كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

( فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ مَعَهُمَا لَغَتْ ) أَيْ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمَا بِإِثْبَاتِ الْمُعَيَّنِ لَهُمَا فَتُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ فَإِذَا رُدَّتْ ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَهَادَتِهِمَا إقْرَارًا مِنْهُمَا بِوَصِيٍّ آخَرَ مَعَهُمَا لِلْمَيِّتِ ، وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ ذَلِكَ بِدُونِهِ فَصَارَ فِي حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْصِيَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَجَازَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمَا بِدُونِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ ، وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَيَضُمُّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِيُمْكِنَهُمْ التَّصَرُّفُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ ) أَيْ يَدَّعِي أَنَّهُ وَصِيٌّ مَعَهُمَا فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَالْأَوَّلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ فَيَكُونُ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِنَصْبِ الْقَاضِي إيَّاهُ كَمَا إذَا مَاتَ ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَصِيًّا فَإِنَّهُ يَنْصِبُ وَصِيًّا ابْتِدَاءً فَهَذَا أَوْلَى( فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ )

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا الِابْنَانِ ) أَيْ إذَا شَهِدَ الِابْنَانِ بِأَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ ، وَهُوَ يُنْكِرُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا إلَى أَنْفُسِهِمَا بِنَصْبِ حَافِظٍ لِلتَّرِكَةِ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِقَوْلِ شُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ خَصْمٍ وَلَا مُرِيبٍ أَيْ مُتَّهَمٍ ، وَإِذَا ادَّعَى الْمَشْهُودُ لَهُ الْوِصَايَةَ يُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا عَلَى أَنَّهُ نُصِبَ وَصِيٌّ ابْتِدَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ الْوَصِيَّيْنِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ سَوَاءٌ ادَّعَى الرَّجُلُ الْوَكَالَةَ أَوْ لَمْ يَدَّعِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْحَيِّ بِطَلَبِهِمَا ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِأَنْفُسِهِمَا فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَصَارَا مُتَّهَمَيْنِ أَوْ خَصْمَيْنِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ لِكَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَارِثٍ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ وَوِلَايَةَ بَيْعِ الْمَنْقُولِ لِأَنْفُسِهِمَا عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا لِلْكَبِيرِ فِي غَيْرِ التَّرِكَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِمَا عَنْهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَامَهُمَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا وَالْمُوصِي أَبًا حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي الْكُلِّ لِأَنَّ لِوَصِيِّ الْأَبِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ جَمِيعِهِ فَيَكُونَانِ مُتَّهَمَيْنِ فَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَالِ الْمَوْرُوثِ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ ، وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكَبِيرِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا إذَا شَهِدَا لِوَاِرثٍ كَبِيرٍ يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِيمَا تَرَكَهُ الْمُوصِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لَا تَثْبُتُ لَهُمَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا فَعَرِيَتْ عَنْ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَغِيرًا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ .( قَوْلُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ ) إذْ حِفْظُ مَالِ الْيَتِيمِ إلَيْهِمَا فِي حَقِّ الْكَبِيرِ إذَا غَابَ وَيُتَوَهَّمُ عَوْدُ الْوِلَايَةِ بِالْجُنُونِ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ ا هـ كَافِي

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ عَلَى مَيِّتٍ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِهِ تُقْبَلُ ، وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ بِوَصِيَّةِ أَلْفٍ لَا ) وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا ، وَيُرْوَى أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ إذَا جَاءُوا مَعًا ، وَشَهِدُوا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ ، وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ثُمَّ ادَّعَى الشَّاهِدَانِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ لَهُمَا الْغَرِيمَانِ الْأَوَّلَانِ تُقْبَلُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ، وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَجِبْ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ ، وَلِهَذَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَ ، وَلَا يَكُونُ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ ، وَلَا يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى التَّرِكَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّرِكَةَ لَوْ هَلَكَتْ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ ، وَأَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا تَتَمَكَّنُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ الْفَرِيقَانِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِ التَّرِكَةِ ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ وَيُعْطِيَهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ ، وَلَوْ قَبَضَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ شَيْئًا كَانَ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ مُثْبِتًا لِنَفْسِهِ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ لِخَرَابِ الذِّمَّةِ ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ ، وَلَا يَنْفُذُ

تَصَرُّفُهُ فِيهَا إذَا كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ فَشَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ تُلَاقِي مَحِلًّا مُشْتَرَكًا فَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فَلَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ بِبَقَائِهَا لَا فِي الْمَالِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُمَا إذَا جَاءَا مَعًا كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَتَتَفَاحَشُ التُّهْمَةُ فَتُرَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا عَلَى التَّعَاقُبِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ مَضَى وَثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ بِلَا تُهْمَةٍ ، وَالثَّانِي لَا يُزَاحِمُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَ صُدُورِهِ فَصَارَ كَالْأَوَّلِ ، وَالْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ فِيهَا شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الشَّرِكَةَ ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِعَيْنٍ كَالْعَبْدِ ، وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِعَيْنٍ ، وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِعَيْنٍ آخَرَ حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَوَّابِ .

( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّرِكَةَ لَوْ هَلَكَتْ إلَخْ ) وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ فَأَرَادَ الْوَارِثُ اسْتِخْلَاصَ التَّرِكَةِ وَنَقْدَ الْمَالِ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِ التَّرِكَةِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا مِلْكَ لَهُمْ وَلَكِنْ لَهُمْ حَقُّ اسْتِخْلَاصِ التَّرِكَةِ أَمَّا لَوْ قَالُوا نَحْنُ نُؤَدِّي الدَّيْنَ وَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ نَقْدًا كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ التَّرِكَةَ وَيَقْضِيَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ ، وَالْأَجْنَبِيُّ لَوْ نَقَدَ الدَّيْنَ لَا يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِخْلَاصِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ وَالدَّيْنُ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى التَّرِكَةِ فَلِلْوَرَثَةِ وِلَايَةُ اسْتِخْلَاصِ التَّرِكَةِ بِأَدَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ لَا بِقَدْرِ التَّرِكَةِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا فَدَاهُ الْمَوْلَى فَدَاهُ بِأَرْشِهِ ا هـ فُصُولُ الْعِمَادِيِّ

( كِتَابُ الْخُنْثَى ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ مَنْ لَهُ فَرْجٌ وَذَكَرٌ ) أَيْ الْخُنْثَى مَنْ لَهُ فَرْجُ الْمَرْأَةِ ، وَذَكَرُ الرَّجُلِ ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ عَرِيَ عَنْ الْآلَتَيْنِ جَمِيعًا ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّكَسُّرِ وَاللِّينِ ، وَمِنْهُ يُقَالُ تَخَنَّثَ فِي كَلَامِهِ إذَا لَانَ وَتَكَسَّرَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْبَشَرَ ذَكَرًا وَأُنْثَى كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ } وَقَدْ بَيَّنَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ مَنْ هُوَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الْوَصْفَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ ، وَهُمَا مُتَضَادَّانِ وَقَدْ جَعَلَ عَلَامَةَ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا الْآلَةَ ثُمَّ قَدْ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ بِأَنْ يُوجَدَ الْآلَتَانِ ، وَلَا يُوجَدَ التَّمْيِيزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ بَالَ مِنْ الذَّكَرِ فَغُلَامٌ ، وَإِنْ بَالَ مِنْ الْفَرْجِ فَأُنْثَى ) لِأَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَنْهُ كَيْفَ يُوَرَّثُ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ } وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُهُ ، وَرُوِيَ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّة رُفِعَ إلَيْهِ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ فَجَعَلَ يَقُولُ هُوَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَاسْتَبْعَدَ قَوْمُهُ ذَلِكَ فَتَحَيَّرَ ، وَدَخَلَ بَيْتَهُ فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ ، وَلَا يَأْخُذُهُ النَّوْمُ لِتَحَيُّرِهِ ، وَكَانَتْ لَهُ بُنَيَّةٌ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ فَسَأَلَتْهُ عَنْ تَفَكُّرِهِ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ دَعْ الْمُحَالَ ، وَأَتْبِعْ الْحُكْمَ الْمَبَالَ فَخَرَجَ إلَى قَوْمِهِ فَحَكَى لَهُمْ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنُوهُ فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ ، وَلِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ أَيٍّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ ، وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ بِهِ الْفَصْلِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ

تِلْكَ الْآلَةِ خُرُوجُ الْبَوْلِ مِنْهَا ، وَذَلِكَ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ أُمِّهِ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلِيُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا فَالْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ ، وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ حُكِمَ بِمُوجَبِهِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ تَامَّةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ اسْتَوَيَا ) أَيْ فِي السَّبْقِ ( فَمُشْكِلٌ ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا عِبْرَةَ بِالْكَثْرَةِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ ، وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَيَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ ، وَلَهُ أَنَّ كَثْرَةَ مَا يَخْرُجُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْقُوَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِ الْمَخْرَجِ وَضِيقِهِ لَا لِأَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ ، وَلِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ دَلِيلٌ بِنَفْسِهِ فَالْكَثْرَةُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ كَالشَّاهِدَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ ، وَقَدْ اسْتَقْبَحَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْتِبَارَ ذَلِكَ فَقَالَ وَهَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَاقِيِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ بَلَغَ وَخَرَجَتْ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ مِنْ الذَّكَرِ ) لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الذَّكَرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ حَاضَ أَوْ حَبِلَ أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ فَامْرَأَةٌ ) لِأَنَّ هَذِهِ عَلَامَاتُ النِّسَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ أَوْ تَعَارَضَتْ فَمُشْكِلٌ ) لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّرْجِيحَ ، وَعَنْ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ فَإِنَّ ضِلْعَ الرَّجُلِ يَزِيدُ عَلَى ضِلْعِ الْمَرْأَةِ بِوَاحِدٍ قَالَ رَحِمَهُ

اللَّهُ ( فَيَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْوُقُوفِ فِي صَفِّ النِّسَاءِ ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يُحَاذِيهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ ، وَإِنْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا يُعِيدُ صَلَاتَهُ حَتْمًا ، وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ ، وَالْأَصْلُ فِي أَحْكَامِهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْأَحْوَطِ فَالْأَحْوَطِ ، وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ ، وَاَلَّذِي خَلْفَهُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ ، وَلَوْ كَانَ بَالِغًا حُرًّا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا بِجُلُوسِهِ جُلُوسَ الرِّجَالِ

( كِتَابُ الْخُنْثَى ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ هِيَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ عَرِيَ عَنْ الْآلَتَيْنِ جَمِيعًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ بِعَدَمِ آلَةِ التَّمْيِيزِ أَصْلًا بِأَنْ يُولَدَ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ آلَةُ الذَّكَرِ وَلَا آلَةُ الْأُنْثَى وَهَذَا أَبْلَغُ وَجْهَيْ الِاشْتِبَاهِ وَلِهَذَا بَدَأَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كِتَابَ الْخُنْثَى بِهِ ا هـ وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى وَلَيْسَ لَهُ مَا لِلْأُنْثَى وَلَيْسَ لَهُ مَا لِلذَّكَرِ يَخْرُجُ مِنْ سُرَّتِهِ كَهَيْئَةِ الْبَوْلِ الْغَلِيظِ فَسُئِلَ عَنْ مِيرَاثِهِ فَقَالَ عَامِرٌ لَهُ نِصْفُ حَظِّ الْأُنْثَى وَنِصْفُ حَظِّ الذَّكَرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا عِنْدَنَا ( قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ قَاضِيًا ) هُوَ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيُّ وَالْقَائِلَةُ لَهُ أَمَتُهُ خَصِيلَةُ ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ فَقَالَ ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ حِينَ أَخْبَرَهُ بِجَوَابِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا حُرًّا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ) قَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ مُشْكِلًا بَعْدَ الْبُلُوغِ قُلْت هَذَا كَلَامٌ بِلَا فِكْرٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا لَمْ تَظْهَرْ إحْدَى الْعَلَامَاتِ أَوْ تَعَارَضَتْ كَانَ مُشْكِلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ يَعْنِي بِهِ الْفَصْلَ الَّذِي عَقَدَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَحْكَامِ الْخُنْثَى ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ ) يَعْنِي بِمَالِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ ذَكَرًا ، وَلِلضَّرُورَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ رَجُلٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى أَوْ امْرَأَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى لِأَنَّ فِي الْجِنْسِ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ تُبَاعُ ) لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أُعِدَّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ فَتَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ، وَهِيَ حَاجَةُ الْخِتَانِ فَإِذَا خَتَنَتْهُ تُبَاعُ ، وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ ، وَلَوْ زُوِّجَ امْرَأَةً فَخَتَنَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا جَازَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا صَحَّ النِّكَاحُ ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَنَظَرُ الْجِنْسِ أَخَفُّ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا ، وَتَطْلُقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَتَحْصُلُ الْفُرْقَةُ ثُمَّ تَعْتَدُّ إنْ خَلَا بِهَا احْتِيَاطًا

( قَوْلُهُ وَلَوْ زُوِّجَ امْرَأَةً فَخَتَنَتْهُ إلَخْ ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ الْقِيَاسُ عِنْدِي فِي الْخُنْثَى إذَا احْتَاجَ إلَى الْخِتَانِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْإِمَامُ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَخَتَنَتْهُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى كَانَ مُبَاحًا لَهَا ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ مَا حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَصْحَابِنَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ أَصَحُّ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي عِمْرَانُ قَالَ لِأَنَّا إنْ زَوَّجْنَاهُ كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ مَشْكُوكًا فِيهِ فَإِنْ صَحَّ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعَلَّقَةً لَا يُمْكِنُهَا الْخَلَاصُ مِنْهُ وَلَا يُتَيَقَّنُ أَيْضًا وُجُوبُ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ وَلَا وُجُوبُ الْمِيرَاثِ إنْ مَاتَ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا يُدْرَى هَلْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ أَمْ لَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ ، وَأَنْ يَنْكَشِفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ قُدَّامَ النِّسَاءِ ، وَأَنْ يَخْلُوَ بِهِ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ ، وَأَنْ يُسَافِرَ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَيَكُونُ سَفَرَ امْرَأَتَيْنِ بِلَا مَحْرَمٍ كُلُّ ذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ ، وَإِنْ أَحْرَمَ ، وَهُوَ مُرَاهِقٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا عِلْمَ لِي فِي لِبَاسِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْمَخِيطِ ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ تَرْكَ لُبْسِ الْمَخِيطِ ، وَهُوَ امْرَأَةٍ أَفْحَشُ مِنْ لُبْسِهِ ، وَهُوَ رَجُلٌ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ .( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ

وَلَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِيهِ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لِأَنَّ الْخِنْثَ لَمْ يَثْبُتْ بِالشَّكِّ ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ أَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ ، وَلَهُ مَمْلُوكٌ خُنْثَى لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ قَالَ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا عَتَقَ لِلتَّيَقُّنِ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُهْمَلٍ

وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى أَنَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُشْكِلًا لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ ، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إنْ قَالَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ أَنَا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَمِينٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ قَوْلِهَا بِأَنْ قَالَتْ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ .قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى أَنَا رَجُلٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي فَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى أَنَا رَجُلٌ أَوْ قَالَ أَنَا امْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عُلِمَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجَازِفٌ فِيمَا يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يَعْلَمُ غَيْرُهُ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ إذَا ظَهَرَتْ فِيهِ إحْدَى الْعَلَامَاتِ فَبَعْدَ ظُهُورِهَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ .

وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لَمْ يُغَسِّلْهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ لِأَنَّ حِلَّ الْغُسْلِ غَيْرُ ثَابِتٍ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَيُتَوَقَّى لِاحْتِمَالِ الْحُرْمَةِ ، وَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ ، وَلَا يَحْضُرُ هُوَ غُسْلَ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَجَّى قَبْرُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى أُقِيمَ وَاجِبٌ ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا لَا تَضُرُّهُ التَّسْجِيَةُ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَعَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وُضِعَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُ ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى فَيُؤَخَّرُ عَنْ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ ، وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِلْعُذْرِ جُعِلَ خَلْفَ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ ، وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ صَعِيدٍ لِيَكُونَ فِي حُكْمِ الْقَبْرَيْنِ ، وَكَذَا فِي الرَّجُلَيْنِ إذَا دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ دُفِنَ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ ، وَإِنْ جُعِلَ عَلَى السَّرِيرِ نَعْشُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَحَبُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَوْرَةٌ ، وَيُكَفَّنُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ كَمَا تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فَهُوَ أَحَبُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى ، وَيَدْخُلُ قَبْرَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى

( قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ ) وَقَدْ رَاهَقَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَبِالْمَوْتِ لَا تَنْكَشِفُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ فَلِأَجْلِ الضَّرُورَةِ أُبِيحَ النَّظَرُ لِلْجِنْسِ عِنْدَ الْغُسْلِ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ فِي وُجُوبِ سَتْرِ عَوْرَتِهِ فَإِذَا كَانَ مُشْكِلًا لَا يُوجَدُ لَهُ جِنْسٌ أَوْ لَا يُعْرَفُ جِنْسُهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ أَوْ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ فَتَعَذَّرَ غُسْلُهُ لِانْعِدَامِ مَنْ يُغَسِّلُهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ لِانْعِدَامِ مَا يُغَسَّلُ بِهِ فَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ وَهُوَ نَظِيرُ امْرَأَةٍ تَمُوتُ بَيْنَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ فَإِنَّهَا تُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُيَمِّمُ أَجْنَبِيًّا يَمَّمَهَا مَعَ الْخِرْقَةِ وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا يَمَّمَهَا بِغَيْرِ الْخِرْقَةِ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَإِنَّ النِّسَاءَ يُيَمِّمْنَهُ بِالصَّعِيدِ مِنْ غَيْرِ خِرْقَةٍ إنْ كُنَّ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَبِخِرْقَةٍ إنْ كُنَّ أَجَانِبَ مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ ( فَرْعٌ ) وَلَا يُقْسَمُ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا فَأُسِرَ لَا يُقْتَلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَلَا يُقَرَّرُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ وَلَوْ ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ وَلَا يَرِثُ مِنْ مَوْلَى أَبِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جُعِلَ عَلَى السَّرِيرِ نَعْشُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَحَبُّ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِنْ جُعِلَ نَعْشُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السَّتْرِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ وَالنَّعْشُ شِبْهُ الْمِحَفَّةِ مُشَبَّكٌ يُطْبِقُ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا وُضِعَتْ عَلَى الْجِنَازَةِ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ ) أَيْ لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ كَانَ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ نَصِيبِ الذَّكَرِ ، وَمِنْ نَصِيبِ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ يُنْظَرُ نَصِيبُهُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ ، وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَ مَحْرُومًا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِثَالُهُ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَحَدُهُمَا خُنْثَى مُشْكِلٌ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِلْأَخِ الثُّلُثَانِ ، وَلِلْخُنْثَى الثُّلُثُ فَيُقَدَّرُ أُنْثَى لِأَنَّهُ أَقَلُّ ، وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ لَهُ النِّصْفُ ، وَلَوْ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ ، وَلِلْخُنْثَى مَا بَقِيَ ، وَهُوَ السُّدُسُ عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ، وَلَوْ قُدِّرَ أُنْثَى كَانَ لَهُ النِّصْفُ ، وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ تَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ ، وَلَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخَوَيْنِ مِنْ أُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هُوَ خُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ ، وَلَا شَيْءَ لِلْخُنْثَى لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ ، وَلَمْ يَفْضُلْ لَهُ شَيْءٌ ، وَلَوْ قُدِّرَ أُنْثَى كَانَ لَهُ النِّصْفُ ، وَعَالَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَى تِسْعَةٍ ، وَلَوْ تَرَكَ الرَّجُلُ وَلَدَ أَخٍ هُوَ خُنْثَى ، وَعَمًّا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ كَانَ الْمَالُ لِلْعَمِّ ، وَيُقَدَّرُ الْخُنْثَى أُنْثَى لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ لَا تَرِثُ ، وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ لَهُ دُونَ الْعَمِّ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لِلْخُنْثَى نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ ، وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلُهُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ ، وَالتَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ عَنْ الْقِسْمَةِ طَرِيقٌ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ وَالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إذَا تَعَذَّرَ الْبَيَانُ فِيهِ بِمَوْتِ الْمُوقِعِ قَبْلَ الْبَيَانِ ، وَلَنَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْمَالِ ابْتِدَاءً فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ فَصَارَ

كَمَا إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي وُجُوبِ الْمَالِ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ ، وَهُوَ الْإِنْشَاءُ السَّابِقُ ، وَمَحَلِّيَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ لِحُكْمِ ذَلِكَ السَّبَبِ ثَابِتَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الشَّكُّ وَقَعَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ وَصْفَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُقَدَّرِ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْقَرَابَةِ سَبَبًا لِأَصْلِ الْإِرْثِ وَالْمُزَاحِمُ لِلْخُنْثَى مُتَيَقَّنٌ بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ ، وَلَا تَنْقِيصُهُ بِالشَّكِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ ، وَتَرَكَ ابْنًا لَهُ سَهْمَانِ ، وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ ) لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ ، وَهُوَ مُتَيَقِّنٌ بِهِ فَيَسْتَحِقُّهُ ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ ، وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى ، وَاخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُم لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ ، وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ اُعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَةَ انْفِرَادِهِ فَإِنَّ الذَّكَرَ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ كُلُّ الْمَالِ ، وَالْخُنْثَى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَ لَهُ كُلُّ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى كَانَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ فَيَأْخُذُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ نِصْفَ الْكُلِّ وَنِصْفَ النِّصْفِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ ، وَلِلِابْنِ كُلُّ الْمَالِ فَيُجْعَلُ كُلُّ رُبُعٍ سَهْمًا فَبَلَغَ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ ، وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الِابْنَ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَالْخُنْثَى ثَلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ ، وَلَيْسَ لِلْمَالِ كُلٌّ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ فَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ اعْتِبَارًا لِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ

رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا سَبْعَةٌ لِلِابْنِ ، وَخَمْسَةٌ لِلْخُنْثَى يَعْتَبِرُ هُوَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ فَيَقُولُ لَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَ أَثْلَاثًا فَالْقِسْمَةُ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ مِنْ اثْنَيْنِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَيُضْرَبُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ يَبْلُغُ سِتَّةً لِلْخُنْثَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى سَهْمَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ ثَلَاثَةٌ فَلَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ ، وَلَيْسَ لِلثَّلَاثَةِ نِصْفٌ صَحِيحٌ فَتُضْرَبُ السِّتَّةُ فِي اثْنَيْنِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ لِلْخُنْثَى سِتَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى فَيَأْخُذُ نِصْفَ النَّصِيبَيْنِ خَمْسَةً لِأَنَّ نِصْفَ السِّتَّةِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفَ الْأَرْبَعَةِ اثْنَانِ وَهُوَ اعْتَبَرَ الْأَحْوَالَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ فِي حَقِّ الْخُنْثَى ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ الْوَرَثَةِ حَتَّى يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ نِصْفَ مَا يُصِيبُهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ يَأْخُذُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةً لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْخُنْثَى ذَكَرٌ سِتَّةٌ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى ثَمَانِيَةٌ فَنِصْفُ النَّصِيبَيْنِ سَبْعَةٌ ، وَلَوْ كَانَتْ مَعَهُمَا بِنْتٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةٍ لِأَنَّ نَصِيبَ الْبِنْتِ النِّصْفُ حَالَةَ انْفِرَادِهَا ، وَلِلِابْنِ الْكُلُّ ، وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ حَالَةَ انْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُجْعَلُ كُلُّ رُبُعٍ سَهْمًا يَبْلُغُ تِسْعَةً ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ خُمُسٌ وَثُمُنٌ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ كَانَ لَهُ خُمُسَانِ فَلَهُ نِصْفُهُ ، وَهُوَ الْخُمُسُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى كَانَ لَهُ رُبُعٌ فَلَهُ نِصْفُهُ ، وَهُوَ الثُّمُنُ فَمَخْرَجُ الْخُمُسِ مِنْ خَمْسَةٍ ، وَمَخْرَجُ الثُّمُنِ مِنْ

ثَمَانِيَةٍ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَتُضْرَبُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ أَرْبَعِينَ ، وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ فَلِلْخُنْثَى خُمُسُهَا ثَمَانِيَةٌ وَثُمُنُهَا خَمْسَةٌ فَاجْتَمَعَ لَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، وَلِلْبِنْتِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْخُنْثَى أُنْثَى الرُّبُعُ عَشَرَةٌ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ الْخُمُسُ ثَمَانِيَةٌ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ تِسْعَةٌ وَلِلْخُنْثَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ خُمُسَانِ ، وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى رُبُعٌ ، وَهُوَ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، وَلِلِابْنِ خُمُسَانِ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ ، وَنِصْفٌ عَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فَلَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجْعَلُ لِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمَيْنِ وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةً ، وَلِكُلِّ خُنْثَى ثَلَاثَةً ، وَلَوْ كَانَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِائَةُ نَفْسٍ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْسِمُ الْمَالَ بَيْنَهُمْ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ، وَيُعْطِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفَ نَصِيبِهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو سَهْمٍ أَخَذَ سَهْمَهُ ، وَقَسَمَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِثْلُ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ قَالُوا رَجَعَ إلَيْهِ آخِرًا ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ خَرَّجَا قَوْلَ الشَّعْبِيِّ ، وَلَمْ يَأْخُذَا بِهِ وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ كَانَ ذَكَرًا ، وَبِخَمْسِمِائَةٍ إنْ كَانَ أُنْثَى فَوَلَدَتْ خُنْثَى أُعْطِيَ الْأَقَلَّ ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ لَهُ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ نِصْفُ الْوَصِيَّتَيْنِ ، وَعِنْدَنَا يُعْطَى الْأَقَلَّ ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ .

وَمِنْ أَحْكَامِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَنَّهُ لَوْ قَبَّلَهُ رَجُلٌ بِشَهْوَةٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهُ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَكَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَيَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ .

وَكَذَا إذَا قَبَّلَتْهُ امْرَأَةٌ لَا تَتَزَوَّجُ بِأَبِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ أَوْ مَوْلَاهُ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا زُوِّجَ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا ، وَإِلَّا فَبَاطِلٌ لِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْمَحِلِّ

وَكَذَا إذَا زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى آخَرَ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذَكَرٌ ، وَالْآخَرَ أُنْثَى ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُمَا ذَكَرَانِ أَوْ أُنْثَيَانِ بَطَلَ النِّكَاحُ ، وَلَا يَتَوَارَثَانِ إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّبَيُّنِ لِأَنَّ الْإِرْثَ لَا يَجْرِي إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ .قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى آخَرَ إلَخْ ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ لَوْ زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ آخَرَ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُمَا ا هـ .

وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْبُوبِ وَالرَّتْقَاءِ إذَا قُذِفَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ رَجُلًا فَهُوَ كَالْمَجْبُوبِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَامِعَ ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهُوَ كَالرَّتْقَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُجَامَعُ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُجَامِعُ ) وَلَا حَدَّ فِي قَذْفِ الرَّتْقَاءِ ا هـ مِعْرَاجٌ

وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ قَطَعَ هُوَ يَدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ هُوَ يَدَ عَبْدٍ أَوْ قَطَعَهُ عَبْدٌ أَوْ كَانَ هُوَ رَقِيقًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ ، وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ أَوْ قُتِلَ هُوَ بَعْدَ الْبُلُوغِ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ بِالرِّقِّ وَلَا بِالْأُنُوثَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَفِي الشَّهَادَةِ يُجْعَلُ أُنْثَى لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .( قَوْلُهُ وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ إلَخْ ) سَوَاءٌ كَانَ الْقَاطِعُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ا هـ .

( مَسَائِلُ شَتَّى ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إيمَاءُ الْأَخْرَسِ ، وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ فِي وَصِيَّةٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَوَدٍ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجُوزُ كِتَابَتُهُ وَإِيمَاؤُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ إنَّمَا هُوَ الْعَجْزُ ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْفَصْلَيْنِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا أَوْ عَارِضًا كَالْوَحْشِيِّ وَالْمُتَوَحِّشِ مِنْ الْأَهْلِيِّ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ ، وَالْفَرْقُ لَنَا أَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ إذَا صَارَتْ مَعْهُودَةً ، وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ الْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ حَتَّى لَوْ امْتَدَّ ذَلِكَ ، وَصَارَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ ، وَلِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ أَخَّرَ الْوَصِيَّةَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْأَخْرَسِ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَلِأَنَّ الْعَارِضَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ دُونَ الْأَصْلِيِّ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَفِي الْآبِدِ عَرَّفْنَاهُ بِالنَّصِّ ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ بَعِيرًا مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ نَدَّ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَسَمَّى فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّ لَهَا أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَإِذَا فَعَلَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْعَلُوا بِهَا كَمَا فَعَلْتُمْ بِهَذَا ثُمَّ كُلُوهُ } ثُمَّ قَدَّرَ الِامْتِدَادُ هُنَا التُّمُرْتَاشِيُّ بِسَنَةٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ إنْ دَامَتْ الْعَقْلَةُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ ، وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَإِذَا كَانَ إيمَاءُ الْأَخْرَسِ ، وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ ، وَهُوَ النُّطْقُ بِاللِّسَانِ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ حَتَّى يَجُوزَ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ إلَى

غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَكُونُ بَيَانًا مِنْ الْقَادِرِ فَمَا ظَنُّك مِنْ الْعَاجِزِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ أَفْصَحَ الْعَرَبِ ، وَمَعَ هَذَا أَنْبَأَ بِالْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ { الشَّهْرُ هَكَذَا } الْحَدِيثَ ، وَالْكِتَابَةُ مِمَّنْ نَأَى بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِمَّنْ دَنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ إلَى الْغُيَّبِ بِالْكِتَابَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ كَمَا إذَا بَلَّغَهُمْ بِالْعِبَارَةِ فَإِذَا كَانَ الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ عِنْدَ الْعَجْزِ فَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ أَوْلَى لِأَنَّ عَجْزَهُ أَظْهَرُ وَأَلْزَمُ عَادَةً لِأَنَّ الْغَائِبَ يَقْدِرُ عَلَى الْحُضُورِ بَلْ يَحْضُرُ ظَاهِرًا ، وَالْأَخْرَسُ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الدَّوَامِ ثُمَّ الْكِتَابُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ مُسْتَبِينٌ مَرْسُومٌ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا أَيْ مُصَدَّرًا بِالْعِنْوَانِ ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي تَسْيِيرِ الْكِتَابِ فَيَكُونُ هَذَا كَالنُّطْقِ فَلَزِمَ حُجَّةً ، وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجُدْرَانِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ أَوْ عَلَى الْكَاغَدِ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ لَغْوًا لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي إظْهَارِ الْأَمْرِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِانْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِ كَالنِّيَّةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى الْغَيْرِ حَتَّى يَكْتُبَهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ ، وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّحْقِيقِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَتَعَيَّنُ الْجِهَةُ ، وَقِيلَ الْإِمْلَاءُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَغَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ غَيْرِ مَسْمُوعٍ ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ ، وَإِنْ نَوَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا فِي حَدٍّ ) أَيْ لَا تَكُونُ إشَارَتُهُ وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ فِي الْحُدُودِ

لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ لِكَوْنِهَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا لِلْقَاذِفِ إنْ قُذِفَ هُوَ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِطَلَبِهِ الْحَدَّ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقَاذِفَ فَقَذْفُهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ ، وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَذْفِ بِصَرِيحِ الزِّنَا ، وَفِي الْقِصَاصِ اُعْتُبِرَ طَلَبُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ ، وَحَقُّ الْعَبْدِ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظٍ دُونَ لَفْظٍ وَقَدْ يَثْبُتُ بِدُونِ اللَّفْظِ كَالتَّعَاطِي ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ أَقَرَّ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ التَّعَمُّدِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى شُرِعَتْ زَاجِرَةً ، وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ أَصْلًا فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي قِصَاصٍ يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْأَخْرَسِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ فِي الْغَائِبِ وَالْأَخْرَسِ رِوَايَتَانِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُفَارِقًا لِذَلِكَ لِأَنَّ الْغَائِبَ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ فِي الْجُمْلَةِ فَيُعْتَبَرُ بِالنُّطْقِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَخْرَسُ لِتَعَذُّرِ النُّطْقِ فِي حَقِّهِ لِلْآفَةِ الَّتِي بِهِ فَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ مُعْتَبَرَةٌ ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تُعْتَبَرُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ قَالُوا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ ، وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ قُلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَفِي

الْكِتَابَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْإِشَارَةِ لِأَنَّ قَصْدَ الْبَيَانِ فِي الْكِتَابَةِ مَعْلُومٌ حِسًّا وَعِيَانًا وَفِي الْإِشَارَةِ زِيَادَةُ أَثَرٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيَانِ هُوَ الْكَلَامُ لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ ، وَالْإِشَارَةُ أَقْرَبُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ الْحَاصِلَ بِهَا حَاصِلٌ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمُتَكَلِّمِ ، وَهُوَ إشَارَتُهُ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَصَارَتْ أَقْرَبَ إلَى النُّطْقِ مِنْ آثَارِ الْأَقْلَامِ فَاسْتَوَيَا ، وَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْآخَرِ بَلْ يُخَيَّرُ ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ أَوْ ، وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ ، وَقَالُوا فِيمَنْ صَمَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ الْحُكْمُ كَالْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِالْإِيمَاءِ وَالْكِتَابَةِ بِهِ إقْرَارُهُ ، وَقِيلَ هَذَا تَفْسِيرٌ لِمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ .

( قَوْلُهُ مَسَائِلُ شَتَّى ) أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ كُلِّ بَابٍ يُقَالُ شَتَّى وَشَتَّانَ قَالَ تَعَالَى { وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى } أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ وَإِيرَادُ مَسَائِلَ شَتَّى فِي آخِرِ الْكُتُبِ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ مُسْتَبِينٌ ) وَهُوَ صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ مَرْسُومٌ ) الْمَقْصُودُ مِنْ الْمَرْسُومِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي إظْهَارِ الْأَمْرِ عُرْفًا كَالْكُتُبِ الْمُعَنْوَنَةِ وَالْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ وَالْقِصَصِ وَنَحْوِهَا ا هـ يَحْيَى ( قَوْلُهُ وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ ) وَهُوَ كِنَايَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ ) أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي إثْبَاتِ الْمَقَاصِدِ كَمَا يُكْتَبُ عَلَى الْكَاغَدِ لِتَجْرِبَةِ الْمِدَادِ أَوْ الْقَلَمِ أَوْ الْخَطِّ وَنَحْوِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ كَالنِّيَّةِ ) فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا يُبَيِّنُ نِيَّتَهُ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ يُبَيِّنُ نِيَّتَهُ بِكِتَابَتِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ قَوْلُهُ وَفِي الْقِصَاصِ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوَدَ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِشَارَةُ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ فَلَا يُعْتَبَرُ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْقَوَدَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا وَالْأَعْوَاضُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَالْحَدُّ لَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ يَحْيَى ( قَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْأَخْرَسِ كَذَلِكَ ) أَيْ لَا يَكُونُ حُجَّةً ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( غَنَمٌ مَذْبُوحَةٌ وَمَيِّتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى وَأَكَلَ ، وَإِلَّا لَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ بِالتَّحَرِّي ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ دَلِيلٌ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ ، وَلَنَا أَنَّ الْغَلَبَةَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ فِي إفَادَةِ الْإِبَاحَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَسْوَاقَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْلُو عَنْ الْمُحَرَّمِ مِنْ مَسْرُوقٍ وَمَغْصُوبٍ ، وَمَعَ ذَلِكَ يُبَاحُ التَّنَاوُلُ اعْتِمَادًا عَلَى الظَّاهِرِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ، وَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَقَلِيلِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَيِّتَةُ أَكْثَرَ أَوْ اسْتَوَيَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لُفَّ ثَوْبٌ نَجِسٌ رَطْبٌ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ يَابِسٍ فَظَهَرَتْ رُطُوبَتُهُ عَلَى ثَوْبٍ طَاهِرٍ لَكِنْ لَا يَسِيلُ لَوْ عُصِرَ لَا يَتَنَجَّسُ ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ مِنْهُ بِالْعَصْرِ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا يَبْتَلُّ مَا يُجَاوِرُهُ بِالنَّدَاوَةِ ، وَبِذَلِكَ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ إنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ الطَّاهِرَ يَتَنَجَّسُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بَلَلًا مِنْ النَّجِسِ الرَّطْبِ ، وَإِنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ النَّجِسَ وَالطَّاهِرُ الرَّطْبَ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّ الْيَابِسَ النَّجِسَ يَأْخُذُ بَلَلًا مِنْ الطَّاهِرِ ، وَلَا يَأْخُذُ الرَّطْبُ مِنْ الْيَابِسِ شَيْئًا ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّطْبُ يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَفِي لَفْظِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ نَصَّ عَلَى أَخْذِ الْبِلَّةِ ، وَعَلَى هَذَا إذَا نُشِرَ الثَّوْبُ الْمَبْلُولُ عَلَى حَبْلٍ نَجِسٍ ، وَهُوَ يَابِسٌ لَا يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى ، وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ إذَا نَامَ الرَّجُلُ عَلَى فِرَاشٍ فَأَصَابَهُ مَنِيٌّ وَيَبِسَ وَعَرِقَ الرَّجُلُ ، وَابْتَلَّ الْفِرَاشُ مِنْ عَرَقِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرُ الْبَلَلِ فِي بَدَنِهِ لَا يَتَنَجَّسُ جَسَدُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْعَرَقُ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ الْفِرَاشُ ثُمَّ أَصَابَ بَلَلُ الْفِرَاشِ جَسَدَهُ ، وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جَسَدِهِ يَتَنَجَّسُ بَدَنُهُ ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا غَسَلَ رِجْلَهُ فَمَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ بِغَيْرِ مُكَعَّبٍ فَابْتَلَّ الْأَرْضُ مِنْ بَلَلِ رِجْلِهِ ، وَاسْوَدَّ وَجْهُ الْأَرْضِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ بَلَلِ الْأَرْضِ فِي رِجْلِهِ فَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ كَانَ بَلَلُ الْمَاءِ فِي رِجْلِهِ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ بِهِ وَجْهُ الْأَرْضِ ، وَصَارَ طِينًا ثُمَّ أَصَابَ الطِّينُ رِجْلَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ ، وَلَوْ مَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ رَطْبَةٍ ، وَرِجْلُهُ يَابِسَةٌ تَتَنَجَّسُ .( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا ) أَيْ عَلَى مَا قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( رَأْسُ شَاةٍ مُتَلَطِّخٌ بِالدَّمِ أُحْرِقَ ، وَزَالَ عَنْهُ الدَّمُ فَاتُّخِذَ مِنْهُ مَرَقَةٌ جَازَ وَالْحَرْقُ كَالْغُسْلِ ) لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ أَوْ تُحِيلُهُ فَيَصِيرُ الدَّمُ رَمَادًا فَيَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ وَلِهَذَا لَوْ أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ ، وَصَارَتْ رَمَادًا طَهُرَتْ لِلِاسْتِحَالَةِ كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ وَكَالْخِنْزِيرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ وَصَارَ مِلْحًا ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ الْخُبْزُ ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَجَّسَتْ مِمْسَحَةُ الْخَبَّازِ تَطْهُرُ بِالنَّارِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( سُلْطَانٌ جَعَلَ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ وَإِنْ جَعَلَ الْعُشْرَ لَا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ لَهُ حَقٌّ فِي الْخَرَاجِ فَصَحَّ تَرْكُهُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ صِلَةٌ مِنْ الْإِمَامِ وَالْعُشْرُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْخُلُوصِ كَالزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْفَتْوَى( قَوْلُهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ ) أَيْ صَاحِبَ الْأَرْضِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْخَرَاجِ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ مَثَلًا صَحَّ تَرْكُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَحِلُّهُ ا هـ يَحْيَى

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ دَفَعَ الْأَرَاضِيَ الْمَمْلُوكَةَ إلَى قَوْمٍ لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ جَازَ ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْخَرَاجِ إذَا عَجَزُوا عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ دَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَى غَيْرِهِمْ بِالْأُجْرَةِ أَيْ يُؤَجِّرُ الْأَرَاضِيَ لِلْقَادِرِينَ عَلَى الزِّرَاعَةِ ، وَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَتِهَا يَدْفَعُهُ إلَى أَصْحَابِهَا ، وَهُمْ الْمُلَّاكُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إزَالَةِ مُلْكِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَلَا وَجْهَ إلَى تَعْطِيلِ حَقِّ الْمُقَاتِلَةِ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الزِّرَاعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْهَا يُفَوِّتُ حَقَّ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْخَرَاجِ أَصْلًا ، وَلَوْ بَاعَ يُفَوِّتُ حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ ، وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ فَيَبِيعُ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا غَيْرَهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ إذَا بَاعَهَا يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ عَلَيْهِمْ خَرَاجٌ ، وَرَدَّ الْفَضْلَ إلَى أَصْحَابِهَا ثُمَّ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْمَدْيُونِ فِي الدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَا يَبِيعُهَا لَكِنْ يَأْمُرُ مُلَّاكَهَا بِبَيْعِهَا ، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ أَنَّ فِي هَذَا إلْزَامَ ضَرَرٍ خَاصٍّ لِنَفْعِ الْعَامِّ ، وَلِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَامِّ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الطَّبِيبِ الْمَاجِنِ ، وَالْمُفْتِي الْجَاهِلِ ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَامَّةِ فَكَذَا ضَرَرُ تَعْطِيلِ الْخَرَاجِ يَرْجِعُ إلَى الْعَامَّةِ فَجَازَ مَا ذَكَرْنَا لِدَفْعِهِ ، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ

بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ فَصَارَ كَدَيْنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَدَيْنِ الْمَيِّتِ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِيهِمَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالرَّقَبَةِ فَكَذَا هَذَا ، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْخَرَاجِ إذَا هَرَبُوا إنْ شَاءَ الْإِمَامُ عَمَرَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَالْغَلَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَى قَوْمٍ ، وَأَطْعَمَهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَكَانَ مَا يَأْخُذُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمِلْكَ عَلَى أَرْبَابِهَا فَإِذَا عَمَرَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَكُونُ قَدْرُ مَا يُنْفِقُ فِي عِمَارَتِهَا قَرْضًا لِأَنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِتَثْمِيرِ بَيْتِ الْمَالِ بِأَيِّ وَجْهٍ يَتَهَيَّأُ لَهُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ دَفَعَ الْأَرَاضِيَ الْمُمَلَّكَةَ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ دَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَخْ ) الْإِمَامُ يَدْفَعُهُمَا مُزَارَعَةً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً يُؤَجِّرُهَا وَيَكُونُ الْأَجْرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ يُؤَدِّي مِنْهُ الْخَرَاجَ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا يَبِيعُهَا وَيَكُونُ الثَّمَنُ لِرَبِّ الْأَرْضِ يُؤَدِّي مِنْهُ الْخَرَاجَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهَا يَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِقْدَارَ مَا يَعْمُرُهَا بِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَثْمِيرِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِأَيِّ وَجْهٍ يَتَهَيَّأُ فَإِنْ أَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ ( قَوْلُهُ يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى الطَّبِيبِ وَالْمُفْتِي الْجَاهِلِ ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهَا ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَطْعَمَهُمْ ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ صَحَّ ، وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ أَوَّلَ صَلَاةٍ أَوْ آخِرَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَقَضَاهُ نَاوِيًا عَنْهُ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا جَازَ ، وَكَذَا لَوْ صَامَ ، وَنَوَى عَنْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَلَوْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَيْضًا يَجُوزُ ، وَكَذَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَيْضًا يَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا ، وَلَمْ يَنْوِ أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي رَمَضَانَ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ فِي رَمَضَانَيْنِ مَا لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةً كَذَا عَلَى مَا تَبَيَّنَ ، وَكَذَا فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا مَثَلًا ، وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ جَازَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَعَيَّنَتْ بِتَعْيِينِهِ ، وَكَذَا الْوَقْتُ تَعَيَّنَ بِكَوْنِهِ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا ، فَإِنْ نَوَى أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ وَصَلَّى فَمَا يَلِيهِ يَصِيرُ أَوَّلًا أَيْضًا فَيَدْخُلُ فِي نِيَّتِهِ أَوَّلُ ظُهْرٍ عَلَيْهِ ثَانِيًا ، وَكَذَا ثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى ، وَكَذَا الْآخِرُ ، وَهَذَا مَخْلَصُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي فَاتَتْهُ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْفُرُوضَ مُتَزَاحِمَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ لِأَنَّ فَرْضًا مِنْ الْفُرُوضِ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ فَرْضٍ آخَرَ فَلِهَذَا وَجَبَ التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ ، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ الْجِنْسِ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَلِهَذَا يَكُونُ التَّعْيِينُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ،

وَالتَّصَرُّفُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ يَكُونُ لَغْوًا وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ ، وَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَقْتٍ يَجْمَعُهُمَا بَلْ بِدُلُوكِ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ ، وَالدُّلُوكُ فِي يَوْمٍ غَيْرُ الدُّلُوكِ فِي يَوْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِشُهُودِ الشَّهْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وَهُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَلِذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعْيِينِ صَوْمِ يَوْمِ كَذَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَهُ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَ نَاوِيًا عَنْ قَضَاءِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَوْ عَنْ رَمَضَانَ آخَرَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَوَى ظُهْرَيْنِ أَوْ ظُهْرًا عَنْ عَصْرٍ أَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِ السَّبْتِ ، وَعَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِ الْخَمِيسِ ، وَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْكَفَّارَاتِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّعْيِينِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَلَوْ عَيَّنَ لَغَا ، وَفِي الْأَجْنَاسِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُشْتَرَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ مُتَعَدِّدٌ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ تَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ وَهَذَا مُشْكِلٌ ، وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا مِثْلُ قَاضِيخَانْ ، وَغَيْرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا

ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَجَازَ مَعَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ صَرْفِهِ إلَى الْأَوَّلِ إذْ لَا يَجِبُ التَّعْيِينُ عِنْدَهُ ، وَلَا يُفِيدُ .( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَجُوزَ فِي رَمَضَانَ إلَخْ ) لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَصَامَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ ) سُئِلَ عُمَرُ الْحَافِظُ عَنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ هَلْ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ لَا بَلْ عَلَيْهِ حِفْظُ الْعَدَدِ ا هـ قُنْيَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ابْتَلَعَ بُزَاقَ غَيْرِهِ كَفَّرَ لَوْ صَدِيقَهُ ، وَإِلَّا لَا ) أَيْ إذَا ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بُزَاقَ صَدِيقِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَدِيقَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الرِّيقَ تَعَافُهُ النَّفْسُ وَتَسْتَقْذِرُهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَدِيقِهِ فَصَارَ كَالْعَجِينِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ صَدِيقِهِ لَا تَعَافُهُ فَصَارَ كَالْخُبْزِ وَالثَّرِيدِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَتْلُ بَعْضِ الْحُجَّاجِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْحَجِّ ) لِأَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ شَرْطُ الْأَدَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَنَاسِكِ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ قَتْلِ بَعْضِ الْحُجَّاجِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ فَكَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ الْحَجِّ فَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا مُسْتَوْفَاةً فِي الْمَنَاسِكِ ، وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهَا فَلَا نُعِيدُهَا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَنْعُهَا زَوْجَهَا عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا ، وَهُوَ يَسْكُنُ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا نُشُوزٌ ) لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا مَا دَامَتْ عَلَى مَنَعَة فَيَتَحَقَّقُ النُّشُوزُ مِنْهَا فَصَارَ كَحَبْسِهَا نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِ غَيْرِهَا هَذَا إذَا مَنَعَتْهُ ، وَمُرَادُهَا السُّكْنَى فِي مَنْزِلِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ لِيَنْقُلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً لِأَنَّ السُّكْنَى وَاجِبَةٌ لَهَا عَلَيْهِ فَكَانَ حَبْسُهَا نَفْسَهَا مِنْهُ بِحَقٍّ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَبَسَتْ بِسَبَبِ دَيْنٍ عَلَيْهَا أَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ وَذَهَبَ بِهَا لِأَنَّ الْفَوَاتَ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةً مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ ، وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ كَرْهًا غَالِبًا فَلَا يُعَدُّ مَنْعًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ سَكَنَ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ فَامْتَنَعَتْ لَا ) أَيْ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً لِأَنَّهَا مُحِقَّةٌ إذْ السُّكْنَى فِيهِ حَرَامٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَتْ لَا أَسْكُنُ مَعَ أَمَتِك ، وَأُرِيدُ بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِمَّنْ يَخْدُمُهُ فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَتْ مرا طَلَاق ده فَقَالَ داذه كير ، وكرده كير أَوْ داذه باذ وكرده باذ يُنَوَّى ، وَلَوْ قَالَ داذه است كرده است يَقَعُ نَوَى أَوْ لَا ، وَلَوْ قَالَ داذه أنكار كرده أنكار لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى وى مرانشا يذتا قيامت أَوْ همه عمر لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةِ حيله زنان كن إقْرَارٌ بِالثَّلَاثِ حيله خويش كن لَا كابين ترابخشيذم مارا ازجنك بإردار إنْ طَلَّقَهَا سَقَطَ الْمَهْرُ وَإِلَّا لَا ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَ لِعَبْدِهِ يَا مَالِكِي أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنَا عَبْدُك لَا يَعْتِقُ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِلْعِتْقِ وَلَا كِنَايَةٍ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا

مَوْلَايَ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى الْعَبْدِ ، وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ ، وَقَوْلُهُ يَا مَالِكِي أَوْ أَنَا عَبْدُك حَقِيقَتُهُ تُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى لَا مَقْصُودًا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا مُقْتَضَى لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَثْبُتَ الْمُقْتَضِي فَيَثْبُتَ فِي ضِمْنِهِ الْمُقْتَضِي ، وَثُبُوتُ الْمُقْتَضَى ، وَهُوَ الْمِلْكُ مُتَعَذَّرٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَثْبُتُ الْمُقْتَضَى بِدُونِهِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ خويشتن رازن إلَخْ ) مَسَائِلُ الْفَارِسِيَّةِ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا الشَّارِحُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِيَنْقُلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ ) أَوْ لِيَكْتَرِيَ لَهَا مَنْزِلًا ا هـ قَاضِيخَانْ سَقَطَ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ الَّتِي بِأَيْدِينَا بَعْدَ هَذَا جُمْلَةُ مَسَائِلُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَقَدْ نَبَّهَ الْمُحَشِّي عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا فَأَثْبَتْنَاهَا بِالْهَامِشِ كَمَا تَرَى ا هـ مُصَحَّحَةً تُوزَنُ مِنْ شذى فَقَالَتْ شذم لَمْ يَنْعَقِدْ خويشتن رَازَنَ مِنْ كردا نيذى فَقَالَتْ كردا نيذم وَقَالَ بذيرفتم يَنْعَقِدُ دختر خويشتن رابيسر مِنْ أرزاني داشتي فَقَالَ داشتم لَا يَنْعَقِدُ مَنْعُهَا زَوْجَهَا عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَهُوَ يَسْكُنُ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا نُشُوزٌ ، وَلَوْ سَكَنَ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ لَا ، قَالَتْ لَا أَسْكُنُ مَعَ أَمَتِك وَأُرِيدُ بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ قَالَتْ مرا طَلَاق ده فَقَالَ داذه كير وكرده كير أَوْ داذه باذو كرده باذ يُنَوَّى وَلَوْ قَالَ داذه است كرده است يَقَعُ نَوَى أَوْ لَا وَلَوْ قَالَ داذه أنكار كرده أنكار لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى وى مرا نشايذ تاقيامت أَوْهَمَهُ عُمْر لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةٍ حيله زنان كن إقْرَارٌ بِالثُّلُثِ حيله خويش كن لَا كابين ترا بخشيذم مارا أزجنك بازدار إنْ طَلَّقَهَا سَقَطَ الْمَهْرُ وَإِلَّا لَا قَالَ لِعَبْدِهِ يَا مَالِكِي أَوْ لِأَمَتِهِ أَنَا عَبْدُك لَا يَعْتِقُ برآمن سوكند است اير كارنكنم إقْرَارٌ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ برآمن سوكند است بِطَلَاقٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قُلْت ذَلِكَ كَذِبًا لَا يُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ مرا سوكند خانه است كَيْ ابْن كارنكنم فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ قَالَ لِلْبَائِعِ بِهَا رايا زده فَقَالَ الْبَائِعُ بِدِرْهَمٍ يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْعَقَارُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعِي ) أَيْ إذَا ادَّعَى عَقَارًا لَا يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَبِتَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ دَعْوَاهُ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ يَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إذْ هُوَ شَرْطٌ فِيهَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ تَنْتَفِي تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ فَأَمْكَنَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ لِتَحْقِيقِ يَدِهِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا بِالْبَيِّنَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَقَارٌ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِيهِ ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ أَوْ الْأَهْلُ فَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْأَهْلُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْمَكَانَ ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَهْلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْأَهْلَ ، وَإِنْ خَرَجَ الْقَاضِي مَعَ الْخَلِيفَةِ مِنْ الْمِصْرِ جَازَ قَضَاؤُهُ ، وَإِنْ خَرَجَ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ اعْتَبَرَ الْمَكَانَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ أَعْلَامِ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْمِصْرُ شَرْطًا فِيهِ كَالْجُمُعَةِ ، وَالْعِيدَيْنِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فَقَالَ إنَّ الْمِصْرَ شَرْطٌ لِنُفُوذِ الْقَضَاءِ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَقَارٌ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي إلَخْ ) وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِي لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَارًا فِي بَلْدَةٍ غَيْرِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقُضِيَ بِهَا لِلْمُدَّعِي وَجَازَ قَضَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي وِلَايَةِ هَذَا الْقَاضِي هَكَذَا ذَكَرَ فِي فَصْلِ دَعْوَى الدُّورِ وَالْأَرَاضِي مِنْ دَعْوَى فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَفِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ الدِّينَارِيُّ فِي مُتَفَرِّقَاتِ فَتَاوَاهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ يَجُوزُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي وِلَايَةِ مَنْ قَلَّدَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ هَلْ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ أَوْ الْأَهْلُ ) أَيْ أَهْلُ الْمَكَانِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ مَحِلِّ وِلَايَةِ الْقَاضِي وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لَوْ كَانَ الْعَقَارُ لَا فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ وَالْأَهْلُ لَيْسُوا مِنْ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ حَالَ الْمُطَالَعَةِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا قَضَى الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ بَدَا لِي غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ وَقَعْتُ فِي تَلْبِيسِ الشُّهُودِ أَوْ أَبْطَلْتُ حُكْمِي ، وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ ، وَالْقَضَاءُ مَاضٍ إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَشَهَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ ) لِأَنَّ رَأْيَهُ الْأَوَّلَ قَدْ تَرَجَّحَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادِ مِثْلِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ ، وَلَا إبْطَالَهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُدَّعِي أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَ لَمَّا اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ الْقَضَاءُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ ، وَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا الْقَاضِي ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بَعْدَ الَّذِي قَضَى بِخِلَافِهِ فَلَا يَرُدُّ قَضَاءَهُ ، وَيَسْتَأْنِفُ } ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالِاجْتِهَادِ فِي حَادِثَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا ثُمَّ تَحَوَّلَ عَنْ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ عِنْدَهُ ، وَلَا يُنْقَضُ مَا مَضَى مِنْ قَضَائِهِ لِأَنَّ حُدُوثَ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ دُونَ نُزُولِ الْقُرْآنِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْقُضْ الْقَضَاءَ الَّذِي قَضَى بِالرَّأْيِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بَعْدَهُ فَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ ذَلِكَ الْقَضَاءَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِاجْتِهَادِهِ ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْقُضْ قَضَاءَهُ الْأَوَّلَ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فَالنَّصُّ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِاجْتِهَادِهِ كَانَ مَوْجُودًا مُنْزَلًا إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ فَكَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحِلِّ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ كَانَ

الِاجْتِهَادُ فِي مَحِلٍّ لَا نَصَّ فِيهِ فَصَحَّ ، وَصَارَ ذَلِكَ شَرِيعَةً لَهُ فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ صَارَ نَاسِخًا لِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ .( قَوْلُهُ لِأَنَّ رَأْيَهُ الْأَوَّلَ قَدْ تَرَجَّحَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُنْتَقَضُ ) الْحَاصِلُ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُنْتَقَضُ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ قَضَى بِمَوْتِ شَخْصٍ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا وَنَصُّ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَلَوْ تَبَيَّنَ نَصُّ الْوَاقِفِ عَلَى خِلَافِ الْقَضَاءِ اُعْتُبِرَ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَزِمَ إبْطَالُهُ ا هـ يَحْيَى

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( خَبَّأَ قَوْمًا ثُمَّ سَأَلَ رَجُلًا عَنْ شَيْءٍ فَأَقَرَّ بِهِ ، وَهُمْ يَرَوْنَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ ، وَهُوَ لَا يَرَاهُمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ ) أَيْ إذَا خَبَّأَ رَجُلٌ جَمَاعَةً فِي مَكَان ثُمَّ سَأَلَ رَجُلًا آخَرَ عَنْ شَيْءٍ مِثْلِ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ الْمَسْئُولُ ، وَالْجَمَاعَةُ يَرَوْنَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ ، وَالْمُقِرُّ لَا يَرَاهُمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ ، وَقَدْ عَلِمُوهُ ، وَهُوَ الرُّكْنُ فِي إطْلَاقِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ ، وَإِلَّا فَدَعْ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ سَمِعُوا كَلَامَهُ ، وَلَمْ يَرَوْهُ لَا ) أَيْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ غَيْرَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا إذَا كَانُوا دَخَلُوا الْبَيْتَ ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ ثُمَّ جَلَسُوا عَلَى الْبَابِ ، وَلَيْسَ لِلْبَيْتِ مَسْلَكٌ غَيْرَهُ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فَسَمِعُوا إقْرَارَ الدَّاخِلِ ، وَلَمْ يَرَوْهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَصَلَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بَاعَ عَقَارًا ، وَبَعْضُ أَقَارِبِهِ حَاضِرٌ يَعْلَمُ الْبَيْعَ ثُمَّ ادَّعَى لَا تُسْمَعُ ) أَيْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْقَرِيبَ هُنَا ، وَفِي الْفَتَاوَى لِأَبِي اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَيَّنَّهُ فَقَالَ لَوْ بَاعَ عَقَارًا ، وَابْنُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ ، وَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَمَانًا ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ أَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ مِلْكَ أَبِيهِ وَقْتَ الْبَيْعِ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى ، وَهُوَ تَلْبِيسٌ مَحْضٌ ، وَحُضُورُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ ، وَتَرْكُهُ فِيمَا يَصْنَعُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ ، وَأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ ، وَجَعَلَ سُكُوتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْإِفْصَاحِ بِالْإِقْرَارِ قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ لِأَهْلِ الْعَصْرِ فِي الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْقَرِيبِ يَنْفِي جَوَازَ ذَلِكَ مَعَ الْغَرِيبِ( قَوْلُهُ لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَابْنُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ حَاضِرٌ ) قَالَ قَاضِيخَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَفِيمَا إذَا بَاعَ الرَّجُلُ شَيْئًا بِحَضْرَةِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ سَاكِتَةٌ ثُمَّ ادَّعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسْمَعُ ا هـ قَوْلُهُ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا ) أَيْ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَأَمَّا مَشَايِخُ بُخَارَى فَقَالُوا تُسْمَعُ فَيَنْظُرُ الْمُفْتِي فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ لِاشْتِهَارِ الْمُدَّعِي بِالْحِيَلِ وَالتَّلْبِيسِ وَأَفْتَى بِهِ كَانَ حَسَنًا سَدًّا لِبَابِ التَّزْوِيرِ ا هـ فُصُولٌ ( قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْقَرِيبِ يَنْفِي جَوَازَ ذَلِكَ مَعَ الْغَرِيبِ ) أَيْ إذَا رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مَالَهُ فَسَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِسُكُوتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ ا هـ

وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ قَبِيلَ الْفَصْلِ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ وَمَنْ بَاعَ دَارًا ، وَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ بِالدَّرْكِ فَهُوَ تَسْلِيمٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَوْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ فَتَمَامُهُ بِقَبُولِهِ ثُمَّ بِالدَّعْوَى يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا إحْكَامُ الْبَيْعِ ، وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إذْ لَا يَرْغَبُ فِيهِ دُونَ الْكَفَالَةِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ ، وَلَوْ شَهِدَ وَخَتَمَ ، وَلَمْ يَكْفُلْ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا ، وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ أَيْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ ، وَلَا هِيَ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَرَّةً يُوجَدُ مِنْ الْمَالِكِ ، وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَعَلَّهُ كَتَبَ لِتُحْفَظَ الْحَادِثَةُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ، وَقَالُوا إذَا كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ أَوْ بَاعَ بَيْعًا بَاتًّا نَافِذًا وَهُوَ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ فَهُوَ تَسْلِيمٌ إلَّا إذَا كَتَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ .

وَلَوْ بَاعَ ضَيْعَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ ، وَعَلَى أَوْلَادِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْبَيْعِ إقْرَارٌ مِنْهُ ، وَإِنْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ تُقْبَلُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَقْفِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْحِسْبَةِ فَإِذَا قُبِلَتْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ ، وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ ، وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ لِأَنَّهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَيْهِ يَدَّعِي فَسَادَ الْبَيْعِ وَحَقًّا لِنَفْسِهِ فَلَا تُسْمَعُ لِلتَّنَاقُضِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ) رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ قَالَ إنِّي كُنْت وَقَفْتُهَا أَوْ قَالَ هُوَ وَقْفٌ عَلَيَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ مُرَتَّبٌ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَالدَّعْوَى هُنَا لَمْ تَصِحَّ لِمَكَانِ التَّنَاقُضِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ وَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّ الدَّعْوَى لَوْ لَمْ تَصِحَّ بَقِيَتْ الشَّهَادَةُ بِلَا دَعْوَى إلَّا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَقْفِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَلَكِنَّا لَا نَأْخُذُ بِهِ فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَقْفِ صَحِيحَةٌ بِدُونِ الدَّعْوَى مُطْلَقًا وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ وَقْفٍ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِدُونِ الدَّعْوَى وَكُلُّ وَقْفٍ هُوَ حَقُّ الْعِبَادِ فَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الدَّعْوَى ا هـ وَقْفُ الذَّخِيرَةِ وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقَفَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ فَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الدَّعْوَى وَدَعْوَاهُ لَمْ تَصِحَّ لِمَكَانِ التَّنَاقُضِ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يَمْنَعُ الدَّعْوَى وَعَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّعْوَى لَا تُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَقْفِ لِأَنَّ الدَّعْوَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى

كَالشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ مَخْصُوصٌ وَلَمْ يَدَّعِ لَا يُعْطَى مِنْ الْغَلَّةِ شَيْئًا وَيُصْرَفُ جَمِيعُ الْغَلَّةِ إلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قُبِلَتْ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَقَالَ مَوْلَانَا رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ : إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ ا هـ قَالَ قَاضِيخَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ رَجُلٌ بَاعَ دَارًا أَوْ عَقَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهَا بَعْدَ مَا وَقَفَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ وَهُوَ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعْتَقَهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَصْوَنُ وَأَحْوَطُ ) تَبِعَهُ فِيهِ الْعَيْنِيُّ وَبَاكِيرٌ

وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا بِيعَ مَتَاعُ إنْسَانٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَهُوَ يَنْظُرُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ سُكُوتَهُ يَحْتَمِلُ الرِّضَا وَالسُّخْطَ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى سُكُوتُهُ يَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ لِلْبَيْعِ( قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا بِيعَ مَتَاعُ إنْسَانٍ إلَخْ ) قَالَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ مَا نَصُّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَ عِنْدَمَا رَأَى الْأَجْنَبِيُّ يَبِيعُ مَالَهُ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَالْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ لِلْمُوَكِّلِ لَا لِنَفْسِهِ وَالتَّوْكِيلُ لَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا فَمَاتَتْ فَطَالَبَ وَرَثَتُهَا مَهْرَهَا مِنْهُ ، وَقَالُوا كَانَتْ الْهِبَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا ، وَقَالَ بَلْ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ لَهُ ) أَيْ لِلزَّوْجِ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْهِبَةَ حَادِثَةٌ ، وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تُفِيدُ الْمِلْكَ ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْوَارِثِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَهَبَ عَبْدًا لِوَارِثِهِ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ أَوْ بَاعَهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَالْوَارِثُ يَدَّعِي الْعَوْدَ عَلَيْهِ ، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ كُنْتُ كَاذِبًا فِيمَا أَقْرَرْتُ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ مَا كَانَ كَاذِبًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ ، وَلَسْت بِمُبْطِلٍ فِيمَا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ ) مِنْ الْإِقْرَارِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا فَلَا يُصَارُ مَعَهُ إلَى الْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الصَّكَّ إذَا أَرَادُوا الِاسْتِدَانَةَ قَبْلَ الْأَخْذِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَحْلِفُ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَغْيِيرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ ، وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ ، وَالْمُدَّعِي لَا تَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَوْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ هَذَا فَسَكَتَ صَارَ وَكِيلًا ) لِأَنَّ سُكُوتَهُ وَعَدَمَ رَدِّهِ مِنْ سَاعَتِهِ دَلِيلُ الْقَبُولِ عَادَةً ، وَنَظِيرُهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ إذَا سَكَتَ صَحَّتْ الْهِبَةُ ، وَسَقَطَ الدَّيْنُ لِمَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ قَالَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُ أَرْضِي عَلَيْكَ وَقْفًا فَسَكَتَ صَحَّ ، وَلَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ ، وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ الْوَقْفُ لَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَفْت دَارِيقَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُ أَرْضِي إلَخْ ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَقَرَّ بِمِلْكٍ لِرَجُلٍ فَصَدَّقَهُ يَمْلِكُهُ ظَاهِرًا أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا إنْ لَمْ يَسْبِقْ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُقِرُّ الْمُقَرَّ بِهِ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَفِي الْمُنْتَقَى لَك عَلَيَّ أَلْفٌ وَلَا يَعْلَمُ الْمُقَرُّ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَكَبُرَ وَفِي حِيلَ الْحَلْوَانِيِّ بِالْإِقْرَارِ كَاذِبًا هَلْ يَكُونُ نَاقِلًا لِلْمِلْكِ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَهُ قِيلَ لَا تُسْمَعُ مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ مِلْكِي وَقَالَتْ الْعَامَّةُ تُسْمَعُ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَّلَهَا بِطَلَاقِهَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهَا ) لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِفِعْلِهَا فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْيَمِينِ ، وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ ، وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَّلْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي يَقُولُ فِي عَزْلِهِ عَزَلْتُك ثُمَّ عَزَلْتُك ) أَيْ ثُمَّ يَقُولُ عَزَلْتُك لِأَنَّ الْوَكَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِذَا عَزَلَهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَة وَتَنَجَّزَتْ الْمُعَلَّقَةُ فَصَارَ وَكِيلًا جَدِيدًا ثُمَّ بِالْعَزْلِ الثَّانِي انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي يَقُولُ رَجَعْتُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ ، وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ ) لِأَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ لَصَارَ وَكِيلًا مِثْلَ مَا كَانَ وَلَوْ عَزَلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ لَا إلَى نِهَايَةٍ فَلَا يُفِيدُ الْعَزْلَ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ حَتَّى لَوْ عَزَلَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ كَمَا عَزَلَهُ صَارَ وَكِيلًا فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ بَعْدَ الرُّجُوعِ ، وَقِيلَ يَقُولُ فِي عَزْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْتَ مَعْزُولٌ لِأَنَّهُ كَمَا صَارَ وَكِيلًا انْعَزَلَ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ كُلَّمَا تَوَكَّلَ لِأَجْلِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ بِتَوْكِيلٍ أَيْضًا كُلَّمَا انْعَزَلَ لِأَجْلِ الْيَمِينِ الْأُولَى فَيَبْقَى دَائِمًا وَكِيلًا مُنْعَزِلًا فَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ إلَخْ ) وَإِنَّمَا يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْعَزْلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ الْعَزْلُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ عَزَلْتُك عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ الْحَجْرُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ ا هـ فَتَاوَى قَاضِيخَانْ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ شَرْطٌ إنْ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ ) بِأَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ أَوْ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الدَّائِنُ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ ، وَهُوَ مَالٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ صَارَ صَرْفًا أَوْ بَيْعًا ، وَفِيهِ لَا يَجُوزُ الِافْتِرَاقُ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ { لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ } ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا بِدَيْنٍ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ مُتَعَيِّنٍ لَا يَبْقَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مَالَ الرِّبَا كَمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ عَنْ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى صَبِيٍّ دَارًا فَصَالَحَهُ أَبُوهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ جَازَ إنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِلَةٍ لَا ) لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ ، وَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى مِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ كَانَ لِلصَّبِيِّ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْعَيْنِ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَالِحْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَيَأْخُذُهُ فَيَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ مِنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُدَّعِي فَيُقَيَّدُ بِالْمِثْلِ ، وَبِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ عَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِلَةٍ صَارَ الْأَبُ مُتَبَرِّعًا بِمَالِ الصَّبِيِّ بِالصُّلْحِ لَا مُشْتَرِيًا لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لَوْ لَا الصُّلْحُ فَلَا مَنْفَعَةَ لِلصَّبِيِّ فِي هَذَا الصُّلْحِ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُدَّعِي لِلصَّغِيرِ ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلصَّبِيِّ فِيمَا ادَّعَاهُ الْأَبُ لَهُ مِلْكٌ وَلَا مَعْنَى الْمِلْكِ ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَخْذِ فَكَانَ مُحَصِّلًا لَهُ مَالًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مِلْكِ الصَّبِيِّ شَيْئًا بِمُقَابِلَتِهِ فَكَانَ نَفْعًا مَحْضًا ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمِثْلِ ، وَبِأَقَلِّ قَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي مَعْنَى الْمِلْكِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ ، وَوَصِيُّ الْأَبِ فِي هَذَا كَالْأَبِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي فَبَرْهَنَ أَوْ لَا شَهَادَةَ لِي فَشَهِدَ تُقْبَلُ ) وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَايَ هَذَا الْحَقَّ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَنَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ بَيِّنَتَهُ ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لَا شَهَادَةَ لِفُلَانٍ عِنْدِي فِي حَقٍّ بِعَيْنِهِ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ نَسِيت ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي عِنْدَ فُلَانٍ شَهَادَةٌ ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَشَهِدَ لَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ قَدْ نَسِيَهَا أَوْ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ لِي حَقًّا عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ الْخَفَاءِ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمُنَاقَضَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالدَّعْوَى ثَابِتَةٌ فَلَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا ، وَنَفْيُ الْحُجَّةِ فِي هَذَا كَنَفْيِ الشَّهَادَةِ لَا كَنَفْيِ الْحَقِّ حَتَّى إذَا قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَتَى بِحُجَّةٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ نَسِيَتْ ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْعَبْدَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ ، وَكُلُّ إقْرَارٍ لَمْ يُثْبِتْ بِهِ لِغَيْرِهِ حَقًّا كَانَ لَغْوًا ، وَلِهَذَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمُلَاعِنِ نَسَبَ وَلَدٍ نَفَى بِلِعَانِهِ نَسَبَهُ لِأَنَّهُ حِينَ نَفَاهُ لَمْ يُثْبِتْ بِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لِلْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَقْطَعَ إنْسَانًا مِنْ طَرِيقِ الْجَادَّةِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ ) لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْحِقَ ضَرَرًا بِأَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَأَى أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعَكْسِ ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ، وَالْإِمَامُ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَكَانَ فِيهِ مِثْلَهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَ مَالَهُ صَحَّ ) أَيْ جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ بِالْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا بَاعَ بِاخْتِيَارِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ مُحْتَاجًا إلَى بَيْعِهِ لِإِيفَاءِ مَا طُلِبَ مِنْهُ ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْكُرْهَ كَالْمَدِينِ إذَا حُبِسَ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ مَالَهُ لِيَقْضِيَ بِثَمَنِهِ دَيْنَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْكُرْهُ فِي الْإِيفَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي التَّسْعِيرِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( خَوَّفَهَا بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْهُ مَهْرَهَا لَمْ يَصِحَّ إنْ قَدِرَ عَلَى الضَّرْبَ ) لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَيْهِ إذْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَالِ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ شَرْطٌ فِي تَمْلِيكِ الْأَمْوَالِ وَالرِّضَا يَنْتَفِي بِمِثْلِهِ فَلَا يَصِحُّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْخُلَعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَلَا يَسْقُطُ الْمَالُ ) لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِهِ إذْ الرِّضَا شَرْطٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَكْرَهَهَا إلَخْ ) أَقُولُ إنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي أَكْرَهَهَا عَلَى قَبُولِ الْخُلْعِ فَكَيْفَ يُعَلِّلُ بِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ إلَّا إذَا قُرِئَ إذَا أُكْرِهَا عَلَى الْخُلْعِ أَيْ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ أَيْ أَكْرَهَهُمَا إنْسَانٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِهِ ) أَيْ بِالْإِكْرَاهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ لِلزَّوْجِ لَا يَصِحُّ ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ ، وَإِنْ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ عِنْدَ مَوْتِهَا فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهَا فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَرْهُونَ أَوْ وَهَبَهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا ) أَيْ أَحَالَتْ بِمَهْرِهَا أَمَّا إذَا أَطْلَقَتْ الْحَوَالَةَ ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ صَحَّ إذْ لَا مُنَافَاةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ ) أَيْ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ بِهِ حَتَّى مَاتَ الْمُحِيلُ فَالْمُحْتَالُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الدَّيْنِ الْمُحْتَالِ بِهِ وَقَالَ زُفَرُ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُحْتَالُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( اتَّخَذَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ بَالُوعَةً فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهِ ، وَطَلَبَ تَحْوِيلَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ ، وَلِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ ، وَبِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا كَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَاِتِّخَاذُ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ فَلَا يَضْمَنُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ بِمَالِهِ بِإِذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا ، وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا ، وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهَا بِذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَيْهَا فَتَكُونُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَمَرَتْهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهَا ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَطَوِّعٍ فِي الْإِنْفَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا لِصِحَّةِ أَمْرِهَا فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِنَفْسِهِ بِلَا إذْنِهَا فَلَهُ ) أَيْ إذَا عَمَرَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ كَانَتْ الْعِمَارَةُ لَهُ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي بَنَى بِهَا مِلْكُهُ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ ، وَيَكُونُ غَاصِبًا لِلْعَرْصَةِ ، وَشَاغِلًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إنْ طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهَا بِلَا إذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا ، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ) أَيْ إذَا عَمَرَهُ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا كَانَ الْبِنَاءُ لَهَا ، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْبِنَاءِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، وَقَدْ مَلَكَتْهُ هِيَ بِرِضَاهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَخَذَ غَرِيمَهُ فَنَزَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ لَا يَضْمَنُ النَّازِعُ إذَا هَرَبَ الْغَرِيمُ لِأَنَّ النَّزْعَ تَسْبِيبٌ ، وَقَدْ دَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَيَاعِ حَقِّهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ ، وَهُوَ هُرُوبُهُ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ التَّلَفُ كَمَا إذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَأَبَقَ فَإِنَّ الْحَالَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِ الْعَبْدِ مُخْتَارًا ، وَكَدَلَالَةِ السَّارِقِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّ الدَّالَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِ السَّرِقَةِ لَا بِالدَّلَالَةِ ، وَكَمَنْ أَمْسَكَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ حَتَّى قَتَلَهُ الْعَدُوُّ فَإِنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَذَا هَذَا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فِي يَدِهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ سُلْطَانٌ ادْفَعْ إلَيَّ هَذَا الْمَالَ ، وَإِلَّا أَقْطَعْ يَدَك أَوْ أَضْرِبْك خَمْسِينَ فَدَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ لَمْ يَضْمَنْ الدَّافِعُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ أَيَّهمَا شَاءَ الْمَالِكُ إنْ كَانَ الْآخِذُ مُخْتَارًا ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُكْرِهِ فَقَطْ( قَوْلُهُ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ ) أَيْ فِيمَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ لِإِنْسَانٍ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَعَ مِنْجَلًا فِي الصَّحْرَاءِ لِيَصِيدَ بِهِ حِمَارَ وَحْشٍ ، وَسَمَّى عَلَيْهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ، وَوَجَدَ الْحِمَارَ مَجْرُوحًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ ) لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَذْبَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَجْرَحَهُ ، وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ ، وَهُوَ كَالنَّطِيحَةِ أَوْ الْمُتَرَدِّيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ .

( قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَذْبَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَجْرَحَهُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَجْرَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَذْبَحَهُ وَلَمْ يُوجَدْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي وَقَعَ اتِّفَاقًا ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَفِي الْأَصْلِ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ شَرْطٌ وَفِي الِاصْطِيَادِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ وَإِذَا نَصَبَ الْحَدِيدَةَ لِأَخْذِ الظَّبْيِ تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْوَضْعِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَضَعَ مِنْجَلًا لِيَصِيدَ حِمَارَ الْوَحْشِ ثُمَّ وَجَدَ حِمَارَ الْوَحْشِ مَجْرُوحًا بِهِ مَيِّتًا لَا يَحِلُّ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ الطَّلَبِ لِمَا أَنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ النَّصْبِ ا هـ مَا قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ قُلْت وَمَسْأَلَةُ الْمَتْنِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ صَرِيحَةٌ فِي غَيْبَةِ الصَّائِدِ لِقَوْلِهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ مُحْتَمَلَةٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَإِذَا نَصَبَ الْحَدِيدَةَ إلَخْ مُنَاقِضَةً لِمَسْأَلَةِ الْمُحِيطِ حَمَلَ مَسْأَلَةَ الْمُحِيطِ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ الطَّلَبِ بِعْنِي بِأَنْ غَابَ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَلَا يَخْفَى دَفْعُ التَّنَاقُضِ بِهَذَا الْحَمْلِ وَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ وَعَلَى هَذَا فَفِي مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ لَوْ لَمْ يَغِبْ الصَّائِدُ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَ بِهِ الْمِنْجَلَ لِلْحِمَارِ حَلَّ أَكْلُهُ إذَا كَانَ سَمَّى عِنْدَ وَضْعِ الْمِنْجَلِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنَّ تَعْلِيلَ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِلِّ مُطْلَقًا أَعْنِي قَعَدَ الصَّائِدُ عَنْ الطَّلَبِ بِأَنْ غَابَ أَوْ لَمْ يَقْعُدْ وَقَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدَ هَذَا حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْحِلِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ

عَنْ الطَّلَبِ وَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّارِحِ عَدَمَ اعْتِبَارِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ فِيهَا عِنْدَ النَّصْبِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( كُرِهَ مِنْ الشَّاةِ الْحَيَاءُ وَالْخُصْيَةُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَثَانَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالذَّكَرُ ) لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ { كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ وَالدَّمَ } قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الدَّمُ حَرَامٌ ، وَأَكْرَهُ السِّتَّةَ ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } الْآيَةَ فَلَمَّا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ ، وَكَرِهَ مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ الْأَنْفُسُ وَتَكْرَهُهُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى سَبَبُ الْكَرَاهِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سُئِلَ عَنْ الْقُنْفُذِ فَتَلَا قَوْله تَعَالَى { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ { ذُكِرَ الْقُنْفُذُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خَبِيثٌ مِنْ الْخَبَائِثِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ } ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْغَائِبِ وَالطِّفْلِ وَاللَّقَطَةِ ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ فَلَا يَفُوتُ الْحِفْظُ بِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ اسْتِخْلَاصِ ذَلِكَ فَيَكُونُ تَضْيِيعًا إلَّا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا أَنْشَدَ اللَّقَطَةَ ، وَمَضَى مُدَّةَ النِّشْدَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْإِقْرَاضُ مِنْ فَقِيرٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ فَالْقَرْضُ أَوْلَى .( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ إلَخْ ) قَالَ قَاضِيخَانْ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ إقْرَاضُ مَالِ الْيَتِيمِ فَإِنْ أَقْرَضَ كَانَ ضَامِنًا وَالْقَاضِي يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْأَبِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ لَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( صَبِيٌّ حَشَفَتُهُ ظَاهِرَةٌ بِحَيْثُ لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ ظَنَّهُ مَخْتُونًا وَلَا يُقْطَعُ جِلْدَةُ ذَكَرِهِ إلَّا بِتَشْدِيدٍ تُرِكَ كَشَيْخٍ أَسْلَمَ وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ لَا يُطِيقُ الْخِتَانَ ) لِأَنَّ قَطْعَ جِلْدَةِ ذَكَرِهِ لِتَنْكَشِفَ الْحَشَفَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْحَشَفَةُ ظَاهِرَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ ، وَإِنْ كَانَتْ تُوَارِي الْحَشَفَةَ يُقْطَعُ الْفَضْلُ ، وَلَوْ خُتِنَ ، وَلَمْ يُقْطَعُ الْجَلْدَةُ كُلُّهَا يُنْظَرُ فَإِنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ يَكُونُ خِتَانًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ ، وَإِنْ قُطِعَ النِّصْفُ فَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ الْخِتَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ ، وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِهِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى تَرْكِهِ يُحَارِبُهُمْ الْإِمَامُ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَعُذْرُ الشَّيْخِ الَّذِي لَا يُطِيقُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَيُتْرَكُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَقْتُهُ سَبْعُ سِنِينَ ) أَيْ وَقْتُ الْخِتَانِ سَبْعُ سِنِينَ ، وَقِيلَ لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ لِأَنَّ الْخِتَانَ لِلطَّهَارَةِ ، وَلَا طَهَارَةَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَكَانَ إيلَامًا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ، وَقِيلَ أَقْصَاهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ، وَقِيلَ تِسْعُ سِنِينَ ، وَقِيلَ وَقْتُهُ عَشْرُ سِنِينَ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ عَشْرًا اعْتِيَادًا وَتَخَلُّقًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْخِتَانِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلطَّهَارَةِ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ قَوِيًّا يُطِيقُ أَلَمَ الْخِتَانِ خُتِنَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا عِلْمَ لِي بِوَقْتِهِ ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيهِ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا الْمَشَايِخُ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُمَةٌ لِلرِّجَالِ لِأَنَّهُ أَلَذُّ فِي الْجِمَاعِ ، وَقِيلَ سُنَّةٌ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ إيصَالَ الْأَلَمِ إلَى الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ شَرْعًا إلَّا لِمَصَالِحَ تَعُودُ عَلَيْهِ ، وَفِي الْخِتَانِ إقَامَةُ السُّنَّةِ ، وَتَعُودُ إلَيْهِ أَيْضًا مَصْلَحَتُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { الْخِتَانُ سُنَّةٌ يُحَارَبُ عَلَى تَرْكِهَا } ، وَكَذَا يَجُوزُ كَيُّ الصَّغِيرِ وَبَطُّ قُرْحَتِهِ ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُدَاوَاةِ وَكَذَا يَجُوزُ ثَقْبُ أُذُنِ الْبَنَاتِ الْأَطْفَالِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ الزِّينَةِ ، وَكَانَ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، وَالْحَامِلُ لَا تَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ ، وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَحْتَجِمَ مَا لَمْ يَتَحَرَّكْ الْوَلَدُ فَإِذَا تَحَرَّكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ تَقْرُبْ الْوِلَادَةُ فَإِذَا قَرُبَتْ فَلَا تَحْتَجِمُ لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ ، وَأَمَّا الْفَصْدُ فَلَا تَفْعَلُهُ مُطْلَقًا مَا دَامَتْ حُبْلَى لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْهُ ، وَكَذَا يَجُوزُ فَصْدُ الْبَهَائِمِ وَكَيُّهَا ، وَكُلُّ عِلَاجٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهَا ، وَجَازَ قَتْلُ مَا يَضُرُّ مِنْ الْبَهَائِمِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ

وَالْهِرَّةِ إذَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْحَمَامَ وَالدَّجَاجَ ، لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ ، وَيَذْبَحُهَا ذَبْحًا ، وَلَا يَضْرُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَيَكُونُ تَعْذِيبًا لَهَا بِلَا فَائِدَةٍ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُسَابَقَةُ بِالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَالْأَرْجُلِ وَالرَّمْيِ جَائِزَةٌ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ ، وَأَذِنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يُسَابِقَ رَجُلًا أَنْصَارِيًّا كَانَ لَا يَسْبِقُ ، شَدًّا فَسَبَقَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ } ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَتْ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْأَرْجُلِ ، وَلِأَنَّ الْغُزَاةَ يَحْتَاجُونَ إلَى رِيَاضَةِ خَيْلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالتَّعْلِيمُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ مُبَاحٌ

قَوْلُهُ { لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ } ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ قُلْت وَتَجُوزُ أَيْضًا بِالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ لِأَنَّ الْحَافِرَ يَشْمَلُهُمَا ا هـ قُلْت يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُخْتَارِ وَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَالرَّمْيِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ } وَالْمُرَادُ بِالْخُفِّ الْإِبِلُ وَبِالنَّصْلِ الرَّمْيُ وَبِالْحَافِرِ الْفَرَسُ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ ا هـ فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ لَكِنْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ بِأَنَّ الْمُسَابَقَةَ لَا تَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَتْنِ كَالْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْعَيْنِيِّ سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ ثُمَّ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ ذَكَرَ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ { لَا سَبَقَ } : السَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاء مَا يُجْعَلُ مِنْ الْمَالِ رَهْنًا عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَبِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقْت أَسْبِقُ الْمَعْنَى لَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ بِالْمُسَابَقَةِ إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ وَالسِّهَامُ وَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا الْفُقَهَاءُ مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ ا هـ ابْنُ الْأَثِيرِ ( قَوْلُهُ { وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يُسَابِقَ رَجُلًا } إلَخْ ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحُرِّمَ شَرْطُ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّقَ بِالْخَيْلِ وَرَاهَنَ } ، وَمَعْنَى شَرْطِ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا ، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي ، فَلِي عَلَيْك كَذَا وَهُوَ قِمَارٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِمَارَ مِنْ الْقَمَرِ الَّذِي يُزَادُ تَارَةً ، وَيُنْقَصُ أُخْرَى ، وَسُمِّيَ الْقِمَارُ قِمَارًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقَامِرِينَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ مَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَالَ صَاحِبِهِ فَيَجُوز الِازْدِيَادُ وَالِانْتِقَاصُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ قِمَارًا وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا ، وَإِنْ سَبَقْتُكَ فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ النُّقْصَانَ وَالزِّيَادَةَ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا ، وَإِنَّمَا فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ ، وَفِي الْآخَرِ النُّقْصَانُ فَقَطْ فَلَا يَكُون مُقَامَرَةً لِأَنَّ الْمُقَامَرَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْهُ فَتَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِمَا رَوَيْنَا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْخَطَرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ كَالْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ الْجَعْلُ ، مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَصَّصَ هَؤُلَاءِ بِهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِبَاقُ بِالْجُعْلِ لِأَنَّ الِاسْتِبَاقَ بِلَا جُعْلٍ يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ مَا شُرِطَ فِيهِ الْجُعْلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : الْقِمَارُ ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ ، وَفِي الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ بِمِثْلٍ لَهُ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ وَشَرْطُهُ أَنْ

تَكُونَ الْغَايَةُ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا الْفَرَسُ ، وَكَذَا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسْبِقُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ إلَى الرِّيَاضَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إلَّا إيجَابُ الْمَالِ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ بِشَرْطٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ ، وَلَوْ شَرَطَا الْجُعْلَ ، مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَدْخَلَا ثَالِثًا مُحَلِّلًا جَازَ إذَا كَانَ فَرَسُ الْمُحَلَّلِ كُفْئًا لِفَرَسَيْهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ أَوْ يُسْبَقَ ، وَإِنْ كَانَ يَسْبِقُ أَوْ يُسْبَقَ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ ، وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ ، وَهُوَ آمِنٌ أَنْ يُسْبَقَ فَهُوَ قِمَارٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَغَيْرُهُمَا ، وَصُورَةُ إدْخَالِ الْمُحَلِّلِ أَنْ يَقُولَا لِلثَّالِثِ إنْ سَبَقْتَنَا فَالْمَالَانِ لَك ، وَإِنْ سَبَقْنَاك فَلَا شَيْءَ لَنَا عَلَيْك وَلَكِنْ الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطَاهُ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ أَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ عَلَى صَاحِبِهِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ غَلَبَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ ، وَإِنْ غَلَبَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ أَيُّهُمَا غَلَبَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ، وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا لِأَنَّ الثَّالِثَ لَا يَغْرَمُ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا قَطْعًا وَيَقِينًا ، وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ لَا يَأْخُذَ فَخَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا فَصَارَ كَمَا إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْقِمَارَ هُوَ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الْجَانِبَانِ فِي احْتِمَالِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُرْسَانِ أَوْ لِلِاثْنَيْنِ فَمَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ قَالَ لِلرُّمَاةِ مَنْ أَصَابَ الْهَدَفَ فَلَهُ كَذَا جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْفِيلِ فَإِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ مِنْ

بَيْتِ الْمَالِ كَالسَّلَبِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِخَالِصِ مَالِهِ فَصَارَ أَنْوَاعُ السَّبْقِ أَرْبَعَةً ثَلَاثَةٌ مِنْهَا جَائِزَةٌ ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَجُوزُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَمِيعَ ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ ، وَعَلَى هَذَا الْفُقَهَاءُ إذَا تَنَازَعُوا فِي الْمَسَائِلِ ، وَشُرِطَ لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ جُعْلٌ جَازَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَيْلِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُ الْكُلَّ إذْ التَّعْلِيمُ فِي الْبَابَيْنِ يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيَةِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ الْحِلُّ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمَغْلُوبُ مِنْ الدَّفْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي ، وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ .( قَوْلُهُ سَبَّقَ بِالْخَيْلِ ) سَبَّقَ بِالتَّشْدِيدِ الْتَزَمَ السَّبْقَ وَهُوَ مَا يُتَرَاهَنُ عَلَيْهِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَصَّصَ هَؤُلَاءِ بِهِ ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ حَافِرٍ يَدْخُلُ فِيهِ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ فَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّخْصِيصِ عَدَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا جَائِزَةٌ ) وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْجُعْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جَانِبَيْنِ وَبَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ أَوْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِأَيِّهِمَا سَبَقَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَجُوزُ ) وَذَلِكَ إذَا شَرَطَا الْجُعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِلَا اشْتِرَاطِ مُحَلِّلٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ ) لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ ، وَهِيَ لِزِيَادَةِ الرَّحْمَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبُ وَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ إلَّا تَبَعًا بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ مِثْلُ الصَّلَاةِ ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِهَذَا اللَّفْظِ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَهُوَ مَرْحُومٌ قَطْعًا فَيَكُونُ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ ، وَقَدْ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ هَذِهِ بِالصَّلَاةِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدٍ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَمَعْنَاهَا مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يَدْعُوَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضَا فَيَقُولَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي طَلَبِ الرِّضَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَجْتَهِدُونَ فِي فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ ، وَيَرْضَوْنَ بِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الِابْتِلَاءِ مِنْ جِهَتِهِ أَشَدَّ الرِّضَا فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِالرِّضَا ، وَغَيْرُهُمْ لَا يَلْحَقُ أَدْنَاهُمْ وَلَوْ أَنْفَقَ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلِلتَّابِعِينَ بِالرَّحْمَةِ فَيَقُولُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ فَيَقُولُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ ، وَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ وَلِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لَا يَجُوزُ ) أَيْ الْهَدَايَا بِاسْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَدَ اللَّهَ خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ جَاءَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ ، وَأَهْدَى لِبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ بَيْضَةً يُرِيدُ بِهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ ، وَحَبِطَ عَمَلُهُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا أَهْدَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ إلَى مُسْلِمٍ آخَرَ ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْظِيمَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَلَكِنْ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَكْفُرُ ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَاصَّةً ، وَيَفْعَلُهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ تَشَبُّهًا بِأُولَئِكَ الْقَوْمِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ رَجُلٌ اشْتَرَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا يُعَظِّمُهُ الْمُشْرِكُونَ كَفَرَ ، وَإِنْ أَرَادَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالتَّنَعُّمَ لَا يَكْفُرُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْقَلَانِسِ ) لِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ قَلَانِسُ يَلْبَسُهَا } ، وَقَدْ صَحَّ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنُدِبَ لُبْسُ السَّوَادِ وَإِرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ إلَى وَسْطِ الظَّهْرِ ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لُبْسَ السَّوَادِ مُسْتَحَبٌّ ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ اللَّفَّ لِعِمَامَتِهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا كَوْرًا كَوْرًا فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ مِنْ رَفْعِهَا عَنْ الرَّأْسِ ، وَإِلْقَائِهَا فِي الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الذَّنَبِ قِيلَ شِبْرٌ ، وَقِيلَ إلَى وَسْطِ الظَّهْرِ ، وَقِيلَ إلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَعَمَّمُ بِالْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ يَوْمًا مَسْتُورَةٌ فَبَقِيَتْ تَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ ، وَهِيَ مُتَحَيِّرَةٌ فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُك فَقَالَتْ أَتَعَجَّبُ مِنْ بَيَاضِ وَجْهِك تَحْتَ سَوَادِ عِمَامَتِك فَوَضَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ ، وَلَمْ يَتَعَمَّمْ بِالْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ .

وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ { ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ ، وَقَالَ إيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا زِيُّ الشَّيْطَانِ }

وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ الثِّيَابِ ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُوصِي أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ ، وَيَلْبَسُ رِدَاءً بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الزِّينَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى آثَارَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ } وَقَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَرُبَّمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ ، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ .قَوْلُهُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُوصِي أَصْحَابَهُ إلَخْ ) قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَلَيْسَ عُمَرُ كَانَ يَلْبَسُ قَمِيصًا عَلَيْهِ كَذَا كَذَا رُقْعَةً قَالَ ذَاكَ لِحِكْمَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ لَبِسَ ثِيَابًا نَفِيسَةً أَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ أَلْوَانًا مِنْ الطَّعَامِ لَاقْتَدَى بِهِ عُمَّالُهُ فِي ذَلِكَ وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ فَيَأْخُذُونَ ظُلْمًا فَاخْتَارَ ذَلِكَ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلشَّابِّ الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الشَّيْخِ الْجَاهِلِ ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } وَلِهَذَا يُقَدَّم فِي الصَّلَاةِ ، وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ ، وَهِيَ تَالِيَةُ الْإِيمَانِ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } وَالْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ الْعُلَمَاءُ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ ، وَالْمُطَاعُ شَرْعًا مُقَدَّمٌ ، وَكَيْفَ لَا يُقَدَّمُونَ ، وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِحَافِظِ الْقُرْآنِ أَنْ يَخْتِمَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهْمُ مَعَانِيهِ ، وَالِاعْتِبَارُ بِمَا فِيهِ لَا مُجَرَّدُ التِّلَاوَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّأَنِّي لَا بِالتَّوَانِي فِي الْمَعَانِي فَقَدَّرَ لِلْخَتْمِ أَقَلَّهُ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا كُلَّ يَوْمٍ حِزْبًا وَنِصْفًا أَوْ ثُلُثَيْ حِزْبٍ أَوْ أَقَلَّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

( كِتَابُ الْفَرَائِضِ ) وَهِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ ، وَالْفَرْضُ التَّقْدِيرُ يُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا ، وَسُمِّيَ هَذَا الْعِلْمُ فَرَائِضَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَهُ بِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يُفَوِّضْ تَقْدِيرَهُ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ ، وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ، وَبَيَّنَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا مُجْمَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ } وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ أَشْرَفِ الْعُلُومِ وَقَدْ جَاءَتْ النُّصُوصُ بِهِ ، وَبِالْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ آيَةُ مُحْكَمَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ } وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ ، وَهُوَ يُنْسَى ، وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ ، وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ ، وَالْعِلْمُ مَرْفُوعٌ ، وَيُوشِكُ أَنْ يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْمَسْأَلَةِ فَلَا يَجِدَانِ أَحَدًا يُخْبِرُهُمَا } فَجَعَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نِصْفَ الْعِلْمِ مَعَ صِغَرِ حَجْمِهِ وَقِلَّةِ مَسَائِلِهِ فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْعُلُومِ لَمَا قَابَلَ الْكُلَّ ، وَهَذَا كَالْحِسِّيَّاتِ فَإِنَّ الشَّيْءَ الْقَلِيلَ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا يُقَابِلُ الْكَثِيرَ وَيُسَاوِيهِ إذَا كَانَ الْقَلِيلُ أَشْرَفَ مِنْهُ ، وَمَعْنَى النِّصْفِ إمَّا بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ ، وَهَذَا الْعِلْمُ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ الْمَمَاتِ وَغَيْرُهُ بِالْحَيَاةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَإِنَّهَا جَبْرِيَّةٌ أَوْ

اخْتِيَارِيَّةٌ فَالْأَوَّلُ الْمِيرَاثُ ، وَالثَّانِي غَيْرُهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ ) وَالْمُرَادُ مِنْ التَّرِكَةِ مَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ خَالِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنِهِ ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْغَيْرِ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِهِ كَالرَّهْنِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى التَّجْهِيزِ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَحَاصِلٌ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ حَيَاتِهِ فَإِنَّ الْمَرْءَ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ فِي حَيَاتِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةِ عَلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْغَيْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ يُقَدَّمُ تَجْهِيزُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ وَلَا تَبْذِيرٍ ، وَهُوَ قَدْرُ كَفَنِ الْكِفَايَةِ أَوْ كَفَنِ السُّنَّةِ أَوْ قَدْرُ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ أَوْسَطِ ثِيَابِهِ أَوْ مِنْ الَّذِي كَانَ يَتَزَيَّنُ بِهِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَالزِّيَارَاتِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } وَهُوَ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيِّتًا فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ عَوْرَتِهِ ، وَفِي الْأَثَرِ لِعِظَامِ الْمَيِّتِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِعِظَامِ الْحَيِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ دُيُونُهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } { قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ مُقَدَّمَةً عَلَى الدَّيْنِ ، وَقَدْ شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ الدَّيْنَ عَلَى الْوَصِيَّةِ } ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً ، وَالْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ ، وَالْبِدَايَةُ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى وَالتَّقْدِيمُ ذِكْرًا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ فِعْلًا ، وَالْمُرَادُ بِالدَّيْنِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لَا دَيْنُ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ

أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا أَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا هُمْ مِنْ عِنْدِهِمْ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِبَادَاتِ نِيَّةُ الْمُكَلَّفِ وَفِعْلُهُ ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ التَّكْلِيفِ ، وَالْآخِرَةَ دَارُ الْجَزَاءِ ، وَالْعِبَادَةُ اخْتِيَارِيَّةٌ ، وَلَيْسَتْ بِجَبْرِيَّةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ لِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ الِابْتِلَاءِ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْفِعْلُ فِيهَا ، وَلَا الْعِبَادَةَ جَبْرِيَّةٌ حَتَّى يُجْتَزَأَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جَزَاءُ الْفِعْلِ أَوْ تَرْكُهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ دَيْنِ الْعِبَادِ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِيهِ وَلَا نِيَّتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَوْ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ أَخَذَهُ ، وَيَجْتَزِأُ بِذَلِكَ ، وَلَا كَذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا فِعْلُهُ وَنِيَّتُهُ ابْتِلَاءً ، وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ مَالِهِ ، وَعَنْ الْعَالَمِينَ جَمِيعًا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَى الْعَبْدِ بِثُلُثِ مَالِهِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ يَضَعُهَا فِيمَا فَرَّطَ فِيهِ تَفَضُّلًا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ قَامَ فِعْلُ الْوَرَثَةِ مَقَامَ فِعْلِهِ لِوُجُودِ اخْتِيَارِهِ بِالْإِيصَاءِ ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ وَصِيَّتُهُ ) أَيْ ثُمَّ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ لِمَا تَلَوْنَا وَفِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَعْنَى بَلْ هُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ حَتَّى إذَا سَلِمَ لَهُ شَيْءٌ سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ وَالْمُوصَى لَهُ لَا يَأْخُذُونَ إلَّا مَا فَضَلَ مِنْهُمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ، وَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَيْ ذُو سَهْمٍ مُقَدَّرٍ ) لِمَا

تَلَوْنَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ فَلَأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ } وَفِي رِوَايَةٍ { فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ }( كِتَابُ الْفَرَائِضِ ) ( قَوْلُهُ { فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ } ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ { وَعَلِّمُوهُ } ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَبْدَأُ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ دَيْنُهُ ) مِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ إنْ وَفَّتْ التَّرِكَةُ بِهِ فَبِهَا وَإِنْ لَمْ تُوفِ يُؤَخَّرُ مَا ثَبَتَ فِي الْمَرَضِ بِإِقْرَارِهِ عَنْ سَائِرِ الدُّيُونِ وَبَاقِي الدُّيُونِ سَوَاءٌ يَأْخُذُ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيُهْتَمَّ بِتَنْفِيذِهَا حَيْثُ تَهَاوَنَ النَّاسُ فِيهِ ا هـ مِسْكِينٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلِلْأَبِ السُّدُسُ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } جُعِلَ لَهُ السُّدُسُ مَعَ الْوَلَدِ ، وَوَلَدُ الِابْنِ وَلَدٌ شَرْعًا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ تَعَالَى { يَا بَنِي آدَمَ } وَكَذَلِكَ عُرْفًا قَالَ الشَّاعِرُ بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَلَيْسَ دُخُولُ وَلَدِ الِابْنِ فِي الْوَلَدِ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ عُرِفَ كَوْنُ حُكْمِ وَلَدِ الِابْنِ كَحُكْمِ الْوَلَدِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ ، وَجَمِيعُ أَحْوَالِ الْأَبِ فِي الْفَرَائِضِ ثَلَاثٌ إحْدَاهَا الْفَرْضُ الْمُطْلَقُ ، وَهُوَ السُّدُسُ ، وَذَلِكَ مَعَ الِابْنِ أَوْ ابْنِ الِابْنِ ، وَإِنْ سَفَلَ لِمَا تَلَوْنَا ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ الْفَرْضُ ، وَالتَّعْصِيبُ ، وَذَلِكَ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ الْفَرْضُ لِمَا تَلَوْنَا ، وَالتَّعْصِيبُ لِمَا رَوَيْنَا ، وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ التَّعْصِيبُ الْمُطْلَقُ ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ ، وَلَا وَلَدُ ابْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } فَذَكْرُ فَرْضِ الْأُمِّ ، وَجَعْلِ الْبَاقِيَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ( قَوْلُهُ الْأَبَاعِدُ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْأَجَانِبُ ا هـ هَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَفِي بَعْضِهَا السُّدُسُ بَدَلَ لَفْظِ لَا وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْأَخَوَاتُ لَا أَوْلَادُهُمْ السُّدُسُ ا هـ كَتَبَهُ مُصَحِّحُهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْجَدُّ كَالْأَبِ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ إلَّا فِي رَدِّهَا إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ ، وَحَجْبِ أُمَّ الْأَبِ فَيَحْجُبُ الْإِخْوَةَ ) أَيْ الْجَدُّ كَالْأَبِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى ، وَهُوَ الْجَدُّ الصَّحِيحُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي رَدِّ أُمِّ الْمَيِّتِ مِنْ ثُلُثِ الْجَمِيعِ إلَى ثُلُثِ مَا يَبْقَى فِي زَوْجٍ ، وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ ، وَأَبَوَيْنِ فَإِنَّ الْأَبَ يَرُدُّهَا إلَيْهِ لَا الْجَدَّ ، وَفِي حَجْبِ أُمِّ الْأَبِ فَإِنَّ الْأَبَ يَحْجُبُهَا دُونَ الْجَدِّ ، وَإِنْ تَخَلَّلَ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَرِثُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّ تَخَلُّلَ الْأُمِّ فِي النِّسْبَةِ يَقْطَعُ النَّسَبَ إذْ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلتَّعْرِيفِ وَالشُّهْرَةِ ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْمَشْهُورِ ، وَهُوَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ ، وَقَوْلُهُ كَالْأَبِ يَعْنِي عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لِأَنَّ الْجَدَّ يُسَمَّى أَبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } وَكَانَ إِسْحَاقُ جَدَّهُ ، وَإِبْرَاهِيمُ جَدَّ أَبِيهِ ، وَقَالَ تَعَالَى { يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ } وَهُوَ آدَم وَحَوَّاءُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِذَا كَانَ أَبًا دَخَلَ فِي النَّصِّ إمَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَلَدِ فَكَانَ لَهُ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَبِ ، وَلَهُ حَالَةٌ رَابِعَةٌ ، وَهُوَ السُّقُوطُ بِالْأَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ ، وَيُدْلِي بِهِ فَلَا يَرِثُ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ ، وَقَوْلُهُ فَيَحْجُبُ الْإِخْوَةَ أَيْ الْجَدُّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ كَالْأَبِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ

تَعَالَى

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْأُمِّ ) ( الثُّلُثُ ) وَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ لِمَا تَلَوْنَا ، وَعِنْدَ عَدَمِ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ أَوْ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لَا ) أَيْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ لَا تَرِثُ الثُّلُثَ ، وَإِنَّمَا تَرِثُ السُّدُسَ لِمَا تَلَوْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } فَاسْمُ الْوَلَدِ فِي الْمَتْلُوِّ أَوَّلًا يَتَنَاوَلُ الْوَلَدَ وَوَلَدَ الِابْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْإِخْوَةِ يُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ فَتُحْجَبُ بِهِمَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَا أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِخْوَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَمْ تُحْجَبْ الْأُمُّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ إلَّا بِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ جَمْعٌ ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْجَمْعَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُثَنَّى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَهَلْ أَتَاك نَبَأُ الْخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُد فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ } فَأَعَادَ ضَمِيرَ الْجَمْعِ فِي تَسَوَّرُوا وَدَخَلُوا وَفِي مِنْهُمْ وَقَالُوا عَلَى اثْنَيْنِ ، وَهُمَا الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ دَخَلَا عَلَيْهِ فِي صُورَةِ مُتَحَاكِمَيْنِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { خَصْمَانِ } وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَعَ الْأَبِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِهِمَا ) فَيَكُونُ لَهَا السُّدُسُ مَعَ الزَّوْجِ وَالْأَبِ وَالرُّبُعُ ، مَعَ الزَّوْجَةِ وَالْأَبِ لِأَنَّهُ هُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَصَارَ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ ثُلُثُ الْكُلِّ ،

وَثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَالسُّدُسُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكُلَّ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَرَى ثُلُثَ الْبَاقِي بَلْ يُوَرِّثُهَا ثُلُثَ الْكُلِّ ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ ، وَخَالَفَ فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى فَرْضَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالسُّدُسُ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ فَرْضٍ ثَالِثٍ بِالْقِيَاسِ وَكَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا } وَالْأُمُّ صَاحِبَةُ فَرْضٍ ، وَالْأَبُ عَصَبَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْأُمِّ ثُلُثَ مَا تَرِثُهُ هِيَ وَالْأَبُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةِ لَا ثُلُثَ الْكُلِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } أَيْ ثُلُثُ مَا يَرِثَانِهِ ، وَاَلَّذِي يَرِثَانِهِ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِهِ ، وَلِأَنَّهَا لَوْ أَخَذَتْ ثُلُثَ الْكُلِّ يَكُونُ نَصِيبُهَا ضِعْفَ نَصِيبِ الْأَبِ مَعَ الزَّوْجِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ نَصِيبِهِ مَعَ الزَّوْجَةِ ، وَالنَّصُّ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بِالضِّعْفِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْوَلَدُ وَالْإِخْوَةُ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ مَا أَرَانِي اللَّهُ تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ ، وَقَالَ زَيْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا أُفَضِّلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ ، وَمُرَادُهُمَا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْقَرَابَةِ وَالْقُرْبِ ، وَأَمَّا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَلَا يَمْتَنِعُ تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ كَانَ لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْجَمِيعِ فَلَا يُبَالَى بِتَفْضِيلِهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي أَيْضًا مَعَ الْجَدِّ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا مَا كَانَا يُفَضِّلَانِ الْأُمَّ عَلَى الْجَدِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ .

( وَلِلْجَدَّاتِ ، وَإِنْ كَثُرْنَ السُّدُسُ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ جَدٌّ فَاسِدٌ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ ) وَكُنَّ مُتَحَاذِيَاتٍ فِي الدَّرَجَةِ ، وَالْكَلَامُ فِي الْجَدَّاتِ فِي مَوَاضِعَ فِي تَرْتِيبِهِنَّ ، وَمَعْرِفَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْفَاسِدَةِ مِنْهُنَّ ، وَفِي قَدْرِ مِيرَاثِهِنَّ ، وَفِيمَا يَسْقُطْنَ بِهِ فَالْأَوَّلُ كُلُّ شَخْصٍ لَهُ جَدَّتَانِ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ وَلِأَبِيهِ وَأُمِّهِ كَذَلِكَ ، وَهَكَذَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُصُولِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَالصَّحِيحَةُ مِنْهُنَّ مَنْ لَا يَتَخَلَّلُ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ ذَكَرٌ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ ، وَالْفَاسِدَةُ مَنْ يَتَخَلَّلُ فِي نِسْبَتِهَا ذَلِكَ إذْ كُلُّ أَبٍ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِأُنْثَى جَدٌّ فَاسِدٍ فَمَنْ يُدْلَى بِهِ يَكُونُ فَاسِدًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَعِنْدَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْفَاسِدَةُ مَنْ تُدْلِي بِذَكَرٍ مُطْلَقًا ، وَإِذَا أَرَدْت تَنْزِيلَ عَدَدٍ مِنْ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ الْمُتَحَاذِيَاتِ فَاذْكُرْ أَوَّلًا لَفْظَةَ أُمِّ أُمِّ بِمِقْدَارِ الْعَدَدِ الَّذِي تُرِيدُهُ ثُمَّ تَقُولُ ثَانِيًا أُمُّ أُمِّ ، وَتَجْعَلُ مَكَانَ الْأُمِّ الْأَخِيرَةِ أَبًا ثُمَّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تُبَدِّلُ مَكَانَ الْأُمِّ أَبًا عَلَى الْوَلَاءِ إلَى أَنْ تَبْقَى لَفْظَةُ أُمٍّ مَرَّةً مِثَالُهُ إذَا سُئِلْت عَنْ أَرْبَعِ جَدَّاتٍ وَارِثَاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ فَقُلْ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ بِقَدْرِ عَدَدِهِنَّ لِإِثْبَاتِ الدَّرَجَةِ الَّتِي يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعْنَ فِيهَا فَإِنَّهُنَّ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعْنَ فِيهَا إلَّا إذَا ارْتَفَعْنَ قَدْرَ عَدَدِهِنَّ مِنْ الدَّرَجَاتِ فَأَرْبَعُ جَدَّاتٍ وَارِثَاتٍ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُنَّ إلَّا فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ فَتَقُولُ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ، وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ جِهَتِهَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ ثُمَّ تَأْتِي بِوَاحِدَةٍ أُخْرَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فِي دَرَجَتِهَا فَنَقُولُ أُمُّ أُمِّ أُمِّ الْأَبِ ثُمَّ

تَأْتِي بِأُخْرَى مِنْ جِهَةِ الْجَدِّ فَتَقُولُ أُمُّ أُمِّ أَبِي الْأَبِ ثُمَّ تَأْتِي بِأُخْرَى مِنْ جِهَةِ جَدِّ الْأَبِ فَتَقُولُ أُمُّ أَبِي أَبِي الْأَبِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْوَارِثَاتُ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ جَدٍّ صَحِيحٍ أُمُّهُ وَارِثَةٌ وَكَذَا أُمُّ أُمِّهِ وَإِنْ عَلَتْ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ جَدَّةٌ وَارِثَةً مِنْ كُلِّ أَبٍ إلَّا وَاحِدَةً فَتَحْتَاجُ أَنْ تَأْتِيَ مِنْ الْآبَاءِ قَدْرَهُنَّ عَدَدًا إلَّا وَاحِدَةً ، وَهِيَ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا لَا تُدْلِي بِذَكَرٍ وَالثَّانِيَةُ تُدْلِي بِالْأَبِ فَلِهَذَا حُذِفَتْ فِي النِّسْبَةِ الثَّانِيَةِ أُمًّا وَاحِدَةً ، وَأَبْدَلْت مَكَانَهَا أَبًا ، وَالثَّالِثَةُ تُدْلِي بِالْجَدِّ فَلِهَذَا أَسْقَطْت أُمَّيْنِ ، وَأَبْدَلْت مَكَانَهُمَا أَبَوَيْنِ ، وَالرَّابِعَةُ تُدْلِي بِجَدِّ الْأَبِ فَلِهَذَا أَسْقَطْت ثَلَاثَ أُمَّهَاتٍ ، وَأَبْدَلْت مَكَانَهُنَّ ثَلَاثَةَ آبَاءٍ فَهَذَا طَرِيقُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُنَّ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى هَذَا لِمَعْرِفَةِ الصَّحِيحَاتِ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ ، وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَا بِإِزَاءِ الصَّحِيحَاتِ مِنْ الْفَاسِدَاتِ فَخُذْ عَدَدَ الصَّحِيحَاتِ ، وَاجْعَلْهُ بِيَمِينِك ، وَاطْرَحْ مِنْهُ اثْنَيْنِ ، وَاجْعَلْهُمَا بِيَسَارِك ثُمَّ ضَعِّفْ مَا فِي يَسَارِك بَعْدَ مَا بَقِيَ فِي يَمِينِك فَالْمَبْلَغُ عَدَدُ الْجَدَّاتِ الصَّحِيحَاتِ وَالْفَاسِدَاتِ جَمِيعًا فَإِذَا أَسْقَطْت مِنْهُ عَدَدَ الصَّحِيحَاتِ فَالْبَاقِيَاتُ هِيَ الْفَاسِدَاتُ مِثَالُهُ إذَا سُئِلْت عَنْ أَرْبَعِ جَدَّاتٍ صَحِيحَاتٍ كَمْ بِإِزَائِهِنَّ مِنْ الْفَاسِدَاتِ فَخُذْ أَرْبَعَةً بِيَمِينِك ، وَاطْرَحْ مِنْهَا اثْنَيْنِ فَخُذْهُمَا بِيَسَارِك فَإِذَا ضَعَّفْت هَذَا الْمَطْرُوحَ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ فِي يَمِينِك صَارَ ثَمَانِيَةً ، وَهُوَ عَدَدُ مَبْلَغِ الْجَدَّاتِ أَجْمَعَ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ فَإِذَا أَسْقَطْت عَدَدَ الصَّحِيحَاتِ ، وَهُنَّ أَرْبَعٌ بَقِيَتْ أَرْبَعٌ ، وَهُنَّ الْفَاسِدَاتُ ، وَمِيرَاثُهُنَّ السُّدُسُ ، وَإِنْ كَثُرْنَ يَشْتَرِكْنَ فِيهِ لِمَا رَوَى عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ { أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ إذَا اجْتَمَعَتَا بِالسُّدُسِ بِالسَّوِيَّةِ } وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرَكَ بَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ فِي السُّدُسِ وَسَنَذْكُرُ مَا يَسْقُطْنَ بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَذَاتُ جِهَتَيْنِ كَذَاتِ جِهَةٍ ) أَيْ إذَا تَرَكَ جَدَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا ذَاتُ جِهَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَهُمَا سَوَاءٌ حَتَّى يُقْسَمَ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَسْتَحِقُّ بِالْجِهَتَيْنِ فَيُقْسَمُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِذَاتِ الْجِهَتَيْنِ ، وَثُلُثُهُ لِذَاتِ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ اخْتِلَافَ جِهَةِ الْقَرَابَةِ كَاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَيْ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَخًا مِنْ أُمٍّ يُجْعَلُ الْأَخُ كَشَخْصَيْنِ حَتَّى يَأْخُذَ السُّدُسَ بِالْأُخُوَّةِ ، وَخَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ بَيْنَهُمَا بِالْعُصُوبَةِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجًا أَخَذَ بِالْجِهَتَيْنِ وَكَذَا إذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَجُوسِيِّ قَرَابَتَانِ وَرِثَ بِهِمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ تَوْرِيثَ الْجَدَّاتِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَلَا يَتَعَدَّدُ السَّبَبُ بِتَعَدُّدِ الْجِهَةِ كَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ بِاعْتِبَارِ الْقَرَابَتَيْنِ لِاتِّحَادِ الْجِهَتَيْنِ ، وَهِيَ قَرَابَةُ الْأُخُوَّةِ حَتَّى لَا تَأْخُذَ النِّصْفَ بِجِهَةِ الْأَبِ وَالسُّدُسَ بِجِهَةِ الْأُمِّ بَلْ تَأْخُذَ النِّصْفَ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ النَّظِيرِ لِأَنَّ جِهَةَ الْإِرْثِ هُنَاكَ مُخْتَلِفَةٌ وَمِثَالُ مَا تَكُونُ الْوَاحِدَةُ ذَاتَ قَرَابَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ أُمِّ الْأُمِّ ، وَهِيَ أَيْضًا أُمُّ أَبِي الْأَبِ ، وَالْأُخْرَى ذَاتَ قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ مَيِّت قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْبُعْدَى تُحْجَبُ بِالْقُرْبَى ) سَوَاءٌ كَانَا أُمٍّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَى أُمَّ أَبِ أُمِّ وَارِثِهِ أَوْ مَحْجُوبَةً بِالْأَبِ أَوْ بِالْجَدِّ .

وَفِي رِوَايَةٍ أُمَّ أُمٍّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَحْجُبُ الْجَدَّاتِ إلَّا الْأُمُّ ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْقُرْبَى إذَا كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ، وَبِالْعَكْسِ تَحْجُبُ لِأَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِوِلَادَةِ الْأَبَوَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْطَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حُكْمَ مَنْ تَدَنَّى بِهِ ، وَالْأَبُ لَا يَحْجُبُ الْجَدَّاتِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَكَذَا أُمُّهُ ، وَالْأُمُّ تَحْجُبُ كُلَّ جَدَّةٍ هِيَ أَبْعَدُ مِنْهَا فَكَذَا أُمُّهَا ، وَلَنَا أَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِاعْتِبَارِ الْوِلَادِ فَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَدْنَى عَلَى الْأَبْعَدِ كَالْأَبِ الْأَدْنَى مَعَ الْأَبِ الْأَبْعَدِ وَلَيْسَ كُلُّ حُكْمٍ يَثْبُتُ لِلْوَاسِطَةِ يَثْبُتُ لِمَنْ يُدْلِي بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْأَبِ لَا يَزِيدُ إرْثُهَا عَلَى السُّدُسِ وَتُحْجَبُ بِالْأُمِّ ، وَالْأَبُ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْكُلُّ بِالْأُمِّ ) أَيْ تُحْجَبُ الْجَدَّاتُ كُلُّهُنَّ بِالْأُمِّ ، وَالْمُرَادُ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ وَارِثَةً ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْجَدَّاتِ إنَّمَا يَرِثْنَ بِطَرِيقِ الْوِلَادِ ، وَالْأُمُّ أَبْلَغُ حَالًا مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ فَلَا يَرِثْنَ مَعَهَا وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ فِي قَرَابَةِ الْجَدَّةِ الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا إلَى الْمَيِّتِ ، وَتُدْلِي بِهَا فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِهَا لِمَا عُرِفَ فِي بَابِ الْحَجْبِ فَإِذَا حُجِبَتْ الْجَدَّةُ الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا كَانَتْ أَوْلَى أَنْ تُحْجَبَ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ حَالًا مِنْهَا وَلِهَذَا تُؤَخَّرُ فِي الْحَضَانَةِ فَتُحْجَبُ بِهَا ، وَكَذَا الْأَبَوِيَّاتُ مِنْهُنَّ يُحْجَبْنَ بِالْأَبِ إذَا كَانَ وَارِثًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ

وَائِلَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهَا السُّدُسَ مَعَ الْأَبِ ، وَبِهِ أَخَذَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَرَّثَ جَدَّةً ، وَابْنُهَا حَيٌّ } ، وَلِأَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ فَلَا يَحْجُبُهَا الْأَبُ كَمَا لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ ، وَكَمَا لَا يَحْجُبُهَا الْجَدُّ ، وَلِأَنَّهَا تَرِثُ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ فَلَا تَكُونُ الْعُصُوبَةُ حَاجِبَةً لَهَا كَمَا لَا يَحْجُبُهَا عَمُّ الْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ ابْنُهَا قُلْنَا إنَّ أُمَّ الْأَبِ تُدْلِي بِالْأَبِ فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِهِ كَبِنْتِ الِابْنِ مَعَ وُجُودِ الِابْنِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ الِابْنَ كَانَ عَمًّا لِلْمَيِّتِ لَا أَبًا ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ بَلْ مِيرَاثَ الْأَبِ لِأَنَّ لَهُ السُّدُسَ فَرْضًا فَتَرِثُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِهِ ، وَلَئِنْ كَانَ مِيرَاثَ الْأُمِّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْحَجْبِ بِغَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يَرِثْنَ مِيرَاثَ الْبَنَاتِ ، وَمَعَ هَذَا يُحْجَبْنَ بِالِابْنِ ، وَكَذَا الْجَدُّ يَحْجُبُ الْأَبَوِيَّاتِ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا أُمَّ الْأَبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا وَإِنْ عَلَتْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ وَكَذَا كُلُّ جَدٍّ لَا يَحْجُبُ الْجَدَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ لِلْجَدَّاتِ حَالَتَانِ : السُّدُسُ وَالسُّقُوطُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَمَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ الرُّبُعُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ } فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ زَوْجٍ إمَّا النِّصْفَ ، وَإِمَّا الرُّبُعَ مِمَّا تَرَكَتْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ كَقَوْلِهِمْ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ ، وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الِابْنِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبُعُ مَعَهُ فَصَارَ لِلزَّوْجِ حَالَتَانِ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُهُ ) أَيْ لِلزَّوْجَةِ نِصْفُ مَا لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ لَهَا الرُّبُعُ ، وَمَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ الثُّمُنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } وَإِنْ كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اشْتَرَكْنَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِجْحَافُ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُبُعًا يَأْخُذْنَ الْكُلَّ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ بِلَا وَلَدٍ ، وَالنِّصْفَ مَعَ الْوَلَدِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ فَيَكُونُ لِوَاحِدَةٍ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ عِنْدَ انْفِرَادِهَا بِالنَّصِّ ، وَإِذَا كَثُرْنَ وَقَعَتْ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُنَّ فَيُصْرَفُ إلَيْهِنَّ جَمِيعًا عَلَى السَّوَاءِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ ، وَادَّعَى رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ نِكَاحَهَا ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ ، وَلَمْ تَكُنْ فِي بَيْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَا دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَكَذَا هُنَا فَصَارَ لِلزَّوْجَاتِ حَالَتَانِ الرُّبُعُ بِلَا وَلَدٍ وَالثُّمُنُ مَعَ الْوَلَدِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْأَكْثَرِ الثُّلُثَانِ ) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الْبِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ حُكْمَ الْوَاحِدَةِ فَجَعَلَ لَهُمَا النِّصْفَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثَيْنِ بِكَوْنِهِنَّ نِسَاءً ، وَهُوَ جَمْعٌ ، وَصَرَّحَ بِقَوْلِهِ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ، وَأَكَّدَهُ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفَ مَعَ الِابْنِ ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ ، وَحَظُّ الذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ حَظَّ الْبِنْتَيْنِ النِّصْفُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَلِلْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ { جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَك فِي أُحُدٍ شَهِيدًا ، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا ، وَلَا يُنْكَحَانِ إلَّا بِمَالٍ فَقَالَ يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ ، وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَك } وَمَا تَلَا لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَ الْجَمْعِ بِالْكِتَابِ ، وَحُكْمَ الْمُثَنَّى بِالسُّنَّةِ ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّثْنِيَةُ لَا سِيَّمَا فِي الْمَوَارِيثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ

قَبْلُ فَيَكُونُ الْمُثَنَّى مُرَادًا بِالْآيَةِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ لِلْبِنْتَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثُّلُثَيْنِ بِحُكْمِ الْآيَةِ ، وَلَفْظَةُ { فَوْقَ } فِي الْآيَةِ صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ } أَيْ اضْرِبُوا الْإِعْنَاقَ ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِحُصُولِ التَّوْفِيقِ بِهِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْآيَةِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَأَدْنَى الِاخْتِلَاطِ أَنْ يَجْتَمِعَ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَيَكُونُ لَهُ الثُّلُثَانِ ، وَهُوَ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ، وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ هَذَا ، وَهُوَ الثُّلُثَانِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَبَدًا ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ نَصِيبَ الْوَاحِدَةِ وَنَصِيبَ الْجَمْعِ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَ الْمُثَنَّى عَلَى مَا قَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ إلْحَاقِ الْمُثَنَّى بِأَحَدِهِمَا فَإِلْحَاقُهُمَا بِالْجَمْعِ أَوْلَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنَى الضَّمِّ ، وَلِأَنَّ الْمُثَنَّى لَهُ حُكْمُ الْجَمْعِ فِي الْمِيرَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْفَرْدِ وَحُكْمَ الْمُثَنَّى جَعَلَ حُكْمَ الْمُثَنَّى كَحُكْمِ الْجَمْعِ فِي الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثَيْنِ أَوْ الثُّلُثِ ، وَقَوْلُهُ إنَّ الْبِنْتَيْنِ يَسْتَحِقَّانِ النِّصْفَ مَعَ الِابْنِ قُلْنَا اسْتِحْقَاقُهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمَا إيَّاهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ يَأْخُذْنَ مَعَ الِابْنِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الْمَالِ ، وَعِنْدَ الِانْفِرَادِ الثُّلُثَيْنِ ، وَالْوَاحِدَةِ تَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الِابْنِ وَالنِّصْفَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَعَصَبَهَا الِابْنُ ، وَلَهُ مِثْلَا حَظِّهَا ) مَعْنَاهُ إذَا اخْتَلَطَ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ عَصَبَ الْبَنُونَ الْبَنَاتِ فَيَكُونُ لِلِابْنِ

مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } فَصَارَ لِلْبَنَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلِاثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا ، وَالتَّعْصِيبُ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِالذُّكُورِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَلَدُ الِابْنِ كَوَلَدِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ بَنُو الِابْنِ عَصَبَةً كَالْبَنِينَ وَبَنَاتُ الِابْنِ كَالْبَنَاتِ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ فَيَعْصِبُهُنَّ الذُّكُورُ عِنْدَ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالذُّكُورِ فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .( قَوْلُهُ وَمَا تَلَا ) أَيْ ابْنُ عَبَّاسٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُحْجَبُ بِالِابْنِ ) أَيْ وَلَدُ الِابْنِ يُحْجَبُ بِالِابْنِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ ، وَهُوَ عَصَبَةٌ فَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ بِالْعُصُوبَةِ ، وَكَذَا بِالْفَرْضِ لِأَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُدْلِينَ بِهِ فَلَا يَرِثْنَ مَعَ أَصْلِهِنَّ ، وَإِنْ كُنَّ لَا يُدْلِينَ بِهِ بِأَنْ كَانَ عَمَّهُنَّ فَهُوَ مُسَاوٍ لِأَصْلِهِنَّ فَيَحْجُبُهُنَّ كَمَا يَحْجُبُ أَوْلَادَهُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِأَحَدِ الْمِثْلَيْنِ ثَبَتَ لِمُسَاوِيهِ ضَرُورَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَعَ الْبِنْتِ لِأَقْرَبِ الذُّكُورِ الْبَاقِي ) أَيْ إذَا كَانَ مَعَ بِنْتِ الْمَيِّتِ لِصُلْبِهِ أَوْلَادُ الِابْنِ أَوْ أَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ أَوْ الْمَجْمُوعُ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ لِأَقْرَبِ الذُّكُورِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ فَيَحْجُبُ الْأَبْعَدَ ، وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ بِنْتُ ابْنٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي دَرَجَتِهِ بِنْتُ ابْنٍ فَتُشَارِكُهُ فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِ الْبِنْتِ لَهُ وَحْدَهُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْإِنَاثِ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ ) أَيْ لِبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْوَاحِدَةِ الصُّلْبِيَّةِ السُّدُسُ ، وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ ابْنُ ابْنٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ يَكُنَّ عَصَبَةً مَعَهُ فَلَا يَرِثْنَ السُّدُسَ ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُنَّ السُّدُسُ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ { لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بِنْتٍ ، وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ، وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ } وَقَوْلُهُ { تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُنَّ يَدْخُلْنَ فِي لَفْظِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْأَوْلَادِ الْإِنَاثِ ثُلُثَيْنِ فَإِذَا أَخَذَتْ الصُّلْبِيَّةُ النِّصْفَ بَقِيَ مِنْهُ سُدُسٌ فَيُعْطَى لَهَا تَكْمِلَةً لِذَلِكَ فَلَوْلَا أَنَّهُنَّ دَخَلْنَ فِي الْأَوْلَادِ وَفَرْضُهُنَّ وَاحِدٌ لَمَا صَارَ تَكْمِلَةً لَهُ إلَّا أَنَّ الصُّلْبِيَّةَ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ بِالنِّصْفِ ، وَدُخُولُهُنَّ عَلَى أَنَّهُ عُمُومُ الْمَجَازِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحُجِبْنَ بِبِنْتَيْنِ ) أَيْ تُحْجَبُ بَنَاتُ الِابْنِ بِبِنْتَيْنِ صُلْبِيَّتَيْنِ لِأَنَّ إرْثَهُنَّ كَانَ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ ، وَقَدْ كَمُلَ بِبِنْتَيْنِ فَسَقَطْنَ إذْ لَا طَرِيقَ لِتَوْرِيثِهِنَّ فَرْضًا وَتَعْصِيبًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيَعْصِبُ مَنْ كَانَتْ بِحِذَائِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ فَوْقَهُ مِمَّنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ سَهْمٍ ، وَتَسْقُطُ مَنْ دُونَهُ ) أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَعَهُنَّ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ فِي دَرَجَتِهِنَّ سَوَاءٌ كَانَ أَخًا لَهُنَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَهَذَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَسْقُطْنَ بَنَاتُ الِابْنِ بِبِنْتَيْ الصُّلْبِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ

غُلَامٌ ، وَلَا يُقَاسِمُهُنَّ ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ الصُّلْبِيَّةُ وَاحِدَةً ، وَكَانَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ كَانَ لِبَنَاتِ الِابْنِ أَسْوَأَ الْحَالَيْنِ مِنْ السُّدُسِ وَالْمُقَاسَمَةِ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقَلَّ أُعْطِينَ ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْإِضْرَارِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ بَنَاتٌ ، وَمِيرَاثَهُنَّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا الْفَرْضُ أَوْ الْمُقَاسَمَةُ ، وَفَرْضُهُنَّ الثُّلُثَانِ ، وَالْمُقَاسَمَةُ ظَاهِرَةٌ ، وَلَيْسَ لَهُنَّ أَنْ يَجْمَعْنَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ فَلَوْ قَاسَمْنَ لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ ، وَإِذَا كَانَتْ الصُّلْبِيَّةُ وَاحِدَةً أَخَذَتْ النِّصْفَ ، وَبَقِيَ مِنْ فَرْضِ الْبَنَاتِ السُّدُسُ فَيَأْخُذْنَهُ إنْ كُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ ، وَإِنْ كُنَّ مُخْتَلِطَاتٍ مَعَ الذُّكُورِ كَانَ لَهُنَّ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ السُّدُسِ وَالْمُقَاسَمَةِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ ، وَلِئَلَّا يَأْخُذَ الْبَنَاتُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَلِأَنَّهُنَّ لَا مِيرَاثَ لَهُنَّ مَعَ الصُّلْبِيَّتَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً عِنْدَ الِانْفِرَادِ مِنْ الْإِنَاثِ فَلَا يَعْصِبُهَا أَخُوهَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ كَالْعَمِّ مَعَ الْعَمَّةِ وَابْنِ الْأَخِ مَعَ أُخْتِهِ وَلِلْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } وَأَوْلَادُ الِابْنِ أَوْلَادٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَتَنْتَظِمُهُمْ الْآيَةُ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مَقْسُومًا بَيْنَ الْكُلِّ إلَّا أَنَّا عَلِمْنَا فِي حَقِّ أَوْلَادِ الِابْنِ بِأَوَّلِ الْآيَةِ ، وَفِي حَقِّ الصُّلْبِيَّتَيْنِ أَوْ الصُّلْبِيَّةِ الْوَاحِدَةِ بِمَا بَعْدَهَا وَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ، وَلَا شُبْهَتُهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى كُلِّ لَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَنَاتِ الْصُلْبِيَّاتِ ذَوَاتُ فَرْضٍ ، وَبَنَاتُ الِابْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَصَبَاتٌ مَعَ

أَخِيهِنَّ ، وَصَاحِبُ الْفَرْضِ إذَا أَخَذَ فَرْضَهُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَصَارَ الْبَاقِي مِنْ الْفَرْضِ كَجَمِيعِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْعَصَبَةِ فَيُشَارِكْنَهُ ، وَلَا يَخْرُجْنَ مِنْ الْعُصُوبَةِ كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْفَرْضِ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْبَنَاتِ كَالْأَبَوَيْنِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ فَكَذَا مَعَ الْبَنَاتِ بِخِلَافِ الْعَمَّةِ مَعَ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْأَخِ مَعَ أَخِيهَا لِأَنَّهُمَا لَا يَصِرْنَ عَصَبَةً مَعَهُمَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُمَا صَاحِبُ فَرْضٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْعُصُوبَةِ فِي مَحِلٍّ لَا يَقْبَلُهَا انْتِفَاؤُهَا فِي مَحِلٍّ يَقْبَلُهَا ، وَأَخْذُهُنَّ زِيَادَةً عَلَى الثُّلُثَيْنِ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُنَّ يَأْخُذْنَهُ بِالْمُقَاسَمَةِ عِنْدَ كَثْرَتِهِنَّ بِأَنْ تَرَكَ أَرْبَعِينَ بِنْتًا وَابْنًا ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي بَنَاتِ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ بَنَاتِ الصُّلْبِ أَنَّ أَقْرَبَهُنَّ إلَى الْمَيِّتِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ ، وَاَلَّتِي تَلِيهَا فِي الْقُرْبِ مَنْزِلَةَ بَنَاتِ الِابْنِ وَهَكَذَا يُفْعَلُ وَإِنْ سَفَلْنَ ، مِثَالُهُ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنٍ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ ، وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنِ ابْنٍ آخَرَ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ ، وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ آخَرَ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ بِهَذِهِ الصُّورَةِ مَيِّت فَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ لَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ فَيَكُونُ لَهَا النِّصْفُ ، وَالْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ تُوَازِيهَا الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فَيَكُونُ لَهُمَا السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلسُّفْلِيَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامُ فَيَعْصِبُهَا ، وَمَنْ بِحِذَائِهَا وَمَنْ فَوْقَهَا إنْ لَمْ تَكُنْ صَاحِبَةَ فَرْضٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ عَصَبَهَا وَعَصَبَ الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ ، وَسَقَطَتْ السُّفْلَيَاتُ ، وَلَوْ كَانَ الْغُلَامُ

مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي عَصَبَهَا وَعَصَبَ الْوُسْطَى مِنْهُ وَالْوُسْطَى وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ وَالسُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ عَصَبَ الْجَمِيعَ غَيْرَ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُلْيَا تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبِنْتِ ، وَالْبَوَاقِي مَنَازِلَ بَنَاتِ الِابْنِ وَلَوْ كَانَ الِابْنُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ عَصَبَ أُخْتَهُ ، وَسَقَطَتْ الْبَوَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَوْلَادِ فَصَارَ لِبَنَاتِ الِابْنِ أَحْوَالٌ سِتٌّ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلَّاثْتَيْنِ فَصَاعِدًا ، وَالْمُقَاسَمَةُ مَعَ ابْنِ الِابْنِ وَالسُّدُسُ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ الْوَاحِدَةِ ، وَالسُّقُوطُ بِالِابْنِ وبالصلبيتين إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمَسَائِلِ يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْفَرْضِيَّيْنِ تَشْبِيبُ بَنَاتِ الِابْنِ إذَا ذُكِرْنَ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّرَجَاتِ وَهُوَ إمَّا مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ شَبَّبَ فُلَانٌ بِفُلَانَةَ إذَا أَكْثَرَ ذِكْرَهَا فِي شِعْرِهِ ، وَتَشْبِيبُ الْقَصِيدَةِ تَحْسِينُهَا وَتَزْيِينُهَا بِذِكْرِ النِّسَاءِ أَوْ مَنْ شَبَّ النَّارَ إذَا أَوْقَدَهَا لِأَنَّ فِيهِ تَذْكِيَةً لِلْخَوَاطِرِ أَوْ مِنْ شَبَّ الْفَرَسُ يَشِبُّ وَيَشُبُّ شَبَابًا إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا ، وَأَشْبَبْتُه أَنَا إذَا هَيَّجْته لِذَلِكَ لِأَنَّهُ خُرُوجُ وَارْتِفَاعٌ مِنْ دَرَجَةٍ إلَى أُخْرَى كَحَالِ الْفَرَسِ فِي نَزَوَاتِهِ أَيْ وَثَبَاتِهِ فَصَارَ لِبَنَاتِ الِابْنِ أَحْوَالٌ سِتٌّ : الثَّلَاثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَنَاتِ وَالسُّدُسُ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ ، وَالسُّقُوطُ بِالِابْنِ وبالصلبيتين إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَبَنَاتِ الصُّلْبِ عِنْدَ عَدَمِهِنَّ ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْبَنَاتِ وَبَنَاتُ الِابْنِ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفُ ، وَلِلثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ، وَمَعَ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِأَبٍ كَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْصُلْبِيَّاتِ ) أَيْ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْصُلْبِيَّاتِ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ النِّصْفُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلِلثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ فَصَاعِدًا ، وَمَعَ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَمَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ، وَيَسْقُطْنَ بِالْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ فَيَعْصِبُهُنَّ لِمَا تَلَوْنَا وَبَيَّنَّا وَيَأْتِي فِيهِنَّ خِلَافُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ أُخْتٍ وَاحِدَةٍ لَهُمَا أَيْ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْبَنَاتِ وَضِرَارِهِ لَهُنَّ مَعَ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ إذْ الْكَلَامُ فِي الْأَخَوَاتِ كَالْكَلَامِ فِي الْبَنَاتِ ، وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهِنَّ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي الْبَنَاتِ فَاسْتَغْنَيْنَا عَنْ الْبَحْثِ فِيهِنَّ بِالْبَحْثِ فِي الْبَنَاتِ إذْ طَرِيقُ الْبَحْثِ فِيهِمَا وَاحِدٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَصَبَهُنَّ إخْوَتُهُنَّ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ ) أَيْ عَصَبَ الْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ إخْوَتُهُنَّ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ أَمَّا تَعْصِيبُ الْإِخْوَةِ لَهُنَّ

فَظَاهِرٌ لِمَا تَلَوْنَا ، وَأَمَّا تَعْصِيبُ الْبِنْتِ لَهُنَّ وَبِنْتِ الِابْنِ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اجْعَلُوا الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً } { وَوَرَّثَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْيَمَنِ بِنْتًا وَأُخْتًا فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ يَوْمَئِذٍ } وَرُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى فِي ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ وَالْبَاقِيَ لِلْأُخْتِ } وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبِنْتَ مِمَّنْ يَعْصِبُ الْأَخَوَاتِ ، وَهُوَ مَجَازٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا تَعْصِبُهُنَّ ، وَإِنَّمَا يَصِرْنَ عَصَبَةً مَعَهَا لَا بِهَا ، وَالْبِنْتُ بِنَفْسِهَا لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَيْفَ تَعْصِبُ غَيْرَهَا بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَسْقَطَ الْأَخَوَاتِ بِالْبِنْتِ ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْبِنْتِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ الْبَاقِي كُلُّهُ لِلْإِخْوَةِ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قِيلَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَ الْبِنْتِ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فِي رِوَايَةٍ الْبَاقِي لِلْأَخِ وَحْدَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بَيْنَ الْجَمِيعِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ هُوَ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } فَإِرْثُهَا مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْوَلَدِ ، وَاسْمُ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَجَبَ الزَّوْجَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ ، وَالزَّوْجَةَ مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمُنِ بِالْوَلَدِ ، وَالْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ فَاسْتَوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ، وَلِلْجُمْهُورِ

مَا رَوَيْنَا ، وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَلَدِ فِيمَا تَلَا إنَّمَا كَانَ لِإِرْثِهَا النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ بِطَرِيقِ الْفَرْض ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا لَا تَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ فَرْضًا ، وَإِنَّمَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَلَدِ هُنَا الذَّكَرُ ، وَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ { وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ } يَعْنِي أَخَاهَا يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ذَكَرٌ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْأَخَ يَرِثُ تَعْصِيبًا مَعَ الْأُنْثَى مِنْ الْأَوْلَادِ أَوْ نَقُولُ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَلَدِ إنَّمَا كَانَ لِإِرْثِ الْأَخِ جَمِيعَ مَالِهَا ، وَذَلِكَ يَمْتَنِعُ بِالْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلْأَكْثَرِ الثُّلُثُ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ سَوَاءٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } الْمُرَادُ بِهِ أَوْلَادُ الْأُمِّ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ الْأَبُ مَذْكُورُونَ فِي آيَةِ النِّصْفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ، وَلِهَذَا قَرَأَهَا بَعْضُهُمْ ، { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ } ، وَاطَلَاقُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ كَمَا إذَا قَالَ شَرِيكِي فُلَانٌ فِي هَذَا الْمَالِ أَوْ قَالَ لَهُ شَرِكَةً فِيهِ ، وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ قُضِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنِّصْفِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا سَوَّى بَيْنَهُمَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى اسْتِوَائِهِمَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحُجِبْنَ بِالِابْنِ وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ ، وَبِالْأَبِ وَالْجَدِّ ) أَيْ الْأَخَوَاتُ كُلُّهُنَّ حُجِبْنَ بِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ ، وَهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ ، وَإِنْ سَفَلَ ، وَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا ، وَكَذَا الْإِخْوَةُ يُحْجَبُونَ بِهِمْ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ ، وَاخْتُلِفَ فِي الْكَلَالَةِ هَلْ هِيَ صِفَةٌ

لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلتَّرِكَةِ ، وَقُرِئَ { يُورَثُ } بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا ، وَأَيَّامَا كَانَ يُشْتَرَطُ لِتَسْمِيَتِهِ عَدَمُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ لِلْمَيِّتِ فَيَسْقُطُونَ بِهِمْ وَالْكَلَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْإِحَاطَةِ ، وَمِنْهُ الْإِكْلِيلُ لِإِحَاطَتِهِ بِالرَّأْسِ ، وَلَفْظَةُ كُلٍّ لِإِحَاطَتِهَا بِمَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا الْكَلَالَةُ مَنْ أَحَاطَ بِالشَّخْصِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ، وَقِيلَ أَصْلُهَا مِنْ الْبُعْدِ يُقَالُ كَلَّتْ الرَّحِمُ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ إذَا تَبَاعَدَتْ ، وَيُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ كَلَّ عَنْهُ أَيْ تَرَكَهُ وَبَعُدَ عَنْهُ ، وَغَيْرُ قَرَابَةِ الْوِلَادِ بَعِيدٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوِلَادِ قَالَ الْفَرَزْدَقُ وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ عَنْ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ يُرِيدُ وَرِثْتُمْ مَجْدَكُمْ عَنْ أُصُولِكُمْ لَا عَنْ الْفُرُوعِ كَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَلَدٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَلَا تَكُونُ كَلَالَةً مَعَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْبِنْتُ تَحْجُبُ وَلَدَ الْأُمِّ فَقَطْ ) أَيْ بِنْتُ الْمَيِّتِ تَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ وَحْدَهُمْ وَلَا تَحْجُبُ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ لِمَا أَنَّ شَرْطَ إرْثِهِمْ الْكَلَالَةُ ، وَلَا كَلَالَةَ مَعَ الْوَلَدِ وَالْبِنْتُ وَلَدٌ فَتَحْجُبُهُمْ ، وَكَذَا بِنْتُ الِابْنِ لِمَا أَنَّ وَلَدَ الِابْنِ وَلَدٌ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ لَا تَرِثَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ لِأَنَّ إرْثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ قُلْنَا الْكَلَالَةُ شُرِطَتْ فِي حَقِّهِمْ لِإِرْثِ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ أَوْ لِإِرْثِ الْكُلِّ بِالْعُصُوبَةِ فَإِذَا انْتَفَتْ الْكَلَالَةُ انْتَفَى هَذَا الْإِرْثُ الْمَشْرُوطُ بِهَا لَا مُطْلَقُ الْإِرْثِ فَيَسْتَحِقُّونَ الْإِرْثَ بِالْعُصُوبَةِ مَعَ الْبِنْتِ بِنَصٍّ آخَرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ إرْثِ أَوْلَادِ الْأُمِّ فَإِنَّ جَمِيعَ إرْثِهِمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ فَيَنْتَفِي بِعَدَمِهَا

فَصَارَ لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَمْسُ أَحْوَالٍ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا وَالتَّعْصِيبُ بِأَخِيهِنَّ ، وَمَعَ الْبَنَاتِ وَالسُّقُوطُ مَعَ الِابْنِ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ سَبْعُ أَحْوَالٍ ذِي الْخَمْسَةُ وَالسُّدُسُ مَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالسُّقُوطُ بِالِاثْنَتَيْنِ مِنْ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَصَارَ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ السُّدُسُ لِلْوَاحِدِ وَالثُّلُثُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَالسُّقُوطُ بِمَا ذَكَرْنَا .قَوْلُهُ فَيَعْصِبُهُنَّ لِمَا تَلَوْنَا وَبَيَّنَّا ) وَيَسْقُطْنَ أَيْضًا بِالْأَخِ لِأَبَوَيْنِ لِقَوْلِهِ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ } ا هـ قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَرَأَهَا بَعْضُهُمْ ) أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ا هـ ( قَوْلُهُ قُضِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنِّصْفِ ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَوْ بِشِرْكٍ فِي عَبْدٍ يُجْعَلُ لَهُ النِّصْفُ وَأَمَرَهُ بِالْبَيَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً } ا هـ ( قَوْلُهُ وَقُرِئَ يُورَثُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا ) الَّذِي قَرَأَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ فَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ جَعَلَ الْكَلَالَةَ الْوَرَثَةَ وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ جَعَلَ الْكَلَالَةَ الْمَيِّتَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَصَبَةٌ ) وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ذُو فَرْضٍ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بَعْدَ ذِكْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ، وَهُمْ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَبَرِ فَيَكُونُ خَبَرًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَيْ مَنْ أَخَذَ الْكُلَّ إنْ انْفَرَدَ ، وَالْبَاقِي مَعَ ذِي سَهْمٍ ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْعَصَبَةِ أَيْ الْعَصَبَةُ مَنْ يَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَالِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ ، وَمَا أَبْقَتْهُ الْفَرَائِضُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ لَهُ الْفَرْضُ الْمُقَدَّرُ ، وَهَذَا رَسْمٌ ، وَلَيْسَ بِحَدٍّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُعْرَفَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ ، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ الْعَصَبَةُ مِنْهُمْ فَيَكُونُ تَعْرِيفًا بِالْحُكْمِ ، وَالْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ الْعَصَبَةِ حَتَّى يُعْطَى مَا ذُكِرَ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فَنَقُولُ الْعَصَبَةُ نَوْعَانِ نَسَبِيَّةٌ وَسَبَبِيَّةٌ فَالنَّسَبِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ جُزْءُ الْمَيِّتِ وَأَصْلُهُ وَجُزْءُ أَبِيهِ ، وَجُزْءُ جَدِّهِ ، وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ ، وَهُوَ كُلُّ أُنْثَى فَرْضُهَا النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثَانِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ ، وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ ، وَهُوَ كُلُّ أُنْثَى تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ أُنْثَى غَيْرِهَا كَالْبَنَاتِ مَعَ الْأَخَوَاتِ وَالسَّبَبِيَّةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةُ ، وَالْأُنْثَى لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَصَبَةَ إنَّمَا سُمِّيَ عَصَبَةً لِقُوَّتِهِ ، وَلِحُصُولِ التَّنَاصُرِ بِهِ ، وَلَا يَحْصُلُ التَّنَاصُرُ بِالْأُنْثَى ، وَإِنَّمَا صِرْنَ عَصَبَةً تَبَعًا أَوْ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَقَطْ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأَحَقُّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ ، وَإِنْ سَفَلَ ) أَيْ أَوْلَاهُمْ بِالْعُصُوبَةِ جُزْءُ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ سَفَلَ وَغَيْرُهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } إلَى أَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } فَجَعَلَ الْأَبَ صَاحِبَ فَرْضٍ مَعَ الْوَلَدِ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْوَلَدِ الذَّكَرِ سَهْمًا مُقَدَّرًا فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لَهُ فَدَلَّ أَنَّ الْوَلَدَ الذَّكَرَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِالْعُصُوبَةِ ، وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَيْضًا ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْثِرُ وَلَدَ وَلَدِهِ عَلَى وَالِدِهِ ، وَيَخْتَارُ صَرْفَ مَالِهِ لَهُ ، وَلِأَجْلِهِ يَدَّخِرُ مَالَهُ عَادَةً عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ } وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بِكَسْبِهِ مَحَلَّ اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّا صَرَفْنَا مِقْدَارَ الْفَرْضِ لِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِالنَّصِّ فَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى قَضِيَّةِ الدَّلِيلِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْبِنْتَ أَيْضًا عَلَيْهِ ، وَعَلَى كُلِّ عَصَبَةٍ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَبْطَلَ اخْتِيَارَهُ بِتَعْيِينِ الْفَرْضِ لَهَا ، وَجَعَلَ الْبَاقِيَ لَأَوْلَى رَجُلٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ أَبُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ) أَيْ ثُمَّ أَوْلَاهُمْ بِالْعُصُوبَةِ أُصُولُ الْمَيِّتِ وَإِنْ عَلَوْا وَأَوْلَاهُمْ بِهِ الْأَبُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ لِإِرْثِ الْإِخْوَةِ الْكَلَالَةَ ، وَهُوَ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ ضَرُورَةً ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْإِخْوَةِ ، وَهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ بَعْدَ فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ فَمَا ظَنُّك مَعَ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ كَأَعْمَامِهِ وَأَعْمَامِ أَبِيهِ ، وَالْجَدُّ أَبٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُومُ

مَقَامَهُ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْإِخْوَةِ فِيهِ فَكَذَا فِي الْمِيرَاثِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ مِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ ) وَإِنَّمَا قُدِّمُوا عَلَى الْأَعْمَامِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْإِرْثَ فِي الْكَلَالَةِ لِلْإِخْوَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ } فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ ، وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ جُزْءُ الْأَبِ فَكَانُوا أَقْرَبَ مِنْ الْأَعْمَامِ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِاتِّصَالِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ ذَا قَرَابَتَيْنِ فَتَرَجَّحَ بِذَلِكَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ } وَكَذَا الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ تُقَدَّمُ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلِهَذَا تُقَدَّمُ فِي الْفَرْضِ فَكَذَا فِي الْعُصُوبَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ عَلَى التَّرْتِيبِ ) أَيْ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ بَعْدَ الْإِخْوَةِ أَعْمَامُ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ فَكَانُوا أَقْرَبَ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ لِكَوْنِهِمْ أَقْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبَ بَعْدَهُمْ ، وَقَوْلُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ

الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِخْوَةِ ، وَهُوَ أَنْ يُقَدَّمَ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ عَلَى وَلَدِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَكَذَا يُعْمَلُ فِي أَعْمَامِ الْأَبِ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ ذُو قَرَابَتَيْنِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ ، وَعِنْدَ التَّفَاوُتِ فِي الدَّرَجَةِ يُقَدَّمُ الْأَعْلَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْمُعْتِقُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } ، وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ هُوَ أَخُوكَ وَمَوْلَاكَ إنْ شَكَرَكَ فَخَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ لَك ، وَإِنْ كَفَرَك فَشَرٌّ لَهُ وَخَيْرٌ لَك ، وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْتَ أَنْتَ عَصَبَتَهُ } ، وَالْمُرَادُ بِالْوَارِثِ وَارِثٌ هُوَ عَصَبَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ { ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا فَمَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِصْفَ مَالِهِ لِابْنَتِهِ ، وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِابْنَةِ حَمْزَةَ ، وَهِيَ الْمُعْتِقَةُ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ عَصَبَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ ) أَيْ عَصَبَةُ الْمَوْلَى ، وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَعَصَبَتُهُ مَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ ، وَهُوَ الْمَوْلَى عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِأَنْ يَكُون الْجُزْءُ الْمَوْلَى أَوْلَى وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ ، أُصُولُهُ ثُمَّ جُزْءُ أَبِيهِ ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ يُقَدَّمُونَ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ ، وَبِعُلُوِّ الدَّرَجَةِ عِنْدَ التَّفَاوُتِ .

قَوْلُهُ { الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ } ) هُوَ مِفْعَلَةٌ مِنْ الْبُخْلِ وَمَظِنَّةٌ لَهُ أَيْ يَحْمِلُ أَبَوَيْهِ عَلَى الْبُخْلِ وَيَدْعُوهُمَا إلَيْهِ فَيَبْخَلَانِ بِالْمَالِ لِأَجْلِهِ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ { مَجْبَنَةٌ } ) لِأَنَّهُ يُحِبُّ الْبَقَاءَ وَالْمَالَ لِأَجْلِهِ ا هـ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ قَوْلُهُ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ ) عَصَبَة الْمُعْتِقِ تَرِثُ الْمُعْتَقَ أَمَّا عَصَبَةُ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ لَا يَرِثُ الْمُعْتَقُ بَيَانُهُ امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا وَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابْنًا وَزَوْجًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ الْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِابْنِ الْمُعْتِقَةِ وَلَوْ مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ الْأَبَ الَّذِي هُوَ زَوْجُ الْمُعْتِقَةِ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ لَا يَرِثُ الْأَبُ وَإِنْ كَانَ عَصَبَةَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الِابْنِ وَالِابْنُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقَةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ عَصَبَةَ الْمُعْتِقَةِ لَا يَرِثُ ا هـ خُلَاصَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَاَللَّاتِي فَرْضُهُنَّ النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ ) وَهُنَّ أَرْبَعٌ مِنْ النِّسَاءِ الْبَنَاتُ ، وَبَنَاتُ الِابْنِ ، وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ ، وَهَؤُلَاءِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَيَانِ مِيرَاثِهِنَّ ، وَقَوْلُهُ بِإِخْوَتِهِنَّ هَذَا فِي الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ عُصُوبَتُهُنَّ تَقْتَصِرُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا بَنَاتُ الِابْنِ فَإِنَّهُنَّ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِأَبْنَاءِ أَعْمَامِهِنَّ أَيْضًا وَإِنْ سَفَلَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَسَائِلِ التَّشْبِيبِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي حَقِّهِنَّ بِإِخْوَتِهِنَّ أَوْ بِمَنْ لَهُ حُكْمُ إخْوَتِهِنَّ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ الْعَصَبَاتِ هُنَا وَاسْتَوْفَاهُ إلَّا الْعَصَبَةَ مَعَ غَيْرِهِ ، وَهِيَ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ ، وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَهُنَّ هُنَا لِأَنَّهُ ذَكَرَهُنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ هُنَاكَ فَلَا نُعِيدُهُ ، وَإِنَّمَا سُمِّينَ عَصَبَةً مَعَ غَيْرِهِ ، وَمَعَ إخْوَتِهِنَّ عَصَبَةً بِغَيْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ وَهُوَ الْبَنَاتُ شَرْطٌ لِصَيْرُورَتِهِنَّ عَصَبَةً ، وَلَمْ يَجْعَلْهُنَّ عَصَبَةً بِهِنَّ لِأَنَّ أَنْفُسَهُنَّ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ فَكَيْفَ يَجْعَلْنَ غَيْرَهُنَّ عَصَبَةً بِهِنَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كُنَّ مَعَ إخْوَتِهِنَّ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ بِنَفْسِهِمْ عَصَبَةٌ فَيَصِرْنَ بِهِ عَصَبَةً تَبَعًا .( قَوْلُهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُنَّ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ يُدْلِي بِغَيْرِهِ حُجِبَ بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى وَلَدِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ يُدْلِي بِالْأُمِّ ، وَلَا تَحْجُبُهُ بَلْ هِيَ تُحْجَبُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِنَّمَا لَا تَحْجُبُهُ الْأُمُّ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ ، وَلَا يَرِثُ هُوَ إرْثَهَا لِأَنَّهَا تَرِثُ بِالْوِلَادِ ، وَهُوَ بِالْأُخُوَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْبُ فِيهِ بِخِلَافِ الْجَدَّةِ حَيْثُ تُحْجَبُ بِالْأُمِّ لِأَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ وَالْأُمُّ أَوْلَى بِهِ مِنْهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ ، وَبِخِلَافِ الْأَبِ حَيْثُ يَحْجُبُ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِهِ ، وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ كُلُّهُمْ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ ، وَكَذَلِكَ الِابْنُ يَحْجُبُ ابْنَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَجْبَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِمَنْ يُدْلِي بِهِ بِشَرْطِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوْ يَكُونُ الْحَاجِبُ أَقْرَبَ كَالْأَعْمَامِ يُحْجَبُونَ بِالْإِخْوَةِ وَبِأَوْلَادِهِمْ ، وَكَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ يُحْجَبُونَ بِأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْهُمْ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَحْجُوبُ يَحْجُبُ كَالْأَخَوَيْنِ أَوْ الْأُخْتَيْنِ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مَعَ الْأَبِ ) وَهُمَا لَا يَرِثَانِ مَعَهُ لِأَنَّ إرْثَ الْإِخْوَةِ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ ، وَإِرْثَ الْأُمِّ الثُّلُثَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي أَبٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلْإِخْوَةِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ فَجَعَلَ لِلْإِخْوَةِ مَا نَقَصَ مِنْ نَصِيبِ الْأُمِّ لَنَا أَنَّ آيَةَ الْكَلَالَةِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَنَّ حَجْبَ الْأُمِّ بِهِمْ لَا يُوجِبُ لَهُمْ مَا نَقَصَ مِنْ نَصْبِهَا فَيَحْجُبُونَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ شَيْءٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا الْمَحْرُومَ بِالرِّقِّ وَالْقَتْلِ مُبَاشَرَةً وَاخْتِلَافِ الدِّينِ أَوْ الدَّارِ ) أَيْ لَا يَحْجُبُ الْمَحْرُومُ عَنْ الْإِرْثِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحْجُبُ حَجْبَ النُّقْصَانِ بِنَقْصِ نَصِيبِ الزَّوْجَيْنِ وَالْأُمِّ بِالْوَلَدِ الْمَحْرُومِ بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْوَلَدَ مُطْلَقًا ، وَنَقَصَ بِهِ نَصِيبَهُمْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا أَوْ مَحْرُومًا ، وَكَذَا نَقَصَ نَصِيبُ الْأُمِّ بِالْإِخْوَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَيُتْرَكُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يَحْجُبُ حَجْبَ الْحِرْمَانِ لِأَنَّهُ لَوْ حُجَبُ هَذَا الْحَجْبَ وَهُوَ لَا يَرِثُ لَأَدَّى إلَى دَفْعِهِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مَعَ وُجُودِ الْوَارِثِ أَوْ إلَى تَضْيِيعِهِ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَيْضًا لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ أَوْ الْإِخْوَةِ وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَحْرُومَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَالْمَيِّتِ لِأَنَّهُ حُرِمَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ كَالْمَيِّتِ ثُمَّ الْمَيِّتُ لَا يَحْجُبُ فَكَذَا الْمَحْرُومُ فَصَارَ كَحَجْبِ الْحِرْمَانِ ، وَالنُّصُوصُ الَّتِي تُوجِبُ نُقْصَانَ إرْثِهِمْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْأَوْلَادَ أَوَّلًا ، وَأَثْبَتَ لَهُمْ مِيرَاثًا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَجْبَ النُّقْصَانِ بِهِمْ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَذْكُورِينَ أَوَّلًا ، وَهُمْ الْمُتَأَهِّلُونَ لِلْإِرْثِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ مِنْهُمْ فِي الْإِرْثِ هُمْ الْمُتَأَهِّلُونَ لِلْإِرْثِ فَكَذَا الْمَذْكُورُونَ فِي الْحَجْبِ هُمْ الْمُتَأَهِّلُونَ لِلْإِرْثِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحْرُومَ اتَّصَلَتْ بِهِ صِفَةٌ تَسْلُبُ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ فَأَلْحَقَتْهُ بِالْمَعْدُومِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَحْجُوبُ فَإِنَّهُ أَهْلٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ حَاجِبَهُ غَلَبَهُ عَلَى إرْثِهِ لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ فَلَا يَبْطُلُ عَمَلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ سَبَبَ الْحِرْمَانِ بِقَوْلِهِ لَا الْمَحْرُومَ بِالرِّقِّ إلَخْ لِيُبَيِّنَ الْأَسْبَابَ الْمَانِعَةَ مِنْ الْإِرْثِ

فَإِنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ الْإِرْثَ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إلَّا الطَّلَاقَ } وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قِنًّا ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا وَبَيْنَ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ وَهُوَ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ لَهُمْ ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ ، وَهُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ فَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْإِرْثِ ، وَالْقَتْلُ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِرْثَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ أَوْ الْكَفَّارَةُ ، وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ أَوْ بِقِصَاصٍ لَا يُوجِبُ الْحِرْمَانَ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ فَيَتَعَلَّقُ بِمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ ، وَهُوَ الْقِصَاصُ أَوْ الْكَفَّارَةُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعَلِّقُهُ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ حَتَّى لَا يَرِثَ عِنْدَهُ إذَا قَتَلَهُ بِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ كَانَ الْقَرِيبُ قَاضِيًا فَحَكَمَ بِذَلِكَ أَوْ شَاهِدًا فَشَهِدَ بِهِ أَوْ بَاغِيًا فَقَتَلَهُ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ سَيْفًا فَقَتَلَهُ دَفْعًا كُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِرْثَ عِنْدَهُ ، وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ أَوْ أَجَازَ لَهُ قَتْلَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَكَيْفَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَتْلِ سَائِرُ عُقُوبَاتِ الْقَتْلِ ، فَكَذَا الْحِرْمَانُ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الْمِيرَاثِ } هُوَ الْقَتْلُ بِالتَّعَدِّي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِيرَاثٌ } بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ أَيْ قَاتِلٌ هُوَ كَصَاحِبِ

الْبَقَرَةِ ، وَهُوَ كَانَ مُتَعَدِّيًا ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُبَاشَرَةً عَنْ الْقَتْلِ بِالتَّسْبِيبِ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ أَيْضًا يَمْنَعُ الْإِرْثَ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ } وَأَمَّا اخْتِلَافُ مِلَلِ الْكُفَّارِ كَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَعِبَادَةِ الْوَثَنِ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ حَتَّى يَجْرِيَ التَّوَارُثُ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ النَّاسُ كُلُّهُمْ حَيِّزٌ ، وَنَحْنُ حَيِّزٌ } وَاخْتِلَافُ الدَّارِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ ، وَالْمُؤَثِّرُ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا حَتَّى لَا تُعْتَبَرَ الْحَقِيقَةُ بِدُونِهِ حَتَّى لَا يَجْرِيَ الْإِرْثُ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِنَا ، وَلَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ دَارِهِ حُكْمًا ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا حَقِيقَةً ، وَالدَّارُ إنَّمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ وَالْمِلْكِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ ، وَدَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِاخْتِلَافِ مِلْكِهِمْ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَالتَّنَاصُرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، وَالْإِرْثُ يَكُونُ بِالْوِلَايَةِ .( قَوْلُهُ بِمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ مِنْ الرِّقِّ وَالْقَتْلِ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالدَّارِ ا هـ قَوْلُهُ وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِهِ ) حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ أَخِيهِ الذِّمِّيِّ وَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَخٌ وَرِثَهُ أَخُوهُ الْحَرْبِيُّ لَا أَخُوهُ الذِّمِّيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ ) حَتَّى إذَا دَخَلَ ذِمِّيٌّ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَمَاتَ عِنْدَ أَخِيهِ الْحَرْبِيِّ وَرِثَهُ أَخُوهُ الذِّمِّيُّ لَا أَخُوهُ الْحَرْبِيُّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْكَافِرُ يَرِثُ بِالنَّسَبِ وَالسَّبَبِ كَالْمُسْلِمِ ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ مُكَلَّفٌ فَيَمْلِكُ بِالْأَسْبَابِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمِلْكِ كَالْمُسْلِمِ ، وَلِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الْتَحَقَ بِالْمُسْلِمِ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ حُجِبَ أَحَدُهُمَا فَبِالْحَاجِبِ ) أَيْ لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي الْكَافِرِ قَرَابَتَانِ لَوْ تَفَرَّقَتَا فِي شَخْصَيْنِ حَجَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْ يَرِثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَهَذَا الْوَلَدُ ابْنُهَا ، وَابْنُ ابْنِهَا فَيَرِثُ مِنْهَا إذَا مَاتَتْ عَلَى أَنَّهُ ابْنٌ ، وَلَا يَرِثُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ ابْنٍ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُحْجَبُ بِالِابْنِ ، وَلَوْ وَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا مَكَانَ الِابْنِ تَرِثُ الثُّلُثَيْنِ ؛ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ وَالسُّدُسَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ الِابْنِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ، وَتَرِثُ مِنْ أَبِيهَا عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ ، وَلَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ لِأَنَّ الْأُخْتَ تَسْقُطُ بِالْبِنْتِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَه فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا تَرِثُ مِنْ أُمِّهَا النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ ، وَتَرِثُ الْبَاقِيَ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ لِأَنَّهَا أُخْتُهَا مِنْ أَبِيهَا ، وَهِيَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ ، وَإِنْ مَاتَ أَبُوهَا تَرِثُ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ ، وَلَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ بِنْتٍ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِ ذِي سَهْمٍ أَوْ عَصَبَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَرِثُ بِأَثْبَتِ الْقَرَابَتَيْنِ وَآكَدِهِمَا أَيْ بِأَقْوَاهُمَا ، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِيهِ إعْمَالَ السَّبَبِ ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ مَانِعٍ ، وَالْمَانِعُ الْحَاجِبُ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَيَأْخُذُ بِالْجِهَتَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ إذَا اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ ، وَتَرَكَتْ ابْنَ عَمِّهَا ، وَهُوَ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا مِنْ أُمِّهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ ، وَالْعُصُوبَةِ فَكَذَا الْكَافِرُ إذْ هُوَ لَا يُخَالِفُ الْمُسْلِمَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ

كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا بِالْعُصُوبَةِ ، وَلَا يَرِثُ بِالْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ لِأَنَّهُ يَرِثُ بِالْأُخُوَّةِ ، وَهِيَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ بِهَا بَلْ لِلتَّرْجِيحِ فَقَطْ عِنْدَ مُزَاحَمَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ كَالْأَخِ لِأَبٍ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ ) أَيْ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ بِنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمَحَارِمِ لَا يَرِثُ مِنْهَا بِالنِّكَاحِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلِأَنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ لَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ فَكَانَ كَالْفَاسِدِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَرِثُ وَلَدُ الزِّنَا وَاللِّعَانِ بِجِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ ) لِأَنَّ نَسَبَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ مُنْقَطِعٌ فَلَا يَرِثُ بِهِ ، وَمِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ثَابِتٌ فَيَرِثُ بِهِ أُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ مِنْ الْأُمِّ بِالْفَرْضِ لَا غَيْرُ ، وَكَذَا تَرِثُهُ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ مِنْ أُمِّهِ فَرْضًا لَا غَيْرُ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ هُوَ أَوْ يُورَثَ بِالْعُصُوبَةِ إلَّا بِالْوَلَاءِ أَوْ الْوِلَادِ فَيَرِثُهُ مَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْتَقَ أُمَّهُ أَوْ وَلَدَهُ بِالْعُصُوبَةِ ، وَكَذَا هُوَ يَرِثُ مُعْتَقَهُ أَوْ مُعْتَقَ مُعْتَقِهِ أَوْ وَلَدِهِ بِذَلِكَ .قَوْلُهُ فَرْضًا لَا غَيْرُ ) فَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ بِنْتٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ تَوْأَمٍ مِنْ الزِّنَا أَوْ اللِّعَانِ فَالْمَالُ لِلْبِنْتِ وَالْأُمِّ أَرْبَاعًا فَرْضًا وَرَدًّا وَلَا شَيْءَ لِلتَّوْأَمِ لِأَنَّهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَلَا يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ شَيْئًا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَقَفَ لِلْحَمْلِ حَظُّ ابْنٍ ) أَيْ إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ امْرَأَتَهُ حَامِلًا أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ يَرِثُهُ وَلَدُهَا وَقَفَ لِأَجْلِهِ نَصِيبُ ابْنٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعَنْهُ يُوقَفُ نَصِيبُ ابْنَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ وِلَادَةَ الِاثْنَيْنِ مُعْتَادٌ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُ أَرْبَعَةِ بَنِينَ أَوْ أَرْبَعِ بَنَاتٍ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وِلَادَةُ أَرْبَعَةٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَيُتْرَكُ نَصِيبُهُمْ احْتِيَاطًا ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ وِلَادَةَ الْوَاحِدِ هُوَ الْغَالِبُ ، وَالْأَكْثَرُ مِنْهُ مَوْهُومٌ ، وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ ، وَيُؤْخَذُ كَفِيلًا مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ وَلَدٌ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدٌ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ وَقِلَّتِهِمْ ، وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ أَوْلَادًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَوْلَادًا يُتْرَكُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعَدَدِ عَلَى الِاخْتِلَافِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ أَوْلَادًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ أَوْلَادٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْلَادٌ يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ هُوَ غَيْرُ الْوَلَدِ نَصِيبَهُ ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى الْأَوْلَادِ ، وَيُتْرَكُ نَصِيبُ الْحَمْلِ مِنْهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ وَلَدٌ ، وَالْحَمْلُ مِنْ الْمَيِّتِ يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْحَمْلَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَيُّهُمَا أَقَلُّ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ يَرِثُ دُونَ الْآخَرِ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَرِثُ عَلَى تَقْدِيرِ وِلَادَتِهِ حَيًّا ، وَعَلَى تَقْدِيرِ وِلَادَتِهِ مَيِّتًا يَرِثُ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا لِلِاحْتِمَالِ ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ أَكْثَرَ يُعْطَى

الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَرِثُ إنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ فَمَاتَ لَا أَقَلُّهُ ) أَيْ الْحَمْلُ يَرِثُ إنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ ، وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ مَاتَ وَإِنْ خَرَجَ أَقَلُّهُ وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ لَا يَرِثُ لِأَنَّ انْفِصَالَهُ حَيًّا مِنْ الْبَطْنِ شَرْطٌ لِإِرْثِهِ ، وَالْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ ثُمَّ إنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا فَالْمُعْتَبَرُ صَدْرُهُ ، وَإِنْ خَرَجَ مَنْكُوسًا فَالْمُعْتَبَرُ سُرَّتُهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ .( قَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ يَرِثُهُ وَلَدُهَا ) كَأُمِّهِ أَوْ امْرَأَةِ أَخِيهِ أَوْ امْرَأَةِ جَدِّهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيُؤْخَذُ كَفِيلًا ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى إلَّا إذَا عُلِمَ تَرْتِيبُ الْمَوْتَى ) أَيْ إذَا مَاتَ جَمَاعَةٌ فِي الْغَرَقِ أَوْ الِاحْتِرَاقِ ، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ مَاتُوا جَمِيعًا مَعًا فَيَكُونُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوَرَثَتِهِ ، وَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَّا إذَا عُرِفَ تَرْتِيبُ مَوْتِهِمْ فَيَرِثُ الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَزَيْدٍ ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِرْثَ يُبْتَنَى عَلَى الْيَقِينِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ حَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يَرِثُ بِالشَّكِّ ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَّا مَا وَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ حَيَاةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَتْ ثَابِتَةً بِيَقِينٍ ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ ، وَلِأَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ فَيَرِثُ مِنْهُ إلَّا مِمَّا وَرِثَهُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يَرِثَهُ مَالَهُ مِنْ وَارِثِهِ مُحَالٌ قُلْنَا إذَا اسْتَحَالَ فِي حَقِّ الْبَعْضِ اسْتَحَالَ فِي حَقِّ الْكُلِّ إذْ سَبَبُ الْإِرْثَ مُتَّحِدٌ لَا يَقْبَلُ التَّجَزِّي ، وَظَاهِرُ حَيَاتِهِمْ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا مَاتُوا بِانْهِدَامِ الْجِدَارِ عَلَيْهِمْ أَوْ فِي الْمَعْرَكَةِ ، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَذُو رَحِمٍ ) وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْعَصَبَةِ أَيْ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ، وَهُمْ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٌ ، وَذُو رَحِمٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ قَرِيبٌ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ ) أَيْ ذُو الرَّحِمِ هُوَ قَرِيبٌ لَيْسَ بِوَارِثٍ بِفَرْضٍ وَلَا بِعُصُوبَةٍ ، وَهَذَا عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْوَارِثُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ ، وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قَرِيبٌ هُوَ ذُو سَهْمٍ ، وَقَرِيبٌ هُوَ عَصَبَةٌ وَقَرِيبٌ هُوَ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ وَمَضَى الْكَلَامُ فِي الْأَوَّلَيْنِ ، وَبَقِيَ فِي الثَّالِثِ فَنَقُولُ عِنْدَنَا هُمْ يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ غَيْرَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ بَلْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ { أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ هَلَكَ ، وَتَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى حِمَارِهِ فَوَقَفَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَقَالَ اللَّهُمَّ رَجُلٌ هَلَكَ ، وَتَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ ، وَيَفْعَلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ لَا شَيْءَ لَهُمَا } ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ لَا أُرَى يَنْزِلُ عَلَيَّ شَيْءٌ لَا شَيْءَ لَهُمَا وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَجِدُ لَهُمَا شَيْئًا وَإِذَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالرَّأْيِ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالرَّأْيِ ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى

بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } فَتَوَارَثُوا بِالنَّسَبِ } وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا { وَحِينَ مَاتَ ثَابِتُ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ ، وَكَانَ غَرِيبًا آتِيًا لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيْنَ هُوَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ هَلْ تَعْرِفُونَ لَهُ فِيكُمْ نَسَبًا قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ الْمُنْذِرِ ابْنَ أُخْتِهِ فَأَعْطَاهُ مِيرَاثَهُ } ، وَعَنْ أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ { أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا خَالٌ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذِهِ آثَارٌ مُتَّصِلَةٌ قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي عَمٍّ لِأُمٍّ وَخَالَةٍ أَنَّهُ أَعْطَى الْعَمَّ الثُّلُثَيْنِ وَالْخَالَةَ الثُّلُثَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً : لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثُ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ يَرِثُونَهُ جَمِيعًا ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِبَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ وَرِثَ مَالَهُ ، وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَا مَا حُكِيَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ أَفْرَادِ الْوَاقِعَاتِ ، وَمَا رَوَوْهُ مُنْقَطِعٌ ، وَمِنْ مَذْهَبِ الْخَصْمِ أَنْ لَا يَكُونَ حُجَّةً فَكَيْفَ

يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ ثُمَّ هُوَ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَيْضًا عِنْدَنَا حُجَّةٌ فِي دَفْعِ مَوَارِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُ يُعَارِضُ مَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا أَوْ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا شَيْءَ لَهُمَا أَرَادَ بِهِ الْفَرْضَ أَيْ لَا فَرْضَ لَهُمَا مُقَدَّرٌ ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ : لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ رَدًّا لِلتَّوَارُثِ بِالْإِيخَاءِ ، وَهُوَ الْمُوَالَاةُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْعَصَبَةَ وَأَصْحَابَ السِّهَامِ ، وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا غَيْرُهُمْ قُلْنَا الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَهِيَ عَامَّةٌ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهَا عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهُمْ ابْنُ سُرَيْجٍ خَالَفُوهُ ، وَذَهَبُوا إلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ اخْتِيَارُ فُقَهَائِهِمْ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ فِي غَيْرِ الْمَصَارِفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَرِثُ مَعَ ذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ سِوَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا ) أَيْ لَا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ مَعَ وُجُودِ ذِي فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ إلَّا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْفَرْضِ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَيَرِثُونَ مَعَهُ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ أَوْلَى مِنْهُ وَكَذَا الرَّدُّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ أَوْلَى مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَّا الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا قَرَابَةَ لَهُمَا مَعَ الْمَيِّتِ ، وَإِرْثُهُمَا نَظِيرُ الدَّيْنِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا فَضَلَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَكَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا مَا فَضَلَ مِنْ فَرْضِهِمَا ، عَلَى ذَلِكَ كَانَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرُدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ لَا يَرَى الرَّدَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ ، وَمَا فَضَلَ مِنْهُمْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ ) أَيْ تَرْتِيبُ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي الْإِرْثِ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ فُرُوعُ الْمَيِّتِ كَأَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَإِنْ سَفَلُوا ، ثُمَّ أُصُولُهُ كَالْأَجْدَادِ الْفَاسِدِينَ وَالْجَدَّاتِ الْفَاسِدَاتِ وَإِنْ عَلَوْا ثُمَّ فُرُوعُ أَبَوَيْهِ كَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنِي الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَإِنْ نَزَلُوا ، ثُمَّ فُرُوعُ جَدَّيْهِ وَجَدَّتَيْهِ كَالْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ لِأُمٍّ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ، وَإِنْ بَعُدُوا فَصَارُوا أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ الْأُصُولُ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْفُرُوعَ أَقْرَبُ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالتَّرْجِيحُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ ) لِأَنَّ إرْثَهُمْ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ بِكَوْنِ الْأَصْلِ وَارِثًا إذَا اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ فَمَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ أَوْلَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ) لِأَنَّ الْوَارِثَ أَقْوَى قَرَابَةً مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ بِدَلِيلِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَكَانَ مَنْ يُدْلِي بِهِ أَقْوَى ، وَلِلْقُوَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ يُقَدَّمُونَ عَلَى بَنِي الْعَلَّاتِ فِي الْعُصُوبَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعِنْدَ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ ضَعْفُ قَرَابَةِ الْأُمِّ ) أَيْ إذَا كَانَ بَعْضُ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَانَ لِمَنْ هُوَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَبِ الثُّلُثُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَضِيَّةِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِأَنَّ قَرَابَةَ

الْأَبِ أَقْوَى فَيَكُونُ لَهُمْ الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوعِ ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأُصُولِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اتَّفَقَ الْأُصُولُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ ) أَيْ إنْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِهِمْ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَالْمُرَادُ بِالْأُصُولِ الْمُدْلَى بِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا أُصُولًا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُونُوا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا فَالْعَدَدُ مِنْهُمْ ، وَالْوَصْفُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ ) أَيْ إنْ لَمْ تَتَّفِقْ صِفَةُ الْأُصُولِ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ مِنْ الْفُرُوعِ أَيْ الْمُدْلُونَ بِهِمْ وَالصِّفَةُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ فَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى ذَلِكَ الْبَطْنِ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ بِعَدَدِ فُرُوعِهِ حَتَّى يُجْعَلَ الذَّكَرُ الَّذِي فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ ذُكُورًا بِعَدَدِ فُرُوعِهِ ، وَالْأُنْثَى الْوَاحِدَةُ إنَاثًا بِعَدَدِ فُرُوعِهَا ، وَيُعْطَى الْفُرُوعُ مِيرَاثَ الْأُصُولِ ، وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ بُطُونٌ مُخْتَلِفَةٌ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا ثُمَّ يُجْعَلُ الذُّكُورُ طَائِفَةً ، وَالْإِنَاثُ طَائِفَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَمَا أَصَابَ الذُّكُورَ يُجْمَعُ ، وَيُقْسَمُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَكَذَا مَا أَصَابَ الْإِنَاثَ ، وَهَكَذَا يُعْمَلُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُعْتَبَرُ أَبْدَانُ الْفُرُوعِ سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ ، وَلَوْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ جِهَتَانِ أَوْ أَكْثَرَ تُعْتَبَرُ الْجِهَتَانِ أَوْ الْجِهَاتُ فَيَرِثُ بِكُلِّ جِهَةٍ غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْتَبِرُهَا فِي الْفُرُوعِ وَمُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُصُولِ

بِخِلَافِ الْجَدَّةِ حَيْثُ لَا تَرِثُ إلَّا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَذُو الرَّحِمِ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْجَدَّةَ تَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ بِاسْمِ الْجَدَّةِ ، وَالِاسْمُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَهُنَّ ، وَإِرْثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِالْقَرَابَةِ فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصَحُّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ جَمِيعًا ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَوْلُهُ وَكَانَ غَرِيبًا أَتِيًّا ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْأَتِيُّ وَالْأَتَاوِيُّ الْغَرِيبُ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَفِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ ثَابِتِ ابْنِ الدَّحْدَاحَةِ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ أَتِيٌّ فِينَا أَيْ غَرِيبٌ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَأَتَى الرَّجُلُ الْقَوْمَ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَتِيٌّ عَلَى فَعِيلٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّيْلِ يَأْتِي مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ وَلَا يُصِيبُ تِلْكَ الْأَرْضَ أَتِيٌّ أَيْضًا ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّرْجِيحُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ ) كَبِنْتِ الْبِنْتِ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَمَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ أَوْلَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ) كَبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّهَا وَلَدُ وَارِثٍ فَإِنَّهَا وَلَدُ بِنْتِ الِابْنِ وَهِيَ صَاحِبَةُ فَرْضٍ وَابْنُ بِنْتِ الْبِنْتِ وَلَدُ بِنْتِ الْبِنْتِ وَهِيَ ذَاتُ رَحِمٍ ا هـ ضَوْءٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ ) وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) كَمَا إذَا تَرَكَ ابْنَ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ اتِّفَاقًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصِّفَةُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ ) وَهَذِهِ صُورَتُهُ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ بَلْ هُوَ حَاشِيَةٌ أُلْحِقَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ ) قَالَ صَاحِبُ الضَّوْءِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ يَقُولُ إنَّ مَشَايِخَ بُخَارَى أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسَائِلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْحَيْضِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي ا هـ قَوْلُهُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْحَيْضِ أَيْ فِي الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِيهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَفَاصِيلَ مُتَعَدِّدَةٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي ضَبْطُهَا وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْفُرُوضُ نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ وَثُلُثَانِ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ ) أَيْ الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ السِّتَّةُ ، وَهِيَ نَوْعَانِ عَلَى التَّنْصِيفِ إنْ بَدَأَتْ بِالْأَكْثَرِ أَوْ عَلَى التَّضْعِيفِ إنْ بَدَأَتْ بِالْأَقَلِّ فَتَقُولُ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا أَوْ تَقُولُ الثُّمُنُ وَضِعْفُهُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ وَالسُّدُسُ وَضِعْفُهُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَخَارِجُهَا اثْنَانِ لِلنِّصْفِ ، وَأَرْبَعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسِتَّةٌ لِسَمِيِّهَا ، وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بِالِاخْتِلَاطِ ) أَيْ مَخَارِجُ هَذِهِ الْفُرُوضِ الْمَذْكُورَةِ ، وَهِيَ السِّتَّةُ سَبْعَةٌ اثْنَانِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ ، وَأَرَادَ بِالِاخْتِلَاطِ اخْتِلَاطَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوضَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يَجِيءَ كُلُّ فَرْضٍ مِنْهَا مُنْفَرِدًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ فَإِنْ جَاءَ مُنْفَرِدًا فَمَخْرَجُ كُلِّ فَرْضٍ سَمِيُّهُ ، وَهُوَ الْمَخْرَجُ الَّذِي يُشَارِكُهُ فِي الْحُرُوفِ إلَّا النِّصْفَ فَإِنَّهُ مِنْ اثْنَيْنِ ، وَلَيْسَ بِسَمِيٍّ لَهُ ، وَذَلِكَ مِثْلُ الثُّمُنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ وَالثُّلُثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَإِنْ جَاءَ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَخْتَلِطَ كُلُّ نَوْعٍ بِنَوْعِهِ أَوْ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ ، فَإِنْ اخْتَلَطَ كُلُّ نَوْعٍ بِنَوْعِهِ فَمَخْرَجُ الْأَقَلِّ مِنْهُ يَكُونُ مَخْرَجًا لِلْكُلِّ لِأَنَّ مَا كَانَ مَخْرَجًا لِجُزْءٍ يَكُونُ مَخْرَجًا لِضِعْفِهِ ، وَلِضِعْفِ ضِعْفِهِ ، كَالثَّمَانِيَةِ مَخْرَجٌ لِلثُّمُنِ أَوْ السِّتَّةُ مَخْرَجٌ لِلسُّدُسِ وَلِضِعْفِهِ وَلِضِعْفِ ضِعْفِهِ فَإِنْ اخْتَلَطَ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ فَمَخْرَجُهُمَا مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يَجْمَعُهُمَا ، وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ ذَلِكَ اُنْظُرْ مَخْرَجَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرْضَيْنِ ، عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ اُنْظُرْ هَلْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَجَمِيعُ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ فَالْمَبْلَغُ مَخْرَجُ الْفَرْضَيْنِ ثُمَّ إذَا اخْتَلَطَ النِّصْفُ مِنْ الْأَوَّلِ بِكُلِّ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَهُوَ مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ بَيْنَ مَخْرَجِ النِّصْفِ ، وَالسُّدُسِ مُوَافَقَةً بِالنِّصْفِ فَإِذَا ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ بَلَغَ سِتَّةً ، وَإِنْ اخْتَلَطَ بِالثُّلُثِ أَوْ

الثُّلُثَيْنِ فَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَبْلُغُ سِتَّةً ، وَإِذَا اخْتَلَطَ الرُّبُعُ مِنْ الْأَوَّلِ بِكُلِّ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَهُوَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّ مَخْرَجَ الرُّبُعِ ، وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ يُوَافِقُ مَخْرَجَ السُّدُسِ ، وَهُوَ السِّتَّةُ بِالنِّصْفِ فَإِذَا ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ بَلَغَ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَمِنْهُ يَخْرُجُ الْجُزْءَانِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ بِهِ الثُّلُثَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ فَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ يَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ بِالثَّانِي هُوَ الثُّمُنُ فَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ بِهِ السُّدُسَ فَبَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ بِهِ الثُّلُثَيْنِ فَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَهُمَا فَاضْرِبْ بِثَلَاثَةٍ فِي ثَمَانِيَةٍ تَبْلُغْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ فَمِنْهُ يَخْرُجُ الْجُزْءَانِ فَصَارَتْ جُمْلَةُ الْمَخَارِجِ سَبْعَةً ، وَلَا يَجْتَمِعُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ فُرُوضٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَا يَجْتَمِعُ مِنْ أَصْحَابِهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ طَوَائِفَ ، وَلَا يَنْكَسِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ طَوَائِفَ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَعُولُ بِزِيَادَةٍ ) أَيْ تَعُولُ هَذِهِ الْمَخَارِجُ بِزِيَادَةٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَخْرَجِ إذَا اجْتَمَعَ فِي مَخْرَجِ فُرُوضٍ كَثِيرَةٍ بِحَيْثُ لَا تَكْفِي أَجْزَاءُ الْمَخْرَجِ لِذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى الْعَوْلِ بِزِيَادَةٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَخْرَجِ فَتَرْتَفِعُ الْمَسْأَلَةُ ، وَالْعَوْلُ الِارْتِفَاعُ ، وَمِنْهُ عَالَ الْمِيزَانُ إذَا ارْتَفَعَ فَسُمِّيَ عَوْلًا لِارْتِفَاعِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَيْلِ عَنْ الْفَرْضِ الْمُقَدَّرِ ، وَالْعَوْلُ الْمَيْلُ وَالْجَوْرُ يُقَالُ عَالَ الْحَاكِمُ فِي حُكْمِهِ إذَا مَالَ وَجَارَ ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَعُولُوا } وَالْمُرَادُ بِالْعَوْلِ عَوْلُ بَعْضِهَا لِأَنَّ كُلَّهَا لَا يَعُولُ ، وَإِنَّمَا يَعُولُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا السِّتَّةُ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَالْأَرْبَعَةُ الْأُخَرُ لَا تَعُولُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَسِتَّةٌ تَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ وِتْرًا وَشَفْعًا ) يُرِيدُ بِالْوِتْرِ السَّبْعَةَ وَالتِّسْعَةَ ، وَبِالشَّفْعِ الثَّمَانِيَةَ وَالْعَشَرَةَ فَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى سَبْعَةٍ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ زَوْجٌ وَجَدَّةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى ثَمَانِيَةٍ زَوْجٌ وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ أَوْ زَوْجٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ ، وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى تِسْعَةٍ زَوْجٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَأُمٌّ أَوْ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ ، وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى عَشَرَةٍ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ وَأُمٌّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَاثْنَا عَشَرَ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وِتْرًا ) أَيْ اثْنَا عَشَرَ تَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وِتْرًا لَا شَفْعًا ، وَالْمُرَادُ بِالْوِتْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ فَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى

ثَلَاثَةَ عَشَرَ زَوْجٌ ، وَبِنْتَانِ ، وَأُمٌّ أَوْ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ ، وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ زَوْجٌ وَبِنْتَانِ وَأَبَوَانِ أَوْ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِي أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَجَدَّتَانِ وَثَلَاثُ زَوْجَاتٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ ) أَيْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَمَا فِيهَا إلَّا عَوْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْمِنْبَرِيَّةُ وَتُسَمَّى التِّسْعِيَّةَ ، وَهِيَ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَبِنْتَانِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سُئِلَ عَنْهَا ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ عَادَ ثَمَنُهَا تُسْعًا مُرْتَجِلًا ، وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ ، وَلَا تَعُولُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهَا تَعُولُ عِنْدَهُ إلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ فِيمَا إذَا تَرَكَ امْرَأَةً وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَابْنًا كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ قَاتِلًا لَهُ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمَحْرُومَ يَحْجُبُ حَجْبَ نُقْصَانٍ دُونَ الْحِرْمَانِ فَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ عِنْدَهُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ .قَوْلُهُ أَوْ زَوْجٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَخْ ) وَانْظُرْ إلَى لُطْفِ هَذَا التَّمْثِيلِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَالَتْ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وَعَدَدُ رُءُوسِ الْوَرَثَةِ أَيْضًا سَبْعَةَ عَشَرَ ا هـ .

فَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ ذَلِكَ جِئْنَا إلَى التَّصْحِيحِ فَلَا بُدَّ لِلتَّصْحِيحِ مِنْ مَعْرِفَةِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ فِي التَّصْحِيحِ فَنَقُولُ إنْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِثْلًا لِلْآخَرِ فَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ فَيُكْتَفَى بِضَرْبِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلًا لَهُ فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ جُزْءًا لِلْأَكْثَرِ فَهِيَ الْمُدَاخَلَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا لَهُ فَإِنْ تَوَافَقَا فِي جُزْءٍ فَهِيَ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقَا فِي جُزْءٍ فَهِيَ الْمُبَايَنَةُ وَلَا يَخْلُو عَدَدَانْ اجْتَمَعَا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا أَوْ لَا ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ جُزْءًا لِلْأَكْثَرِ أَوْ ، لَا فَإِنْ كَانَ جُزْءًا لَهُ فَهِيَ الْمُدَاخَلَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا لَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا فِي جُزْءٍ أَوْ لَا فَإِنْ اتَّفَقَا فِيهِ فَهِيَ الْمُوَافَقَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا فِيهِ فَهِيَ الْمُبَايَنَةُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا جَارِيَةٌ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسِ ، وَكَذَا بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالسِّهَامِ إلَّا الْمُدَاخَلَةَ فَإِنَّ الْعَمَلَ فِيهَا كَالْمُوَافَقَةِ إذَا كَانَتْ الرُّءُوسُ أَكْثَرَ ، وَكَالْمُمَاثَلَةِ إذَا كَانَتْ السِّهَامُ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ كَمَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ الْمُمَاثَلَةُ وَفَائِدَةُ التَّصْحِيحِ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يُمْكِنُ عَلَى وَجْهٍ يُسْلَمُ الْحَاصِلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْرِ ، وَلِهَذَا سُمِّيَ تَصْحِيحًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ انْكَسَرَ خَطُّ فَرِيقٍ ضُرِبَ وَفْقُ الْعَدَدِ فِي الْفَرِيضَةِ إنْ وَافَقَ ) أَيْ إذَا انْكَسَرَ نَصِيبُ طَائِفَةٍ مِنْ الْوَرَثَةِ يُنْظَرُ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَسِهَامِهِمْ ،

فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ ضُرِبَ وَفْقُ عَدَدِهِمْ فِي الْفَرِيضَةِ ، وَهِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ، وَعَوْلُهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَالْمَبْلَغُ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَةِ كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَعِشْرِينَ أُخْتًا لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ فَلِلْجَدَّةِ سَهْمٌ ، وَكَذَا لِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَتَوَافَقَ رُءُوسُهُنَّ بِالرُّبُعِ فَاضْرِبْ رُبُعَ رُءُوسِهِنَّ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ سِتَّةٌ تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِلَّا فَالْعَدَدُ فِي الْفَرِيضَةِ فَالْمَبْلَغُ مَخْرَجُهُ ) أَيْ إنْ لَمْ تُوَافِقْ الرُّءُوسُ السِّهَامَ فَاضْرِبْ عَدَدَ الرُّءُوسِ فِي الْفَرِيضَةِ ، وَهِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ، وَعَوْلُهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَمَا بَلَغَ مِنْ الضَّرْبِ فَهُوَ التَّصْحِيحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ فِي الْمُبَايَنَةِ وَالْمُوَافَقَةِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثَالَ الْمُوَافَقَةِ ، وَمِثَالُ الْمُبَايَنَةِ زَوْجٌ ، وَسَبْعُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ فَلَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَلَا تَوَافُقَ فَاضْرِبْ رُءُوسَهُنَّ فِي الْفَرِيضَةِ تَبْلُغُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَعَدَّدَ الْكَسْرُ ، وَتَمَاثَلَ ضُرِبَ وَاحِدٌ ) أَيْ إذَا انْكَسَرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَتَمَاثَلَ أَعْدَادُ رُءُوسِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ يُضْرَبُ فَرِيقٌ وَاحِدٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَمَا بَلَغَ مِنْ الضَّرْبِ فَهُوَ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَةِ مِثَالُهُ سِتُّ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَلَاثُ جَدَّاتٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَتَوَافَقَ بِالنِّصْفِ فَرُدَّ رُءُوسُهُنَّ إلَى النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافِقُ .

وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَلَا يُوَافِقُ فَاجْتَمَعَ مَعَك ثَلَاثَةُ أَعْدَادٍ مُتَمَاثِلَةٍ فَاضْرِبْ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْفَرِيضَةِ تَبْلُغُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الْأَعْدَادِ مُتَمَاثِلَةً دُونَ الْبَعْضِ ضَرَبْتَ رُءُوسَ فَرِيقٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَمَاثِلِينَ فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْفَرِيقِ الْمُبَايِنِ لَهُمْ أَوْ فِي وَفْقِهِ إنْ وَافَقَ فَمَا بَلَغَ ضَرَبْته فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ مِثَالُهُ لَوْ كَانَ عَدَدُ الْأَخَوَاتِ خَمْسًا مَثَلًا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ضُرِبَتْ ثَلَاثَةٌ فِي خَمْسَةٍ تَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اضْرِبْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي الْفَرِيضَةِ ، وَهِيَ سَبْعَةٌ تَبْلُغُ مِائَةً ، وَخَمْسَةً فَمِنْهَا تَصِحُّ ، وَلَوْ تَرَكَ تِسْعَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ ، وَتِسْعَ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ ، وَخَمْسَ عَشَرَةَ جَدَّةً ضُرِبَتْ التِّسْعَةُ فِي خَمْسَةٍ فَمَا بَلَغَ فِي الْفَرِيضَةِ فَمِنْهَا تَصِحُّ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمُبَايِنُ أَكْثَرَ مِنْ طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ تَضْرِبُ مَا بَلَغَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فِيهِ أَوْ فِي وَفْقِهِ ثُمَّ مَا بَلَغَ فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِثَالُهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ ، وَخَمْسُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ ، وَثَلَاثُ جَدَّاتٍ ، وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ ، وَلَا تَنْقَسِمُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا تَوَافُقَ فَعَدَدُ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ يُمَاثِلُ الْجَدَّاتِ فَيُسْتَغْنَى بِأَحَدِهِمَا فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَر ثُمَّ فِي خَمْسَةٍ تَبْلُغُ سِتِّينَ ثُمَّ تَضْرِبُ السِّتِّينَ فِي الْفَرِيضَةِ ، وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ أَلْفًا وَعِشْرِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَوَافَقَ فَالْوَفْقُ ، وَإِلَّا فَالْعَدَدُ فِي الْعَدَدِ ثُمَّ وَثُمَّ ثُمَّ الْمَبْلَغُ فِي الْفَرِيضَةِ وَعَوْلِهَا ) أَيْ إذَا تَوَافَقَ بَيْنَ أَعْدَادِ الرُّءُوسِ فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ، وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ

فَاضْرِبْ جَمِيعَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ثُمَّ اضْرِبْ مَا بَلَغَ فِي وَفْقِ الثَّالِثِ إنْ وَافَقَ الْمَبْلَغَ الثَّالِثَ ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ فَاضْرِبْ كُلَّهُ فِيهِ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ وَلَوْ كَانَ فَرِيقٌ رَابِعٌ ضَرَبْتَ فِيهِ مَا بَلَغَ مِنْ ضُرِبَ الرُّءُوسُ فِي الرُّءُوسِ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ ، وَإِنْ وَافَقَهُ فَفِي الْوَفْقِ ثُمَّ مَا بَلَغَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ مِنْهُ تَصِحُّ فَمِثَالُ الْمُوَافَقَةِ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ ، وَثَمَانِي عَشْرَةَ أُخْتًا لِأُمٍّ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ جَدَّةً ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ أُخْتًا لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَلِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَلَا تُوَافِقُ ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَتَوَافَقَ بِالنِّصْفِ فَرُدَّ رُءُوسُهُنَّ إلَى النِّصْفِ تِسْعَةٌ ، وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمَانِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَيُوَافِقُ بِالنِّصْفِ فَرُدَّ رُءُوسُهُنَّ إلَى النِّصْفِ سِتَّةٌ ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَلَا تُوَافِقُ فَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالسِّتَّةِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَاضْرِبْ ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَبْلُغُ ثَلَاثِينَ ثُمَّ بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَالتِّسْعَةِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَاضْرِبْ ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَبْلُغُ تِسْعِينَ ثُمَّ بَيْنَ التِّسْعِينَ وَالْأَرْبَعَةِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَبْلُغُ مِائَةً وَثَمَانِينَ ثُمَّ اضْرِبْ الْمِائَةَ وَالثَّمَانِينَ فِي الْفَرِيضَةِ ، وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَسِتِّينَ ، وَمِنْهَا تَصِحُّ ، وَمِثَالُ الْمُبَايَنَةِ خَمْسُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ ، وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَسَبْعُ جَدَّاتٍ وَأَرْبَعُ زَوْجَاتٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَلِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَلَا تُوَافِقَ ، وَلِلْأَخَوَاتِ

لِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقَ ، وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمَانِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافِقُ وَلِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقَ فَالْخَمْسَةُ لَا تُوَافِقُ الثَّلَاثَةَ فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ لَا تُوَافِقُ الْأَرْبَعَةَ فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ سِتِّينَ ، وَالسِّتُّونَ لَا تُوَافِقُ السَّبْعَةَ فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ اضْرِبْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فِي الْفَرِيضَةِ ، وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ سَبْعَةَ آلَافٍ وَمِائَةً وَأَرْبَعِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ ثُمَّ إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ نَصِيبَ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى حِدَةٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فَاضْرِبْ رُءُوسَ كُلِّ فَرِيقٍ فِيمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي عَدَدِ رُءُوسِ فَرِيقٍ مُخَالِفٍ لَهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْهُ فِي الْوَفْقِ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي رُءُوسِ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ أَوْ فِي وَفْقِهِ ، وَهَكَذَا تَفْعَلُ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الرُّءُوسُ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ ذَلِكَ الْفَرِيقِ ، وَإِنْ شِئْت ضَرَبْت مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مَبْلَغِ الرُّءُوسِ فَالْمَبْلَغُ مِنْ الضَّرْبِ نَصِيبُهُمْ ، وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْفَرِيقِ ضَرَبْت رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ ضَرَبْته فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْمُخَالِفِ لَهُمْ إنْ كَانَ بَيْنَ رُءُوسِهِمَا مُبَايَنَةٌ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْهُ فِي وَفْقِهِ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ أَوْ فِي وَفْقِهِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي الرَّابِعِ أَوْ فِي وَفْقِهِ كَذَلِكَ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ وَإِنْ شِئْت قَسَمْت مَبْلَغَ الرُّءُوسِ عَلَى رُءُوسِ كُلِّ

فَرِيقٍ فَمَا أَصَابَ الْوَاحِدَ ضَرَبْته فِيمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ وَإِنْ شِئْت عَكَسْت بِأَنْ تَقْسِمَ مَا كَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَمَا أَصَابَ الْوَاحِدَ ضَرَبْته فِي مَبْلَغِ الرُّءُوسِ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ ، وَإِنْ شِئْت نَسَبْت سِهَامَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَمَا وَجَدْت نِسْبَتَهُ أَخَذْت بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ مَبْلَغِ الرُّءُوسِ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ .

( قَوْلُهُ تَبْلُغُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ) لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهَا لِكُلٍّ أَرْبَعَةٌ وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ تَبْلُغُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ ) لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهَا لِكُلِّ سَهْمَانِ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ سُبْعَاهَا لِكُلٍّ سَهْمَانِ وَلِلْجَدَّاتِ سُبْعُهَا لِكُلٍّ سَهْمٌ ا هـ ( قَوْلُهُ تَبْلُغ مِائَةً وَخَمْسَةً إلَخْ ) لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِكُلٍّ اثْنَا عَشَرَ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ لِكُلٍّ عَشَرَةٌ وَلِلْجَدَّاتِ خَمْسَةَ عَشَرَ لِكُلٍّ ا هـ ( قَوْلُهُ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ إلَخْ ) لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهَا لِكُلٍّ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ سُبْعَاهَا لِكُلٍّ وَلِلْجَدَّاتِ سُبْعُهَا لِكُلٍّ ا هـ قَوْلُهُ تَبْلُغُ أَلْفًا وَعِشْرِينَ إلَخْ ) كَانَ لِلزَّوْجَاتِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَضْرِبُهَا فِي يَحْصُلُ لِكُلٍّ وَكَانَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَضْرِبُهَا فِي يَحْصُلُ لِكُلٍّ وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَضْرِبُهَا فِي يَحْصُلُ لِكُلٍّ وَكَانَ لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَضْرِبُهَا فِي يَحْصُلُ لِكُلٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ تَدَاخَلَ فَالْأَكْثَرُ ) لَمْ يَكُنْ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ لَهُ شَرْحًا وَلَا مِثَالًا فَلَعَلَّهُ سَهَا عَنْهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا فَضَلَ يُرَدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ بِقَدْرِ فُرُوضِهِمْ إلَّا عَلَى الزَّوْجَيْنِ ) أَيْ يُرَدُّ مَا فَضَلَ مِنْ فَرْضِ ذَوِي الْفُرُوضِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ عَصَبَةٌ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ إلَّا عَلَى الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَوْ دَخَلَهَا نَقْصٌ بِالْعَوْلِ عَالَتْ عَلَى الْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ مِنْ الزِّيَادَةِ لِلْكُلِّ لِيَكُونَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ ، وَالْغُنْمُ بِالْغُرْمِ وَجْهٌ مَنْ مَنَعَ الرَّدّ مُطْلَقًا أَنَّ النَّصَّ قَدَّرَ فَرْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالرَّأْيِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا ، وَلَنَا قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } وَهُوَ ا الْمِيرَاثُ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَّا فِيمَا ثَبَتَ لَهُمَا بِالنَّصِّ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي هَذَا الِاسْمِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ قُدِّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُقَدَّمُونَ فِي الْإِرْثِ فَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ ، وَمِنْ حَيْثُ السُّنَّةُ مَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ يَعُودُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَتِي } الْحَدِيثَ ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصْرَ الْمِيرَاثِ عَلَى ابْنَتِهِ ، وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقِرَّهُ عَلَى الْخَطَإِ

لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ ، وَكَذَا رُوِيَ { أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ فَمَاتَتْ أُمِّي ، وَبَقِيَتْ الْجَارِيَةُ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ ، وَرَجَعَتْ إلَيْك فِي الْمِيرَاثِ } فَجَعَلَ الْجَارِيَةَ رَاجِعَةً إلَيْهَا بِحُكْمِ الْمِيرَاثِ ، وَهَذَا هُوَ الرَّدُّ ، وَلِأَنَّ أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ سَاوَوْا النَّاسَ كُلَّهُمْ ، وَتَرَجَّحُوا بِالْقَرَابَةِ فَيَتَرَجَّحُونَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَى بِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ ، وَلَا عَلَى أُخْتٍ لِأَبٍ مَعَ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ ، وَلَا عَلَى إخْوَةٍ مِنْ أُمٍّ مَعَ الْأُمِّ وَلَا عَلَى جَدَّةٍ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ وَارِثٌ غَيْرَهَا ، وَبِهِ أَخَذَ عَلْقَمَةُ لِأَنَّ الْفَاضِلَ مِنْ الْفَرْضِ مَأْخُوذٌ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَة فَيُقَدَّمُ فِيهِ الْأَقْرَبُ ، فَالْأَقْرَبُ وَمِيرَاثُ الْجَدَّةِ السُّدُسُ كَانَ طُعْمَةً فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّةَ وَارِثٌ غَيْرَهَا فَتَكُونَ هِيَ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِبِ قُلْنَا هَذَا الرُّجْحَانُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا ، وَلِهَذَا لَمْ يُحْجَبْ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ ، وَدَخَلَ النَّقْصُ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ النَّقْصِ بِالْعَوْلِ غَيْرَ أَنَّهُ أَثَّرَ فِي تَفْضِيلِ النَّصِيبِ عِنْدِ الِاجْتِمَاعِ فَيُفَضَّلُ فِي الْفَاضِلِ أَيْضًا ، وَإِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ بِالْعَوْلِ مِمَّا يُوَافِقُ الدَّلِيلَ النَّافِيَ لِإِرْثِهِمَا لِأَنَّ إرْثَهُمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَأَخْذُ الزِّيَادَةِ مِمَّا يُخَالِفُ النَّافِيَ لِإِرْثِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ ، وَتَقْدِيرُ النَّصِيبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقَارِبِ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الزِّيَادَةِ ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا أَصْلًا لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ ، فَأَثْبَتْنَاهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ عَلَى مَا

ذَكَرْنَاهُ ، وَلِأَنَّ النُّصُوصَ الْمَذْكُورَةَ فِي تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تُثْبِتُهُ فَرْضًا ، وَالْأَخْذُ بِطَرِيقِ الرَّدِّ لَيْسَ بِفَرْضٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَة فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْعَصَبَاتِ حَيْثُ يَأْخُذُ الْفَرْضَ بِالنَّصِّ ثُمَّ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِدَلِيلٍ آخَرَ ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلَيْنِ ، وَلَمْ نُثْبِتْهُ بِالرَّأْيِ بَلْ بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا ثُمَّ مَسَائِلُ الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يَكُونُوا جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَ وُجُودِهِ فَلَا تَخْرُجُ مَسَائِلُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ كَانَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَاحِدًا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ رُءُوسِهِمْ كَبِنْتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ صَارَا كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ فَيُجْعَلُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَكَذَا الْجَدَّتَانِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَالْمُرَادُ بِالْأُخْتَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبَوَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا فَمِنْ سِهَامِهِمْ فَمِنْ اثْنَيْنِ لَوْ سُدُسَانِ ، وَثَلَاثَةٍ لَوْ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ وَأَرْبَعَةٍ لَوْ نِصْفٌ وَسُدُسٌ وَخَمْسَةٍ لَوْ ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ أَوْ نِصْفٌ وَسُدُسَانِ أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَاحِدًا بِأَنْ كَانَ جِنْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً تُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِهَامِهِمْ فَتُجْعَلُ مِنْ اثْنَيْنِ لَوْ اجْتَمَعَ سُدُسَانِ كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَمِنْ ثَلَاثَةٍ إذَا اجْتَمَعَ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَجَدَّةٍ أَوْ أُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ أَوْ أُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ إذَا اجْتَمَعَ نِصْفٌ وَسُدُسٌ كَبِنْتٍ وَبَنَاتِ ابْنٍ ، أَوْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخَوَاتٍ لِأَبٍ ، أَوْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ مَعَ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ مِنْ الْإِنَاثِ وَمِنْ خَمْسَةٍ إذَا اجْتَمَعَ ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ كَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ مَعَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْإِنَاثِ أَوْ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ أَوْ نِصْفٌ وَسُدُسَانِ كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ ثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ أُمٍّ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ كَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي بَابِ الرَّدِّ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ طَوَائِفَ فَإِذَا جَعَلْت الْمَسْأَلَةَ مِنْ سِهَامِهِمْ تَحَقَّقَ رَدُّ الْفَاضِلِ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ ، وَهَذَانِ النَّوْعَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا ،

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62