كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَعْتِقُ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا لَا يَعْتِقُ ) أَيْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ الْمَوْلَى ) أَيْ حَالَ كَوْنِي مُنْفَرِدًا ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا فَمَاتَ ) أَيْ السَّيِّدُ ( لَمْ يَعْتِقْ ) لِأَنَّ الْآخِرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا سَابِقَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِدِّهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فَمَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ ) لِأَنَّهُ فَرْدٌ لَاحِقٌ وَيَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى وَقْتِ الشِّرَاءِ حَتَّى يَعْتِقَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ مُقْتَصِرًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ ثَبَتَتْ بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ فَصَارَ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا بِعَدَمِ الشِّرَاءِ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعَدَمُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَقْتَصِرُ الْعِتْقُ عَلَى زَمَنِ الْمَوْتِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَشْتَرِ عَلَيْك عَبْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَمْ يَشْتَرِ حَتَّى مَاتَ يَعْتِقُ الْمُخَاطَبُ مُقْتَصِرًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَالْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلَهُ أَنَّ الْآخِرِيَّةَ تَثْبُتُ لِلثَّانِي كَمَا اشْتَرَاهُ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ بِعَرْضِ الزَّوَالِ لِاحْتِمَالِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ صِفَةَ الْآخِرِيَّةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ آخِرًا مُنْذُ اشْتَرَاهُ فَيَعْتِقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالْحَيْضِ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَحْنَثْ لِلْحَالِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ دُونَ الثَّلَاثِ فَإِذَا اسْتَمَرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا مِنْ وَقْتِ رَأَتْ الدَّمَ وَقَوْلُهُمْ إنَّ صِفَةَ الْآخِرِيَّةِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَتَمَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ قَالَ كُنْت

فِئْت إلَيْهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الْقُرْبَانِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَلْفُوظًا صَرِيحًا لَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْرَبْك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَالَ كُنْت قَرُبْتُهَا فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَذَا هُنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ عِنْدَهُمَا وَتَرِثُ بِحُكْمِ أَنَّهُ فَارٌّ وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَتَحُدُّ وَعِنْدَهُ يَقَعُ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالدُّخُولِ بِشُبْهَةٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِلَا حِدَادٍ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ طَلُقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا مَرَّةً لِأَنَّ الَّتِي أَعَادَ عَلَيْهَا التَّزَوُّجَ اتَّصَفَتْ بِكَوْنِهَا أَوْلَى فَلَا تَتَّصِفُ بِالْآخِرِيَّةِ لِلتَّضَادِّ كَمَنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَضْرِبُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَ عَبْدًا ثُمَّ ضَرَبَ آخَرَ ثُمَّ أَعَادَ الضَّرْبَ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْمَضْرُوبُ مَرَّةً

( قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ تُحَقِّقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحَقُّقِ الْآخِرِيَّةِ وُجُودٌ سَابِقٌ بِالْفِعْلِ وَفِي الْأَوَّلِيَّةِ عَدَمُ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ لَا وُجُودُ آخَرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ الْمُشْتَرَى فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ إذَا لَمْ يَشْتَرِ بَعْدَهُ غَيْرَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِدِّهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ ) أَيْ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ ا هـ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ إلَخْ ) فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَتَرِثُ بِحُكْمِ أَنَّهُ فَارٌّ ) أَيْ حَيْثُ حَكَمَا بِطَلَاقِهَا فِي آخِرِ نَفَسٍ مِنْ حَيَاتِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ ) أَيْ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ إلَخْ ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْكَمَالُ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لَا غَيْرُ ا هـ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي فَصْلِ الْفَارِّ وَيَجْعَلُهَا بِالْأَقْرَاءِ وَهُمَا بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ ا هـ وَقَالَ فِي الْكَنْزِ وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ قَالَ الشَّارِحُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ بِالْحَيْضِ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ ) أَيْ لِأَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَقْتَ تَزْوِيجِهَا ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَتَقَ الْأَوَّلُ ) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ لَيْسَ لِلْمُبَشَّرِ بِهِ عِلْمُهُ عُرْفًا وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الْبَاقِيَيْنِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ } فَقَدْ سَمَّى أَبَا بَكْرٍ مُبَشِّرًا لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ وَلَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الْخَبَرِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ أَخْبَرَنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ فَأَخْبَرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَتَقُوا لِمَا بَيَّنَّا وَرَوَيْنَا لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا كَالْبِشَارَةِ وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ الْعَبْدُ عَتَقَ فِي الْبِشَارَةِ وَالْخَبَرِ لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالْمُرَاسَلَةَ تُسَمَّى بِشَارَةً وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَدِيثِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا لَهُ أَرْسَلَ عَبْدًا آخَرَ بِالْبِشَارَةِ فَجَاءَ الرَّسُولُ وَقَالَ لِلْمَوْلَى إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك قَدِمَ فُلَانٌ عَتَقَ الْمُرْسِلُ دُونَ الرَّسُولِ وَهَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابِ وَلَوْ قَالَ الرَّسُولُ إنَّ فُلَانًا قَدْ قَدِمَ وَلَمْ يَقُلْ أَرْسَلَنِي عَتَقَ الرَّسُولُ خَاصَّةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا ) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ تَحَقَّقَتْ مِنْ الْجَمِيعِ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ لُغَةً وَفِي الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَمَّا بَيَّنَّاهُ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ مِنْ الْجَمَاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ }

( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ أُورِدَ عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّدْقِ فِي الْبِشَارَةِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْوَجْهِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْإِخْبَارِ السَّارِّ صِدْقًا كَذَلِكَ يَحْصُلُ كَذِبًا وَأُجِيبَ بِمَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ وَالْوَجْهُ فِيهِ نَقْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا ) قَالَ الْحَاكِمُ وَإِنْ قَالَ عَنَيْت وَاحِدًا لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسَعُهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُمْ وَاحِدًا فَيُمْضِيَ عِتْقَهُ وَيُمْسِكَ الْبَقِيَّةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ ) أَيْ مِنْ فَرَحٍ أَوْ تَرَحٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } ا هـ كَافِي قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَارًّا فِي الْعُرْفِ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مَا يُغَيِّرُ الْبَشَرَةَ سَارًّا أَوْ ضَارًّا قَالَ تَعَالَى { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وَلَكِنْ إذَا وَقَعَ بِمَا يُكْرَهُ قُرِنَ بِذِكْرِ مَا بِهِ الْوَعِيدُ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا خَاصٌّ بِالْمَحْبُوبِ وَمَا وَرَدَ بِهِ فِي الْمَكْرُوهِ فَمَجَازٌ دُفِعَ بِمَادَّةِ اشْتِقَاقِهِ وَهِيَ الْبَشَرَةُ فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ لِذَلِكَ الْخَبَرِ أَثَرًا فِي الْبَشَرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِمَا يَخَافُهُ الْإِنْسَانُ يُوجِبُ تَغَيُّرَ بَشَرَتِهِ فِي الْمُشَاهَدِ الْمَعْرُوفِ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِالْمَحْبُوبِ إلَّا أَنَّ عَلَى الْعُرْفِ بِنَاءَ الْأَيْمَانِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ مَا نَصُّهُ وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَمِنْ قَوْلِهِمْ بَاشَرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إذَا أَلْصَقَ بَشَرَتَهُ بِبَشَرَتِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ } ) بِالْفَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا هُوَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا شَاهَدْته بِخَطِّ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَالتِّلَاوَةُ { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ

عَلِيمٍ } بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ وَفِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ كَمَا شَاهَدْته بِخَطِّ الْعَيْنِيِّ فَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ وَالتِّلَاوَةُ { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ } وَهِيَ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ وَالْأُولَى فِي الذَّارِيَاتِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ لَا شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ أَبِيهِ أَيْضًا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ وَرِقُّ الْمُعْتَقِ كَامِلٌ صَحَّ التَّكْفِيرُ وَإِلَّا فَلَا وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِنَاءً عَلَيْهِ فَعِنْدَهُمَا عِلَّةُ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةُ الصِّلَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَرَابَةِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَالتَّزَاوُرِ وَالشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ سَبَبٌ لِزَوَالِهِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَاسْتَحَالَ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الشِّرَاءِ فَلَمْ تَتَّصِلْ النِّيَّةُ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يَصِحُّ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا شِرَاءَ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نِيَّةَ التَّكْفِيرِ قَارَنَتْ الشَّرْطَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ التَّعْلِيقُ الْأَوَّلُ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ صَحَّ وَجَازَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ فَلَا تَجُوزُ كَغَيْرِهَا مِنْ الْقُرَبِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقُهُ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ أَيْ يُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِلْعِتْقِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ أَيْ بِذَلِكَ

السَّقْيِ وَضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ أَيْ بِذَلِكَ الضَّرْبِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ إعْتَاقٌ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَهَذَا الضَّمَانُ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُعْتِقِ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ وَالْمُلْكُ يُوجِبُ الْعِتْقَ فِي الْقَرِيبِ فَيُضَافُ الْمِلْكُ مَعَ حُكْمِهِ إلَى شِرَائِهِ لِأَنَّهُمَا حَدَثَا بِهِ وَهَذَا كَمَنْ رَمَى إنْسَانًا فَأَصَابَهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ كَأَنَّهُ جَزَّ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ الرَّمْيَ يُوجِبُ نُفُوذَ السَّهْمِ وَمُضِيَّهُ فِي الْهَوَاءِ وَالنُّفُوذُ سَبَبُ الْوُقُوعِ فِي الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ وَالْوُقُوعُ سَبَبُ الْجُرْحِ وَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيُضَافُ كُلُّهُ إلَى الرَّمْيِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ وَلِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ شَرْعًا حَتَّى تَجِبُ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ صِلَةً لِلْفُقَرَاءِ كَمَا لِلْقَرَابَةِ تَأْثِيرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ فَكَانَا عِلَّةً ذَاتَ وَصْفَيْنِ وَمَتَى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى آخِرِهِمَا لِأَنَّ تَمَامَ الْعِلَّةِ بِهِ وَآخِرُ الْوَصْفَيْنِ هُنَا الْمِلْكُ فَيَكُونُ بِهِ مُعْتَقًا وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَسَبَ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ صَارَتْ آخِرَ الْوَصْفَيْنِ فَصَارَ بِهَا مُعْتَقًا وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا شَهَادَةُ الشَّاهِدِ الثَّانِي حَيْثُ لَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا وَحْدَهَا وَإِنْ تَمَّتْ الْحُجَّةُ بِهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ مَا أَتْلَفَا بِشَهَادَتِهِمَا عِنْدَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ يَكُونُ بِهِمَا جَمِيعًا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِحْقَاقُ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ كَمَالِ الْعِلَّةِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ فِيهِ صَرْفُ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ

لَمَّا جَازَ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ إلَى أَبِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْوَاجِبَاتِ كَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ فَكَذَا إلَى أَبِيهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَ لَهُ قَرِيبُهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَقَبِلَ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَهُ فَإِنَّهُ جَبْرِيٌّ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ وَلَا اخْتِيَارٌ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِشَرِيكِهِ بِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعْتَقًا بِدُونِ اخْتِيَارِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَلَا يُقَالُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ عِلَّةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فِيهِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ كَالْمُنَجَّزِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ شَرْطُ النِّيَّةِ وَهِيَ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى الْيَمِينِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهُ جَازَ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ فَإِنَّ عِتْقَهَا لَا يُجْزِي عَنْ الْكَفَّارَةِ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا }

قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا صُوِّرَتْ هَكَذَا لِأَنَّهُ يُرِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ شِرَاءِ الْقَرِيبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَشِرَاءَ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِلَّا فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِي مُعَلَّقًا وَلَا مُنَجَّزًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشِّرَاءَيْنِ مَعَ أَنَّ الشِّرَاءَ فِي الْفَصْلَيْنِ مَسْبُوقٌ بِمَا يُوجِبُ الْعِتْقَ مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا الْقَرَابَةُ وَالِاسْتِيلَادُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ حَتَّى جُعِلَ إعْتَاقًا مِنْ وَجْهٍ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } فَهِيَ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَدْ عَتَقَتْ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ عِتْقُهَا بِالشِّرَاءِ أَوْ تَنْجِيزًا إعْتَاقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الشِّرَاءِ عِتْقٌ مِنْ وَجْهٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْعِتْقُ فَلِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي الْيَمِينِ السَّابِقَةِ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَأَمَّا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَلِأَنَّهَا لَمَّا اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } لَمْ يَكُنْ كُلُّ الْعِتْقِ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ عِلَّةُ الْعِتْقِ مِنْ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ تَحْرِيرٌ كَامِلٌ لَا تَحْرِيرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَعِنْدَهُمَا عِلَّةُ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا الشِّرَاءُ فَإِنَّ الشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ

وَإِنَّمَا اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِالشِّرَاءِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ لَا بِالْعِلَّةِ فَصَارَ كَعِتْقِهِ بِيَمِينٍ مُتَقَدِّمَةٍ ، بَيَانُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّحْرِيرُ وَالشِّرَاءُ لَيْسَ بِتَحْرِيرٍ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ اسْتِجْلَابُ الْمِلْكِ وَالتَّحْرِيرَ إزَالَةُ الْمِلْكِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ بِالْقَرَابَةِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا ادَّعَى نَسَبَهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَرَابَةِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ ) وَالْحَاصِلُ مِنْ دَلِيلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ لِلْعِتْقِ هِيَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لَا الشِّرَاءُ لِلْقَرِيبِ لِأَنَّهَا الَّتِي ظَهَرَ أَثَرُهَا فِي وُجُوبِ الصِّلَاتِ كَالنَّفَقَةِ فَهِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْعِتْقِ وَإِنَّمَا الْمِلْكُ شَرْطُ عَمَلِهَا سَوَاءٌ حَصَلَ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ نَفْسَ الْعِلَّةِ فَلَا لِأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ لِإِزَالَتِهِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مُقْتَضَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَاشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ كَانَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى إذَا قَالَ هُوَ حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيهِ وَعَنَى بِهِ أَنْ يَقَعَ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْعِتْقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَجْزَأَهُ لِاقْتِرَانِ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْتَاقِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَمْ تَقْتَرِنْ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ بَلْ اقْتَرَنَتْ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ لِلشَّرْطِ أَثَرٌ فِي إيجَابِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِقَوْلٍ سَابِقٍ وَهُوَ قَوْلُهُ حُرٌّ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ نَوَى عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ( قَوْلُهُ أَيْ يُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ ) بَيَانُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ جَعَلَ الْوَلَدَ مُعْتِقًا لِوَالِدِهِ بِالشِّرَاءِ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْتَدَأَ لَمْ يُوجَدْ بِالِاتِّفَاقِ فَكَمَا اشْتَرَاهُ عَتَقَ وَكَلَامُ الرَّسُولِ تَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْإِلْغَاءِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا لَزِمَ الْإِلْغَاءُ وَمِثْلُهُ وَارِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ أَيْ بِالسَّقْيِ يُؤَيِّدُهُ ، مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ } بَيَانُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ جَزَاءً لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءُ عِلَّةٌ لِلْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ تَحْرِيرًا وَإِعْتَاقًا وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فَجَازَ عَمَّا عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَ أَبَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَاخْتِيَارِهِ وَالتَّكْفِيرُ يَتَأَدَّى بِالتَّحْرِيرِ الَّذِي هُوَ صُنْعُهُ وَفِي الْأَسْبَابِ السَّابِقَةِ أَعْنِي الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْوَصِيَّةَ يَحْصُلُ صُنْعُهُ وَهُوَ الْقَبُولُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَيْ بِذَلِكَ الضَّرْبِ ) وَالتَّرْتِيبُ بِالْفَاءِ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ عَلَى مَا عُرِفَ مِثْلُ سَهَا فَسَجَدَ وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ صَحَّ لَوْ فِي مِلْكِهِ ) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى أَمَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الْعُمُومِ لِكَوْنِ الْأَمَةِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَالنَّفْيِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجَارِيَةُ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ حِينَ حَلَفَ لَا يَصِحُّ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَسَرَّى بِهَا لَا تَعْتِقُ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَعْتِقُ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَطَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَصَارَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ فَكَذَا هُنَا وَلَا يُقَالُ هَذَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِالِاقْتِضَاءِ وَهُوَ لَا يَرَى الِاقْتِضَاءَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ أَوْ الْحَذْفِ إذْ إثْبَاتُ مَا لَمْ يُذْكَرْ لَا يَنْحَصِرُ بِالِاقْتِضَاءِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ التَّسَرِّي يَسْبِقُ الْمِلْكُ إلَى الْفَهْمِ وَفِي الِاقْتِضَاءِ لَا يَلْزَمُ الْفَهْمُ مِنْ اللَّفْظِ وَقَدْ يَتَّفِقُ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت يُفْهَمُ مِنْهُ الطَّعَامُ وَهُوَ مُقْتَضَى وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ بِالْعِتْقِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي حَقِّهَا وَهَذَا لِأَنَّ التَّسَرِّيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّحْصِينِ وَالْمَنْعُ عَنْ الْخُرُوجِ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّرِّيَّةِ وَاحِدَةُ السَّرَارِيِّ وَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الْإِخْفَاءُ أَوْ إلَى السُّرُورِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُسَرُّ بِهَا أَوْ إلَى السَّرِيِّ وَهُوَ

السَّيِّدُ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا غُيِّرَ فِي النَّسَبِ إلَى فُعْلِيَّةٍ كَمَا قَالُوا فِي النَّسَبِ إلَى الدَّهْرِ دُهْرِيٌّ وَإِلَى الْأَرْضِ السَّهْلَةِ سُهْلِيٌّ وَقُلِبَتْ إحْدَى الرَّاءَاتِ يَاءً فِي تَسَرَّيْت وَأَصْلُهُ تَسَرَّرْتُ كَمَا قُلِبَتْ إحْدَى النُّونَاتِ يَاءً فِي تَظَنَّيْتُ وَأَصْلُهُ تَظَنَّنْت وَطَلَبُ الْوَلَدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّحْصِينِ لِلتَّسَرِّي خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى لَوْ عَزَلَ عَنْهَا لَا تَكُونُ سُرِّيَّةً عِنْدَهُ فَإِذَا كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ التَّحْصِينِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ كَمَا يَكُونُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَلَا يَصِيرُ ذِكْرُهُ ذِكْرَ مِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا إذَا قَالَ لِجَارِيَةِ الْغَيْرِ إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا وَجَامَعَهَا لَمْ تَعْتِقْ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ إلَّا بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَيَصِيرُ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلنِّكَاحِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ ذِكْرَ التَّسَرِّي ذِكْرٌ لِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِتْقُهَا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ ثَبَتَ اقْتِضَاءً ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي وَهُوَ شَرْطٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا يَظْهَرُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَهَا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ التَّسَرِّي شَرْطًا لِلْعِتْقِ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ التَّسَرِّي وَلَا يَكُونُ التَّسَرِّي إلَّا فِي الْمِلْكِ فَلَزِمَ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ التَّسَرِّي وَأَمَّا نُزُولُ الْجَزَاءِ فَالشَّرْطُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ثُبُوتُ الشَّرْطِ بِدُونِ نُزُولِ الْجَزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّسَرِّي يُوجَدُ وَإِنْ لَمْ تَعْتِقْ الْأَمَةُ وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ ظَهَرَ النِّكَاحُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ وَهُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْعِتْقُ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْجَزَاءِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ الَّذِي فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ

صَادَفَ التَّعْلِيقَ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِشَرْطٍ سَيُوجَدُ وَوِزَانُ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَمْ تَطْلُقْ ثَلَاثًا لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ ذِكْرٌ لِلنِّكَاحِ لِصِحَّةِ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَلَمْ يَكُنْ ذِكْرًا لِلنِّكَاحِ فِي صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَمَا قَالَهُ زُفَرُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا تَنَاوَلَ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ لِأَنَّهُ لِمَكَانِ تَقْدِيرِ الْكَلَامِ إنْ مَلَكْت جَارِيَةً وَتَسَرَّيْت بِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَعْتِقُ مَنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمئِذٍ إذَا تَسَرَّى بِهَا وَوِزَانُ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ زُفَرُ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةٍ إنْ تَسَرَّيْت بِك فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَاهَا فَتَسَرَّى بِهَا عَتَقَ عَبْدُهُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَا يَعْتِقُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ

قَوْلُهُ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ ) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْت جَارِيَةً فَتَسَرَّيْتهَا فَهِيَ حُرَّةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا ) أَمَّا الْمِلْكُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنْ مَلَكْت أَمَةً وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَلِأَنَّهُ أَضَافَهَا إلَى التَّسَرِّي وَهُوَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْأَمَةِ فَلَمْ يَصِحَّ إضَافَةُ الْإِعْتَاقِ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّسَرِّيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّحْصِينِ وَالْإِسْكَانِ وَهُوَ أَنْ يُبَوِّئَهَا وَيَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ا هـ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ طَلَبُ الْوَلَدِ مَعَ ذَلِكَ شَرْطُهُ لِأَنَّ السَّرِيَّةَ فِي الْعَادَةِ هِيَ الَّتِي يُطْلَبُ وَلَدُهَا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَهُوَ السَّيِّدُ ) أَيْ لِأَنَّهَا إذَا اتَّخَذَهَا سُرِّيَّةً فَقَدْ جَعَلَهَا سَيِّدَةَ الْإِمَاءِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا إلَّا بِطَلَبِ الْوَلَدِ مَعَ هَذَا وَالْمُرَادُ مِنْ طَلَبِ الْوَلَدِ أَنْ لَا يَعْزِلَ مَاءَهُ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ بِهَا شَيْئًا مِنْ هَذَا وَلَكِنْ وَطِئَ خَادِمَهُ فَعَلِقَتْ مِنْهُ لَمْ تَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَرَّهَا قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَعْنَى التَّسَرِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يُحْصِنَ أَمَتَهُ وَيَعُدَّهَا لِلْجِمَاعِ أَفْضَى إلَيْهَا بِمَائِهِ أَوْ عَزَلَ عَنْهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَعْزِلُ مَاءَهُ مَعَ ذَلِكَ فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْصِينِ وَالْإِعْدَادِ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ لَنَا أَنَّ مَادَّةَ اشْتِقَاقِهِ سَوَاءٌ اُعْتُبِرَتْ مِنْ السُّرُورِ أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَى الْجِمَاعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَا تَقْتَضِي الْإِنْزَالَ فِيهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ وَالسُّرُورَ وَالسِّيَادَةَ كُلٌّ مِنْهَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ فَأَخْذُهُ فِي الْمَفْهُومِ وَاعْتِبَارُهُ بِلَا دَلِيلٍ وَكَوْنُ

الْعُرْفِ فِي التَّسَرِّي تَحْصِينَهَا لِطَلَبِ الْوَلَدِ دَائِمًا مَمْنُوعٌ بَلْ الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فِي الْمُشَاهَدِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَلِدَ لَهُ إذَا عُرِفَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَحَصَّنَهَا وَوَطِئَهَا حَنِثَ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا عَتَقَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ فَمَلَكَ عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَا يَعْتِقُ هَذَا الْعَبْدُ الْمُسْتَحْدَثُ وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ إجْمَاعِيَّةٌ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَعْدَ الْحَلِفِ فَتَسَرَّاهَا لَا تَعْتِقُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ زُفَرُ تَعْتِقُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِمَكَانِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَبِيدُهُ الْقِنُّ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَصَرَّفُ إلَى الْكَامِلِ وَمِلْكُهُ لِهَؤُلَاءِ كَامِلٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُمْ رَقَبَةً وَيَدًا وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ دُيِّنَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ نَوَيْت السُّودَ دُونَ الْبِيضِ أَوْ بِالْعَكْسِ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ بِوَصْفٍ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ وَلَا عُمُومَ لَهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ وَلَوْ قَالَ نَوَيْت النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ حَقِيقَةً لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنَّ الْأُنْثَى يُقَالُ لَهَا مَمْلُوكَةٌ لَكِنْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهِمْ لَفْظُ التَّذْكِيرِ عَادَةً بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِنَّ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ فَتَكُونُ نِيَّتُهُ لَغْوًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ نَوَيْت الرِّجَالَ خَاصَّةً حَيْثُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَكَذَا لَوْ قَالَ نَوَيْت غَيْرَ الْمُدَبَّرِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا مُكَاتَبُهُ ) أَيْ لَا يَعْتِقُ مُكَاتَبُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى أَكْسَابَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ مُكَاتَبَتَهُ وَيَضْمَنُ جِنَايَتَهُ عَلَيْهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ قَاصِرًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَالْمُخْتَلِعَةِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا كَامِلٌ فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ وَالرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا

الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يُجْزِيَانِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمُكَاتَبُ عَكْسُهُ فَإِنَّ رِقَّهُ كَامِلٌ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ فَانْعَكَسَ الْحُكْمُ لِذَلِكَ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٍّ عَتَقَ عَبِيدُهُ الْقِنُّ ) الْقِنُّ الرَّقِيقُ يَنْطَلِقُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ عَبْدٌ قِنٌّ وَعَبِيدٌ قِنٌّ وَأَمَةٌ قِنٌّ بِالْإِضَافَةِ وَبِالْوَصْفِ أَيْضًا وَرُبَّمَا جُمِعَ عَلَى أَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ وَهُوَ الَّذِي مَلَكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ مَنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً وَأَبُوهُ عَرَبِيًّا فَهُوَ هَجِينٌ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ مُكَاتَبُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ) أَيْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأُولَيَيْنِ ) لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَعَطَفَ الثَّالِثَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَخْتَصُّ بِمَحِلِّ الْحُكْمِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا الْعِتْقُ وَالْإِقْرَارُ ) حَتَّى إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ كَانَ خَمْسُمِائَةٍ لِلْأَخِيرِ وَخَمْسُمِائَةٍ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ يَجْعَلُهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ لِأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ وَلِلثَّالِثِ بِأَلْفٍ فَيَكُونُ لِلثَّالِثِ نِصْفُهُ وَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُهُ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ النِّصْفَ لِلْأَوَّلِ وَالنِّصْفَ لِلْآخَرَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الثَّالِثَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنْهُمَا فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا يَلِيهِ كَمَا ذَكَرَ لَكَانَ الْمُقَرُّ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ لِلْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا لَهُمَا فَتَنْتَفِي الشَّرِكَةُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَإِنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ وَحْدَهُ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِ الْآخَرَيْنِ حَتَّى يُكَلِّمُهُمَا فَجُعِلَ الثَّالِثُ فِي الْكَلَامِ مَضْمُومًا إلَى الثَّانِي عَلَى التَّعْيِينِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ جَعَلَهُ مَضْمُومًا إلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْحُكْمُ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَنَاوَلَتْ أَحَدَهُمَا مُنَكَّرًا إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْإِثْبَاتِ فَتَخُصُّ فَتَطْلُقُ إحْدَاهُمَا وَفِي الْكَلَامِ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَتَعُمُّ عُمُومَ الْأَفْرَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا فَيَنْضَمُّ الثَّالِثُ إلَى مَا يَلِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَوْ لِعُمُومِ الْإِفْرَادِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلَامًا عَلَى حِدَةٍ كَأَنَّ الْأَوَّلَ انْقَطَعَ وَشَرَعَ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي وَالْعَطْفُ فِيهِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى

الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَأَمْثَالِهِ فَإِنَّ الْإِيصَالَ فِيهِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ ثَابِتٌ فَيَكُونُ الثَّالِثُ مَعْطُوفًا عَلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ الْحُكْمُ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ طَالِقٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلْمُثَنَّى وَفِي ضَمِّ الثَّالِثِ إلَى الثَّانِي جَعَلَهُ لِلْمُثَنَّى لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَاتَانِ طَالِقٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قَالَ طَالِقَانِ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلْمَثْنَى بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُ يَصْلُحُ لِلْمَثْنَى وَلِأَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ خَبَرًا فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ خَبَرًا بِأَنْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَالِقَانِ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا وَهَذَا حُرَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ وَلَا تَطْلُقُ بَلْ يُخَيَّرُ إنْ اخْتَارَ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ عَتَقَ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَطَلُقَتْ الْأُولَى وَحْدَهَا وَإِنْ اخْتَارَتْ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ عَتَقَ الْأَخِيرَانِ وَطَلُقَتْ الْأَخِيرَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُقَوْلُهُ إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ ) أَيْ الْعِتْقِ وَالْإِقْرَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } ) أَيْ آثِمًا وَلَا كَفُورًا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا ) هَكَذَا هُوَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْكَافِي وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا وَفُلَانًا وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

( بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ) الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ أَنْ لَا يَفْعَلَ بِمُبَاشَرَةِ وَكِيلِهِ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْ الْوَكِيلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ حُقُوقُهُ تَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ كَمَا يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ إلَى الْآمِرِ وَيَتَوَقَّفُ لَوْ بَاشَرَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَفِي الْأَوَّلِ الْوَكِيلُ مُبَاشِرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى الْآمِرِ بَلْ إلَى نَفْسِهِ وَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَوْ بَاشَرَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَا يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالْأَمْرِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَالْقِسْمَةُ وَالْخُصُومَةُ وَضَرْبُ الْوَلَدِ ) أَيْ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَلَا يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ بِفِعْلِهَا هِيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي عَدَّهَا مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ إلَخْ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي هَذَا الْأَشْيَاءِ بِمُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الْوَكِيلِ حَقِيقَةً وَكَذَا حُكْمًا وَلِهَذَا رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ حَالِفًا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهَا فَلَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ لَا يَأْمُرَ بِهِ غَيْرَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ وَيَحْنَثُ بِفِعْلِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ حَقِيقَةً فَلَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّتِهِ أَوْ يَكُونُ مِثْلُهُ لَا يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَالْقَاضِي وَالْأَمِيرِ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَمْنَعُ نَفْسَهُ بِالْيَمِينِ عَمَّا يَعْتَادُهُ وَعَادَتُهُ الْأَمْرُ بِهِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ

فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَبِمَقْصُودِ الْحَالِفِ وَلِهَذَا تَتَقَيَّدُ بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ مِثْلُهُ مِمَّا يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالتَّوْكِيلِ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِالْحَلِفِ التَّوَقِّي مِنْ الْحُقُوقِ وَإِنْ كَانَ يُبَاشِرُ تَارَةً وَيَأْمُرُ أُخْرَى يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ

( بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ بَابٍ عَقَدَهُ فَوُقُوعُهُ أَقَلُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَأَكْثَرُ مِمَّا بَعْدَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ يَسْتَغْنِي الْوَكِيلُ فِيهِ عَنْ نِسْبَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ لِوُجُودِهِ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَذَلِكَ وَذَلِكَ كَالْحَلِفِ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي وَلَا يُؤَجِّرُ وَلَا يَسْتَأْجِرُ وَلَا يُصَالِحُ عَنْ مَالٍ وَلَا يُقَاسِمُ وَكَذَا الْفِعْلُ الَّذِي يُسْتَنَابُ فِيهِ وَيَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى النِّسْبَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُخَاصِمُ فُلَانًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَقُولُ ادَّعَى لِمُوَكِّلِي وَكَذَا الْفِعْلُ الَّذِي يُقْتَصَرُ أَصْلُ الْفَائِدَةِ فِيهِ عَلَى مَحِلِّهِ كَضَرْبِ الْوَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَكُلُّ عَقْدٍ لَا تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ بَلْ هُوَ فِيهِ سَافِرٌ نَاقِلٌ عِبَارَةً يَحْنَثُ فِيهِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ كَمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَوَكَّلَ بِهِ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ بِمَالٍ أَوْ بِلَا مَالٍ أَوْ لَا يُكَاتِبُ أَوْ لَا يَهَبُ أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ أَوْ لَا يُوصِي أَوْ لَا يَسْتَقْرِضُ أَوْ لَا يُصَالِحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ لَا يُودِعُ أَوْ لَا يَقْبَلُ الْوَدِيعَةَ أَوْ لَا يُعِيرُ أَوْ لَا يَسْتَعِيرُ وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ تَرْجِعُ مَصْلَحَتُهُ إلَى الْآمِرِ كَحَلِفِهِ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ وَلَا يَذْبَحُ شَاتَه فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَمِنْهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ وَالْكِسْوَةُ وَالْحَمْلُ عَلَى دَابَّتِهِ وَخِيَاطَةُ الثَّوْبِ وَبِنَاءُ الدَّارِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّزَوُّجُ مَا نَصُّهُ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَضَرْبُ الْوَلَدِ ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ الزَّوْجَةُ نَظِيرُ الْوَلَدِ وَقِيلَ نَظِيرُ الْعَبْدِ ثُمَّ رَسَمَ لِلْقَاضِي الْبَدِيعِ وَقَالَ إنْ جَنَتْ الْمَرْأَةُ فَنَظِيرُ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ تَجْنِ فَنَظِيرُ الْحُرِّ وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ فَصَلَ أَحَدٌ فِي الْوَلَدِ بِتَفْصِيلِهِ فِي الزَّوْجَةِ فَحَسَنٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ ) أَيْ وَكَانَ هُوَ الطَّالِبَ بِالتَّسْلِيمِ بِالثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ وَالْمُخَاصِمَ بِالْعَيْبِ وَبِالْغَبْنِ الْمَوْجُودِ وَالْأُجْرَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ حَالِفًا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهَا ) أَيْ لِصِدْقِ أَنَّهُ بَاعَ وَاشْتَرَى وَاسْتَأْجَرَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَظْهَرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ يَحْنَثُ لِأَنَّ بِالْأَمْرِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فَأَمَرَ مَنْ حَلَقَ لَهُ حَنِثَ قُلْنَا لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَهَذَا الشَّرْطُ لِلْحِنْثِ بَلْ مِنْ الْعَاقِدِ حَقِيقَةً حُكْمًا وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ لَا كُلُّ حُكْمٍ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَعْلَى بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ عَلَى حَلْقِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْحَلْقِ مُطْلَقًا فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَفْعَلُهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْفِعْلِ لَيْسَ إلَّا الْأَمْرَ بِهِ فَيُوجَدُ سَبَبُ الْحِنْثِ بِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ لِلْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ رُبَّمَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ عَقْدَ بَعْضِ الْبَيْعَاتِ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْخَلْعُ وَالْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ وَالذَّبْحُ وَالْبِنَاءُ وَالْخِيَاطَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ وَالْكِسْوَةُ وَالْحَمْلُ ) أَيْ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَحْنَثُ فِيهَا بِالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّوْكِيلِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَبِمُبَاشَرَةِ وَكِيلِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً وَمِنْ الْآمِرِ حُكْمًا فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ مِنْ الْآمِرِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلَنَا أَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ التَّوَقِّي عَنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِحُقُوقِهَا فَصَارَ مُبَاشَرَةُ الْوَكِيلِ كَمُبَاشَرَتِهِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَالْحُقُوقِ وَصَارَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَلِهَذَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهَا إلَيْهِ وَلَوْ بَاشَرَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَهَا بِأَمْرِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ وَمَا كَانَ مِنْهَا حِسِّيًّا كَضَرْبِ الْغُلَامِ وَالذَّبْحِ وَنَحْوِهِمَا مَنْقُولٌ أَيْضًا إلَى الْآمِرِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ فَكَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ وَمَنْفَعَةُ ضَرْبِ الْعَبْدِ عَائِدَةٌ إلَى الْمَوْلَى إذْ الْعَبْدُ يَجْرِي عَلَى مُوجِبِ أَمْرِ الْمَوْلَى وَيَسْعَى فِي مَصَالِحِهِ إذَا ضَرَبَهُ فَصَارَ ضَرْبُهُ كَضَرْبِ الْمَوْلَى بِخِلَافِ ضَرْبِ الْوَلَدِ فَإِنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِ تَحْصُلُ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّبُ بِهِ وَيَرْتَاضُ وَيَنْزَجِرُ عَنْ الْقَبَائِحِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ رَجُلًا حُرًّا فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِضَرْبِ الْمَأْمُورِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرْبَهُ فَلَا يَصِحُّ أَمْرُهُ

إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ قَاضِيًا فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ ضَرْبَ الْأَحْرَارِ حَدًّا وَتَعْزِيرًا فَيَمْلِكَانِ الْأَمْرَ بِهِ فَيُضَافُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَيْهِمَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ بِأَمْرِهِمَا الضَّمَانُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ فِي الطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْحُكْمِيَّاتِ نَوَيْت أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ بِهِ وَلَا أَلِيَ بِنَفْسِي صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فِي ذَبْحِ الشَّاةِ وَضَرْبِ الْعَبْدِ نَوَيْت أَنْ لَا أَلِيَ بِنَفْسِي حَيْثُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَلِيَ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي الْعَامِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ الظَّاهِرُ فِي الْعَامِّ الْعُمُومُ دُونَ الْخُصُوصِ وَالضَّرْبُ وَنَحْوُهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ الْمَحْسُوسِ فِي الْمَحِلِّ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ فَكَانَ فِيهِ حَقِيقَةً وَالنِّسْبَةُ إلَى الْآمِرِ بِالتَّسَبُّبِ مَجَازًا فَإِذَا نَوَى الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً فَصَارَ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْآمِرِ أَوْ يَحْتَمِلُ نَقْلَ حُكْمِ فِعْلِهِ إلَى غَيْرِهِ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ إنَّمَا يَحْنَثُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا وَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَدَخَلَتْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِكَلَامٍ كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ حَنِثَ وَلَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ مُدَّةِ

الْإِيلَاءِ فَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالْعُنَّةِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ زُفَرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَتَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُعْتِقَ يُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ وُقُوعُ الْعِتْقِ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ فَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ يَحْنَثُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا إلَخْ ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْيَمِينِ عَلَى عَقْدِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُ صَاحِبِهِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ لِسَيْفِ الْأَئِمَّةِ السَّائِلِي حَلَفَ لَا يُوَكِّلُ فَوَكَّلَ رَجُلًا فَلَمْ يُقْبَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ ا هـ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُوَكِّلُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ فَوَكَّلَ هَلْ يَحْنَثُ ( قَوْلُهُ وَالْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ ) أَيْ وَالصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَسَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا مَعْزِيًّا لِلْمُحِيطِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ ) أَيْ وَالْوَقْفُ كَذَلِكَ ا هـ ك ( قَوْلُهُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ ) أَيْ وَالْخُصُومَةُ وَالشَّرِكَةُ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ يَعْقِدُ مَعَ فُلَانٍ عَقْدَ الشَّرِكَةِ نِيَابَةً عَنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مَنْقُولٌ أَيْضًا إلَى الْآمِرِ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ أَوْ لَيَخِيطَنَّ ثَوْبَهُ أَوْ لَيَبْنِيَنَّ دَارِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ أَنْ يَبْنِيَهَا بِيَدِهِ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى حُرٍّ لَيَضْرِبَنَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَضْرِبَهُ بِيَمِينِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَبْدِ وَأَمَّا السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي إذَا قَالَ لَأَضْرِبَنَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ بَرَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِيَدِهِ فَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيَنْزَجِرُ عَنْ الْقَبَائِحِ ) أَيْ فَلَمْ يُنْسَبُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْأَبِ أَيْضًا لَكِنْ أَصْلُ الْمَنَافِعِ وَحَقِيقَتُهَا إنَّمَا تَرْجِعُ إلَى الْمُتَّصِفِ بِهَا فَلَا مُوجِبَ لِلْفِعْلِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا وَعُرْفِ عَامَّتِنَا فَإِنَّهُ يُقَالُ ضَرَبَ فُلَانٌ الْيَوْمَ وَلَدَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ

وَيَقُولُ الْعَامِّيُّ لِوَلَدِهِ غَدًا أَسْقِيك عَلْقَةً ثُمَّ يَذْكُرُ لِمُؤَدِّبِ الْوَلَدِ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَعُدُّ الْأَبُ نَفْسَهُ قَدْ حَقَّقَ إيعَادَ ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذِّبْ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى مَعْنًى لَا يَقَعُ بِك ضَرْبٌ مِنْ جِهَتِي وَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ ا هـ كَمَالِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَا أَلِيَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ أَتَوَلَّاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ صُدِّقَ دِيَانَةً ) أَيْ لِأَنَّهُ نَوَى شَيْئًا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ يَعْلَمُ مِنْ ضَمِيرِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ فَوَكَّلَ بِذَلِكَ حَنِثَ قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي إذَا فَعَلَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَوَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ وَإِنَّمَا نَسَبَهُ إلَى الْآمِرِ مَجَازًا ثُمَّ إنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَكُمْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمَأْمُورَ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَأَنْتُمْ تَأْبَوْنَهُ قُلْنَا لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ إضَافَتَهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ كَانَ نَاقِلَ عِبَارَةٍ لِلْمُوَكِّلِ فَانْضَافَ الْعَقْدُ كُلُّهُ لَفْظًا وَحُكْمًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ لِلْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ شِعْرٍ أَوْ حِكْمَةٍ هَذَا لَيْسَ كَلَامَ هَذَا الرَّجُلِ بَلْ كَلَامُ فُلَانٍ وَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَدَمُ لُزُومِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْعُقُودِ نَظَرًا إلَى الْغَرَضِ وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا يَلْزَمُ بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ مُبَاشَرَةِ مَأْمُورِهِ وَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ ) أَيْ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ كَالرَّسُولِ بِهِ وَلِسَانُ الرَّسُولِ كَلِسَانِ الْمُرْسِلِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا نَوَى التَّكَلُّمَ بِهِ خَاصَّةً فَقَدْ نَوَى خِلَافَ

الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ دَاخِلٍ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُرْسِلِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ مُقْتَضَيَاتِهِ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَهِيَ الْحُقُوقُ وَحَقِيقَةُ الْمُرَادِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَمَا مَعَهُ لَمَّا كَانَ لَفْظًا يَثْبُتُ عِنْدَهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَالْحَلِفُ عَلَى تَرْكِهِ حَلِفٌ عَلَى أَنْ لَا نُوجِدَ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ فَنِيَّةُ أَحَدِهِمَا خِلَافُ الظَّاهِرِ أَمَّا الذَّبْحُ وَالضَّرْبُ فَفِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُ أَثَرِهِ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الضَّرْبَ يَثْبُتُ مَعَ أَثَرِهِ مِنْ الْفَاعِلِ بِلَا إذْنٍ قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ وَفِي الْإِجَازَةِ بِالْفِعْلِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُجِيزِ بِالْفِعْلِ عَاقِدًا لَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّوْكِيلِ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَوْ وَكَّلَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ثُمَّ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ وَلَا يُعْتِقُ ثُمَّ طَلَّقَ الْوَكِيلُ أَوْ أَعْتَقَ يَحْنَثُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْوَكِيلِ هُنَا مَنْقُولَةٌ إلَيْهِ ا هـ قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّوْكِيلِ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ أَيْ فِي الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ قَبْلَ الْيَمِينِ وَأَجَازَ الْحَالِفُ بَعْدَهَا بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ فَعَدَمُ الْحِنْثِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِذَا كَانَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ بَعْدَ الْيَمِينِ فَأَجَازَ الْحَالِفُ بَعْدَهَا بِالْقَوْلِ فَالْحِنْثُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِنْ أَجَازَ بِالْفِعْلِ فَعَدَمُ الْحِنْثِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ ا هـ ( قَوْلُهُ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ الْمَحْسُوسِ فِي الْمَحِلِّ ) أَيْ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْآمِرِ حَتَّى يَكُونَ ضَرْبًا أَوْ ذَبْحًا فَإِنَّهُ إذَا ضَرَبَ

عَبْدًا لِغَيْرٍ أَوْ ذَبَحَ شَاةَ الْغَيْرِ يُسَمَّى ذَلِكَ ضَرْبًا أَوْ ذَبْحًا وَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِ أَمْرٍ وَإِنَّمَا نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَى الْآمِرِ بِسَبِيلِ التَّسَبُّبِ مَجَازًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالصِّيَاغَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ كَأَنْ بِعْت لَك ثَوْبًا لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ كَأَنْ مَلَّكَهُ أَوَّلًا وَعَلَى الدُّخُولِ وَالضَّرْبِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْعَيْنِ كَأَنْ بِعْت ثَوْبًا لَك لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ بِأَنْ كَانَ مَلَّكَهُ أَمْرَهُ أَوَّلًا ) أَيْ دُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا أَوْ اشْتَرَيْت إلَخْ كَانَ لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالشَّخْصِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ وَهُوَ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ لِأَجْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ مِلْكًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ الْحَالِفُ بِأَمْرِهِ حَتَّى لَوْ دَسَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ وَبَاعَهُ الْحَالِفُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ لَمَّا دَخَلَتْ عَلَى الْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا أَيْ إنْ بِعْت لِأَجْلِك ثَوْبًا اقْتَضَتْ اخْتِصَاصَ الْبَيْعِ بِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلَهُ بِأَمْرِهِ إذْ الْبَيْعُ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ وَلَمْ تُوجَدْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ دَخَلَتْ عَلَى الْعَيْنِ وَهُوَ الثَّوْبُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا فَاقْتَضَتْ اخْتِصَاصَ الْعَيْنِ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ وَالْعَيْنُ كَإِنْ بِعْت ثَوْبًا لَك لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ بِأَنْ كَانَ مَلَّكَهُ أَمْرَهُ أَوَّلًا أَيْ دُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْعَيْنِ كَقَوْلِهِ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك يَكُونُ الْيَمِينُ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مَلَّكَهُ سَوَاءٌ أَمَرَهُ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَيْنَ دُخُولِ اللَّامِ عَلَى الْفِعْلِ وَبَيْنَ دُخُولِهَا عَلَى الْعَيْنِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَتَجْرِي فِيهِ

النِّيَابَةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَدُخُولِ الدَّارِ وَضَرْبِ الْغُلَامِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ عَلَى الْعَيْنِ بَلْ يَكُونُ الْيَمِينُ فِيهِمَا لِأَجْلِ اخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت لَك دَارًا أَوْ إنْ دَخَلْت دَارًا لَك أَوْ إنْ ضَرَبْت لَك غُلَامًا أَوْ غُلَامًا لَك وَنَحْوَ ذَلِكَ يَحْنَثُ كَيْفَمَا كَانَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَعَلَى الدُّخُولِ وَالضَّرْبِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَيْ لَوْ دَخَلَتْ اللَّامُ عَلَى الدُّخُولِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَخْ كَانَتْ الْيَمِينُ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَدُخُولِهَا عَلَى الْعَيْنِ وَلِهَذَا عَطَفَ الْعَيْنَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ وَأَقْوَى وُجُوهِهِ الْمِلْكُ فَإِذَا جَاوَزَتْ الْفِعْلَ أَوْجَبَتْ مِلْكَهُ دُونَ الْعَيْنِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَبِنَاءِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْفِعْلِ لِاسْتِحَالَتِهِ وَيُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ بِأَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ تَأْخِيرُهَا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَرَجَّحْنَا الْفِعْلَ بِالْقُرْبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْعَيْنُ تُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَعْيَانَ كُلَّهَا تُمْلَكُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ وَذَكَرَ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُلَامِ الْوَلَدُ دُونَ الْعَبْدِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَالْوَكَالَةَ فَصَارَ نَظِيرَ الْإِجَارَةِ لَا نَظِيرَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْغُلَامُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ } وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَبْدُ لِلْعُرْفِ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَلْزَمُ

بِهِ فَانْصَرَفَ إلَى الْمَحِلِّ الْمَمْلُوكِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ صُدِّقَ فِيمَا عَلَيْهِ ) أَيْ إنْ نَوَى خِلَافَ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ صُدِّقَ فِيمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَفِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك أَوْ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَيُصَدَّقُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدُخُولُ اللَّامِ إلَخْ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ اللَّامَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّمْلِيكِ كَقَوْلِهِمْ الْمَالُ لِزَيْدٍ وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّعْلِيلِ وَهُوَ الْمُنْبِئُ عَنْ الْبَاعِثِ عَلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِمْ فَعَلَتْ هَذَا الْأَمْرَ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاتِك أَيْ لِأَجْلِ ابْتِغَاءِ مَرْضَاتِك فَلَمَّا كَانَ مُشْتَرَكًا يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ أَوْ لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْآخَرِ وَالْأَصْلُ الْآخَرُ أَنَّ تَصْحِيحَ الْكَلَامِ مَعَ مُرَاعَاةِ نَظْمِ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِهِ مَعَ تَغَيُّرِ نِظَامِهِ وَالْأَصْلُ الْآخَرُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ قَدْ يَفْعَلُهُ الْفَاعِلُ تَارَةً لِنَفْسِهِ وَتَارَةً لِغَيْرِهِ وَمَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ لَا يَعْلَمُهُ لِغَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْكَلَامُ فِيهِ لِلْمِلْكِ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ بِعْت لَك هَذَا الثَّوْبَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَدَسَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ فِي ثِيَابِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ بِعْت لِأَجْلِك هَذَا الثَّوْبَ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ لِلتَّمْلِيكِ يَتَغَيَّرُ نَظْمُ الْكَلَامِ لِأَنَّ اللَّامَ حِينَئِذٍ تَصِيرُ صِلَةً لِلثَّوْبِ وَالصِّلَةُ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْصُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَصْحِيحَ الْكَلَامِ مَعَ مُرَاعَاةِ نَظْمِ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِهِ مَعَ تَغْيِيرِهِ فَقُلْنَا مَعْنَاهُ إنْ بِعْت لِأَجْلِك ثَوْبًا لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ النَّظْمُ وَلَمْ يُوجَدْ الْبَيْعُ لِأَجْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ أَمْرِهِ فَلَمْ يَحْنَثْ أَمَّا إذَا قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك يَحْنَثُ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِأَمْرِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّ اللَّامَ ذُكِرَتْ عَقِيبَ الثَّوْبِ فَكَانَتْ لِلتَّمْلِيكِ فَكَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ بَيْعَ ثَوْبٍ مَمْلُوكٍ لِفُلَانٍ لَا الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ وَقَدْ وُجِدَ

بَيْعُ الثَّوْبِ الْمَمْلُوكِ لِفُلَانٍ وَسَوَاءٌ وُجِدَ الْآمِرُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ فِعْلٍ تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ إذَا قَدَّمَ اللَّامَ عَلَى الْعَيْنِ تَكُونُ لِلتَّعْلِيلِ وَإِنْ أَخَّرَ تَكُونُ لِلتَّمْلِيكِ مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ خِطْت لَك قَمِيصًا أَوْ قَمِيصًا لَك أَوْ إنْ صُغْت لَك حُلِيًّا أَوْ حُلِيًّا لَك وَإِنْ اشْتَرَيْت لَك جَارِيَةً أَوْ جَارِيَةً لَك أَوْ إنْ اسْتَأْجَرْت لَك دَارًا أَوْ دَارًا لَك أَوْ إنْ بَنَيْت لَك دَارًا أَوْ دَارًا لَك وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ فِي مَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ إنْ ضَرَبْت لَك عَبْدًا أَوْ إنْ ضَرَبْت عَبْدًا لَك أَوْ إنْ مَسِسْت لَك ثَوْبًا أَوْ إنْ مَسِسْت ثَوْبًا لَك أَوْ دَخَلْت لَك دَارًا أَوْ دَخَلْت دَارًا لَك أَوْ إنْ أَكَلْت لَك طَعَامًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا لَك أَوْ شَرِبْت لَك شَرَابًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا لَك يَحْنَثُ سَوَاءٌ قَدَّمَ اللَّامَ أَوْ أَخَّرَ وَسَوَاءٌ فَعَلَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَجْرِي فِيهَا الْوَكَالَةُ إذْ لَيْسَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُهْدَةٌ يَرْجِعُ بِهَا الْمَأْمُورُ عَلَى الْأَمْرِ فَتَكُونُ اللَّامُ لِلتَّمْلِيكِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَوْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَكِلَا الْفَصْلَيْنِ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ لَكِنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ قَوْلَهُ لَك فِي فِعْلٍ يَجْرِي فِيهِ التَّوْكِيلُ يُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ لِأَجْلِهِ وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ وَإِذَا أَخَّرَ يُرَادُ بِهِ لَامُ التَّمْلِيكِ وَفِي فِعْلٍ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّوْكِيلُ الْأَغْلَبُ أَنَّ الْمُرَادَ لَامُ التَّمْلِيكِ سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ فَأُجْرِيَ الْبَابُ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَغْلَبُ كَلَامِ النَّاسِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ دَسَّ ) يُقَالُ دَسَّ الشَّيْءَ فِي الشَّيْءِ أَيْ أَخْفَاهُ فِيهِ يَدُسُّهُ بِالضَّمِّ دَسًّا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ دَسَّهُ فِي التُّرَابِ دَسًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ دَفَنَهُ فِيهِ وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْفَيْته

فَقَدْ دَسَسْته وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْجَاسُوسِ دَسِيسُ الْقَوْمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَاعَهُ الْحَالِفُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَحْنَثُ ) أَيْ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ إنْ بِعْت ثَوْبًا بِوَكَالَتِك وَأَمْرِك وَلَمْ يُوجَدْ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ دُونَ مِلْكِ الْعَيْنِ ) يَعْنِي وَذَا أَنْ يَفْعَلَهُ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ يَقَعُ لَهُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْفِعْلِ وَالْعَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ تُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ ) أَيْ لَا مِلْكَ الْفِعْلِ فَصَارَ تَقْدِيرُ يَمِينُهُ إنْ بِعْت ثَوْبًا هُوَ مَمْلُوكٌ لَك ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامِ } ) بِالْفَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ بِعْته أَوْ ابْتَعْته فَهُوَ حُرٌّ فَعَقَدَ بِالْخِيَارِ حَنِثَ ) أَيْ لَوْ قَالَ الْمَالِكُ إنْ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَعَقَدَ بِالْخِيَارِ حَنِثَ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَتَقَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ وَلِقِيَامِ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَحْنَثُ وَكَذَا الْمُشْتَرِي مِلْكُهُ قَائِمٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْتَ حُرٌّ فَيَصِيرُ مُخْتَارًا بِذَلِكَ الْإِمْضَاءَ وَلَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِهِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الْمِلْكُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي مِلْكِهِ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ شِرَاءِ الْقَرِيبِ وَبَيْنَ شِرَاءِ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ الْقَرِيبُ بِالشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَيَعْتِقُ الْآخَرُ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ فِي الْقَرِيبِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ إذَا مَلَكَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ مَعَ خِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَنْزِلُ مُعْتَقًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِتَقَدُّمِ التَّعْلِيقِ مِنْهُ وَفِي الْقَرِيبِ لَا يَنْزِلُ لِعَدَمِهِ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَمَا حَلَفَ بَيْعًا بَاتًّا لَمْ يَعْتِقْ

لِأَنَّهُ كَمَا بَاعَهُ تَمَّ الْبَيْعُ فِيهِ وَزَالَ عَنْ مِلْكِهِ وَالْجَزَاءُ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْحَلَّ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَا يَحْنَثُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِهَذَا الشِّرَاءِ مِنْ شَيْءٍ فَكَانَ كَأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يُوجَدْ( قَوْلُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْتَ حُرٌّ إلَخْ ) وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَعْتَقَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مُقْتَضِيًا لِلْإِعْتَاقِ سَابِقًا عَلَيْهِ كَذَا هُنَا كَافِي قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَمَا حَلَفَ بَيْعًا بَاتًّا لَمْ يَعْتِقْ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا بِالْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ ) أَيْ وَكَذَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَبِالْمَوْقُوفِ مِنْهُمَا فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَبِيعَ أَوْ لَا يَشْتَرِيَ أَوْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَشْتَرِيَ فَأَمَّا الْفَاسِدُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْبَائِعَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمِثْلِ غَصْبٍ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَمَا يَتِمُّ الْبَيْعُ يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ كَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْبَاتِّ وَيَنْبَغِي أَنْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ لِمَا قُلْنَا فِي الصَّحِيحِ الْبَاتِّ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَتَقَ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي حَلَفَ بِعِتْقِهِ فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَعْتِقُ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ كَمَا تَمَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ تَتَارَكَا الْبَيْعَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ شِرَاءً صَحِيحًا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ حَقِيقَةً فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِهِ وَارْتَفَعَتْ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ بِالْقَبْضِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ وَلَا بِمَا فِيهِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا أَصْلًا لِأَنَّ الْفَاسِدَ نَاقِصٌ ذَاتًا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ فَكَانَ الشَّرْطُ مَعَهُ وَمَا مِنْ وَجْهٍ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَالْإِيجَابِ بِلَا قَبُولٍ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ كَامِلٌ ذَاتًا لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَالرُّكْنِ وَالْمَحَلِّ وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ لَا يَضُرُّ

كَالْهِبَةِ وَشِرَاءِ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يُقَالُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ إعْدَامٌ قَبْلَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ ذَاتَ الْعَقْدِ مَوْجُودٌ وَأَثَرَ الشَّرْطِ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ لَا فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَنْبَرِمُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَلَوْ كَانَ مُعَلَّقًا لَبَطَلَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَلِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِيهِ الْبَيْعُ حَقِيقَةً لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَمَحِلِّهِ وَكَذَا حُكْمًا عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ فَيَحْنَثُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا مِنْ فُضُولِيٍّ حَنِثَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ شَرْطُ الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ وَالرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ قَبْلَهَا وَلِهَذَا يَسْتَنِدُ الْحُكْمُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ إلَيْهِ وَيَثْبُتُ عِنْدَهَا بِهِ لَا بِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَالنِّكَاحِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْمَوْقُوفُ لِإِفَادَتِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمِلْكُ دُونَ الْحِلِّ وَلِهَذَا تُجَامِعُهُ الْحُرْمَةُ فَيَحْنَثُ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَفِي النِّكَاحِ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ فَبَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْبَيْعِ مِنْهُ حَقِيقَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الشِّرَاءِ وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِالْبَاطِلِ ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَلَا بِالشِّرَاءِ الْبَاطِلِ فِي يَمِينِهِ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا حَتَّى لَا يُفِيدَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعَ وَلَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت الْيَوْمَ شَيْئًا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ حُرٍّ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِخَمْرٍ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ وَلَوْ اشْتَرَى مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ لَهُمَا سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ تُنَافِي الِانْعِقَادَ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِهِ الْقَاضِي يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِأَنَّ قَضَاءَهُ يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الْمَانِعِ مِنْ الْجَوَازِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ فَيَحْنَثُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ إجَازَةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ وُجُودِهِ فَيَمْتَدُّ السَّبَبُ فِيهِ إلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِجَازَةِ يَنْفُذُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمَانِعَ كَانَ مُمْتَدًّا إلَيْهِ فَأَبْطَلَ الْإِيجَابَ فَكَانَ الْقَضَاءُ إبْطَالًا لِذَلِكَ الْمُبْطَلِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْمُدَبَّرِ فِي زَوَالِهِ لَكِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَيُتَصَوَّرُ فِيهِ رِضَاهُ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الْحُرَّ فَبَاعَهُ بَرَّ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ فَانْعَقَدَ عَلَى الْبَاطِلِ وَكَذَا لَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْحُرَّةِ أَوْ أُمِّ الْوَلَدِ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحُرَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فِيهِمَا بِأَنْ تَرْتَدَّ وَتَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ تُسْبَى

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ لَمْ أَبِعْ فَكَذَا فَأَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ حَنِثَ ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ حَنِثَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْبَيْعِ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ وَلَا يُقَالُ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ لِجَوَازِ أَنْ تَرْتَدَّ وَتَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ تُسْبَى وَتُسْتَرَقُّ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أُنْثَى لِأَنَّا نَقُولُ الْحَالِفُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ بَعْدَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ مَوْهُومٌ وَالْأَحْكَامُ لَا تُبْنَى عَلَى الْمَوْهُومَاتِ فَيَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْ الْبَيْعِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ دَبَّرَ ) أَيْ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ رَجُلٌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ ) أَيْ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ لِجَوَازِ أَنْ تَرْتَدَّ إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إذَا عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا لَا يَحْنَثُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُسْبَى بَعْدَ الرِّدَّةِ فَتُبَاعُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ فِي هَذَا الْمِلْكِ وَبِالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْبَيْعِ فِي هَذَا الْمِلْكِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُحَلِّفَةُ ) يَعْنِي إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الَّتِي حَلَّفَتْهُ وَهِيَ الْمُخَاطَبَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا لِكَلَامِهَا فَيَكُونُ مُطَابِقًا لَهُ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ إرْضَاءَهَا وَذَلِكَ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَيُقَيَّدُ بِهِ وَهُوَ وَإِنْ زَادَ فِي الْجَوَابِ لَكِنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَإِنَّمَا تُخْرِجُ الزِّيَادَةُ الْكَلَامَ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا إذَا كَانَتْ لَغْوًا وَهُنَا فِيهَا فَائِدَةٌ وَهُوَ تَطْيِيبُ قَلْبِهَا وَتَسْكِينُ نَفْسِهَا بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ حَتَّى لَا تُؤَوِّلَهُ عَلَى غَيْرِ الَّتِي ظَنَّتْ وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالْعُمُومِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا فَيُعْمَلُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ جَوَابَهُ كَانَ أَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْت فَهِيَ طَالِقٌ فَكَانَ بِالزِّيَادَةِ مُبْتَدِئًا وَجَازَ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ إيحَاشَهَا وَإِلْحَاقَ الْغَيْظِ بِهَا حِينَ اعْتَرَضَتْ عَلَيْهِ فِيمَا أَحَلَّهُ الشَّرْعُ وَمَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا وَلَوْ نَوَى غَيْرَهَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ تُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ دَخَلَتْ الْمُخَاطَبَةُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا

( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَذَكَرُوا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَطْلُقُ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى هَذَا الْقَوْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُطَابِقًا لَهُ ) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرِك أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالِاسْتِثْنَاءُ قَدْ يَكُونُ دَلَالَةً كَمَا يَكُونُ إفْصَاحًا فَتَكُونُ الْمُحَلِّفَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ دَلَالَةً فَيَنْصَرِفُ الطَّلَاقُ إلَى غَيْرِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالْعُمُومِ وَاجِبٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ ا هـ .

( فُرُوعٌ ) قَالَ لِي إلَيْك حَاجَةٌ أَتَقْضِيهَا فَقَالَ نَعَمْ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَالَ حَاجَتِي أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك ثَلَاثًا لَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَلَوْ حَلَفَ لَيُطِيعَنَّهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ وَيَنْهَاهُ عَنْهُ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ جِمَاعِ امْرَأَتِهِ فَجَامَعَهَا الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إنْ كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ تَحْلِيفِهِ عَلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ بِهِ النَّهْيَ عَنْ جِمَاعِ الْمَرْأَةِ عَادَةً كَمَا لَا يُرِيدُونَ النَّهْيَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَكُلُّ طَلَاقٍ يُضَافُ إلَيْهِ يَحْنَثُ بِهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ يَحْنَثُ لَا بِمَا لَا يُضَافُ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي لِلْعُنَّةِ وَاللَّعَّانِ وَلَا بِإِجَازَةِ خُلْعِ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ وَيَحْنَثُ لَوْ أَجَازَهُ بِالْفِعْلِ

قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ الْيَوْمَ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ دَخَلَهَا الْيَوْمَ فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كَانَ رَأَيَانِي دَخَلْت الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ بِقَوْلِهِمَا رَأَيَاهُ دَخَلَ حَتَّى يَشْهَدَ آخَرَانِ غَيْرُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ رَأَيَاهُ دَخَلَ

ادَّعَتْ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَحَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَةٍ أُخْرَى لَهُ مَا هِيَ امْرَأَتُهُ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَقَالَ كَانَتْ امْرَأَتِي وَطَلَّقْتهَا لَا يَحْنَثُ

حَلَفَ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا وَقَضَى بِهَا الْقَاضِي يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِطَلَاقٍ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمَا

حَلَفَ بِطَلَاقٍ وَلَا يَدْرِي حَلَفَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يَتَحَرَّى وَيَعْمَلُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي فَإِنْ اسْتَوَى ظَنُّهُ يَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا

قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ السَّاعَةَ أَوْ زَيْنَبُ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُمَا حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا خُيِّرَ فِي إبْقَائِهِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ

وَلَوْ اُتُّهِمَتْ امْرَأَةٌ بِالسَّرِقَةِ فَأَمَرَتْ زَوْجَهَا أَنْ يَحْلِفَ بِطَلَاقِهَا أَنَّهَا لَمْ تَسْرِقْ فَحَلَفَ فَقَالَتْ قَدْ كُنْت سَرَقْت فَلِلزَّوْجِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مُتَنَاقِضَةً

حَلَفَ إنْ لَمْ يُجَامِعْ امْرَأَتَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا هَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ

حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ ابْنَ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ ابْنٌ فَوُلِدَ لَهُ ابْنٌ فَكَلَّمَهُ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ وُجُودَ الْوَلَدِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَهُمَا وَقْتَ التَّكَلُّمِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ مَاشِيًا فَإِنْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَرَاقَ دَمًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَشْيَ وَهُوَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَيْهَا كَالْوُضُوءِ وَالسَّعْيِ وَالنَّذْرِ بِمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ وَلَهَا نَظِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يُوجِبْهُ الشَّرْعُ لَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ صَارَتْ كِنَايَةً عَنْ إيجَابِ الْإِحْرَامِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذْ النَّاسُ تَعَارَفُوا الْتِزَامَ الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ { وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْتَ عُقْبَةَ حِينَ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَنْ تُحْرِمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ } وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ خَارِجًا مِنْهَا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَارَ كِنَايَةً عَنْ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَالِالْتِزَامُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِأَحَدِهِمَا لِلْعُرْفِ فَإِذَا لَزِمَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ مَشَى وَهُوَ أَكْمَلُ وَفِيهِ إيفَاءٌ بِمَا الْتَزَمَهُ كَمَا الْتَزَمَهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ وَاحِدَةٌ بِسَبْعِمِائَةٍ } وَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ عِبَارَةً عَنْ الِالْتِزَامِ لَكِنْ فِيهِ نَصٌّ عَلَى الْمَشْيِ وَفِي الْمَشْيِ فَضِيلَةٌ فَتُرَاعَى تِلْكَ الصِّفَةُ لِفَضِيلَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَضْرِبَ بِثَوْبِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ

الْتِزَامِ التَّصَدُّقِ بِهِ بِمَكَّةَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضْرِبَ بِهِ الْحَطِيمَ لِعَدَمِ التَّقَرُّبِ بِالضَّرْبِ وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَذَبَحَ شَاةً لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ وَلْتُرِقْ دَمًا } وَكَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَنْوِي مَسْجِدًا مِنْ الْمَسَاجِدِ سِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ إذْ الْمَسَاجِدُ كُلُّهَا بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَحَرَّرَتْ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَكَانَتْ مُعَدَّةً لِإِقَامَةِ طَاعَتِهِ تَعَالَى

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بِخِلَافِ الْخُرُوجِ أَوْ الذَّهَابِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَاللُّزُومُ لِلْعُرْفِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ لِأَنَّ الْحَرَمَ وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ شَامِلٌ لِلْبَيْتِ فَصَارَ ذِكْرُهُ كَذِكْرِهِ بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ بِلَفْظَةِ الذَّهَابُ وَالْخُرُوجُ وَإِنْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى

قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْبَيْتِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْفَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي وَجْهٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ إلَى بَكَّةَ وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَعَارَفٌ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْخُرُوجُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ السَّعْيِ أَوْ السَّفَرِ أَوْ الذَّهَابِ أَوْ الرُّكُوبِ أَوْ الْإِتْيَانِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْحَرَمَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ يَشْمَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْتُ فَإِذَا ذَكَرَ الْبَيْتَ وَحْدَهُ يَلْزَمُهُ فَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَا يَشْمَلُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي لَفْظِ الْمَشْيِ لَيْسَ مَا يُنَبِّئُ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ إلَّا أَنَّ فِي النَّذْرِ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ إلَى مَكَّةَ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالْإِجْمَاعِ خَارِجًا عَنْ الْقِيَاسِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا أَوْ إلَى الْمَرْوَةِ أَوْ إلَى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ ) أَيْ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ أَحُجَّ هَذِهِ السَّنَةَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ حَجَجْت وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ ضَحَّى الْعَامَ بِالْكُوفَةِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ وَلَا يَعْتِقُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْتِقُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ وَهُوَ عَدَمُ الْحَجِّ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّضْحِيَةِ بَاطِلَةٌ إذْ لَا مُطَالَبَ لَهَا وَهِيَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ أَيْضًا فَبَقِيَ النَّفْيُ مَقْصُودًا وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ مَقْصُودًا بَاطِلَةٌ فَإِنْ قِيلَ الشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ إذَا لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمُ الشَّاهِدِ وَأَمَّا إذَا أَحَاطَ بِهَا فَتُقْبَلُ وَهُنَا أَحَاطَ بِهَا عِلْمُ الشَّاهِدِ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ التَّضْحِيَةِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَصَارَ نَظِيرُ شَهَادَتِهِمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى وَهُوَ يَقُولُ وَصَلْت بِهِ قَوْلَ النَّصَارَى قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِإِحَاطَةِ عِلْمِ الشَّاهِدِ بِهِ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ شَهِدَا عَنْ عِلْمٍ أَوْ بَنَيَا عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَمِ قُلْنَا الْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ فَتَرِدُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ عَلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ وَهُوَ السُّكُوتُ فَإِنْ قِيلَ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ فِي الشُّرُوطِ مَقْبُولَةٌ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تُقْبَلُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ قُلْنَا هُوَ الْآخَرُ مُعَايِنٌ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي خَارِجِ الدَّارِ

( قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّضْحِيَةِ بَاطِلَةٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَئِنْ قَالَ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ وَهِيَ إثْبَاتٌ فَمِنْ ضَرُورَتِهَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْحَجِّ ضِمْنًا وَالضِّمْنِيَّاتُ لَا تُعَلَّلُ قُلْنَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِثْبَاتِ إنَّمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَالتَّضْحِيَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا مُطَالِبَ لَهَا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَالْقَاضِي لَا يُجْبِرُ عَلَيْهَا فَثَبَتَ عَدَمُ الْمُطَالِبِ فَلَمَّا انْتَفَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ ثَبَتَ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ وَالشَّهَادَةُ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ لَا تُقْبَلُ لِمَا قُلْنَا ا هـ ( قَوْلُهُ إذْ لَا مُطَالِبَ لَهَا ) أَيْ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ وَهُوَ الْعَبْدُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا يَطْلُبُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُعَلَّقْ بِهَا وَمَا لَا مُطَالِبَ لَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَإِذَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ بَقِيَتْ فِي الْحَاصِلِ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ مَقْصُودًا وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ بَاطِلَةٌ ا هـ كَمَالٌ قَوْلُهُ أَوْ بَنَيَا عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَمِ ) حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ لَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ بِأَنْ يُقَالَ النَّفْيُ إذَا كَانَ كَذَا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَا لَا تَصِحُّ تَيْسِيرًا وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ فِي تَمَيُّزِ نَفْيٍ مِنْ نَفْيٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّيْرِ فَالْقَوْلُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى السُّكُوتِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ فَصَارَ كَشُهُودِ الْإِرْثِ إذَا قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ حَيْثُ يُعْطَى لَهُ كُلُّ التَّرِكَةِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِرْثِ وَالنَّفْيُ

فِي ضِمْنِهِ وَالْإِرْثُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَأَمَّا النَّحْرُ وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا وَنَفْيُ الْحَجِّ فِي ضِمْنِهِ لَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ كَمَا ذَكَرَ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ كَعَدَمِهَا فِي حَقِّهِ فَكَانَ النَّفْيُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِهَا وَأَمَّا مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ تُقْبَلُ فِي الشُّرُوطِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا قُبِلَتْ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الشُّرُوطِ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهَا قَامَتْ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ مُعَايِنٍ وَهُوَ كَوْنُهُ خَارِجًا فَيَثْبُتُ النَّفْيُ ضِمْنًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ كَمَا لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّضْحِيَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ هِيَ شَرْطَ الْعِتْقِ فَلَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ بِهَا كَذَلِكَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَل الشَّرْطَ بَلْ عَدَمُ الدُّخُولِ كَعَدَمِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَمَّا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِمَّا هُوَ مَوْجُودٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْمُدَّعَى بِهِ مِنْ النَّفْيِ الْمَجْعُولِ شَرْطًا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَّعًى بِهِ لِتَضَمُّنِهِ الْمُدَّعَى بِهِ كَذَلِكَ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَةِ التَّضْحِيَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلنَّفْيِ الْمُدَّعَى بِهِ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْجَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تُقْبَلُ ) أَيْ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَنِثَ فِي لَا يَصُومُ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بِنِيَّةٍ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَنَوَى الصَّوْمَ وَأَمْسَكَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ الشَّارِعَ فِي الْفِعْلِ يُسَمَّى فَاعِلًا ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ الْحِنْثُ الْمُتَقَرِّرُ وَلِأَنَّ الْإِمْسَاكَ الْمُسْتَمِرَّ تَكْرَارٌ وَتَكْرَارُ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْحِنْثِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي صَوْمًا أَوْ يَوْمًا بِيَوْمٍ ) أَيْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَصُومُ صَوْمًا أَوْ يَوْمًا بِصَوْمِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الصَّوْمَ مُطْلَقًا بِذَكَرِ الْمَصْدَرِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَالْمُفِيدُ لِحُكْمِهِ شَرْعًا وَفِي قَوْلِهِ يَوْمًا تَصْرِيحٌ فِي تَقْدِيرِهِ بِالْيَوْمِ فَلَا يَحْنَثُ فِيهِمَا إلَّا بِصَوْمِ يَوْمٍ كَامِلٍ( قَوْلُهُ وَقَدْ وُجِدَ ) أَيْ تَمَامُ حَقِيقَتِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي لَا يُصَلِّي بِرَكْعَةٍ ) أَيْ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِرَكْعَةٍ وَهُوَ مَا إذَا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ وَلَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِالشُّرُوعِ اعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْكَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَمَا لَمْ يَأْتِ بِجَمِيعِهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ صَلَّى رُكُوعًا وَلَا صَلَّى سُجُودًا وَإِنَّمَا يُقَالُ صَلَّى رَكْعَةً وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْأَرْكَانِ كُلِّهَا وَبَعْدَهَا تَكْرَارٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ بَعْدَهُ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَتَى يَحْنَثُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ بِنَفْسِ السَّجْدَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي صَلَاةٍ بِشَفْعٍ ) أَيْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِشَفْعٍ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُطْلَقَةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ { لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ }

( قَوْلُهُ وَبَعْدَهَا تَكْرَارٌ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ إذَا تَمَّتْ حَقِيقَتُهُ يُسَمَّى فَاعِلًا وَلِذَا نَزَلَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَابِحًا حَيْثُ أَمَرَّ السِّكِّينَ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ فَقِيلَ لَهُ { قَدْ صَدَّقْت الرُّؤْيَا } بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَقِيقَتُهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالصَّلَاةِ فَلِذَا قَالَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي أَنَّهُ إذَا قَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ حَنِثَ إذَا قَطَعَ وَلَوْ قَطَعَ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَا يَحْنَثُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُودِ تَمَامُ حَقِيقَتِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ { لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ } ) أَيْ نَهْيًا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لَوْ فُعِلَتْ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ صَلَّيْت رَكْعَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَتَقَ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي وَحْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَلَفَ لَا يُصَلِّي رَكْعَةً فَصَلَاةُ الرَّكْعَةِ حَقِيقَةً دُونَ مُجَرَّدِ الصُّورَةِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَلَمْ يَقُلْ رَكْعَةً وَالْبُتَيْرَاءُ تَصْغِيرُ الْبَتْرَاءِ تَأْنِيثُ الْأَبْتَرِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ ثُمَّ صَارَ يُقَالُ لِلنَّاقِصِ وَفِي الْبَيْعِ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْفَرْقُ غَيْرُ خَافٍ ثُمَّ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَهَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ وَهُوَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً يَحْنَثُ

قَبْلَ الْقَعْدَةِ لِمَا ذَكَرْته وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى يَقْعُدَ ا هـ كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْبُتَيْرَاءُ مَا نَصُّهُ أَيْ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ ا هـ كَافِي كَمَالٍ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ وَنُسِجَ فَلَبِسَ فَهُوَ هَدْيٌ ) أَيْ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا إذَا غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ } وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا إذْ غَزْلُ الْمَرْأَةِ وَاللُّبْسُ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ عَلَى مَا مَرَّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْغَزْلَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ بِهِ الْغَاصِبُ وَغَزْلُ الْمَرْأَةِ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الزَّوْجِ عَادَةً وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى قُطْنًا وَغَزَلَتْهُ وَنَسَجَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ مِلْكًا لَهُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ لِأَنَّهَا لَا تَغْزِلُهُ عَادَةً إلَّا لَهُ وَالْمُعْتَادُ كَالْمَشْرُوطِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مِلْكًا لَهَا كَمَا لَوْ غَزَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ فَإِذَا كَانَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ يَكُونُ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَنَسَجَتْهُ وَلَبِسَهُ يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّسَرِّي فَإِنَّ التَّسَرِّي لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ

( قَوْلُهُ وَقَالَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا إذَا غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقُطْنَ أَوْ الْغَزْلَ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنَّهُ هَدْيٌ وَمَعْنَى الْهَدْيِ التَّصَدُّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى الْهَدْيِ هُنَا مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ فَلَا يُجْزِيهِ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ وَقِيلَ فِي إهْدَاءِ قِيمَةِ الشَّاةِ رِوَايَتَانِ فَلَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِنْ نَذَرَ ثَوْبًا جَازَ التَّصَدُّقُ فِي مَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْهَدْيُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَّةَ أَيْ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا لِلتَّصَدُّقِ ثُمَّ إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ ثَوْبًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ نَعَمًا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُهْدِيَ بِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ حَيًّا لَا يَجُوزُ وَلَا يَكُونُ هَدْيًا حَتَّى يُذْبَحُ ثُمَّ إذَا سُرِقَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } وَإِذَا نَذَرَ بِمَا لَا يُنْقَلُ كَالْعَقَارِ يَكُونُ نَذْرًا بِالْقِيمَةِ لِتَعَذُّرِ نَقْلِ الْعَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ ) أَيْ فِيمَا هُوَ فِي الْمِلْكِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ إلَى سَبَبِهِ ) أَيْ مِثْلَ إنْ اشْتَرَيْت كَذَا فَهُوَ هَدْيٌ أَوْ فَعَلَ إنْ تَصَدَّقَ بِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْغَزْلَ سَبَبُ الْمِلْكِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقُطْنَ فِي الْبَيْتِ وَهِيَ تَغْزِلُهُ فَيَكُونُ الْمَغْزُولُ مِلْكًا لَهُ وَالْمُعْتَادُ هُوَ

الْمُرَادُ بِالْأَلْفَاظِ فَالتَّعْلِيقُ تَعْلِيقٌ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لِلزَّوْجِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَمْلِكُهُ بِسَبَبِ غَزْلِك قُطْنَهُ هُوَ هَدْيٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ مِلْكِ الْقُطْنِ وَلَا إلَى الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْوَاجِبُ فِي دِيَارِنَا أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْزِلُ إلَّا مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا فَلَيْسَ الْغَزْلُ سَبَبًا لِمِلْكِهِ لِلْمَغْزُولِ عَادَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ قُلْت جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مُسْتَقِيمٌ فِي حَقِّ بَعْضِ أَهْلِ الرِّيفِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَحْنَثُ ) وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ غَزْلُ الْمَرْأَةِ لَا إلَى مِلْكِيَّتِهِ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا حَتَّى يُضَافَ إلَيْهِ ا هـ كَافِي

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَبِسَ خَاتَمَ ذَهَبٍ أَوْ عَقْدُ لُؤْلُؤٍ لُبْسُ حُلِيٍّ ) أَمَّا الذَّهَبُ فَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلتَّزَيُّنِ فَكَانَ لُبْسُهُ لُبْسَ الْحُلِيِّ وَلِهَذَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرِّجَالِ فَكَانَ كَامِلًا فِي مَعْنَى التَّحَلِّي فَدَخَلَ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْحُلِيِّ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمَ ذَهَبٍ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا عَقْدُ اللُّؤْلُؤِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُهُمَا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ بِحُلِيٍّ إلَّا إذَا كَانَ مُرَصَّعًا حَتَّى لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا بِلُبْسِ غَيْرِ الْمُرَصَّعِ مِنْهُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ لِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ الْخَالِصَ يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْحُلِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَتَسْتَخْرِجُونَ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ اللُّؤْلُؤُ الْخَالِصُ وَقَالَ تَعَالَى { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا } وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالتَّحَلِّي بِهِ إلَّا مُرَصَّعًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْأَيْمَانِ ثُمَّ قِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ لِلرِّجَالِ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ الْخَالِصِ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَكُلٌّ أَفْتَى بِمَا عَايَنَ فِي زَمَانِهِ وَقَالَ فِي الْكَافِي قَوْلُهُمَا أَقْرَبُ إلَى عُرْفِ دِيَارِنَا فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّحَلِّي بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ عَقْدَ زَبَرْجَدٍ أَوْ زُمُرُّدٍ غَيْرِ مُرَصَّعٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا خَاتَمَ فِضَّةٍ ) أَيْ لَا يَكُونُ لُبْسُ خَاتَمِ فِضَّةٍ لُبْسَ حُلِيٍّ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ كَامِلٍ لِأَنَّ الْحُلِيَّ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّزَيُّنِ فَقَطْ وَهَذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَلِهَذَا حَلَّ لِلرَّجُلِ وَلَوْ كَانَ حُلِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا حَلَّ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُلِيًّا كَامِلًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ

مُطْلَقِ الِاسْمِ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ خَاتَمَ الْفِضَّةِ إذَا صِيغَ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ كَانَ ذَا فَصٍّ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ( قَوْلُهُ حَلْيٌ ) الْحَلْيُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ مُفْرَدٌ وَجَمْعُهُ حُلِيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى فُعُولٍ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ مُرَصَّعًا ) التَّرْصِيعُ التَّرْكِيبُ يُقَالُ تَاجٌ مُرَصَّعٌ بِالْجَوَاهِرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ ) وَبِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ اللُّؤْلُؤَ وَكَذَلِكَ الرِّجَالُ وَقَاسَ أَبُو حَنِيفَةَ اللُّؤْلُؤَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُلِيًّا إلَّا بِصِيغَةٍ تُصَاغُ فَكَذَا اللُّؤْلُؤُ لَا يَكُونُ حُلِيًّا إلَّا بِالتَّرْصِيعِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فَعَلَى هَذَا إذَا عَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ فِي عُنُقِهَا شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ غَيْرَ مَصُوغٍ لَا يَحْنَثُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْأَيْمَانِ ) أَيْ لَا اسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ حُلِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا حَلَّ ) أَيْ لِأَنَّ التَّزَيُّنَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَلَوْ لَبِسَ خَلْخَالًا أَوْ دُمْلُوجًا أَوْ سِوَارًا يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ يَلْبَسُهُ النِّسَاءُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ نَفْيُ كَوْنِهِ حُلِيًّا وَإِنْ كَانَ زِينَةً وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ ) أَيْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ ( فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ لَا يَحْنَثُ ) لِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى الْبِسَاطِ أَوْ الْحَصِيرِ لَا يُعَدُّ جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ عَادَةً فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْأَرْضِ فَلَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ ثَوْبُهُ وَهُوَ لَابِسُهُ حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا إلَّا إذَا نَزَعَهُ وَفَرَشَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَالْفِرَاشِ وَكَذَا النَّوْمُ عَلَى فِرَاشٍ فَوْقَ فِرَاشٍ أَوْ الْجُلُوسُ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَ سَرِيرٍ لَا يُعَدُّ جَالِسًا وَلَا نَائِمًا عَلَى الْفِرَاشِ الْأَسْفَلِ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ الْأَسْفَلِ وَذُكِرَ فِي الْكَافِي مَعْزِيًّا إلَى الْمُخْتَلِفِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْنَثُ فِي الْفِرَاشِ فَوْقَ الْفِرَاشِ لِأَنَّهُ نَائِمٌ عَلَيْهِمَا عُرْفًا يُقَالُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشَيْنِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَسَلَّمَ عَلَى جَمْعٍ هُوَ فِيهِمْ وَقَوْلُهُ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّرِيرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ نَكِرَةً كَمَا ذَكَرَهُ يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ الْأَعْلَى لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُنَكَّرَ يَتَنَاوَلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ السَّرِيرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا بِأَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ جُعِلَ عَلَى الْفِرَاشِ قِرَامٌ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ حَنِثَ ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا وَنَائِمًا عَلَى الْفِرَاشِ وَالسَّرِيرِ عَادَةً وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ أَوْ الدُّكَّانِ أَوْ لَا يَجْلِسُ فَبَسَطَ عَلَيْهِ فِرَاشًا أَوْ حَصِيرًا فَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ جَلَسَ حَنِثَ

لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَائِمًا وَجَالِسًا عَلَيْهِمَا وَالنَّوْمُ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِمَا هَكَذَا يَكُونُ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذَا الْفَرَسَ فَوَضَعَ عَلَيْهِ سَرْجًا فَرَكِبَهُ حَنِثَ بِخِلَافِ الْفِرَاشِ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ السَّرِيرِ عَلَى السَّرِيرِ لِأَنَّ الْأَعْلَى مِثْلُ الْأَسْفَلِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْفِرَاشِ وَالْفَارِقُ الْعُرْفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .قَوْلُهُ يُقَالُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشَيْنِ ) أَيْ وَلَا يُقَالُ جَلَسَ عَلَى سَرِيرَيْنِ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَسَلَّمَ عَلَى جَمْعٍ هُوَ فِيهِمْ ) أَيْ بِقَوْلِهِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ فِرَاشٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مُنَكَّرًا لَحَنِثَ لِأَنَّهُ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ أَوْ الدُّكَّانِ إلَخْ ) وَلَوْ بَنَى دُكَّانًا فَوْقَ الدُّكَّانِ أَوْ سَطْحًا فَوْقَ السَّطْحِ انْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ عَنْ الْأَسْفَلِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَعْلَى وَلِذَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ عَلَى سَطْحِ الْكَنِيفِ وَالْإِصْطَبْلِ وَلَوْ بَنَى عَلَى ذَلِكَ سَطْحًا آخَرَ فَصَلَّى عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ حَلَفَ لَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فَمَشَى عَلَيْهَا بِنَعْلٍ أَوْ خُفٍّ حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ مَشَى عَلَى أَحْجَارٍ حَنِثَ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَرْضِ ا هـ كَمَالٌ

( بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا شَرِكَ الْمَيِّتُ فِيهِ الْحَيَّ يَقَعُ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَمَا اُخْتُصَّ بِحَالَةِ الْحَيَاةِ تَقَيَّدَ بِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ ضَرَبْتُك وَكَسَوْتُك وَكَلَّمْتُك وَدَخَلْت عَلَيْك فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِالْحَيَاةِ ) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتُك أَوْ كَسَوْتُك أَوْ دَخَلْت عَلَيْك فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِحَيَاةِ الْمُخَاطَبِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَاطَبِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَهَذَا لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الْحَيَاةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا أَنَّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُمِرَ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ بِالضِّغْثِ وَهُوَ غَيْرُ مُؤْلِمٍ لِأَنَّهُ حُزْمَةٌ صَغِيرَةٌ مِنْ حَشِيشٍ أَوْ رَيْحَانٍ لِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِهِ إكْرَامًا لَهُ وَتَخْفِيفًا عَلَيْهَا وَقِيلَ الضِّغْثُ قَبْضَةٌ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ فَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَالْكِسْوَةُ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِكَفَنِهِ أَحَدٌ ثُمَّ أَخْرَجَهُ السَّيْلُ أَوْ السِّبَاعُ يَكُونُ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِوَرَثَتِهِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ اللُّبْسِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ السَّتْرِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ فَأُلْبِسَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْكِسْوَةِ السَّتْرَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَالْكَلَامُ يُرَادُ بِهِ الْإِفْهَامُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَلَا يُقَالُ { إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِقَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا } فَلَوْلَا أَنَّهُ فِيهِ

مُتَحَقِّقٌ لَمَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ رَدَّتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَتْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّك لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } وَقَالَ تَعَالَى { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } فَلَمْ يَثْبُتْ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَعْظِ الْأَحْيَاءِ وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إذَا أَتَى الْمَقَابِرَ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ دِيَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَمَّا نِسَاؤُكُمْ فَقَدْ نُكِحَتْ وَأَمْوَالُكُمْ فَقَدْ قُسِمَتْ وَدِيَارُكُمْ فَقَدْ سُكِنَتْ فَهَذَا خَبَرُكُمْ عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ وَكَانَ يَقُولُ سَلْ الْأَرْضَ مَنْ شَقَّ أَنْهَارَك وَغَرَسَ أَشْجَارَك وَجَنَى ثِمَارَك فَإِنْ لَمْ تُجِبْك جَوَابًا أَجَابَتْك اعْتِبَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَعْظِ لِلْأَحْيَاءِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخِطَابِ لِلْمَوْتَى وَالْجَمَادَاتِ وَالْغَرَضُ مِنْ الدُّخُولِ إكْرَامُهُ بِتَعْظِيمِهِ أَوْ إهَانَتُهُ بِتَحْقِيرِهِ أَوْ زِيَارَتُهُ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالدُّخُولِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِ لِلزِّيَارَةِ كَالْمَسْجِدِ وَالظُّلَّةِ وَالدِّهْلِيزِ لَا يَكُونُ دُخُولًا عَلَيْهِ إلَّا إذَا اعْتَادَ الْجُلُوسَ فِيهِ لِلزِّيَارَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْكُلُّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَا يُزَارُ هُوَ وَإِنَّمَا يُزَارُ قَبْرُهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزَرُوهَا }

( بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ) ( قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ ) أَيْ أَوْ اسْتِعْمَالُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلتَّأْدِيبِ وَالْإِيلَامِ وَالْأَدَبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يُحِسُّ وَلِذَا كَانَ الْحَقُّ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ مَا يُحِسُّ بِالْأَلَمِ وَالْبِنْيَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَفَرِّقَ الْأَجْزَاءِ بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ الْأَجْزَاءُ بَلْ هِيَ مُخْتَلِطَةٌ بِالتُّرَابِ فَعُذِّبَ جُعِلَتْ الْحَيَاةُ فِي تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا يَأْخُذُهَا الْبَصَرُ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لَقَدِيرٌ وَالْخِلَافُ فِيهِ إنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ عَاقِلٍ الْقَوْلُ بِالْعَذَابِ مَعَ عَدَمِ الْإِحْسَاسِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ وَالصَّالِحِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الْحَيَاةِ ) فَقِيلَ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ مَا يَتَأَلَّمُ لَا الْحَيَاةُ الْمُطْلَقَةُ وَقِيلَ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ا هـ ( قَوْلُهُ بِالضِّغْثِ ) وَالضِّغْثُ فِي اللُّغَةِ مَا جَمَعْته بِكَفِّك مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَانْتَزَعْته قَالَ الشَّاعِرُ وَجَمَعْت ضِغْثًا مِنْ خَلَا مُتَطَيِّبٍ كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْكِسْوَةُ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ ) أَيْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ) أَيْ يُقَالُ كَسَا الْأَمِيرُ فُلَانًا أَيْ مَلَّكَهُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ ) أَيْ فَلَوْ أَنَّهُ كَسَا عَشْرَةَ أَمْوَاتٍ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ لَمْ تُجْزِهِ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ يَصِيرُ هِبَةً قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ هَذَا

اللَّفْظَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُرَادُ بِهِ اللُّبْسُ وَلَا يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُلْبِسُهُ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُلْبِسُ فُلَانًا ثَوْبًا فَأَلْبَسَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَحْنَثُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا ) يَعْنِي بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ ) أَيْ فَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ ا هـ قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ ) أَيْ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَ هَذَا الْحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَذَبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّك لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَعْظِ الْأَحْيَاءِ ) أَيْ لَا لِإِفْهَامِ الْمَوْتَى ا هـ ( قَوْلُهُ فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ ) أَيْ وَبِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِأُولَئِكَ تَضْعِيفًا لِلْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { إنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا } وَلْيُنْظَرْ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ زِيَارَتُهُ ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ دَخَلَ عَلَى حَائِطٍ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ عَلَى شَيْءٍ دُخُولًا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ زِيَارَةَ عَيْنِ الْمَيِّتِ لَا تَكُونُ لِأَنَّ الْمَزُورَ قَبْرُهُ لَا عَيْنُهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا } قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَلَذُّ وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ وَيَسُرُّ يَقَعُ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ الْمَمَاتِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالْجِمَاعِ وَالْكِسْوَةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَمِثْلُهُ التَّقْبِيلُ إذَا

حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ { وَتَقْبِيلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَا أُدْرِجَ فِي الْكَفَنِ } مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الشَّفَقَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَقِيلَ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى تَقْبِيلِ مُلْتَحٍ يَحْنَثُ أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ ا هـ قَوْلُهُ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا } أَيْ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالْحَمْلِ وَالْمَسِّ ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُغَسِّلُ فُلَانًا أَوْ لَا يَحْمِلُهُ أَوْ لَا يَمَسُّهُ حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ كَمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْحَيِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ الْإِسَالَةُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ وَالْمَيِّتُ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَمَلَهُ رَجُلٌ وَصَلَّى لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُنَافِيهِ الْمَوْتُ وَكَيْفَ يُنَافِيهِ وَغُسْلُهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ وَالْحَمْلُ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ حَمَلَ مَيِّتًا فَلْيَتَوَضَّأْ } وَالْمَسُّ لِلتَّعْظِيمِ أَوْ الشَّفَقَةِ فَيَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ( قَوْلُهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ ) قَالَ الْكَمَالُ أَوْ إزَالَةُ الْوَسَخِ وَالْكُلُّ يَتَحَقَّقُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا فَفَعَلَ بِهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمُلَاعَبَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُمَازَحَةً لَا ضَرْبًا عَادَةً وَقِيلَ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا لَوْ وَجَأَهَا أَوْ قَرَصَهَا وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ ضَرْبًا وَأُجِيبَ بِمَا عُلِّلَ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِهِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَذَلِكَ وَفِي الْمُنْتَقَى حَلَفَ لَا يَضْرِبُ فُلَانًا فَنَفَضَ ثَوْبَهُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَأَدْمَاهُ أَوْ نُشَّابَةٍ فَأَصَابَتْهُ لَا يَحْنَثُ وَاسْتَشْكَلَ يَمِينُ الضَّرْبِ بِأَنَّهَا إمَّا إنْ تَعَلَّقَتْ بِصُورَةِ الضَّرْبِ عُرْفًا فَهُوَ إيقَاعُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْخَنْقِ وَمَدِّ الشَّعْرِ وَالْعَضِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ ضَرْبًا أَوْ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِيلَامُ فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ بِالرَّمْيِ بِالْحَجَرِ أَوْ بِهِمَا فَيَحْنَثُ بِالضَّرْبِ مَعَ الْإِيلَامِ مُمَازَحَةً لَكِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ إشْكَالٌ وَارِدٌ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ حُصُولُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الضَّرْبُ لَفْظًا وَعُرْفًا مِثَالُهُ حَلَفَ لَا يَبِيعُ كَذَا بِعَشْرَةٍ فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ عُرْفًا لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ لَفْظًا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ بِعَشْرَةٍ أَوْ بِأَقَلَّ بَلْ بِأَكْثَرَ وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ لَفْظًا لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ فَقَدْ بَاعَهُ بِعَشْرَةٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عُرْفًا فَلَا يَحْنَثُ غَيْرُ دَافِعٍ بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ هَذَا يَعْنِي الْحِنْثَ إذَا كَانَ فِي الْغَضَبِ أَمَّا إذَا فَعَلَ فِي الْمُمَازَحَةِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ أَدْمَاهَا لَكِنْ لَا عَلَى قَصْدِ الْإِدْمَاءِ بَلْ وَقَعَ خَطَأً فِي الْمُمَازَحَةِ بِالْيَدِ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا إذَا كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ

بِمَدِّ الشَّعْرِ وَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظْمُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَكَذَا وَهُوَ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِهِ حَنِثَ ) أَيْ إذَا قَالَ شَخْصٌ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ عَالِمًا بِمَوْتِهِ حِينَ حَلَفَ حَنِثَ لِلْحَالِ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ إذْ الرُّوحُ لَا تَمُوتُ فَيُمْكِنُ قَتْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِلْعَجْزِ عَادَةً كَمَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ كَمَا بَيَّنَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مَفْقُودٍ فِي الْكُوزِ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَحْدَثَ فِيهِ مَاءً فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْتَ الْحَلِفِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ فُلَانٍ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ الْقَتْلِ فِي فُلَانٍ فَإِذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ فُلَانٌ فَكَانَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مُتَوَهَّمًا وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ فَإِنَّ يَمِينَهُ لَا يَنْعَقِدُ لِمَا أَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى تَفْوِيتِ حَيَاةٍ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ زَمَانَ الْحَلِفِ فَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ فِيهِ حَيَاةً لَا تَكُونُ هِيَ حَيَاةً حَلَفَ عَلَى تَفْوِيتِهَا لِأَنَّ هَذِهِ مَوْجُودَةٌ وَتِلْكَ مَعْدُومَةٌ

( قَوْلُهُ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ ) أَيْ عَلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالنَّظَرِ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِعَجْزِهِ عَادَةً عَنْ قَتْلِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إذْ الرُّوحُ لَا تَمُوتُ ) لَكِنَّهُ زَالَ عَنْ قَلْبِ فُلَانٍ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ ) أَيْ فَعِنْدَهُ تَنْعَقِدُ وَيَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَا حِنْثَ إذْ لَا انْعِقَادَ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا دُونَ الشَّهْرِ قَرِيبٌ وَهُوَ وَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ ) لِأَنَّ مَا دُونَ الشَّهْرِ يُعَدُّ قَرِيبًا عَادَةً وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ يُعَدُّ بَعِيدًا عَادَةً حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الزُّيُوفَ دَرَاهِمُ حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّ فِيهَا عَيْبًا وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسِيَّةَ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَكَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ يَجُوزُ وَلَوْلَا أَنَّهُ حَقُّهُ لَمَا جَازَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِبْدَالًا بِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا فَإِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ حَقِّهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ بِانْتِقَاضِ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ وَقَبْضُ الْمُسْتَحِقِّ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ الْمُسْتَحِقُّ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ جَازَ فَقَدْ وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْبِرِّ فَيَبَرُّ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْبِرِّ حَيْثُ قُلْتُمْ يُنْتَقَضُ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِالرَّدِّ أَوْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبِرُّ قُلْنَا لَوْ لَمْ يُنْتَقَضُ الْقَبْضُ لَتَضَرَّرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْجَوْدَةِ وَحْدَهَا وَلَا اسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ مَعَ بَقَاءِ الِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ النَّقْضُ ضَرُورَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ فِي حَقِّ الْبِرِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا ) أَيْ لَوْ وَجَدَهُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ

بِهِمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ وَلَوْ تَجَوَّزَ بِهِمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لَا يَجُوزُ لِحُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ هِيَ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا النُّحَاسُ فَصَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ النُّحَاسِ وَالزُّيُوفُ هُوَ الرَّدِيءُ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ أَرْدَأُ مِنْهُ يَرُدُّهُ التُّجَّارُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ فِضَّةً وَالْأَقَلُّ سَتُّوقَةً لَا يَحْنَثُ وَبِالْعَكْسِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْغَالِبِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ أَوْ عَاجِلًا فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الشَّهْرِ حَنِثَ وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ أَوْ آجِلًا فَهُوَ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ شَهْرٍ وَعَلَى الشَّهْرِ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ قَصَدَ الطِّبَاقَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَمَا فَوْقَهُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا مَاتَ لِشَهْرٍ فَصَاعِدًا مِنْ حِينِ حَلَفَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ بِلَا غَايَةٍ مَحْدُودَةٍ إلَّا الْمَوْتَ فَإِنْ مَاتَ لِأَقَلَّ مِنْهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَيْسَ فِي يَمِينِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ تَقْدِيرٌ لِأَنَّهُ إضَافِيٌّ فَكُلُّ مُدَّةٍ قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهَا وَبَعِيدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا دُونَهَا وَمُدَّةُ الدُّنْيَا كُلُّهَا قَرِيبَةٌ بِاعْتِبَارٍ وَبَعِيدَةٌ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِحِنْثِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ وَقُلْنَا هُنَا وَجْهَانِ مِنْ الِاعْتِبَارِ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ وَلَا ضَبْطَ فِيهَا كَمَا ذَكَرْت وَاعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ وَالْعُرْفُ يَعُدُّ الشَّهْرَ بَعِيدًا فَإِنَّهُ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ شَهْرٍ عِنْدَ اسْتِبْعَادِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ النِّيَّةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فَأَمَّا إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ وَإِلَى بَعِيدٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى حَتَّى لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ أَوْ عَاجِلًا سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ إلَى آخِرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ سَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ عَلَى الدَّفْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ أَنَّ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا ) أَيْ تَسَامَحَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ النَّقْضُ ضَرُورَةً إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ قَبْضُ الدَّرَاهِمِ

الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ جَازَ وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ الدَّفْعَ جَازَ فَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الزَّيْفَ أَوْ النَّبَهْرَجَةَ أَوْ اسْتَرَدَّ الْمُسْتَحِقُّ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فِي حَقِّ كُلِّ حُكْمٍ يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ وَالْبِرُّ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ إذَا رَدَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ زَيْفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ اسْتَرَدَّ الْبَدَلَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يُنْقَضُ الْعِتْقُ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَقْضِيَّةُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يَسْتَبْدِلْ الْجِيَادَ فِي الْيَوْمِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَقَعْ بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ سَتُّوقَةً ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالسَّتُّوقَةُ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ وَمَعْنَاهَا ثَلَاثُ طَاقَاتٍ لِأَنَّهَا صُفْرٌ مُمَوَّهٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِالْفِضَّةِ قَالَ الْكَمَالُ وَالسَّتُّوقَةُ الْمَغْشُوشَةُ غِشًّا زَائِدًا وَهِيَ تَعْرِيبُ سي توقة أَيْ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ طَبَقَتَا الْوَجْهَيْنِ فِضَّةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا نُحَاسٌ وَنَحْوُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالنَّبَهْرَجَةُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَغِشُّهَا أَكْثَرُ مِنْ الزُّيُوفِ يَرُدُّهُ مِنْ التُّجَّارِ الْمُسْتَقْصِي وَيَقْبَلُهُ السَّهْلُ مِنْهُمْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ ) أَيْ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ قَضَاءٌ لِلدَّيْنِ حَتَّى يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إذْ نَفْسُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ فَكَانَ غَيْرُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بِقَبْضِهِمَا فَكَانَ آخِرُهُمَا قَضَاءً لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَحْنَثُ الْآخَرُ فِي يَمِينِهِ لَا يَقْضِي دَيْنَهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ هُنَا فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِهِ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْبِرِّ وَلَا يُقَالُ شَرْطُ الْقَبْضِ لِيَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ بِعَرْضِيَّةِ السُّقُوطِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّا نَقُولُ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ لَا يَرْتَفِعُ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ وَانْتِقَاضِ الْمُقَاصَّةِ وَعَوْدِ الدَّيْنِ عَلَى مَا كَانَ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِذَا قَبَضَهُ وَكَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الطَّالِبُ أَمَةَ الْمَطْلُوبِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْمَطْلُوبِ دَيْنٌ بِالْجِنَايَةِ أَوْ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الطَّالِبُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ ) أَيْ بَاعَ الْحَالِفُ الْمَدْيُونُ رَبَّ الدَّيْنِ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْحَالِفِ عَبْدًا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ إنْ لَمْ أَقْضِ دَرَاهِمَك الَّتِي لَك عَلَيَّ فَعَبْدِي حُرٌّ فَيَبِيعُهُ بِهَا عَبْدًا ثُمَّ يَقْضِيهِ قَالَ قَدْ قَضَاهُ وَقَدْ بَرَّ وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يَبَرَّ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِالْمُقَاصَّةِ وَقَدْ حَصَلَتْ الْمُقَاصَّةُ فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ بَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ رَبِّ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ وَالْقَضَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَكِنْ مَا يَقْبِضُهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْعَيْنِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمَدْيُونِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدْيُونِ مِثْلُهُ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَانَ آخِرُهُمَا قَضَاءً لِلْأَوَّلِ ) وَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي آخِرَ هَذَا الْبَابِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحُدُودِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ ) أَيْ قَبَضَ الدَّائِنُ الْعَبْدَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ) أَيْ لِيَتَأَكَّدَ الْبَيْعُ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ الْبِرُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ ) أَيْ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا الْهِبَةُ ) أَيْ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا تَكُونُ قَضَاءً لِلدَّيْنِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ الْمَطْلُوبِ وَالْهِبَةَ إسْقَاطُ الدَّيْنِ مِنْ الطَّالِبِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُقَاصَّةُ فَنُبْطِلُ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَأَبْرَأَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَفِيهِ مَاءٌ فَأُرِيقَ قَبْلَ اللَّيْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِشُعَبِهَا وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ وَقْتَ وُجُوبِهِ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا غَدًا فَمَاتَ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ إنْ رَأَيْت فُلَانًا وَلَمْ أُعْلِمْك بِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَرَآهُ مَعَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْكُلِّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ وَيَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ وَمِنْ جُمْلَةِ فُرُوعِهَا مَا إذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِينِي الْيَوْمَ صَدَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ صَدَاقَك فَأُمُّك طَالِقٌ فَالْحِيلَةُ فِي هَذَا حَتَّى لَا يَحْنَثَا أَنْ تُصَالِحَ أَبَاهَا بِثَوْبٍ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْأَبُ فَلِأَنَّهَا مَا وَهَبَتْ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ وَأَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ فِي آخِرِ النَّهَارِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالصُّلْحِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا ) لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ قَبْضُ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ

أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّهُ فَمَا دَامَ عِنْدَ الْمَدِينِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ بَاقِيًا لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ قَبْضِ الْكُلِّ وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ الْيَوْمَ فَقَبَضَ الْبَعْضَ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَخْذُ الْكُلِّ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ قَالَ إنْ قَبَضْت مِنْ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ حَنِثَ وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ أَخَذْت مِنْهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُنَا قَبْضُ الْبَعْضِ مِنْ الدَّيْنِ مُتَفَرِّقًا وَفِي الْأَوَّلِ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفَرُّقِ وَلَوْ قَبَضَ الْكُلَّ جُمْلَةً ثُمَّ وَجَدَ بَعْضَهَا سَتُّوقَةً فَرَدَّ لَمْ يَحْنَثْ بِالرَّدِّ مَا لَمْ يَسْتَبْدِلْ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْكُلِّ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَدَلَ فَإِذَا قَبَضَهُ وُجِدَ قَبْضُ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ بَعْضَهَا زُيُوفًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بَرَّ حِينَ وُجِدَ قَبْضُ الْكُلِّ وَبِالرَّدِّ لَمْ يُنْتَقَضْ الْقَبْضُ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ ) أَيْ لَا يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهُ مُتَفَرِّقًا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ فِي وَزْنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزَنَاتِ بِعَمَلٍ غَيْرِ الْوَزْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّفْرِيقِ لَا يُسَمَّى تَفْرِيقًا عَادَةً وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ فَنَزَعَهُ لِلْحَالِ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا لِلْحَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ

( قَوْلُهُ أَنْ تُصَالِحَ ) بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ تُصَالِحَ زَوْجَهَا فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي تُصَالِحَ عَائِدٌ لِلزَّوْجَةِ فَتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ أَبَاهَا ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا هُوَ فِي النِّهَايَةِ وَقَدْ عَزَا الْمَسْأَلَةَ فِيهَا لِلْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِي لِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ فَأُمُّك طَالِقٌ الْحِيلَةُ فِي أَنْ لَا يَحْنَثَا تُصَالِحُ أَبَاهَا عَنْ مَهْرِهَا بِثَوْبٍ مَلْفُوفٍ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَا يَحْنَثُ الْأَبُ لِأَنَّهَا لَمْ تَهَبْ وَلَمْ يَحْنَثْ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالصُّلْحِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضُ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَالدَّيْنُ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضُ كُلَّ دَيْنِي بِصِفَةِ التَّفَرُّقِ فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قَبْضِ الْبَعْضِ الْآخَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِتَمَامِ الْقَبْضِ مُتَفَرِّقًا غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّفَرُّقُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِتَعَذُّرِ الْوَزْنِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزْنَتَيْنِ إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَكَانَ الْوَزَنَاتُ كَوَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَشَاغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ مَجْلِسُ الْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ أَخَذْتهَا مِنْك الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ

حِنْثِهِ أَخْذُ كُلِّ الْمِائَةِ عَلَى التَّفْرِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ أَخَذْت كُلَّ الْمِائَةِ مُتَفَرِّقَةً فَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفْرِيقِ فَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْكُلَّ مُجْتَمِعًا أَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ مُتَفَرِّقًا لَمْ يَحْنَثْ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ ا هـ ( قَوْلُهُ مُتَفَرِّقًا ) أَيْ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَبَضَ الْكُلَّ جُمْلَةً ) أَيْ وَقَدْ كَانَ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ ( قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهُ مُتَفَرِّقًا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ قَبْضُ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَزَنَ خَمْسِينَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ وَزَنَ خَمْسِينَ أُخْرَى فَدَفَعَهَا إلَيْهِ حَصَلَ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفْرِيقِ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَ هَذَا قَبْضُ الْجُمْلَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيَقُولُونَ قَبَضَ فُلَانٌ حَقَّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ الْمُوجِبُ لِلِاتِّحَادِ وَهُوَ الْمَجْلِسُ مَوْجُودٌ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا لِلْحَالِ ) وَأَوْضَحَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَسْأَلَةَ بِالْعَدَدِيَّاتِ فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ شَيْئًا عَدَدِيًّا فَجَعَلَ يَعُدُّ عَشْرَةً عَشْرَةً أَوْ مِائَةً مِائَةً وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَيُعْتَبَرُ قَابِضًا جُمْلَةً وَالْمَعْنَى كَوْنُ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ غَيْرَ مُمْكِنٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةً أَوْ غَيْرَ أَوْ سِوَى فَكَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِمُلْكِهَا أَوْ بَعْضِهَا ) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سِوَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ إذَا كَانَ مَا لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ دُونَهَا لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ فَكَانَ شَرْطُ حِنْثِهِ مِلْكُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى الْمِائَةَ صَارَ الْمُسْتَثْنَى بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ خَارِجًا عَنْ الْيَمِينِ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كُنْت أَمْلِكُ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا عَشْرَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى وَلَوْ مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى خَمْسِينَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ لَا يَحْنَثُ بِمِلْكِ مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ وَلَوْ قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ يَنْصَرِفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا ) لِأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ مُطْلَقًا فَيَتَنَاوَلُ فَرْدًا شَائِعًا فِي جِنْسِهِ فَيَعُمُّ الْجِنْسَ كُلَّهُ ضَرُورَةَ شُيُوعِهِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ شَائِعًا فِي الْجِنْسِ بَلْ فِي الْبَعْضِ الْمُنْتَفِي

( قَوْلُهُ لِأَنَّ غَرَضَهُ ) أَيْ مِنْهُ عُرْفًا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِمَالٍ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَهُ عُرُوضٌ وَضِيَاعٌ وَدُورٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَمْ يَحْنَثْ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِزَمَانٍ كَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ تَتَوَقَّتُ يَمِينُهُ بِذَلِكَ الزَّمَانِ فَبَعْدَ ذَلِكَ تَنْحَلُّ وَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ بَلْ فِي الْبَعْضِ الْمُنْتَفِي ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ تَعُمُّ ضَرُورَةً وَهُنَا قَدْ وَقَعَتْ فَتَعُمُّ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ نَكِرَةٍ أَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ فَظَاهِرَةٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْحَدَثِ وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى النَّكِرَةِ فَلِكَوْنِهَا هِيَ الْأَصْلَ وَإِنَّمَا الْمَعْرِفَةُ بِعَارِضٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَيَفْعَلَنَّهُ بَرَّ بِمَرَّةٍ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ بِفِعْلِهِ مَرَّةً لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ فِعْلًا وَاحِدًا وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ فَيُخَصُّ وَيَحْنَثُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فِي عُمُرِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ هَذَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ وَلَمْ يَفْعَلْ فِيهِ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْإِمْكَانُ بَاقِيًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَبْقَ بِأَنْ وَقَعَ الْإِيَاسُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ الْمَحِلِّ لِأَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِذَا مَاتَ الْفَاعِلُ أَوْ فَاتَ الْمَحِلُّ اسْتَحَالَ الْبِرُّ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي فَوْتِ الْمَحِلِّ

( قَوْلُهُ وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي فَوْتِ الْمَحِلِّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا التَّوْقِيتُ فِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ وَالْيَوْمُ بَاقٍ أَمَّا إذَا مَضَى الْيَوْمُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَا قَائِمَيْنِ لِفَوَاتِ الْبِرِّ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا إذَا هَلَكَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الرَّغِيفُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ اخْتَلَفُوا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً مِثْلَ لَآكُلَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ سَقَطَتْ بِفَوَاتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا سَلَفَ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَلَوْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ جُنَّ الْحَالِفُ فِي يَوْمِهِ حَنِثَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ حَلَّفَهُ وَالٍ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ وَشَرِّ غَيْرِهِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ أَوْ الْقَتْلِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّفْعُ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ فَيُؤْذِيَهُ أَوْ يَسْعَى فِي أَذِيَّتِهِ عِنْدَ أُولِي الْأَمْرِ وَقَوْلُهُ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا مُرَادُهُ كُلُّ دَاعِرٍ يَعْرِفُهُ أَوْ فِي بَلَدِهِ أَوْ دَخَلَ الْبَلَدَ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ الدَّاعِرَ وَلَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلِفُ أَوْ عُزِلَ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ بَلْ بِالْيَأْسِ عَنْ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا فَلَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَّفَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ أَوْ الْكَفِيلَ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ يَتَقَيَّدُ بِالْخُرُوجِ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ وَوِلَايَةُ الْمَنْعِ حَالَ قِيَامِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِذْنِ أَوْ حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَخَرَجَتْ بَعْدَمَا أَبَانَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بَعْدَمَا أَبَانَهَا حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ دَلَالَةُ التَّقْيِيدِ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ دَاعِرٌ ) بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْخَبِيثُ الْمُفْسِدُ مِنْ النَّاسِ وَجَمْعُهُ دُعَّارٌ مِنْ الدَّعْرِ وَهُوَ الْفَسَادُ يُقَالُ دَعِرَ الْعُودُ يَدْعَرُ دَعْرًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا فَسَدَ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتَقَيَّدُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَهُنَا تَقَيَّدَ بِحَالِ الْوِلَايَةِ بِدَلِيلِ غَرَضِ الْوَالِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ ) أَيْ دَفْعُ شَرِّ الدَّاعِرِ الَّذِي رَفَعَ خَبَرَهُ إلَى الْوَالِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَشَرِّ غَيْرِهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا زُجِرَ وَأُدِّبَ يَنْزَجِرُ غَيْرُهُ ا هـ كَمَالٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) أَيْ وَإِذَا سَقَطَتْ الْيَمِينُ لَا تَعُودُ وَلَوْ عَادَ إلَى الْوِلَايَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ فَيُؤْذِيَهُ ) أَيْ لِتَقَدُّمِ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ حُكِمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ فَالدَّاعِي يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ فَوْرَ عِلْمِهِ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ ) أَيْ وَإِذَا زَالَ الدَّيْنُ وَالزَّوْجِيَّةُ سَقَطَا ثُمَّ لَا تَعُودُ الْيَمِينُ بِعَوْدِهِمَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِذْنِ ) أَيْ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْيِيدِهِ بِزَمَانِ الْوِلَايَةِ فِي الْإِذْنِ وَكَذَا الْحَالُ فِي حَلِفِهِ عَلَى الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِك طَالِقٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهَا طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّدْ يَمِينُهُ

بِبَقَاءِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَقَيَّدُ بِهِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الْإِذْنِ وَالْمَنْعُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يَبَرُّ بِالْهِبَةِ بِلَا قَبُولٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ مَثَلًا يَبَرُّ بِقَوْلِهِ لِرَجُلٍ وَهَبْتُهُ لَك وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فَيَتِمُّ بِالْوَاهِبِ وَالْقَبُولُ شَرْطُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَشَرْطُ الْحِنْثِ الْهِبَةُ لَا حُكْمُهَا وَلِهَذَا يُقَالُ وَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ حَمْلُ نَفْسِهِ عَلَى إظْهَارِ السَّمَاحَةِ وَالْجُودِ وَهِيَ تَمْلِيكٌ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَتُقْبَضْ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَتِمُّ بِلَا تَمَلُّكٍ وَهُوَ الْقَبُولُ وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَكَمَالُهَا بِالْقَبُولِ أَوْ بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَثْبُتُ قَبْلَ الْقَبُولِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمِنَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَمَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ عَبْدًا ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا مَلَكَهُ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ وَنَظِيرُ الْهِبَةِ الصَّدَقَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْإِقْرَارُ وَفِي الْقَرْضِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَظِيرُ الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَالرَّهْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَيَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ وَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ يَاسَمِينًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ اسْمٌ لِنَبَاتٍ لَا سَاقَ لَهُ وَلَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ عُرْفًا وَلَهُمَا سَاقٌ وَلَيْسَ لَهُمَا رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وَإِنَّمَا الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ لِزَهْرِهِمَا لَا لَهُمَا فَأَشْبَهَا التُّفَّاحَ وَالسَّفَرْجَلَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانِ } بَعْدَمَا ذَكَرَ الشَّجَرَ بِقَوْلِهِ { وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } وَالشَّجَرُ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ مِنْ النَّبَاتِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي الرَّيْحَانُ اسْمٌ لِمَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا سَاقَ لَهُ لُغَةً وَعُرْفًا وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَمِّ الْآسِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الرَّيَاحِينِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْبَنَفْسَجُ وَالْوَرْدُ عَلَى الْوَرَقِ ) أَيْ اسْمُ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ يَقَعُ عَلَى الْوَرَقِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ وَرْدًا فَاشْتَرَى وَرَقَهُمَا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُمَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَلَى الْوَرَقِ دُونَ الدُّهْنِ فِي عُرْفِنَا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ اشْتَرَى وَرَقَ الْبَنَفْسَجِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الْبَنَفْسَجِ إذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ الدُّهْنُ وَيُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ هُوَ بِشِرَائِهِ مُشْتَرِيًا لِلْبَنَفْسَجِ أَيْضًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْوَرَقَ يَحْنَثُ أَيْضًا وَهَذَا شَيْءٌ يَنْبَنِي عَلَى الْعُرْفِ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بَائِعُ الْوَرَقِ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ بَائِعُ الدُّهْنِ فَبَنَى الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ شَاهَدَ الْكَرْخِيُّ عُرْفَ أَهْلِ بَغْدَادَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بَائِعَ الْوَرَقِ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ أَيْضًا فَقَالَ يَحْنَثُ بِهِ

وَقَالَ وَهَكَذَا فِي دِيَارِنَا أَعْنِي فِي الْمَبْسُوطِ وَلَا يُقَالُ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ مَجَازًا بَلْ فِيهِمَا حَقِيقَةً أَوْ يَحْنَثُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْيَاسَمِينُ قِيَاسُ الْوَرْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الدُّهْنَ لِأَنَّ دُهْنُهُ يُسَمَّى زَنْبَقًا لَا يَاسَمِينًا وَكَذَا الْحِنَّاءُ يَتَنَاوَلُ الْوَرَقَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَقَالَ فِي الْكَافِي الْحِنَّاءُ فِي عُرْفِنَا تَقَعُ عَلَى الْمَدْقُوقِ

كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَشَمُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشَّيْنِ مُضَارِعُ شَمِمْت الطَّيِّبَ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ الْفَصِيحَةُ وَأَمَّا شَمَمْته أَشُمُّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ فَقَدْ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ هُوَ خَطَأٌ وَصُحِّحَ عَدَمُهُ فَقَدْ نَقَلَهَا الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ فَصَيْحَةً ثُمَّ يَمِينُ الشَّمِّ تَنْعَقِدُ عَلَى الشَّمِّ الْمَقْصُودِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ طِيبًا فَوَجَدَ رِيحَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ وَصَلَتْ الرَّائِحَةُ إلَى دِمَاغِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ وَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ آسًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الرَّيَاحِينِ حَنِثَ وَإِنْ شَمَّ الْيَاسَمِينَ أَوْ الْوَرْدَ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّيْحَانَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا لِسَاقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَمَا لِوَرَقِهِ كَالْآسِ وَالْوَرْدَ مَا لِوَرَقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَحَسْبُ كَالْيَاسَمِينِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَا كَانَ أَخْضَرَ فَهُوَ رَيْحَانٌ مِثْلُ الْآسِ وَالشَّاه سفرم وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِرَيْحَانٍ وَعَلَّلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ اسْمٌ لِمَا لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ مِنْ الْبُقُولِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَهُوَ مَوْضُوعُ ذَلِكَ لُغَةً وَقَلَّدَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَا وَالْيَاسَمِينُ وَالْوَرْدُ لَهُمَا سَاقٌ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي قَوَانِينِ اللُّغَةِ الرَّيْحَانُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَصْلًا وَلَئِنْ صَحَّ مَا قَالُوا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْآسِ لِأَنَّ لَهُ سَاقًا وَلَيْسَ مِنْ الْبُقُولِ أَيْضًا وَقَدْ نَصَّ الْحَاكِمُ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ

الرَّيْحَانُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانِ } فَالْعَصْفُ سَاقُ الزَّرْعِ وَالرَّيْحَانُ وَرَقُهُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ كُلُّ مَا طَابَ رِيحُهُ مِنْ النَّبَاتِ فَهُوَ رَيْحَانٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَاسَمِينٌ مَا نَصُّهُ سِينُهُ مَكْسُورَةٌ ا هـ تَحْرِيرٌ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ لِزَهْرِهِمَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي دِيَارِنَا إهْدَارُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ مُتَعَارَفٌ لِنَوْعٍ وَهُوَ رَيْحَانُ الْحَمَاحِمِ وَأَمَّا كَوْنُ الرَّيْحَانِ الترنجي مِنْهُ فَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَنَّهُمْ يُلْزِمُونَهُ التَّقْيِيدَ فَيَقُولُونَ رَيْحَانٌ ترنجي وَعِنْدَ مَا يُطْلِقُونَ اسْمَ رَيْحَانٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْحَمَاحِمُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِعَيْنِ ذَلِكَ النَّوْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْبَنَفْسَجُ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ ا هـ مِعْرَاجٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى دُهْنِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْمُعَادَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ وَفِي عُرْفِهِمْ إذَا ذَكَرُوا الْبَنَفْسَجَ يُرَادُ بِهِ دُهْنُهُ لَا وَرَقُهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَمَّا فِي بِلَادِنَا فَلَا يَقَعُ عَلَى الدُّهْنِ إلَّا أَنْ يُنْوَى ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَيَجِبُ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ إلَّا عَلَى نَفْسِ النَّبَاتِ فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّهْنِ أَصْلًا كَمَا فِي الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى شِرَائِهِمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْوَرَقِ لِأَنَّهُمَا اسْمٌ لِلْوَرَقِ وَالْعُرْفُ مُقَرِّرٌ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْبَنَفْسَجِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ ) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ لَهُ السَّابِقَةِ كَأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِلْفُضُولِيِّ حُكْمُ الْوَكِيلِ وَلِلْمُجِيزِ حُكْمُ الْمُوَكِّلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِالْفِعْلِ لَا ) أَيْ لَوْ أَجَازَ بِالْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ يَحْنَثُ لِمَا أَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَنْفُذُ بِالرِّضَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ التَّزَوُّجُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ بِبَعْضِ الْأَفْعَالِ كَالْوَطْءِ وَإِيفَاءِ الْمَهْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا بِالْعَقْدِ لَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ يُجَانِسُ الْعَقْدَ فَأَمْكَنَ إلْحَاقُهُ بِهِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهُ ثُمَّ حَلَفَ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجَازَةِ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَفِيهِ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَبِالْإِجَازَةِ أَوْلَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ وَالْإِجَازَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضَافٌ إلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إذْنِهِ لِمِلْكِهِ وَوِلَايَتِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ابْنِهِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَيْنِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُمَا فَيَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْفِعْلِ وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ الْعَقْدَ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْعَبْدَ أَوْ الِابْنَ فَزَوَّجَهُ مَوْلَاهُ وَهُوَ كَارِهٌ أَوْ أَبُوهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ حَيْثُ لَا يَحْنَثَانِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ حَقِيقَةً دُونَهُمَا

ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ابْنِهِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَيْنِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا ) لَكِنْ إذَا عَقَدَ النِّكَاحَ فُضُولِيٌّ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ وَأَجَازَ الْأَبُ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ قَبَضَ مَهْرَ ابْنَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ نَفَذَ النِّكَاحُ وَلَا حِنْثَ عَلَى الْأَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ ) أَيْ وَكَانَ وَقْتَ حَلِفِهِ عَاقِلًا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَارُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْمِلْكُ مُرَادَةٌ فَلَا يَبْقَى الْمَجَازُ مُرَادًا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَلَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْكَنُ عُرْفًا فَدَخَلَ مَا يَسْكُنُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ مِلْكٍ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ لَا بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَلَفَ بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَلِيءٍ لَا يَحْنَثُ ) لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا قِيلَ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ مِثْلُهُ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا فَصَارَ غَيْرُهُ حَقِيقَةً وَشَرْعًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الشَّرْعُ فَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .( قَوْلُهُ وَلِهَذَا قِيلَ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا ) اُنْظُرْ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ فَإِنَّهُ نَافِعٌ هُنَا ا هـ ذَكَرَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِنِصْفِهِ شَيْئًا أَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ لِأَوَّلِهِمَا ا هـ

( كِتَابُ الْحُدُودِ ) الْحَدُّ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِمَنْعِهِ النَّاسَ عَنْ الدُّخُولِ وَسُمِّيَ اللَّفْظُ الْجَامِعُ الْمَانِعُ حَدًّا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَعْنَى الشَّيْءِ وَيَمْنَعُ دُخُولَ غَيْرِهِ فِيهِ وَسُمِّيَتْ الْعُقُوبَاتُ الْخَالِصَةُ حُدُودًا لِأَنَّهَا مَوَانِعُ مِنْ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا مُعَاوَدَةً وَحُدُودُ اللَّهِ مَحَارِمُهُ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } وَحُدُودُ اللَّهِ أَيْضًا أَحْكَامُهُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ عَنْ التَّخَطِّي إلَى مَا وَرَاءَهَا وَمِنْهُ { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } وَفِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِعُقُوبَةٍ مُقَدَّرَةٍ تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُسَمَّى التَّعْزِيرُ حَدًّا لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ وَلَا الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَحُكْمُهُ الْأَصْلِيُّ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ وَصِيَانَةُ دَارِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَسَادِ وَلِهَذَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ شُرِعَ لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ إلَى كَافَّةِ النَّاسِ وَالطُّهْرَةُ مِنْ الذَّنْبِ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ أَصْلِيٍّ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِالتَّوْبَةِ لَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى فِي حَقِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ { ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } الْآيَةَ وَعَدَ الْمَغْفِرَةَ لِلتَّائِبِ وَلِهَذَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا طُهْرَةَ لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْحَدُّ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالزِّنَا وَطْءٌ فِي قُبُلٍ خَالٍ عَنْ مِلْكٍ وَشُبْهَتِهِ ) يَعْنِي بِهِ الزِّنَا الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ مُشْتَهَاةً وَالْوَاطِئُ مُكَلَّفًا طَائِعًا وَلَوْ قَالَ الزِّنَا وَطْءُ مُكَلَّفٍ فِي قُبُلِ الْمُشْتَهَاةِ عَارٍ عَنْ مِلْكٍ وَشُبْهَتِهِ عَنْ طَوْعٍ كَانَ أَتَمَّ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ وَطْءُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ

وَوَطْءُ غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدًّا تُشْتَهَى وَالْمَيِّتَةِ وَالْبَهَائِمِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزِّنَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ دَرْؤُهُ بِهَا شَرْعًا وَالْحَدُّ شُرِعَ لِتَقْلِيلِ الْفَسَادِ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ وَوَطْءُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَادِرٌ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ وَالْعُقُولُ الْمُسْتَقِيمَةُ يَنْفِرُ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْضُ السُّفَهَاءِ لِغَلَبَةِ الشَّبَقِ وَذَلِكَ نَادِرٌ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجَزَاءِ أَنْ يَكُونَ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَارُ الِابْتِلَاءِ وَالْآخِرَةَ دَارُ الْجَزَاءِ لَكِنَّ السُّفَهَاءَ لَمَّا لَمْ يَنْتَهُوا بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ وَالْوَعِيدِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الشَّارِعِ شُرِعَ فِي الدُّنْيَا بَعْضُ الْعُقُوبَةِ دَفْعًا لِفَسَادِهِمْ عَنْ الْعَالَمِ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ

كِتَابُ الْحُدُودِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا اشْتَمَلَتْ الْأَيْمَانُ عَلَى بَيَانِ الْكَفَّارَةِ وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ أَوْلَاهَا الْحُدُودُ الَّتِي هِيَ عُقُوبَاتٌ مَحْضَةٌ انْدِفَاعًا إلَى بَيَانِ الْأَحْكَامِ بِتَدْرِيجٍ وَلَوْلَا مَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ مِنْ لُزُومِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ لَكَانَ إيلَاءُ الْحُدُودِ الصَّوْمَ أَوْجَهَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا جِهَةُ الْعُقُوبَةِ حَتَّى تَدَاخَلَتْ عَلَى مَا عُرِفَ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا جِهَةُ الْعِبَادَةِ لَكِنْ كَانَ يَكُونُ التَّرْتِيبُ حِينَئِذٍ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْأَيْمَانُ ثُمَّ الصَّوْمُ ثُمَّ الْحُدُودُ ثُمَّ الْحَجُّ فَيَقَعُ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ بِالْأَجْنَبِيِّ مَا يُبْعِدُ بَيْنَ الْأَخَوَاتِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ وَمُوجِبُ اسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ لَهَا كَذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } الْحَدِيثَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يُسَمَّى التَّعْزِيرُ حَدًّا لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَالْقِصَاصُ يُسَمَّى أَيْضًا حَدًّا فَحُدُودُ الشَّرْعِ مَوَانِعُ قَبْلَ الْوُقُوعِ وَزَوَاجِرُ بَعْدَهُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ الْعِلْمُ بِشَرْعِيَّتِهَا يَمْنَعُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ وَإِيقَاعُهَا بَعْدَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ فَلَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ نَوْعٌ مِنْهُ وَهُوَ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ لَكِنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي الضَّرْبِ بَلْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ مِنْ حَبْسٍ وَعَرْكِ أُذُنٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي اصْطِلَاحٍ آخَرَ لَا يُؤْخَذُ الْقَيْدُ الْأَخِيرُ فَيُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا

فَالْحَدُّ هُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ شَرْعًا غَيْرَ أَنَّ الْحَدَّ عَلَى هَذَا قِسْمَانِ مَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْحَدُّ مُطْلَقًا لَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَعَلَيْهِ انْبَنَى عَدَمُ الشَّفَاعَةِ فِيهِ فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ وَلِذَا { أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ } وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَقَالَ إذَا بَلَغَ إلَى الْإِمَامِ فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إنْ عَفَا وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فَالْوُجُوبُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ بَلْ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ ) أَيْ بِدَلَالَةِ جَوَازِ الْفِعْلِ وَالِاعْتِيَاضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالطُّهْرَةُ مِنْ الذَّنْبِ إلَخْ ) قَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ عِنْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا حُدَّ أَوْ اُقْتُصَّ فِي الدُّنْيَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُقْتَصُّ فِي الْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُعَاقَبْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ } ا هـ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الطُّهْرَةُ عَنْ الذَّنْبِ لَا تَحْصُلُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ بَلْ بِالتَّوْبَةِ وَلِهَذَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ ) قَالَ عُلَمَاؤُنَا إذَا ارْتَكَبَ الْعَبْدُ ذَنْبًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَا يَحْصُلُ لَهُ التَّطْهِيرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَنَدَمٍ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَذْهَبِ الْمُرْجِئَةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا يَضُرُّ ذَنْبٌ مَعَ الْإِيمَانِ كَمَا لَا تَنْفَعُ طَاعَةٌ مَعَ الْكُفْرِ ا هـ أَوَّلَ الْكَشْفِ

شَرْحُ الْبَزْدَوِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ { لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا } ) قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى { ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ } يَعْنِي الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِمْ إنْ لَمْ يَتُوبُوا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالزِّنَا وَطْءٌ فِي قُبُلٍ خَالٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَأَنَّهُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ قَالَ الْكَمَالُ وَذَكَرَ أَنَّ الزِّنَا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ يَعْنِي لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ قَيْدٌ وَعَرَّفَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِأَنَّهُ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا لِأَنَّ فِي اللُّغَةِ مَعْنَى الْمِلْكِ أَمْرٌ ثَابِتٌ قَبْلَ مَجِيءِ هَذَا الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ أَمْرًا شَرْعِيًّا لَكِنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْعِ الْأَوَّلِ بِالضَّرُورَةِ وَالنَّاسُ لَمْ يُتْرَكُوا سُدًى فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْمِلْكِ أَمْرًا مَشْرُوعًا مِنْ بَعْثِ آدَمَ أَوْ قَبْلَ بَعْثِهِ بِوَحْيٍ يَخُصُّهُ أَيْ يَخُصُّ الْمِلْكَ فَكَانَ ثُبُوتُهُ شَرْعًا مَعَ اللُّغَةِ مُطْلَقًا فِي الْوُجُودِ الدُّنْيَوِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ اللُّغَةُ عَرَبِيَّةً أَمْ غَيْرَهَا مَخْصُوصَةً بِالدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ قَبْلَهَا فَثُبُوتُ الْمُسَمَّى فِي الدُّنْيَا وَالْوَضْعُ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّ اسْمَ الزِّنَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ هُوَ أَعَمُّ وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ مِنْهُ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ } وَلَوْ وَطِئَ رَجُلٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ فَلَوْلَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَهُوَ فِي

عُرْفِ الشَّرْعِ إلَخْ لَصَحَّ تَعْرِيفُهُ وَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ كَانَ ظَاهِرًا فِي قَصْدِهِ إلَى تَعْرِيفِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَحِينَئِذٍ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ وَطْءُ الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَوَطْءُ الْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ الْجِنْسَ وَطْءُ الرَّجُلِ فَالْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِهِ أَنَّهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ طَائِعٍ مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا فِي الْقُبُلِ بِلَا شُبْهَةٍ لِمِلْكٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ زِنَا الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ وَبِالصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى الْمَيِّتَةُ وَالْبَهِيمَةُ وَدَخَلَ وَطْءُ الْعَجُوزِ ا هـ قَوْلُهُ وَأَنَّهُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ إلَخْ هَكَذَا عَرَّفَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ مُشْتَهَاةً وَالْوَاطِئُ مُكَلَّفًا طَائِعًا ) فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ الطَّوْعُ دَاخِلًا فِي مَاهِيَّةِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُكْرَهًا لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْ فِعْلٍ غَيْرِ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَيَكُونُ كَالْيَمِينِ مِنْ فِعْلِ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ قُلْت الطَّوْعُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ عَلَى فَاعِلِهِ لَا فِي الزِّنَا مُطْلَقًا فَفِعْلُ الْمُكْرَهِ زِنًا وَإِنْ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ وَفِعْلُهَا لَيْسَ بِزِنًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ ا هـ مُجْتَبَى قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ابْتَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِ سَبَبِهِ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهُ وَالشُّرْبُ وَإِنْ كَثُرَ فَلَيْسَ حَدُّهُ بِتِلْكَ الْقَطْعِيَّةِ وَالزِّنَا مَقْصُورٌ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ الَّتِي بِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } وَيُمَدُّ فِي لُغَةِ نَجْدٍ قَالَ الْفَرَزْدَقُ أَبَا طَاهِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُهُ وَمَنْ يَشْرَبْ الْخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرَا

بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِهَا مِنْ التَّسْكِيرِ وَالْخُرْطُومُ مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا لَا بِالْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ ظَاهِرًا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا أَيْ بِلَفْظِ الزِّنَا لَا بِلَفْظِ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ مُتَعَسِّرٌ فَاكْتُفِيَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ لِرُجْحَانِ جَنَبَةِ الصِّدْقِ لَا سِيَّمَا الْإِقْرَارُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُقِرِّ وَاشْتِرَاطُ الْأَرْبَعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ ائْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك } وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ وَذَمَّ مَنْ يُحِبُّ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ إذْ وُقُوفُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ نَادِرٌ وَاشْتِرَاطُ لَفْظِ الزِّنَا لِأَنَّهُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ لَا لَفْظُ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } الْآيَةَ وَاتِّحَادُ الْمَجْلِسِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَنَا وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْبَلُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ إذْ لَا تَفْصِيلَ فِي النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ فَيُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهَا وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ جَاءُوا مِثْلَ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ فُرَادَى لَجَلَدْتُهُمْ وَلِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ قَبْلَ قَوْلِ غَيْرِهِ وَقَعَ قَذْفًا وَكَذَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلَا يَنْقَلِبُ شَهَادَةً إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا إذَا جَاءُوا جُمْلَةً فَشَهِدَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِتَعَذُّرِ أَدَائِهَا جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ

أَحَدُهُمْ الزَّوْجَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً وَلَنَا أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِزِنَا امْرَأَتِهِ فَكَانَ أَبْعَدَ مِنْ التُّهْمَةِ كَشَهَادَةِ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ وَالْمُزْنِيَةِ ) أَيْ يَسْأَلُهُمْ عَنْ نَفْسِ الزِّنَا وَحَالِهِ وَمَوْضِعِهِ وَوَقْتِهِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي زُنِيَ بِهَا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا إلَى أَنْ ذَكَرَ الْكَافَ وَالنُّونَ وَلِأَنَّ كَلَامَهُمْ مُحْتَمِلٌ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ وَاجِبٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِفْسَارُ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ مَاهِيَّتِهِ أَيْ ذَاتِهِ وَهُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ غَيْرَ الْفِعْلِ فِي الْفَرْجِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ } وَلِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ كُلَّ وَطْءٍ حَرَامٍ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ ، وَعَنْ كَيْفِيَّتِهِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ أَوْ تَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ إلَى الْحَشَفَةِ وَعَنْ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ فِي قِدَمِ الزَّمَانِ أَوْ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ وَعَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ تَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ لَا يَعْرِفُهَا هُوَ وَلَا الشُّهُودُ كَوَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَسْتَقْصِي فِي ذَلِكَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَعَدَلُوا سِرًّا وَجَهْرًا حُكِمَ بِهِ ) لِظُهُورِ الْحَقِّ وَوُجُوبِ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى الْقَاضِي وَلَوْ قَالُوا لَا نَزِيدُ عَلَى

قَوْلِهِمْ زَنَى لَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَكَذَا الشُّهُودُ أَيْضًا لَا يُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَلَمْ يَقْذِفُوا وَإِنَّمَا يُسْأَلُونَ احْتِيَاطًا حَتَّى لَوْ وَصَفُوهُ بِغَيْرِ وَصْفِهِ يُحَدُّونَ وَلَمْ يُكْتَفَ هُنَا بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ كَيْ لَا يَهْرُبَ وَلَا وَجْهَ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ لِأَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِيمَا يُبْنَى عَلَى الدَّرْءِ فَإِنْ قِيلَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَبْسِ أَكْثَرُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَشْرُوعًا قُلْنَا حَبْسُهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ بَلْ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ فَيَحْبِسُهُ تَعْزِيرًا لَهُ { وَحَبَسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ } بِخِلَافِ الدُّيُونِ حَيْثُ لَا يُحْبَسُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحَبْسَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ إلَّا بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَإِنَّ فِيهَا عُقُوبَةً أُخْرَى أَغْلَظَ مِنْهُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ ) أَيْ لَيْسَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْحُكَّامِ أَمَّا ثُبُوتُهُ فِي نَفْسِهِ فَبِإِيجَادِ الْإِنْسَانِ لِلْفِعْلِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَ الزِّنَا فِي بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَخَصَّ الْبَيِّنَةَ وَالْإِقْرَارَ لِنَفْيِ ثُبُوتِهِ بِعِلْمِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا سَائِرُ الْحُدُودِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَنَقَلَ قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ دُونَ الْحَاصِلِ بِمُشَاهَدَةِ الْإِمَامِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ الشَّرْعَ أَهْدَرَ اعْتِبَارَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } وَنَقَلَ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ ) هُوَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ ( قَوْلُهُ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك ) أَيْ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا كَانَ السَّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ النَّدْبِ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ وَكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْ الزِّنَا وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَتِهِ وَالتَّهَتُّكِ بِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا امْتَحَنَ بِهِ فَيَجِبُ كَوْنُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا لِأَنَّ مَطْلُوبَ

الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ بِالْخِطَابَاتِ الْمُفِيدَةِ لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفَاعِلِينَ وَبِالزَّجْرِ لَهُمْ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُ الشِّرَّةِ فِي الزِّنَا مَثَلًا وَالشُّرْبِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ وَإِشَاعَتُهُ فَإِخْلَاءُ الْأَرْضِ الْمَطْلُوبِ حِينَئِذٍ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظُهُورُ عَدَمِهَا فَمَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ فَيَجِبُ تَحْقِيقُ السَّبَبِ الْآخَرِ لِلْإِخْلَاءِ وَهُوَ الْحُدُودُ بِخِلَافِ مَنْ زَنَى مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُتَسَتِّرًا مُتَخَوِّفًا مُتَنَدِّمًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الشَّاهِدِ وَعَلَى هَذَا ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَحِلُّ مِنْهُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا ا هـ كَلَامُ الْكَمَالِ مَعَ حَذْفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ إلَخْ ) لَا يُقَالُ اشْتِرَاطُ الْأَرْبَعِ لَا لِمَعْنَى السَّتْرِ لِأَنَّ الزِّنَا يَحْصُلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ اثْنَانِ لِأَنَّا نَقُولُ شَهَادَةُ الِاثْنَيْنِ كَمَا جَازَتْ عَلَى الرَّجُلِ جَازَتْ عَلَى الْمَرْأَةِ لِوُجُودِ الْعَدَالَةِ فَلَا حَاجَةَ عَلَى هَذَا إلَى اشْتِرَاطِ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ السَّتْرُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةُ أَحْرَارٍ عُدُولٍ مُسْلِمِينَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ تَحْقِيقٌ ) أَمَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى السَّتْرِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا كَثُرَتْ شُرُوطُهُ قَلَّ وُجُودُهُ فَإِنَّ وُجُودَهُ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَيْسَ كَوُجُودِهِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ الِانْدِرَاءُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً ) أَيْ وَنَحْنُ نَقُولُ التُّهْمَةُ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ

خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ { وَالرِّجْلَانِ يَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ } ) أَيْ { وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ } فَلَعَلَّ الشُّهُودَ تُسَمِّي مُقَدِّمَاتِ الزِّنَا زِنًا وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِالسُّؤَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ كُلَّ وَطْءٍ حَرَامٍ زِنًا إلَخْ ) كَوَطْءِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْأَمَةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَيْسَ بِزِنًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ ) مِثَالٌ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْمَكَانِ ا هـ أَيْ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ يَدٌ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ فِي قِدَمِ الزَّمَانِ أَوْ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ ) مِثَالٌ لِلسُّؤَالِ عَنْ الزِّنَا ا هـ يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ لَا يُقْبَلُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ ا هـ كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ مَا نَصُّهُ جَوَابُ كَيْفَ هُوَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعَدَلُوا سِرًّا وَجَهْرًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا عَدَلُوا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ رَجْمًا كَانَ مُوجِبُ الزِّنَا أَوْ جَلْدًا هَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي عَدَالَةَ الشُّهُودِ أَمَّا إذَا عَرَفَهَا يُحَدُّ بِلَا تَعْدِيلٍ وَقَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُغْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ مِنْ تَعْدِيلِ الْمُزَكِّي وَلَوْلَا مَا ثَبَتَ مِنْ إهْدَارِ الشَّرْعِ عِلْمَهُ بِالزِّنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِالسَّمْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَانَ يَحُدُّ بِعِلْمِهِ لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ هُنَاكَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ

إهْدَارُ عِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِمْ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ تَعْدِيلِ السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي أَسْمَاءَ الشُّهُودِ إلَى الْمُعَدِّلِ بِكِتَابٍ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ وَحِلَاهُمْ وَمَحَالُّهُمْ وَسُوقُهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْمُعَدِّلُ ذَلِكَ فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِ مَنْ كَانَ عَدْلًا عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فَلَا يُكْتَبُ تَحْتَهُ شَيْءٌ أَوْ يَكْتُبُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَصُورَةُ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَّلْته وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَنَقَلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ ا هـ وَلَفْظُ الْمُحِيطِ وَأَمَّا شَرْطُهُ فَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَأَصْلُهُ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِالْيَمَنِ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزِّنَا فَاجْلِدُوهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ وَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ الشُّيُوعُ وَالِاسْتِفَاضَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أُقِيمَ مَقَامَ الْعِلْمِ وَلَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ إيرَاثِ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ وَالْإِسْمَاعِ لِلْحُرْمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فَحِينَئِذٍ يُسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَهُ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ ) أَيْ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ بَعْدُ وَحَبْسُ

الْمُتَّهَمِينَ تَعْزِيرًا لَهُمْ جَائِزٌ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِإِقْرَارِهِ أَرْبَعًا فِي مَجَالِسِهِ الْأَرْبَعَةِ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ الْقَاضِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْتَفَى بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُظْهِرٌ وَتَكْرَارُهُ لَا يَزِيدُ شَيْئًا كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ بِخِلَافِ كَثْرَةِ الْعَدَدِ فِي الشُّهُودِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ زِيَادَةَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ وَلَنَا حَدِيثُ { مَاعِزٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخَّرَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ } فَلَوْ ظَهَرَ دُونَهَا لَمَا أَخَّرَهَا لِثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ اُخْتُصَّتْ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فَكَذَا الْإِقْرَارُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الزِّنَا وَتَحْقِيقًا لِلسَّتْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَعِنْدَهُ يَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِيهِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُقِرِّ فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَيَرُدُّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبُ بِهِ حَتَّى يَغِيبَ عَنْ نَظَرِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { طَرَدَ مَاعِزًا حَتَّى تَوَارَى بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ } فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ عَقْلُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ وَلَمَّا اسْتَبَانَ لَهُ عَقْلُهُ رَجَمَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لَهُ { أَبِكَ خَبَلٌ أَبِكَ جُنُونٌ فَقَالَ لَا فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا مَا نَعْلَمُ فِيهِ إلَّا خَيْرًا وَبَعَثَ إلَى أَهْلِهِ هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْ عَقْلِهِ شَيْئًا فَقَالُوا لَا فَسَأَلَهُ عَنْ إحْصَانِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَرَجَمَهُ } قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَقْلِهِ إذْ هِيَ حَالَةُ

التَّوْبَةِ وَالْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ لَا عَلَى جُنُونِهِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَبِكَ خَبَلٌ أَبِكَ جُنُونٌ } تَلْقِينٌ مِنْهُ لِمَا يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُ { لَعَلَّك قَبَّلْتهَا لَعَلَّك بَاشَرْتهَا } وَالسُّؤَالُ عَنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ بَعْدَمَا أَقَرَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إنَّك إنْ اعْتَرَفْت الرَّابِعَةَ رَجَمَك فَاعْتَرَفَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ ظَاهِرًا عِنْدَهُمْ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ أَبِي بُرَيْدَةَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَاعِزًا لَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقِرَّ لَمْ يَرْجُمْهُ وَصَحَّ { أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ رَجَمَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ مَا أَقَرَّتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ } وَلَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَجَبَ أَنْ يَجِبَ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَإِذَا وَجَبَ الْمَهْرُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّتْ الْحُجَّةُ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ كَمَا قُلْنَا فِي الشَّهَادَةِ إنَّ الْبَعْضَ إذَا شَهِدُوا يَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ فَإِنْ تَمَّ النِّصَابُ لَا يَكُونُ قَذْفًا وَإِلَّا فَهُوَ قَذْفٌ فَكُنَّا مُتَوَقِّفِينَ فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى الزَّانِيَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي الْإِقْرَارِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَفِي الْعَبْدِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْمَجَالِسِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ فَقَطْ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَزْجُرَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيُظْهِرَ الْكَرَاهِيَةَ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْمُرَ بِإِبْعَادِهِ عَنْ مَجْلِسِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ كَذَلِكَ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اُطْرُدُوا الْمُعْتَرِفِينَ يَعْنِي بِالزِّنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسَأَلَهُ كَمَا مَرَّ فَإِنْ بَيَّنَهُ حُدَّ ) أَيْ إذَا تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سَأَلَهُ كَمَا مَرَّ فِي الشَّهَادَةِ وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَبِمَنْ زَنَى وَمَتَى زَنَى لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ عَلَى مَا مَرَّ وَقِيلَ لَا يَسْأَلُهُ عَنْ الزَّمَانِ لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي صِبَاهُ وَهَذَا السُّؤَالُ يَكُونُ بَعْدَمَا نَظَرَ فِي حَالِهِ وَعَرَفَ أَنَّهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُكْتَفَى بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ لِمَاعِزٍ فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا قَالَ نَعَمْ وَقَالَ لَهُ أَنِكْتَهَا وَلَا تُكَنِّي قَالَ نَعَمْ } فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ وَظَهَرَ زِنَاهُ سَأَلَهُ عَنْ الْإِحْصَانِ فَإِنْ قَالَ لَهُ إنَّهُ مُحْصَنٌ سَأَلَهُ عَنْ الْإِحْصَانِ مَا هُوَ فَإِنْ وَصَفَهُ بِشَرَائِطِهِ حَكَمَ بِرَجْمِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلَوْ كَانَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ حَتَّى لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا فَقَدْ رَجَعَ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا تُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا مَرَّتَيْنِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيَكُونُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْبَاقِي دَلِيلَ الرُّجُوعِ أَوْ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِيهِ فَيُلْتَحَقُ بِالْعَدَمِ شَرْعًا فَبَقِيَتْ الشَّهَادَةُ وَحْدَهَا هِيَ الْحُجَّةُ فَيُقْبَلُ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا

فَأَوْرَثَتْ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً وَهُوَ يُدْرَأُ بِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً شَرْعًا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِإِقْرَارِهِ ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَاعْتِبَارُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ كَلَامَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ قَدَّمَ الثُّبُوتَ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا أَقْوَى حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ قَاصِرٌ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ صَرِيحًا وَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَلِذَا قُلْنَا لَوْ أَقَرَّ الْأَخْرَسُ بِالزِّنَا بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ لَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ بِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ شُبْهَةً كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى مَجْنُونٍ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالِ إفَاقَتِهِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى صَحَّ إقْرَارُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ وَظَهَرَ مَجْبُوبًا أَوْ أَقَرَّتْ فَظَهَرَتْ رَتْقَاءُ ، قَبْلَ الْحَدِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ إخْبَارَهَا بِالرَّتْقِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَبِالشُّبْهَةِ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِخَرْسَاءَ أَوْ هِيَ أَقَرَّتْ بِأَخْرَسَ لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ ) أَيْ لَا مَجَالِسِ الْقَاضِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ) أَيْ فِي بَابِ الْحَجْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْمَجَالِسِ ) أَيْ فَيُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُ بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبِمَنْ زَنَى ) الْعِلْمُ بِالْمَزْنِيِّ بِهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ قَالَ زَنَيْت بِامْرَأَةٍ لَا أَعْرِفُهَا صَحَّ إقْرَارُهُ وَيُحَدُّ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ وَمَتَى زَنَى ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ السُّؤَالَ عَنْ الزَّمَانِ فِي الْإِقْرَارِ بِأَنْ يَقُولَ مَتَى زَنَيْت لِأَنَّ التَّقَادُمَ مَانِعٌ لِلشَّهَادَةِ لِتُهْمَةِ الْحِقْدِ وَالْمَرْءُ لَا يُتَّهَمُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ

إقْرَارُهُ وَإِنْ تَقَادَمَ الْعَهْدُ وَبَيَانُ التَّقَادُمِ يُعْلَمُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ السُّؤَالَ فِيهِ عَنْ الزَّمَانِ فَلَا يَقُولُ مَتَى زَنَيْت وَذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ وَهَذَا السُّؤَالُ لِتِلْكَ الْفَائِدَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّقَادُمُ مُسْقِطًا ، لَمْ يَكُنْ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ فَائِدَةٌ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَهَذَا بِخِلَافِ سُؤَالِ بِمَنْ زَنَيْت لِأَنَّهُ قَدْ يُبَيِّنُ مَنْ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي جَوَابِهِ لَا أَعْرِفُ الَّتِي زَنَيْت بِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُسْقِطُ كَوْنَ فِعْلِهِ زِنًا بَلْ تَضَمَّنَ إقْرَارُهُ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَزْنِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَعَرَفَهَا إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَجْهَلُ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا حُدَّ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا لِحَدِيثِ الْعَسِيفِ حَدَّهُ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى الْمَرْأَةِ فَقَالَ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا وَلِأَنَّ انْتِظَارَ حُضُورِهِمَا إنَّمَا هُوَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَذْكُرَ مُسْقِطًا عَنْهُ وَعَنْهَا وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ كَمَا لَا يُؤَخَّرُ إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَرْجِعَ الشُّهُودُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَبِهِ لَا يَنْدَرِئُ الْحَدُّ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَكَذَّبَتْهُ وَقَالَتْ لَا أَعْرِفُهُ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُحَدُّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا زَنَتْ بِفُلَانٍ فَأَنْكَرَ فُلَانٌ تُحَدُّ هِيَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسْطِهِ خُلِّي سَبِيلُهُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُحَدُّ لِوُجُوبِهِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْطُلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِنْكَارِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ فَصَارَ ثُبُوتُهُ بِهِ كَثُبُوتِهِ بِالشَّهَادَةِ كَالْقِصَاصِ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَلَنَا أَنَّ الرُّجُوعَ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ كَالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهُوَ يُدْرَأُ بِهَا وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ كَلَامَيْهِ يَحْتَمِلُهَا فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيُتْرَكُ عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهُوَ يُكَذِّبُهُ وَالْحَدُّ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يُكَذَّبُ لَهُ وَإِلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ أَشَارَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ { هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ حِينَ أُخْبِرَ بِفِرَارِ مَاعِزٍ }( قَوْلُهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ ) أَيْ قَبْلَ رُجُوعِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْمَسْطُورُ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ سَقَطَ وَعَنْ أَحْمَدَ كَقَوْلِنَا وَعَنْ مَالِكٍ فِي قَبُولِ رُجُوعِهِ رِوَايَتَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِرَارَهُ دَلِيلًا عَلَى الرُّجُوعِ وَأَسْقَطَ بِهِ الْحَدَّ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ بِدَلِيلِ الرُّجُوعِ سَقَطَ بِصَرِيحِ الرُّجُوعِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ بِلَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت أَوْ وَطِئْت بِشُبْهَةٍ ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَهُ الرُّجُوعَ بِقَوْلِهِ لَعَلَّك قَبَّلْتهَا أَوْ لَمَسْتهَا أَوْ وَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِمَاعِزٍ { لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنِكْتَهَا وَلَا تُكَنِّي قَالَ نَعَمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي رِوَايَةٍ { أَنِكْتَهَا كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا قَالَ نَعَمْ أَتَيْت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا } الْحَدِيثَ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رَجَمَهُ فِي فَضَاءٍ حَتَّى يَمُوتَ ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَمَرَ بِرَجْمِ الْغَامِدِيَّةِ وَمَاعِزٍ وَكَانَا مُحْصَنَيْنِ وَأُخْرِجَ مَاعِزٌ إلَى الْحَرَّةِ وَقِيلَ إلَى الْبَقِيعِ فَفَرَّ إلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ } وَفِيمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَجَمَ الْمَرْأَةَ الَّتِي زَنَى بِهَا الْعَسِيفُ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ } وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَإِنَّ مِمَّا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَلَوْلَا أَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ عُمَرَ زَادَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَتَبْتهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَوَصَلَ إلَيْنَا إجْمَاعُهُمْ بِالتَّوَاتُرِ وَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ الْخَوَارِجِ الرَّجْمَ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْقَطْعِيَّ فَيَكُونُ مُكَابَرَةً وَعِنَادًا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا إلَخْ ) هَذَا مِنْ الْأَحْرُفِ الَّتِي جَاءَ الْفَاعِلُ مِنْهَا عَلَى مُفْعَلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ يُقَالُ أَحْصَنَ يُحْصِنُ فَهُوَ مُحْصَنٌ فِي أَلْفَاظٍ مَعْلُومَةٍ هِيَ أَسْهَبَ فَهُوَ مُسْهَبٌ إذَا أَطَالَ وَأَمْعَنَ فِي الْمَشْيِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ مُعْرِضًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِسْهَابِ وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ اُدْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْهَبِينَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَأَلْفَجَ بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ افْتَقَرَ فَهُوَ مُلْفَجٌ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ فِيهِ سِيَّانِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا أَيْضًا إذَا أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا أَحَدُ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ مُفْعَلٍ وَامْرَأَةٌ مُحْصَنَةٌ أَيْ مُتَزَوِّجَةٌ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ أَفْعَلَ فَهُوَ مُفْعِلٌ إلَّا ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ هَذَا أَحَدُهَا وَيُقَالُ أَسْهَبَ مِنْ لَدْغِ الْحَيَّةِ أَيْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَهُوَ مُسْهَبٌ قَالَ الرَّاجِزُ فَمَاتَ عَطْشَانَ وَمَاتَ مُسْهَبًا وَيُقَالُ أَلْفَجَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُلْفَجٌ إذَا رَقَّتْ حَالُهُ وَسَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ أَيُدَالِكُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ قَالَ نَعَمْ إذَا كَانَ مُلْفَجًا الْمُدَالَكَةُ وَالْمُمَاطَلَةُ بِمَعْنًى وَهِيَ الْمُدَافَعَةُ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَارْجُمُوهُمَا ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ فَارْجُمْهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَكَتَبْتهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ ) قِيلَ فِي هَذَا إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ جَائِزَ الْكِتَابَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَهُوَ قُرْآنٌ مَتْلُوٌّ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مَتْلُوًّا لَوَجَبَ عَلَى عُمَرَ الْمُبَادَرَةُ لِكِتَابَتِهَا لِأَنَّ مَقَالَ النَّاسِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ لَعَلَّ اللَّهَ يُيَسِّرُ عَلَيْنَا حَلَّ هَذَا الْإِشْكَالِ فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا نَطَقَ بِالصَّوَابِ وَلَكِنَّا نَتَّهِمُ فَهْمَنَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَكَتَبْتهَا مُنَبِّهًا عَلَى نَسْخِ تِلَاوَتِهَا لِيَكُونَ فِي كِتَابَتِهَا فِي

مَحِلِّهَا أَمْنٌ مِنْ نِسْيَانِهَا بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنْ قَدْ تُكْتَبُ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ فَيَقُولُ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فَتَرَكْت كِتَابَتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ مِنْ دَفْعِ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يَبْدَأُ الشُّهُودُ بِهِ ) أَيْ يَبْدَأُ الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُشْتَرَطُ بُدَاءَتُهُمْ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ { عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حِينَ رَجَمَ شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَلَوْ كَانَ شَهِدَ عَلَى هَذِهِ أَحَدٌ لَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي الشَّاهِدُ يَشْهَدُ ثُمَّ يُتْبِعُ شَهَادَتَهُ حَجَرَهُ وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ رَمَاهَا بِحَجَرٍ قَالَ الرَّاوِي ثُمَّ رَمَى النَّاسُ وَأَنَا فِيهِمْ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَتَجَاسَرُ عَلَى الشَّهَادَةِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُ الْمُبَاشَرَةَ فَيَأْبَى أَوْ يَرْجِعُ فَكَانَ فِي بُدَاءَتِهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُهُ فَيُخَافُ أَنْ يَقَعَ مُهْلِكًا أَوْ مُتْلِفًا لِعُضْوٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ وَلَا كَذَلِكَ الرَّجْمُ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَبُو أُسْقِطَ ) أَيْ إنْ أَبَى الشُّهُودُ مِنْ الْبُدَاءَةِ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ وَكَذَلِكَ إذَا امْتَنَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ جَنُّوا أَوْ فَسَقُوا أَوْ قَذَفُوا فَحُدُّوا أَوْ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّارِئَ عَلَى الْحَدِّ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمَوْجُودِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ مَاتُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمْ إذَا امْتَنَعُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ مَرْضَى لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرْمُوا أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي رُجِمَ بِحَضْرَتِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

وَيَقْصِدُونَ بِذَلِكَ مَقْتَلَهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ لِأَنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةٌ وَرُوِيَ { أَنَّ حَنْظَلَةَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ أَبِيهِ وَكَانَ كَافِرًا فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ دَعْهُ يَكْفِيكَ غَيْرُكَ } وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصِلَةِ الرَّحِمِ فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا ثُمَّ النَّاسُ ) أَيْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ إنْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ ارْمُوا وَكَانَتْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا } وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ { سُئِلَ عَنْ غُسْلِ مَاعِزٍ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ اصْنَعُوا بِهِ كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ فَلَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ } وَلِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْغُسْلُ كَالْقَتْلِ بِقِصَاصٍ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ { وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ بَعْدَمَا رُجِمَتْ وَكَانَتْ أَقَرَّتْ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد

( قَوْلُهُ لَا يُحْسِنُهُ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِلَا ضَمِيرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ إنْ أَبَى الشُّهُودُ مِنْ الْبُدَاءَةِ يَسْقُطُ الْحَدُّ ) أَيْ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَحُدُّونَهُمْ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِمْ وَلَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ فَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِمْ تَضْعُفُ نُفُوسُهُمْ عَنْ الْقَتِيلِ وَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ كَمَا تَرَاهُ فِي الشَّاهِدِ مِنْ امْتِنَاعِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْحَلَالِ الْأَكْلِ وَالْأُضْحِيَّةِ بَلْ وَمِنْ حُضُورِهَا فَكَانَ امْتِنَاعُهُمْ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ شُبْهَةٌ فِي انْدِفَاعِ الْحَدِّ عَنْهُمْ وَقِيلَ يُحَدُّونَ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ قَذَفُوا فَحُدُّوا ) أَيْ سَوَاءٌ اعْتَرَضَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْإِمْضَاءُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْقَضَاءُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِاعْتِرَاضِ مَا يُخْرِجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ فَسَقَ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَهَذَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا وَفِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ وَيَبْطُلُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَكَذَلِكَ مَا سِوَى الْحُدُودِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ مَاتُوا ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ هِدَايَةٌ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَلَوْ أَمَرَهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّجْمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِرَجْمِ مَاعِزٍ فَإِنَّ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَحْضُرْهُ بَلْ رَجَمَهُ النَّاسُ عَنْ أَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِابْتِدَاءِ احْتِيَالًا لِثُبُوتِ دَلَالَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ وَأَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ لِيَنْكَشِفَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي أَمْرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَتَسَاهَلَ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ فَإِذَا امْتَنَعَ حِينَئِذٍ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ الْحَدُّ لِظُهُورِ شُبْهَةِ تَقْصِيرِهِ فِي الْقَضَاءِ وَهِيَ دَارِئَةٌ فَكَأَنَّ الْبُدَاءَةَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ إذْ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لَا أَنَّهُ جُعِلَ شَرْطًا بِذَاتِهِ وَهَذَا فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُنْتَفٍ فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ رَجْمِهِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ إذَا لَمْ يَبْدَأْ وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الشُّهُودُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِمَامُ فَلَوْ لَمْ يُثَنِّ الْإِمَامُ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِاتِّحَادِ الْمَأْخَذِ فِيهَا ( قَوْلُهُ الْغَامِدِيَّةُ ) مَنْسُوبَةٌ إلَى بَنِي غَامِدٍ قَبِيلَةٍ مِنْ الْعَرَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ ) أَيْ فَإِنَّهُ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُغَسَّلُ لِيَكُونَ الْأَثَرُ شَاهِدًا لَهُ وَلِإِظْهَارِ زِيَادَةِ تَشْرِيفِهِ بِقِيَامِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ا هـ كَمَالٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ جَلَدَهُ مِائَةً ) أَيْ لَوْ كَانَ الزَّانِي غَيْرَ مُحْصَنٍ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَالْخِطَابُ لِلْأَئِمَّةِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْأُمَّةِ مُتَعَذِّرٌ فَتَعَيَّنَ الْإِمَامُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا نُسِخَتْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِمَا ذَكَرْنَا فَبَقِيَتْ مَعْمُولًا بِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَقُدِّمَتْ الزَّانِيَةُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَادَّةُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ إذْ لَوْ لَمْ تُطْمِعْهُ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ لَمْ يَطْمَعْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَوْ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ مِنْهُنَّ أَكْثَرُ لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِنَّ وَقِلَّةِ دِينِهِنَّ وَعَدَمِ حِفْظِهِنَّ لِلْمُرُوءَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنِصْفٌ لِلْعَبْدِ ) أَيْ نِصْفُ الْمِائَةِ لِلْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَلْدُ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ فَتَعَيَّنَ الْجَلْدُ لِذَلِكَ أَوْ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فَإِذَا ثَبَتَ التَّنْصِيفُ فِي الْإِمَاءِ لِمَكَانِ الرِّقِّ الْمُنْقِصِ لِلْكَرَامَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ ثَبَتَ فِي الْعَبِيدِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ إذْ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْمِثْلِ الْآخَرِ أَوْ نَقُولُ دَخَلَ الْعَبِيدُ فِي اللَّفْظِ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي { خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ } وَلَفْظُ خَمْسٍ بِلَا تَاءٍ يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَدَخَلَ الذُّكُورُ فِيهِ إمَّا بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ دَخَلَ فِي اللَّفْظِ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ وَفِي مِثْلِهِ يُغَلَّبُ الذُّكُورُ عَادَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ } { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا } وَغَيْرُهُ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ ) أَيْ وَهُوَ حُرٌّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرَفْعُ { الزَّانِيَةِ وَالزَّانِي } بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُمَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَفِيمَا فُرِضَ عَلَيْكُمْ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي أَيْ حُكْمُهُمَا وَهُوَ الْجَلْدُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ فَاجْلِدُوا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَدُخُولُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ الَّتِي زَنَتْ وَاَلَّذِي زَنَى فَاجْلِدُوهُمَا كَقَوْلِك مَنْ زَنَى فَاجْلِدُوهُ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا نُسِخَتْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ) أَيْ قَطْعًا وَيَكْفِينَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ الْقَطْعُ بِرَجْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْقَطْعِيَّةِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ ادِّعَاءِ أَنَّ النَّاسِخَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِثُبُوتِهَا قُرْآنًا ثُمَّ انْتِسَاخُ تِلَاوَتِهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَكَتَ النَّاسُ فَإِنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ حُجَّةً مُخْتَلَفٌ وَبِتَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا إذْ ذَاكَ حُضُورًا ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ ظَنِّيٌّ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْسُبْهُ لِلْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ وَعُرِفَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِعَدَمِ نَسْخِ عُمُومِ الْآيَةِ فَيَكُونُ رَأْيُهُ أَنَّ الرَّجْمَ حُكْمٌ زَائِدٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ قِيلَ بِهِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

وَالسَّلَامُ { الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ } وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ ا هـ كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِآيَةٍ أُخْرَى نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا رَوَاهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خُطْبَتِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَقَالَ إنَّ مِمَّا يُتْلَى فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَلَا تُهْمَةَ فِي رِوَايَتِهِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا صَرَفَهَا عَنْ قُلُوبِ الْعِبَادِ لِحِكْمَةٍ لَمْ يَكْتُبْهَا عُمَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَقَالَ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقُدِّمَتْ الزَّانِيَةُ بِالذِّكْرِ ) أَيْ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ عَكْسُهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ إذْ لَوْ لَمْ تُطْمِعْهُ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ لَمْ يَطْمَعْ ) بِخِلَافِ آيَةِ السَّرِقَةِ حَيْثُ قُدِّمَ الرَّجُلُ فِيهَا عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْعُدْوَانِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ) أَيْ { فَإِذَا أُحْصِنَّ } ا هـ ( قَوْلُهُ { فَعَلَيْهِنَّ } ) أَيْ الْإِمَاءِ إذَا أُحْصِنَّ أَيْ تَزَوَّجْنَ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ أَيْ زَنَيْنَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ { مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ } ) أَيْ الْحَرَائِرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ { مِنْ الْعَذَابِ } ) أَيْ مِنْ الْحَدِّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ ) أَيْ فَلَا رَجْمَ عَلَى الرَّقِيقِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْجَلْدُ لِذَلِكَ أَوْ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ إلَخْ ) وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ وَشَرْطِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ا هـ ابْنِ فِرِشْتَا فِي الْحَجْرِ ( قَوْلُهُ وَالْعُقُوبَاتُ ثَبَتَ فِي الْعَبِيدِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلَالَةِ أَوْلَوِيَّةُ

الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَذْكُورِ بَلْ الْمُسَاوَاةُ تَكْفِي فِيهِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُونَ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ وَالنَّصُّ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ فِي تَزْوِيجِ الْإِمَاءِ أَعْنِي قَوْلَهُ { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا } إلَى قَوْلِهِ { مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } ثُمَّ تَمَّمَ حُكْمَهُنَّ إذَا زَنَيْنَ وَلِأَنَّ الدَّاعِيَةَ فِيهِنَّ أَقْوَى وَهُوَ حِكْمَةُ تَقْدِيمِ الزَّانِيَةِ عَلَى الزَّانِي فِي الْآيَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ أَعْنِي الْإِحْصَانَ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِنَّ عَلَى الْأَرِقَّاءِ نِصْفَ الْمِائَةِ أُحْصِنُوا أَوْ لَمْ يُحْصَنُوا وَأَسْنَدَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ } وَهُوَ الْحَبْلُ وَالْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ يُجَوِّزُونَ أَنَّ الْإِيرَادَ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَنْ أُحْصِنَ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ } وَنُقِلَ عَنْ الْعَبَّاسِ وَطَاوُسٍ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُحْصَنَا بِزَوْجٍ وَعَلَى هَذَا مُعْتَبَرُ الْمَفْهُومِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقُرِئَ { فَإِذَا أَحْصَنَّ } بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَتُؤُوِّلَ عَلَى مَعْنَى أَسْلَمْنَ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ مُتَوَسِّطًا ) أَيْ يُضْرَبُ بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا وَفِي النِّهَايَةِ هِيَ عَذَبَتُهُ وَذَنَبُهُ وَطَرَفُهُ لِأَنَّ كُلَّ ضَرْبَةٍ بِهَا تَصِيرُ ضَرْبَتَيْنِ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ وَلَوْ لَمْ يَكْسِرْ الثَّمَرَةَ يَعُدُّ كُلَّ ضَرْبَةٍ بِضَرْبَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَرَبَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ وَفِي رِوَايَةٍ ذَنَبَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ بِضَرْبَتَيْنِ وَالضَّرْبُ الْمُتَوَسِّطُ هُوَ الْمُؤْلِمُ غَيْرُ الْجَارِحِ لِأَنَّ الْجَارِحَ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ أَوْ يَبْقَى فِي جَسَدِهِ أَثَرٌ يَشِينُهُ وَلِهَذَا يُكْسَرُ عُقْدَتُهُ وَغَيْرُ الْمُؤْلِمِ لَا يُفِيدُ وَالْوَاجِبُ التَّأْدِيبُ دُونَ الْإِهْلَاكِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنَزْعُ ثِيَابِهِ ) يَعْنِي غَيْرَ الْإِزَارِ لِأَنَّ فِي نَزْعِهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ ضَرْبِهِ إيصَالُ الْأَلَمِ إلَيْهِ لَا سِيَّمَا هَذَا الْحَدُّ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشِّدَّةِ وَالتَّجْرِيدُ فِيهِ أَبْلَغُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ ) أَيْ فُرِّقَ الضَّرْبُ عَلَى بَدَنِهِ وَأَعْضَائِهِ لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْجَلْدُ زَاجِرٌ وَلَيْسَ بِمُتْلِفٍ وَلِأَنَّهُ نَالَ اللَّذَّةَ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ فَيُعْطَى حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ وَلِهَذَا يُرْجَمُ إذَا كَانَ مُحْصَنًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْجَلَّادِ { اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ } وَلِأَنَّ الضَّرْبَ عَلَى الْفَرْجِ مُتْلِفٌ وَعَلَى الرَّأْسِ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْحَوَاسِّ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالْفَهْمِ وَكَذَا عَلَى الْوَجْهِ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ أَيْضًا فَلَا يُؤْمَنُ ذَهَابُهَا فَيَكُونُ إهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ فَلَا يُشْرَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا يُضْرَبُ الرَّأْسُ سَوْطًا لِقَوْلِ أَبِي

بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْجَلَّادِ اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا قُلْنَا قَالَ ذَلِكَ فِي مُسْتَحِقِّ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَاةِ أَهْلِ الْحَرْبِ مَحْلُوقًا وَسَطَ رَأْسِهِ فَأَمَرَ بِضَرْبِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا وَقَالَ عُمَرُ لِلْجَلَّادِ إيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ الرَّأْسَ وَالْفَرْجَ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُضْرَبُ الصَّدْرُ وَالْبَطْنُ لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ كَالرَّأْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَصُّ الظَّهْرُ بِالضَّرْبِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { شُهُودَك أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك } قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ ضَرْبِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ

ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ) قَالَ الْكَمَالُ قِيلَ الْمُرَادُ بِثَمَرَةِ السَّوْطِ عَذَبَتُهُ وَذَنَبُهُ مُسْتَعَارٌ مِنْ وَاحِدَةِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ وَفِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ عُقَدُ أَطْرَافِهِ وَرَجَّحَ الْمُطَرِّزِيُّ إرَادَةَ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلِيًّا حَدَّ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ وَفِي الْإِيضَاحِ مَا يُوَافِقُهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُضْرَبَ بِسَوْطٍ لَهُ ثَمَرَةٌ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا ضُرِبَ بِهَا تَصِيرُ كُلُّ ضَرْبَةٍ ضَرْبَتَيْنِ وَفِي الدِّرَايَةِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْكُتُبِ لَا ثَمَرَةَ لَهُ لَا عُقْدَةَ لَهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَصْلًا بَلْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْعُقْدَةُ وَإِمَّا تَلْيِينُ طَرَفِهِ بِالدَّقِّ إذَا كَانَ يَابِسًا وَهُوَ الظَّاهِرُ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ يُؤْمَرُ بِالسَّوْطِ فَتُقْطَعُ ثَمَرَتُهُ ثُمَّ يُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى يَلِينَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِهِ قُلْنَا لَهُ فِي زَمَنِ مَنْ كَانَ هَذَا قَالَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُضْرَبُ وَفِي طَرَفِهِ يُبْسٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْرَحُ أَوْ يُبَرِّحُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِي طَرَفِهِ عُقْدَةٌ وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ { رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَدَعَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ شَدِيدٍ لَهُ ثَمَرَةٌ فَقَالَ سَوْطٌ دُونَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ لَيِّنٍ فَقَالَ سَوْطٌ فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ فَقَالَ هَذَا وَأَمَرَ بِهِ فَجَلَدُوهُ } رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ فَذَكَرَهُ وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْحَاصِلُ أَنْ يَجْتَنِبَ كُلًّا مِنْ الثَّمَرَةِ بِمَعْنَى الْعُقْدَةِ وَبِمَعْنَى الْفَرْعِ الَّذِي يَصِيرُ ذَنْبَيْنِ تَعْمِيمًا لِلْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْعَدَدَ مِائَةٌ وَلَوْ تَجَوَّزَ بِالثَّمَرَةِ فِيمَا يُشَاكِلُ الْعُقْدَةَ لِيَعُمَّ الْمَجَازُ مَا هُوَ يَابِسُ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُدَقَّ رَأْسُهُ فَيَصِيرَ مُتَوَسِّطًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالضَّرْبُ الْمُتَوَسِّطُ هُوَ الْمُؤْلِمُ غَيْرُ الْجَارِحِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُهُ ا هـ وَسَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمَرِيضُ يُرْجَمُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ الْجَلَّادَ أَنْ لَا يُبَيِّنَ إبِطَهُ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ زَادَ عَلَيْهِ شَارِحُ الْكَنْزِ فَقَالَ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فَأَبْعَدَ عَمَّا قَالَ الْمُخَرِّجُ إنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ عَلِيٍّ بَلْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَرَّقَ الضَّرْبَ عَلَى أَعْضَائِهِ ) أَيْ عَلَى الْكَتِفَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَعْضَائِهِ مَا نَصُّهُ أَيْ أَعْضَاءِ الْمَحْدُودِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَذُكِرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { قَالَ لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ } وَلَمْ يَحْفَظْهُ الْمُخَرِّجُونَ مَرْفُوعًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ أَوْ فِي حَدٍّ فَقَالَ اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ

عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ أُتِيَ بِرَجُلٍ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ قَالَ وَرَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ا هـ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ } وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ فِي حَالِ قِيَامِ الْحَرْبِ مَعَ الْكُفَّارِ لَوْ تَوَجَّهَ لِأَحَدٍ ضَرْبُ وَجْهِ مَنْ يُبَارِزُهُ أَوْ هُوَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَالَةَ الْحَمْلَةِ لَا يَكُفُّ عَنْهُ إذْ قَدْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقْتُلُهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا مَنْ يَقْتُلُهُ صَبْرًا فِي حَدٍّ قَتْلًا أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ أَيْضًا وَالْمَذَاكِيرُ جَمْعُ ذَكَرٍ بِمَعْنَى الْعُضْوِ فَرَّقُوا فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الذَّكَرِ بِمَعْنَى الرَّجُلِ حَيْثُ قَالُوا ذُكْرَانٌ وَذُكُورَةٌ وَذِكَارَةٌ وَبِمَعْنَى الْعُضْوِ ثُمَّ جَمْعُهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ مَا حَوْلَهُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ ذَكَرًا كَمَا لَوْ قَالُوا شَابَتْ مَفَارِقُهُ وَإِنَّمَا لَهُ مَفْرِقٌ وَاحِدٌ ا هـ وَفِي الصِّحَاحِ الذَّكَرُ خِلَافُ الْأُنْثَى وَالْجَمْعُ ذُكُورٌ وَذُكْرَانٌ وَذِكَارَةٌ أَيْضًا مِثْلُ حَجَرٍ وَحِجَارَةٍ وَالذَّكَرُ الْعَوْفُ وَالْجَمْعُ مَذَاكِيرُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الذَّكَرِ الَّذِي هُوَ الْفَحْلُ وَبَيْنَ الذَّكَرِ الَّذِي هُوَ الْعُضْوُ فِي الْجَمْعِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ هُوَ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِثْلُ الْعَبَادِيدِ وَالْأَبَابِيلِ ا هـ وَفِي الصِّحَاحِ فِي بَابِ الْفَاءِ وَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَتَأَوَّلُ الْعَوْفَ الْفَرْجَ فَذَكَرْتُهُ لِأَبِي عَمْرٍو فَأَنْكَرَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْ دُعَاةٍ ) الدُّعَاةُ جَمْعُ دَاعٍ كَالْقُضَاةِ جَمْعُ قَاضٍ

ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَسَطَ رَأْسِهِ ) أَيْ وَضَرْبُ رَأْسِهِ وَاجِبٌ وَإِهْلَاكُهُ مُسْتَحَقٌّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُضْرَبُ الصَّدْرُ وَالْبَطْنُ ) قَالَ الْكَمَالُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّدْرُ مِنْ الْمَحَامِلِ وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ الْمُتَوَسِّطِ عَدَدًا يَسِيرًا لَا يَقْتُلُ فِي الْبَطْنِ فَكَيْفَ بِالصَّدْرِ نَعَمْ إذَا فَعَلَ بِالْعَصَا كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا فِي بُيُوتِ الظَّلَمَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْرِبَ الْبَطْنَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا قِيلَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْكَافِي إنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَخُصُّ الظَّهْرَ وَاسْتِدْلَالُ الشَّارِحِينَ عَلَيْهِ { بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك } غَيْرُ ثَابِتٍ فِي كُتُبِهِمْ بَلْ الَّذِي فِيهَا كَقَوْلِنَا وَإِنَّمَا رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ خَصَّ الظَّهْرَ وَمَا يَلِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّهْرِ نَفْسُهُ أَيْ حَدٌّ عَلَيْك بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ مِثْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمَا اسْتَنْبَطْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ } وَأَنَّهُ فِي نَحْوِ الْحَدِّ فَمَا سِوَاهُ دَاخِلٌ فِي الضَّرْبِ ثُمَّ خُصَّ مِنْهُ الْفَرْجُ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا فِي الْحُدُودِ غَيْرَ مَمْدُودٍ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُضْرَبُ الرِّجَالُ فِي الْحُدُودِ قِيَامًا وَالنِّسَاءُ قُعُودًا وَلِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّشْهِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ وَالْمَمْدُودُ هُوَ الْمُلْقَى فِي الْأَرْضِ كَمَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ وَقِيلَ أَنْ يُمَدَّ فَيَرْفَعُ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَقِيلَ أَنْ يُمَدَّ السَّوْطُ عَلَى جَسَدِهِ عِنْدَ الضَّرْبِ فَيَجُرُّ عَلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُنْزَعُ ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ ) أَيْ الْمَرْأَةِ لَا يُنْزَعُ عَنْهَا ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالْفَرْوُ وَالْحَشْوُ يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَى الْجَسَدِ وَالسَّتْرُ حَاصِلٌ بِدُونِهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمَا فَيُنْزَعَانِ لِيَصِلَ الْأَلَمُ إلَى الْبَدَنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُضْرَبُ جَالِسَةً ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فَلَوْ ضُرِبَتْ قَائِمَةً فَلَا يُؤْمَنُ كَشْفُ عَوْرَتِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُحْفَرُ لَهَا فِي الرَّجْمِ لَا لَهُ ) أَيْ يُحْفَرُ لِلْمَرْأَةِ لَا لِلرَّجُلِ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ فَوَاَللَّهِ مَا حَفَرْنَا لِمَاعِزٍ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ الْحَدِيثَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ حُفِرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى صَدْرِهَا رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَضْطَرِبُ إذَا أَصَابَتْهَا الْحِجَارَةُ فَتَبْدُوَ أَعْضَاؤُهَا وَهِيَ كُلُّهَا عَوْرَةٌ فَكَانَ الْحَفْرُ أَسْتَرَ لَهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ الْحَفْرِ لَهَا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الْمَرْجُومِ

( قَوْلُهُ عَلَى التَّشْهِيرِ ) أَيْ زَجْرًا لِلْعَامَّةِ عَنْ مِثْلِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَيَرْفَعُ ) أَيْ الضَّارِبُ ا هـ ( قَوْلُهُ عِنْدَ الضَّرْبِ ) أَيْ بَعْدَ وُقُوعِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَقِفْ وَلَمْ يَصْبِرْ لَا بَأْسَ بِرَبْطِهِ عَلَى أُسْطُوَانَةٍ أَوْ يُمْسَكُ ا هـ .

( فَرْعٌ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي مَسْجِدٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَلَا تَعْزِيرٌ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّأْدِيبِ فِي الْمَسْجِدِ خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقَامَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْحَدَّ فِي الْمَسْجِدِ فَخَطَّأَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَجَمِّرُوهَا فِي جُمَعِكُمْ وَضَعُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ } وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَحْدُودِ فَيَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ ا هـ قَوْلُهُ وَجَمِّرُوهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ الَّذِي كَانَ يَلِي إجْمَارَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ قُبَيْلَ فَصْلِ حَدِّ الْقَذْفِ وَلَا قَوَدَ وَلَا تَعْزِيرَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إذَا أَرَادَ إقَامَةَ الْحَدِّ بَيْنَ يَدَيْهِ ا هـ وَذَكَرَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ فَصْلِ التَّعْزِيرِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يُقَامُ فِي الْمَسْجِدِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَحُدُّ عَبْدَهُ إلَّا بِإِذْنِ إمَامِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى لَا يَحُدُّهُ إلَّا إذَا فَوَّضَ الْإِمَامُ إلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ الَّذِي هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَايَنَ السَّبَبَ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى مِمَّنْ يَمْلِكُ الْحَدَّ بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ لَهُ وَجْهَانِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مُكَاتَبًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ لَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً مُطْلَقَةً فَيَمْلِكُ إقَامَةَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ كَالْإِمَامِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْإِمَامِ حَتَّى مَلَكَ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُ دُونَ الْوَلِيِّ بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمِلْكِ فَوْقَهَا وَوِلَايَةَ الْقَرَابَةِ فَوْقَ وِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بَعْدَ فَقْدِ الْقَرِيبِ فَلَمَّا جُعِلَتْ وِلَايَةُ الْمِلْكِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَرَابَةِ دَلَّ أَنَّهَا فَوْقَ وِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ ضَرُورَةً وَلِهَذَا يَمْلِكُ تَعْزِيرَهُ كَمَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ وَالْحَدُّ كَالتَّعْزِيرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا { أَرْبَعَةٌ إلَى الْوُلَاةِ الْحُدُودُ وَالصَّدَقَاتُ وَالْجُمُعَاتُ وَالْفَيْءُ } وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِهِ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَلِهَذَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62