كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ فِي مَقْتَلِهِ أَوْ أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَيَشْتَرِي بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا ، أَوْ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَالْفِطْرِ ، أَوْ صَامَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا ) أَيْ الْجَزَاءُ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِأَنْ يُقَوِّمَهُ عَدْلَانِ فِي مَوْضِعٍ قُتِلَ فِيهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ إنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ ابْتَاعَ بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا أَوْ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا ، وَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَمَا قُلْنَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ : يَجِبُ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ ، وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ ، وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ ، وَزَادَ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ فِي الْحَمَامَةِ شَاةً ، وَزَعَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُشَابَهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعُبُّ وَيَهْدُرُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : تَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ وَكَذَا قَوْلُهُمَا فِيمَا لَا نَظِيرَ لَهُ كَالْعُصْفُورِ يَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَهُمَا كَانَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ كَجَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ أَنَّهُ يَصُومُ أَوْ يَتَصَدَّقُ وَلَا يَذْبَحُ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ النَّظِيرِ لِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ نِعْمَةً تَقْدِيرُهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ مِنْ النَّعَمِ مِثْلُ الْمَقْتُولِ فَمَنْ قَالَ : إنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ النَّعَمِ ، وَلَا مِنْ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِثْلِ

مَا يُمَاثِلُ الشَّيْءَ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَهُنَا مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّ النَّظِيرَ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَالْقِيمَةُ مِثْلٌ مَعْنًى لَا صُورَةً فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ ؛ وَلِهَذَا أَوْجَبَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ النَّظِيرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ ، وَالْمِثْلُ الْمُطْلَقُ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى وَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ يُعْتَبَرُ الْمِثْلُ مَعْنًى ، وَأَمَّا الْمِثْلُ صُورَةً بِلَا مَعْنًى فَلَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا مِثَالُهُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ؛ لِأَنَّهُ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ مَعْنًى وَيَقُومُ مَقَامَهُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِثْلُهُ صُورَةً فِي الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ دَابَّةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَابَّةٌ مِثْلُهَا مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي فِيهَا فَمَا ظَنُّك مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ ؛ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْبَقَرَةُ مِثْلًا لِلْبَقَرَةِ فَكَيْفَ تَكُونُ مِثْلًا لِحِمَارِ الْوَحْشِ ، وَكَيْفَ تَكُونُ الشَّاةُ مِثْلًا لِلظَّبْيِ ، وَهِيَ لَا تَكُونُ مِثْلًا لِلشَّاةِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ ، وَفَسَادُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ، وَهُنَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمِثْلِ مَعْنًى ، وَهُوَ الْقِيمَةُ لِكَوْنِهِ مَعْهُودًا فِي الشَّرْعِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا نَظِيرَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَكُونُ النَّظِيرُ مُرَادًا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } عَامٌّ لِجَمِيعِ الصَّيْدِ ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } عَائِدٌ إلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ فِي قَوْله تَعَالَى { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ }

مِثْلًا لِلْكُلِّ ، وَلَيْسَ لَنَا مِثْلٌ يَعُمُّ الْكُلَّ إلَّا الْقِيمَةَ ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ الْقِيمَةُ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ لَوْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْمَنْظَرُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْعَدْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَكَمُوا بِالْمِثْلِ وَهُوَ النَّظِيرُ عَلَى زَعْمِهِمْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْكِيمٍ جَدِيدٍ فِي كُلِّ مَقْتُولٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِحُكْمِهِمْ ، وَالْمُرَادُ بِالنَّعَمِ فِي النَّصِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْمَقْتُولُ ، وَهُوَ الصَّيْدُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ النَّعَمِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَحْشِ هَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فَجَزَاءُ قِيمَةِ مَا قُتِلَ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِ ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ التَّقْدِيرُ دُونَ إيجَابِ الْعَيْنِ ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ يُفَكُّ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِالْجَارِيَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ تَقْدِيرُهُمْ لَازِمًا فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ بِقَوْلِهِمْ وَرَأْيِهِمْ ثُمَّ إذَا ظَهَرَتْ قِيمَتُهُ بِتَقْوِيمِهِمَا خُيِّرَ الْقَاتِلُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ : الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ عَلَى مَا مَرَّ ، وَإِنْ حَكَمَا بِالطَّعَامِ أَوْ الصَّوْمِ فَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْحَكَمَيْنِ لِإِظْهَارِ قِيمَةِ الصَّيْدِ وَبَعْدَ مَا ظَهَرَتْ قِيمَتُهُ يَكُونُ الْخِيَارُ إلَى الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْفِدْيَةِ وَلِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } أَثْبَتَ لَهُمَا الْحُكْمَ فِي الْهَدْيِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ

بِكَلِمَةِ أَوْ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِمَا ضَرُورَةً قُلْنَا قَوْله تَعَالَى { أَوْ كَفَّارَةٌ } مَعْطُوفٌ عَلَى فَجَزَاءٌ وَكَذَا قَوْلُهُ { أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِهِمَا ، وَإِنَّمَا كَانَ يَدْخُلُ أَنْ لَوْ كَانَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ يَحْكُمُ ، وَهَذَا مَرْفُوعٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَيْهِمَا فِي مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ لَا غَيْرُ وَيُقَوِّمَانِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ فِي زَمَانِ الْقَتْلِ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمِنَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ لَا يُبَاعُ فِيهَا الصَّيْدُ يُعْتَبَرُ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ مِنْهُ مِمَّا يُبَاعُ فِيهِ ، وَالْوَاحِدُ يَكْفِي فِي التَّقْوِيمِ وَالْمَثْنَى أَحْوَطُ ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ الْمَثْنَى لِظَاهِرِ النَّصِّ ، فَإِنْ اخْتَارَ التَّكْفِيرَ فَعَلَيْهِ الذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّقْلِ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هُوَ يَقِيسُهُ عَلَى الْهَدْيِ ، وَالْجَامِعُ التَّوْسِعَةُ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ ، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا وَيَجُوزُ الصَّوْمُ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ عِبَادَةَ قَهْرِ النَّفْسِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ ، وَإِنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ عَنْ الطَّعَامِ يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ ، وَفِيهِ وَفَاءٌ ، وَأَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ مِنْ اللَّحْمِ مَا يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ حَيْثُ يَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْإِرَاقَةِ حَتَّى إذَا تَلِفَ أَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَفِيمَا إذَا ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ تُعْتَبَرُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا

وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالتَّصَدُّقِ لَا غَيْرُ ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْهَدْيِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } كَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ صِغَارَ النَّعَمِ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا جَفْرَةً وَعَنَاقًا قُلْنَا : يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِطْعَامِ كَالْمَذْبُوحِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ، وَهُوَ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ ، وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الْإِطْعَامِ اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ طَعَامًا وَأَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ ، وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ أَكْثَرَ تَبَرُّعًا حَتَّى لَا تُحْسَبَ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقِيمَةِ كَيْ لَا يُنْتَقَصَ أَعْدَادُ الْمَسَاكِينِ ، وَإِنْ اخْتَارَ الصَّوْمَ يُقَوَّمُ الْمَقْتُولُ طَعَامًا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يُقَوَّمُ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ عِنْدَهُمَا ثُمَّ يَصُومُ مَكَانَ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّوْمِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِالْمَقْتُولِ فَقُدِّرَ بِالطَّعَامِ وَقَدْ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ إقَامَةُ طَعَامِ مِسْكِينٍ مَقَامَ صَوْمِ يَوْمٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ يَوْمًا ) أَيْ لَوْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا ، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ ؛ لِأَنَّ صَوْمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَكَذَا إنْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ بِأَنْ كَانَ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لِمَا قُلْنَا ، وَقَوْلُهُ : وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ دَلِيلٌ

عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ الصَّوْمَ أَصْلٌ كَالْإِطْعَامِ حَتَّى يَجُوزَ الصَّوْمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، وَإِكْمَالُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ، وَأَمَّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ الصَّوْمُ يَدُلُّ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ لِلتَّنَافِي ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إتْمَامُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ، وَإِنْ اخْتَارَ الْهَدْيَ وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَبْلُغُ هَدْيًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الْفَضْلِ إنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ يَوْمًا ، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَأَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ ، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ وَصَامَ عَنْ الْبَعْضِ لِمَا قُلْنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَ قِيمَتُهُ هَدْيَيْنِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ذَبَحَهُمَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِمَا أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَوْ ذَبَحَ أَحَدَهُمَا وَأَدَّى بِالْآخَرِ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ : يُنْتَقَضُ هَذَا بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْآخَرِ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ ، قُلْنَا : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّقْدِيرَ مُتَّحِدٌ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ ، وَهُوَ قِيمَتُهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ ، وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ أَحَدِهِمَا مُخَالِفٌ قَدْرَ الْآخَرِ فَلَا يَكُونَانِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ، وَلَكِنْ إذَا كَسَا خَمْسَةً وَأَطْعَمَ خَمْسَةً يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ إنْ كَانَ الطَّعَامُ أَرْخَصَ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْطَى قِيمَةَ الطَّعَامِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِسْوَةُ أَرْخَصَ يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ،

وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَلَا يَجُوزُ دُونَهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الصَّيْدِ( قَوْلُهُ : يَعُبُّ وَيَهْدُرُ ) عَبَّ مِنْ بَابِ طَلَبَ أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ الْجَرْعَ ، وَالْحَمَامُ يَشْرَبُ هَكَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الطُّيُورِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ شَيْئًا فَشَيْئًا ، وَهَدَرَ الْبَعِيرُ وَالْحَمَامُ إذَا صَوَّتَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ انْتَهَى أ ك ( قَوْلُهُ وَكَذَا قَوْلُهُمَا ) أَيْ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ ا هـ قَوْلُهُ : فَلَا يَكُونُ النَّظِيرُ مُرَادًا ) أَيْ إذْ لَا عُمُومَ لِلْمُشْتَرِكِ ا هـ مَدَارِكُ قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي الْهَدْيِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ ) أَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - : لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ لَكِنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ فَأَطْلَقَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُرَاعَاةً لِمَعْنَاهُ لَكِنْ عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ : وَقَوْلُهُ : إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِدُونِ الْوَاوِ ؛ إذْ لَا وَجْهَ لِلْإِتْيَانِ بِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ جَرَحَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوَهُ أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ ) اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ ، وَهَذَا إذَا بَرَأَ ، وَبَقِيَ أَثَرُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ لِلْأَلَمِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ فَنَبَتَ لَهُ سِنٌّ ، أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ جُرْحِ الْآدَمِيِّ إذَا انْدَمَلَ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِزَوَالِ الشَّيْنِ ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا جَرَحَهُ ضَمِنَ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْرَأْ ، وَلَوْ غَابَ الصَّيْدُ ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ مَاتَ أَوْ بَرَأَ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِالْجُرْحِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ ، وَلَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ ، وَهَذَا قِيَاسٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ احْتِيَاطًا لِمَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَنْ أَخَذَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَأَرْسَلَهُ ، وَلَمْ يَعْلَمْ دُخُولَهُ الْحَرَمَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ ) مَعْنَاهُ لَوْ خَرَجَ الصَّيْدُ الْمَمْلُوكُ ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ بِالْخُرُوجِ بِأَنْ انْفَلَتَ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النُّقْصَانُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِنَتْفِ رِيشِهِ وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ وَحَلْبِهِ وَكَسْرِ بَيْضِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِهِ ) أَيْ بِالْكَسْرِ أَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِنَتْفِ رِيشِهِ أَوْ قَطْعِ قَوَائِمِهِ فَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَلَعَ عَيْنَيْ عَبْدٍ أَوْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِحَلْبِهِ يَعْنِي قِيمَةَ اللَّبَنِ فَلِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِكُلِّهِ ، وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِكَسْرِ بَيْضِهِ يَعْنِي وُجُوبَ قِيمَةِ الْبَيْضِ فَلِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِيَكُونَ صَيْدًا فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمَ الصَّيْدِ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَقِيلَ : الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } الْبَيْضُ ، وَرِمَاحُكُمْ الصَّيْدُ ، وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ دُونَ الْحَالِ فَاعْتِبَارُ الْحَالِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجَزَاءِ ، وَاعْتِبَارُ الْمَآلِ يُوجِبُ الْجَزَاءَ فَأَوْجَبْنَاهَا احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَفْسُدْ ، فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ مِنْهُ صَيْدٌ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ لَا حَالًا وَلَا مَآلًا وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِالْكَسْرِ فَلِأَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ فَرْخٌ حَيٌّ ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ وَاجِبٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ ، وَكَسْرُ الْبَيْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِ الْفَرْخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ بِهِ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ بِهِ سِوَى الْبَيْضَةِ ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ صَالِحٌ لِمَوْتِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ حَيْثُ يَجِبُ ضَمَانُ الْأُمِّ ، وَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْوَلَدِ غَيْرُ الْغُرَّةِ فِي الْحُرَّةِ ، وَفِي الْأَمَةِ يَجِبُ قِيمَةُ الْأُمِّ ، وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْوَلَدِ لَوْ

كَانَ ذَكَرًا أَوْ عُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَنَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَجَزَاءُ الصَّيْدِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَرَجَّحْنَا فِيهِ جَانِبَ النَّفْسِيَّةِ فَأَوْجَبْنَا فِيهِ ضَمَانَهُمَا بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنْ قَتَلَ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا تَجِبُ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ لَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَقَوْلُهُ : وَخُرُوجُ فَرْخٍ ) لَفْظَةُ فَرْخٍ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بَدَلٌ مِنْ فِي ا هـ ( قَوْلُهُ مَذِرَةٌ ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ وَذِئْبٍ وَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَفَارَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ بِعِوَضٍ وَنَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاةٍ ) لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِقَتْلِ خَمْسٍ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَارَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ أَوْ ثَبَتَ جَوَازُ قَتْلِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْخَمْسِ فِي الِابْتِدَاءِ بِالْأَذَى وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَوْ يَخْلِطُ ، وَأَمَّا الْعَقْعَقُ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ وَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا عُرْفًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَغَيْرَ الْعَقُورِ وَالْمُسْتَأْنِسَ مِنْهُ وَالْمُتَوَحِّشَ سَوَاءٌ ، وَالْفَارَةُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْبَرِّيَّةُ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ السِّنَّوْرِ وَلَوْ كَانَ بَرِّيًّا وَبِالضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالْأَرْنَبِ يَجِبُ الْجَزَاءُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُسْتَثْنَاةِ ، وَلَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى ، وَأَمَّا الْبَعُوضُ وَالنَّمْلُ وَالْبُرْغُوثُ وَالْقُرَادُ وَالسُّلَحْفَاةُ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الْحَشَرَاتِ كَالْخَنَافِسِ وَمَعَ هَذَا الْقُرَادُ وَالْبُرْغُوثُ يَبْتَدِئَانِ بِالْأَذَى ، وَالْمُرَادُ بِالنَّمْلِ السَّوْدَاءُ وَالصَّفْرَاءُ الَّتِي تُؤْذِي بِالْعَضِّ ، وَمَا لَا يُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا ، وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ ، وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ لَيْسَ فِي الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْوَزَغِ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَلَمَةِ وَصَيَّاحِ اللَّيْلِ وَالصَّرْصَرِ وَأُمِّ حُبَيْنٍ وَابْنِ عُرْسٍ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتِهَا وَلَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ

( قَوْلُهُ كَالْخَنَافِسِ ) أَيْ وَالْقُنْفُذِ ا هـ كَرْمَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَأُمُّ حُبَيْنٍ ) بِحَاءِ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ دُوَيْبَّةٌ عَلَى هَيْئَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ الْبَطْنِ ا هـ تِبْيَانٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِقَتْلِ قَمْلَةٍ وَجَرَادَةٍ تَصَدُّقٌ بِمَا شَاءَ ) ؛ لِأَنَّ الْقَمْلَةَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْبَدَنِ فَيَكُونُ قَتْلُهَا مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ ، وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إزَالَةِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً سَاقِطَةً عَلَى الْأَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَإِزَالَةِ التَّفَثِ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْعَمَ شَيْئًا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِبَاحَةِ ، وَإِنْ قَتَلَ قَمْلًا كَثِيرًا أَطْعَمَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَلَوْ وَقَعَ فِي ثَوْبِهِ قَمْلٌ كَثِيرٌ فَأَلْقَاهُ عَلَى الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قَتْلَ الْقَمْلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي قَتْلِهِ وَالْجَرَادُ صَيْدٌ ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَبِقَصْدِهِ بِالْأَخْذِ ، وَهُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَرُوِيَ أَنَّ أَهْلَ حِمْصَ أَصَابُوا جَرَادًا كَثِيرًا فِي إحْرَامِهِمْ فَجَعَلُوا يَتَصَدَّقُونَ مَكَانَ كُلِّ جَرَادَةٍ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَى دَرَاهِمَكُمْ كَثِيرَةً يَا أَهْلَ حِمْصَ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُجَاوِزُ عَنْ شَاةٍ بِقَتْلِ السَّبُعِ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ السَّبُعِ ؛ لِأَنَّهَا جُبِلَتْ عَلَى الْإِيذَاءِ فَكَانَتْ مِنْ الْفَوَاسِقِ الْمُسْتَثْنَاةِ ، وَلِأَنَّ اسْمَ الْكَلْبِ يَتَنَاوَلُ السِّبَاعَ بِأَسْرِهَا لُغَةً ، وَقَدْ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِك } فَسُلِّطَ عَلَيْهِ أَسَدٌ ، وَالْكَلْبُ مِنْ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ بِالْحَدِيثِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ السِّبَاعُ لَا الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤْذٍ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُتَوَحِّشَ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمُتَوَحِّشِ ، قَالَ الشَّاعِرُ صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّ السِّبَاعَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْخَمْسَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى ، وَتُخَالِطُ النَّاسَ وَتَعِيشُ بَيْنَهُمْ بِالِاخْتِطَافِ وَالْإِفْسَادِ وَالسِّبَاعُ لَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى ، وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْهُمْ فَكَانَ إيذَاؤُهَا دُونَ إيذَاءِ الْفَوَاسِقِ فَلَا تُلْحَقُ بِهَا ، وَاسْمُ الْكَلْبِ لَا يَتَنَاوَلُ السَّبُعَ عُرْفًا فَإِنَّ مَنْ قَالَ : فُلَانٌ يَقْتَنِي الْكِلَابَ أَوْ فِي بَابِهِ كَلْبٌ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ أَنَّهُ السِّبَاعُ وَالْعُرْفُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ ثُمَّ لَا يُجَاوِزُ بِقِيمَتِهِ شَاةً ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَمَأْكُولِ اللَّحْمِ ، وَلَنَا أَنَّ قِيمَتَهُ بِاعْتِبَارِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ لَا تَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ ، وَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ تَفَاخُرِ الْمُلُوكِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الصَّيْدِ الْمُعَلَّمِ عِلْمُهُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ ، وَإِنْ كَانَ

تَزْدَادُ قِيمَتُهُ ، وَيَضْمَنُهُ مُعَلَّمًا فِي حَقِّ مَالِكِهِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ لِمَالِكِهِ بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَفِي حَقِّ الشَّارِعِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ ) أَيْ وَإِنْ صَالَ عَلَيْهِ السَّبُعُ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لَا تَزُولُ بِفِعْلِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ } وَلِهَذَا لَوْ صَالَ الْجَمَلُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَتَلَ ضَبُعًا وَأَهْدَى كَبْشًا ، وَقَالَ : إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلضَّمَانِ بِقَوْلِهِ : إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ وَقَالَ عَلِيٌّ : إنْ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْدُوَ عَلَيْهِ فَفِيهِ شَاةٌ مُسِنَّةٌ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ ، وَلَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِتَحَمُّلِ أَذَاهُ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِقَتْلِ مَا تُوُهِّمَ مِنْهُ الْأَذَى ، وَهُوَ الْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ لِمَا رَوَيْنَا فَلَأَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِقَتْلِ مَا تَحَقَّقَ مِنْهُ الْأَذَى أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا جَازَ قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَالْوَالِدِ لِلدَّفْعِ فَمَا ظَنُّك بِالسِّبَاعِ ، فَإِذَا ابْتَدَأَ بِالْأَذَى الْتَحَقَ بِالْفَوَاسِقِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي قَتْلِهِ ، وَمَعَ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ مِنْ مَالِكِهِ ، وَهُوَ الْعَبْدُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا وُجُوبُ قِيمَةِ الصَّيْدِ إذَا قَتَلَهُ وَأَكَلَهُ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ مَعَ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ ، وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ شَاةٍ وَبَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ وَدَجَاجَةٍ وَبَطٍّ أَهْلِيٍّ ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّيْدِ ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِصُيُودٍ ، وَالْمُرَادُ بِالْبَطِّ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ ، وَلَا تَطِيرُ ؛ لِأَنَّهَا أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالدَّجَاجِ ، وَأَمَّا الَّتِي تَطِيرُ فَصَيْدٌ فَيَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْجَوَامِيسُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ وَحْشِيٌّ ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنِسٌ عِنْدَهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِذَبْحِ حَمَامٍ مُسَرْوَلٍ وَظَبْيٍ مُسْتَأْنَسٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ ، وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ كَالْبَعِيرِ إذَا نَدَّ يَأْخُذُ حُكْمَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَا يَحْرُمُ عَقْرُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَفِي الْحَمَامِ الْمُسَرْوَلِ خِلَافُ مَالِكٍ هُوَ يَقُولُ : إنَّهُ أَلُوفٌ مُسْتَأْنَسٌ وَلَا يَمْتَنِعُ بِجَنَاحَيْهِ فَصَارَ كَالْبَطِّ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ الصَّيْدُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ إمَّا بِالْعَدْوِ أَوْ بِالطَّيَرَانِ أَوْ بِالدُّخُولِ فِي الْجُحَرِ وَالشُّقُوقِ فَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا فِيهَا فَلَا تَكُونُ صَيْدًا ، وَنَحْنُ نَقُولُ : هُوَ صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ ، وَإِنَّمَا لَا يَطِيرُ لِثِقَلِهِ وَبُطْءِ نُهُوضِهِ ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا ، وَاشْتِرَاطُ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلْعَجْزِ ، وَقَدْ زَالَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ذَبَحَ مُحْرِمٌ صَيْدًا حَرُمَ ) يَعْنِي عَلَى الذَّابِحِ وَعَلَى غَيْرِهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَحِلُّ لِغَيْرِهِ ، وَلَهُ إذَا حَلَّ ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً فَتَعْمَلُ عَمَلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ حَرُمَ عَلَى الذَّابِحِ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ عُقُوبَةً لَهُ فَيَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ بَعْد مَا حَلَّ عَلَى الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ ، وَهَذَا الْفِعْلُ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً فَصَارَ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ ، وَلَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ فَأَقَامَ الشَّارِعُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ مَقَامَ التَّمْيِيزِ تَيْسِيرًا ، وَهُوَ الْفِعْلُ الْمَشْرُوعُ ، فَلَا يُقَامُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بِالرَّأْيِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ لِأَجْلِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَغَرِمَ بِأَكْلِهِ لَا مُحْرِمٌ آخَرُ ) يَعْنِي الْقَاتِلُ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ يَغْرَمُ قِيمَةَ اللَّحْمِ ، وَلَا يَضْمَنُ مُحْرِمٌ آخَرُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ أَيْضًا بِأَكْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَتَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ لَا يُوجِبُ إلَّا الِاسْتِغْفَارَ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ وَكَالْحَلَالِ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَلَهُ أَنَّ حُرْمَتَهُ بِسَبَبِ إحْرَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الصَّيْدَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ وَالذَّابِحَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ فَصَارَ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ وَإِذَا تَنَاوَلَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَسَائِرِ مَحْظُورَاتِهِ بِخِلَافِ مُحْرِمٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَبِخِلَافِ الْحَلَالِ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَأَكَلَهُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ الْأَمْنِ الثَّابِتِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ ، وَذَلِكَ لِلصَّيْدِ لَا لِلَّحْمِ فَتَكُونُ حُرْمَتُهُ مُضَافًا إلَى

كَوْنِهِ مَيْتَةً وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ ذَبْحِ الصَّيْدِ تَنَاوُلُهُ ، فَإِذَا وَجَبَ الْجَزَاءُ بِالْوَسِيلَةِ ، وَهُوَ الذَّبْحُ فَلَأَنْ يَجِبَ بِالتَّنَاوُلِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ تَحْقِيقُ الْمَقْصُودِ وَلِأَنَّ الْمَقْتُولَ ظُلْمًا كَالْحَيِّ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ لَا يَرِثُ مِنْهُ الْقَاتِلُ فَكَذَا هُنَا يُجْعَلُ حَيًّا حَتَّى يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِأَكْلِهِ ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُهُ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَنْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَإِطْعَامُ كِلَابِهِ كَأَكْلِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ وَإِنْ اضْطَرَّ الْمُحْرِمُ إلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِالْكَفَّارَةِ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وَالْآيَةُ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي الْحَلْقِ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مُضْطَرٍّ دَلَالَةً ، وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ : يَقْتُلُ الصَّيْدَ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ أَخَفُّ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ حُكْمًا وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا فَيَكُونُ كَلَا فَائِتٍ قُلْنَا : فِي أَكْلِ الصَّيْدِ ارْتِكَابُ مَحْظُورَيْنِ الْأَكْلَ وَالْقَتْلَ ، وَفِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ ارْتِكَابُ مَحْظُورٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَخَفَّ ، وَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ يَأْكُلُ وَيَدَعُ الْمَيْتَةَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ وَجَدَ صَيْدًا حَيًّا وَمَالَ مُسْلِمٍ يَأْكُلُ الصَّيْدَ لَا مَالَ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى ، وَالْمَالُ حَرَامٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَكَانَ التَّرْجِيحُ لِحَقِّ الْعَبْدِ لِافْتِقَارِهِ ، وَإِنْ وَجَدَ لَحْمَ إنْسَانٍ وَصَيْدًا أَكَلَ الصَّيْدَ ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْإِنْسَانِ حَرَامٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَحَقًّا لِلْعَبْدِ وَالصَّيْدُ حَقًّا لِلشَّرْعِ لَا غَيْرُ فَكَانَ

أَخَفَّقَوْلُهُ : الْقَاتِلُ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ ) أَيْ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ : وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُهُ ) أَيْ لَا يَضْمَنُ قِيمَةَ اللَّحْمِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ لَهُ لَحْمُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ وَذَبْحُهُ إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِصَيْدِهِ ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : إنْ اصْطَادَهُ الْحَلَالُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الصَّيْدُ حَلَالٌ لَكُمْ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَنَا أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمْ يَصِدْ حِمَارَ الْوَحْشِ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً بَلْ صَادَهُ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَأَبَاحَهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ هَكَذَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ ، وَلَا بِسَبَبِ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُ ، وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا صِيدَ لَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أُهْدِيَ إلَيْهِ الصَّيْدُ الْحَيَّ دُونَ اللَّحْمِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْآثَارِ ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَى الصَّيْدِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَقِيلَ : لَا يَحْرُمُ بِالدَّلَالَةِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ لَهُ ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُحْرِمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَأْمُرْهُ ) أَيْ الْمُحْرِمُ الْحَلَالَ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ ) قَالَ الْأَقْطَعُ : وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ مَا لَمْ يَصِدْهُ أَوْ يُصَادَ لَهُ } ا هـ قَالَ الْكَاكِيُّ رُوِيَ { أَوْ يُصَادُ } بِالرَّفْعِ حِينَئِذٍ لَا تَمَسُّكَ لِلْمُخَالِفِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْحِلَّ إذَا صَادَهُ غَيْرُهُ لِأَجْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُغَيَّا لَا الْغَايَةِ ، وَظَاهِرُ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ يُصَدْ لَهُ ، وَهَكَذَا رُوِيَ فِي الْمَصَابِيحِ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ وَلَكِنْ فِي الْحَدِيثِ كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ { أَوْ يُصَادَ } بِالْأَلِفِ وَقَالَ مَوْلَانَا حُمَيْدٍ الدِّينِ : الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ بِالنَّصْبِ ، وَبَيَانُهُ فِي الْخَبَّازِيَّةِ ا هـ قَوْلُهُ { : أَوْ يُصَدْ لَهُ } ذَكَرَ الْأَكْمَلُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ رِوَايَةَ { أَوْ يُصَدْ لَهُ } ضَعِيفَةٌ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَذْبَحُ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةً يَتَصَدَّقُ بِهَا لَا صَوْمٌ ) أَيْ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ إنْ ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ وَلَا يُجْزِيهِ صَوْمٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَّا الْإِذْخِرَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ ؛ لِأَنَّهُ غَرَامَةٌ وَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ ، وَشَجَرُ الْحَرَمِ وَالْجَامِعِ أَنَّهُمَا ضَمَانُ الْمَحَلِّ لِأَجْزَاءِ الْفِعْلِ ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَقُولُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ إنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّيْدِ لَا بَدَلًا عَنْ الْمُتْلَفِ ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا قِيمَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ ، وَالْمُبَاحُ لَا يُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ ، فَإِذَا وَجَبَ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ كَانَ كَفَّارَةً كَالْمُحْرِمِ فَيُجْزِيهِ الصَّوْمُ قُلْنَا : إنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمُحْرِمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِيهِ ، وَهُوَ إحْرَامُهُ فَيَكُونُ جَزَاءَ الْفِعْلِ ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَالْحُرْمَةُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الصَّيْدِ فَصَارَ بَدَلَ الْمَحَلِّ وَالصَّوْمِ يَصْلُحُ جَزَاءَ الْأَفْعَالِ لَا ضَمَانَ الْمَحَلِّ ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الذَّبْحِ عَنْهُ فَقِيلَ : لَا يُجْزِيهِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَحَلِّ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مَذْبُوحًا مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَيُجْزِيهِ عَنْ الْإِطْعَامِ كَمَا بَيَّنَّا فِيمَنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِثْلُ مَا جَنَى ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ بِإِرَاقَةٍ ، وَقَدْ أَتَى بِمِثْلِ مَا فَعَلَ ، وَالِاعْتِبَارُ بِمِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ مُعْتَبَرٌ فِي ضَمَانِ الْمَحَالِّ كَالْقِصَاصِ ، وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمٌ

صَيْدَ الْحَرَمِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ جَزَاءَانِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَرِّمُ الْقَتْلَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا ، وَالْحَرَمُ لَا ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْأَقْوَى ، وَتُضَافُ الْحُرْمَةُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَأَمَّا شَجَرُ الْحَرَمِ ، وَحَشِيشُهُ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ( قَوْلُهُ فَهُمَا ) أَيْ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : لَا يُرْسِلُهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرْعِ لَا يَظْهَرُ فِي مَمْلُوكِ الْعَبْدِ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ ، وَلَنَا أَنَّهُ بِدُخُولِ الْحَرَمِ صَارَ مِنْ صَيْدِهِ فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ كَمَا إذَا دَخَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ بَازٍ فَأَرْسَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَأَتْلَفَ حَمَامَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَغْرَمُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ بَاعَهُ رُدَّ الْبَيْعُ إنْ بَقِيَ وَإِنْ فَاتَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ) أَيْ إذَا بَاعَ الصَّيْدَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ يَجِبُ رَدُّ بَيْعِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ فَائِتًا تَجِبُ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَيَجِبُ رَدُّهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ صَارَ مِنْ صَيْدِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لَهُ ، وَالْبَيْعُ تَعَرُّضٌ فَيُرَدُّ كَبَيْعِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَبَاعَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ ، وَلَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَوْ تَبَايَعَ الْحَلَالَانِ ، وَهُمَا فِي الْحَرَمِ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ بِالرَّمْيِ فَكَذَا بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَرَمِ وَلَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ لَهُ حِسًّا ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ شَرْعًا فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ لَا يَضْمَنُ ، وَالْبَيْعُ دُونَ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ

( قَوْلُهُ : فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ : وَلَوْ أَدْخَلَ صَيْدًا مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ وَجَبَ إرْسَالُهُ ، وَإِنْ ذَبَحَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ بَيْعُهُ وَجْهُ قَوْلِهِ : إنَّ الصَّيْدَ كَانَ مِلْكَهُ فِي الْحِلِّ ، وَإِدْخَالُهُ فِي الْحَرَمِ لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ فَكَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا فَكَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ رِعَايَةً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ ، وَالصَّيْدُ فِي يَدِهِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ ، وَقَالَ : لَا خَيْرَ فِيمَا تَرَخَّصَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَاقِيبِ وَلَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّيْدَ إذَا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ إظْهَارُ حُرْمَةِ الْحَرَمِ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُ فِي الْإِرْسَالِ ، فَإِنْ قِيلَ : إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَبِيعُونَ الْحَجَلَ وَالْيَعَاقِيبَ ، وَهِيَ كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْقَيْحِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَظَهَرَ النَّكِيرُ عَلَيْهِمْ فَالْجَوَابُ أَنَّ تَرْكَ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ لِكَوْنِهِ حَلَالًا بَلْ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْإِنْكَارُ لَا يَلْزَمُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفُرُوعِ ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِذَبْحِهِ فَلِأَنَّهُ ذَبَحَ صَيْدًا يَسْتَحِقُّ الْإِرْسَالَ وَأَمَّا فَسَادُ الْبَيْعِ فَلِأَنَّ إرْسَالَهُ وَاجِبٌ وَالْبَيْعُ تَرْكُ الْإِرْسَالِ وَلَوْ بَاعَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فَسْخُ الْبَيْعِ ، وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ حَقَّا لِلشَّرْعِ ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَإِذَا بَاعَهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فَسْخُ الْبَيْعِ ، وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ا هـ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ الْبَيْعَ إنْ بَقِيَ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : وَلَا خَيْرَ فِيمَا يَتَرَخَّصُ فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَاقِيبِ وَلَا يَدْخُلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ فِي الْحَرَمِ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَصِيرُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا أَدْخَلَهُ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ وَلَا تَجِبُ تَخْلِيَتُهُ ، وَيَحِلُّ ذَبْحُهُ ؛ لِأَنَّ بِالدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ ا هـ قَوْلُهُ : وَالْيَعَاقِيبُ الْيَعْقُوبُ يَفْعُولُ ذَكَرُ الْحَجَلِ ، وَالْجَمْعُ يُعَاقِبُ ، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ ، وَفِيهِ الْقَبَجُ الْحَجَلُ الْوَاحِدَةُ قَبْجَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنْ قِيلَ يَعْقُوبُ اخْتَصَّ بِالذَّكَرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَلَا تَرَى أَنَّهُ ) أَيْ الْحَلَالَ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَوْ أَمَرَ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ ) أَيْ الَّذِي فِي الْحِلِّ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا الْحَلَالُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِإِمْسَاكِهِ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ فَوَجَبَ تَرْكُهُ بِإِرْسَالِهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ ، وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُحْرِمُونَ ، وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ وَدَوَاجِنُ ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا إرْسَالَهَا ، وَبِذَلِكَ جَرَتْ أَفْعَالُ الْأُمَّةِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا ، فَصَارَ إجْمَاعًا فِعْلًا ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ فِي تَرْكِهِ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي الْقَفَصِ بَلْ هُوَ مَحْفُوظٌ فِي مَوْضِعِهِ لَا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ ، وَهُوَ لَوْ أَرْسَلَهُ فِي الْمَفَازَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَائِهِ ، وَقِيلَ : إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ بِحَيْثُ لَا يَضِيعُ ؛ لِأَنَّ الْقَفَصَ كَالْحِقِّ لِلدِّرَّةِ ، وَمُمْسِكُ الْحِقِّ مُمْسِكٌ لِلدِّرَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي رَحْلِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَحْرَمَ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَلَهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ مِلْكًا مُحْتَرَمًا فَلَا يَبْطُلُ احْتِرَامُهُ بِإِحْرَامِهِ ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ هَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ ، وَأَصْلُ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

( وَلَوْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا يَضْمَنُ ) أَيْ لَوْ أَخَذَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَأَرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ لَمْ يَمْلِكْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مَا ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } فَصَارَ الصَّيْدُ فِي حَقِّهِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ ، وَهُوَ حَلَالٌ ، ثُمَّ أَحْرَمَ حَيْثُ يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَيَكُونُ الْمُرْسِلُ مُتْلِفًا عَلَيْهِ مِلْكَهُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي يَدِ إنْسَانٍ بَعْدَ مَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ ضَمِنَا وَرَجَعَ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ ) أَيْ إنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فِي يَدِهِ فِيمَا إذَا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ يَضْمَنُ الْقَاتِلُ وَالْآخِذُ جَمِيعًا ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ أَمَّا وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِمَا فَلِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِالْأَخْذِ ، وَالْآخَرِ بِالْقَتْلِ فَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ ، وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا ، وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُؤَاخَذٌ بِصُنْعِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الصَّيْدَ لَا قَبْلَ الضَّمَانِ ، وَلَا بَعْدَهُ ، وَلَا كَانَتْ لَهُ فِيهِ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِتَفْوِيتِ يَدٍ أَوْ مِلْكٍ فَلَمْ يُوجَدْ ، وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ عَلَى هَذَا الصَّيْدِ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً لِتَمَكُّنِهِ بِهِ مِنْ إرْسَالِهِ وَإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَالْقَاتِلُ فَوَّتَ عَلَيْهِ هَذَا الْيَدَ فَيَضْمَنُ وَلِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ ، وَلِلتَّقْرِيرِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ

التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا وَلِأَنَّ الْأَخْذَ إنَّمَا يَصِيرُ عِلَّةً لِلضَّمَانِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْهَلَاكِ بِهِ ، وَهُوَ بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً فَيَكُونُ مُبَاشِرًا لِعِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الضَّمَانُ إلَيْهِ ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ لَوْ كَفَّرَ بِالْمَالِ ، وَأَمَّا إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا( قَوْلُهُ : وَأَصْلُ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الضَّمَانُ لِغَيْرِ لَهْوٍ ا هـ أَكْمَلُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ ، وَلَا مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا تَثْبُتُ بِسَبَبِ الْحَرَمِ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا } فَكَانَ الْمُحَرَّمُ هُوَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْحَرَمِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ عَلَى الْكَمَالِ عِنْدَ عَدَمِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ ، وَمَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً غَيْرُ مُسْتَحَقِّ الْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا لَا يَنْبُتُ عَادَةً أَنْبَتَهُ النَّاسُ الْتَحَقَ بِمَا يَنْبُتُ عَادَةً ، وَلَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ فَعَلَى قَاطِعِهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ ، وَقِيمَةٌ لِمَالِكِهِ كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْإِحْرَامِ ، وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ تَنَاوُلِهِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لَا بِالْإِحْرَامِ فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمَحَالِّ وَإِذَا أَدَّى قِيمَتَهُ مَلَكَهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ ذَلِكَ لَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَيْهِ وَلَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَفِيهِ إيحَاشُ صَيْدِ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَتَّخِذُ الْأَوْكَارَ عَلَى أَغْصَانِهَا وَمَا خَفَّ مِنْهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ وَيَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَطَبٌ وَلَيْسَ بِنَامٍ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لِمَا يَكُونُ نَامِيًا فِيهِقَوْلُهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ) أَيْ وَلَا يُجْزِي فِيهِ الصَّوْمُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ : وَبِذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةٌ فَانْظُرْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَلْ يُجْزِي فِي ذَلِكَ الذَّبْحُ ا هـ قَوْلُهُ : وَلَا يُجْزِي فِيهِ الصَّوْمُ ، وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِهِ : وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ ) أَيْ وَكَانَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَرُمَ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَقَطْعُهُ إلَّا الْإِذْخِرَ ) وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رَعْيَهُ لِمَكَانِ الْحَرَجِ فِي حَقِّ الزَّائِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا ، وَالْقَطْعُ بِالْمَشَافِرِ كَالْقَطْعِ بِالْمَنَاجِلِ ، وَحَمْلُ الْحَشِيشِ مُتَيَسِّرٌ فَلَا حَرَجَ وَلَئِنْ كَانَ فِيهِ حَرَجٌ فَلَا يُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ وَأَمَّا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ فَلَا وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْكَمْأَةِ مِنْ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ ، وَإِنَّمَا هِيَ مُودَعَةٌ فِيهَا وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو ، وَلَا تَبْقَى فَأَشْبَهَتْ الْيَابِسَ مِنْ النَّبَاتِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ ) دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ وَقَالُوا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالتَّدَاخُلِ وَعِنْدَنَا بِإِحْرَامَيْنِ ، وَقَدْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ وَهَذَا كَالْقَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ جِنَايَةٌ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ ، وَفِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ حَقًّا لَهُ ، وَالْكَفَّارَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ يَتَدَاخَلَا كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ وَلِأَجْلِ الْحَرَمِ قُلْنَا : حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ الصَّيْدِ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا ، وَيَحْرُمُ التَّطَيُّبُ ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ فَجَعَلْنَا أَضْعَفَ الْحُرْمَتَيْنِ تَابِعًا لِأَقْوَاهُمَا بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ إحْرَامًا ، وَإِنْ اخْتَلَفَا أَدَاءً ؛ إذْ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ يُحَرِّمُ جَمِيعَ مَا يُحَرِّمُهُ إحْرَامُ الْحَجِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ كَحُرْمَةِ الْجِمَاعِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الْمِلْكِ إذَا اجْتَمَعَا بِأَنْ زَنَى صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ، وَأَمَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ ، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ) وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْإِحْرَامَيْنِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَلْزَمُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمٌ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ

لَوْ دَخَلَ الْمِيقَاتَ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ لِتَرْكِ الْإِحْرَامِ فِي مِيقَاتِهِ فَكَذَا هَذَا ، وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ لِتَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِالْعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ قَارِنٌ فَيُتْرَكُ وَاجِبٌ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْمِيقَاتُ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ وَقْتِهِ ، وَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ صَارَ مِنْهُمْ وَمِيقَاتُهُمْ فِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ ، فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ فَقَدْ تَرَكَ الْمِيقَاتَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ لِذَلِكَ ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُتْرَكْ الْوَقْتُ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا بِتَرْكِ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الَّذِي عَقَدَهُ لِبَيَانِ الْقِرَانِ مَا نَصُّهُ التَّتْمِيمُ الْخَامِسُ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ صَدَقَةٌ أَوْ صَدَقَتَانِ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ كَفَّارَتَانِ ، فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُحْرِمِ بِحَجَّةٍ ، أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضِعْفُ ذَلِكَ قَالُوا : إلَّا فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمِنْهَا طَوَافُ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا ، قُلْت : أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهُمَا ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَأَحْكَامِ الْجَنَابَةِ ، وَمِنْهَا قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَقَطْعُ شَجَرِهِ الْكَائِنِ فِي الصِّفَةِ الْمُحَرَّمَةِ لِقَطْعِهِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ فِي هَذِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ سَوَاءٌ ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا ، وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ : الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ فِي أَحْكَامِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَالصَّدَقَاتِ سَوَاءٌ ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَكَادُ تَظْفَرُ بِهِ مَجْمُوعًا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ا هـ فَرَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً وَسَائِرَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، قَوْلُهُ : وَمِنْهَا قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ إلَخْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَنَاسِكِهِ مَا نَصُّهُ : وَإِنْ قَطَعَ رَجُلَانِ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ مِمَّا لَا يُقْطَعُ فَعَلَيْهِمَا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْمَحَلِّ ، وَأَنَّهُ مُتَّحِدٌ وَالْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ حَيَوَانًا فَإِنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ أَقْوَى فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ انْتَهَى ، فَقَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ فِيهِ

مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَتْلِ الصَّيْدِ وَقَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَلِمَا ذَكَرَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَسَائِلَ الَّتِي يَلْزَمُ الْقَارِنَ فِيهَا دَمٌ وَاحِدٌ كَالْمُفْرِدِ ، وَذَكَرَ مِنْهَا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ قَتْلَ الصَّيْدِ ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ تَبِعَ فِيهِ الْأَتْقَانِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْقَارِنُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ يَلْزَمُهُ جَزَاءَانِ ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ عَلَى إحْرَامَيْنِ وَإِذَا لَزِمَتْهُ قِيمَتَانِ فِي السَّبْعِ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِمَا دَمَيْنِ وَيَكْفِيهِ دَمَانِ ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ فِي حَقِّ الدَّمَيْنِ كَالْمُفْرِدِ فِي حَقِّ دَمٍ وَاحِدٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمَانِ صَيْدًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَكَ الْمُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : عَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ بَدَلٌ مَحْضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَزْدَادُ الْوَاجِبُ بِكِبَرِهِ ، وَيَنْقُصُ بِصِغَرِهِ ، وَلَوْ كَانَ كَفَّارَةً لَمَا اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَصَارَ كَالْحَلَالَيْنِ إذَا اشْتَرَكَا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَنَا أَنَّهُ كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَبَدَلٌ لِلْمَحَلِّ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ كَفَّارَةً بِقَوْلِهِ { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } وَاعْتَبَرَ الْمُمَاثَلَةَ بِقَوْلِهِ { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } فَجَمَعْنَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهِ فَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ كَفَّارَةً وَتَفْوِيتٌ لِلصَّيْدِ فَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ بَدَلًا ، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْفِعْلِ حَتَّى إذَا تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَاحِدٌ أَجْرَى عَلَى جَمِيعِهِمْ وَبَدَّلَ أَيْضًا حَتَّى يُورَثَ كَالدِّيَةِ ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحْرِمَيْنِ كَامِلٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا مُوجِبُهُ بِخِلَافِ الْحَلَالَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى مَا يَجِيءُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ حَلَالَانِ لَا ) أَيْ لَوْ اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ لَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ ، وَهُوَ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ بَدَلُ الْمَحَلِّ لِأَجْزَاءِ الْفِعْلِ ، وَهُوَ الْجِنَايَةُ حَتَّى لَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ فِيهِ فَلَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ الْمُحْرِمَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ جَزَاءُ الْجِنَايَةِ ؛ وَلِهَذَا يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ ، وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفِعْلِ نَظِيرُهُ رَجُلَانِ قَتَلَا رَجُلًا خَطَأً يَجِبُ عَلَيْهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ وَعَلَى كُلِّ

وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْفِعْلِ وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْمُحْرِمَيْنِ الْإِحْرَامُ ، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ فَيَتَعَدَّدُ الْمُوجِبُ ، وَفِي الْحَلَالَيْنِ الْحَرَمُ ، وَهُوَ وَاحِدٌ فَيَتَّحِدُ الْوَاجِبُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ بَدَلًا لَكِنَّهُ فِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ حَتَّى إذَا اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْجِنَايَةِ بِأَنْ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَتْلَفَهُ بِجِهَةِ أَحَدِهِمَا بِالْأَخْذِ الْمُفَوِّتِ لِلْأَمْنِ ، وَذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ مَعْنًى ، وَالْآخَرُ بِالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَحَلِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ عِوَضٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ هُنَا عَلَى الْقَاتِلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي قَتْلِ الْمُحْرِمِ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْقَاتِلَيْنِ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا يَجِبُ عَلَى الْآخِذِ بِحِسَابِهِ إنْ كَانَ حَلَالًا وَجَمِيعُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ ) لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ ، وَبَيْعُهُ بَعْدَ قَتْلِهِ بَيْعُ مَيْتَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ لَبَنَ الصَّيْدِ أَوْ بَيْضَهُ أَوْ الْجَرَادَ أَوْ شَجَرَ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الذَّكَاةُ ثُمَّ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي وَعَطِبَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْجَزَاءُ ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ جَنَيَا عَلَيْهِ ، الْبَائِعُ بِالتَّسْلِيمِ ، وَالْمُشْتَرِي بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ ، وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِلْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ ، وَلَوْ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْجَزَاءُ لِلتَّعَدِّي بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ ، وَجَعْلُهُ عُرْضَةً لِلْهَلَاكِ ، وَيَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ لِلْبَائِعِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَهَبَ مُحْرِمٌ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ ضَمَانٌ لِصَاحِبِهِ لِفَسَادِ الْهِبَةِ ، وَجَزَاءٌ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى ، وَإِنْ أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَجْزِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُ بِالْأَكْلِ الْجَزَاءُ عَلَى مَا مَرَّ ، وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَ الْحَلَالَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَا أَوْ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لَكِنْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ، وَلَوْ غَصَبَ مُحْرِمٌ مِنْ مُحْرِمٍ صَيْدًا فَرَدَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْجَزَاءُ لِتَعَدِّيهِمَا بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ وَقِيمَةٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ أَرْسَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِصَاحِبِهِ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ لِحَقِّ الشَّرْعِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةَ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ وَمَاتَا ضَمِنَهُمَا ) أَيْ الْوَلَدَ وَالْأُمَّ ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ مُسْتَحَقُّ الْأَمْنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ ، وَهُوَ الْحَرَمُ وَهَذِهِ الصِّفَةُ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَيَضْمَنُ الْوَلَدَ كَالْأُمِّ فَإِنْ قِيلَ : يُشْكِلُ عَلَى هَذَا وَلَدُ الْمَغْصُوبِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ ، قُلْنَا : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ فِي الظَّبْيَةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ طَالِبٌ لِلرَّدِّ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، فَإِذَا لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى هَلَكَ تَحَقَّقَ الْهَلَاكُ بَعْدَ الْمَنْعِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَطْلُبْهُ حَتَّى لَوْ طَلَبَ وَمَنَعَهُ يَضْمَنُ فَعَلَى هَذَا لَوْ هَلَكَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ ، وَالثَّانِي مِنْ الْفَرْقِ : أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إزَالَةُ الْأَمْنِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْدُثُ يَحْدُثُ مُسْتَحَقًّا لِلْأَمْنِ وَقَدْ أَثْبَتَ فِيهِ الْخَوْفَ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ ، وَفِي الْمَغْصُوبِ سَبَبُ الضَّمَانِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ ، وَلَمْ تُوجَدْ فَافْتَرَقَا ، وَعَلَى هَذَا يَضْمَنُ وَلَدَ الظَّبْيَةِ كَيْفَمَا كَانَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهُ فَوَلَدَتْ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ ) ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ ، وَقَدْ انْعَدَمَ أَثَرُ فِعْلِهِ بِالتَّكْفِيرِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَدَلُ الصَّيْدِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْأَمْنُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وُصُولَ بَدَلِهِ كَوُصُولِ نَفْسِهِ وَكَذَا كُلُّ زِيَادَةٍ فِيهَا مِنْ سِمَنٍ أَوْ شَعْرٍ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَضْمَنُهَا ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَضْمَنُهَا ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ : لَا يَضْمَنُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ الزِّيَادَةَ ، وَيَضْمَنُ الْأَصْلَ ، وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ

صَيْدُ الْحِلِّ لِلْحَلَالِ ، وَيُكْرَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ : فَتَسَرَّى إلَى الْوَلَدِ ) أَيْ عِنْدَ حُدُوثِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ) أَيْ فَيَصِيرُ خِطَابُ رَدِّ الْوَلَدِ مُسْتَمِرًّا ، وَإِذَا تَعَلَّقَ خِطَابُ الرَّدِّ كَانَ الْإِمْسَاكُ تَعَرُّضًا لَهُ مَمْنُوعًا ، فَإِذَا اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِهِ ثَبَتَ الضَّمَانُ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ لَوْ هَلَكَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَخْ ) عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا قَالَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْغَصْبِ وَزَوَائِدُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ فَرَاجِعْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَضْمَنُهَا ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَوَابُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَضْمَنُهَا ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَضْمَنُهَا فَتَأَمَّلْ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ التَّكْفِيرَ أَعْنِي أَدَاءَ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى إعَادَةِ أَمْنِهَا بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً ، وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا بَلْ حُرْمَةُ التَّعَرُّضِ لَهَا قَائِمَةٌ ، وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ عِنْدَمَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَتِهَا ، فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ مِنْ أَوْلَادِهَا إذَا مُتْنَ ، وَلَهُ أَنْ يَصْطَادَهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَوَجِّهَ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ تَأْمِينِهَا إنَّمَا هُوَ خِطَابُ الرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ ، وَلَا يَزَالُ مُتَوَجِّهًا مَا كَانَ قَادِرًا ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْنِ إنَّمَا هُوَ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا لَمْ يَعْجِزْ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَإِذَا عَجَزَ تَوَجَّهَ خِطَابُ الْجَزَاءِ ، وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ الْقَتْلُ بِالنَّصِّ فَالتَّكْفِيرُ قَبْلَهُ وَاقِعٌ قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَقَعُ إلَّا نَفْلًا ، فَإِذَا مَاتَتْ بَعْدَ أَدَاءِ هَذَا الْجَزَاءِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ تَعَيَّنَ خِطَابُ الْجَزَاءِ ، هَذَا الَّذِي أَدِينُ بِهِ وَأَقُولُ : يُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا إذَا أَدَّى الْجَزَاءَ

بَعْدَ الْهَرَبِ ثُمَّ ظَفِرَ بِهَا لِشُبْهَةِ كَوْنِ دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا اصْطَادَهَا لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ ، أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْغَصْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ : وَوَلَدُ الْمَغْصُوبِ إلَخْ فَإِنْ قِيلَ : تَفْوِيتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ صَيْدِ الْحَرَمِ سَبَبٌ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَا فِي حَقِّ كُلِّ الصُّيُودِ ، وَالْوَلَدُ لَيْسَ بِصَيْدِ الْحَرَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحِلُّ بَيْعُهُ ، وَيَحِلُّ أَكْلُهُ ، فَلَوْ كَانَ صَيْدُ الْحَرَمِ لَمَا حَلَّ أَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَلِأَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَمْنِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ثُبُوتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَمَا حَدَثَ حَدَثَ خَائِفًا فَلَا يُتَصَوَّرُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ الْخَائِفِ ، قُلْنَا : الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ صَيْدَ الْحَرَمِ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ إرْسَالُهُ إلَى الْحَرَمِ وَقَوْلُهُ : فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ ، قُلْنَا : نَعَمْ يَحِلُّ ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ صَيْدَ الْحَرَمِ يَحِلُّ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَيْدُ الْحَرَمِ يُكْرَهُ ، وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ يُلْحَقُ بِالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ ، وَقَوْلُهُ : فَإِنَّهُ حَدَثَ خَائِفًا قُلْنَا : نَعَمْ ، وَلَكِنَّ مُسْتَحِقَّ الْأَمْنِ ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْأَمْنِ كَالْآمَنِ حُكْمًا ، وَهُوَ لَمَّا أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَى الْوَلَدِ فَقَدْ فَوَّتَ الْأَمْنَ حُكْمًا ، وَتَفْوِيتُ الْأَمْنِ حُكْمًا سَبَبٌ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ ا هـ .

{ بَابٌ : مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا أَوْ جَاوَزَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ ، وَقَضَى بَطَلَ الدَّمُ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ بِعَوْدِهِ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَسْقُطُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ جِنَايَتَهُ لَمْ تَرْتَفِعْ بِالْعَوْدِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْشِئَ التَّلْبِيَةَ فِيهِ فَإِذَا تَرَكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ ثُمَّ إذَا عَادَ وَلَبَّى لَمْ يَأْتِ بِالْمَتْرُوكِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا وَمَا أَتَى بِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُحْرِمًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا وَلَمْ يُلَبِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِذَا رَجَعَ فَقَدْ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَلَهُ أَنَّ أَصْلَ الْمِيقَاتِ فِي حَقِّهِ دُوَيْرَةٍ أَهْلِهِ وَلِهَذَا كَانَ الْإِحْرَامُ مِنْهَا أَفْضَلَ وَرُخِّصَ التَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ فَصَارَ الْمِيقَاتُ آخِرَ الْغَايَاتِ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّلْبِيَةُ وَالْإِحْرَامُ مِنْهُ فَإِذَا تَرَكَهُ وَأَحْرَمَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ لَبَّى فِيهِ فَقَدْ أَتَى بِعَيْنِ مَا تَرَكَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ هُنَاكَ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ فَلَمْ يَتَدَارَكْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا

أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمَرَّ بِالْمِيقَاتِ ، وَهُوَ سَاكِتٌ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْعَزِيمَةِ فَكَانَ أَوْلَى وَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ ثُمَّ لَبَّى يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُلَبِّيَ فِي آخِرِ حَدِّ الْمِيقَاتِ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ التَّرَخُّصُ إلَى آخِرِ الْحَدِّ لَا غَيْرُ ، وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ : مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ ، وَهُوَ مَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا فَمَضَى فِيهَا وَقَضَاهَا أَيْ أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَأَفْسَدَهَا أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالِاجْتِنَابِ فِي الْقَضَاءِ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا ، أَوْ حَلَقَ أَوْ تَطَيَّبَ فِي إحْرَامِهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَقَضَاهُ وَاجْتَنَبَهُ فِي الْقَضَاءِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فَكَذَا هَذَا ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا قَضَى مِنْ الْمِيقَاتِ انْجَبَرَ ذَلِكَ النُّقْصَانُ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَيَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّهُ بِالْقَضَاءِ مِنْهُ فَانْعَدَمَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَدِمُ بِالْقَضَاءِ فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ دَخَلَ الْكُوفِيُّ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ، وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ ) ؛ لِأَنَّ الْبُسْتَانَ غَيْرُ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ

بِقَصْدِهِ فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ وَلِلْبُسْتَانِيِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَاجَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ فَكَذَا لِهَذَا الدَّاخِلِ إلَيْهِمْ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي الْبُسْتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَكُونُ مِنْهُمْ ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْبُسْتَانِ لِلْحَجِّ وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ نُسُكًا وَاجِبًا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَأَهْلِ الْبُسْتَانِ

( بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَصَلَ هَذَا الْبَابَ بِمَا تَقَدَّمَ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جِنَايَةٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ، وَمَا مَضَى جِنَايَةٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ، وَمُطْلَقُ اسْمِ الْجِنَايَةِ فِي بَابِ الْحَجِّ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَكَانَ كَامِلًا فَقَدَّمَ ذَاكَ عَلَى هَذَا لِهَذَا ا هـ قَالَ الْكَمَالُ : ثُمَّ تَحْقِيقُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْجِنَايَةُ أَمْرَانِ : الْبَيْتُ وَالْإِحْرَامُ لَا الْمِيقَاتُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إلَّا لِتَعْظِيمِ غَيْرِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَوْجَبَ تَعْظِيمَ الْبَيْتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ فَإِذَا لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ كَانَ مُخِلًّا بِتَعْظِيمِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ فَيَكُونُ جِنَايَةً عَلَى الْبَيْتِ وَنَقْصًا فِي الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَنْ يُنْشِئَهُ مِنْ الْمَكَانِ الْأَقْصَى فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَوْجَدَهُ نَاقِصًا ا هـ قَوْلُهُ ثُمَّ أَفْسَدَ ) أَيْ تِلْكَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ ) أَيْ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ دُونَ زُفَرَ نَبَّهَ عَلَيْهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى آمِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ : وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ ، وَلَوْ شَوْطًا لَا يَسْقُطُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِاعْتِبَارِهِ مُبْتَدَأَ الْإِحْرَامِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ بُطْلَانِ مَا وُجِدَ مِنْهُ مِنْ الطَّوَافِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ مُعْتَدًّا بِهِ ، فَكَانَ اعْتِبَارًا مَلْزُومًا لِلْفَاسِدِ ، وَمَلْزُومُ الْفَاسِدِ فَاسِدٌ ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُعِدْ حَتَّى شَرَعَ فِي الْوُقُوفِ

بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطُوفَ لِمَا ذَكَرْنَا بِعَيْنِهِ ا هـ { فَرْعٌ } وَفِي مُجَاوَزَةِ الْمَرْقُوقِ مَعَ مَوْلَاهُ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ دَمٌ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ جَاوَزَهُ صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ وَبَلَغَ وَأَحْرَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ) أَيْ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ ؛ لِأَنَّ مَكَانَ إحْرَامِهِ جُعِلَ مِيقَاتًا فِي حَقِّهِ وَقَدْ لَبَّى هُنَا لَك فَلَمْ يُشْتَرَطْ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الثَّانِيَةُ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ سَابِقًا أَمَّا الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا الثَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ : فَأَفْسَدَهَا ) أَيْ أَفْسَدَهَا بِالْجِمَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ دَخَلَ الْكُوفِيُّ الْبُسْتَانَ ) أَيْ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ ، وَهِيَ قَرْيَةٌ فِي دَاخِلِ الْمِيقَاتِ وَخَارِجَ الْحَرَمِ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِحَاجَتِهِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَحْرَمَ ) أَيْ الدَّاخِلُ لِلْبُسْتَانِ لِحَاجَةٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ ) يَعْنِي الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ مَكَّةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِحْرَامِ ، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ كَمَنْ نَذَرَ بِالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إنْ لَمْ يُرِدْ أَدَاءَ النُّسُكِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ صَحَّ عَنْ دُخُولِهِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ فَإِنْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لَا ) يَعْنِي إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ، وَلَزِمَهُ بِهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ إذَا حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَجْزَأَهُ عَمَّا لَزِمَهُ بِدُخُولِ مَكَّةَ وَإِنْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لَا يُجْزِيهِ ، وَقَالَ زُفَرُ : لَا يُجْزِيهِ ، وَإِنْ لَمْ تَتَحَوَّلْ السَّنَةُ أَيْضًا ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِ مَكَّةَ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِنِيَّتِهِ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ ، وَكَمَا لَوْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَتَاهُ مُحْرِمًا فِي الِابْتِدَاءِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَكَذَا هَذَا وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ جَازَ صَوْمُهُ عَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فِي هَذَا الِاعْتِكَافِ ، وَقَدْ وُجِدَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي مُدَّتِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْبُقْعَةِ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ صَارَ

بِالتَّفْوِيتِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ مَقْصُودًا فَلَمْ يَتَأَدَّ إلَّا بِالْإِحْرَامِ لَهُ مَقْصُودًا كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ ، وَلَمْ يَعْتَكِفْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَمَّا لَزِمَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّفْوِيتِ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِصَوْمِهِ التَّابِعِ لَهُ ، وَصَارَ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ فَلَا يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا إذَا لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ ، وَلَوْ خَرَجَ مَكِّيٌّ مِنْ الْحَرَمِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ يَلْزَمُهُ دَمٌ ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِنْ عَادَ إلَى الْحَرَمِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ لَبَّى سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَكَذَا الْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ فَأَحْرَمَ لَزِمَهُ دَمٌ ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْحَرَمِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْمَكِّيِّ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْهُمْ وَوَقْتُهُ وَقْتَهُمْ ، وَلَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ وَقْتَهُ فَإِنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ الِاخْتِلَافِ ، وَكَذَا أَهْلُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْحَرَمِ إذَا دَخَلُوا الْحَرَمَ فَأَحْرَمُوا بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمٌ لِتَرْكِهِمْ مِيقَاتَهُمْ فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ الْإِحْرَامِ إلَى الْحِلِّ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ مَكَّةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِحْرَامِ ) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا ا هـ عَيْنِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ ) أَيْ مِنْ حَجَّةٍ مَنْذُورَةٍ ا هـ ع قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَلَيْهِ نَذْرًا وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ عُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ سَقَطَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجَّةِ بِسَبَبِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ا هـ قَوْلُهُ : صَارَ بِالتَّفْوِيتِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ مَقْصُودًا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ ، وَسَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إذَا دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا وُجُوبُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً ؛ إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا دَيْنًا يُقْضَى فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدَّى هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةَ الْأَشْخَاصِ دُونَ النَّوْعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ يَنْوِي مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ وَلَا غَيْرَهُ جَازَ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَذَا تَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا أَوْ أَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدِ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ خَرَجَ مَكِّيٌّ مِنْ الْحَرَمِ ) أَيْ يُرِيدُ الْحَجَّ ا هـ كَافِي وَهِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِتَرْكِهِ وَقْتَهُ ) أَيْ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ ا هـ .

( بَابٌ : إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَكِّيٌّ طَافَ شَوْطًا لِعُمْرَتِهِ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ رَفَضَهُ ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ وَدَمٌ لِرَفْضِهِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ وَيَقْضِيهَا ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا فَكَانَتْ الْعُمْرَةُ أَوْلَى بِالرَّفْضِ ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى حَالًا وَأَقَلُّ أَعْمَالًا وَأَيْسَرُ قَضَاءً لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ ، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ ، وَهِيَ سُنَّةٌ ، وَلَيْسَ الْحَجُّ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَوْ رَفَضَ الْعُمْرَةَ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا لَا غَيْرُ وَإِذَا رَفَضَ الْحَجَّ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَقَضَاءُ الْعُمْرَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْعُمْرَةِ شَيْئًا حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ حَيْثُ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ ، وَفِي الْمَبْسُوطِ : لَا يَرْفُضُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَصَارَ كَمَا إذَا فَرَغَ مِنْهَا ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَكَانِ النَّقْصِ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ تَأَكَّدَ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الطَّوَافِ ، وَإِحْرَامُ الْحَجِّ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ وَغَيْرُ التَّأَكُّدِ أَوْلَى بِالرَّفْضِ ، وَإِنَّمَا يُرَجَّحُ بِالْأَيْسَرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِالسُّقُوطِ أَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَأَحْرَمَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَطَافَ شَوْطًا ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ بِالِاتِّفَاقِ لِتَأَكُّدِهِ بِالطَّوَافِ وَلِأَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ إبْطَالَ الْعَمَلِ وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ امْتِنَاعًا عَنْهُ فَكَانَ أَوْلَى عَلَيْهِ دَمٌ لِلرَّفْضِ أَيَّهُمَا

رَفَضَ لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ كَالْمُحْصَرِ ثُمَّ إنْ رَفَضَ الْعُمْرَةَ قَضَاهَا لَا غَيْرُ ، وَإِنْ رَفَضَ الْحَجَّ قَضَاهُ وَقَضَى الْعُمْرَةَ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ فِيهِ ، وَفَائِتُ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ وَلَوْ قَضَى الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الدَّمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفَائِتِ الْحَجِّ إلَّا إذَا لَمْ يَحُجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، وَأَمَّا إذَا حَجَّ فَلَا كَالْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا جَازَ وَعَلَيْهِ دَمٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ وَلَا تَحَقُّقَ الْفِعْلِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَمُ شُكْرٍ

{ بَابٌ : إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ } لَمَّا كَانَ إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَمِمَّنْ مَنْزِلُهُ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ جِنَايَةً وَكَذَا إضَافَةُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجَّةِ مِنْ الْآفَاقِيِّ إسَاءَةٌ كَمَا سَيَجِيءُ ذِكْرُهُ أَوْرَدَ بَابَ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ عَقِيبَ بَابِ الْجِنَايَاتِ ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْجِنَايَاتِ بِخِلَافِ إضَافَةِ إحْرَامِ الْحَجَّةِ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ مِنْ الْآفَاقِيِّ فَإِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَكِّيٌّ طَافَ إلَخْ ) قُيِّدَ بِالْمَكِّيِّ ؛ لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا فَطَافَ لَهَا شَوْطًا ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مَضَى فِيهَا وَلَا يَرْفُضُ الْحَجَّ ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ أَعْمَالِ الْحَجِّ عَلَى أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَوْ طَافَ لَهَا أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ كَانَ قَارِنًا ، وَإِنْ طَافَ لَهَا الْأَكْثَرَ كَانَ مُتَمَتِّعًا ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ بَعْدَ عَمَلِ الْعُمْرَةِ وَلِأَكْثَرِ الطَّوَافِ حُكْمُ الْكُلِّ ، وَالْقَارِنُ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ا هـ ا ك قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقُيِّدَ بِطَوَافِ شَوْطٍ ، وَأَرَادَ بِهِ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ حَتَّى إذَا طَافَ شَوْطَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ كَانَ الْخِلَافُ فِيهِ كَذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ رَفَضَهُ ) أَيْ وَيُتِمُّ الْعُمْرَةَ ( قَوْلُهُ : وَقَضَاءُ الْعُمْرَةِ عَلَى مَا عُرِفَ ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ أَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ ا هـ ( قَوْلُهُ يَرْفُضُ الْحَجَّ ) كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ الصَّوَابُ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ ا هـ قَوْلُهُ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ دَمٌ ) لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ دَمُ جَبْرٍ ؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ وَهُوَ مَكِّيٌّ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا جَازَ إلَخْ ) قِيلَ : ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا

أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ وَمَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَكَانَ التَّنَاقُضُ فِي كَلَامِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : غَيْرُ مَشْرُوعٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَامِلًا كَمَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ ا هـ ا ك ( قَوْلُهُ : وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ ) عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ دُونَ النَّفْيِ ا هـ ا ك

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِآخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ ، فَإِنْ حَلَقَ فِي الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْآخَرُ ، وَلَا دَمَ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ ، وَعَلَيْهِ دَمُ قَصْرٍ أَوَّلًا وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَّا التَّقْصِيرَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى لَزِمَهُ دَمٌ ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَفَرَغَ مِنْهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ آخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَهُ الثَّانِي ثُمَّ إنْ كَانَ حَلَقَ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحْلِقْ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ سَوَاءٌ حَلَقَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَحْلِقْ ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ، وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى قَبْلَ الْحَلْقِ لِلْأُولَى فَعَلَيْهِ دَمٌ أَيْ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَجِّ وَقَالَا : إنْ لَمْ يَحْلِقْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ ، فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ الثَّانِي بَعْدَ مَا حَلَقَ لِلْأَوَّلِ لَزِمَهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ وَأَحْرَمَ لِلثَّانِي بَعْدَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى أَحْرَمَ بِالثَّانِي لَزِمَهُ لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيهِ ، وَعَلَيْهِ دَمُ حَلْقٍ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالثَّانِي أَوْ لَمْ يَحْلِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَلَقَ يَكُونُ جَانِيًا عَلَى الْإِحْرَامِ الثَّانِي ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ يَكُونُ مُؤَخِّرًا لِلْحَلْقِ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ ، وَهُوَ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ حَلَقَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَلْقِ عِنْدَهُمَا لَا يُوجِبُ شَيْئًا ثُمَّ فَرَّقَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَأَوْجَبَ فِي الْعُمْرَةِ دَمًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ ، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي الْحَجِّ ، وَهُوَ

رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَفِي الْأَصْلِ أَوْجَبَ الدَّمَ فِي الْحَجِّ أَيْضًا لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إحْرَامًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَمْعَيْنِ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْإِحْرَامِ إنَّمَا كَانَ حَرَامًا لِأَجْلِ الْجَمْعِ فِي الْأَفْعَالِ ؛ إذْ الْجَمْعُ فِي الْأَفْعَالِ يُوجِبُ النُّقْصَانَ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ لَا يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَفْعَالِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الثَّانِيَةِ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى الْقَابِلِ بِخِلَافِ الْعُمْرَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَفْعَالِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ تَأْخِيرَ الثَّانِيَةِ ، وَهَذَا عَلَى تَحْقِيقِ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَقِيلَ : لَيْسَ فِيهَا إلَّا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ وُجُوبُ الدَّمِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ كَالْعُمْرَتَيْنِ ، وَسُكُوتُهُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ ، أَوْ عُمْرَتَيْنِ لَزِمَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ : إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِحْرَامِ الْأَدَاءُ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَّا أَحَدَهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْآخَرُ ، وَاعْتَبَرَهُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ قُلْنَا : يُمْكِنُ فِي بَابِ الْحَجِّ أَنْ يُحْرِمَ بِإِحْرَامَيْنِ كَمَا فِي الْقَارِنِ ثُمَّ لَا يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا عِنْدَهُ حَتَّى يَسِيرَ فِي أَحَدِهِمَا إلَى مَكَّةَ ، وَقِيلَ : حَتَّى يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ ، وَإِنَّمَا التَّنَافِي بَيْنَ الْأَدَاءَيْنِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا كَمَا فَرَغَ مِنْ إحْرَامَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ الْأَفْعَالِ ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا جَنَى فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَعَلَيْهِ دَمُ قَصْرٍ ) أَرَادَ بِالتَّقْصِيرِ الْحَلْقَ إلَّا أَنَّهُ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ) لَفْظَةُ لِمَا بِاللَّامِ لَا بِالْكَافِ ا هـ ( قَوْلُهُ : خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ) أَيْ وَكَذَلِكَ إذَا أُحْصِرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحْتَاجُ إلَى هَذَيْنِ لِلتَّحَلُّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ا هـ ا ك

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ رَفَضَ عُمْرَتَهُ وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَا ) أَيْ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَةَ وَلَمْ يَقِفْ بِهَا بَعْدُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُسِيءٌ بِتَقْدِيمِ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِكَوْنِهِ أَخْطَأَ السُّنَّةَ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْقِرَانِ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ يُقَدِّمَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ ثُمَّ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ مَا لَمْ يَأْتِ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ صَارَ رَافِضًا لَهَا بِالْوُقُوفِ لَا بِالتَّوَجُّهِ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَى الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِالتَّوَجُّهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى ، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ فِي بَابِ الْقِرَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ طَافَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَمَضَى عَلَيْهِمَا يَجِبُ دَمٌ ) يَعْنِي لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا ، وَالْمُرَادُ بِالطَّوَافِ لِلْحَجِّ طَوَافُ الْقُدُومِ وَبِالْمُضِيِّ عَلَيْهِمَا أَنْ يُقَدِّمَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ قَارِنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْثُ أَخَّرَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِيهِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فَيَكُونُ قَارِنًا عَلَى حَالِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ ، وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ وَجَبْرٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَدَمُ شُكْرٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنُدِبَ رَفْضُهَا ) أَيْ رَفْضُ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ التَّرْتِيبُ فِي الْفِعْلِ مِنْ وَجْهٍ بِتَقْدِيمِ طَوَافِ الْقُدُومِ عَلَى

الْعُمْرَةِ وَفِيمَا سَبَقَ لَمْ يَفُتْ ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَمْ يُقَدِّمْ إلَّا الْإِحْرَامَ وَلَا تَرْتِيبَ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْضُ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى لَيْسَ بِرُكْنِ الْحَجِّ ، وَإِذَا رَفَضَهَا قَضَاهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَتْهُ وَلَزِمَهُ الرَّفْضُ وَالدَّمُ وَالْقَضَاءُ ) أَيْ إنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَتْهُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا ، وَيَلْزَمُهُ الرَّفْضُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَرْكَانَ الْحَجِّ فَيَكُونُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ خَطَأً مَحْضًا ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ فَتُرْفَضُ فَإِذَا رَفَضَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا لِلتَّحَلُّلِ مِنْهَا قَبْلَ أَوَانِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا بِخِلَافِ صَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ إذَا أَفْسَدَهُ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ قَدْ بَاشَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إفْسَادُهُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ صِيَانَتُهُ ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الصِّيَانَةِ ، وَهُنَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ ، وَهُوَ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ فَصَارَ كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا صَحَّ ) أَيْ إذَا مَضَى عَلَى الْعُمْرَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا ، وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي هَذَا الْأَيَّامِ وَلِتَخْلِيصِ الْوَقْتِ لَهُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَجِبُ دَمٌ ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِالْمُضِيِّ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ لَمْ يُحْرِمْ بِالْعُمْرَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ التَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ بِالْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ قُلْنَا : قَدْ

بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ ، وَهُوَ رَمْيُ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِعْلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَامِعًا بَيْنَهُمَا إحْرَامًا فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ لِذَلِكَ ، وَقِيلَ : إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَلْقِ لَا يَرْفُضُهَا كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفُضُهَا احْتِرَازًا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا لَا تُرْفَضُ مِنْ غَيْرِ رَفْضٍ

( قَوْلُهُ صَارَ رَافِضًا لَهَا ) أَيْ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا ؛ إذْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَجِّ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَلَوْ طَافَ ) أَيْ الرَّجُلُ الَّذِي أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ ) وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَجُبِرَ عَلَى مَا اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ) هَذَا مَا وَعَدَ بِهِ فِي بَابِ الْقِرَانِ ا هـ وَذَكَرَ أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ أَهَلَّ ) أَيْ أَحْرَمَ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَوْمَ النَّحْرِ ) أَيْ أَوْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ قَدْ بَاشَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ ) أَيْ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ ضِيَافَةِ اللَّهِ - تَعَالَى ، فَيُؤْمَرُ بِالْإِفْطَارِ ، فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَهُنَا لَا يَلْزَمُ الْمَعْصِيَةُ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ أَدَاءُ أَفْعَالِهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ ) يَعْنِي إنْ كَانَ أَحْرَمَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ ، وَقَوْلُهُ : أَوْ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ يَعْنِي إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ ا هـ ا ك ( قَوْلُهُ : أَوْ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ ) قَالُوا : وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ أَيْضًا ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ قَالُوا : وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ أَيْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ أَوْ لِلْجَمْعِ فِي الْأَفْعَالِ الْبَاقِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ مَنَاسِكُ الْحَجِّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفُضُهَا ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٌ مِنْ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسُنَّةِ الْمَبِيتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ احْتِرَازًا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ ) ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ حَلَقَ فَقَدْ

بَقِيَ عَلَيْهِ مَنَاسِكُ الْحَجِّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ا هـ غَايَةُ الْبَيَانِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ ) أَيْ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ رَفَضَهَا ) أَيْ رَفَضَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَوْ الْعُمْرَتَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، فَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ إحْرَامًا ، وَهُوَ بِدْعَةٌ فَيَرْفُضُهَا ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ أَفْعَالًا ، وَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا فَيَرْفُضُهَا ، وَنَظِيرُهُ الْمَسْبُوقُ إذَا قَامَ لِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ هُوَ مُقْتَدِي تَحْرِيمَةً ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِذَلِكَ ، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ أَدَاءً حَتَّى تَلْزَمَهُ الْقِرَاءَةُ وَالسُّجُودُ بِسَهْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ ) أَيْ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ ) نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ } أَيْ مِنْ قَوْمِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ضُمِّنَ فِيهِ مَعْنَى صَارَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَيَرْفُضُهَا ) أَيْ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ ، وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَدَمٌ لِرَفْضِهَا لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ ؛ لِأَنَّ أَوَانَ التَّحَلُّلِ عَنْ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْحَلْقِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْمُحْصَرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ ) أَيْ نَظِيرُ فَائِتِ الْحَجِّ وَبَيَانُهُ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ حَاجٌّ إحْرَامًا ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ بَاقٍ وَمُعْتَمِرٌ أَدَاءً ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ا هـ .

بَابُ الْإِحْصَارِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا يُقَالُ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَحْصَرَهُ الْمَرَضُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } وَفِي الشَّرْعِ هُوَ مَنْعُ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَنْ يَبْعَثَ شَاةً تُذْبَحُ عَنْهُ وَيَتَحَلَّلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا إحْصَارَ إلَّا بِعَدُوٍّ ؛ لِأَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ نَزَلَتْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا مُحْصَرِينَ بِالْعَدُوِّ وَقَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ { فَإِذَا أَمِنْتُمْ } وَالْأَمْنُ يَكُونُ مِنْ الْعَدُوِّ لَا مِنْ الْمَرَضِ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْعَدُوِّ لَا يَكُونُ وَارِدًا فِي الْمَرَضِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ أَمْرِ الْعَدُوِّ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْ الْمَرَضِ ؛ لِأَنَّهُ حَالٌّ لَا يُفَارِقُهُ بِالْإِحْلَالِ وَلِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ فِي سِيَاقِ آيَةِ الْإِحْصَارِ { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ غَيْرُ الْمُحْصَرِ وَلَوْلَا أَنَّهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ مَعْنًى بَعْدَ ذِكْرِ الْمُحْصَرِ ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْإِحْصَارَ يَكُونُ بِالْمَرَضِ وَبِالْعَدُوِّ الْحَصْرُ لَا الْإِحْصَارُ كَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْهُمْ الْفَرَّاءُ وَابْنُ السِّكِّيتِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ وَالْقُتَيْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمُتْقِنِينَ لِهَذَا الْفَنِّ ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ : عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ ، وَلَئِنْ كَانَ الْإِحْصَارُ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُهُ وَغَيْرَهُ مِنْ

الْأَعْذَارِ وَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ ، وَالْأَمَانُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَرَضِ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الزُّكَامُ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ } فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمَحْصُورِ بِالْعَدُوِّ خَاصَّةً ، وَلَئِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ ، كَمَا زَعَمَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَرَضَ دَلَالَةً ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ الْآتِي مِنْ قِبَلِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ ، وَالْحَرَجُ بِالِاصْطِبَارِ عَلَيْهِ مَعَ الْمَرَضِ أَعْظَمُ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحَلُّلِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ وَيَصْبِرَ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ إلَى أَنْ يَزُولَ الْخَوْفُ فَإِذَا أَدْرَكَ الْحَجَّ ، وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ لِلضَّرُورَةِ حَتَّى لَا يَمْتَدَّ إحْرَامُهُ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمَرِيضِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرُّويَانِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُمْ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِمْ لِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَهُمْ أَنْ يَتَحَلَّلُوا ، وَهَذَا إحْصَارٌ بِغَيْرِ عَدُوٍّ فَكَذَا الْمَرِيضُ وَلَا يَدُلُّ قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ } عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ بِمُحْصَرٍ ؛ لِأَنَّهَا سَبَقَتْ لِبَيَانِ حُكْمٍ آخَرَ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَيْهِمْ مَعَ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ فَلَا تَنَافِيَ فَيَكُونُ لِلْمَرِيضِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ بِهَذَا ، وَإِنْ شَاءَ بِذَلِكَ ، فَإِذَا جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ يُقَالُ لَهُ : ابْعَثْ شَاةً تُذْبَحُ فِي الْحَرَمِ ، وَوَاعِدْ مَنْ تَبْعَثُهُ أَنْ يَذْبَحَهَا فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ تَحَلَّلْ ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ مُخْتَصٌّ بِالْحَرَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُذْبَحُ فِي مَوْضِعِ أُحْصِرَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً وَتَرْفِيهًا أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } وَالتَّوْقِيتُ بِالْحَرَمِ يُنَافِي الْيُسْرَ

فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } بَعْدَ ذِكْرِ الْهَدَايَا ، وَقَالَ تَعَالَى { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } وَلِأَنَّ الدَّمَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِالزَّمَانِ وَلَا بِالْمَكَانِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحَلُّلُ وَقَوْلُهُ : التَّوْقِيتُ يُنَافِي الْيُسْرَ قُلْنَا : الْمُرَاعَى أَصْلُ التَّخْفِيفِ لَا نِهَايَتُهُ ، وَقَدْ حَصَلَ وَتُجْزِيهِ الشَّاةُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُهَا وَتُجْزِيهِ الْجَزُورُ وَالْبَقَرَةُ أَوْ سُبْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الضَّحَايَا وَلَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ : أَنْ يَبْعَثَ شَاةً نَفْسَ الشَّاةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ قَدْرَهَا أَيْ قِيمَتَهَا حَتَّى لَوْ بَعَثَ قِيمَةَ شَاةٍ يَشْتَرِي بِهَا هُنَاكَ شَاةً ثُمَّ تُذْبَحُ عَنْهُ جَازَ ، وَقَوْلُهُ : وَيَتَحَلَّلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ وَلَا تَقْصِيرَ بَلْ يَتَحَلَّلُ بِالذَّبْحِ عَنْهُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ حَلَقَ فَحَسَنٌ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَحْلِقُوا وَحَلَقَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ بُلُوغِ الْهَدَايَا مَحِلَّهَا } وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ لَمْ يُعْرَفْ كَوْنُهُ نُسُكًا إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ وَقَبْلَهُ جِنَايَةٌ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلِهَذَا الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ إذَا مَنَعَهُمَا الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ لَا يُؤْمَرَانِ بِالْحَلْقِ إجْمَاعًا وَفِي الْكَافِي إنَّمَا لَا يَحْلِقُ عِنْدَهُمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ ، وَأَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَيَحْلِقُ ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُؤَقَّتٌ بِالْحَرَمِ عِنْدَهُمَا فَعَلَى هَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّ

بَعْضَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ فِيهِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَلَقَ وَأَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ لِيُعْرَفَ اسْتِحْكَامُ عَزِيمَتِهِ عَلَى الِانْصِرَافِ وَيَأْمَنَ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ فَلَا يَشْتَغِلُونَ بِمَكِيدَةٍ أُخْرَى بَعْدَ الصُّلْحِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَذْبَحَ أَوْ يَطُوفَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَحِلُّ بِالصَّوْمِ بِأَنْ يُقَوِّمَ شَاةً وَسَطًا فَيَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِصَوْمِ الْمُتْعَةِ ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } أَنْهَى الْحُرْمَةَ إلَى غَايَةٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ قَبْلَهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَارِنًا بَعَثَ دَمَيْنِ ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا بَعَثَ دَمَيْنِ دَمًا لِحَجَّتِهِ وَدَمًا لِعُمْرَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامِهِمَا فَلَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ عَنْهُمَا ، وَلَوْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ عَنْ الْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ تَحَلَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ يَكُونُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَتَوَقَّفُ بِالْحَرَمِ لَا بِيَوْمِ النَّحْرِ ) أَيْ دَمُ الْإِحْصَارِ يَتَوَقَّتُ بِالْحَرَمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ ذَبْحُهُ فِي غَيْرِهِ وَلَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى جَازَ ذَبْحُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ ، وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَبِالْمَكَانِ ، وَهُوَ الْحَرَمُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ ، وَأَمَّا دَمُ الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لَا تَتَوَقَّتُ فِيهِ فَكَذَا الْهَدْيُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ هَذَا دَمٌ يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ إحْرَامِ

الْحَجِّ فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْحَلْقِ فِي الْحَجِّ وَرُبَّمَا يُعْتَبَرُ أَنَّهُ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } ذَكَرَهُ مُطْلَقًا وَالتَّقْيِيدُ بِالزَّمَانِ نَسْخٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِالْمَكَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ دَمُ كَفَّارَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلْإِحْلَالِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ وَدَمُ الْكَفَّارَةِ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ كَالْأُضْحِيَّةِ وَبِخِلَافِ الْحَلْقِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ فِي أَوَانِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعْدَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ وَهَذَا الدَّمُ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ

( بَابُ الْإِحْصَارِ ) هُوَ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ وَكَذَا الْفَوَاتُ فَأَخَّرَهُمَا ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْمُشْكِلَاتِ : الْبَابُ الْمُتَقَدِّمُ بَيَانُ جِنَايَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَفِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ جِنَايَةِ الْغَيْرِ عَلَى الْمُحْرِمِ أَوْ يَقُولُ فِي الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ : إحْرَامٌ مَعَ الْأَدَاءِ ، وَفِي هَذَا الْبَابِ إحْرَامٌ بِلَا أَدَاءً ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِمَنْ أُحْصِرَ ) أَيْ عَنْ الْمُضِيِّ إلَى الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ ا هـ ع وَفِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ والمرغيناني والإسبيجابي وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ مَاتَ مَحْرَمُهَا أَوْ زَوْجُهَا بَعْدَ إحْرَامِهَا فَهِيَ مُحْصَرَةٌ ، وَالْعَدُوُّ يَكُونُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، وَفِي الْمُغْرِبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَبِمَعْنَاهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ بِعَدُوٍّ ) أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ أَوْ مِنْ حَيَوَانٍ ا هـ ع ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِيعَتْ شَاةٌ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ : أَيْ بَعَثَ شَاةً ؛ لِأَنَّ أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ : لِمَنْ أُحْصِرَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ) أَيْ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لَا إحْصَارَ إلَّا بِعَدُوٍّ ) وَالْمُحْصَرُ مِنْ الْعَدُوِّ وَنَحْوِهِ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ سِنِينَ حَتَّى يَطُوفَ الْبَيْتَ ، وَيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كَفَائِتِ الْحَجِّ ا هـ غَايَةٌ ( فَائِدَةٌ ) وَأَمَّا مَنْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ لَا يَتَحَلَّلُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَهُوَ مُحْصَرٌ يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ هَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَشْيُ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَيَلْزَمُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ لَا يَلْزَمُ ابْتِدَاءً ، وَيَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَكَالْفَقِيرِ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ

ابْتِدَاءً ، وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ كَاكِيٌّ أَوْ كَاَلَّذِي ضَلَّ الطَّرِيقَ فَهُوَ مُحْصَرٌ إلَّا أَنَّهُ يَزُولُ إحْصَارُهُ بِوُجُودِ مَنْ يَبْعَثُ مَعَهُ هَدْيَ التَّحَلُّلِ فَإِنَّهُ بِهِ يَذْهَبُ الْمَانِعُ ؛ إذْ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ هُوَ كَالْمُحْصَرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْهَدْيِ فَيَبْقَى مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَحُجَّ إنْ زَالَ الْإِحْصَارُ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ ، أَوْ يَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ اسْتَمَرَّ الْإِحْصَارُ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ هَذَا إذَا جَهِلَ فِي الْحِلِّ ، أَمَّا إنْ ضَلَّ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ الْإِحْصَارَ فِي الْحَرَمِ إذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ إنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ ، وَيَحِلَّ كَذَا ذُكِرَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيلِ مَنْعِ الْإِحْصَارِ فِي الْحَرَمِ تَخْصِيصُهُ بِالْعَدُوِّ أَمَّا إنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ تَحَقُّقُهُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَا مِنْ الْمَرَضِ ) إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمَرَضِ الشِّفَاءُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْإِحْصَارَ إلَخْ ) وَقِيلَ : حُصِرَ وَأُحْصِرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ وَالشَّيْبَانِيُّ ، وَحَكَى ابْنُ فَارِسٍ أَنَّ نَاسًا يَقُولُونَ : حَصَرَهُ الْمَرَضُ ، وَأَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : الْإِحْصَارُ بِهِمَا ، وَالْحَصْرُ بِالْعَدُوِّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ إلَخْ ) أَيْ وَدُخُولُ الْمَحْصُورِ فِي الْآيَةِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ بِالْعَدُوِّ فِي الْمَنْعِ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ رُبَّمَا وَصَلَ إلَى مَقْصِدِهِ بِالدَّابَّةِ وَالْمَحْمَلِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ كَحُرْمَةِ ضَرْبِ الْأَبَوَيْنِ ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ ، أَوْ نَقُولُ : الْعِلَّةُ الْمُبِيحَةُ لِلتَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْصَارِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ ، وَهُوَ الْمَنْعُ عَلَى مَا مَرَّ ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْعَدُوِّ

وَالْمَرَضِ فَيَعُمُّ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَئِنْ كَانَ ) هَذَا جَوَابٌ ثَانٍ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا قَالُوا ا هـ ( قَوْلُهُ : الزُّكَامُ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ ) أَيْ وَالدُّمَّلُ أَمَانٌ مِنْ الطَّاعُونِ ا هـ غَايَةٌ { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ أَمِنَ مِنْ الشَّوْصِ وَاللَّوْصِ وَالْعِلَّوْصِ } وَالشَّوْصُ وَجَعُ السِّنِّ وَاللَّوْصُ وَجَعُ الْأُذُنِ وَالْعِلَّوْصُ وَجَعُ الْبَطْنِ ا هـ كَاكِيٌّ وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ مَنْ يَسْتَبِقْ عَاطِسًا بِالْحَمْدِ يَأْمَنُ مِنْ شَوْصٍ وَلَوْصٍ وَعِلَّوْصٍ كَمَا وَرَدَا عَنَيْت بِالشَّوْصِ دَاءَ الضِّرْسِ ثُمَّ بِمَا يَلِيهِ لِلْأُذْنِ وَالْقَلْبِ اتَّبِعْ رَشَدَا ا هـ الْحَمْدُ لِلَّهِ سُئِلَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ هَلْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا الْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ فَأَجَابَ : الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَلَفْظُهُ مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ أَمِنَ مِنْ الشَّوْصِ وَاللَّوْصِ وَالْعِلَّوْصِ وَالْأَوَّلُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَجَعُ الضِّرْسِ وَقِيلَ وَجَعٌ فِي الْبَطْنِ مِنْ رِيحٍ وَالثَّانِي وَجَعُ الْأُذُنِ وَقِيلَ وَجَعُ الْمُخِّ وَالثَّالِثُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ الثَّقِيلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ هُوَ وَجَعٌ فِي الْبَطْنِ مِنْ التُّخَمَةِ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ ا هـ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ : وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمَرَضَ لَا يَزُولُ بِالتَّحَلُّلِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فَيُفِيدُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْعَدُوِّ وَالْمُحِيطِ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ كَالْمَرَضِ وَبِالْحَبْسِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ خَلَاصٌ وَلَا نَجَاةٌ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ

يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ فَمَا أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَوَاعِدْ مَنْ تَبْعَثُهُ ) الِاحْتِيَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ الْإِحْصَارِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا حَاجَةَ ؛ لِأَنَّهُمَا عَيَّنَا يَوْمَ النَّحْرِ وَقْتًا لَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ قُلْنَا الْمُرَاعَى أَصْلُ التَّخْفِيفِ لَا نِهَايَتُهُ ) لَمْ يُذْكَرْ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ اعْتَبَرَ نِهَايَةَ التَّخْفِيفِ لَكِنَّ دَعْوَاهُ الْقَائِلَةَ : التَّوْقِيتُ يُبْطِلُ التَّخْفِيفَ ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْت الْمُرَاعَى نِهَايَةُ التَّخْفِيفِ مَنَعْنَاهُ ، أَوْ أَصْلُهُ ، فَبِالتَّوْقِيتِ لَا يَنْتَفِي أَصْلُ التَّخْفِيفِ بِالْكُلِّيَّةِ لَتَيَسُّرِ مَنْ يُرْسِلُ مَعَهُ الْهَدْيَ عَادَةً مَعَ الْمُسَافِرِينَ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نِهَايَةُ التَّخْفِيفِ مُرَاعًى فِيهِ لِلتَّحَلُّلِ لَتَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ بِلَا دَمٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَفِي الْمُحِيطِ : وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّخْفِيفَ مَتَى لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ بَلْ يَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى كَمَا يَفْعَلُهُ فَائِتُ الْحَجِّ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : وَأَمَّا الِاسْتِيضَاحُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَاعَى أَصْلَ التَّخْفِيفِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا يَبْقَى مُحْرِمًا أَبَدًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِهِ بَلْ إذَا لَمْ يَجِدْهُ عِنْدَهُ قُوِّمَتْ شَاةٌ وَسَطٌ فَيَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمًا ، وَفِي قَوْلٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ، كَمَا فِي الْعَجْزِ عَنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ عِنْدَهُ ، وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ التَّرْدِيدُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ تَحَلَّلَ ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ ظَنَّ الْمُحْصَرُ أَنَّ الْهَدْيَ قَدْ ذُبِحَ فِي يَوْمِ الْمُوَاعَدِ فَفَعَلَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُ الذَّبْحِ إذْ ذَاكَ كَانَ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ وَكَذَا لَوْ

ذَبَحَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ وَمَا أَكَلَ مِنْهُ الَّذِي مَعَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ الْمُحْصَرِ إنْ كَانَ غَنِيًّا ، وَلَوْ سُرِقَ الْهَدْيُ بَعْدَ ذَبْحِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ يَسْرِقْ تَصَدَّقَ بِهِ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ وَلَا تَقْصِيرَ ) وَإِلَّا قَالَ ثُمَّ احْلِقْ وَنَحْوَهُ فَلَمَّا عَدَلَ إلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ اسْتَفَدْنَا عَدَمَ تَعَيُّنِ الْحَلْقِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ ) وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ وَالْكَافِي الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : عَلَيْهِ الْحَلْقُ : الْحَلْقُ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا بِدَلِيلٍ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ يُوجِبُ الدَّمَ ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ يُوجِبُ الْإِسَاءَةَ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) وَفِي الْكَرْمَانِيِّ فِي حَلْقِ الْمُحْصَرِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَاجِبٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَنْهُ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَعَلَى هَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَالْجَوَابُ عَنْ حَلْقِ النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ فَعَلَ بِالْحَرَمِ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ ؛ لِأَنَّهُ حَلَقَ حَيْثُ نَحَرَ ، وَقَدْ صَحَّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ } وَالْمُحْصَرُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْحَلْقِ بِالْحَرَمِ حَلَقَ عِنْدَنَا أَيْضًا ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّمَا لَا يَجِبُ الْحَلْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْمُحْصَرِ فِي الْحِلِّ ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ فَأَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ بَعْضَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ ) وَفِي الْمَبْسُوطِ : نِصْفُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ ، وَنِصْفُهُ مِنْ الْحِلِّ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : وَأَمَرَهُمْ

بِالْحَلْقِ لِيُعْرَفَ ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِتَخْفِيفِهَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قَارِنًا بَعْضُ دَمَيْنِ ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا لِلْعُمْرَةِ وَالْآخَرِ لِلْحَجِّ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْيِينٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ ا هـ كَاكِيٌّ فَإِنْ قِيلَ : وَجَبَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ شُرِعَ لِلتَّحَلُّلِ ، وَالتَّحَلُّلُ عَنْ الْإِحْرَامَيْنِ يَقَعُ بِتَحَلُّلٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ بَعْدَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ قُلْنَا : لَيْسَ هَذَا كَالْحَلْقِ ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي الْأَصْلِ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ ، وَإِنَّمَا صَارَ قُرْبَةً بِسَبَبِ التَّحَلُّلِ فَكَانَ قُرْبَةً لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا لِعَيْنِهِ فَيَنُوبُ الْوَاحِدُ عَنْ اثْنَيْنِ كَالطَّهَارَةِ الْوَاحِدَةِ تَكْفِي لِلصَّلَوَاتِ الْكَثِيرَةِ كَالتَّسْلِيمِ الْوَاحِدِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي لِلتَّحَلُّلِ عَنْ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةٍ ، فَأَمَّا الْهَدْيُ شُرِعَ لِلتَّحَلُّلِ إلَّا أَنَّهَا قُرْبَةٌ بِنَفْسِهَا ، وَمَا شُرِعَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً بِنَفْسِهَا فَلَا يَنُوبُ الْوَاحِدُ عَنْ اثْنَيْنِ كَأَفْعَالِ الصَّلَاةِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ هَذَا السُّؤَالُ أَوْرَدَهُ الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا فَقَالَ : وَلَا يُقَالُ : دَمُ الْإِحْصَارِ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَلْقِ ، وَيَتَحَلَّلُ الْقَارِنُ بِالْحَلْقِ الْوَاحِدِ عَنْ الْإِحْرَامَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْزِيَ الْهَدْيُ الْوَاحِدُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْحَلْقِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : جِهَةُ الْكَفَّارَةِ فِيهِ رَاجِحَةٌ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ أَكْلُهُ مِنْ دَمِ الْإِحْصَارِ وَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَارِنِ لِجِنَايَتِهِ عَلَى الطَّرَفَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ) { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا } فِي الصَّحِيحِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ ) وَأَمَّا التَّعْيِينُ بِالْمَكَانِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ ا

هـ ( قَوْلُهُ : وَرُبَّمَا يُعْتَبَرُ أَنَّهُ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ ) بَيَانُهُ أَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لَمَّا كَانَ مُؤَقَّتًا بِالْمَكَانِ صَارَ مُؤَقَّتًا بِالزَّمَانِ ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ مُؤَقَّتٌ فِي الْحَجِّ مُؤَقَّتٌ بِالْمَكَانِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا بِالزَّمَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ كَيْ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إنْ تَحَلَّلَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ ) كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّهُ شَارِعٌ فِي الْحَجِّ لَا غَيْرُ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ كَالْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ وَلَنَا أَنَّهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ بِالشُّرُوعِ وَتَلْزَمُهُ الْعُمْرَةُ لِلتَّحَلُّلِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ فَإِنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا قَضَاهَا فَكَذَا هَذَا وَلَا يَقُومُ الدَّمُ مَقَامَ الْعُمْرَةِ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَيَنْعَقِدُ لَازِمًا ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِالْتِزَامَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْحَجِّ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَدَّى الْفَرْضَ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَإِنْ أَفْسَدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِمَا مُسْقِطًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِمَا مُلْتَزِمًا ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَفْعَالِ ، وَهَذَا لَمْ يَقْضِ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إذَا أَقْضَاهُ فِيهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ فَائِتِ الْحَجِّ حِينَئِذٍ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ إذَا قَضَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَوْ قَضَاهَا مِنْ قَابِلٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَتَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَإِنْ شَاءَ قَرَنَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ عُمْرَةٌ ) مَعْنَاهُ الْمُعْتَمِرُ إذَا أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا غَيْرُ ، وَالْإِحْصَارُ عَنْهَا مُتَحَقِّقٌ عِنْدَنَا ، وَقَالَ مَالِكٌ

وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَتَحَقَّقُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ وَحُكْمُ الْإِحْصَارِ لِمَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ ، وَلَنَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا مُعْتَمِرِينَ } فَكَانَتْ تُسَمَّى عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ امْتِدَادَ الْإِحْرَامِ ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَاهُ لَمَا جَازَ لِلْحَاجِّ أَيْضًا التَّحَلُّلُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ، وَهِيَ لَا تَفُوتُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الِامْتِدَادِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إنْ تَحَلَّلَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ ) فَإِنْ قِيلَ : الْعُمْرَةُ فِي فَائِتِ الْحَجِّ لِلتَّحَلُّلِ وَهَا هُنَا تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الْعُمْرَةِ قُلْنَا الْهَدْيُ لِأَجْلِ التَّحَلُّلِ لَا يُسْقِطُ الْعُمْرَةَ الْوَاجِبَةَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْإِحْصَارِ لِمَا أَنَّ الْمُحْصَرَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ ، وَالْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ ، كَذَا ذَكَرَهُ مَوْلَانَا حُمَيْدٍ الدِّينِ ، وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْهَدْيُ شُرِعَ لِتَعْجِيلِ التَّحَلُّلِ عَنْ الْإِحْرَامِ لَا لِلتَّحَلُّلِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّا لَوْ شَرَطْنَا تَوَقُّفَ تَحَلُّلِهِ بِالْعُمْرَةِ يُؤَدِّي إلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهِ لِعَجْزِهِ عَنْهَا بِوَاسِطَةِ الْإِحْصَارِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ الْهَدْيُ شُرِعَ إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى تَحَقَّقَ بِوَصْفِ الْفَوَاتِ تَحَلَّلَ بِالْأَفْعَالِ بِلَا دَمٍ وَلَا عُمْرَةٍ فِي الْقَضَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ) وَذَكَرَهُ الرَّازِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ إذَا قَضَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ) وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً وَعُمْرَةً فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَعَلَيْهِ نِيَّةُ الْقَضَاءِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ مَا إذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ فَمَنَعَهَا زَوْجُهَا وَحَلَّلَهَا ثُمَّ أَذِنَ لَهَا بِالْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَتْ مِنْ عَامِهَا أَوْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ بِحَجِّ نَفْلٍ أَمَّا إذَا كَانَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يُؤَدِّهَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فِي قَابِلٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا } إلَخْ ) وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ

أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } أَيْ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَعَلَيْكُمْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْهَدْيِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَانَتْ تُسَمَّى عُمْرَةَ الْقَضَاءِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ : إنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَاضَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ قُرَيْشًا وَصَالَحَهُمْ لِمُدَّةٍ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ } وَتُسَمَّى عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ قُلْت هَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُقَاضَاةَ إنَّمَا وَقَعَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عُمْرَةٌ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ عِنْدَ إتْيَانِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَفْعَالِهَا وَالثَّانِي لَوْ كَانَ اشْتِقَاقُهَا مِمَّا ذَكَرُوا لَقِيلَ : عُمْرَةُ الْمُقَاضَاةِ أَوْ الْقِضَاءِ بِكَسْرِ الْقَافِ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ : وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ عِنْدَ إتْيَانِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَفْعَالِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ) وَمِنْ فُرُوعِ الْإِحْصَارِ بِالْعُمْرَةِ رَجُلٌ أَهَلَّ بِنُسُكٍ مُبْهَمٍ فَأُحْصِرَ قَبْلَ التَّعْيِينِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ وَيَقْضِيَ عُمْرَةً اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ إنْ كَانَ لِلْحَجِّ لَزِمَاهُ فَكَانَ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ لَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ الْمُتَيَقَّنَ ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ فَتَصِيرُ هِيَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ هَذَا الْإِحْرَامِ بِأَدَاءِ عُمْرَةٍ فَكَذَا بَعْدَهُ ، وَعَنْ هَذَا أَيْضًا قُلْنَا : لَوْ جَامَعَ قَبْلَ التَّعْيِينِ لَزِمَهُ دَمُ الْجِمَاعِ ، وَالْمُضِيُّ فِي أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ ، وَقَضَاؤُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَيَّنَ نُسُكًا فَنَسِيَهُ ثُمَّ أُحْصِرَ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ تَيَقَّنَّا عَدَمَ نِيَّةِ الْحَجِّ وَهُنَا جَازَ كَوْنُ الْمَنْوِيِّ كَانَ الْحَجَّ فَيَحِلُّ بِهَدْيٍ ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ

وَعُمْرَةٌ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ ) يَعْنِي إذَا تَحَلَّلَ ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَلْزَمُهُ بِالتَّحَلُّلِ قَضَاؤُهُمَا وَقَضَاءُ عُمْرَةٍ أُخْرَى إذَا لَمْ يَقْضِ الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاجَّ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَإِنْ قَضَى الْعُمْرَةَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْعُمْرَةَ إذَا قَضَى الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا بَلْ أَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي وَقْتِهِ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ بَعَثَ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ ، وَقَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ وَالْحَجِّ تَوَجَّهَ وَإِلَّا لَا ) أَيْ فَإِنْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ بِالْحَجِّ الْهَدْيَ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يُدْرِكَ الْهَدْيَ وَالْحَجَّ وَجَبَ التَّوَجُّهُ عَلَيْهِ لِأَدَاءِ الْحَجِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْعِتْقِ إذَا قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ كَذَا هَذَا وَيَصْنَعُ بِالْهَدْيِ مَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُدْرِكَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ ، وَإِنْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّحَلُّلِ كَمَا فِي فَائِتِ الْحَجِّ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ وَفِي التَّوَجُّهِ فَائِدَةٌ ، وَهُوَ سُقُوطُ الْعُمْرَةِ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَانِ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا قُلْنَا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي

الْتَزَمَهُ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا وَبِفَوَاتِ الْحَجِّ يَفُوتُ ذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ : وَإِلَّا لَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ وَالْحَجِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ وَذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يُدْرِكَ الْهَدْيَ دُونَ الْحَجِّ فَيَتَحَلَّلَ ؛ لِأَنَّهُ عَجْزٌ عَنْ الْأَصْلِ ، أَوْ لَا يُدْرِكَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَيَتَحَلَّلَ أَيْضًا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ ، أَوْ يُدْرِكَ الْحَجَّ دُونَ الْهَدْيِ فَيَجُوزَ لَهُ التَّحَلُّلُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالِاسْتِحْسَانُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ بِالْحَجِّ عِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ بِيَوْمِ النَّحْرِ ، فَإِذَا أَدْرَكَ الْحَجَّ يُدْرِكُ الْهَدْيَ ضَرُورَةً ، وَفِي الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ يُتَصَوَّرُ اتِّفَاقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُمَا فِيهِ كَجَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ قَدْ زَالَ فَيَسْقُطُ حُكْمُ الْبَدَلِ ، وَهُوَ الْهَدْيُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ ، وَهُوَ الْحَجُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ يَضِيعُ مَالُهُ مَجَّانًا ، وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ فَيَتَحَلَّلُ كَمَا إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيفَاءً بِمَا الْتَزَمَ كَمَا الْتَزَمَ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ ) ثُمَّ إنْ شَاءَ أَدَّى عُمْرَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ ، وَالْحَجَّةَ مُفْرَدَةً فَيَكْفِيهِ دَمُ الْإِحْصَارِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّ إحْدَى الْعُمْرَتَيْنِ إلَى الْحَجَّةِ فَيَكُونُ قَارِنًا فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ مَعَ دَمِ الْإِحْصَارِ ، وَفِي الْمُحِيطِ : وَإِنْ شَاءَ ضَمَّ إحْدَى الْعُمْرَتَيْنِ فَيَكُونُ قَارِنًا فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ قَارِنًا كَمَا فَاتَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ الْتَزَمَ أَصْلَ الْعِبَادَةِ لَا صِفَتَهَا كَمَنْ افْتَتَحَ تَطَوُّعًا قَائِمًا جَازَ أَنْ يَقْعُدَ عَنْهُ حِينَئِذٍ طَرَابُلُسِيٌّ ، قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ يَعْنِي دَمَ شُكْرٍ لِلْقِرَانِ وَدَمَيْنِ جَبْرًا لِإِحْصَارِهِ قَارِنًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَضَى الْعُمْرَةَ ) لَعَلَّهُ ، وَإِنْ قَضَى الْحَجَّ فَتَأَمَّلْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ جَازَ ) لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ) أَيْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ ) أَيْ وَلِهَذَا يُقَاتِلُ مَنْ قَصَدَ أَخْذَ مَالِهِ كَمَا يُقَاتِلُ مَنْ قَصَدَ قَتْلَهُ وَلَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْمَبْعُوثِ عَلَى يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا إحْصَارَ بَعْدَ مَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْفَوَاتُ بَعْدَهُ فَأَمِنَ مِنْهُ ، فَإِنْ قِيلَ : يُشْكِلُ هَذَا عَلَيْكُمْ بِالْمُعْتَبَرِ فَإِنَّهُ أَمِنَ مِنْ الْفَوَاتِ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَفُوتُ لِعَدَمِ تَوَقُّتِهَا بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ ، قُلْنَا : الْمُعْتَمِرُ يَلْزَمُهُ ضَرَرٌ بِامْتِدَادِ الْإِحْرَامِ فَوْقَ مَا الْتَزَمَهُ ، فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ضَرَرٌ بِالْمُضِيِّ فِيهِ ، فَإِنْ قِيلَ : امْتِدَادُ الْإِحْرَامِ مَوْجُودٌ هُنَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَحْلِقَ قُلْنَا : يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْحَلْقِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ ، وَإِنْ لَزِمَهُ دَمٌ لِكَوْنِهِ حَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَبْعَثَ دَمَ الْإِحْصَارِ لِيَتَحَلَّلَ بِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ إنْ دَامَ الْإِحْصَارُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ دَمٌ وَلِتَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ دَمٌ وَلِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاخْتَلَفُوا فِي تَحَلُّلِهِ فِي مَكَانِهِ قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَلَّلَ فِي مَكَانِهِ يَقَعُ الْحَلْقُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَمَكَانُهُ الْحَرَمُ وَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى يَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ يَقَعُ فِي غَيْرِ زَمَانِهِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ الزَّمَانِ أَهْوَنُ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْ الْمَكَانِ فَيُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ وَقِيلَ : يَتَحَلَّلُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْحَالِ رُبَّمَا يَمْتَدُّ الْإِحْصَارُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَيَفُوتُهُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ جَمِيعًا فَتَحَمُّلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا إحْصَارَ بَعْدَ مَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ ) أَيْ فَلَا يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْفَوَاتُ بَعْدَهُ ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) فَكَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا ا هـ كَيْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ) وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الدَّمَانِ الْأَوَّلَانِ لَا الْآخَرَانِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْلَمْ : أَنَّ الْحَاجَّ إذَا أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَجِّ وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ } لَا يُقَالُ : إنَّهُ مَصْدُودٌ عَنْ الْبَيْتِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَجَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ فِيمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ لَمْ يَتِمَّ حَجُّهُ وَفِيمَا بَعْدَ الْوُقُوفِ تَمَّ فَافْتَرَقَا وَلِأَنَّ فِيمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ إذَا لَمْ يَتَحَلَّلْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ، وَفِيمَا بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالْحَلْقِ فَلَا يَبْقَى مِنْ الْمَحْظُورَاتِ إلَّا النِّسَاءُ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالصَّبْرُ عَلَى النِّسَاءِ لَيْسَ بِمَشَقَّةٍ لَا تُحْمَلُ ، وَقَوْلُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْلِقُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ حَيْثُ أُحْصِرَ ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ إحْرَامَهُ عَنْ النِّسَاءِ فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالْحَلْقِ عَنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ إلَّا النِّسَاءَ ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ : وَهُوَ حَرَامٌ كَمَا هُوَ حَتَّى

يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَذَاكَ يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْحَلْقِ إلَى أَنْ يَفْعَلَهُ فِي الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ حَرَامٌ كَمَا هُوَ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ : رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَظْهَرُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ فَهُوَ مُحْصَرٌ ) يَعْنِي إنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ صَارَ مُحْصَرًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى الْأَفْعَالِ فَكَانَ مُحْصَرًا كَمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْحِلِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ يُمْنَعْ عَنْهُمَا بِأَنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مُحْصَرًا أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْوُقُوفِ فَلِأَنَّهُ أَمِنَ مِنْ الْفَوَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ ، وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْهَدْيِ ، وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ : سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْمُحْصَرِ يُحْصَرُ فِي الْحَرَمِ قَالَ : لَا يَكُونُ مُحْصَرًا قُلْت أَلَيْسَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ } ، وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَ : إنَّ مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ دَارَ الْحَرْبِ ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَهِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِحْصَارُ فِيهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ : أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ : إذَا غَلَبَ الْعَدُوُّ عَلَى مَكَّةَ حَتَّى حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ كَانَ مُحْصَرًا ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ التَّفْصِيلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ : فَلَا حَاجَةَ إلَى الْهَدْيِ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ : كُلُّ مَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ بِالطَّوَافِ لَا يَكُونُ مُحْصَرًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ لَيْسَ بِمُحْصَرٍ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالطَّوَافِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( تَقْسِيمٌ ) الْمُتَحَلِّلُ قَبْلَ أَعْمَالِ مَا أَحْرَمَ بِهِ إمَّا مُحْصَرٌ أَوْ فَائِتُ الْحَجِّ أَوْ غَيْرُهُمَا ، وَتَحَلُّلُ الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ بِالدَّمِ ، وَالثَّانِي بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ، وَالثَّالِثِ بِلَا شَيْءٍ يَتَقَدَّمُهُ ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ مُنِعَ مِنْ الْمُضِيِّ شَرْعًا لِحَقِّ الْعَبْدِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ الْمَمْنُوعَيْنِ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى إذَا أَحْرَمَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى فَإِنَّ لِلزَّوْجِ وَالْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُمَا فِي الْحَالِ ثُمَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَبْعَثَ بِهَدْيٍ يُذْبَحُ عَنْهَا فِي الْحَرَمِ ، وَعَلَى الْعَبْدِ إذَا أُعْتِقَ هَدْيُ الْإِحْصَارِ ، وَعَلَيْهِمَا مَعًا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ) قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ قَوْلُ الْكُلِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ التَّفْصِيلُ ) وَهُوَ أَنَّ مَنْ مُنِعَ عَنْهُمَا بِمَكَّةَ كَانَ مُحْصَرًا وَمَنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مُحْصَرًا ا هـ .

بَابُ الْفَوَاتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلْيُحْلِلْ بِعُمْرَةٍ ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِلَا دَمٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَتَحَلَّلْ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ جَابِرٌ : { لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ ، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَقُلْت لَهُ أَقَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ } رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ : يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ مَعَ الْقَضَاءِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَنَا بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ قَالَ : وَعَلَيْك الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ هَدْيًا ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لَهُ وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ وَقَعَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ، وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهَا فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، وَتَجِبُ الْعُمْرَةُ حَتْمًا ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَتَى انْعَقَدَ صَحِيحًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ ، وَإِنْ فَسَدَ فِيمَا بَعْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ ؛ وَلِهَذَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ : أَصْلُ إحْرَامِهِ بَاقٍ ، وَيَتَحَلَّلُ عَنْهُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَصِيرُ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا بِإِحْرَامِ غَيْرِهَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَتَعَيَّنَ قَلْبُ الْإِحْرَامِ ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ إحْرَامِهِ لِلْعُمْرَةِ إلَّا بِفَسْخِ إحْرَامِ الْحَجِّ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ثُمَّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ ؛

لِأَنَّهُ عُمْرَةٌ فِعْلًا ، وَإِنْ كَانَ فَائِتُ الْحَجِّ قَارِنًا طَافَ طَوَافَيْنِ ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ إنْ فَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعُمْرَةَ ، فَالْأَوْلَى مِنْهُمَا هِيَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا ، وَالثَّانِيَةُ : يَخْرُجُ بِهَا عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فِي الطَّوَافِ الثَّانِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا فَوْتَ لِعُمْرَةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ

{ بَابُ الْفَوَاتِ } قَدَّمَ الْإِحْصَارَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إحْرَامًا بِلَا أَدَاءً ، وَفِي الْفَوَاتِ إحْرَامٌ مَعَ الْأَدَاءِ مَعَ تَغْيِيرٍ ، وَكَانَ الْإِحْصَارُ كَامِلًا فِي الْعَارِضِيَّةِ فَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الْعَوَارِضِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلْيُحْلِلْ بِعُمْرَةٍ ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَتَحَلَّلَ بِالْحَلْقِ ا هـ قره حصاري شَرْحِ كَنْزٍ ( فَائِدَةٌ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ مَا نَصُّهُ الْعُمْرَةُ لُغَةً الزِّيَارَةُ يُقَالُ اعْتَمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا زَارَهُ ، وَفِي الشَّرِيعَةِ زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ قِيلَ سُمِّيَتْ عُمْرَةً ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ وَقِيلَ : لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْمَوْضِعِ الْعَامِرِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلْيَتَحَلَّلْ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ إلَخْ ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ خُصُوصِ هَذَا الْمَتْنِ الِاسْتِدْلَال عَلَى نَفْيِ لُزُومِ الدَّمِ فَإِنَّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُعْلَمُ فِيهَا خِلَافٌ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْفَوَاتِ فَكَانَ الْمَذْكُورُ جَمِيعَ مَا لَهُ مِنْ الْحُكْمِ ، وَإِلَّا نَافَى الْحِكْمَةَ ، وَلَيْسَ مِنْ الْمَذْكُورِ لُزُومُ الدَّمِ فَلَوْ كَانَ مِنْ حُكْمِهِ لَذَكَرَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ إلَخْ ) الْمُرَادُ أَنَّ لُزُومَ الدَّمِ عَنْ الْمُحْصَرِ لِكَوْنِهِ تَعَجَّلَ الْإِحْلَالَ قَبْلَ الْأَعْمَالِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لَا مَا يَتَخَايَلُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ لِيُقَالَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْمُحْصَرِ عُمْرَةٌ فِي قَضَاءِ الْحَجَّةِ حِينَئِذٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَتَى انْعَقَدَ صَحِيحًا إلَخْ ) وَفِي الْمُحِيطِ الْعُمْرَةُ مِنْ الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ التَّطَوُّعِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَلَوْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ فِيهَا يَتَحَلَّلُ مِنْ تَحْرِيمِهَا بِالتَّطَوُّعِ فَكَذَا هَذَا ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا

نَصُّهُ الْمُرَادُ مِنْ الصَّحِيحِ اللَّازِمُ لِيَخْرُجَ بِهِ الْعَبْدُ ، وَالزَّوْجَةُ بِغَيْرِ إذْنٍ لَا مُقَابِلَ مَا فَسَدَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا فِي الْإِحْرَامِ إلَخْ ) هُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي النِّيَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ يُلَبِّيَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الطَّوَافِ فَإِذَا شَرَعَ قَبْلَ التَّعْيِينِ تَعَيَّنَتْ الْعُمْرَةُ ؛ وَلِذَا قُلْنَا : لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ رَفَضَهَا ، وَلَزِمَ حُكْمُ الرَّفْضِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي إضَافَةِ الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ) أَيْ وَالشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ) أَيْ وَابْنُ حَنْبَلٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَوْ انْقَلَبَ لَلَزِمَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مِيقَاتَ إحْرَامِ الْمَكِّيِّ لِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهُ حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرَ الْحَجِّ فَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ، وَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً لَصَارَ مُتَمَتِّعًا ؛ وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ يَقْتَضِي بَقَاءَ إحْرَامِهِ ؛ إذْ لَوْ زَالَ وَانْفَسَخَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَحَلُّلًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ فَكَيْفَ يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ انْفِسَاخِهِ وَانْقِلَابِهِ إحْرَامَ عُمْرَةٍ ، وَفِي الْمَبْسُوطِ بَقِيَ أَصْلُ إحْرَامِ الْحَجِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى يَطُوفُ لِلَّذِي فَاتَهُ وَيَسْعَى ، وَيَرْفُضُ الثَّانِيَةَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إحْرَامُهُ بَاقِيًا لَمْ يَكُنْ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ ، وَلَمْ يَجِبْ رَفْضُ الثَّانِيَةِ ، وَفِي الْمُحِيطِ رَفْضُ الثَّانِيَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

يَمْضِي فِي الْحَجَّةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى انْقَلَبَ إحْرَامُهَا إحْرَامَ عُمْرَةٍ فَكَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً ا هـ كَاكِيٌّ وَغَايَةٌ قَوْلُهُ : يَتَحَلَّلُ بِهَا أَيْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَرُكْنُهَا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَاجِبٌ ، وَالْإِحْرَامُ شَرْطٌ كَمَا فِي الْحَجِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ فِي السَّنَةِ ) لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ ( وَتُكْرَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَعْتَمِرْ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَاعْتَمِرْ فِيمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : حَلَّتْ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ رَوَاهُ الْهَرَوِيُّ وَلِأَنَّ هَذِهِ أَيَّامُ الْحَجِّ فَتَعَيَّنَتْ لَهُ ، وَفِي قَوْله تَعَالَى { يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ } إشَارَةٌ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تُفِيدُ التَّخْصِيصَ فَيَكُونُ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ أَخَصَّ بِهِ مِنْ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ يَعْنِي بِيَوْمِ النَّحْرِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَتُكْرَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَخْ ) هَكَذَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْأَصْحَابُ ، وَفِي الْيَنَابِيعِ يُكْرَهُ فِعْلُهَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَذَكَرَ مَكَانَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ ، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنْ الْكَاتِبِ ا هـ غَايَةٌ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالنِّهَايَةِ الشَّاهِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : يُكْرَهُ فِعْلُهَا أَيْ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَمَّا لَوْ كَانَ قَارِنًا أَوْ فَائِتَ الْحَجِّ يَجُوزُ أَدَاءُ أَفْعَالِهَا بِلَا كَرَاهَةٍ فِيهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ ا هـ كَاكِيٌّ ، وَفِي التُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ : يُكْرَهُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ إلَّا إذَا قَصَدَ الْقِرَانَ أَوْ التَّمَتُّعَ بَلْ فِعْلُهَا فِيهَا حِينَئِذٍ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَفِي الْمَنَافِعِ يُكْرَهُ فِعْلُهَا فِيهَا أَيْ إنْشَاءُ إحْرَامِ فِعْلِهَا وَأَدَائِهَا أَمَّا لَوْ كَانَ قَارِنًا يَجُوزُ فِعْلُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ : وَفَائِتُ الْحَجِّ يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا فِي سَائِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ فِيهَا بِالرَّمْيِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ ) وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمٌ ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُفِيدُهُ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَهِيَ سُنَّةٌ ) أَيْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَقِيلَ : وَاجِبَةٌ ، وَقِيلَ : فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ : هِيَ تَطَوُّعٌ ، وَفِي الْجَدِيدِ : هِيَ فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } أَمَرَ بِهَا ، وَهِيَ لِلْوُجُوبِ وَرُوِيَ { عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالظَّعْنَ قَالَ اُحْجُجْ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى عَبْدُ الْحَقِّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : { الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِمَا بَدَأْت } وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَيْسَ أَحَدٌ إلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّهَا لِقَرِينَتِهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ { أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ } وَالْأَخْبَارُ فِي كَوْنِهَا تَطَوُّعًا كَثِيرَةٌ وَقَدْ ظَهَرَتْ فِيهَا آثَارُ النَّفْلِ حَيْثُ تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَفَائِتِ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهَا وَكَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يَكُونُ شَارِعًا فِيهَا عِنْدَهُمْ ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا تَأَدَّتْ بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَصَلَاةِ الْفَرْضِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ ؛ لِأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشُّرُوعِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِوُجُوبِهَا

بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَسَّرُوا الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ وَكَذَا لَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ الْعَامِرِيِّ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَبِيهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ أَيْضًا ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ أَبَاهُ لَا يَسْتَطِيعُ ، وَهُمَا لَا يَجِبَانِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ ، وَحَدِيثُ عَبْدِ الْحَقِّ لَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ يُعَارَضُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ ، وَإِنَّمَا عُمْرَتُكُمْ طَوَافُكُمْ ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا سَقَطَتْ بِالنَّفْلِ ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ الطَّوَافَ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ ، وَالْفَرْضُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَهِيَ سُنَّةٌ ) أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ صِفَتُهَا فِي بَابِ التَّمَتُّعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْجَدِيدِ هِيَ فَرِيضَةٌ ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ا هـ غَايَةٌ وَأَيْضًا الثَّوْرِيُّ وَالْفَضْلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَرْضُ كِفَايَةٍ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا أَعْرِفُ حَدِيثًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا فِي إيجَابِ الْعُمْرَةِ ، وَلَا أَصَحَّ مِنْهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَنَحْنُ نَقُولُ بِوُجُوبِهَا بَعْدَهُ ) وَبِهَذَا لَا تَثْبُتُ فَرْضِيَّتُهَا كَمَا لَا تَثْبُتُ فَرْضِيَّةُ الْحَجِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَلْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } وقَوْله تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } قُرِئَتْ وَالْعُمْرَةُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ ابْتِدَاءُ إخْبَارٍ أَنَّ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَالنَّوَافِلَ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَعَلَى تَقْدِيرِ النَّصْبِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا ، كَمَا ذَكَرْنَا ا هـ كَاكِيٌّ

( بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ ) الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ صَدَقَةً أَوْ قِرَاءَةَ قُرْآنٍ أَوْ الْأَذْكَارَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ ، وَيَصِلُ ذَلِكَ إلَى الْمَيِّتِ وَيَنْفَعُهُ ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ وَلَا يَنْفَعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى } وَلِأَنَّ الثَّوَابَ هُوَ الْجَنَّةُ وَلَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَهَا لِنَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ ، وَفِي الْحَجِّ ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا حَالَ حَيَاتِهِمَا فَكَيْفَ لِي بِبِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِك } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ ، وَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهَا لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ { يس } خُفِّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ ، وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ } وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ { سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَتَصَدَّقُ عَنْ مَوْتَانَا وَنَحُجُّ عَنْهُمْ وَنَدْعُو لَهُمْ فَهَلْ يَصِلُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ قَالَ نَعَمْ إنَّهُ

لَيَصِلُ وَيَفْرَحُونَ بِهِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالطَّبَقِ إذَا أُهْدِيَ إلَيْهِ } رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ ، وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ سُورَةَ { يس } } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ { ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِأُمَّتِهِ وَهَذَا تَعْلِيمٌ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْفَعُهُ عَمَلُ غَيْرِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ هُوَ الِاسْتِمْسَاكُ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : يَمُوتُ الرَّجُلُ ، وَيَدَعُ وَلَدًا فَيُرْفَعُ لَهُ دَرَجَةٌ فَيَقُولُ مَا هَذَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - اسْتِغْفَارُ وَلَدِك ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ اسْتِغْفَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ لَهُمْ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَمَلُ الْغَيْرِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ } وَقِيلَ : هِيَ خَاصَّةٌ بِقَوْمِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ حِكَايَةً عَمَّا فِي صُحُفِهِمَا عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } وَقِيلَ : أُرِيدَ بِالْإِنْسَانِ الْكَافِرُ ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَهُ مَا سَعَى أَخُوهُ ، وَقِيلَ : لَيْسَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَدْلِ ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ ، وَقِيلَ اللَّامُ فِي لِلْإِنْسَانِ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أَيْ فَعَلَيْهَا ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَهُمْ اللَّعْنَةُ } أَيْ عَلَيْهِمْ

وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ إلَّا سَعْيُهُ لَكِنَّ سَعْيَهُ قَدْ يَكُونُ بِمُبَاشَرَةِ أَسْبَابِهِ بِتَكْثِيرِ الْإِخْوَانِ وَتَحْصِيلِ الْإِيمَانِ حَتَّى صَارَ مِمَّنْ تَنْفَعُهُ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ } لَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ عَمَلِ غَيْرِهِ وَالْكَلَامِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُسْتَبْعَدُ عَقْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا جَعْلُ مَالِهِ مِنْ الْأَجْرِ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - هُوَ الْمُوَصِّلُ إلَيْهِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِعَمَلٍ دُونَ عَمَلٍ ثُمَّ الْعِبَادَةُ أَنْوَاعٌ مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ وَالْعُشُورِ وَالْكَفَّارَةِ وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ ، وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ مَالِيٌّ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ الِاسْتِطَاعَةِ وَوُجُوبُ الْأَجْزِيَةِ بِارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِهِ وَبَدَنِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ

( بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَجِّ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّبَعِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُخَالِفَ لِمَا ذَكَرَ خَارِجٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ لَا يَقُولَانِ بِوُصُولِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ بَلْ غَيْرُهُمَا كَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَهُمْ كَمَالُ الِاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِاسْمِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ وَصْفًا عَبَّرَ عَنْهُمْ بِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَنْجَعِلُ بِالْجَعْلِ أَوْ لَا بَلْ يَلْغُو بِجَعْلِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } ) وَسَعْيُ غَيْرِهِ لَيْسَ سَعْيَهُ ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَسُوقَةً قَصًّا لِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَحَيْثُ لَمْ يُتَعَقَّبْ بِإِنْكَارٍ كَانَ شَرِيعَةً لَنَا عَلَى مَا عُرِفَ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْجَوَابُ : أَنَّهَا ، وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِيمَا قَالُوهُ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا نُسِخَتْ أَوْ مُقَيَّدَةٌ ، وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُوجِبُ الْمَصِيرَ إلَى ذَلِكَ ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الثَّوَابَ هُوَ الْجَنَّةُ ) أَيْ ، وَهِيَ لِلَّهِ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ تَمْلِيكُ مِلْكِ الْغَيْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إلَخْ ) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَلِلْمَيِّتِ أَجْرُ الْمُسْتَمِعِ عِنْدَهُمَا ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ

: كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا ) وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ أَبَرَّهُمَا ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَمْلَحَيْنِ ) وَالْمُلْحَةُ بَيَاضٌ يَشُوبُهُ شُعَيْرَاتٌ سُودٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَحَدِهِمَا ) بِالْجَرِّ وَكَذَا قَوْلُهُ : وَالْآخَرِ وَهُمَا بَدَلَانِ مِنْ قَوْلِهِ بِكَبْشَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى تَأْوِيلِ ذَبْحِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ تَدُلُّ عَلَى الذَّبْحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ إلَخْ ) وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ يَشْتَرِي كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوأَيْنِ فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ ، وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ ، وَذَبَحَ الْآخَرَ } عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ { : ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوأَيْنِ فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي الْآيَةَ اللَّهُمَّ لَك وَمِنْك عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ ذَبَحَ } وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ بِنَقْصٍ فِي الْمَتْنِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَقَرْنَيْنِ مَوْجُوأَيْنِ فَأَضْجَعَ أَحَدَهُمَا ، وَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ أَضْجَعَ الْآخَرَ ، وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ } وَكَذَا

رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْفَضَائِلِ ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَالدَّارَقُطْنِيّ فَقَدْ رَوَى هَذَا عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَانْتَشَرَ مُخْرِجُوهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ ، وَهُوَ أَنَّهُ ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ مَشْهُورًا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِهِ مَا لَمْ يَجْهَلْهُ صَاحِبُهُ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَهَذِهِ الْآثَارُ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا فِي السُّنَّةِ أَيْضًا مِنْ نَحْوِهَا مِنْ كَثِيرٍ تَرَكْنَاهُ لِحَالِ الطُّولِ يَبْلُغُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْكُلِّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الصَّالِحَاتِ لِغَيْرِهِ نَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ ، وَكَذَا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } وَمِنْ الْإِخْبَارِ بِاسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ } وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أُخْرَى { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } وَسِيَاقُ عِبَارَتِهِمْ { رَبَّنَا وَسِعْت كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَك } إلَى قَوْلِهِ { وَقِهمْ السَّيِّئَاتِ } قَطْعِيٌّ فِي حُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِعَمَلِ الْغَيْرِ فَيُخَالِفُ ظَاهِرَ الْآيَةِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا ؛ إذْ ظَاهِرُهَا أَنْ لَا يَنْفَعَ اسْتِغْفَارُ أَحَدٍ لِأَحَدٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَعْيِهِ فَلَا

يَكُونُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَطَعْنَا بِانْتِفَاءِ إرَادَةِ ظَاهِرِهَا عَلَى صِرَافَتِهِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَا يَهَبُهُ الْعَامِلُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ ؛ إذْ لَمْ يَبْطُلْ بَعْدَ الْإِرَادَةِ ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارَاتِ وَلَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْخَبَرِ ، وَمَا يُتَوَهَّمُ جَوَابًا مِنْ أَنَّهُ - تَعَالَى - أَخْبَرَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ أَنْ لَا يَجْعَلَ لِغَيْرِ الْعَامِلِ ثُمَّ جَعَلَهُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ شَرِيعَتِنَا حَقِيقَةً مَرْجِعُهُ إلَى تَقْيِيدِ الْإِخْبَارِ لَا إلَى النَّسْخِ ؛ إذْ حَقِيقَتُهُ أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَى ثُمَّ يُرْفَعَ إرَادَتُهُ ، وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِالْإِرَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ تِلْكَ الشَّرَائِعِ ، وَلَمْ يَقَعْ نَسْخٌ لَهُمْ ، وَلَمْ يَرِدْ الْإِخْبَارُ أَيْضًا فِي حَقِّنَا ثُمَّ نُسِخَ وَأَمَّا جَعْلُ اللَّامِ فِي الْإِنْسَانِ بِمَعْنَى عَلَى فَبَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرُهَا ، وَمِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ أَيْضًا فَإِنَّهَا وَعْظٌ لِلَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى وَقَدْ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ إبْطَالِنَا لِقَوْلِهِ الْمُعْتَزِلَةُ انْتِفَاءُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ مِمَّا فِي الْآثَارِ ا هـ قَوْلُهُ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ } إلَخْ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ عَنْهُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَتُجْبَر الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ : إذَا مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ وَيَجِبُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ ، وَتُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا مَاتَ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ ، وَلَمْ يُوصِ فَحَجَّ رَجُلٌ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ أَوْ تَبَرُّعِ الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ فَحَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ

أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُجْزِئُهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى ، وَلَوْ مَاتَ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ وَارِثٌ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُنَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ وَكَذَا إذَا حَجَّ عَنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ : يُجْزِئُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَمْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ فَلِذَلِكَ عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حَيْثُ مَا اسْتَثْنَى لِأَنَّ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ يَجِبُ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ دُونَ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَمَّا سُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ طَرِيقُهُ الْعَمَلَ بَلْ طَرِيقُهُ الْعِلْمُ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ؛ فَلِهَذَا عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ، وَقِيلَ : إنَّمَا عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعِبَادَاتِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى ، إلَّا مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ حُكْمًا وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ كَرَمًا وَجُودًا ، وَلَوْ قَضَى بِأَمْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ لَا مَحَالَةَ كَذَا هُنَا ؛ فَلِذَا قُلْنَا : يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْحَجِّ عَنْهُ لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ إنْ شَاءَ قَالَ لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ كَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ حَجّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( النِّيَابَةُ تُجْزِي فِي الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ كَمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ ، وَيَحْصُلُ بِهِ تَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ كَمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَالَتَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ تَجُزْ فِي الْبَدَنِيَّةِ بِحَالٍ ) أَيْ لَا تُجْزِي النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا إتْعَابِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ - تَعَالَى ؛ لِأَنَّهَا انْتَصَبَتْ لِمُعَادَاتِهِ - تَعَالَى - فَفِي الْوَحْيِ عَادِ نَفْسَك فَإِنَّهَا انْتَصَبَتْ لِمُعَادَاتِي وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ أَصْلًا فَلَا تُجْزِي فِيهَا النِّيَابَةُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا تُجْزِي عِنْدَ الْعَجْزِ فَقَطْ ) أَيْ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمَالِ وَالْبَدَنِ تُجْزِي النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ بِدَفْعِ الْمَالِ وَلَا تُجْزِي عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِعَدَمِ إتْعَابِ النَّفْسِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالشَّرْطُ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ النِّيَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَجْزُ دَائِمًا إلَى الْمَوْتِ إنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا بِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ ثُمَّ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْعَاجِزِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ دَوَامَ الْعَجْزَ ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْعُمْرِ فَيُعْتَبَرُ عَجْزٌ مُسْتَوْعِبٌ لِبَقِيَّةِ الْعُمْرِ لِيَقَعَ بِهِ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ حَتَّى لَوْ أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهُوَ مَرِيضٌ يَكُونُ مُرَاعًى ، فَإِنْ مَاتَ بِهِ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ تَعَافَى بَطَلَ ، وَكَذَا لَوْ أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ قَالَ

رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنَّمَا شَرْطُ عَجْزِ الْمُنَوِّبِ لِلْحَجِّ الْفَرْضُ لَا لِلنَّفْلِ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَجِّ النَّفْلِ تَجُوزُ الْإِنَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ ؛ لِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَرَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالنُّزُولِ ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ { امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَجُلٍ حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَدَلَّ أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْهُ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَالْمَالُ شَرْطُ لِلْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا بِدُونِهِ فَلَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بَلْ يُقَامُ الْإِنْفَاقُ مَقَامَ فِعْلِهِ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي أُقِيمَ مَقَامَ الصَّوْمِ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَهُوَ الْحَاجُّ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَفِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَأَمَّا الْجِهَادُ فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الْوَقْعَةَ إذَا حُضِرَتْ يُفْتَرَضُ الْجِهَادُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَبَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ مَا يَفْعَلُهُ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا تُجْزِئُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ ) أَيْ عَلَى فِعْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَإِنَّمَا الْمَالُ شَرْطٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ الْمُنَوِّبِ ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَبَاءٍ مَكْسُورَةٍ هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ ( قَوْلُهُ : يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ ) ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ تَدُلُّ عَلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَيَذْكُرُهُ الْحَاجُّ فِي التَّلْبِيَةِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَمِنْ فُلَانٍ ا هـ خَانْ قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ : أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ وَهُوَ الْمَأْمُورُ وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ لَهُ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَالْقَضَاءُ إذَا فَسَدَ لَا عَلَى الْآمِرِ فَعُلِمَ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَحْرَمَ عَنْ آمِرِيهِ ضَمِنَ النَّفَقَةَ ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَهُ رَجُلَانِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَجَّةً فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا فَهِيَ عَنْ الْحَاجِّ ، وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُمَا ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : إمَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ عَنْهُمَا جَمِيعًا ، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَقَدْ خَالَفَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخْلِصَ لَهُ الْحَجَّ وَأَنْ يَنْوِيَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَارَ مُخَالِفًا ، وَلَا يَكُونُ عَنْ أَحَدِهِمَا ؛ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَوَقَعَ عَنْ الْمَأْمُورِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْحَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْحَجِّ عَنْهُمَا ، وَمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَكُونُ حَاجًّا عَنْهُ بَلْ يَكُونُ جَاعِلًا ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ ، وَنِيَّتُهُ عَنْهُمَا لَغْوٌ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ عَنْ اثْنَيْنِ فَبَقِيَ لَهُ أَصْلُ الْحَجِّ ، وَهُوَ سَبَبُ الثَّوَابِ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا أُمِرَ بِالْحَجِّ ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ إيقَاعُ حَجَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِذَا أَحْرَمَ عَنْهُمَا فَقَدْ خَالَفَ فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لَهُمَا إنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِمَا لِلتَّعَدِّي وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْمُضِيِّ أَيْ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ جَازَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَضَمِنَ نَفَقَتَهُمَا ،

وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِتَعْيِينِ الْحَجِّ لَهُ فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَقَدْ خَالَفَ فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ رَجُلَانِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا فَاشْتَرَى عَبْدًا لِأَحَدِهِمَا لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُمَا ، وَلَمْ يُعَيِّنْ حَجَّةً ، وَلَا عُمْرَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْحَقِّ لِمَعْلُومٍ وَهُوَ اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَإِنَّمَا الْمَجْهُولُ الْمُلْتَزَمُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ مَجْهُولٌ نَظِيرُهُ إذَا أَقَرَّ بِمَعْلُومٍ لِمَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ ، وَإِذَا أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ لِمَعْلُومٍ صَحَّ ، وَلَا يَلْزَمُ الْحَجُّ عَنْ أَبَوَيْهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ جِهَتِهِمْ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ إنَّمَا يَجْعَلُ ثَوَابَهُ لَهُ ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ هَذَا إبْهَامٌ فِي الْإِحْرَامِ ، وَالْإِحْرَامُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْأَفْعَالِ وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ فَاكْتَفَى بِهِ شَرْطًا كَمَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ عَلَى مَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْأَفْعَالَ عَلَى الْإِبْهَامِ ثُمَّ عَيَّنَهُ لِأَحَدِهِمَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ فَصَارَ مُخَالِفًا ، وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ مُعَيَّنًا وَمُبْهَمًا قَالَ فِي الْكَافِي : لَا نَصَّ فِيهِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ هُنَا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَمَنْ أَحْرَمَ عَنْ آمِرِيهِ إلَخْ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ فَرَجَعَ عَنْ الطَّرِيقِ فَقَالَ : مُنِعْت لَمْ يُصَدَّقْ ، وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ ، وَإِنْ قَالَ الْمَأْمُورُ : حَجَجْت عَنْ الْمَيِّتِ ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ وَالْوَصِيُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ : مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ كَانَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ فَقَالَ : حُجَّ عَنِّي بِهَذَا الْمَالِ فَحَجَّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ حَجَّ بِهَا ؛ لِأَنَّ هُنَا يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ ، وَالْوَرَثَةُ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ا هـ كَرْمَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا ) وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الثَّوَابُ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ عَنْهُمَا قَبْلَ الْأَدَاءِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا جَعَلَ ثَوَابَ حَجِّهِ لِأَحَدِهِمَا جَازَ وَكَذَا إذَا جَعَلَ لَهُمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَهَلَّ الْمَأْمُورُ بِحَجَّةٍ عَنْ آمِرِيهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عَنْ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْأَمْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : وَإِنْ أَمَرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَجَّةٍ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ لِأَحَدِهِمَا لَا يَنْوِيهِ بِعَيْنِهِ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُمَا عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ كَذَا هُنَا لِمَا مَرَّ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَقَعُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْرَامٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ لَهُمَا ، وَلَمْ يُعَيِّنْ عَنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى طَافَ شَوْطًا لَمْ

يُمْكِنْهُ أَنْ يُعَيِّنَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِشُرُوعِهِ فِي الْعَمَلِ ، وَأَدَاءُ الْفِعْلِ عَنْ الْمَجْهُولِ لَا يَقَعُ عَنْ الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْفِعْلِ ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ لَيْسَ مِنْ الْأَدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَصْلِنَا إلَّا أَنَّ فِي الْأَبَوَيْنِ يَجُوزُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْفِعْلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الثَّوَابُ لَهُمَا ، وَأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ فِيهِ ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا تُؤَثِّرُ الْجَهَالَةُ فِيهِ ، فَجَازَ الصَّرْفُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً بِخِلَافِ الْآمِرَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إسْقَاطُ الْفَرْضِ مِنْ الذِّمَّةِ ، وَامْتِثَالُ الْأَمْرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ وَأَوْصَى ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ ، وَدَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَأْمُورِ ) ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ مُؤْنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ وَدَمُ الْقِرَانِ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ ، وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ ابْتِدَاءً ، وَسَائِرُ الْمَنَاسِكِ عَلَيْهِ ، فَكَذَا هَذَا ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِالْقِرَانِ أَوْ أَمَرَهُ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا بِالْحَجِّ وَالْآخَرُ بِالْعُمْرَةِ وَأَذِنَا لَهُ بِالْقِرَانِ وَأَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَقَدْ صَارَ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ ، وَدَمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَأْمُورِ ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي عَلَيْهِ كَفَّارَتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَجِبُ دَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْمَأْمُورِ لِلتَّحَلُّلِ فَصَارَ كَدَمِ الْقِرَانِ ، قُلْنَا : هُوَ مُؤْنَةٌ بِمَنْزِلَةِ نَفَقَةِ الرُّجُوعِ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ كَمَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ لِنَفْسِهِ ثُمَّ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ ، قَالُوا : هَذَا وَدَمُ الْقِرَانِ يَشْهَدُ لِمُحَمَّدٍ وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ كَالْمُحْصَرِ ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ وَلَوْ أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ مَاتَ فِي طَرِيقِهِ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى شَخْصٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَأَحَجُّوا عَنْهُ فَمَاتَ الْحَاجُّ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ وَكَذَلِكَ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ فِي الطَّرِيقِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ ، وَفِي مَكَانِ الْحَجِّ أَمَّا الْأَوَّلُ

فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ يُحَجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُحَجُّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْمُفْرِزِ لِلْحَجِّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِقِسْمَةِ الْوَصِيِّ بِقِسْمَةِ الْمُوصِي ، وَالْمُوصِي لَوْ أَفْرَزَ مَالًا ، وَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَهَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ النَّائِبِ لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهُ فَكَذَا إذَا أَفْرَزَهُ الْوَصِيُّ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَمَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَنْفُذُ حَتَّى يُسْتَوْفَى ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الْقِسْمَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالسَّلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي سُمِّيَ لِعَدَمِ خَصْمٍ تَتِمُّ بِهِ الْقِسْمَةُ فَتَمَامُهَا بِالصَّرْفِ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ أَوْ بَعْدَهُ فِي يَدِ الْمُوصِي فَيَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الثَّانِي يُحَجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الثَّالِثُ إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَجُّ عَنْهُ إلَّا بِالْمُفْرَزِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَجُّ عَنْهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ بَطَلَتْ وَأَمَّا الثَّانِي فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى ، وَهُوَ مَا إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ ، وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَوْضِعٍ مَاتَ فِيهِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَةً : وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ بِالْخَيْرِ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ } وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ

الدُّنْيَا وَهُوَ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ فَبَطَلَ وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ أَوْ خَرَجَ لِغَيْرِ حَجٍّ كَالتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ ؛ وَجْهُ قَوْلِهِمَا ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ خُرُوجَهُ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى : - { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلَى اللَّهِ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَتْ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ } فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ عَمَلُهُ وَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ مِنْ أَيِّ مَكَان يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ ، أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ مَاتَ فِيهِ ، أَوْ مَوْضِعٍ آخَرَ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِالْإِجْمَاعِ

( قَوْلُهُ : أَوْ أَمَرَهُ اثْنَانِ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : وَلَوْ أَمَرَ أَحَدَهُمَا بِحَجَّةٍ وَالْآخَرَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْجَمْعِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ مُخَالِفًا أَيْضًا لِمَا مَرَّ ، وَيَجُوزُ عِنْدُ أَبِي يُوسُفَ فَحَسْبُ ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْجَمْعِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَ ، وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ وَكَذَا إذَا كَانَ الْآمِرَ بِهِمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ لِمَا ذَكَرْنَا ا هـ قَوْلُهُ : وَدَمُ الْقِرَانِ يَشْهَدُ لِمُحَمَّدٍ ) فِي أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ لَا عَنْ الْآمِرِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ مَاتَ ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ ا هـ ع ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : يُحَجُّ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ أَوْصَى بِالْحَجِّ فَأَحَجُّوا عَنْهُ هَذَا ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ إلَخْ ) فَإِنْ لَمْ يُهْلِك ذَلِكَ الْمَالَ وَلَكِنْ مَاتَ الْمُجَهَّزُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَا أَنْفَقَ الْمُجَهَّزُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْخِلَافِ بَلْ عَلَى الْوِفَاقِ وَمَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُجَهَّزِ الْقِيَاسُ أَنْ يُضَمَّ إلَى مَالِ الْمُوصِي فَيَعْزِلَ ثُلُثَ مَالِهِ ، وَيَحُجَّ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُحَجُّ بِالْبَاقِي مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : يَحُجُّ ) أَيْ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ ، وَفِي مَكَانِ الْحَجِّ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا اخْتِلَافٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ ، وَقَالَا : لَا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ الَّذِي بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِيصَاءِ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِالثُّلُثِ أَمَّا إذَا

أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَمَرَ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُحَجَّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ مَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُفْرَزِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُحَجُّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُفْرَزِ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ ) فَيُعْتَبَرُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِرَجُلٍ وَأَفْرَزَهُ الْوَصِيُّ وَبَعَثَ بِهِ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيُحَجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ ) أَيْ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْإِمَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَوْضِعِ مَاتَ فِيهِ ) وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَصَايَا ا هـ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ عَمَلُهُ وَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ ) وَأَصْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الَّذِي يَحُجُّ بِنَفْسِهِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ ا هـ هِدَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَعَيَّنَ صَحَّ ) أَيْ مَنْ أَحْرَمَ عَنْ أَبَوَيْهِ بِحَجٍّ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِمَا ثُمَّ عَيَّنَهُ لِأَحَدِهِمَا جَازَ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ عَيَّنَهُ جَازَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ ، وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ } وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقْبَلُ مِنْهُ وَمِنْهُمَا ، وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا ، وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا } رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ الدَّارَقُطْنِيّ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ ) أَيْ أَحْرَمَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ يُجْزِيهِ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّمَا يَجْعَلُ ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ وَذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ ، وَصَحَّ جَعْلُهُ ثَوَابًا لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ عَلَى مَا فَرَّقْنَا مِنْ قَبْلُ ا هـ .

( فَصْلٌ ) الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ ذَاهِبًا وَآيِبًا مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ ، وَلَا تَقْتِيرٍ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ وَرُكُوبِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَمَا فَضَلَ يَرُدُّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ أَوْ وَصِيِّهِ إلَّا إذَا تَبَرَّعَ بِهِ الْوَارِثُ ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ الْمَيِّتُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدًا إلَى طَعَامِهِ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ ، وَلَا يُقْرِضُ أَحَدًا ، وَلَا يَصْرِفُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ ، وَلَا يَشْتَرِي بِهَا مَاءً لِوُضُوئِهِ ، وَلَا يَدْخُلُ بِهَا الْحَمَّامَ ، وَلَا يَشْتَرِي بِهَا دُهْنَ السِّرَاجِ ، وَلَا يَدَّهِنُ بِهِ ، وَلَا يَتَدَاوَى بِشَيْءٍ مِنْهُ ، وَلَا يَحْتَجِمُ بِهِ ، وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْحَلَّاقِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ أَوْ الْوَارِثُ ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَى مَنْ يَخْدُمُهُ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ ثُمَّ إذَا عَادَ تَعُودُ نَفَقَتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَعُودُ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فِي رُجُوعِهِ ، وَإِنْ تَوَطَّنَ بِمَكَّةَ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ثُمَّ إذَا عَادَ لَا تَعُودُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ بِهَا قَدْرَ الْعَادَةِ حَتَّى تَخْرُجُ الْقَافِلَةُ لَا تَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ ، وَكَذَا إذَا دَخَلَ فِي الطَّرِيقِ بَلْدَةٌ ، فَإِنْ أَقَامَ بِهَا الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ فَنَفَقَتُهُ لَا تَسْقُطُ ، وَإِلَّا سَقَطَتْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا وَلَوْ تَعَجَّلَ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ تَكُونُ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَى عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْفِقَ فِي الطَّرِيقِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ لَا غَيْرُ فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مَالَ الْمَيِّتِ جَازَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَيَضْمَنُ مَالَ الْمَيِّتِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ

يَقَعُ لِلْمَيِّتِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ لَا غَيْرُ لَحَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَلَوْ سَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ الْمُعْتَادِ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ فِيهِ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ حِمَارًا يَرْكَبُهُ ، وَيَجُوزُ إحْجَاجُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ، وَكَذَا يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ لِنَفْسِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِمْ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحِجَّ رَجُلًا عَالِمًا بِالْمَنَاسِكِ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ ، وَأَقْدَرُ عَلَى الْمَنَاسِكِ مِنْ السَّعْيِ وَالْهَرْوَلَةِ وَكَشْفِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ إحْجَاجُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ أَنْ يُؤَدِّيَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَكَذَا عَنْ غَيْرِهِمَا ، وَكَذَا قَالَ : لَا يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ مِنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي قَالَ حَجَجْت عَنْ نَفْسِك قَالَ لَا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ لَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ وَلِأَنَّ حَجَّهُ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَهُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ عِنْدَنَا ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ النَّفَلُ لِلصَّرُورَةِ ، وَلَنَا حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لَهَا : حُجِّي عَنْ أَبِيك وَلَمْ يَسْأَلْهَا هَلْ حَجَّتْ عَنْهَا أَوْ لَا وَهَلْ هِيَ أَمَةٌ أَوْ حُرَّةٌ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَسَأَلَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ لَبَيَّنَهُ لَهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رَوَى ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ طَلَبُ

الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَقَالَ : وَقَعَ حَجُّك هَذَا عَنْ نَفْسِك فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَجٌّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَجَّهُ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْهُ بِخِلَافِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ وَفِي الْحَجِّ شُرِعَ فِيهِ النَّفَلُ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمَرِ وَقْتٌ لَهُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّاهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ بَلْ يَنْوِي الْأَدَاءَ ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّوْمُ ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُ بِفَسْخِ حَجِّهِ عَنْ شُبْرُمَةَ ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِرَفْضِ الْحَجِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ شُبْرُمَةَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ أَبَا الْفَرَجِ ذَكَرَ لَهُ طُرُقًا وَبَيَّنَ ضَعْفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَحَجُّوا عَنْهُ بِأَمْرِهِ ، وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، أَوْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَجُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ { رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ أُمِّي مَاتَتْ فِي الْحَجِّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : نَعَمْ } وَإِنَّمَا قَرَنَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْجَوَازِ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ ، وَسُقُوطُ الْحَجِّ بِفِعْلِ الْوَارِثِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ قَطْعًا فَعَلَّقَ السُّقُوطَ بِالْمَشِيئَةِ احْتِرَازًا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ قَطْعًا ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : وَلَوْ حَجَّ الْمَأْمُورُ مَاشِيًا فَقَدْ خَالَفَ وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِلنَّفَقَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَجَّ كَانَ بِحَسَبِ الْإِيجَابِ ، وَالْإِيجَابُ كَانَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا ، وَلَمْ يَأْتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ الْمَأْمُورُ فَيَجِبُ الضَّمَانُ وَكَذَا لَوْ حَجَّ وَقَطَعَ أَكْثَرَ الطَّرِيقِ مَاشِيًا لِمَا عُرِفَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ عَلَى الْحِمَارِ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ ، وَالْجَمَلُ أَفْضَلُ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ ا هـ ( فَرْعٌ ) لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ لَا يُجْزِيهِ الْحَجُّ مَاشِيًا حَتَّى يَضْمَنَ الْمَأْمُورُ النَّفَقَةَ لَوْ حَجَّ مَاشِيًا ، وَيَكُونَ الْحَجُّ لَهُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْهَدْيِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي رُجُوعِهِ ) أَيْ إلَى رُجُوعِهِ ا هـ شُمُنِّيٌّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : ثُمَّ عِنْدَنَا الْمُحْرِمُ الَّذِي يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَاجِزِينَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَحُجُّ عَنْهُ بِنَفَقَةٍ وَسَطٍ مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ ، وَلَا إسْرَافٍ ذَاهِبًا وَجَائِيًا رَاكِبًا غَيْرَ مَاشٍ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ الْأُجْرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا ذُكِرَ فِي الطَّحَاوِيِّ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِلْحَجِّ عَنْهُ فَفَعَلَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ لِلْأَجِيرِ نَفَقَةُ مِثْلِهِ ، وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْحَاجِّ دُونَ الْآمِرِ كَذَا نَصَّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا مَدْخَلَ لِلْكَافِرِ أَصْلًا فِيهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لِلْكَافِرِ فِيهَا مَدْخَلٌ كَعِمَارَةِ الرَّبْطِ وَالْمَشَاهِدِ وَالطُّرُقِ وَالْمَقَابِرِ وَشَدِّ الثُّغُورِ وَنَحْوِهَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ : تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحَجِّ وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَيَقَعُ الْحَجُّ

عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ اعْتِبَارًا لِسَائِرِ الْعُقُودِ ، وَذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ لِأَبِي الْحَسَنِ الْمَعْرُوفِ بِالْعَبْدَرِيِّ : وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَحُجَّ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْحَاجِّ وَلِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ ا هـ كَلَامُ الْكَرْمَانِيِّ مَعَ حَذْفٍ ( فَائِدَةٌ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : وَلَوْ بَدَأَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِلْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِحَجَّةٍ مِيقَاتِيَّةٍ كَمَا أُمِرَ ، وَمَا دَامَ مَشْغُولًا بِالْعُمْرَةِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ ، فَإِنْ أُمِرَ بِالْحَجِّ فَبَدَأَ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ ثُمَّ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ قَالُوا : يَضْمَنُ جَمِيعَ النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَمْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ ، وَقَدْ أَنْفَقَ فِي سَفَرِ الْعُمْرَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ أُمِرَ بِحَجَّةٍ مِيقَاتِيَّةٍ وَقَدْ أَتَى بِحَجَّةٍ مَكِّيَّةٍ فَيَكُونُ مُخَالِفًا بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ عَنْ الْمَيِّتِ ا هـ ( فَرْعٌ ) وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَخَّرَ الْحَجَّ عَنْ وَقْتِهِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ وَحَجَّ مِنْ قَابِلٍ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ السَّنَةِ هُنَا لِلِاسْتِعْجَالِ دُونَ تَعَيُّنِ الْأَمْرِ فَصَارَ كَرَجُلٍ وَكَّلَ وَكِيلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ غَدًا أَوْ بَيْعِهِ غَدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ غَدٍ جَازَ كَذَا هُنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ مَرِضَ الْمَأْمُورُ فِي الطَّرِيقِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ لِيَحُجَّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فَيَصِحُّ بِحُكْمِ الْإِذْنِ ، وَلَوْ أَنَّ الْحَاجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَصَلَ إلَى عَرَفَةَ وَمَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الْمَيِّتِ لِوُجُودِ مُعْظَمِ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِنَصِّ : الْحَجُّ عَرَفَةَ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ رَجَعَ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ فَيَرْجِعُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِنَفَقَتِهِ وَيَقْضِي مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جَنَابَتِهِ ، وَلَوْ حَجَّ الْمَأْمُورُ ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَدَاءُ الْمَنَاسِكِ ، وَقَدْ حَصَلَ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مَنْ يَذْهَبُ وَيَرْجِعُ لِيَحْصُلَ لِلْمَيِّتِ ثَوَابٌ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ جَمِيعًا ا هـ مَنَاسِكُ الْكَرْمَانِيِّ فِي فَصْلِ مَا يَكُونُ الْحَاجُّ الْمَأْمُورُ مُخَالِفًا ، وَمَا لَا يَكُونُ ا هـ قَوْلُهُ : وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَحَجُّوا إلَخْ ) اُنْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ : ثُمَّ الْعِبَادَاتُ أَنْوَاعٌ إلَخْ .

( بَابُ الْهَدْيِ ) الْهَدْيُ مَا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَدْنَاهُ شَاةٌ ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ ) أَيْ الْهَدْيُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا جَازَ فِي الضَّحَايَا جَازَ فِي الْهَدَايَا ) وَهُوَ الثَّنِيُّ ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَيُجْزِي الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ تَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالشَّاةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي طَوَافِ الرُّكْنِ جُنُبًا وَوَطْءٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ ) أَرَادَ بِالرُّكْنِ رُكْنَ الْحَجِّ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَبِالْوَطْءِ بَعْدَ الْوُقُوفِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَإِنَّ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَيْهِ بَدَنَةً ، وَفِي غَيْرِهِمَا شَاةٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ( بَابُ الْهَدْيِ ) لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْهَدْيِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ نُسُكًا وَجَزَاءً وَمُؤْنَةً شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا الْبَابُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَبْوَابُ السَّابِقَةُ فَإِنَّ الْهَدْي إمَّا لِمُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ إحْصَارٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ كَفَّارَةِ جِنَايَةٍ أُخْرَى فَأَخَّرَهُ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَكَذَا الْبَاقِي وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ حَوَالَاتٍ تَسْتَدْعِي سَبْقَ تَصَوُّرَاتِ مَفْهُومَاتِهَا وَتَصْدِيقَاتِ بَعْضِ أَحْكَامٍ مِنْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ ) ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ا هـ ع

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ ) أَيْ يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا } أَمَرَ بِالْأَكْلِ مِنْهَا ، وَأَقَلُّهُ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ وَلِحَدِيثِ { جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ فَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ وَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ ، وَلَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ ، فَقُلْت : مَا هَذَا ؟ فَقِيلَ : نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَارِنًا ، وَكَذَا عَائِشَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ كَالْأُضْحِيَّةِ ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ فِي الْأُضْحِيَّةِ ، كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِمَا تَلَوْنَا ، وَالْمُرَادُ بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ مَا بَلَغَ الْحَرَمَ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْحَرَمِ ، وَفِي غَيْرِهِ بِالتَّصَدُّقِ ، وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ

بَقِيَّةِ الْهَدَايَا ؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ : لَا يَأْكُلُ هُوَ ، وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِنَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ { لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَرُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا } وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا عَطِبَ مِنْهَا فِي الطَّرِيقِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا( قَوْلُهُ : أَنْ يَأْكُلَهُ ) أَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ ا هـ ( فَرْعٌ ) وَلَا يَتَصَدَّقُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى وَلَدِهِ وَنَوَافِلِهِ وَلَا عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَلَى هَؤُلَاءِ صَرْفٌ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يُوجَدْ الْإِخْرَاجُ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَإِنْ أَعْطَى ذِمِّيًّا أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى مُطْلَقِ الْمَسَاكِينِ إلَّا أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ ؛ لِأَنَّ لَهُ وُصْلَةً لِلدِّينِ ا هـ كَرْمَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِنَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدَبٍ الْأَسْلَمِيُّ كَانَ نَازِلًا فِي بَنِي سَلِمَةَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَبَقِيَ إلَى دَهْرِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ سَائِقُ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا قَالَ ابْنُ شَاهِينِ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ : اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَدْيِهِ حِينَ تَوَجَّهَ إلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وَاسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا عَلَى هَدْيِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَخَصَّ ذَبْحَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَقَطْ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا } وَقَضَاءُ التَّفَثِ وَالطَّوَافِ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَكَذَا الذَّبْحُ لِيَكُونَ الْكَلَامُ مَسْرُودًا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ دَمَ التَّطَوُّعِ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ مِثْلَهُ ، وَفِي الْأَصْلِ ذَبْحُهُ يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ ، وَذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي التَّطَوُّعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ هَدْيٌ ، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِالْبُلُوغِ إلَى الْحَرَمِ ، وَلَكِنَّ ذَبْحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فِيهِ أَظْهَرُ وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَمُ جَبْرٍ عِنْدَهُ ، وَلَنَا أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ فَكَانَ التَّعْجِيلُ بِهَا أَفْضَلَ بِخِلَافِ الْمُتْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ وَكَذَا الْقِرَانُقَوْلُهُ : { وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ } ) الْبَائِسَ الَّذِي نَالَهُ بُؤْسٌ أَيْ شِدَّةٌ فِي الْفَقْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : { ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } ) التَّفَثُ الْأَخْذُ مِنْ الشَّارِبِ ، وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ ، وَالْحَلْقُ مِنْ الشَّعْرِ كَأَنَّهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْلَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْكُلُّ بِالْحَرَمِ ) أَيْ كُلُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } وقَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } وَلِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَان ، وَلَا مَكَانَ لَهُ غَيْرُ الْحَرَمِ فَتَعَيَّنَ لَهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ إنَّ الدِّمَاءَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَدَمُ التَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ وَدَمُ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا ، وَمِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ ، وَهُوَ دَمُ الْجِنَايَاتِ ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ ، وَالتَّطَوُّعُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَمِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ ، وَهُوَ الْأُضْحِيَّةُ ، وَمِنْهُ مَا لَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ ، وَلَا بِالْمَكَانِ ، وَهُوَ دَمُ النُّذُورِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ دَمُ النُّذُورِ يَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِفَقِيرِهِ ) أَيْ لَا يَخْتَصُّ جَوَازُ التَّصَدُّقِ بِالدِّمَاءِ بِفَقِيرِ الْحَرَمِ بَلْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَى غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ الدِّمَاءَ وَجَبَتْ تَوْسِعَةً لِأَهْلِ الْحَرَمِ قُلْنَا : هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى ، وَهُوَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ

( قَوْلُهُ : فِجَاجِ ) الْفِجَاجُ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ ا هـ ا ك ( قَوْلُهُ : وَهُوَ دَمُ الْجِنَايَاتِ وَدَمُ الْإِحْصَارِ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ : وَيَجُوزُ ذَبْحُ مَا وَجَبَ مِنْ الدِّمَاءِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَهُ بِمَكَّةَ مَا خَلَا دَمَ الْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ وَكَذَا هَدْيُ الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ أَيْضًا عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : يَجُوزُ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ يُجْزِيهِ أَنْ يَذْبَحَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ جُبْرَانٍ بِخِلَافِ دَمِ الْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا دَمُ نُسُكٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : لَا بِفَقِيرِهِ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : فَإِنْ ذَبَحَهَا ثُمَّ سُرِقَتْ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْجَزَاءُ بِنَفْسِ الذَّبْحِ ؛ لِأَنَّ بِالذَّبْحِ إخْرَاجَهَا إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - كَفَّارَةٌ وَلِأَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ فَتَفُوتُ بِفَوَاتِهَا كَالزَّكَاةِ وَتَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ ، وَكَذَا إنْ اصْطَلَمَتْهُ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ أَوْ ضَاعَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الذَّبْحِ ، وَيُجْزِي فِيهِ التَّمْلِيكُ وَإِطْعَامُ الْإِبَاحَةِ ، وَإِنْ تَصَدَّقَ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ لَا بِانْعِدَامِ الْإِرَاقَةِ عَلَى مَا مَرَّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدْيِ ) وَهُوَ أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إلَى عَرَفَاتٍ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ ، وَهُوَ لَا يُنْبِئُ عَنْ التَّعْرِيفِ ، وَإِنَّمَا يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَان لِيَتَقَرَّبَ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فِيهِ وَهُوَ الْحَرَمُ لَا التَّعْرِيفُ وَلَوْ عَرَّفَ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ ، وَالْقِرَانِ فَحَسَنٌ لِتَوَقُّتِهِ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ مَنْ يَحْفَظُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّعْرِيفِ بِهِ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى الْإِشْهَارِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الشَّعَائِرِ ، وَلَا كَذَلِكَ دَمُ الْكَفَّارَاتِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ فَإِخْفَاؤُهَا أَوْلَى وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْرِيفِ بِهَا ، وَالْأَفْضَلُ فِي الْجَزُورِ النَّحْرُ ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ } أَيْ انْحَرْ الْجَزُورَ وَقَالَ تَعَالَى { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } وَقَالَ تَعَالَى { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ ، وَكَانَ كَبْشًا وَتُنْحَرُ الْإِبِلُ قِيَامًا ، وَلَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا } وَفِي قَوْله تَعَالَى { فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا } أَيْ سَقَطَتْ إشَارَةً إلَى أَنَّهَا تُنْحَرُ قَائِمَةً ؛ إذْ السُّقُوطُ يَكُونُ مِنْ الْقِيَامِ وَلَا يُذْبَحُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَائِمًا ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَيُضْجِعُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَذْبَحَ بِهِ أَبْيَنُ ، وَاسْتَحَبَّ الْجُمْهُورُ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِهَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا لَمْ يُسْتَقْبَلْ بِهِ الْقِبْلَةَ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ مِنْ هَدَايَاهُ وَهِيَ كَانَتْ مِائَةَ بَدَنَةٍ ،

وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ } وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَالتَّوَلِّي فِي الْقُرَبِ أَوْلَى وَلَوْ وَلَّى غَيْرَهُ جَازَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ وَلَا يُحْسِنُهُ وَقَدْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْجَمِيعِ فَجَوَّزَ لَهُ التَّوْلِيَةَ وَيَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْكِتَابِيِّ لَحِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَتُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ قُرْبَةٌ فَيُتَشَاءَمُ بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا ، وَلَمْ يُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا ، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا } قَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا ، وَلِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ إعْطَاءَهُ مِنْهُ بَقِيَ شَرِيكًا لَهُ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الْكُلُّ لِقَصْدِهِ اللَّحْمَ ، وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَبْلَ الذَّبْحِ ضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِلَّحْمِ أَوْ مُعَاوَضَةٌ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا عَلَيْهِ سِوَى أُجْرَتِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا ) وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ حَسَنٌ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَخِطَامِهَا ) الْخِطَامُ هُوَ الزِّمَامُ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَرْكَبُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ خَالِصًا لِلَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ أَوْ مَنَافِعِهِ إلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلِأَنَّ فِي رُكُوبِهَا اسْتِهَانَةً بِهَا وَتَعْظِيمُهَا وَاجِبٌ ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } وَالتَّقْوَى وَاجِبٌ فَيَكُونُ التَّعْظِيمُ وَاجِبًا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى رُكُوبِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ : ارْكَبْهَا ، قَالَ : إنَّهَا بَدَنَةٌ ، قَالَ : ارْكَبْهَا ، قَالَ : إنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ : ارْكَبْهَا قَالَ إنَّهَا بَدَنَةٌ ثَلَاثًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً ، وَقَدْ أَجْهَدَهُ الْمَشْيُ ، فَقَالَ : ارْكَبْهَا ، قَالَ : إنَّهَا بَدَنَةٌ ، قَالَ : ارْكَبْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ رُكُوبُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَلِرِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ارْكَبْهَا } بِالْمَعْرُوفِ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ عِنْدَنَا ، وَإِنْ رَكِبَهَا فَنَقَصَتْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ مُعَلَّقٌ بِبُلُوغِهَا الْمَحِلَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَحْلُبُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْهَدْيِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا ، فَإِنْ حَلَبَهُ ، وَانْتَفَعَ بِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى الْغَنِيِّ ضَمِنَهُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَبَرِهِ أَوْ صُوفِهِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ ذَبَحَهُ مَعَهَا ، وَإِنْ

بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَنْضَحُ ضَرْعَهُ بِالنُّقَّاخِ ) أَيْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ قَالُوا : هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَحْلُبُهَا ، وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يُضِرَّ ذَلِكَ بِهَاقَوْلُهُ : وَيُنْضِحُ ضَرْعَهُ ) يُنْضِحُ بِكَسْرِ الضَّادِ أَيْ يَرُشُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ ) دَفْعًا لِلضَّرُورَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَطِبَ وَاجِبًا أَوْ تَعَيَّبَ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَتَّى يُذْبَحَ فِي مَحَلِّهِ ، وَالْمَعِيبُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَيُّبِ مَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَذَهَابِ الْعَيْنِ أَوْ الْأُذُنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَعِيبُ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بِتَعْيِينِهِ لِذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ صَرْفُهُ فِيهِ صَرَفَهُ فِي غَيْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَطَوَّعَ نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ ، وَلَمْ يَأْكُلَهُ غَنِيٌّ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ { قَبِيصَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ : إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَمِثْلُهُ عَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ وَكَانَ صَاحِبَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالْمُرَادُ بِالْعَطَبِ هُنَا مَا قَرُبَ مِنْ الْعَطَبِ وَأَرَادَ بِالنَّعْلِ قِلَادَتَهَا وَفَائِدَتُهُ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ بِتَنَاوُلِهِ مُعَلَّقٌ بِبُلُوغِهِ مَحِلَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَتْرُكَهَا جَزَرًا لِلسِّبَاعِ ، وَفِيهِ نَوْعُ تَقَرُّبٍ ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَهَا الْفُقَرَاءُ مِنْ رُفْقَتِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَاهُ بَلْ يَتْرُكُهَا جَزَرًا لِلسِّبَاعِ قُلْنَا : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَرُفْقَتَهُ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ قَالَ

: كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنْ الْهَدْيِ فَانْحَرْهَا ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ خَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا يَأْكُلُوهَا } رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَعَنْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ مِثْلُهُ ذَكَرَ مُطْلَقَ النَّاسِ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ رُفْقَتِهِ وَغَيْرِهِمْ وَالْمُرَادُ بِهِ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ بِدَلِيلِ مَا نَصَّ عَلَى تَخْلِيَتِهِ لِلْمَسَاكِينِ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَهَدَايَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَتْ تَطَوُّعًا ظَاهِرًا إلَّا الْوَاحِدَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا ، وَالْقَارِنُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَاحِدِ ، وَلَا يُقَالُ : أَنْتُمْ قَدْ اسْتَدْلَلْتُمْ بِأَكْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ دَمِ الْقِرَانِ وَكَيْفَ يُمْكِنُكُمْ الْقَوْلُ كَانَتْ هَدَايَاهُ تَطَوُّعًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْقَارِنُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ فَأَكَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقْطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بَضْعَةٌ فَكَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ دَمِ الْقِرَانِ وَعَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ لِلْفُقَرَاءِ إذَا عَطِبَتْ فِي الطَّرِيقِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُقَلَّدُ بَدَنَةُ التَّطَوُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ فَقَطْ ) ؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ نُسُكٍ ، وَفِي التَّقْلِيدِ إشْهَارُهَا فَحَسُنَتْ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إظْهَارَ الطَّاعَاتِ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ حَسَنٌ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - { إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } ، وَفِي الْمُحِيطِ يُقَلِّدُ دَمَ النَّذْرِ ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ وَعِبَادَةٍ وَفِيهِ إظْهَارُ الشَّعَائِرِ وَإِشْهَارُهُ فَيَلِيقُ ذَلِكَ بِالنُّسُكِ مَعَ مُوَافَقَتِهِ السُّنَّةَ وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ فَيَلِيقُ بِهَا السِّتْرُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - } وَلَا دَمَ الْإِحْصَارِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْجِنَايَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَأُلْحِقَ بِهَا ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ ، ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالتَّقْلِيدُ تَعْلِيقُ الْقِلَادَةِ عَلَى الْهَدْيِ ، وَالْمُرَادُ بِالْهَدْيِ الْجَزُورُ ، وَالْبَقَرَةُ دُونَ الْغَنَمِ ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهَا هَدْيٌ حَتَّى لَا تُهَاجَ إذَا وَرَدَتْ مَاءً أَوْ كَلَأً ، وَفِي الْغَنَمِ لَا يُفِيدُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ بِالتَّقْلِيدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تُقَلَّدُ الْغَنَمُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى إلَى الْبَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَهَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا قُلْنَا : إنَّهُ لَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَرَكُوهُ وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً مَعْرُوفَةً لَمَا تَرَكُوهُ وَمَا رَوَاهُ شَاذٌّ ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ ، وَهُوَ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تُشْعَرُ ، وَلَا تُجَلَّلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ثُمَّ إنْ بَعَثَ الْهَدْيَ يُقَلِّدُهُ مِنْ بَلَدِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَمِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ هُوَ السُّنَّةُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَ يَوْمِهِ تُقْبَلُ ، وَبَعْدَهُ لَا ) أَيْ أَهْلُ عَرَفَةَ لَوْ وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ وَقَفُوا قَبْلَ يَوْمِ الْوُقُوفِ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ تُقْبَلُ وَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ ، وَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُمْ وَقَفُوا بَعْدَ يَوْمِ الْوُقُوفِ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ لَا تُقْبَلُ وَيُجْزِيهِمْ حَجُّهُمْ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِمْ ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ عِبَادَةً مُخْتَصًّا بِزَمَانٍ ، وَمَكَانٍ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً دُونَهُمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَقَفُوا قَبْلَهُ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَوْ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ ، وَكَالْجُمُعَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ نَفْيُ حَجِّهِمْ فَلَا تُقْبَلُ وَلِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ ، وَهِيَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِكَوْنِهَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا ، وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْخَطَأِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَالتَّدَارُكُ مُتَعَذِّرٌ ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَزُولَ الِاشْتِبَاهُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا لَا تَصِحُّ أَصْلًا وَبَعْدَهَا تَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِهَا تَرْفِيهًا عَلَى النَّاسِ وَبِخِلَافِ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الظُّهْرُ مُتَيَسِّرٌ وَإِنْ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي الْعِيدَيْنِ بِأَنْ صَلُّوهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْفِطْرِ فَاتَ الْوَقْتُ ، وَفِي الْأَضْحَى فَاتَتْ السُّنَّةُ ، وَعَنْهُ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِيهِمَا لِلْعُذْرِ ، وَعَنْهُ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ لِلْأَضْحَى لِبَقَاءِ وَقْتِهِ وَلَا يَخْرُجُونَ لِلْفِطْرِ لِفَوَاتِهِ وَإِنْ شَهِدُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ

يَوْمَ عَرَفَةَ يَنْظُرُ فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَامُ أَنْ يَقِفَ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ نَهَارًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوُقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَقِفُوا عَشِيَّتَهُ فَاتَهُمْ الْحَجُّ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقِفَ مَعَهُمْ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا حَتَّى إذَا لَمْ يَقِفُوا فَاتَهُمْ الْوُقُوفُ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقِفَ لَيْلًا مَعَ أَكْثَرِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقِفُوا مِنْ الْغَدِ اسْتِحْسَانًا لِمَا بَيَّنَّا ، وَالشُّهُودُ فِي هَذَا كَوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى لَوْ وَقَفُوا بِمَا رَأَوْا ، وَلَمْ يَقِفُوا مَعَ النَّاسِ فَاتَهُمْ الْحَجُّ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْجَمْعِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ }

مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ ) اعْلَمْ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنَّفِينَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي آخَرِ الْكِتَابِ مَا شَذَّ وَنَدَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْأَبْوَابِ السَّالِفَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ ، وَيَقُولُونَ فِي أَوَّلِهِ : مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ ، أَوْ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ ، أَوْ مَسَائِلُ شَتَّى أَوْ مَسَائِلُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَبْوَابِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ وَقَفُوا بَعْدَ يَوْمِ الْوُقُوفِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : صُورَتُهَا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ فِي لَيْلَةِ كَذَا لِيَوْمٍ يَكُونُ الْوُقُوفُ مِنْهُ الْعَاشِرَ ، وَذَكَرَ لِلِاسْتِحْسَانِ أَوْجُهًا أَحَدُهَا أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ أَيْ نَفْيِ جَوَازِ الْوُقُوفِ وَمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً ، وَهُوَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةٍ قَبْلَ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ ثُمَّ هُوَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ وُقُوفِهِمْ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحُكْمِ بَلْ الْفَتْوَى تُفِيدُ عَدَمَ سُقُوطِ الْفَرْضِ فَيُخَاطَبُ بِهِ ، وَعَدَمُ سُقُوطِهِ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، وَصَارَ كَمَا لَوْ رَآهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ كَذَلِكَ ثُمَّ أَخَّرُوا الْوُقُوفَ ، ثَانِيهَا : أَنَّ شَهَادَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صِحَّةِ الْوُقُوفِ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتِهِ بَلْ قَدْ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ شَرْعًا ، وَهُوَ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ النَّاسُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ التَّاسِعُ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ ، وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ } أَيْ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - الْيَوْمُ الَّذِي يَقِفُ النَّاسُ فِيهِ عَنْ اجْتِهَادٍ وَرَأْيٍ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ ثَالِثُهَا : أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ لَكِنَّ وُقُوفَهُمْ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ مِمَّا يَغْلِبُ ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ

فَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْجَوَازِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ لَزِمَ الْحَرَجُ الشَّدِيدُ وَقَدْ نَفَاهُ بِفَضْلِهِ الْغَنِيُّ عَنْ الْعَالَمِينَ فَهَذَا الْوَجْهُ يَصْلُحُ بَيَانَ حِكْمَةِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ الْمَذْكُورِ فِيمَا قَبْلَهُ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا عَدَمُ صِحَّةِ الْوُقُوفِ فَلَا فَائِدَةَ فِي سَمَاعِهَا لِلْإِمَامِ فَلَا يَسْمَعُهَا ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهَا يُشْهِرُهَا بَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَيَكْثُرُ الْقِيلُ وَالْقَالُ فِيهَا وَتَثُورُ الْفِتْنَةُ وَتَتَكَدَّرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّكِّ فِي صِحَّةِ حَجِّهِمْ بَعْدَ طُولِ عَنَائِهِمْ فَإِذَا جَاءُوا لِيَشْهَدُوا يَقُولُ لَهُمْ انْصَرِفُوا لَا تُسْمَعُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ ا هـ وَاعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ مَا بَيْنَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَإِلَّا فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَيَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَيَقْضِي الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ نَقُولُ : إذَا وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ اسْتِحْسَانًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ ) أَيْ لِأَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَحُجُّوا أَوْ فَاتَ عَنْهُمْ الْوُقُوفُ فَلَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا إيقَاعُ الْفِتْنَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ ) يَعْنِي إذَا ظَهَرَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ ، وَالْكَلَامُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ وُقُوفَهُمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى أَنَّهُ التَّاسِعُ لَا يُعَارِضُهُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْهَدُ أَنَّهُ الثَّامِنُ ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ الثَّامِنَ إنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ ثَبَتَ بِإِكْمَالِ عِدَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ ،

وَاعْتِقَادُهُ التَّاسِعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُئِيَ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ ، وَالْقَائِلُونَ : إنَّهُ الثَّامِنُ حَاصِلُ مَا عِنْدَهُمْ نَفْيٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَرَآهُ الَّذِينَ شَهِدُوا فَهَذِهِ شَهَادَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ ) أَيْ بِأَنْ يَقِفُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا لَا تَصِحُّ أَصْلًا ) وَلَا يُقَالُ لَهُ نَظِيرٌ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ تُقَدَّمُ عَنْ وَقْتِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : ذَاكَ أَمْرٌ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَبَعْدَهَا تَصِحُّ ) أَيْ كَمَا فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ شَهِدُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَظَهَرَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ ا هـ قَوْلُهُ : فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَامُ ) يُنْظَرُ إعْرَابُ أَمْكَنَ زَيْدًا السَّفَرُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ الْمُغْنِي ( قَوْلُهُ : فَاتَهُمْ الْحَجُّ ) أَيْ لِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ جَازَ يَوْمَ الْوُقُوفِ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ فَلَا يَعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ بِانْفِرَادِهِ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَرَكَ الْجَمْرَةَ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي رَمَى الْكُلَّ أَوْ الْأُولَى فَقَطْ ) يَعْنِي لَوْ رَمَى فِيهِ الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَتَرَكَ الْأُولَى ، وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخِيفِ فَإِنْ رَمَى الْأُولَى ثُمَّ الْبَاقِيَتَيْنِ فَجَائِزٌ ، وَهُوَ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهُ رَاعَى التَّرْتِيبَ الْمَسْنُونَ ، وَإِنْ رَمَى الْأُولَى وَحْدَهَا أَجْزَأَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ ، وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا التَّرْتِيبَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يُجْزِيهِ مَا لَمْ يُعِدْ الْكُلَّ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَمَاهُ مُرَتَّبًا فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مَشْرُوعًا فَصَارَ كَمَا إذَا سَعَى قَبْلَ الطَّوَافِ ، أَوْ طَافَ قَبْلَ الْوُقُوفِ ، أَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا قُلْنَا : إنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِغَيْرِهَا ، وَلَيْسَ بَعْضُهَا تَابِعًا لِلْبَعْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا يَوْمَ النَّحْرِ قُرْبَةٌ تَامَّةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا رَمْيٌ بِخِلَافِ السَّعْيِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ ، وَهُوَ دُونَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَ وُجُودِ الْأَصْلِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قُرْبَةٌ وَاحِدَةٌ شُرِعَتْ بِدَايَتُهَا بِالصَّفَا وَخَتْمُهَا بِالْمَرْوَةِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ

( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا التَّرْتِيبَ ) أَيْ وَتَرْكُ التَّرْتِيبِ لَا يَضُرُّهُ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : قُلْنَا : إنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ ) وَلَا يُقَالُ : كُلُّ صَلَاةٍ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا أَيْضًا لَا تَعَلُّقُ بِجَوَازِهَا بِغَيْرِهَا ، وَمَعَ هَذَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ عِنْدَكُمْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ السَّعْيِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ السَّعْيِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ ا هـ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ دُونَهُ أَيْ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبَيْتِ وَلَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ فَيُعَادُ تَحْقِيقًا لِلتَّبَعِيَّةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَوْجَبَ حَجًّا مَاشِيًا لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ لِلرُّكْنِ ) أَيْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَاف الرُّكْنِ ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْحَجَّ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُتَتَابِعًا وَلَا يُقَالُ : كَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ بِالنَّذْرِ وَهُوَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : لَا بَلْ لَهُ نَظِيرٌ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهَا لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِمْ الرَّاحِلَةُ بَلْ يَجِبُ الْمَشْيُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى الْمَشْيِ ، وَلَوْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ النَّقْصَ ، وَكَذَا إذَا رَكِبَ فِي أَكْثَرِهِ ، وَإِنْ رَكِبَ الْأَقَلَّ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ وَبِطَوَافِ الزِّيَارَةِ يَنْتَهِي الْإِحْرَامُ فَيَمْشِي إلَيْهِ ، وَطَوَافُ الصَّدْرِ لِلتَّوْدِيعِ وَلَيْسَ بِأَصْلٍ فِي الْحَجِّ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى مَنْ لَا يُودِعُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَيْنَ يَبْتَدِئُ الْمَشْيَ قِيلَ : يَمْشِي مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْشِي مِنْ بَيْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْعُرْفِ ، وَهُوَ أَمْلَكُ ، وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَشْيَ فِيهِ فَيَكُونُ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ وَأَتَمَّ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ لَا يُجْزِيهِ الْحَجُّ مَاشِيًا حَتَّى يَضْمَنَ الْمَأْمُورُ النَّفَقَةَ لَوْ حَجَّ مَاشِيًا ، وَيَكُونُ الْحَجُّ لَهُ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ إنَّمَا يُطْلَقُ لَهُ الرُّكُوبُ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى شَيْخًا يُهَادِي بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ : مَا لَهُ قَالُوا : نَذَرَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62