كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

الْحَاشِيَةِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ مَا نَصَّهُ ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مَا إذَا حَجَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا حَجَّ مُنْفَرِدًا وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حِينَئِذٍ كَمَا إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ قُنْيَةٌ قَوْلُهُ لِبَيَانِ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ الْعَدْلِ ) أَيْ بِسَبَبِ الْعَدْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ نَظِيرُهُ : قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ) أَيْ فِي مِثْلِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ) أَيْ أَوْ عَبْدًا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمُحْرِمَ إلَخْ ) صَحَّحَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ الْأَوَّلَ وَصَحَّحَ السِّغْنَاقِيُّ الثَّانِيَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهَا ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ لِيَحُجَّ بِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ اكْتِسَابُ الْمَالِ لِأَجْلِ الْحَجِّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ أَوْ عَبْدٌ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى لَمْ يَجُزْ عَنْ فَرْضِهِ ) ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِلْفَرْضِ كَالضَّرُورَةِ إذَا أَحْرَمَ لِلنَّفْلِ لَا يُؤَدِّي بِهِ الْفَرْضَ وَكَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ إذَا عَقَدَ لِلنَّفْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الْفَرْضَ فَإِنْ قِيلَ الْإِحْرَامُ شَرْطٌ عِنْدَكُمْ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ كَالصَّبِيِّ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ بَلَغَ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ قُلْنَا الْإِحْرَامُ يُشْبِهُ الرُّكْنَ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ اتِّصَالُ الْأَدَاءِ بِهِ فَأَخَذْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا مَضَى يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَكُونُ عَنْهُ وَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الصَّبِيُّ لَوْ أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَرِّدَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً .

( قَوْلُهُ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إحْرَامِهِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ ) أَيْ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا حَتَّى لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ الصِّيَامُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بِالْإِرَاقَةِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ ، وَإِنْ كَانَ تَكْفِيرُهُ بِالصَّوْمِ ا هـ كَاكِيٌّ فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْكَافِي وَاعْلَمْ أَنَّ فُرُوضَ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَوَاجِبُهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الصَّدْرِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَذَاتُ عِرْقٍ وَالْجُحْفَةُ وَقَرْنٌ وَيَلَمْلَمَ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا ) أَيْ الْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَتَجَاوَزُهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَقْتٌ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ فَقَالَ هُنَّ لَهُمْ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي أَكْثَرِ طُرُقِهِ هُنَّ لَهُنَّ وَالْأَوَّلُ الْأَصَحُّ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ تَقْدِيرُهُ هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ فَحَذَفَ الْأَهْلَ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمَنْ سَلَكَ مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَحْرَمَ مِنْهُ لِمَا رَوَيْنَا ، وَإِنْ سَلَكَ مِيقَاتَيْنِ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّ اجْتَهَدَ أَوْ أَحْرَمَ إذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْهُمَا وَأَبْعَدُهُمَا أَوْلَى بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَحْرَمَ مِنْ الْجُحْفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا مَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَكَذَا كُلَّمَا كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إذَا أَرَادَتْ الْحَجَّ

أَحْرَمَتْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَإِذَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ أَحْرَمَتْ مِنْ الْجُحْفَةِ فَكَأَنَّهَا طَلَبَتْ زِيَادَةَ الْأَجْرِ فِي الْحَجِّ لِزِيَادَةِ فَضْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْجُحْفَةُ مِيقَاتًا لَهَا لَمَا جَازَ لَهَا تَأْخِيرُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ فِي الْمِيقَاتِ ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذْ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ ، وَإِذَا أَرَادَ غَيْرَهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ شُرِعَ لِأَدَاءِ النُّسُكِ فَإِذَا نَوَاهُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَحِيَّةِ الْبُقْعَةِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ } الْحَدِيثَ ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ التَّاجِرُ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْبَيْتَ مُعَظَّمًا وَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِنَاءً لَهُ وَجَعَلَ مَكَّةَ فِنَاءً لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَجَعَلَ الْمِيقَاتَ فِنَاءً لِلْمُحْرِمِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِكَيْفِيَّةِ تَعْظِيمِهِ ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا رَوَاهُ كَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ السَّاعَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ { مَكَّةُ حَرَامٌ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا } يَعْنِي الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِإِجْمَاعِ

الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِلِّ الدُّخُولِ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْقِتَالِ وَقَوْلُهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْإِحْرَامُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ عِنْدَ إرَادَةِ النُّسُكِ إجْمَاعًا وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِحَاجَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُكْثِرُ دُخُولَهُ مَكَّةَ وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَأَلْحَقُوا بِأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُمْ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بَعْدَمَا خَرَجُوا مِنْهَا لِحَاجَةٍ ؛ لِأَنَّهُمْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلِهَذَا أُلْحِقُوا بِهِمْ فِي عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدُوا أَدَاءَ النُّسُكِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوهُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ إلَخْ ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَمَنْ لَا وَعَنْ شَرَائِطِهِ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ ا هـ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْوَقْتُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُبْهَمَةِ وَالْمَوَاقِيتُ جَمْعُ الْمِيقَاتِ ، وَهُوَ الْوَقْتُ الْمَحْدُودُ فَاسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ وَمِنْهُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ لِمَوَاضِع الْإِحْرَامِ وَقَدْ فَعَلَ بِالْوَقْتِ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ تَعَدَّى وَقْتُهُ إلَى وَقْتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ أَيْ مِيقَاتُهُ بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ حَدٍّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ هَلْ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ أَيْ حَدٌّ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَقَدْ اشْتَقُّوا فِيهِ فَقَالُوا وَقَتَ اللَّهُ الصَّلَاةَ وَوَقَّتَهَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْ بَيَّنَ وَقْتَهَا وَحَدَّدَهُ ( قَوْلُهُ وَقَرَنَ ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الْقَرَنُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَوْضِعٌ ، وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ وَمِنْهُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ وَالْقَرْنُ بِالسُّكُونِ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي مَكَانَيْنِ فِيهِ فِي تَحْرِيكِ الرَّاءِ وَنِسْبَةُ أُوَيْسٍ إلَى الْمَكَانِ ، وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى قَرَنٍ ، وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادِ قَبِيلَةٍ ا هـ سَرُوجِيٌّ ( قَوْلُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَلِأَهْلِ النَّجْدِ ) بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي خَطِّهِ ( قَوْلُهُ فَقَالَ هُنَّ لَهُمْ ) هُنَّ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ الْعَاقِلِ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ يُعَادُ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي الْعَشَرَةِ فَدُونٍ فَإِذَا جَاوَزَهَا قَالُوهُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ كَمَا قَالَ تَعَالَى { اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } ثُمَّ قَالَ { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } ا هـ شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ ( قَوْلُهُ فَمُهَلُّهُ ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَوْضِعُ إهْلَالِهِمْ ا هـ .

تَنْقِيحٌ الزَّرْكَشِيّ وَضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ ( قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَخْ ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْدَهَا أَوْ فِيهَا نَفْسِهَا فِي نَصِّ الرِّوَايَةِ ا هـ كَمَالٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا لَا عَكْسُهُ ) أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ ، وَهُوَ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ وَابْنُ مَاجَهْ وَذَكَرَ فِيهِ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجَّةِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتَّعْظِيمَ أَوْفَرُ فَكَانَ عَزِيمَةً وَالتَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ رُخْصَةً ؛ وَلِهَذَا كَانَ كِبَارُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَتَبَادَرُونَ إلَيْهِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمِنْ بَصْرَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّقْدِيمَ ، إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ .

( قَوْلُهُ أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ إلَخْ ) بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَجْمَعُوا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ فَيَجِبُ حَمْلُ الْأَفْضَلِيَّةِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ دَارِهِ إلَى مَكَّةَ دُونَ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي قَاضِي خَانْ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ إلَخْ ) ثُمَّ هَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ إيجَابَ الْإِتْمَامِ عَلَى مَنْ شَرَعَ فِي بَحْثِ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي أَوَّلَ كِتَابِ الْحَجِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ) هِيَ تَصْغِيرُ الدَّارِ وَعَنْ شَيْخِ شَيْخِي ، وَإِنَّمَا قَالَ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ لِمُقَابَلَةِ بَيْتِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْبُيُوتِ مُحَقَّرٌ بِنِسْبَتِهِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ { غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ أَيْ وَمَا تَأَخَّرَ وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ } رَوَاهُ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ ا هـ غَايَةُ الْبَيَانِ ( قَوْلُهُ ، إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إلَخْ ) ثُمَّ إذَا انْتَفَتْ الْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ نَفْسَهُ هَلْ يَكُونُ الثَّابِتُ الْإِبَاحَةَ أَوْ الْكَرَاهَةَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ا هـ كَمَالٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِدَاخِلِهَا الْحِلُّ ) أَيْ الْمِيقَاتُ لِأَهْلِ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ الْحِلُّ الَّذِي هُوَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ إلَى الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّ خَارِجَ الْحَرَمِ كُلِّهِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِي حَقِّهِ وَالْحَرَمُ فِي حَقِّهِ كَالْمِيقَاتِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إلَّا مُحْرِمًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْمَكِّيِّ الْحَرَمُ لِلْحَجِّ وَالْحِلُّ لِلْعُمْرَةِ ) أَيْ الْوَقْتُ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْحَرَمُ فِي الْحَجِّ وَالْحِلُّ فِي الْعُمْرَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْمُرُ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ ، وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ بِتَبْدِيلِ الْمَكَانِ وَالتَّنْعِيمُ أَفْضُلُ لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .( قَوْلُهُ لِأَهْلِ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ ) وَمَنْ هُوَ فِي نَفْسِ الْمَوَاقِيتِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ وَلِلْمَكِّيِّ الْحَرَمُ ) اُنْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ قُبَيْلَ بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ نَافِعٌ هُنَا ( قَوْلُهُ وَالتَّنْعِيمُ أَفْضَلُ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالتَّنْعِيمُ مَصْدَرُ نَعَّمَهُ إذَا أَتْرَفَهُ وَبِهِ سُمِّيَ التَّنْعِيمُ ، وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ عِنْدَ مَسْجِدِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ا هـ .

( بَابُ الْإِحْرَامِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تُحْرِمَ فَتَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ ) لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَوَضَّأُ أَحْيَانَا وَيَغْتَسِلُ أَحْيَانَا ، وَإِنَّمَا كَانَ الْغُسْلُ أَفْضَلَ ؛ { لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اخْتَارَهُ } ؛ وَلِأَنَّهُ أَعَمُّ وَأَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ فَكَانَ أَفْضَلَ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُسْلِ تَحْصِيلُ النَّظَافَةِ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ لَا الطَّهَارَةُ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ امْرَأَتُهُ حِينَ نَفِسَتْ بِابْنِهِ مُحَمَّدٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : { إنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ لَهَا ؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ .

( بَابُ الْإِحْرَامِ ) لَمَّا ذَكَرَ الْمَوَاقِيتِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِحْرَامَ كَيْفَ يُفْعَلُ عِنْدَ الْمَوَاقِيتِ وَالْإِحْرَامُ مَصْدَرُ قَوْلِك أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُهْتَكُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بِالْإِحْرَامِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الرَّفَثُ وَالْفُسُوقُ وَالْجِدَالُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَصُورَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَنْ يُلَبِّيَ بِلِسَانِهِ وَيَنْوِيَ بِقَلْبِهِ الْحَجَّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْكُرَ النِّيَّةَ بِاللِّسَانِ مَعَ الْقَلْبِ ثُمَّ الْمُحْرِمُونَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ وَمُفْرِدٌ بِالْعُمْرَةِ وَقَارِنٌ وَمُتَمَتِّعٌ وَبَيَانُ الْكُلِّ يَأْتِي فِي الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ الْإِحْرَامُ شَرْطُ الْأَدَاءِ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يَصِحَّ الْحَجُّ بِدُونِهِ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ ؛ وَلِهَذَا جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ عِنْدَنَا كَتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ : وَأَحْرَمَ الشَّخْصُ دَخَلَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَمَعْنَاهُ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ بِهِ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُ ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ أَنْجَدَ إذَا أَتَى نَجْدًا وَأَتْهَمَ إذَا أَتَى تِهَامَةَ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ كَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِذَا أَرَدْت ) أَيْ أَيُّهَا الطَّالِبُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَقَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِالْخِطَابِ تَحْرِيضًا عَلَى تَعَلُّمِ أُمُورِ الْإِحْرَامِ وَاهْتِمَامًا لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَعْرِفَتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُسْلِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَهَذَا الْغُسْلُ أَعْنِي غُسْلَ الْإِحْرَامِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْظِيفِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ بِدَلَالَةِ اغْتِسَالِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ ثُمَّ غُسْلٌ يَكُونُ بِمَعْنَى النَّظَافَةِ

فَالْوُضُوءُ يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ( قَوْلُهُ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ امْرَأَتُهُ إلَخْ ) هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ نَفِسَتْ بِالشَّجَرَةِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْكَرْمَانِيِّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ نُفِسَتْ ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَالْجَمْعُ نِفَاسٌ وَالنِّفَاسُ مَصْدَرُ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا إذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَهُنَّ نِفَاسٌ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ نَفِسَتْ أَيْ حَاضَتْ وَالضَّمُّ فِيهِ خَطَأٌ ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ إلَخْ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسَنُّ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ قُلْنَا الْمَقْصُودُ بِالْغُسْلِ تَنْظِيفُ الْبَدَنِ وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ وَالتُّرَابُ مُلَوِّثٌ وَمُغَبِّرٌ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ وَتَكْرَارُ الْمَسْحِ بِهِ ا هـ سَرُوجِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْغُسْلِ تَحْصِيلُ النَّظَافَةِ إلَى آخِرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ) أَيْ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ فِيهِمَا إقَامَةُ السُّنَّةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْبَسْ إزَارًا وَرِدَاءً جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَبِسَهُمَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَذَلِكَ فِيمَا عَيَّنَّاهُ ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْجَدِيدُ أَوْ الْغِسِّيلُ لِلنَّظَافَةِ وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَرْكَبْهُ النَّجَاسَةُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَا أَبْيَضَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجِنَازَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَطَيَّبْ ) وَكَرِهَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ لِرَجُلٍ مُحْرِمٍ سَأَلَهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الطِّيبِ أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا } ؛ وَلِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِالطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ ، وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ { كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ } وَفِي رِوَايَةٍ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ تَطَيَّبَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَبِيصَ الدُّهْنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ { : كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَا يَنْهَانَا عَنْهُ } ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَطَيِّبٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَالْبَاقِي فِي جَسَدِهِ تَابِعٌ لَهُ كَالْحَلَقِ بِخِلَافِ لُبْسِ الْمَخِيطِ أَوْ لُبْسِ الْمُطَيَّبِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا ؛

لِأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْفَتْحِ فِي الْعُمْرَةِ وَمَا رَوَيْنَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ الْمُحْرِمُ لَا يَشُمُّ طِيبًا آخَرَ مِنْ خَارِجٍ غَيْرَ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَا الرَّيْحَانَ وَلَا الثِّمَارَ الطَّيِّبَةَ الرَّائِحَةِ ثُمَّ كَمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْلِيمُ أَظْفَارِهِ وَقَصُّ شَارِبِهِ وَحَلْقُ عَانَتِهِ وَنَتْفُ إبْطِهِ وَتَسْرِيحُ رَأْسِهِ عَقِيبَ الْغَسِيلِ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ إذَا أَرَادُوا أَنْ يُحْرِمُوا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ) يَعْنِي بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّى رَكْعَتَيْنِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلَا يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي ) ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَبَايِنَةٍ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ عَادَةً فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ وَيَسْأَلُ مِنْهُ التَّقَبُّلَ كَمَا سَأَلَهُ الْخَلِيلُ وَإِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي قَوْلِهِمَا { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وَكَذَا يُسْأَلُ فِي جَمِيعِ الطَّاعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ .

( قَوْلُهُ مِنْ الْمَتْنِ وَالْبَسْ إزَارًا وَرِدَاءً ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكُونُ مُضْطَبِعًا فِيهِ وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَتَوَشَّحَ بِرِدَائِهِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ تَحْتِ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَيُغَطِّيَهُ وَيُبْدِيَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَبِسَ فِي إحْرَامِهِ إزَارًا وَرِدَاءً } عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاضْطَبَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ لَمْ يَبْقَ سُنَّةً فِي هَذَا الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ لِأَجْلِ الْمُشْرِكِينَ إظْهَارًا لِلْقُوَّةِ وَالْجَلَادَةِ حَيْثُ طَعَنَ الْمُشْرِكُونَ فِي عَجْزِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ا هـ وَقَوْلُهُ إزَارًا الْإِزَارُ مِنْ الْحَقْوِ وَالرِّدَاءُ مِنْ الْكَتِفِ وَيُدْخِلُ الرِّدَاءَ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ فَيَبْقَى كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّمَا ذَكَرَ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ لُبْسِ الْجَدِيدِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ا هـ وَقَوْلُهُ أَوْ غَسِيلَيْنِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى : وَقَدَّمَ الْجَدِيدَ عَلَى الْغَسِيلِ لِمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَزَيَّنْ لِعِبَادَةِ رَبِّك } ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَطَيَّبَ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيَمَسُّ طِيبًا إنْ شَاءَ وَيَدْهُنُ بِأَيِّ دُهْنٍ شَاءَ وَيَتَطَيَّبُ بِأَيِّ طِيبٍ شَاءَ سَوَاءٌ تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ لَا وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ :

وَيَتَطَيَّبُ وَيَدْهُنُ بِمَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأُصُولِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا حَتَّى رَأَيْت قَوْمًا أَحْضَرُوا طِيبًا كَثِيرًا ، وَرَأَيْت أَمْرًا شَنِيعًا فَكَرِهْته ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ ) أَيْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَبِيصَ الطِّيبِ ) وَالْوَبِيصُ هُوَ بَرِيقُ الطِّيبِ هَذَا فِي الْبَدَنِ أَمَّا فِي الثَّوْبِ فَيُكْرَهُ الطِّيبُ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ سَرِيعًا ا هـ كَرْمَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ لُبْسِ الْمَخِيطِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ حَيْثُ يُمْنَعُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لِكَوْنِ الثَّوْبِ مُبَايِنًا عَنْ الْبَدَنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ ) لَيْسَتْ الْوَاوُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرُ مِنْ اللَّهِ إلَخْ ) وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَأَدَاءَهَا عَادَةً مُتَيَسِّرٌ ا هـ هِدَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَبِّ دُبُرَ صَلَاتِك تَنْوِي بِهَا الْحَجَّ ) أَيْ لَبِّ عَقِيبَ الصَّلَاةِ ، وَأَنْتَ تَنْوِي الْحَجَّ بِالتَّلْبِيَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ أَيْ التَّلْبِيَةَ } وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ عَجَبًا لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إهْلَالِهِ فَقَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ ، إنَّمَا كَانَتْ مِنْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ بِذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ } وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ ، إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا ، إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ فَقَالُوا ، إنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَأَزَالَ الْإِشْكَالَ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطٌ لِجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ } وَالْإِخْلَاصُ بِالنِّيَّةِ وَذِكْرُ مَا يُحْرِمُ

بِهِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ ذَكَرَ وَقَالَ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ إلَى آخِرِهَا كَانَ أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْقَلْبِ اللِّسَانَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك ) أَيْ التَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ إلَخْ كَذَا حَكَى ابْنُ عُمَرَ تَلْبِيَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَثَعْلَبٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ قَوْلِهِ ، إنَّ الْحَمْدَ ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَمَّا قَالَ لَبَّيْكَ اسْتَأْنَفَ كَلَامًا آخَرَ زِيَادَةَ ثَنَاءٍ وَتَوْحِيدٍ وَالْفَتْحُ تَعْلِيلٌ كَأَنَّهُ قَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك فَيَكُونُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَثِيرُ مَدْحٍ وَبِالْكَسْرِ ابْتِدَاءُ ثَنَاءٍ فَكَانَ الْأَوْلَى وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ فَتْحَهَا وَبِالْكَسْرِ لَا يَتَعَيَّنُ الِابْتِدَاءُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { ، إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك ، إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } وَكَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ، إنَّهَا مِنْ الطَّوَافَيْنِ وَالطَّوَّافَاتِ } وَالتَّلْبِيَةُ إجَابَةٌ لِدَعْوَةِ الدَّاعِي وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّاعِي مَنْ هُوَ قِيلَ هُوَ اللَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ } وَقِيلَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ، إنَّ سَيِّدًا بَنَى دَارًا وَاِتَّخَذَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا أَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ } كَمَا حَكَى مُجَاهِدٌ { أَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا قِيلَ لَهُ { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ

يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ قَالَ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَصَعِدَ جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ فَنَادَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَأَجَابُوهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ فِي صُلْبِ آبَائِهِمْ وَأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ } فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ التَّلْبِيَةِ فَمَنْ أَجَابَ مِنْهُمْ مَرَّةً حَجَّ مَرَّةً وَمَنْ أَجَابَ مَرَّتَيْنِ حَجَّ مَرَّتَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَحُجُّونَ بِعَدَدِ مَا أَجَابُوا وَمَنْ لَمْ يُجِبْ لَمْ يَحُجَّ وَلَبَّيْكَ وَرَدَتْ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا قِيلَ مَعْنَاهَا أَنَا أُقِيمُ فِي طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ وَلَبَّ بِهِ إذَا أَقَامَ وَلَزِمَهُ وَلَمْ يُفَارِقْهُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إلَيْك مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَلِبُّ دَارَك أَيْ تُوَاجِهُهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَحَبَّتِي لَك مِنْ قَوْلِهِمْ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ إذَا كَانَتْ مُحِبَّةً لِزَوْجِهَا أَوْ عَاطِفَةً عَلَى وَلَدِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ إخْلَاصِي لَك مِنْ قَوْلِهِمْ حَسَبٌ لُبَابٌ إذَا كَانَ خَالِصًا وَمِنْهُ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا الْخُضُوعُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَا مُلَبٍّ بَيْنَ يَدَيْك أَيْ خَاضِعٌ وَقِيلَ قُرْبًا مِنْك وَطَاعَةً ؛ لِأَنَّ الْإِلْبَابَ الْقُرْبُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَزِدْ فِيهَا وَلَا تَنْقُصْ ) أَيْ زِدْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا شِئْت وَلَا تَنْقُصْ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْهُ لَا يَزِيدُ ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَنْظُومٌ فَتُخِلُّ بِهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ كَالتَّشَهُّدِ وَالْأَذَانِ وَلَنَا أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ زِيَادَةً عَلَى الْمَرْوِيِّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بَيْنَ يَدَيْك وَالرُّغْبَا إلَيْك وَالْعَمَلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ { جَابِرٍ أَنَّهُ رَوَى تَلْبِيَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ وَقَالَ وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا } وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَهَا لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ زِيَادَةٌ كَثِيرَةٌ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّنَاءُ وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ ، فَإِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ فِي وَسَطِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ وَأَذْكَارٌ مَحْصُورَةٌ ؛ وَلِهَذَا لَا يُكَرَّرُ فِيهَا التَّشَهُّدُ وَالتَّلْبِيَةُ تُكَرَّرُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَخِيرِ زَادَ مَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهَا فَرَغَتْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الدَّعَوَاتِ وَالْأَذْكَارِ وَبِخِلَافِ الْأَذَانِ ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ وَلَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ عَنِّي } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِذَا لَبَّيْت نَاوِيًا فَقَدْ أَحْرَمْت ) وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا عِنْدَ وُجُودِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ بِأَيِّهِمَا يَصِيرُ شَارِعًا وَذَكَرَ حُسَامُ الدِّينِ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ لَا بِالتَّلْبِيَةِ كَمَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا بِالتَّكْبِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ تَلْبِيَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَامِ الْتَزَمَ الْكَفَّ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ فَيَصِيرُ شَارِعًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالصَّوْمِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَرْضُ الْحَجِّ الْإِهْلَالُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ التَّلْبِيَةُ وَقَالَ

ابْنُ مَسْعُودٍ الْإِحْرَامُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا إحْرَامَ إلَّا لِمَنْ أَهَلَّ أَوْ لَبَّى ؛ وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْكَانٍ فَوَجَبَ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي تَحْرِيمِهِ ذِكْرٌ يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ الْتِزَامُ الْكَفِّ بَلْ هُوَ الْتِزَامُ الْأَفْعَالِ كَالصَّلَاةِ وَالْكَفُّ شَرْطٌ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَيَصِيرُ شَرْعًا بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ فَارِسِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَرَبِيَّةً فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ النِّيَابَةُ وَيُقَامُ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَ الذِّكْرِ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ فَكَذَا غَيْرُ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ إذَا أَحْرَمَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا بِمَا شَاءَ عَقِيبَ إحْرَامِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ سَأَلَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى أَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَاجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَآمَنُوا بِوَعْدِك وَاتَّبَعُوا أَمْرَك وَاجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت عَنْهُمْ وَارْتَضَيْت وَقَبِلْت اللَّهُمَّ قَدْ أَحْرَمَ لَك شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَمُخِّي وَعِظَامِي .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَبِّ دُبُرَ صَلَاتِك إلَخْ ) ثُمَّ الْكَلَامُ فِي التَّلْبِيَةِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُلَبِّيَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ نَاقَتُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْإِحْرَامِ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهَا التَّلْبِيَةَ أَوْ يَسُوقَ الْهَدْيَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إهْلَالِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمْرَاتٍ وَحَجَّ وَاحِدَةً } ، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ السَّنَةُ الْعَاشِرَةُ مِنْ الْهِجْرَةِ اعْتَمَرَ عُمْرَتَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الصَّحِيحِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَرْسَالًا ) جَمْعُ رَسَلٍ ، وَهُوَ الْجَمَاعَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ ا هـ غَايَةٌ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالرَّسَلُ بِفَتْحَتَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَاَيْمُ اللَّهِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ اَيْمُ اللَّهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْقَسَمِ كَقَوْلِك لَعَمْرُ اللَّهِ وَعَهْدُ اللَّهِ وَفِيهَا لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ وَتُفْتَحُ هَمْزَتُهَا وَتُكْسَرُ ، وَهَمْزَتُهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ وَقَدْ تُقْطَعُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ النُّحَاةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا جَمْعُ يَمِينٍ وَغَيْرُهُمْ يَقُولُ هِيَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِلْقَسَمِ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي بَابِ الْيَاءِ مَعَ اللَّامِ وَالْمِيمِ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَقُولُونَ أَيْمَنُ جَمْعُ يَمِينِ الْقَسَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهُوَ إلَخْ ) ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ ا هـ

( قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْعُضْوَيْنِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ا هـ ( قَوْلُهُ ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ إلَخْ ) وَيَجُوزُ رَفْعُ النِّعْمَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ ا هـ غَايَةٌ وَالنِّعْمَةُ بِكَسْرِ النُّونِ كُلُّ مَا يَصِلُ إلَى الْخَلْقِ مِنْ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْمُلْكُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ سَعَةُ الْمَقْدُورِ وَالْمِلْكُ بِالْكَسْرِ حِيَازَةُ الشَّيْءِ وَتَوْصِيفُ اللَّهِ بِالْأَوَّلِ أَبْلَغُ عَلَى مَا لَا يَخْفَى ا هـ عَيْنِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا ) أَيْ لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي الِابْتِدَاءِ أَكْثَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ فِرِشْتَا ا هـ ( قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك } إلَخْ ) وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأُقِيمُوا الصَّلَاةَ إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } ا هـ ( قَوْلُهُ فَصَعِدَ جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ ) كَذَا هُوَ فِي الْكَافِي وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ الْخَلِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ بَنَاهُ مِنْ خَمْسَةِ أَجْبُلٍ طُورِ سَيْنَاءَ وَطُورِ زِيتَا وَلُبْنَانَ وَالْجُودِيُّ وَأَسَّسَهُ مِنْ حِرَاءَ فَوَقَفَ فِي الْمَقَامِ وَنَادَى : عِبَادَ اللَّهِ حُجُّوا بَيْتَ اللَّهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهَا تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ) أَيْ كَمَا يُقَالُ اُدْخُلُوا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْجَمِيعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ حَسَبٌ لُبَابٌ ) وَالْحَسَبُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُعَدُّ مِنْ الْمَآثِرِ ا هـ مِصْبَاحٌ قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ أَجِلَّاءَ

الصَّحَابَةِ إلَخْ ) كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالرُّغْبَا إلَيْك ) الرُّغْبَا بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْقَصْرِ وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ ، وَهِيَ السُّؤَالُ وَالطَّلَبُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِذْ الْبَيْتُ إلَخْ ) لَمْ يَعْتَبِرْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ اعْتِبَارِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْفِقْهِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فَرْضُ الْحَجِّ الْإِهْلَالُ ) وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ ، وَمِنْهُ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إذَا صَرَخَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْإِحْرَامُ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْإِحْرَامُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمَا كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ التَّلْبِيَةُ كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَصِيرُ شَارِعًا بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ ) أَيْ سِوَى التَّلْبِيَةِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَارِسِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَرَبِيَّةً فِي الْمَشْهُورِ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِدُونِ التَّلْبِيَةِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُهَا كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ عِنْدَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ ا هـ سَرُوجِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ : الْأَخْرَسُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ بِالتَّلْبِيَةِ إنْ قَدَرَ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا وَتَحْرِيكُهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ شَرْطٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ فِيهِ غَيْرُ التَّلْبِيَةِ مَقَامَهَا ، وَهُوَ سَوْقُ الْهَدْيِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَاتَّقِ الرَّفَثَ وَالْفُسُوقَ وَالْجِدَالَ ) لِمَا تَلَوْنَا ، وَهُوَ صِيغَةُ نَفْيٍ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ ، وَهُوَ أَبْلَغُ صِيَغِ النَّهْيِ حَيْثُ ذُكِرَ بِلَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّخَلُّفَ ، وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَحِلُّ لَكُمْ لَيْلَةُ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } وَقِيلَ ذِكْرُ الْجِمَاعِ وَدَوَاعِيهِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِنَّ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَنْشَدَ يَوْمًا وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا إنْ تَصْدُقْ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا فَقِيلَ لَهُ أَتَرْفُثُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَقَالَ الرَّفَثُ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَالْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ وَأَقْبَحُ وُجُوهِ الْمَعَاصِي ؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ التَّضَرُّعِ وَهَجْرُ الْمُبَاحَاتِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَظِيرُهُ الظُّلْمُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } وَالْجِدَالُ الْخِصَامُ مَعَ الرِّفْقَةِ وَالْمُنَازَعَةُ وَالسِّبَابُ وَقِيلَ هُوَ جِدَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ وَقِيلَ التَّفَاخُرُ بِذِكْرِ أَيَّامِهِمْ فَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْقِتَالِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَاتَّقِ إلَخْ ) أَيْ إذَا أَحْرَمْت فَاتَّقِ أَيْ فَاجْتَنِبْ ا هـ ع ( قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا ) الضَّمِيرُ فِي هُنَّ يَرْجِعُ إلَى الْإِبِلِ وَالْهَمِيسُ صَوْتُ إخْفَافِهَا وَلَمِيسُ اسْمُ جَارِيَتِهِ وَالْمَعْنَى إنْ يَصْدُقُ الْفَأْلُ نَفْعَلُ بِهَا مَا نُرِيدُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ جِدَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ ) أَيْ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَحُجُّونَ عَامًا فِي ذِي الْحِجَّةِ وَعَامًا فِي صَفَرٍ وَعَامًا فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ فَلَمَّا { حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا إنَّ الزَّمَانَ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّ الشُّهُورَ اثْنَا عَشْرَ شَهْرًا أَرْبَعَةٌ مِنْهَا حُرُمٌ ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ } فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوَقْتُ فِي بَابِ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ أَلَا ، إنَّ الزَّمَانَ الْحَدِيثَ لَا تُجَادِلُوا بَعْدَ هَذَا فِي وَقْتِ الْحَجِّ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ا هـ كَاكِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ اصْطَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَّقَ حِلَّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ قَدْ الْتَزَمَ بِالْإِحْرَامِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلصَّيْدِ بِمَا يُزِيلُ أَمْنَهُ وَالْأَمْرُ بِهِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ يُزِيلُ الْأَمْنَ عَنْهُ فَيَحْرُمُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقْتَضِي الْحَضْرَةَ وَالدَّلَالَةَ تَقْتَضِي الْغَيْبَةَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَاقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَالثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ قَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ } وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَالْكَعْبُ هُنَا الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فِيمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ أَيْ لَا يَفُوحُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ وَالتَّفْسِيرَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الطِّيبُ لَا اللَّوْنُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ الْمَصْبُوغَ بِمَغْرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ

رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ، وَإِنَّمَا فِيهِ الزِّينَةُ وَالْمُحْرِمُ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ عَنْهَا حَتَّى قَالُوا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَتَحَلَّى بِأَنْوَاعِ الْحُلِيِّ وَتَلْبَسَ الْحَرِيرَ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ حَيْثُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةَ أَيْضًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسِتْرُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ ) يَعْنِي يَتَّقِيهِ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا } وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ فَائِدَةٌ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ وَمَاتَ لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ لَا يُخَمِّرُهُ الْمُحْرِمُ قَالَ هُوَ الصَّحِيحُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهَا تَغْطِيَتُهُ ، وَهُوَ عَوْرَةٌ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَوْلَى وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ إحْرَامَ الْمَرْأَةِ أَثَرٌ فِي الْوَجْهِ فَقَطْ وَسَاقَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِيهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُغَطِّي وَجْهَهُ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى رَأْسِهِ الْعِدْلَ وَالطَّبَقَ وَالْإِجَّانَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ لِلرَّأْسِ وَلَا يَحْمِلُ مَا يُغَطِّي بِهِ الرَّأْسَ عَادَةً كَالثِّيَابِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَغَسْلُهُمَا بِالْخِطْمِيِّ ) أَيْ يَتَّقِي غَسْلَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ لِحْيَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ ، وَإِنَّمَا يَتَّقِيهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَارَ طِيبًا وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَيَجْتَنِبُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ

فَعِنْدَهُ يَجِبُ الدَّمُ ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَعِنْدَهُمَا الصَّدَقَةُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى اشْتِبَاهِ الْخِطْمِيَّ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى التَّحْقِيقِ وَنَظِيرُهُ اخْتِلَافُهُمْ فِي نِكَاحِ الصَّائِبَاتِ وَصِحَّةِ الرُّقْبَى وَالْإِقْطَارِ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَسُّ الطِّيبِ ) أَيْ يَجْتَنِبُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ لَا تُحَنِّطُوهُ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ { قَامَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ الْحَاجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الشَّعِثُ التَّفِلُ } رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَالشَّعَثُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَالتَّفَلُ الرِّيحُ الْكَرِيهَةُ وَعَلَى هَذَا الِادِّهَانُ وَالْحِنَّاءُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ لَهُ الْخِضَابُ بِالْحِنَّا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ { كَانَ خَلِيلِي لَا يُحِبُّ رِيحَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُحِبُّ الطِّيبَ } وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ الدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ الْحِنَّاءُ طِيبٌ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُحِبُّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الطِّيبِ إمَّا لِشِدَّةِ رَائِحَتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلْقُ رَأْسِهِ وَقَصُّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ } وَالْقَصُّ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ فَثَبَتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الشُّعْثِ وَقَضَاءَ التَّفَثِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ ) يَعْنِي لَا يَتَّقِي الِاغْتِسَالَ وَدُخُولَ الْحَمَّامِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اغْتَسَلَ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَكَى أَبُو

أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ اغْتِسَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ يَغْتَسِلُ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُغَيِّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ لِتَوَهُّمِ التَّغْطِيَةِ أَوْ خِيفَةَ قَتْلِ الْقَمْلِ فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ ، وَإِنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَدَلَّكَ افْتَدَى قُلْنَا لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ مُعْتَادَةٍ فَأَشْبَهَ صَبَّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَوَضْعَ يَدَيْهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ وَقَالَ مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ ) أَيْ لَا يَتَّقِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعَادِلُ امْرَأَتَهُ فِي الْمَحْمَلِ لَا يَجْعَلُ عَلَيْهَا ظِلًّا وَلَا يَضَعُ ثَوْبَهُ عَلَى شَجَرَةٍ فَيَتَظَلَّلُ بِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَمَرَ رَجُلًا قَدْ رَفَعَ ثَوْبًا عَلَى عُودٍ يَسْتَتِرُ مِنْ الشَّمْسِ فَقَالَ أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْت لَهُ أَيْ أَبْرِزْ لِلشَّمْسِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ وَلَنَا حَدِيث { أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ حَجَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْت أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَا يُعَارِضُهُ أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتَّى غَطَّاهُ إنْ كَانَ لَا يُصِيبُ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِظْلَالٌ وَلَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشَدُّ الْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَشُدُّ إذَا كَانَتْ فِيهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ ، وَإِنْ شَدَّ افْتَدَى لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَوْثَقِي عَلَيْك نَفَقَتَك بِمَا شِئْت حِينَ سَأَلَتْ عَنْهُ ؛ } وَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَلَا يُبَاحُ بِخِلَافِ مَا إذَا

كَانَتْ فِيهِ نَفَقَتُهُ وَلَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُطْلِقُهُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَلَا هَذَا لَيْسَ بِلُبْسِ مَخِيطٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ ، وَكَذَا شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالتَّخَتُّمُ بِالْخَاتَمِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ شَدَّ الْمِنْطَقَةِ بِالْإِبْرَيْسَمِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَتْلُ الصَّيْدِ إلَخْ ) سَمَّاهُ صَيْدًا قَبْلَ وُقُوعِ الِاصْطِيَادِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَتِهِ ا هـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَأُرِيدُ بِالصَّيْدِ الْمَصِيدُ هُنَا إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ ، وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَصَيْدُ الْبَرِّ حَرَامٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ وَالصَّيْدُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَصَيْدُ الْبَرِّ مَا كَانَ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ وَصَيْدُ الْبَحْرِ مَا كَانَ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَحْرِ أَمَّا الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَحْرِ وَتَوَالُدُهُ فِي الْبَرِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَاَلَّذِي يَتَوَالَدُ فِي الْبَحْرِ وَيَكُونُ فِي الْبَرِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ كَالضُّفْدَعِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّوَالُدُ وَالْكَيْنُونَةُ عَارِضٌ فَيُعْتَبَرُ الْأَصْلُ دُونَ الْعَارِضِ ا هـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَأَمَّا مَا لَا يَتَوَحَّشُ كَالدَّجَاجِ الْأَهْلِيِّ وَالْبَطِّ الْكَسْكَرِيِّ ، وَهُوَ الْبَطُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَنَازِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَلَا بَأْسَ بِذَبْحِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَوَحِّشٍ وَأَمَّا الْبَطُّ الَّذِي يَصِيرُ فَهُوَ صَيْدٌ ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَّقَ حِلَّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرِ ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ وَعِنْدَكُمْ الصَّيْدُ لَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ بِإِشَارَةِ الْمُحْرِمِ وَدَلَالَتِهِ قُلْنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ ا هـ مُسْتَصْفَى وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْحِلِّ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ لَهُ لَحْمُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِوَرْسٍ ) وَالْوَرْسُ شَيْءٌ أَحْمَرُ قَانِئٌ يُشْبِهُ سَحِيقَ الزَّعْفَرَانِ مَجْلُوبٌ مِنْ الْيَمَنِ ا هـ كَاكِيٌّ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ الْكُرْكُمُ ا

هـ ( قَوْلُهُ وَالْكَعْبُ هُنَا إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْكَعْبُ هُنَا الْعَظْمُ الْمُثَلَّثُ الْمُبَطَّنُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ لَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَنْفُضُ ) أَيْ لَا يَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ ) وَهَذَا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطِّيبِ لَا لِلتَّنَاثُرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَصْبُوغًا رَائِحَةً طَيِّبَةً لَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْهُ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى ا هـ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ أَيْ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى أَثَرُ الصَّبْغِ عَلَى غَيْرِهِ ا هـ كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ قَالَ الْعَيْنِيُّ ، وَهُوَ أَقْرَبُ لِمَادَّةِ اللَّفْظِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَتْرُ الرَّأْسِ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَوْ غَطَّى رُبُعَ رَأْسِهِ فَصَاعِدًا يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى مَا عُرِفَ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَخَفَّةِ الْجِنَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمٌ حَتَّى يُغَطِّيَ رَأْسَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهُ إلَخْ ) سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَوْلَى ) أَيْ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ فِي الرَّجُلِ آكَدُ مِنْهُ فِي الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا } الْفَرْقُ بَيْنَ إحْرَامَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُغَطِّي وَجْهَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَبَيَانُهُ أَنَّ وَجْهَ الْمَرْأَةِ مَسْتُورٌ عَادَةً فَإِذَا كَشَفَتْهُ فِي الْإِحْرَامِ يَظْهَرُ

أَثَرُ الْإِحْرَامِ وَرَأْسُ الرَّجُلِ مَسْتُورٌ عَادَةً فَإِذَا كَشَفَهُ يَظْهَرُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَا يُقَالُ الْقِسْمَةُ تَقْتَضِي قَطْعَ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تَحَقَّقَ انْقِطَاعُ الشَّرِكَةِ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَتَّقِي غَسْلَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ ) وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا جَسَدُهُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ ) بِالتَّشْدِيدِ جَمْعُ هَامَّةٍ ، وَهِيَ الدَّابَّةُ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَأُرِيدَ بِهَا الْقَمْلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ التَّفِلُ ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ التَّفِلُ الَّذِي تَرَكَ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ مِنْ التَّفْلِ ، وَهُوَ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ ا هـ قَالَ السُّرُوجِيُّ : نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَدَنِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ طِيبٌ مَحْضٌ مُعَدٌّ لِلتَّطَيُّبِ بِهِ كَالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْغَالِيَةِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهَا وَتَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اُسْتُعْمِلَ حَتَّى لَوْ دَاوَى بِهِ عَيْنَيْهِ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَنَوْعٌ لَيْسَ بِطِيبٍ بِنَفْسِهِ وَلَا فِيهِ مَعْنَى الطِّيبِ كَالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ فَسَوَاءٌ أَكَلَهُ أَوْ أَدْهَنَ بِهِ أَوْ جَعَلَهُ فِي شُقُوقِ رِجْلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَنَوْعٌ لَيْسَ بِطِيبٍ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ أَصْلٌ لِلطِّيبِ وَيُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِدَامِ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ ، فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهِ الْإِدْهَانِ فِي الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ يُعْطَى حُكْمَ الطِّيبِ ، وَإِنْ أُكِلَ وَاسْتُعْمِلَ فِي شُقُوقِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ دَاوَى بِهِ الْجُرْحَ أَوْ دَهَنَ سَاقَيْهِ لَا يُعْطَى حُكْمَ الطِّيبِ كَالشَّحْمِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ وَيُجْبِرَ الْكَسْرَ وَيَعْصِبَهُ وَيَنْزِعَ الضِّرْسَ وَيَخْتَتِنَ وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَيُكْرَهُ تَعْصِيبُ رَأْسِهِ وَلَوْ عَصَّبَهُ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَّبَ غَيْرَهُ

مِنْ بَدَنِهِ لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِ عِلَّةٍ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا عِلَّةٍ ا هـ وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَفِي الْكُحْلِ الْمُطَيِّبِ فِي الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ صَدَقَةٌ وَفِي الْكَثِيرِ دَمٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ إلَخْ ) كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا أَنْ يُقَالَ رَأْسِك وَشَعْرِك وَظُفْرِك ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنْ الْخِطَابِ إلَى الْغَيْبَةِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَفِي جَوَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجِمَاعُ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالطِّيبُ وَالنُّورَةِ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفِّ وَالِاصْطِيَادُ فِي الْبَرِّ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَالْأَدْهَانُ حَتَّى لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَذْبَحُ شَاةً إلَّا فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّ حُكْمَهُ مُخْتَلِفٌ عَلَى مَا يَجِيءُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ) وَدَفَعَ بِتَجْوِيزِ كَوْنِ هَذَا الرَّمْيِ فِي قَوْلِهِ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ ، فَيَكُونُ بَعْدَ إحْلَالِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مِنْ أَلْفَاظِهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَحِينَئِذٍ يَبْعُدُ وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا بَاطِنًا ، وَإِنْ كَانَ السَّنَدُ صَحِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ رَمْيَهَا يَوْمَ النَّحْرِ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَظْلِيلٍ فَالْأَحْسَنُ الِاسْتِدْلَال بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ { فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَصَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ قَالَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَهَا } الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ وَنَمِرَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ فَكَانَ يَطْرَحُ النَّطْعَ عَلَى الشَّجَرَةِ فَيَسْتَظِلُّ بِهِ يَعْنِي ، وَهُوَ مُحْرِمٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ ) يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُصِيبُ يُكْرَهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِالْمُمَاسَّةِ يُقَالُ لِمَنْ جَلَسَ فِي خَيْمَةٍ وَنَزَعَ مَا عَلَى رَأْسِهِ جَلَسَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَدَّ الْهِمْيَانَ فِي وَسَطِهِ ) وَسِينُ الْوَسَطِ مُتَحَرِّكٌ إذَا دَخَلَهُ حَرْفُ الْجَارِ فَلَا يُقَالُ جَلَسْت فِي وَسْطِ الدَّارِ وَالْهِمْيَانُ فُعْلَانَ مِنْ هَمَى الْمَاءُ وَالدَّمْعُ يَهَمِي هَمَيَانًا إذَا سَالَ وَسُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَهَمِي بِمَا فِيهِ هـ كَاكِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَكْثِرْ التَّلْبِيَةَ مَتَى صَلَّيْت أَوْ عَلَوْت شَرَفًا أَوْ هَبَطْت وَادِيًا أَوْ لَقِيت رَكْبًا وَبِالْأَسْحَارِ رَافِعًا صَوْتَك بِهَا ) وَكَذَا إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ أَوْ اسْتَعْطَفَ رَاحِلَتَهُ وَعِنْدَ كُلِّ رُكُوبٍ وَنُزُولٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يُلَبِّي إذَا لَقِيَ رَكْبًا أَوْ صَعِدَ أَكَمَةً أَوْ هَبَطَ وَادِيًا وَفِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَةِ وَآخِرَ اللَّيْلِ } ذَكَرَهُ فِي الْإِلْمَامِ وَقَالَ النَّخَعِيّ : كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ ؛ وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ أَوَّلُهَا شَرْطٌ وَبَاقِيهَا سُنَّةٌ فَيَأْتِي بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْعَجُّ وَالثَّجُّ } وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سُئِلَ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ قَالَ الْعَجُّ وَالثَّجُّ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ إسَالَةُ الدَّمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ زِينَةُ الْحَجِّ وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبْلُغُونَ الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهُمْ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَقَالَ أَنَسٌ سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ زِيَادَةً عَلَى طَاقَتِهِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ وَلَا يَتْرُكُهُ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ يَكُونُ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ الْحَرَمَ اللَّهُمَّ ، إنَّ هَذَا أَمْنَك وَحَرَمُك الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا فَحَرِّمْ لَحْمِي وَدَمِي وَعَظْمِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ اللَّهُمَّ

أَمِّنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك فَإِنَّك أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَأَسْأَلُك أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَيُلَبِّي وَيُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْتَحْضِرُ الْخُشُوعَ وَالْخُضُوعَ فِي قَلْبِهِ وَجَسَدِهِ مَا أَمْكَنَهُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ دَخَلَ فَتَوَاضَعَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَآثَرَ رِضَا اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ أُمُورِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ } وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَيَذْكُرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَهُ } وَعَنْ نَافِعٍ كَانَ { ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَيَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا ، وَهِيَ ثَنِيَّةٌ كَدَاءَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى دَرْبِ الْمُعَلَّى وَطَرِيقِ الْأَبْطَحِ وَمِنَى بِجَنْبِ الْحَجُونِ ، وَهُوَ مَقْبَرَةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَقْبَرَةُ عَلَى يَسَارِ الدَّاخِلِ وَالسِّرُّ فِي هَذَا الدُّخُولِ أَنَّ نِسْبَةَ بَابِ الْبَيْتِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ وَجْهِ الْإِنْسَانِ إلَيْهِ ، وَأَمَاثِلُ النَّاسِ يُقْصَدُونَ مِنْ جِهَةِ وُجُوهِهِمْ لَا مِنْ ظُهُورِهِمْ وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى ، وَهِيَ ثَنِيَّةُ كُدًى مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ عَلَى دَرْبِ الْيَمَنِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { دَخَلَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا } رَوَاهُ النَّسَائِيّ

فَدَخَلَهَا نَهَارًا فِي حَجَّتِهِ وَلَيْلًا فِي عُمْرَتِهِ وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الدُّخُولِ ؛ وَلِأَنَّهُ دُخُولُ بَلْدَةٍ فَاسْتَوَى فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ كَدُخُولِ سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الدُّخُولِ لَيْلًا خَوْفًا مِنْ السُّرَّاقِ وَشَفَقَةً عَلَى الْحُجَّاجِ } وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك جِئْت لِأُؤَدِّيَ فَرَائِضَك وَأَطْلُبَ رَحْمَتَك وَأَلْتَمِسَ رِضَاك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَضَائِك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّينَ إلَيْك الْمُشْفِقِينَ مِنْ عَذَابِك الْخَائِفِينَ مِنْ عِقَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي الْيَوْمَ بِعَفْوِك وَتَحْفَظَنِي بِرَحْمَتِك وَتَجَاوَزْ عَنِّي بِمَغْفِرَتِك وَتُعِينُنِي عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِك اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخَلَنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَابْدَأْ بِالْمَسْجِدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ ) لِمَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ { أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ } ثُمَّ حَجّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ ثُمَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْت أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ حَجَجْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِسَفَرِهِ زِيَارَةُ الْبَيْتِ ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ وَيَكُونُ مُلَبِّيًا فِي دُخُولِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ فَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَخَلَ مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ ؛ وَلِأَنَّ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ قُبَالَةَ الْبَيْتِ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي

دُخُولِهِ وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخَلَنِي فِيهَا اللَّهُمَّ أَنِّي أَسْأَلُك فِي مَقَامِي هَذَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك وَأَنْ تَرْحَمَنِي وَتُقِيلَ عَثْرَتِي وَتَغْفِرَ ذَنْبِي وَتَضَعَ عَنِّي وِزْرِي وَيُلَاحِظُ جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ وَيَتَلَطَّفُ بِمَنْ يُزَاحِمُهُ وَيَعْذُرُهُ وَيَرْحَمُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مَا نُزِعَتْ إلَّا مِنْ قَلْبِ شَقِيٍّ فَإِذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ الْمُطَهَّرِ كَبَّرَ وَهَلَّلَ ثَلَاثًا وَقَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ اللَّهُمَّ زِدْ بَيْتَك هَذَا تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ وَكَرَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ كَانَ يَقُولُ أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَمِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ } وَلَا يَبْدَأُ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ بَلْ بِاسْتِلَامِ الرُّكْنِ وَالطَّوَافِ لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ تِلْقَاءَ الْبَيْتِ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمِلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ } لِحَدِيثِ عَطَاءٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَمِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ } وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُذْهِبُ الرِّقَّةَ فَيَكُونُ كَمَنْ يُكَرِّرُ مَحْفُوظَهُ ، وَإِنْ تَبَرَّكَ بِمَا نُقِلَ

مِنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ فَحَسَنٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُسْتَلِمًا بِلَا إيذَاءٍ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَبَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَقْبَلَهُ فَكَبَّرَ وَهَلَّلَ } { وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ يَا عُمَرُ ، إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ فَلَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ إنْ وَجَدْت خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِلَامَ سُنَّةٌ وَتَرْكُ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ فَالْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلَ الْحَجَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا لِقَوْلِ ابْنُ عُمَرَ { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ وَوَضَعَ شَفَتَهُ عَلَيْهِ وَبَكَى طَوِيلًا فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا عُمَرُ هَهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ } أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَقَبَّلَهُمَا لِقَوْلِ نَافِعٍ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ أَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا كَالْعُرْجُونِ وَنَحْوَهُ وَقَبَّلَهُ لِقَوْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ، وَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَجَعَلَ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَيْهِ كَأَنَّهُ وَاضِعٌ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ

لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ } وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَجَدَ الزِّحَامَ عَلَى الْحَجَرِ اسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَدَعَا إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْحَجَرِ سَجَدَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ سَجَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ هَكَذَا وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك لَمَا قَبَّلْتُك رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَزَادَ الْأَزْرَقِيُّ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ قَالَ وَبِمَ قُلْت قَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَأَيْنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ، وَإِذَا أَخَذَ رَبُّك مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } قَالَ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ أَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمْ الْعَبِيدُ ثُمَّ كَتَبَ مِيثَاقَهُمْ فِي رَقٍّ وَكَانَ هَذَا الْحَجَرُ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ فَقَالَ لَهُ افْتَحْ فَاكَ فَأَلْقَمَهُ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَالَ تَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاك بِالْمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْت فِيهِمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَخَشِيَ أَنْ يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ مِنْ ذَلِكَ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ إلَّا تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلِيٌّ لَمْ يُخَالِفْهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَعُمَرُ لَمْ يُنْكِرْ نَفْعَهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُمَا وَيَقُولُ بَعْدَ الِاسْتِلَامِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إلَيْك بَسَطْت يَدِي وَفِيمَا عِنْدَك عَظُمَتْ رَغْبَتِي فَاقْبَلْ دَعْوَتِي وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَجُدْ لِي بِمَغْفِرَتِك وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ يَقُولُهُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطُفْ مُضْطَبِعًا وَرَاءَ الْحَطِيمِ آخِذًا عَنْ يَمِينِك مِمَّا يَلِي الْبَابَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ) لِمَا رَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ مُضْطَبِعًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالِاضْطِبَاعُ هُوَ أَنْ يُلْقِيَ طَرَفَ رِدَائِهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ تَحْتِ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَ طَرَفَهُ الْآخَرَ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَتَكُونَ كَتِفُهُ الْيُمْنَى مَكْشُوفَةً وَالْيُسْرَى مُغَطَّاةٌ بِطَرَفَيْ الْإِزَارِ وَسُمِّيَ اضْطِبَاعًا مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ ، وَهُوَ الْعَضُدُ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَكْشُوفًا وَأَمَّا طَوَافُهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ ؛ فَلِأَنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا { سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِجْرِ أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ قَالَ ، إنَّ قَوْمَك قَصُرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قَالَتْ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَاف أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْحِجْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسُمِّيَ حَطِيمًا ؛ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِّرَ وَسُمِّيَ حِجْرًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ حُجِرَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ مُنِعَ مِنْهُ ، وَهُوَ

مَحُوطٌ مَمْدُودٌ عَلَى صُورَةِ نِصْفِ دَائِرَةٍ خَارِجٌ مِنْ جِدَارِ الْبَيْتِ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَلَيْسَ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ مِقْدَارُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ مِنْ الْبَيْتِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ سِتُّ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ وَمَا زَادَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَوْ لَمْ يَطُفْ بِالْحِجْرِ بَلْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ كُلَّهُ وَلَوْ أَعَادَ الْحِجْرَ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ وَيَدْخُلُ فِي الْفُرْجَةِ فِي الْإِعَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَلْ لَمَّا وَصَلَ إلَى الْفُرْجَةِ عَادَ وَرَاءَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ أَجْزَأَهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ لَا يُعَدُّ عَوْدُهُ شَوْطًا ؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ وَأَمَّا أَخْذُ الطَّائِفِ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ أَيْ شُرُوعُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَإِذَا حَاذَى الْمُلْتَزَمَ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ ، وَهُوَ بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَالَ اللَّهُمَّ ، إنَّ لَك حُقُوقًا عَلَيَّ فَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَيَّ ، وَإِذَا حَاذَى الْبَابَ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَيْتُ بَيْتُك وَهَذَا الْحَرَمُ حَرَمُك وَهَذَا الْأَمْنُ أَمْنُك وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِينَ بِك مِنْ النَّارِ أَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ فَأَعِذْنِي مِنْهَا ، وَإِذَا حَاذَى الْمَقَامَ عَنْ يَمِينِهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ ، إنَّ هَذَا مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْعَائِذُ اللَّائِذُ بِك مِنْ النَّارِ حَرِّمْ لُحُومَنَا وَبَشَرَتَنَا عَلَى النَّارِ ، وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ ، وَإِذَا أَتَى مِيزَابَ الرَّحْمَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك

إيمَانًا لَا يَزُولُ وَيَقِينًا لَا يَنْفَدُ وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَظَلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْبَةً لَا أَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الشَّامِيَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكُفْرِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْفَقْرِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تَرَمَّلْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ ) لِمَا رَوَيْنَا وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالشَّامِيِّ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَدِمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ وَقَدْ أَوْهَنَتْهُمْ الْحُمَّى فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ أَوْهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى مَا قَالُوا فَلَمَّا قَدِمُوا قَعَدَ الْمُشْرِكُونَ مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ أَيْ قُوَّتَهُمْ فَلَمَّا رَأَوْهُمْ رَمَلُوا قَالُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ أَوْهَنَتْهُمْ هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنَّا } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَنَا فِي الرَّمَلِ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا رَمَلَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِإِرَادَةِ الْجَلَدِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى قُلْنَا { فَعَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ } وَأَصْحَابُهُ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ ، وَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ وَالرَّمَلُ أَنْ يَهُزَّ فِي مَشْيِهِ الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَكْثِرْ التَّلْبِيَةَ إلَخْ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ عَادَ مِنْ الْتِفَاتِ الْغَيْبَةِ إلَى الْحُضُورِ حَيْثُ قَالَ وَأَكْثِرْ بِالْخِطَابِ ا هـ وَقَوْلُهُ وَأَكْثِرْ التَّلْبِيَةَ إلَخْ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ سِتٍّ دُبُرِ الصَّلَاةِ ، وَإِذَا اسْتَقَلَّتْ بِالرَّجُلِ رَاحِلَتُهُ ، وَإِذَا صَعِدَ شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا ، وَإِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَبِالْأَسْحَارِ ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَدْبَارُ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ كَمَا هُوَ النَّصُّ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ فَرَائِضَ كَانَتْ أَوْ نَوَافِلَ وَخَصَّ الطَّحَاوِيُّ بِالْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ وَالْفَوَائِتِ وَأَجْرَاهَا فِي مَجْرَى التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيق وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ الصَّلَوَاتِ تَعْرِيفُ الْمَعْهُودِ الْخَاصِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ لَقِيت رَكْبًا ) رَكْبًا جَمْعُ رَاكِبٍ كَوَفْدٍ جَمْعُ وَافِدٍ قَالَ يَعْقُوبُ هُوَ الْعَشَرَةُ فَمَا فَوْقَهَا مِنْ الْإِبِلِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ وَبِالْأَسْحَارِ ) أَيْ لِكَوْنِهَا وَقْتَ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الدُّعَاءِ الْأَذْكَارُ الْخَفِيَّةُ إلَّا فِيمَا تَعَلَّقَ بِإِعْلَامٍ مَقْصُودٍ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ لِلْوَعْظِ وَتَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ لِلِانْتِقَالِ وَالْقِرَاءَةِ لِلِاسْتِمَاعِ فَالتَّلْبِيَةُ أَيْضًا لِلشُّرُوعِ فِيمَا هُوَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ ، فَلِذَا كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِيهَا رَفْعَ الصَّوْتِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُ ) أَيْ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ ) أَيْ فِي حَقِّ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَهِيَ ثَنِيَّةُ كَدَاءَ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَمَنْعِ الصَّرْفِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَمَنْعِ الصَّرْفِ أَيْ وَيَجُوزُ أَيْضًا صَرْفُهُ ( قَوْلُهُ ، وَهِيَ

ثَنِيَّةُ كُدًى ) أَيْ بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالصَّرْفِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يَبْدَأُ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالُوا أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ مُحْرِمًا كَانَ أَوَّلًا الطَّوَافُ لَا الصَّلَاةُ اللَّهُمَّ إلَّا إنْ دَخَلَ فِي وَقْتِ مَنْعِ النَّاسِ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ أَوْ خَافَ فَوَاتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرَ أَوْ السُّنَّةَ رَاتِبَةً أَوْ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَيُقَدِّمُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّوَافِ ثُمَّ يَطُوفُ فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَطَوَافُ تَحِيَّةٍ أَوْ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ ، وَهُوَ أَيْضًا تَحِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ أَخَصُّ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ هَذَا إنْ دَخَلَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ فَطَوَافُ الْفَرْضِ يُغْنِي كَالْبُدَاءَةِ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ يُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَطَوَافُ الْعُمْرَةِ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَبِّرْ ) أَيْ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ا هـ قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ يَعْنِي عِنْدَ التَّكْبِيرِ لِافْتِتَاحِ الطَّوَافِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ } تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ بِقِيَاسِ الشُّبْهَةِ لَا الْعِلَّةِ وَيَكُونُ بَاطِنُهُمَا فِي هَذَا الرَّفْعِ إلَى الْحَجَرِ كَهَيْئَتِهِمَا فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ شَوْطٍ إذَا لَمْ يَسْتَلِمْهُ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ إلَخْ ) وَسُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ مِنْ أَهَمِّهَا عَقِيبَ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ الْمُسْتَجَابَةَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لَمْ يُعَيِّنْ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ ) الْمَشَاهِدُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأَمَاكِنُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ مُسْتَلِمًا ) يَعْنِي بَعْدَ الرَّفْعِ لِلِافْتِتَاحِ وَالتَّكْبِيرِ تَسْتَلِمُهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَيُقَبِّلْ الْحَجَرَ ) ثُمَّ هَذَا التَّقْبِيلُ لَا يَكُونُ

لَهُ صَوْتٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَقَبَّلَهُمَا ) وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسَحَ الْوَجْهَ بِالْيَدِ مَكَانَ تَقْبِيلِ الْيَدِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَا يُشْرَعُ التَّقْبِيلُ إلَّا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْمُصْحَفِ وَلِأَيْدِي الصَّالِحِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَلِلْقَادِمَيْنِ مِنْ السَّفَرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ وَلَا امْرَأَةً مُحَرَّمَةً وَلِوُجُوهِ الْمَوْتَى الصَّالِحِينَ وَمَنْ نَطَقَ بِعِلْمٍ أَوْ حِكْمَةٍ يُنْتَفَعُ بِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَفِعْلِ السَّلَفِ فَأَمَّا تَقْبِيلُ الْأَحْجَارِ وَالْقُبُورِ وَالْجُدَرَانِ وَالسُّتُورِ وَأَيْدِي الظَّلَمَةِ وَالْفَسَقَةِ وَاسْتِلَامِ ذَلِكَ جَمِيعِهِ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ أَحْجَارَ الْكَعْبَةِ أَوْ الْقَبْرَ الْمُشَرَّفَ أَوْ جِدَارَ حُجْرَتِهِ أَوْ سُتُورَهُمَا أَوْ صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّ التَّقْبِيلَ وَالِاسْتِلَامَ وَنَحْوَهُمَا تَعْظِيمٌ وَالتَّعْظِيمُ خَاصٌّ بِاَللَّهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا أَذِنَ فِيهِ ا هـ قَوْلُهُ لَا يُشْرَعُ التَّقْبِيلُ إلَّا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَيْ وَعَتَبَةِ الْكَعْبَةِ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْمَجْمَعِ وَسَتَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَكَذَلِكَ الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ نَصَّ عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ وَالشَّارِحُ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْعُرْجُونِ ) ، وَهُوَ الْعَذْقُ الَّذِي يُعْوَجُّ وَيُقْطَعُ مِنْهُ الشَّمَارِيخُ فَيَبْقَى عَلَى النَّخْلِ يَابِسًا وَفِي الْمُغْرِبِ أَصْلُ الْكِبَاسَةِ لِانْعِرَاجِهِ وَاعْوِجَاجِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ بِمِحْجَنٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ عُودٌ مُعَقَّفُ الرَّأْسِ وَمَائِلُهُ وَالْحَجَنُ الِاعْوِجَاجُ وَالْمِحْجَنَةُ الْجُوكَانُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ، وَإِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْحَجَرِ سَجَدَ إلَخْ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ السُّجُودُ عَلَى الْحَجَرِ عَقِيبَ التَّقْبِيلِ فَعَنْ { ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ بِجَبْهَتِهِ وَقَالَ رَأَيْت

عُمَرَ قَبَّلَهُ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فَفَعَلْته } رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَجَدَ عَلَى الْحَجَرِ } وَصَحَّحَهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ لِمَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ تَوَسُّطِ عُمَرَ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ قِوَامَ الدِّينِ الْكَاكِيَّ قَالَ وَعِنْدَنَا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ وَنَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مَنَاسِكِهِ ا هـ قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ وَحْدَهُ السُّجُودَ عَلَى الْحَجَرِ وَقَالَ إنَّهُ بِدْعَةٌ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَطُفْ مُضْطَبِعًا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْبَيْتِ فِي طَوَافِهِ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَالْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ وَيَكُونُ طَوَافُهُ وَرَاءَ الشَّاذَرْوَانِ كَيْ لَا يَكُونَ بَعْضُ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الشَّاذَرْوَانُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ الطَّوَافُ عَلَيْهِ وَالشَّاذَرْوَانُ هُوَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمُلْصَقَةُ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى فُرْجَةِ الْحُجْرَةِ قِيلَ بَقِيَ مِنْهُ حِينَ عُمِّرَتْ قُرَيْشٌ وَضُيِّقَتْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ لَا مَرَدَ لَهُ كَثُبُوتِ كَوْنِ بَعْضِ الْحَجَرِ مِنْ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلَانِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَيْتَ هُوَ الْجِدَارُ الْمَرْئِيُّ قَائِمًا إلَى أَعْلَاهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّوَافِ مِنْ جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ لِيَكُونَ مَارًّا عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَيَخْرُجُ مِنْ خِلَافِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمُرُورَ كَذَلِكَ عَلَيْهِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلًا عَلَى

جَانِبِ الْحَجَرِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْحَجَرُ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ يَمْشِي كَذَلِكَ مُسْتَقْبِلًا حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْتَقَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَهَذَا فِي الِافْتِتَاحِ خَاصَّةً ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ ثُمَّ الْمُوَالَاةُ فِي الطَّوَافِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ شَرْطٌ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ إذَا طَالَ الْفَصْلُ وَفِي الْوَبَرِيِّ لَوْ أُقِيمَتْ الْمَكْتُوبَةُ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ فِيهَا ثُمَّ يَبْنِي وَكَذَا فِي السَّعْيِ ا هـ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَالْقِيَامُ وَاجِبٌ فِي الطَّوَافِ حَتَّى لَوْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَوْ فِي مَحَفَّةٍ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ لِعُذْرٍ يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ فَفِي الْمُشَبَّهِ بِهَا أَوْلَى وَلِغَيْرِ عُذْرٍ يُعَدُّ مَا دَامَ بِمَكَّةَ ، وَإِنْ خَرَجَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَا لَوْ طَافَ زَحْفًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ا هـ قَوْلُهُ وَفِي الْوَبَرِيِّ لَوْ أُقِيمَتْ الْمَكْتُوبَةُ إلَخْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَلَوْ خَرَجَ الطَّائِفُ مِنْ طَوَافِهِ لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ جِنَازَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَادَ يَبْنِي عَلَى طَوَافِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَطَشَ فِي طَوَافِهِ فَخَرَجَ إلَى زَمْزَمَ ثُمَّ عَادَ بَنَى } ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْأَفْعَالَ الَّتِي لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا حَرَّمَتْ كُلَّ فِعْلٍ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ا هـ وَقَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ طَافَ زَحْفًا فَعَلَيْهِ دَمٌ أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا نَصَّ الْمَشَايِخُ ، وَهُوَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ الطَّوَافُ مَاشِيًا أَفْضَلُ تَسَاهُلٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ لَا يُقَالُ بَلْ يَنْبَغِي فِي النَّافِلَةِ أَنْ تَجِبَ صَدَقَةً ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ الْمَشْيُ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ شُرُوعَهُ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الْمَشْيِ وَالشُّرُوعُ ، إنَّمَا يُوجِبُ مَا شَرَعَ

فِيهِ ا هـ فَتْحٌ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَطُوفَ مُتَنَعِّلًا إذَا كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ أَوْ بِخُفِّهِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كُرِهَتْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ ) أَيْ ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْمَنْكُوسِ لَا يَصِحُّ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَيَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْأَخْذُ فِي الطَّوَافِ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ فَيَكُونُ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ عَنْ يَسَارِ الطَّائِفِ فَتَرْكُهُ تَرْكُ وَاجِبٍ فَإِنَّمَا يُوجِبُ الْإِثْمَ فَتَجِبُ إعَادَتُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ إعَادَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَأَمَّا الِافْتِتَاحُ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ فِي الْآيَةِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَالْتُحِقَ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا وَقِيلَ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ لَا مُجْمَلَةٌ غَيْرَ أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْهُ قَطُّ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الْفُرُوعِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ وَلَوْ قِيلَ ، إنَّهُ وَاجِبٌ لَمْ يَبْعُدْ ؛ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ مَرَّةً دَلِيلُهُ فَيَأْثَمُ بِهِ وَيُجْزِئُ وَلَوْ كَانَ فِي آيَةِ الطَّوَافِ إجْمَالٌ لَكَانَ شَرْطًا كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لَكِنَّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ مُطْلَقُ التَّطَوُّفِ هُوَ الْفَرْضُ وَافْتِتَاحُهُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ ا هـ وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ افْتَتَحَ الطَّوَافَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ كَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَنَحْوِهِ وَخَتَمَ بِهِ لَا يَجُوزُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ا هـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَلَوْ افْتَتَحَ الطَّوَافَ مِنْ غَيْرِ الرُّكْنِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ أَتَى بِالطَّوَافِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ

الْمُسْتَفِيضَةَ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى الرُّكْنِ ، وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ ؛ لِأَنَّهُ افْتَتَحَ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِ الِافْتِتَاحِ فَلَا يُعْتَدُّ بِافْتِتَاحِهِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رُوِيَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا انْتَهَى فِي الْبِنَاءِ إلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ائْتِنِي بِحَجَرٍ اجْعَلْهُ عَلَامَةً لِابْتِدَاءِ الطَّوَافِ فَخَرَجَ فَجَاءَهُ بِحَجَرٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِغَيْرِهِ فَأَتَاهُ بِغَيْرِهِ فَقَالَ ائْتِنِي بِغَيْرِهِ فَأَتَاهُ بِغَيْرِهِ إلَى ثَالِثِ مَرَّةٍ فَأَلْقَاهُ وَقَالَ لَهُ قَدْ أَتَانِي بِحَجَرٍ مَنْ أَغْنَانِي عَنْ حَجَرِك فَرَأَى الْحَجَرَ فِي مَوْضِعِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَوْضِعَ الِافْتِتَاحِ ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَدَأَ مِنْهُ وَقَالَ { خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ } وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُحَاذِي بِجَمِيعِ بَدَنِهِ جَمِيعَ الْحَجَرِ بِأَنْ يَقِفَ عَلَى يَمِينِ الْحَجَرِ مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ ثُمَّ يَمُرَّ مُسْتَقْبِلًا لَهُ ، وَهُوَ الْأَكْمَلُ الْأَفْضَلُ عِنْدَ الْكُلِّ فَإِنْ كَانَ يُحَاذِي بِبَعْضِ بَدَنِهِ جَمِيعَ الْحَجَرِ مِثْلَ أَنْ يَقِفَ حِذَاءَ وَسْطِ الْحَجَرِ وَبَعْضُ بَدَنِهِ يَكُونُ خَارِجًا مِنْ الْحَجَرِ فَلَهُ فِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ فِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ وَفِي الْجَدِيدِ لَا يَجُوزُ كَاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ عِنْدَهُ فَإِذَا طَافَ الثَّانِيَ احْتَسَبَ الْأَوَّلَ مِنْ حِينِ يَمُرُّ عَلَى الْحَجَرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَعِنْدَنَا الْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ تَرَمَّلْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ مَشَى شَوْطًا ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَرْمُلُ إلَّا فِي شَوْطَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يَرْمُلُ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا رَمَلَ فِيهِ إلَخْ ) وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ لَا رَمَلَ أَصْلًا وَنَقَلَهُ الْكَرْمَانِيُّ عَنْ

بَعْضِ مَشَايِخِنَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ : وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ سَبَبَهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ صَارَ سُنَّةً بِذَلِكَ السَّبَبِ لَكِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِهِ كَرَمْيِ الْجِمَارِ وَسَبَبُهُ رَمْيُ الْخَلِيلِ الشَّيْطَانَ الَّذِي كَانَ يَرَاهُ ثُمَّ بَقِيَ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ قِيلَ فِي حِكْمَةِ الرَّمَلِ الْيَوْمَ إرَاءَةُ الْقُوَّةِ وَالْجَلَادَةِ فِي الطَّاعَةِ وَأَنَّهُ حَسَنٌ فِي طَاعَةٍ يَتَحَمَّلُ فِيهَا الْمَشَاقَّ وَقِيلَ ، إنَّا نُرِي الشَّيْطَانَ بِأَنَّ السَّفَرَ مَا أَضْنَانَا حَتَّى تَنْقَطِعَ وَسْوَسَتُنَا فِي الْمَنَاسِكِ ا هـ ( قَوْلُهُ قُلْنَا { فَعَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ } ) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمئِذٍ ا هـ كَاكِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَاسْتَلِمْ الْحَجَرَ كُلَّمَا مَرَرْت بِهِ إنْ اسْتَطَعْت ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { طَافَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ } أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ ؛ وَلِأَنَّ أَشْوَاطَ الطَّوَافِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَالِاسْتِلَامَ كَالتَّكْبِيرِ فَيَفْتَتِحُ بِهِ كُلَّ شَوْطٍ كَمَا يَفْتَتِحُ كُلَّ رَكْعَةٍ بِالتَّكْبِيرِ وَيَخْتِمُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِلَامِ اسْتَقْبَلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلَا يُقَبِّلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ سُنَّةٌ وَيُقَبِّلُهُ مِثْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ { لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَيْنِ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ لَكِنَّ لَهُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ إنَّ { مَسْحَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ قَبَّلَهُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَعَنْ { ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا تَرَكْت اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ فِي كُلِّ طَوَافِهِ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَرْكَانِ } لِمَا رَوَيْنَا وَسُئِلَ مُعَاوِيَةُ عَنْ اسْتِلَامِ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا قَالَ لَيْسَ

شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْجَوَابِ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ صَدَقْت وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ وُكِّلَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ فَمَنْ قَالَ عِنْدَهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالُوا آمِينَ } وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ ثُمَّ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ .

( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ إلَخْ ) هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ ) هَذَا مُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَخْ ) هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ إذْ لَيْسَ فِيهِ سِوَى إثْبَاتِ رُؤْيَةِ اسْتِلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرُّكْنَيْنِ وَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ كَوْنَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاظَبَةِ وَلَا سُنِّيَّةَ دُونِهَا غَيْرَ أَنَّا عَلِمْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى اسْتِلَامِ الْأَسْوَدِ مِنْ خَارِجٍ فَقُلْنَا بِاسْتِنَانِهِ فَيَكُونُ مُجَرَّدُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ فَتْحِ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ إلَّا الْيَمَانِيَيْنِ ) الْيَمَانِيَيْنِ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّغْلِيبِ ا هـ غَايَةٌ وَهُمَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يُقَبِّلُ الرُّكْنَ } إلَخْ ) هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ فِي كُلِّ طَوَافِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ ) هَذَا نَدْبٌ وَالْمَنْدُوبُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا إلَخْ ) هَذَا أَيْضًا لَيْسَ حُجَّةً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ يَسْتَلِمُهُ فَلَمْ يَتْرُكْهُ هُوَ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُحَافَظَةً مِنْهُ عَلَى الْأَمْرِ الْمُسْتَحَبِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا ) أَيْ غَيْرَ الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ ا هـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ : بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَاخْتِمْ الطَّوَافَ بِهِ وَبِرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَقَامِ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ ) أَيْ اخْتِمْ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَاخْتِمْهُ بِرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَقَامِ أَوْ فِي أَيْ مَوْضِعٍ تَيَسَّرَ لَك مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هِيَ سُنَّةٌ لِانْعِدَامِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَمَّا انْتَهَى إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَرَأَ { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ { وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } { وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثُمَّ عَادَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ فَنَبَّهَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ السُّدِّيَّ وَقَتَادَةُ أُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا عِنْدَ الْمَقَامِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِرَكْعَتَيْنِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ : وَلَا تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عِنْدَنَا كَمَا لَا تُجْزِئُ الْمَنْذُورَةُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ا هـ قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ قُلْت لَا يُجْبَرُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ بِدَمٍ بَلْ يُصَلِّيهِمَا فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَلَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى أَهْلِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هِيَ سُنَّةٌ إلَخْ ) وَتَمَسُّكًا بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ فَقَدْ جَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ تَطَوُّعًا } فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَتَمَسُّكًا بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ وَمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ ، فَإِنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَاجِبَةٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ ) أَيْ إلَّا أَنَّ اسْتِفَادَةَ ذَلِكَ مِنْ التَّنْبِيهِ ، وَهُوَ ظَنِّيٌّ فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ وَيَلْزَمُهُ حُكْمُنَا بِمُوَاظَبَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ أَيْ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لِلْقُدُومِ ، وَهُوَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ ) وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِلْقُدُومِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ طُفْ فِيمَا تَقَدَّمَ أَيْ طُفْ لِلْقُدُومِ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ وَقَوْلُهُ ، وَهُوَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ أَيْ طَوَافُ الْقُدُومِ سُنَّةٌ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَتَى الْبَيْتَ فَلْيُحَيِّهِ بِالطَّوَافِ } أَمْرٌ ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَمَّاهُ تَحِيَّةً بِقَوْلِهِ فَلْيُحَيِّهِ فَلَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِإِكْرَامٍ يَبْدَأُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ كَلَفْظِ التَّطَوُّعِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ أَكْرِمُوا الشُّهُودَ وَلَا يَلْزَمُنَا وُجُوبُ رَدِّ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ إحْسَانٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَازَاةٌ لِسَلَامِهِ الْأَوَّلِ أَوْ نَقُولُ الْمَأْمُورُ بِهِ الْجَوَابُ الْمُقَيَّدُ بِأَحْسَنَ وَذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ؛ وَلِأَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ لَا تَتَكَرَّرُ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ رُكْنٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فَرْضًا لَتَكَرَّرَ وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَنْ يَقْدَمُ وَأَهْلُ مَكَّةَ لَا يَقْدَمُونَ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِمْ كَالْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَقَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتنِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتنِي وَاخْلُفْ عَلَى كُلِّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ صَلَاتِهِ خَلْفَ الْمَقَامِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ وَيُفْرِغُ الْبَاقِيَ فِي الْبِئْرِ وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك

رِزْقًا وَاسِعًا وَعِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ } وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى طَعَامًا لِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ فَصَاعِدًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ مِثْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ ثُمَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ } فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِلْقُدُومِ ، وَهُوَ سُنَّةٌ إلَخْ ) طَوَافُ الْقُدُومِ لَهُ سِتَّةُ أَسْمَاءٍ الْأَوَّلُ هَذَا وَالثَّانِي طَوَافُ اللِّقَاءِ وَالثَّالِثُ طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَالرَّابِعُ طَوَافُ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ وَالْخَامِسُ الطَّوَافُ لِلنَّفْلِ وَالسَّادِسُ طَوَافُ الْوُرُودِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِيهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَيُؤَخِّرُ رَكْعَتَيْهِ إلَى وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ ، وَهُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مِنْ أَتَى الْبَيْتَ } إلَخْ ) الْحَدِيثَ هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ ) أَيْ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهَا التَّبَرُّعُ ؛ لِأَنَّهَا فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إكْرَامٍ يَبْدَأُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ كَلَفْظِ التَّطَوُّعِ فَلَوْ قَالَ تَطَوَّعَ أَفَادَ النَّدْبَ فَكَذَا إذَا قَالَ تَحِيَّةً ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهَا أَيْ التَّحِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَازَاةٌ لِسَلَامَةِ الْأَوَّلِ ) فَلَفْظُ التَّحِيَّةِ فِيهِ مِنْ مَجَازِ الْمُشَاكَلَةِ مِثْلُ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ لَا تَتَكَرَّرُ إلَخْ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : وَأَمَّا الْجَوَابُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الدَّلِيلُ الْقَائِلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقَدْ تَعَيَّنَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ كَذَلِكَ ، فَإِنَّمَا يُفِيدُ لَوْ ادَّعَى فِي طَوَافِ الْقُدُومِ الرُّكْنِيَّةَ بِدَعْوَى الِافْتِرَاضِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُدَّعَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَهُمَا فَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي طَوَافٍ آخَرَ إنْ كَانَ قَبْلَ إتْمَامِ شَوْطٍ رَفَضَهُ وَبَعْدَ إتْمَامِهِ لَا ا هـ ثُمَّ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَصْلُ

فِي وَقْتٍ لَا يُكْرَهُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَمَّا إذَا كَانَ فِي وَقْتٍ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ الْوَصْلَ لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ إلَخْ ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوِتْرَ أَصْلٌ لِلطَّوَافِ ، وَهُوَ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ عَادَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ وَاسْتَلَمَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ يُفْتَتَحُ بِالِاسْتِلَامِ فَكَذَا السَّعْيُ يُفْتَتَحُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ سَعْيٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ اُخْرُجْ إلَى الصَّفَا وَقُمْ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلًا الْبَيْتَ مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاعِيًا رَبَّك بِحَاجَتِك ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { بَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَوَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ وَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْتَصَبَتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُو مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد ؛ وَلِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدَّمَانِ عَلَى الدُّعَاءِ تَقْرِيبًا إلَى الْإِجَابَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الدَّعَوَاتِ ، وَإِنَّمَا يَصْعَدُ عَلَى الصَّفَا بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْبَيْتُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ لِمَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْبَيْتِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصُّعُودِ فَيَكْتَفِي بِهِ وَيَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ ، وَإِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَابَ الصَّفَا ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَبْوَابِ إلَيْهِ فَكَانَ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا ذِكْرُ الدَّعَوَاتِ الْمَنْقُولَةِ فِي هَذَا الْمَوَاضِعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عِنْدَ الْحَجَرِ بِدُعَاءِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَهُوَ اللَّهُمَّ ، إنَّك تَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي فَاقْبَلْ

مَعْذِرَتِي وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤَالِي اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُصِيبُنِي إلَّا مَا كَتَبْت عَلَيَّ وَالرِّضَا بِمَا قَسَمْت لِي فَأَوْحَى اللَّهُ إنِّي قَدْ غَفَرْت لَك وَلَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِك يَدْعُونِي بِمِثْلِ مَا دَعَوْتنِي إلَّا غَفَرْت ذُنُوبَهُ وَكَشَفْت هُمُومَهُ وَنَزَعْت الْفَقْرَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ وَأَنْجَزَتْ لَهُ كُلَّ نَاجِزٍ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا ، وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُهَا ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، فَإِذَا صَعِدَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَيَجْعَلُ بَطْنَهُمَا إلَى السَّمَاءِ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ الْأَيْدِيَ لَا تُرْفَعُ إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ اهْبِطْ نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَافْعَلْ عَلَيْهَا فِعْلَك عَلَى الصَّفَا ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ذِكْرُ الدَّعَوَاتِ الْمَنْقُولَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ السَّلَفِ وَيَقُولُ فِي هُبُوطِهِ إلَى الْمَرْوَةِ اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِسُنَّةِ نَبِيِّك وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى بَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ وَهُمَا الْمِيلَانِ الْأَخْضَرَانِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْجِدَارِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ

بِدَارِ عَبَّاسٍ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ ، إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَيَقُولُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا قَالَ عَلَى الصَّفَا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ اُخْرُجْ إلَى الصَّفَا إلَخْ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ الصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا سُنَّةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهُ رُكْنٌ ا هـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ لَمْ يَصْعَدْ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي السَّعْيِ الَّذِي ذَكَرْنَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ وَلَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ ا هـ قَوْلُهُ ثُمَّ الصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا أَيْ وَالْمَرْوَةِ ا هـ فَتْحٌ وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ أَيْ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ إلَخْ ) قَالَ الْحَافِظُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي سَمَّاهُ حُصُولُ الرِّفْقِ بِأُصُولِ الرِّزْقِ مَا نَصُّهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إلَى الْأَرْضِ قَامَ وِجَاهَ الْكَعْبَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ هَذَا الدُّعَاءَ اللَّهُمَّ ، إنَّك تَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي وَتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَنِي إلَّا مَا كَتَبْت لِي وَرَضِّنِي بِمَا قَسَمْت لِي ا هـ ( قَوْلُهُ بِمِثْلِ مَا دَعَوْتنِي ) أَيْ بِهَذَا الدُّعَاءِ ا هـ طَبَرَانِيٌّ فِي الْأَوْسَطِ ( قَوْلُهُ : وَكَشَفْت هُمُومَهُ ) أَيْ وَزَجَرْت عَنْهُ الشَّيْطَانَ ا هـ طَبَرَانِيٌّ فِي الْأَوْسَطِ ( قَوْلُهُ وَهُمَا الْمِيلَانِ الْأَخْضَرَانِ ) ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَحْمَرُ أَوْ أَصْفَرُ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْمِيلَانِ عَلَامَتَانِ بِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ فِي مَمَرِّ بَطْنِ الْوَادِي ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطُفْ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { طَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تَبْدَأُ بِالصَّفَا وَتَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ ) لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ { ، إنَّ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ } الْحَدِيثَ وَرَوَى النَّسَائِيّ { ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ } عَلَى الْأَمْرِ وَلَوْ بَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالْأُولَى لِمُخَالِفَتِهِ الْأَمْرَ ثُمَّ الذَّهَابُ إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَالْعَوْدُ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ هَكَذَا يَفْعَلُ إلَى سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الذَّهَابُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالرُّجُوعُ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ فَكَذَا مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ { فَلَمَّا كَانَ آخِرَ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت } الْحَدِيثَ جَعَلَ آخِرَ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ آخِرَهُ عَلَى الصَّفَا وَلَوَقَعَ الْخَتْمُ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ رُوَاةَ نُسُكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { طَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ } وَبِمَا قَالُوهُ يَصِيرُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ شَوْطًا ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَوْدُهُ إلَى الصَّفَا شَوْطًا كَانَ نَقْضًا لِفِعْلِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ أَنَّ الشَّوْطَ فِي الطَّوَافِ لَا يَتِمُّ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحَجَرِ وَفِي السَّعْيِ يَتِمُّ بِالْمَرْوَةِ فَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ تَكْرَارًا مَحْضًا ثُمَّ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاجِبٌ عِنْدَنَا ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ

وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : هُوَ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ لِمَا رُوِيَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ أَنَّهَا قَالَتْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَهُوَ وَرَاءَهُمْ يَسْعَى حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ يَدُورُ بِهِ إزَارُهُ ، وَهُوَ يَقُولُ اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { ، إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } فَرَفَعَ الْجُنَاحَ وَالتَّخْيِيرُ يَنْفِي الْفَرِيضَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } وَقَوْلُهُ { وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا } كَقَوْلِهِ { فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا ، وَهُوَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَا يَنْزِلُ عَنْ الْخَبَرِ الْمَسْمُوعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةِ يَا ابْنَ أُخْتِي { طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ فَكَانَتْ سُنَّةً ، وَإِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } } الْآيَةَ فَقَدْ نَصَّتْ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَكْتُوبًا أَنْ يَكُونَ رُكْنًا أَوْ فَرْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } الْآيَةَ وَالرُّكْنِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ الْوُجُوبِ ثُمَّ

قِيلَ ، إنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّةِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا أَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا تَرَكَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ هُنَاكَ عَطِشَ فَصَعِدَتْ الصَّفَا تَنْظُرُ هَلْ بِالْمَوْضِعِ مَاءٌ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا فَنَزَلَتْ فَسَعَتْ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى خَرَجَتْ مِنْهُ إلَى جِهَةِ الْمَرْوَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَوَارَتْ بِالْوَادِي عَنْ وَلَدِهَا فَسَعَتْ شَفَقَةً عَلَيْهِ فَجُعِلَ ذَلِكَ نُسُكًا إظْهَارًا لِشَرَفِهَا وَتَفْخِيمًا لِأَمْرِهَا وَعَنْ { ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا أُمِرَ بِالْمَنَاسِكِ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ السَّعْيِ فَسَابَقَهُ فَسَبَقَهُ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ } أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَقِيلَ ، إنَّمَا سَعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إظْهَارًا لِلْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ لِلْمُشْرِكَيْنِ النَّاظِرِينَ إلَيْهِ فِي الْوَادِي .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ تَبْدَأْ بِالصَّفَا وَتَخْتِمْ بِالْمَرْوَةِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ ، وَإِنْ سَعَى رَاكِبًا لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي الطَّوَافِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَرَوَى النَّسَائِيّ { ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ } إلَخْ ) وَرُوِيَ نَبْدَأُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يَعْتَدُّ بِالْأُولَى ) وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ وَأَتَى الصَّفَا جَازَ وَيَعْتَدُّ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِتَرْكِ السُّنَّةِ فَيُسْتَحَبُّ إعَادَةُ ذَلِكَ الشَّوْطِ قَالَ السُّرُوجِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْغَايَةِ وَلَا أَصْلَ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَقَالَ الرَّازِيّ : فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ الشَّوْطَ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ التَّرْتِيبِ فِي أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ ا هـ فَقَوْلُ السُّرُوجِيِّ لَا أَصْلَ لِمَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ آخِرَهُ عَلَى الصَّفَا ) أَيْ وَهَذَا لَا يَنْتَهِضُ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الطَّحَاوِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ طَوَافِهِ بِالْمَرْوَةِ فَهُوَ آخِرُ الشَّوْطِ السَّابِعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ آخِرُ وُقُوفِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ ، فَإِنَّهُ ، إنَّمَا يَخْتِمُ بِالصَّفَا عِنْدَهُ فَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ وُقُوفِهِ بِالْمَرْوَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِنْتُ أَبِي تُجْزَأَةَ ) الَّذِي شَاهَدْتُهُ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِخَطِّهِ شَجَرَةً ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِصَابَةِ وَمِنْ خَطِّ تِلْمِيذِهِ الْحَافِظِ السَّخَاوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلْت مَا نَصُّهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ

أَبِي تُجْزَأَةَ الْعَبْدَرِيَّةُ ثُمَّ الشَّيْبِيَّةِ رَوَى حَدِيثَهَا الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمِّلِ وَابْنِ سَعْدٍ عَنْهُ مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَجَزٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ كُلِّهِمْ عَنْ ابْنِ الْمُؤَمِّلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ { عَنْ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ أَبِي تُجْزَأَةَ قَالَتْ دَخَلْت دَارَ أَبِي حُسَيْنٍ فِي نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَنَّ ثَوْبَهُ لَيَدُورُ بِهِ ، وَهُوَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ اسْعَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ } قَالَ أَبُو عُمَرَ قِيلَ اسْمُهَا حَبِيبَةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَقِيلَ بِالتَّصْغِيرِ وَقَالَ غَيْرُهُ تُجْزَأَةُ ضَبَطَهَا الدَّارَقُطْنِيّ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ إلَخْ ) وَالْكِتَابَةُ تَدُلُّ عَلَى الرُّكْنِيَّةِ وَكَذَا الْأَمْرُ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ الْمَكْتُوبِ الْجَرْيُ الْكَائِنُ فِي بَطْنِ الْوَادِي إذَا رَاجَعْته لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ الطَّوَافُ بَيْنَهُمَا اتَّفَقَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ لَهُمْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْجَرْيِ الْمَسْنُونِ لَمَّا وَصَلَ إلَى مَحَلِّهِ شَرْعًا أَعْنِي بَطْنَ الْوَادِي وَلَا يُسَنُّ جَرْيٌ شَدِيدٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ بِخِلَافِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ ، إنَّمَا هُوَ مَشْيٌ فِيهِ شِدَّةٌ وَتَصَلُّبٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَرَفَعَ الْجُنَاحَ وَالتَّخْيِيرَ ) أَيْ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ تَطَوَّعَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ ، إنَّمَا سَعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ إلَخْ ) وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَغَلُ بِطَلَبِ الْمَعْنَى فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ بَلْ هِيَ أُمُورٌ

تَوْقِيفِيَّةٌ يُحَالُ الْعِلْمُ بِالْحَالِ فِيهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى ا هـ فَتْحٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ أَقِمْ بِمَكَّةَ حَرَامًا ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا تَتَحَلَّلْ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا طَافَ لِلْقُدُومِ وَتَحَلَّلَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَمَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ إلَّا مَنْ سَاقَ مِنْهُمْ الْهَدْيَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا يَنُصُّ بِفَسْخِ الْحَجِّ وَبَعْضُهَا يَجْعَلُ الْحَجَّ عُمْرَةً ثُمَّ التَّحَلُّلَ وَالْأَحَادِيثُ صِحَاحٌ وَنَحْنُ نَقُولُ كَانَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِهِمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ { الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ بَلْ لَنَا خَاصَّةً } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كَانَتْ الْمُتْعَةُ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ وَقَالَ فِيهِ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا الْيَوْمَ أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا مُتْعَةُ النِّسَاءِ وَمُتْعَةُ الْحَجِّ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ الْيَوْمَ كَمُتْعَةِ النِّكَاحِ ؛ وَلِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَأَحَلُّوا حِينَ طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَمَّا مَنْ

أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُعَارِضًا لِلْأَحَادِيثِ الْمُثْبِتَةِ لِلتَّحَلُّلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطُفْ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَك ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ } وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَكَذَا الطَّوَافُ فَطَوَافُ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ الْغُرَبَاءَ مَا يُمْكِنُهُمْ الطَّوَافُ إلَّا فِي أَيَّامِ الْحَجِّ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالتَّنَقُّلُ بِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَا يَرْمُلُ فِي هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَكَذَا لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ أَخَّرَ السَّعْيَ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ فِي الْغَايَةِ إذَا كَانَ قَارِنًا لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَيُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ ، وَهِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ أَقِمْ بِمَكَّةَ حَرَامًا ) أَيْ مُحْرِمًا وَالْحَرَامُ وَالْمُحْرِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ ) أَيْ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ هَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي التُّحْفَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَسْعَى عَقِيبَ طَوَافِ اللِّقَاءِ وَيَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَرْمُلَ فِيهِ دُونَ طَوَافِ الْقُدُومِ ، وَإِنْ أَتَى بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ يَرْمُلُ فِيهِ كَمَا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَفْضَلُ لِلْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ إذَا أَتَى بِطَوَافِ الْقُدُومِ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْوَاجِبُ تَبَعًا لِلسُّنَّةِ ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لِكَثْرَةِ الْوَظَائِفِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا سَعَى عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْمُلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ ، وَإِنْ أَخَّرَ السَّعْيَ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَرْمُلُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ شُرِعَ فِي طَوَافٍ عَقِيبَهُ سَعْيٌ ا هـ قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ الْوَظَائِفِ أَيْ فَإِنَّهُ يَرْمِي وَقَدْ يَذْبَحُ ثُمَّ يَحْلِقُ بِمِنًى ثُمَّ يَجِيءُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ الطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى لِيَبِيتَ بِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالتَّنَقُّلُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ اُخْطُبْ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَعَلِّمْ فِيهَا الْمَنَاسِكَ ) ، وَهُوَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا يَخْطُبُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى تَعْلِيمِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَيُعَلِّمُ فِيهِ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَاتٍ وَالصَّلَاةَ وَالْوُقُوفَ فِيهَا وَالْإِفَاضَةَ مِنْهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثُ خُطَبٍ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَالثَّانِيَةُ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالثَّالِثَةُ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشْرَ فَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ كُلُّهَا خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا إلَّا خُطْبَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّهَا خُطْبَتَانِ فَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّهَا تُخْطَبُ بَعْدَ الزَّوَالِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ فَإِنَّهَا بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا يَوْمُ الْمَوْسِمِ وَمَجْمَعُ الْحُجَّاجِ وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { خَطَبَ يَوْمَ السَّابِعِ } وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَقَرَأَ عَلِيٌّ سُورَةَ بَرَاءَةَ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُطْبَةِ التَّعْلِيمُ فَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَا اشْتِغَالٍ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَا أَنْفَعَ وَفِي الْقُلُوبِ أَنْجَعَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ خُطْبَةٍ مِنْ الْآخَرِينَ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( قَوْلُهُ وَعَلِمَ فِيهَا ) أَيْ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَيْسَ بِإِضْمَارٍ قَبْلَ الذِّكْرِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ اُخْطُبْ يَدُلُّ عَلَيْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ فَيُعَلِّمُ فِيهِ ) أَيْ كَيْفِيَّةَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَكَيْفِيَّةَ الرَّمَلِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ جِلْسَةً خَفِيفَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْتَدِئُ الْخُطْبَةَ إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَخْطُبُ الْإِمَامُ قَبْلَ الْأَذَانِ فَإِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ ( قَوْلُهُ وَفِي الْقُلُوبِ أَنْجَعَ ) أَيْ أَبْلَغَ ا هـ فَتْحٌ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يَتَخَوَّلُ فِي الْمَوْعِظَةِ } ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ خُطْبَةٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ فِي مَوْضِعِهَا ) قُلْت أَمَّا الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ فَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَفِ الشَّارِحُ بِمَا وَعَدَهُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِيمَا يَأْتِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ الْآخَرَيْنِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ أَيْ مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ رُحْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَوَجَّهَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْوَقْتَ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ إلَى مِنًى مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ لَمْ يُقَيِّدَاهُ بِوَقْتٍ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى مِنًى بَعْدَمَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا رَوَيْنَا وَاتَّفَقَتْ الرُّوَاةُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ } صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِنًى فِي هَذَا الْيَوْمِ إقَامَةُ نُسُكٍ وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ بِتَرْكِهِ الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ وَافَقَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ الْجُمُعَةَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِنًى قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ لَا يَخْرُجُ مَا لَمْ يُصَلِّهَا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَخْرُجُ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مَا لَمْ يُصَلِّهَا وَسُمِّيَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ إبِلَهُمْ فِيهِ لِأَجْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَقِيلَ ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ يَذْبَحُ وَلَدَهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى فِي

النَّهَارِ كُلِّهِ أَيْ تَفَكَّرَ أَنَّ مَا رَآهُ مِنْ اللَّهِ فَيَأْتَمِرُهُ أَوَّلًا مِنْ الرُّؤَى ، وَهُوَ مَهْمُوزٌ ذَكَرَهُ فِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ وَقِيلَ مِنْ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَرْوِي لِلنَّاسِ مَنَاسِكَهُمْ ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ زُفَرَ إذْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ عِنْدَهُ فِيهِ وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَا يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا فِي مَكَّةَ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ وَيُلَبِّي عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ وَيُهَلِّلُ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إيَّاكَ أَرْجُو وَلَك أَدْعُو وَإِلَيْك أَرْغَبُ اللَّهُمَّ بَلِّغْنِي صَالِحَ عَمَلِي وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فَإِذَا دَخَلَ مِنًى قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا مِنًى وَهَذَا مِمَّا دَلَلْتنَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَمُنَّ عَلَيْنَا بِجَوَامِع الْخَيْرَاتِ وَبِمَا مَنَنْت عَلَى إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُحَمَّدٍ حَبِيبِك وَبِمَا مَنَنْت عَلَى أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك فَإِنِّي عَبْدُك وَنَاصِيَتِي بِيَدِك جِئْت طَالِبًا مَرْضَاتَك وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَ مَسْجِدِ الْخَيْفِ

( قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ لَمْ يُبَيِّنْ الْوَقْتَ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ إلَى مِنًى مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ) قَالَ فِي الْوَافِي ثُمَّ أَتَى مِنًى بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى فِي النَّهَارِ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ رَوَّأْت فِي الْأَمْرِ تَرْوِئَةً فَكَّرْت فِيهِ وَنَظَرْت وَمِنْهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَأَصْلُهَا الْهَمْزُ وَأَخْذُهَا مِنْ الرَّوِيَّةِ خَطَأٌ وَمِنْ الرَّيِّ مَنْظُورٌ فِيهِ أَيْ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَيُقَالُ رَوَيْت فِي الْأَمْرِ أَيْ نَظَرْت فِيهِ وَفَكَّرْت قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ وَيُقَالُ رَجُلٌ لَهُ رُوَاءٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْمَدِّ أَيْ مَنْظَرٌ ا هـ قَوْلُهُ أَيْ تَفَكَّرَ أَنَّ مَا رَآهُ مِنْ اللَّهِ ) أَيْ أَمْ مِنْ الشَّيْطَانِ فَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَمَّا رَأَى اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَلَمَّا رَأَى اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ هَمَّ بِنَحْرِهِ فَسُمِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ كَذَلِكَ فِي الْكَشَّافِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ مَهْمُوزٌ ذَكَرَهُ فِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ ) قَالَ السُّرُوجِيُّ : وَفِيهِ بُعْدٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ مِنْ الرِّوَايَةِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ : وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ ، وَهُوَ أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى فِيهِ حَوَّاءَ وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ ، وَهُوَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُرِي إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهِ مَنَاسِكَهُ ذَكَرَهُمَا الْكَرْمَانِيُّ وَهُمَا بَعِيدَانِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { غَدَا مِنْ مِنًى حِينَ طَلَعَ الصُّبْحُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ } الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا الْمَقَامِ إقَامَةُ نُسُكٍ وَلِهَذَا لَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ جَازَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَوَجْهَك أَرَدْت فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي وَبَارِكْ لِي فِي سَفَرِي وَاقْضِ بِعَرَفَاتٍ حَاجَتِي ، إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيُلَبِّي وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ لِقَوْلِ { ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ أُنْكِرَ عَلَيْهِ التَّلْبِيَةُ فِي مِنًى أَجَهِلَ النَّاسُ أَمْ نَسُوا وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَقَدْ خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا أَنْ يَخْلِطَهَا بِتَكْبِيرٍ أَوْ تَهْلِيلٍ } رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِيرَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ وَيَعُودُ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ فَإِذَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ وَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جَبَل الرَّحْمَةِ وَعَايَنَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَوَجْهَك أَرَدْت اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ وَأَعْطِنِي سُؤْلِي وَوَجِّهْ لِي الْخَيْرَ أَيْنَمَا تَوَجَّهْت سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَدْخُلَ عَرَفَاتٍ يَنْزِلُ مَعَ النَّاسِ حَيْثُ شَاءَ وَقُرْبُ الْجَبَلِ أَفْضَلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَطْنُ نَمِرَةَ أَفْضَلُ لِنُزُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ قُلْنَا نَمِرَةُ فِي عَرَفَةَ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَرَفَاتٌ

كُلُّهَا مَوْقِفٌ } وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَنُزُولُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا قَالَ فِي الْأَصْلِ يَنْزِلُ مَعَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ الِانْتِبَاذَ ، وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ نَاحِيَةً عَنْ النَّاسِ تَجْبُرُ وَالْحَالُ حَالُ تَضَرُّعٍ وَمَسْكَنَةٍ ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَابَةَ فِي الْجَمْعِ أَرْجَى ؛ وَلِأَنَّهُ آمِنٌ مِنْ اللُّصُوصِ وَالْخَطَّافِينَ وَقِيلَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ عَلَى الطَّرِيقِ كَيْ لَا لَا يَضِيقَ عَلَى الْمَارَّةِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ) أَيْ بِمِنًى بِغَلَسٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَيَعُودُ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ ) وَالْمَأْزِمَانِ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ ) أَيْ حَيْثُ يَذْهَبُ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ مِنْ أُخْرَى ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ اُخْطُبْ ) يَعْنِي خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ الْأَذَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ تَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ هَكَذَا رُوِيَ مِنْ خُطْبَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَصِفَةُ الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُهَلِّلَ وَيُكَبِّرَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعِظَ النَّاسَ وَيَأْمُرَهُمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَيُعَلِّمَهُمْ الْمَنَاسِكَ الَّتِي هِيَ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ ، وَهِيَ خُطْبَةُ يَوْمِ الْحَادِيَ عَشْرَ وَتِلْكَ الْمَنَاسِكُ هِيَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَالْإِفَاضَةُ مِنْهُمَا وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقَالَ مَالِكٌ : يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا خُطْبَةُ وَعْظٍ كَالْعِيدِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَعْلِيمُ الْمَنَاسِكِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ أَصْحَابِنَا إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ وَجَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يُؤَذِّنُونَ وَالْإِمَامُ فِي الْفُسْطَاطِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَخْطُبُ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَبْدَأُ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الْأَذَانِ فَإِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ أَذَّنُوا ثُمَّ يُتِمُّ الْخُطْبَةَ بَعْدَهُ فَإِذَا فَرَغَ أَقَامُوا لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَخَطَبَ بِالنَّاسِ الْخُطْبَةَ الْأُولَى ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ فَفَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ وَبِلَالٌ مِنْ الْأَذَانِ ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ } الْحَدِيثَ فَصَارَ لِأَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَهُمْ وَالصَّحِيحُ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ

عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَمَّا خَرَجَ وَاسْتَوَى عَلَى نَاقَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ } وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْجُمُعَةَ .( قَوْلُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ الْأَذَانِ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ اغْتَسَلَ إنْ أَحَبَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الِاغْتِسَالُ لِلنَّظَافَةِ كَمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ ) لَكِنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ) أَيْ ، وَهُوَ تَعْلِيمُ الْمَنَاسِكِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ صَلِّ بَعْدَ الزَّوَالِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ بِشَرْطِ الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ } صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي اعْتِبَارِ الْأَذَانَيْنِ ثُمَّ بَيَانُهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيُقِيمُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي قَبْلَ وَقْتِهِ الْمَعْهُودِ فَيُفْرِدُ بِالْإِقَامَةِ إعْلَامًا لِلنَّاسِ بِأَنَّهُ شَارِعٌ فِيهِ وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ وَرُوِيَ أَنَّ سَالِمًا قَالَ لِلْحَجَّاجِ إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ فَاقْصِرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ خِلَافًا لِمَا يَرْوِي عَنْهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَقْطَعُ فَوْرَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَيُعِيدُهُ لِلْعَصْرِ وَلَوْ لَمْ يَخْطُبْ جَازَتْ الصَّلَاةُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ يَعْنِي يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى لَوْ صَلَّاهُمَا أَوْ صَلَّى أَحَدَهُمَا مُنْفَرِدًا أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجَمْعُ وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ إحْرَامُ الْحَجِّ ثُمَّ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الزَّوَالِ لِيَجُوزَ الْجَمْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجَمْعُ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالتَّقْدِيمِ عَلَى الصَّلَاتَيْنِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الظُّهْرِ صَحِيحَةً حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَّ فَسَادُهَا بَعْدَمَا صَلَّاهُمَا أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ جَوَازَ

تَقْدِيمِ الْعَصْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ زُفَرُ : تُرَاعَى هَذِهِ الشَّرَائِطُ فِي الْعَصْرِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ الْمُغَيَّرُ عَنْ وَقْتِهِ قُلْنَا التَّقْدِيمُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ثَبَتَ جَوَازُهُ بِالشَّرْعِ إذَا كَانَ مُرَتَّبًا عَلَى ظُهْرٍ مُؤَدَّاةٍ بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ الثَّانِي ، وَهُوَ الْجَمْعُ بِالْمُزْدَلِفَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرٌ عَنْ وَقْتِهِ فَلَا تُرَاعَى فِيهِ الشَّرَائِطُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْإِحْرَامُ فِي حَقِّ الْعَصْرِ حَتَّى قَالَا يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى امْتِدَادِ الْوُقُوفِ وَالْمُنْفَرِدُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ قُلْنَا الْمُحَافَظَةُ فِي الْوَقْتِ فَرْضٌ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَوَازَ التَّقْدِيمِ لِحَاجَةِ امْتِدَادِ الْوُقُوفِ بَلْ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ بَعْدَمَا تَفَرَّقُوا فِي الْمَوْقِفِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُنَافِي الْوُقُوفَ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ كَالنَّوْمِ وَالْأَكْلِ لَا يُنَافِيهِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّقْدِيمَ لِمَا ذَكَرْنَا لَا لِأَجْلِ الِامْتِدَادِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ جَوَازُ الْجَمْعِ لِلْإِمَامِ وَحْدَهُ فَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَلَوْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا نَفَرُوا عَنْهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ عَلَى قَوْلِهِ فَوَجْهُ الْجَوَازِ الضَّرُورَةُ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ مُقْتَدِيًا بِهِ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ وَلَوْ مَاتَ الْإِمَامُ ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ جَمَعَ نَائِبُهُ أَوْ صَاحِبُ شُرْطَتِهِ ؛ لِأَنَّ النُّوَّابَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَائِبٌ وَلَا صَاحِبُ شُرْطَةِ صَلُّوا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا عِنْدَهُ لِمَا

بَيَّنَّا وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ يَجْمَعُ الْمُسْتَخْلَفُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ جَاءَ الْإِمَامُ بَعْدَمَا فَرَغَ الْخَلِيفَةُ مِنْ الْعَصْرِ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ جَازَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ .

قَوْلُهُ وَلَوْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا كُرِهَ إلَخْ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالنَّافِلَةِ غَيْرَ سُنَّةِ الظُّهْرِ يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ قَالَ { فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا } وَكَذَا يُنَافِي إطْلَاقَ الْمَشَايِخِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنَّ التَّطَوُّعَ يُقَالُ عَلَى السُّنَّةِ قَوْلُهُ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ زَادَ فِي الدِّرَايَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ صَلَّاهُمَا أَوْ صَلَّى أَحَدَهُمَا مُنْفَرِدًا إلَخْ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ ثُمَّ إنْ اتَّفَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يُصَلِّي فِيهَا الْجُمُعَةَ اتِّفَاقًا وَمَا حَكَتْ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ بَيْنَ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ وَمَالِكٍ بَيْنَ يَدَيْ هَارُونَ الرَّشِيدِ لَا أَصْلَ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَرَى الْجُمُعَةَ فِي الْقُرَى فَكَيْفَ كَانَ يَرَى الْجُمُعَةَ فِي الْبَرَارِيِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ جَوَازَ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَاتٍ ، وَهُوَ غَلَطٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ ) أَيْ حَتَّى لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ غَيْرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمُنْفَرِدِ ا هـ كَاكِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ إلَى الْمَوْقِفِ وَقِفْ بِقُرْبِ الْجَبَلِ ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى الْمَوْقِف وَقِفْ بِقُرْبِ الْجَبَلِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ السُّودِ الْكِبَارِ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ يُقَالُ لَهُ إلَالٌ عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَقَفَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْجَبَلُ يُسَمَّى جَبَلَ الرَّحْمَةِ وَالْمَوْقِفُ الْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ فَيَقِفُ الْإِمَامُ بِمَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ وَاقِفُونَ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةِ رَافِعِي أَيْدِيهِمْ بِالدُّعَاءِ بَاسِطِينَ إلَى السَّمَاءِ مُتَضَرِّعِينَ مُتَخَشَّعِينَ وَالْوُقُوفُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْوُقُوفُ قَائِمًا } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( { وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ } ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَشِعَابُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ } وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي تَجْوِيزِ الْوُقُوفِ بِبَطْنِ عُرَنَةَ وَإِيجَابِ الدَّمِ عَلَيْهِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِفْ بِقُرْبِ الْجَبَلِ ) قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَاعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَيَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فَالْوُقُوفُ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ عَدَمٌ وَالرُّكْنُ سَاعَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْوَاجِبُ إنْ وَقَفَ نَهَارًا مُدَّةً إلَى الْغُرُوبِ أَوْ لَيْلًا فَلَا وَاجِبَ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَالْوُقُوفُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفْضَلُ ) أَيْ لِلْإِمَامِ وَكَذَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَمَتْنِ الْهِدَايَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعَلَّلَ لَهُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ بِأَنَّ النَّاسَ يَقْتَدُونَ بِالْإِمَامِ فِي الدُّعَاءِ ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ كَانَ أَبْلَغَ فِي مُشَاهَدَتِهِ وَأَمْكَنَ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ } ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَدَمَيْهِ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا بَيَّنَّا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَامِدًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلَّيَا دَاعِيًا ) أَيْ قِفْ حَامِدًا لِلَّهِ تَعَالَى وَمُهَلِّلًا مُكَبِّرًا مُلَبِّيًا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ عَلَى عَرَفَةَ وَتَدْعُو لِلَّهِ تَعَالَى بِحَاجَتِك لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ } حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { دَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لِأُمَّتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ ثُمَّ أَعَادَ الدُّعَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَأُجِيبَ حَتَّى الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ } أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ ، إنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَى أَهْلِ عَرَفَةَ فَيُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَقَالَ اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا أَقْبَلُوا يَضْرِبُونَ إلَيَّ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فَاشْهَدُوا أَنِّي غَفَرْت لَهُمْ إلَّا التَّبَعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ قَالَ ثُمَّ ، إنَّ الْقَوْمَ أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى جَمْعٍ فَقَالَ يَا مَلَائِكَتِي اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي وَقَفُوا وَعَادُوا فِي الطَّلَبِ وَالرَّغْبَةِ وَالْمَسْأَلَةِ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ وَهَبْت مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَتَحَمَّلْت التَّبَعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ } رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ وَيُلَبِّي سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطَعَهُ فِيهِ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُسَامَةَ أَنَّهُمَا قَالَا { لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحَلَّى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَكَذَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ فَلَمْ يَصِحَّ النَّقْلُ عَنْهُمْ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَنْ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَى عَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ قَطَعَهُ لِانْتِهَاءِ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ وَلَكِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الذِّكْرِ كَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْإِحْرَامِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِحَاجَتِهِ بِمَا بَدَا لَهُ مِنْ الدَّعَوَاتِ رَافِعًا يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يَجْتَهِدُ فِيهِ } وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ يَدْعُو وَيَدَاهُ إلَى صَدْرِهِ كَاسْتِطْعَامِ الْمِسْكِينِ } رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ تُبَاهِي بِهِ مَلَائِكَتَك اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي اللَّهُمَّ ، إنَّك تَسْمَعُ كَلَامِي وَتَرَى مَكَانِي وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي وَلَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْمَغْرُورُ أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ وَأَبْتَهِلُ إلَيْك ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ وَأَدْعُوك دُعَاءَ الْخَائِفِ الْحَقِيرِ وَمَنْ خَضَعَتْ لَك رَقَبَتُهُ وَفَاضَتْ لَك عَيْنَاهُ وَرَغِمَ لَك أَنْفُهُ وَلَا تَجْعَلْنِي بِدُعَائِك رَبِّ شَقِيًّا وَكُنْ بِي رَءُوفًا رَحِيمًا يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ وَيَا أَكْرَمَ مَأْمُولٍ وَيَخْتَارُ مِنْ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ وَيُكْثِرُ

مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّلْبِيَةِ وَتَعْظِيمِ الرَّغْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَتَعْصِمَنِي فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي وَتَفْتَحَ لِي أَبْوَابَ طَاعَتِك وَتُغْلِقَ عَنِّي أَبْوَابَ مَعْصِيَتِك وَتَحْفَظَنِي مِنْ بَيْنِ يَدِي وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَمِنْ تَحْتِي وَتُلْبِسَنِي ثِيَابَ التَّقْوَى وَالْعَافِيَةِ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي وَتَرْحَمَنِي إذَا تَوَفَّيْتنِي وَتَجْعَلَنِي مِمَّنْ يَكْتَسِبُ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَيُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِك يَا فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ضَجَّتْ لَك الْأَصْوَاتُ بِصُنُوفِ اللُّغَاتِ يَسْأَلُونَك الْحَاجَاتِ وَحَاجَتِي أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي فِي دَارِ الْبَلَاءِ إذَا نَسِيَنِي الْأَهْلُ وَالْأَقْرَبُونَ اللَّهُمَّ إلَيْك خَرَجْنَا وَبِفِنَائِك أَنَخْنَا وَإِيَّاكَ قَصَدْنَا وَمَا عِنْدَك طَلَبنَا وَلِإِحْسَانِك تَعَرَّضْنَا وَرَحْمَتِك رَجَوْنَا وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْنَا وَلِبَيْتِك الْحَرَامِ حَجَجْنَا يَا مَنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ضَمَائِرِ الصَّامِتِينَ اللَّهُمَّ ، إنَّا أَضْيَافُك وَلِكُلِّ ضَيْفٍ قِرًى فَاجْعَلْ قِرَانًا مِنْك الْجَنَّةَ وَلِكُلِّ سَائِلٍ عَطِيَّةٌ وَلِكُلِّ رَاجٍ ثَوَابٌ وَلِكُلِّ مُتَوَسِّلٍ إلَيْك عَفْوٌ يَا عَفُوُّ وَقَدْ وَفَدْنَا إلَى بَيْتِك الْحَرَامِ وَوَقَفْنَا بِهَذِهِ الْمَشَاعِرِ الْعِظَامِ وَشَاهَدْنَا هَذِهِ الْمَشَاهِدَ الْكِرَامَ رَجَاءً لِمَا عِنْدَك فَلَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَتَجَاوَزْ عَنَّا وَأَعْتِقْ رِقَابَنَا مِنْ النَّارِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ الْمُبَارَكِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَقْطُرَ مِنْ عَيْنَيْهِ قَطَرَاتٍ مِنْ الدَّمْعِ ، فَإِنَّهُ دَلِيلُ الْقَبُولِ وَيَدْعُو لِأَبَوَيْهِ

وَأَهْلِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَعَارِفِهِ وَجِيرَانِهِ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ مَعَ قُوَّةِ الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ وَلَا يُقَصِّرُ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا يُمْكِنُهُ تَدَارُكُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ الْآفَاقِ ، وَهُوَ مَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَلِيلٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ وَخَاصَّتُهُ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَخْيَارِ وَالْأَبْدَالِ ، وَهُوَ مَقَامُ الْخَوْفِ وَأَعْظَمُ مَجَامِعِ الدُّنْيَا وَعَنْ الْفُضَيْلِ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى بُكَاءِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا إلَى رَجُلٍ فَسَأَلُوهُ دَانِقًا أَكَانَ يَرُدُّهُمْ قَالُوا لَا قَالَ وَاَللَّهِ لَلْمَغْفِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ إجَابَةِ رَجُلٍ بِدَانِقٍ وَيَحْذَرُ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ فِيهِ ذِكْرُ مَا جَاءَ فِي وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ } رَوَاهُ رَزِينُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ قِيلَ إذَا وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غُفِرَ لِكُلِّ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَقِفُوا بِقُرْبِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ يُعَلِّمُ فَيَسْمَعُوا وَيَعُوا وَيَكُونُوا وَرَاءَهُ لِيَكُونُوا مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ ؛ لِأَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ ، وَهُوَ سُنَّةٌ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْإِحْرَامِ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوُضُوءِ جَازَ ثُمَّ إذَا دَنَا وَقْتُ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ وَارْزُقْنِيهِ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي وَاجْعَلْنِي الْيَوْمَ مُفْلِحًا مُنْجِحًا مَرْحُومًا مُسْتَجَابَ الدُّعَاءِ مَغْفُورَ الذُّنُوبِ وَاجْعَلْنِي مِنْ

أَكْرَمِ وَفْدِك وَأَعْطِنِي أَفْضَلَ مَا أَعْطَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ مِنْ النِّعْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالتَّجَاوُزِ وَالْغُفْرَانِ وَالرِّزْقِ الْوَاسِعِ الْحَلَالِ وَبَارِكْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي وَمَا أَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ وَوَلَدٍ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قَوْلُهُ فَأُجِيبَ حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ ) أَيْ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا ا هـ كَاكِيٌّ وَالْمَظَالِمُ جَمْعُ مَظْلَمَةٌ ، وَهُوَ الظُّلْمُ أَوْ اسْمٌ لِلْمَأْخُوذِ ظُلْمًا يَعْنِي اُسْتُجِيبَ دُعَاؤُهُ فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ أَيْضًا وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُسْتَجَابَ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعِبَادِ بِهَا قِيلَ فِي جَوَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخُصُومِ بِالِازْدِيَادِ فِي مَثُوبَاتِهِمْ حَتَّى تَرَكُوا خُصُومَاتِهِمْ فِيهِمَا وَاسْتَوْجَبُوا الْمَغْفِرَةَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ) وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ فَلَمَّا رَمَاهَا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْإِحْرَامِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْطَعَ إلَّا عِنْدَ الْحَلْقِ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَاقٍ قَبْلَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْإِحْرَامِ ، فَإِنَّهَا كَالتَّكْبِيرِ وَآخِرُهُ مَعَ الْقَعْدَةِ ؛ لِأَنَّهَا آخِرُ الْأَحْوَالِ ا هـ ( ذِكْرُ مَا جَاءَ فِي وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ فَائِدَةٌ ) لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ الْأَيَّامِ تَطْلُقُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَقِيلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ } وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَطْلُقُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا يَوْمُ عَرَفَةَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا ا هـ شَرْحُ الْمَشَارِقِ لِابْنِ فِرِشْتَا فِي خَامِسِ بَابٍ ( قَوْلُهُ رَوَاهُ رَزِينٌ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ بَابُ قَوْلِهِ { الْيَوْمَ أَكْمَلْت لَكُمْ دِينَكُمْ } فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ رَزِينٌ فِي جَامِعِهِ مَرْفُوعًا { خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ عَرَفَهُ } وَافَقَ يَوْمَ

جُمُعَةٍ ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً فِي غَيْرِهَا فَهُوَ حَدِيثٌ لَا أَعْرِفُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ صَحَابِيَّهُ وَلَا مَنْ خَرَّجَهُ بَلْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُرْسَلًا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ وَلَيْسَتْ الزِّيَادَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُوَطَّآتِ ا هـ قَالَ فِي الدِّيبَاجِ الْمُذَهَّبِ لِابْنِ فَرْحُونٍ رَزِينُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبْدَرِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ السَّرَقُسْطِيُّ جَاوَرَ بِمَكَّةَ أَعْوَامًا وَحَدَّثَ بِهَا عَنْ أَبِي مَكْتُومٍ عِيسَى بْنِ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ وَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ السَّلَفِيُّ وَقَالَ شَيْخٌ عَالِمٌ ، وَلَكِنَّهُ نَازِلُ الْإِسْنَادِ وَلَهُ تَآلِيفُ مِنْهَا كِتَابٌ جَمَعَ فِيهِ مَا فِي الصِّحَاحِ الْخَمْسَةِ وَالْمُوَطَّإِ وَكِتَابٌ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ وَقَالَ ابْنُ بَشْكُوَالَ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَاضِلًا عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ ا هـ وَقَدْ وَقَفْت عَلَى جُزْءٍ مُسَمًّى بِاللُّمْعَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَزِيَّةِ وَقْفَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَأْلِيفُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ الْعَلَّامَةِ تَاجُ الدِّينِ عُمَرُ الْإِسْكَنْدَرِيُّ اللَّخْمِيُّ الْمَالِكِيُّ الشَّهِيرُ بِابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَنَفَعَنَا بِبَرَكَتِهِ قَالَ فِي دِيبَاجَتِهِ أَمَّا بَعْدُ حَمْدًا لِلَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ جَمَاعَةً تَكَرَّرَ سُؤَالُهُمْ عَنْ مَزِيَّةِ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْأَيَّامِ وَقَصَدُوا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فَقُلْت : وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ لَا رَبَّ سِوَاهُ وَلَا مَعْبُودَ حَاشَاهُ الْمَزِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّهَا وَقْفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ ، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَحُجَّ

بَعْدَ الْهِجْرَةِ سِوَاهَا وَحَجَّ الْفَرْضَ حَجَّتَيْنِ وَفِيهَا مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ عَشِيَّةَ الْجُمُعَةِ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْيَوْمَ أَكْمَلْت لَكُمْ دِينَكُمْ } وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، إنَّمَا يَخْتَارُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَفْضَلَ كَمَا اخْتَارَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ وَاخْتَارَ لَهُ خَيْرَ الْأُمَمِ قَالَ تَعَالَى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } وَاخْتَارَ لَهُ مِنْهَا خَيْرَ أَصْحَابِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ خَيْرَ الْكُتُبِ ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ الْأَعْمَالَ تُشَرَّفُ بِشَرَفِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا تُشَرَّفُ بِشَرَفِ الْأَمْكِنَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ } زَادَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَابْنُ دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِيهِ { تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إلَّا ، وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ } ( قُلْت ) مُصِيخَةٌ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي أَبِي دَاوُد مَسِيخَةٌ بِالسِّينِ أَيْ مُصْغِيَةٌ مُسْتَمِعَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كَوْنُ الْخَيْرِ الْمُتَنَاهِي فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَضِّلَ مَا شَاءَ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَخَيْرُ الْأَشْخَاصِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَيْرُ الْأُمَمِ أُمَّتُهُ وَخَيْرُ

الْبِقَاعِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ عَلَى اخْتِلَافٍ وَخَيْرُ الْأَزْمِنَةِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَخَيْرُ سَاعَاتِهَا السَّاعَةُ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ ا هـ وَعَظَّمَتْ الْيَهُودُ يَوْمَ السَّبْتِ لَمَّا كَانَ تَمَامُ الْخَلْقِ فِيهِ فَظَنَّتْ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ لَهُ فَضِيلَةً وَعَظَّمَتْ النَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ لَمَّا كَانَ بَدْءُ الْخَلْقِ فِيهِ وَكُلُّ ذَلِكَ بِحُكْمِ عُقُولِهِمْ وَهَدَى اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ لِسَبَبِ الِاتِّبَاعِ فَعَظَّمَتْ مَا عَظَّمَ اللَّهُ وَقَدْ قِيلَ ، إنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ وَفَضَّلَهَا فَنَاظَرُوهُ فِي ذَلِكَ وَخَالَفُوهُ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ السَّبْتَ أَفْضَلُ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ دَعْهُمْ وَمَا اخْتَارُوا وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ الْأَيَّامِ الْمُعَظَّمَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَلَمْ تَزَلْ الْأَنْبِيَاءُ يُخْبِرُونَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَظَّمَهُ مِنْ حَيْثُ ، إنَّ فِيهِ تَمَامَ الْخَلْقِ وَكَمَالَ الزِّيَادَةِ فَهُوَ أَحَدُ الْأَسْبَابِ الَّتِي اُخْتُصَّ بِهَا وَاقْتَضَتْ تَشْرِيفَهُ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْله تَعَالَى { خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } قَالَ أَوَّلُهَا الْأَحَدُ وَآخِرُهَا الْجُمُعَةُ فَلَمَّا اجْتَمَعَ خَلْقُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { أُتِيتُ بِمِرْآةٍ فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَفِي رِوَايَةِ بَيْضَاءُ فَقُلْت يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الْمِرْآةُ قَالَ هَذِهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قُلْت مَا هَذِهِ النُّكْتَةُ قَالَ هَذِهِ السَّاعَةُ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ } قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ السِّرُّ فِي كَوْنِهَا سَوْدَاءَ هُوَ انْبِهَامُهَا وَالْتِبَاسُ عَيْنِهَا وَبَيَاضُهَا عَلَى مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَنْبِيهٌ عَلَى شَرَفِهَا وَخُصُوصِيَّتِهَا مِنْ حَيْثُ ، إنَّ الْبَيَاضَ أَشْرَفُ الْأَلْوَانِ وَكَانَ الْجُمُعَةُ مِنْ الْأَيَّامِ الْمُعَظَّمَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ

كَمَا تَقَدَّمَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ إلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { دَفَعَ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ { لَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا } الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ { وَقَالَ أُسَامَةُ فَلَمَّا وَقَعَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْهَا وَالشَّمْسُ عَلَى الْجِبَالِ كَعَمَائِمِ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ ، وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنَّهُ لَمَّا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ رَأَى أَصْحَابَهُ يَتَسَارَعُونَ فِي السُّوقِ وَالْمَشْيِ فَقَالَ لَيْسَ الْبِرُّ فِي إيجَافِ الْخَيْلِ وَلَا فِي إيضَاعِ الْإِبِلِ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ } ؛ وَلِأَنَّ الْإِسْرَاعَ مِنْ الْكُلِّ يُؤَدِّي إلَى الْإِيذَاءِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ لَيْسَ السَّابِقُ مَنْ سَبَقَ بَعِيرُهُ وَفَرَسُهُ ، وَلَكِنَّ السَّابِقَ مَنْ غُفِرَ لَهُ فَإِنْ خَافَ الزِّحَامَ فَدَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُجَاوِزْ حُدُودَ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفِضْ مِنْ عَرَفَةَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ فِي مَكَانِهِ كَيْ لَا يَكُونَ آخِذًا فِي الْإِيذَاءِ ، وَهُوَ الْإِفَاضَةُ قَبْلَ أَوَانِهِ وَكَيْلَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ وَلَوْ مَكَثَ قَلِيلًا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَبَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ لِخَوْفِ الزِّحَامِ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا دَعَتْ بِشَرَابٍ

فَأَفْطَرَتْ بَعْدَ إفَاضَةِ الْإِمَامِ خَرَّجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْإِمَامُ أَفَاضَ النَّاسُ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَيَكُونُ طَرِيقُهُ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى الْمَأْزِمَيْنِ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ دُونَ طَرِيقِ الضَّبِّ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيَحْمَدُ وَيُلَبِّي سَاعَةً فَسَاعَةً وَيَقُولُ عِنْدَ دَفْعِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْت وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْت وَإِلَيْك رَغِبْت فَاخْلُفْنِي فِيمَا تَرَكْت وَانْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتنِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَمِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فَرْسَخٌ وَمِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى فَرْسَخٌ وَمِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمُزْدَلِفَةَ مَاشِيًا تَعْظِيمًا لَهَا وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهَا اللَّهُمَّ ، إنَّ هَذَا جَمْعٌ أَسْأَلُك أَنْ تَرْزُقَنِي فِيهِ جَوَامِعَ الْخَيْرِ كُلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيهَا غَيْرُك اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَبَّ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ وَرَبَّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَرَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَرَبَّ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَرَبَّ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَرَبَّ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْعِظَامِ أَسْأَلُك أَنْ تُبَلِّغَ رُوحَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ السَّلَامِ وَأَنْ تُصْلِحَ لِي دِينِي وَذُرِّيَّتِي وَتَغْفِرَ ذَنْبِي وَتَشْرَحَ صَدْرِي وَتُطَهِّرَ قَلْبِي وَتَرْزُقَنِي الْخَيْرَ الَّذِي سَأَلَتْك أَنْ تَجْمَعَهُ لِي فِي قَلْبِي وَأَنْ تَقِيَنِي جَوَامِعَ الشَّرِّ ، إنَّك وَلِيٌّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَانْزِلْ بِقُرْبِ جَبَلِ قُزَحَ ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْقِفُ فَيَنْزِلُ عِنْدَهُ وَلَا يَنْزِلُ عَلَى الطَّرِيقِ كَيْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَا يَنْفَرِدُ عَنْ النَّاسِ فِي النُّزُولِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي النُّزُولِ فِي عَرَفَاتٍ .

قَوْلُهُ كَانَ يَسِيرَ الْعَنَقَ ) الْعَنَقُ بِفَتْحَتَيْنِ سَيْرٌ سَهْلٌ فِي سُرْعَةٍ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ وَالنَّصُّ رَفْعُ السَّيْرِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً ) الْفَجْوَةُ الْفُرْجَةُ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ وَيُرْوَى فُرْجَةً ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَقَالَ لَيْسَ الْبِرُّ فِي إيجَافِ الْخَيْلِ ) الْإِيجَافُ مِنْ الْوَجِيفِ ، وَهُوَ نَوْعُ سَيْرٍ مِنْ سَيْرِ الْخَيْلِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَلَا فِي إيضَاعِ الْإِبِلِ ) الْإِيضَاعُ الْإِسْرَاعُ فِي السَّيْرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَدَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ ) أَيْ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُجَاوِزْ حُدُودَ عَرَفَةَ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَاوَزَهَا قَبْلَ الْإِمَامِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ، وَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ بِأَنْ نَدَّ بَعِيرُهُ فَتَبِعَهُ إنْ جَاوَزَ عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ جَاوَزَ قَبْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ أَصْلًا أَوْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ فَدَفَعَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ تَدَارَكَهُ فِي وَقْتِهِ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمُزْدَلِفَةَ ) أَيْ وَيَغْتَسِلَ بِاللَّيْلِ لِلْوُقُوفِ وَالْعِيدِ ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَلِّ بِالنَّاسِ الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ) وَقَالَ زُفَرُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ صَلَّاهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيُقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتِبَارًا بِالْجَمْعِ الْأَوَّلِ وَبِالْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الْقَضَاءِ وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ بِجَمْعٍ فَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ بِالْإِقَامَةِ الْأُولَى } قَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَمْعِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ وَالْقَوْمُ حُضُورٌ فَلَا يُفْرَدُ بِالْإِقَامَةِ وَالْعَصْرُ بِعَرَفَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِعْلَامِ بِهَا وَلَا يَتَطَوَّعْ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَمْ يَتَطَوَّعْ بَيْنَهُمَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ تَطَوَّعَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَعَادَ الْإِقَامَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالْعِشَاءُ بَيْنَهُمَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ تَجُزْ الْمَغْرِبُ فِي الطَّرِيقِ ) أَيْ وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ لَمْ تَجُزْ وَكَذَا لَوْ صَلَّاهَا فِي عَرَفَاتٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَقْتٌ لَهَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ لَوَجَبَ إلَّا أَنَّهُ أَخْطَأَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ وَلَنَا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا

كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْبُغْ الْوُضُوءَ قُلْت الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَك فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ } الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ وَقْتُهَا أَمَامَك إذْ نَفْسُهَا لَا تُوجَدُ قَبْلَ إيجَادِهَا وَعِنْدَ إيجَادِهَا لَا تَكُونُ أَمَامَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُصَلَّى أَمَامَك أَيْ مَكَانُ الصَّلَاةِ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ { إذَا أَفَاضَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا بِجَمْعٍ } وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِيُمْكِنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ لِيَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ فَسَقَطَتْ الْإِعَادَةُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ لِذَهَابِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي عَرَفَةَ بَعْدَمَا دَخَلَ وَقْتُهَا وَلَوْ خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّاهُمَا فِي الطَّرِيقِ جَازَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْيِيَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ ، فَإِنَّ لَيْلَةُ الْعِيدِ جَامِعَةٌ لِأَنْوَاعِ الْفَضْلِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَجَلَالَةِ أَهْلِ الْجَمْعِ وَهُمْ وَفْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَخَيْرُ عِبَادِهِ وَمَنْ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ صَلِّ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّاهَا يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ } ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّغْلِيسِ دَفْعَ حَاجَةِ الْوُقُوفِ فَيَجُوزُ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ قِفْ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاعِيًا بِحَاجَتِك وَقِفْ

عَلَى جَبَلِ قُزَحٍ إنْ أَمْكَنَك وَإِلَّا فَبِقُرْبٍ مِنْهُ ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ رَمْي مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَغْفِرَةِ فَأُجِيبَ بِأَنِّي قَدْ غَفَرْت لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ فَإِنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ قَالَ أَيْ رَبِّ إنْ شِئْت آتَيْت الْمَظْلُومَ مِنْ الْخَيْرِ وَغَفَرْت لِلظَّالِمِ فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّتَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ وَفِيهِ قَالَ ، إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ اسْتَجَابَ دُعَائِي وَغَفَرَ لِأُمْتَى أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَى رَأْسِهِ وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ } خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ ثُمَّ يَجْتَهِدُ وَيَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُتِمَّ مُرَادَهُ وَسُؤَالَهُ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ كَمَا أَتَمَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ خَيْرُ مَطْلُوبٍ وَخَيْرُ مَرْغُوبٍ اللَّهُمَّ ، إنَّ لِكُلِّ وَفْدٍ جَائِزَةً وَقُرًى فَاجْعَلْ قِرَايَ فِي هَذَا الْمَكَانِ قَبُولَ تَوْبَتِي وَالتَّجَاوُزَ عَنْ خَطِيئَتِي

وَأَنْ تَجْمَعَ عَلَى الْهُدَى أَمْرِي اللَّهُمَّ عَجَّتْ لَك الْأَصْوَاتُ بِالْحَاجَاتِ وَأَنْتَ تَسْمَعُهَا وَلَا يَشْغَلُك شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ وَحَاجَتِي أَنْ لَا تُضَيِّعَ تَعَبِي وَنَصَبِي وَأَنْ لَا تَجْعَلَنِي مِنْ الْمَحْرُومِينَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الشَّرِيفِ وَارْزُقْنِي ذَلِكَ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي ، فَإِنِّي لَا أُرِيدُ إلَّا رَحْمَتَك وَلَا أَبْتَغِي إلَّا رِضَاك وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمُخْبِتِينَ وَالْمُتَّبِعِينَ لِأَمْرِك وَالْعَامِلِينَ بِفَرَائِضِك الَّتِي جَاءَ بِهَا كِتَابُك وَحَثَّ عَلَيْهَا رَسُولُك عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ ) أَيْ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ لِمَا رَوَيْنَا ثُمَّ وَقْتُ الْوُقُوفِ فِيهَا مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُهُ وَلَوْ وَقَفَ فِيهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ مَرَّ بِهَا جَازَ كَمَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَجُوزُ وَالْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَاجِبٌ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَاجِبٌ وَقَالَ مَالِكٌ : سُنَّةٌ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : رُكْنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } وَلِحَدِيثِ عُرْوَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ وَقَدْ كَانَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ } عَلَّقَ بِهِ تَمَامَ الْحَجِّ ، وَهُوَ آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ وَلَنَا أَنَّ { سَوْدَةَ اسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُفِيضَ بِلَيْلٍ فَأَذِنَ لَهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا جَازَ تَرْكُهُ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَمَا تَلَاهُ لَا يَشْهَدُ لَهُ ؛ لِأَنَّ

الْمَذْكُورَ فِيهِ الذِّكْرُ ، وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هُوَ قُزَحُ وَلَوْ كَانَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا لَقَالَ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ لَا عَيْنِ الْمُزْدَلِفَةِ وَسَمَّيْت مُزْدَلِفَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَالِازْدِلَافُ الِاجْتِمَاعُ قَالَ اللَّه تَعَالَى { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } أَيْ جَمَعْنَاهُمْ وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِيهَا وَقِيلَ لِاقْتِرَابِ النَّاسِ فِيهَا مِنْ مِنًى وَالِازْدِلَافُ الِاقْتِرَابُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { ، وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى } وَسُمِّيَتْ جَمْعًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَقِيلَ لِلْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ وَسُمِّيَ الْمُحَسِّرُ مُحَسِّرًا ؛ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِّرَ فِيهِ أَيْ أَعْيَا وَكَلَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ إلَى مِنًى بَعْدَمَا أَسْفَرَ ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى مِنًى بَعْدَمَا أَسْفَرَ جِدًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلِمَا رَوَى { عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ يَنْفِرُونَ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَشْرَقَ ثَبِيرْ كَيْمَا نُغَيِّرْ فَخَالَفَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ مِنْ قَبْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَلَوْ دَفَعَ بِلَيْلٍ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَذِنَ لِضَعَفَةِ النَّاسِ أَنْ يَدْفَعُوا بِلَيْلٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي دَفْعِهِ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْت وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْت وَإِلَيْك تَوَجَّهْت وَمِنْك رَهِبْت اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ نُسُكِي وَأَعْظِمْ أَجْرِي

وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَاسْتَجِبْ دَعْوَتِي وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ إنْ كَانَ مَاشِيًا وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَعَلَ ذَلِكَ } وَفِيمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَارْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ كَحَصَى الْخَذْفِ ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ { ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى بِسَبْعٍ وَقَالَ هَكَذَا رَمَى مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ، وَهُوَ رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَعَمَلًا مَشْكُورًا } ثُمَّ قَالَ هُنَا كَانَ يَقُومُ مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَلَوْ رَمَاهَا بِأَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ كَيْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّ مَا حَوْلَهَا مَوْضِعُ النُّسُكِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي لِمَا رَوَيْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَبِّرْ بِكُلِّ حَصَاةٍ ) أَيْ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ لِمَا رَوَيْنَا وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ التَّعْظِيمِ بِالذِّكْرِ ، وَهُوَ مِنْ آدَابِ الرَّمْيِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَقِفْ عِنْدَهَا بِخِلَافِ الْجَمْرَةِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَلَى مَا يُذْكَرُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ وَقَفَ عِنْدَهُ وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ لَمْ يَقِفْ عِنْدَهُ وَرَمْيُهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهُ رَاكِبًا وَإِلَّا فَمَاشِيًا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَلِّ بِالنَّاسِ الْعِشَاءَيْنِ ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لِهَذَا الْجَمْعِ إجْمَاعًا ا هـ ( قَوْلُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ) أَيْ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ أَوْ تَشَاغَلْ ) أَيْ سَوَّى بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالتَّشَاغُلِ بِشَيْءٍ آخَرَ فِي إعَادَةِ الْإِقَامَةِ ، وَهُوَ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَكِنْ أُشِيرَ فِي مَبْسُوطِ الْإِسْبِيجَابِيُّ الَّذِي اخْتَصَرَهُ مِنْ مَبْسُوطِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهَا فِي التَّطَوُّعِ وَإِلَى إعَادَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي التَّعَشِّي وَغَيْرِهِ فَقِيلَ قَالَ زُفَرُ يُعِيدُهُمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْفَصْلُ بِهِ فَيُفْرِدُ الثَّانِيَةَ بِهِمَا إذَا كَانَ فَصَلَ بِالتَّعَشِّي ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ أَعَادَ الْإِقَامَةَ ) أَيْ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانِ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِإِعَادَةِ الْإِقَامَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ } كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ الْأَصْلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ قَالَ { فَلَمَّا أَتَى جَمْعًا أَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْعِشَاءُ بَيْنَهُمَا ) قَالَ السُّرُوجِيُّ : لَكِنَّ ظَاهِرَهُ بِإِعَادَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمْ يَحُجَّ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً } فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَا نُقِلَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ حَجَّةً بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ

لَمْ تَجُزْ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ قُلْت سُقُوطُ إعَادَتِهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فَاسِدَةً فِي الطَّرِيقِ أَوْ بِعَرَفَةَ أَوْ بِالْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَتَأْوِيلُ الْأَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمَعْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أَمَامَك يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهَا فَاسِدَةً كَمَا لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهَذَا سُؤَالٌ قَوِيٌّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ إيجَادِهَا لَا تَكُونُ أَمَامَهُ ) أَيْ بَلْ تَكُونُ وَرَاءَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ ) أَيْ وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَاهُ أَيْ حَدِيثُ أُسَامَةَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ فَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ فَإِذَا فَاتَ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ وَمَرْجِعُهُ إلَى تَقْدِيمِ الْمَعْنَى عَلَى النَّصِّ وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ لَا يُقَالُ لَوْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى إطْلَاقِهِ أَدَّى إلَى تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَاطِعِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ ذَلِكَ لَكُنَّا نَحْكُمُ بِالْإِجْزَاءِ وَنُوجِبُ إعَادَةَ مَا وَقَعَ مُجْزِئًا شَرْعًا مُطْلَقًا وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ نَظِيرُ وُجُوبِ إعَادَةِ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ حَيْثُ يُحْكَمُ بِإِجْزَائِهَا وَتَجِبُ إعَادَتُهَا مُطْلَقًا ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْمَغْرِبِ فَإِذَا لَمْ تُجْزِئْ الْمَغْرِبَ فَمَا رَتَّبَ عَلَيْهِ أَوْلَى ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ ) الْوَيْلُ الْحُزْنُ وَالْمَشَقَّةُ إلَى الْهَلَاكِ وَالثُّبُورُ الْهَلَاكُ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ وَادِيَ مُحَسِّرٍ مِنْ مِنًى وَلَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ وَمُزْدَلِفَةَ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ مُنْقَطِعٌ وَاعْلَمْ أَنَّ

ظَاهِرَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي قَوْلِهِمْ مُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ وَكَذَا عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ أَنَّ الْمَكَانَيْنِ لَيْسَا مَكَانَ وُقُوفٍ فَلَوْ وَقَفَ فِيهِمَا لَا يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي مِنًى سَوَاءٌ قُلْنَا ، إنَّ عُرَنَةَ وَمُحَسِّرًا مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ أَوْ لَا وَهَكَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ وَكَذَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَوَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ ، وَأَمَّا مَكَانُهُ يَعْنِيَ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مُزْدَلِفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَرَوَى الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا فِي بَطْنِ عُرَنَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَادِي الشَّيْطَانِ وَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالْإِجْزَاءِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ ، وَأَمَّا الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعٌ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِالْمَكَانَيْنِ هُوَ أَنَّ عُرَنَةَ وَوَادِيَ مُحَسِّرٍ إنْ كَانَا مِنْ مُسَمًّى عَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يُجْزِئُ الْوُقُوفُ فِيهِمَا وَيَكُونُ مَكْرُوهًا ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ أَطْلَقَ الْوُقُوفَ بِمُسَمَّاهُمَا مُطْلَقًا وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَنَعَهُ فِي بَعْضِهِ فَقَيَّدَهُ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ فَيَثْبُتُ الرُّكْنُ بِالْوُقُوفِ فِي مُسَمَّاهُمَا مُطْلَقًا وَالْوُجُوبُ فِي كَوْنِهِ فِي غَيْرِ الْمَكَانَيْنِ الْمُسْتَثْنَيَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ مُسَمَّاهُمَا لَا يُجْزِئُ أَصْلًا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا ) وَفِي الْمُحِيطِ حَدَّ مُحَمَّدٌ

رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِسْفَارَ فَقَالَ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ دَفْعٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الذِّكْرُ ) أَيْ دُونَ الْوُقُوفِ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ) أَيْ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا عَلَّقَ بِهِ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) كَمَا إذَا قُلْت أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ لَا تَكُونُ فِيهِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ لِلْمُزْدَلِفَةِ ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَجَمْعٌ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا عَيْنِ الْمُزْدَلِفَةِ ) الظَّاهِرُ فِي الْكَرْمَانِيِّ بَدَلُ عَيْنٍ غَيْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَسُمِّيَتْ جَمْعًا ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونَ الْمِيمِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَعْيَا وَكَلَّ ) أَيْ عَنْ الْمَسِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَشْرَقَ ) يُرْوَى مِنْ أَشْرَقَ إذَا أَضَاءَ وَشَرَقَ إذَا طَلَعَ أَيْ اُدْخُلْ أَيُّهَا الْجِيلُ فِي الشُّرُوقِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ثَبِيرٌ ) ، وَهُوَ جَبَلٌ كَبِيرٌ مِنْ جِبَالِ مِنًى ا هـ ( قَوْلُهُ كَيْمَا نُغَيِّرَ ) أَيْ نُسْرِعَ ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ) أَيْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَيَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَهَا لِيَتَيَقَّنَ طَهَارَتَهَا فَإِنَّهُ يُقَامُ بِهَا قُرْبَةٌ وَلَوْ رَمَى بِمُتَنَجِّسَةٍ بِيَقِينٍ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ ا هـ كَمَالٌ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَيَاتِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَوْضِعٍ نَجِسٍ ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ قُرْبَةٌ فَيُكْرَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ النَّجَاسَةِ وَكَذَا كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَصَى الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعٍ مَحْفُوظٍ عَنْ الْأَنْجَاسِ فَيُكْرَهُ إخْرَاجُهَا إلَى مَوْضِعٍ لَا يُحْفَظُ مِنْ الْأَنْجَاسِ ا هـ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقَامُ بِهَا قُرْبَةٌ أَيْ ؛ وَلِأَنَّ مِنْهَا يَقَعُ فِي يَدِ مَلَكٍ فَيُسْتَحَبُّ طَهَارَتُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ كَحَصَى الْخَذْفِ ) ، وَهُوَ مِثْلُ

حَبَّةِ الْبَاقِلَّا وَأَصْغَرُ مِنْهَا وَمِثْلُ النَّوَاةِ ا هـ غَايَةٌ ( فَائِدَةٌ ) وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ، إنَّمَا يُسَمَّى جَمْرَةً ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُمِرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ جَاءَ الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُهُ فَكَانَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَرْمِي إلَيْهِ الْأَحْجَارَ طَرْدًا لَهُ وَكَانَ يُجْمِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ وَالْإِجْمَارُ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ) قِيلَ ، إنَّمَا خَصَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَاسِكِ الْحَجِّ مَذْكُورٌ فِيهَا ا هـ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا ) أَيْ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ تَرْمِيهَا لِمَا رَوَيْنَا وَلَمَّا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ { أُسَامَةَ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى فَكِلَاهُمَا قَالَ لَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَ مَنْ قَطَعَهُمَا مِنْهُمْ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْجَوَازِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهَيْئَةٍ دُونَ هَيْئَةٍ بَلْ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ رَمْيٌ إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالِفَتِهِ السُّنَّةَ وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُ الْأَفْعَالِ وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهَا مَرْدُودٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا تُقَبِّلَ مِنْهُ رُفِعَ وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ تُرِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ هِضَابًا يَسُدُّ الطَّرِيقَ فَيُتَشَاءَمُ بِهِ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالطِّينِ وَالْمَغْرَةِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ وَالْكُحْلِ أَوْ قَبْضَةٍ مِنْ تُرَابٍ وَالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَالْيَاقُوتِ

وَالزَّبَرْجَدِ وَالزُّمُرُّذِ وَالْبَلْخَشِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْبَلُّورِ وَالْعَقِيقِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إمَّا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ نِثَارٌ وَلَيْسَ بِرَمْيٍ وَوَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُكْرَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَهُ إلَى الزَّوَالِ وَيُبَاحُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الرَّمْيُ بَعْدَ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تُفِيضَ وَتُصَلِّيَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ وَلَا } شَكَّ أَنَّهَا إذَا صَلَّتْ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَقَدْ أَفَاضَتْ مِنْ مِنًى قَبْلَ الْفَجْرِ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ أَنَّهُ قَالَ ، { إنَّ أَسْمَاءَ نَزَلَتْ بِجَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْت لَا فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْت نَعَمْ قَالَتْ فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلْنَا وَمَشَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتْ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا فَقُلْت يَا هينا مَا أُرَانَا إلَّا قَدْ غَلَّسْنَا قَالَتْ يَا بُنَيَّ ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلظَّعْنِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَكَانَ غَلَّسْنَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِبَاهِ الْحَالِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ { قَدَّمْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ لَنَا مِنْ جَمْعٍ فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ أَيْ بُنَيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ { وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ { خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ

فَإِنِّي لَا أَدْرِي أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ وَقَدَّمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ وَقَالَ لَا تَرْمُوا إلَّا مُصْبِحِينَ } فَهَذَا الْبَيَانُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْأَوَّلُ لِبَيَانِ الِاسْتِحْبَابِ ؛ وَلِأَنَّهُ مَا قَالَهُ يُؤَدِّي إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ بِتَحْصِيلِ حَجَّتَيْنِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ يَرْمِيَ بِاللَّيْلِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ بِاللَّيْلِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجَّةٍ أُخْرَى وَيَرْجِعُ إلَى عَرَفَاتٍ وَيَقِفُ بِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَفْعَلُ بَقِيَّةَ الْأَفْعَالِ وَلَوْ كَانَ هَذَا جَائِزًا لَمَا أَمَرَ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ قَابِلٍ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَّمَهَا ذَلِكَ وَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ وَلَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهَا أَنْ تَرْمِيَ لَيْلًا وَبِمِثْلِ هَذَا لَا يُتْرَكُ الْمَرْفُوعُ أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَتْرُكْ الْمَنْقُولَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ قَالَ لَهُ أَبِي كُنَّا لَا نَغْتَسِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ بَلْ قَالَ لَهُ أَخْبَرْتُمُوهُ بِذَلِكَ فَسَكَتَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا رَمَتْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَظَنَّ الرَّاوِي قَبْلَهُ وَبِهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ يُجَابُ عَنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْوُقُوعِ بَعْدَ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ قَالَ مَا أَرَانَا أَلَا قَدْ غَلَّسْنَا وَالْغَلَسُ يَكُونُ بَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّاهَا يَوْمئِذٍ بِغَلَسٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ دَفْعَهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ كَانَ بَعْدَمَا غَابَ الْقَمَرُ ، وَهُوَ لَا يَغِيبُ فِي اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ إلَّا آخِرَ اللَّيْلِ وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ إلَى أَنْ يَتَأَهَّبُوا لِلدَّفْعِ وَيَصِلُوا إلَى مِنًى يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا قَعَدَتْ بَعْدَمَا غَابَ الْقَمَرُ زَمَانًا طَوِيلًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الرَّاوِي

أَنَّهَا دَفَعَتْ كَمَا غَابَ الْقَمَرُ مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ دَفَعَ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ فَلَمْ يَصِحَّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ فِي أَوَّلِهِ فَكَذَا فِي آخِرِهِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَذِنَ لِلرُّعَاةِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا } مَحْمُولٌ عَلَى اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ إلَخْ ) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالظَّاهِرِيَّةُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ رُجُوعًا إلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ، وَإِنَّمَا رَمَى بَعْضَهَا وَيَرْوِي ثُمَّ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ وَلَنَا مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَطَعَهَا عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ } رَوَاهُ خَلِيلٌ فِي الْمَنَاسِكِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَلَا يُلَبِّي مَعَهَا وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ فَيُصَدَّقُ بِرَمْيِهَا بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُهُ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ رَمْيُ الْجَمْرَةِ إلَخْ ظَاهِرُ الْفَسَادِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْرَةَ يَرْمِي إلَيْهَا بِالْحَصْيِ وَلَا قَائِلَ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ كُلِّهَا بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يَرْمِيَ إلَى جِهَةِ الْجَمْرَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَلَا يُشْتَرَطُ رَمْيُ كُلِّ الْجَمْرَةِ وَلَا بَعْضِهَا ، وَهُوَ كَلَامٌ بِلَا تَأَمُّلٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَ مَنْ قَطَعَهَا مِنْهُمْ ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ { وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : فِي مَنَاسِكِهِ فَإِنْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي إحْدَى الْجِمَارِ إنْ وَقَعَتْ مُتَفَرِّقَةً عَلَى مَوْضِعِ الْجَمَرَاتِ جَازَ لِحُصُولِ الْجَمْرَةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ فِي الْحَدِّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَكَان وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَقَالَ مَالِكٌ : وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ كَيْفَمَا كَانَ وَيَرْمِيهَا بِسِتَّةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّمْيِ بِسَبْعِ مَرَّاتٍ وَقَدْ رَمَى مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَالَ

عَطَاءٌ الْأَصَمُّ يُجْزِئُهُ كَيْفَمَا كَانَ وَقَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ جَاهِلًا أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا ا هـ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ رَمَى سَبْعًا رَمْيَةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّهُ رَمَى حَصَاةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَرْمِيَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقَدْ رَمَى مَرَّةً ا هـ وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ ا هـ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا عَزَاهُ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ قَبْلَهُ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى سَنَدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ ) قَالَ الْكَمَالُ يَتَضَمَّنُ خِلَافَ مَا قِيلَ أَنَّهُ يَلْتَقِطُهَا مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى الطَّرِيقِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ جَرَى التَّوَارُثُ بِذَلِكَ وَمَا قِيلَ يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعًا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ فَقَطْ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ خِلَافَهَا الْإِسَاءَةُ ا هـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ وَيَحْمِلَهَا مَعَهُ إلَى مِنًى يَرْمِي بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ ائْتِنِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ فَأَتَاهُ بِهِنَّ فَجَعَلَ يُقَلِّبُهُنَّ بِيَدِهِ وَيَقُولُ بِمِثْلِهِنَّ بِمِثْلِهِنَّ وَلَا تَغْلُوا فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ } وَلَوْ أَخَذَ الْحَصَى مِنْ غَيْرِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ وَلَا يُكْرَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ يَأْخُذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعِينَ حَصَاةٍ وَكَذَا فِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ ، وَهَذَا

خِلَافُ السُّنَّةِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِنَا ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ إلَخْ ) وَلَوْ أَخَذَهَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا يُجْزِئُهُ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِوُجُودِ فِعْلِ الرَّمْيِ وَأَمَّا الْإِسَاءَةُ فَلِتَرْكِ السُّنَّةِ ا هـ كَرْمَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مَا تُقَبِّلَ مِنْهُ رُفِعَ ) قَالَ مُجَاهِدٌ لَمَّا سَمِعْت هَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَعَلْت عَلَى حَصَيَاتِي عَلَامَةً ثُمَّ تَوَسَّطْت الْجَمْرَةَ فَرَمَيْت مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثُمَّ طَلَبْت فَلَمْ أَجِدْ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ شَيْئًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ هِضَابًا ) وَالْهَضْبَةُ الْجَبَلُ الْمُنْبَسِطُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ إلَخْ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ عِنْدَنَا وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ جَوَازُ الرَّمْيِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَفِيهِمَا خِلَافٌ مَنَعَهُ الشَّارِحُونَ وَغَيْرُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْمَرْمَى بِهِ يَكُونُ الرَّمْيُ بِهِ اسْتِهَانَةَ شَرْطٍ وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ بِنَاءً عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ الْفَارِسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُبَاحُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ ) وَلَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ إلَى اللَّيْلِ رَمَاهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ تَبَعٌ لِلْيَوْمِ فِي مِثْلِ هَذَا كَمَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الْغَدِ رَمَاهُ ، وَعَلَيْهِ دَمٌ ا هـ كَرْمَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَقُلْت يَا هَيْنَا ) الَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ هَكَذَا يَا هَيْنَا بِيَا النِّدَاءِ ثُمَّ بَعْدَهَا هَاءٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ فَنُونٌ فَأَلِفٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ اللَّامِ مِنْ بَابِ

الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اللَّطْحُ مِثْلُ الْحَطْءِ ، وَهُوَ الضَّرْبُ اللِّينُ عَلَى الظَّهْرِ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَقَدْ لَطَحَهُ وَيُقَالُ أَيْضًا لَطَّحَ بِهِ إذَا ضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ ا هـ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ ، وَهُوَ مِنْ بَابِ مَنَعَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ ) أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ كَمَا قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ بَلْ قَالَ أَخْبَرْتُمُوهُ بِذَلِكَ فَسَكَتَ ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ أَشْيَاءَ يَظُنُّونَ جَوَازَهَا وَلَا يَعْلَمُ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ يَا هَيِّنًا كَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الشَّارِحِ الَّتِي بِأَيْدِينَا وَكَذَلِكَ ضَبَطَهُ الْمُحَشِّي ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ يَا هَنْتَاهْ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبَعْدَ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ أَلِفٌ آخِرُهُ هَاءٌ سَاكِنَةٌ أَيْ يَا هَذِهِ ا هـ كَتَبَهُ مُصَحِّحُهُ ) قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ) أَيْ لِمَا عُرِفَ أَنَّ وَقْتَ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إذَا دَخَلَ مِنْ النَّهَارِ امْتَدَّ إلَى آخِرِ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَتْلُو ذَلِكَ النَّهَارَ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فَاللَّيَالِيُ فِي الرَّمْيِ تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ السَّابِقَةِ لَا اللَّاحِقَةِ ا هـ فَتْحٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ اذْبَحْ ) وَهَذَا الذَّبْحُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُفْرَدِ وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الذَّبْحُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَأَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ وَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ } الْحَدِيثَ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ .( قَوْلُهُ وَهَذَا الذَّبْحُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُفْرِدِ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ ثُمَّ الْحَاجُّ إنْ كَانَ مُفْرِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ الْهَدْيِ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ يَحْلِقُ فَإِذَا حَلَقَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ) أَيْ نَحْرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ثَلَاثًا وَسِتِّينَ كَانَ ذَلِكَ لِمُدَّةِ عُمُرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ } لِكُلِّ سَنَةٍ بَدَنَةٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَأَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ ) أَيْ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ بَدَنَةً تَمَامَ الْمِائَةِ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ لِيَقْضُوا } مُرَتَّبًا عَلَى الذَّبْحِ وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ خُذْ وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْحَلْقُ أَحَبُّ ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ وَلِلْمُقَصِّرِينَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَضَاءُ التَّفَثِ لِمَا تَلَوْنَا ، وَهُوَ بِالْحَلْقِ أَتَمُّ فَكَانَ أَوْلَى وَيُكْتَفَى بِحَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ ؛ لِأَنَّ لِلرُّبُعِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِ رُبُعِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَلْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ وَكَذَا الذَّبْحُ عِنْدَنَا فِي حَقِّ الْمُحْصِرِ فَيُقَدِّمُ الرَّمْيَ عَلَيْهِمَا وَالذَّبْحُ لَيْسَ بِمُحَلَّلٍ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَلَا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَلْقِ لِيَقَعَ فِي الْإِحْرَامِ وَيَجِبُ إجْرَاءُ مُوسَى عَلَى الْأَقْرَعِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يُمْكِنُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ فَقَدْ حَلَّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ أَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ وَشَوَارِبَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَصَّ أَظْفَارَهُ } ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ التَّفَثِ فَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ وَلَا يَأْخُذُ

مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَلَوْ فَعَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ ) وَفِي الْمَبْسُوطِ ، إنَّمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَعْرُهُ مُلَبَّدًا أَوْ مَعْقُوصًا أَوْ مُضَفَّرًا فَإِنْ كَانَ لَا يَتَخَيَّرُ بَلْ يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَبَّدَ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ ضَفَّرَ أَوْ عَقَصَ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ ا هـ كَاكِيٌّ مُخْتَصَرًا وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ التَّرْتِيبُ ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ يَذْبَحَ ثُمَّ يَحْلِقَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ، إنَّ أَوَّلَ نُسُكًا أَنْ نَرْمِيَ ثُمَّ نَذْبَحَ ثُمَّ نَحْلِقَ } فَيُفِيدُ التَّرْتِيبَ فِي ضَابِطِهِ ر ذ ح ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَلْقُ أَحَبُّ ) وَعَنْ وَكِيعٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْطَأْت فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ عَلَّمَنِيهَا حَجَّامٌ وَذَلِكَ أَنَّنِي حِينَ أَرَدْت أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي وَقَفْت عَلَى حَجَّامٍ فَقُلْت لَهُ بِكَمْ تَحْلِقُ رَأْسِي فَقَالَ لِي أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ قُلْت نَعَمْ قَالَ النُّسُكُ لَا يُشَارَطُ عَلَيْهِ اجْلِسْ فَجَلَسْت مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لِي حَوِّلْ وَجْهَك إلَى الْقِبْلَةِ فَحَوَّلْته وَأَرَدْت أَنْ يَحْلِقَ رَأْسِي مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَقَالَ لِي أَدِرْ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ مِنْ رَأْسِك فَأَدَرْته وَجَعَلَ يَحْلِقُ وَأَنَا سَاكِتٌ فَقَالَ لِي كَبِّرْ فَجَعَلْت أَكْبَرُ حَتَّى قُمْت لِأَذْهَب فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ فَقُلْت رَحْلِي قَالَ ادْفِنْ شَعْرَك ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ امْضِ فَقُلْت لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك مَا أَمَرَتْنِي بِهِ فَقَالَ رَأَيْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَفْعَلُ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي مُثِيرِ الْغَرَامِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْحَالِقِ وَيَسَارِ الْمَحْلُوقِ رَأْسَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِيَمِينِ الْمَحْلُوقِ قُلْت ذَكَرَهُ كَذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَعْزُ إلَى أَحَدٌ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ

أَوْلَى ، وَهُوَ مِنْ الْآدَابِ وَقَدْ ذَكَرْت الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِي بُدَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْكَرِيمِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ كَلَامٌ وَقَدْ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَقَدْ أَخَذَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ الْحَجَّامِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُهُ خِلَافَ ذَلِكَ لَمَا وَافَقَهُ مَعَ كَوْنِهِ حَجَّامًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا أَقَلُّ مِنْ رُبُعِ الرَّأْسِ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ ، وَهُوَ مُسِيءٌ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُ جَمِيعِ الرَّأْسِ ، وَقَدْ تَرَكَ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُسِيئًا ا هـ ثُمَّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَفِي آدَابِ الْمُفْتِينَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ قَصَّرَتْ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْ رَأْسِهَا وَذَلِكَ يَبْلُغُ النِّصْفَ أَوْ دُونَهُ أَجْزَأَهَا وَعَلَّلَ فِيهِ وَقَالَ ؛ لِأَنَّ حَلْقَ رُبُعِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرَ رُبُعِهِ مِثْلُ حَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَكَذَا فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ ا هـ ( قَوْلُهُ الْأُنْمُلَةُ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْأُنْمُلَةُ الْعُقْدَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْأَنَامِلُ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَابْنُ قُتَيْبَةَ يَجْعَلُ الضَّمَّ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ ا هـ وَفِي الْمُغْرِبِ الْأُنْمُلَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ وَمَنْ خَطَّأَ رَاوِيَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ إجْرَاءُ الْمُوسَى إلَخْ ) وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِجْرَاءِ لِلْإِزَالَةِ لَا لِعَيْنِهِ فَإِذَا سَقَطَ مَا وَجَبَ لِأَجْلِهِ سَقَطَ هُوَ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ يَمْنَعُ وُجُوبَ عَيْنِ الْإِجْرَاءِ وَلِذَا كَانَ لِلْإِزَالَةِ بَلْ الْوَاجِبُ طَرِيقُ

الْإِزَالَةِ وَلَوْ فُرِضَ بِالنُّورَةِ أَوْ الْحَلْقِ أَوْ النَّتْفِ ، وَإِنْ عَسِرَ فِي أَكْثَرِ الرُّءُوسِ أَوْ قَاتَلَ غَيْرَهُ فَنَتَفَهُ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَلْقِ قَصْدًا وَلَوْ تَعَذَّرَ الْحَلْقُ لِعَارِضٍ تَعَيَّنَ التَّقْصِيرُ أَوْ التَّقْصِيرُ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ كَأَنْ لَبَّدَهُ بِصَمْغٍ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْمِقْرَاضُ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ لَك غَيْرَ النِّسَاءِ ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَيَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ سَائِرُ الدَّوَاعِي مِنْ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ { طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا رَمَيْتُمْ وَذَبَحْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَحَلَّ لَكُمْ الثِّيَابُ وَالطِّيبُ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالرَّمْيُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ قَبْلَ أَوَانِهِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ إلَى مَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ غَدًا أَوْ بَعْدَهُ فَطُفْ لِلرُّكْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ ، وَإِنْ قَدَّمْتهمَا وَإِلَّا فَعَلَا ) يَعْنِي ثُمَّ رُحْ إلَى مَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ وَطُفْ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَلَا تَرْمُلُ فِيهِ وَلَا تَسْعَى بَعْدَهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ كُنْتَ رَمَلْتَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَسَعَيْتَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَارْمُلْ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَاسْعِ بَعْدَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ يَوْمَ النَّحْرِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ بَعْدَمَا طَافَ بِالْبَيْتِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْهُ أَنَسٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِمِنًى ثُمَّ رَكِبَ إلَى

الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ } وَرَوَتْ { عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ إفَاضَتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَتْ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ } وَهَذَا الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الْعَوْدُ إلَى الْبَيْتِ فَرَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مَا وَقَعَ عِنْدَهُ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ إحْرَامِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامَ مِنًى وَوَقْتُهُ أَيَّامُ النَّحْرِ } ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الطَّوَافَ عَلَى الذَّبْحِ وَالْأَكْلِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكُلُوا } ثُمَّ قَالَ { وَلْيَطَّوَّفُوا } فَكَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا وَأَوَّلُ وَقْتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَأَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا كَمَا فِي النَّحْرِ ثُمَّ إنْ كَانَ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَلَا يَرْمُلُ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا يَسْعَى وَإِلَّا رَمَلَ وَسَعَى وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ رَمَلَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَمَوْضِعُ السَّعْيِ عَقِيبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِمَا دُونَهُ ، وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ لَهُ التَّقْدِيمُ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ رُخْصَةً ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْأَفْعَالُ يَوْمَ النَّحْرِ فَيَخْرُجُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدِ هَذَا الطَّوَافِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ .

( قَوْلُهُ فَقَدْ حَلَّ ) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَقَهُ وَالْأَحْسَنُ تَأْخِيرُ إحْلَالِهِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالْمُتَيَمِّمِ الطَّامِعِ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَعَدَمُ وُجُودِ الْمُوسَى أَوْ الْحَالِقِ لَيْسَ بِعُذْرٍ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ مَرْجُوٌّ فِي كُلِّ وَقْتٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ ) أَيْ وَقَوْلُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَوْ عَلَى مَا بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالرَّمْيُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ ) أَيْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ هُوَ يَقُولُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْحَلْقِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي التَّحْلِيلِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ بَعْدَمَا طَافَ بِالْبَيْتِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثَ جَابِرٍ وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ بِطَرِيقٍ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَلِهَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَإِذَا تَعَارَضَا وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ فَفِي مَكَّةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْلَى لِثُبُوتِ مُضَاعَفَةِ الْفَرَائِضِ فِيهِ وَلَوْ تَجَشَّمْنَا الْجَمْعَ حَمَلْنَا فِعْلَهُ بِمِنًى عَلَى الْإِعَادَةِ بِسَبَبٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمُؤَدَّى أَوَّلًا ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا ) يَعْنِي فَكَانَ وَقْتُ الذَّبْحِ وَقْتًا لِلطَّوَافِ لَا وَقْتَ الطَّوَافِ فَإِنَّ الطَّوَافَ لَا يَتَوَقَّفُ أَيَّامَ النَّحْرِ حَتَّى يَفُوتَ بِفَوَاتِهِ بَلْ وَقْتُهُ الْعُمُرُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ إلَخْ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَرْضًا كَانَ الطَّوَافُ أَوْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا

وَاجِبٌ عِنْدَنَا ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ لَك النِّسَاءُ ) لِإِجْمَاعِ الْأَمَةِ عَلَى ذَلِكَ وَحَلَّ النِّسَاءُ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِالطَّوَافِ ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْمُحَلِّلُ دُونَ الطَّوَافِ غَيْرَ أَنَّهُ أُخِّرَ عَمَلُهُ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقُ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أُخِّرَ عَمَلُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِاسْتِرْدَادِ فَإِذَا انْقَضَتْ عَمِلَ الطَّلَاقُ عَمَلَهُ فَبَانَتْ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَحْلِقَ ، وَكَذَا إذَا طَافَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الرُّكْنُ وَمَا زَادَ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَبْسُوطِ وَهَذَا الطَّوَافُ هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ ، وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ وَيُسَمَّى طَوَافَ الزِّيَارَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَطَوَافَ الْإِفَاضَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَطَوَافَ الرُّكْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِهَا فَلَا يُؤَخِّرْهُ عَنْهَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ إنْ أَخَّرَهُ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ إنْ أَخَّرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ وَوَقْتُ الْحَلْقِ هُوَ وَقْتُ الطَّوَافِ عَلَى الِاخْتِلَافِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ إلَى مِنًى ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى مِنًى ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَادَ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ وَلِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ النُّسُكُ ، وَهُوَ الرَّمْيُ وَمَوْضِعُهُ مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا حَتَّى يُقِيمَهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَارْمِ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي ثَانِي النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ بَادِئًا بِمَا تَلِي الْمَسْجِدَ ثُمَّ بِمَا تَلِيهَا ثُمَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ ثُمَّ غَدًا كَذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثْت ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا

قَالَتْ { أَفَاضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجِمَارَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْمَقَامَ وَيَتَضَرَّعُ وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ جَابِرٌ { : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا ، وَإِذَا وَقَفَ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ يَقِفُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ } وَالْمُرَادُ رَفْعُهَا بِالدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأَبَوَيْهِ وَأَقَارِبِهِ وَمَعَارِفِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ } وَحِكْمَةُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ تَحْصِيلُ الدُّعَاءِ لِكَوْنِهِ فِي وَسَطِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثْت أَيْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ تَرْمِي عَلَى مَا رَمَيْت فِي الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ إنْ مَكَثْت عَلَّقَهُ بِمُكْثِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ إنْ شَاءَ نَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ ، وَإِنْ شَاءَ مَكَثَ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى } فَخَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا وَنَفَى

الْحَرَجَ عَنْهُمَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْكُثَ وَيَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ الزَّوَالِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَبَرَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ } وَلَا يُقَالُ نَفْيُ الْإِثْمِ عَنْهُمَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَالْإِبَاحَةَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَزَلَتْ الْآيَةُ عَلَى سَبَبٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا فِرْقَتَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْمُتَعَجِّلُ آثِمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْمُتَأَخِّرُ آثِمٌ فَنَفَى الْإِثْمَ عَنْهُمَا لِأَخْذِ أَحَدِهِمَا بِالرُّخْصَةِ وَالْآخَرُ بِالْفَضْلِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ ثُمَّ الصَّوْمُ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وَإِلَّا فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَغْفِرُ لَهُمَا بِسَبَبِ تَقْوَاهُمَا فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِمَا ذَنْبٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَهُ أَنْ يَنْفِرَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَإِذْ طَلَعَ الْفَجْرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ حَتَّى يَرْمِيَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ النَّفْرَ أُبِيحَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } لَا فِي اللَّيْلِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ نَفَرَ فِي وَقْتٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الرَّمْيُ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ فَجَازَ لَهُ النَّفْرِ كَالنَّهَارِ وَمِنْ النَّاس مَنْ مَنَعَ جَوَاز النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِأَهْلِ مَكَّةَ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا وَالرُّخْصَةُ لِجَمِيعِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ رَمَيْت فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ قَبْلَ الزَّوَالِ صَحَّ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ لَهُ فِيهِ فِي النَّفْرِ فَإِذَا لَمْ يَتَرَخَّصْ

بِالنَّفْرِ اُلْتُحِقَ بِسَائِرِ الْأَيَّامِ وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَثَرُ التَّخْفِيفِ فِيهِ فِي حَقِّ التَّرْكِ فَلَأَنْ يَظْهَرَ جَوَازُهُ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا أَوْلَى بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فِيهِمَا فَكَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ يَوْمُ نَفْرٍ فَيَحْتَاجُ إلَى تَعْجِيلِ النَّفْرِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ فِيهِ النَّفْرُ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ شَاءَ نَفَرَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْفِرْ ، وَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَأَوَّلُ وَقْتِ الرَّمْيِ فِيهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَآخِرُهُ الْغُرُوبُ وَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ رَمَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الرِّعَاءِ ، وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يَجِبُ دَمٌ عِنْدَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَارْمِ مَاشِيًا وَإِلَّا فَرَاكِبًا ) هَذَا لِبَيَانِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَأَمَّا الْجَوَازُ فَثَابِتٌ كَيْفَمَا كَانَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْأَوَّلُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَرَّاحِ ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ تَلَامِذَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ تِلْمِيذِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ عَالِمًا بِالْمَنَاسِكِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ يَا إبْرَاهِيمُ مَا تَقُولُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ يَرْمِيهَا الْحَاجُّ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا فَقُلْت يَرْمِيهَا مَاشِيًا فَقَالَ أَخْطَأْت فَقُلْت يَرْمِيهَا رَاكِبًا فَقَالَ أَخْطَأْت قُلْت فَمَاذَا يَقُولُ الْإِمَامُ قَالَ كُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ يَرْمِيهَا مَاشِيًا وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ يَرْمِيهَا رَاكِبًا فَخَرَجْت مِنْ

عِنْدِهِ فَسَمِعْت بُكَاءَ النَّاسِ فِي دَارِهِ فَقِيلَ لِي قُضِيَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا يَوْمَ النَّحْرِ } يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ { عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا وَسَائِرَ ذَلِكَ مَاشِيًا وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ } ؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ وَدُعَاءٌ فَالْمَشْيُ أَقْرَبُ إلَى التَّضَرُّعِ وَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { بَاتَ بِهَا } وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُؤَدِّبُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِ الْمُقَامِ بِهَا وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيتَ فِيهَا لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْوَاجِبَاتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ أَنْ تُقَدِّمَ ثَقَلَك وَتُقِيمَ بِمِنًى لِلرَّمْيِ ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ ، وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62