كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

التَّصَرُّفَاتِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ وَلِوَصِيِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ السَّفِيهِ الْبَالِغِ ، وَثَانِيهَا أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ السَّفِيهِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ بِلَا إذْنٍ وَثَالِثُهَا أَنَّ طَلَاقَ السَّفِيهِ وَعَتَاقَهُ يَصِحُّ وَفِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَا يَصِحُّ وَرَابِعُهَا يَصِحُّ لِلسَّفِيهِ تَدْبِيرُ عَبْدِهِ وَلِلصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَا يَصِحُّ الْكُلُّ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْمُغْنِي ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِسْقٍ ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ فِسْقٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا بِسَفَهٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً عَلَى إسْرَافِهِ وَالْفَاسِقُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْهُ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَعِنْدَهُمَا حَجْرُ السَّفِيهِ لِلنَّظَرِ لَهُ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَالْفَاسِقُ مُصْلِحٌ لِمَالِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } ؛ لِأَنَّ رُشْدًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَتَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ ؛ لِأَنَّ الرُّشْدَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ الْإِصْلَاحُ فِي الْمَالِ دُونَ الْإِصْلَاحِ فِي الدِّينِ وَالِاعْتِقَادِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَأَيُّ فِسْقٍ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ الْفِسْقُ مُوجِبًا لِلْحَجْرِ لَحَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ عَلَى الْكَافِرِ إذْ هُوَ أَعْظَمُ وُجُوهِ الْفِسْقِ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَغَفْلَةٍ ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْغَافِلِ بِسَبَبِ غَفْلَةٍ وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ فَيُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَنَظَرًا لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ مُنْقِذٍ طَلَبُوا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ، قُلْنَا : الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لَنَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُجِبْهُمْ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ { قُلْ لَا خِلَابَةَ } الْحَدِيثَ ، وَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا لَأَجَابَهُمْ إلَيْهِ ، وَقَوْلُهُمْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ قُلْنَا : النَّفْيُ لَا يُحَاطُ بِالْعِلْمِ وَلَعَلَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا وَعَدَمُ النَّقْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فَكَمْ مِنْ وَاقِعَاتٍ لَمْ تُنْقَلْ إلَيْنَا بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَمَا نُقِلَ إلَيْنَا مِنْ عَدَمِ إجَابَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لَهُمْ بِالْفِعْلِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَيْنٍ وَإِنْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ دَيْنٍ ، وَلَوْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِهِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْحَاكِمُ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي بِالنَّصِّ فَيَكُونُ بَاطِلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحُبِسَ لِيَبِيعَ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ ) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَالْمُمَاطَلَةُ ظُلْمٌ فَيَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِظُلْمِهِ وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَبْسِ الْحَمْلُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ إنْ شَاءَ بِبَيْعِ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا عَلَى الْبَيْعِ عَيْنًا ، وَقَالَا : إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ وَمَنَعَهُ مِنْ تَصَرُّفٍ يَضُرُّ بِالْغُرَمَاءِ كَالْإِقْرَارِ وَبَيْعُهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ { مُعَاذًا رَكِبَهُ دَيْنٌ فَبَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ } وَلِأَنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ كَيْ لَا يَلْحَقَ بِهِمْ الضَّرَرُ بِالْإِقْرَارِ وَالتَّلْجِئَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ إنْسَانٍ عَظِيمٍ لَا يُمْكِنُ الِانْتِزَاعُ مِنْهُ أَوْ بِالْإِقْرَارِ لَهُ ثُمَّ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا كَانَ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ حَتَّى يُحْبَسَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْإِبَاءِ عَنْ الْإِسْلَامِ قُلْنَا التَّلْجِئَةُ مَوْهُومَةٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ

مُعَيَّنٍ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْإِبَاءِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ تَعَيَّنَ الْآخَرُ وَالْبَيْعُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَنُوبُ الْقَاضِي فِيهِ مَنَابَهُ كَالْمَدْيُونِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُؤَجِّرُهُ لِيَقْضِيَ مِنْ أُجْرَتِهِ الدَّيْنَ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ لَا يَتَزَوَّجُهَا لِيَقْضِيَ دَيْنَهَا مِنْ مَهْرِهَا وَالْحَبْسُ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ شَاءَ مِنْ اسْتِقْرَاضٍ وَاتِّهَابٍ وَسُؤَالِ صَدَقَةٍ وَبَيْعِ مَالِهِ بِنَفْسِهِ لَا لِيَبِيعَ فَقَطْ وَلِأَنَّ بَيْعَ مَالِهِ لَوْ جَازَ لِلْقَاضِي لَمَا جَازَ لَهُ حَبْسُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهِمَا بِتَعْذِيبِ الْمَدِينِ وَتَأْخِيرِ حَقِّ الطَّالِبِ بِلَا فَائِدَةٍ فَيَكُونُ ظَالِمًا وَبَيْعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَ مُعَاذٌ كَانَ بِإِذْنِهِ اسْتَعَانَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ بَيْعَ مَالِهِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَأْمُرَهُ وَيَأْبَى وَلَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاشَاهُ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبَيْعِ التَّرَاضِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا فَكَانَ فِعْلُ الْحَاكِمِ بَاطِلًا وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } وَنَفْسُهُ لَا تَطِيبُ بِفِعْلِ الْقَاضِي بِغَيْرِ رِضَاهُ فَصَارَ كَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ مَالُهُ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمَ قَضَى بِلَا أَمْرِهِ ) ، وَكَذَا إذَا كَانَ كِلَاهُمَا دَنَانِيرَ ؛ لِأَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِيَدِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَدِينِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ دَيْنُهُ دَرَاهِمُ وَلَهُ دَنَانِيرُ أَوْ بِالْعَكْسِ

بِيعَ فِي دَيْنِهِ ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَاسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ جِنْسًا فِي الثَّمَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ ، وَلِهَذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ مُخْتَلِفَانِ فِي الصُّورَةِ وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا رِبَا الْفَضْلِ لِاخْتِلَافِهِمَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِاخْتِلَافِ يُسْلَبُ عَنْ الدَّائِنِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ ؛ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَتَعَلَّقُ بِصُوَرِهَا وَأَعْيَانِهَا وَلَيْسَ لِلْقَاضِي إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِبَعْضِهِمْ يُمْنَعُ غَرَضُهُ فِي مِلْكِهِ ، وَأَمَّا النُّقُودُ فَوَسَائِلُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الْمَالِيَّةُ دُونَ الْعَيْنِ فَافْتَرَقَا .قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ) وَإِنْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ حُبِسَ لِبَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَشْتَرِي إلَّا بِثَمَنٍ قَلِيلٍ ا هـ قُنْيَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَا إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ إلَخْ ) وَلَا يَعْمَلُ الْحَجْرُ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَالِ بِخِلَافِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ السَّفَهِ حَيْثُ يَعُمُّ الْمَوْجُودَ وَالْحَادِثَ ا هـ فَتَاوَى تُمُرْتَاشٍ فِي الْقَضَاءِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ ) أَيْ بَيْعَ تَلْجِئَةٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ : التَّلْجِئَةُ أَنْ يُلْجِئَك أَيْ يَضْطَرَّك وَيُكْرِهَك أَمْرٌ إلَى أَنْ تَأْتِيَ أَمْرًا بَاطِنُهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يُبَعْ عَرْضُهُ وَعَقَارُهُ ) أَيْ لَا يَبِيعُ الْقَاضِي عَرْضَ الْمَدِينِ وَعَقَارَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ ثُمَّ عِنْدَهُمَا يَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ النُّقُودِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلتَّقَلُّبِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ بَيْعُهَا أَهْوَنَ عَلَى الْمَدِينِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَاعَ الْعُرُوضَ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُعَدُّ لِلتَّقَلُّبِ وَالِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَلْحَقُهُ كَبِيرُ ضَرَرٍ فِي بَيْعِهَا فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهَا بِالدَّيْنِ بَاعَ الْعَقَارَ ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُعَدُّ لِلِاقْتِنَاءِ فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِبَيْعِهِ فَلَا يَبِيعُهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَهَذَا نَظِيرُ صَرْفِ الدَّيْنِ إلَى أَمْوَالِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ أَوَّلًا إلَى النَّقْدَيْنِ ثُمَّ إلَى الْعُرُوضِ ثُمَّ إلَى الْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ قَضَاءً وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ عُرُوضِهِ ثُمَّ مَا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ مِنْهُ ثُمَّ يَبِيعُ الْعَقَارَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَدِينِ كَمَا يَنْظُرُ إلَى الدَّائِنِ فَيَبِيعَ مَا كَانَ أَنْظَرَ إلَيْهِ ، وَبَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ أَنْظَرُ لَهُ وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتُ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَيُبَاعُ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ بِهِ كِفَايَةً ، وَقِيلَ يُتْرَكُ لَهُ دَسْتَانِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثِيَابَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَقَالُوا إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيَكْتَفِي بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ وَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّجَمُّلِ ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَقْضِي بِبَعْضِ ثَمَنِهِ الدَّيْنَ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا يَكْفِيهِ ،

وَعَنْ هَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ حَتَّى يَبِيعَ اللِّبَدَ فِي الصَّيْفِ وَالنِّطَعَ فِي الشِّتَاءِ وَإِنْ أَقَرَّ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ بِمَالٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ حَقُّ الْأَوَّلِينَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لِغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَ مَالًا لِغَيْرِهِمْ حَيْثُ يُزَاحِمُهُمْ صَاحِبُ الْمَالِ الْمُسْتَهْلَكِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَالْحَجْرُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ وَهُوَ مُشَاهَدٌ فَيُشَارِكُهُمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ شَرْعِيٌّ فَأَمْكَنَ الْحَجْرُ فِيهِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُشَاهَدٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَيُرَدُّ إقْرَارُهُ لِلتُّهْمَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الدَّيْنِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ شَارَكَ الْغُرَمَاءَ وَلَوْ اسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ لِصِيَانَةِ مَحَلِّ قَضَاءِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَحُقُّهُمْ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ الْقَائِمِ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْحَجْرِ لَا بِالْمُسْتَفَادِ بَعْدَهُ وَيُنْفَقُ عَلَى الْمَدِينِ الْمَحْجُورِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ .

قَوْلُهُ وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتُ ) أَيْ بَدْلَةٌ ا هـ وَالدَّسْتُ لَفْظٌ فَارِسِيٌّ اسْتَعْمَلَهُ فُقَهَاءُ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ فِي كُتُبِهِمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يُتْرَكُ لَهُ دَسْتَانِ ) نَقَلَ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمُخْتَارُ أَنْ يُبْقَى لَهُ دَسْتَيْنِ مِنْ الثِّيَابِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتْرُكُ دَسْتًا مِنْ الثِّيَابِ وَيَبِيعُ الْبَاقِي وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتْرُكُ دَسْتَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ : وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَ ) أَيْ الْمَحْجُورُ الدَّيْنَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِفْلَاسٍ ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِفْلَاسِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَظْهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَبْسَ وَمَا يُحْبَسُ فِيهِ مِنْ الدُّيُونِ وَكَيْفِيَّةَ الْحَبْسِ وَقَدْرَهُ وَبِدَيْنِ مَنْ يُحْبَسُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ ، ثُمَّ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ بَلْ يُلَازِمُونَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَالْيَدِ وَاللِّسَانِ } أَرَادَ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةَ وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِي وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ فِي الْقُوَّةِ ، وَلَوْ قَدَّمَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْقَضَاءِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ لِأَحَدٍ حَقٌّ فِي مَالِهِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي ذِمَّتِهِ فَلَهُ أَنْ يُؤْثِرَ مَنْ شَاءَ مِنْ غُرَمَائِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَذَاكَ إلَى فَتَاوَى النَّسَفِيِّ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ حَالَةَ الْمُلَازَمَةِ وَلَا يُجْلِسُونَهُ فِي مَكَان ؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ بَلْ يَدُورُ هُوَ حَيْثُ شَاءَ وَيَدُورُونَ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّحْصِيلِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْحَبْسُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْهُ وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ لِحَاجَتِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا يَتْبَعُهُ بَلْ يَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ يَحْبِسُهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ كَيْ لَا يَخْتَفِيَ أَوْ يَهْرُبَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَيُفَوِّتَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُلَازَمَةِ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَمْنَعَ الْمَلْزُومَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَيْتِهِ لِغَائِطٍ أَوْ غَدَاءٍ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ الْغَدَاءَ

أَوْ أَعَدَّ لَهُ مَوْضِعًا آخَرَ لِأَجْلِ الْغَائِطِ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَهْرُبَ ، وَفِيهِ إذَا كَانَ عَمَلُ الْمَلْزُومِ سَقْيَ الْمَاءِ وَنَحْوَهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ أَوْ يُلْزِمَهُ نَائِبَهُ أَوْ أَجِيرَهُ أَوْ غُلَامَهُ إلَّا إذَا كَفَاهُ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ وَأَعْطَاهُ فَحِينَئِذٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَلْزُومِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا أَفْلَسَهُ الْحَاكِمُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } وَقَدْ ثَبَتَتْ عُسْرَتُهُ فَوَجَبَ إنْظَارُهُ قُلْنَا دَيْنُهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ وَالْآيَةُ تُوجِبُ الْإِنْظَارَ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَالٌ وَإِنَّمَا يُلَازِمُهُ لِيَأْخُذَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عَادٍ وَرَائِحٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَفِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَالْمُلَازَمَةُ لَا تُنَافِي النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَلِأَنَّ وُقُوفَ الشُّهُودِ عَلَى عَدَمِ الْمَالِ لَا يَتَحَقَّقُ حَقِيقَةً إذْ الْعَدَمُ لَا يُحَاطُ بِالْعِلْمِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ قَدْ أَخْفَاهُ عَنْ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَتَزَيَّوْنَ بِزِيِّ الْفُقَرَاءِ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ فَيُلَازِمُونَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ مَالُهُ ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا إشَارَةً عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ؛ لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِالْوُجُودِ وَالْأُخْرَى بِالنَّفْيِ فَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ أَوْلَى مِنْ النَّافِيَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ

النَّافِيَةُ أَصْلًا لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ قُبِلَتْ اسْتِحْسَانًا بَعْدَ الْحَبْسِ لَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ بِالِانْضِمَامِ إلَى الْحَبْسِ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ فَتُقْبَلُ فِيهِ احْتِيَاطًا وَإِنْ قَالُوا إنَّهُ كَثِيرُ الْعِيَالِ ضَيِّقُ الْحَالِ كَانَ شَهَادَةً بِالْإِثْبَاتِ فَتُقْبَلُ بِلَا شُبْهَةٍ ، وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْبِسَهُ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ وَإِنْ شَاءَ فِي بَيْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَطُوفُ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالسِّكَكِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لِلْمُدَّعِي ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَلْزَمَ مَدْيُونَهُ الْمُعْسِرَ حَيْثُ أَحَبَّ مِنْ الْمِصْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَلْزُومُ لَا مَعِيشَةَ لَهُ إلَّا مِنْ كَدِيدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الذَّهَابِ وَمِنْ أَنْ يَسْعَى فِي مِقْدَارِ قُوتِهِ يَوْمًا فَيَوْمًا ، فَإِذَا اكْتَسَبَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ الذَّهَابِ فِي ذَلِكَ وَيَحْبِسَهُ قَالَ هِشَامٌ رَحِمَهُ اللَّهُ سَأَلْت مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ أُخْرِجَ مِنْ الْحَبْسِ عَلَى تَفْلِيسٍ فَرَأَى مُحَمَّدٌ الْمُلَازَمَةَ مَعَ التَّفْلِيسِ وَأَشَارَ إلَى الْمَعْنَى فَقَالَ لَعَلَّ عِنْدَهُ شَيْئًا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ فَقَالَ هِشَامٌ : قُلْت لَهُ : فَإِنْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ تَضُرُّ بِعِيَالِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَكْتَسِبُ فِي سَقْيِ الْمَاءِ فِي طَوْفِهِ قَالَ : آمُرُ صَاحِبَ الْحَقِّ أَنْ يُوَكِّلَ غُلَامًا لَهُ يَكُونُ مَعَهُ وَلَا أَمْنَعُهُ عَنْ طَلَبِ قَدْرِ قُوتِ يَوْمِهِ وَلِعِيَالِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي سُوقِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ : وَلَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ إلَى الطَّالِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَضْيَقَ وَالْأَشَقَّ عَلَيْهِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ بِالْمُلَازَمَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ وَحْدَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَسْتَقِيمُ قَبْلَ

الْحَبْسِ وَبَعْدَهُ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ وَكَانَ الْكَلَامُ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُلَازِمُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تَلَازُمُهَا .( قَوْلُهُ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَظْهَرَ لِلْقَاضِي إلَخْ ) وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِ الْمَحْبُوسِ لَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِهَا حَضْرَةُ رَبِّ الدَّيْنِ لَكِنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا أَوْ وَكِيلُهُ فَالْقَاضِي يُطْلِقُهُ بِحَضْرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ ا هـ قُنْيَةٌ ( قَوْلُهُ بَلْ يُلَازِمُونَهُ إلَخْ ) وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَا يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ وَإِنْ قَرُبَ حُلُولُهُ ا هـ مُشْتَمِلَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَلْزَمَهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ قُضِيَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ لِإِنْسَانٍ فَأَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْغَرِيمَ فَقَالَ الْغَرِيمُ لَا أَجْلِسُ مَعَهُ بَلْ أَجْلِسُ مَعَ الْمُدَّعِي فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْضَى بِالْجُلُوسِ مَعَ الْعَبِيدِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ زِيَادَةُ ضَرَرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لَا مَعِيشَةَ لَهُ إلَّا مِنْ كَدِيدِهِ ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ الْكَدُّ الْأَتْعَابُ يُقَالُ كَدَّ يَكُدُّ فِي عَمَلِهِ كَدًّا إذَا اسْتَعْجَلَ وَتَعِبَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَفْلَسَ مُبْتَاعُ عَيْنٍ فَبَائِعُهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى مَتَاعًا فَأَفْلَسَ وَالْمَتَاعُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ فَاَلَّذِي بَاعَهُ الْمَتَاعَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ مُرَادُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَتَاعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ ، وَكَذَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَحْبِسَهُ بِالثَّمَنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ وَأَخْذُ مَتَاعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِ بَدَلَيْ الْعَقْدِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِالْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَكَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ يَثْبُتُ لِرَبِّ السَّلَمِ خِيَارُ الْفَسْخِ وَكَوْنُ الثَّمَنِ مَعْقُودًا بِهِ لَا مَعْقُودًا عَلَيْهِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي مَنْعِ الْفَسْخِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ كَالثَّمَنِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } فَاسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ بِالْآيَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ قَبْلَهَا وَلَا فَسْخَ بِدُونِ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ صَارَ مُؤَجَّلًا إلَى الْمَيْسَرَةِ بِتَأْجِيلِ الشَّارِعِ

وَبِالْعَجْزِ عَنْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَجِبُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ فِي تَأْجِيلِ الشَّارِعِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ تَأْجِيلِهِمَا وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ مِلْكَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الدَّيْنُ وَذَلِكَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْعَجْزُ وَلَا يَتَغَيَّرُ عَلَيْهِ مُوجِبُ عَقْدِهِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ بِبَقَاءِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ مَلِيًّا وَهُوَ إذَا عَجَزَ إنَّمَا يَعْجِزُ عَنْ الْإِيفَاءِ وَالْإِيفَاءُ يَقَعُ بِعَيْنٍ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ عَجْزًا عَنْ غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَلَا يُوجِبُ فَسْخًا وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِالِاسْتِبْدَالِ وَالْأَعْيَانُ لَا يَجُوزُ إسْقَاطُهَا وَلَا اسْتِبْدَالُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ عَيْنًا وَدَيْنًا ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ فَجُعِلَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ مَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ حُكْمًا لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا فَكَانَ الْمَقْبُوضُ غَيْرَ الْوَاجِبِ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ الْعَجْزُ عَنْهُ عَجْزًا عَنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رَوَى ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ { مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } ، وَفِي الثَّانِي { مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ } وَالْمَبِيعُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالِ الْبَائِعِ وَلَا مَتَاعَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْمُشْتَرِي ؛ إذْ هُوَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَعَنْ ضَمَانِهِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَإِنَّمَا مَالُهُ بِعَيْنِهِ يَقَعُ عَلَى الْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ

فَذَلِكَ مَالُهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِيهِ وَبِهِ نَقُولُ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةً لَهُ أَنْ لَوْ قَالَ فَأَصَابَ رَجُلٌ عَيْنَ مَالٍ قَدْ كَانَ لَهُ فَبَاعَهُ مِنْ الَّذِي وَجَدَهُ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ مُفَسِّرًا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَنْ سُرِقَ لَهُ مَالٌ أَوْ ضَاعَ لَهُ مَتَاعٌ فَوَجَدَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِعَيْنِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ } رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ فَهَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا وُجِدَ فِي يَدِ الْمُفْلِسِ يُقْسَمُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَضَى بِالسِّلْعَةِ يَبْتَاعُهَا الرَّجُلُ فَيُفْلِسُ وَهِيَ عِنْدَهُ بِعَيْنِهَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا } فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَيُّمَا رَجُلٍ ابْتَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ } فَتَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْبَاعَةَ دُونَ غَيْرِهِمْ قُلْنَا : قَالَ الطَّحَاوِيُّ : إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْقَطِعٌ فَلَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ أَيْضًا وَبَيَّنَ وَجْهَ اضْطِرَابِهِ فِي الْآثَارِ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبَيِّنًا لِلْمُرَادِ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ

يُخَالِفُهُ فِي الْمَعْنَى ، وَقَوْلُهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قُلْنَا : يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ وَهُوَ حَاصِلٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي الْقَبْضِ فَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِالتَّأْجِيلِ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَلَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَقَوْلُهُ كَالسَّلَمِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا : الْمُسْلَمُ فِيهِ مَبِيعٌ فِيهِ وَالْعَجْزُ عَنْ الْمَبِيعِ يُوجِبُ خِيَارَ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فَيَفُوتُ بِهِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَبِيعٌ عَدِمَ جِوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ فَصَارَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ كَالْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ عَجْزٌ عَنْ تَسْلِيمِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ غَيْرُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً لِمَا ذَكَرْنَا ؛ فَإِنْ قِيلَ إذَا اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ شَيْئًا كَانَتْ الْفُلُوسُ فِي ذِمَّتِهِ وَهِيَ ثَمَنٌ ثُمَّ إذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهَا بِالْكَسَادِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ قُلْنَا إنَّ الْفُلُوسَ إذَا كَسَدَتْ تَغَيَّرَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعَقْدَ أَوْجَبَ مِلْكَ فُلُوسٍ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنٌ وَبَعْدَ الْكَسَادِ لَا يَبْقَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَبَطَلَ أَوْ نَقُولُ لَمَّا كَسَدَتْ صَارَتْ عُرُوضًا وَالْعُرُوضُ لَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا فَبَطَلَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْإِفْلَاسِ وَالْمُكَاتَبُ إذَا عَجَزَ تَغَيَّرَ عَلَى الْمَوْلَى مُوجِبُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ مِلْكُ الْبَدَلِ لِلْمَوْلَى عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِالْقَبْضِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَفَلَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ إنْسَانٌ لَا يَصِحُّ وَيَنْفَرِدُ الْعَبْدُ بِفَسْخِهِ

، فَإِذَا عَجَزَ فَاتَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ لِلْمَوْلَى خِيَارُ الْفَسْخِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّ الْعَقْدَ فِيهِ أَوْجَبَ مِلْكَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ بِالْإِفْلَاسِ لَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَلِيًّا

( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ وَإِلَّا فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَالْجَارِيَةُ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبْلِ وَإِلَّا فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُفْتَى بِالْبُلُوغِ فِيهِمَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْهُ فِي الْغُلَامِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَطْعَنَ فِي التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَّا وَيَطْعَنُ فِي التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ وَقِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ، أَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالْحَبَلُ وَالْإِحْبَالُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ ، وَكَذَا الْحَيْضُ يَكُونُ فِي أَوَانِ الْحَبَلِ عَادَةً فَجُعِلَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ وَأَمَّا السِّنُّ فَلَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ { عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي } فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا ؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ وَلَمْ يَرُدَّهُ إلَّا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ ؛ لِأَنَّ بُلُوغَهُمَا لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا عَادَةً وَهِيَ إحْدَى الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ

إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } الصَّبِيُّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْقُتَبِيُّ وَقِيلَ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً ، وَفِي قَوْلِ عُمَرَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً فَوَجَبَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ لِلِاحْتِيَاطِ غَيْرَ أَنَّ الْإِنَاثَ نُشُوءُهُنَّ وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ فَزِدْنَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ سَنَةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي وَاحِدٌ مِنْهَا يُوَافِقُ الْمِزَاجَ لَا مَحَالَةَ فَيَقْوَى فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَدْنَى الْمُدَّةِ فِي حَقِّهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ، وَفِي حَقِّهَا تِسْعُ سِنِينَ ) أَيْ أَدْنَى مُدَّةِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ وَنَحْوِهِ فِي حَقِّ الْغُلَامِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ، وَفِي حَقِّ الْجَارِيَةِ تِسْعُ سِنِينَ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا أَوْ بِالتَّتَبُّعِ .

( فَصْلٌ ) بُلُوغُ الْغُلَامِ إلَخْ ( فَرْعٌ ) وَقَالَ أَصْحَابُنَا أَمَّا إنْبَاتُ الْعَانَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبُلُوغِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ نَبَاتُ شَعْرٍ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْبُلُوغِ كَاللِّحْيَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِاللِّحْيَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ بِخِلَافِ الْعَانَةِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا أَوْ تُمَسَّ ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ اللِّحْيَةُ دَلِيلَ الْبُلُوغِ فَالْعَانَةُ أَوْلَى وَمَا رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ { عُرِضْت يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبْصِرُوهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَنْبَتَ فَاقْتُلُوهُ فَنَظَرُوا إلَيَّ فَوَجَدُونِي مَا أَنْبَتّ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ } لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْخَصْمِ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَغَازِي ذَكَرُوا أَنَّ سَعْدًا حَكَمَ بِذَلِكَ فِيمَنْ أَنْبَتَ وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ اخْضَرَّ مِئْزَرُهُ وَهَذَا يَزِيدُ عَلَى الْإِنْبَاتِ ؛ لِأَنَّ اخْضِرَارَ الْإِزَارِ يَكُونُ بِنَبَاتِ الشَّعْرِ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الْعَانَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي ، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ اُقْتُلُوا مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي وَهَذَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْحَلْقِ بَعْدَ الْإِنْبَاتِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَعْتَبِرُهُ الْخَصْمُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَبِيلَ بَابِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ نَبَاتُ الْعَانَةِ ، وَأَمَّا نُهُودُ الثَّدْيِ فَلَا يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْكَمُ بِهِ وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ الْقَامَةَ وَيُقَدِّرُهُ بِخَمْسَةِ أَشْبَارٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَرَزْدَقُ فِي قَوْلِهِ مَا زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَدَاهُ إزَارَهُ وَسَمَا فَأَدْرَكَ خَمْسَةَ الْأَشْبَارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (

قَوْلُهُ وَيُفْتَى بِالْبُلُوغِ فِيهِمَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ ) أَيْ فَإِذَا تَمَّتْ جَازَ طَلَاقُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَمْ يُجِزْنِي ) أَيْ فِي الْمُقَاتِلَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَأَجَازَنِي ) أَيْ فِي الْمُقَاتِلَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ بُلُوغَهُمَا لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا ) أَيْ عَنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ رَاهَقَا ) أَيْ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ ( وَقَالَا قَدْ بَلَغْنَا صُدِّقَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُمَا كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا كَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( كِتَابُ الْمَأْذُونِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ فَلَا يَتَوَقَّتُ ، وَلَا يَتَخَصَّصُ ) هَذَا فِي الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ بَعْدَ الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ كَلَامٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا لِصُدُورِهِ عَنْ تَمْيِيزٍ ، وَمَحَلُّ التَّصَرُّفِ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِالْتِزَامِ الْحُقُوقِ ، وَهُمَا لَا يَفُوتَانِ بِالرِّقِّ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ ، وَهُوَ بِالرِّقِّ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَشَرًا إلَّا أَنَّهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ لِضَعْفِ ذِمَّتِهِ بِالرِّقِّ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا ، وَهُوَ شَاغِلٌ لِرَقَبَتِهِ فَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَكَانَ الْعَبْدُ مُتَصَرِّفًا بِأَهْلِيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ ، وَلَا يَتَوَقَّتُ بِزَمَانٍ ، وَلَا مَكَان ، وَلَا بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَالْمُكَاتَبِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوْكِيلٍ ، وَإِنَابَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْمَوْلَى بِإِذْنِهِ وَالْمَانِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ هُوَ الرِّقُّ ، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ الْإِذْنِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي صِحَّةِ التَّقْيِيدِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُجَاوِزَ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا كَالْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْمُوَكِّلِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا مَا أَطْلَقَ لَهُ ، وَعِنْدَنَا يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ، وَأَنَّمَا يَخْلُفُهُ الْمَوْلَى فِي الْمِلْكِ فَقَطْ لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِهِ لَهُ ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ هُوَ كَالْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْمَوْلَى ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ وَالْإِسْقَاطَاتُ لَا تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَكَمَا إذَا رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ بِبَيْعِ عَبْدٍ مُسْتَأْجَرٍ مِنْ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ عَلَى أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ نَوْعًا

مِنْ التَّصَرُّفِ دُونَ نَوْعٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْيِيدُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ فَلَا يَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِخِلَافِ إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ ذَكَرَهُ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ ، وَلَا يُقَالُ هُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَكَيْفَ يَكُونُ أَهْلًا لِسَبَبِهِ ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ ، وَالسَّبَبُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِذَاتِهِ بَلْ لِحُكْمِهِ فَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمُهُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا كَطَلَاقِ الصَّبِيِّ ، وَعَتَاقِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ حُكْمُهُ مِلْكُ الْيَدِ ، وَهُوَ أَهْلٌ لَهُ كَالْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِيهِ حَاجَتُهُ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَفَقَتِهِ ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ إلَّا مَا فَضَلَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ مَا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ إسْقَاطًا لَمَا مَلَكَ نَهْيَهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ فِي حَقِّ مَا لَمْ يُوجَدْ فَيَكُونُ النَّهْيُ امْتِنَاعًا عَنْ الْإِسْقَاطِ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ ، وَمِنْهُ الْأَذَانُ ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مِمَّنْ يَعْقِلُ التَّصَرُّفَ وَيَقْصِدُهُ وَالْآذِنُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بَيْعًا ، وَإِجَارَةً وَرَهْنًا وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ حَتَّى جَازَ الْإِذْنُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَالشَّرِيكِ مُفَاوَضَةً ، وَعِنَانًا وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي وَالْوَالِي وَحُكْمُهُ هُوَ التَّفْسِيرُ الشَّرْعِيُّ ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ فَكِّ الْحَجْرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ إنْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي ) أَيْ يَثْبُتُ الْإِذْنُ لِلْعَبْدِ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَمَا يَرَاهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ

وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا ، وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ فَسَكَتَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ رِضًا وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَلَوْ أَمَرَهُ الْمَوْلَى بِبَيْعِ مَتَاعِ غَيْرِهِ يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ ، وَلَوْ رَأَى عَبْدَهُ فِي حَانُوتِهِ يَبِيعُ فَسَكَتَ حَتَّى بَاعَ مَتَاعًا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ إذْنًا ، وَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ ذَلِكَ الْمَتَاعَ ، وَلَوْ رَأَى الْمَوْلَى عَبْدَهُ يَشْتَرِي شَيْئًا بِدَرَاهِمِ الْمَوْلَى أَوْ دَنَانِيرِهِ فَلَمْ يَنْهَهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ فَإِنْ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّهُ ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالِاسْتِرْدَادِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَى عَبْدِ رَجُلٍ مَتَاعًا لَهُ لِيَبِيعَهُ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَرَآهُ الْمَوْلَى ، وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَتَكَلَّمُوا فِي الْعُهْدَةِ قِيلَ تَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ ، وَقِيلَ إلَى الْعَبْدِ ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَمَا يَرَاهُ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ يَحْتَمِلُ الرِّضَا وَيَحْتَمِلُ السَّخَطَ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ ؛ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ إنَابَةٌ فَلَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ كَمَا إذَا رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مَالَهُ فَسَكَتَ ، وَلَمْ يَنْهَهُ وَلَا يَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِسُكُوتِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ ، وَهُوَ السُّكُوتُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ ، وَكَذَا لَوْ رَأَى الْقَاضِي الصَّبِيَّ أَوْ الْمَعْتُوهَ أَوْ عَبْدَهُمَا يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ لَا يَكُونُ إذْنًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَعَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِلْيَتِيمِ وَالْمَعْتُوهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَلِعَبْدِهِمَا أَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِيٌّ وَامْتَنَعَ مِنْ

الْإِذْنِ لَهُ عِنْدَ طَلَبِهِ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَكَذَا سُكُوتُ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَمَا يَرَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ رِضًا فِي رِوَايَةٍ ، وَكَذَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَتَزَوَّجُ أَوْ أَمَتَهُ تَتَزَوَّجُ فَسَكَتَ لَا يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ بِالزَّوَاجِ ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ وَصَاحِبُهُ يَقْشَعُ ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ بِهِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالضَّمَانِ قُلْنَا إنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ ، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ يَنْهَاهُ عَنْهُ وَيُؤَدِّبَهُ عَلَيْهِ فَإِذَا سَكَتَ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ فَصَارَ إذْنًا دَلَالَةً لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ إطْلَاقًا مِنْهُ فَيُبَايِعُونَهُ حَمْلًا لِفِعْلِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ وَالْعُرْفُ فَصَارَ كَسُكُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ عَنْ التَّغْيِيرِ وَالْإِنْكَارِ ، وَكَسُكُوتِ الْبِكْرِ وَالشَّفِيعِ وَالْمَوْلَى الْقَدِيمِ عِنْدَمَا يَرَى مَالَهُ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَ عِنْدَمَا يَقْشَعُ الْأَجْنَبِيُّ بِبَيْعِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ ، وَالْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ لِلْمُوَكِّلِ لَا لِنَفْسِهِ وَالتَّوْكِيلُ لَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ ، وَكَذَا الْعَبْدُ وَكِيلٌ فِي حَقِّ مَا بَاعَهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ ، وَهُوَ الْمَوْلَى وَالتَّوْكِيلُ لَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ ، وَكَذَا إذْنُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَتَّى يَكُونَ الْإِذْنُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ وَسُكُوتُ الْمُرْتَهِنِ إجَازَةٌ فِي رِوَايَةٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ عَلَى الْأُخْرَى أَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ إجَازَةً يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ بِخُرُوجِ الْعَيْنِ مِنْ يَدِهِ ، وَإِقَامَةُ الثَّمَنِ مَقَامَهُ فِي جَعْلِهِ رَهْنًا ، وَهُوَ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَا يُعْرَفُ هَلْ يَحْصُلُ أَوْ يُتْوَى عَلَيْهِ فَلَا يَلْحَقُهُ هَذَا الضَّرَرُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ مِنْهُ ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ فِي تَزَوُّجِ

الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ ، وَفِي إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى وَصَاحِبِ الْمَالِ فِيهِ ضَرَرًا مَحْضًا فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ الْتِزَامِهِ صَرِيحًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ فِي الْحَالِ ، وَفِي الْمَالِ جَانِبُ النَّفْعِ رَاجِحٌ ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدُّيُونِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِعِوَضٍ ، وَجَانِبُ تَحْصِيلِ الرِّبْحِ أَرْجَحُ ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ فِي النِّكَاحِ وَكِيلٌ عَنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِالتَّزَوُّجِ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا يَتَعَمَّمُ ، وَلَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ .( كِتَابُ الْمَأْذُونِ ) قَوْلُهُ ، وَلَا يَتَوَقَّتُ بِزَمَانٍ إلَخْ ) حَتَّى لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ يَوْمًا كَانَ مَأْذُونًا أَبَدًا حَتَّى يُحْجَرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَمِنْهُ الْأَذَانُ إلَخْ ) أَمَّا الْإِذْنُ فَهُوَ الْإِطْلَاقُ لُغَةً ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْحَجْرِ ، وَهُوَ الْمَنْعُ فَكَانَ إطْلَاقًا عَنْ شَيْءٍ أَيِّ شَيْءٍ ، وَفِي الشَّرْعِ الْإِطْلَاقُ فِي حَقِّ التِّجَارَةِ بِإِسْقَاطِ الْحَجْرِ عَنْهُ كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ ، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَقَوْلُ الرَّجُلِ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِهِ يُقَوَّمُ ، وَرُكْنُ الشَّيْءِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِذْنُ دَلَالَةً بِالسُّكُوتِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَحُكْمُهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَحُكْمُهُ مِلْكُ الْمَأْذُونِ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ التِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا وَضَرُورَاتِهَا ، وَعَدَمِ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إلَى هَذَا أَشَارَ فِي التُّحْفَةِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِالشَّيْءِ وَالثَّابِتُ بِالْإِذْنِ مَا قُلْنَا فَكَانَ حُكْمًا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ أَذِنَ لَهُ عَامًّا لَا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي ) يَعْنِي لَوْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ إذْنًا عَامًّا بِأَنْ قَالَ لَهُ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ ، وَلَا بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ ، وَأَمَّا إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ ، وَلَوْ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ لَانْسَدَّ عَلَى الْمَوْلَى بَابُ الِاسْتِخْدَامِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ آجِرْ نَفْسَك مِنْ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ اسْتِخْدَامًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ آجِرْ نَفْسَك مِنْ النَّاسِ أَوْ اُقْعُدْ صَبَّاغًا أَوْ خَيَّاطًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا ، وَأَنْتَ حُرٌّ حَيْثُ يَكُونُ إذْنًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْإِذْنِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ أَدِّ إلَيَّ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا أَوْ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى أَدَائِهِ إلَّا بِالتَّكَسُّبِ ، وَذَلِكَ بِالتِّجَارَةِ لَا بِالتَّكَدِّي ، وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ بِعُقُودٍ مُتَكَرِّرَةٍ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ كَقَوْلِهِ اشْتَرِ ثَوْبًا وَبِعْهُ أَوْ بِعْ ثَوْبِي هَذَا وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ عَادَةً ، وَقَوْلُهُ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا ، وَأَنْتَ حُرٌّ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْته إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَلَوْ أَعْطَاهُ رَاوِيَةً وَبَغْلًا ، وَقَالَ اسْتَقِ عَلَيْهِ وَبِعْ الْمَاءَ مِنْ النَّاسِ كَانَ إذْنًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّكَسُّبِ ، وَذَلِكَ بِالْإِذْنِ ، وَلَوْ غَصَبَ الْعَبْدُ ثَوْبًا فَأَمَرَهُ مَوْلَاهُ بِبَيْعِهِ كَانَ إذْنًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ

لَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَيَتَعَيَّنُ الْإِذْنُ ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَانَ إذْنًا فِي الْجَمِيعِ ، وَكَذَا إذَا قَيَّدَهُ بِوَقْتٍ أَوْ بِمُعَامَلَةِ شَخْصٍ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ عِنْدَنَا ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَنَا إسْقَاطٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ ثُمَّ إذَا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ بِمُحَابَاةٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ جَارٍ مَجْرَى التَّبَرُّعِ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الْمَرِيضِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ ، وَالتَّبَرُّعُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التِّجَارَةِ الِاسْتِرْبَاحُ ، وَهَذَا ضِدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ تِجَارَةٌ لَا تَبَرُّعٌ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ التِّجَارَةِ وَالْوَاقِعُ فِي ضِمْنِ الشَّيْءِ كَانَ لَهُ حُكْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَلِهَذَا تَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ فِي الْكُلِّ كَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ وَجَوَازِ الْمُرَابَحَةِ ، وَقَدْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فِي حَقِّ التِّجَارَةِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ كَفَكِّ الْحَجْرِ بِالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ وَبِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ مُقَيَّدٌ بِالْأَنْظَرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ أَنْ يَصِحَّ مِنْهُمْ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُجَاهِزِينَ وَيَبِيعُ بِغَبْنٍ

فَاحِشٍ فِي صَفْقَةٍ وَيَرْبَحُ فِي أُخْرَى ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا ، وَلَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَحَابَى فِيهِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ ، وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ وَلَا يُقَالُ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالْإِذْنِ فَصَارَ كَالْوَارِثِ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ يَنْفُذُ فِي الْكُلِّ بِخِلَافِ غُرَمَائِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا بِسُقُوطِ حَقِّهِمْ فَلَا تَنْفُذُ مُحَابَاتُهُ فِي حَقِّهِمْ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا فِي يَدِهِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ ، وَإِلَّا فَرُدَّ الْمَبِيعَ كَمَا فِي الْحُرِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مَرِيضًا لَا تَصِحُّ مُحَابَاةُ الْعَبْدِ إلَّا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى كَتَصَرُّفَاتِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِاسْتِدَامَةِ الْإِذْنِ بَعْدَ مَا مَرِضَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَصَارَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ وَالْفَاحِشُ مِنْ الْمُحَابَاةِ وَغَيْرُ الْفَاحِشِ فِيهِ سَوَاءٌ حَتَّى لَا يَنْفُذَ الْكُلُّ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُوَكِّلُ بِهِمَا ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَلَعَلَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمُعِينِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَرْهَنُ وَيَسْتَرْهِنُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَسْتَأْجِرُ وَيُضَارِبُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَجُوزُ لَهُ الْمُضَارَبَةُ أَخْذًا وَدَفْعًا ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ بِأَنْ يُؤَجِّرَ غِلْمَانَهُ أَوْ يَسْتَأْجِرَ أُجَرَاءَ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً

وَيَأْخُذَهَا مُسَاقَاةً ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ التُّجَّارِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ } ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا وَيَزْرَعَهُ فِيهَا وَيَسْتَأْجِرَ الْبُيُوتَ وَالْحَوَانِيتَ وَيُؤَجِّرَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَحْصِيلِ الْمَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُؤَجِّرُ نَفْسَهُ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَنَاوَلُ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ ، وَلَا يَرْهَنَهَا فَكَذَا مَنَافِعُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ ، وَلَنَا أَنَّ الْإِجَارَةَ تِجَارَةٌ ، وَهُوَ تَصَرُّفٌ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ إذْ هِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ دُونَ النَّفْسِ فَيَمْلِكُهُ ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِذْنُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَجِرُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ جَوَازِ بَيْعِ النَّفْسِ امْتِنَاعُ الْإِجَارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَيَمْلِكُ إجَارَتَهَا ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الْمُكَاتَبُ بَلْ هُوَ نَظِيرُهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إجَارَةَ نَفْسِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا وَالرَّهْنُ يُوجِبُ الْحَبْسَ عَلَى الدَّوَامِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ بَدَلٍ يُقَابِلُهُ فَيَفُوتُ بِهِ غَرَضُ الْمَوْلَى ، وَهُوَ التَّحْصِيلُ فَلَا يَمْلِكُهُ وَيُشَارِكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مُفَاوَضَةً ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ وَغَصْبٍ الْوَدِيعَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ مِنْهُ ، وَكَذَا بِالْغَصْبِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ فَكَانَ

مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَانَ شَرِيكُهُ مُطَالَبًا بِهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَأَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ بِاعْتِبَارِ الشِّرَاءِ إذْ لَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْحَدُّ دُونَ الْعُقْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِوَطْءِ جَارِيَةٍ بِالنِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الْعُقْرِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ ، وَإِقْرَارُهُ الْوَدِيعَةِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهِ ، وَلَوَازِمِهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي صِحَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ قَدَّمَ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ كَمَا فِي حَقِّ الْحُرِّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ مِنْ دُيُونِهِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ ، وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ لِلزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا ، وَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ مِنْ هَؤُلَاءِ .

قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ عَامًّا إلَخْ ) قَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ الْإِذْنُ نَوْعَانِ خَاصٌّ ، وَعَامٌّ أَمَّا الْإِذْنُ الْخَاصُّ كَأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ اشْتَرِ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا أَوْ اشْتَرِ كِسْوَةً لِنَفْسِك أَوْ لِفُلَانٍ فَاشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ مَأْذُونًا فِي ذَلِكَ خَاصَّةً وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ لَا يَتَجَزَّأُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَذِنَ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ وَلَوْ تَعَدَّى الْإِذْنُ إلَى غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَاتِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ ، وَأَمَّا الْإِذْنُ الْعَامُّ كَأَنْ يَقُولَ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَاتِ أَوْ فِي التِّجَارَةِ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا أَذِنَ فِي نَوْعٍ بِأَنْ قَالَ اتَّجِرْ فِي الْبَزِّ أَوْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا سُمِّيَ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ اُقْعُدْ فِي الْخَزَّازَةِ أَوْ فِي الصِّيَاغَةِ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحِرَفِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَذِنْت لَك أَنْ تَتَّجِرَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ حَجْرًا عَامًّا ، وَكَذَا إذَا قَالَ اتَّجِرْ فِي الْبَزِّ ، وَلَا تَتَّجِرْ فِي الْخَزِّ لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ وَيَعُمُّ الْإِذْنُ النَّوْعَيْنِ وَغَيْرَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ أَنَّ الْإِذْنَ تَمْلِيكُ التَّصَرُّفِ أَوْ إسْقَاطُ الْحَقِّ ، وَفَكُّ الْحَجْرِ إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ الْأَجَلُّ الصَّدْرُ الْكَبِيرُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْمَعْرُوفُ بِمَازَهْ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ : الْمَأْذُونُ فِي نَوْعٍ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا إلَّا فِيمَا نَصَّ

عَلَيْهِ وَمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَصُورَتُهُ رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ تَصَرَّفْ فِي الْخَزِّ وَسَكَتَ أَوْ قَالَ تَصَرَّفْ فِي الْخَزِّ ، وَلَا تَتَصَرَّفْ فِي الْبَزِّ عِنْدَنَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْخَزِّ وَالْبَزِّ جَمِيعًا ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ إلَّا فِي الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَا يَكُونُ مَأْذُونًا ) ، وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي التِّجَارَةِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ خَصَّ ، وَالتَّخْصِيصُ لَا يَعْمَلُ فِي الْإِذْنِ عِنْدَنَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الضَّرُورَةُ وَالضِّيقُ عَلَى النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مَأْذُونًا لَهُ بِهَذَا الْقَدْرِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ وَوَقَعُوا فِي حَرَجٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ بِالْإِذْنِ فِي شِرَاءِ جَمْدٍ أَوْ بَقْلٍ بِفَلْسٍ لَصَحَّ إقْرَارُهُ حِينَئِذٍ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ عَظِيمٍ حَيْثُ يُتْوَى بِذَلِكَ رَقَبَتُهُ ، وَكَسْبُهُ فَلَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى اسْتِخْدَامِ الْمَمْلُوكِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُهُمْ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ لَمْ يَجْعَلْ الْإِذْنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إذْنًا عَامًّا بَلْ جَعَلَ ذَلِكَ اسْتِخْدَامًا وَتَوْكِيلًا ا هـ وَالْحَاصِل أَنَّهُ مَتَى فُرِضَ إلَيْهِ عُقُودًا مُكَرَّرَةً كَانَ ذَلِكَ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْصُلُ بِالْعُقُودِ الْمُكَرَّرَةِ ، وَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ عَقْدًا وَاحِدًا لَا يَتَكَرَّرُ كَانَ اسْتِخْدَامًا ، وَلَمْ يَكُنْ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : فَأَمَّا إذَا بَاعَ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَهُ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْمَأْذُونُ لَهُ ذَلِكَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَيْسَ بِسَبِيلِ النِّيَابَةِ بَلْ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى ا هـ وَالْحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ

عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَالَ شِرَاءُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَبَيْعُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَائِزٌ حَالًّا أَوْ آجِلًا أَوْ سَلَمًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ ، وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ ، وَلَا صَدَقَتُهُ ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ مِثْلُ الْمُكَاتَبِ وَالصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ يَأْذَنُ لَهُ أَبُوهُ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ حَذْفٍ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ فِي بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ : وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَهُمَا وَإِنْ بَلَّغَ الْأَجْنَبِيُّ الثَّمَنَ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ وَبِالْيَسِيرِ يَجُوزُ فَلَا يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ عِنْدَهُمَا مِنْ الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَمْلِكُ كُلَّ مَا هُوَ مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ جَرْيًا عَلَى قَضِيَّةِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ ، وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالْغَرَضِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ نَصِّ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ خُلُوَّهُ مِنْ الْغَرَضِ فَإِنَّ التَّاجِرَ فِي الْعَادَاتِ كَمَا يُبَاشِرُ الْعَقْدَ عَلَى وَجْهٍ لَا غَبْنَ فِيهِ يُبَاشِرُهُ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ غَبْنٌ لِيَتَوَسَّلَ إلَى غَرَضٍ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا بِبَيْعِ مَا عِنْدَهُ ، وَعَسَى لَا يَشْتَرِي مَا عِنْدَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لِكَسَادِ السُّوقِ ، وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ ثَمَنٌ مَا يُرِيدُ تَحْصِيلَهُ فَتَمَسُّ حَاجَتُهُ إلَى بَيْعِ مَا عِنْدَهُ بِوَضِيعَةٍ رَغْبَةً فِيمَا يُرِيدُ تَحْصِيلَهُ وَالِاسْتِرْبَاحُ عَلَيْهِ وَهَذَا مَعْهُودٌ بَيْنَ التُّجَّارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

( قَوْلُهُ : وَلَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ ) أَيْ مَرَضَ الْمَوْتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا ) قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ هَذَا إذَا حَابَى الْمَأْذُونَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، وَالْمَوْلَى صَحِيحٌ أَمَّا إذَا حَابَى فِي مَرَضِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَبَيَانُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ : وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ مَرِضَ الْمَوْلَى فَبَاعَ الْعَبْدُ بَعْضَ مَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَحَابَى فِي ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْعَبْدِ ، وَمَا فِي يَدِهِ فَجَمِيعُ مَا فَعَلَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، وَمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِتَسْلِيطِ الْمَوْلَى ، وَإِنَّهُ يُلَاقِي حَقَّ الْمَوْلَى فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مُحَابَاةً مِنْهُ ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَيُجْعَلُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمَا فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ حَالَ الْعَبْدِ لَمْ يَتَغَيَّرْ إنَّمَا تَغَيَّرَ حَالُ الْمَوْلَى فَكَانَ وَصِيَّةً مِنْهُ بَعْدَ الدَّيْنِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ ، وَبِمَا فِي يَدِهِ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ مِنْ مُحَابَاةِ الْمَوْلَى شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الدَّيْنِ وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي فَانْقُضْ الْبَيْعَ ، وَإِنْ شِئْت فَأَدِّ الْمُحَابَاةَ كُلَّهَا ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي حَابَاهُ الْعَبْدُ بَعْضَ وَرَثَةِ الْمَوْلَى كَانَتْ الْمُحَابَاةُ بَاطِلَةً فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ مِنْ الْمَوْلَى كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَهَا ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ : وَيَتَقَبَّلُ الْأَرْضَ وَيَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً

كَمَا يَأْخُذُ الْحُرُّ ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَهُوَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَهُوَ إجَارَةُ نَفْسِهِ ، وَإِنَّهُ يَمْلِكُ كِلَا الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ طَعَامًا إلَى رَجُلٍ لِيَزْرَعَهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِهِ بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّ هَذَا يَصِيرُ قَرْضًا ، وَلَيْسَ لَهُ الْقَرْضُ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ ، وَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ ، وَلَوْ فَعَلَ مَعَ هَذَا أَشَارَ هَهُنَا أَنَّ الْخَارِجَ يَكُونُ لِلْمُزَارِعِ حَيْثُ جَعَلَهُ قَرْضًا ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ تَنْصِيصًا فَالْجَوَابُ هَكَذَا أَنَّ الْخَارِجَ يَكُونُ لِلْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِحُكْمِ الْقَرْضِ ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْحُرَّ لَوْ دَفَعَ بَذْرًا إلَى آخَرَ لِيَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ بِالنِّصْفِ فَفَعَلَ يَكُونُ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَأَرْضِهِ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْمُزَارَعَةِ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَفِي رِوَايَةِ الْمَأْذُونِ الْخَارِجُ لِلْمُزَارِعِ وَدَفْعُ الْبَذْرِ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ الْإِقْرَاضَ وَاسْتِئْجَارَ الْعَامِلِ وَالْأَرْضِ إنْ دَفَعَ الْبَذْرَ لِيَزْرَعَهُ لَهُ فَقَدْ أَبْقَاهُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْعَامِلُ عَامِلًا لَهُ بِشَرْطِ النِّصْفِ فَيَكُونُ اسْتِئْجَارًا لَهُ وَلِأَرْضِهِ ، وَإِنْ دَفَعَ الْبَذْرَ لِيَزْرَعَ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ يَكُونُ إقْرَاضًا لَهُ فَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ الْقَرْضُ ، وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ الِاسْتِئْجَارُ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ دَفَعَ الْبَذْرَ إلَيْهِ ، وَقَالَ لِتَزْرَعَ لِي أَوْ أَطْلَقَ يَكُونُ الْخَارِجُ لَهُ فَإِنْ قَالَ لِتَزْرَعَ لِنَفْسِك يَكُونُ الْخَارِجُ لِلْمُزَارِعِ فَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ ، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ عَلَى عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ بِمَهْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَائِزٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ

وَجَبَ عَلَيْهِ بِشُبْهَةِ نِكَاحٍ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَعْتَنِيَ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى جَازَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَجُزْ عَلَى الْغُرَمَاءِ ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَى الْعَبْدِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ تَحَاصُّ بِهِ الْمَرْأَةُ الْغُرَمَاءَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِوَطْءِ جَارِيَةٍ بِالنِّكَاحِ ) أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يَتَزَوَّجُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَوْلَى بِوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي رَقَبَتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( ، وَلَا يُزَوِّجُ مَمْلُوكَهُ ) ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الْمَنْفَعَةِ ، وَهُوَ تَحْصِيلُ الْمَهْرِ وَسُقُوطُ النَّفَقَةِ فَأَشْبَهَ إجَارَتَهَا وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُكَاتَبِ وَوَصِيِّ الْأَبِ وَالْأَبِ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ تَنَاوَلَ التِّجَارَةَ وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ الِاكْتِسَابَ ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ ؛ وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ مُقَيَّدٌ بِالْأَنْظَرِ لِلصَّغِيرِ وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ مِنْ الْأَنْظَرِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ الْمَأْذُونُ لَهُمَا وَالْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ عِنَانًا ، وَمُفَاوَضَةً وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا خِلَافًا بَلْ جَعَلَهُمَا كَالْمُكَاتَبِ ، وَكَذَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا كَالْمَبْسُوطِ ، وَمُخْتَصَرِ الْكَافِي وَالتَّتِمَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَلَا يُكَاتَبُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ ، وَالْبَدَلُ فِي الْحَالِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَقْوَى مِنْ الْإِذْنِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُوجِبُ حُرِّيَّةَ الْيَدِ فِي الْحَالِ وَحُرِّيَّةَ الرَّقَبَةِ فِي الْمَآلِ ، وَالْإِذْنُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ إلَّا إذَا أَجَازَهُ الْمَوْلَى ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِ فَإِذَا أَجَازَهُ زَالَ الْمَانِعُ فَيَنْفُذُ ، وَهَذَا

لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ مَوْقُوفٍ ، وَلَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ يَجُوزُ بِإِجَازَتِهِ فَتَكُونُ الْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقْبِضَ الْبَدَلَ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْلَى كَالْوَكِيلِ فَكَانَ قَبْضُ الْبَدَلِ لِمَنْ نَفَذَ الْعَقْدُ مِنْ جِهَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ ، وَمُعَبِّرٌ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ كَالنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَكِتَابَتُهُ بَاطِلَةٌ ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِرَقَبَتِهِ وَلِمَا فِي يَدِهِ لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى عِتْقُ مَا فِي يَدِهِ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَتَأَتَّى هَذَا ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُسْتَغْرِقِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْنَعُ ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْبَدَلَ إلَى الْمَوْلَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى لَا يُعْتَقُ وَسُلِّمَ الْمَقْبُوضُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( ، وَلَا يُعْتَقُ ) ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْكِتَابَةِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ ، وَكَانَ قَبْضُ الْعِوَضِ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ أَمْ لَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يُقْرِضُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يَهَبُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ وَسَوَاءٌ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً أَوْ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً .

( قَوْلُهُ : كَالْمَبْسُوطِ ، وَمُخْتَصَرِ الْكَافِي وَالتَّتِمَّةِ ) أَيْ ، وَأَحْكَامُ الصِّفَارِ ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْمُكَاتَبِ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ ، وَفِي الْكَافِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَخْسَكْتِيُّ أَوْ يُحْمَلُ مَا أُطْلِقَ فِي الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا أَوْ يُجْعَلُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَتَأَتَّى هَذَا ) قُلْت يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ فَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ صَحَّ أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ الدَّيْنَ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ جَازَ عِتْقُهُ ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْبِهِ ، وَفِي حَقِّ التَّعْلِيقِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي الرَّهْنِ ا هـ لَكِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ التَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَسَلَّمَ الْمَقْبُوضَ لِلْمَوْلَى ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَلَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْكِتَابَةَ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ لِهَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ ضَارٍّ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَعَلَّهُ يَحْصُلُ ، وَلَعَلَّهُ لَا يَحْصُلُ ، وَفِي الْكِتَابَةِ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ مَا لَمْ يُوجَدْ أَدَاءُ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَانَ قَبْضُ الْعِوَضِ إلَيْهِ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْذُونَ يَفْعَلُ مَا كَانَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ، وَمَا لَا فَلَا وَلِهَذَا لَا يَكْفُلُ بِنَفْسٍ ، وَلَا مَالٍ ، وَلَا يُقْرِضُ ، وَلَا يُعْتِقُ عَلَى مَالٍ إلَّا إذَا

أَجَازَهُ الْمَوْلَى ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْمَوْلَى وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُهْدِي طَعَامًا يَسِيرًا وَيُضَيِّفُ مَنْ يُطْعِمُهُ ) ؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُجَاهِزِينَ وَرُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ } وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَأْذُونُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ الضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ لِعَدَمِ الْإِذْنِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَوْلَى قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ عَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ قُوتَ شَهْرٍ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَكَلُوهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَوْلَى ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ لِلضِّيَافَةِ تَقْدِيرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالُوا فِي الْهَدِيَّةِ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ الْمَأْكُولِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ الدَّرَاهِمَ ، وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ يَسِيرٍ كَرَغِيفٍ وَنَحْوِهِ بِدُونِ اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ { لَا تُخْرِجُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا فَقِيلَ لَهُ وَالطَّعَامُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الطَّعَامُ أَفْضَلُ أَمْوَالِكُمْ } الْمُرَادُ بِهِ الْمُدَّخَرُ كَالْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُدَّخَرِ فَلَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكَانِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ مِنْ اتِّخَاذِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ وَالصَّدَقَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ بِعَيْبٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَطُّ أَنْظَرَ لَهُ مِنْ قَبُولِ الْمَعِيبِ بِخِلَافِ الْحَطِّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ أَوْ الْحَطِّ أَكْثَرَ مِنْ الْعَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ

صَنِيعِ التُّجَّارِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُحَابَاةِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ التَّاجِرُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ فِي دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَاتِ التُّجَّارِ .( قَوْلُهُ : وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ لِلضِّيَافَةِ تَقْدِيرٌ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي كِتَابِ شَرْحِ الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ مِنْ الْأَصْلِ لَمْ يُقَدِّرْ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ مِقْدَارَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الضِّيَافَةِ أَنَّهُ بِأَيِّ قَدْرٍ يُتَّخَذُ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَالِ تِجَارَتِهِ مَثَلًا عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَاتَّخَذَ ضِيَافَةً عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ يَسِيرًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى : الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَاتِ الْيَسِيرَةَ حَتَّى يَمْلِكَ التَّبَرُّعَ بِمَا دُونَ الدِّرْهَمِ ، وَلَا يَمْلِكَ التَّصَدُّقَ بِالدِّرْهَمِ وَيَمْلِكَ اتِّخَاذَ الضِّيَافَةِ وَالْإِهْدَاءَ ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُقَدَّرٍ بِدِرْهَمٍ بَلْ مَا يَعُدُّهُ التُّجَّار سَرَفًا وَيَمْلِكَ الَّذِي لَا يَعُدُّونَهُ سَرَفًا فِي الْمَأْكُولَاتِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْإِهْدَاءَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولَاتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَا تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا ) كَتَبَ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا مُلْحَقًا مَا نَصُّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ا هـ نِهَايَةُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ فِي دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ ) وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ عَنْهُ بَعْضَهُ وَيَحُطَّ عَنْهُ بَعْضَهُ كَانَ الْحَطُّ بَاطِلًا وَالتَّأْخِيرُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ تَبَرُّعٌ ، وَالتَّأْخِيرُ وَإِنْ كَانَ تَبَرُّعًا لَكِنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَأَشْبَهَ الضِّيَافَةَ وَالْهِبَةَ الْيَسِيرَةَ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَدَيْنُهُ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ وَيُبَاعُ فِيهِ إنْ لَمْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ ) ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ لَا بِالرَّقَبَةِ فَلَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ وَيُبَاعُ كَسْبُهُ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا أَنَّ رَقَبَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَوْلَى ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الدَّيْنُ إلَّا بِتَعْلِيقِهِ ؛ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ بِالْإِذْنِ تَحْصِيلُ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَا تَفْوِيتُ مَالٍ كَانَ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا أَصْلًا ، وَلَنَا أَنَّ هَذَا دَيْنٌ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ ؛ وَلِأَنَّ بَيْعَهُ بِالدَّيْنِ كَانَ جَائِزًا حِينَ كَانَ يُبَاعُ الْحُرُّ بِالدَّيْنِ عَلَى مَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاعَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ سُرَّقٌ فِي دَيْنِهِ } فَانْتَسَخَ فِي حَقِّ الْحُرِّ فَيَبْقَى فِي حَقِّهِ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ ، وَفِي تَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ وَحَامِلٌ لَهُمْ عَلَى الْمُعَامَلَةِ ، وَبِهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُعْسِرَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَالٌ لَا يُعَامِلُهُ أَحَدٌ خَوْفًا مِنْ تَوْيِ مَالِهِمْ فَلَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ ، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ يُعَامَلُ فَيَحْصُلُ غَرَضُهُ وَيَنْتَفِي الضَّرَرُ عَنْهُ بِدُخُولِ مَا اشْتَرَاهُ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ وَتَعَلُّقُهُ بِالْكَسْبِ لَا يُنَافِي تَعَلُّقَهُ بِالرَّقَبَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَيَبْدَأُ بِالْكَسْبِ ؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ عَلَى الْمَوْلَى مَعَ إيفَاءِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَعِنْدَ انْعِدَامِهِ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّقَبَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ ، وَلَا يُعَجِّلُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ بَلْ يَتَلَوَّمُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَوْ دَيْنٌ يَقْتَضِيهِ فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ التَّلَوُّمِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهٌ بَاعَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ

نَظَرَ لِلْمَوْلَى بِالتَّلَوُّمِ فَوَجَبَ النَّظَرُ لِلْغُرَمَاءِ بِالْبَيْعِ ثُمَّ بَيْعُ الْقَاضِي هَذَا الْعَبْدَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا غَيْرِ زُفَرَ ، وَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرَى بَيْعَ الْقَاضِي مَالَ الْمُفْلِسِ ، وَلَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْقَاضِي مَالَ الْمُفْلِسِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ لَا يَرَى حَجْرَ الْمُكَلَّفِ فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ الدَّيْنُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِبَيْعِ الْقَاضِي وَلِهَذَا الْمَعْنَى يَبِيعُ الْقَاضِي كَسْبَ الْعَبْدِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِالدَّيْنِ مَا ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّهِ فَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ بِهِ ، وَلَا يُطَالَبُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بِالْحِصَصِ ) أَيْ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ دُيُونَهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ فَيَتَحَاصَصُونَ فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا فِي التَّرِكَةِ ، وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى حَاضِرًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْخَصْمُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ كَمَا إذَا ادَّعَى رَقَبَتَهُ إنْسَانٌ ، وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ فِيهِ خَصْمًا وَلِبَيْعِ كَسْبِهِ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَوْلَى وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْخَصْمُ فِي كَسْبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى كَسْبَهُ كَانَ هُوَ الْخَصْمَ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَا بَقِيَ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَمَا اقْتَسَمَ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهُ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَا يُطَالَبُ بِهِ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُمْ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَمْ يَسْتَوْفُوا الْكُلَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَمْ تَفِ بِهِ فَيَبْقَى دَيْنُهُمْ عَلَى

حَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَسْتَوْفُونَهُ إذَا قَدَرَ عَلَى إيفَائِهِ ، وَلَا يَقْدِرُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ ثَانِيًا ، وَلَا اسْتِسْعَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ ثَانِيًا أَوْ يُسْتَسْعَى يَمْتَنِعُ مِنْ شِرَائِهِ فَيُؤَدِّي إلَى امْتِنَاعِ الْبَيْعِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَعُودُ الضَّرَرُ عَلَى غُرَمَائِهِ فَلَا يُشْرَعُ ؛ وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ ، وَإِنْ شَاءُوا بَاعُوهُ فَإِذَا بَاعُوهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ بَيْنَ أَشْيَاءَ فَاخْتَارَ أَحَدَهَا بَطَلَ خِيَارُهُ فِي غَيْرِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكُلِّ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَوْلَاهُ الَّذِي بَاعَهُ لِلْغُرَمَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ تَعَلُّقٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ حُكْمًا فَصَارَ كَأَنَّهُ عَبْدٌ آخَرُ ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَارُوا الْبَيْعَ بَطَلَ اخْتِيَارُ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا بَاعُوهُ مَلَكُوا السِّعَايَةَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِمَا أَخَذُوا مِنْهُ مِنْ الثَّمَنِ ، وَهُوَ مَلَكَهُ مِنْ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ فَقَامَ مَقَامَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَكُونُ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ، وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ يُبَاعُ مِرَارًا كُلَّمَا نَفَذَتْ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَتَكُونُ دَيْنًا حَادِثًا بَعْدَ الْبَيْعِ وَيَتَعَلَّقُ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ بِجَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ الْمُكْتَسَبِ بَعْدَ الدَّيْنِ ، وَقَبْلَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ إلَّا بِمَا اكْتَسَبَهُ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ فَمَا كَانَ مِنْ كَسْبِ تِجَارَتِهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الدَّيْنُ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ ، وَمَا لَمْ يَكُنْ

مِنْ كَسْبِ تِجَارَتِهِ فَهُوَ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَوْلَى قُلْنَا حَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ كَسْبِهِ إلَّا الْفَاضِلَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ فَيَخْلُفُهُ كَالْمَيِّتِ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ عَنْ حَاجَتِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكْتَسَبًا بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَيُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى مَا أَخَذَهُ مِنْ الْعَبْدِ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَخَذَهُ مِنْهُ كَانَ فَارِغًا عَنْ حَاجَتِهِ فَيَخْلُصُ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَأْخُذُ مِنْ الْعَبْدِ كُلَّ شَهْرٍ الْغَلَّةَ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْدَ لُحُوقِهِ غَلَّةً مِثْلَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُقَدَّمٌ فِي كَسْبِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي أَخْذِهِ الْغَلَّةَ مَنْفَعَةً لِلْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فَيَنْسَدُّ عَلَيْهِمْ بَابُ الِاكْتِسَابِ فَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْغَلَّةِ كَتَحْصِيلِ الْكَسْبِ لَهُمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ إلَّا إذَا أَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ غَلَّةِ مِثْلِهِ فَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ الزِّيَادَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْغُرَمَاءِ فَلَمْ يَكُنْ فِي أَخْذِهِ فَائِدَةٌ لَهُمْ فَيُؤْخَذُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَيُمْنَعُ فَيُقَدَّمُ فِيهِ حَقُّهُمْ .

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ يُبَاعُ فِيهِ ) لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ حَضْرَةِ الْمَوْلَى وَفِي بَيْعِ كَسْبِهِ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْعَبْدِ لَا الْمَوْلَى وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ ا هـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْمُقْرِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ إنْ لَمْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ ) أَيْ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ ا هـ كِفَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَلَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ إلَخْ ) قَالَ فِي طَرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّقَبَةَ تُبَاعُ فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ ( قَوْلُهُ : وَيُبَاعُ كَسْبُهُ ) أَيْ فِي الدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ظَهَرَ وُجُوبُهُ ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي حَقِّ الْمَوْلَى ) أَيْ لِلْإِذْنِ مِنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : سُرَّقٌ ) قَالَ فِي الْإِصَابَةِ فِي حَرْفِ السِّينِ سُرَّقٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ وَضَبَطَهُ الْعَسْكَرِيُّ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وِزَانُ عُدَرُ ، وَعُمَرُ ، وَأَنْكَرَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ تَشْدِيدَ الرَّاءِ وَيُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ أَسَدٍ صَحَابِيٌّ نَزَلَ مِصْرَ وَيُقَالُ كَانَ اسْمُهُ الْحُبَابَ فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ رَأَيْت رَجُلًا شَيْخًا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُقَالُ لَهُ سُرَّقٌ فَقُلْت مَا هَذَا الِاسْمُ قَالَ سَمَّانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ مَعَ حَذْفٍ وَذَكَرَ فِي الْإِصَابَةِ فِي الْكُنَى فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَيْنِيِّ مَا نَصُّهُ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ الْجِيلِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَيْنِيِّ { أَنَّ سُرَّقًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَزَّا قَدِمَ بِهِ فَتَقَاصَّاهُ فَتَغَيَّبَ عَنْهُ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ بِعْ سُرَّقًا قَالَ فَانْطَلَقْت بِهِ فَسَاوَمَنِي بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بَدَا لِي فَأَعْتَقْته } ا هـ .

وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَسُرَّقٌ مِثَالٌ زَمِجٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَهُوَ سُرَّقُ بْنُ أَسَدٍ كَانَ اسْمُهُ الْحُبَابَ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرَّقًا ا هـ وَفِي الْمَجْمَعِ بَابُ الْجِيمِ وَالزَّمْجُ مِثْلُ الْحَرْدِ اسْمُ طَائِرٍ يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ رِدّه براذران ا هـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَسُرَّقٌ عَلَى لَفْظٍ جَمْعُ سَارِقٍ اسْمُ رَجُلٍ ، وَهُوَ الَّذِي بَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَيْنِهِ ، وَهُوَ حُرٌّ ا هـ ( قَوْلُهُ : الَّذِي بَاعَهُ لِلْغُرَمَاءِ ) أَيْ لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ ا هـ قَوْلُهُ : وَقَالَ زُفَرُ لَا يَتَعَلَّقُ إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَتِهِ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : رَقَبَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ تُبَاعُ بِدَيْنِ التِّجَارَةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تُبَاعُ ثُمَّ قَالَ فِيهَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَرْشُ يَدِ الْعَبْدِ ، وَمَا اكْتَسَبَهُ الْعَبْدُ مِنْ الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ عِنْدَنَا يُصْرَفُ إلَى الدَّيْنِ ، وَعِنْدَهُ لَا يُصْرَفُ ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي بَابِ الدَّيْنِ يَلْحَقُ الْمَأْذُونَ فِي التِّجَارَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ دَيْنٍ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ وَاسْتِئْجَارٍ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ مَجْحُودَةٍ ( قَوْلُهُ : وَيُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِ الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاكْتَسَبَ مَالًا فَأَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى رَدُّ مِثْلِهِ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ رَدُّ عَيْنِهِ إذَا لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ شَيْءٍ عَلَى الْعَبْدِ ، وَإِنْ لَحِقَ الْعَبْدَ دَيْنٌ

بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقْتَ الْأَخْذِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عَيْنَ مَا قَبَضَ إلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : اسْتِحْسَانًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا لَا يَمْلِكُ أَخْذَ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ إذَا لَمْ يُعْطِ الْعَبْدَ بِإِزَاءِ مَا أَخَذَ عِوَضًا يَعْدِلُهُ فَأَمَّا إذَا أُعْطِيَ بِإِزَاءِ مَا أَخَذَ عِوَضًا يَعْدِلُهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ : غَلَّةُ الْمِثْلِ أَخَذَهَا بِعِوَضٍ ، وَهُوَ مَا تُرِكَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ غَلَّةَ الْمِثْلِ فَقَدْ تَرَكَ عَلَيْهِ الْخِدْمَةَ فَكَانَ آخِذًا مَا أَخَذَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ فَصَحَّ أَخْذُهُ بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى غَلَّةِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْمَوْلَى اسْتِخْدَامُ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ فِي هَذَا الْعَبْدِ حَقٌّ فَلِلْمَوْلَى فِيهِ مِلْكٌ فَإِذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمَوْلَى فَإِذَا كَانَ مُجَرَّدُ حَقٍّ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الْخِدْمَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَتَحَجَّرُ بِحَجْرِهِ إنْ عَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ سُوقِهِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ حَجْرُهُ صَحِيحٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَنَا لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَعْلَمَ ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ نَفْسُهُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَنَا يُشْتَرَطُ هُوَ يَقُولُ أَنَّ الْمَوْلَى تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَنْفُذُ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ غَيْرِهِ ، وَلَنَا أَنَّ حَجْرَهُ عَلَيْهِ لَوْ صَحَّ بِدُونِ عِلْمِهِمْ لَتَضَرَّرُوا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ اكْتَسَبَ شَيْئًا فَالْمَوْلَى يَأْخُذُهُ ، وَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَيَتَأَخَّرُ حَقُّهُمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَهُوَ مَوْهُومٌ ، وَلَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ لَا يَدْرِي أَيُعْتَقُ أَمْ لَا ، وَمَتَى يُعْتَقُ فَيَكُونُ غَارًّا لَهُمْ فَلَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمُوا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ وَيُكْتَفَى بِعِلْمِ أَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُكْتَفَى إلَّا بِعِلْمِ الْجَمِيعِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إعْلَامَ الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ ، وَفِيهِ حَرَجٌ ، وَهُوَ مُنْدَفِعٌ فَيُكْتَفَى بِالْأَكْثَرِ ؛ لِأَنَّ الِاشْتِهَارَ ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ ، وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْأَقَلِّ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَايَعَهُ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ نَقُولُ إنَّ الْحَجْرَ لَا يَتَجَزَّأُ كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ الْإِذْنُ ؛ لِأَنَّهُ ضِدَّهُ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْكَثْرَةِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ

الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ الِاشْتِهَارِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَكْثَرِ يَحْصُلُ الِاشْتِهَارُ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْكُلَّ وَلِهَذَا اكْتَفَى بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إلَى الْأَكْثَرِ حَتَّى لَا يُعْذَرَ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْجَهْلِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ بَلْ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَبْلُغْهُ كَدَارِ الْحَرْبِ ، وَيَبْقَى الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ إلَى أَنْ يَعْلَمَ بِالْحَجْرِ كَمَا يَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْعَزْلُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ انْحَجَرَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ لَتَضَرَّرَ بِتَصَرُّفِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَبِلُزُومِ قَضَاءِ مَا لَزِمَهُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِهِ ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ شَائِعًا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِذْنُ شَائِعًا ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ إلَّا الْعَبْدُ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ بِعِلْمِ الْعَبْدِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْإِضْرَارِ بِأَحَدٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَبِمَوْتِ سَيِّدِهِ وَجُنُونِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ) أَيْ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلِمَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ لَازِمٍ ، وَمَا لَا يَكُونُ لَازِمًا مِنْ التَّصَرُّفِ يُعْطَى لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ كَأَنَّهُ يَأْذَنُ لَهُ ابْتِدَاءً فِي كُلِّ سَاعَةٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَتَرْكُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ كَإِنْشَاءِ الْإِذْنِ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْأَهْلِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَقَدْ زَالَتْ الْأَهْلِيَّةُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ ، وَكَذَا بِاللِّحَاقِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمًا حَتَّى يُعْتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي ضِمْنِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُهُ ، وَلَا عِلْمُ أَهْلِ سُوقِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ

الْعِلْمُ كَانْعِزَالِ الْوَكِيلِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ ، وَكَمَا إذَا أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى عَنْ مِلْكِهِ ، وَكَالشَّرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ تَبْطُلُ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ وَتَصِيرُ عِنَانًا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَكَالَةِ وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَبِالْإِبَاقِ ) أَيْ وَبِالْإِبَاقِ أَيْضًا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حُكْمًا حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ أَنْ يَعْلَمَ أَهْلُ سُوقِهِ كَمَا فِي الْجُنُونِ ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْإِبَاقِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءً الْإِذْنَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْآبِقِ صَحَّ وَجَازَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَّجِرَ إذَا بَلَغَهُ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ بَقَاءَهُ ، وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى فَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِذْنِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمَوْلَى ، وَقِيَامِ رَأْيِهِ ، وَلَمْ يَخْتَلَّ ذَلِكَ بِإِبَاقِهِ فَكَيْفَ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ الْمَوْلَى ، وَأَخَوَاتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَنَا أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ الْمُتَمَرِّدِ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَتِهِ عَادَةً فَكَانَ حَجْرًا عَلَيْهِ دَلَالَةً وَالْحَجْرُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ كَالْإِذْنِ ، وَالْإِبَاقُ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ عِنْدَنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَالدَّلَالَةُ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا وَأَمَّا الْغَصْبُ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِأَنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ أَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ وَيَنْتَزِعَ كَسْبَهُ فَيَجُوزَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً دَلَالَةً ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِأَنْ كَانَ الْغَاصِبُ جَاحِدًا ، وَلَمْ

يَكُنْ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ يَمْتَنِعُ الْإِذْنُ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَعُودُ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ ) ، وَهَذَا فِي الْحَجْرِ الْقَصْدِيِّ أَمَّا إذَا ثَبَتَ الْحَجْرُ ضِمْنًا فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ أَهْلِ سُوقِهِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ حُكْمًا إذَا بَاعَ الْمَأْذُونَ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ رَجُلٍ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ يَنْحَجِرُ حُكْمًا ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ أَحَدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْأَقَلِّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : فَإِذَا بَاعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَاشْتَرَى فَلَحِقَهُ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَلْحَقْهُ ثُمَّ أَرَادَ مَوْلَاهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ يَكُونُ الْحَجْرُ إلَّا فِي أَهْلِ سُوقِهِ ، وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدُ أَوْ اشْتَرَى وَهُوَ قَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ قَوْلُهُ : كَمَا يَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى ، وَكَالَتِهِ إلَخْ ) ، وَلَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ إلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ فَأَتَى الْمَوْلَى أَهْلُ سُوقِهِ فَأَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِذْنِ وَالْحَجْرِ هُوَ الْعَبْدُ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ تَبَعًا ، وَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ فِي حَقِّهِ وَحُكْمُ الْعَزْلِ يَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ ، وَإِذَا بَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ أَهْلَ سُوقِهِ أَوْ غَيْرَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِذْنِ قَائِمٌ ، وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْغُرُورِ فَيَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِمَنْزِلَةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ ، وَمَا اشْتَرَى ، وَمَا بَاعَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَجْرِ مَقْصُورٌ عَلَى الْعِلْمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : وَإِذَا أَشْهَدَ الْمَوْلَى أَهْلَ السُّوقِ أَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ ، وَأَرْسَلَ

إلَيْهِ رَسُولًا أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أَوْ أَخْبَرَهُ الرَّسُولُ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ وَقَعَ بِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ كَقَوْلِ الْمُرْسِلِ ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابُ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَنْقُلُ كَلَامَ الْمُرْسِلِ ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ لَمْ يُرْسِلْهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ حَقًّا ، وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى وَبَاعَ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، وَلَمْ يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ فَهُوَ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ ، وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُسَمَّى إذْنًا بِدُونِ الْعِلْمِ فَلَوْ أَمَرَ الْمَوْلَى قَوْمًا أَنْ يُبَايِعُوهُ فَبَايَعُوهُ وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِالْإِذْنِ كَانَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ جَائِزًا هَذَا رِوَايَةُ الْمَأْذُونِ ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ مِنْ زِيَادَاتِهِ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْ عَبْدِي هَذَا مِنْ ابْنِي فُلَانٍ بِكَذَا فَذَهَبَ فَبَاعَهُ فَإِنْ أَخْبَرَ الِابْنَ بِذَلِكَ صَارَ مَأْذُونًا وَصَحَّ الْبَيْعُ ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اذْهَبْ فَاشْتَرِ عَبْدَ ابْنِي مِنْهُ بِكَذَا ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي مَوْضِعِ كَذَا ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ يَصِحُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ : وَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَحَدٌ وَلَمْ يَبِعْ ، وَلَمْ يَشْتَرِ حَتَّى حَجَرَ عَلَيْهِ بِعِلْمٍ مِنْهُ غَيْرَ مُحْضَرٍ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ فَهُوَ حَجْرٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا إذْنٌ خَاصٌّ وَرَدَ عَلَيْهِ حَجْرٌ خَاصٌّ

فَعَمِلَ فِيهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِإِعْمَالِهِ فِيهِ لَا يُؤَدِّي إلَى الْغُرُورِ بِأَحَدٍ ، وَلَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ حَجَرْت كَانَ الْحَجْرُ بَاطِلًا حَتَّى يَحْجُرَ فِي أَهْلِ سُوقِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَامًّا ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُ الْعَبْدِ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَاشْتَرَى وَبَاعَ كَانَ مَأْذُونًا وَالْحَجْرُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَجْرِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالْإِذْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَئِنْ سَلَّمْنَا إلَخْ ) وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا جَوَّزُوا ابْتِدَاءً الْإِذْنَ لِلْآبِقِ ، وَلَمْ يُجَوِّزُوا بَقَاءَ الْإِذْنِ فِيهِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : فَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَإِنْ بَايَعَهُ رَجُل ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَوْلَى كَانَ آبِقًا ، وَقَالَ الَّذِي بَايَعَهُ لَمْ يَكُنْ آبِقًا لَمْ يُصَدَّقْ الْمَوْلَى عَلَى إبَاقِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْحَجْرَ بَعْدَ الْإِذْنِ ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَبِيدِ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ دُونَ التَّمَرُّدِ فَإِنْ أَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ مِنْهُ إلَى مَوْضِعِ كَذَا ، وَأَقَامَ الَّذِي بَايَعَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَوْلَى أَرْسَلَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَشْتَرِيَ فِيهِ وَيَبِيعَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي بَايَعَ الْعَبْدَ أَيْضًا وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْآخَرِ ، وَلَكِنْ نَقُولُ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الَّذِي بَايَعَ الْعَبْدَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ طَاعَةَ الْعَبْدِ ، وَكَوْنَهُ مَأْذُونًا ظَاهِرًا ، وَفِي الْحَقِيقَةِ غَرَضُهُ إثْبَاتُ اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ بِالدَّيْنِ وَالْمَوْلَى يُثْبِتُ الْإِبَاقَ ظَاهِرًا ، وَفِي الْحَقِيقَةِ غَرَضُهُ نَفْيُ الِاسْتِحْقَاقِ

وَالْبَيِّنَاتُ حُجَّةٌ لِلْمُدَّعِينَ فَكَانَ قَبُولُ بَيِّنَةِ مَنْ هُوَ مُدَّعٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَعُودُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِالْإِبَاقِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ زَالَ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَوْ زَالَ وِلَايَةُ بَيْعِ الْمَوْلَى بِزَوَالِ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ الْعَبْدُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ لَا يَعُودُ مَأْذُونًا فَكَذَا هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالِاسْتِيلَادِ ) أَيْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِاسْتِيلَادِهَا الْمَوْلَى ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ ابْتِدَاءً يَجُوزُ فَكَذَا بَقَاءً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِتَحْصِينِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، وَأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِالرِّجَالِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالتِّجَارَةِ وَدَلِيلُ الْحَجْرِ كَصَرِيحِهِ كَمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ صَرِيحًا ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَكَانَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ بِهِ وَنَظِيرُهُ إذَا قَدَّمَ مَائِدَةً لِإِنْسَانٍ يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ بِالْأَكْلِ حَتَّى حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ ثُمَّ إذَا نَهَاهُ صَرِيحًا عَنْ الْأَكْلِ لَا تُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( لَا بِالتَّدْبِيرِ ) يَعْنِي الْمَأْذُونَ لَهَا لَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِالتَّدْبِيرِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَحْصِينِ الْمُدَبَّرَةِ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَجْرِ فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَ حُكْمَيْ التَّدْبِيرِ وَالْإِذْنِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّدْبِيرِ انْعِقَادُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَحَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَآلِ وَحُكْمُ الْإِذْنِ فَكُّ الْحَجْرِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ فِكَاكَ الْحَجْرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَ بِهِمَا قِيمَتَهُمَا لِلْغُرَمَاءِ ) أَيْ ضَمِنَ الْمَوْلَى بِالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ قِيمَتَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ مَحَلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا وَبِالْبَيْعِ يُقْضَى حَقُّهُمْ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ حَجْرِهِ صَحَّ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ أَوْ غَصْبٌ أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَيَقْضِيهِ مِنْهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ هُوَ الْإِذْنُ ، وَقَدْ زَالَ بِالْحَجْرِ وَيَدُهُ عَلَى أَكْسَابِهِ قَدْ بَطَلَتْ بِالْحَجْرِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ بَعْدَ حَجْرِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَ حَجْرُهُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي يَدِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ فَأَقَرَّ بَعْدَ الْحَجْرِ بِدَيْنٍ آخَرَ أَوْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ حَصَّلَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ رَقَبَتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ حَتَّى لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا عَدَمُ أَخْذِ الْمَوْلَى مَا أَوْدَعَهُ عَبْدَهُ الْغَائِبَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْمَوْلَى مِنْ أَخْذِهِ هُنَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَسْبُ الْعَبْدِ حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَسْبُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْإِقْرَارِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ هُوَ الْيَدُ ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى ، وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَشَرْطُ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ حُكْمًا فَرَاغُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ عَنْ حَاجَتِهِ ، وَإِقْرَارُهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقُّقِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ زَالَتْ عَنْهُ وَيَدُ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ فِيهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا تَبْطُلُ بِإِقْرَارِهِ وَبِخِلَافِ إقْرَارِهِ بَعْدَمَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالدُّخُولِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ صَارَ كَعَيْنِ آخَرَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ تَبَدُّلَ

الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ إقْرَارُهُ كَإِقْرَارِ عَبْدٍ آخَرَ فَلَا يُقْبَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا لَا يُقْبَلُ فِيمَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي يَدِهِ وَقْتَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَصْحَابِ الدُّيُونِ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَيُقَدَّمُونَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ كَالْمَرِيضِ يُقِرُّ بِدَيْنٍ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ فَيُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِمَا أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِكَسْبِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي يَدِهِ ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي الرَّقَبَةِ ثَابِتٌ حَتَّى يَنْفُذَ فِيهَا إعْتَاقُهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ إذَا اسْتَغْرَقَهُ الدَّيْنُ وَيَدُ الْعَبْدِ فِيهِ ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً ، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ لَارْتَفَعَتْ حُكْمًا لِلْحَجْرِ وَشَرْطُ ارْتِفَاعِهِ بِالْحَجْرِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى مَمْنُوعٌ عَنْ إبْطَالِ يَدِ الْعَبْدِ مَا دَامَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُ ، وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ وِلَايَةِ إبْطَالِ يَدِ الْعَبْدِ عَدَمَ الدَّيْنِ لَا يُحْكَمُ بِنَفَاذِ الْحَجْرِ فِي حَقِّ زَوَالِ يَدِ الْعَبْدِ عَمَّا فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَدَمُ الدَّيْنِ بِدَلِيلِهِ ، وَلَا يُكْتَفَى بِثُبُوتِ عَدَمِ الدَّيْنِ لِعَدَمِ دَلِيلِ وُجُودِهِ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ لَمْ يُعْتَقْ إذَا ادَّعَى الْمَوْلَى الدُّخُولَ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الدُّخُولِ وَهُوَ ثَابِتٌ لِعَدَمِ دَلِيلِ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ لَمَّا جُعِلَ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ بِالْعَدَمِ الثَّابِتِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْوُجُودِ فَكَذَا هَذَا ، وَهُوَ الَّذِي

يَقُولُهُ الْفُقَهَاءُ الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ ، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَجْرُ بِمِثْلِ هَذَا الْعَدَمِ فِي حَقِّ مَا فِي يَدِهِ بَقِيَ الْإِذْنُ عَلَى حَالِهِ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ مَا فِي يَدِهِ لَوْ أَحَاطَ دَيْنُهُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ فَبَطَلَ تَحْرِيرُهُ عَبْدًا مِنْ كَسْبِهِ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي عَبْدِهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَأْذُونَ لَهُ فَيَمْلِكُ كَسْبَهُ بِالضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ كَسْبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ أَصْلٌ ، وَكَسْبَهُ فَرْعٌ وَاسْتِغْرَاقُهُمَا بِالدَّيْنِ لَا يُوجِبُ خُرُوجَ الْمَأْذُونِ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ ، وَمَلَكَ وَطْءَ الْمَأْذُونِ لَهَا فَكَذَا كَسْبُهُ الَّذِي فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فَيَكُونُ مِثْلَهُ وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ اسْتِيفَاءٌ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي مِلْكِهِ ، وَلَوْ أَوْجَبَ لَمَا حَلَّ وَطْءُ الْمَأْذُونِ لَهَا إذْ الْوَطْءُ لَا يَحِلُّ بِدُونِ كَمَالِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي التَّرِكَةِ ، وَهِيَ كُلُّهَا مَشْغُولَةٌ بِالدَّيْنِ حَيْثُ لَا يَنْفُذَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْمِلْكِ إلَى الْوَارِثِ عِنْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ نَظَرًا لَهُ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الْإِرْثِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْأَقْرَبِ أَنْفَعُ لَهُ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي الصَّرْفِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ دُونَ النَّقْلِ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَا يَمْلِكُونَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ خِلَافَهُ عَنْهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ كَمِلْكِ الْوَارِثِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالْمُحِيطُ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَلَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ بِخِلَافِ رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ رَقَبَتِهِ بَلْ كَانَ مَالِكًا لَهُ مِنْ قَبْلِ الْإِذْنِ فَبَقِيَ مِلْكُهُ بَعْدَ الدَّيْنِ عَلَى مَا كَانَ

قَبْلَهُ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ حَتَّى يُعْتَقَ بِإِعْتَاقِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ أَكْسَابِهِ حَتَّى لَا يَنْفُذَ إعْتَاقُهُ فِيهِ فَإِذَا نَفَذَ عِتْقُهُ فِي رَقَبَةِ الْمَأْذُونِ لَهُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا فِيهِ وَفِي كَسْبِهِ يَغْرَمُ الْمَوْلَى لِلْغُرَمَاءِ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالْإِعْتَاقِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَبِيدِ يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْحَالِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَإِنَّمَا ضَمِنَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ ، وَعِنْدَهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ، وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا ، وَلَا يَضْمَنُ عُقْرَهَا ، وَلَا قِيمَةَ وَلَدِهَا ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا مِلْكُهُ بَاقٍ حَقِيقَةً ، وَعِنْدَهُ صَادَفَ حَقَّ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى ، وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ثُمَّ وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ ، وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لَهَا وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَوَقَّفَ عِنْدَهُ عَلَى أَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ تَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ عَنْ دُيُونِهِمْ حَتَّى مَلَكَ الْجَارِيَةَ نَفَذَ عِتْقُهُ فَكَذَا إذَا مَلَكَ الْجَارِيَةَ بِالِاسْتِيلَادِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ صَحَّ ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ الدَّيْنَ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ جَازَ عِتْقُهُ ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ فَلَا

يَصِحُّ إعْتَاقُهُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْبِهِ ، وَفِي حَقِّ التَّعَلُّقِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْفَرَاغُ وَبَعْضُهُ فَارِغٌ وَبَعْضُهُ مَشْغُولٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْمِلْكَ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكُلِّ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ بِقَدْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْكُلِّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ دَيْنٍ ، وَلَوْ جَعَلَ الْقَلِيلَ مَانِعًا لَانْسَدَّ بَابَ الِانْتِفَاعِ بِكَسْبِ عَبْدِهِ فَيَخْتَلُّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِذْنِ ، وَأَصْلُهُ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ التَّرِكَةِ بِالدَّيْنِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَمْلِكُ الْوَارِثُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَقْرِيرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى : قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ مِنْ سَيِّدِهِ إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي الْبَيْعِ لَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَيَجُوزُ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ فِيهِ تُهْمَةٌ فَلَا يَجُوزُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ عَيْنًا مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَمْنُوعٌ عَنْ إيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَهُمْ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَمْلِكُ إيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِهَا ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مَمْنُوعٌ عَنْ إبْطَالِ الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ جَمِيعَ مَالِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ إلَى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُحَابِيَ بِقَدْرِ

الثُّلُثِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ وَبَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ الْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِالْمَالِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِصُوهَا بِالْقِيمَةِ وَكَذَا لِبَعْضِهِمْ إذَا سَلَّمَ الْبَعْضَ ، وَهَذَا الْحَقُّ لَهُمْ فِي التَّرِكَةِ كَحَقِّ الْمَوْلَى فِي مَالِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ الْمَدْيُونِ حَتَّى كَانَ لَهُ اسْتِخْلَاصُهُ بِالْقِيمَةِ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَمْ يَتَعَلَّقْ إلَّا بِالْمَالِيَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُمْ الِاسْتِخْلَاصُ بِالْقِيمَةِ أَصْلًا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : إنْ بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى جَازَ الْبَيْعُ فَاحِشًا كَانَ الْغَبْنُ أَوْ يَسِيرًا ، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ وَبَيْنَ أَنْ يُنْقِضَ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّ فِي الْمُحَابَاةِ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ حَيْثُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا ، وَلَا يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِإِزَالَتِهِ وَالْمَوْلَى يُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْيَسِيرِ مِنْ الْغَبْنِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّبَرُّعِ وَالْبَيْعِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَاعْتَبَرْنَاهُ تَبَرُّعًا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى لِلتُّهْمَةِ غَيْرَ تَبَرُّعٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِانْعِدَامِهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَهُمَا ، وَمِنْ الْمَوْلَى يَجُوزُ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تَجُوزُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ عَلَى أَصْلِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، وَلَا إذْنَ فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، وَهُوَ آذِنٌ فِيمَا يَشْتَرِيهِ بِنَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّ إزَالَةَ الْمُحَابَاةِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ رَدَّ هَذَا الْبَيْعِ لِلتُّهْمَةِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ لَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ حَيْثُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ

لَا تُهْمَةَ فِيهِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِسَبِيلٍ مِنْ تَخْلِيصِ كَسْبِهِ لِنَفْسِهِ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْبَيْعِ فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْلَى فَصَارَ تَصَرُّفُهُ مَعَ مَوْلَاهُ كَتَصَرُّفِ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ وَالْيَسِيرُ سَوَاءٌ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِمَا .

( قَوْلُهُ : وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ ) أَيْ إنْ كَانَ الْمَوْلَى مُوسِرًا ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُضَمِّنُوا الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ ، وَيَرْجِعُ هُوَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : عَلَى مَا يَجِيءُ تَقْرِيرُهُ مِنْ بَعْدُ ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ ا هـ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ إذَا بَاعَ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُفِيدٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْكَسْبِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي الْكَسْبِ ، وَالْبَيْعُ أَفَادَ الْمِلْكَ فِيهِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ كَمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ فِي كَسْبِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ يُضَمِّنُهُ لِلْعَبْدِ فَصَارَ كَبَيْعِ الْمُضَارِبِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّصَرُّفَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفِيدٍ ؛ لِأَنَّهُ مَوْلَاهُ يَمْلِكُ ، وَلَاءَهُ رَقَبَةً وَتَصَرُّفًا هَذَا إذَا بَاعَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَمَّا إذَا بَاعَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَنْ حَابَى فِي الثَّمَنِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا أَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ الْجَوَابَ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا ذِكْرِ الْخِلَافِ فَقَالَ : وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الشُّفْعَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْحُرِّ بَيَانُهُ

أَنَّ الْمَوْلَى إذَا بَاعَ دَارًا بِجَنْبِ دَارٍ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ كَانَ لِمَوْلَاهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْعَبْدُ دَارًا وَالْمَوْلَى شَفِيعُهَا إنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ دَارًا وَالْمَوْلَى شَفِيعُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّارُ لِلْمَوْلَى وَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى بَاعَ دَارًا مِنْ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا يَكُونُ بَيْعًا ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ إنْ كَانَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الزِّيَادَةَ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِمَا سَلَّمَ لِلْعَبْدِ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَبَاعَ دَارًا مِنْ الْمَوْلَى إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِمِثْلِهَا جَازَ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا ، وَعِنْدَهُمَا الْمُحَابَاةُ لَا تَجُوزُ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِصُوهَا بِالْقِيمَةِ ) سَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْخُنْثَى أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ

فَرَاجِعْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ ) أَيْ الْفَاحِشَ وَالْيَسِيرَ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ ) فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ بَلَغَ الْمَوْلَى الثَّمَنُ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ ، وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْمَرِيضِ عَيْنًا مِنْ وَارِثِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَصْلًا ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوز الْمُحَابَاةُ وَالْجَامِعُ التُّهْمَةُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي حُكْمٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ هَهُنَا يَجُوزُ ، وَفِي الْمَرِيضِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِيثَارِ بِالْعَيْنِ فِيهِ تُهْمَةٌ وَالتُّهْمَةُ هَهُنَا فِي النُّقْصَانِ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِسَبِيلٍ مِنْ تَخْلِيصِ كَسْبِهِ لِنَفْسِهِ بِالْقِيمَةِ بِدُونِ الْبَيْعِ فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْلَى ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَخَذَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَتَمَامُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَتْمِيمِ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ نَقْضِ الْبَيْعِ فَمَتَى اسْتَهْلَكَهُ تَعَذَّرَ نَقْضُهُ فَلَزِمَهُ تَتْمِيمُ الْقِيمَةِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَفِي الْكَافِي فِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى إلَخْ وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِسَبِيلٍ مِنْ تَخْلِيصِ كَسْبِهِ لِنَفْسِهِ بِالْقِيمَةِ بِدُونِ الْبَيْعِ فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْلَى وَصَارَ الْعَبْدُ فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ مَوْلَاهُ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ مَعَ

الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعَ الْمَوْلَى كَالْمَرِيضِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي مَبْسُوطِ الْإِسْبِيجَابِيِّ ، وَفِي النِّهَايَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى إلَخْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْأَصَحِّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ بَاعَ سَيِّدُهُ مِنْهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَسْبِهِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ فَيَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيِّ ، وَعِنْدَهُمَا جَوَازُ الْبَيْعِ يَعْتَمِدُ الْفَائِدَةَ ، وَقَدْ وُجِدَتْ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ أَخْذَ الثَّمَنِ وَالْعَبْدَ الْمَبِيعَ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَفَادَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَبْطُلُ الثَّمَنُ لَوْ سُلِّمَ قَبْلَ قَبْضِهِ ) أَيْ لَوْ سَلَّمَ الْمَوْلَى الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بَطَلَ الثَّمَنُ فَلَا يُطَالَب الْعَبْدُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ ، وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَخَرَجَ مَجَّانًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ فَمَلَكَهُ بِهِ عَبْدُهُ ، وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِعَيْنِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ إذْ هُوَ لَيْسَ بِدَيْنٍ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَيْنُ مِلْكِهِ فِي يَدِ عَبْدِهِ ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ غَصَبَ الْعَبْدُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ أَوْ أَوْدَعَ مَالَهُ عِنْدَ عَبْدِهِ أَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ فَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ الْمَدْيُونِ دَيْنٌ عَلَى مَوْلَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ أَكْسَابِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ ضَمِنَ لِلْعَبْدِ هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْعَبْدِ وَيَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْ

الْعَيْنِ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الثَّمَنُ ، وَلَمْ يُسَلَّمْ فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ عَلَى حَالِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِهِ مَا بَقِيَ الْعَيْنُ قَائِمًا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْنُ الْمَمْلُوكَةُ لِلْمَوْلَى فِي يَدِ عَبْدِهِ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِلْكُ الْيَدِ فِيهِ ، وَأَمَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ فَقَدْ صَارَ دَيْنًا فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى عَبْدِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ ) أَيْ لِلْمَوْلَى حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْيَدِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَبْقَى مِلْكُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَلِهَذَا كَانَ أَخَصَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ؛ وَلِأَنَّ لِلدَّيْنِ تَعَلُّقًا بِالْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهَا وَيَسْلَمُ بِسَلَامَتِهَا فَكَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَيْنِ الْمُقَابِلِ لَهُ فَيَكُونُ لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَلِهَذَا يَسْتَوْجِبُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِمَا أَنَّهُ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ الْمَوْلَى الْمَبِيعَ أَوَّلًا حَيْثُ يَسْقُطُ دَيْنُهُ لِذَهَابِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ دَيْنًا مُطْلَقًا فَيَسْقُطُ ، وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ أَوْ نَقْضِ الْبَيْعِ قَلِيلَةً كَانَتْ الْمُحَابَاةُ أَوْ كَثِيرَةً ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ كَمَا بَيَّنَّا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى حَيْثُ يَجُوزُ بِالْيَسِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَالْمَعْنَى قَدْ بَيَّنَّاهُ ، وَقَوْلُهُ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ جَائِزًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ هَذَا

كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا تَجُوزُ مُبَايَعَتُهُ مَعَ الْمَوْلَى لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَالُهُ ، وَلَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ .قَوْلُهُ : أَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ) ، وَهَذَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ عِنْدَهُمَا ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِلْمَوْلَى ) أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ وَفِي رِوَايَةٍ إلَخْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ أَوْ بِنَقْضِ الْبَيْعِ كَمَا بَيَّنَّا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا بَيَّنَّا ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ إزَالَةِ الْمُحَابَاةِ إلَخْ فَصَاحِبُ الْكِتَابِ أَطْلَقَ لَفْظَ الْمُحَابَاةِ هُنَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ ، وَهَذَا وَقَعَ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الْأَصَحِّ كَمَا قَرَّرْنَا أَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْكِتَابِ ، وَهُوَ رِوَايَةُ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ هَذَا الْبَيْعُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَرِدُ التَّخْيِيرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ التَّخْيِيرِ ، وَفِي الْكَافِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فَاسِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَصَحَّ إعْتَاقُهُ ) أَيْ جَازَ إعْتَاقُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ الْمُسْتَغْرَقَ بِالدَّيْنِ ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَكْسَابِهِ بَعْدَ الِاسْتِغْرَاقِ بِالدَّيْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لِغُرَمَائِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُعْتَقِ لِغُرَمَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ بَيْعًا وَاسْتِيفَاءً مِنْ ثَمَنِهِ ، وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَأَوْجَبْنَا الضَّمَانَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِإِعْتَاقِهِمَا لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِمَا اسْتِيفَاءً بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُتْلِفًا حَقَّهُمْ فَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَ الدَّيْنَ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ فَيَضْمَنُهَا كَمَا إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ حَيْثُ لَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ هُنَاكَ بَدَلُ الْآدَمِيِّ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ ، وَكَذَا هُنَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ الْمَوْلَى بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْجَانِي حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى جَمِيعُ الْأَرْشِ إنْ كَانَ إعْتَاقُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا عَلَى الْمَوْلَى ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَيَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْإِعْتَاقِ عَالِمًا ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ حَقِّهِمْ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ ،

وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْجَانِي مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا ، وَهُنَا لَا يَجِبُ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَطُولِبَ بِمَا بَقِيَ لِغُرَمَائِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ) أَيْ لِغُرَمَائِهِ أَنْ يُطَالِبُوهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ إنْ بَقِيَ مِنْ دِينِهِمْ شَيْءٌ ، وَلَمْ تَفِ بِهِ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُسْتَقِرٌّ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ، وَعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ وَالْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَدْرُ مَا أَتْلَفَ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَيْهِ كَمَا كَانَ فَيُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوا الْعَبْدَ بِالْكُلِّ وَيُبْرِئُوا الْمَوْلَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُمْ عَلَيْهِ ، وَإِذَا اخْتَارُوا اتِّبَاعَ أَحَدِهِمَا لَا يَبْرَأُ الْآخَرُ كَالْكَفِيلِ مَعَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الضَّمَانُ وَاجِبٌ لَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا بَرِئَ الْآخَرُ ضَرُورَةً ، وَهُنَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ فَلَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا مَوْلَاهُ الْقِيمَةَ ، وَلَيْسَ هَذَا كَإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ بِإِذْنِهِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ بِإِذْنِ الْغَرِيمِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ وَغَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ قِيمَتَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِبَيْعِهِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ ) أَيْ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ بَعْدَمَا ضَمَّنَهُ الْغُرَمَاءُ قِيمَتَهُ رَجَعَ الْمَوْلَى بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ ، وَكَانَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ

قَدْ زَالَ ، وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ وَسَلَّمَ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْمَالِكِ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ هَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَكَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ ، وَإِنْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ ، وَلَا لِلْمَوْلَى عَلَى الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي إقَالَةٌ ، وَهِيَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ دَيْنِهِمْ شَيْءٌ رَجَعُوا بِهِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( أَوْ مُشْتَرِيَهُ ) أَيْ أَوْ ضَمَّنُوا مُشْتَرِيَهُ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَائِعِ فَتَقْدِيرُهُ ، وَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ وَغَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ ، وَهُوَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ أَوْ ضَمَّنُوا مُشْتَرِي الْعَبْدِ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، الْبَائِعُ بِمَا ذَكَرْنَا ، وَالْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ وَالتَّغْيِيبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( أَوْ أَجَازُوا الْبَيْعَ ، وَأَخَذُوا الثَّمَنَ ) أَيْ الْغُرَمَاءُ إنْ شَاءُوا أَجَازُوا الْبَيْعَ ، وَأَخَذُوا ثَمَنَ الْعَبْدِ ، وَلَا يُضَمِّنُوا أَحَدًا الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ كَمَا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ثُمَّ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ أَجَازَ ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ ، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ نَفَاذُ الْكَفَالَةِ وَلُزُومُهَا عَلَى الْإِجَازَةِ بَلْ نَفَذَتْ عَلَى الْكَفِيلِ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لَهُ ، وَلَا كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْغُرَمَاءَ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إجَازَةِ الْبَيْعِ وَتَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءُوا ثُمَّ إنْ

ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنْهُ كَأَخْذِ الْعَيْنِ ، وَإِنْ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ سَلَّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَّ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَأَيُّهُمَا اخْتَارُوا تَضْمِينَهُ بَرِئَ الْآخَرُ حَتَّى لَا يَرْجِعُوا عَلَيْهِ ، وَإِنْ تُوِيَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ الَّذِي اخْتَارُوهُ ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْآخَرَ ، وَلَوْ ظَهَرَ الْعَبْدُ بَعْدَمَا اخْتَارُوا تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لَهُمْ بِالْقِيمَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ ، وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ بِقَوْلِ الْخَصْمِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَقَدْ ادَّعَى الْغُرَمَاءُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهُمْ بِالْخِيَارِ فِيهِ إنْ شَاءُوا رَضَوْا بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوهَا ، وَأَخَذُوا الْعَبْدَ فَبِيعَ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ بِزَعْمِهِمْ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ فِي ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ : الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَغْصُوبِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ تَظْهَرَ الْعَيْنُ ، وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ هُنَا ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَدَّعِيَ الْغُرَمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ ، وَأَنَّ كَمَالَ حَقِّهِمْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ بِزَعْمِهِمْ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى قَدْ تَكُونُ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ مَا ضَمِنَ أَوْ أَقَلَّ فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ ، وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ فَلَا يَكُونُ الْمَذْكُورُ هُنَا مُخَلَّصًا .

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ إعْتَاقُهُ ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ جَازَ عِتْقُهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ ، وَالْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْعَبْدَ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمَوْلَى بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَمِنْ الدَّيْنِ سَوَاءً كَانَ عَالِمًا بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا عَلَى الْمَوْلَى ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ عَاقِلَتَهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِالدَّفْعِ فَبِالْعِتْقِ أَبْطَلَ حَقَّ الدَّفْعِ فَصَارَ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ إنْ كَانَ عَالِمًا فَأَمَّا فِي الدَّيْنِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ وَالْمَوْلَى أَبْطَلَ حَقَّ الْبَيْعِ وَلَوْ بِيعَ لَا يَكُونُ إلَّا قَدْرُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي فِي الظَّاهِرِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلِذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ اخْتَارُوا اتِّبَاعَ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ إبْرَاءً لِلْعَبْدِ ، وَلَوْ اخْتَارُوا اتِّبَاعَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ إبْرَاءٌ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا انْقَطَعَ حَقُّهُ مِنْ الْآخَرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هُنَاكَ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَإِذَا ضَمِنَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ مَلَكَهُ فَبَعْدَ التَّمْلِيكِ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ ، وَأَمَّا هَهُنَا الدَّيْنُ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى عَلَى سَبِيلِ الْكَفَالَةِ إذْ لَيْسَ فِي هَذَا التَّضْمِينِ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَوْلَى فَثَبَتَ أَنَّهُ كَالْكَفِيلِ ، وَمَنْ طَالَبَ الْكَفِيلَ أَوْ الْمَكْفُولَ عَنْهُ لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ الْآخَرِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا ، وَلَوْ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ اتِّبَاعَ الْعَبْدِ وَبَعْضُهُمْ اتِّبَاعَ السَّيِّدِ فَاَلَّذِي يَتْبَعُ الْعَبْدَ يَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يَتْبَعُ الْمَوْلَى

يَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ حَقِّهِ إذَا كَانَ حَقُّهُ مِثْلَ الْقِيمَةِ ، وَمَا يَأْخُذُونَ مِنْ الْمَوْلَى يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الدَّيْنِ بِالشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ حَقُّهُمْ فِي الْقِيمَةِ فَصَارَ كَالْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ ، وَمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ إلَّا إذَا كَانَ أَصْلُ الدَّيْنِ بِالشَّرِكَةِ هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ ، وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ ، وَلَكِنْ دَبَّرَهُ فَالْغُرَمَاءُ أَيْضًا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمُدَبَّرَ بِدَيْنِهِمْ فَيَسْتَسْعَوْنَهُ فِي الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمَوْلَى بِقَدْرِ قِيمَتِهِ ، وَفِي اخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا إبْرَاءٌ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَكُونُ كَسْبُهُ لِلْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ التَّضْمِينِ تَمْلِيكٌ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا وَفَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْمُدَبَّرِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ ، وَفِي الْعَتَاقِ لَا يَكُونُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا كَسْبُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ غَرِيمًا دُونَ غَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا أُعْتِقَ صَارَ حُرًّا فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ غَرِيمًا دُونَ غَرِيمٍ ( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْإِعْتَاقِ عَالِمًا ) أَيْ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا قَدْرُ الْقِيمَةِ لَا غَيْرُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا هَذَا كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ وَضَمِنَ أَنَّهُ يَنْفُذُ الْبَيْعُ حَتَّى لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ سُلِّمَ لَهُ ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ سَلِيمًا ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ ثَبَتَ حَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا حُكْمُ الْبَيْعِ ، وَكَذَلِكَ هَهُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ : هَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ) الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا غَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ

قَبْضِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ : رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ أَجَازَ ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْغُرَمَاءَ مُخَيَّرُونَ إلَخْ ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَتْنًا وَشَرْحًا ا هـ ( قَوْلُهُ : فَبِيعَ لَهُمْ ) لَا يَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ لَهُمْ بَلْ الْخِيَارُ لَهُمْ إنْ شَاءُوا بَاعُوهُ ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ ) لِمَا أَحَالَهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ كَانَ الشَّرْطُ فِيهَا شَرْطًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ إلَخْ ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُمْ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ بَلْ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا مَا أَخَذُوا ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ مَا ضَمِنَ أَوْ أَقَلَّ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ فِيهِ فَائِدَةً ، وَهُوَ حَقُّ اسْتِسْعَائِهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ ا هـ نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ ، وَأَعْلَمَ بِالدَّيْنِ فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّ الْبَيْع ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِهِ ، وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ أَوْ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ فَالْأَوَّلُ تَامٌّ مُؤَخَّرٌ وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ وَبِالْبَيْعِ تَفُوتُ هَذِهِ الْخِيَرَةُ فَكَانَ لَهُمْ رَدُّهُ ، وَفَائِدَةُ الْإِعْلَامِ بِالدَّيْنِ سُقُوطُ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ بِعَيْبِ الدَّيْنِ حَتَّى يَلْزَمَ الْبَيْعُ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا ، وَكَانَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ وَالثَّمَنُ لَا يَفِي بِدَيْنِهِمْ فَأَمَّا إذَا كَانَ دَيْنُهُمْ مُؤَجَّلًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَأَخِّرٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكَ الْيَدِ فِيهِ فَلَا يَقْدِرُ الْمَوْلَى عَلَى تَسْلِيمِهِ ، وَلَا يَدَ لِلْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ ، وَلَا فِي كَسْبِهِ ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِمَالِيَّتِهِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ ، وَذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ إلَى مَا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِطَلَبِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لِأَجْلِهِمْ ، وَإِذْنِهِمْ فِي الْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا يُنْقَضُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ يَفِي بِدَيْنِهِمْ وَدَفَعَهُ إلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِمْ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالُوا تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ فَإِنْ وَصَلَ ، وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَكُونُ لَهُمْ خِيَارُ الْفَسْخِ عِنْدَ وُصُولِ الثَّمَنِ إلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثَّمَنُ

بِحَقِّهِمْ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ ثَبَتَ لَهُمْ خِيَارُ الْفَسْخِ ، وَإِنْ وَفَّى الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَهُمْ خِيَارُ الْفَسْخِ إذَا لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ لِأَجْلِ الِاسْتِسْعَاءِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بِنَفْسِهِ قُبَيْلَهُ ، وَلَا خِيَارَ لَهُمْ إنْ وَفَّى الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ ، وَلَوْ قَالَ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ لَا يَفِي بِدَيْنِهِمْ اسْتَقَامَ وَزَالَ الْإِشْكَالُ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا لَمْ يَفِ بِدَيْنِهِمْ لَهُمْ نَقْضُ الْبَيْعِ كَيْفَمَا كَانَ ، وَإِذَا وَفَّى لَيْسَ لَهُمْ نَقْضُهُ كَيْفَمَا كَانَ ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ وَطَلَبِهِمْ الْبَيْعَ وَوَفَاءِ الثَّمَنِ بِالدَّيْنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَجُوزَ بِإِجَازَةِ الْغُرَمَاءِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَيَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ وَلِلْغُرَمَاءِ حَقُّ إبْطَالِهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ فَاسِدٌ بِدَلِيلِ مَا قَالَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ دَبَّرَهُ صَحَّ ذَلِكَ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ غَابَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُمْ ) أَيْ لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَدِينَ ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لِلْغُرَمَاءِ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الدَّيْنَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكُونُ الْمُشْتَرِي خَصْمًا وَيُقْضَى لَهُمْ بِدَيْنِهِمْ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَوَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ غَابَ الْمُشْتَرِي الْوَاهِبُ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَإِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ ، وَعَنْهُمَا

مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الشُّفْعَةِ هُوَ يَقُولُ أَنَّ ذَا الْيَدِ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ خَصْمًا لِكُلِّ مَنْ يُنَازِعُهُ فِيهَا كَمَا لَوْ ادَّعَوْا مِلْكَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنْفُسِهِمْ أَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ رَهْنٌ عِنْدَهُ ، وَلَهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعَقْدِ ، وَهُوَ قَائِمٌ بِالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ ، وَالْحَاضِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ خَصْمًا لَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يُجْعَلَ خَصْمًا فِي الِانْتِهَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَثْبَتُوا الدَّيْنَ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ بِدَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَهُوَ غَائِبٌ وَفِي بَيْعِهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ يَظْهَرُ فِي الِانْتِهَاءِ أَنَّهُ كَانَ غَاصِبًا مِنْهُمْ وَالْغَاصِبُ يَكُونُ خَصْمًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَبِخِلَافِ دَعْوَى الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً إذْ الرَّهْنُ لَا يُبَاعُ ، وَلَوْ صَدَّقَهُمْ الْمُشْتَرِي فِي الدَّيْنِ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا الْبَيْعَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَيُفْسَخُ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا وَالْمُشْتَرِي غَائِبًا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَائِعِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْيَدَ لِلْمُشْتَرِي ، وَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُمَا ، وَهُوَ غَائِبٌ فَمَا لَمْ يَبْطُلْ مِلْكُهُ لَا تَكُونُ الرَّقَبَةُ مَحَلًّا لِحَقِّهِمْ لَكِنْ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُفَوِّتًا حَقَّهُمْ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَإِذَا ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ ، وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ ، وَإِنْ اخْتَارُوا إجَازَةَ الْبَيْعِ أَخَذُوا الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ السَّابِقِ ثُمَّ الْمَوْلَى بِبَيْعِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ الْمَدْيُونِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ لَمْ يُجْعَلْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ

بِالْقِيمَةِ وَبِبَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ جُعِلَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُنَا عَلَى الْعَبْدِ بِحَيْثُ لَا يَبْرَأُ بِالْعِتْقِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ ، وَلَوْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ صَرِيحًا بِأَنْ قَالَ أَنَا أَقْضِي دَيْنَهُ كَانَ عِدَةً مِنْهُ تَبَرُّعًا فَلَا يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا عَلَى الْمَوْلَى خَاصَّةً دُونَ الْعَبْدِ فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِتَصَرُّفِهِ تَعَيَّنَ الْأَرْشُ عَلَيْهِ وَبَقِيَ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَنْ قَدِمَ مِصْرًا ، وَقَالَ أَنَا عَبْدُ زَيْدٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ ، وَلَا يُبَاعُ حَتَّى يَحْضُرَ سَيِّدُهُ ) أَيْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِذْنِ فِي حَقِّ كَسْبِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ فَيُصَدَّقُ اسْتِحْسَانًا عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ إلَّا بِحُجَّةٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي } ، وَكَذَا الْقِيَاسُ أَنْ تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ فِي الْمُخْبِرِ ؛ لِأَنَّ جَانِبَ الصِّدْقِ بِهَا يَتَرَجَّحُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النَّاسَ يُعَامِلُوهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ حُجَّةٌ يُخَصُّ بِهِ الْأَثَرُ وَيُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً وَبَلْوَى فَإِنَّ الْإِذْنَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عِنْدَ كُلِّ عَقْدٍ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَمَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ ، وَمَا عَمَّتْ بَلِيَّتُهُ سَقَطَتْ قَضِيَّتُهُ ، وَكَذَا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ دَعْوَى الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْبِضَاعَةِ ، وَمَا أَشْبَهَهَا وَالثَّانِي أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ ، وَلَا يُخْبِرُ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْإِذْنُ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ يَمْنَعَانِهِ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ حَمْلِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ فَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْعِبَادِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِخْبَارُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بَلْ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ حَالِهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِظَاهِرِ حَالِهِ صَحَّتْ تَصَرُّفَاتُهُ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ ، وَلَزِمَتْهُ الدُّيُونُ

فَيُسْتَوْفَى مِنْ كَسْبِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الْكَسْبُ بِالدَّيْنِ لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي الرَّقَبَةِ ثَابِتٌ فَلَا يَصْدُقُ إقْرَارُهُ عَلَى مَوْلَاهُ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ أَنْ يُبَاعَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لَا يُبَاعَانِ بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ الْكَسْبِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ مَا دَامَ مَشْغُولًا بِحَاجَةِ الْعَبْدِ ، وَإِنَّمَا يَخْلُفُهُ فِي الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ حَضَرُوا أَقَرَّ بِإِذْنِهِ بِيعَ ، وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ لَوْ حَضَرَ الْمَوْلَى فَأَقَرَّ بِالْإِذْنِ بِيعَ بِالدَّيْنِ لِظُهُورِ الدَّيْنِ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ قَالَ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِتَمَسُّكِهِ بِالظَّاهِرِ فَلَا يُبَاعُ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْغُرَمَاءُ الْإِذْنَ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يُبَاعُ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا إذْ هِيَ مُبَيِّنَةٌ كَاسْمِهَا .

قَوْلُهُ : وَلَا يُبَاعُ حَتَّى يَحْضُرَ سَيِّدُهُ ) سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ ) أَيْ الْعَبْدُ وَلَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لِلْبَائِعِ الْمُبَايَعَةُ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ إقْرَارِهِ يَلْزَمُ مَوْلَاهُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُصَدَّقُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ أَلَا تَرَى أَنَّ وَاحِدًا إذَا قَالَ أَنَا وَكِيلُ فُلَانٍ أَوْ مُضَارِبُ فُلَانٍ ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ أَحَدٌ يُكَذِّبُهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ : لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ ، وَلَا يُكَذَّبُ فَكَذَا هُنَا ؛ لِأَنَّ فِي التِّجَارَةِ مَنْفَعَةً لِمَوْلَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَجْرُ ؛ وَلِأَنَّ لِلنَّاسِ حَاجَةً إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْآحَادِ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَبْعَثُ عَبْدَهُ إلَى الْآفَاقِ لِيَتَّجِرَ أَوْ يَبْعَثَ مُضَارِبَهُ أَوْ وَكِيلَهُ فَلَوْ قُلْنَا : إنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُقْبَلُ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الْعَبْدُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَوْلَاهُ آنَاءَ اللَّيْلِ ، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ أَوْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْإِذْنِ ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ ، وَمَا ضَاقَ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ ) أَيْ فَلَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِالشَّكِّ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَحْجُورٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَزِمَتْهُ الدُّيُونُ إلَخْ ) ثُمَّ إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُبَاعَ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحْضُرَ مَوْلَاهُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُبَاعُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ فَيَكُونُ فِي بَيْعِهِ قَضَاءٌ عَلَى مَوْلَاهُ ، وَهُوَ غَائِبٌ فَلَا يَجُوزُ ؛ وَلِهَذَا لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ تِجَارَتِهِ ، وَالْعَبْدُ فِي تِجَارَتِهِ كَالْحُرِّ فَإِذَا قُبِلَ

قَوْلُهُ فِي التِّجَارَةِ قُبِلَ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهَا ، وَلَيْسَ الْكَسْبُ كَالرَّقَبَةِ لَيْسَتْ مِنْ تِجَارَتِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى فِي يَدِ الْمَوْلَى ، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ : وَلَوْ أَنَّ الْغُرَمَاءَ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَبْدَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَالْعَبْدُ يَجْحَدُ وَالْمَوْلَى غَائِبٌ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُمْ حَتَّى لَا تُبَاعُ وَرَقَبَةُ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى غَائِبٍ ، وَلَيْسَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي حَقِّ رَقَبَتِهِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَوْلَى لِمَنْ يَدَّعِي حَقًّا فِي رَقَبَتِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ الْقَاضِي أَكْسَابَهُ ، وَقَضَى دَيْنَ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ جَاءَ الْمَوْلَى ، وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ كَلَّفَ الْقَاضِي الْغُرَمَاءَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِذْنِ فَإِنْ أَقَامُوهَا ، وَإِلَّا رَدُّوا عَلَى الْمَوْلَى جَمِيعَ مَا قَبَضُوا مِنْ ثَمَنِ أَكْسَابِ الْعَبْدِ فَلَا تُنْقَضُ الْبُيُوعُ الَّتِي جَرَتْ مِنْ الْقَاضِي فِي كَسْبِهِ ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ بَيْعِ مَالِ الْغَائِبِ ، وَتُؤَخَّرُ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَثْبُتْ لَمَّا أَنْكَرَ الْمَوْلَى فَكَانَ مَحْجُورًا وَالْمَحْجُورُ لَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْأَقْوَالِ لِلْحَالِ ، وَإِنَّمَا يَتْبَعُ بَعْدَ الْعِتْقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ أَذِنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاء وَلِيُّهُ فَهُوَ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ دُونَ نَوْعٍ وَيَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ الْوَلِيِّ حِينَ مَا يَرَاهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْعَبْدِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ الْبَيْعَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ لَهُ ، وَأَنْ يَقْصِدَ بِهِ الرِّبْحَ وَيَعْرِفَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي أَنَّ عِبَارَتَهُ صَالِحَةٌ لِلْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَنَا فِيمَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ أَوْ النَّفْعِ الْمَحْضِ ، وَعِنْدَهُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْعُقُودِ حَتَّى لَوْ تَوَكَّلَ بِالتَّصَرُّفِ جَازَ ، وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } وقَوْله تَعَالَى { حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } شَرَطَ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ لِلدَّفْعِ إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَنَهَى عَنْ الدَّفْعِ إلَى السُّفَهَاءِ فِي الْأُولَى ، وَهُمَا سَفِيهَانِ ، وَلَيْسَا بِبَالِغَيْنِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِمَا لِأَجْلِ أَنْفُسِهِمَا شَرْعًا ، وَعِلَّةُ الْحَجْرِ قَائِمَةٌ بِهِمَا فَلَا تَزُولُ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمَوْلَى ، وَقَدْ زَالَ بِالْإِذْنِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُوَلًّى عَلَيْهِمَا فِي هَذَا التَّصَرُّفِ حَتَّى يَمْلِكَهُ الْوَلِيُّ وَيَمْلِكُ حَجْرَهُمَا فَلَا يَصْلُحَانِ أَنْ يَكُونَا وَلِيَّيْنِ لِلتَّنَافِي ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُمَا مُولَيًا عَلَيْهِمَا سَبَبُهُ

الْعَجْزُ ، وَكَوْنُهُمَا وَلِيَّيْنِ سَبَبُهُ الْقُدْرَةُ ، وَالْعَجْزُ وَالْقُدْرَةُ لَا يَجْتَمِعَانِ فَصَارَ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْوَصِيَّةِ وَاخْتِيَارُ الصَّبِيِّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ عَلَى أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَتَوَلَّى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَكُونُ مُولَيًا عَلَيْهِ فِيهَا فَلَا تَنَافِي فَتَصِحُّ مِنْهُ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِعَدَمِ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ فَقُلْنَا بِصِحَّتِهَا مِنْهُ كَيْ لَا تَفُوتَهُ هَذِهِ الْمَصَالِحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } أُمِرْنَا بِالِابْتِلَاءِ ، وَهُوَ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ هَلْ هُوَ رَشِيدٌ أَمْ لَا ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الصَّغِيرَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ حَقِيقَةً اسْمٌ لِلصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ وقَوْله تَعَالَى : { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } ، وَهَذَا أَمْرٌ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ فَلَوْلَا أَنَّ تَصَرُّفَهُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا لَمَا أَمَرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِمْ تَمْكِينٌ لَهُمْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَشْرُوعَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِنَفَاذِهِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ ، وَلَا خَفَاءَ فِي شَرْعِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَالْمَحَلِّيَّةِ وَكَذَا فِي الْأَهْلِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلتَّصَرُّفِ بِالتَّكَلُّمِ عَنْ تَمْيِيزٍ وَبَيَانٍ لَا عَنْ تَلْقِينٍ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ ، وَالْكَلَامُ فِي مِثْلِهِ فَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ هِدَايَتِهِ إلَى التَّصَرُّفِ لَا لِذَاتِهِ وَبِإِذْنِ الْوَلِيِّ يُسْتَدَلُّ عَلَى ثُبُوتِ هِدَايَتِهِ إلَى التَّصَرُّفِ إذْ لَا يَأْذَنُ لَهُ ظَاهِرًا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ هِدَايَتِهِ وَبَقَاءُ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ لِأَجْلِ النَّظَرِ لَهُ

لِتَتَّسِعَ لَهُ طُرُقُ التَّحْصِيلِ فَيَحْصُلُ بِطَرِيقَيْنِ بِمُبَاشَرَتِهِ ، وَمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ وَيُمَكَّنُ الْوَلِيُّ مِنْ حَجْرِهِ لِاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ حَالِهِ ، وَمَتَى جَعَلْنَاهُ وَلِيًّا بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ لَمْ نَجْعَلْهُ مُولَيًا عَلَيْهِ ، وَمَتَى جَعَلْنَاهُ مُولَيًا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ قُصُورِ الْوِلَايَةِ لَمْ تَجْعَلْهُ وَلِيًّا فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْمَصَالِحَ وَيَبْعُدُ مِنْ الْمَضَارِّ ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّظَرِ ، وَمَصُونٌ عَنْ الضَّرَرِ ، وَفِي اعْتِبَارِ كَلَامِهِ ذَلِكَ ، وَفِي عَدَمِ اعْتِبَارِهِ إهْدَارُ آدَمِيَّتِهِ ، وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ ، وَهُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ فَلَمْ يُؤَهَّلْ لَهُ ، وَلَا يَمْلِكُهُ ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَالنَّافِعُ الْمَحْضُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يُؤَهَّلُ لَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ وَيَمْلِكُهُ وَالْمُتَرَدِّدُ بَيْنَهُمَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا يُؤَهَّلُ لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ وَيَمْلِكُهُ ، وَلَا يَمْلِكُهُ قَبْلَهُ لِلِاحْتِمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ لِمَا ذَكَرْنَا حَتَّى لَوْ بَاشَرَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ حَتَّى إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً أَجَازَهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَالِغَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ وَيُشْبِهُ الْمَجْنُونَ وَالطِّفْلَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْخِطَابُ وَفِي عَقْلِهِ قُصُورٌ وَلِلْغَيْرِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالْبَالِغِ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ وَبِالْمَجْنُونِ فِي الضَّارِّ ، وَفِي الْمُتَرَدِّدِ بِالْمَجْنُونِ قَبْلَ الْإِذْنِ وَبِالْبَالِغِ بَعْدَهُ ، وَلَا يُقَالُ قَدْ يَقَعُ الْبَيْعُ أَيْضًا نَفْعًا مَحْضًا بِأَنْ بَاعَ شَيْئًا بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ بِغَيْرِ إجَازَةِ الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَصْلِ وَضْعِهِ دُونَ مَا يَعْرِضُ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ وَالْبَيْعُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ مُتَرَدِّدٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهَا ضَرَرٌ مَحْضٌ ،

وَقَبُولُهَا نَفْعٌ مَحْضٌ ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْوَلِيِّ فِيهِمَا ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْ الدَّفْعِ فِي الْآيَةِ أَمْوَالُنَا ، وَكَلَامُنَا وَقَعَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ عِنْدَ الْبُلُوغِ ، وَعِنْدَ إينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُمْ ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي الدَّفْعَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ سَفِيهٌ بَلْ هُوَ رَشِيدٌ ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَنْ عُلِمَ رُشْدُهُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ وَلِيٌّ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ ، وَهُوَ أَبُوهُ ثُمَّ وَصِيُّ الْأَبِ ثُمَّ جَدُّهُ أَبُو أَبِيهِ ثُمَّ وَصِيُّ جَدِّهِ ثُمَّ الْوَالِي ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّ الْقَاضِي وَأَمَّا مَا عَدَا الْأُصُولَ مِنْ الْعَصَبَةِ كَالْعَمِّ وَالْأَخِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَالْأُمِّ وَوَصِيِّهَا وَصَاحِبِ الشُّرْطَةِ ، وَلَا يَصِحُّ إذْنُهُمْ لَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِي مَالِهِ تِجَارَةً فَكَذَا لَا يَمْلِكُونَ الْإِذْنَ لَهُ فِيهَا وَالْأَوَّلُونَ يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ فَكَذَا يَمْلِكُونَ الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَكَذَا لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ تِجَارَةٌ مَعْنًى ، وَلَيْسَ لِابْنِ الْمَعْتُوهِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَبِيهِ الْمَعْتُوهِ ، وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَجْنُونًا ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْقَرِيبِ لَا تَثْبُتُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُتَصَرِّفُ كَامِلَ الرَّأْيِ وَافِرَ الشَّفَقَةِ ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ وُفُورُ الشَّفَقَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّهُمَا وَافِرَا الشَّفَقَةِ كَامِلَا الرَّأْيِ فَيَمْلِكَانِهِ وَوَصِيُّهُمَا قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِمَا فَيَمْلِكُ الْإِذْنَ لِلصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي بَلَغَ مَعْتُوهًا وَلِعَبْدِهِمَا كَمَا يَمْلِكَانِهِ ، وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ عَتِهَ كَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ

رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَا يَصِحُّ الْإِذْنُ لَهُ قِيَاسًا ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَا ، وَلَا يُزَوِّجَا مَمَالِيكَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمَا الْوَلِيُّ بِالتَّزَوُّجِ أَوْ بِتَزْوِيجِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَيَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِمَا ، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَيَمْلِكُ الْعَبْدَ أَيْضًا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ صَرِيحًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ الْمَأْذُونَ لَهُمَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ ، وَلَا يَقْبَلُ إقْرَارَهُ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ بِخِلَافِ الْمَوْلَى وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَ الْوَلِيِّ عَلَيْهِمَا شَهَادَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَدَيْنُهُمَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَالِهِمَا ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ فَكَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا كَانَ لَهُ قَبْلَهُ فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْوَلِيُّ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَمْلِكَانِهِ وَوِلَايَتُهُمَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْهُ قُلْنَا لَمَّا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا صَارَ كَمَا إذَا انْفَكَّ بِالْبُلُوغِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِ الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُمَا يَمْتَنِعُ النَّاسُ مِنْ مُعَامَلَتِهِمَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْإِذْنِ فَأَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى قَبُولِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّا بِعَيْنٍ

مَوْرُوثَةٍ فِي مِلْكِهِمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ انْفِكَاكَ حَجْرِهِ بِالْإِذْنِ كَانْفِكَاكِهِ بِالْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْأَمْوَالِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَذِنَ لِلصَّبِيِّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ إذْنِ الْعَبْدِ شَرَعَ مِنْ بَيَانِ إذْنِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ وَالْمَعْتُوهِ ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ بِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ ؛ وَلِأَنَّ إذْنَ الْعَبْدِ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ إذْنِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخِلَافِ فَقَدَّمَ الْمُجْمَعَ لِكَوْنِهِ أَصْلًا ا هـ ( قَوْلُهُ : دُونَ نَوْعٍ ) فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ يَكُونُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ الْوَلِيِّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ لَا فِي الْقَاضِي أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْقَاضِي إذَا رَأَى الصَّغِيرَ أَوْ الْمَعْتُوهَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ مَأْذُونِ خُوَاهَرْ زَادَهْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ ) ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ صَبِيٍّ لُقِّنَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ إلَّا وَيَتَلَقَّنُهُمَا كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذْنُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ بَاطِلٌ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذْنُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَكِتَابَتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَنَّهُ يُقَرِّبُ الْمَصَالِحَ وَيَبْعُدُ ) وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْمَصَالِحَ وَيَبْعُدُ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَقَبُولِ الْهِبَةِ ) أَيْ وَالْإِسْلَامِ ا هـ قَوْلُهُ : وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ لَا يَصِحُّ إلَخْ ) ، وَإِذْنُ أَمِيرِ الشُّرْطَةِ وَلَمْ يُوَلَّ الْقَضَاءَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُقِيمَ لِأَمْرٍ خَاصٍّ فَلَا يَلِي التَّصَرُّفَاتِ عَلَى النَّاسِ وَالشُّرْطَةُ خِيَارُ الْجُنْدِ ، وَالْجَمْعُ شُرَطٌ وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ يُرَادُ بِهِ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الشُّرَطَ

؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَطُوا أَيْ أَعْلَمُوا ؛ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَةً يُعْرَفُونَ بِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ ) فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَلَا كِتَابَتَهُ قَالَ السَّيِّدُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهَا مَعَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِهَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَيَتَحَقَّقُ فِي الْكِتَابَةِ النَّظَرُ ، وَأَمَّا تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ مُقَيَّدٌ بِالتِّجَارَةِ ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ ا هـ وَفِي الْهِدَايَةِ ، وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ قَالَ السَّيِّدُ فِيهِ إجْمَاعٌ ، وَفِي تَزْوِيجِ أَمَتِهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ ا هـ وَفِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ إنَّمَا قُيِّدَ بِالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ مِنْ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ مِنْ عَبْدِ نَفْسِهِ وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ ا هـ ( فَرْعٌ ) وَلَوْ أَذِنَ الْمَعْتُوهُ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي التِّجَارَةِ لِابْنِهِ كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّهُ مُوَلَّى عَلَيْهِ فَلَا يَلِي غَيْرَهُ ، كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَمَوْتُ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ حَجْرٌ عَلَى الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَتِهِمَا وَرَأْيِهِمَا ، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُمَا وَرَأْيُهُمَا بِمَوْتِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي أَذِنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ عُزِلَ الْقَاضِي لَا يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ بَلْ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةِ الْخَلِيفَةِ أَوْ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَائِمٌ أَلَا تَرَى أَنَّ إذْنَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ مِنْهُ وَسَائِرُ أَحْكَامِهِ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ ، وَعَزْلُهُ فَكَذَلِكَ هَذَا ، وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ جَدٌّ أَبُو الْأَبِ فَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ لِلْمَعْتُوهِ فِي التِّجَارَةِ فَأَذِنَ لَهُ ، وَأَبَى أَبُوهُ فَإِذْنُهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَتْ

وِلَايَةُ الْقَاضِي عَلَى الصَّغِيرِ مُؤَخَّرَةً عَنْ وِلَايَةِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ حَقُّ الصَّبِيِّ قَبْلَ الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَهْتَدِي بِذَلِكَ إلَى التِّجَارَاتِ فَإِذَا طَلَبَ مِنْ الْأَبِ ، وَأَبَى صَارَ الْأَبُ عَاضِلًا لَهُ فَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْقَاضِي كَالْوَلِيِّ فِي بَابِ النِّكَاحِ إذَا عَضَلَ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ بِسَبَبِ الْعَضَلِ إلَى الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْإِنْكَاحَ مِنْ الْكُفْءِ حَقُّ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْوَلِيِّ فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْإِيفَاءِ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْقَاضِي فَكَذَا هَذَا فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَحَجْرُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فَسْخُ الْإِذْنِ ، وَالْإِذْنُ صَحَّ مِنْ الْقَاضِي فَلَا يَبْطُلُ بِحَجْرِ غَيْرِ الْقَاضِي ، وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَاضِي بَعْدَمَا عُزِلَ لَا يَعْمَلُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْهُ الْحَجْرُ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَجْرِ ، وَإِنْ حَجَرَ الْقَاضِي الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ عَمِلَ حَجْرُهُ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَائِبٌ عَنْ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ فَكَمَا يَصِحُّ الْحَجْرُ مِنْ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ يَصِحُّ مِنْ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَبُولِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَكَذَا إذَا أَقَرَّ يَعْنِي الصَّبِيَّ بِشَيْءٍ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ لِإِنْسَانٍ صَحَّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِشَيْءٍ مِنْ تِجَارَتِهِ ، أَمَّا بِشَيْءٍ لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِ لَا يَصِحُّ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي : وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ وَالْغَصْبِ وَاسْتِهْلَاكِ الْمَالِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى مَلَكَ التِّجَارَةَ مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهَا ، وَمِلْكُ الْإِقْرَارِ بِالدُّيُونِ مِنْ ضَرُورَاتِ

التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الْمُبَايَعَةِ مَعَهُ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ مَعَهُ فَيُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ تِجَارَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ ضَرُورَةَ مَالِكِيَّتِهِ التِّجَارَةَ ، وَهَذَا فِي دُيُونِ التِّجَارَةِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى دُيُونِ التِّجَارَةِ فَإِذَا أَقَرَّ بِغَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى دَيْنِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ يَلْزَمُهُ بِعِوَضٍ يُسَلَّمُ لَهُ ا هـ .

( فَصْلٌ ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ فَيَصِيرُ الْوَاحِدُ مُطَالِبًا ، وَمُطَالَبًا مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا ، وَهُوَ مُحَالٌ ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ قِيَاسًا ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ قَامَ مَقَامَ شَخْصَيْنِ ، وَعِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ وَرَأْيُهُ مَقَامَ رَأْيَيْنِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ ، وَهُوَ بَالِغٌ ثُمَّ تُحْمَلُ الْحُقُوقُ بِحَقِّ الْأُبُوَّةِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ نِيَابَةً عَنْهُ حَتَّى إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّغِيرِ ، وَفِيمَا إذَا بَاعَ مَالَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَبَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْأَبِ فَإِذَا كَانَتْ الْعُهْدَةُ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِحَالَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَى مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ بِعْته مِنْهُ أَوْ اشْتَرَيْته لَهُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ قَامَ مَقَامَ كَلَامَيْنِ ؛ وَلِأَنَّ نَفْسَ الْقَبُولِ لَا يُعْتَبَرُ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الرِّضَا وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ ، وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةُ الرِّضَا وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ عَبْدَهُ لَهُ فَفَعَلَ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ كَمَالِ هَذِهِ الشَّفَقَةِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْأَبِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا ، وَقَبِلَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ مِنْ جَانِبِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ ، وَمِنْ جَانِبِ الْأَبِ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ لِنَفْسِهِ مُبَاحٌ وَلِلصَّغِيرِ فَرْضٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّظَرِ فَيُجْعَلُ الْأَبُ مُتَصَرِّفًا لِلصَّغِيرِ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ ، وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِ وَلَدِهِ فَبَاعَ مِنْ مُوَكِّلِهِ أَوْ بَاعَ الْأَبُ مَالَ أَحَدِ وَلَدَيْهِ بِمَالِ الْآخَرِ أَوْ أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ

جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا أَوْ وَصِيًّا صَحَّ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُمَا أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ وَصِيَّيْهِمَا فَتَبَايَعَا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَفَادَا وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ مِنْهُ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ فَكَذَا الصِّبْيَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ الْأَبُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ صَحَّ فَكَذَا إذَا فَعَلَ بِإِذْنِهِ وَصَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ مَالَهُ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ شِرَاؤُهُ مِنْهُ بِشَرْطِ نَفْعٍ ظَاهِرٍ ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ ، وَقِيلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِثَمَانِمِائَةٍ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ ، وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخْتَارُ الْأَبِ ، وَلَكِنَّهُ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَعِنْدَ حَقِيقَةِ النَّظَرِ يُلْحَقُ بِالْأَبِ وَيُرْوَى رُجُوعُ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَذِنَ ) أَيْ الْوَكِيلُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ا هـ

( كِتَابُ الْغَصْبِ ) الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ حَتَّى يُطْلَقَ عَلَى أَخْذِ الْحُرِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُتَقَوَّمُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ اسْمُ الْغَصْبِ ، وَقَدْ زِيدَ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ) فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ لِعَدَمِ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ ، وَلَا مَا صَارَ مَعَ الْمَغْصُوبِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَمَا إذَا غَصَبَ دَابَّةً فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى أَوْ وَلَدُهَا لَا يَضْمَنُ التَّابِعَ لِعَدَمِ الصُّنْعِ فِيهِ ، وَكَذَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكَ عَنْ مَوَاشِيهِ حَتَّى ضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِعَدَمِ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ غَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ كَالْخَمْرِ أَوْ غَيْرَ الْمُحْتَرَمِ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَا مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْعَقَارِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْغَصْبُ هُوَ تَفْوِيتُ يَدِ الْمَالِكِ لَا غَيْرُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى يَضْمَنَ الْعَقَارَ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا لِوُجُودِ تَفْوِيتِ الْيَدِ فِيهِ وَإِثْبَاتُهَا ، وَلَا يَضْمَنُ زَوَائِدَ الْغَصْبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِعَدَمِ تَفْوِيتِ يَدِ الْمَالِكِ فِيهَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُهَا لِوُجُودِ إثْبَاتِ الْيَدِ فِيهَا وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَالِاسْتِخْدَامُ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ غَصْبٌ لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ ) ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِخْدَامِ عَبْدِ الْغَيْرِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَثْبَتَ فِيهِ الْيَدَ الْمُتَصَرِّفَةَ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ يَدِهِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ فَتَحَقَّقَ الْغَصْبُ فَيَضْمَنُ بِخِلَافِ

الْجُلُوسِ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يُرَجَّحُ بِهِ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَلَمْ يَصِرْ فِي يَدِهِ ، وَالْبَسْطُ فِعْلُ الْمَالِكِ فَتَبْقَى يَدُ الْمَالِكِ فِيهِ مَا بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهَا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ ، ثُمَّ حُكْمُ الْغَصْبِ الْمَأْثَمُ إنْ تَعَمَّدَهُ وَالْمَغْرَمُ ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ مَالًا مُتَقَوِّمًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ } وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا ، وَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ } ؛ وَلِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْيَدَ ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ بِهَا يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ ثَمَرَاتِ الْمِلْكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ مَعَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ سِوَى الْيَدِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَسْخُ فِعْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَيَعُودُ إلَى مَا كَانَ ، وَأَتَمُّ وُجُوهِهِ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَلِهَذَا تَتَفَاوَتُ الْقِيمَةُ بِهِ وَرَدُّ الْعَيْنِ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ ، وَأَكْمَلُ فِي رَدِّ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَرَدُّ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ مُخَلِّصٌ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ ، وَلِهَذَا يُطَالَبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ قَبْلَ الْهَلَاكِ ، وَلَوْ أَتَى بِالْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِكَوْنِهِ قَاصِرًا ، وَكَذَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمَالِكِ بِأَنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا إذَا ، وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ فَأَكَلَهُ وَالْمَالِكُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ تَسْلِيمٍ بِإِيدَاعٍ أَوْ شِرَاءٍ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ لَمَا

بَرِئَ إلَّا إذَا عَلِمَ ، وَقَبَضَهُ عَنْهُ كَمَا فِي قَبْضِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ ، وَقِيلَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الضَّمَانِ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ يَصِحُّ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالْمَغْصُوبِ تَصِحُّ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ نِصَابٌ يُنْتَقَصُ بِهِ كَمَا يُنْتَقَصُ بِالدَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ ، وَكَوْنُهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ كَالظُّهْرِ مَعَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الظُّهْرَ هُوَ الْأَصْلُ ، وَالْجُمُعَةَ خَلَفٌ عَنْهُ ، وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ لَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَتِهَا وَإِنَّمَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ لِتَعَيُّنِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ بِرَدِّهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْمَقْبُوضِ بَلْ حَقُّهُ فِي مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ مِنْ أَيِّ عَيْنٍ كَانَ ، وَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَمْثَالِ وَالْقِيَمِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَيْنُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِيهَا فَبِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ إلَيْهِ نَابَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَغَا مَا عَيَّنَهُ مِنْ الْجِهَةِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لَمَّا كَانَ الْوَقْتُ مُتَعَيِّنًا لَهُ صَارَ عَنْهُ ، وَلَغَا مَا عَيَّنَهُ مِنْ الْجِهَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ حَيْثُ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالتَّعْيِينِ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِأَكْلِ الْمَالِكِ الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرَدٍّ بَلْ هُوَ خَدْعَةٌ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ

الْإِنْسَانَ يَرْغَبُ فِي أَكْلِ مَالِ غَيْرِهِ مَا لَا يَرْغَبُ فِي أَكْلِ مَالِ نَفْسِهِ ، وَلَوْ عَلِمَ لِمَا أَكَلَ فَلَمْ يَكُنْ رَادًّا بِتَقْدِيمِهِ لَهُ لِلْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ قُلْنَا هَذِهِ الْعَادَةُ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا فَلَا تُعْتَبَرُ ، وَلَا تَمْنَعُ وُقُوعَهُ عَنْ الْوَاجِبِ .

( كِتَابُ الْغَصْبِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ عِنْدِي أَنَّ الْمَأْذُونَ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ ، وَالْغَاصِبَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لَا بِإِذْنٍ شَرْعِيٍّ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةُ الْمُقَابَلَةِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ كِتَابَ الْمَأْذُونِ ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ إقْرَارَ الْمَأْذُونِ يَصِحُّ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا يَصِحُّ بِمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ فَجَرَّ الْكَلَامَ إلَى ذِكْرِ الْغَصْبِ عَقِيبَ الْإِذْنِ فَذِكْرُهُ يُبَيِّنُ فِيهِ أَحْكَامَهُ ا هـ وَالْغَصْبُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ ، وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَى الْعِلْمِ وَالثَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ ، وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَى الْجَهْلِ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ وَالضَّمَانُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الضَّمَانِ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ ، وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ ، وَأَمَّا الْمَأْثَمُ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ } مَعْنَاهُ رُفِعَ مَأْثَمُ الْخَطَأِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : فَذِكْرُهُ يُبَيِّنُ فِيهِ أَحْكَامَهُ أَوْ مَا دَامَ الْغَصْبُ قَائِمًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا يَمْلِكُهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِرَقَبَةِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ) ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ يَكْفِي فِيهِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ، وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْمَسَائِلُ غَيْرَ أَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ ) لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ مَسْأَلَةً تُخَالِفُ هَذَا الْأَصْلَ فَإِنَّهُ قَالَ : لَوْ غَصَبَ

عُجُولًا فَاسْتَهْلَكَهُ حَتَّى يَبِسَ لَبَنُ أُمِّهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْعُجُولِ وَنُقْصَانَ الْأُمِّ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فِي الْأُمِّ شَيْئًا ا هـ كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِالرَّحْمَةِ قَوْلُهُ : وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ إلَخْ أَخَذَهُ مِنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ وَلَدُهَا ) قَالَ الْكَاكِيُّ ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ حِمَارًا وَسَاقَهُ فَانْسَاقَ جَحْشُهُ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ إنْ لَمْ يَسُقْ الْجَحْشَ مَعَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَالِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ لَا يُسَمَّى غَصْبًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِوُجُودِ إثْبَاتِ الْيَدِ فِيهَا ) ، وَلَوْ جَاءَ الْمَالِكُ وَطَلَبَ الزَّوَائِدَ فَمَنَعَهَا عَنْ التَّسْلِيمِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ ) قَالَ الْكَاكِيُّ ، وَلَوْ جَلَسَ عَلَى بِسَاطِ غَيْرِهِ أَوْ فِرَاشِهِ أَوْ رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يُزِلْهُ مِنْ مَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمَغْرَمُ ) أَيْ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ أَوْ لَا ا هـ ( قَوْلُهُ : مَعَ أَنَّهَا ) أَيْ هَذِهِ الْعُقُودُ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ ) أَيْ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ نِصَابٌ يُنْتَقَصُ بِهِ ) أَيْ بِضَمَانِ الْمَغْصُوبِ ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( أَوْ مِثْلُهُ إنْ هَلَكَ ، وَهُوَ مِثْلِيٌّ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ، وَهَلَكَ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتُدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى ، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُمَا بِإِيجَابِ الْمِثْلِ فَكَانَ أَعْدَلَ ، وَأَتَمَّ فِي جَبْرِ الْفَائِتِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ وَاسْمُهُ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمِثْلَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ إيجَابُهُ أَعْدَلَ ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الظَّاهِرِيَّةِ إنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ ، وَهِيَ الْقِيمَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَعْدَلُ وَتَسْمِيَتُهُ فِي الْآيَةِ اعْتِدَاءً مَجَازٌ لِلْمُقَابَلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } وَالْجَزَاءُ لَيْسَ بِسَيِّئَةٍ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا مَجَازًا كَذَا هُنَا الثَّانِي لَيْسَ بِاعْتِدَاءٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ انْصَرَمَ الْمِثْلِيُّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ ) أَيْ إنْ انْقَطَعَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْغَصْبِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ بِغَصْبِ ذَاتِ الْمِثْلِ فَلَا يُنْتَقَلُ إلَى الْقِيمَةِ إلَّا بِالْعَجْزِ عَنْهُ وَالْعَجْزُ عَنْهُ يَحْصُلُ بِالِانْقِطَاعِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِقُصُورِهَا فَلَا تَجِبُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْهُ ، وَلَا يَبْقَى وُجُوبُ الْمِثْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ

الْمِثْلِيَّ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِذَوَاتِ الْقِيَمِ ، وَفِيهَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ فَكَذَا فِيمَا الْتَحَقَ بِهَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ خَلَفٌ عَنْ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يُصَارَ إلَيْهَا إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ ، وَالْخَلَفُ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَصْلُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا بِالْغَصْبِ كَالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ ، وَكَالْقِيمَةِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْغَصْبِ ، وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَعُودَ الْمِثْلُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى الْمِثْلِ بِوُجُودِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ الِانْتِقَالِ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ .قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَهُوَ مِثْلِيٌّ ) مِثْلُ الْمَكِيلِ وَالْمُوزِنِ وَالْمَعْدُودِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : إنَّ الْمَغْصُوبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالْحَانُوتِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالْكَرْمِ وَغَيْرِهَا أَوْ يَكُونُ مَنْقُولًا وَالْمَنْقُولُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ الَّذِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَحْنُ نَأْخُذُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ ) أَيْ مَا لَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَهُوَ الْكَامِلُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ مَعْنًى ، وَهُوَ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ وَيَحْصُلُ بِهَا مِثْلُهُ وَاسْمُهَا يُنْبِئُ عَنْهُ ، وَقَالَ مَالِكٌ يُضْمَنُ مِثْلُهُ صُورَةً لِمَا تَلَوْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ { أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْت فِي حُجْرَةِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ مِنْ عِنْدِ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا فَانْكَسَرَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ جَاءَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِقَصْعَةٍ مِثْلِ تِلْكَ الْقَصْعَةِ فَرَدَّتْهَا وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ يَفُكُّ الْغُلَامَ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةَ بِالْجَارِيَةِ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ } ، وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ حَيْثُ أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُعْتِقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَعَلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إذْ كَانَتْ الْقَصْعَتَانِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَفُكُّ الْغُلَامَ بِالْغُلَامِ أَيْ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ حَذَفَ الْمُضَافَ ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ أَيْ

بِقِيمَةِ نَفْسِهِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ ، وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَضَيَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِالْقِيمَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْآيَةُ لَا تُنَافِي مَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا الْمِثْلُ ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقِيمَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَانَتْ الْآيَةُ شَاهِدَةً لَنَا ، وَهَذَا الْمِثْلُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ لَا الْمِثْلُ صُورَةً بِلَا مَعْنًى ؛ وَلِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ كَسَرَ عَصًا فَهِيَ لَهُ ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ، وَمَا قَالَ ذَلِكَ إلَّا ؛ لِأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ الْآيَةِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِيِّ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ مِثْلُهُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ حَتَّى يُضْمَنَ مِثْلُهُ عَدَدًا خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْمَعْدُودِ لَمْ تَثْبُتْ بِالنَّصِّ بِالِاجْتِهَادِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَلَا يُقْطَعُ بِكَوْنِ الْمَضْمُونِ مِثْلًا لِلْمُتْلَفِ فَيُصَارُ إلَى قِيمَتِهِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ مِثْلِهِ قَطْعًا بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ } وَكَذَا قَالَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَهُمَا مَوْزُونَانِ وَالْحِنْطَةُ مَكِيلٌ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا لِلْعِلْمِ بِهَا قَطْعًا وَالْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَدَدِيُّ قُلْنَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ ، وَمَالِيَّةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَسَاوِيَةٌ فَإِنَّ الْفَلْسَ يُمَاثِلُ الْفَلْسَ فِي الْمَالِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَالْبَيْضُ وَلِهَذَا لَا تَتَفَاوَتُ قِيمَةُ آحَادِهِ عُرْفًا فَكَانَتْ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ أَتَمَّ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَوَجَبَ جَبْرُ الْفَائِتِ بِجِنْسِهِ لِكَوْنِهِ مِثْلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ : الْمُمَاثَلَةُ تَثْبُتُ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ

وَالْمَوْزُونَ أَيْضًا كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْجِنْسِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الصِّفَةِ كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ ، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنَّ الْقِيمَةَ أَيْضًا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ فَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي الْكُلِّ ، وَالْمُرَادُ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ غَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْمِثْلِيِّ الْمَخْلُوطِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالْحِنْطَةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالْخَلِّ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَالْمَوْزُونُ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْأَوَانِي الْمَصُوغَةِ نَحْوِ الْقُمْقُمِ وَالطَّسْتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَأَظْهَرَهُ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَدِينُ الْإِفْلَاسَ ، وَلَيْسَ لِحَبْسِهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي كَحَبْسِ الْغَرِيمِ فِي الدَّيْنِ ، وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ الْهَلَاكَ عِنْدَ صَاحِبِهِ بَعْدَ الرَّدِّ ، وَعَكْسُ الْمَالِكِ ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الرَّدَّ ، وَهُوَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَةُ لِمَنْ يَدَّعِي الْعَوَارِضَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِاتِّفَاقِهِمَا لَكِنَّ حَاصِلَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا يَئُولُ إلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَعَدَمِهِ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ لِمَنْ يُثْبِتُ .

( قَوْلُهُ : وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ إلَخْ ) وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يُضْمَنَ مِثْلُهُ عَدَدًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا الْمَعْدُودَاتُ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فَعَلَى مُسْتَهْلِكِهَا مِثْلُهَا عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ قِيمَتُهَا وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ ا هـ قَوْلُهُ : وَالْمِثْلِيُّ الْمَخْلُوطُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ مَعْنَاهُ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ أَيْ مَعْنَى مَا لَا مِثْلَ لَهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَهَذَا تَفْسِيرٌ عَجِيبٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكُلِّيِّ بِالْجُزْئِيِّ ؛ لِأَنَّ مَا لَا مِثْلَ لَهُ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ وَالذَّرْعِيَّاتِ ، وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَفَاوِتُ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْوَزْنِيُّ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ ، وَهُوَ الْمَصُوغُ مِنْهُ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ ) ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ ، وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْقُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ غَصَبَ عَقَارًا ، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ ) ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَضْمَنُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ بِوَصْفَيْنِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ ، وَإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْعَقَارِ ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدَيْنِ الْمُتَدَافَعَتَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يُمْكِنُ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْيَدُ الْعَادِيَةُ لِلْغَاصِبِ انْتَفَتْ الْيَدُ الْمُحِقَّةُ لِلْمَالِكِ ضَرُورَةً ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ هِيَ إلَّا عِبَارَةً عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ ، وَعَدَمُ الْيَدِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ فَكَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَرُورَةٌ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهَا انْتِفَاءُ يَدِ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ بِهِ كَمَا يَضْمَنُ الْمَنْقُولَ بِذَلِكَ ، وَكَمَا يَضْمَنُ الْعَقَارَ الْمُودَعُ بِالْجُحُودِ وَبِالْإِقْرَارِ بِهِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ } نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْغَصْبُ ، وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَغْصُوبِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ ، وَإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالْعَقَارِ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ ، وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ إخْرَاجُ الْمَالِكِ عَنْهُ ، وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِكِ لَا فِي الْعَقَارِ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا إذَا أَبْعَدَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَوَاشِي عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ وَمَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ فَلَا تَلْزَمُ ، وَلَئِنْ سَلَّمَ فَالضَّمَانُ فِيهَا

بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ بِالْجُحُودِ ، وَالشُّهُودُ إنَّمَا يَضْمَنُونَ الْعَقَارَ بِالرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الشَّاهِدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ لَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ، وَلَوْ كَانَ غَصْبًا لَقُبِلَتْ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْجَزَاءُ فِي الْآخِرَةِ ، وَكَلَامُنَا فِي الضَّمَانِ فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ جَمِيعُ جَزَائِهِ ، وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لَبَيَّنَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ أَمَسُّ وَزِيَادَةُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ تَكُونُ نَسْخًا ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْغَصْبِ عَلَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ غَصْبِ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ كَإِطْلَاقِ لَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ الْحُرِّ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ بَاعَ حُرًّا الْحَدِيثَ ، لَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ بَيْعِ الْحُرِّ ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ بَعْدَ الْغَصْبِ ، وَأَقَرَّ الْغَاصِبُ بِذَلِكَ ، وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ ، وَأَقَرَّ بِذَلِكَ ، وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ ظَاهِرًا ، وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ ، وَإِنَّمَا التَّلَفُ مُضَافٌ إلَى عَجْزِ الْمَالِكِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَا نَقَصَ بِسُكْنَاهُ وَزِرَاعَتِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ كَمَا فِي النَّقْلِيِّ ) ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِفِعْلِهِ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِضَمَانِ الْإِتْلَافِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ يُضْمَنُ بِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ حَيْثُ لَا يُضْمَنُ إلَّا بِالْحُصُولِ فِي الْيَدِ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَلَمْ يُسَيِّرْهَا حَتَّى نَزَلَ ثُمَّ هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ النَّقْلِ ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِرُكُوبِهِ يَضْمَنُ لِوُجُودِ الْإِتْلَافِ بِفِعْلِهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَعَدَ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النُّقْصَانِ ، قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى : إنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ هَذِهِ الْأَرْضُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالُ وَبَعْدَهُ فَيَضْمَنُ مَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا مِنْ النُّقْصَانِ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ يَعْنِي أَنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ تُبَاعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَبِكَمْ تُبَاعُ بَعْدَهُ فَنُقْصَانُهَا مَا تَفَاوَتَ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْمَنُهُ ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِقِيمَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ نُصَيْرٍ ثُمَّ يَأْخُذُ الْغَاصِبُ رَأْسَ مَالِهِ ، وَهُوَ الْبَذْرُ ، وَمَا غَرِمَ مِنْ النُّقْصَانِ ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا كُرَّيْنِ فَأَخْرَجَتْ ثَمَانِيَةَ أَكْرَارٍ ، وَلَحِقَهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ قَدْرُ كُرٍّ وَنَقَصَهَا قَدْرَ كُرٍّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَكْرَارٍ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ مَا ضَمِنَ مِنْ الْفَائِتِ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ عِنْدَنَا مُسْتَنِدًا إلَى

وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ ، وَهُوَ الْغَصْبُ هُنَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ الضَّمَانِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّهِ فَإِذَا ضَمِنَ كُلَّهُ مَلَكَ كُلَّهُ ، وَكَذَا الْبَعْضُ ، وَلَهُمَا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ إذْ الْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى وَصْفِ الْأَصْلِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَنْقُصْ بِالِاسْتِعْمَالِ ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَنِدَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ نَاقِصًا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ انْعِدَامِ الْخُبْثِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ اسْتَغَلَّهُ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ ) أَيْ إنْ اسْتَغَلَّ الْمَغْصُوبَ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا مَثَلًا فَآجَرَهُ فَنَقَصَهُ بِالِاسْتِغْلَالِ وَضَمِنَ النُّقْصَانَ تَصَدَّقَ الْغَاصِبُ بِالْغَلَّةِ كَمَا يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ بَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ أَمَّا الْأَوَّلُ ، وَهُوَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى مَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا بِالْغَلَّةِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثُمَّ إنَّمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فِي الْعَيْنِ ، وَكَانَ غَيْرَ رِبَوِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مِنْ أَجْزَائِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ الْحَادِثَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا الْخِيَارَ ، وَلَا يُوجِبُ حَطَّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ وَتُضْمَنُ بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ لِتَرَاجُعِ السِّعْرِ لَا يُضْمَنُ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ ؛

لِأَنَّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي الْعَيْنِ بِفَوْتِ الْجُزْءِ ، وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا إذْ الْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ ، وَلَكِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، وَاسْتِغْلَالُ الْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ بِالْإِيجَارِ كَاسْتِغْلَالِ الْمَغْصُوبِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْوَجْهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا اسْتَغَلَّهُ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لِأَجْلِ الْمَالِكِ فَإِذَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ لَا يَظْهَرُ الْخُبْثُ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ الْغَلَّةَ إلَيْهِ مَعَ الْعَبْدِ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فَيَزُولُ الْخُبْثُ بِالتَّسْلِيمِ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ عَنْ الْقِيمَةِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ الْغَاصِبُ بَعْدَ مَا اسْتَغَلَّهُ ، وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَّنَ الْمَالِكُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لِحَقِّ الْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمَالِكٍ فَلَا يَزُولُ الْخُبْثُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَتَرَجَّحَ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ اللُّقَطَةَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا ثُمَّ إذَا أَصَابَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ إذَا كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الِاسْتِغْلَالِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرَجُّحِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ

الْفُقَرَاءِ وَأَمَّا الثَّانِي ، وَهُوَ مَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْعُرُوضِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ كَالنَّقْدَيْنِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ قَبْلَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ وَبَعْدَهُ يَحِلُّ إلَّا فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ ، وَهُوَ الرِّبْحُ الْمَذْكُورُ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَتَّى يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَتَمَكَّنَ الْخُبْثُ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ فَقَدْ قَالَ الْكَرْخِيُّ : إنَّهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ أَطْلَقَ إطْلَاقًا وَنَقَدَ مِنْهُ أَوْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهِ وَنَقَدَ مِنْهُ ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ إلَّا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ مَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ فَيَسْتَوِي وُجُودُهَا ، وَعَدَمُهَا إلَّا إذَا تَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ مِنْهَا وَقَالَ مَشَايِخُنَا : رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَا يَطِيبُ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ وَبَعْدَ الضَّمَانِ لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعَيْنِ وَالْمُضَارَبَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ مِنْهُ اسْتَفَادَ سَلَامَةَ الْمُشْتَرِي وَبِالْإِشَارَةِ اسْتَفَادَ جَوَازَ الْعَقْدِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِهِ فِي حَقِّ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ فَتَثْبُتُ فِيهِ شُبْهَةُ الْحُرْمَةِ لِمِلْكِهِ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ، وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا صَارَ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ ضَمِنَ دَرَاهِمَ مَثَلًا

وَصَارَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِ الْمَضْمُونِ دَرَاهِمُ ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِهِ خِلَافُ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ ضَمِنَ دَرَاهِمَ ، وَفِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِهِ طَعَامٌ أَوْ عُرُوضٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ ، وَمَا لَمْ يَصِرْ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمِلْكٌ بِلَا حِلِّ انْتِفَاعٍ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ بِشَيٍّ وَطَبْخٍ وَطَحْنٍ وَزَرْعٍ وَاِتِّخَاذِ سَيْفٍ ، وَإِنَاءِ غَيْرِ الْحَجَرَيْنِ وَبِنَاءٍ عَلَى سَاجَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ لَلَحِقَهُ ضَرَرٌ ، وَكَانَ ظُلْمًا وَالظَّالِمُ لَا يُظْلَمُ بَلْ يُنْصَفُ ثُمَّ الضَّابِطُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا ، وَمُعْظَمُ مَنَافِعِهَا أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمِلْكِ الْغَاصِبِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهَا أَصْلًا أَوْ إلَّا بِحَرَجٍ زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا ، وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ شَيِّ اللَّحْمِ وَطَبْخِهِ وَطَبْخِ الْحِنْطَةِ أَوْ طَحْنِهَا وَزَرْعِهَا وَاِتِّخَاذِ الْحَدِيدِ سَيْفًا أَوْ إنَاءً وَاِتِّخَاذِ غَيْرِهِ مِثْلِ الصُّفْرِ إنَاءً وَالْبِنَاءِ عَلَى السَّاجَةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَيَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ إلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمَا بِاِتِّخَاذِهِ أَوَانِيَ أَوْ بِضَرْبِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ غَيْرِ الْحَجَرَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ الْعَيْنِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الْعَيْنِ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الرِّبَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُضَمِّنُهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْ الْعَيْنِ ، وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ لَكِنَّهُ يُبَاعُ فَيُوَفَّى بِهِ دَيْنُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَعْنِي مَا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ مِنْ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ مَاتَ الْغَاصِبُ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ وَالْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَجَعَلَ الْآبِقَ لِعَدَمِ رِضَاهُ

بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ إيفَاءِ الثَّمَنِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْيَدِ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ بِهِ حَقُّ الْمِلْكِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ فَيَبْقَى مِلْكُهُ مَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ وَيَتْبَعُهَا وَصْفُهَا إذْ هُوَ قَائِمٌ بِهَا فَيَتَرَجَّحُ هُوَ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ أَصْلٍ ؛ وَلِأَنَّ الدَّقِيقَ حِنْطَةٌ فُرِّقَتْ أَجْزَاؤُهَا ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنْ مِلْكِهِ كَالْقَطْعِ فِي الثَّوْبِ وَالذَّبْحِ وَالسَّلْخِ وَالتَّأْرِيبِ فِي الشَّاةِ ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ إذْ الْمَحْظُورُ لَا يُنَاطُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ عَلَى أَصْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَقَعَتْ الْحِنْطَةُ فِي الطَّاحُونَةِ وَانْطَحَنَتْ بِفِعْلِ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقَاصِدَ قَدْ فَاتَ بَعْضُهَا ، وَكَذَا الذَّاتُ قَدْ فَاتَ ، وَمِنْ وَجْهٍ بِالِاسْتِحَالَةِ حَتَّى صَارَ لَهُ اسْمٌ آخَرُ ، وَقَدْ أَحْدَثَ فِيهَا الصَّنْعَةَ ، وَهِيَ حَقٌّ لِلْغَاصِبِ ، وَهِيَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَرَجَّحَتْ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ وَصْفًا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ فَائِتٌ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي الْعَيْنِ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ فَكَانَتْ كَسْبًا لَهُ ، وَالْكَاسِبُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ لَا إلَى الْمَحَلِّ ، وَذَاتُ حَقِّهِ قَائِمٌ فَكَانَ التَّرْجِيحُ بِهِ تَرْجِيحًا بِالذَّاتِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْحَالِ ، وَهُوَ الْبَقَاءُ ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ بِالذَّاتِ ، وَهُوَ الْوُجُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ التَّرْجِيحُ بِهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحَالَ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ

سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ تَجُوزُ وَتَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ لَا يُفَوِّتُ اسْمَ الشَّاةِ يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ وَشَاةٌ حَيَّةٌ وَالسَّلْخُ وَالتَّأْرِيبُ لَا يَفُوتُ بِهِ الْمَقْصُودُ بِالذَّبْحِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَبْدِيلُ الْعَيْنِ فَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَبَدَّلَتْ وَتَجَدَّدَ لَهَا اسْمٌ آخَرُ فَصَارَتْ كَعَيْنٍ أُخْرَى حَصَّلَهَا بِكَسْبِهِ فَيَمْلِكُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الضَّمَانَ كَيْ لَا يَلْزَمَ مِنْهُ فَتْحُ بَابِ الْغُصُوبِ ، وَفِي مَنْعِهِ حَسْمُ مَادَّتِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ { قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا بَعْدَ الطَّبْخِ أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى } ، وَلَوْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ الِانْتِفَاعُ بِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ كَالتَّمْلِيكِ لِغَيْرِهِ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ ، وَنَفَاذُ تَصَرُّفِهِ فِيهِ لِوُجُودِ الْمِلْكِ ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً فَاسِدًا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ثُمَّ إذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ إلَيْهِ ، وَأَخَذَهُ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقِيمَةِ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى مِقْدَارٍ حَلَّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِطَلَبِهِ فَحَصَلَتْ الْمُبَادَلَةُ بِالتَّرَاضِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْحِنْطَةِ الْمَزْرُوعَةِ وَالنَّوَاةِ الْمَزْرُوعَةِ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ

عِنْدَهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُهُمَا الْغَاصِبُ بِضَرْبِهِمَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ أَوَانِيَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِهِمَا ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ الصَّنْعَةَ الْمُتَقَوَّمَةَ ، وَفَوَّتَ بَعْضَ مَقَاصِدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَلَمْ تَهْلَكْ مِنْ وَجْهٍ مَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَتَغَيَّرْ ، وَمَعْنَاهُ الثَّمَنِيَّةُ ، وَهُوَ أَيْضًا بَاقٍ ، وَكَذَا كَوْنُهُ مَوْزُونًا بَاقٍ أَيْضًا حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ ، وَكَذَا الصَّنْعَةُ فِيهِمَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ أَيْضًا مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ : إنَّمَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ السَّاجَةِ إذَا بَنَى حَوْلَهَا ، وَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَيْهَا فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ عَلَيْهَا ، وَالسَّاجَةُ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَصْلِ لِهَذَا الْبِنَاءِ فَيُهْدَمُ لِلرَّدِّ كَمَا إذَا بَنَى فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ كَيْفَمَا كَانَ فَيُهْدَمُ الْبِنَاءُ وَيَأْخُذُ سَاجَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالنَّصِّ ، وَعِنْدَنَا انْقَطَعَ حَقُّهُ مُطْلَقًا فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ فِي قَلْعِهِ ضَرَرًا بِالْغَاصِبِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا ضَرَرَ ، وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ } وَضَرَرُ الْمِلْكِ مَجْبُورٌ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا فَصَارَ كَمَا إذَا خَاطَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ بَطْنَ آدَمِيٍّ أَوْ أَدْخَلَ لَوْحًا مَغْصُوبًا فِي السَّفِينَةِ ، وَكَانَتْ فِي لُجَجِ الْبَحْرِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا

ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ .

قَوْلُهُ : وَبِنَاءٌ عَلَى سَاجَةٍ ) فِي الْمُغْرِبِ السَّاجَةُ بِالْجِيمِ الْخَشَبَةُ الْعَظِيمَةُ أَيْ الْخَشَبَةُ الْمَنْحُوتَةُ الْمُهَيَّأَةُ لِلْأَسَاسِ وَنَحْوِهِ ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّاحَةِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَتَجِيءُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِفِعْلِ الْغَاصِبِ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ لَا بِفِعْلِ الْغَاصِبِ بِأَنْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا وَالْخَمْرُ خَلًّا بِنَفْسِهِ وَالْحَلِيبُ جُبْنًا وَالرُّطَبُ تَمْرًا فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمِنَهُ ، وَلَوْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا يَجْعَلُهُ مِلْكَهُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالتَّأْرِيبُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : تَأْرِيبُ الشَّاةِ جَعْلُهَا إرَبًا إرَبًا أَيْ عُضْوًا عُضْوًا ا هـ قَوْلُهُ : وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ فِعْلُ الْغَصْبِ عُدْوَانٌ مَحْضٌ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ قُلْنَا لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ قَصْدًا ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ سَبَبًا عِنْدَ تَقَرُّرِ الضَّمَانِ بِالِاسْتِهْلَاكِ فِي ضِمْنِ حُكْمِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَالضَّمَانُ حُكْمٌ وَاجِبٌ مَشْرُوعٌ حَسَنٌ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ أَيْضًا حَسَنًا ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى صَلَاحِيَّةُ السَّبَبِ فِي الْأَصْلِ لَا فِي التَّبَعِ تَحْقِيقُ الْكَلَامِ أَنَّ فِعْلَ الْغَاصِبِ الَّذِي هُوَ الزِّرَاعَةُ مَثَلًا لَيْسَ بِمَحْظُورٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحْدَثَ الزَّرْعَ ، وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ كَوْنُهُ غَصْبًا ، وَهُوَ إزَالَةُ شَيْءٍ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إحْدَاثٌ صَلُحَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ فَصَارَ قَوْلُنَا زَرْعُ حِنْطَةٍ مَغْصُوبَةٍ إشَارَةٌ إلَى إحْدَاثِ شَيْءٍ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ بِمَنْزِلَةِ الِاصْطِيَادِ بِقَوْسِ الْغَيْرِ وَالِاحْتِطَابِ بِقَدُومِ الْغَيْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَبْدِيلُ الْعَيْنِ ) فِي الْخُلَاصَةِ : غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَسَلَخَهَا

وَجَعَلَهَا إرَبًا إرَبًا مَلَكَهَا ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَيَّةً أَوْ غَصَبَ حِمَارًا أَوْ بَغْلًا فَقَطَعَ يَدَهُمَا أَوْ رِجْلَهُمَا مَلَكَهُمَا ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ بَعْدَ الْغَصْبِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا بِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالذَّبْحِ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ فَنَمْنَعُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ لَا تَصِيرُ مُسْتَهْلَكَةً بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ لِبَقَاءِ الِاسْمِ وَلِهَذَا يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ فَإِذَا أَرَّبَهَا عُضْوًا عُضْوًا بَعْضُهُمْ قَالُوا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا بِزَوَالِ التَّرْكِيبِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ أَيْضًا ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بِالذَّبْحِ لَمَّا لَمْ تَصِرْ الشَّاةُ مُسْتَهْلَكَةً صَارَ كَأَنَّهُ غَصَبَ شَاةً مَذْبُوحَةً فَقَطَّعَهَا إرَبًا إرَبًا فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا لَمْ تَفُتْ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُقْصَدُ لِلْأَكْلِ ، وَبَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يَبْطُلْ هَذَا الْمَعْنَى ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَكَى الزَّاهِدِيُّ فِيهِ خِلَافًا ا هـ ( قَوْلُهُ : فَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ ) أَيْ لِلْغَاصِبِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ ) أَيْ كَمَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ الِانْتِفَاعُ بِهِ ) أَيْ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ الَّذِي عَمِلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَاحْتَجَّ بِهِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَاحْتَجَّ بِهِ وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ زَارَ قَوْمًا فَذَبَحُوا لَهُ شَاةً فَجَعَلَ يَمْضُغُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَسِيغُهُ فَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا شَاةٌ لِفُلَانِ ذَبَحْنَاهَا حَتَّى يَأْتِيَ فَنُرْضِيَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى } فَلَوْلَا أَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ زَالَ عَنْهَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا بَلْ أَمَرَ بِبَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا عَلَى الْغَائِبِ ، وَعَلَى هَذَا بَنَى أَبُو حَنِيفَةَ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ الْغَصْبِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي بِالْأَسْرَى الْمُحْتَبَسِينَ كَذَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمَعْقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْغَاصِبَ غَصَبَ الْحِنْطَةَ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا بِالطَّحْنِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا لَا مَحَالَةَ فَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَأَحْرَقَهُ فَصَارَ رَمَادًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَكَذَا هَذَا وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ أَنَّ اسْمَ الْحِنْطَةِ زَالَ عَنْهَا بَعْدَ الطَّحْنِ ، وَكَذَلِكَ زَالَتْ صُورَتُهَا ، وَمَعْنَاهَا فَدَلَّ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ أَمَّا إذَا زَالَ الِاسْمُ فَلِأَنَّهَا كَانَتْ تُسَمَّى حِنْطَةً وَالْآنَ تُسَمَّى دَقِيقًا وَأَمَّا زَوَالُ الصُّورَةِ فَلِأَنَّ صُورَتَهَا هِيَ الْحَبَّةُ السَّمْرَاءُ وَالْمَشْقُوقَةُ الْبَطْنِ ، وَلَمْ تَبْقَ تِلْكَ الصُّورَةُ بَعْدَ الطَّحْنِ ، وَأَمَّا مَعْنَاهَا فَلِأَنَّهَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَالْقَلْيِ وَلِطِبْخِ الْهَرِيسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْآنَ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ فَإِذَا ثَبَتَ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ الدَّقِيقُ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الْحِنْطَةِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ ، وَلَا يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ فِي الدَّقِيقِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْحِنْطَةَ لَا الدَّقِيقَ فَإِذَا كَانَ عَيْنُهَا مُسْتَهْلَكًا يَلْزَمُهُ مِثْلُهَا ، وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ إذَا غَصَبَهَا فَزَرَعَهَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ غَيْرُ

الْحِنْطَةِ بِدَلِيلِ تَغَايُرِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ فَصَارَ الْحَادِثُ غَيْرَ مَا كَانَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا أَوْ نَوَاةً فَغَرَسَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ خِلَافًا لِزُفَرَ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَقَبْلَ أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ الْحَبَّةَ صَارَتْ قَصِيلًا وَالنَّوَاةَ صَارَتْ نَخْلًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَصْبِ الشَّاةِ ، وَذَبْحِهَا وَطَبْخِهَا وَغَصْبِ الْحِنْطَةِ وَطَحْنِهَا حَيْثُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ إرْضَاءِ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الشَّاةِ وَالْحِنْطَةِ بَاقِيَةٌ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِقِيَامِ الْعَيْنِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَوَانِي ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي ، وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ صَاغَهَا إنَاءً قَالَ يَأْخُذُهَا ، وَلَا أَجْرَ لِلْغَاصِبِ ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْحَدِيدَ وَالصُّفْرَ ؛ لِأَنَّهُ فِضَّةٌ بِعَيْنِهَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الْوَزْنِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُعْطِيهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالَ زُفَرُ : يُنْقَضُ الْبِنَاءُ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا فَاحِشًا ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَسَلَّمَ الْمَغْصُوبَ إلَيْهِ أَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ ) ، وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْجَزُورَ ، وَقَطَعَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ كَالذَّبْحِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ فَوْتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ ، وَفَوَاتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ فِي الثَّوْبِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ تَضْمِينِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَتَرْكِهِ لَهُ وَبَيْنَ تَضْمِينِ نُقْصَانِهِ ، وَأَخْذِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ إذَا أَخَذَ اللَّحْمَ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَالسَّلْخَ زِيَادَةٌ فِيهَا لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ الْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهَا ، وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهَا بِيَقِينٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ يَضْمَنُ قَاطِعُ الطَّرَفِ جَمِيعَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَعَ أَخْذِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ بَعْدَ قَطْعِ الطَّرَفِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَالِحٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ صَالِحًا لَهُ قَبْلَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَلَا كَذَلِكَ الدَّابَّةُ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ ، وَلَا لِلرُّكُوبِ بَعْدَ الْقَطْعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَفِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ ) يَعْنِي مَعَ أَخْذِ عَيْنِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَنَقَصَ لِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْخَرْقِ الْيَسِيرِ وَالْكَبِيرِ قِيلَ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ ، وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ ، وَقِيلَ الْفَاحِشُ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِاسْتِوَاءِ الْهَالِكِ وَالْقَائِمِ فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يَمِيلَ إلَى الْهَالِكِ أَوْ الْقَائِمِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ

الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ إتْلَافِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ وَالِاسْتِهْلَاكُ مِنْ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ وَالنُّقْصَانُ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْيِيبِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَائِهَا ، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْجَوْدَةِ لَا غَيْرُ ، وَلَا عِبْرَةَ بِقِيَامِ أَكْثَرِ الْمَنَافِعِ ؛ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ إنَّمَا يُطْلَبُ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا ، وَمَتَى أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا لَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ ، وَهُنَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الِاسْتِهْلَاكِ وَالنُّقْصَانِ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ الرَّاجِحُ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْفَاحِشَ هُوَ الْمُسْتَأْصِلُ لِلثَّوْبِ ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الثَّوْبَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْخِرَقِ ، وَلَا يُرْغَبُ فِي شِرَائِهِ ، وَعَزَاهُ إلَى الْحَلْوَانِيِّ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ : الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ مِنْ تَخْيِيرِ الْمَالِكِ إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَإِنَّ التَّعْيِيبَ هُنَاكَ فَاحِشًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا كَانَ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْعَيْنَ ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مُتَعَذِّرٌ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا هَذَا إذَا قَطَعَ الثَّوْبَ ، وَلَمْ يُجَدِّدْ فِيهِ صَنْعَةً ، وَأَمَّا إذَا جَدَّدَ فِيهِ صَنْعَةً بِأَنْ خَاطَهُ قَمِيصًا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهُ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ .

( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْجَزُورَ ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَكَذَا الْجَزُورُ ا هـ يَعْنِي إذَا غَصَبَ الْجَزُورَ ، وَهِيَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلذَّبْحِ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الْجَزْرِ ، وَهُوَ الْقَطْعُ ثُمَّ ذَبَحَهَا فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا فِي غَصْبِ الشَّاةِ إذَا ذَبَحَهَا إمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْعَيْنَ مَعَ نُقْصَانِ الذَّبْحِ ، وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَ الْعَيْنَ وَضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْجَزُورَ دَفْعًا لِوَهْمِ مُتَوَهِّمٍ ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ الْجَزُورُ مُعَدَّةً لِلذَّبْحِ لَمْ يَكُنْ مَعْنَى الدَّرِّ وَالنَّسْلِ فِيهَا مَطْلُوبًا فَكَيْفَ يَلْزَمُ النُّقْصَانُ بَلْ الذَّبْحُ زِيَادَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ لِأَجْلِهِ الْعِوَضُ فَأَجَابَ عَنْهُ ، وَقَالَ لَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مُعَدًّا لِلذَّبْحِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِي الْحَيَوَانِ نَقْصٌ مِنْ حَيْثُ تَفْوِيتُ الْحَيَاةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَطْعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ كَالذَّبْحِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا أَيْ يَدَ الشَّاةِ وَالْجَزُورِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : أَيْ حُكْمُ قَطْعِ يَدِ الشَّاةِ وَالْجَزُورِ كَحُكْمِ ذَبْحِهِمَا يَعْنِي أَنَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ مَعَ نُقْصَانِ الْقَطْعِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْعَيْنَ لِلْغَاصِبِ وَضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي ، وَأَمَّا الدَّابَّةُ إذَا غَصَبَهَا فَقَطَعَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا فَلَا يُشْبِهُ أَيْ لَا يُشْبِهُ الْخَرْقَ الْكَثِيرَ فِي الثَّوْبِ قَالَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا ، وَلَيْسَ يَنْتَفِعُ صَاحِبُهَا بِمَا بَقِيَ وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الدَّابَّةِ ، وَهِيَ لَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً أَوْ جَزُورًا فَذَبَحَهَا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ ،

وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا انْتِفَاعَ الدَّوَابِّ فَصَارَتْ هَالِكَةً فَإِذَا صَارَتْ هَالِكَةً فَالْغَاصِبُ مُسْتَهْلِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَتَكُونُ الدَّابَّةُ لَهُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ الثَّوْبَ بِالْخَرْقِ الْفَاحِشِ لَا يَكُونُ هَالِكًا ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ انْتِفَاعَ الثِّيَابِ فَلَا يُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ بِلَا خِيَارٍ بَلْ يَكُونُ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي قَطْعِ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَضْمِينِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا بِلَا خِيَارٍ ، وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَالِحٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ صَالِحًا لَهُ ) فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ بَعْدَ قَطْعِ طَرَفِهِ فِي بَعْضِ الْمَنَافِعِ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62