ أَيْضًا وَالْكَفَّارَةُ شَرْطٌ فِيهَا التَّحْرِيرُ وَهُوَ صُنْعٌ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ إلَخْ أَيْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ لَا فِي الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِي عِنْدَنَا عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِي عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً فَأَعْتَقَ رَقَبَةً كَافِرَةً كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدَّيْنِ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ قِيَاسَ

الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إلَخْ ) وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِلُزُومِ اعْتِقَادِ النَّقْصِ فِيمَا تَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ إلَخْ ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ إلَخْ ) وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنْبِئُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ بَلْ الرَّقَبَةُ اسْمٌ لِلْمَمْلُوكِ كَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالْإِيمَانِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ نَسْخٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً جَازَتْ ) وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الرَّقَبَةُ أَعَمُّ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُطْلَقٌ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ ذَاتًا وَاحِدَةً عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ ) لِبَقَاءِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ قَائِمَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِتَعَذُّرِ الْمَشْيِ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَا يُجْزِئُ الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ ( فَرْعٌ ) يَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا عُلِمَ بِحَيَاتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ مَذْكُورٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ ا هـ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأَنْفِ وَمَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ وَلَا يَجُوزُ سَاقِطُ الْأَسْنَانِ وَيَجُوزُ ذَاهِبُ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ شُجَاعٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَجُوزُ الْأَعْشَى وَالْعِنِّينُ وَالْخُنْثَى وَالْأَمَةُ الرَّتْقَاءُ وَاَلَّتِي بِهَا قَرْنٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَجُزْ الْأَعْمَى ، وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَإِبْهَامَيْهِمَا أَوْ الرِّجْلَيْنِ ، وَالْمَجْنُونُ ) وَالْأَصْلُ أَنَّ فَوَاتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالِاخْتِلَالَ لَا يَمْنَعُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْإِنْسَانِ مَعْنًى يَكُونُ بِبَقَاءِ مَنَافِعِهِ ، وَبِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ هَالِكًا مَعْنًى ، وَفِيمَا ذَكَرَ فَوَاتُ الْبَصَرِ وَالْبَطْشِ وَقُوَّتِهِ وَالْمَشْيِ فَكَانَ هَالِكًا ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ ، وَاَلَّذِي يُجَنُّ ، وَيُفِيقُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقْلِ غَيْرُ فَائِتَةٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ مُخْتَلَّةٌ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ ) لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا ، وقَوْله تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } يَقْتَضِي الْكَمَالَ ، وَيَقْتَضِي إنْشَاءَ الْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَإِعْتَاقُهُمَا تَعْجِيلٌ لِمَا صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُمَا فَلَا يَكُونُ إنْشَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا مَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَبِيدُهُ وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ ، وَلَا يُعْتَقُ مُكَاتَبُوهُ فَدَلَّ عَلَى كَمَالِ الرِّقِّ فِيهِمَا ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَوْ كَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا فِيهِمَا لِمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهُمَا كَالْمُكَاتَبَةِ ، وَهَذَا غَلَطٌ وَخَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ جَعَلَ الرِّقَّ فِي الْمُكَاتَبِ نَاقِصًا ، وَالثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ نُقْصَانَ الرِّقِّ مُحَرِّمًا لِلْوَطْءِ ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَنَاطَ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الرِّقَّ ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمِلْكُ ، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ جَعَلَ رِقَّ الْمُدَبَّرِ ، وَأُمِّ الْوَلَدِ كَامِلًا ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَرْقَ ، وَنُبَيِّنُ الْمَعْنَى ، وَالْمَنَاطَ مُخْتَصَرًا فَنَقُولُ الْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ } ، وَالْمِلْكُ فِيهِ نَاقِصٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا ، وَالْمُدَبَّرُ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ عَكْسُهُ فَإِنَّ رِقَّهُمَا نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ ، وَالْمِلْكُ فِيهِمَا كَامِلٌ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُمَا ، وقَوْله تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } يَقْتَضِي رِقًّا كَامِلًا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُكَاتَبُ دُونَهُمَا ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ يَقْتَضِي مِلْكًا كَامِلًا فَيَدْخُلَانِ فِيهِ دُونَ الْمُكَاتَبِ فَكَانَ الْمَنَاطُ فِي تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ الرِّقَّ ، وَفِي

قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْمِلْكَ ، وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَقَالَ فِيهِ فِي الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ يَعْنِي الْمَوْلَى ، وَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْقِنِّ إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا ، وَكَذَا ذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ أَيْضًا فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ الْعِتْقَ ضِدُّ الرِّقِّ دُونَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي أَشْيَاءَ لَا تَقْبَلُ الْعِتْقَ وَلَوْ كَانَ ضِدًّا لَهُ لَمَا ثَبَتَ لِأَنَّ شَرْطَ التَّضَادِّ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ ، وَإِذَا كَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ الْإِعْتَاقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ رِقَّهُ كَانَ زَائِلًا مِنْ وَجْهٍ .( قَوْلُهُ وَهَذَا غَلَطٌ ) أَيْ قَوْلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ ) يَعْنِي فِي الْهِدَايَةِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى شَيْئًا ) لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ رِقَّهُ لَمْ يَنْتَقِصْ بِمَا أَدَّى فَكَانَ بَاقِيًا مِنْ وَجْهٍ ، وَلِهَذَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فِيهِمَا قَبْلَهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ نَاوِيًا بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ عَنْهَا صَحَّ ) أَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ فَكَانَ تَحْرِيرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَأَشْبَهَ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْعِتْقَ بِالْكِتَابَةِ فَوْقَ اسْتِحْقَاقِهِ بِالتَّدْبِيرِ ، وَالِاسْتِيلَادِ ، وَلِهَذَا صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ ، وَيَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَفِيمَا فِي يَدِهِ ، وَيَضْمَنُ لَهُ الْأَرْشَ وَالْعُقْرَ بِالْجِنَايَةِ وَالْوَطْءِ وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ ، وَهُوَ تَصْيِيرُ شَخْصٍ مَرْقُوقٍ حُرًّا ، وَقَدْ وُجِدَ ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ نُقْصَانٌ فِي رِقِّهِ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ ، وَالْمُعَلَّقُ بِهِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِهِ ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ اسْتِحْقَاقُ الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ ، وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الرِّقِّ ، وَلَا يُوجِبُ لَهُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ كَحَقِيقَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّدْبِيرَ ، وَالِاسْتِيلَادَ لَا يَقْبَلُهُ فَيَثْبُتُ بِهَذَا أَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَالْكِتَابَةَ لَا تُنَافِي الرِّقَّ

لِأَنَّهَا فَكُّ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهَا بِعِوَضٍ فَتَلْزَمُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى ، وَلَئِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مَانِعَةً مِنْ الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ تَنْفَسِخُ بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ إذْ هِيَ تَقْبَلُهُ بِرِضَا الْمُكَاتَبِ ، وَقَدْ وُجِدَ رِضَاهُ دَلَالَةً لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِالْعِتْقِ بِعِوَضٍ كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى وَلَا يُقَالُ لَوْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ لَمَا سُلِّمَتْ لَهَا الْأَوْلَادُ ، وَالْأَكْسَابُ ، وَسَلَامَتُهُمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ جَوَازِ التَّكْفِيرِ ، وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ اسْتِرْدَادِ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ وَلَوْلَا أَنَّهُ فَسْخٌ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ أَوْ نَقُولُ سَلَامَةُ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِتْقٌ ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ لَا لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَتْ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ ، وَسَلَّمَ لَهَا الْأَكْسَابَ ، وَالْأَوْلَادَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُمْ بَعْدَ الْكِتَابَةِ ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِتْقٌ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ كُلًّامِنَّا فِي الْإِعْتَاقِ الصَّادِرِ مِنْ الْمَوْلَى لَا فِي الْعِتْقِ الْحَاصِلِ فِي الْمَحَلِّ وَالْكَفَّارَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِعْتَاقِ دُونَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ فَلَا يَتَنَوَّعُ وَالْإِعْتَاقُ تَخْتَلِفُ جِهَاتُهُ فَجُعِلَ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْكِتَابَةِ ، وَفِي حَقِّ الْمَوْلَى إعْتَاقًا بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ لِقَصْدِ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ صَدَاقَهَا مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ، وَيَجْعَلُ هِبَتَهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ ، وَفِي حَقِّهَا تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً ، وَلَا يُقَالُ الْمِلْكُ فِيهِ قَدْ انْتَقَضَ

بِالْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ الْمُطَلِّقُ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا ذَكَرَ الْمِلْكَ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمِلْكِ ، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ كَافٍ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مِلْكِ الْيَدِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ ، وَكَمَالَهُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْيَدِ فَخُرُوجُهُ عَنْ يَدِهِ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ عَلَى مَا مَرَّ ، وَكَذَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ لَا لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَرِيبُهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَلِأَنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ الْعِتْقِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ ، وَهُوَ بِصُنْعِهِ فَيَكُونُ عَمَّا نَوَى وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةُ وُجُوبِ الصِّلَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ ، وَالشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ ، وَالْإِعْتَاقَ سَبَبٌ لِزَوَالِهِ ، وَبَيْنَهَا تَنَافٍ فَاسْتَحَالَ إضَافَةُ الْعِتْقِ لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلِاسْتِحْقَاقِهِ الْحُرِّيَّةَ بِالْقَرَابَةِ فَصَارَ كَمَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ ، وَإِنَّمَا اقْتَرَنَتْ بِالشَّرْطِ ، وَهُوَ الشِّرَاءُ فَلَا يُعْتَبَرُ ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَ الْيَمِينِ دُونَ الشَّرْطِ ، وَكَذَا الضَّمَانُ يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الشَّرْطِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ فَلَا يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ ، وَلِمَا أَنَّ النِّيَّةَ قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ فَيَصِحُّ ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ عِلَّةٌ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ تَصْيِيرُ

الرَّقَبَةِ حُرًّا ، وَفِي الشِّرَاءِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَنْ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ } أَيْ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ إعْتَاقًا وَهَذَا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ ، وَضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ أَيْ بِالسَّقْيِ وَالضَّرْبِ ، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ ، وَمِلْكَ الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَيُضَافُ الْمِلْكُ مَعَ حُكْمِهِ إلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّهُمَا حَدَّثَا بِهِ ، وَهَذَا كَمَنْ رَمَى إنْسَانًا عَمْدًا فَأَصَابَهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ كَأَنَّهُ حَزَّ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ فِعْلَهُ ، وَهُوَ الرَّمْيُ أَدَّى إلَى النُّفُوذِ وَالْمُضِيِّ فِي الْهَوَاءِ ، وَأَوْجَبَ الْمُضِيُّ الْوُقُوعَ عَلَيْهِ ، وَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْحَرَجِ ، وَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيُضَافُ الْكُلُّ إلَيْهِ بِالتَّسَيُّبِ فَيَكُونُ الرَّامِي قَاتِلًا لَهُ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ فَكَذَا الشِّرَاءُ أَوْجَبَ الْمِلْكَ ، وَالْمِلْكُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْإِيجَابِ ، وَالْعِتْقَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَالْقَرَابَةِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ فِيهِ فَجُعِلَا عِلَّةً ذَاتَ وَجْهَيْنِ ثُمَّ إنْ وُجِدَا مَعًا أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِمَا ، وَإِنْ تَعَاقَبَا كَانَ الْأَخِيرُ هُوَ الْعِلَّةُ أَيُّهُمَا كَانَ ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ضَمِنَ لِلْآخَرِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَالضَّمَانُ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ ، وَالْإِعْسَارِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِعْتَاقِ وَلَوْ تَأَخَّرَ السَّبَبُ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَسَبَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا يَضْمَنُ الْمُدَّعِي نَصِيبَ شَرِيكِهِ ، وَهَذَا آيَةُ الْعِلِّيَّةِ بِخِلَافِ آخِرِ الشَّاهِدَيْنِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ ، وَالْقَضَاءَ بِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يُحَالُ التَّلَفُ إلَى الثَّانِي مِنْهُمَا يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ ، وَلِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ

فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ ، وَلِلْقَرَابَةِ أَيْضًا تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ فَصَارَا عِلَّةً وَاحِدَةً فَيُضَافُ إلَيْهِمَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وُجُودًا ، وَلَا يُضَافُ إلَى الْأَخِيرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ هُنَا شَرْطٌ مَحْضٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إيجَابِ الْحُرِّيَّةِ فَقِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ لَا يُفِيدُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ بِالْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي أَجْزَأَهُ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَيْثُ لَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهُ بِالْعِلَّةِ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ بِالِاسْتِيلَادِ السَّابِقِ فَأُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ تَمَامِ الْعِلَّةِ ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ فِيهِ صَرَفَ مَنْفَعَةَ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ إلَى قَرِيبِهِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ ، وَهُوَ يَنْوِي عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْصُلُ بِصُنْعِهِ ، وَهُوَ الْقَبُولُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَهُ ، وَهُوَ يَنْوِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ صُنْعِهِ فِي الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ التَّحْرِيرُ ، وَهُوَ جَعْلُ الرَّقَبَةِ حُرًّا ، وَأَمَّا إذَا حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ عَنْهَا فَلِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً بِكَلَامَيْنِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَهَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ ، وَفِي

الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ بِعِتْقِ النِّصْفِ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الْكَفَّارَةِ فِي مِلْكِهِ ، وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلتَّضْحِيَةِ فَأَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَذَهَبَتْ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقِيَاسُ ، وَالِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ ، وَلَمْ يَعْتِقْ الْبَاقِي جَازَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُعْتَقُ كُلَّهُ .

( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ ) وَالْعِوَضُ يُبْطِلُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُقْبَلُ الْفَسْخُ ) أَيْ يُقْبَلُ الْفَسْخُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ كَمَا احْتَمَلَ قَبْلَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَخْ ) وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ ضَرُورِيٌّ ) أَيْ فَسْخُ الْكِتَابَةِ ثَبَتَ ضَرُورَةٌ تَقْتَضِي صِحَّةَ التَّكْفِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْلَ إلَخْ ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْوِلَادَةَ بِمَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّ مَا وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ يَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى كَهِيَ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ ) لَيْسَتْ الْفَاءُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَكَمَالِهِ ) أَيْ كَمَالِ الرِّقِّ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَة وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ لِلْكَفَّارَةِ جَازَ عَنْهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُجْزِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَكَذَا إنْ وَهَبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ لَوْ رَحِمَ مَحْرَمٍ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ مَا إذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعِهِ إنْ نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصُّنْعِ يُجْزِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُجْزِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ يَعْتِقُ وَلَا يَجُوزُ إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ دُخُولِ الدَّارِ إلَّا إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ وَجْهُ الْقِيَاسِ

أَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ وَهُوَ الْقَرَابَةُ فَلَا يُجْزِي عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْآيَةِ هُوَ التَّحْرِيرُ وَقَدْ حَصَلَ فَيُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ } أَيْ بِالشِّرَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ أَطْعِمْهُ فَأَشْبِعْهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ ، وَضَمِنَ بَاقِيهِ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ وَطِئَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ لَا ) أَيْ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَأَمَّا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَبِعِتْقِ جُزْءٍ مِنْهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَصَارَ مُعْتَقًا لِكُلِّ الْعَبْدِ ، وَهُوَ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَيَكُونُ عِتْقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيُجْزِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فَيَكُونُ عِتْقًا بِعِوَضٍ فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَلَهُ أَنَّ النُّقْصَانَ تَمَكَّنَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ ، وَهَذَا النُّقْصَانُ حَصَلَ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ نَاقِصًا فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاقِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ذَلِكَ النُّقْصَانَ كَذَهَابِ الْبَعْضِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ فَجُعِلَ مِنْ الْأَدَاءِ ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا أَدَاءَ قَبْلَ الْمِلْكِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحَصَلَ النُّقْصَانُ فِي مِلْكِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِنَادُ فِي الْمَضْمُونَاتِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ النِّصْفَ ثُمَّ جَامَعَهَا ثُمَّ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ النِّصْفَ وَقَعَ بَعْدَ الْمَسِيسِ ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً أُخْرَى بَعْدَهُ لِأَنَّا نَقُولُ النَّصُّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْعِتْقِ عَلَى الْمَسِيسِ ، وَمَنْعَ التَّفْرِقَةِ بِالْجِمَاعِ بَيْنَ النِّصْفَيْنِ فَمَا تَعَذَّرَ مِنْهُمَا سَقَطَ ، وَهُوَ التَّقْدِيمُ ،

وَمَا أَمْكَنَ تَدَارُكُهُ وَجَبَ عَمَلًا بِالنَّصِّ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ فَكَانَ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَعْتِقُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ ، وَأَيَّامٌ مَنْهِيَّةٌ ) وَهِيَ يَوْمُ الْفِطْرِ ، وَيَوْمُ النَّحْرِ ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ، وَشَهْرَ رَمَضَانَ لَمْ يُشَرَّعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ غَيْرُهُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ ، وَالصَّوْمُ فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ ، وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِدُخُولِ هَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ يَجِدُ شَهْرَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ أَوْ الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّرْتِيبُ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فِي شَهْرَيْنِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَرَضِ حَيْثُ يُسْتَقْبَلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ النِّفَاسِ وَالْمَرَضِ ، وَمُدَّةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَلِيلَةٌ فَيُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ مُرَتَّبًا مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ الصَّوْمُ الْمَنْذُورُ بِشَرْطِ التَّتَابُعِ ثُمَّ إنْ صَامَ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ ، وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا الْكَامِلُ .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا عَدَمُ إجْزَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاقِعَ فِيهِ وَقَعَ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ فَلَا يَقَعُ عَنْ فَرْضٍ آخَرَ إلَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَصَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِمَا عُرِفَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جَازَ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْهُ وَعَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ إذَا أَنْذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ فَصَامَهُ مُعْتَكِفًا قُلْتُ الصَّوْمُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الشَّرْطِ كَيْفَ كَانَ لَا قَصْدًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ مَقْصُودٌ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ قَصْدًا وَأَمَّا الْأَيَّامُ الْمَذْكُورَةُ فَصَوْمُهَا نَاقِصٌ بِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِهَا وَالْوَاجِبُ بِالْكَفَّارَةِ صَوْمٌ كَامِلٌ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالنَّاقِصِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصِّيَامَ وَكَذَا لَوْ جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمُ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصَّوْمَ وَلَوْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا يَسْتَقْبِلُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَطِئَ فِيهِمَا لَيْلًا أَوْ يَوْمًا نَاسِيًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ ) لِأَنَّهُ بِالْإِفْطَارِ فَاتَ التَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ ، وَبِالْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَفُوتُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَسْتَأْنِفُ إلَّا بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّ الْوَطْءَ الْمَذْكُورَ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ كَمَا لَوْ جَامَعَ غَيْرَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَانَ التَّرْتِيبُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ ، وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِئْنَافِ تَأْخِيرَ الْكُلِّ عَنْ الْمَسِيسِ ، وَفِي الْمُضِيِّ تَأْخِيرَ الْبَعْضِ فَكَانَ أَوْلَى ، وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَا يَسْتَأْنِفُ ، وَلَهُمَا أَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الصَّوْمِ عَلَى الْوَطْءِ ، وَأَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ خَالِيًا عَنْ الْوَطْءِ فَإِذَا فَاتَ التَّقْدِيمُ ، وَسَقَطَ لِتَعَذُّرِهِ وَجَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْآخَرِ ، وَهُوَ الْإِخْلَاءُ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُمَا بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالتَّقْدِيمِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَقَوْلُهُ يَوْمًا ، وَلَمْ يَقُلْ نَهَارًا لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يُجْزِ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ ، وَإِنْ أَطْعَمَ أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ سَيِّدُهُ ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ، وَالتَّكْفِيرَ بِالْمَالِ لَا يَكُونُ بِدُونِهِ ، وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ لَهُ فِي ضِمْنِ تَمْلِيكِهِ اقْتِضَاءً لِأَنَّا نَقُولُ الْحُرِّيَّةُ أَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يَثْبُتُ اقْتِضَاءً لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ يَكُونُ تَبَعًا ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ ، وَصَوْمُهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ كَالْحُرِّ ، وَعَنْ النَّخَعِيّ شَهْرٌ وَاحِدٌ اعْتِبَارًا بِالْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ شُرِّعَ زَاجِرًا كَالْحُدُودِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ جَانِبُ الْعَادَةِ أَرْجَحُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمْ تُشَرَّعْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ ، وَتَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ ، وَلَا تَنْصِيفَ فِي الْعِبَادَةِ ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ النَّذْرِ ، وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالْتِزَامِهِ فَكَانَ نَفْلًا فِي حَقِّهِ ، وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَيْهَا فَلَا يَضُرُّهُ التَّأْخِيرُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَجُزْ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ إلَخْ ) وَكَذَا السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالصَّوْمِ ذَكَرَهُ ابْنُ فِرِشْتَا فِي كِتَابِ الْحِجْرِ مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ ) أَيْ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى مَنْعَهُ عَنْهُ ا هـ .

وَلَوْ صَامَ الْحُرُّ شَهْرَيْنِ فَقَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ ، وَكَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزُفَرَ .

وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِعَطَشِهِ حَيْثُ يَجُوزُ التَّمِيمُ ، وَلَنَا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِهِ ، وَاسْتِعْمَالَهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ .( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ وَاحِدٌ ) بِخِلَافِ الْمِسْكِينِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْخَادِمِ ) كَذَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَسْكَنَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ لِبَاسِ أَهْلِهِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ ( لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ أَطْعَمَ سِتِّينَ فَقِيرًا كَالْفِطْرَةِ أَوْ قِيمَتِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } وَقَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ يَعْنِي فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لِقَوْلِهِ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ { ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَوْسٍ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ أَطْعِمْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ذَكَرَهُ فِي الْمُعَلَّى وَقِيمَتُهُ تَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الزَّكَاةِ ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْيَوْمِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَيَكُونُ نَظِيرَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنْ أَعْطَى مَنًّا مِنْ بُرٍّ وَمَنْوَيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَنَّ رِطْلَانِ فَوُجِدَ نِصْفُ الْوَاجِبِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَةُ الْمِسْكِينِ ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِطْعَامِ وَإِنَّمَا جَازَ تَكْمِيلُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ الْإِطْعَامُ فَصَارَا جِنْسًا وَاحِدًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَجَازَ التَّكْمِيلُ بِالْآخَرِ ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي صَاعًا مِنْ الْوَسَطِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً ، وَكَسَا خَمْسَةً فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ تَجُوزُ

الْكِسْوَةُ عَنْ الْإِطْعَامِ بِالْقِيمَةِ ، وَالْكِسْوَةُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ، وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إجْزَاءً ، وَلَا مَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ ، وَصَامَ شَهْرًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِأَنَّ شَرْطَ مَنْعِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، وَشَرْطَ جَوَازِ التَّكْمِيلِ اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ غَيْرُ الْإِطْعَامِ ، وَالْإِعْتَاقَ غَيْرُ الصِّيَامِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ مَنْعِ جَوَازِ الْقِيمَةِ فِي الْأُولَى ، وَلَا عِلَّةُ جَوَازِ التَّكْمِيلِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يَدُلُّ عَنْ الْعِتْقِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ أَحَدَهُمَا كُلَّهُ فَإِذَا أَتَى بِبَعْضِ وَاحِدٍ مِنْهَا ، وَأَرَادَ تَكْمِيلَهُ بِبَعْضِ الْآخَرِ لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ الِامْتِثَالِ لِأَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهَا ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي التَّكْمِيلِ أَنْ يَجُوزَ عِتْقُ نِصْفِ رَقَبَتَيْنِ مُشْتَرَكَتَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الرَّقَبَةُ ، وَنِصْفُ الرَّقَبَتَيْنِ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي أُضْحِيَّةِ شَاتَيْنِ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأُضْحِيَّةِ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا جَزَاءُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَالْهَدْيِ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِتَكْمِيلٍ لِأَنَّ التَّكْمِيلَ يَكُونُ فِي الْمَحْظُورِ بَلْ هُوَ عَمَلٌ بِمُوجِبِ النَّصِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهَا وَفِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا إنْ شَاءَ جَعَلَهُ صَوْمًا أَوْ غَيْرَهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ

لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُهَا غَيْرَ عَيْنٍ فَلَا يُجْمَعُ وَلَوْ فَرَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ مِنْ الشَّعِيرِ بِأَنْ أَعْطَى الْقَدْرَ الْوَاجِبَ لِمِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُجْزِيهِ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوَاجِبِ ، وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَالْعَدَدُ فِيهَا مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الْقَدْرَ عَلَى أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا وَاحِدًا لِيَتَحَقَّقَ الْإِغْنَاءُ لِأَنَّ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِغْنَاءُ .( قَوْلُهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَوْسٍ ) وَأَوْسٌ هَذَا هُوَ ابْنُ الصَّامِتِ أَخُو عُبَادَةَ ا هـ قَوْلُهُ وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ إلَخْ ) ذَكَرَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ حَتَّى لَوْ فَرَّقَهُ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِغْنَاءُ وَلَا يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْكَرْخِيُّ تَفْرِيقَ صَدَقَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى مَسَاكِينَ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ يَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ ا هـ ( قَوْلُهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ) وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْمِقْدَارُ دُونَ الْعَدَدِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ ) لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ التَّمْلِيكَ مَعْنًى ، وَالْفَقِيرُ قَابِضٌ لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ تَمَلُّكُهُ ثُمَّ تَمْلِيكُهُ كَمَا لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مَنْ غَيْرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْآمِرِ ثُمَّ يَجْعَلُهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَالْقَرْضَ فَلَا يَرْجِعُ بِالشَّكِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ ، وَيُجْعَلُ قَرْضًا لِأَنَّهُ أَدْنَاهُمَا ضَرَرًا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ أَمَرَ ) أَيْ الْمُظَاهِرُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ الْإِبَاحَةُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ دُونَ الصَّدَقَاتِ ، وَالْعُشْرِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ أَيْضًا إلَّا التَّمْلِيكُ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ وَالْإِطْعَامِ يُذْكَرُ لِلتَّمَلُّكِ عُرْفًا يُقَالُ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ أَيْ مَلَّكْتُكَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْتَفَى الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ ، وَالْمَجَازِ أَوْ الْعُمُومَ فِي الْمُشْتَرَكِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَلِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِهَا التَّمْلِيكُ كَالزَّكَاةِ ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْكِسْوَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ الْإِطْعَامُ ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِ الْغَيْرِ طَاعِمًا ، وَذَلِكَ بِالْإِبَاحَةِ ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ ، وَالْعَمَلُ بِهَا لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ ضَرْبَ الْوَالِدَيْنِ ، وَشَتْمَهُمَا يَحْرُمُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فِي قَوْله تَعَالَى { ، وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ مُرَادًا ، وَهُوَ التَّأْفِيفُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِيهَا الْإِيتَاءُ ، وَالْأَدَاءُ وَالْكِسْوَةُ وَهِيَ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ .( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ إلَخْ ) وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ يَصْلُحُ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالْأَكْلَ جُزْءٌ مِنْهَا فَإِذَا جَازَ بِجُزْءٍ فَالْكُلُّ أَوْلَى ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ قَوْلُهُ وَهُوَ التَّأْفِيفُ ) كَذَا هَذَا فَلَا نَصَّ عَلَى دَفْعِ حَاجَةِ الْأَكْلِ فَالتَّمْلِيكُ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَكْلُ أَجْوَزُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ دَافِعٌ لِحَاجَةِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ ا هـ كَمَالٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالشَّرْطُ غَدَاءَانِ أَوْ عَشَاءَانِ مُشْبِعَانِ أَوْ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْيَوْمِ ، وَذَلِكَ بِالْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ عَادَةً ، وَيَقُومُ قَدْرُهُمَا مَقَامَهُمَا فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَيْنِ ، وَالسُّحُورُ كَالْغَدَاءِ وَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ ، وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُعِيدَ عَلَى أَحَدِ السِّتِّينَيْنِ مِنْهُمْ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ لِيُمَكِّنَهُ الِاسْتِيفَاءَ إلَى الشِّبَعِ بِخِلَافِ خُبْزِ الْبُرِّ فَإِذَا شَبِعُوا أَجْزَأَهُ قَلِيلًا أَكَلُوا أَوْ كَثِيرًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ كَانَ فِيمَنْ أَطْعَمَهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي كَامِلًا ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ شَبْعَانَ قَبْلَ الْأَكْلِ .( قَوْلُهُ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَيْنِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخُبْزٍ غَيْرِ مَأْدُومٍ إنْ كَانَ خُبْزَ بُرٍّ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ سَوَاءٌ كَانَتَا غَدَاءً وَعَشَاءً أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ بَعْدَ اتِّحَادِ السِّتِّينَ فَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى آخَرِينَ لَمْ يَجُزْ ، وَالْمُعْتَبَرُ الْإِشْبَاعُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَوْ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ عَشَرَةٍ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ أَوْ ثَلَاثَةً فَشَبِعُوا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ إلَّا صَاعًا أَوْ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَبْعَانَ اخْتَلَفُوا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَجَدَ إطْعَامَ عَشَرَةٍ وَقَدْ شَبِعُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إشْبَاعُهُمْ وَهُوَ لَمْ يُشْبِعْهُمْ بَلْ أَشْبَعَ التِّسْعَةَ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَكْلَتَانِ مَا نَصَّهُ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَعْطَى فَقِيرًا شَهْرَيْنِ صَحَّ ) أَيْ لَوْ أَطْعَمَ فَقِيرًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ عَلَى السِّتِّينَ وَاجِبٌ بِالنَّضِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ ، وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ سَدّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ ، وَالْحَاجَةَ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَمِسْكِينٍ آخَرَ لِتَجَدُّدِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ فِي يَوْمٍ لَا إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ) أَيْ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا وَاحِدًا كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ ، وَهَذَا فِي الْإِعْطَاءِ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِالنَّصِّ ، وَلَمْ يُوجَدْ كَالْحَاجِّ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ ، وَأَمَّا إذَا مَلَكَهُ بِدَفَعَاتٍ فَقَدْ قِيلَ يُجْزِيهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْإِطْعَامِ ، وَالْحَاجَةَ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ فَكَانَ الْمَدْفُوعُ هَالِكًا ، وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ مُضِيِّ زَمَانٍ تَتَجَدَّدُ فِيهِ حَاجَةُ الْأَكْلِ مَعَ تَحَقُّقِ الْحَاجَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَسَا رَجُلًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَوْبًا جَازَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُضِيُّ زَمَانٍ تَتَجَدَّدُ فِيهِ الْحَاجَةُ إلَى الْكِسْوَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بَعْدَمَا أَخَذَ صَارَ كَفَقِيرٍ آخَرَ ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَنْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى غَيْرَ جِنْسِ الْأُولَى كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ ، وَجَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهُ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ دُونَهُ ، وَبِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ إلَّا حَاجَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ حَاجَةُ الْأَكْلِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَقِيلَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ سَدُّ خُلَّتِهِ ،

وَقَدْ انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَالصَّرْفُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إطْعَامَ الطَّاعِمِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْغَنِيِّ بِخِلَافِ كَفَّارَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى كَالْمَعْدُومِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا ، وَبِخِلَافِ الثَّوْبِ لِأَنَّ تَجَدُّدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا فَأُقِيمَ مُضِيُّ الزَّمَانِ مَقَامَهَا لِأَنَّهَا بِهِ تَتَجَدَّدُ ، وَأَدْنَى ذَلِكَ يَوْمٌ لِجِنْسِ الْحَاجَةِ ، وَمَا دُونَهُ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا .

( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِيهِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبِتَكْرِيرِ الْحَاجَةِ فِي مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يَصِيرُ هُوَ سِتِّينَ فَكَانَ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مُبْطِلًا لِمُقْتَضَى النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ وَأَصْحَابُنَا أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِهَذَا الْأَصْلِ وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَنْ قَرِيبٍ وَهِيَ مَا إذَا مَلَكَ مِسْكِينًا وَاحِدًا وَظِيفَةُ سِتِّينَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ كُلُّهُ عَنْ وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا إذَا رَمَى الْجَمَرَاتِ السَّبْعَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ يُحْتَسَبُ عَنْ رَمْيَةٍ مَعَ أَنَّ تَفْرِيقَ الدَّفْعِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ بِعَدَدِ الْمَسَاكِينِ سِتِّينَ فَالنَّصُّ عَلَى الْمُعَدَّدِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُسْتَلْزِمُ وَغَايَةُ مَا يُعْطِيهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ يَتَكَرَّرُ الْمِسْكِينُ حُكْمًا فَكَانَ تَعَدُّدًا حُكْمًا وَتَمَامُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُرَادٌ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ السِّتِّينَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا مَصِيرَ إلَيْهِ إلَّا بِمُوجِبِهِ فَإِنْ قُلْت الْمَعْنَى الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ يَصِيرُ اللَّفْظُ مَجَازًا وَيَنْدَرِجُ فِيهِ التَّعَدُّدُ الْحُكْمِيُّ مَا هُوَ قُلْت هُوَ الْحَاجَةُ لِكَوْنِ سِتِّينَ مِسْكِينًا مَجَازًا عَنْ سِتِّينَ حَاجَةً وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ كَوْنِهَا حَاجَاتٍ سِتِّينَ أَوْ حَاجَاتٍ وَاحِدًا إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ إنَّمَا هُوَ عَدَدٌ مَعْدُودُهُ ذَوَاتُ الْمَسَاكِينِ مَعَ عَقْلِيَّةِ الْمُعَدِّدِ مِمَّا يَقْصِدُ لِمَا فِي تَعْمِيمِ الْجَمِيعِ مِنْ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ وَشُمُولِ الْمَنْفَعَةِ وَاجْتِمَاعِ الْقُلُوبِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالدُّعَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ) الَّذِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ فَكَانَ يَوْمُ الثَّانِي

كَمِسْكِينٍ آخَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ ) وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إطْعَامُ عَشْرٍ وَلِكُلٍّ تَمِّمَا صَاعًا لِحِنْثَيْنِ يَجُوزُ عَنْهُمَا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَسْتَأْنِفُ بِوَطْئِهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ ) لِأَنَّ النَّصَّ فِي الْإِطْعَامِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيِّدٍ بِمَا قَبْلَ الْمَسِيسِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى النَّصِّ الْمُقَيِّدِ فِي الْإِعْتَاقِ ، وَالصَّوْمُ بِالْقِيَاسِ ، وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ { قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِي وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ } لِأَنَّ التَّقْيِيدَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى التَّحْرِيرِ أَوْ الصِّيَامِ فَيَقَعَانِ بَعْدَهُ ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ ، وَلَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ .( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ ) لَا لِذَاتِ الْمَسِيسِ بَلْ إلَخْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ سِتِّينَ فَقِيرًا كُلُّ فَقِيرٍ صَاعٌ صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ ، وَعَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ صَحَّ عَنْهُمَا ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ صَحَّ فِي الظِّهَارَيْنِ أَيْضًا عَنْهُمَا لِأَنَّ فِي الْمُؤَدَّى وَفَاءً بِهِمَا ، وَالْفَقِيرَ مَصْرِفٌ لَهُمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِدُفْعَتَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْكَفَّارَةِ لَهُمَا أَنَّهُ زَادَ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ ، وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ أَعْطَى ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا عَنْ ظِهَارٍ وَاحِدٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاعًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْوَاحِدَةِ إطْعَامُ سِتِّينَ ، وَفِي كَفَّارَتَيْنِ إطْعَامُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَقِيرًا فَإِذَا نَقَصَ عَنْهُ لَا يَجُوزُ ، وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ، وَالتَّصَرُّفُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ يَلْغُو فَإِذَا لَغَتْ نِيَّةُ الْعَدَدِ بَقِيَتْ نِيَّةُ مُطْلَقِ الظِّهَارِ ، وَالْمُؤَدَّى يَصْلُحُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِنِصْفِ الصَّاعِ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ فَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى أَصْلَ الْكَفَّارَةِ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ الدُّفَعَ أَوْ كَانَتَا جِنْسَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ مِنْ ظِهَارَيْنِ عَنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَيُجْزِيهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا لَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ مِنْ إفْطَارَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْمُؤَدَّى وَفَاءً بِهِمَا ) أَيْ بِالْكَفَّارَتَيْنِ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَفَّارَتَيْنِ وَالصَّاعُ يَعْدِلُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ مَصْرِفٌ لَهُمَا ) أَيْ الْمِسْكِينُ لَا يَخْرُجُ بِأَخْذِ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ عَنْ كَوْنِهِ مَصْرِفًا لِاحْتِيَاجِهِ مَعَ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَعْطَاهُ نِصْفَ الصَّاعِ عَنْ إحْدَى الْكَفَّارَتَيْنِ ثُمَّ أَعْطَى النِّصْفَ الْآخَرَ إيَّاهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ الْأُخْرَى جَازَ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ ) أَيْ لِأَنَّ مَحَلَّ الظِّهَارَيْنِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِسْكِينًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْفِقْهُ فِيهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدِي قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْوَى لِأَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا تُفِيدُ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ يَقَعُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْكَفَّارَتَيْنِ وَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ لَمْ يَقَعْ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ كَانَتَا جِنْسَيْنِ ) كَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ فَإِنَّ نِيَّةَ التَّمْيِيزِ فِيهِ مُفِيدَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ حَرَّرَ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ صَحَّ عَنْهُمَا ، وَمِثْلُهُ الصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ عَنْ كَفَّارَتَيْ ظِهَارٍ أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا لَا يَنْوِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا جَازَ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحَدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ عَلَى مَا مَرَّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ حَرَّرَ عَنْهُمَا رَقَبَةً أَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ ، وَعَنْ ظِهَارٍ ، وَقَتْلٍ لَا ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً عَنْ ظِهَارَيْنِ أَوْ صَامَ عَنْهُمَا شَهْرَيْنِ جَازَ ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ ، وَإِنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً عَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً جَازَ عَنْ الظِّهَارِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَصْلُحُ لِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَتَعَيَّنَتْ لِلظِّهَارِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كَفَّارَتَيْ ظِهَارٍ أَيْضًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَنْ إحْدَاهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ السِّتْرُ ، وَلِهَذَا حُمِلَ الْمُطْلَقُ فِي إحْدَاهُمَا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْأُخْرَى وَلِزُفَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْعَبْدِ فَلَغَا ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ إحْدَاهُمَا لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ لَغْوٌ وَفِي الْمُخْتَلِفِ مُفِيدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِذَا لَغَا بَقِيَ مُطْلَقَ النِّيَّةِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى قَضَاءَ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِيهِ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَوْ نَوَى عَنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ أَوْ عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِيهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ فِي الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ ، وَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَقْتٍ يَجْمَعُهُمَا بَلْ

بِدُلُوكِ الشَّمْسِ ، وَالدُّلُوكُ فِي يَوْمٍ غَيْرُ الدُّلُوكِ فِي يَوْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشُهُودِ الشَّهْرِ ، وَهُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعْيِينِ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ مَثَلًا أَوْ يَوْمِ الْأَحَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا وَعَصْرًا أَوْ نَوَى ظُهْرًا وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ لَمْ يَكُنْ شَارِعًا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّنَافِي ، وَعَدَمِ الرُّجْحَانِ وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ نَفْلًا لَمْ يَكُنْ شَارِعًا أَصْلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمَا يَتَنَافَيَانِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الظُّهْرِ لِأَنَّهُ أَقْوَى ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالنَّفَلِ أَوْ الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ أَوْ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ وَالتَّطَوُّعَ يَكُونُ تَطَوُّعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمَا بَطَلَتَا بِالتَّعَارُضِ فَبَقِيَ مُطْلَقَ النِّيَّةِ فَصَارَ نَفْلًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْأَقْوَى تَرْجِيحًا لَهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ ، وَهُوَ الْفَرْضُ أَوْ الْوَاجِبُ وَلَوْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعِ فَهُوَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ اتِّفَاقًا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْجِهَتَيْنِ بَطَلَتَا بِالتَّعَارُضِ فَبَقِيَ مُطْلَقَ النِّيَّةِ ، وَبِهِ تَتَأَدَّى حَجَّةُ الْإِسْلَامِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .( قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ عَنْ أَحَدِهِمَا ) هَذَا خِلَافُ الْمُخْتَارِ قَالَ الْكَمَالُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ ا هـ .

( بَابُ اللِّعَانِ ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ ، وَسُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لَعْنِ نَفْسِهِ فِي الْخَامِسَةِ ، وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ كَالتَّشَهُّدِ وَكَالصَّلَاةِ تُسَمَّى رُكُوعًا وَسُجُودًا وَسُبْحَةً لِوُجُودِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِيهَا وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ ، وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَرُكْنُهُ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْيَمِينِ وَاللَّعْنِ وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ بَعْدَ التَّلَاعُنِ ، وَأَهْلُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ مُفَصَّلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ ، وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } فَقَوْلُهُ تَعَالَى بِاَللَّهِ مُحْكَمٌ فِي الْيَمِينِ ، وَالشَّهَادَةُ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ فَحَمَلْنَا الْمُحْتَمَلَ عَلَى الْمُحْكَمِ لَا سِيَّمَا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ بِخِلَافِ الْيَمِينِ ، وَتَكَرُّرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً كَمَا فِي الْقَسَامَةِ دُونَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ } اسْتَثْنَى أَنْفُسَهُمْ عَنْ الشُّهَدَاءِ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثُمَّ نَصَّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَقَالَ { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } فَنَصَّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فَقُلْنَا الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ هُنَا إلَى إيجَابِ الْحُكْمِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ، وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ هُوَ الشَّهَادَةُ إلَّا أَنَّهَا أُكِّدَتْ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ

لِنَفْسِهِ ، وَالتَّأْكِيدُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً ، وَقَوْلُهُ الشَّهَادَةُ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ قُلْنَا إنَّمَا لَا تُقْبَلُ فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ ، وَأَمَّا إذَا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ فَمَقْبُولَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ } فَهَذِهِ مِنْ أَصْدَقِ الشَّهَادَاتِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ، وَالتُّهْمَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنْتَفِيَةٌ بِالْيَمِينِ ، وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِ الشَّهَادَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَالِفُونَ إلَّا أَنْفُسَهُمْ ، وَأَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى غَيْرِهِ بِيَمِينِهِ ، وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِفُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَلَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِيَمِينِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَتَكْرَارُهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ الشُّهُودِ ، وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فِي الزِّنَا فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُمْ فَقَرَنَ الشَّرْعُ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهِ بِاللَّعْنِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا وَبِالْغَضَبِ فِي جَانِبِهَا لَوْ كَانَ صَادِقًا لِأَنَّ الصَّادِقَ أَحَدُهُمَا ، وَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَكَانَ اللَّعْنُ فِي جَانِبِهِ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ ، وَفِي جَانِبِهَا صَارَ الْغَصْبُ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَاذِبًا مُهْلِكٌ كَالْحَدِّ فَقَامَ مَقَامَهُ ، وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَهَا مِرَارًا يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ كَالْحَدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ جَمَاعَةً مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ حَيْثُ يُلَاعِنُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَدِّ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ ، وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِينَ ، وَلَا يَحْصُلُ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ ، وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ اللِّعَانِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ بِهِ ، وَهُوَ التَّفْرِيقُ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا ،

وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ تَظْهَرُ فِي هَذَا أَعْنِي فِي تَكْرِيرِ اللِّعَانِ ، وَفِي اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فَعِنْدَنَا يُشْتَرَطُ ، وَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَقُومُ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْإِحْصَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمَقْذُوفِ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ لَا غَيْرُ ، وَاللِّعَانُ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا قَائِمًا مَقَامَ الْحَدِّ فَكَانَ بَاطِلًا .

( بَابُ اللِّعَانِ ) اللِّعَانُ هُوَ مَصْدَرُ لَاعَنَ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسِيٌّ وَالْقِيَاسُ الْمُلَاعَنَةُ وَكَثِيرٌ مِنْ النُّحَاةِ يَجْعَلُونَ الْفِعَالَ وَالْمُفَاعَلَةَ قِيَاسَيْنِ لِفَاعِلٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الطَّرْدُ إلَخْ ) وَفِي الْفِقْهِ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الشَّهَادَاتِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَعْرُوفَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُجُودِ اللَّعْنِ فِي الْخَامِسَةِ تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ وَلَمْ يُسَمَّ بِاسْمٍ مِنْ الْغَصْبِ وَهُوَ أَيْضًا مَوْجُودٌ فِيهَا وَهُوَ أَيْضًا فِي كَلَامِهَا وَذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ أَسْبَقُ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَسُبْحَةً ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالسُّبْحَةُ مِنْ التَّسْبِيحِ كَالسُّخْرَةِ مِنْ التَّسْخِيرِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ النَّافِلَةُ بِالسُّبْحَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا الْفَرِيضَةُ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الْفَرَائِضِ نَوَافِلُ فَقِيلَ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالْأَذْكَارِ فِي أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ ا هـ وَفِي الْمِصْبَاحِ التَّسْبِيحُ التَّقْدِيسُ وَالتَّنْزِيهُ يُقَالُ سَبَّحْت اللَّهَ أَيْ نَزَّهْته عَمَّا يَقُولُ الْجَاحِدُونَ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ يُقَالُ فُلَانٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ أَيْ يَذْكُرُهُ بِأَسْمَائِهِ نَحْوَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهُوَ يُسَبِّحُ أَيْ يُصَلِّي السُّبْحَةَ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً وَيُسَبِّحُ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْ يُصَلِّي النَّافِلَةَ وَسُبْحَةَ الضُّحَى وَمِنْهُ { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ } أَيْ مِنْ الْمُصَلِّينَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَا زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ فِي الْقَذْفِ وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا صَحِيحًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ الزَّوْجِيَّةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْأَزْوَاجِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا

ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَكَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ مُطْلَقًا وَاشْتُرِطَتْ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ وَاللِّعَانَ شَهَادَةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْيَمِينِ وَالْحُرِّيَّةَ مِنْ جَانِبِهَا مِنْ شَرَائِطِ إحْصَانِ الْقَذْفِ وَاشْتُرِطَ الْإِسْلَامُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِ الْكَافِرَةِ فَكَذَا لَا يَجِبُ اللِّعَانُ أَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا ، وَالْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً بِأَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَذَفَهَا بِالزِّنَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَاشْتُرِطَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْقَذْفِ بِدُونِهِمَا وَاشْتُرِطَ نَفْيُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ لَا شَهَادَةَ لَهُ بِالنَّصِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا صَحِيحًا وَنَعْنِي بِالصَّحِيحِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِأَنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا وَالْمَرْأَةُ عَاقِلَةً بَالِغَةً لِأَنَّ الْقَذْفَ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْحَدِّ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَلِأَنَّ قَذْفَ الْمَجْنُونَةِ وَالصَّغِيرَةِ بِالزِّنَا كَذِبٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ قَذْفًا صَحِيحًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَهْلُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَخْ ) فَلَا يَجْرِي إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ الْحُرَّيْنِ الْعَاقِلَيْنِ الْبَالِغَيْنِ غَيْرِ الْمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ } ا هـ ع ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ شَهَادَاتٌ ) التَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْمُلَاعَنَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ شَهَادَاتٌ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ ) وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ اللِّعَانِ أَبَدًا ا هـ ع ( قَوْلُهُ

وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا ) وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَهَا مِرَارًا يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ كَالْحَدِّ ا هـ ع ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ إلَخْ ) فَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ عِنْدَهُ فَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَامْرَأَتِهِ الْكَافِرَةِ وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَامْرَأَتِهِ الْكَافِرَةِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَامْرَأَتِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَشْهَدُ يَنْوِي الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً كَمَا فِي الْقَسَامَةِ ) وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحَلُّهَا الْإِثْبَاتُ وَالْيَمِينَ لِلنَّفْيِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَعْلِيقُ حَقِيقَتِهِمَا بِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ أَحَدِهِمَا وَمَجَازِ الْآخَرِ فَلْيَكُنْ الْمَجَازُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُوجِبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهَذَا التَّقْرِيرُ فِي حَلِّ مَذْهَبِهِ يُوجِبُ أَنْ يُقَالَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِأَيْمَانٍ لَا أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالشَّهَادَةِ ا هـ كَمَالٌ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً إلَخْ يَعْنِي لَمْ يُعْهَدْ شَرْعًا تَكَرُّرُ الشَّهَادَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا ، وَصَلُحَا شَاهِدَيْنِ وَهِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ ، وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ وَجَبَ اللِّعَانُ ) قُيِّدَ الْقَذْفُ بِالزِّنَا لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا بِغَيْرِهِ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِمَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ ، وَكَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ الْحَدَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ } الْآيَةَ ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ { كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ أَنْصَارِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ زَوْجَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ افْتَحْ فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ } { ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِهِلَالٍ حِينَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ : ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك ، وَإِلَّا فَحَدٌّ عَلَى ظَهْرِك } فَقَالَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْآنَ يُحَدُّ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مُوجَبَهُ كَانَ الْحَدَّ ثُمَّ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الزَّوْجَاتِ بِاللِّعَانِ ، وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُوجَبُهُ الْحَدُّ ، وَلَكِنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ بِاللِّعَانِ ، وَقَوْلُهُ ، وَصَلُحَا شَاهِدَيْنِ أَيْ الزَّوْجَانِ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الشَّهَادَةُ لِمَا مَرَّ وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْأَدَاءِ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يَبْطُلُ هَذَا بِلِعَانِ الْأَعْمَى فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ ، وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ ،

وَتُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُمَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَجْرِيَ اللِّعَانُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ ، وَلَا بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ ، وَإِنْ صَلُحَ شَاهِدًا عَلَى مِثْلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْصَانِهَا ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فَائِدَةَ تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ بِكَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا ، وَإِنْ كَانَ هَذَا أَيْضًا فِي حَقِّ الرَّجُلِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ لَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَصْلُ ، وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ فَلَا يَخْلُو عَنْ مُوجَبِ مَا إذَا كَانَ مِنْهُ إمَّا الْأَصْلُ أَوْ الْخَلْفُ فَكَانَ فَائِدَةُ تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ مَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَكَوْنُهُ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لَا يَخْلُ بِهَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ مَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ ، وَهُوَ الزَّانِي أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ ، وَإِنَّمَا زِنَاهُ فِسْقٌ مِنْهُ ، وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لَهَا ، وَلِهَذَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَ فَاسِقَيْنِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي حَقِّهَا لِتَثْبُتَ عِفَّتُهَا لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا فَكَذَا اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ أَنْ تُطَالَبَ الْمَرْأَةُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ ، وَهُوَ الْحَدُّ ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ اللِّعَانُ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ هَذَا الْمَعْنَى فَلِأَيِّ مَعْنًى يَمْتَنِعُ ، وَقَوْلُهُ أَوْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ ، وَفِي الْغَايَةِ أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا

الْمَوْلُودِ عَلَى فِرَاشِهِ ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ يَكُونُ قَذْفًا لَهَا أَيْضًا كَمَا لَوْ نَفَاهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ فَيَكُونُ مُوجَبُهُ اللِّعَانَ لِمَا تَلَوْنَا ، وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ شُبْهَةً كَمَا لَوْ نَفَاهُ أَجْنَبِيٌّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّسَبِ الصَّحِيحِ ، وَالنِّكَاحَ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِهِ فَنَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ يَكُونُ قَذْفًا حَتَّى يَظْهَرَ الْمُلْحَقُ بِهِ ، وَفِي الْمُحِيطِ إذَا نَفَى الْوَلَدَ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي ، وَلَمْ يَقْذِفْهَا بِالزِّنَا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِقَذْفٍ لَهَا بِالزِّنَا يَقِينًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ بِوَطْءٍ عَنْ شُبْهَةٍ لَا عَنْ زِنًا بِأَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ هَذَا الَّذِي وَلَدْتِيهِ مِنْ زَوْجِك لَا يَصِيرُ قَاذِفًا مَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ مِنْ الزِّنَا ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِضَرُورَةٍ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا أَوْ عُزِلَ عَنْهَا عَزْلًا بَيِّنًا ، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ هُوَ ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْعَدِمَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ ، وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك فَإِنَّهُ يُحَدُّ ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُصَرِّحَ بِالزِّنَا مَعَ نَفْيِ الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ قَذْفًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قَالَهُ ، وَمِنْ أَيْنَ هَذَا الْإِجْمَاعُ ، وَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إنَّ اللِّعَانَ لَا يَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ ، وَقَوْلُهُ ، وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ يَعْنِي الْحَدَّ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهَا إلَّا

أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ نَسَبِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَبِي حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدُّ ) لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } أَيْ فَالْوَاجِبُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ ، وَهُوَ أَقْوَى وُجُوهِ الْأَمْرِ أَوْ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَقْرُونَ بِالْفَاءِ فِي مَوْضِعِ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أَوْ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْحَدِّ فَيَجِبُ كَوُجُوبِهِ فَإِذَا كَانَ وَاجِبًا يُحْبَسُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيَرْتَفِعَ سَبَبُ اللِّعَانِ ، وَهُوَ التَّكَاذُبُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَاعَنَ وَجَبَ عَلَيْهَا اللِّعَانُ ) لِمَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي فَيَطْلُبُ مِنْهُ الْحُجَّةَ أَوَّلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَبَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ فَتُحْبَسُ حَتَّى تُوُفِّيَ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَيَرْتَفِعَ السَّبَبُ ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَتُحَدَّ ، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً ، وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ ، وَيُعْتَبَرُ فِي دَرْئِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ اللِّعَانُ ، وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ ، وَلَا لِعَانَ ، وَهُوَ وَلَدُهُمَا لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَنْقَطِعُ حُكْمًا لِلِّعَانِ فَلَمْ يُوجَدْ ، وَهُوَ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ اللِّعَانِ يُحَدُّ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْقَذْفِ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاجْلِدُوهُمْ } إلَّا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِاللِّعَانِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ يُحَدُّ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا أَبَتْ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْحَدَّ بِلِعَانِهِ ، وَلَكِنْ تَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِاللِّعَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ } أَيْ يَدْفَعُ عَنْهَا الْحَدَّ شَهَادَتُهَا قُلْنَا قَذْفُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ اللِّعَانِ ، وَمَا تَلَا مَنْسُوخٌ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ بِآيَةِ اللِّعَانِ وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا لَمَا سَقَطَ بِشَهَادَتِهِ أَوْ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَسْقُطُ بِهِ ، وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِ أَوْ بِيَمِينِهِ فَكَيْفَ يَجِبُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ الْحَدُّ الَّذِي لَا يَجِبُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَزْنِي بِهَا كَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ ، وَهَذَا يَنْفِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ ، وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ فِيمَا تَلَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَبْسُ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ ، وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَةٍ عُدُولٍ ثُمَّ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَحَدُّهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يَمِينٌ عِنْدَهُ ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ الْمَالِ ، وَلَا لِإِسْقَاطِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَأَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ الْحَدَّ هُنَا عَنْ نَفْسِهَا ، وَكَذَا الزَّوْجُ أَسْقَطَ بِهِ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَوْجَبَ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ الْحُدُودِ بِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ ، وَجَعَلَهُ شَهَادَةً فِي حَقِّهِ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِامْتِنَاعِهَا عَنْ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ نُكُولٌ قُلْنَا النُّكُولُ عِنْدَهُ لَا يُوجِبُ الْمَالَ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَكَيْفَ يُوجِبُ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ الْحُدُودِ ، وَأَصْعَبُهُ

إثْبَاتًا ، وَأَكْثَرُهُ شُرُوطًا .

قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يَبْطُلُ هَذَا إلَخْ ) مُدَّعَى صَاحِبِ الْغَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَمُدَّعَى الشَّارِحِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ جَازَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا ا هـ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يُلَاعِنُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ ) أَيْ كَوْنُهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُ أَيْ اللِّعَانَ حَقُّهَا لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا فَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فَتُحَدُّ هِيَ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَذَفَ وَجَاءَ بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَشَهِدُوا حُدَّ الثَّلَاثَةُ وَلَاعَنَ الزَّوْجُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ شَهَادَةً فِي حَقِّهِ ) أَيْ فِي حَقِّ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهَا ا هـ ( فُرُوعٌ ) قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا سَقَطَ اللِّعَانُ وَيَجِبُ الْحَدُّ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا ثَانِيًا وَجَبَ الْحَدُّ بِالْأَوَّلِ وَاللِّعَانُ بِالثَّانِي وَيُحَدُّ لِلْأَوَّلِ لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ وَلَوْ طَلَبَتْ اللَّعَّانَ أَوَّلًا يُلَاعَنُ ثُمَّ يُحَدُّ بِخِلَافِ حُدُودِ الْقَذْفِ إذَا اجْتَمَعَتْ فَإِنَّهُ يَكْفِي حَدٌّ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَوْ قَالَ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَذْفٌ فِي الْحَالِ فَيُلَاعَنُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُحَدُّ وَمَا

فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ أَنَّهُ يُلَاعَنُ فِي قَوْلِهِ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك وَيُحَدُّ فِي قَوْلِهِ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْجَهُ وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ زَنَتْ أَوْ وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَيَسْقُطُ اللِّعَانُ بِرِدَّتِهَا وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لَا يَعُودُ وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا يَسْقُطُ اللِّعَانُ ، وَلَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ شَاهِدًا حُدَّ ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ هِيَ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ بِأَنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ اللِّعَانَ تَعَذَّرَ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ ، وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } الْآيَةَ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةً إلَّا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ صَلُحَ وَهِيَ بِمَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا حَدَّ ، وَلَا لِعَانَ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَالِحًا لِلشَّهَادَةِ وَهِيَ زَانِيَةٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي الْقَذْفِ فَلَا يُوجِبُ قَذْفُهَا الْحَدَّ كَمَا إذَا قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ ، وَلَا يُوجِبُ اللِّعَانَ أَيْضًا لِأَنَّهُ خُلْفٌ عَنْهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً لِأَنَّ قَذْفَهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ لِمَعْنًى فِيهَا فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ حُدَّ لِأَنَّ امْتِنَاعَ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ إذْ هُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ عَبْدًا وَهِيَ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ يُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ قَذْفَ الْأَمَةِ أَوْ الْكَافِرَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ ، وَقَذْفَ الْمَحْدُودَةِ يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً عَنْ فِعْلِ الزِّنَا حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ يُحَدُّ فَكَذَا الزَّوْجُ وَلَوْ قَذَفَ الْأَمَةَ أَوْ الْكَافِرَةَ لَا يُحَدُّ فَكَذَا الزَّوْجُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُلَاعِنُ فِي الْكُلِّ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كِلَاهُمَا لِأَنَّ اللِّعَانَ أَيْمَانٌ عِنْدَهُ ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ يَكُونُ أَهْلًا لَهُ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا ، وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَرْبَعٌ مِنْ النِّسَاءِ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ لِعَانٌ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ } رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَفِيهِ { لَيْسَ بَيْنَ الْمَمْلُوكَيْنِ وَالْكَافِرَيْنِ لِعَانٌ } ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَضَعَّفَهُ ،

وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طُرُقٍ ثَلَاثٍ ، وَضَعَّفَهُ ، وَالضَّعِيفُ إذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ يُحْتَجُّ بِهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ الْإِحْصَانُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقَذْفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ عَتَقَتْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصِفَتُهُ مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ ) أَيْ صِفَةُ اللِّعَانِ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقَاضِي بِالزَّوْجِ فَيَشْهَدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثُمَّ تَشْهَدُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ تَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ غَضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا لِمَا تَلَوْنَا ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِلَفْظِ الْمُوَاجَهَةِ فَيَقُولُ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَتَقُولُ هِيَ إنَّك لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتنِي بِهِ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ لَفْظَ الْمُغَايَبَةِ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْغَضَبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ كَثِيرًا فَلَا تَقَعُ الْمُبَالَاةُ بِهِ ، وَتَخَافُ مِنْ الْغَضَبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَوْلُهُ صِفَةُ اللِّعَانِ إلَخْ ) ظَاهِرٌ فِي تَعَيُّنِهِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فَبَدَأَ بِهَا قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ لِعَانَهَا فَيُعِيدُهُ بَعْدَهُ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يُعِيدُ اللِّعَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَالْمَرْأَةَ بِشَهَادَتِهَا تَقْدَحُ فِي شَهَادَةِ الزَّوْجِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ شَهَادَتِهِ ، وَلِهَذَا يَبْدَأُ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعِي فِي بَابِ الدَّعْوَى ثُمَّ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ لَهُ كَذَا هُنَا فَإِنْ لَمْ تُعِدْهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَتْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ تَفْرِيقَهُ صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ لَا شَهَادَةٌ ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ إحْدَى الْيَمِينَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى كَتَحَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ ، وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ فِي الْغَايَةِ لَوْ بَدَأَ بِلِعَانِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ ، وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ النَّصَّ أَعْقَبَ الرَّمْيَ بِشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ ، وَشَهَادَتَهَا الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ ، وَلِأَنَّ الْفَاءَ دَخَلَتْ عَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ أَعْقَبَ جُمْلَةَ الْأَفْعَالِ لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ ) أَيْ يُشِيرُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي قَوْلِهِ رَمَيْتهَا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ ) أَيْ احْتِمَالَ أَنْ يُضْمِرَ مَرْجِعًا لِلضَّمِيرِ الْغَائِبِ هُوَ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْخِطَابِ قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ ) يَعْنِي انْقَطَعَ احْتِمَالُ ضَمِيرِ الْغَائِبِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ انْقِطَاعَ الِاحْتِمَالِ مَشْرُوطٌ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ

بِانْفِرَادِهَا لَا احْتِمَالَ مَعَهَا ا هـ فَتْحٌ

( فَإِنْ الْتَعَنَا بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ ) وَلَا تَبِينُ قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ قَذَفَ أَحَدُهُمَا إنْسَانًا فَحُدَّ لِلْقَذْفِ أَوْ وَطِئَتْ هِيَ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ حَيْثُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ زَالَ الْإِحْصَانُ لِأَنَّهُ يُرْجَى عَوْدُهُ فَيَعُودُ الْإِحْصَانُ وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا صَحَّ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ ، وَقَالَ زُفَرُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِهِمَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا } ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ ، وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ عِنْدَهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ قَطْعُ النَّسَبِ ، وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ ، وَوُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهَا ، وَثُبُوتُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَهُ فِي الْفُرْقَةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِاللِّعَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَا يَأْتَلِفَانِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ فَائِدَةٌ فَيَنْفَسِخُ كَمَا يَنْفَسِخُ بِالِارْتِدَادِ ، وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ ، وَامْرَأَتِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحَدِيثُ { عُوَيْمِرِ بْنِ الْحَارِثِ الْعَجْلَانِيُّ أَنَّهُ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ لِعَانِهِمَا قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ ، وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ تَقَعُ بِلِعَانِهِمَا أَوْ بِلِعَانِهِ

لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صِحَاحٌ كُلُّهَا تُثْبِتُ التَّفْرِيقَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَاهُ زُفَرُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَبِمِثْلِهِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَرِّحَ فَإِنْ فَعَلَ ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْإِبَاءِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَلَاعِنَانِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خَارِجٌ لَيْسَ لَهُ فِيهِ سَلَفٌ ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ، وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِ أَنْ لَا تُلَاعِنَ الْمَرْأَةُ أَصْلًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ عِنْدَ لِعَانَهَا ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ تَحَالُفٌ عِنْدَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي التَّحَالُفِ فِي الْبَيْعِ ، وَزَعَمَتْ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ إعْلَامُهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ غَلَطٌ ، وَتَحْرِيفٌ مَحْضٌ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ إيقَاعُ الْفُرْقَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقَالَ أَعْلِمْهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ ، وَيَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد { فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِحَدِيثِ الْعَجْلَانِيُّ الْمُتَقَدِّمِ لِإِبَاحَةِ إرْسَالِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُنْكِرُونَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا هُنَا ، وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا وَلَوْلَا أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ اذْهَبْ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى طَلَبِ

الْمَهْرِ لِأَنَّهُ رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لَهُ حِينَ طَلَبَ رَدَّ الْمَهْرِ إنْ كُنْت صَادِقًا فَهُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا ، وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا فَأَبْعِدْ اذْهَبْ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا } أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ لَا سَبِيلَ لَك عَلَى إمْسَاكِهَا ثُمَّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَقُولُ الثَّابِتُ بِاللِّعَانِ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِاللِّعَانِ عِنْدَهُمَا تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهَا فَانْتَسَبَ فِعْلُ الْقَاضِي إلَيْهِ فَكَانَ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ ، وَنَحْوِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ بَلْ يَفْسُدُ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي نِكَاحِ الْأَصْلِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ الْتَعَنَا بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا افْتَرَقَ الْمُتَلَاعِنَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا فَيَثْبُتُ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ، وَإِذَا كَانَتْ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً لَا تَكُونُ طَلَاقًا بَلْ فَسْخًا ، وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ قَبْلَهُ اتِّفَاقًا ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ قَائِمَةً مَعَهَا كَمَا تَكُونُ بِالظِّهَارِ أَوْ زَالَتْ فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ مِنْ حِينِ ثَبَتَتْ ثَبَتَتْ مُؤَبَّدَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ تَوَقُّفُهَا عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ) أَيْ بِمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ طَلَّقَهَا إلَخْ ) غَيْرَ أَنَّ وَطْأَهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ لِمَا سَيُعْلَمُ ، وَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْتِعَانِهِمَا ثَلَاثًا خَطَأً نَفَذَ تَفْرِيقُهُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ ، وَبَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ لَا يَنْفُذُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ ) أَيْ قَبْلَ لِعَانِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِيَدِ الزَّوْجِ فَيَكُونُ لِعَانُهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْفُرْقَةِ ، وَإِنَّمَا لِعَانُ الْمَرْأَةِ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ الثَّابِتُ بِاللِّعَانِ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ ) ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَذَفَ بِوَلَدٍ نَفَى نَسَبَهُ ، وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ ) وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي حَالٍ يَجْرِي بَيْنَهُمَا اللِّعَانُ حَتَّى لَوْ عَلِقَتْ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَعْتَقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ لَا يَنْفِي ، وَلَا يُلَاعِنُ لِأَنَّ نَسَبَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهُ ، وَصُورَةُ هَذَا اللِّعَانِ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ الرَّجُلَ فَيَقُولَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ ، وَكَذَا فِي جَانِبِهَا فَتَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَنَفْيِ الْوَلَدِ ذَكَرَهُ فِي اللِّعَانِ الْأَمْرَيْنِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَنَفْيِ وَلَدِهَا ، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَنَفْيِ الْوَلَدِ ثُمَّ يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَهُ ، وَيُلْحِقُهُ بِأُمِّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا اللِّعَانِ نَفْيُ الْوَلَدِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ ، وَيُثْبِتُ نَفْيَ الْوَلَدِ ضِمْنًا لِلْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقُولُ قَدْ فَرَّقْت بَيْنَكُمَا ، وَقَطَعْت نَسَبَ هَذَا الْوَلَدِ عَنْهُ ، وَأَلْزَمْته أَمَتَهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ إذَا مَاتَ قَبْلَ اللِّعَانِ بَعْدَ الْقَذْفِ بِالنَّفْيِ أَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا فَقَطْ لَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ بِاللِّعَانِ ، وَلَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ انْتَفَى بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا ، وَلَا يَنْفِي الْوَلَدَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحِجْرُ } ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِنَفْسِ اللِّعَانِ يَنْقَطِعُ عَنْ الْأَبِ ، وَيَلْتَحِقُ بِالْأُمِّ ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ، وَفِيهِ فَفَرَّقَ

بَيْنَهُمَا ، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْفَرِيقَيْنِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَذَفَ بِوَلَدٍ نَفَى نَسَبَهُ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ بَعْدَمَا قُطِعَ نَسَبُهُ فَجَمِيعُ أَحْكَامِ نَسَبِهِ بَاقٍ مِنْ الْأَبِ سِوَى الْمِيرَاثِ حَتَّى أَنَّ شَهَادَةَ الْأَبِ لَهُ لَا تُقْبَلُ ، وَشَهَادَتَهُ لِأَبِيهِ لَا تُقْبَلُ ، وَدَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى فَتَزَوَّجَهُ أَبُوهُ أَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَه مِنْهُ إنْ كَانَ ابْنًا لَا يَجُوزُ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَقَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ إذَا قُطِعَ نَسَبُهُ مِنْ الْأَبِ وَأُلْحِقَ بِالْأُمِّ لَا يَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي بَعْضِهَا فَيَبْقَى النَّسَبُ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِ اللُّحُوقِ بِالْغَيْرِ حَتَّى لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ، وَلَا صَرْفُ زَكَاةِ مَالِهِ إلَيْهِ ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَبِ بِقَتْلِهِ ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ الْمُلَاعَنَةِ ابْنٌ ، وَلِلزَّوْجِ بِنْتٌ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِتِلْكَ الْبِنْتِ ، وَلَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ هَذَا الْوَلَدَ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَبْقَى فِي حَقِّ النَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّنْ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ، وَادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ ، وَهُوَ مَقْطُوعُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَوَقَعَ الْإِيَاسُ مِنْ ثُبُوتِهِ مِنْ الْمُلَاعِنِ ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ أُمِّهِ لَا يُنَافِيهِ ا هـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ ، وَلِمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ يَنْزِلُ بِالسُّحْقِ ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ ، وَلَا لِعَانَ فِي الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ، وَعِنْدَ

الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِهِ ، وَكَذَا فِي نَفِيه مَنْ وَطْءَ بِشُبْهَةٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَذَفَهَا بِنَفْيِ وَلَدِهَا فَلَمْ يَلْتَعِنَا حَتَّى قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِهِ فَحَدّ الْأَجْنَبِيّ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجِ ، وَلَا يَنْتَفِي بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ قَاذِفُهَا حُكِمَ بِكَذِبِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ ) أَيْ فَنَفَى وَلَدَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَنْفِي ، وَلَا يُلَاعِنُ ) لِأَنَّ انْتِفَاءَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا حُكْمًا لِلِّعَانِ ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ ) يَعْنِي أَنَّ غَرَضَ الزَّوْجِ مِنْ لِعَانِهِ بِسَبَبِ نَفْيِ الْوَلَدِ هُوَ نَفْيُ الْوَلَدِ فَيَكْمُلُ عَلَيْهِ غَرَضُهُ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا جَرَمَ بِنَفْيِ الْقَاضِي نَسَبَ وَلَدِهِ مِنْهُ لَكِنْ يَتَضَمَّنُهُ الْقَضَاءُ بِالتَّفْرِيقِ أَيْ يَحْصُلُ نَفْيُ الْوَلَدِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ يَعْنِي إذَا قَالَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا كَفَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ بِاللِّعَانِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ ا هـ هِدَايَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْهُ لَا يَنْتَفِي النَّسَبُ عَنْهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا صَحِيحٌ ، وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ فَادَّعَى الْمُلَاعِنُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَيُحَدُّ فَلَوْ كَانَ قَدْ تَرَكَ وَلَدًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْأَبِ وَذُرِّيَّةِ الْأَبِ لِاحْتِيَاجِ الْحَيِّ إلَى النَّسَبِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ ) لِإِقْرَارِهِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ، هَذَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ ، وَإِنْ أَكْذَبَ قَبْلَهُ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْإِكْذَابِ فَكَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللِّعَانِ التَّفْرِيقُ بِهِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَأَتَّى بِهِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ قَذْفَهُ كَانَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لِأَنَّ الْقَذْفَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ حَدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ لِأَنَّ وُجُوبَ اللِّعَانِ تَمَّ بِالْقَذْفِ الْأَوَّلِ ، وَالْحَدُّ بِكَلِمَاتِ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ نَسَبَهَا فِيهِ إلَى الزِّنَا ، وَاللِّعَانُ شَهَادَةٌ ، وَالشُّهُودُ إذَا رَجَعُوا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ إلَى الزِّنَا بِشَهَادَتِهِمْ فَكَذَا هَذَا ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ ثُمَّ أَبَانَهَا وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بَعْدَمَا بَانَتْ ، وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَيُحَدُّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا ) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَمَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ ، وَحُدَّ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ ، وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِكْذَابَ رُجُوعٌ ، وَالشَّهَادَةَ بَعْدِ الرُّجُوعِ لَا حُكْمَ لَهَا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ فَيَرْتَفِعُ اللِّعَانُ ، وَلِهَذَا يُحَدُّ ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ فَلَزِمَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ انْتِفَاءُ اللِّعَانِ ، وَكَذَا لَا يَنْفِي اللِّعَانَ مَعَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا } أَيْ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا } أَيْ مَا دَامَ مُنَافِقًا يُقَالُ الْمُصَلِّي لَا يَتَكَلَّمُ أَيْ مَا دَامَ مُصَلِّيًا فَلَمْ يَبْقَ مُتَلَاعِنًا لَا حَقِيقَةً لِعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ ، وَلَا مَجَازًا لِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ مُتَلَاعِنًا لِبَقَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا ، وَلَمْ يَبْقَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ ) يَعْنِي حَلَّتْ لَهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ ، وَكَذَا هِيَ لَوْ قَذَفَتْ إنْسَانًا فَحُدَّتْ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ أَهْلًا لَهُ بَعْدَهُ ، وَالْمَنْعُ لِأَجْلِ الْأَهْلِيَّةِ حَتَّى لَا يَقْذِفَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَيَلْتَعِنَانِ فَإِذَا بَطَلَتْ الْأَهْلِيَّةُ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ فَيَجْتَمِعَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعُمْرِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إلَّا مَرَّةً فَلَوْ أُبِيحَ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَا ، وَالْأَهْلِيَّةُ بَاقِيَةٌ لَأَدَّى إلَى وُقُوعِهِ مِرَارًا ، وَإِذَا بَطَلَتْ لَمْ يُؤَدِّ فَجَازَ ، وَكَذَا زِنَاهَا يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَيُبْطِلُ بِهِ أَهْلِيَّتَهَا ، وَقَوْلُهُ فَحُدَّتْ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ

زِنَاهَا مِنْ غَيْرِ حَدٍّ يَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ بِخِلَافِ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ حَتَّى يُحَدَّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَدِّ فِيهِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَيْضًا بَعْدَمَا زَنَتْ ، وَحُدَّتْ لِأَنَّ حَدَّهَا الرَّجْمُ لِكَوْنِهَا مُحْصَنَةً لِأَنَّ اللِّعَانَ لَا يَجْرِي إلَّا بَيْنَ مُحْصَنَيْنِ إلَّا إذَا لَاعَنَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً فَزَالَ ذَلِكَ ، وَصَارَتْ مُحْصَنَةً ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَعْدَمَا صَارَتْ مُحْصَنَةً حَتَّى قَذَفَهَا فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا ، وَلَا تُرْجَمُ إذَا زَنَتْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ ، وَهُوَ الدُّخُولُ عَلَيْهَا ، وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ ، وَكَانَ الْفَقِيهُ الْمَكِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوْ زَنَّتْ بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ نَسَبَتْ غَيْرَهَا إلَى الزِّنَا ، وَهُوَ الْقَذْفُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُ الْحَدِّ فِيهِ شَرْطًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَزَالَ الْإِشْكَالُ .

( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ) قَالَ فِي التَّهْذِيبِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَهَذِهِ فُرْقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ ( قَوْلُهُ لِعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا حَالَ تَشَاغُلِهِمَا بِاللِّعَانِ ، وَلَمْ يَبْقَ التَّشَاغُلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ مُتَلَاعِنًا لِبَقَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا ، وَلَمْ يَبْقَ ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْتِزَامِ الْحَدِّ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بُطْلَانُ اللِّعَانِ ، وَإِلَّا صَارَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخُلْفِ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ ) قَالَ الْكَمَالُ قِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهَا إذَا حُدَّتْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِلُّهَا لِلزَّوْجِ بَلْ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَزْنِيَ تَخْرُجُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ ، وَلِذَا أَطْلَقْنَا فِيمَا قَدَّمْنَاهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ بِمَعْنَى نَسَبَتْ غَيْرَهَا لِلزِّنَا ، وَهُوَ مَعْنَى الْقَذْفِ فَيَسْتَقِيمُ حِينَئِذٍ تَوَقُّفُ حِلِّهَا لِلْأَوَّلِ عَلَى حَدِّهَا لِأَنَّهُ حَدُّ الْقَذْفِ ، وَيُوَجَّهُ تَخْفِيفُهَا بِأَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ ، وَاللِّعَانُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ زَنَتْ فَحُدَّتْ فَإِنَّ حَدَّهَا حِينَئِذٍ الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ زَوَالَ أَهْلِيَّةِ الشَّاهِدِ بِطُرُوِّ الْفِسْقِ مَثَلًا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ مَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي عَنْهَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَدَالَةِ فَلَا يَجِبُ بُطْلَانُ ذَلِكَ اللِّعَانِ السَّابِقِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْأَهْلِيَّةِ لِيَبْطُلَ أَثَرُهُ مِنْ الْحُرْمَةِ ( قَوْلُهُ وَالْمَنْعُ ) أَيْ مِنْ التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْدَ اللِّعَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَبْطُلُ بِهِ أَهْلِيَّتُهَا ) قُلْت وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْمُلَاعَنَةِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَّا إذَا لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ بِأَنْ أَكْذَبَ

نَفْسَهُ فَحُدَّ أَوْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ لِأَنَّهُ بَعْدَ حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ أَوْ هِيَ لَمْ تَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ بِأَنْ زَنَتْ مَثَلًا قَالَ فِي التَّهْذِيبِ ثُمَّ بَعْدَ اللِّعَانِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا إلَّا إنْ أَكْذَبَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ أَوْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ صَارَتْ بِحَالٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ زَنَتْ أَوْ صَارَتْ رَقِيقَةً بِأَنْ ارْتَدَّتْ ، وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَتْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ اللِّعَانُ بِهِ لِأَنَّ إشَارَتَهُ كَالصَّرِيحِ ، وَلَنَا أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ ، وَقَذْفَهُ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةٍ ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي اللِّعَانِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحْلِفُ مَكَانَ أَشْهَدُ لَا يَجُوزُ ، وَإِشَارَتُهُ لَا تَكُونُ شَهَادَةً ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ هِيَ خَرْسَاءَ لِأَنَّ قَذْفَهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تُصَدِّقُهُ أَوْ لِتَعَذُّرِ الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ هِيَ خَرْسَاءُ ) يَعْنِي الْخَرْسَاءَ إذَا قَذَفَهَا زَوْجُهَا لَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَنْفِي الْحَمْلَ ) لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْقَذْفِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ انْتِفَاخٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْوَضْعِ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِقِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْقَذْفِ فَيَتَحَقَّقُ الْقَذْفُ ، وَصَارَ كَنَفَيْهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، وَكَوْنُهُ حَمْلًا لَا يُنَافِيهِ كَمَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ حَقِّهِ مِنْ عِتْقٍ وَنَسَبٍ وَوَصِيَّةٍ وَإِرْثٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ لِحَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَاعَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، وَكَانَ قَدْ قَذَفَهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أُرَيْصِحَ أُثَيْبِجَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالٍ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَّالِيًّا أَكْحَلَ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ } ، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِهِ شَرْعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَيُعْرَفُ وُجُودُهُ بِالظُّهُورِ ، وَلِهَذَا تُرَدُّ الْمَبِيعَةُ بِعَيْبِ الْحَبَلِ قُلْنَا لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا بِيَقِينٍ فَصَارَ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ بِك حَبَلٌ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا فَلَا يَكُونُ بِهِ قَاذِفًا كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ وَهَذَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً قَبْلَ الشَّرْطِ لَا تَكُونُ زَانِيَةً بِهِ ، وَلَا يُقَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ حَتَّى إذَا وَلَدَتْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَذْفًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّيْءِ الْكَائِنِ تَنْجِيزٌ لِأَنَّا نَقُولُ كُلُّ مَوْقُوفٍ فِيهِ شُبْهَةُ التَّعْلِيقِ إذَا لَا يُعْرَفُ حُكْمُهُ إلَّا بِعَاقِبَتِهِ ، وَهُوَ كَالشَّرْطِ فِي حَقِّنَا ، وَشُبْهَةُ التَّعْلِيقِ

كَحَقِيقَتِهِ فِي الْحُدُودِ ، وَلِعَانُ هِلَالٍ كَانَ بِقَذْفِهَا بِالزِّنَا لَا بِنَفْيِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا عِنْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَكَذَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِنَفْيِ الْحَمْلِ لَنَفَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ أَبِيهِ أَشْبَهَهُ أَوْ لَمْ يُشْبِهْهُ كَمَا لَوْ تَلَاعَنَا بِنَفْيِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَنْفِي كَيْفَمَا كَانَ ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الشَّبَهِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحْكَامِ يَأْتِي مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .( قَوْلُهُ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ) أَيْ وَمَالِكٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أُصَيْهِبَ ) الْأُصَيْهِبُ تَصْغِيرُ الْأَصْهَبِ ، وَهُوَ الَّذِي يَضْرِبُ شَعْرُهُ إلَى الْحُمْرَةِ ، وَالْأُرَيْصِحُ تَصْغِيرُ الْأَرْصَحِ ، وَهُوَ قَلِيلُ لَحْمِ الْفَخِذَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ جُمَّالِيًّا ) الْجُمَّالِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ الْعَظِيمُ الْخَلْقِ كَالْجَمَلِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ بِك حَبَلٌ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا إلَخْ ) وَالْقَذْفُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى إبْقَائِهِ حُكْمًا إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إيجَابِ الْحَدِّ لِأَنَّ الْحُدُودَ يُحْتَالُ لِدَرْئِهَا لَا لِإِثْبَاتِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَلَاعَنَا بِزَنَيْتِ ، وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْهُ ) أَيْ بِقَوْلِهِ زَنَيْت ، وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ صَرِيحًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَنْفِ الْحَمْلَ ) أَيْ لَا يَنْفِي الْقَاضِي الْحَمْلَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْفِيهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَفَى وَلَدَ هِلَالٍ عَنْهُ ، وَقَدْ قَذَفَهَا حَامِلًا ، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ قُلْنَا الْأَحْكَامُ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَمْلِ لِلِاحْتِمَالِ ، وَالْإِرْثُ ، وَالْوَصِيَّةُ يَتَوَقَّفَانِ عَلَى الْوِلَادَةِ فَيَثْبُتَانِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ ، وَكَذَا الْعِتْقُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْحَمْلَ ظَاهِرٌ ، وَاحْتِمَالَ الرِّيحِ شُبْهَةٌ ، وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّبْهَةِ بَلْ يَثْبُتُ مَعَهَا ، وَكَذَا النَّسَبُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحُدُودِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَهَا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَلَاعَنَا بِزَنَيْتِ إلَخْ ) وَإِنَّمَا يَثْبُتُ اللِّعَانُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِصَرِيحِ الزِّنَا ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَمْ يَنْفِ الْحَمْلَ ) ، وَإِنَّمَا يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَ الْحَمْلِ عَنْ أَبِيهِ لِأَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ حُكْمٌ عَلَيْهِ ، وَلَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ عَلَى الْحَمْلِ ، وَلَا لَهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ ، وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ نَفَى الْوَلَدَ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ وَابْتِيَاعِ آلَةِ الْوِلَادَةِ صَحَّ ، وَبَعْدَهُ لَا وَلَاعَنَ فِيهِمَا ) أَيْ لَوْ نَفَى وَلَدَ امْرَأَتِهِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّهْنِئَةَ فِيهَا ، وَتَبْتَاعُ آلَةَ الْوِلَادَةِ صَحَّ ، وَبَعْدَهَا لَا يَصِحُّ ، وَيُلَاعِنُ فِيهِمَا أَيْ فِيمَا إذَا صَحَّ نَفْيُهُ ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَصِحَّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ فِيهِمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ لِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ ، وَإِذَا قَصُرَتْ يَصِحُّ لِأَنَّ وُجُودَ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ مِنْهُ ، وَدَلَالَتَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ النَّفْيِ إجْمَاعًا ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ يَصِحُّ نَفْيُهُ اتِّفَاقًا فَطُولُ الْمُدَّةِ دَلِيلُ الْقَبُولِ اتِّفَاقًا فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ مُدَّةَ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا كَحَالِ الْوِلَادَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَصُومُ فِيهَا ، وَلَا تُصَلِّي ، وَلَهُ أَنَّ قَبُولَهُ التَّهْنِئَةَ أَوْ سُكُوتَهُ عَنْ النَّفْيِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ مُدَّتُهَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّكُوتُ عَنْ نَفْيِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، وَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ تُوجَدُ فِي زَمَانٍ قَصِيرٍ ، وَقَدْ لَا تُوجَدُ فِيهِ ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ ، وَالْبُلْدَانِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى رَأْيِ مَنْ لَاحَ لَهُ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مُدَّةُ الْعَقِيقَةِ ، وَضَعَّفَهُ السَّرَخْسِيُّ ، وَقَالَ نَصْبُ الْمُقَدَّرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ نَفْيُهُ إلَّا عَلَى فَوْرِ الْوِلَادَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ ، وَالنَّظَرِ كَيْ لَا يَكُونَ نَفْيُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ

غَائِبًا ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ حَتَّى قَدِمَ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْفِصَالِ فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ الْفِصَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَمَا شَاخَ ، وَهُوَ قَبِيحٌ .( قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا ) أَيْ بَعْدَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ وَدَلَالَتُهُ تَمْنَعُ ) أَيْ سُكُوتَهُ عَنْ نَفْيِهِ ا هـ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ قَبُولَهُ التَّهْنِئَةَ ) وَهُوَ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ مِثْلُ أَحْسَنَ اللَّهُ بَارَكَ اللَّهُ جَزَاك رَزَقَك اللَّهُ مِثْلَهُ أَوْ عَلَى دُعَاءِ الْمُهَنِّي ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ ) أَيْ بَعْدَ قُدُومِهِ عِنْدَهُمَا قَدْرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ ، وَعِنْدَهُ قَدْرَ مُدَّةِ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ نَفَى أَوَّلَ التَّوْأَمَيْنِ ، وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ ) لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَكَسَ لَاعَنَ ) أَيْ أَتَى بِعَكْسِ الْأَوَّلِ بِأَنْ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ ، وَنَفَى الثَّانِي فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَاذِفٌ بِنَفْيِ الثَّانِي ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعِفَّتِهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَثْبُتُ نَسَبُهُمَا فِيهِمَا ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَبِثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ فَلَا يَنْفَصِلَانِ فِيهِ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ ، وَهُمَا اللَّذَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ لَزِمَاهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ لِانْتِهَائِهِ بِالْمَوْتِ ، وَالْحَيِّ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ ، وَيُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْقَذْفِ وَاللِّعَانُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ نَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِقَطْعِ الْفِرَاشِ ، وَيَثْبُتُ النَّفْيُ تَبَعًا لَهُ إنْ أَمْكَنَ ، وَلَا يُلَاعِنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَذْفَ أَوْجَبَ لِعَانًا يَقْطَعُ النَّسَبَ فَإِذَا فَاتَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ اللِّعَانِ حَالَ انْعِقَادِ السَّبَبِ لَا يَثْبُتُ مِنْ بَعْدُ وَلَوْ وَلَدَتْ فَنَفَاهُ وَلَاعَنَ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ بِيَوْمٍ لَزِمَهُ الْوَلَدَانِ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الثَّانِي فَثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ نَسَبِ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَاللِّعَانُ مَاضٍ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ انْتِفَائِهِ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُمَا ابْنَايَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا لِعَدَمِ إكْذَابِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا لِأَنَّهُ وُجِدَ الرُّجُوعُ مِنْهُ صَرِيحًا وَلَوْ قَالَ لَيْسَا بِابْنَيَّ كَانَا ابْنَيْهِ ، وَلَا يُحَدُّ

لِأَنَّ الْقَاضِي نَفَى أَحَدَهُمَا ، وَذَلِكَ نَفْيٌ لَهُمَا فَلَمْ يَكُونَا وَلَدَيْهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا مُطْلَقًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَاذِفٌ إلَخْ ) وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إكْذَابُ النَّفْسِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ صَرَّحَ بِهِمَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالِاعْتِرَافِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالِاعْتِرَافِ الثَّانِي قِيلَ لَهُ التَّكْذِيبُ قَبْلَ الْقَذْفِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَتَى قَذَفْت هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَأَنَا كَاذِبٌ فِي قَذْفِهَا ثُمَّ قَذَفَهَا أَنَّهُ يُلَاعَنُ وَلَا يُحَدُّ ، كَذَلِكَ هَذَا أَوْ نَقُولُ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِعِفَّتِهَا ، وَقَالَ هِيَ عَفِيفَةٌ عَنْ الزِّنَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْذَابَ النَّفْسِ ، فَكَذَا هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَوْ قُتِلَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الثَّانِي إلَخْ ) وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ الْآنَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْكُوحَةٍ ا هـ فَتْحٌ

( بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ مَنْ لَا يَصِلُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْأَبْكَارِ ) أَوْ لَا يَصِلُ إلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا فَحَسْبُ ، وَهُوَ مِنْ عَنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ عَنَّ إذَا عَرَضَ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَقْصِدُ ، وَعُنِّنَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ مُنِعَ مِنْ النِّسَاءِ بِسِحْرٍ ، وَامْرَأَةٌ عِنِّينَةٌ لَا تَشْتَهِي الرِّجَالَ ، وَهُوَ فِعِّيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا فُرِّقَ فِي الْحَالِ ) يَعْنِي إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا ، وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَوْلُهُ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ جُبَّ بَعْدَمَا وَصَلَ إلَيْهَا لَا خِيَارَ لَهَا كَمَا إذَا صَارَ عِنِّينًا بَعْدَهُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَرِيضًا أَوْ صَغِيرًا لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ أَوْ بُرْؤُهُ لِاحْتِمَالِ الزَّوَالِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً ، وَهُوَ مَجْبُوبٌ أَوْ عِنِّينٌ حَيْثُ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَرْضَى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ أَوْ الْقِصَاصِ أَوْ وَرِثَ مَالًا ، وَاطَّلَعَ الْوَلِيُّ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ فِي الصِّغَرِ هَذِهِ الْحُقُوقُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّفْرِيقَ هُنَا لِفَوَاتِ حَقِّهَا فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ ، وَذَلِكَ بِمَعْزِلٍ مِنْهُ فِي الصِّغَرِ بِخِلَافِ الْفُصُولِ الْأُخَرِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهَا ثَابِتٌ فِي الْحَالِ ، وَيَتَضَرَّرُ الصَّغِيرُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ وَلَوْ كَانَ هُوَ أَوْ هِيَ مَجْنُونًا لَا يُؤَخَّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِخُصُومَةِ الْوَلِيِّ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ ، وَإِلَّا نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَيُؤَهَّلُ لِلطَّلَاقِ

هُنَا كَمَا يُؤَهَّلُ لَهُ فِي الْإِبَاءِ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى أَبَوَيْهِ ، وَكَمَا فِي اللِّعَانِ إنْ جُنَّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَلَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الْمَجْبُوبِ بِوَلَدٍ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَى سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَلَا يَبْطُلُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يَبْطُلُ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ لَمْ يَبْقَ عِنِّينًا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَفْرِيقِهِ ، وَهُوَ بَائِنٌ فَكَيْفَ يَبْطُلُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا لَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأُجِّلَ سَنَةً لَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا فَإِنْ وَطِئَ ، وَإِلَّا بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ إنْ طَلَبَتْ ) وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يُؤَجَّلُ ، وَلَا يُفَرَّقُ لِحَدِيثِ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُؤَجِّلْهُ حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ عَدَمَ تَحَرُّكِ آلَتِهِ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَأْجِيلِهِ ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ فَيَكُونُ إمْسَاكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ عَنْهَا لَكِنَّ ظُلْمَهَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ مَرَّةً فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي كُلِّ زَمَانٍ ، وَعَجْزَهُ فِي الْحَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَجْزِهِ فِي الْمَآلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِمَرَضٍ بِهِ ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ ، وَقَدْ يَكُونُ خِلْقَةً ، وَهُوَ يُوجِبُ الْخِيَارَ ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِالتَّأْجِيلِ سَنَةً لِأَنَّ الْمَرَضَ غَالِبًا يَزُولُ فِيهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِغَلَبَةِ الْبُرُودَةِ أَوْ الْحَرَارَةِ أَوْ الْيُبُوسَةِ أَوْ الرُّطُوبَةِ ، وَفُصُولُ السَّنَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهَا فَالرَّبِيعُ حَارٌّ رَطْبٌ ، وَالصَّيْفُ حَارٌّ يَابِسٌ ، وَالْخَرِيفُ بَارِدٌ يَابِسٌ طَبْعَ الْمَوْتِ ، وَهُوَ أَرْدَأُ الْفُصُولِ ، وَالشِّتَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ فَإِنْ

كَانَ مَرَضُهُ مِنْ بَرْدٍ فَفَصْلُ الْحُرِّ يُقَابِلُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَرٍّ فَفَصْلُ الْبَرْدِ يُقَابِلُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ يُبُوسَةٍ فَالرُّطُوبَةُ تُقَابِلُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ فَالْيُبُوسَةُ تُقَابِلُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ كُلِّ نَوْعَيْنِ فَيُقَابِلُهُ مَا يُخَالِفُهُ مِنْ النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَهُوَ كَالْمُدَاوَاةِ لَهُ وَالْعِلَاجِ لَهُ فَيُوَافِقُ طَبْعَهُ فَيَزُولُ مَا بِهِ مِنْ الْمَرَضِ بِاعْتِدَالِ الطَّبْعِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ ، وَلَمْ يَزُلْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلْقَةٌ ، وَأَنَّ حَقَّهَا قَدْ فَاتَ بِهِ فَيُفَرَّقُ بِطَلَبِهَا ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا يُضْرَبُ إذَا اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا ، وَقَدْ أَخْبَرَ هُوَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ أَوْ يَعْرُكُهَا عَرْكَ الْأَدِيمِ ، وَلِأَنَّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طَلَاقِهَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الزَّوْجَةِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ لَهَا الْخِيَارُ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِفَوَاتِ حَقِّهَا فِي اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ ، وَذَلِكَ حَقُّهَا عَلَى الْخُلُوصِ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْأَصْلِ حُصُولُ الْوَلَدِ لَا اقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ ، وَمَا رُكِّبَ فِيهَا مِنْ الشَّهْوَةِ حَامِلٌ لَهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْوَلَدِ ، وَالْوَلَدُ حَقُّ الْمَوْلَى ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا ، وَلَمْ تُخَاصِمْ زَمَانًا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي ، وَأَجَّلَهُ سَنَةً ، وَمَضَتْ السَّنَةُ ، وَلَمْ تُخَاصِمْ زَمَانًا لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ لَا

لِلرِّضَا بِهِ وَلَوْ وَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً ثُمَّ عَجِزَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ حَقَّهَا فِي وَطْأَةٍ وَاحِدَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا مِنْ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَالْإِحْصَانِ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُكْمًا ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً ، وَالْفُرْقَةُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَسْخٌ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ مِنْ جِهَتِهَا ، وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَإِنْ فَعَلَ ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَكَانَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَكَانَ طَلَاقًا بَائِنًا لِيَتَحَقَّقَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَالْفَسْخُ يُغَايِرُهُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ ، وَالْفَسْخُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَخِيَارُ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغُ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِتْمَامِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ بَعْدَ التَّمَامِ فَكَانَ رَفْعًا ، وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلِ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ فَنَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ ) وَهُوَ الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا كَانَ لِلْعِنِّينِ نِسْبَةٌ بِالنِّكَاحِ وَالْفُرْقَةِ جَمِيعًا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْعِنِّينِ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ جَمِيعًا لَكِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَبْوَابِ الطَّلَاقِ لِكَوْنِ الْعُنَّةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْعَوَارِضِ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْأَصِحَّاءِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ أَعْقَبَهَا بِذِكْرِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِمَّنْ بِهِ مَرَضٌ لَهُ نِسْبَةٌ إلَى النِّكَاحِ ، وَالْعِنِّينُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ النِّسَاءِ مَعَ قِيَامِ الْآلَةِ مِنْ عُنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ ، وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ عُنَّ إذَا مَرِضَ لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ يَمِينًا وَشِمَالًا ، وَلَا يَقْصِدُ لِاسْتِرْخَائِهِ ، وَجَمْعُ الْعِنِّينِ عُنُنٌ ، وَيُقَالُ عِنِّينٌ بَيِّنُ التَّعَنُّنِ ، وَلَا يُقَالُ بَيِّنُ الْعُنَّةِ ، وَلَوْ كَانَ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْبِكْرِ لِضَعْفِ الْآلَةِ أَوْ إلَى بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ لِسِحْرٍ أَوْ كِبَرٍ فَهُوَ عِنِّينٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّهَا ، وَمَا عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ يُؤْتَى بِطَسْتٍ فِيهِ مَاءٌ بَارِدٌ فَيَجْلِسُ فِيهِ الْعِنِّينُ فَإِنْ نَقَصَ ذَكَرُهُ ، وَانْزَوَى عُلِمَ أَنَّهُ لَا عُنَّةَ بِهِ ، وَإِلَّا عُلِمَ أَنَّهُ عِنِّينٌ لَوْ اُعْتُبِرَ عِلْمُهُ فَلَا يُؤَجَّلُ سَنَةً لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ إلَّا لِيُعْرَفَ أَنَّهُ عِنِّينٌ عَلَى مَا قَالُوا إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إنْ أُجِّلَ مَعَ ذَلِكَ لَكِنَّ التَّأْجِيلَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ وَفِي الْمُحِيطِ آلَتُهُ قَصِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهَا دَاخِلَ الْفَرْجِ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ ، وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا كَالزِّرِّ فَحُكْمُهُ كَالْمَجْبُوبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْعِنِّينُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ ) بِكْرًا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ ثَيِّبًا ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَجَدَتْ

زَوْجَهَا مَجْبُوبًا ) ، وَهُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّهَا ) أَيْ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْوَطْءِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا ) كَسَائِرِ حُقُوقِ الْعِبَادِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا ) أَيْ فِي التَّفْرِيقِ فِي الْحَالِ بِسَبَبِ الْجَبِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِخُصُومَةِ الْوَلِيِّ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ وَجَدَتْ زَوْجَهَا الْمَجْنُونَ عِنِّينًا يُخَاصِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ ، وَيُؤَجَّلُ سَنَةً لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَعْدَمُ الشَّهْوَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا ، وَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِ بُلُوغِهِ فَيُجْعَلُ وَلِيُّهُ خَصْمًا ، وَإِلَّا نُصِّبَ الْقَاضِي عَنْهُ ، وَفَرَّقَ لِلْحَالِ وَلَوْ جَاءَ الْوَلِيُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى رِضَاهَا بِعُنَّتِهِ وَجَبِّهِ أَوْ عَلَى عِلْمِهَا بِحَالِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَزِمَ النِّكَاحُ ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ طَلَبَ يَمِينَهَا عَلَى ذَلِكَ تَحْلِفْ فَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ يُفَرَّقْ وَإِلَّا فَرَّقَ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يَبْطُلُ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ إلَخْ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ لَكِنَّ وَجْهَ التَّفْرِقَةِ يُبْعِدُ هَذَا الْبَحْثَ ، وَهُوَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِنَاءٌ عَلَى ثُبُوتِ الْعُنَّةِ وَالْجَبِّ ، وَثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ ، وَهُوَ مَجْبُوبٌ بِخِلَافِ ثُبُوتِهِ مِنْ الْعِنِّينِ فَإِنَّ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ يَثْبُتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِنِّينٍ فَيَظْهَرُ بُطْلَانُ مَعْنَى الْفُرْقَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ بِالْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ بَلْ هِيَ بِهِ مُتَنَاقِضَةٌ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِالْفُرْقَةِ ا هـ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْ الْغَايَةِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِ الْقَاضِي إذَا قَالَ الزَّوْجُ كُنْت ، وَصَلْت

إلَيْهَا ، وَمَا اسْتَظْهَرَ بِهِ شَارِحُ الْكَنْزِ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُوَازِنُ شَهَادَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ عَلَى الدُّخُولِ كَمَا لَا يَخْفَى ، وَإِنَّمَا يُوَازِنُهُ مَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ فُرِّقَ بِالْعُنَّةِ فَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا بَطَلَتْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِهَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهَا عِنْدَ الْقَاضِي ، وَلَوْ كَانَتْ أَقَرَّتْ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفُرْقَةِ فَكَذَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ أَنَّهُ كَانَ وَصَلَ إلَيْهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ إقْرَارَهَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْقَاضِي فِي إبْطَالِ قَضَائِهِ فَلَا يُقْبَلُ ا هـ كَلَامُ الشَّيْخِ قَاسِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأُجِّلَ سَنَةً ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْخُصُومَةِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَأْجِيلُ غَيْرِ الْحَاكِمِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ، وَلَوْ عُزِلَ بَعْدَمَا أَجَّلَهُ بَنَى الْمُتَوَلِّي عَلَى التَّأْجِيلِ الْأَوَّلِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ إنْ طَلَبَتْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً غَيْرَ رَتْقَاءَ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْفُرْقَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَالطَّلَبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِسَيِّدِهَا ، وَهُوَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْإِذْنِ فِي الْعَزْلِ ، وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ا هـ قَوْلُهُ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ ، وَلَمْ يَزُلْ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا عُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ آفَةٌ أَصْلِيَّةٌ قَالَ الْكَمَالُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مُوجَبَ التَّفْرِيقِ كَوْنُهُ مِنْ عِلَّةٍ أَصْلِيَّةٍ ، وَالسَّنَةُ ضُرِبَتْ لِتَعْرِيفِهِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا سَنَةً كَوْنُ ذَلِكَ آفَةً أَصْلِيَّةً فِي الْخِلْقَةِ إذْ الْمَرَضُ

يَمْتَدُّ السَّنَةَ ، وَأَيْضًا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الْعِنِّينِ الْمَسْحُورِ ، وَمُقْتَضَى السِّحْرِ مِمَّا قَدْ يَمْتَدُّ السَّنَتَيْنِ ، وَبِمُضِيِّ السَّنَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْآفَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِفَرْضِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ فَالْحَقُّ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَنُوطٌ إمَّا بِغَلَبَةِ ظَنِّ عَدَمِ زَوَالِهِ لِزَمَانَتِهِ أَوْ الْأَصْلِيَّةِ ، وَمُضِيُّ السَّنَةِ مَعَ عَدَمِ الْوُصُولِ مُوجِبٌ لِذَلِكَ ، وَهُوَ عَدَمُ إيفَاءِ حَقِّهَا فَقَطْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ ، وَالسَّنَةُ جُعِلَتْ غَايَةً فِي الصَّبْرِ ، وَإِبْلَاءُ الْعُذْرِ شَرْعًا حَتَّى لَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا قُرْبُ زَوَالِهِ ، وَقَالَ بَعْدَ السَّنَةِ أَجِّلْنِي يَوْمًا لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهَا فَلَوْ رَضِيَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ كَانَ لَهَا ذَلِكَ ، وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ لِأَنَّ السَّنَةَ عِنْدَ النَّاسِ غَايَةٌ فِي إبْلَاءِ الْعُذْرِ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْخُنْثَى إذَا كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ فَهُوَ رَجُلٌ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ لِأَنَّ رَجَاءَ الْوُصُولِ يَتَحَقَّقُ ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ فَهِيَ امْرَأَةٌ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا لَمْ يُعْلَمْ بِحَالِهَا ثُمَّ عُلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي يَدِهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الرَّتْقَاءِ ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ زُوِّجَ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى ، وَهُمَا مُشْكِلَانِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا رَجُلٌ ، وَالْآخَرَ امْرَأَةٌ وَجَبَ الْوَقْفُ فِي النِّكَاحِ حَتَّى يُتَبَيَّنَ فَإِنْ مَاتَا قَبْلَ التَّبَيُّنِ لَمْ يَتَوَارَثَا ، وَفِيهِ أَيْضًا : مَاتَ وَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَتْ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ تَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ ، وَامْرَأَةٌ أَنَّهُ كَانَ زَوْجَهَا ، وَكَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ لَمْ يُقْضَ لِأَحَدِهِمَا إلَّا إنْ ذُكِرَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا

أَقْدَمَ فَيُقْضَى لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْفُرْقَةُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ ، وَغَيْرِهِمَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُطْلَقَ يُخْرِجُ الْفَاسِدَ ، وَالْمَوْقُوفَ ، وَالْفَسْخَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَخِيَارَ الْعِتْقِ ، وَالْبُلُوغِ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ ) أَيْ فِي حَقِّ النَّقْلِ إلَى الْغَيْرِ ، وَلَا فِي حَقِّ الِانْتِقَالِ إلَى الْوَرَثَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ ) أَيْ لِأَنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ إذْ لَا وُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُنَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْوَطْءِ اخْتِيَارًا تَعَنُّتًا فَيَدُورُ الْحُكْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا ) أَيْ فِي هَذَا النِّكَاحِ ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا فِي نِكَاحٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفُرْقَةِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ قَالَ وَطِئْت ، وَأَنْكَرَتْ ، وَقُلْنَ بِكْرٌ خُيِّرَتْ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا صَدَقَ بِحَلِفِهِ ) يَعْنِي إذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ ، وَقَالَ وَطِئْتهَا ، وَأَنْكَرَتْ هِيَ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ خُيِّرَتْ ، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الثِّيَابَةُ أَصْلِيَّةً أَوْ طَارِئَةً فِي الْمُدَّةِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ ثُبُوتِ الْعُنَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ لِيُؤَجَّلَ ، وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِهَاءِ لِيُفَرَّقَ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِيهِمَا ، وَتَمَامِ تَفْرِيعَاتِهِ فَنَقُولُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا يُؤَجَّلُ سَنَةً مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ سَنَةً ثُمَّ إنْ تَمَّتْ السَّنَةُ فَإِنْ ادَّعَتْ عَدَمَ الْوُصُولِ فَإِنْ صَدَّقَهَا خُيِّرَتْ لِثُبُوتِ حَقِّهَا لِلتَّصَادُقِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ خُيِّرَتْ ، وَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الثِّيَابَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الثِّيَابَةَ الْوُصُولُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ ثُبُوتِهَا بِشَيْءٍ آخَرَ فَيَحْلِفُ بِخِلَافِ الْبَكَارَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا يَنْفِي الْوُصُولِ إلَيْهَا ضَرُورَةٌ فَتُخَيَّرُ بِقَوْلِهِنَّ ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ لِأَنَّ دَعْوَاهَا تَأَيَّدَتْ بِالنُّكُولِ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْفُرْقَةَ عَلَيْهِ ، وَالْأَصْلُ هُوَ السَّلَامَةُ فِي الْجِبِلَّةِ ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَلَا حَقَّ لَهَا ، وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً فَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ فَإِنْ ادَّعَتْ عَدَمَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا خُيِّرَتْ لِثُبُوتِ حَقِّهَا بِالتَّصَادُقِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إنْ

حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ ، وَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ فِي الِابْتِدَاءِ يُؤَجَّلُ سَنَةً ، وَإِنْ نَكَلَ فِي الِانْتِهَاءِ تُخَيَّرُ ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا ثَبَتَتْ الْعُنَّةُ فِيهِمَا بِقَوْلِهِنَّ فَيُؤَجَّلُ أَوْ يُفَرَّقُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اخْتَارَتْهُ بَطَلَ حَقُّهَا ) لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا أَحَدُهُمَا ، وَكَذَا إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بَلْ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ ثُمَّ إنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَمَرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً فَإِنْ أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ ، وَقِيلَ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ لِرِضَاهَا بِحَالِهِ ، وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى وَهِيَ عَالِمَةٌ بِحَالِهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا لَا خِيَارَ لَهَا لِعِلْمِهَا بِالْعَيْبِ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ وَطْءِ امْرَأَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ وَطْءِ غَيْرِهَا ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ ، وَفِي التَّأْجِيلِ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ طَبْعَهُ يُوَافِقُ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِيهَا ، وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ ، وَالسَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ ، وَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ ،

وَفَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، وَثُلُثٌ وَرُبْعُ عُشْرِ يَوْمٍ بِالتَّقْرِيبِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْقَمَرِيَّةَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ وَجُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ ، وَفِي الْمُحِيطِ يُرِيدُ بِالشَّمْسِيَّةِ أَنْ تُعْتَبَرَ بِالْأَيَّامِ لَا بِالْأَهِلَّةِ فَتَزِيدُ عَلَى الْقَمَرِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ حِسَابَ الْعَجَمِ بِالْأَيَّامِ لَا بِالْأَهِلَّةِ ، وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَرَضِهِ وَمَرَضِهَا لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ ، وَعُوِّضَ قَدْرَهُ لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَادِرٌ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ ، وَهُوَ قَدْرُ نِصْفِهِ فَكَذَا النِّصْفُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَإِنْ حَجَّ أَوْ غَابَ هُوَ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ بِفِعْلِهِ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مَعَهُ أَوْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ وَالْغَيْبَةَ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ هِيَ أَوْ غَابَتْ حَيْثُ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا كَانَ عُذْرًا فَإِنْ حُبِسَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتْ مِنْ الْمَجِيءِ إلَى السِّجْنِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ ، وَكَانَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا حُبِسَ عَلَى مَهْرِهَا وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ خَاصَمَتْهُ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِتْقِ أَجَّلَهُ سَنَةً ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَجَّلَهُ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ ، وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بَعْدَ التَّأْجِيلِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ غَشَيَانِهَا ، وَالِامْتِنَاعُ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْذَرُ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ ) وَتُجْزِئُ الْوَاحِدَةُ الْعَدْلَةُ وَالثِّنْتَانِ وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْفُرْقَةِ عَلَيْهِ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلدُّخُولِ صُورَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا ) أَيْ أَوْ قَامَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا بَطَلَ خِيَارُهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْعِتْقِ ) قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَانَتْ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ، وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُدْرِكَةِ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ تَأْجِيلِ السَّنَةِ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَمْ يُصَدَّقْ الزَّوْجُ ، وَخَيَّرَ السُّلْطَانُ الْمَرْأَةَ إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ ، وَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ فُرْقَتَهُ فَإِنْ فَارَقَتْهُ كَانَتْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، وَكَذَا قَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا ذَكَرُوا فِي كُتُبِهِمْ كَمَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ، وَمَبْسُوطِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ ، وَالشَّامِلِ ، وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْإِمَامِ الْعَتَّابِيِّ وَالتُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا ، وَشَرَطُوا تَفْرِيقَ الْحَاكِمِ ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ إنَّهَا كَمَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَعَتْ

الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْمُخَيَّرَةِ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ كَالْمُعْتَقَةِ ، وَقَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَمَّا خَيَّرَهَا ، وَهِيَ بِكْرٌ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فُرْقَةً حَتَّى يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا إلَى هُنَا لَفْظُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي التَّأْجِيلِ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْعِنِّينُ يُؤَجَّلُ سَنَةً قَمَرِيَّةً لَا شَمْسِيَّةً هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَنْطُوقَ هُوَ السَّنَةُ وَالسَّنَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْقَمَرِيَّةِ مُطْلَقًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُهُ أَنَّ الثَّابِتَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ اسْمُ السَّنَةِ قَوْلًا ، وَأَهْلَ الشَّرْعِ إنَّمَا يَتَعَارَفُونَ الْأَشْهُرَ وَالسِّنِينَ بِالْأَهِلَّةِ فَإِذَا أَطْلَقُوا السَّنَةَ انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِخِلَافِهِ ثُمَّ زِيَادَةُ الشَّمْسِيَّةِ قِيلَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ الشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا ، وَجُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ وَالْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا كَذَا رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ ، وَرَأَيْت فِي أُخْرَى فِيهِ فِي الشَّمْسِيَّةِ زِيَادَةُ رُبْعِ يَوْمٍ مَعَ مَا ذَكَرْنَا ، وَقِيلَ الْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ ، وَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ وَرُبْعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ ، وَفَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَثُلُثٍ وَرُبْعِ عُشْرٍ بِالتَّقْرِيبِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُحْدَثٌ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ أَنْ يُؤَجِّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ يُرْفَعُ إلَيْهِ ، وَكَذَا قَوْلُ الرَّاوِي عَنْ عُمَرَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَتْ إلَيْهِ فَأَجَّلَهُ حَوْلًا مِنْ غَيْرِ

تَقْيِيدٍ فِي السَّنَةِ ، وَالْحَوْلُ لِمَا تَرَى بِالْأَهِلَّةِ هَذَا الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَأَهْلُ الشَّرْعِ عَلَى أَنَّ الْحَوْلَ لَمْ يُعْرَفْ بِعُرْفٍ آخَرَ بَلْ اسْمُ السَّنَةِ هُوَ الَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ الْعِرْفَانُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ طَبْعَهُ يُوَافِقُ الزِّيَادَةَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي إلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ ، وَكَذَا صَاحِبُ التُّحْفَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ مُوَافَقَةُ الْعِلَاجِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي يَقَعُ التَّفَاوُتُ فِيهَا بَيْنَ الشَّمْسِيَّةِ وَالْقَمَرِيَّةِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ ) أَيْ وَقَاضِي خَانْ وَظَهِيرُ الدِّينِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ ) يَعْنِي لَا يُعَوَّضُ عَنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ الْوَاقِعَةِ فِي مُدَّةِ التَّأْجِيلِ أَيَّامٌ أُخَرُ بَلْ هِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدَّرُوا مُدَّةَ التَّأْجِيلِ بِسَنَةٍ ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْهَا أَيَّامَ الْحَيْضِ وَشَهْرَ رَمَضَانَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ ) يَعْنِي لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَضُ مَحْسُوبًا مِنْ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ قَلِيلًا كَانَ الْمَرَضُ أَوْ كَثِيرًا بَلْ يُعَوَّضُ لِذَلِكَ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْهُ مَا نَصَّهُ أَيْ عَنْ الْمَرَضِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ هِيَ أَوْ غَابَتْ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَحْتَسِبُ ، عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ الزَّوْجُ حَيْثُ يَحْتَسِبُ ، عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ وَكَانَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ احْتَسَبَ عَلَيْهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ

وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً فِي حَقٍّ وَكَانَ يُمْكِنُهُ الْخَلْوَةُ مَعَهَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَيَّام وَإِلَّا فَلَا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يُخَيَّرْ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ ) أَيْ لَمْ يُخَيَّرْ وَاحِدٌ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِعَيْبٍ فِي الْآخَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ : الْجُذَامُ ، وَالْبَرَصُ ، وَالْجُنُونُ ، وَالرَّتْقُ ، وَالْقَرْنُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا أَوْ طَبْعًا ، وَالطَّبْعُ مُؤَيَّدٌ بِالشَّرْعِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ } { ، وَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَصِ ، وَقَالَ الْحَقِي بِأَهْلِك حِينَ وَجَدَ بِكَشْحِهَا وَضَحًا أَوْ بَيَاضًا } ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُبَادَلَةٍ ، وَالْبَيْعُ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ فَكَذَا النِّكَاحُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تُرَدُّ الْمَرْأَةُ إذَا كَانَ بِالرَّجُلِ عَيْبٌ فَاحِشٌ بِحَيْثُ لَا تُطِيقُ الْمَقَامَ مَعَهُ لِأَنَّهَا تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إلَى حَقِّهَا لِمَعْنًى فِيهِ فَكَانَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهَا عَيْبٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِغَيْرِهَا ، وَلَنَا أَنْ ، الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ هُوَ الْوَطْءُ وَهَذِهِ الْعُيُوبُ لَا تَفُوتُهُ بَلْ تُوجِبُ فِيهِ خَلَلًا فَفَوَاتُهُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَاخْتِلَالُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَ ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ تَأْثِيرُهَا فِي تَفْوِيتِ تَمَامِ الرِّضَا ، وَلُزُومُ النِّكَاحِ لَا يَعْتَمِدُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْهَزْلِ ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا عَجُوزًا شَوْهَاءَ بِهَا شِقٌّ مَائِلٌ وَلُعَابٌ سَائِلٌ وَهِيَ عَمْيَاءُ مَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَوْ شَلَّاءُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ، وَإِنْ فَقَدَ رِضَاهُ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ تَمَامَ الرِّضَا شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ مِثْلَهُ لَرُدَّ بِجَمِيعِ الْعُيُوبِ كَالْبَيْعِ ، وَلَا فَائِدَةَ لِتَخْصِيصِ

الْبَعْضِ ، وَفِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا يَعْدَمَانِ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ ، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ ، وَالتَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعُيُوبِ لَا يُعْدِمُهُ بَلْ يُخِلُّ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَرْنَاءَ وَالرَّتْقَاءَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِمَا بِالْفَتْقِ وَالشَّقِّ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، وَهُوَ مَجْهُولٌ ، لَا يُعْلَمُ لِكَعْبٍ وَلَدٌ اسْمُهُ زَيْدٌ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ } لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْفِرَارَ لَا الْخِيَارَ ، وَظَاهِرُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ جِمَاعًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ ، وَيُثَابُ عَلَى خِدْمَتِهِ وَتَمْرِيضِهِ ، وَعَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ ، وَالْمَجْذُومُ هُوَ الَّذِي بِهِ الْجُذَامُ ، وَهُوَ دَاءٌ يَشُقُّ الْجِلْدَ ، وَيَقْطَعُ اللَّحْمَ ، وَيَتَسَاقَطُ مِنْهُ ، وَالْفِعْلُ جُذِمَ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ بِمَعْنَى أَصَابَهُ الْجُذَامُ ، وَهُوَ مَجْذُومٌ ، وَلَا يُقَالُ أَجْذَمَ وَالْبَرَصُ دَاءٌ ، وَهُوَ بَيَاضٌ ، وَقَدْ بَرِصَ الرَّجُلُ فَهُوَ أَبْرَصُ ، وَأَبْرَصَهُ اللَّهُ ، وَجُنَّ الرَّجُلُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ ، وَأَجَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَجْنُونٌ ، وَلَا يُقَالُ مُجَنٌّ ، وَلَا جَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَجَاءَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَفْعَلَ عَلَى مَفْعُولٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ دُونَ مُفْعِلِ ؛ هَذَا ، وَالثَّانِي أَحْزَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَحْزُونٌ وَالثَّالِثُ أَحَبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَحْبُوبٌ ، وَجَاءَ مُحِبٌّ عَلَى الْأَصْلِ فِي شَعْرِ عَنْتَرَةَ وَلَقَدْ نَزَلَتْ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحِبِّ الْمُكْرَمِ وَالْقَرْنُ فِي الْفَرْجِ مَا يَمْنَعُ سُلُوكَ الذَّكَرِ فِيهِ ، وَهُوَ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ لُحْمَةٌ ، مُرْتَفِعَةٌ أَوْ عَظْمٌ ، وَامْرَأَةُ قَرْنَاءُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِهَا

، وَهُوَ الْعَفَلَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَرْنَ عَظْمٌ نَاتِئٌ مُحَدَّدُ الرَّأْسِ كَقَرْنِ الْغَزَالَةِ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ ، وَالرَّتْقُ التَّلَاحُمُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يُخَيَّرْ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ ) اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُفْسَخُ بِعَيْبٍ مَا فِي الْمَرْأَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالرَّتْقُ ) امْرَأَةٌ رَتْقَاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خُرْقٌ ، إلَّا الْمَبَالَ ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ وَالْقَرْنُ ) مِثْلُ فَلْسٍ الْعَفْلَةِ ، ، وَهُوَ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالْغُدَّةِ الْغَلِيظَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ عَظْمًا ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا ) أَيْ فِي الرَّتْقِ وَالْقَرْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ طَبْعًا ) أَيْ فِي الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ ( قَوْلُهُ بَرِصَ الرَّجُلُ ) مِنْ بَابِ تَعِبَ ا هـ مِصْبَاحٌ

( بَابُ الْعِدَّةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ ) أَيْ الْعِدَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّرَبُّصِ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ ، وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِحْصَاءِ يُقَالُ عَدَدْت الشَّيْءَ أَيْ أَحْصَيْته وَسَبَبُ وُجُوبِهَا عِنْدَنَا النِّكَاحُ الْمُتَأَكِّدُ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ الْخَلْوَةِ أَوْ الْمَوْتِ ، وَشَرْطُهَا الْفُرْقَةُ وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ ثَابِتَةٌ بِهَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْكَفُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عِدَّةُ الْحُرَّةِ لِلطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ أَيْ حِيَضٍ ) أَيْ إذَا طَلُقَتْ الْحُرَّةُ أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وَالْمُرَادُ بِهِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَالْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِثْلُ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَالرِّدَّةُ ، وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ فِي مَعْنَى الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَوُجُوبِ تَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَالْقُرْءُ الْحَيْضُ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ الطُّهْرُ ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثُمَّ رَجَعَ لَهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ، وَهُوَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا لِيَتْرُكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ لِيُطَلِّقَهَا إنْ شَاءَ ثُمَّ قَالَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ } فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ الطُّهْرُ بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نُطَلِّقَهَا لِعِدَّتِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَاللَّامُ بِمَعْنَى فِي ، وَالطَّلَاقُ يُوقَعُ فِي الطُّهْرِ فَكَانَ هُوَ الْعِدَّةُ دُونَ الْحَيْضِ ، وَلِأَنَّ الْقُرْءَ بِمَعْنَى الْحَيْضِ يُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

وَالسَّلَامُ دَعِي الصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ أَقْرَائِك } ، وَبِمَعْنَى الطُّهْرِ يُجْمَعُ عَلَى قُرُوءٍ قَالَ الْأَعْشَى أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمٌ غَزْوَةً تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا مُوَرِّثَةً مَالًا وَفِي الْحَيِّ رُقْعَةٌ لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا أَرَادَ بِهِ الطُّهْرَ لِأَنَّ الْحَيْضَ ضَائِعٌ دَائِمًا ، وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانِ الْغَيْبَةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقُرْءَ فِي الْآيَةِ الطُّهْرُ ، وَلِأَنَّ تَذْكِيرَ الثَّلَاثَةِ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ دَلِيلُ إرَادَةِ الطُّهْرِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَيْضَ لَقِيلَ ثَلَاثُ قُرُوءٍ بِلَا تَاءٍ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ مُؤَنَّثٌ ، وَهُوَ الْحَيْضَةُ ، وَلِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْجَمْعُ وَمِنْهُ الْمَقْرَأَةُ لِلْحَوْضِ وَالْغَدِيرِ وَالْقَلْتِ يُقَالُ مَا قَرَأْت النَّاقَةَ جَنِينًا فِي رَحِمِهَا أَيْ مَا جَمَعَتْهُ ، وَفِي الطُّهْرِ يَجْتَمِعُ الدَّمُ فَكَانَ أَلْيَقَ بِهِ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَالْأَمَةُ لَا تُخَالِفُ الْحُرَّةَ فِي جِنْسِ مَا تَقَعُ بِهِ الْعِدَّةُ ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُهَا فِي الْعَدَدِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ ، وَعَلَى الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ ثَلَاثَةُ ، وَبِقَوْلِهِ قُرُوءٍ ، وَالثَّلَاثَةُ اسْمٌ لِعَدَدٍ مَعْلُومٍ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ ، وَلَا أَقَلُّ ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْإِطْهَارِ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى أَقَلَّ ، وَهُوَ طُهْرَانِ ، وَبَعْضُ الثَّالِثِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمْ ، وَهُوَ خُلْفٌ ، وَكَذَا الْجَمْعُ الْكَامِلُ هُوَ الثَّلَاثَةُ ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَكَانَ أَوْلَى ، وَلَا يُقَالُ يَجُوزُ إطْلَاقُ اسْمِ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَبَعْضِ الثَّالِثِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْعَدَدِ وَأَمَّا الْعَدَدُ وَالْجَمْعُ الْمَقْرُونُ بِهِ فَلَا ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ شُرِّعَتْ تَعَرُّفًا لِبَرَاءَةِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62