كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

أَيْ وَهُوَ وَكِيلُ الْبَائِعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ بِيعَ لَهُ ) أَيْ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ ) يَعْنِي إذَا ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ وَهُوَ شَفِيعٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ إنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْعِ إلَّا بِضَمَانِهِ فَلَمَّا ضَمِنَ تَمَّ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَكُونُ لَهُ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَائِعِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ ) اُنْظُرْ الْحَاشِيَةَ الَّتِي كَتَبْتهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ ابْتَاعَ ، أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ ) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى بِفُرُوعِهِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ ، أَوْ بِبُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ ) لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ كَانَ لِاسْتِكْثَارِ الثَّمَنِ أَوْ لِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ ظَاهِرًا فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ لِلتَّيْسِيرِ ، وَعَدَمِ الرِّضَا ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْأَخْذِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ قَدْرًا وَجِنْسًا فَإِذَا سَلَّمَ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْلِيمُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَكَذَا كُلُّ مَوْزُونٍ ، أَوْ مَكِيلٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرَضٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ التَّيْسِيرُ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ وَكَذَا لَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ عُرُوضٌ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ ، أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ مِنْ الْمَكِيلِ ، أَوْ الْمَوْزُونِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الَّذِي بَلَغَهُ ، أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ ذَهَبٌ ، أَوْ فِضَّةٌ قَدْرُهُ مِثْلُ قِيمَةِ ذَلِكَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ فَلَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِهَذَا جَازَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَكَذَا لَوْ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِالدَّرَاهِمِ فَأَقَرَّ بِالدَّنَانِيرِ كَانَ مُخْتَارًا غَيْرَ

مُكْرَهٍ وَلَوْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا لَمَا صَارَ مُخْتَارًا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ فِي الثَّمَنِيَّةِ ، وَكَلَامُنَا فِيهِ وَلِهَذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ .( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ ) أَيْ لِأَنَّ الْعَرَضَ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا تَجِبُ بِقِيمَتِهِ وَالْقِيمَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ا هـ ( فَرْعٌ ) مِمَّا يُحْفَظُ مِنْ الْحِيَلِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ أَنْ يَعْقِدَ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الْمِقْدَارِ كَحَفْنَةِ قُرَاضَةٍ أَوْ جَوْهَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَفٍّ مِنْ الْفُلُوسِ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ : فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرِكَةِ أَوْ بِالْجِوَارِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ فَبَانَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ ) لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْأَخْلَاقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْغَبُ فِي مُعَاشَرَتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجْتَنَبُ مَخَافَةَ شَرِّهِ فَالتَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ غَيْرِهِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ .

وَلَوْ بَلَغَهُ شِرَاءُ النِّصْفِ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ بَلَغَهُ شِرَاءُ الْكُلِّ فَلَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ سَلَّمَ النِّصْفَ وَكَانَ حَقُّهُ فِي أَخْذِ الْكُلِّ وَالْكُلُّ غَيْرُ النِّصْفِ فَلَا يَكُونُ إسْقَاطُهُ إسْقَاطًا لِلْكُلِّ وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ لِخَوْفِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَسْتَقِيمُ فِي الْجَارِ دُونَ الشَّرِيكِ ، وَالْأَوَّلُ يَسْتَقِيمُ فِيهِمَا ، وَفِي عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا أُخْبِرَ بِشِرَاءِ الْكُلِّ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ شِرَاءُ النِّصْفِ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْكُلِّ تَسْلِيمٌ فِي أَبْعَاضِهِ كُلِّهَا وَلِأَنَّ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِي الْكُلِّ أَكْثَرُ عَادَةً مِنْ رَغَبَاتِهِمْ فِي الْأَشْقَاصِ لِخُلُوِّ الْكُلِّ عَنْ عَيْبِ التَّشْقِيصِ فَإِذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْغَبَ فِي التَّشْقِيصِ وَقِيلَ : لَهُ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ ثَمَنِ الْجَمِيعِ وَقَدْ تَكُونُ حَاجَتُهُ إلَى النِّصْفِ لِيُتِمَّ بِهِ مَرَافِقَ مِلْكِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَمِيعِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ مَالَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَحُمِلَ مَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَنُ النِّصْفِ مِثْلَ ثَمَنِ الْكُلِّ أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ثَمَنَ النِّصْفِ مِثْلُ نِصْفِ ثَمَنِ الْكُلِّ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ بَاعَهَا إلَّا ذِرَاعًا فِي جَانِبِ الشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ الْعَقَارَ إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْجِوَارِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاتِّصَالُ بِالْمَبِيعِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الِالْتِزَاقِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ ابْتَاعَ مِنْهَا سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ ) لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٍ فِي السَّهْمَيْنِ وَالْمُشْتَرِي شَرِيكٌ فِي السَّهْمِ الثَّانِي وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَلَوْ أَرَادَ الْحِيلَةَ اشْتَرَى السَّهْمَ الْأَوَّلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا وَالْبَاقِيَ بِالدِّرْهَمِ فَلَا يَرْغَبُ الْجَارُ فِي أَخْذِ السَّهْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ جُزْءًا قَلِيلًا كَالْعُشْرِ مَثَلًا ، أَوْ أَقَلَّ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَتَأَتَّى مِثْلُ هَذِهِ الْحِيلَةِ بِأَنْ يَبِيعَ قَدْرَ الذِّرَاعِ أَوْ أَقَلَّ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا ، ثُمَّ يَشْتَرِي الْبَاقِيَ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ أَخَذَ قَدْرَ الذِّرَاعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ لَهُ فَأَيُّهُمَا خَافَ أَنْ لَا يُوَفِّيَ صَاحِبُهُ شَرْطَ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ خَافَا شَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ يُجِيزَانِ مَعًا ، وَإِنْ خَافَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا أَجَازَ أَنْ لَا يُجِيزَ صَاحِبُهُ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيزَ بِشَرْطِ أَنْ يُجِيزَ صَاحِبُهُ .

( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي ) أَيْ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ ابْتَاعَ مِنْهَا ) لَفْظُ " مِنْهَا " لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَرَادَ الْحِيلَةَ اشْتَرَى السَّهْمَ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ أَوَّلًا مِنْ الدَّارِ وَمِنْ الْكَرْمِ عُشْرَهَا مُشَاعًا بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ ثُمَّ يَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ حَتَّى إنَّ الشَّفِيعَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ إلَّا فِي عُشْرِهَا بِثَمَنِهِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ اشْتَرَى تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا كَانَ شَرِيكًا فِيهَا بِالْعُشْرِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْجَارِ أَوْ لِلْخَلِيطِ لِأَنَّ الشَّرِيكَ أَوْلَى مِنْهُمَا وَلَا يُحْتَالُ بِهَا لِلشَّرِيكِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ شَرِيكًا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ أَيْضًا بِقَلِيلِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلصَّغِيرِ فَإِنَّ بَيْعَ الْعُشْرِ مِنْهَا بِكَثِيرِ الثَّمَنِ جَائِزٌ وَبَيْعَ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ مَالِ الصَّغِيرِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ قَدْرِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ مَضَرَّةٌ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْعُشْرُ وَلَا يَجُوزُ فِي تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَحْتَالَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ فِي دَارِ الصَّغِيرِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ دَارِهِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ أَوْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ، ثُمَّ يَبِيعَ بَقِيَّةَ الدَّارِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْجَارِ وَالْخَلِيطِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ شَرِيكًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ الْبَقِيَّةِ بِنِصْفِ ثَمَنِهَا ا هـ غَايَةٌ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ تَرْجِعُ إلَى تَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ ، وَالْأُولَى إلَى الْإِبْطَالِ لِأَنَّ فِي

الْأُولَى لَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَ لِأَنَّ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ حَدِّ الشَّفِيعِ لَمْ يُبَعْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِثَمَنٍ ثُمَّ دَفَعَ ثَوْبًا عَنْهُ فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ لَا بِالثَّوْبِ ) لِأَنَّ الثَّوْبَ عِوَضٌ عَمَّا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْبَائِعُ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ بِعَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ تَعُمُّ الْجِوَارَ وَالشَّرِكَةَ لِأَنَّهُ يَبْتَاعُ الْعَقَارَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَيُعْطِيهِ بِهَا ثَوْبًا قِيمَتُهُ قَدْرُ قِيمَةِ الْعَقَارِ غَيْرَ أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ تَبْقَى الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي ثُمَّ بَرَاءَتُهُ كَانَتْ حَصَلَتْ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ بِثَمَنِ الْعَقَارِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَمَنُ الْعَقَارِ وَبَطَلَتْ الْمُقَاصَّةُ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّمَنُ كُلُّهُ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الثَّمَنِ الدَّنَانِيرَ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَقَارِ فَيَكُونُ صَرْفًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ إذَا اُسْتُحِقَّ الْعَقَارُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجِبُ رَدُّ الدَّنَانِيرِ لَا غَيْرُ وَالْحِيلَةُ الْأُولَى تَخْتَصُّ بِالْجَارِ وَهَذِهِ لَا ، وَحِيلَةٌ أُخْرَى تَعُمُّ الْجَارَ وَالشَّرِيكَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُوَفِّيَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرَ قِيمَةِ الْعَقَارِ إلَّا قَدْرَ قِيمَةِ الدِّينَارِ مَثَلًا فَيُعْطِيَهُ الدِّينَارَ بِالْبَاقِي فَيَصِيرَ صَرْفًا فِيهِ ، ثُمَّ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَشْفُوعُ يَرُدُّ مَا قَبَضَ كُلَّهُ فَغَيْرُ الدِّينَارِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْعَقَارِ الْمُسْتَحَقِّ وَالدِّينَارِ لِبُطْلَانِ الصَّرْفِ .

( قَوْلُهُ : قَدْرُ قِيمَةِ الْعَقَارِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِقَوْلِهِ : وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا ، نَحْوُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ وَيَنْقُدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَبِيعَ بِأَلْفٍ وَعَشَرَةٍ عَرَضًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَحَصَلَتْ الدَّارُ لِلْمُشْتَرِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي الْحَاصِلِ وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَالْأَفْضَلُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَ الْعَرَضِ دِينَارًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ هَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ حَتَّى إنَّ الدَّارَ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِمِثْلِ مَا أَعْطَاهُ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لِجَمِيعِ الشُّفَعَاءِ وَلَوْ كَانَ بَاعَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ عَرَضًا سِوَى الذَّهَبِ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَمَا ذَكَرْنَا فَعِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَيَكُونُ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي ) أَيْ وَهُوَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ مِنْ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ قَدْرِ ثَمَنِ الْعَقَارِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُشْتَرِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَبَطَلَتْ الْمُقَاصَّةُ ) أَيْ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَيَرُدُّ الدِّينَارَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : دَنَانِيرَ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الدَّنَانِيرَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْحِيلَةُ الْأُولَى تَخْتَصُّ بِالْجَارِ وَهَذِهِ لَا ) تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَالزَّكَاةِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهُوَ وَاجِبٌ ، وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ حَرَامٌ فَكَانَتْ مَكْرُوهَةً ضَرُورَةً وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَحْتَالُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْحِيلَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ مَشْرُوعَةٌ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَتَضَرَّرُ فِي ضِمْنِهِ ، ثُمَّ قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْوُجُوبِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْقَائِلُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَاسَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُكْرَهُ وَقِيلَ : لَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : الِاشْتِغَالُ بِالْحِيَلِ بِإِبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُشْتَرِي الْإِضْرَارَ بِهِ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ مِلْكِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَتُكْرَهُ عَلَى قِيَاسِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الزَّكَاةِ ، ثُمَّ الْحِيَلُ الَّتِي تُسْقِطُ الْوُجُوبَ هِيَ أَنْ يُعَوِّضَهُ فَيُسْقِطَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فَتَسْقُطَ شُفْعَتُهُ وَلَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْعِوَضُ أَوْ يَقُولَ لَهُ أَنَا أَبِيعُك إيَّاهُ ، أَوْ يَقُولَ لَهُ الْمُشْتَرِي : اشْتَرِهِ مِنِّي فَيَقُولَ الشَّفِيعُ نَعَمْ فَتَسْقُطَ بِهِ شُفْعَتُهُ وَكَذَا إذَا آجَرَهُ مِنْ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ الْحِيَلِ الَّتِي تَمْنَعُ الْوُجُوبَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِبَيْعِهَا ، أَوْ يُضَمِّنَهُ الدَّرَكَ ، أَوْ يَجْعَلَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ إلَيْهِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ إلَى غَيْرِ

ذَلِكَ مِنْ الْحِيَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ ، وَمِنْ الْحِيَلِ أَنْ يُؤْجِرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ شَيْئًا بِبَعْضِ الْعَقَارِ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ كَالثَّوْبِ مَثَلًا يُؤْجِرُهُ لِيَلْبَسَهُ الْبَائِعُ يَوْمًا بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الْعَقَارِ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَّكَهُ مِنْهُ جُزْءًا شَائِعًا صَارَ شَرِيكًا لَهُ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ فِيهِ شُفْعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ بِالْإِجَارَةِ وَلَا فِيمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ أَوْلَى وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لَا تَدْفَعُ إلَّا الْجَارَ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْحِيلَةُ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ كَانَتْ بَعْدَ الثُّبُوتِ أَوْ قَبْلَ الثُّبُوتِ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ اشْتَرِهِ مِنِّي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقٍّ وَاجِبٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا بَأْسَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّفِيعُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُكْرَهُ ) وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الشُّفْعَةَ سَبَبًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْحِيلَةَ بِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ لَوْ جَازَتْ لَمْ تُثْبِتْ شُفْعَةً أَبَدًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْوُجُوبِ ) أَيْ قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ يَعْنِي قَبْلَ الْبَيْعِ إذْ هِيَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْبَيْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ ) قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الشُّفْعَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الزَّكَاةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَا بَأْسَ بِهِ ) قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحِيَلِ : لَا بَأْسَ بِالْحِيَلِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَجُوزُ ، وَإِنَّمَا الْحِيلَةُ شَيْءٌ يَتَخَلَّصُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ الْحَرَامِ وَيَخْرُجُ بِهِ إلَى الْحَلَالِ فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَالَ الرَّجُلُ فِي حَقٍّ لِرَجُلٍ حَتَّى يُبْطِلَهُ أَوْ يَحْتَالَ فِي بَاطِلٍ حَتَّى يُمَوِّهَهُ أَوْ يَحْتَالَ فِي شَيْءٍ حَتَّى يُدْخِلَ فِيهِ شُبْهَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ الْحِيَلُ الَّتِي تُسْقِطُ الْوُجُوبَ هِيَ أَنْ يُعَوِّضَهُ ) كَأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ صَالَحْتُك عَلَى كَذَا كَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ تُسَلِّمَ لِي شُفْعَتَك فَإِذَا قَبِلَ الشَّفِيعُ الصُّلْحَ وَسَلَّمَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْمَالُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَخَذَ حَظُّ الْبَعْضِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي لَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا تَعَدَّدَ بِأَنْ اشْتَرَوْا جَمَاعَةٌ عَقَارًا وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ وَيَتْرُكَ الْبَاقِيَ ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ بِأَنْ بَاعَ جَمَاعَةٌ عَقَارًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَخْذِ نَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَبِعَيْبِ الشَّرِكَةِ وَهِيَ شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا تُشْرَعُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي ضَرَرًا زَائِدًا سِوَى الْأَخْذِ ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَقُومُ الشَّفِيعُ مَقَامَ أَحَدِهِمْ فَلَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَنْقُدَ الْجَمِيعَ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِينَ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكَمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا فَنَقَدَ الْبَعْضَ مِنْ الثَّمَنِ وَسَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ بَعْضٍ ثَمَنًا أَوْ سَمَّى لِلْكُلِّ جُمْلَةً ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ لَا لِاتِّحَادِ الثَّمَنِ وَاخْتِلَافِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ الْعَاقِدُ دُونَ الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَوْا لَهُ عَقَارًا وَاحِدًا بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَعَدِّدَةٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ وَلَوْ وَكَّلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا بِهِ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ

يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهِ فَيَتَّحِدُ بِاتِّحَادِهِ وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ ، ثُمَّ فِي الصَّحِيحِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ فَصَّلَ فَقَالَ إنْ أَخَذَ قَبْلَ الْقَبْضِ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْبَعْضِ مِنْهُ بِتَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَبَعْدَهُ لَا يَتَضَرَّرُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْجَمِيعَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الثَّمَنِ - عَلَى مَا بَيَّنَّا - فَلَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ : بِأَنْ اشْتَرَى جَمَاعَةٌ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ بَاعُوا جَمَاعَةٌ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَجَاءَ شَفِيعٌ لَهُمَا جَمِيعًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ زُفَرَ الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الدَّارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَتَعَلَّقَ حَقُّ الشَّفِيعِ بِهِمَا فَلَمْ يَمْلِكْ أَنْ يُفْرِدَ بِالْأَخْذِ بَعْضَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ دُونَ بَعْضٍ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ الْمُتَلَاصِقَتَيْنِ وَ الْمُتَفَارِقَتَيْنِ وَذَكَرَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا إذَا كَانَتَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ مِصْرَيْنِ فَهُوَ سَوَاءٌ ، وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ أَخْذَ إحْدَى الدَّارَيْنِ لَا يُؤَدِّي إلَى إضْرَارٍ بِالْمُشْتَرِي بِالشَّرِكَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَإِذَا كَانَ الشَّفِيعُ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَوَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي مَالِكٍ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الَّتِي تُجَاوِرُهُ بِالْحِصَّةِ وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَلِكَ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى دَارَيْنِ مُتَلَاصِقَتَيْنِ وَلَهُ جَارٌ يَلِي إحْدَاهُمَا قَالَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الَّتِي تَلِيهِ بِالشُّفْعَةِ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي الْأُخْرَى قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ

حَقَّ الشُّفْعَةِ تَعَلَّقَ بِإِحْدَى الدَّارَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى ، وَالصَّفْقَةُ إذَا جَمَعَتْ بَيْنَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَبَيْنَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّفْعَةُ أَخَذَ الشَّفِيعُ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ بِالْحِصَّةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَسَيْفًا صَفْقَةً وَاحِدَةً ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ) أَيْ دُونَ الْمَعْقُودِ لَهُ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ حَظَّ الْمُشْتَرِي بِقِسْمَتِهِ ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَخَذَ نَصِيبَ الْمُشْتَرِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِقِسْمَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِحُكْمٍ ، أَوْ بِالتَّرَاضِي ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ تَتِمُّ بِهَا حَتَّى صَحَّتْ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِلشُّيُوعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ قَبْضَهُ نَاقِصٌ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالشَّفِيعُ لَا يَنْقُضُ الْقَبْضَ لِيَجْعَلَ الْعُهْدَةَ عَلَى الْبَائِعِ فَكَذَا مَا يُتِمُّ الْقَبْضَ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَبْضَ بِجِهَةِ الْبَيْعِ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ فَكَمَا لَا يَمْلِكُ نَقْضَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ الْقَبْضِ الْمَوْجُودِ بِجِهَتِهِ وَلَا يُقَالُ الْقِسْمَةُ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالشَّفِيعُ يَمْلِكُ نَقْضَ تَصَرُّفَاتِهِ فَكَذَا نَقْضُ قِسْمَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ وَمُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ مِنْ رَدٍّ بِعَيْبٍ ، أَوْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا إفْرَازٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا إلَّا الْقَبْضُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مُبَادَلَةٌ تُمَلَّكُ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهَا إفْرَازٌ لَا تُمَلَّكُ فَلَا تُمَلَّكُ بِالشَّكِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَنْقُضَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي شَيْئًا ؛ لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ لِصُدُورِهَا عَنْ مَالِكٍ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ ، أَوْ آجَرَهُ يَطِيبُ لَهُ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ فِيهِ مِلْكٌ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ تَصَرُّفَاتٍ تُبْطِلُ حَقَّهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا ضَرَرَ فِي الْقِسْمَةِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ مَالِهِ حُكْمُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ

وَهُوَ الْقَبْضُ بِجِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ مِنْ الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَنْقُضُهُ الشَّفِيعُ كَمَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ نَقْضُ قِسْمَتِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ الْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِالشِّرَاءِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِ حَقِّهِ فَيَأْخُذُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِطْلَاقُ الْكِتَابُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَقَعُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ .( قَوْلُهُ : أَوْ بِالتَّرَاضِي ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِسْمَةَ إذَا كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ وَإِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْعَبْدِ الْمَدْيُونِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَيِّدِهِ كَعَكْسِهِ ) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ رَجُلٌ دَارًا وَلِلْبَائِعِ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ وَكَذَا عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْبَائِعَ فَلِمَوْلَاهُ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ جَائِزٌ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ لِلْعَبْدِ لِكَوْنِ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ ، أَوْ لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَحَقَّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْعَبْدُ بَائِعٌ لِأَنَّ بَيْعَهُ لِمَوْلَاهُ وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بِيعَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِأَنَّهُ اُبْتِيعَ لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ .قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلِلْعَبْدِ الْمَدْيُونِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَإِذَا بَاعَ الْمَوْلَى دَارًا وَمُكَاتَبُهُ شَفِيعُهَا فَلَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْأَجَانِبِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ ، فَكَانَ أَخْذُهُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ مُفِيدًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا لِمَوْلَاهُ بَلْ لِنَفْسِهِ فَكَانَ مُفِيدًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِكَوْنِ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَحَقَّ بِهِ ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ " .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : لَا يَجُوزُ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ ، أَوْ بَلَغَ الْخَبَرُ الْمُوَكِّلَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بُطْلَانُ الشُّفْعَةِ بِسُكُوتِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ لِزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ أَنَّ هَذَا إبْطَالٌ لِحَقِّ الصَّبِيِّ فَلَا يَصِحُّ كَالْعَفْوِ عَنْ قَوَدِهِ ، وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ ، وَإِبْرَاءِ غَرِيمِهِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ تَصَرُّفِهِمَا نَظَرِيَّةٌ وَالنَّظَرُ فِي الْأَخْذِ مُتَعَيَّنٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَكَانَ فِي إبْطَالِهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ بَلْ عَيْنُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَتَرْكُ الْأَخْذِ بِهَا تَرْكُ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا يَمْلِكُ تَرْكَ التِّجَارَةِ بِرَدِّ الْبَيْعِ عِنْدَمَا يُقَالُ لِلْأَبِ بِعْتُك هَذَا الْمَالَ لِابْنِك الصَّغِيرِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَفِي الْأَوَّلِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ فَيُحْمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ أَنْفَعَ بِإِبْقَاءِ الثَّمَنِ عَلَى مِلْكِ الصَّغِيرِ فَيَمْلِكُهُ كَالْأَخْذِ بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ وَأُخْتَيْهِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ غَيْرُ مُتَرَدِّدٍ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُنَا بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ وَهُوَ الثَّمَنُ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا لِأَنَّ السُّكُوتَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَهَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا ، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا لَا

يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ قِيلَ جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ مُتَعَيَّنٌ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا بِمُحَابَاةٍ كَثِيرَةٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ تَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَفِي الْكَافِي قَالَ : ذُكِرَ فِي الْحَصْرِ وَالْمُخْتَلَفِ إذَا سَلَّمَ الْأَبُ شُفْعَةَ الصَّغِيرِ - وَالشِّرَاءُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِكَثِيرٍ - فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ إدْخَالِهِ فِي مِلْكِهِ لَا إزَالَةٌ عَنْ مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ بِمَالِهِ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ تَسْلِيمَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ شُفْعَةَ الصَّغِيرِ جَائِزًا فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْلَى وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْأَبَ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ ، وَفِي الشِّرَاءِ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَبْنٌ فَكَذَا فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي هَذَا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ لِلصَّغِيرِ نَفْعٌ

ظَاهِرٌ حَتَّى إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ فِي الْأَبِ ، وَالْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الشِّرَاءِ ، وَفِي الْبَيْعِ أَقَلَّ وَفِي الْأَبِ يَجُوزُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا فَكَذَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ كَيْفِيَّةُ طَلَبِهِ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت وَأَخَذْت بِالشُّفْعَةِ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ وَلَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكَ الصَّغِيرِ ، أَوْ مِلْكَ نَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِلصَّغِيرِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ مَنْ بَاعَ ، أَوْ بِيعَ لَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَلِلصَّغِيرِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ إذَا بَلَغَ فِيمَا إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ لَا مَالَ الصَّغِيرِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الشِّرَاءِ غَبْنٌ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ إذَا بَلَغَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِلصَّغِيرِ فَلَا تَبْطُلَ شُفْعَةُ الصَّغِيرِ بِسُكُوتِهِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لِمَالِ الصَّغِيرِ وَصِيَّ الْقَاضِي كَانَ لِوَصِيِّ الْمَيِّتِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَائِعٍ فَلَا يَمْتَنِعُ وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَالْمُرَادُ بِهِ هَهُنَا الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَتَسْلِيمُهُ الشُّفْعَةَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا سُكُوتُهُ إعْرَاضٌ بِالْإِجْمَاعِ ، ثُمَّ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِضِدِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فَأَبْرَأَهُ الْوَكِيلُ عَنْ الدَّيْنِ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا شِرَاءٌ

، وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ فَكَذَا هَذَا لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الشُّفْعَةَ ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ هُوَ وَكِيلٌ مُطْلَقًا فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ مُطْلَقًا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ إنَّ الْوَكِيلَ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْخُصُومَةُ إلَّا فِي مَجْلِسِهِ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا هُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ فِي إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَلَوْ أَقَرَّ هَذَا الْوَكِيلُ وَهُوَ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنَّهُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْخُصُومَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَهِيَ مَسْأَلَةُ إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ الْوَكَالَةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا ) لَعَلَّهُ " وِلَايَتَهُمَا ( قَوْلُهُ : جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ ) أَيْ بِلَا خِلَافِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِتَمَحُّضِهِ ضَرَرًا لِلصَّبِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْأَصَحُّ ) كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ ) فَبَقِيَ الصَّبِيُّ عَلَى حَقِّهِ إذَا بَلَغَ وَصَارَ الْوَلِيُّ كَالْأَجْنَبِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ ) لَفْظُ " ذَكَرَ " لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ ) أَيْ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ ا هـ

( كِتَابُ الْقِسْمَةِ ) وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ كَالْقُدْوَةِ لِلِاقْتِدَاءِ وَالْأُسْوَةِ لِلِائْتِسَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ ) وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَسَبَبُهَا طَلَبُ الشُّرَكَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِهِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مُنْتَفِعٌ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ فَالطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ فَيَجِبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُجِيبَهُ إلَيْهِ ، وَرُكْنُهَا هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدِّ وَالذَّرْعِ وَشَرْطُهَا أَنْ لَا تَفُوتَ الْمَنْفَعَةُ بِالْقِسْمَةِ فَإِذَا كَانَتْ تَفُوتُ بِهَا مَنْفَعَتُهُ لَا يُقْسَمُ جَبْرًا كَالْبِئْرِ وَالرَّحَا وَالْحَمَّامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا أَدَّتْ إلَى فَوَاتِهَا لَمْ يُجْبَرْ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } وَبِالسُّنَّةِ ؛ لِأَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاشَرَهَا فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ } وَعَلَى جَوَازِهَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِأَنَّ فِيهِ إنْصَافَ الشُّرَكَاءِ ، وَإِظْهَارَ الْعَدْلِ بِإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَكَانَ وَاجِبًا وَحُكْمُهَا تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ .

( كِتَابُ الْقِسْمَةِ ) مُنَاسَبَةُ الْقِسْمَةِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ نَتَائِجِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَقْوَى أَسْبَابِ الشُّفْعَةِ الشَّرِكَةُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ، وَتَقْدِيمُ الشُّفْعَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ لِمَا أَنَّ التَّمَلُّكَ بِالشُّفْعَةِ رُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْقِسْمَةِ وَالسَّبَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُسَبَّبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ) أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } وَإِنَّمَا يُعْلَمُ الْخُمُسُ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بِالْقِسْمَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَشْتَمِلُ عَلَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمِثْلِيِّ فَيَأْخُذُ حَظَّهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ ، وَهِيَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَأْخُذُ ) أَيْ الْقِسْمَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْمُبَادَلَةِ : وَالتَّمْيِيزُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ حَتَّى كَانَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ ، وَالْمُبَادَلَةُ هِيَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ كَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ حَتَّى لَا يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ عَلَى النَّصِيبَيْنِ فَكَانَ نِصْفُهُ مِلْكَهُ وَلَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فَكَانَ إفْرَازًا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ عِوَضًا عَمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ نَصِيبِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً ضَرُورَةً إلَّا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمْيِيزِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ أَظْهَرُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَبْعَاضِهِ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِثْلُ حَقِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ عَيْنَ حَقِّهِ وَلِهَذَا جُعِلَ عَيْنَ حَقِّهِ فِي الْقَرْضِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا صَحَّ فِي الْقَرْضِ لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَلَا فِي السَّلَمِ وَالصَّرْفِ لِحُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِيهِمَا وَكَذَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ جُعِلَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الْجَبْرُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَهُ لَمَا جَرَى إذْ لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَكَذَا جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا اشْتَرَيَاهُ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي

غَيْرِ الْمِثْلِيِّ أَظْهَرُ لِلتَّفَاوُتِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ لِعَدَمِ الْمُعَادَلَةِ بَيْنَهُمَا بِيَقِينٍ فَلَا يُمْكِنُ إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْمِثْلِيِّ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أُجْبِرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَفِيهَا تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْمَقَاصِدُ مُتَقَارِبَةٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ .( قَوْلُهُ : فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ عَيْنَ حَقِّهِ ) أَيْ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي تَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ وَالْأَغْرَاضِ بِهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ كَانَا اشْتَرَيَاهُ ) أَيْ ثُمَّ اقْتَسَمَاهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً ) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

وَجَازَ الْإِجْبَارُ عَلَيْهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ ، وَالْمُبَادَلَةُ قَدْ يَجْرِي فِيهَا الْإِجْبَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ عَيْنَ الدَّيْنِ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَأَنْ يَمْنَعَ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْإِفْرَازِ فِيهَا فَكَانَتْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا جَبْرَ فِيهَا مَعَ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ ، وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُجْبَرُ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لَا فِي غَيْرِهِ ) أَيْ إذَا طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ، أَوْ لَا وَلَا يُجْبَرُ فِي غَيْرِ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ كَالْغَنَمِ مَعَ الْإِبِلِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى .

( قَوْلُهُ : سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ لَا ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْقِسْمَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قِسْمَةٌ لَا يُجْبَرُ الْآبِي كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ، وَالْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ خِيَارُ شَرْطٍ وَخِيَارُ عَيْبٍ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ فَفِي قِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ أَجْمَعَ وَفِي قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ ، وَفِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَثْبُتُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَثْبُتُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، قَوْلُهُ : يَثْبُتُ الْخِيَارُ أَجْمَعَ أَقُولُ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَقَوْلُهُ : فِي الْقِسْمَةِ الثَّانِيَةِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ أَقُولُ إنَّمَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِهِمَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَفِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالِاتِّفَاقِ وَيَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ قُلْت وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَإِنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ غَالِبٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنُدِبَ نَصْبُ قَاسِمٍ - رِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ - لِيَقْسِمَ بِلَا أَجْرٍ ) ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى الْعَامَّةِ كَمَنْفَعَةِ الْقُضَاةِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَالْمُفْتِينَ فَتَكُونُ كِفَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِمَصَالِحِهِمْ كَنَفَقَةِ هَؤُلَاءِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا نُصِبَ قَاسِمٌ يَقْسِمُ بِأَجْرٍ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ ) أَيْ إنْ لَمْ يُنْصَبْ قَاسِمٌ رِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ نُصِبَ قَاسِمٌ يَقْسِمُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ حَقِيقَةً حَتَّى جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ عَلَى الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَمُبَاشَرَةُ الْقَضَاءِ فَرْضٌ عَلَيْهِ ، وَيُقَدِّرُ لَهُ الْقَاضِي أَجْرَ مِثْلِهِ كَيْ لَا يَطْمَعَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَرْوَجُ وَأَرْفَقُ بِالْعَامَّةِ وَأَبْعَدُ عَنْ تُهْمَةِ مُوَاضَعَةِ الْقَاضِي مَعَ الْقَاسِمِ ، وَقَوْلُهُ " بِعَدَدِ الرُّءُوسِ " أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَلَا تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .( قَوْلُهُ : وَأَبْعَدُ عَنْ تُهْمَةٍ مُوَاضَعَةٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ ا هـ أَيْ تُهْمَةِ الْمَيْلِ إلَى أَحَدِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ لِسَبَبِ مَا يُعْطِيهِ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ زِيَادَةً قَالَهُ السَّيِّدُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ بِالْأَمَانَةِ وَالْعِلْمِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَتَعَيَّنُ قَاسِمٌ وَاحِدٌ ) لِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَهِيَ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا جَبْرَ فِيهِمَا وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَهِيَ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ فَتَجُوزُ بِالتَّرَاضِي كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّحْكِيمِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَنْفُذُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ .( قَوْلُهُ : وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا ) أَيْ بِلَا قَاسِمِ الْقَاضِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : جَازَ ) أَيْ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ ) أَيْ فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ بِتَرَاضِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الصَّغِيرِ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَ مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَحْتَ قَوْلِهِ : صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ غَائِبٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَشْتَرِكُ الْقُسَّامُ ) أَيْ يَمْنَعُهُمْ الْقَاضِي مِنْ الِاشْتِرَاكِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ النَّاسُ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَصِيرُ بِذَلِكَ غَالِيَةً ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا يَتَوَاكَلُونَ وَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرِكَةِ يَتَبَادَرُونَ إلَيْهَا خَشْيَةَ الْفَوْتِ فَيَرْخُصُ الْأَجْرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ثُمَّ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ الْمُشْتَرَكِ وَنَفَقَةِ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَكِ وَكَبِنَاءِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَتَطْيِينِ السَّطْحِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَمَنْفَعَةُ نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَهَذَا نَظِيرُ زَوَائِدِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ لَمَّا كَانَ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرَ كَانَتْ مُؤْنَةُ الْعَيْنِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ ، وَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ بِاعْتِبَارِ كُسُورٍ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَمْيِيزُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ إلَّا بِمَا يَفْعَلُهُ فِيهِمَا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِفْرَازِ وَاقِعٌ لَهُمَا جُمْلَةً بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ - وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ - وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يُرَدُّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ فَالْأُجْرَةُ مُقَابَلَةٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا بِالتَّمْيِيزِ ، وَعَمَلُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ يَتَفَاوَتُ وَلَوْ أَطْلَقْنَا الْجَوَابَ وَلَمْ نُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَيْلُ

وَالْوَزْنُ لِلْقِسْمَةِ ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَأَوْجَبْنَا فِي الْكُلِّ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ كَانَ الْعُذْرُ لَهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ فَلَا يَلْزَمُهُ ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ، وَمَالَ بَعْضُهُمْ إلَى الْأَوَّلِ فَأَوْجَبَ الْأَجْرَ عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ ، وَإِلَّا فَعَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ وَفِي الْحَمْلِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالنَّقْلِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ التَّمْيِيزِ ، وَفِي الْغَسْلِ مُقَابَلٌ بِالتَّنْظِيفِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ وَبِخِلَافِ النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهَا لِإِبْقَاءِ الْمِلْكِ فَتَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهِ وَفِي الْبِنَاءِ وَالتَّطْيِينِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِنَفْسِ الْبِنَاءِ وَالتَّطْيِينِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِالْمَكَانِ بِخِلَافِ التَّمْيِيزِ ، وَالزَّوَائِدُ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْمِلْكِ فَتُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الطَّالِبِ لِلْقِسْمَةِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِالْقِسْمَةِ دُونَ الْآخَرِ .

قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا يَتَوَاكَلُونَ ) التَّوَاكُلُ أَنْ يَكِلَ بَعْضُهُمْ الْأَمْرَ إلَى الْبَعْضِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ الْبَصْرِيُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ ا هـ عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَالُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ سُدُسُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ نِصْفُهُ فَأُجْرَةُ الْقَسَّامِ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَسْدَاسًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بِاعْتِبَارِ كُسُورٍ فِيهِ ) فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِأَنَّ فِي صُعُوبَةِ كُلٍّ خَفَاءً فَاعْتُبِرَ أَصْلُ التَّمْيِيزِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ كَمَا فِي السَّفَرِ لَمَّا كَانَ فِي الْمَشَقَّةِ خَفَاءٌ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى نَفْسِ السَّفَرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَلْزَمُهُ ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَنْصِبَاءِ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى عَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُقْسَمُ الْعَقَارُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ حَتَّى يُبَرْهِنُوا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَا يُقْسَمُ بِاعْتِرَافِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْإِقْرَارُ دَلِيلُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْمَوْرُوثُ مَنْقُولًا أَوْ كَانَ الْعَقَارُ مُشْتَرًى وَهَذَا لِأَنَّهُمْ لَا مُنْكِرَ لَهُمْ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا تُفِيدُ الْبَيِّنَةُ بِلَا إنْكَارٍ لَكِنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ حَتَّى لَا يَعْتِقَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَلَا مُدَبَّرُوهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ مَوْتِهِ فِي حَقِّهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِبَيِّنَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ ؛ إذْ التَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَنْفُذُ وَصَايَاهُ فِيهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، وَإِذَا كَانَ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ مِنْهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِجَعْلِ أَحَدِهِمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ نَائِبٌ عَنْهُ ، وَإِقْرَارُ الْخَصْمِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ إذَا كَانَ فِي قَبُولِهَا فَائِدَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى مَيِّتٍ دَيْنًا فَأَقَرَّ الْوَارِثُ بِذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ وَيُزَاحِمَ الْغُرَمَاءَ وَلَا كَذَلِكَ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي حَقِّهِ خَاصَّةً وَكَذَا الْجَوَابُ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَارِثِ وَصِيٌّ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ نَظَرًا ؛

لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَفِي الْقِسْمَةِ حِفْظُهُ وَجَعْلُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ فَتَعَيَّنَتْ الْقِسْمَةُ إذْ الْقَاضِي نَصَبَ نَاظِرًا وَالْعَقَارُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْقَبْضِ عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ ثُبُوتٍ وَبِخِلَافِ الْعَقَارِ الْمُشْتَرَى ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْعَقَارَ الْمُشْتَرَى أَيْضًا لَا يُقْسَمُ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْقِسْمَةِ فَسَوَّى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرَى وَالْمَوْرُوثِ وَالْفَرْقُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَوْرُوثِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ وَلَا تَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْبَائِعِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ .

( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَخْ ) وَتُقْضَى مِنْهَا الدُّيُونُ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَمْ يُسَلَّمْ كُلُّهُ لَهُ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَيِّتِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِمَنْ وَقَعَ فِي قَسْمِهِ فَإِذَا تَعَدَّى التَّصَرُّفُ إلَى الْمَيِّتِ بِقَطْعِ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْمَوْرُوثِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ لِحِفْظِ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا هَلَاكَ فِي الْعَقَارِ ا هـ غَايَةٌ ( فَرْعٌ ) التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لَكِنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَةٍ فِي الشَّرْحِ ا هـ ( فَرْعٌ آخَرُ ) الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ شَجَرَةً فَأَثْمَرَتْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ ا هـ بَدَائِعُ فِي الْقِسْمَةِ ( قَوْلُهُ : لَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَارِثِ وَصِيٌّ ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ يَدَّعِيهِ إنْسَانٌ يُكَلَّفُ الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ وَيَكُونُ الْوَصِيُّ خَصْمًا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَدَعْوَى الْمِلْكِ ) أَيْ يُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَفِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفِيَّةَ انْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى فَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَالْفَرْقِ وَأَمَّا فِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِمْ فَيَجُوزَ وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِمَا ، ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تَكُونُ إمَّا لِحَقِّ الْمِلْكِ تَتْمِيمًا لِلْمَنْفَعَةِ ، أَوْ لِحَقِّ الْيَدِ تَتْمِيمًا لِلْحِفْظِ فَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِكَوْنِهَا مُحَصَّنَةً بِنَفْسِهَا .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَيُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقْسِمَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَقَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فِيهِ حَقٌّ مُلِّكَ فَقُسِمَ بِقَوْلِهِمْ ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ وَادَّعَوْا انْتِقَالَهُ إلَيْهِمْ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَوْا الْمِيرَاثَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ تَقْتَضِي الْحُكْمَ بِالْمَوْتِ وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حُلُولُ الدَّيْنِ وَعِتْقُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِقَوْلِ الْوَارِثِ فَلِهَذَا لَمْ يُحْكَمْ فِي الْمِيرَاثِ بِقَوْلِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ ) يَعْنِي لَمْ يُذْكَرْ سَبَبُ الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ فَقُبِلَ قَوْلُهُمْ فِي الْقِسْمَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ ) أَيْ مِنْ الْمَبْسُوطِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ هُوَ إلَخْ ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ : لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لَا قَوْلُهُ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِيرَاثِ لَا يُقْسَمُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ وَهَذَا الْعَقَارُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ

مَوْرُوثًا وَغَيْرَ مَوْرُوثٍ فَلَا يُقْسَمُ احْتِيَاطًا وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ فِي الْمَوْرُوثِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَهَهُنَا أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ هُوَ ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَرْهَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي أَيْدِيهِمَا لَمْ يُقْسَمْ حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهُ لَهُمَا ) أَيْ لَوْ أَقَامَ رَجُلَانِ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَقَارَ فِي أَيْدِيهِمَا وَطَلَبَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا لَا يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَقَارَ مِلْكُهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ لِغَيْرِهِمَا وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِهَا قُبَيْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا أَنْ يَدَّعُوا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُمْ - وَهُوَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ - وَشَرَطَ هَهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَذَا وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ كَذَا ؛ لِأَنَّ الصُّوَرَ مُتَّحِدَةٌ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا رَأَيْت ، وَفِي مِثْلِهِ تُبَيَّنُ الرِّوَايَتَانِ وَلَا يَذْكُرُونَ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ إلَّا ذِكْرُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ ، وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ ، أَوْ صَبِيٌّ قُسِمَ وَنُصِبَ وَكِيلٌ أَوْ وَصِيٌّ يَقْبِضُ نَصِيبَهُ ) أَيْ وَكِيلٌ يَقْبِضُ نَصِيبَ الْغَائِبِ أَوْ وَصِيٌّ يَقْبِضُ نَصِيبَ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ فِي نَصْبِهِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بِقَوْلِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ هُنَا ، وَيُشْهِدُ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِاعْتِرَافِ الْحَاضِرِينَ فَإِنَّ الصَّغِيرَ أَوْ الْغَائِبَ عَلَى حُجَّتِهِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ إلَخْ ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي يَدِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يَقْسِمْهَا وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ وَغَابَ أَحَدُهُمْ ، أَوْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يُقْسَمْ ) أَيْ لَمْ يُقْسَمْ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مَعَ غَيْبَةِ بَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَمَّا إذَا كَانُوا مُشْتَرِينَ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ فَلَا يَصْلُحُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ مِلْكُ خِلَافَةٍ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ فِيمَا بَاعَهُ هُوَ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرِّثِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمِينَ وَصَحَّ الْقَضَاءُ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَفِي الشِّرَاءِ قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ غَائِبٍ فَلَا تُقْبَلُ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ فَلِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِخْرَاجِ الشَّيْءِ مِنْ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ فِي يَدِهِ وَالْبَاقِي فِي يَدِ الْحَاضِرِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ مُودَعِهِ أَوْ فِي يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ ، أَوْ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ أَوْ الصَّغِيرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ يُقْسَمُ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُونَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِإِثْبَاتِ وِلَايَةِ الْقَاضِي فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَتُقْبَلُ وَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَنْتَصِبُونَ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيَنْتَصِبُ بَعْضُهُمْ خَصْمًا عَنْ بَعْضٍ وَقَلَّمَا يَكُونُ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ حُضُورًا فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ

لَتَضَرَّرُوا وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ فَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا فَكَذَا لَا يَصْلُحُ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ شَخْصَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ بِخَصْمٍ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ ، وَإِنْ كَانَ خَصْمًا عَنْهُمَا فَلَيْسَ أَحَدٌ يُخَاصِمُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنْصَبُ عَنْ الْغَائِبِ خَصْمًا وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَيَقْسِمُ الدَّارَ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُبْقَاةً عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ صَارَتْ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نَصِيبِهِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَالِبًا لِلِارْتِفَاقِ فِي نَصِيبِهِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُ وَلَئِنْ جَازَ لِلْقَاضِي نَصْبُ الْوَصِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَعْوَى عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَعْوَى عَلَى شُرَكَائِهِ الْغُيَّبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ الْأَوْصِيَاءَ عَنْ الْمَوْتَى لَا عَنْ الْأَحْيَاءِ وَإِذَا تَعَذَّرَ نَصْبُ الْوَصِيِّ وَالْوَاحِدُ لَا يَصْلُحُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ سَائِرِ الشُّرَكَاءِ وَأَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ تَعَذَّرَ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ وَلَوْ كَانَ الْحَاضِرُ صَغِيرًا وَكَبِيرًا نَصَبَ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ وَصِيًّا وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى الصَّبِيِّ

الْحَاضِرِ صَحِيحَةٌ كَالْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْجَوَابِ فَيَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْهُ وَصِيًّا لِيُجِيبَ عَنْهُ خَصْمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصَّغِيرُ غَائِبًا لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَالْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ كَبِيرٌ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي الدَّارِ وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ يُقْسَمُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ فِي الدَّارِ فَصَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَانْتَصَبَ هُوَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ ، وَالْوَارِثُ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَضَرَ وَارِثَانِ وَلَوْ حَضَرَ الْمُوصَى لَهُ وَحْدَهُ وَادَّعَى لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يُقْسَمُ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْ الْمَيِّتِ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ .قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ ( قَوْلُهُ : إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُونَ الْبَيِّنَةَ إلَخْ ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْغَائِبِ أَوْ فِي يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِيرَاثِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقُسِمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ لَوْ انْتَفَعَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ ) لِأَنَّ فِيهَا تَكْمِيلَ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ حَقًّا لَهُمْ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَضَرَّرَ الْكُلُّ لَمْ يُقْسَمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ ) وَذَلِكَ مِثْلُ الْبِئْرِ وَالرَّحَا وَالْحَائِطِ وَالْحَمَّامِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ مُتَعَنِّتٌ وَهُوَ يُرِيدُ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ الْحَاكِمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ بَلْ بِمَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَهُمْ أَعْرَفُ بِحَاجَتِهِمْ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ ، وَإِنْ طَلَبُوا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ إضْرَارٌ أَوْ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْنَعُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ فِي الْحُكْمِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ انْتَفَعَ الْبَعْضُ وَتَضَرَّرَ الْبَعْضُ لِقِلَّةِ حَظِّهِ قُسِمَ بِطَلَبِ ذِي الْكَثِيرِ فَقَطْ ) أَيْ صَاحِبِ الْكَثِيرِ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَهَذَا مِنْهُ طَلَبُ الْحَقِّ وَالْإِنْصَافِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِإِيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا وَدَفْعِ الْمَظَالِمِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَضَرُّرُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَحِقَهُ بِالْمَنْعِ ضَرَرٌ وَلَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَا

يُجِيبُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يُفِيدُ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى عَكْسِهِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُرِيدُ الْإِضْرَارَ بِغَيْرِهِ ، وَالْآخَرَ رَاضٍ بِضَرَرِ نَفْسِهِ فَيُجِيبُهُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ إنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ الْقِسْمَةَ فَقَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُ الْكَثِيرِ فَقَدْ طَلَبَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَصِيبِهِ فَيُجِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَفِي طَلَبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَى إضْرَارِ أَنْفُسِهِمْ ، وَفِي طَلَبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ ذَلِكَ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : لَا يَقْسِمُ بِطَلَبِ الْبَعْضِ إلَّا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَتَحْصِيلُهَا لَا تَفْوِيتُهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَنْفَعَةِ ، وَإِذَا أَدَّتْ الْقِسْمَةُ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْبَعْضِ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى ضَرَرٍ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ كُلُّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ وَكَمَا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ قُلْنَا إنَّ طَالِبَ الْقِسْمَةِ يَطْلُبُ حَقَّهُ وَأَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِهِ وَيُمْنَعَ غَيْرُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إيصَالُ حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِمَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا يُعَدُّ ضَرَرًا فَلَا يُبَالَى بِهِ وَلَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الضَّرَرِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ لَمَا وَصَلَ أَحَدٌ إلَى حَقِّهِ .

قَوْلُهُ : كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ ) يَعْنِي فِي أَدَبِ الْقَاضِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَصَحُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَا عَنْ تَعَنُّتٍ ، وَالتَّعَنُّتُ طَلَبُ الْعَنَتِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ : وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ طَلَبَا الْقِسْمَةَ جَمِيعًا وَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ وَلَيْسَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمَا وَقَدْ تَرَاضَيَا بِهَذَا الضَّرَرِ ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ لَمْ يَقْسِمْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَعَنِّتٌ مُضِرٌّ بِالْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ يَدْخُلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَ نَصِيبُهُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، وَنَصِيبُ الْآخَرِ كَثِيرٌ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَطَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَالْقَاضِي يَقْسِمُ ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ وَأَبَى الْآخَرُ لَا يَقْسِمُ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ يَعْنِي فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَصَحُّ وَذَكَرَ فِي قِسْمَةِ الْوَاقِعَاتِ : دَارٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لِأَحَدِهِمَا كَثِيرٌ وَالْآخَرِ قَلِيلٌ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ وَأَبَى صَاحِبُ الْقَلِيلِ قُسِمَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ وَأَبَى صَاحِبُ الْكَثِيرِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يُقْسَمُ ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَجَعَلَ هَذَا قَوْلَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي

مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يُقْسَمُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْحَاكِمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا أَمْنَعُ الْقِسْمَةَ إذَا كَانَ الضَّرَرُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ قَسَمْته أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقْسَمُ الْعُرُوض مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ مُمْكِنٌ عَنْ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فِيهِ فَيَقَعُ تَمْيِيزًا فَيَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِجْبَارَ عَلَيْهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُقْسَمُ جِنْسَانِ وَالْجَوَاهِرُ وَالرَّقِيقُ وَالْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَا إلَّا بِرِضَاهُمْ ) أَمَّا الْجِنْسَانِ فَلِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً فَيُعْتَمَدُ التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ إجْبَارَهُ عَلَيْهَا عَلَى اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ فَلِأَنَّ جَهَالَتَهَا مُتَفَاحِشَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا يَصْلُحُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَقِيلَ لَا تُقْسَمُ الْكِبَارُ مِنْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ وَتُقْسَمُ الصِّغَارُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَقِيلَ إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهَا لَا تُقْسَمُ ، وَإِنْ اتَّحَدَ تُقْسَمُ كَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ .

وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجُوزُ قِسْمَةُ الرَّقِيقِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَلِهَذَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ فِي الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَصَحَّ تَسْمِيَتُهُ فِي النِّكَاحِ مَهْرًا وَنَحْوَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الرَّقِيقِ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكِيَاسَةِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْأَمَانَةِ وَيُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ وَيُحْسِنُ التِّجَارَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّنَائِعِ كَالْكِتَابَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَاحِدٍ فَتَعَذَّرَ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ فَلَا تَكُونُ قِسْمَةٌ ، وَإِنَّمَا هِيَ مُبَادَلَةٌ وَلَا جَبْرَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا لَا يَخْتَلِفُ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا وَذَلِكَ مُغْتَفَرٌ فِي الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدَيْنِ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَتَبَيَّنْ الرِّبْحُ وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَتَبَيَّنَ كَالثَّوْبَيْنِ وَالْفَرَسَيْنِ وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ تَجْرِي فِي الْأَجْنَاسِ فَلَا تَلْزَمُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبِيعَ الْغَنَائِمَ وَيَقْسِمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ وَفِي غَيْرِ الْغَنَائِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِلْكَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَامْتَنَعَ الْقِسْمَةُ فِيهِ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ وَحْدَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ وَهُمْ ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُخْتَلِطِينَ

بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا يُقْسَمْ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَا يُقْسَمُ الْجِنْسَانِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ مِمَّا يُقْسَمُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الرَّقِيقِ تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَيُجْبِرُهُمْ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْبَعْضِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَدْخُلُ تَبَعًا ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ دُخُولُهُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ تَبَعًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَأَمَّا الْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَا فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إلْحَاقِ الْإِضْرَارِ بِالْكُلِّ .قَوْلُهُ : أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ ) فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لَا يُقْسَمُ فِي قَوْلِهِمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ ا هـ قَاضِيخَانْ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ ، أَوْ دَارٌ وَضِيعَةٌ ، أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ ) أَمَّا الدُّورُ الْمُشْتَرَكَةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تُقْسَمُ الدُّورُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ إذَا كَانَتْ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَصْلَحَ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الدُّورَ جِنْسٌ وَاحِدٌ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَأَصْلُ السُّكْنَى أَجْنَاسٌ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَتَفَاوُتِ مَنْفَعَةِ السُّكْنَى بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فَكَانَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمُعَادَلَةِ فِيهَا وَفِي الْمَالِيَّةِ ، وَالْمَقْصُودُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الشُّرَكَاءِ ، وَإِذَا قُسِمَ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ ، وَإِذَا قُسِمَ الْكُلُّ قِسْمَةً وَاحِدَةً يَجْتَمِعُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَيَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَالْقَاضِي نُصِبَ نَاظِرًا فَكَانَ الرَّأْيُ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الدُّورَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْقُرْبِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمَاءِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي دَارٍ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ دَارٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَا التَّزَوُّجُ بِهَا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَفِي التَّزَوُّجِ عَلَى ثَوْبٍ وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ .

وَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ فَيُقْسَمُ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ مُتَقَارِبٍ كَالْقَمْحِ يُقْسَمُ بِانْفِرَادِهِ وَكَذَا الشَّعِيرُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ وَكَذَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ يُقْسَمُ كُلُّ جِنْسٍ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ وَلَا يُجْمَعُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الثِّيَابُ الْهَرَوِيَّةُ وَالْمَرْوِيَّةُ وَتِبْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْأَوَانِي مِنْهَا يُقْسَمُ كُلُّ جِنْسٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتِلَافُ بُيُوتِ دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ ؛ لِأَنَّ فِي قِسْمَةِ كُلِّ بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ ضَرَرًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ مَحَالَّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الضَّرَرِ ، وَالتَّفَاوُتُ أَيْضًا يَسِيرٌ بِخِلَافِ الدُّورِ وَالْمَنَازِلِ الْمُتَلَازِقَةِ كَالْبُيُوتِ وَالْمُتَبَايِنَةِ كَالدُّورِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ فَأَخَذَ شَبَهًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالدُّورُ فِي مِصْرَيْنِ لَا تُقْسَمُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا رَوَاهُ هِلَالٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا تُقْسَمُ وَأَمَّا الدُّورُ وَالضَّيْعَةُ أَوْ الدُّورُ وَالْحَانُوتُ فَلِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ فِي إجَارَةِ الْأَصْلِ إنَّ إجَارَةَ الدَّارِ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ، أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا فِيهَا عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ .

( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ ) قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي إنْ كَانَتْ دَارٌ وَأَرْضٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ لَمْ يُجْمَعْ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ وَقُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى حِدَتِهِ ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْخَصَّافِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا خُصَّ الْخَصَّافُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ وَلَا ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَيْهِمَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ) أَيْ فَإِذَا كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا يُقْسَمَانِ قِسْمَةً وَاحِدَةً .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُهُ ) أَيْ عَلَى قِرْطَاسٍ لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَعْدِلُهُ ) أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ ، وَيُرْوَى وَيَعْزِلُهُ أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَذْرَعُهُ وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ ) ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمِسَاحَةِ يُعْرَفُ بِالذَّرْعِ ، وَالْمَالِيَّةِ بِالتَّقْوِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا لِيُمْكِنَهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ الْأَرْضِ وَذَرْعِ الْبِنَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَبِهِ تَكْمُلُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْرِزْ يَبْقَى لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ فَلَمْ يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ فَإِنْ لَمْ يُفْرِزْهُ ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ وَيَكْتُبُ أَسَامِيَهُمْ وَيُقْرِعُ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي ) فَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ حَتَّى لَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ بِلَا قُرْعَةٍ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكُ الْإِلْزَامَ ، وَلَقَّبَ الْأَنْصِبَاءَ لَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِلْزَامِ عِنْدَ خُرُوجِ قُرْعَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ فَيُقَدِّرَ بِهِ أَجْزَاءَ السِّهَامِ حَتَّى إذَا كَانَ الْعَقَارُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ جَعَلَهُ أَسْدَاسًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَسْدَاسٍ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سُدُسَانِ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ يُلَقِّبُ النَّصِيبَ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ بِالثَّالِثِ ، ثُمَّ يَكْتُبُ أَسَامِيَ الشُّرَكَاءِ بِبِطَاقَاتٍ فَيَطْوِي كُلَّ بِطَاقَةٍ وَيَجْعَلُهَا

شِبْهَ الْبُنْدُقَةِ وَيُدْخِلُهَا فِي طِينٍ ثُمَّ يُخْرِجُهَا حَتَّى إذَا نَشِفَتْ وَهِيَ مِثْلُ الْبُنْدُقَةِ يَدْلُكُهَا ثُمَّ يَجْعَلُهَا فِي وِعَاءٍ أَوْ كُمِّهِ ، ثُمَّ يُخْرِجُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَخِيرِ فَإِنْ خَرَجَ أَوَّلًا فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْدَاسٍ مِنْ الْجَانِبِ الْمُلَقَّبِ بِالْأَوَّلِ وَإِنْ خَرَجَ ثَانِيًا كَانَ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ الَّذِي يَلِي الْأَوَّلَ ، وَإِنْ خَرَجَ ثَالِثًا كَانَ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ الَّذِي يَلِي الثَّانِيَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يُقَالُ : تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْقُرْعَةِ قِمَارٌ ، وَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَحْصُلُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْقُرْعَةِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ وَكَانَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إلْزَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ النَّصِيبَ ، وَإِنَّمَا صَيَّرَ إلَيْهِ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ وَهَذَا لَيْسَ بِقِمَارٍ ، وَإِنَّمَا الْقِمَارُ عَلَى زَعْمِهِمْ اسْمٌ لِمَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَبْلُ لَا مِثْلُ هَذِهِ فَإِنَّ هَذِهِ مَشْرُوعَةٌ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُونُسَ وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْقِمَارُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ إلَخْ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ مُؤَلِّفُ الْمَتْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ النَّافِعِ الْمُسَمَّى بِالْمُسْتَصْفَى مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ الْكَرْدَرِيُّ صُورَتُهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ نِصْفٌ وَلِلْآخَرِ ثُلُثٌ وَلِلثَّالِثِ سُدُسٌ يُلَقِّبُ النِّصْفَ بِالْأَوَّلِ وَالثُّلُثَ بِالثَّانِي وَالسُّدُسَ بِالثَّالِثِ فَإِنْ خَرَجَ السُّدُسُ أَوَّلًا يُدْفَعُ مِنْ السَّهْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ النِّصْفُ فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَهُ النِّصْفُ يُضَمُّ إلَى مَا يَلِيهِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ النِّصْفُ وَيُدْفَعَ إلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ وَثُمَّ إلَخْ ا هـ فَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا خَرَجَ أَوَّلًا اسْمُ صَاحِبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ النِّصْفُ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَمَّا إذَا خَرَجَ أَوَّلًا اسْمُ صَاحِبِ الثَّانِي وَهُوَ الثُّلُثُ أَوْ الثَّالِثِ وَهُوَ السُّدُسُ فَلَيْسَ لَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بَلْ لَهُ مِنْ السَّهْمِ الْأَوَّلِ لَا كُلُّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمُ إلَّا بِرِضَاهُمْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِيهَا وَيَفُوتُ بِهِ التَّعْدِيلُ أَيْضًا فِي الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَصِلُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْحَالِ ، وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ فِي الذِّمَّةِ فَيُخْشَى عَلَيْهَا التَّوَى وَلِأَنَّ الْجِنْسَيْنِ الْمُشْتَرَكَيْنِ لَا يُقْسَمُ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ .

وَإِذَا كَانَ أَرْضٌ وَبِنَاءٌ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّعْدِيلِ فِيهِ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ ؛ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الْبِنَاءِ لَا يُمْكِنُ بِالْمِسَاحَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَرْضَ تُقْسَمُ بِالْمِسَاحَةِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ ثُمَّ يَرُدُّ مَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ الْبِنَاءُ أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فَتَدْخُلَ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ ضَرُورَةً كَالْأَخِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ ، ثُمَّ يَمْلِكُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّزْوِيجِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ مَا يُسَاوِيهِ مِنْ الْعَرْصَةِ فَإِذَا بَقِيَ فَضْلٌ وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ التَّسْوِيَةِ بِأَنْ لَمْ تَفِ الْعَرْصَةُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْقِسْمَةُ بِالْمِسَاحَةِ إلَّا بِالضَّرُورَةِ وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصْلِ .قَوْلُهُ : فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْسَمُ ) أَيْ كُلُّ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَرُدُّ مَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ الْبِنَاءُ ) أَيْ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ بِقَدْرِ فَضْلِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ الْعَرْصَةِ غَالِبًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الَّذِي أَصَابَهُ الْبِنَاءُ أَوْ أَصَابَهُ الْعَرْصَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ ) أَيْ مَالِ الْيَتِيمِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَسَمَ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلٌ أَوْ طَرِيقٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْقِسْمَةِ صَرْفٌ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِاخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِنَصِيبِهِ وَقَطْعِ أَسْبَابِ تَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُهُ حَصَلَ ذَلِكَ ، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ مُخْتَلَّةً فَتَعَيَّنَ الْفَسْخُ وَالِاسْتِئْنَافُ لِنَفْيِ ضَرَرِ الِاخْتِلَاطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يُفْسَخُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ ، أَوْ مِنْ تَسْيِيلِ الْمَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ وَلَا كَذَلِكَ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِهِمَا وَلَوْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا أَمْكَنَ صَرْفُهُ عَنْ الْآخَرِ بِأَنْ قَالَ هَذَا لَك بِحُقُوقِهِ كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ مِثْلَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهِ فَيُصْرَفُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِلتَّمْيِيزِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ حَقُّ بَعْضِهِمْ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ تَحْقِيقُهُ بِصَرْفِهِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَيُصْرَفُ عَنْهُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ وَمَسِيلِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يُصْرَفُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أُثْبِتَ لَهُ بِأَبْلَغِ وُجُوهِ الْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا ذَكَرَ فِيهِ الْحُقُوقَ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا التَّعَلُّقِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنُ صَرْفُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ عَنْهُ يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ فَيَدْخُلُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَكْمِيلُ وَفِيهَا

مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَذَلِكَ بِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمَقْصُودِ فِيهَا الِانْتِفَاعُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِدُخُولِ الْحُقُوقِ فَيَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ .( قَوْلُهُ : وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ ) أَيْ كَمَنْ اشْتَرَى جَحْشًا أَوْ مُهْرًا صَغِيرًا أَوْ أَرْضًا سَبِخَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ ا هـ قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِهِ ) أَيْ ذِكْرِ الْحُقُوقِ ا هـ .

وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الطَّرِيقِ فِي الْقِسْمَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقْسَمُ الطَّرِيقُ بَلْ يَبْقَى مُشْتَرَكًا مِثْلَ مَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ نَظَرَ فِيهِ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَفْتَحَ كُلٌّ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ يُرْفَعُ لِجَمَاعَتِهِمْ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَتَحْقِيقًا لِلْإِفْرَازِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ لِيَتَحَقَّقَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ عَرْضِهِ يُجْعَلُ عَلَى قَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ بِطُولِهِ أَيْ ارْتِفَاعِهِ حَتَّى يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَنَاحًا فِي نَصِيبِهِ إنْ كَانَ فَوْقَ الْبَابِ لَا فِيمَا دُونَهُ ؛ لِأَنَّ بَابَ الدَّارِ طَرِيقٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ كِفَايَةً فِي الدُّخُولِ فَكَذَا فِي السُّلُوكِ فَيَبْقَى مِلْكُهُمْ فِي الطَّرِيقِ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ مِنْ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَلَمْ تَقَعْ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ كَمَا كَانَ وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ فِي الدَّارِ عَلَى التَّفَاوُتِ جَازَ ، وَإِنْ كَانَتْ سِهَامُهُمْ فِي الدَّارِ مُتَسَاوِيَةً ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاوُتِ بِالتَّرَاضِي فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ جَائِزَةٌ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَرْضًا يَرْفَعُ قَدْرَ مَا يَمُرُّ فِيهِ ثَوْرٌ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي الْمُرُورِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( سُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ مُجَرَّدٌ وَعُلُوٌّ مُجَرَّدٌ قُوِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ ) وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالذَّرْعِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَذْرُوعِ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَالْمُعْتَبَرُ التَّسْوِيَةُ فِي أَصْلِ السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ وَلِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ كَالْبِئْرِ وَالسِّرْدَابِ وَالْإِصْطَبْلِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ قِيلَ أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي اخْتِيَارِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَأَبُو يُوسُفَ أَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى وَمُحَمَّدٌ أَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ اخْتِلَافِ الْعَادَةِ فِي الْبُلْدَانِ وَقِيلَ هُوَ اخْتِلَافُ حُجَّةٍ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ : لِصَاحِبِ السُّفْلِ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَهِيَ تَبْقَى أَيْضًا بَعْدَ انْهِدَامِ الْعُلُوِّ وَالْعُلُوُّ لَا يَبْقَى بَعْدَ انْهِدَامِ السُّفْلِ فَكَانَتْ مَنْفَعَتُهُ ضِعْفَ الْعُلُوِّ وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ هُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الِانْتِفَاعِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْآخَرِ حَتَّى كَانَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَحْفِرَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِصَاحِبِ الْعُلُوِّ فَاسْتَوَيَا فِي الِانْتِفَاعِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْقِسْمَةِ وَمُحَمَّدٌ

يَقُولُ : الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ بِنَاءٌ ، وَالْمُعَادَلَةُ فِي قِسْمَةِ الْبِنَاءِ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ قِيمَةَ الْعُلُوِّ أَكْثَرُ كَمَا فِي مَكَّةَ وَمِصْرَ ، وَفِي بَعْضِهَا قِيمَةَ السُّفْلِ أَكْثَرُ كَمَا فِي الْكُوفَةِ وَقِيلَ فِي مَوْضِعٍ تَكْثُرُ النَّدَاوَةُ فِيهِ وَالسَّبَخُ يُخْتَارُ الْعُلُوُّ ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَشْتَدُّ الْبَرْدُ وَيَكْثُرُ الرِّيحُ فِيهِ يُخْتَارُ السُّفْلُ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ كَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ فِيهِمَا إلَّا بِالْقِيمَةِ ثُمَّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّفْسِيرِ ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ ثُلُثِهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ السُّفْلَ عِنْدَهُ ضِعْفُ الْعُلُوِّ فَيُقَابِلُ السُّفْلُ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ ثُلُثَيْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ فَبَقِيَ الْعُلُوُّ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ يُقَابِلُ الْبَاقِيَ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ وَهُوَ الثُّلُثُ فَاسْتَوَيَا وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ ثُلُثَيْهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ ؛ لِأَنَّ السُّفْلَ مِنْهُ مِثْلُ السُّفْلِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ فَلَا يَتَفَاوَتَانِ فَبَقِيَ الثُّلُثُ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ يُقَابِلُ الْعُلُوَّ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ ، وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ نِصْفِهِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ لِأَنَّ السُّفْلَ يُقَابِلُ ضِعْفَهُ مِنْ الْعُلُوِّ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ ، أَوْ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ نِصْفِهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ فَيُقَابِلُ نِصْفُهُ الْعُلُوُّ نِصْفَهُ الْآخَرَ السُّفْلَ لِاسْتِوَاءِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ عِنْدَهُ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ قَدْرُهُ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ لِمَا ذَكَرْنَا .

( قَوْلُهُ : أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ ) أَيْ بِأَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ الذِّرَاعَ الْوَاحِدَ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ فَإِذَا ضُرِبَتْ الثَّلَاثَةُ فِي ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثِ ذِرَاعٍ يَكُونُ مِائَةً فَيَسْتَوِي الثَّلَاثَةُ وَالثَّلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ مَعَ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيُقَابِلُ السُّفْلُ ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ثُلُثَيْ الْعُلُوِّ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَبَقِيَ الْعُلُوُّ مِنْ الْبَيْتِ ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : يُقَابِلُ الْبَاقِيَ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَاسْتَوَيَا إلَخْ ) فَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ ذِرَاعًا وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ ) أَيْ وَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : قَدْرُ ثُلُثَيْهِ ) أَيْ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ السُّفْلَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْكَامِلِ ( قَوْلُهُ : فَبَقِيَ الثُّلُثُ ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْعُلُوَّ وَالسُّفْلَ سَوَاءً فَيَكُونُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ أَوْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِينَ إنْ اخْتَلَفُوا ) أَيْ إذَا أَنْكَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا لِمُحَمَّدٍ إنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِمَا فَلَا يُقْبَلُ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ وَالْقَبْضِ وَهُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ لَا غَيْرُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَشْهُودًا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا قَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ فَكَانَتْ شَهَادَةً صُورَةً وَدَعْوَى مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ ، قُلْنَا : هُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مَغْنَمًا إلَى أَنْفُسِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَ تُوَافِقُهُمَا عَلَى إيفَائِهِمَا الْعَمَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَلَوْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى الْغَيْرِ وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إلْزَامِ الْآخَرِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا .

قَوْلُهُ : لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِمَا ) أَيْ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ ) أَيْ بِكَلَامِ رَجُلَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَشْهُودًا بِهِ ) أَيْ لِأَنَّ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا الَّذِي هُوَ التَّمْيِيزُ لَا يَصْلُحُ مَشْهُودًا بِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ ) أَيْ لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ( قَوْلُهُ : بِالْإِجْمَاعِ ) وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ ا هـ عَيْنِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ ) أَيْ فَقَالَ دَفَعْتُهُ وَأَنْكَرَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ ، وَالْمُدَّعِي لِلْغَلَطِ يَدَّعِي حَقَّ الْفَسْخِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً اُسْتُحْلِفَ الشُّرَكَاءُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ لَزِمَهُمْ فَإِذَا أَنْكَرُوهُ حَلَفُوا عَلَيْهِ وَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ جَمَعَ نَصِيبَهُ مَعَ نَصِيبِ الْمُدَّعِي فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَإِقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مِنْ بَعْدُ حَيْثُ شَرَطَ لِلتَّحَالُفِ أَنْ لَا يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَتَحَالَفَانِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ لَمْ تَصِحَّ لِلتَّنَاقُضِ فَإِذَا مُنِعَ التَّحَالُفُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ .

( قَوْلُهُ : فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ ) أَيْ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لَهُ بِتَمَامِ حَقِّهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ يَعْنِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَالدَّعْوَى لَا تَصِحُّ مَعَ التَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ وَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا وَقَالَ التَّنَاقُضُ عَفْوٌ فِي مَوْضِعِ الْخُلَفَاءِ كَالْعَبْدِ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ إقْرَارِهِ أَنَّهُ رَقِيقٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَاقْتَسَمَا الدَّارَ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ وَأَشْهَدَا عَلَى الْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ وَالْوَفَاءِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُهُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنْ لَا تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا عَلَى الْوَفَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ بِجِهَةِ التَّمَامِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ اسْتَوْفَيْت وَأَخَذْت بَعْضَهُ صُدِّقَ خَصْمُهُ بِحَلِفِهِ ) أَيْ لَوْ قَالَ اسْتَوْفَيْت حَقِّي وَأَخَذْت بَعْضَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَادَّعَى أَنَّ ذَا حَظُّهُ وَلَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ ) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيمَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ تُفْسَخُ ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَظَاهِرٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَالنَّظَرِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِالتَّرَاضِي فَقَدْ قِيلَ : لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِيهِ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي وَقِيلَ تُفْسَخُ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا تُنْقَضُ لِظُهُورِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِيهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَإِذَا وَقَعَتْ بِالْقَضَاءِ يَجِبُ نَقْضُهَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَصَارَ كَبَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ يُنْقَضُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ لِتَقَعَ الْقِسْمَةُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَادَلَةِ ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ فَإِذَا ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِيمَةِ فَقَدْ فَاتَ شَرْطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْمُعَادَلَةُ فَيَجِبُ نَقْضُهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى الْمُعَادَلَةِ فِي الْقِيمَةِ وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا أَوْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِمَّا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالِاعْتِبَارُ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ خَارِجٌ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْقَبْضِ تَحَالَفَا وَتُفْسَخُ الْقِسْمَةُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْجُزْءِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِيهِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى ، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ

تَحَالَفَا وَتَرَادَّا كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .( قَوْلُهُ : كَمَا فِي الْبَيْعِ ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْأَصْلِ : دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ بِأَنْ يَقُولَ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَأَنْتُمْ قَوَّمْتُمُوهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَدَعْوَى الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ هَكَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الشَّافِي قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْبَلْخِيّ : إنَّ هَذَا غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْأَصْلِ ، وَإِنْ قِيلَ تُسْمَعُ فَلَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ قِيلَ لَا تُسْمَعُ فَلَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ زَادَ هَكَذَا فِي نُسْخَتِهِ وَلَمْ يُرَجِّحْ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقِسْمَةِ بِالتَّرَاضِي فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَهُ الْفَسْخُ وَالثَّانِي لَوْ قَالَ : نَصِيبِي النِّصْفُ وَمَا وَصَلَ إلَيَّ إلَّا الثُّلُثُ وَالْبَاقِي فِي يَدِك وَأَنْكَرَ الْآخَرُ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا كَالْبَيْعِ وَالثَّالِثُ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْئًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَفَ الْآخَرُ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ أَمَّا إذَا أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ : هَذَا الْحَدُّ لِي قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ هَذَا الْحَدُّ قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ مِنْ حَظِّهِ رَجَعَ بِقِسْطِهِ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ وَلَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ هَكَذَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الشَّائِعِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ لَا يُفْسَخُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ يُفْسَخُ بِالْإِجْمَاعِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو حَفْصٍ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ شَرِيكٌ آخَرُ وَالْقِسْمَةُ بِدُونِهِ لَا تَصِحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ يُحَقِّقُهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ جُزْءٍ شَائِعٍ يَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْإِفْرَازُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِحِصَّتِهِ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ شَائِعًا كَاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ شَائِعًا بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بَقِيَ مُفْرَزًا عَلَى حَالِهِ لَيْسَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقٌّ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ التَّمْيِيزُ وَالْإِفْرَازُ وَلَا يَنْعَدِمُ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ كَانَ الْبَعْضُ الْمُقَدَّمُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَالْبَعْضُ الْمُؤَخَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَاقْتَسَمَ الِاثْنَانِ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَلِلْآخَرِ الْمُؤَخَّرُ أَوْ اقْتَسَمَاهُ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَبَعْضُ الْمُؤَخَّرِ مُفْرَزًا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا وَصَارَ كَاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الشَّائِعِ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمْيِيزِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعَ بَقَاءِ نَصِيبِ

الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ ابْتِدَاءً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَكَذَا بَقَاءً ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ لَتَضَرَّرَ الْمُسْتَحِقُّ بِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ فِي الْأَنْصِبَاءِ وَلَا ضَرَرَ بِالْمُسْتَحِقِّ هُنَا فَوَضَحَ الْفَرْقُ فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ يَرْجِعُ بِحِسَابِهِ عَلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ كُلُّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ فَكَذَا إذَا اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ إنْ شَاءَ دَفْعًا لِعَيْبِ التَّشْقِيصِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحِسَابِهِ يَتَفَرَّقُ نَصِيبُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَوْ بَاعَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ نَصِيبِهِ شَائِعًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ مَا بَقِيَ شَائِعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحِسَابِهِ وَسَقَطَ خِيَارُ الْفَسْخِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِحِسَابِهِ وَيَضْمَنُ حِصَّتَهُمْ مِمَّا بَاعَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً عِنْدَهُ وَالْمَقْبُوضُ بِالْفَاسِدِ مَمْلُوكٌ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَيَضْمَنُ لَهُمْ وَلَوْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ ، ثُمَّ ظَهَرَ فِيهَا دَيْنٌ مُحِيطٌ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ : اقْضُوا دَيْنَ الْمَيِّتِ فَإِنْ قَضَوْهُ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ ، وَإِلَّا فُسِخَتْ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لَهُمْ فِيهَا إلَّا إذَا قَضَوْا الدَّيْنَ ، أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ قِسْمَتُهُمْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ لِلتَّرِكَةِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ ؛ إذْ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ إذْ

الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ مُشْتَرَكٌ .

( قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الشَّائِعِ ) أَيْ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ ) أَيْ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ كَانَتْ مِائَةُ شَاةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَيْنِ مِيرَاثًا أَوْ شِرَاءً فَاقْتَسَمَاهَا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ شَاةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَأَخَذَ الْآخَرُ سِتِّينَ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ شَاةٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي السِّتِّينَ شَاةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا فَتَكُونُ السِّتُّونَ شَاةً بَيْنَهُمَا يَضْرِبُ فِيهَا هَذَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَيَضْرِبُ فِيهِ الْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُنَا لَا تَنْتَقِضُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ وَقَدْ وَرَدَ عَلَى شَاةٍ بِعَيْنِهَا فَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِتَحَقُّقِ الْمُعَادَلَةِ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ بَيْنَهُمَا أَلْفًا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ وَصَلَ إلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَإِلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ وَبَقِيَ لَهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ فَيَضْرِبُ فِي السِّتِّينَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَشَرِيكُهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَتِسْعِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ شَائِعٍ فِي النَّصِيبَيْنِ تَنْتَقِضُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ كَانَ

الْبَعْضُ الْمُقَدَّمُ إلَخْ ) أَيْ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مَا لَهُمَا مِنْ النِّصْفِ الْمُقَدَّمِ وَهُوَ نِصْفُ النِّصْفِ وَرُبُعُ الْمُؤَخَّرِ وَيَأْخُذُ الْآخَرُ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ مِنْ النِّصْفِ الْمُؤَخَّرِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ جَمِيعِ الدَّارِ لِأَنَّ حَقَّهُمَا بَعْدَ نَصِيبِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ جَمِيعِ الدَّارِ وَمَا لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْقِسْمَةِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ إلَخْ ) فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَطَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَا يَقْسِمُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ قَلَّ مَا تَخْلُو تَرِكَةٌ عَنْ دَيْنٍ يَسِيرٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ عَشَرَةَ آلَافٍ بِدَيْنِ عَشَرَةٍ فَيَنْظُرُ لِلْفَرِيقَيْنِ وَيُوقَفُ قَدْرُ الدَّيْنِ وَلَا يَأْخُذُ كَفِيلًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَأْخُذُ كَفِيلًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي سَأَلَهُمْ فَإِنْ قَالُوا : لَا الْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَيَقْسِمُ لِتَمَسُّكِهِمْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ فَلَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ نَقَضَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِسْمَةَ قَبْلَ أَوَانِهَا فَإِنَّ أَوَانَهَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ إلَخْ ) وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ شَرِيكًا آخَرَ قَدْ اقْتَسَمُوا دُونَهُ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ إلَّا إذَا قَالَتْ الْوَرَثَةُ : نَحْنُ نَقْضِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ أَمَّا فِي الْوَارِثِ الْآخَرِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ

الرُّبُعِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ الْآخَرِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَالٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَحَقُّ الْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ فِي الْمَالِ لَا فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ ، وَفِي ذَلِكَ مَالُ الْوَارِثِ وَالتَّرِكَةُ سَوَاءٌ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ مَالٌ آخَرُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقِسْمَةِ لَيْسَ لِلْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ نَقْضُ الْقِسْمَةِ ( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ إلَخْ ) وَتَحْرِيرُ هَذَا يَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ ، أَوْ دَارَيْنِ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ ، أَوْ غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ صَحَّ ) التَّهَايُؤُ اعْلَمْ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ ، وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَرْضَى بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَنْتَفِعُ فِي نَوْبَتِهِ بِمِلْكِ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنْ انْتِفَاعِ شَرِيكِهِ بِمِلْكِهِ فِي نَوْبَتِهِ ، وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ : أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } وَهَذَا هُوَ الْمُهَايَأَةُ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَسَمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ كُلَّ بَعِيرٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَكَانُوا يَتَهَايَئُونَ فِي الرُّكُوبِ } وَمَا رُوِيَ أَنَّ { الرَّجُلَ الَّذِي خَطَبَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صَدَاقٌ إلَّا نِصْفَ إزَارِهِ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ } أَيْ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُهَايَأَةِ وَعَلَى جَوَازِهَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ يُصَارُ إلَيْهَا لِتَكْمِيلِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِتَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا فَكَانَتْ الْمُهَايَأَةُ جَمْعًا لِلْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَالْقِسْمَةِ جَمْعِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ فَجَرَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي

الْمَنَافِعِ مَجْرَى الْقِسْمَةِ فِي الْأَعْيَانِ وَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْمُهَايَأَةُ لَأَدَّى إلَى تَعْطِيلِ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا ، وَإِنَّهُ قَبِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ خُلِقَتْ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَهُوَ يُنَافِيهِ فَتَجُوزُ ضَرُورَةً كَقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ فَيَجْرِي جَبْرُ الْقَاضِي فِيهَا كَمَا يَجْرِي فِي قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْوَى مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ ، وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيلِ وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُهَايَأَةُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَلَا تَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَطَلَتْ لَاسْتَأْنَفَهَا الْحَاكِمُ وَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِئْنَافِ ثُمَّ لَوْ تَهَايَآ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا بَعْضَهَا وَالْآخَرُ الْبَعْضَ أَوْ أَحَدُهُمَا الْعُلُوَّ وَالْآخَرُ السُّفْلَ جَازَتْ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا صَحَّ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ نَسِيئَةً لِلرِّبَا وَقِيلَ هُوَ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ عَارِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ خَشْيَةَ الرِّبَا ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتْرُكُ مَالَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ بِعِوَضٍ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إفْرَازًا لِلْكُلِّ أَوْ عَارِيَّةً فِي الْبَعْضِ وَالْعَارِيَّةُ أَيْضًا غَيْرُ لَازِمَةٍ وَالْمُهَايَأَةُ لَازِمَةٌ وَقِيلَ : هُوَ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ ، مُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ كَقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا إفْرَازٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي

الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَكَانِ ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْقِيتُ وَجَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ عَلَى الظَّاهِرِ ، شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ وَالْإِجَارَةُ وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ وَكَذَا لَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ جَازَ ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَيَّنَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَكَانِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ كَالْعَبْدِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُهُمَا يَأْمُرُهُمَا الْقَاضِي بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَكَانِ أَعْدَلُ - لِاسْتِوَائِهِمَا فِي زَمَانِ الِانْتِفَاعِ وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَكَانَ أَعْدَلَ - وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَلُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَنْتَفِعُ فِي نَوْبَتِهِ بِجَمِيعِ الدَّارِ فَكَانَ أَكْمَلَ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ فَإِنْ اخْتَارَاهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ بَيْنَهُمَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمَا وَنَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ تَهَايَآ فِي عَبْدَيْنِ عَلَى الْخِدْمَةِ جَازَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا فَكَذَا الْمَنْفَعَةُ ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ لَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ عِنْدَهُ فَكَذَا مَنْفَعَتُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُهَايِئُ بَيْنَهُمَا جَبْرًا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةُ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ أَعْيَانِ الرَّقِيقِ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ تَهَايَآ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ عَبْدٍ عَلَى مَنْ

يَأْخُذُهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ فِي طَعَامِ الْمَمَالِيكِ فَلَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ إلَى النِّزَاعِ ، وَنَظِيرُهُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ لِأَجْلِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ كِسْوَةِ الْمَمَالِيكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَامُحَ فِيهَا عَادَةً وَلَوْ تَهَايَآ فِي دَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارًا جَازَ ، وَيُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ عِنْدَهُمَا كَدَارٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يَجْرِيَ الْجَبْرُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا وَكَذَا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِيهِمَا لَا تَتَفَاوَتُ فَيَجُوزُ وَيُجْبَرُ الْآبِي مِنْهُمَا وَيُعْتَبَرُ إفْرَازًا كَالْأَعْيَانِ الْمُتَقَارِبَةِ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِهِمَا فَاحِشٌ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَصَارَتْ مُبَادَلَةً وَقِيلَ عِنْدَهُ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي وَلَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِيهِ أَصْلًا لَا بِالْجَبْرِ وَلَا بِالتَّرَاضِي ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الْمَنَافِعِ بِالْمَنَافِعِ مِنْ جِنْسِهِ نَسِيئَةً وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ رَقَبَتِهِمَا حَيْثُ تَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ بَيْعَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى جَائِزٌ ، وَفِي الظَّاهِرِ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا ، وَفِي الدَّابَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ عَلَى الرُّكُوبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّاكِبِينَ فَإِنَّهُمْ بَيْنَ حَاذِقٍ وَأَخْرَقَ ، وَالتَّهَايُؤُ فِي الرُّكُوبِ فِي دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْعَبْدَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُ الزِّيَادَةَ عَلَى طَاقَتِهِ وَالدَّابَّةُ تَتَحَمَّلُهَا وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي الْغَلَّةِ فَنَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ إلَخْ ) شَرَعَ فِي الْمُهَايَأَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ بَعْدَ بَيَانِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَقَدَّمَ الْأَعْيَانَ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَصْلٌ لِكَوْنِهِ قَائِمًا بِنَفْسِهِ ، وَالْمَنَافِعُ أَعْرَاضٌ لَا تُقْسَمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَيْنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَيَخْتَارُهَا ) يَعْنِي : الشَّرِيكُ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي انْتَفَعَ بِهَا الْآخَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ) أَيْ وَالْمَعْقُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ : { وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } ) أَخْبَرَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بَيْنَ قَوْمِ صَالِحٍ وَبَيْنَ النَّاقَةِ عَلَى التَّنَاوُبِ وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرِيعَتُنَا مَا لَمْ يَرِدْ النَّسْخُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى جَوَازِهَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ) وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ الْأَعْيَانَ خُلِقَتْ لِلِانْتِفَاعِ فَمَتَى كَانَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا كَانَ حَقُّ الِانْتِفَاعِ مُشْتَرَكًا أَيْضًا وَالْمَحَلُّ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِفَاعَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فَيُحْتَاجُ إلَى التَّهَايُؤِ تَكْمِيلًا لِلِانْتِفَاعِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ فِي الْعُقُودِ فَجَازَ وُقُوعُ الْقِسْمَةِ فِيهَا كَالْأَعْيَانِ ، فَإِنْ قِيلَ : الْمُهَايَأَةُ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ بِمَنَافِعَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ إجَارَةٌ وَلَا يُكْرِهُ الْقَاضِي عَلَى الْإِجَارَةِ قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إجَارَةٌ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بَلْ هِيَ قِسْمَةُ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ ، ثُمَّ التَّهَايُؤُ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ الْكَبِيرَةِ يَسْكُنُ أَحَدُهُمَا نَاحِيَةً مِنْهَا وَالْآخَرُ نَاحِيَةً أُخْرَى وَقَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ بِأَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِالْعَيْنِ مُدَّةً وَالْآخَرُ مُدَّةً كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ لَا

تَتَأَتَّى الْقِسْمَةُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَبْلَغُ ) أَيْ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ أَبْلَغُ مِنْ قِسْمَةِ الْمَنْفَعَةِ فِي تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ لِاجْتِمَاعِ الْمَنَافِعِ فِي الزَّمَانِ الْوَاحِدِ وَفِي التَّهَايُؤِ يَحْصُلُ ذَلِكَ عَلَى التَّعَاقُبِ قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الشَّامِلِ : وَلِكُلِّ وَاحِدٍ نَقْضُ الْمُهَايَأَةِ بِلَا عُذْرٍ إذَا لَمْ يُرِدْ التَّعَنُّتَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ : طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمُهَايَأَةِ قَسَمَ الْحَاكِمُ وَفَسَخَ الْمُهَايَأَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْقِسْمَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : جَازَتْ ) أَيْ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوْ لَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لَا مُبَادَلَةٌ ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ فَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَاشْتُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَيُشْتَرَطُ التَّأْقِيتُ فِي الْإِجَارَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : عَارِيَّةً إلَخْ ) الْعَارِيَّةُ مَا يَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُنَا بِعِوَضٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ ) أَيْ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا ا هـ ( قَوْلُهُ : بِالِاتِّفَاقِ ) أَيْ عَلَى أَحَدِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ تَهَايَآ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلٍّ إلَخْ ) قَالَ فِي الشَّامِلِ تَهَايَآ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَ كُلُّ وَاحِدٍ أَحَدَهُمَا ، وَطَعَامُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ يُسْتَقْبَحُ أَنْ يَخْدُمَهُ وَيُؤْتَى بِطَعَامِهِ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ وَلَوْ تَهَايَآ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كِسْوَةُ مَا فِي يَدَيْهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ كِسْوَتَهُمَا عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مُشْتَرِيًا نِصْفَ الْكِسْوَةِ مِنْ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ كِسْوَةِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ ، وَإِنَّهُ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ ) قَائِلُهُ الْكَرْخِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُجْبَرُ

اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ ) أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ قِسْمَةَ الْجَبْرِ لَا تَجُوزُ فِي الدُّورِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ ا هـ غَايَةٌ ( فَرْعٌ ) مِمَّا يُحْفَظُ فِي الذَّخِيرَةِ : أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ خَافَ كُلٌّ صَاحِبَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا عِنْدَك يَوْمًا وَعِنْدِي يَوْمًا وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ نَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ ، تُجْعَلُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَا تُوضَعُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ قَالَ مَشَايِخُنَا يُحْتَاطُ فِي بَابِ الْفُرُوجِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا فِي هَذِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاطُ لِحِشْمَةِ مِلْكِهِ ا هـ مِعْرَاجٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ ، أَوْ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ ، أَوْ رَكُوبِ بَغْلٍ ، أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ ، أَوْ لَبَنِ شَاةٍ لَا ) أَيْ لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ التَّهَايُؤُ أَمَّا التَّهَايُؤُ فِي غَلَّةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بَغْلٍ وَاحِدٍ فَلِأَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَالظَّاهِرُ التَّغَيُّرُ فِي الْحَيَوَانِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي اسْتِغْلَالِ دَارٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ فَافْتَرَقَا وَلَوْ زَادَ غَلَّةُ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْغَلَّةِ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ تَحْقِيقًا لِلتَّعْدِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ فِي الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً ؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ وَقَعَ فِي الْمَنَافِعِ هُنَاكَ فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ الْمُعَادَلَةِ فِيهَا وَبِالتَّفَاوُتِ فِي الْغَلَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ فَوْتُ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنَافِعِ فَإِنَّ الشَّيْئَيْنِ قَدْ يَسْتَوِيَانِ ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ فِي الْبَدَلِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَهَايَآ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ وَفَضَلَتْ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ رَاجِحٌ فِي الدَّارَيْنِ لِاتِّحَادِ زَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى الْغَلَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهَا صَاحِبُهُ ، وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ يَتَعَاقَبُ الْوُصُولُ فَاعْتُبِرَ قَرْضًا كَأَنَّهُ أَقْرَضَ نَصِيبَهُ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الشَّهْرِ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ نَصِيبِهِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي ، وَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي إيجَارِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَإِذَا اسْتَوْفَى قَدْرَ الْقَرْضِ كَانَ الْبَاقِي مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ تُمْكِنُ

بَيْنَهُمَا لِاتِّحَادِ وَقْتِهِمَا وَكَذَا تَجُوزُ قِسْمَةُ رَقَبَتِهِمَا عِنْدَهُمَا فَكَذَا مَنَافِعُهُمَا وَبَدَلُهُمَا فَصَارَ كَالدَّارَيْنِ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي غَلَّةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي زَمَانَيْنِ فَيُتَوَهَّمُ تَغَيُّرُهُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الِاسْتِغْلَالِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالِاسْتِقْصَاءِ فِيهِ فَيَتَغَيَّرُ مِنْ التَّعَبِ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ حَيْثُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْخِدْمَةَ يَجْرِي فِيهَا التَّسَامُحُ عَادَةً فَلَا يَلْحَقُهُ تَعَبٌ كَمَا يَلْحَقُهُ فِي الِاسْتِغْلَالِ فَلَا يَتَغَيَّرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ قِسْمَتِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ وَلِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِالِاسْتِغْلَالِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَيَحْصُلُ التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ وَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الِاسْتِغْلَالِ يَمْتَنِعُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ بِأَنْ وَقَعَ مُتَعَاقِبًا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ أَوْلَى وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَسَائِلَ التَّهَايُؤِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فَفِي اسْتِخْدَامِ عَبْدٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَكَذَا فِي اسْتِخْدَامِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ ، وَالتَّهَايُؤُ فِي سُكْنَى دَارٍ وَاحِدَةٍ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا فِي غَلَّتِهَا وَكَذَا فِي سُكْنَى دَارَيْنِ وَفِي غَلَّتِهِمَا خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَرُكُوبُ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ وَلَا يَجُوزُ فِي اسْتِغْلَالِ بَغْلٍ وَاحِدٍ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ ، أَوْ لَبَنِ غَنَمٍ فَلِأَنَّهَا أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ

عِنْدَ حُصُولِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّهَايُؤِ ؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَنَافِعِ ضَرُورَةَ أَنَّهَا لَا تَبْقَى فَبِتَعَذُّرِ قِسْمَتِهَا بِخِلَافِ لَبَنِ ابْنِ آدَمَ حَيْثُ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِيهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ جَارِيَتَانِ مُشْتَرَكَتَانِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَهَايَآ أَنْ تُرْضِعَ إحْدَاهُمَا وَلَدَ أَحَدِهِمَا ، وَالْأُخْرَى وَلَدَ الْآخَرِ جَازَ لِأَنَّ لَبَنَ ابْنِ آدَمَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَجَرَى مَجْرَى الْمَنَافِعِ ، وَالْحِيلَةُ فِي الثِّمَارِ وَنَحْوِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ثُمَّ يَبِيعَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ الْمُقَدَّرِ بِطَرِيقِ الْقَرْضِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ إذْ قَرْضُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

قَوْلُهُ : وَلَوْ زَادَ غَلَّةُ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي نَوْبَةِ إلَخْ ) وَلَوْ تَهَايَآ فِي نَخْلٍ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَلَّةَ بَعْضِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ غَلَّةَ النَّخِيلِ قَبْلَ وُجُودِهَا مَعْدُومَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ مَوْجُودَةً حُكْمًا فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ حَتَّى تُعْتَبَرَ مَوْجُودَةً حُكْمًا فِي حَقِّ الْقِسْمَةِ وَقِسْمَةُ الْمَعْدُومِ لَا تَتَحَقَّقُ لِأَنَّهُ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ ، مُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَا يَتَحَقَّقَانِ قَبْلَ الْوُجُودِ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ فِي الصُّلْحِ ( قَوْلُهُ : أَنَّ مَسَائِلَ التَّهَايُؤِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً ) أَيْ غَيْرُ الثَّمَرِ وَاللَّبَنِ ا هـ مس ( قَوْلُهُ : وَالْحِيلَةُ ) أَيْ فِي جَوَازِ التَّهَايُؤِ ا هـ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ التَّهَايُؤِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةً مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ يَعْنِي : يَبِيعُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْغَنَمِ مِنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ صَاحِبِهِ بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ جَمِيعَ الشَّجَرِ أَوْ الْغَنَمِ فَيَحِلُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَنَاوَلَهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ اللَّبَنُ أَوْ الثَّمَرُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَنْتَفِعُ بِاللَّبَنِ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الْحَلِيبِ كُلَّ يَوْمٍ أَيْ مُدَّةً مَعْلُومَةً ثُمَّ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يَنْتَفِعُ صَاحِبُهُ بِاللَّبَنِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، بَعْضُهُ مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَبَعْضُهُ مِمَّا أَقْرَضَهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَزِنَ اللَّبَنَ أَوْ يَكِيلَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَكُونُ الرِّبَا لِأَنَّ اللَّبَنَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فِي الْحَلْبِ وَقَالَ فِي قِسْمِ الشَّامِلِ مِنْ الْمَبْسُوطِ تَهَايَآ فِي أَغْنَامٍ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا عِنْدَ هَذَا وَالنِّصْفُ عِنْدَ الْآخَرِ يَعْلِفُ وَيَشْرَبُ

لَبَنَهَا وَيَجُزُّ صُوفَهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّبَنَ بَيْنَهُمَا وَالْعَلَفَ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا لَبَنَ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ الْعَلَفِ الَّذِي عَلَيْهِ ، وَاللَّبَنُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَالْعَلَفُ مِثْلُهُ فَيَكُونُ التَّفَاوُتُ فَاحِشًا فَيَكُونُ مُبَادَلَةً مَحْضَةً فَكَانَ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ وَصُوفٍ بِصُوفٍ مُجَازَفَةً فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجَزِّ فَقَبْلَهُمَا أَوْلَى وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى : بَقَرَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَحْلُبُ لَبَنَهَا فَهَذِهِ مُهَايَأَةٌ بَاطِلَةٌ وَلَا يَحِلُّ فَضْلُ اللَّبَنِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ جُعِلَا فِي حِلٍّ إلَّا أَنْ يَسْتَهْلِكَ صَاحِبُ الْفَضْلِ فَضْلَهُ ، ثُمَّ جَعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَمْ يَجُزْ وَالثَّانِي هِبَةُ الدَّيْنِ ، وَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا وَنَقَلَهُ عَنْ قِسْمَةِ الْوَاقِعَاتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ الْمُقَدَّرِ ) أَيْ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ .

( كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ فِي اللُّغَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ ) وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ بِشَرْطِ صَلَاحِيَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَأَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ وَبَيَانِ الْمُدَّةِ وَرَبِّ الْبَذْرِ وَجِنْسِهِ وَحَظِّ الْآخَرِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ وَالشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ ، أَوْ تَكُونَ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ أَوْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ ، لَهُمَا مَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ ، أَوْ زَرْعٍ } وَلِأَنَّهَا عَقْدُ شَرِكَةٍ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٍ مِنْ الْآخَرِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ لَا يَهْتَدِي إلَى الْعَمَلِ وَالْمُهْتَدِيَ إلَيْهِ قَدْ لَا يَجِدُ الْمَالَ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ دَفْعِ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَدُودِ الْقَزِّ مُعَامَلَةً بِنِصْفِ الزَّوَائِدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ فِيهَا فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الشَّرِكَةُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عُرْفٌ ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالصَّالِحِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِلَا نَكِيرٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ ، فَقِيلَ : مَا الْمُخَابَرَةُ قَالَ : الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ } وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ ، أَوْ مَعْدُومٌ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ ، وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ

بِطَرِيقِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَالصُّلْحِ وَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ نَوْعَانِ : خَرَاجُ وَظِيفَةٍ وَهُوَ أَنْ يُوَظِّفَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ كُلَّ سَنَةٍ وَيَضَعَ عَلَيْهِمْ مَا تُطِيقُ أَرْضُهُمْ وَالثَّانِي خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جُزْءًا شَائِعًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَتْ مُزَارَعَةً لَبَيَّنَهَا لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ سَأَلَتْهُ الْيَهُودُ أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوهُ عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرَةِ فَقَالَ لَهُمْ نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهَا كَانَتْ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ وَأَنَّهُمْ كَانُوا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ ، وَالذِّمِّيُّ إذَا أُقِرَّ عَلَى أَرْضِهِ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَرَاضِيهِ خَرَاجٌ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ { أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا } وَالِاعْتِبَارُ بِالْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّرِكَةِ فِيهَا أَغْلَبُ حَتَّى صَحَّتْ بِدُونِ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَلَا تَنْعَقِدُ لَازِمَةً أَصْلًا فَيَكُونُ الرِّبْحُ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْعَمَلِ وَالْمَالِ جَمِيعًا ، وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ قَدْ يُعْقَدُ عَلَى الْعَمَلِ خَاصَّةً كَمَا فِي شَرِكَةِ الْأَعْمَالِ فَمَا ظَنُّك إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْمَالُ وَلَا كَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ ، حَتَّى يُشْتَرَطَ لَهَا ضَرْبُ الْمُدَّةِ وَتَنْعَقِدُ لَازِمَةً ، وَإِنَّمَا كَانَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ أَنْ يَفْسَخَ لِلْعُذْرِ ، وَالْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَ مَا بَذَرَ فِي الْأَرْضِ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا

وَالْحِيلَةُ لِلْجَوَازِ عِنْدَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يُعْطِيهِ بَعْضَ الْخَارِجِ عَمَّا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْبَذْرِ فَيَجُوزَ ذَلِكَ بِتَرَاضِيهِمَا كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ إذَا أَعْطَاهُ خِلَافَ جِنْسِهِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ ، أَوْ لِلْأَرْضِ وَالْغَلَّةُ لَهُ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ وَقَالُوا : الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِمَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَلِتَعَامُلِهِمْ وَالْقِيَاسُ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَالضَّرُورَةِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ ، ثُمَّ شَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِجَوَازِهَا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَأَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ ، وَأَنْ يُبَيِّنَ الْمُدَّةَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْمُدَّةِ .

( كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ ) لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ ذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ عَقِيبَ الْقِسْمَةِ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ بَعْضُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِسْمَةُ ثُمَّ بَعْدَ قِسْمَةِ الْأَرْضِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الزِّرَاعَةِ فِيهَا فَذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ عَقِبَهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ ) أَيْ مِنْ زَارَعَ مِنْ الزَّرْعِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْحَبِّ وَنَحْوِهِ فِي الْأَرْضِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ فِيهَا ) أَيْ لَمْ يَرِدْ الْأَثَرُ فِي دَفْعِ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَدُودِ الْقَزِّ مُعَامَلَةً بِنِصْفِ الزَّوَائِدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ ) وَقَدْ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ } وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا حَتَّى يَطْحَنَ لَهُ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَكَذَا الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْدُومٌ إلَخْ ) وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَوْ الشَّجَرَ إمَّا أَنْ تُخْرِجَ شَيْئًا أَوْ لَا فَإِنْ أَخْرَجَتْ فَالْأُجْرَةُ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّ قَدْرَ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ لَا يُعْلَمُ كَمْ هُوَ ، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ فَالْأُجْرَةُ مَعْدُومَةٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بِطَرِيقِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ ) يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ بَلْ كَانَتْ بِطَرِيقِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَالصُّلْحِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكَهَا غَنِيمَةً فَلَوْ كَانَ أَخَذَهَا كُلَّهَا جَازَ ( قَوْلُهُ : وَتَنْعَقِدُ لَازِمَةً ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْمُزَارَعَةِ ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ رُكْنُهُمَا ، وَشَرَائِطُ جَوَازِهِمَا ، وَحُكْمُهُمَا ، وَصِفَتُهُمَا فَأَمَّا رُكْنُهُمَا فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ثُمَّ ذَكَرَ شَرَائِطَ الْجَوَازِ ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِهِمَا فَنَقُولُ : لَهُمَا

حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا يَثْبُتُ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ - إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارِعِ - أَوْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَفِي الْمُعَامَلَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ ، وَالْحُكْمُ الْآخَرُ يَثْبُتُ فِي الثَّانِي وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا بَيَانُ صِفَتِهَا فَتَقُولُ الْمُعَامَلَةُ لَازِمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْحَالِ حَتَّى إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إلَّا بِعَقْدٍ وَالْمُزَارَعَةُ لَازِمَةٌ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ - حَتَّى لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إلَّا بِعُذْرٍ - غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْبَذْرُ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَمْلِكَ الْفَسْخَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَبَعْدَ مَا أَلْقَى الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ تَصِيرُ لَازِمَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِعُذْرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُ ) أَيْ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ سَقَى الْأَرْضَ وَكَرَبَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ وَيَطِيبُ لَهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْمُزَارِعِ وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْأَرْضَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَمَا كَانَ مِنْ الْخَارِجِ بِإِزَاءِ الْبَذْرِ وَالْمُؤْنَةِ يَطِيبُ لَهُ وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنْ حَصَلَ مِنْ الْخَارِجِ شَيْءٌ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَلَا عَلَى الْمُزَارِعِ ا هـ .

غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَأَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ ) أَيْ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ لِأَنَّ عَقْدًا مَا ، لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَعَقْدُ الْمُزَارَعَةِ قَدْ يَكُونُ اسْتِئْجَارَ الشَّخْصِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ كَمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَقَدْ يَكُونُ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ كَمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ ا هـ غَايَةٌ .

وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ قَدْرَ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الزِّرَاعَةِ ، أَوْ أَكْثَرَ وَأَنْ لَا تَكُونَ قَدْرَ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ مِثْلُهُمَا ، أَوْ مِثْلُ أَحَدِهِمَا غَالِبًا وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ : لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَتَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ .( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ جَائِزَةٌ أَيْضًا وَيَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يَعْنِي عَلَى زَرْعٍ وَاحِدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ا هـ قَوْلُهُ : جَائِزَةٌ أَيْضًا يَعْنِي كَالْمُعَامَلَةِ وَانْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي كَتَبْتهَا فِي أَوَّلِ الْمُسَاقَاةِ فَهَذِهِ تَتِمَّتُهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَحُكِيَ عَنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ أَنَّ بَيَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ أَنَّ الْبَذْرَ عَلَى مَنْ يَكُونُ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ بَيْنَهُمْ عُرْفٌ ظَاهِرٌ أَنَّ الْبَذْرَ يَكُونُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ إذْ الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ كَمَا فِي نَقْدِ الْبَلَدِ ا هـ .

وَأَنْ يُبَيِّنَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ - وَهُوَ مَنَافِعُ الْعَامِلِ أَوْ مَنَافِعُ الْأَرْضِ - لَا يُعْرَفُ إلَّا بِبَيَانِ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ لِأَنَّهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَبِبَيَانِهِ يُعْرَفُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مِنْ مَنَافِعِ الْعَامِلِ ، أَوْ مَنَافِعِ الْأَرْضِ .

وَأَنْ يُبَيِّنَ جِنْسَ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِ الْأُجْرَةِ .

( قَوْلُهُ : فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِ الْأُجْرَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَوَّلَ الْمُزَارَعَةِ : وَمِنْ الشَّرَائِطِ بَيَانُ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ وَهَذَا قِيَاسٌ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ بَيَانُ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَى الْمُزَارِعِ أَوْ لَمْ يُفَوِّضْ بَعْدَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْمُزَارَعَةِ هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُزَارَعَةِ ، ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَعْدَ أَوْرَاقٍ مَا نَصُّهُ : وَالثَّامِنُ بَيَانُ جِنْسِ الْبَذْرِ لِيَصِيرَ الْأَجْرُ مَعْلُومًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجْرَ بَعْضُ الْخَارِجِ ، وَإِعْلَامُ جِنْسِ الْأَجْرِ شَرْطٌ وَهَذَا قِيَاسٌ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ مَرَّ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَرْضًا مُزَارَعَةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ فُسِخَتْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَصِمَا فِيهَا حَتَّى زُرِعَتْ وَحَصَدَ زَرْعَهَا وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ جَازَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ ، لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي تَعْلِيلِهِ : لِأَنَّ الْأَرْضَ مِمَّا يُخْتَلَفُ بِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ فَرُبَّ زَرْعٍ يَنْقُصُ الْأَرْضَ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَرُبَّ زَرْعٍ يَنْقُصُهَا نُقْصَانًا قَلِيلًا وَرُبَّ زَرْعٍ يَزِيدُ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَلَوْ زَرَعَ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهَا شَيْئًا قَبْلَ الْفَسْخِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ لِلْعَقْدِ وَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا أَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَلْبَسُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ قِدْرًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يُطْبَخُ فِيهَا وَقَالَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ عَلَى أَنَّ

الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَ شَيْئًا مَعْلُومًا فَزَرَعَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالْأَرْضِ أَوْ لَمْ يُضِرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ أَرْضَهُ بِدَرَاهِمَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ هُنَا بَعْضُ الْخَارِجِ وَالْخَارِجُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ فَإِذَا شَرَطَ الْحِنْطَةَ فَقَدْ رَضِيَ أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهَا حِنْطَةً فَإِذَا زَرَعَ الشَّعِيرَ صَارَ مُخَالِفًا وَلَا كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ بِدَرَاهِمَ لِأَنَّ هُنَاكَ الْإِجَارَةَ دَرَاهِمُ كُلَّهَا فَلَوْ بَطَلَ الْعَقْدُ إنَّمَا يَبْطُلُ لِأَجْلِ الْمَضَرَّةِ فَإِنْ كَانَ مَا زُرِعَ فِيهَا يَكُونُ فِي الْمَضَرَّةِ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ لَمْ يُوجَدْ الْخِلَافُ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ مُخَالِفًا ا هـ .

وَأَنْ يُبَيِّنَ نَصِيبَ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَحَظِّ الْآخَرِ " ؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا .

وَأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ نَظِيرَ الْمُضَارَبَةِ لَا تَصِحُّ حَتَّى يُسَلِّمَ الْمَالَ إلَيْهِ حَتَّى إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا تَفُوتُ بِهِ التَّخْلِيَةُ وَهُوَ عَمَلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ لَا يَصِحُّ .

وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا فَتَنْعَقِدُ إجَارَةً فِي الِابْتِدَاءِ وَتَتِمُّ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ وَلِهَذَا لَوْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانٌ مُسَمَّاةٌ تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَعْضِ الْمُسَمَّى ، أَوْ فِي الْكُلِّ إذَا لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا شُرِطَ أَنْ يَرْفَعَ قَدْرَ بَذْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا شُرِطَ أَنْ يَرْفَعَ عُشْرَ الْخَارِجِ أَوْ ثُلُثَهُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً لِلْوُصُولِ إلَى رَفْعِ الْبَذْرِ .( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَرْفَعَ قَدْرَ بَذْرِهِ ) أَيْ وَيَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ا هـ .

وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ أَوْ تَكُونُ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ أَوْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ وَهَذِهِ الْجُمَلُ مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِهَا ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَهَا إنَّمَا جَوَّزَهَا عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَكُونُ صَاحِبُ الْبَذْرِ وَالْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ ، وَبَقَرُهُ تَبَعٌ لَهُ لِاتِّحَادِ مَنْفَعَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةٌ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ بِإِبْرَتِهِ أَوْ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ لَهُ ثَوْبًا بِصِبْغٍ مِنْ عِنْدِهِ وَالْأَجْرُ يُقَابِلُ عَمَلَهُ دُونَ الْآلَةِ فَيَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ فَتُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ عَلَى هَذَا كَمَا رَأَيْت وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ صَاحِبُ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ يَكُونُ صَاحِبُ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ بِلَا بَقَرٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا بِإِبْرَةٍ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الثَّوْبِ أَوْ طَيَّانًا لِيُطَيِّنَ لَهُ بِمَرٍّ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ .

( قَوْلُهُ : وَالْأُجْرَةُ تُقَابِلُ عَمَلَهُ دُونَ الْآلَةِ ) يَعْنِي لَا يَكُونُ الْأَجْرُ بِمُقَابَلَةِ الْبَقَرِ بَلْ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ صَاحِبُ الْبَذْرِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ : آجَرْتُك أَرْضِي هَذِهِ سَنَةً بِالثُّلُثِ أَوْ بِالرُّبُعِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْبَذْرُ عَلَى الْمُزَارِعِ وَلَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيْك أَرْضِي أَوْ قَالَ أَعْطَيْتُك أَرْضِي مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ ، وَإِنَّهُ شَرْطٌ وَلَا كَذَلِكَ الصُّورَةُ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا مَحَالَةَ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْبَقَرُ غَيْرُ مُسْتَأْجَرَةٍ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَهَا فِي عَمَلِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ لِآخَرَ ، أَوْ كَانَ الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي لِآخَرَ ، أَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ ، أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً أَوْ مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَاقِي ، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ رَبُّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ ، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ الْخَرَاجَ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَسَدَتْ فَيَكُونُ الْخَارِجُ لِرَبِّ الْبَذْرِ وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ ، أَوْ أَرْضِهِ وَلَمْ يُزَدْ عَلَى مَا شَرَطَ ) وَالشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا بَيَّنَ شُرُوطَ جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ بَيَّنَ أَيْضًا الشُّرُوطَ الْمُفْسِدَةَ لَهَا وَبَيَّنَ أَنَّ الْخَارِجَ فِي الْفَاسِدَةِ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَأَنَّ لِلْآخَرِ أَجْرَ الْمِثْلِ ، وَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ ، وَالْآخَرَ هُوَ الْأَجِيرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى عَلَى مَا عُرِفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَقِيلَ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْبَذْرِ قَابِضًا لَهُ بِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، ثُمَّ قِيلَ إنْ كَانَ الْبَذْرُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَا يَطِيبُ لَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الْبَذْرِ وَأَجْرِ الْأَرْضِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي عَدَّهَا مُفْسِدَةً لِلْإِجَارَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ لِآخَرَ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ ، وَاشْتِرَاطُ الْبَقَرِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ مُفْسِدٌ لِلْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا الْإِنْبَاتُ ، وَمَنْفَعَةَ الْبَقَرِ الشَّقُّ وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ ، وَشَرْطُ التَّبَعِيَّةِ الِاتِّحَادُ فَصَارَ شَرْطًا

مُفْسِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَقَرُ مَعَ الْعَامِلِ حَيْثُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ أَمْكَنَ جَعْلُهُ تَبَعًا لِاتِّحَادِ مَنْفَعَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ صَلَاحِيَةٌ يُقَامُ بِهَا الْعَمَلُ كَإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ .

( قَوْلُهُ : أَوْ مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَاقِي ) الْمَاذِيَانُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ أَصْغَرُ مِنْ النَّهْرِ وَأَعْظَمُ مِنْ الْجَدْوَلِ وَالسَّوَاقِي جَمْعُ السَّاقِيَةِ وَهِيَ فَوْقَ الْجَدْوَلِ دُونَ النَّهْرِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَاذِيَانُ وَالسَّاقِيَةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ وَفَرَّقَ صَاحِبُ الْغَرِيبَيْنِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ : وَفِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ { كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانِ } وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى { بِمَا عَلَى السَّوَاقِي } أَيْ بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْأَنْهَارِ الْكِبَارِ وَالْعَجَمُ يُسَمُّونَهَا الْمَاذِيَانَ وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ وَلَكِنَّهَا سَوَادِيَّةٌ وَالسَّوَاقِي دُونَ الْمَاذِيَانَاتِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْغَرِيبَيْنِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَالْمَاذِيَانَاتُ الْأَنْهَارُ مُعَرَّبَةٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الرَّازِيّ فِي فَوَائِدِهِ لِمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ الْمَاذِيَانَاتُ مُعَرَّبَةٌ وَهِيَ الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ وَالسَّوَاقِي الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ لِأَنَّهَا كَالسِّقَايَاتِ وَالرَّبِيعُ النَّهْرُ الصَّغِيرُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ صَاحِبُ الْبُذُورِ - وَهُوَ الْعَامِلُ - مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ وَالْبَقَرِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَيَكُونُ الْبَعْضُ بِمُقَابَلَةِ الْبَقَرِ مَقْصُودًا وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَجَعَلَ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ تَبَعًا لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ كَمَا جُعِلَتْ تَبَعًا لِمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ فَإِنَّ الْبَقَرَ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُ الْبَقَرِ مَعَ الْأَرْضِ وَلَا يَصِحُّ مَقْصُودًا ا هـ قَوْلُهُ : وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ أَيْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ وَالْأَرْضُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ مِنْ آخَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ :

وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ لِآخَرَ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَشُرِطَ الْبَقَرُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ آجَرَ الْبَقَرَ بِبَعْضِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ غَيْرَ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا قَوْلُهُ : لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا الْإِنْبَاتُ ) أَيْ بِخَلْقِ اللَّهِ إيَّاهَا كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّبِيعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمَنْفَعَةُ الْبَقَرِ الشَّقُّ ) أَيْ وَهُوَ إقَامَةُ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا ا هـ .

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْأَرْضُ فَلِأَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلُ الْأَرْضُ تَبَعًا لَهُ لِاخْتِلَافِ مَنْفَعَتِهِمَا فَصَارَ نَظِيرُ الْبَقَرِ وَالْأَرْضِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ .( قَوْلُهُ : وَالْبَاقِي لِآخَرَ ) فَهَذِهِ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ وَالْبَقَرِ وَالْعَامِلِ جَمِيعًا بِالْبَذْرِ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ وَالْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ ، وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْأَرْضُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَرْضَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَبَعًا لِعَمَلِهِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ فَفَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ ، وَهُنَا وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ آخَرَ قَالُوا هُوَ فَاسِدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْعَامِلِ وَحْدَهُ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ وَحْدَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبَقَرَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلَ أَوْ الْأَرْضَ ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِئْجَارِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ، وَإِنَّمَا تَرَكْنَا ذَلِكَ بِالْأَثَرِ ، وَالْأَثَرُ وَرَدَ فِي اسْتِئْجَارِ الْعَامِلِ ، أَوْ الْأَرْضِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ إذْ اسْتِئْجَارُ شَيْءٍ بِأُجْرَةٍ غَيْرِ مُشَارٍ إلَيْهِ وَلَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ ، أَوْ الْعَامِلِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْأَرْضُ ) فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْبَاقِي مِنْ آخَرَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَقَرُ وَحْدَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ كَذَا فِي تَجْرِيدِ الْمُحِيطِ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ الشَّيْخُ مُلَّا مِسْكِينٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَقُومُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ أَرْبَعَةٌ : وَهِيَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالثَّلَاثَةُ مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ أَوْ الْعَمَلُ أَوْ الْبَذْرُ أَوْ الْبَقَرُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ : الْأَوَّلَانِ جَائِزَانِ وَالثَّالِثُ غَيْرُ جَائِزٍ وَالرَّابِعُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اثْنَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَاثْنَانِ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَعَ الْبَذْرِ أَوْ مَعَ الْبَقَرِ أَوْ مَعَ الْعَمَلِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَاقِيَانِ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ دُونَ الْآخَرَيْنِ ا هـ .

وَأَمَّا إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً ، أَوْ مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَاقِي ، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ رَبُّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ ، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ الْخَرَاجَ فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَعْضِ الْمُسَمَّى ، أَوْ فِي الْكُلِّ ، وَشَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ هُنَا هُوَ الْمُوَظَّفُ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَرْضِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً ، أَوْ قُفْزَانًا مُسَمَّاةً ، أَوْ مِنْهُمَا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخَرَاجُ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ عَلَيْهَا نِصْفَ الْخَارِجِ ، أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَلَا يَفْسُدُ اشْتِرَاطُ رَفْعِهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ، وَهُوَ الْحِيلَةُ لِرَفْعِ قَدْرِ بَذْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَذَا إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا التِّبْنَ وَلِلْآخَرِ الْحَبَّ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تُصِيبَهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدَ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ وَكَذَا إذَا شَرَطَا التِّبْنَ نِصْفَيْنِ وَالْحَبَّ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِذِكْرِ التِّبْنِ صَحَّتْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، ثُمَّ التِّبْنُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ ، وَفِي حَقِّهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ كَنَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ : التِّبْنُ أَيْضًا بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَبِّ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِرَبِّ الْبَذْرِ صَحَّتْ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُخَالِفُ مُوجَبَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْعَامِلِ فَسَدَتْ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِأَنْ تُصِيبَهُ آفَةٌ فَلَا

يَنْعَقِدَ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ صَحَّتْ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ ) لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ .

( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ هُنَا هُوَ الْمُوَظَّفُ ) أَيْ لِأَنَّ جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ وَذَلِكَ وَرَدَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مُشْتَرَكًا وَمَا سِوَاهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ مَتَى شَرَطَ شَرْطًا يُوهِمُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ عَنْ الْخَارِجِ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا انْعَقَدَ لِيَصِيرَ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ وَمَتَى انْقَطَعَ احْتِمَالُ الشَّرِكَةِ بَقِيَ إجَارَةً مَحْضَةً بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا ) أَيْ تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِلْآخَرِ الْحَبُّ ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ ا هـ غَايَةٌ ( فَرْعٌ ) إذَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ وَالتِّبْنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ وَيَكُونُ التِّبْنُ وَالْحَبُّ بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَ وَكَذَا إذَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا أَوْ الزَّرْعُ أَوْ الرِّيعُ بَيْنَهُمَا جَازَ وَيَكُونُ الْحَبُّ وَالتِّبْنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ اسْمَ الْخَارِجِ يَتَنَاوَلُهُمَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِذِكْرِ التِّبْنِ إلَخْ ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ وَيَكُونُ التِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ التِّبْنَ مَقْصُودٌ كَمَا أَنَّ الْحَبَّ مَقْصُودٌ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَنْ لَا بَذْرَ لَهُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَ التِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ بَيْنَهُمَا وَالتِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَذَلِكَ جَائِزٌ لِمَا ذَكَرْنَا ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ بَيْنَهُمَا وَسَكَتَا عَنْ الْحَبِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحَبُّ فَالسُّكُوتُ عَنْ الْمَقْصُودِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ عَنْهُمَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ

نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِرَبِّ الْبَذْرِ صَحَّتْ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُخْرِجَ الْحَبَّ ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِجَوَازِ الْمُعَامَلَةِ وَأَنَّهُ شَرِكَةٌ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ الثَّمَرُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْغِرَاسُ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ مِثْلِهَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : وَهُوَ الْغِرَاسُ الْأَصْلُ هُوَ التِّبْنُ وَالْغِرَاسُ ، وَالْفَرْعُ هُوَ الْحَبُّ وَالثَّمَرُ لِأَنَّهُ مُتَوَلَّدٌ مِنْهُمَا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ شَرَطَا الْحَبَّ بَيْنَهُمَا وَالتِّبْنَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَإِنْ شَرَطَاهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ جَازَ وَلَوْ شَرَطَاهُ لِلْآخَرِ فَسَدَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْعَامِلِ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا شَرَطَا أَنَّ الْحَبَّ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ ) لِأَنَّهَا إمَّا إجَارَةٌ ، أَوْ شَرِكَةٌ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً فَالْوَاجِبُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْهَا الْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ شَرِكَةً فَالشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ وَلَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا حَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ ، وَعَدَمُ الْخُرُوجِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِهِ فِي الذِّمَّةِ .( قَوْلُهُ : حَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ ) الظَّاهِرُ بَعْدَ قَوْلِهِ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ إلَخْ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَبَى عَنْ الْمُضِيِّ أُجْبِرَ إلَّا رَبَّ الْبَذْرِ ) لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ إجَارَةً ، وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ ، غَيْرَ أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عَنْ الْمُضِيِّ فِيهَا كَانَ مَعْذُورًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْبَذْرِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا ؟ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَهْدِمَ دَارِهِ ثُمَّ امْتَنَعَ ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْعَامِلُ أُجْبِرَ عَلَى الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ فَلَا يَفْسَخُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، ثُمَّ إذَا امْتَنَعَ رَبُّ الْبَذْرِ وَالْأَرْضِ مِنْ قَبْلِهِ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ إنَّمَا يُتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَقَدْ قَوَّمَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ وَلَا خَارِجَ وَيَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ كَيْ لَا يَكُونَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَيُفْتَى بِإِرْضَائِهِ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ .( قَوْلُهُ : فَلَا يُفْسَخُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ) أَيْ عُذْرٍ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عُذْرٌ مِمَّا تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ فَيَكُونَ لَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَيُفْتَى ) هَذَا إذَا امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ أَمَّا لَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ كِرَابِهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا عَقَدَاهَا لِأَنْفُسِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِجَارَةِ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ يَبْقَى عَقْدُ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ ذَلِكَ الزَّرْعُ ثُمَّ يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ فَيَعْمَلُ الْعَامِلُ أَوْ وَرَثَتُهُ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا حُصِدَ يُقْسَمُ عَلَى مَا شَرَطَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَاقِي فَتَبْطُلُ وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إتْلَافُ مَالٍ عَلَى الْمُزَارِعِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَوَّمُ بِالْخَارِجِ وَلَا خَارِجَ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ يُفْتَى بِإِرْضَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ بِالِامْتِنَاعِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بِدُونِ اخْتِيَارِهِ ، وَإِذَا كَانَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ دَيْنٌ فَادِحٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَائِهِ إلَّا بِبَيْعِ الْأَرْضِ فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ وَبِيعَتْ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَهَذَا عُذْرٌ ، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَتَقْوِيمُهَا وَقَعَ بِالْخَارِجِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْخَارِجُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَلَمْ يَسْتَحْصِدْ لَمْ تُبَعْ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُزَارِعِ ، وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ إنْ كَانَ حَبَسَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ بَيْعُ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُمَاطِلًا فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا

وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ بِالْمُمَاطَلَةِ وَلَا كَذَلِكَ لَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَلَمْ تُنْبِتْ بَعْدُ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِهْلَاكٌ وَلِهَذَا لَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عَنْ الْمُزَارَعَةِ كَانَ عُذْرًا لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ الِاسْتِهْلَاكِ فَصَارَ الْمَزْرُوعُ مُسْتَهْلَكًا وَالْمُسْتَهْلَكُ لَيْسَ بِمَالٍ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَيْنٌ فِيهَا تُبَاعُ فِي الْحَالِ فِي الدَّيْنِ كَمَا تُبَاعُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فِي الْحَالِ وَقِيلَ لَا تُبَاعُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ كَمَا لَا تُبَاعُ بَعْدَ النَّبَاتِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِنْمَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ زِرَاعَةَ مَالِ الصَّغِيرِ وَلَوْ كَانَ اسْتِهْلَاكًا لَمَا مَلَكَاهُ فَكَانَ الْبَذْرُ فِيهَا عَيْنَ مَالٍ فَلَا تُبَاعُ كَمَا لَا تُبَاعُ بَعْدَ النَّبَاتِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ إلَيْهِ سِنِينَ ، ثُمَّ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِنْهَا بَعْدَ مَا نَبَتَ الزَّرْعُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ الْأَرْضِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ حَقُّ الْأَخْذِ لِأَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ إلَّا أَنَّا بَقَّيْنَاهُ اسْتِحْسَانًا لِأَجْلِ الْعُذْرِ ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ جُوِّزَ لِلْعُذْرِ فَلَأَنْ يَبْقَى لِلْعُذْرِ كَانَ أَوْلَى وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَلَمَّا تَوَجَّهَ لُجَّةَ الْبَحْرِ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَدَّرْنَا عَقْدَ إجَارَةٍ مُبْتَدَأٍ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمَكَانِ الْعُذْرِ فَإِذَا قَدَّرْنَا عَقْدًا مُبْتَدَأً لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَلَأَنْ يَبْقَى الْمُزَارِعُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى الشَّرْطِ أَوْلَى وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي السِّنِينَ الْبَاقِيَةِ ( قَوْلُهُ : فَادِحٌ ) الْفَادِحُ الثَّقِيلُ يُقَالُ فَدَحَهُ الْأَمْرُ أَثْقَلَهُ ا هـ كَاكِيٌّ وَالْفَادِحُ بِالْفَاءِ ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي : وَالْأَعْذَارُ ثَلَاثَةٌ الْمَرَضُ الَّذِي يُقْعِدُ الْعَامِلَ عَنْ الْعَمَلِ ، وَخِيَانَةُ الْعَامِلِ وَالدَّيْنُ الَّذِي لَا وَفَاءَ بِهِ عِنْدَهُ سِوَى بَيْعِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ حُصُولُ الْغَرَضِ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ غَالِبًا فَلَمْ يَكُنْ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةٌ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَا كَذَلِكَ لَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَلَمْ تُنْبِتْ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا أَلْقَى الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ تُنْبِتْ بَعْدُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْضَ لِأَنَّهُ بَعْدُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ الْمُزَارِعِ وَيَضْمَنُ لَهُ بَذْرَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ وَيَضْمَنُ مَا زَادَ الْبَذْرُ فِيهَا

لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَى قَطْعِ حَقِّهِ عَنْهُ لِلْحَالِ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ لِلْحَالِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ فَعَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ حَتَّى يُدْرِكَ ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِ الْآخَرِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إلَّا أَنَّ فِي قَلْعِهِ ضَرَرًا فَبَقَّيْنَاهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ فَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ حَيْثُ يُتْرَكُ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُزَارِعِ شَيْءٌ لِأَنَّا بَقَّيْنَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ هُنَاكَ اسْتِحْسَانًا لِبَقَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَأَمْكَنَ اسْتِمْرَارُ الْعَامِلِ ، أَوْ وَارِثِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ أَمَّا هُنَا فَلَا يُمْكِنُ لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ أَجْرِ الْمِثْلِ بِالْإِبْقَاءِ ، وَكَانَ الْعَمَلُ وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ وَمُؤْنَةُ الْحِفْظِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْعَامِلِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ فِي الْمُدَّةِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ انْتَهَى الْعَقْدُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا مُؤْنَتُهُ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِدْرَاكِ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ عَلَى الْعَامِلِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .

، وَإِنْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا عَلَى الزَّرْعِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَبِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْفِقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَصَارَ نَظِيرَ تَرْمِيمِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ .( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا عَلَى الزَّرْعِ ) أَيْ فِيمَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بَقْلًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْآخَرِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُزَارِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بَقْلًا قِيلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ : اقْلَعْ الزَّرْعَ إنْ شِئْت فَيَكُونَ بَيْنَكُمَا ، أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ أَوْ أَنْفِقْ أَنْتَ عَلَى الزَّرْعِ فَارْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَتْ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ .( قَوْلُهُ : أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ ) أَيْ نَابِتًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : وَيَكُونُ الزَّرْعُ كُلُّهُ لَك ا هـ ( قَوْلُهُ : فَارْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقْت ) اعْلَمْ أَنَّ فِي الرُّجُوعِ فِي حِصَّةِ الْمُزَارِعِ إشْكَالًا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَارْجِعْ إلَيْهِ ا هـ .

وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَعْمَلُوا مَكَانَهُ نَظَرًا لَهُمْ وَلَا أَجْرَ لَهُمْ ؛ لِأَنَّا بَقَّيْنَا الْعَقْدَ نَظَرًا لَهُمْ فَقَامُوا مَقَامَهُ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ فِي الْمُدَّةِ فَكَذَا هُمْ ، وَإِنْ أَرَادُوا قَلْعَ الزَّرْعِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّا بَقَّيْنَا الْعَقْدَ نَظَرًا لَهُمْ ، وَإِذَا تَرَكُوا النَّظَرَ لِأَنْفُسِهِمْ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ وَكَانَ لِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثَةُ نَظَرًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حُقُوقِهِمَا كَأُجْرَةِ الْحَصَادِ وَالرَّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا نَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرَّفَاعِ وَالدِّيَاسَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ ، أَمَّا نَفَقَةُ الزَّرْعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا وُجُوبُ الْحَصَادِ وَالرَّفَاعِ وَالدِّيَاسَةِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا فَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ يُوجِبُ عَلَى الْعَامِلِ عَمَلًا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى انْتِهَاءِ الزَّرْعِ لِيَزْدَادَ الزَّرْعُ بِذَلِكَ فَيَتَنَاهَى وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ بِتَنَاهِي الزَّرْعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَيَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَتَجِبُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمَا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حُقُوقِهِمَا إلَخْ ) حَاصِلُ الْكَلَامِ هُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ مَا كَانَ قَبْلَ بُلُوغِ الزَّرْعِ مَا يَصْلُحُ بِهِ الزَّرْعُ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ وَمَا كَانَ بَعْدَ مَا تَنَاهَى الزَّرْعُ فَهُوَ عَلَيْهِمَا وَمَا كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الزَّرْعُ قَبْلَ بُلُوغِ الزَّرْعِ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلُ الْمُزَارَعَةِ ، وَهُوَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارِعِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ، وَكُلُّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ تَنَاهِي الزَّرْعِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ تَمَيَّزَ فَيَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ شَرْطَاهُ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ ) أَيْ شَرَطَا الْعَمَلَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الزَّرْعِ كَالْحَصَادِ وَالرَّفَاعِ وَالتَّذْرِيَةِ وَالدِّيَاسِ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَيَفْسُدُ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي عَمَلَ الْمُزَارَعَةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الْمُزَارَعَةِ فَكَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَيَكُونُ شَرْطُهَا مُفْسِدًا كَشَرْطِ الْحَمْلِ وَالطَّحْنِ عَلَى الْعَامِلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ مَعَ شَرْطِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ جَائِزَةٌ ، وَمَشَايِخُ بَلْخٍ كَانُوا يُفْتُونَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَزِيدُونَ عَلَى هَذَا ، وَيَقُولُونَ يَجُوزُ شَرْطُ التَّنْقِيَةِ وَالْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ عَلَى الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مُتَعَامَلٌ بَيْنَ النَّاسِ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَاسِ بِالتَّعَامُلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا وَلَوْ شَرَطَا الْجِدَادَ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ الْحَصَادَ عَلَى غَيْرِ الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التَّعَامُلِ وَلَوْ أَرَادَا فَصْلَ الْقَصِيلِ ، أَوْ جِدَادَ التَّمْرِ بُسْرًا ، أَوْ الْتِقَاطَ الرُّطَبِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا أَنْهَيَاهُ لَمَّا عَزَمَا عَلَى الْقَصِيلِ وَالْجِدَادِ بُسْرًا فَصَارَ كَالْحَصَادِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَرَادَا فَصْلَ الْقَصِيلِ إلَخْ ) الْقَصِيلُ اسْمٌ لِكُلِّ زَرْعٍ بَعْدَ النَّبَاتِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ قَالُوا لَوْ شَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ عَمَلَهُمَا جَمِيعًا فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ فَإِذَا شَرَطَ عَمَلَ صَاحِبِهِ لَمْ يُسَلَّمْ مَا آجَرَ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَاشْتَرَطَ عَمَلَهُ فَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَالْأَرْضِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُزَارَعَةِ التَّخْلِيَةُ وَصَارَ كَالْمُضَارَبَةِ إذَا شُرِطَ فِيهَا عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ أَنَّهَا تَفْسُدُ فَكَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ .

( كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ لُغَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ مُعَاقَدَةُ دَفْعِ الْأَشْجَارِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَهُمَا ) يَعْنِي فِي الْعُرْفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ ) حَتَّى لَا تَجُوزَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمُزَارَعَةِ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ وَشُرُوطُهَا عِنْدَهُمَا شُرُوطُ الْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُضِيِّ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْبَذْرِ إذَا امْتَنَعَ ، وَالثَّانِي إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ يُتْرَكُ بِلَا أَجْرٍ وَيَعْمَلُ بِلَا أَجْرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِأَجْرٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالثَّالِثُ إذَا اُسْتُحِقَّ النَّخِيلُ يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَالْمُزَارِعُ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ ، وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا الْمُدَّةَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ وَقْتَ إدْرَاكِ الثَّمَرِ مَعْلُومٌ ، وَقَلَّ مَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ ، وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرَّطْبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ ، وَالِانْتِهَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ غَرْسًا قَدْ نَبَتَ وَلَمْ يُثْمِرْ بَعْدَ مُعَامَلَةٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ الْأَرَاضِي وَضَعْفِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ نَخِيلًا ، أَوْ أُصُولَ رَطْبَةٍ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا وَنَبْتُهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَتَى يَنْقَطِعُ النَّخِيلُ أَوْ الرَّطَبَاتُ ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ تَنْمُو مَا دَامَتْ مُتَرَكِّبَةً فِي الْأَرْضِ فَتَكُونُ

الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً فَتَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ فِي الرَّطْبَةِ ، وَلَمْ يَزِدْ ، قَوْلَهُ " حَتَّى تَذْهَبَ " بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ فِي النَّخِيلِ حَيْثُ يَجُوزُ وَيَنْصَرِفُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ثَمَرَ النَّخِيلِ لِإِدْرَاكِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ فِي الرَّطْبَةِ أَوَّلُ جِزَّةٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَتَى يُجَزُّ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا جَازَ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ فَصَارَ كَبَذْرِهِ وَثِمَارِ النَّخْلِ وَلَوْ أَطْلَقَ فِي النَّخِيلِ وَلَمْ يُثْمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ انْقَضَتْ الْمُعَامَلَةُ فِيهَا لِانْتِهَاءِ مُدَّتِهَا فَإِنْ سَمَّيَا فِيهَا مُدَّةً يُعْلَمُ أَنَّ الثَّمَرَ لَا يَخْرُجُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الثِّمَارِ ، وَإِنْ ذَكَرَا مُدَّةً مُحْتَمِلَةً لِطُلُوعِ الثَّمَرِ فِيهَا جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الذَّهَابَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ فَاسِدًا فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ .

( كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْمُسَاقَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَامَلَةِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ لُغَاتٌ يَخْتَصُّونَ بِهَا فَيَقُولُونَ لِلْمُزَارَعَةِ : مُخَابَرَةً وَلِلْإِجَارَةِ بَيْعًا وَلِلْمُضَارَبَةِ مُقَارَضَةً وَلِلصَّلَاةِ سَجْدَةً ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ فَإِذَا اشْتَرَطَ فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ لَمْ تُوجَدْ وَلَوْ اشْتَرَطَ شَيْئًا عَلَى الْمُسَاقِي مِمَّا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ وَرَاءَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، نَحْوُ إلْقَاءِ السِّرْقِينِ وَنَصْبِ الْعَرَائِشِ وَتَقْلِيبِ أَرْضِ الْغِرَاسِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُعَامَلَةَ فَاسِدَةٌ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَطَ قَطْفَ الْعِنَبِ عَلَى الْعَامِلِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْمُعَامَلَةَ فَإِذَا فَسَدَتْ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ الْمُدَّةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْمُزَارَعَةِ وَفِيمَا إذَا دَفَعَ الْأَرْضَ مُعَامَلَةً فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَعَلَى جَوَازِ الِاسْتِحْسَانِ فَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَأَوْقَعَ الْمُعَامَلَةَ عَلَى ثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا أَوْقَعَ الْمُزَارَعَةَ عَلَى زَرْعٍ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْبَذْرُ بِالذَّالِ مَا يُبْذَرُ وَالْبَزْرُ بِالزَّايِ بَزْرُ الْبَقْلِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الدِّيوَانِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ سَمَاعُنَا هَذَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِالذَّالِ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا ) أَيْ فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ فَاسِدٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَنَبْتُهَا ) أَيْ يَنْقَطِعَ نَبْتُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : فَتَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ ) إلَّا إنْ بَيَّنَا الْمُدَّةَ ا هـ (

قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ فِي الرَّطْبَةِ ) يَعْنِي لَمْ يُبَيِّنْ مُدَّةً ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَزِدْ قَوْلَهُ حَتَّى تَذْهَبَ ) أَيْ فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ فَاسِدَةٌ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّطْبَةِ جِزَّةٌ مَعْلُومَةٌ ، وَإِذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً جَازَتْ كَمَا سَيَجِيءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ فِي الشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ : لَا تَجُوزُ إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَلَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ إلَّا تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُمَا لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُزَارَعَةِ : وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُمَا بِالْأَثَرِ وَهُوَ حَدِيثُ خَيْبَرَ وَقَدْ خَصَّهُمَا وَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ وَالْمُسَاقَاةُ أَشْبَهُ بِهَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ فِيهَا الشَّرِكَةَ فِي الزِّيَادَةِ دُونَ الْأَصْلِ - وَهُوَ النَّخِيلُ - كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ رَفْعِ الْبَذْرِ مُفْسِدٌ إجْمَاعًا فَجَوَّزْنَا الْمُعَامَلَةَ مَقْصُودًا وَلَمْ نُجَوِّزْ الْمُزَارَعَةَ إلَّا تَبَعًا فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَةِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ تَبَعًا لِبَيْعِ الْأَرْضِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ ، أَوْ زَرْعٍ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَهَذَا مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِبَعْضِ الْأَشْجَارِ دُونَ بَعْضٍ وَلَا تَكُونُ الْمُزَارَعَةُ تَبَعًا لِلْمُعَامَلَةِ بِالرَّأْيِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ فَوَجَبَ إجْرَاؤُهَا عَلَى إطْلَاقِهَا ، وَيَحْكِي نَصًّا أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي الْأَشْجَارِ وَالرِّطَابِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُولَةً فَجَازَ تَعْدِيَتُهَا إلَى مَا لَا نَصَّ فِيهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْخَصْمِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ .

( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لَا تَجُوزُ إلَخْ ) وَفِي الْقَدِيمِ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَجَرَةٍ لَهَا ثَمَرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ الشَّافِعِيُّ بِأَنْ يَكُونَ الْأَثَرُ خَصَّ النَّخْلَ وَالْكَرْمَ وَلَكِنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ الْمُعَامَلَةُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ وَالْعِلَّةُ عَامَّةٌ فِي غَيْرِهِمَا فَتَجُوزُ فِي الرِّطَابِ وَالْبَاذِنْجَانِ أَيْضًا لِوُجُودِ الْحَاجَةِ فِيهِمَا ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرَةٌ مُسَاقَاةً وَالثَّمَرَةُ تَزِيدُ بِالْعَمَلِ صَحَّتْ ، وَإِنْ انْتَهَتْ لَا كَالْمُزَارَعَةِ ) لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي فَلَوْ جَازَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَاسْتَحَقَّ بِلَا عَمَلٍ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِمَا قَبْلَ التَّنَاهِي ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ قَبْلَ التَّنَاهِي لِلْحَاجَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا حَاجَةَ إلَى مِثْلِهِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَكَذَا عَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الزَّرْعَ وَهُوَ بَقْلٌ جَازَ ، وَإِنْ اسْتَحْصَدَ وَأَدْرَكَ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَالْمُزَارَعَةِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرَةٌ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا فِيهِ طَلْعٌ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا فَهُوَ عَلَى الْمُعَامَلَةِ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِذَا بَلَغَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَقَدْ صَارَ بُسْرًا أَخْضَرَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَقَدْ صَارَ أَحْمَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهُ فَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ جَائِزَةٌ وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَإِذَا دَفَعَهُ وَقَدْ انْتَهَى عِظَمُهُ وَلَيْسَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْطُبْ فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ وَحَفِظَهُ حَتَّى صَارَ تَمْرًا فَجَمِيعُ التَّمْرِ لِصَاحِبِ النَّخْلِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَجَمِيعُ الْفَاكِهَةِ فِي الْأَشْجَارِ يَدْفَعُهَا فَهُوَ كَمَا وَصَفْت لَك مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الِاسْتِحْصَادَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ بِبَعْضِهِ وَالْجَوَابُ فِيهِ مِثْلُ الْأَوَّلِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي بَابِ الْعُذْرِ فِي الْمُعَامَلَةِ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ نَخْلًا مُعَامَلَةً فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَقَامَ عَلَيْهِ وَلَقَّحَهُ حَتَّى إذَا صَارَ أَخْضَرَ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ الْمُعَامَلَةُ وَكَانَ الْبُسْرُ بَيْنَ وَرَثَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ نِصْفَيْنِ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْتَقِضُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ لَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نُقِيمَ وَرَثَةَ صَاحِبِ الْأَرْضِ مَقَامَهُ وَيَبْقَى الْعَقْدُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ أَنَا آخُذُ نِصْفَ الْبُسْرِ فَالْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا صَرَمُوا الْبُسْرَ

وَاقْتَسَمُوهُ وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْبُسْرِ وَإِنْ شَاءُوا أَنْفَقُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ ، وَيَرْجِعُونَ بِنِصْفِ نَفَقَتِهِمْ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِ فِي الْمُزَارَعَةِ ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْمُسَاقَاةِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِذَا فَسَدَتْ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا فَسَدَتْ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ ( كَالْمُزَارَعَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيهَا ) فَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَقُومُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الثَّمَرُ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ يَتَخَيَّرُ وَرَثَةُ الْآخَرِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَسِمُوا الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْبُسْرِ وَبَيْنَ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَفِي رُجُوعِهِمْ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ إشْكَالٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِجَمِيعِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَكَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ أَوْ لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ كَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ فَلَوْ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُؤْنَةَ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ وَهَذَا خُلْفٌ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ بِلَا عَمَلٍ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَكَذَا هَذَا الْإِشْكَالُ وَارِدٌ فِي الْمُزَارَعَةِ أَيْضًا وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَصْرِمُوهُ بُسْرًا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَالْإِشْكَالُ الْوَارِدُ فِي الرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ وَأَرَادَ هُنَا أَيْضًا وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا فَالْخِيَارُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ وَهَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ

وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لَا أَنْ يَكُونَ وَارِثَهُ فِي الْخِيَارِ فَيُورَثَ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنْ أَبَى وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى مَا وَصَفْنَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُعَامَلَةِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ أَخْضَرُ فَهُوَ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهَا فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الثِّمَارُ كَمَا كَانَ ذَلِكَ لِلْمُزَارِعِ لَكِنْ هُنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ حِصَّتِهِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ هَهُنَا وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْأَرْضِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فِي الْمُزَارَعَةِ لَا يُسْتَحَقُّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ كَمَا يُسْتَحَقُّ قَبْلَ انْتِهَائِهَا .

( قَوْلُهُ : وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ ) أَيْ وَقَالَ أَنَا آخُذُ نِصْفَ الْبُسْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِي رُجُوعِهِمْ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ ) لَمْ يَقُلْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِيَرُدَّ مَا ذَكَرَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِجَمِيعِ مَا غَرِمُوا فِي نَصِيبِ الْمُزَارِعِ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَالشَّارِحُ اعْتَقَدَ أَنَّ مَعْنَاهُ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِمَّا غَرِمُوا أَيْ يَكُونُ جَمِيعُ مَا غَرِمُوا عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : إشْكَالٌ ) فِي هَذَا الْإِشْكَالِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا إشْكَالَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَصْلًا إنَّمَا الْإِشْكَالُ فِيمَا فَهِمَهُ هَذَا الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ عِبَارَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي حِصَّتِهِ أَيْ يَرْجِعُونَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقُوا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَرْجِعُونَ بِحِصَّتِهِ ا هـ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الْبُرْهَانِ الطَّرَابُلُسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ ) أَيْ الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ ، وَإِنَّمَا قَالَهُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ خِيَارُ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ عِنْدَكُمْ لِأَنَّهُ عِوَضٌ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَكَيْفَ يَثْبُتُ هَذَا الْخِيَارُ لَهُمْ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَوْرِيثِ الْخِيَارِ بَلْ هَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَى أَنْ تُدْرِكَ فَجَازَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُفْسَخُ بِالْعُذْرِ كَالْمُزَارَعَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ ، وَكَوْنُهُ سَارِقًا عُذْرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ بِسَرِقَةِ الثَّمَرِ ، أَوْ السَّعَفِ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَكَذَا مَرَضُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِإِلْزَامِهِ اسْتِئْجَارَ الْأُجَرَاءِ وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ الْعَمَلِ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ : يُمَكَّنُ ، وَقَالُوا : لَا يُمَكَّنُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ يُمَكَّنُ أَنْ لَوْ شُرِطَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ عُذْرًا مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَتُفْسَخُ بِالْعُذْرِ ) ثُمَّ هَلْ يَنْفَرِدُ صَاحِبُ الْعُذْرِ بِالْفَسْخِ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِيهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْمُزَارَعَةِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُمَا مُسْتَقْصًى فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي بَابِ فَسْخِ الْإِجَارَةِ أَيْضًا ا هـ غَايَةٌ .

وَمَنْ دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَى رَجُلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَغْرِسُ فِيهَا شَجَرًا أَوْ كَرْمًا ، أَوْ نَخْلًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَا بِعَمَلِهِ وَهِيَ الْأَرْضُ أَوْ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَجْعَلَ أَرْضَهُ بُسْتَانًا بِآلَاتِ الْأَجِيرِ عَلَى أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهُ نِصْفَ الْبُسْتَانِ الَّذِي يَظْهَرُ بِعَمَلِهِ ، أَوْ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ فَيَفْسُدُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ لَهُ ثَوْبًا بِصِبْغِ نَفْسِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْمَصْبُوغِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنِصْفِ الْغِرَاسِ مِنْ الْعَامِلِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسُ مَجْهُولٌ وَمَعْدُومٌ وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فِي نَصِيبِهِ فِي الْمُدَّةِ أَيْضًا وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْفَسَادَ ثُمَّ جَمِيعُ الثَّمَرِ وَالْغَرْسِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْعَامِلِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الشَّجَرِ لَمَّا كَانَ فَاسِدًا وَقَدْ غَرَسَهُ الْعَامِلُ بِأَمْرِهِ فِي أَرْضِهِ صَارَ كَأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا لِلْغَرْسِ بِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ مُسْتَهْلِكًا لَهُ بِالْعُلُوقِ فِيهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ أَشْجَارِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ ابْتَغَى لِعَمَلِهِ أَجْرًا وَهُوَ نِصْفُ الْأَرْضِ ، أَوْ نِصْفُ الْخَارِجِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( كِتَابُ الذَّبَائِحِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ ) أَيْ الذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالذَّبِيحَةُ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَذْبُوحِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت } وَالْمُرَادُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَوْدَاجِ تَغْلِيبًا وَبِهِ يَحِلُّ الْمَذْبُوحُ وَهُوَ شَرْطٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَبِالذَّبْحِ يَقَعُ الْمَيْزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ فَيَطْهُرُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَلَفْظَةُ الذَّكَاةِ تُنْبِئُ عَنْ الطَّهَارَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا } أَيْ طَهَارَتُهَا وَأَصْلُ تَرْكِيبِ التَّذْكِيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّمَامِ وَمِنْهُ ذَكَاءُ السِّنِّ بِالْمَدِّ لِنِهَايَةِ الشَّبَابِ ، وَذَكَا النَّارِ بِالْقَصْرِ لِتَمَامِ اشْتِعَالِهَا وَهِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ وَاضْطِرَارِيَّةٌ فَالْأَوْلَى الْجَرْحُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَالثَّانِيَةُ الْجَرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ وَهَذَا كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَهُوَ آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ فِي إخْرَاجِ الدَّمِ مِنْ الثَّانِي فَلَا يُتْرَكُ إلَّا بِالْعَجْزِ عَنْهُ وَيُكْتَفَى بِالثَّانِي لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةٍ سَمَاوِيَّةٍ ثَابِتَةٍ حَقِيقَةً ، أَوْ دَعْوَى كَالْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ وَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ وَكِتَابِيٍّ ) لِمَا تَلَوْنَا فَإِنَّهُ عَامٌّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُمْ بِدَلِيلٍ ، وَهُوَ الْمُشْرِكُ وَالْمُحْرِمُ

فِي حَقِّ الصَّيْدِ وَالْمُرْتَدُّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } وَالْمُرَادُ بِهِ مُذَكَّاهُمْ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرُ الْمُزَكَّى يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا فَرْقَ فِي الْكِتَابِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُذْكَرَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَوْ ذَكَرَ الْكِتَابِيُّ الْمَسِيحَ ، أَوْ عُزَيْرًا لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } وَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَحِلُّ .

( كِتَابُ الذَّبَائِحِ ) الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ إتْلَافٌ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ تَبْذِيرُ الْبَذْرِ لِتَحْصِيلِ النَّفْعِ فِي الْمَالِ مِنْ الْخَارِجِ فَكَذَا الذَّبْحُ إتْلَافُ الْمَوْجُودِ فِي الْحَالِ لِيُنْتَفَعَ بِاللَّحْمِ فِي الْمَآلِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبٌ لِحُصُولِ أَقْوَاتِ الْأَنَاسِيِّ وَالْبَهَائِمِ وَهَذَا سَبَبٌ لِحُصُولِ غِذَاءِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ وَكَذَا الْمُسَاقَاةُ لِتَحْصِيلِ الثَّمَرَاتِ كَمَا أَنَّ الذَّبَائِحَ لِتَحْصِيلِ اللَّحْمِ ا هـ مِسْكِينٌ ( قَوْلُهُ : أَفْرِ الْأَوْدَاجَ ) بِالْفَاءِ مِنْ أُفْرِيَتْ إذَا قُطِعَتْ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَمِنْهُ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَائِقِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ إذَا يَبِسَتْ مِنْ رُطُوبَةِ النَّجَاسَةِ فَذَاكَ تَطْهِيرُهَا كَمَا أَنَّ الذَّكَاةَ تُطَهِّرُ الذَّبِيحَةَ وَتُطَيِّبُهَا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الذَّكَاةُ الْحَيَاةُ مِنْ ذَكَتْ النَّارُ إذَا حَيِيَتْ وَاشْتَعَلَتْ فَكَأَنَّ الْأَرْضَ إذَا نَجِسَتْ مَاتَتْ ، وَإِذَا طَهُرَتْ حَيِيَتْ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَائِقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ ) اللَّبَّةُ رَأْسُ الصَّدْرِ وَاللَّحْيَانِ الذَّقَنُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) وَأَمَّا شَرْطُ وُقُوعِ الذَّكَاةِ ذَكَاةً أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ : آلَةٌ جَارِحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ { إذَا خَزَقَ الْمِعْرَاضُ فَكُلْ ، وَإِنْ لَمْ يَخْزِقْ فَلَا تَأْكُلْ } وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ مِمَّنْ لَهُ مِلَّةُ التَّوْحِيدِ وَهُوَ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ إمَّا دَعْوَى وَاعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ فَإِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ صَاحِبُ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلَّةُ التَّوْحِيدِ لَا دَعْوَى وَلَا اعْتِقَادًا لِأَنَّهُ يَقُولُ

بِصَانِعَيْنِ أَحَدُهُمَا خَالِقُ الْخَيْرِ وَثَانِيهِمَا خَالِقُ الشَّرِّ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَالْمُحْرِمُ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَكَذَا الْحَلَالُ إذَا كَانَ فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ لِلصَّيْدِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ إمَّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَأْكُولِ اللَّحْمِ أَوْ مِنْ وَجْهٍ عِنْدَنَا بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ ، وَالرَّابِعُ التَّسْمِيَةُ وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ : يُعْتَبَرُ فِي حُصُولِ الذَّكَاةِ أَرْبَعُ شَرَائِطُ أَحَدُهَا صِفَةٌ فِي الْفَاعِلِ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا لِكِتَابٍ مُنَزَّلٍ فِي دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ ، وَالثَّانِي صِفَةٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ وُجُودُ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمُذَكِّي ، وَالثَّالِثُ صِفَةُ الْآلَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَا يَقْطَعُ لَهُ حِدَّةٌ ، وَالرَّابِعُ صِفَةُ الْمُوقَعِ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ ، وَالْأَوْدَاجُ أَرْبَعَةُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ ، وَحُكْمُ الذَّكَاةِ حِلُّ أَكْلِ الْمَذْبُوحِ فِيمَا يُؤْكَلُ وَطَهَارَةُ جِلْدِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُ لَا تَلْحَقُهُمَا الذَّكَاةُ وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الذَّكَاةِ مَا يَثْبُتُ بِهِ وَاَلَّذِي ثَبَتَ بِالذَّكَاةِ هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَأَخْرَسَ وَأَقْلَفَ ) وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ هُوَ الَّذِي يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَلَمْ يَضْبِطْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ بِالْقَصْدِ وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالضَّبْطِ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ إذَا كَانَ ضَابِطًا وَهُوَ الشَّرْطُ وَالْقُلْفَةُ وَالْأُنُوثَةُ لَا تُخِلُّ بِهِ فَيَحِلُّ وَالْأَخْرَسُ عَاجِزٌ عَنْ الذِّكْرِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا وَتَقُومُ الْمِلَّةُ مَقَامَهُ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَأَخْرَسَ وَأَقْلَفَ ) بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ مُعَلَّقٌ بِالتَّسْمِيَةِ ، وَشَرَائِطِ الذَّبْحِ ، وَيَقْدِرُوا عَلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَيُحْسِنُوا الْقِيَامَ بِهِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ بِالْقَصْدِ ، وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا قَالَهُ بَاكِيرٌ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَيَحِلُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالذِّبْحَةُ أَيْ شَرَائِطُ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَنَحْوِهِ ، وَيَضْبِطُ أَيْ يَقْدِرُ عَلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَيُحْسِنُ الْقِيَامَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ أَخْرَسَ أَوْ أَقْلَفَ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذِّبْحَةِ وَلَا يَضْبِطُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ لِمَا يَأْتِي بَعْدَهُ وَذَا بِالْقَصْدِ وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَمُحْرِمٍ وَتَارِكِ اسْمِ اللَّهِ عَمْدًا ) أَيْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ هَؤُلَاءِ أَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ } وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ فَانْعَدَمَ التَّوْحِيدُ اعْتِقَادًا وَدَعْوَى ، وَالْوَثَنِيُّ كَالْمَجُوسِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ مِثْلُهُ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ بِخِلَافِ الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ تَنَصَّرَ الْمَجُوسِيُّ أَوْ تَهَوَّدَ ؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ فَحَسْبُ لَا مَا قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ تَمَجَّسَ الْيَهُودِيُّ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ لِمَا تَلَوْنَا وَالْمُتَوَلَّدُ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَالْمُشْرِكِ يُعْتَبَرُ الْكِتَابِيُّ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ شَرٌّ فَيُعْتَبَرُ الْأَخَفُّ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ ؛ لِأَنَّ ذَبِيحَتَهُ فِي غَيْرِ الصَّيْدِ تُؤْكَلُ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ مَشْرُوعٌ بِخِلَافِ الصَّيْدِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَكَذَا الْحَلَالُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَكَذَا الْكِتَابِيُّ لَوْ ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ وَأَمَّا تَارِكُ اسْمِ اللَّهِ عَمْدًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } { وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيٍّ إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ } الْحَدِيثَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الرَّمْيِ ، وَإِرْسَالِ الْجَارِحِ تُؤْكَلُ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى ، أَوْ لَمْ يُسَمِّ } وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْأَعْرَابَ يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ فَلَا نَدْرِي أَسَمُّوا عَلَيْهَا ، أَوْ لَمْ يُسَمُّوا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا } وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَمَا أَمَرَهَا بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِمَا سَقَطَتْ بِالنِّسْيَانِ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا قَامَتْ الْمِلَّةُ مَقَامَهَا كَمَا فِي النَّاسِي وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَعَلَى حُرْمَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عُدَّ خَرْقًا لَهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا فَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَمِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَحِلُّ ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْمَشَايِخُ : إنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَمَا رَوَاهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَكَانَ مَرْدُودًا أَوْ نَقُولُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ النِّسْيَانِ وَالثَّانِي دَلِيلٌ لَنَا ؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْ عَنْ الْأَكْلِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي التَّسْمِيَةِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهُ إلَّا إذَا سُمِّيَ عَلَيْهِ وَهِيَ شَرْطٌ فِيهِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِالْأَكْلِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ ظَاهِرًا كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ مِلْكُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ لَوْ نَاسِيًا ) أَيْ حَلَّ الْمُذَكَّى إنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْأَدِلَّةِ إذْ لَا فَضْلَ فِيهَا قُلْنَا

النِّسْيَانُ مَرْفُوعٌ حُكْمُهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ حَرَجًا بَيِّنًا وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرُ النِّسْيَانِ فَيُعْذَرُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا مُذَكِّرَ لَهَا مِنْ جِهَةِ حَالِهِ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ وَتَرْكِ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ حَيْثُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ لِأَنَّهُ حَالَةٌ مُذَكِّرَةٌ وَالنَّصُّ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقًا لَجَرَتْ الْمُحَاجَّةُ بَيْنَ السَّلَفِ وَظَهَرَ الِانْقِيَادُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ ، وَإِقَامَةُ الْمِلَّةِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ النَّاسِي - وَهُوَ مَعْذُورٌ - لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي حَقِّ الْعَامِدِ وَلَا عُذْرَ لَهُ وَالنَّاسِي لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَيُخَصَّ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ ذَاكِرٌ وَمُسَمٍّ تَقْدِيرًا لِقِيَامِ الْمِلَّةِ مَقَامَهَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ أُرِيدَ بِهَا حَالُ الذَّبْحِ ، أَوْ الطَّبْخِ أَوْ حَالَةُ الْأَكْلِ لِأَنَّا نَقُولُ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَالَةُ الذَّبْحِ فَتَكُونُ مُفَسَّرَةً فَتَمَّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ لَا تُؤْكَلُ وَذَبِيحَةَ الْكِتَابِيِّ تُؤْكَلُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ يُعْقَلُ إلَّا أَنَّ الْكِتَابِيَّ يُسَمِّي عِنْدَ الذَّبْحِ دُونَ الْمَجُوسِيِّ .

( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْمُحْرِمُ إلَخْ ) وَفِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ لَا يُؤْكَلُ وَكَذَا مَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ لَا يُؤْكَلُ وَفِي الْمُلْتَقَطَاتِ الْحَلَالُ إذَا ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَا يُؤْكَلُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِعَدِيٍّ ) أَيْ ابْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ ا هـ قَوْلُهُ : وَالنَّصُّ ) أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعُمُومَ ظَاهِرًا وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا وَلَمْ يَحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِحُرْمَتِهِ بِالْآيَةِ فَلَوْ جَرَتْ الْمُحَاجَّةُ بِهَا لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَظَهَرَ انْقِيَادُ مَنْ قَالَ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا ، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَحَيْثُ لَمْ تَجْرِ الْمُحَاجَّةُ وَلَمْ يَرْتَفِعْ الْخِلَافُ عُلِمَ أَنَّ الْآيَةَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ النِّسْيَانَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَمْدُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِقَامَةُ الْمِلَّةِ إلَخْ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُ أُقِيمَتْ الْمِلَّةُ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ النَّاسِي فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَامَ الْمِلَّةُ مَقَامَهَا أَيْضًا فِي حَقِّ الْعَامِدِ فَقَالَ النَّاسِي مَعْذُورٌ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَأَقَامَ الْمِلَّةَ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فَجَعَلَهُ عَفْوًا وَالْعَامِدُ لَيْسَ بِمَعْذُورٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَى النَّاسِي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ ا هـ .

ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ الذَّبْحِ قَاصِدًا التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَلَوْ سَمَّى وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةَ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْمِيَةِ وَظَاهِرُ حَالِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَيَقَعُ عَنْهَا وَلَوْ سَمَّى وَأَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ لِابْتِدَاءِ الْفِعْلِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ لَا يَحِلُّ كَمَنْ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَأَرَادَ بِهِ مُتَابَعَةَ الْمُؤَذِّنِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ .

وَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ حَالَةَ الذَّبْحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ } وَهِيَ حَالَةُ النَّحْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا } وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَذْبَحَ عَقِيبَ التَّسْمِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ حَتَّى إذَا سَمَّى وَاشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ كَلَامٍ قَلِيلٍ أَوْ شُرْبِ مَاءٍ ، أَوْ أَكْلِ لُقْمَةٍ ، أَوْ تَحْدِيدِ شَفْرَةٍ ، ثُمَّ ذَبَحَ تَحِلُّ ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا تَحِلُّ ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الذَّبْحِ مُتَّصِلًا بِالتَّسْمِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فَأُقِيمَ الْمَجْلِسُ مَقَامَ الِاتِّصَالِ ، وَالْعَمَلُ الْقَلِيلُ لَا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ وَالْكَثِيرُ يَقْطَعُ وَهِيَ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَفِي الصَّيْدِ يُشْتَرَطُ عِنْدَ إرْسَالِ الْجَارِحِ أَوْ الرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ فِي الْأَوَّلِ الذَّبْحُ ، وَفِي الثَّانِي الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ دُونَ الْإِصَابَةِ فَيُشْتَرَطُ عِنْدَ فِعْلٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ تَرَكَهَا وَذَبَحَ غَيْرَهَا بِالسِّكِّينِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ وَلَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ حَلَّ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى صَيْدٍ فَتَرَكَ الْكَلْبُ ذَلِكَ الصَّيْدَ فَأَخَذَ غَيْرَهُ حَلَّ لِتَعَلُّقِ التَّسْمِيَةِ بِالْآلَةِ وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَأَخَذَ سِكِّينًا آخَرَ فَذَبَحَهَا بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ حَلَّتْ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَذْبُوحِ وَلَوْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ فَتَرَكَهُ وَأَخَذَ غَيْرَهُ فَرَمَى بِهِ لَمْ يُؤْكَلْ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ سَمَّى فَذَبَحَ شَاتَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ حَلَّتْ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَلَوْ أَضْجَعَ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَذَبَحَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً بِسِكِّينٍ وَاحِدَةٍ وَتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَلَّ أَكْلُهُمَا .

( قَوْلُهُ : وَهِيَ ) أَيْ التَّسْمِيَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهُوَ عَلَى الْمَذْبُوحِ ، وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : أَيْ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تَقَعُ عَلَى الذَّبِيحِ ، وَفِي الصَّيْدِ تَقَعُ عَلَى الْآلَةِ وَهِيَ النُّشَّابُ وَالْكَلْبُ وَفَائِدَةُ هَذَا تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا بَعْدَ هَذَا ( قَوْلُهُ : لَا يَحِلُّ ) أَيْ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ عَلَى الْحَزِّ نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَى أَخْذِ السِّكِّينِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَذْبُوحِ ) أَيْ وَهُوَ لَمْ يَتَبَدَّلْ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَمْ يُؤْكَلْ ) أَيْ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْآلَةِ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ غَيْرَهُ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ ، وَإِنْ قَالَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِضْجَاعِ جَازَ ) وَهَذَا النَّوْعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنْ يَذْكُرَهُ مَوْصُولًا مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ فَيُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الرَّسُولِ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً لَكِنْ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً ، وَإِنْ قَالَ بِالْخَفْضِ لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ فِي النَّوَازِلِ وَقَالَ : بَعْضُهُمْ هَذَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْإِعْرَابُ بَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا بِالْعَطْفِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ الْيَوْمَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِي : أَنْ يُذْكَرَ مَوْصُولًا عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ وَالشَّرِكَةِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِالْجَرِّ فَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ ؛ لِأَنَّهُ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَوْطِنَانِ لَا أُذْكَرُ فِيهِمَا عِنْدَ الْعُطَاسِ وَعِنْدَ الذَّبْحِ } وَلَوْ رَفَعَ الْمَعْطُوفَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَاخْتَلَفُوا فِي النَّصْبِ وَيُكْرَهُ فِيهِمَا بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً وَالثَّالِثُ : أَنْ يَقُولَ مَفْصُولًا عَنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يُضْجِعَ الشَّاةَ ، أَوْ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ ، أَوْ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا مِنِّي أَوْ مِنْ فُلَانٍ وَهَذَا لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا عَنْ

أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ } وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ { إذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ ذَبَحَ } وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ، وَالشَّرْطُ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ حَتَّى لَوْ قَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاكْتَفَى بِهِ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةَ حَلَّ وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الْحَمْدَ عَلَى النِّعْمَةِ دُونَ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ حَيْثُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ الْخُطْبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } وَفِي الذَّبِيحَةِ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الذِّكْرُ عَلَى الْمَذْبُوحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ } وَمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَنْهِيٌّ عَنْ أَكْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } ، وَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهُوَ قَوْلُهُ : بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ } وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِلَا وَاوٍ وَبِالْوَاوِ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ .

قَوْلُهُ : بَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا بِالْعَطْفِ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَطْفٌ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ بَلْ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا بِدُونِ الْعَطْفِ فَتَنَبَّهْ ( قَوْلُهُ : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَوْطِنَانِ لَا أُذْكَرُ فِيهِمَا } إلَخْ ) فَإِذَا قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَارَ الذِّبْحُ مَيْتَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَاخْتَلَفُوا فِي النَّصْبِ ) ، وَفِي رَوْضَةِ الزندويستي النَّصْبُ كَالْخَفْضِ لَا يَحِلُّ وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ يَحِلُّ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مَعَ الْوَاوِ يَحِلُّ أَكْلُهُ ، وَلَوْ ذَبَحَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْهَاءَ فِي بِسْمِ اللَّهِ إنْ قَصَدَ ذِكْرَ اللَّهِ يَحِلُّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَقَصَدَ تَرْكَ الْهَاءِ لَا يَحِلُّ كَذَا فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ ) عِنْدَ الذَّبْحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ ) أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةَ حَلَّ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةَ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ أَرَادَ التَّحْمِيدَ وَلَمْ يُرِدْ التَّسْمِيَةَ لَمْ يَحِلَّ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ فِي بَابِ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا الصَّرِيحُ بِاسْمِ اللَّهِ فَكَأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كِنَايَةٌ وَالْكِنَايَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ حَتَّى إذَا عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ التَّحْمِيدَ عَلَى الْعُطَاسِ وَذَبَحَ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا ذَبَحَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَبِيحَتِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ

سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ إنْ كَانَ يُرِيدُ بِذَلِكَ التَّسْمِيَةَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِهِ : وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ فِي بَابِ التَّسْمِيَةِ وَالصَّرِيحُ فِي بَابِ التَّسْمِيَةِ اسْمُ اللَّهِ ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ صَرِيحَةً فِي الْبَابِ كَانَتْ كِنَايَةً وَالْكِنَايَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا ، وَإِلَّا فَلَا فَكَذَا هَذَا وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَمَّى عَلَى ذَبِيحَتِهِ أَوْ الرَّمْيَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ التَّسْمِيَةِ ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ : التَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ بِمَنْزِلَةِ التَّسْمِيَةِ لِلْجَاهِلِ بِالسُّنَّةِ وَالْعَالِمِ بِهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ ثُمَّ تُكَبِّرُ } وَقَالَ فِي الذَّكَاةِ { إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ } فَظَهَرَ الْفَرْقُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ يَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ عِنْدَ الذَّبْحِ مَا نَصُّهُ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ قَالَ الْبَقَّالِيُّ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي بِالْوَاوِ ، ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِدُونِ الْوَاوِ لِأَنَّ الْوَاوَ تَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ا

هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : قُلْت إنْ كَانَ الْمَنْقُولُ بِالْوَاوِ فَلَا يُكْرَهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ ) وَفِي الْجَامِعِ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ مِنًى أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ } الْحَدِيثَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ مَجْرَى النَّفَسِ وَمَجْرَى الطَّعَامِ ، وَمَجْمَعُ الْعُرُوقِ فَيَحْصُلُ بِقَطْعِهِ الْمَقْصُودُ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ وَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ ، أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا عَنْ الْإِمَامِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ شَاةً فَبَقِيَتْ عُقْدَةُ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَبْقَى مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَتُؤْكَلُ أَمْ لَا قَالَ هَذَا قَوْلُ الْعَوَامّ مِنْ النَّاسِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَبَرٍ وَيَجُوزُ أَكْلُهَا سَوَاءٌ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ ، أَوْ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا قَطْعُ أَكْثَرِ الْأَوْدَاجِ وَقَدْ وُجِدَ ، ثُمَّ حَكَى أَنَّ شَيْخَهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَلَا الْمَرِيءِ وَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَإِنْ اشْتَرَطُوا قَطْعَ الْأَكْثَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْكُلِّ ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عُقْدَةِ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ لَمْ يَحْصُلْ قَطْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُؤْكَلْ بِالْإِجْمَاعِ ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ قَطَعَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلَ ، ثُمَّ عَلِمَ فَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى الْحُلْقُومَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَوَّلِ يُنْظَرُ : فَإِنْ كَانَ قُطِعَ بِتَمَامِهِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالْأَوَّلِ أَسْرَعُ مِنْهُ بِالْقَطْعِ الثَّانِي ، وَإِلَّا حَلَّ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ : قَصَّابٌ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62