كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

قَالَ مُودَعُ الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ آخَرَ بَعْدَ مَا أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ هَذَا أَيْضًا ابْنُهُ ، وَكَذَّبَهُ الِابْنُ الْأَوَّلُ قُضِيَ بِالْمَالِ لِلِابْنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ قَدْ صَحَّ وَانْقَطَعَ يَدُهُ عَنْ الْمَالِ فَيَكُونُ هَذَا إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ ، فَلَا يَصِحُّ كَمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا مَعْرُوفًا بِخِلَافِ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قُبِلَ لِعَدَمِ مَنْ يُكَذِّبُهُ ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُودِعُ هُنَا لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي كَمَا قُلْنَا فِي مُودِعِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِمَا فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْقَاضِي عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قُلْنَا هُنَا أَيْضًا يَضْمَنُ نَصِيبَهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ .

( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيَامِ حَقِّ الْمُودَعِ وَمِلْكِهِ فِي الْوَدِيعَةِ الْآنَ إذْ هُوَ حَيٌّ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمِلْكِهِ لِمَا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ لِلْحَالِ وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُودَعِ لَكِنْ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَعْنِي الْمَالِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا ) وَالْمِثْلُ مِلْكُ الْمُقِرِّ ا هـ كَمَالٌ وَقَوْلُهُ بِأَمْثَالِهَا أَيْ لَا بِأَعْيَانِهَا فَكَانَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَصَحَّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَدِيعَةِ ) يَعْنِي لَوْ دَفَعَ إلَى الَّذِي اعْتَرَفَ لَهُ بِالْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى ضَاعَتْ ) قِيلَ يَضْمَنُهَا ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ وَكِيلِ الْمُودِعِ فِي زَعْمِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَنَعَهَا مِنْ نَفْسِ الْمُودِعِ وَقِيلَ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ ا هـ كَمَالٌ قَوْلُهُ كَمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَلْ يَضْمَنُ لِلِابْنِ الثَّانِي قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْمُودِعُ لِلِابْنِ الثَّانِي شَيْئًا بِإِقْرَارِهِ لَهُ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّلَفُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ ثُبُوتُ الْإِرْثِ ، فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْبُنُوَّةِ إقْرَارًا بِالْمَالِ وَفِي الدِّرَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ نِصْفَ مَا أَدَّى لِلِابْنِ الثَّانِي الَّذِي أَقَرَّ لَهُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلثَّانِي صَادَفَ

مِلْكَ الْغَيْرِ ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مِيرَاثٌ قُسِّمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ لَا يُكْفَلُ مِنْهُمْ ، وَلَا مِنْ وَارِثٍ ) وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ مِنْهُمْ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ تَقُلْ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ ، وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ يَأْخُذُ كَفِيلًا بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَتَفْصِيلُ مَا يُقْسَمُ مِنْ التَّرِكَةِ بِقَوْلِهِمْ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَمَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ لِلْغَيْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ غَرِيمٌ غَائِبٌ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً فَيُحْتَاطُ بِالْكَفَالَةِ كَمَا إذَا دَفَعَ اللُّقَطَةَ أَوْ الْآبِقَ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ أَعْطَى امْرَأَةَ الْغَائِبِ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ ثَابِتٌ قَطْعًا أَوْ ظَاهِرًا ، فَلَا يُؤَخَّرُ لِأَجْلِ الْمَوْهُومِ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ كَمَا إذَا ثَبَتَ الشِّرَاءُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ أَوْ أَثْبَتَ الدَّيْنَ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى بِيعَ فِي دَيْنِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهُ لَا بِطَلَبِ مَا لَمْ يَظْهَرْ ، فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ أَرَأَيْت أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا كَانَ يَمْنَعُ حَقَّهُ وَلِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا إذَا كَفَلَ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ ثَابِتٌ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْآبِقُ وَاللُّقَطَةُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ إنْ كَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ حَرُمَ تَأْخِيرُ حَقِّهِ ، وَلَا كَذَلِكَ الدَّفْعُ بِذِكْرِ

الْعَلَامَةِ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلِهَذَا جَازَ مَنْعُهُ فَكَذَا تَأْخِيرُهُ لِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ مُسْتَحَقٌّ فِيهِ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ، وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ ظُلْمًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي مَنْعُ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ إلَى مَعْنًى آخَرَ بَعْدَ ظُهُورِهِ يَقِينًا شَرْعًا لِأَجَلٍ مُوهَمٍ غَيْرَ ثَابِتٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَهْمَ مَوْجُودٌ ، وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا آخَرَ ، وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْوَهْمِ تَكْفِيلٌ لَوَجَبَ التَّكْفِيلُ فِيهِ بِخِلَافِ التَّلَوُّمِ فَإِنَّهُ فِي التَّلَوُّمِ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ بِطَلَبِ عِلْمٍ زَائِدٍ بِانْتِفَاءِ الشَّرِيكِ الْمُسْتَحِقِّ مَعَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَطْلُبُ مِنْ الشُّهُودِ أَنْ يَقُولُوا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَهُوَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تَجُوزُ ، وَلَكِنَّهُ يُزَادُ بِهِ طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ فَكَذَا التَّلَوُّمُ ، وَقَدْرُ مُدَّتِهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقَدَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِالْحَوْلِ ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ ظُلْمٌ أَيْ مَيْلٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَعَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَرِئَ عَنْ الِاعْتِزَالِ لَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ بِسَبَبِ مَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِيُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ قُلْنَا مَعْنَاهُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بِالِاجْتِهَادِ إذْ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ عَمَلِهِ حَتَّى يُحْكَمَ بِصِحَّتِهِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَإِنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ الَّذِي هُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَصَابَ الْحَقَّ .

( قَوْلُهُ وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ ) كَأَنَّهُ عَنَى بِهِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ بِالْكُوفَةِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ لَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ ) أَيْ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ حَتَّى يَكْفُلُوا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ قُلْنَا مَعْنَاهُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بِالِاجْتِهَادِ ) أَيْ حَتَّى يُثَابَ عَلَيْهِ وَإِنْ وَقَعَ اجْتِهَادُهُ مُخَالِفًا لِلْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ تَلَاعَنَا ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ جَعَلَ قَضَاءَهُ صَوَابًا مَعَ فَتْوَاهُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي التَّقْوِيمِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَخْذَ نِصْفَ الْمُدَّعَى فَقَطْ ) يَعْنِي أَخَذَ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ نَصِيبُ الْحَاضِرِ وَتَرَكَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ ، وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْ ذِي الْيَدِ بِكَفِيلٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا إنْ كَانَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ جَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ وَجُعِلَ فِي يَدِ أَمِينٍ ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ تُرِكَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْجَاحِدَ خَائِنٌ ، فَلَا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْجُحُودِ ثَانِيًا ، وَالْقَاضِي نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْغَيْبِ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ مِنْ النَّظَرِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُوجَدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ، وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ مِنْهُ وَوَضْعُهَا فِي يَدِ عَدْلٍ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الشَّيْءَ لَهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُقِرًّا ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ مُتَعَيِّنٌ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِي اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لِوَدَائِعِ النَّاسِ ، وَلَا لِغَيْرِهَا حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنْ أَيْدِي مَنْ هِيَ عِنْدَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ عَرَفَ الْقَاضِي مِلْكًا لِإِنْسَانٍ ، ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مَا لَمْ يَحْضُرْ خَصْمُهُ فَكَذَا هَذَا وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ مَقْصُودًا وَلِهَذَا قُضِيَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِكُلِّ الدَّارِ بِحُضُورِ الْبَعْضِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَتُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ فِيهِ وَصَايَاهُ ، وَصَاحِبُ الْيَدِ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ أَوْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ، فَلَا يَنْقُضُ يَدَهُ كَمَا إذَا كَانَ مُقِرًّا ، وَجُحُودُهُ قَدْ ارْتَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُضِرُّ بِهِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْجُحُودَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْحَادِثَةِ

مَعْلُومَةً لَهُ وَلِلْقَاضِي وَمُسَجَّلَةً فِي خَرِيطَةِ الْقَاضِي ، وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ الْقَاضِي فَيَعُودَ إلَى الْإِنْكَارِ لِأَنَّا نَقُولُ مَوْتُ الْقَاضِي أَوْ الشُّهُودِ الَّذِينَ عَايَنُوا الْقَضَاءَ أَوْ الَّذِينَ شَهِدُوا بِأَصْلِ الْحَقِّ أَوْ نِسْيَانُهُمْ مِنْ أَنْدَرِ مَا يَكُونُ ، فَلَا يُعْتَبَرُ ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ فَقَدْ قِيلَ لَا يُتْرَكُ النِّصْفُ الَّذِي هُوَ لِلْغَائِبِ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ يُنْزَعُ مِنْهُ وَيُدْفَعُ إلَى عَدْلٍ يَحْفَظُهُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِفْظِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ عَلَيْهِ كَمَا لِلْأَبِ ذَلِكَ ، وَكَذَا حُكْمُ وَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى الصَّغِيرِ فِيمَا وَرِثَهُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ حِفْظَهُ عَلَى الصَّغِيرِ دُونَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَوَصِيُّهُمْ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ فَيَمْلِكُ مَا يَمْلِكُونَهُ وَقِيلَ الْمَنْقُولُ أَيْضًا عَنْ الْخِلَافِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ أَظْهَرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أُخِذَ وَدُفِعَ إلَى أَمِينِ الْقَاضِي كَانَ أَمَانَةً فَكَانَ التَّرْكُ أَبْعَدَ مِنْ التَّوَى وَإِنَّمَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ فِيهَا إنْشَاءَ خُصُومَةٍ وَالْقَاضِي نُصِبَ لِقَطْعِهَا لَا لِإِنْشَائِهَا وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَلَا الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فَيُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمَيِّتِ ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ عَنْهُ ، وَكَذَا يَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَهُ فِيمَا عَلَيْهِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا فَيَقُومُ مَقَامَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ نَفْسِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ عَامِلٌ فِيهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ الْمَيِّتِ ، فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا لَهُمْ أَيْضًا لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ مِنْهُمْ وَلِعَدَمِ قِيَامِهِمْ فِيهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا لَهُ ،

وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ نَائِبًا لَهُمْ أَيْضًا فِي ضَمِنِهِ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إنَّمَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْوَارِثِ الْحَاضِرِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْعَيْنِ لَا تَتَوَجَّهُ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ ، فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُمْ إلَّا فِي قَدْرِ مَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا حَيْثُ يَنْتَصِبُ فِيهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ مُطْلَقًا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا إرْثًا إلَخْ ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي دَارٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ فُلَانٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا قَالَ يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِنِصْفِهَا وَيَتْرُكُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي يَدِ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا جَحَدَهَا أَخَذَهَا مِنْهُ وَجَعَلَهَا فِي يَدَيْ أَمِينٍ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَحَدَهَا تَرَكَ النِّصْفَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ الْآخَرُ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ قِيلَ إنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الْقَضَاءُ لِلْغَائِبِ ؟ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي الْقَضَاءِ ، وَلَكِنْ فِي تَرْكِ نَصِيبِهِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُخْتَلَفِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُقِرًّا ) أَيْ لِأَنَّهُ أَمِينُ الْمَيِّتِ ، فَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْهُ تُوضَعُ فِي يَدِ أَمِينٍ آخَرَ ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ أَمِينًا لَا يَحْتَاجُ إلَى أَمِينٍ آخَرَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ إلَخْ ) قَالَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ ، وَلَوْ كَانَ عُرُوضًا يُؤْخَذُ مِنْ يَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ يُمْكِنُ تَعْيِيبُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَنْقُولَ يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ ، وَالْبَيْعُ أَبْلَغُ فِي حِفْظِهِ مِنْ تَرْكِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقَاضِي نُصِّبَ لِقَطْعِهَا لَا لِإِنْشَائِهَا ) وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَجِدُ كَفِيلًا وَلَا يَسْمَحُ بِإِعْطَائِهِ وَالْأَخُ الْحَاضِرُ يُطَالِبُ بِهِ فَتَثُورُ الْخُصُومَةُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ

الْغَائِبُ لَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا الْقَضَاءِ ) أَيْ وَيُسَلَّمُ النِّصْفُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَضَاءِ الْكَائِنِ فِي غَيْبَتِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ نَفْسِ الِاسْتِيفَاءِ ) أَيْ اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَالَ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالْوَصِيَّةِ فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ، وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُطْلَقُ الْمَالِ فِي بَابِ الصَّدَقَاتِ بِإِيجَابِ اللَّهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْبَعْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ } وقَوْله تَعَالَى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } فَكَذَا مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ فَكَذَا هِيَ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَلْتَزِمُ الصَّدَقَةَ مِنْ فُضُولِ مَالِهِ وَهُوَ مَالُ الزَّكَاةِ حَالَ حَيَاتِهِ وَجَمِيعُ الْمَالِ حَالَ وَفَاتِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ جِنْسُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهِيَ السَّوَائِمُ وَالنَّقْدَانِ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَبْلُغْ قَدْرَ النِّصَابِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا ، وَلَا شَرَائِطُهَا وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهَا سَبَبُ الصَّدَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَصْرِفَهُ مَصَارِفُ الزَّكَاةِ فَكَانَتْ جِهَةُ الصَّدَقَةِ فِيهَا رَاجِحَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمُؤْنَةِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ ، وَفِي أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا كَالْأَوْقَافِ فَكَانَتْ جِهَةُ الْمُؤْنَةِ رَاجِحَةً عِنْدَهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ مَعَهُ ، وَلَا

تَدْخُلُ الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ لِأَنَّهَا تَمَحَّضَتْ مُؤْنَةً ، وَلَا يَدْخُلُ الرَّقِيقُ لِلْخِدْمَةِ ، وَلَا الْعَقَارُ وَأَثَاثُ الْمَنَازِلِ وَثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَسِلَاحُ الِاسْتِعْمَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ مَا أَمْلِكُ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَوْلِهِ مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ جَمِيعُ مَالِي صَدَقَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَعَمُّ مِنْ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمِلْكَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى غَيْرِهِ يُقَالُ مِلْكُ النِّكَاحِ وَمِلْكُ الْقِصَاصِ وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالُ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ ، فَإِذَا كَانَ لَفْظُ الْمِلْكِ أَعَمَّ تَنَاوَلَ جَمِيعَ مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ كُلُّ مَالٍ أَمْلِكُهُ مِمَّا يُتَصَدَّقُ بِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا ، فَيَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْأُخَرِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ كَمَا فِي الْمَالِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ عَادَةً يَلْتَزِمُ التَّصَدُّقَ بِالْفَاضِلِ عَلَى الْحَاجَةِ فَيَنْصَرِفُ فِيهَا إلَى جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ قُوتِهِ ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ ، وَلَوْ لَمْ يُمْسِكْ قَدْرَ حَاجَتِهِ لَتَكَفَّفَ النَّاسَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا عِنْدَهُ ، ثُمَّ يَتَكَفَّفُ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْرَ مَا يُمْسِكُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعِيَالِ وَبِاخْتِلَافِ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنْ التَّحْصِيلِ فَبَعْضُ أَهْلِ الْحِرَفِ يَحْصُلُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ وَبَعْضُهُمْ كُلَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ

وَبَعْضُهُمْ أَقَلُّ ، وَكَذَا أَهْلُ التِّجَارَةِ وَأَهْلُ الزَّرْعِ يَتَجَدَّدُ لَهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَهْلُ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَادَةً وَهُمْ الَّذِينَ لَهُمْ دُورٌ وَحَوَانِيتُ وَخَانَاتٌ يُؤَجِّرُونَهَا فَيُمْسِكُ أَهْلُ كُلِّ صَنْعَةٍ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ حَاصِلُهُ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ أَخَذَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالْوَصِيَّةِ فَيَلْزَمُهُ التَّصْدِيقُ بِالْكُلِّ ) أَيْ بِكُلِّ مَالٍ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ ) أَيْ وَالْبَتِّيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لِعُمُومِ اسْمِ الْمَالِ كَالْوَصِيَّةِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي لُبَابَةَ حِينَ قَالَ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي يَجْزِيك الثُّلُثُ } ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامٌ يَنْصَرِفُ إلَى طَعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ اسْتِدْلَالًا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَذَا هُنَا ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا ) وَلِذَا قَالُوا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَالِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ ، فَإِنْ قَضَى بِهِ دَيْنَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَهُ إلَى أَنْ يُوَفِّيَ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَلْ تَدْخُلُ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ فَيَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّدَقَةِ غَالِبَةٌ فِي الْعُشْرِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْمُؤْنَةِ غَالِبَةٌ عِنْدَهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ وَصِيٌّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ مَالَ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ ، ثُمَّ عَلِمَ لَمْ يَجُزْ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا حَتَّى يَعْلَمَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَابَهُ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْآخَرَ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافَةٌ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ وَكَثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَالْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا الصَّغِيرِ لَوْ مَاتَ وَبَاعَ الْجَدَّ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِمَوْتِهِ جَازَ فَكَذَا هَذَا أَمَّا الْوَكَالَةُ فَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ بِاسْتِخْلَافٍ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ ، فَلَا يَصِحُّ بِلَا عِلْمِ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ كَإِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَادِرٌ فَيَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ ، فَلَا يَفُوتُهُ النَّظَرُ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ لِلْعَبْدِ وَالصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ ، فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ ، وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَأْذُونِ لَهُ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْعِلْمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أُعْلِمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ ) أَيْ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَعْلَمَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ كَانَ وَكِيلًا وَجَازَ تَصَرُّفُهُ سَوَاءٌ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدْلٌ أَوْ غَيْرُ عَدْلٍ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِطْلَاقُ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ كَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ

فِيهِ الْحُرِّيَّةُ ، وَلَا الْإِسْلَامُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا التَّمْيِيزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ كَالْإِخْبَارِ لِلسَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعِ وَالْبِكْرِ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ ) يَعْنِي لَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ إلَّا بِخَبَرِ عَدْلٍ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ غَيْرِ عَدْلٍ إلَخْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا التَّمْيِيزُ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَصَارَ كَالْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلْزَامًا مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ بَيَانُ الْإِلْزَامِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ ، وَكَذَا الشَّفِيعُ يَلْزَمُهُ سُقُوطُ الشُّفْعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ سُكُوتِهِ وَعَلَيَّ تَقْدِيرِ الطَّلَبِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَكَذَا الْبِكْرُ عَلَى تَقْدِيرِ السُّكُوتِ يَلْزَمُهَا النِّكَاحُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ لَا يَلْزَمُهَا ، وَكَذَا السَّيِّدُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْعِتْقِ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ لَا يَلْزَمُهُ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ كَمَا فِي الْمُنَازَعَاتِ عِنْدَ الْحُكَّامِ ، وَفِيمَا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ ، وَلَا الْعَدَالَةُ ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُهُمَا ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْفَاسِقِ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ بِخَبَرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِهِ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلَا فَلْيُبَلِّغْ } الْحَدِيثَ ، وَفِي الرَّسُولِ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ كَالْبِكْرِ إذَا أَخْبَرَهَا رَسُولُ الْوَلِيِّ بِالتَّزْوِيجِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ وَبَلَّغَهُ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَلِّغْهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يُبَلِّغَهُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ نَهْيَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِنَوَاهِي الشَّرْعِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ النَّهْيُ فِي الشَّرْعِ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ قَبْلَ الْبُلُوغِ إلَى الْمُكَلَّفِ حَتَّى لَا يَحْرُمَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَكَذَا نَهْيُ الْعَبْدِ وَهَذَا فِي الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حُكْمِيًّا فَيَثْبُتُ وَيَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ مُطْبِقًا .

( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ وَبَعْضُ الرِّوَايَاتِ الْمَأْذُونِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَفَرْقُهُمَا أَنَّ الْوَصَايَا خِلَافَةٌ كَالْإِرْثِ ، فَلَا يَتَوَقَّفُ كَالْإِرْثِ فَتَثْبُتُ بِلَا عِلْمٍ ، وَالْوَكَالَةُ إنَابَةٌ فَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ كَمَا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ لِلْوَكَالَةِ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْوِصَايَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ لِرَجُلٍ انْطَلِقْ وَاشْتَرِ عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ لِنَفْسِك فَذَهَبَ فَاشْتَرَاهُ وَلَمْ يَكُنْ رَبُّ الْعَبْدِ وَكَّلَ الْبَائِعَ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَجُوزُ وَيَكُونُ أَمَرَ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ وَكَالَةً لِلْبَائِعِ بِالْبَيْعِ قَالَ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا ، ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ وَبَعْضُ رِوَايَةِ الْمَأْذُونِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إذْنًا مَا لَمْ يُعْلِمْهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورَ فِي بَابِ مَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي ا هـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قَالَ وَقَدْ مَرَّ تَمَامُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ ا هـ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي بَابِ مَا تَقَعُ بِهِ الْوَكَالَةُ ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكِيلَ هَلْ يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْوَصِيُّ يَصِيرُ وَصِيًّا بِدُونِ الْعِلْمِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ الْوَارِثُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ جَازَ بَيْعُهُ ا هـ .

بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَعْلَمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَصْلًا لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ عَقْدًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَلِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ا هـ فَتْحٌ ( وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ ) فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ فَكَانَ كَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهَا عَلَى يَدِهِ ، وَهُوَ مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ فَقَدْ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُهَا مِنْ الْعَبْدِ وَالتَّقِيِّ وَيَشْتَرِي مِنْ الْكَافِرِ } ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُخْبِرَ بِالْعَزْلِ لَوْ كَانَ فَاسِقًا وَصَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا التَّمْيِيزَ ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ فَيُعْتَبَرُ خَبَرُ الْوَاحِدِ عَدْلًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ إلَخْ ) ، ثُمَّ إثْبَاتُ الْوَكَالَةِ يَصِحُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا ، وَكَذَلِكَ الْعَزْلُ عِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْعَزْلُ عِنْدَهُ إلَّا بِخَبَرِ الِاثْنَيْنِ أَوْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ قَالُوا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي إذَا أَخْبَرَ بِالْجِنَايَةِ فَبَاعَ أَوْ أَعْتَقَ هَلْ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ ، وَكَذَا الشَّفِيعُ إذَا سَكَتَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَ بِالْبَيْعِ ، وَكَذَا الْبِكْرُ إذَا سَكَتَتْ بَعْدَ مَا أَخْبَرَتْ بِإِنْكَاحِ الْوَلِيِّ ، وَكَذَا الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ فَأَخْبَرَ بِالشَّرَائِعِ ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَخْبَرَنَا بِالْحَجْرِ فَعِنْدَ أَبِي

حَنِيفَةَ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ ، وَيَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ بِالسُّكُوتِ وَيَكُونُ السُّكُوتُ رِضًا مِنْ الْبِكْرِ وَيَلْزَمُ الشَّرَائِعُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ الِانْتِهَاءَ بِالِابْتِدَاءِ غَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ ضَاعَ ثَمَنُ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ لَمْ يَضْمَنْ الْقَاضِي ، وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْخَلِيفَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لَتَقَاعَدُوا عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُمْ الضَّمَانُ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَضَاعَ فِي يَدِهِ وَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ الْقَاضِي ، وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ ) لِأَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ لَهُمْ فَيَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا يَجْعَلُ الْعُهْدَةَ عَلَى الْمُوَكِّلِ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا عَلَى الْوَكِيلِ بِأَنْ كَانَ الْوَكِيلُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ فَاسْتُحِقَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الْمَالُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ هُوَ الْعَاقِدُ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى إلَيْهِ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا إذَا نَصَّبَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَصَّبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ لَا لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْقَاضِي فَصَارَ كَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْمَيِّتُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ عَلَى الْغُرَمَاءِ ) أَيْ رَجَعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا وَلَحِقَهُ بِسَبَبِهِ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَمَلُ ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ رَجَعَ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدِينِهِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُوصِي أَوْ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْقَاضِيَ أَوْ أَمِينَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَصِيِّ كَقَبْضِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْوَارِثُ إذَا بِيعَ لَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيمِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إنْ كَانَ هُوَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا .

( قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي ) قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ بِلَا شَكٍّ وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالُوا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ بِالْمِائَةِ الَّتِي غَرِمَهَا أَيْضًا يُرِيدُ بِالْمِائَةِ مَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي وَفَرْضُهُ مِائَةٌ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ ذَلِكَ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ أَعْنِي جَوَازَ أَنْ يُقَالَ ، وَأَمَّا الْوَاقِعُ مِنْ الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ بِمَا ضَمِنَ فَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ نَعَمْ وَقَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ السُّرْخَكَتِيُّ لَا يَأْخُذُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا ضَمِنَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ وَفِي الْكَاكِيِّ الْأَصَحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّصْحِيحِ كَمَا سَمِعْت ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْوَارِثِ إذَا كَانَ أَهْلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا نَصَّبَ الْقَاضِي عَنْهُ مَنْ يَقْضِي دَيْنَهُ ا هـ كَيْ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ قَاضٍ عَدْلٌ عَالِمٌ قَضَيْتُ عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ أَوْ بِالْقَطْعِ أَوْ بِالضَّرْبِ فَافْعَلْهُ مَا وَسِعَك فِعْلُهُ ) قَيَّدَهُ هُنَا بِكَوْنِهِ عَدْلًا عَالِمًا ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنَّمَا يَسَعُهُ فِعْلُهُ ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } وَفِي تَصْدِيقِهِ طَاعَةٌ وَلِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُوَلَّى فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا قَاضٍ وَاحِدٌ فِي الْأَعْصَارِ كُلِّهَا ، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَحْدَهُ لَوُلِّيَ فِي مَكَان قَاضِيَانِ ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَا فَقَالَ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِفَسَادِ أَكْثَرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا ، وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ و لِأَنَّ قَبُولَ خَبَرِ الْوَاحِدِ رُتْبَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَغَيْرُهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغَلَطِ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِضَرُورَةِ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ وَلِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي مِثْلِهِ قَلَّمَا تَقَعُ ، وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ عَدْلًا عَالِمًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ تُهْمَةِ الْخِيَانَةِ وَاحْتِمَالِ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ يُؤْمَنُ مِنْ الْمَيْلِ بِالرِّشْوَةِ وَلِفِقْهِهِ يُؤْمَنُ مِنْ الْغَلَطِ ظَاهِرًا ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يَسْتَفْسِرُ ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا فَإِنْ أَحْسَنَ بِأَنْ ذَكَرَ شَرَائِطَهُ مِثْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِحَدِّ الزِّنَا مَثَلًا بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَيَأْتِي بِشَرَائِطِهِ عِنْدَ التَّفْسِيرِ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ تَمْنَعُهُ عَنْ الْكَذِبِ ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ بِأَنْ

أَخَلَّ فِي شَرَائِطِهِ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ أَوْ التَّكْرَارِ فِي الْإِقْرَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ أَوْ الْخِيَانَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَبَأِ الْفَاسِقِ { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ ، فَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ وَالْقَاضِي لَيْسَ بِخَصْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَمِينٌ ، وَلَوْ صَارَ خَصْمًا لَمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ .( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يُسْتَفْسَرُ ) أَيْ عَنْ قَضَائِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا ) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا فَشَمِلَ صُورَتَيْنِ وَالْأَقْسَامُ عَلَى هَذَا أَرْبَعَةٌ : عَدْلٌ عَالِمٌ لَا يُسْتَفْسَرُ عَدْلٌ جَاهِلٌ يُسْتَفْسَرُ فَاسِقٌ عَالِمٌ فَاسِقٌ جَاهِلٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا إلَّا إنْ عَايَنَ الْحُجَّةَ ا هـ .

قَالَ ( وَإِنْ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفًا وَدَفَعْتُهُ إلَى زَيْدٍ قَضَيْتُ بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْتَهُ ظُلْمًا فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي ) وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْتُ بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدَهُ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَالُهُ مُقِرًّا أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ قَاضٍ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لَمَّا أَقَرَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي حَالِ قَضَائِهِ صَارَ مُعْتَرِفًا بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لِلْقَاضِي ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي عَلَى سَبِيلِ الْقَضَاءِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ بِحَالٍ فَجَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي فِي ذَلِكَ يَمِينٌ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَالِ قَضَائِهِ بِتَصَادُقِهِمَا ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ أَقَرَّ الْآخِذُ وَالْقَاطِعُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَدَفْعُهُ صَحِيحٌ فَصَارَ إقْرَارُهُ بِهِ كَفِعْلِهِ مُعَايِنًا وَلَوْ زَعَمَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَالْمَأْخُوذُ مَالُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا يَوْمئِذٍ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْقَاضِي أَيْضًا لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْتُ أَوْ أَعْتَقْتُ وَأَنَا مَجْنُونٌ وَالْجُنُونُ كَانَ مَعْهُودًا مِنْهُ ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إذَا زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْقَاضِيَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ وَمَنْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَتَى وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ فِي الْإِسْنَادِ يُحَكَّمُ الْحَالُ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَهُوَ لَوْ فَعَلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْإِسْنَادُ بِتَصَادُقِهِمَا وَالصَّحِيحُ هُوَ

الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ ، وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ قَطَعْتُ يَدَك وَأَنَا عَبْدٌ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ قَطَعْتَهَا وَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدٍ قَدْ أَعْتَقَهُ أَخَذْتُ مِنْك غَلَّةَ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَأَنْتَ عَبْدٌ ، وَقَالَ الْمُعْتَقُ أَخَذْتَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ بِعْتُ وَسَلَّمْتُ قَبْلَ الْعَزْلِ ، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَهْلَكًا ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فِيهِ فَيَصِيرُ مُدَّعِيًا ، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ وَبِالْإِضَافَةِ يُدَّعَى عَلَيْهِ التَّمْلِيكُ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ وُجِدَ الْإِسْنَادُ مِنْهُمَا أَيْضًا إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَا أَيْضًا كَالْقَاضِي قُلْنَا إنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ لَكِنَّ إقْرَارَ كُلِّ مُقِرٍّ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي حَقِّهِمَا حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الْقَاضِي كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَكِنْ لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الضَّمَانَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ

تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ حَذَرَ الضَّمَانِ بَعْدَ الْعَزْلِ فَتُرِكَ لِذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا ، وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صُدِّقَ الْقَاضِي فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَضَائِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَ لَهُ ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى تَمَلُّكِهِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا بَلَغَ الْيَتِيمُ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ وَأَنْكَرَ الْيَتِيمُ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ لِمَا أَنَّهُ أُسْنِدَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْتُ يَدَكِ وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ هِيَ قَطَعْتَهَا وَأَنَا حُرَّةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا ، وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ بِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِهَا ، ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ لِنَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ التَّمَلُّكَ لَهُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ أَكَلْتُ طَعَامَك بِإِذْنِك فَأَنْكَرَ الْإِذْنَ يَضْمَنُ الْمُقِرُّ وَهَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُخَلِّصٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ الْآخِذُ وَالْقَاطِعُ فِي هَذَا الْفَصْلِ ) أَرَادَ بِهَذَا الْفَصْلِ مَا إذَا زَعَمَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَوْ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ أَنَّ الْأَخْذَ أَوْ الْقَطْعَ وَقَعَ قَبْلَ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَمِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي فَصْلٍ فِي تَصَرُّفَاتِ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَطَلَبَ مَالَهُ مِنْ الْوَصِيِّ فَقَالَ الْوَصِيُّ ضَاعَ مِنِّي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَإِنْ قَالَ أَنْفَقْت مَالَك عَلَيْك يُصَدَّقُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ فَقَالَ الْوَصِيُّ مَاتَ أَبُوهُ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَالَ الْيَتِيمُ مَاتَ أَبِي مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَ رَقِيقًا فَأَنْفَقْت عَلَيْهِمْ إلَى وَقْتِ كَذَا ، ثُمَّ مَاتَ وَكَذَّبَهُ الِابْنُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْعَبِيدِ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ غُلَامًا لِلْمُوصِي أَبَقَ فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ فَأَعْطَيْتُ جُعْلَهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَالِابْنُ يُنْكِرُ الْإِبَاقَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْوَصِيُّ بِبَيِّنَةٍ عَلَى مَا ادَّعَى وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُ رَجُلًا لِيَرُدَّهُ فَإِنَّهُ

يَكُونُ مُصَدَّقًا وَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا قَالَ الْوَصِيُّ أَدَّيْتُ خَرَاجَ أَرْضِك عَشْرَ سِنِينَ مُنْذُ مَاتَ أَبُوك وَقَالَ الْيَتِيمُ إنَّمَا مَاتَ أَبِي مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الِابْنِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا ، وَهُوَ يُنْكِرُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ يَدَّعِي عَلَيْهِ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَالِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ فَرَضَ الْقَاضِي لِأَخِيك الزَّمِنِ نَفَقَةً فِي مَالِك ، كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَأَدَّيْتَ إلَيْهِ لِكُلِّ شَهْرٍ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ ، وَكَذَّبَهُ الِابْنُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَكُونُ ضَامِنًا ا هـ .

( كِتَابُ الشَّهَادَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَحِسْبَانٍ ) هَذَا فِي اللُّغَةِ فَلِهَذَا قَالُوا : إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي تُبْنَى عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَسُمِّيَ الْأَدَاءُ شَهَادَةً إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ ، وَقِيلَ : هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشُّهُودِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَمَجْلِسَ الْوَاقِعَةِ وَهِيَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ بِصِدْقٍ مَشْرُوطٍ فِيهِ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ فَشَرْطُهَا الْعَقْدُ الْكَامِلُ وَالضَّبْطُ وَالْوِلَايَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرُكْنُهَا لَفْظُ أَشْهَدُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ دُونَ الْقَسَمِ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمَا تَقْتَضِيهِ الشَّهَادَةُ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ حُجَّةً مُلْزَمَةً ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَلْزَمُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي ) أَيْ يَلْزَمُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وَلَا يَسَعُ كِتْمَانُهَا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } وقَوْله تَعَالَى { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْإِبَاءِ وَعَنْ الْكِتْمَانِ لَكِنْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ يَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّهِ إذَا كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِاشْتِغَالِ بِهِ فَكَانَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضًا قَطْعًا كَفَرِيضَةِ الِانْتِهَاءِ عَنْ الْكِتْمَانِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِهِ بَلْ آكَدُ وَلِهَذَا أُسْنِدَ الْإِثْمُ إلَى الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْفِعْلُ وَهِيَ الْقَلْبُ ؛ لِأَنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَحَلِّهِ أَقْوَى مِنْ إسْنَادِهِ إلَى كُلِّهِ ، وَقَوْلُهُمْ : أَبْصَرْتُهُ بِعَيْنِي آكَدُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَبْصَرْته ، وَإِسْنَادُهُ إلَى أَشْرَفِ الْجَوَارِحِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ

أَعْظَمُ الْجَرَائِمِ بَعْدَ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقُبِلَتْ فَقَالُوا لَا يَأْثَمُ وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ يَأْثَمْ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ هَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا : لَا يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى { وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ } ثُمَّ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَرْكُوبِ فَأَرْكَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا : لَا بَأْسَ بِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِكْرَامِ لِلشُّهُودِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَكْرِمُوا الشُّهُودَ } ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ وَأَرْكَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ

( كِتَابُ الشَّهَادَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ الشَّهَادَةُ لُغَةً إخْبَارٌ قَاطِعٌ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ إخْبَارُ صِدْقٍ بِإِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الزُّورِ فَلَيْسَتْ شَهَادَةً وَقَوْلُ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذَكَرَ الشَّهَادَاتِ بَعْدَ كِتَابِ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْتَاجُ فِي حُكْمِهِ إلَى الشَّاهِدِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ حُكْمِهِ وَقَالَ الْكَمَالُ : يَتَبَادَرُ أَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الْقَضَاءِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا إذَا كَانَ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَضَاءُ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّهَادَةِ قَدَّمَهُ تَقْدِمَةً لِلْمَقْصُودِ عَلَى الْوَسِيلَةِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَمَعْنَاهَا الْحُضُورُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ } أَيْ حَضَرَهَا وَالشَّاهِدُ أَيْضًا يَحْضُرُ الْقَاضِيَ وَمَجْلِسَ الْوَاقِعَةِ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَهِيَ أَيْ الشَّهَادَةُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِشَخْصٍ عَلَى غَيْرِهِ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْقَضِيَّةِ الَّتِي يَشْهَدُ بِهَا بِالتَّحْقِيقِ وَعَنْ عِيَانٍ أَيْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ } ثُمَّ أَكَّدَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْحَدْسِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ مَصْدَرُ خَمَّنَ بِالتَّشْدِيدِ وَمَادَّتُهُ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَمِيمٌ وَنُونٌ وَالتَّخْمِينُ وَالْحَدْسُ فِي الْإِخْبَارِ لَا يُفِيدُ التَّحْقِيقَ وَالتَّيَقُّنَ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ وَأَكَّدَ مَعْنَى الْعِيَانِ بِقَوْلِهِ وَلَا عَنْ حِسْبَانٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ مِنْ حَسِبْته كَذَا أَحْسَبُهُ بِالْفَتْحِ مَحْسَبَةً وَمُحْسِبَةً وَحِسْبَانًا أَيْ ظَنَنْته وَيُقَالُ أَحْسِبُهُ بِالْكَسْرِ شَاذٌّ وَأَمَّا حُسْبَانٌ بِالضَّمِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ حَسَبَ

يَحْسُبُ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ إذَا عَدَّ وَجَعَلَ الشَّارِحُ هَذَا مَعْنًى لُغَوِيًّا لِلشَّهَادَةِ ثُمَّ قَالَ وَهِيَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ بِصِدْقٍ مَشْرُوطٍ فِيهِ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ الْحُضُورُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ وَقَوْلُهُ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ هُوَ إخْبَارٌ بِصِدْقٍ وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ ذَاتِهِ كَمَا عُرِفَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا لَفْظُ أَشْهَدُ ) وَفِي قَوْلِ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَنَظِيرُهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُلْزَمُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي ) قَالَ الْكَمَالُ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا طَلَبُ ذِي الْحَقِّ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّهِ فَإِنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِلَا طَلَبٍ ، وَشَرْطُهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْوِلَايَةُ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ ؛ لِأَنَّ الدِّينَ أَصْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْإِخْبَارِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَقَالَ الْكَمَالُ : وَسَبَبِيَّةُ الطَّلَبِ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } وَسَبَبِيَّةُ خَوْفِ الْفَوْتِ بِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ سَبَبِيَّةَ الطَّلَبِ إنَّمَا ثَبَتَتْ كَيْ لَا يَفُوتَ الْحَقُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ يَأْثَمْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي

إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُهُ نَرْجُو أَنْ يَسْعَهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ وَفِي الْعُيُونِ إنْ كَانَ فِي الصَّكِّ جَمَاعَةٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ دُونَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ لَكِنْ قَبُولُهَا مَعَ شَهَادَتِهِ أَسْرَعُ وَجَبَ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا دُعِيَ فَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ ظَاهِرٍ ثُمَّ أَدَّى لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهِ إذْ يُمْكِنُ أَنَّ تَأْخِيرَهُ بِعُذْرٍ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ لِاسْتِجْلَابِ الْأُجْرَةِ ا هـ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقْبَلَ وَيُحْمَلَ عَلَى الْعُذْرِ مِنْ نِسْيَانٍ ثُمَّ تَذَكُّرٍ أَوْ غَيْرِهِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْفَضْلِ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَأَدَائِهَا وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ وَعَلَى هَذَا الْكَاتِبِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَا مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ فِي الْعُقُودِ إلَّا فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ وَفِي الرَّجْعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ قَالُوا لَا يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ ) قَالَ الْكَمَالُ قَالُوا : يَلْزَمُ إذَا كَانَ مَجْلِسُ الْقَاضِي قَرِيبًا ، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَعَنْ نَصْرٍ إنْ كَانَ بِحَالٍ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَأَرْكَبَهُ الطَّالِبُ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيمَنْ أَخْرَجَ الشُّهُودَ إلَى ضَيْعَةٍ فَاسْتَأْجَرَ لَهُمْ حَمِيرًا فَرَكِبُوهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهَا الْعَادَةُ وَهِيَ إكْرَامٌ لِلشُّهُودِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَفَصَلَ فِي النَّوَازِلِ بَيْنَ كَوْنِ الشَّاهِدِ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَلَا يَجِدُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ دَابَّةً فَيُقْبَلُ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ وَلَوْ وَضَعَ لِلشُّهُودِ طَعَامًا

فَأَكَلُوا إنْ كَانَ مُهَيَّأً مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ يُقْبَلُ ، وَإِنْ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ لَا يُقْبَلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْبَلُ فِيهِمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِإِطْعَامِ مَنْ حَلَّ مَحَلَّ الْإِنْسَانِ مِمَّنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ شَاهِدًا أَوْ لَا وَيُؤْنِسُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِهْدَاءَ إذَا كَانَ بِلَا شَرْطٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ يَجُوزُ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ الْأَدَاءَ فُرِضَ بِخِلَافِ الذَّهَابِ إلَى الْأَمِيرِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسَتْرُهَا فِي الْحُدُودِ أَحَبُّ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك } وَهَذَا الْحَدِيثُ وَلَفْظُ الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ وَلَكِنَّ السَّتْرَ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } وَفِيمَا نُقِلَ مِنْ تَلْقِينِ الْمُقِرِّ لِلدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ السَّتْرَ أَفْضَلُ ، وَإِنْ شَاءَ أَظْهَرَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِسْبَةً أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْفَسَادِ أَوْ تَقْلِيلَهُ فَكَانَ حَسَنًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا } الْآيَةَ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ فِيهِمْ الْفَاحِشَةُ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَذَلِكَ صِفَةُ الْكَافِرِ فَلِذَلِكَ وُعِدُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّاهِدِ ارْتِفَاعُ الْفَاحِشَةِ مِنْ الْعِبَادِ لَا إشَاعَتُهَا وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } فَلِهَذَا حَسُنَ وَالْأَوَّلُ وَهُوَ السَّتْرُ أَحْسَنُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } أَيْ إذَا دَعَاهُمْ الْمُدَّعِي إذْ الْحُدُودُ لَيْسَ لَهَا مُدَّعٍ يَدَّعِيهَا وَلِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مَعَ كَرَمِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ ، وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ شَحِيحٌ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُ الْحَقَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَقُولُ فِي السَّرِقَةِ أَخَذَ لَا سَرَقَ ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمَالِ وَاجِبٌ إذَا طَلَبَهُ

الْمُدَّعِي ، وَالسَّتْرُ فِي الْحَدِّ أَفْضَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَأَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةِ الْحَقَّيْنِ بِقَوْلِهِ أَخَذَ ؛ لِأَنَّهُ يُحْيِي بِهِ حَقَّ الْمُدَّعِي وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ مَتَى وَجَبَ عَلَيْهِ سَقَطَ الضَّمَانُ إذْ لَا يَجْتَمِعَانِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ سَرَقَ فَيَتَوَقَّاهُ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ إذْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَفِيهِ صِيَانَةُ يَدِ السَّارِقِ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إقَامَتِهِ

قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ) أَيْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ سَتَرَهُ اللَّهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَتَرَ إلَخْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَظْهَرَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِسْبَةً أَيْضًا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ فِي السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّوَقِّي عَنْ الْهَتْكِ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ ا هـ قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْحِسْبَةُ مَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ وَفِي الصِّحَاحِ احْتَسَبَ بِكَذَا أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْمُ الْحِسْبَةُ بِالْكَسْرِ وَهِيَ الْأَجْرُ وَالْجَمْعُ الْحِسَبُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ وَهُوَ السَّتْرُ أَحْسَنُ لِمَا بَيَّنَّا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، فَإِنْ قُلْت كَيْفَ كَانَ السَّتْرُ أَفْضَلَ مَعَ تَنْصِيصِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ } قُلْت الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمُدَايَنَةِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا فِي الْحُدُودِ بِدَلَالَةِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا آنِفًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةِ الْحَقَّيْنِ بِقَوْلِهِ أَخَذَ ) أَيْ فَإِنَّ الْأَخْذَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ غَصْبًا أَوْ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُودَعًا عِنْدَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الشَّهَادَةَ بِالْأَخْذِ مُطْلَقًا ثُبُوتُ الْحَدِّ بِهَا ا هـ كَمَالٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشُرِطَ لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك } وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةٌ لِلْمُذَكَّرِ دُونَ الْمُؤَنَّثِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ وَأَوْعَدَ بِالْعَذَابِ مَنْ أَحَبَّ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِمَا تَلَوْنَا وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ مَعَ وَصْفِ الذُّكُورَةِ تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ إذْ وُقُوفُ الْأَرْبَعِ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ قَلَّمَا يَتَحَقَّقُ وَأَوْجَبَ عَلَى مَنْ نُسِبَ إلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الْحَدَّ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا ، وَاللِّعَانَ إنْ كَانَ زَوْجًا كُلُّ ذَلِكَ يُؤَكِّدُ مَعْنَى السَّتْرِ وَيَمْنَعُ مِنْ الْإِظْهَارِ وَلَا يُقَالُ لَيْسَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ إلَّا بَيَانُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهَذَا الْعَدَدِ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِأَقَلَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنْ لَا يُوجِبُهُ أَيْضًا فَمَنْ ادَّعَى جَوَازَ مَا دُونَهُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ كَمَا أَنَّ النَّافِيَ لِلْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ لَا يَنْفِيهِ إلَّا لِعَدَمِ دَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ إذْ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَقَدْ وُجِدَ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِفَائِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّ الشُّهُودَ عَلَى الزِّنَا إذَا نَقَصَ عَدَدُهُمْ عَنْ الْأَرْبَعَةِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ لِكَوْنِهِمْ قَذَفَةً أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَدَّ

الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى مُغِيرَةَ بِالزِّنَا وَلَوْ كَانَ الزِّنَا يَثْبُتُ بِمَا دُونَهُ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ بَلْ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمَنْسُوبِ إلَى الزِّنَا وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ لِعَدَمِ التَّسَاوِي وَلِوُجُودِ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ وَشَرْطُ الْقِيَاسِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْأَصْلِ ، وَالْفَرْعِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْفَرْعِ نَصٌّ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ ) لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ وَقَالَ تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَلِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيهَا شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَجُلٍ فَلَا يُقْبَلُ فِيمَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كَمَا لَا يَجُوزُ فِيهَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِيهَا شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ لَا حَقِيقَتُهَا ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ غَالِبًا وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ تُقْبَلُ مَعَ وُجُودِ الشُّهُودِ مِنْ الرِّجَالِ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ } قَالُوا : إنْ لَمْ يَشْهَدَا حَالَ كَوْنِهِمَا رَجُلَيْنِ فَلْيَشْهَدْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيلُ لَمَا اعْتَبَرَ شَهَادَتَهُنَّ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ ، وَشَهَادَتُهُنَّ مُعْتَبَرَةٌ مَعَهُمْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ أَيْضًا حَتَّى إذَا شَهِدَ رِجَالٌ وَنِسْوَةٌ بِشَيْءٍ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْكُلِّ حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ الرُّجُوعِ

( قَوْلُهُ وَشَرْطُ الْقِيَاسِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الزِّنَا أَعْظَمُ الْجَرَائِمِ وَلِهَذَا شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ فَلَا يُقَاسُ عَلَى غَيْرِهِ ا هـ مِنْ خَطِّهِ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ ) وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ ) وَتَخْصِيصُ الْخَلِيفَتَيْنِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ كَانَ مُعْظَمُ تَقْرِيرِ الشَّرْعِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ فِي زَمَانِهِمَا وَبَعْدَهُمَا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا الِاتِّبَاعُ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْوِلَادَةِ ، وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ امْرَأَةٌ ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرُ إلَيْهِ } ، وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ ، وَاللَّامِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ وَقَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ { أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ } وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الشَّهَادَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ ثِنْتَانِ مِنْ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ شَيْئَانِ الْعَدَدُ ، وَالذُّكُورَةُ وَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا فَبَقِيَ الْآخَرُ وَهُوَ الْعَدَدُ عَلَى حَالِهِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ اشْتِرَاطُ صِفَةِ الذُّكُورَةِ لِيَخِفَّ النَّظَرُ ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ فَكَذَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْوَاحِدِ أَخَفُّ وَالْأَحْوَطُ الِاثْنَانِ أَوْ الْأَكْثَرُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا سَائِرُ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ ، وَالْإِسْلَامِ ، وَالْعَقْلِ ، وَالْبُلُوغِ ، وَالْعَدَالَةِ وَحُكْمُ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْوِلَادَةِ ، وَالْبَكَارَةِ ، وَالْعُيُوبُ قَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الطَّلَاقِ ، وَالْبُيُوعِ ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ فِي اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَشَهَادَتِهَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَرِوَايَتِهَا الْإِخْبَارَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ ؛

لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ عَلَامَةُ حَيَاتِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ حَضَرَهُ وَلَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ عَادَةً فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَيُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ كَانَ الرَّجُلُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ كَمَا فِي الزِّنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِغَيْرِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ) أَيْ يُشْتَرَطُ لِغَيْرِ الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَالنِّكَاحِ ، وَالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ ، وَالْوَكَالَةِ ، وَالْوِصَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا كَالْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالِ الضَّبْطِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ وَحْدَهُنَّ ، وَإِنْ كَثُرْنَ وَلَا مَعَ الرِّجَالِ فِي الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ ، وَإِنَّمَا قُبِلَتْ فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا لِلضَّرُورَةِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَقِلَّةِ خَطَرِهَا وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ الْمَالِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَجَازَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي النِّكَاحِ ، وَالْفُرْقَةِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ أَصْلِيَّةٌ لَا ضَرُورِيَّةٌ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْوِلَايَةُ وَهِيَ تُبْنَى عَلَى الْحُرِّيَّةِ ، وَالْإِرْثِ وَلِوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْقَبُولِ وَهِيَ تُبْنَى عَلَى انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِالْكَذِبِ ، وَالْغَلَطِ فَالْكَذِبُ يَنْتَفِي بِالْعَدَالَةِ ، وَالْغَلَطُ يَنْتَفِي بِإِتْقَانِ الْمُعَايَنَةِ ، وَالضَّبْطِ ، وَالْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ يَحْصُلُ

الْعِلْمُ لِلشَّاهِدِ وَبِالثَّانِي يَحْصُلُ بِهِ الْبَقَاءُ ، وَالدَّوَامُ ، وَبِالثَّالِثِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي وَلِهَذَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهَا فِي الْإِخْبَارِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ مُطْلَقًا كَالرِّجَالِ وَلَكِنْ جَاءَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَالْمَالِ بَلْ فَوْقَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ وَكَذَا الطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ ، وَالْمَالُ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَأَيُّ شُبْهَةٍ أَقْوَى مِنْ الْهَزْلِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْكُلِّ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ ، وَالْعَدَالَةِ ) أَيْ يُشْتَرَطُ لِجَمِيعِ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ ، وَالْعَدَالَةِ لِكَيْ تُقْبَلَ حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِالِاسْتِشْهَادِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهَا غَيْرُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْيَمِينِ مُلَاحَظًا فِيهَا وَامْتِنَاعُهُ عَنْ الْكَذِبِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَشَدُّ إذْ لَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَوَامِرِ حَيْثُ لَا يُرَاعَى فِيهِ اللَّفْظُ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ بَلْ يَتَأَتَّى بِكُلِّ لَفْظٍ يُعْطِي ذَلِكَ الْمَعْنَى كَالتَّكْبِيرِ ، وَالْأَيْمَانِ حَتَّى صَحَّ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ يَجُوزُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ إلْزَامَ الْحَاكِمِ الْحُكْمَ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ، وَالْعِرَاقِيُّونَ لَا يَشْتَرِطُونَ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا

لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَيَجْعَلُونَهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِمَا ، وَالْعَدَالَةُ هِيَ الْمُعَيِّنَةُ لِلصِّدْقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } ، وَالْعَدْلُ هُوَ الْمَرَضِيُّ وَلِأَنَّ مَنْ يُبَاشِرُ غَيْرَ الْكَذِبِ مِنْ الْمَعَاصِي قَدْ يُبَاشِرُ الْكَذِبَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ ، وَالْكَذِبَ وَبِالْعَدَالَةِ تَتَرَجَّحُ جِهَةُ الصِّدْقِ وَهِيَ الِانْزِجَارُ عَمَّا يُعْتَقَدُ حُرْمَتُهُ ، وَالْحُجَّةُ هُوَ الْخَبَرُ الصِّدْقُ وَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ دُونَهَا وَهِيَ شَرْطُ لُزُومِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ لَا شَرْطُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ إذْ الْفَاسِقُ أَهْلٌ لِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ ، وَالسَّلْطَنَةِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ فِسْقَهُ أَوْجَبَ التَّوَقُّفَ فِي خَبَرِهِ لِتُهْمَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } أَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ ، وَالتَّثَبُّتِ لَا بِالرَّدِّ حَتَّى إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي الشَّهَادَةِ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ فِي شَهَادَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لِوَجَاهَتِهِ لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِئْجَارِهِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلِمُرُوءَتِهِ يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ إكْرَامًا لَهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَكْرِمُوا الشُّهُودَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِي الْحُقُوقَ بِهِمْ } وَفِي حَقِّ الْفَاسِقِ أَمَرْنَا بِخِلَافِهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا لَقِيت الْفَاسِقَ فَالْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ } وَمَنْ يَكُونُ

مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ شَرْعًا فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ حَتْمًا عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ مِنْهُ

( قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ ثِنْتَانِ مِنْ النِّسَاءِ ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَحُكْمُ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا حُكْمُ الْبَكَارَةِ ، فَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً فَإِذَا مَضَتْ فَقَالَ وَصَلْت إلَيْهَا وَأَنْكَرَتْ تُرَى النِّسَاءَ ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ تُخَيَّرُ ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فُرِّقَ لِلْحَالِ ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بِقَوْلِهِنَّ ؛ لِأَنَّهَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَهِيَ مُوَافَقَةُ الْأَصْلِ إذْ الْبَكَارَةُ أَصْلٌ وَلَوْ لَمْ تَتَأَيَّدْ شَهَادَتُهُنَّ بِمُؤَيِّدٍ اُعْتُبِرَتْ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي إلْزَامِ الْخَصْمِ وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَبِيعِ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي هِيَ ثَيِّبٌ يُرِيهَا النِّسَاءَ ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ لِتَأَيُّدِ شَهَادَتِهِنَّ بِمُؤَيِّدٍ هُوَ الْأَصْلُ ، وَإِنْ قُلْنَ : ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ قَوِيٌّ وَشَهَادَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ وَلَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ لَكِنْ يَثْبُتُ حَقُّ الْخُصُومَةِ وَيَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لَقَدْ سَلَّمَتْهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتهَا وَهِيَ بِكْرٌ ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَأَمَّا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتُهُ مَسْمُوعٌ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ فَكَانَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَهُمَا يَقُولَانِ صَوْتُهُ يَقَعُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَهَا لَا تُحْضِرُ الرِّجَالَ فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَرْجَحُ ا هـ ( قَوْلُهُ :

وَتُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْضًا ) فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ رَجُلٌ بِأَنْ قَالَ : فَاجَأْتهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي إلَيْهَا يُقْبَلُ إنْ كَانَ عَدْلًا وَلَوْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ لَا يُقْبَلُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ أَيْضًا تُقْبَلُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ا هـ كَيْ وَفَتْحٌ قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ : أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا تُقْبَلُ إلَخْ ) وَثَالِثٌ وَهُوَ التَّفْسِيرُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ مِثْلَ شَهَادَتِهِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا مِثْلُ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ عِنْدَ الْخَصَّافِ لِلِاحْتِمَالِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَالْعَدَالَةُ هِيَ الْمُعِينَةُ لِلصِّدْقِ ) ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ عَلَى السَّوَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْمَفْهُومِ فَبِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ صِدْقًا حَتَّى يَعْمَلَ بِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : إذْ الْفَاسِقُ أَهْلٌ لِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالسَّلْطَنَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا وَيَكُونُ الْقَاضِي عَاصِيًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ إلَخْ ) كَمُبَاشِرِي السُّلْطَانِ وَالْمَكَسَةِ وَغَيْرِهِمْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ مُكْفَهِرٌّ ) أَيْ شَدِيدُ الْعُبُوسَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ سِرًّا ) وَعَلَانِيَةً فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَصِرُ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ ، فَإِنْ طَعَنَ فِيهِ سَأَلَ عَنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا إلَّا فِي الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ ، فَإِنَّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ فِيهِ الْخَصْمُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ } وَمِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } يَشْهَدُ لَهُ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الِانْزِجَارُ ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ يَمْنَعَانِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْقَبِيحِ فَاكْتَفَى بِالظَّاهِرِ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ اسْتِحْقَاقٍ كَالشَّفِيعِ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِظَاهِرِ يَدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَازِعٌ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الْقَطْعِ لِخَفَائِهَا وَلَوْ زَكَّى فَالْمُزَكِّي يُخْبِرُ عَنْ عَدَالَتِهِ مُتَمَسِّكًا بِظَاهِرِ حَالِهِ ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَالَتِهِ انْزِجَارُهُ عَنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ وَاجْتِهَادُهُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَهِيَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِقَطْعِيَّةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ السُّؤَالِ إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْعَنُهُ كَاذِبًا ظَاهِرًا فَتَقَابَلَ الظَّاهِرَانِ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِالِاسْتِقْصَاءِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّهُمَا يُدْرَآنِ بِالشُّبْهَةِ وَيُحْتَاطُ لِإِسْقَاطِهِمَا فَيُسْتَقْصَى فِيهِمَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَعْنِ خَصْمٍ رَجَاءَ أَنْ يَسْقُطَا وَلَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْبَنِي عَلَى الْحُجَّةِ وَلَا تَقَعُ الْحُجَّةُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالْعَدَالَةُ قَبْلَ السُّؤَالِ ثَابِتَةٌ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فَوَجَبَ التَّعَرُّفُ عَنْهَا صِيَانَةً

لِقَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَإِسْنَادِ الْحُكْمِ إلَى الْبُرْهَانِ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَهُمْ نَاسٌ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَيْرِ ، وَالصَّلَاحِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ وَيَشْهَدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ } ، وَالْآيَةُ الَّتِي تَلَوْنَا ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَا يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَهُمَا كَانَا فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ بَعْدَمَا تَغَيَّرَ أَحْوَالُ النَّاسِ وَظَهَرَتْ الْخِيَانَاتُ ، وَالْكَذِبُ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَكْثَرُ ثُمَّ التَّعْدِيلُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْمَسْتُورَةَ وَهِيَ الرُّقْعَةُ إلَى الْمُعَدِّلِ فِيهَا اسْمُ الشَّاهِدِ وَنَسَبُهُ وَحِلْيَتُهُ وَمَسْجِدُهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ وَمُحَلَّتُهُ وَسُوقُهُ إنْ كَانَ سُوقِيًّا فَيَسْأَلُ عَنْ جِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ ، فَإِذَا عَرَفَهُمْ فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي أَنَّهُ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ يَسْكُتُ وَلَا يَكْتُبُ احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ وَيَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ أَنَّهُ مَسْتُورٌ وَيَرُدُّ الْمُعَدِّلُ الْمَسْتُورَةَ سِرًّا كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيُؤْذَى وَلَا بُدَّ فِي التَّعْدِيلِ فِي الْعَلَانِيَةِ مِنْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ ، وَالشَّاهِدِ لِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ عَنْ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي قَبِيلَتِهِ مَنْ يُوَافِقُهُ فِي الِاسْمِ وَقَدْ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ وَحْدَهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الشَّوْكَةَ كَانَتْ

لِأَهْلِ الْخَيْرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الشَّرِّ وَيُكْتَفَى بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ ، وَالْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ يَكُونُ عَدْلًا ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِنَا كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الْحُرِّيَّةَ ، وَالْإِسْلَامَ وَلِهَذَا لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ وَإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يُنَازِعْهُ الْخَصْمُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ إلَّا فِي الشَّهَادَةِ ، وَالْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ ، وَالْعَقْلِ ، فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَلْ يَسْأَلُ عَنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ ، فَإِنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرٍ لَهُ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ الشَّهَادَةُ ، وَالْحُدُودُ ، وَالْقِصَاصُ ، وَالْعَقْلُ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : إنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ أَوْ قَالَ الْقَاذِفُ : الْمَقْذُوفُ عَبْدٌ أَوْ قَالَ الشَّاجُّ : الْمَشْجُوجُ عَبْدٌ أَوْ قَالَتْ الْعَاقِلَةُ : الْقَاتِلُ عَبْدٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ وَلَا الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرٌّ وَهِيَ نَظِيرُ الْعَدَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِيهِمْ بِكَوْنِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ فِيهِمْ ، فَإِذَا طَعَنَ الْخَصْمُ سَأَلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا

( قَوْلُهُ : وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ) وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ، فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ) أَيْ وَيُسْتَقْصَى دَرْءُ الْحَدِّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ } ا هـ ( قَوْلُهُ فَاكْتَفَى بِالظَّاهِرِ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ إلَخْ ) وَلِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ الشُّهُودِ بَلْ اكْتَفَوْا عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَنْهُمْ ابْنُ شُبْرُمَةَ فَدَلَّ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : كَالشَّفِيعِ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ إلَخْ ) أَمَّا لَوْ جَحَدَ الْمُشْتَرِي مِلْكِيَّتَهُ لِلدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الشَّفِيعُ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْعَنُهُ كَاذِبًا ظَاهِرًا فَتَقَابَلَ الظَّاهِرَانِ ) أَيْ وَهُمَا كَوْنُ الشَّاهِدِ الْمُسْلِمِ لَا يَكْذِبُ ظَاهِرًا فَكَذَلِكَ الْخَصْمُ مُسْلِمٌ لَا يَكْذِبُ فِي طَعْنِهِ ظَاهِرًا فَوَجَبَ السُّؤَالُ تَرْجِيحًا لِأَحَدِ الظَّاهِرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا كَمُدَّعِي الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ حَيْثُ لَا يُلْزِمُهُ الْقَاضِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى مِلْكِ الدَّارِ فَإِذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُعْتَبَرُ لِلْإِلْزَامِ ا هـ قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي زَمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ الصَّلَاحُ بِخِلَافِ زَمَانِهِمَا وَمَا قِيلَ إنَّهُ أَفْتَى فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِالصَّلَاحِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ { خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } وَهُمَا أَفْتَيَا بِالْقَرْنِ الرَّابِعِ فَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ تُوُفِّيَ فِي عَامِ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ فَكَيْفَ أَفْتَى فِي الْقَرْنِ

الثَّالِثِ وَقَوْلُهُ { خَيْرُ الْقُرُونِ } إلَخْ إثْبَاتُ الْخَيْرِيَّةِ بِالتَّدْرِيجِ وَالتَّفَاوُتِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ غَلَبَةُ الْفِسْقِ وَالظَّاهِرُ الَّذِي يَثْبُتُ بِالْغَالِبِ أَقْوَى مِنْ الظَّاهِرِ الَّذِي يَثْبُتُ بِظَاهِرِ حَالِ الْإِسْلَامِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّا مَا قَطَعْنَا بِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَقَدْ قَطَعْنَا بِأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَجْتَنِبْ مَحَارِمَهُ وَلَمْ يَبْقَ مُجَرَّدُ الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ مَظِنَّةً لِلْعَدَالَةِ فَكَانَ الظَّاهِرُ الثَّابِتُ بِالْغَالِبِ إلَى مُعَارِضٍ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ الرُّقْعَةُ إلَى الْمُعَدِّلِ ) وَسُمِّيَتْ بِهَا لِسَتْرِهَا عَنْ نَظَرِ الْعَوَامّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا بُدَّ فِي التَّعْدِيلِ فِي الْعَلَانِيَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولَ الْمُعَدِّلُ لِلشَّاهِدِ الَّذِي عَدَّلَهُ هَذَا الَّذِي عَدَّلْته ا هـ ( فَرْعٌ ) إذَا شَهِدَ فَعُدِّلَ ثُمَّ شَهِدَ لَا يُسْتَعْدَلُ إلَّا إذَا طَالَتْ فَوَقَّتَ مُحَمَّدٌ شَهْرًا وَأَبُو يُوسُفَ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَذَا قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ ا هـ ( فَرْعٌ ) لَوْ تَابَ الْفَاسِقُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ تَمْضِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَنَةٌ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِالزُّورِ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ ا هـ كَمَالٌ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الشَّهَادَةِ الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ تَظْهَرُ فِيهِ التَّوْبَةُ ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي ، وَالْمُعَدِّلُ وَمَنْ اُتُّهِمَ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَالْمُعَدِّلُ إذَا قَالَ لِشَاهِدٍ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي قَبِيلَتِهِ

مَنْ يُوَافِقُهُ فِي الِاسْمِ ) أَيْ وَالنِّسْبَةِ وَالصِّفَةِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَّلْته قَطْعًا لِلشَّرِكَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيُكْتَفَى بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا لِمَا ذَكَرْنَا ) أَوَّلُ مَنْ سُئِلَ فِي السِّرِّ الْقَاضِي شُرَيْحٌ فَقِيلَ لَهُ أَحْدَثْت يَا أَبَا أُمَيَّةَ فَقَالَ أَحْدَثْتُمْ فَأَحْدَثْنَا ا هـ كِفَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّهُودَ يُقَابِلُونَ الْمُزَكِّيَ إذَا جَرَّحَهُمْ بِالْأَذَى وَتَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ الْعَدَاوَةُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ ) وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَلَا يَكُونُ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَلَا يَكُونُ حُرًّا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ لَا يَصِحُّ ) هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي تَعْدِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ لَا يَصِحُّ وَمُرَادُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ ، وَنَظِيرُهُ الْمُزَارَعَةُ ، فَإِنَّهُ لَا يَرَاهَا وَمَعَ هَذَا فَرَّعَ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ ؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ كَاذِبٌ فِي الْجُحُودِ فَتَزْكِيَةُ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ تَزْكِيَتَهُ تَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ الْوَاحِدِ وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِيمَا إذَا قَالَ : هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا أَمَّا إذَا قَالَ : صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولٌ صَدَّقَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ الْحَقُّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ وَلَوْ قَالَ : هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا يُتَوَهَّمُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ ، وَالْخَطَأُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَوَابًا

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِلَا طَعْنٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْخَصْمِ يَعْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا قَالَ فِي شُهُودِ الْمُدَّعِي هُمْ عُدُولٌ فَلَا تَقَعُ بِهِ التَّزْكِيَةُ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْخَصْمَ كَاذِبٌ فِي إنْكَارِهِ مُبْطِلٌ فِي إصْرَارِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُعَدِّلًا ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ فِي الْمُزَكِّي شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ) أَيْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِيَ عَنْ الشُّهُودِ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ثَمَّةَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ وَمَعَ هَذَا إذَا سَأَلَ عَنْهُمْ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ عَلَى الْكَمَالِ بَلْ هُوَ تَعْدِيلٌ مِنْ وَجْهٍ وَجَرْحٍ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا قَالَ الْخَصْمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا أَمَّا إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ صُدِّقُوا فِي شَهَادَتِهِمْ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ فَيُقْضَى عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ

أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ شَهِدُوا عَلَيْك بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَإِنْ قَالَ بِحَقٍّ فَهُوَ إقْرَارٌ ، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ ا هـ كَاكِيٌّ ( فَرْعٌ ) وَلَوْ جَرَّحَ الشُّهُودَ وَاحِدٌ وَعَدَّلَهُمْ اثْنَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ ثَبَتَتْ بِحُجَّةٍ رَاجِحَةٍ وَلَوْ جَرَّحَهُمْ اثْنَانِ وَعَدَّلَهُمْ ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ وَالْمُثَنَّى فِي الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ فَاسْتَوَى الْمُعَدِّلُ وَالْجَارِحُ فَرُجِّحَ الْجَرْحُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ وَقَفَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَالْجَارِحَ وَقَفَ عَلَى الْبَاطِنِ وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُ فَالْجَارِحَانِ يُثْبِتَانِ شَيْئًا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُونَ وَالشَّهَادَةُ لِلْإِثْبَاتِ ا هـ مِنْ الْوَاقِعَاتِ لِحُسَامِ الدِّينِ الْبُخَارِيِّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ ، وَالرِّسَالَةِ ، وَالتَّرْجَمَةِ ) ؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْعَدَالَةُ حَتَّى يَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ ، وَالْمَرْأَةِ ، وَالْأَعْمَى ، وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ ؛ لِأَنَّ خَبَرَ هَؤُلَاءِ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ رِوَايَتَهُمْ فِي الْإِخْبَارِ مَقْبُولَةٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَدِ وَوَصْفِ الذُّكُورَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ ذُكُورٌ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُقُوقِ يَجُوزُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَفِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ رَتَّبَهَا عَلَى مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ تَبْتَنِي عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَهُوَ بِالتَّزْكِيَةِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْإِخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَا مَجْلِسُ الْحُكْمِ وَجَازَ تَزْكِيَةُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَتَزْكِيَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَتَزْكِيَةِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَبِالْعَكْسِ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ الصِّدْقِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ بِالْعَدَالَةِ لَا بِالْعَدَدِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ حَتَّى قَالُوا فِيهَا لَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ التَّوَاتُرِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ لِلنَّصِّ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهَا عَلَى الْأَصْلِ وَفِي الْمُحِيطِ أَجَازَ تَزْكِيَةَ الصَّبِيِّ وَقَالُوا : تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالْمُرَادُ

بِالرِّسَالَةِ ، وَالتَّرْجَمَةِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي ، وَالْمُتَرْجِمِ عَنْ الشُّهُودِ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا ، وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَالْأَحْوَطُ فِي الْكُلِّ اثْنَانِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ فِي الْمُسَاءَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ مَنْ هُوَ أَخْبَرُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ اخْتِلَاطًا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَتِهِ عَارِفًا بِمَا يَكُونُ جَرْحًا وَمَا لَا يَكُونُ جَرْحًا غَيْرَ طَمَّاعٍ وَلَا فَقِيرٍ كَيْ لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِيرَانِهِ وَلَا أَهْلِ سُوقِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ سَأَلَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِمْ ثِقَةً اعْتَبَرَ فِيهِمْ تَوَاتُرَ الْإِخْبَارِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ ، وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ ، وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ سِوَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ ، فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالتُّرْجُمَانُ إذَا كَانَ أَعْمَى فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ ا هـ غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى وَيُقْبَلُ أَيْ الْأَعْمَى فِي التَّرْجَمَةِ عِنْدَ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِالسَّمَاعِ وَقَدْ كَتَبْت عِبَارَتَهُ بِكَمَالِهَا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمَحْدُودُ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا يَجُوزُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَقَطْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمَّا ظَهَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُ التَّزْكِيَةِ بِالشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْعَدَدِ قَالَ الْمَشَايِخُ فَيَجِبُ عِنْدَهُ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْمُزَكِّينَ فِي شُهُودِ الزِّنَا ا هـ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ لِحُسَامِ الدِّينِ رَجُلٌ صَحِبَ رَجُلًا فِي حَضَرِهِ وَسَفَرِهِ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحَ وَالْخَيْرَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُزَكِّيَهُ مَا لَمْ يَصْحَبْهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ سَنَةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَسَعُهُ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَإِنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ عَدَّلَهُ ، وَإِنْ عَرَفَهُ ثُمَّ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِتِلْكَ الْمَعْرِفَةِ وَحَدُّ التَّطَاوُلِ سَنَةٌ أَوْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ ) أَيْ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَجَازَ تَزْكِيَةُ إلَخْ ) أَيْ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ

وَتَعْدِيلُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ وَالِابْنِ لِلْأَبِ فِي السِّرِّ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لِتَعْدِيلِ السِّرِّ ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ا هـ وَقَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ ا هـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ شَرَطَ الْخَصَّافُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ غَيْرَ الْمُزَكِّي فِي السِّرِّ أَمَّا عِنْدَنَا فَاَلَّذِي يُزَكِّيهِمْ فِي السِّرِّ يُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالُوا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي فِي الْحُدُودِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فِي الْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ وَقَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ الْمَحْكِيِّ فِيهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا ذُكِرَ عَنْ الْمُخْتَلِفِ إنَّمَا هُوَ الذُّكُورَةُ ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَمُخْتَلِفُ الرِّوَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَفْسُهُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي ) الظَّاهِرُ أَيْ الْمُزَكِّي يَنْظُرُ فِي الْأَكْمَلِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ وَاحِدًا جَازَ وَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا اثْنَانِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَرَادُوا بِالرَّسُولِ الْمُزَكِّيَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ وَرَسُولُ الْقَاضِي

إلَى الْمُزَكِّي وَرَسُولُ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي يُخْبِرُهُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ مِنْ رَسُولِ الْقَاضِي الْمُزَكِّي وَهُوَ الْمَسْئُولُ مِنْهُ عَنْ الشُّهُودِ فَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْلَهُ الَّذِي يُسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ فِي التَّزْكِيَةِ وَكَذَا فِي الرِّسَالَةِ إلَيْهِ وَالرِّسَالَةِ مِنْهُ إلَى الْقَاضِي وَكَذَا فِي التَّرْجَمَةِ عَنْ الشَّاهِدِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ فَهَذَا الْخِلَافُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ فَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الْخِلَافُ فِي عَدَدِ الْمُزَكِّي فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ وَأَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَشُرِطَ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي التَّرْجَمَةِ شَرْطٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ أَوْ رَأَى فِي مِثْلِ الْبَيْعِ ، وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ ، وَالْغَصْبِ ، وَالْقَتْلِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي كُلِّ مَا يَتِمُّ بِنَفْسِهِ إذَا عَايَنَ السَّبَبَ كَالْبَيْعِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذْ ادَّعَى إلَيْهِ لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا وَهَذَا لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا هُوَ الْمُوجِبُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ } وَيَقُولُ أَشْهَدُ بِأَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ ؛ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا عَايَنَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ فَظَاهِرٌ ، وَإِذَا كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ ، وَقَدْ وُجِدَ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأَخْذِ ، وَالْإِعْطَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقِيٍّ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي إلَّا إذَا أَشْهَدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِكَذَا لِفُلَانٍ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ وَحْدَهُ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِلْكِ وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَا يَرَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فُسِّرَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ الْقَبُولُ عِنْدَ التَّفْسِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ تَجُوزُ فِي أَشْيَاءَ ثُمَّ عِنْدَ التَّفْسِيرِ لَا تُقْبَلُ وَقَالُوا : إذَا سَمِعَ صَوْتَ

امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ يَرَى شَخْصَهَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ .

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَمَا يَتَحَمَّلُهُ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ أَيْ يَكُونُ هُوَ تَمَامَ السَّبَبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَوْلًا كَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَالطَّلَاقِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ فِعْلًا كَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ ، فَإِذَا سَمِعَ الشَّاهِدُ الْقَوْلَ كَأَنْ سَمِعَ قَاضِيًا يُشْهِدُ جَمَاعَةً عَلَى حُكْمِهِ أَوْ رَأَى الْفِعْلَ كَالْقَتْلِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ فَيَقُولَ : أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَى فَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُعَاطَاةً فَفِي الذَّخِيرَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَقِيلَ يَشْهَدُونَ بِالْبَيْعِ كَالْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّحْمِيلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الشَّرْطُ ) أَيْ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ هُوَ رُكْنُ الْمُسَوِّغِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِمُسَوِّغِ الْأَدَاءِ سِوَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ) بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَوَّزَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ وَقَدْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِالرُّؤْيَةِ وَالسَّمَاعِ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ ) فَأَمَرَ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ يَقِينًا فَعَنْ هَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا تَسْمَعُهُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ بِحَضْرَتِهِ لِرَجُلٍ بَقِيَ لَك عَلَيَّ كَذَا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى عَبْدًا وَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ عَيْبًا بِهِ فَلَمْ

يُثْبِتْهُ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَيْهِ هَذَا الْعَيْبَ فَأَنْكَرَ فَاَلَّذِينَ سَمِعُوا مِنْهُ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى الْعَيْبِ فِي الْحَالِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي إلَّا إذَا أَشْهَدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَاذِبِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فُسِّرَ لَهُ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ : إنِّي أَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالُوا إذَا سَمِعَ إلَخْ ) رَجُلَانِ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَشَهِدَا أَنَّ رَجُلَيْنِ سِوَاهُمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَشْهَدَاهُمَا أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا أُجِيزُ ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا سَمِعُوا صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَوْ رَأَوْا شَخْصَهَا وَشَهِدَ عِنْدَهُمْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَرَوْا وَجْهَهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرَوْا شَخْصَهَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَذَكَرَ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّ ابْنًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ دَخَلَ عَلَى أَبِي سُلَيْمِ بْنِ الْجُوزَجَانِيِّ فَسَأَلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَقُولَانِ يَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ يَرَى شَخْصَهَا وَقْتَ

الْإِقْرَارِ ) شُرِطَ فِي شَهَادَةِ النَّوَازِلِ رُؤْيَةُ شَخْصِهَا دُونَ وَجْهِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِنَفْسِهِ وَلَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْأُصُولِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَهُ حُجَّةً إلَّا بِأَمْرِهِ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا بِالتَّحْمِيلِ ، وَكَذَا إذَا سَمِعَهُ يُشْهِدُ غَيْرَهُ عَلَى شَهَادَتِهِ لَا يَسَعُ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ ، وَإِنَّمَا حَمَلَ غَيْرَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ سَمِعَ شَخْصًا يُوَكِّلُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلسَّامِعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ مَا لَمْ يُوَكِّلْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَقَاضٍ وَرَاوٍ بِالْخَطِّ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوا ) أَيْ لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ وَلَا لِلْقَاضِي إذَا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ مَكْتُوبًا شَهَادَةُ شُهُودٍ وَلَا يَحْفَظُ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ أَوْ قَضِيَّةٍ قَضَاهَا أَنْ يَحْكُمَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَا أَنْ يُمْضِيَ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ وَلَا لِلرَّاوِي إذَا وَجَدَ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى فُلَانٍ وَنَحْوِهِ أَنْ يَرْوِيَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ أَوْ الْقَضِيَّةَ أَوْ الرِّوَايَةَ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُهُ قَوْله تَعَالَى { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ } شُرِطَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْعِلْمُ بِدُونِ تَذَكُّرِ الْوَاقِعَةِ وَلِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُزَوَّرٌ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْكِتَابِ أَنْ يَتَذَكَّرَ إذَا نَظَرَ فِيهِ ، فَإِذَا لَمْ يَفْدِ لِلْقَلْبِ التَّذَكُّرُ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

أَنْ يَعْمَلَ بِالْكِتَابِ إنْ تَيَقَّنَ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الْوَاقِعَةَ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ لِلرَّاوِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ وَكَذَا لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّهَادَةِ وَأَنْ يُمْضِيَ الْقَضَاءَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِرُؤْيَةِ خَطِّهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ الشَّهَادَةَ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ كُلِّ حَادِثَةٍ وَلِهَذَا يَكْتُبُ كُلَّ حَادِثَةٍ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِمَا يَجِدُهُ فِي قِمْطَرِهِ لَتَعَطَّلَ أَحْوَالُ النَّاسِ وَلِأَنَّ سِجِلَّهُ فِي قِمْطَرِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ فَيُؤْمَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ ، وَالتَّزْوِيرِ وَكِتَابَةُ الرُّوَاةِ تَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيُؤْمَنُ التَّزْوِيرُ أَيْضًا بِخِلَافِ كِتَابَةِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّكَّ يَكُونُ فِي يَدِ الْخُصُومِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِجِلٌّ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَضَى بِكَذَا فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعْتَمَدُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّهُ كَانَ شَاهِدًا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَعَلَى هَذَا لَوْ سَمِعَ حَدِيثًا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ نَسِيَ رَاوِي الْأَصْلِ فَسَمِعَهُ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعْتَمِدُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ وَلَوْ تَذَكَّرَ مَجْلِسَ الشَّهَادَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ قَالَ أَشْهَدَنِي فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا وَكَذَا قَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَصْلُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ تَحْمِيلٌ وَتَوْكِيلٌ فَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَحْمِيلٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَا يَسَعُ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ ) وَهُوَ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ عَلَى قَضِيَّةٍ وَسَمِعَ بِذَلِكَ آخَرُونَ وَسِعَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ حُجَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَاشِيَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمِعَ قَاضِيًا يُشْهِدُ قَوْمًا عَلَى قَضَائِهِ كَانَ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَضَائِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ وَمَنْ عَايَنَ حُجَّةً حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِهَا كَمَا لَوْ عَايَنَ الْإِقْرَارَ وَالْبَيْعَ أَمَّا الشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي غَيْرُ مُلْزِمَةٍ كَذَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا سَمِعَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ ) أَيْ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَجَزَمَ أَنَّهُ خَطُّهُ لَا يَشْهَدُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجَزْمَ لَيْسَ بِجَزْمٍ بَلْ تَخَيُّلُ الْجَزْمِ ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا هُوَ وَلَا فِي شَرْحِهِ لِلْأَقْطَعِ وَكَذَا الْخَصَّافُ ذَكَرَهَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ

رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلَ بِالْكِتَابِ ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّكُّ مُسْتَوْدَعًا لَمْ تَتَدَاوَلُهُ الْأَيْدِي وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي كَتَبَ اسْمَهُ وَوَضَعَ خَاتَمَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ ا هـ قَوْلُهُ : وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَلَا سِجِلَّ لَهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّك قَضَيْت بِكَذَا لِهَذَا عَلَى فُلَانٍ ، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَمْضَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ وَقِيلَ وَأَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَمَدُ وَيَقْضِي بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ تَذَكَّرَ مَجْلِسَ الشَّهَادَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ ) بِالِاتِّفَاقِ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا فِي النَّسَبِ ، وَالْمَوْتِ ، وَالنِّكَاحِ ، وَالدُّخُولِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَأَصْلِ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِعِلْمٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعِلْمُ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ ، وَالْعِيَانِ أَوْ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْبَيْعِ ، وَالْإِجَارَةِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَالِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّسَامُعِ ، وَالْحُكْمُ يَجِبُ بِمَا تَجِبُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَلِهَذَا لَوْ فُسِّرَ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَاصٌّ مِنْ النَّاسِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ تَبْقَى عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرُونِ وَانْقِرَاضِ الْأَعْصَارِ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَتَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ وَلِأَنَّ الْأَسْبَابَ يَقْتَرِنُ بِهَا مَا تَشْتَهِرُ بِهِ ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَشْتَهِرُ بِالتَّهْنِئَةِ وَنِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ عِنْدَ الْمُخَاطَبَاتِ ، وَالْمُنَادَاةِ ، وَالْمَوْتِ بِالتَّعْزِيَةِ وَقِسْمَةِ التَّرِكَاتِ وَانْدِرَاسِ الْآثَارِ ، وَالنِّكَاحِ بِالشُّهُودِ ، وَالْوَلَائِمِ ، وَالدُّخُولِ بِتَعَلُّقِ أَحْكَامٍ مَشْهُورَةٍ مِنْ الْمَهْرِ ، وَالنَّسَبِ ، وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ ، وَالْقَضَاءِ بِقِرَاءَةِ الْمَنْشُورِ وَاخْتِلَافِ الْخُصُومِ إلَيْهِ وَازْدِحَامِهِمْ عَلَيْهِ فَنُزِّلَتْ الشُّهْرَةُ فِيهَا مَنْزِلَةَ الْعِيَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمُشَاهَدَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ ، وَالْإِجَارَةِ وَأَمْثَالِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمُشَاهَدَةِ أَسْبَابِهَا الْخَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ بَلْ يَحْضُرُهُ الْخَاصُّ ، وَالْعَامُّ وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ وَلِأَنَّ النَّاسَ قَاطِبَةً مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالشُّهْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّا نَشْهَدُ أَنَّ

عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ وَدَخَلَ بِهَا وَشُرَيْحًا كَانَ قَاضِيًا وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِحَقِيقَةِ عِلْمِ النَّسَبِ أَدَّى إلَى عَدَمِ الشَّهَادَةِ بِهَا أَصْلًا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النَّسَبِ الْعُلُوقُ وَلَا عِلْمَ لِلْبَشَرِ فِيهِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ التَّوْلِيَةُ وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا الْوَزِيرُ وَأَمْثَالُهُ وَكَذَا الدُّخُولُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الزَّوْجَانِ فَاكْتَفَى فِي الْكُلِّ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ ثُمَّ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ ، وَإِذَا رَأَى امْرَأَةً يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَيَنْبَسِطَانِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ عَقْدَ النِّكَاحِ وَكَذَا إذَا رَأَى شَخْصًا جَالِسًا مَجْلِسَ الْحُكْمِ يَفْصِلُ الْخُصُومَاتِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَاضٍ قَالُوا وَفِي الْإِخْبَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَهُوَ عُدُولٌ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ لَا يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ فَكَذَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْتَ إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَجُلًا عَدْلًا ثُمَّ يَشْهَدَانِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَهُ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ وَقَوْلُهُ وَأَصْلُ الْوَقْفِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ شَرَائِطِهِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ هُوَ الَّذِي يُشْتَهَرُ دُونَ شَرَائِطِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ

رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْفَقِيرِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي شَهَادَتِهِمْ الْجِهَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ قَصْرُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ } وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْوَلَاءِ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالنَّسَبِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ بِالتَّسَامُعِ لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْعِتْقَ يَنْبَنِي عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْعِتْقِ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِيهِ أَيْضًا ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَسِّرَ أَنَّهُ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ فَلَوْ فَسَّرَ لَا يَقْبَلُهُ كَمُعَايَنَةِ شَيْءٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ يُطْلَقُ لَهُ الشَّهَادَةُ ، وَإِذَا فُسِّرَ لَا تُقْبَلُ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ ) أَيْ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعَايَنَةِ بِالْعَيْنِ أَوْ السَّمَاعِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ ) مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَذَلِكَ بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ) وَاسْمُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَوْلِيَاءِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ا هـ وَقَوْلُهُ بِنْتُ عَلِيٍّ أَيْ مِنْ فَاطِمَةَ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي نِكَاحِ فَتَاوَاهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَوْتَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ا هـ فَقَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ التَّصْحِيحِ ا هـ وَقَوْلُهُ : يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يُشَاهِدُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ فَيَكُونُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ النَّسَبُ وَالنِّكَاحُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِخْبَارِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَفِي الْمَوْتِ إذَا قُلْنَا يَكْفِي الْوَاحِدُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْتَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِذَا رَآهُ وَاحِدٌ عَدْلٌ وَيَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ وَهُوَ عَدْلٌ أَخْبَرَ

غَيْرَهُ ثُمَّ يَشْهَدَانِ بِمَوْتِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ الْمُخْبِرُ أَنَّهُ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ جِنَازَتَهُ وَدَفْنَهُ حَتَّى يَشْهَدَ الْآخَرُ مَعَهُ وَكَذَا لَوْ جَاءَ خَبَرُ مَوْتِ رَجُلٍ وَصَنَعَ أَهْلُهُ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى لَمْ يَسَعْ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ إلَّا إنْ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ سَمِعَ مِمَّنْ شَهِدَ بِذَلِكَ ا هـ قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ وَأَصْلُ الْوَقْفِ ) قَبُولُ شَهَادَةِ التَّسَامُعِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ا هـ شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ ( قَوْلُهُ : يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ شَرَائِطِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ مَعْنَى الشُّرُوطِ أَنْ يُبَيِّنُوا الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بَلْ أَنْ يَقُولَ يُبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهَا بِكَذَا لِكَذَا وَالْبَاقِي كَذَا وَكَذَا وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَلَمْ يُبَيِّنُوا الْوَاقِفَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ وَنُصَّ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ قَدِيمًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَاقِفِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ بِلَا مُنَازِعٍ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ إذْ لَا دَلِيلَ بِمَعْرِفَةِ الْمِلْكِ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ سِوَى الْيَدِ بِلَا مُنَازِعٍ ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُعَايِنَ أَسْبَابَ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الْيَدِ ؛ لِأَنَّ الْمُمَلَّكَ ثَبَتَ مِلْكُهُ بِالْيَدِ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ التَّمْلِيكُ مِنْهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَثَبَتَ بِهَذَا أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمِلْكِ سِوَى الْيَدِ فَكَانَ مُعْتَمَدُ الشَّاهِدِ الْيَدَ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَمَنْعُهُ الشَّهَادَةَ بِالْيَدِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهَا إذْ لَا دَلِيلَ لِلشَّاهِدِ سِوَى الْيَدِ ، وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهَا فَهُوَ الْمُنْتَفِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِلَا عِلْمٍ لَا تَجُوزُ لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا وَلِهَذَا قِيلَ لَوْ رَأَى دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ وَلَيْسَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ قَالُوا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ دَلِيلُ الْمِلْكِ الْيَدُ مَعَ التَّصَرُّفِ وَبِهِ قَالَ الْخَصَّافُ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ الْوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَإِجَارَةٍ وَرَهْنٍ فَلَا يَمْتَازُ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ قُلْنَا التَّصَرُّفُ أَيْضًا مُتَنَوِّعٌ إلَى وَكَالَةٍ وَأَصَالَةٍ وَشَرَطَ النَّسَفِيُّ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ وَأَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّهَادَةِ الْإِحَاطَةُ ، وَالتَّيَقُّنُ لِمَا بَيَّنَّا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ مُتَعَذِّرٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ

غَايَةُ مَا يُمْكِنُ وَهُوَ الْيَدُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ حَقِيقَةً ، وَإِنْ رَآهُ يَشْتَرِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فَيَكْتَفِي بِظَاهِرِ الْيَدِ تَيْسِيرًا إذْ الْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مُلَّاكِهَا ، وَكَيْنُونَتُهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ عَارِضٌ فَرَجَّحْنَا بِالْأَصْلِ وَلِهَذَا يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِالْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يُعَايِنَ الْمَالِكَ ، وَالْمِلْكَ بِأَنْ عَرَفَ الْمَالِكَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ وَعَرَفَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ وَرَآهُ فِي يَدِهِ بِلَا مُنَازَعَةِ أَحَدٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ بَعْدُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى يَدِهِ ، وَالثَّانِي أَنْ يُعَايِنَ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ بِأَنْ عَايَنَ مِلْكًا بِحُدُودِهِ يُنْسَبُ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَهُوَ لَمْ يَعْرِفْهُ بِوَجْهِهِ وَنَسَبِهِ ثُمَّ جَاءَ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ الْمِلْكُ وَادَّعَى أَنَّ الْمَحْدُودَ مِلْكُهُ عَلَى شَخْصٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَصَارَ الْمَالِكُ مَعْلُومًا بِالتَّسَامُعِ ، وَالْمِلْكُ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِثْلَ هَذَا لَضَاعَ حُقُوقُ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ الْمَحْجُوبَ وَمَنْ لَا يُبْرِزْ أَصْلًا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرَاهُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِالتَّسَامُعِ ، وَإِنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالتَّسَامُعِ وَفِي ضِمْنِهِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِهِ وَهُوَ لَا يَمْتَنِعُ ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُهُ قَصْدًا وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يُعَايِنَ الْمِلْكَ وَلَا الْمَالِكَ وَلَكِنْ سَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ضَيْعَةٌ فِي قَرْيَةِ كَذَا حُدُودُهَا كَذَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةَ وَلَمْ يُعَايِنْ يَدَهُ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ ، وَالرَّابِعُ أَنْ يُعَايِنَ الْمَالِكَ دُونَ الْمِلْكِ بِأَنْ عَرَفَ الرَّجُلَ مَعْرِفَةً تَامَّةً وَسَمِعَ أَنَّ لَهُ فِي قَرْيَةِ كَذَا

ضَيْعَةً وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةَ بِعَيْنِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمَحْدُودِ وَهُوَ شَرْطٌ لِلشَّهَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ سِوَى الرَّقِيقِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي الرَّقِيقِ إذَا رَآهُ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ لِلرَّقِيقِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى إذَا ادَّعَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ يَدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يُعْتَبَرَ لِإِطْلَاقِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ التَّصَرُّفُ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ لِإِطْلَاقِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَيْضًا يُسْتَخْدَمُ طَائِعًا كَالْعَبْدِ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ وَفِي الْكَافِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي الرَّقِيقِ أَيْضًا وَفِي الْهِدَايَةِ جَعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى رَقِيقًا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَذُو الْيَدِ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ بِالْمِلْكِ وَهُوَ قِيَامُ يَدِهِ عَلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ مُمَيِّزًا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ بِالرِّقِّ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالرِّقِّ جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ إذَا رَآهُ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ أَوْ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِ إذْ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ ) أَيْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِرُؤْيَتِهِ فِي يَدِهِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِرُؤْيَتِهِ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ التَّسَامُعَ أَوْ الرُّؤْيَةَ فِي الْيَدِ

مُجَوِّزٌ لِلشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ ، وَالْقَاضِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ بِالشَّهَادَةِ إذَا كَانَتْ عَنْ عِيَانٍ وَمُشَاهَدَةٍ أَوْ إطْلَاقٍ لِاحْتِمَالِ الْمُشَاهَدَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَنْ تَسَامُعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُهُ عِلْمًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِسَمَاعِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ وَلَا بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ فِي يَدِ إنْسَانٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ بِسَمَاعِ غَيْرِهِ أَوْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا تَجِبُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَفِيمَا لَا تَجِبُ لَا يَجِبُ فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الشَّهَادَةُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَبَقِيَ الْقَضَاءُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَ فُلَانٍ أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قُبِلَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِمَا عَلِمَ فَوَجَبَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى { وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي فَصْلٍ فِي الشَّاهِدِ يَشْهَدُ بَعْدَمَا أَخْبَرَ بِزَوَالِ الْحَقِّ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا رَأَيْت فِي يَدِ رَجُلٍ مَتَاعًا أَوْ دَارًا وَوَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لَهُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِك حِينَ رَأَيْته أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ لَمْ يَسَعْ أَنْ تَشْهَدَ لَهُ بِرُؤْيَتِك إيَّاهُ فِي يَدِهِ ، وَإِنْ رَأَيْته فِي يَدِهِ فَوَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لَهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي يَدِ غَيْرِهِ فَأَرَدْت أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ فَشَهِدَ عِنْدَك شَاهِدَا عَدْلٍ أَنَّهُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيَوْمَ كَانَ هُوَ أَوْدَعَهُ لِلْأَوَّلِ بِحَضْرَتِهِمَا لَمْ يَسَعْك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ قَالَ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَزُولُ مَا كَانَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ صَادِقٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِك ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا رَأَى مَتَاعًا أَوْ دَارًا فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُحْتَمَلَةٌ وَكَذَا التَّصَرُّفُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ مَا لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ

أَنَّهُ لَهُ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى : وَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي دَارًا وَشَهِدَ شُهُودُهُ أَنَّ فُلَانًا وَهَبَهَا لَهُ وَقَبَضَهَا أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ وَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى أَنْ يَقُولَا بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي الدَّارَ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ شَهَادَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدِ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ فِيمَا مَضَى وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا وَهَبَ الدَّارَ مِنْ الْمُدَّعِي وَالدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ الْهِبَةِ أَوْ بَاعَ وَالدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ نَصًّا فَقَدْ شَهِدُوا لَهُ بِالْمِلْكِ حُكْمًا ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْيَدِ عِنْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى الْمِلْكِ حُكْمًا ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِهَا وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ وَلَوْ رَآهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِهَذَا ا هـ قَوْلُهُ : جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى يَدِهِ ) وَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْمَمْلُوكُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اسْتِحْسَانًا ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ فَكَذَا فِي الْمَشْهُودِ لَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ فُسِّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ وَقَالُوا شَهِدْنَا ؛ لِأَنَّا رَأَيْنَاهُ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ا هـ .

( بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى ) وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ قُبِلَ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِي الْبَصِيرَ فِي السَّمَاعِ إذْ لَا خَلَلَ فِي سَمْعِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : يَجُوزُ إذَا كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْمُعَايَنَةِ وَهُوَ الْعِلْمُ ، وَالْأَدَاءُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلِسَانُهُ صَحِيحٌ فَصِيحٌ ، وَالتَّعْرِيفُ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا خَلَلَ فِي حِفْظِهِ وَلَمْ يَفُتْ فِي حَقِّهِ إلَّا الْإِشَارَةُ وَذِكْرُ الِاسْمِ يَقُومُ مَقَامَهَا عِنْدَ تَعَذُّرِهَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ مَالِكٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا كَالْبَصِيرِ وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالنَّغْمَةِ فَيُخْشَى عَلَيْهِ التَّلْقِينُ مِنْ الْخَصْمِ إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ وَرُبَّمَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي الِاسْمِ ، وَالنَّسَبِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ ، وَالنِّسْبَةِ لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ فَصَارَ كَالْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ وَطْءِ امْرَأَتِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ مَعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَفِيهِ ضَرُورَةٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ وَبَقَاءِ النَّسْلِ وَلِأَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَيُعْتَمَدُ عَلَى خَبَرِ الْمَرْأَةِ وَكَذَا إذَا عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِتَصِيرَ حُجَّةً فَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ ارْتَدَّ ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ تَنْتَهِي بِالْمَوْتِ وَبِالْغَيْبَةِ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا

S

( بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ ) لَمَّا ذَكَرَ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَمَا لَا تُسْمَعُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَمَنْ لَا تُسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَأَخَّرَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَحَالَّ شُرُوطٌ وَالشَّرْطُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ التُّهْمَةَ تُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ } وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ مَرَّةً بِعَدَمِ الْعَدَالَةِ وَمَرَّةً بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ مَعَ قِيَامِ الْعَدَالَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَمِيَ قَبْلَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ أَوْ لَا تَجُوزُ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بَصِيرًا عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ أَعْمَى عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ أَعْمَى فِي الْحَالَيْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ بَصِيرًا عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَعْمَى عِنْدَ الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى كَذَا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْحَصْرِ وَكَذَا ذُكِرَ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَفِي الْأَسْرَارِ وَلَكِنْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ وَذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ بَلْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا تَرَى وَلَكِنْ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُقْبَلُ إلَى هُنَا لَفْظُ التَّقْرِيبِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ

شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ جَوَازَ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فِي النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى نَظَرٍ وَمُعَايَنَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ ا هـ ( فَرْعٌ لَطِيفٌ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي مَا نَصُّهُ وَلَوْ شَهِدَ ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَلَمْ يُنَفِّذْ الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ حَتَّى أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَالشَّهَادَةُ تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا وَعِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا الشَّاهِدُ كَافِرٌ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَلَا تَصِيرُ حُجَّةً ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَالْحُكْمُ مَاضٍ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ بِالْحُقُوقِ كُلِّهَا إلَّا الْحُدُودَ ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ كَالْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَكَذَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يُنَفِّذُ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا لِمَا قُلْنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ بَعْدَ هَذَا فَوَائِدَ جَمَّةً فَلْتُنْظَرْ ثَمَّةَ ا هـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ : نَصْرَانِيَّانِ شَهِدَا عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ قِصَاصٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بَطَلَتْ ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قُبِلَ الْحُكْمُ بِهَا ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شَرْطٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا عَمِيَ أَوْ خَرِسَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قُبِلَ الْحُكْمُ بِهَا لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا

ذَكَرَ الْخَصَّافُ الْخِلَافَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَسْرَارِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَعْنًى طَرَأَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يُمْنَعُ الْحُكْمُ بِهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ غَابَا أَوْ جُنَّا أَوْ عَمِيَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنَا أُخْبِرُ أَوْ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا يُقْبَلُ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ حِينَئِذٍ كَتَرْجَمَةِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِلِسَانٍ آخَرَ وَقُلْنَا فِي إشَارَتِهِ تُهْمَةٌ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ كَمَا فِي الْأَعْمَى ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَالْمَمْلُوكِ ، وَالصَّبِيِّ ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إلْزَامِ الْغَيْرِ وَلَيْسَ مَعْنَى الْوِلَايَةِ سِوَى هَذَا ، وَالْأَصْلُ وِلَايَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَا فِي الرِّقِّ ، وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَالْبُلُوغِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالْمُشَاهَدَةِ ، وَالسَّمَاعِ وَيَبْقَى إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ بِالضَّبْطِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِ ذَلِكَ وَعِنْدَ الْأَدَاءِ هُمَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَالْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ ، وَإِنْ تَابَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } ، وَالِاسْتِثْنَاءُ إذَا تَعَقَّبَ جُمْلَةً بَعْضُهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى بَعْضٍ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ فَهُوَ مُنْصَرِفٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ هَذَا افْتِرَاءٌ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ كُفْرٌ لَا يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ بَلْ إذَا أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَهَذَا أَوْلَى وَلِأَنَّهُ لَوْ تَابَ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا جَائِزَ أَنْ تَكُونَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ هِيَ الْمُوجِبَةَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ مُطَهِّرٌ أَيْضًا فَلَا يَصْلُحُ مَنَاطًا لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَتَعَيَّنَ الرَّدُّ لِفِسْقِهِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ شَهَادَتَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ فَمَنْ قَالَ هُوَ مُؤَقَّتٌ إلَى وُجُودِ التَّوْبَةِ يَكُونُ رَدًّا لِمَا اقْتَضَاهُ النَّصُّ فَيَكُونُ مَرْدُودًا ، وَالْقِيَاسُ عَلَى

الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَرَائِمِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ لَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ حَدٌّ فَكَذَا هَذَا فَصَارَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ إذْ الْعَطْفُ لِلِاشْتِرَاكِ وَتَغَايُرُهُمَا بِالْأَمْرِ ، وَالنَّهْيِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : اجْلِسْ وَلَا تَتَكَلَّمْ فَكَانَ الْكُلُّ جَزَاءَ جَرِيمَتِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا حُدُودٌ وَلِهَذَا أَمَرَ الْأَئِمَّةُ بِهِ وَقَوْلُهُ { وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } لَيْسَ بِحَدٍّ ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ وَصْفٍ قَامَ بِالذَّاتِ فَلَا يَصْلُحُ حَدًّا ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَقَعُ بِفِعْلِ الْأَئِمَّةِ لَا بِوَصْفٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ فَلَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ ، وَلَوْ انْصَرَفَ لَبَطَلَ الْحَدُّ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } وَاوُ نَظْمٍ لَا وَاوُ عَطْفٍ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَيَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيهِ ضَرُورَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَزَاءً لِجَرِيمَتِهِ ، وَالْجَلْدُ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ يَصْلُحَانِ جَزَاءً ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤْلِمٌ زَاجِرٌ عَنْ ارْتِكَابِ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ فَصَارَ رَدُّ الشَّهَادَةِ قَطْعًا لِلْآلَةِ الْجَانِيَةِ مَعْنًى وَهِيَ اللِّسَانُ كَقَطْعِ الْيَدِ حَقِيقَةً فِي السَّرِقَةِ فَصَارَ الرَّدُّ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ ، وَالْحَدُّ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ لَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمِثَالِ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْعَطْفِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّهَا جُمَلٌ إنْشَائِيَّةٌ فَيَتَوَقَّفُ كُلُّهَا عَلَى آخِرِهَا حَتَّى إذَا وُجِدَ الْمُغَيِّرُ فِي الْأَخِيرِ تَغَيَّرَ الْكُلُّ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مُمْتَنِعٌ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْفَرْعِ نَصٌّ

يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ وَهُنَا نَصٌّ عَلَى التَّأْبِيدِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ رَدُّ شَهَادَتِهِ لِفِسْقِهِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ هُوَ التَّوَقُّفُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } لَا الرَّدُّ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّدُّ لِأَجْلِ فِسْقِهِ لَلَزِمَ عَطْفُ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ حَدٌّ لَا لِلْفِسْقِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً بَعْدَمَا حُدَّ عَلَى أَنَّهُ زَنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يُحَدُّ فَكَذَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يُحَدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ) ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بَعْدَ الْحَدِّ بِالْإِسْلَامِ فَلَمْ يَلْحَقْهَا رَدٌّ ؛ لِأَنَّ الَّتِي رُدَّتْ غَيْرُ هَذِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْدُودَةَ لَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَهَذِهِ تُقْبَلُ فَبِرَدِّ الْأُولَى لَا تَرْتَدُّ الثَّانِيَةُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ عَلَى أَحَدٍ وَقْتَ الْجَلْدِ فَلَمْ يَتِمَّ الرَّدُّ إلَّا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ فِي حَقِّهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ قَبُولُهَا مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَقْذُوفِ أَنَّهُ زَنَى عَلَى مَا مَرَّ ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ فَفِي الْكَافِرِ تَمَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَفِي الْعَبْدِ لَمْ يَتِمَّ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَوْ ضُرِبَ الذِّمِّيُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ سَوْطًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ ، وَالْمَوْجُودُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِحَدٍّ بَلْ هُوَ بَعْضُهُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ رَدُّ الشَّهَادَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا ضُرِبَ السَّوْطَ الْأَخِيرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا

تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْجُزْءِ الْأَخِيرِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ إذَا ضُرِبَ الْأَكْثَرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يُضْرَبَ تَمَامَ الْحَدِّ ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ مُسْقِطَةٌ لِلشَّهَادَةِ ، وَالْحَدُّ لَا يَتَجَزَّأُ فَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ حَدًّا بَلْ يَكُونُ تَعْزِيرًا وَهُوَ لَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تَسْقُطُ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ فِي حَالَةِ الْحَدِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ شَهِدَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى مُسْلِمٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ شَهِدُوا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَالْفَاسِقُ لَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ شَهَادَةٌ فَيَكُونُ فِيهِ نَقْضُ قَضَاءٍ قَدْ أُمْضِيَ بِالِاجْتِهَادِ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَلِكَ وَلَوْ شَهِدَ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَدْ تَحَمَّلَهَا حَالَ الرِّقِّ جَازَ لِمَا عُرِفَ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَ الذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَشَهِدَ عَلَى الْمُسْلِمِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ فَيُرَاعَى وَقْتَ الْأَدَاءِ إذَا وُجِدَ ا هـ قَوْلُهُ : لِأَجْلِ أَنَّهُ حُدَّ إلَخْ ) شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجِنَايَاتِ سِوَى الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ تُقْبَلُ إذَا تَابَ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ لِهَؤُلَاءِ كَانَ لِأَجْلِ الْفِسْقِ وَبِالتَّوْبَةِ يَرْتَفِعُ الْفِسْقُ أَمَّا شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَأَصْلُ الْحَدِّ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ فَكَذَا مَا هُوَ مِنْ تَمَامِهِ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي ( قَوْلُهُ : بَعْدَ التَّوْبَةِ ) زَائِدٌ مُفْسِدٌ كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ شَطَبَ فِي نُسْخَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَقَدْ شَاهَدْته ثَانِيًا فِي خَطِّ الشَّارِحِ

رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ عَلَى صِدْقِهِ بَعْدَ الْحَدِّ عَلَيْهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ا هـ وَهُوَ كَمَا تَرَى يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يُحَدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ) اعْلَمْ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا حُدَّ فِي قَذْفٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ثُمَّ إذَا أَسْلَمَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ جَمِيعًا ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ وَعَكْسِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ ، وَالسَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَلَا الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ } وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ بَعْضِهِمْ الزَّكَاةَ إلَى بَعْضٍ فَتَكُونُ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُقْبَلُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي مَالِهِ كَيْفَمَا كَانَ ، وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ فِي الْحَدِيثِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ } وَأَصْلُ الْقُنُوعِ السُّؤَالُ ، وَالْمُرَادُ مَنْ يَكُونُ تَبَعًا لِلْقَوْمِ كَالْخَادِمِ ، وَالْأَجِيرِ ، وَالتَّابِعِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّائِلِ يَطْلُبُ مَعَاشَهُ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ الْقُنُوعِ لَا مِنْ الْقَنَاعَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُشَاهَرَةً ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ فَيَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى مَنَافِعِهِ ، فَإِذَا شَهِدَ لَهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يَكُونُ كَأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِأَجْرٍ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَالِفُنَا فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُخَالِفُنَا فِي الزَّوْجَيْنِ فَيَقُولُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا ، وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّنَافُرِ ، وَالْعَدَاوَةِ وَقَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْمَيْلِ ، وَالْإِيثَارِ فَصَارَتْ نَظِيرَ الْأُخُوَّةِ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا ، وَالْحَبْسُ بِالدَّيْنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَنْفَعَةِ الثَّابِتَةِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ

وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا يُعَدُّ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا بِغِنَى صَاحِبِهِ ، وَقِيلَ : هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَوَجَدَك عَائِلًا فَأَغْنَى } أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الزَّوْجَيْنِ فَفِي الْوِلَادِ أَوْلَى وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا شَهِدَ لِعَلِيٍّ مَعَ قَنْبَرٍ عِنْدَ شُرَيْحٍ بِدِرْعٍ لَهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ لِعَلِيٍّ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ فَقَالَ مَكَانَ الْحَسَنِ أَوْ مَكَانَ قَنْبَرٍ فَقَالَ لَا بَلْ مَكَانَ الْحَسَنِ فَقَالَ أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَقُولُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ هُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ } قَالَ سَمِعْت لَكِنْ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ الْقِصَّةَ إلَى آخِرِهَا وَفِيهَا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَهُ وَزَادَهُ فِي الرَّزْقَةِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ ، وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ

( قَوْلُهُ : وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ إذَا شَهِدَ الْأَجِيرُ لِأُسْتَاذِهِ بِشَيْءٍ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ فِي الدِّيَاتِ : أَجِيرُ الْقَاتِلِ إذَا شَهِدَ عَلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ بِالْعَفْوِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ مَرْدُودَةٌ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالُوا : إنْ كَانَ الْأَجِيرُ مُشْتَرِكًا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَمَا ذُكِرَ فِي الدِّيَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، وَإِنْ كَانَ أَجِيرٌ وَاحِدٌ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً أَوْ مُيَاوَمَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأُسْتَاذِهِ لَا فِي تِجَارَتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ آخَرَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكَفَالَةِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا كَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ وَالْإِمَامُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ أَجِيرَ الْوَحْدِ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِذَا كَانَ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ لِزَمَانِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ مُتَّهَمًا فِيمَا شَهِدَ أَمَّا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ الَّذِي عُقِدَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِشَهَادَةٍ أَجْرًا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْ شَهَادَتِهِ وَلِهَذَا جَازَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ عِنْدَ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُشَاهَرَةً ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ أَرَادَ بِهِ التِّلْمِيذَ الْخَاصَّ وَالتِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ أَمَّا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ إذَا شَهِدَ لِلْمُسْتَأْجِرِ تُقْبَلُ ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ الْوَاحِدُ وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُيَاوَمَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا تُقْبَلُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ

الْأَجِيرِ الْوَاحِدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْ آخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَانَتْ شَهَادَةً بِالْأَجْرِ فَلَا تَجُوزُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَنَافِعِهِ وَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْأَجْرِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ : فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الشَّهَادَةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ يَوْمًا وَاحِدًا لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي ( قَوْلُهُ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَالِفُنَا ) قَالَ الْكَاكِيُّ مَا وَجَدْته فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ ا هـ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي مَالِهِ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا فِيهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ لَهَا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ا هـ قَالَهُ الْكَاكِيُّ ا هـ وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَنْفَعَةِ الثَّانِيَةِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ ) قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيَجُوزُ شَهَادَةُ رَبِّ الدَّيْنِ لِمَدْيُونِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَالْجَامِعِ وَلَوْ شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَالٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمَدْيُونِ فِي حَيَاتِهِ وَيَتَعَلَّقُ بَعْدَ وَفَاتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ قَنْبَرٌ ) قَنْبَرٌ عَتِيقٌ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَأَمَّا جَدُّ سِيبَوَيْهِ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ فَسِيبَوَيْهِ هُوَ عَمُّ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ قَنْبَرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : قَالَ أَمَا سَمِعْت ) أَيْ قَالَ عَلِيٌّ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَكَانَ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبُولُ شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ الرَّزْقَةِ ) قَالَ الصَّاغَانِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرَّزْقَةُ بِالْفَتْحِ

الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَالْجَمْعُ الرَّزَقَاتُ وَهِيَ أَطْمَاعُ الْجُنْدِ وَارْتَزَقَ الْجُنْدُ أَيْ أَخَذُوا أَرْزَاقَهُمْ ا هـ قَوْلُهُ وَهِيَ أَطْمَاعُ الْجُنْدِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي بَابِ الْعَيْنِ وَالطَّمَعُ رِزْقُ الْجُنْدِ وَيُقَالُ أَمَرَ لَهُمْ الْأَمِيرُ بِأَطْمَاعِهِمْ أَيْ بِأَرْزَاقِهِمْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا ) ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ فِي الْبَعْضِ وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ ، فَإِذَا بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ بَطَلَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَجَزَّأُ ، وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا فِي حَقِّ الشَّرِيكَيْنِ شَرِكَةَ عِنَانٍ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ ، وَالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا وَهَذَا سَهْوٌ ، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ إلَّا الدَّرَاهِمُ ، وَالدَّنَانِيرُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقَارُ وَلَا الْعُرُوض وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُخَنَّثِ ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَفِي عُرْفِ النَّاسِ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الرَّدِيءَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَيُلَيِّنُ كَلَامَهُ عَمْدًا كُلُّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ الْمُؤَنِّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ ، وَالْمُذَكِّرَاتِ مِنْ النِّسَاءِ } ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ خِلْقَةً وَلَمْ يُشْتَهَرْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ الرَّدِيَّةِ فَهُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالنَّائِحَةِ ، وَالْمُغَنِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ الْمُغَنِّيَةِ ، وَالنَّائِحَةِ } أَطْلَقَهُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا تُغَنِّي لِلنَّاسِ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ

رَفْعِ الصَّوْتِ حَرَامٌ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالنَّائِحَةِ هِيَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَرْتَكِبُ الْمَحْظُورَاتِ لِأَجْلِ الطَّمَعِ فِي الْمَالِ وَتَجْعَلُهُ مَكْسَبَةً أَمَّا الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا فَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهَا( قَوْلُهُ : وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فِيمَا خَلَا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ ، وَغَيْرُ الْمُفَاوِضِ أَيْضًا فِي تِجَارَتِهِ ا هـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ النِّهَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقَارُ وَلَا الْعُرُوض ) قُلْت : قَدْ قَالَ فِيهَا هُوَ مُشْتَرَكٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عُرُوضٌ وَعَقَارٌ اُشْتُرِيَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ا هـ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ا هـ قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالنَّائِحَةِ ) لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ الْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةِ } ) وَصَفَ الصَّوْتَ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ اعْلَمْ أَنَّ التَّغَنِّيَ لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَالنَّوْحُ كَذَلِكَ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ مِنْهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُرِدْ بِالنَّائِحَةِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا اتَّخَذَتْ ذَلِكَ مَكْسَبَةً ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَالْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ عَدَاوَتُهُ دُنْيَوِيَّةً ) ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا حَرَامٌ فَمَنْ ارْتَكَبَهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَدَاوَةُ دِينِيَّةً فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّدَيُّنِ فَتَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً بِأَنْ رَأَى فِيهِ مُنْكَرًا شَرْعًا وَلَمْ يَنْتَهِ بِنَهْيِهِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ لَك هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ ، وَالْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَوْ كَانَتْ مَانِعَةً لَمَا قُبِلَتْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُدْمِنُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ ) أَيْ مُدَاوِمٌ شُرْبَ الْخَمْرِ لِأَجْلِ اللَّهْوِ ؛ لِأَنَّ شُرْبَهَا كَبِيرَةٌ وَفِي الْكَافِي قَالَ إنَّمَا شُرِطَ الْإِدْمَانُ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ ، فَإِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ سِرًّا وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا ، وَإِنْ شَرِبَهَا كَثِيرًا ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ إذَا كَانَ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ فَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ ، فَإِنَّهُ لَا مُرُوءَةَ لِمِثْلِهِ وَلَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إطْلَاقُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ فِي حَقِّ الْمَشْرُوبِ لِيَتَنَاوَلَ جَمِيعَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ الْخَمْرِ ، وَالسُّكْرِ وَغَيْرِهِمَا ، فَإِنَّ الْإِدْمَانَ شُرِطَ فِي الْخَمْرِ أَيْضًا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْعَدَالَةِ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ وَلَا مُدْمِنِ السُّكْرِ ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ ثُمَّ قَالَ شُرِطَ الْإِدْمَانُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ يَعْنِي يَشْرَبُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهُ وَلَا تَجُوزُ

شَهَادَةُ مُدْمِنِ السُّكْرِ وَأَرَادَ بِهِ السُّكْرَ بِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ سِوَى الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ السُّكْرُ فَشُرِطَ الْإِدْمَانُ عَلَى السُّكْرِ ، وَالْمُحَرَّمُ فِي الْخَمْرِ نَفْسُ الشُّرْبِ فَشُرِطَ الْإِدْمَانُ عَلَى الشُّرْبِ وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ ، وَالشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَلَمْ يَحْتَرِزْ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَحْتَرِزُ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ وَيُقَالُ بِالطُّيُورِ وَهُوَ أَيْضًا مِثْلُهُ وَيُورِثُ الْغَفْلَةَ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي } وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ أَنْ يَصْعَدَ إلَى السُّطُوحِ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ فَيَنْظُرَ إلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَهُوَ فِسْقٌ ، وَلَوْ كَانَ يَقْتَنِي الْحَمَامَ فِي بَيْتِهِ لِيَسْتَأْنِسَ بِهِ لَا لِيُطَيِّرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَ الْحَمَامِ فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ بُرُوجًا لِلْحَمَامِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ إلَّا إذَا كَانَتْ تَجُرُّ حَمَامَاتٍ أُخَرَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ فَتُفْرِخُ فِي وَكْرِهَا فَيَأْكُلُ وَيَبِيعُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَتَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَلَا يَخْلُو عَادَةً مَنْ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ بِالْمُجَازَفَةِ ، وَالْكَذِبِ وَقَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ يُغَنِّي لِلنَّاسِ أَيْ يُسْمِعُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ حَتَّى يُزِيلَ الْوَحْشَةَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ يُغَنِّي ، وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى

عَنْهُمْ ، وَإِنْ أَنْشَدَ شِعْرًا فِيهِ وَعْظٌ وَحِكْمَةٌ فَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، فَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً أَوْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَهِيَ حَيَّةٌ يُكْرَهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجَازَ الْغِنَاءَ فِي الْعُرْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِضَرْبِ الدُّفِّ فِيهِ إعْلَانًا لِلنِّكَاحِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَوْ بِالدُّفِّ } وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إذَا كَانَ يَتَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَيَصِيرَ بِهِ فَصِيحَ اللِّسَانِ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَبَاحَهُ مُطْلَقًا وَنَحْنُ بَيَّنَّا الصَّحِيحَ مِنْ الْأَقَاوِيلِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمَنْ يَرْتَكِبُهَا لَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ وَكُلُّ مَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرَةِ فَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ هِيَ السَّبْعُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهِيَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَهْتُ الْمُؤْمِنِ ، وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا أَكْلَ الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا ثَبَتَ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ قَتْلٌ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَقِيلَ كُلُّ مَا أَصَرَّ عَلَيْهِ الْمَرْءُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَمَا اسْتَغْفَرَ عَنْهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ } وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ مَا كَانَ عَمْدًا فَهُوَ كَبِيرَةٌ ، وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ أَنَّ الْكَبِيرَةَ ، وَالصَّغِيرَةَ اسْمَانِ إضَافِيَّانِ لَا يُعَرَّفَانِ بِذَاتِهِمَا ،

وَإِنَّمَا يُعَرَّفَانِ بِالْإِضَافَةِ فَكُلُّ ذَنْبٍ إذَا نَسَبْته إلَى مَا دُونَهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ ، وَإِذَا نَسَبْته إلَى مَا فَوْقَهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : كُلُّ مَعْصِيَةٍ أَوْعَدَ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ مَوْعُودٌ عَلَيْهِ فَمَنْ يَرْتَكِبُ مِثْلَهُ مِنْ الذُّنُوبِ يَرْتَكِبُهُ فَصَلُحَ دَلِيلًا عَلَى ارْتِكَابِهِ الْكَذِبَ ؛ لِأَنَّ مَنْ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ارْتَكَبَ نَظِيرَهُ عَادَةً وَقِيلَ : إذَا ارْتَكَبَ مَا يَكُونُ شَنِيعًا عَادَةً فَلَيْسَ بِعَدْلٍ وَقِيلَ مَا كَانَ حَرَامً ا لِعَيْنِهِ فَكَبِيرَةٌ وَإِلَّا فَصَغِيرَةٌ وَقِيلَ مَا سُمِّيَ فِي الشَّرْعِ فَاحِشَةً فَكَبِيرَةٌ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ عَدَاوَتُهُ دُنْيَوِيَّةً ) قَالَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَا شَهَادَةُ الْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بِسَبَبِ الدُّنْيَا وَتُقْبَلُ إنْ كَانَتْ بِسَبَبِ الدِّينِ ( إلَخْ ) وَالْعَدُوُّ مَنْ يَفْرَحُ بِحُزْنِهِ وَيَحْزَنُ بِفَرَحِهِ وَقِيلَ : يُعْرَفُ بِالْعُرْفِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَشْهَدُ لِعَدُوِّهِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَيَحْكُمُ لِعَدُوِّهِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ وَأَسْبَابَ الشَّهَادَةِ خَافِيَةٌ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ ا هـ ( فَرْعٌ ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُجَازِفِ فِي كَلَامِهِ وَحُكِيَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ رَبِيعٍ وَزِيرَ الْخَلِيفَةِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَةِ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ قَالَ ؛ لِأَنِّي سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ أَنَا عَبْدُك ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَالِ فِي مَجْلِسِك بِالْكَذِبِ فَلَا يُبَالِي فِي مَجْلِسِي أَيْضًا فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ ا هـ كَاكِيٌّ سَتَأْتِي هَذِهِ الْحِكَايَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْعُمَّالِ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَلَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي عَنْ الْخَصَّافِ فَقَالَ : وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاللُّصُوصِ وَأَصْحَابِ الْفُجُورِ بِالنِّسَاءِ وَمَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَمَنْ يَسْكَرُ مِنْ النَّبِيذِ ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فُسَّاقٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ كَمَا تَرَى وَوَجْهُهُ أَنَّ نَفْسَ شُرْبِ الْخَمْرِ يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَشَرَطَ شَهَادَاتِ الْإِدْمَانِ فَقَالَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ

وَمُدْمِنِ السُّكْرِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ فِي السِّرِّ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ قَالَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ وَهَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى دَامَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ تَائِبٌ نَادِمٌ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَمَّا مَنْ أَدْمَنَ الشُّرْبَ عَلَى غَيْرِ لَهْوٍ وَلَمْ يَسْكَرْ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْلِيلَهُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْفِسْقَ وَلَا بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْخَبَّازِيُّ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْطَالِ شَهَادَتِهِ إلَى شُرْبِهَا عَلَى اللَّهْوِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِيَتَنَاوَلَ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِسِيَاقِ جَمِيعِ الْأَشْرِبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ إلَخْ ) وَقَالَ النَّاصِحِيُّ أَيْضًا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ عَلَى الشُّرْبِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُ بِهِمْ وَتَرْكَهُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ يُوجِبُ سُقُوطَ عَدَالَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسُ الْجُلُوسِ فِسْقًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي } ) الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ وَهِيَ مَحْذُوفَةُ اللَّامِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ مُتَمَّمَةً دَدَى كَنَدَى ، وَدَدَنُ كَبَدَنِ وَلَا يَخْلُو الْمَحْذُوفُ أَنْ يَكُونَ يَاءً كَقَوْلِهِمْ يَدٌ فِي يَدِي أَوْ نُونًا كَقَوْلِهِمْ لَدٌ فِي لَدُنْ وَمَعْنَى تَنْكِيرِ الدَّدِ الشِّيَاعُ وَالِاسْتِغْرَاقُ وَأَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ أَيْ مَا أَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَتَعْرِيفُهُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْهُودًا بِالذِّكْرِ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَا ذَلِكَ النَّوْعُ مِنِّي ، وَإِنَّمَا

لَمْ يَقُلْ وَلَا هُوَ مِنِّي ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ آكَدُ وَأَبْلَغُ ا هـ ابْنُ الْأَثِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ يَقْتَنِي الْحَمَامَ فِي بَيْتِهِ إلَخْ ) أَوْ لِحَمْلِ الْكُتُبِ كَمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ يُغَنِّي ) وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ حَسَنَ الصَّوْتِ ا هـ الْإِصَابَةُ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ إلَخْ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ أَصَحُّ مَا فِيهِ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ اللَّهِ وَالدِّينِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَكَذَا الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ كَذَا الذَّخِيرَةُ وَالْمُحِيطُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ ) ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ ، وَالْمَنْظُورَ } وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إزَارٍ فَقَالَ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ خَافُوا إلَهَكُمْ وَلَا تَدْخُلُوا الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرٍ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِالسَّرَاوِيلِ وَحْدَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَشُرِطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ وَذَلِكَ بِالْإِدْمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ رِبًا بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ مُمْكِنٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ وَفِي الرِّبَا يَدْخُلُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ ، وَالشِّطْرَنْجِ أَوْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ بِسَبَبِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فِسْقٌ وَكَذَا إذَا كَانَ يُكْثِرُ عَلَيْهِ الْحَلِفَ كَاذِبًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقَالُوا فِي النَّرْدِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ اللَّعِبِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْقِمَارِ وَلَا غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ اللَّعِبِ فِيهِ فِسْقٌ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَلْعُونٌ مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ } وَمَنْ يَكُونُ مَلْعُونًا كَيْفَ يَكُونُ عَدْلًا بِخِلَافِ الشِّطْرَنْجِ ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ أَحَدُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلْ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ ) يَعْنِي الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ ، وَالتَّابِعُونَ ، وَالْعُلَمَاءُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ

وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ مِثْلِهَا لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُخْفِي السَّبَّ ، وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَأْكُلُ فِي السُّوقِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْحِرَفِ لِكَثْرَةِ الْأَيْمَانِ الْفَاجِرَةِ مِنْهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ يُكْثِرُ شَتْمَ أَهْلِهِ وَلَا مِمَّنْ يَشْتُمُ النَّاسَ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ إذَا لَمْ يُعْرَفْ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ ) أَيْ وَمُرْتَكِبُ الْحَرَامِ فَاسِقٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فِي الشَّرْحِ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرٍ ) الَّذِي سَمِعْته مِنْ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ الْغَزِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا بِمِئْزَرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِهِ فَطَرِيقُهُ التُّهْمَةُ وَعَدَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ فَلَا تَبْطُلُ بِتُهْمَةِ مَعْصِيَةٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ ا هـ غَايَةٌ ( فَرْعٌ ) قَالَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ شَيْخًا لَوْ صَارَعَ الْأَحْدَاثَ فِي الْجَامِعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا سُخْفٌ ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِفِسْقِهِ لِذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَرْعٌ ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ وَالْمُشَعْوِذِ وَالرَّقَّاصِ وَالْمَسْخَرَةِ بِلَا خِلَافٍ ا هـ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ : وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَمَلْعُونٌ مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ } ) وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ أَحَدُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ وَلَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَحَافَظَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَلَمْ يُقَامِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِفْ بِالْكَذِبِ ، فَإِنَّهُ لَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي حُرْمَةِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَإِبَاحَتِهِ عِنْدَ انْعِدَامِ هَذِهِ الْمَعَانِي فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يَحِلُّ كَذَا نَقَلَ مَذْهَبَهُمَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ وَلِأَنَّ النَّاسَ لَا يَعُدُّونَهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَسْتَخِفُّونَ صَاحِبَهُ فَلَا

تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ ) أَيْ بِمَرْأَى النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَأْكُلُ إلَخْ ) وَاَلَّذِي وَجَدْته بِخَطِّ شَيْخِنَا مَكْتُوبًا بَعْدَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ إلَخْ ) قَالَ الْكَاكِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ مُرُوءَةٌ وَكُلُّ فِعْلٍ فِيهِ تَرْكُ الْمُرُوءَةِ يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَتِهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى لَوْ مَشَى فِي السُّوقِ أَوْ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ بِسَرَاوِيلَ وَاحِدٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَكَذَا مَنْ يَمُدُّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ يَكْشِفُ رَأْسَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا عَادَةَ فِيهِ مِمَّا يَجْتَنِبُهُ أَهْلُ الْمُرُوآتِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَأَبَوَيْهِ رَضَاعًا وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمْ مُتَمَيِّزَةٌ ، وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ وَلَا سَطْوَةَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لِقَرَابَتِهِ وِلَادًا أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ إذْ الْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ أَغْلَظُ مِنْ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي وَلَا شَهَادَةَ لِلْفَاسِقِ وَلَنَا أَنَّ الْفَاسِقَ إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ ، وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ مَا أَوْقَعَهُ فِيهِ إلَّا تَدَيُّنُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَكْفُرُ بِالذَّنْبِ وَفِيهِمْ مَنْ يَجْعَلُ مَنْزِلَتَهُ بَيْنَ الْإِيمَانِ ، وَالْكُفْرِ فَيَكُونُ هُوَ أَقْوَى اجْتِنَابًا عَنْ الْكَذِبِ حَذَرًا عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الدِّينِ وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ لَا يَتَعَاطَى الْكَذِبَ فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْهَوَى وَهَوَاهُ عَنْ تَأْوِيلٍ وَتَدَيُّنٍ فَلَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ بِهِ كَمَنْ يَسْتَبِيحُ الْمُثَلَّثَ أَوْ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَاسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَقَالَ أَرَأَيْت أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَدُوا مُعَاوِيَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَوْ شَهِدُوا بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ أَكَانَ يَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ ، وَمُخَالَفَةُ عَلِيٍّ بَعْدَ عُثْمَانَ بِدْعَةٌ وَهَوَاءٌ فَكَيْفَ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ تَأْوِيلٌ وَتَدَيُّنٌ لَمْ يَمْنَعْ قَبُولَ شَهَادَتِهِ وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ هَوًى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ أُصُولَ أَهْلِ الْهَوَى سِتَّةٌ الْجَبْرُ ،

وَالْقَدَرُ ، وَالرَّفْضُ ، وَالْخُرُوجُ ، وَالتَّشْبِيهُ ، وَالتَّعْطِيلُ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ يَصِيرُ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً ، وَالْخَطَّابِيَّةُ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ الْأَجْدَعِ يَسْتَجِيزُونَ أَنْ يَشْهَدُوا لِلْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا فَبِاعْتِقَادِهِمْ هَذَا تَمَكَّنَتْ شُبْهَةٌ فِي شَهَادَتِهِمْ فَلَعَلَّهُ أَقْدَمَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَقِيلَ : إنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ شَيْئًا عَلَى غَيْرِهِ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بَقِيَّةُ شِيعَتِهِ وَذَكَرَ الْأَقْطَعُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ رَجُلٌ كَانَ بِالْكُوفَةِ قَتَلَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ بِالْكَنَائِسِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرًا الصَّادِقَ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ إلَخْ ) وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهِ إلَّا مَا وَرَدَ التَّخْصِيصُ بِالدَّلِيلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَصْحَابَ الْبِدَعِ كَالْخَارِجِيِّ وَالرَّافِضِيِّ الْجَبْرِيِّ وَالْقَدَرِيِّ وَالْمُشَبِّهِ وَالْمُعَطِّلِ وَيُسَمَّى أَهْلُ الْبِدَعِ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لِمَيْلِهِمْ إلَى مَحْبُوبِ أَنْفُسِهِمْ بِلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ فَالْهَوَى مَحْبُوبُ النَّفْسِ مِنْ هَوَى الشَّيْءَ إذَا أَحَبَّهُ وَقَدْ مَرَّ فِي التَّبْيِينِ فِي بَابِ أَقْسَامِ السُّنَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِالْكَنَائِسِ ) كَذَا هُوَ فِي نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْأَتْقَانِيِّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَصَلْبِهِ بِالْكُنَاسَةِ ا هـ قَالَ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ لِيَاقُوتِ الْكُنَاسَةُ بِالضَّمِّ مَحَلَّةٌ بِالْكُوفَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَاقُوتُ الْكَنَائِسَ وَقَدْ وَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ مُعْتَمَدَةً بِخَطِّ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ الْغَزِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَصُّهَا فَهُمْ يَعْنِي الْخَطَّابِيَّةِ قَوْمٌ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ رَجُلٌ كَانَ بِالْكُوفَةِ قَتَلَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ بِالْكُنَاسَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَالِكٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى ذِمِّيٍّ مِثْلِهِ وَلَا عَلَى الْحَرْبِيِّ ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِسْقَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَغْلَظُ مِنْ الْفِسْقِ تَعَاطِيًا فَكَانَ أَوْلَى بِرَدِّ شَهَادَتِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } ، وَالْكَافِرُ غَيْرُ مَرَضِيٌّ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّقِيقِ تُرَدُّ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ فَكَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ بِهِ حَقِيقَةُ الْكُفْرِ وَلِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَتِهِ يُؤَدِّي إلَى إلْزَامِ الْحَاكِمِ الْقَضَاءَ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُسْلِمَ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ يَتَضَرَّرُ بِهِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَجْتَنِبُونَ الْكَذِبَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْآيَاتِ عِنَادًا مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ حَقٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } فَكَانَ ذَلِكَ كَذِبًا مِنْهُمْ ، وَالْكَذَّابُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا كَالْمُرْتَدِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَذَا عَلَى الْكَافِرِ كَالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ شَخْصٍ وَشَخْصٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ لَا تُقْبَلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا شَهَادَةَ لِأَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى إلَّا الْمُسْلِمُونَ ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهِمْ } وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ بِشَهَادَةِ يَهُودَ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَا } وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {

أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ } وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ السَّلَفِ وقَوْله تَعَالَى { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أَيْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ مَقْبُولَةٌ فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ وَفِي وَصِيَّةِ الْكَافِرِ أَوْلَى ثُمَّ انْتِسَاخُهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِأَجْلِ أَنَّ وِلَايَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ انْتَسَخَتْ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِسَاخِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوِلَايَةُ دُونَ الْمُوَالَاةِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى { مَا لَكُمْ مِنْ وِلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } ، فَإِذَا بَقِيَتْ وِلَايَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بَقِيَتْ الشَّهَادَةُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ وِلَايَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ إلْزَامِ الْغَيْرِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ فِي حَقِّهِمْ وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَقَدْ عَمِلَ بِهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا ، فَإِنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمْضَى شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا لِجُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ : فَإِنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَيْضًا ، وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ مَحْظُورِ دِينِهِ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ ، وَالْكَذِبُ مَحْظُورٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا ، وَالرِّضَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فِي حَقِّ الْمُعَامَلَاتِ بِصِفَةِ الْأَمَانَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ { وَمِنْ أَهْلِ

الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْك } فَخَرَجَتْ الْآيَةُ مَخْرَجَ الْوَصْفِ لَهُمْ بِالْأَمَانَةِ ، وَالْأَمَانَةُ مَرْضِيَّةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَافِرُ مَرَضِيًّا لِكُفْرِهِ وَلَمَّا كَانَ مُؤْتَمَنًا فِي الْمُعَامَلَاتِ كَانَ مُؤْتَمَنًا فِي الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى أَحَدٍ كَالصَّبِيِّ ، وَالشَّهَادَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ ، وَالْكَافِرُ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ عَلَى جِنْسِهِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ أَيْضًا عَلَى جِنْسِهِ ، وَالْقَاضِي لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ الْكَافِرِ ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالتَّقْلِيدِ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ ، وَالْقَضَاءُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ النَّظَرُ لِلْغُيَّبِ ، وَالصِّغَارِ مِنْهُمْ وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْظُرَ بِأَيِّ سَبَبٍ وَجَبَ لَهُمْ الْحَقُّ وَامْتِنَاعُهُمْ عَنْ الْكَذِبِ مُشَاهَدٌ ، وَالْعِنَادُ وَالْجُحُودُ الَّذِي حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَعَ عِلْمِهِمْ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فِي عَصْرِنَا مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَقِّ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ الْكُفْرَ حَقًّا لِجَهْلِهِ بِهِ ، وَلَوْ عَلِمَ لَأَسْلَمَ وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَيْضًا مَنْ لَا يَعْلَمُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ } وَقَالَ تَعَالَى { وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَقَوْلُهُمْ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ شَخْصٍ وَشَخْصٍ قُلْنَا : إنَّمَا اخْتَلَفَتْ شَهَادَتُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ ، وَالْكَافِرِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِثْلُ هَذَا غَيْرُ مُنْكَرٍ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى غَيْرِهِ تُقْبَلُ وَكَذَا شَهَادَتُهُ لِقَرَابَتِهِ وِلَادًا لَا تُقْبَلُ وَلِغَيْرِهِمْ تُقْبَلُ فَلَا يَبْعُدُ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصٍ لِلتُّهْمَةِ

فَكَذَا هَذَا ، وَالْمُرْتَدُّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى أَحَدٍ كَالْعَبْدِ ، وَالصَّبِيِّ وَمِلَلُ الْكُفْرِ كُلِّهِ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَيْسَ فِي قَهْرِ بَعْضٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ ) اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ : بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِسْقَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ ) مِنْهَا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ النُّورِ { وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ اخْتَلَفَتْ لَا تُقْبَلُ ) كَشَهَادَةِ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسِهِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ } إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا مَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتُونِي بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُمْ يَشْهَدُونَ } فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَّزَ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرْتَدُّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْحَرْبِيُّ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ ، وَالذِّمِّيُّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَجَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ ، وَالْحَرْبِيُّ مِثْلُ الْحَرْبِيِّ فَتَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا إذَا كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْإِفْرِنْجِ ، وَالْحَبَشِ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَتَوَارَثَانِ ، وَالدَّارُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ ، وَالْمِلْكِ لِانْقِطَاعِ النُّصْرَةِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِبَاحَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمَ الْآخَرِ وَمَالَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَلَمَّ بِصَغِيرَةٍ إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عَصَى مَعْصِيَةً صَغِيرَةً بِشَرْطِ أَنْ يَجْتَنِبَ الْكَبَائِرَ ، وَاللَّمَمُ الصَّغِيرَةُ وَأَلَمَّ إذَا أَذْنَبَ مَا دُونَ الْفَوَاحِشِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَكَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَغْلَبَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الْكَبَائِرِ ، وَالصَّغَائِرِ فَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْعَدَالَةِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ يُقَالُ طَرِيقٌ عَدْلٌ لِلْجَادَّةِ ، وَالِاسْتِقَامَةِ بِالْإِسْلَامِ وَاعْتِدَالِ الْعَقْلِ وَيُعَارِضُ الْعَقْلَ هَوًى يُضِلُّهُ وَيَصُدُّهُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ وَلَيْسَ لِكَمَالِ الِاسْتِقَامَةِ حَدٌّ يُدْرَكُ مَدَاهُ وَيُكْتَفَى لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِأَدْنَاهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ وَأَدْنَاهُ رُجْحَانُ جِهَةِ الدِّينِ ، وَالْعَقْلِ عَلَى الْهَوَى ، وَالشَّهْوَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقِيلَ : مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَصَارَ مُتَّهَمًا بِالْكَذِبِ لِظُهُورِ رُجْحَانِ جِهَةِ الْهَوَى عَلَى الْعَقْلِ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونُ مُجْتَنَبًا عَنْ الْكَبَائِرِ وَلَا

يَكُونُ مُصِرًّا عَلَى الصَّغَائِرِ وَيَكُونُ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَكُونُ كَبِيرَةً بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَلَا يُوثَقُ بِكَلَامِ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْخَطَأُ ، وَالْفَسَادُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاجْتِنَابِ عَنْ الْكَذِبِ ، وَالْإِلْمَامُ مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ إذْ لَا يُوجَدْ مِنْ الْبَشَرِ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ ، عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَيُؤَدِّي اشْتِرَاطُ الْعِصْمَةِ إلَى سَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } أَيْ عُدُولًا وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَالْأَقْلَفُ ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْخِتَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ هَذَا إذَا تَرَكَهُ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ خَوْفِ هَلَاكٍ ، وَإِنْ تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَدْلًا مَعَ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا بِالسُّنَّةِ وَلَمْ يُقَدِّرْ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْخِتَانِ وَقْتًا مَعْلُومًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْمَقَادِيرِ السَّمَاعُ وَلَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ وَقَدَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَقْتُهُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ وِلَادَتِهِ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مُحْتَمِلًا وَلَا يَهْلَكُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ ، وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا خُتِنَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ وَهُوَ

سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ عِنْدَنَا دُونَ النِّسَاءِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إنَّهُ فَرْضٌ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْخِتَانُ لِلرِّجَالِ سُنَّةٌ وَلِلنِّسَاءِ مَكْرُمَةٌ } قَالَ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ النِّسَاءُ يَخْتَتِنَّ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَكْرُمَةً ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ الذِّلَّةُ عِنْدَ الْمُوَاقَعَةِ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَرْبِيُّ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ قَالَ الْكَمَالُ أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَأْمِنَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالذِّمِّيُّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا ) وَقَدْ قَبِلَ خُلْفَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ حَتَّى كَانَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ عِنْدَنَا لَا بِالْمُسْتَأْمِنِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَالْحَرْبِيُّ مِثْلُ الْحَرْبِيِّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمِنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الدَّارِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَلَا لِارْتِفَاعِ الْوِلَايَةِ وَالْعِصْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ حَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ كَانَ هَذَا رُومِيًّا وَذَاكَ تُرْكِيًّا ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ صَارُوا مِنْ أَهْلِ دِيَارِنَا وَكَانَتْ دَارُهُمْ مُتَّحِدَةً حُكْمًا قَالَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا لَقَضَيْنَا الْآنَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَإِذَا عَرَضَ مَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَقْضِ بِهِ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي كَذَا هَذَا ، وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْقَضَاءُ مَاضٍ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَمَّتْ بِالْقَضَاءِ فَطَرَيَانُ مَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لَا يُبْطِلُ الْقَضَاءَ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْقَضَاءِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ

وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، فَإِنِّي أَدْرَأُ ذَلِكَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَإِذَا عَرَضَ مَانِعٌ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُسْتَوْفَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَلَمَّ إذَا أَذْنَبَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَلَمَّ أَيْ أَتَى اللَّمَمَ وَهُوَ دُونَ الْكَبِيرَةِ مِنْ الذُّنُوبِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ الدِّيوَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَكَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَغْلَبَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّجُلُ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ قَالَ الْكَمَالُ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ وَفِيهِ قُصُورٌ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَمْرِ الْمُرُوءَةِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْمَعَاصِي وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ قَوْلُهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِكَبِيرَةٍ وَلَا يُصِرُّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَيَكُونُ سَتْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَتْكِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةً وَيَسْتَعْمِلُ الصِّدْقَ وَيَجْتَنِبُ الْكَذِبَ دِيَانَةً وَمُرُوءَةً هَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ حِينَ سَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَزِيرُ الْمُعْتَضِدِ عَنْ الْعَدَالَةِ فَقَالَ لَهُ أَحْسَنُ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ الْقَاضِي ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ وَكَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ : وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ : فَأَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا تَنْقَدِحُ بِهِ الْعَدَالَةُ يُرِيدُ الصَّغِيرَةَ ، وَلَفْظُ الْإِلْمَامِ وَأَلَمَّ اُشْتُهِرَ فِي الصَّغِيرَةِ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي خِرَاشٍ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْقُتَبِيُّ عَنْهُ بِسَنَدِهِ وَنَسَبَهُ الْخَطَّابِيُّ إلَى أُمَيَّةَ وَنِسْبَةُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ إيَّاهُ إلَى النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَطٌ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ أَفْرَادٍ نُصَّ عَلَيْهَا ، مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي تَرْكِهَا كَأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِالتَّرْكِ وَكَذَا بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ مَنْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ مُؤَانَسَةِ الضَّيْفِ وَكَذَا مَنْ خَرَجَ لِرُؤْيَةِ السُّلْطَانِ أَوْ الْأَمِيرِ عِنْدَ قُدُومِهِ وَرَدَّ شَهَادَةَ شَيْخٍ صَالِحٍ لِمُحَاسَبَتِهِ ابْنَهُ فِي النَّفَقَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَأَنَّهُ رَأَى مِنْهُ تَضْيِيقًا وَمُشَاحَّةً يَشْهَدُ بِالْبُخْلِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ التَّفَرُّجِ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَكَذَا التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ وَقُرَى فَارِسَ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطِرٌ بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ لِنَيْلِ الْمَالِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْذِبَ لِأَجْلِ الْمَالِ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ بَاطِلٍ وَكَذَا عَلَى فِعْلِ بَاطِلٍ مِثْلُ مَنْ يَأْخُذُ سُوقَ النَّخَّاسِينَ مُقَاطَعَةً وَأَشْهَدَ عَلَى وَثِيقَتِهَا شُهُودًا قَالَ الْمَشَايِخُ إنْ شَهِدُوا حَلَّ بِهِمْ الطَّعْنُ ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى بَاطِلٍ فَكَيْفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عِنْدَ مُبَاشِرِي السُّلْطَانِ عَلَى ضَمَانِ الْجِهَاتِ وَالْإِجَارَاتِ الْمُضَارَّةِ عَلَى الْمَحْبُوسِينَ عِنْدَهُمْ وَاَلَّذِينَ فِي تَرْسِيمِهِمْ ا هـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالْأَقْلَفِ إلَخْ ) وَمَا عَنْ

ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَجُوسَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : الذِّلَّةُ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ الذَّالَّةَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْخَصِيُّ وَوَلَدُ الزِّنَا ، وَالْخُنْثَى ) لِتَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ أَوْ زِيَادَتُهُ أَوْ جِنَايَةُ أَبَوَيْهِ لَا يُوجِبُ قَدَحًا فِي الْعَدَالَةِ وَقَبِلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ ، وَالْخُنْثَى إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَشَهَادَةُ الْجِنْسَيْنِ مَقْبُولَةٌ ثُمَّ هُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَيُجْعَلُ امْرَأَةً فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ احْتِيَاطًا حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ رَجُلٍ مَا لَمْ يُضَمَّ إلَيْهِ امْرَأَةٌ وَلَا مَعَ النِّسَاءِ بِلَا رَجُلٍ مَعَهُنَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْعُمَّالُ ) الْمُرَادُ بِهِ عُمَّالُ السَّلَاطِينِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ كَالْخَرَاجِ ، وَالْجِزْيَةِ ، وَالصَّدَقَاتِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ، وَقِيلَ هُمْ الْأُمَرَاءُ وَقِيلَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِأَيْدِيهِمْ وَيُؤْجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَيَّامًا كَانُوا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ كُبَرَاؤُهُمْ كَانُوا عُمَّالًا ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عِبَادَةٌ وَلَهُ الْأَجْرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ وَقِيلَ إذَا كَانَ الْعَامِلُ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَاسِقِ ؛ لِأَنَّهُ لِمَهَابَتِهِ لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِئْجَارِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ وَلِوَجَاهَتِهِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْكَذِبِ حِفْظًا لِلْمُرُوءَةِ وَرُوِيَ أَنَّ فُضَيْلٍ بْنَ رَبِيعٍ وَزِير الْخَلِيفَةِ شَهِدَ عِنْد أَبِي يُوسُف رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حَادِثَةٍ فَرَدَّ شَهَادَته فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَة فَقَالَ الْخَلِيفَة أَيُّهَا الْقَاضِي : إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ فَقَالَ ؛ لِأَنِّي سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ : أَنَا عَبْدُك ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ ، وَإِنْ كَانَ

كَاذِبًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ فِي مَجْلِسِك فَلَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ فِي مَجْلِسِي أَيْضًا فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ فِيهِ وَفِي الْكَافِي هَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ وَفِي زَمَانِنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعُمَّالِ لِغَلَبَةِ ظُلْمِهِمْ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْبَزْدَوِيِّ أَنَّ مِنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِسْطِ ، وَالْعَدَالَةِ كَانَ مَأْجُورًا ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ جِهَةٍ بَاطِلَةٍ ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ مَنْ قَامَ بِالتَّوْزِيعِ ، وَلَوْ كَانَ مُجَازِفًا ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعُمَّالِ أَهْلَ الْحَرْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ وَبَائِعُ الْكَفَنِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَنَّى كَثْرَةَ الْمَوْتِ بِالطَّاعُونِ وَغَيْرِهِ وَفِي النِّهَايَةِ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ لَا تُقْبَلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَنْ يَبْخَلُ بِالْوَاجِبَاتِ كَالزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ ، وَالْأَقَارِبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُعْتَقُ لِلْمُعْتِقِ ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُعْتَقِ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَنْبَرًا ، وَالْحَسَنَ شَهِدَا لِعَلِيٍّ عِنْدَ شُرَيْحٍ فَقَبِلَ شَهَادَةَ قَنْبَرٍ وَهُوَ كَانَ عَتِيقَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالْخَصِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَأَيْت فِي كِتَابِ التَّفْرِيعِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا إلَّا فِي الزِّنَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْحُدُودِ ، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ فِيهِ هَذَا لَفْظُ كِتَابِ التَّفْرِيعِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ مِثْلَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ وَلَدُ الزِّنَا عَدْلًا وَالْعَدْلُ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا مَعَ النِّسَاءِ بِلَا رَجُلٍ مَعَهُنَّ ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَالنِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَفِي شَهَادَتِهِنَّ شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعُمَّالِ ) ذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ أَرَادَ بِهِ عَامِلَ السُّلْطَانِ الَّذِي يُعَيِّنُهُ عَلَى أَخْذِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ شَرْعًا أَمَّا الَّذِي يُعَيِّنُهُ عَلَى أَخْذِ الْحَرَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ انْتَهَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بِعَلَامَةِ السِّينِ : الْعُمَّالُ لِلسُّلْطَانِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْعُشْرَ وَالصَّدَقَاتِ وَغَيْرَهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَانُوا أُمَنَاءَ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حُمِلُوا عَلَى ذَلِكَ لِأَمَانَتِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَحْتَرِزُونَ مِنْ الْكَذِبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِوَجَاهَتِهِ لَا يَقْدُمُ عَلَى الْكَذِبِ حِفْظًا لِلْمُرُوءَةِ ) فَأَمَّا إذَا كَانَ سَاقِطَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مُجَازِفًا فِي كَلَامِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ا هـ كَافِي قَوْلُهُ : فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ مَنْ قَامَ بِالتَّوْزِيعِ وَلَوْ كَانَ مُجَازِفًا ) إلَى هُنَا كَلَامُ الشَّارِحِ وَبَعْدَ هَذَا كَتَبْت مُلْحَقًا وَهُوَ فِي كَلَامِهِ مِنْ الْعُمَّالِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ هَذَا الْمُلْحَقُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَلَا يَصِحُّ الْكَلَامُ إلَّا بِهِ ( قَوْلُهُ وَبَائِعِ الْكَفَنِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ

) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي قَالُوا شَهَادَةُ بَائِعِ الْأَكْفَانِ لَا تَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّمَا لَا تَجُوزُ إذَا تَرَصَّدَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَالطَّاعُونَ أَمَّا إذَا كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ هَكَذَا وَيُشْتَرَى مِنْهُ الْكَفَنُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَيْهِ ، وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي جَازَ ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَا كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَادَّعَى الْوَكِيلُ أَوْ أَنْكَرَ ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَادَّعَيَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ ، وَالرَّجُلُ يَدَّعِي الْوَصِيَّةَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا ، وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّجُلُ الْوَصِيَّةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ قَدْ وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ سَوَاءٌ ادَّعَى الرَّجُلُ الْوَكَالَةَ أَوْ أَنْكَرَ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا ، وَإِنْ ادَّعَى وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُوصِي إلَيْهِمَا أَوْ لَهُمَا أَوْ الْغَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِمَا لَهُ دَيْنٌ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى هَذَا الرَّجُلِ تَجُوزُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ ؛ لِأَنَّهَا تَجُرُّ مَنْفَعَةً إلَى الشَّاهِدِ بِإِقَامَةِ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ أَوْ مَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَوْ مَنْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ أَوْ مَنْ يُعِينُهُ بِالْقِيَامِ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، وَالشَّهَادَةُ الَّتِي تَجُرُّ مَنْفَعَةً لَا تُقْبَلُ فَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ طَالِبًا وَكَانَ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا فَيَكْفِي الْقَاضِيَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ وَزَكَّيَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا إذْ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا كَانَ يُتَأَمَّلُ فِيمَنْ يُعَيِّنُ وَفِيمَنْ يَصْلُحُ فَيُعَيِّنُ مَنْ تَثْبُتُ صَلَاحِيَّتُهُ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ وَنَظِيرُهَا الْقُرْعَةُ ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ لَوْلَا الْقُرْعَةُ وَمَعَ هَذَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا تَطْيِيبًا لِلْقُلُوبِ وَنَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ الْقَاضِي وَلَا يُقَالُ : إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ لَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي

إلَى وَصِيٍّ ثَالِثٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قُلْتُمْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : إذَا أَقَرَّ الْوَصِيَّانِ أَنَّ مَعَهُمَا ثَالِثًا كَانَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ بِإِقْرَارِهِمَا أَنَّ مَعَهُمَا ثَالِثًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ جَاحِدًا ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي نَصْبَ الْوَصِيِّ إلَّا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَتَصِيرُ الشَّهَادَةُ مُوجَبَةً عَلَى الْقَاضِي فَتَبْطُلُ لِمَعْنَى التُّهْمَةِ وَهُوَ جَرُّ الْمَنْفَعَةِ إلَى الشَّاهِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ شَخْصَانِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَ فُلَانًا بِقَبْضِ حُقُوقِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ فَلَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ بِشَهَادَتِهِمَا وَهِيَ غَيْرُ مُوجَبَةٍ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ فَبَطَلَتْ وَفِي الْكَافِي فِي الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَبْضِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَثَبَتَ مَوْتُ رَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي حَقِّهِمَا وَقِيلَ مَعْنَى الْقَبُولِ أَنْ يَأْمُرَهُمَا الْقَاضِي بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمَا إلَيْهِ لَا أَنْ يَبْرَآ عَنْ الدَّيْنِ بِهَذَا الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِمَا فَيُقْبَلُ فِي حَقِّهِ ، وَالْبَرَاءَةُ حَقٌّ لَهُمَا فَلَا تُقْبَلُ فِي حَقِّهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ ) أَيْ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَضَمَّنَ إيجَابَ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ الْمُجَرَّدَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ يُرْفَعُ فِسْقُهُ بِالتَّوْبَةِ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَابَ فِي

مَجْلِسِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْزَامُ وَلِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ السَّتْرِ وَإِشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهُوَ حَرَامٌ وَلِلضَّرُورَةِ جَائِزٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَلَا يُقَالُ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَهُوَ مَنْعُ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اُنْصُرْ أَخَاك الظَّالِمَ أَوْ الْمَظْلُومَ } ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا ضَرُورَةَ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِخْبَارِ لِلْقَاضِي سِرًّا حَتَّى يَرُدَّ شَهَادَتَهُمَا فَأَمْكَنَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الظُّلْمِ بِذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ الْجَرْحُ غَيْرَ مُجَرَّدٍ بِأَنْ كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِمَا زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا أَوْ كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ حَقِّ الْعَبْدِ كَقَوْلِهِمَا أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ قَتَلُوا النَّفْسَ عَمْدًا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ضَرُورَةَ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَتْكٌ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا إيجَابُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَدُّ أَوْ إيجَابُ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ ضَمَانٌ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي ضِمْنِهِ يَثْبُتُ الْجَرْحُ وَكَذَا إذَا قَالَ صَالَحْت الشُّهُودَ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا الْبَاطِلِ وَقَدْ شَهِدُوا عَلَيَّ بِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَ الْمَالِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ أَعْطَاهُمْ الْمُدَّعِي مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ حَتَّى يَشْهَدُوا لَهُ بِالزُّورِ وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَهُ تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إيجَابِ رَدِّ الْمَالِ عَلَى الشُّهُودِ وَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ قَالَ صَالَحْتهمْ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ وَلَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِمْ الْمَالَ أَوْ قَالَ : اسْتَأْجَرَهُمْ الْمُدَّعِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَشْهَدُوا لَهُ لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ إذْ الْمُدَّعِي مُجَرَّدُ جَرْحٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ قَبْلَهُ حَقًّا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ وَدَعْوَى الِاسْتِئْجَارِ ، وَإِنْ كَانَتْ

صَحِيحَةً لَكِنَّهُ يَدَّعِيهَا لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ جَرْحًا مُجَرَّدًا ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَعْنَى وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوا الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْحَقُّ وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ ؛ لِأَنَّ فِي الْعَبِيدِ إثْبَاتَ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الرِّقُّ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ مِنْ عِنْدِهِمْ ، وَإِنَّمَا حُكُوا بِإِظْهَارِ فَاحِشَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَا تُقْبَلُ ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ وَصَفُوا الزِّنَا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَادِمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْحَقِّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ مَرْدُودَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ قَوْلِهِ : إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولَةٌ تَأْوِيلُهُ إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَمْ تُقْبَلْ ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا

الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا تُقْبَلُ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَادِمًا وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ زُنَاةٌ أَوْ زَنَوْا إلَخْ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا ) قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّهُ وَصِيُّ فُلَانٍ الْمَيِّتِ فَشَهِدَ بِذَلِكَ اثْنَانِ مُوصًى لَهُمَا بِمَالٍ أَوْ وَارِثَانِ كَذَلِكَ أَوْ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّانِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ تَتَضَمَّنُ جَلْبَ نَفْعٍ لِلشَّاهِدِ أَمَّا الْوَارِثَانِ لِقَصْدِهِمَا نَصْبَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُمَا وَيُرِيحُهُمَا وَيَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِمَا وَالْغَرِيمَانِ الدَّائِنَانِ وَالْمُوصَى لَهُمَا لِوُجُودِ مَنْ يَسْتَوْفِيَانِ مِنْهُ وَالْمَدْيُونَانِ لِوُجُودِ مَنْ يَبْرَآنِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالْوَصِيَّانِ مَنْ يُعَيِّنُهُمَا فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالْمُطَالَبَةِ وَكُلُّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ نَفْعًا لَا تُقْبَلُ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُوصَى إلَيْهِمَا ) يُقَالُ أَوْصَى إلَيْهِ أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَأَوْصَى لَهُ بِكَذَا أَيْ جَعَلَهُ مُوصَى لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : تَجُوزُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ اسْتِحْسَانًا ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْتُ ظَاهِرًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ إلَّا الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا تُقْبَلُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قُلْتُمْ ) قُلْت : إنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى هَذَا الرَّجُلِ الثَّالِثِ فَقَدْ أَقَرَّا أَنْ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَلَوْ رَدَّ شَهَادَتَهُمَا لَاحْتَاجَ إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ حَتَّى يَتَصَرَّفَ مَعَهُمَا فَلَا يَكُونُ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَائِدَةٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : جَائِزٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ ) قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ فِسْقَهُ بِالْبَيِّنَةِ لِيَدْفَعَ التَّعْزِيرَ عَنْ نَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَرْحِ وَالْفِسْقِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ يَا

زَانِي ثُمَّ أَثْبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحَدِّ ا هـ قُنْيَةٌ فِي الْحُدُودِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ أَوْهَمْتُ بَعْضَ شَهَادَتِي تُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا ) قَوْلُهُ أَوْهَمْتُ أَيْ أَخْطَأْت بِذِكْرِ زِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً أَوْ بِنِسْيَانِ بَعْضِ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيَّ ذِكْرُهُ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُبْتَلَى بِالْغَلَطِ لِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَوَضَحَ الْعُذْرُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ عَدْلٌ ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَرَّهُ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِالرِّشْوَةِ ثُمَّ قِيلَ يَقْضِي بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا حَتَّى لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ غَلِطْت فِي خَمْسِمِائَةٍ يُقْضَى بِالْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ أَوَّلًا صَارَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ ، وَقِيلَ يُقْضَى بِمَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَحُدُوثِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ كَمَا بَيَّنَّا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِ لَفْظَ الشَّهَادَةِ أَوْ اسْمَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يَتْرُكَ الْإِشَارَةَ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ ، وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَأْمُونًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ قَوْلَهُ يُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ فِي الْكُلِّ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ أَوْهَمْت فِي الزِّيَادَةِ أَوْ فِي النُّقْصَانِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي ذِكْرِ بَعْضِ حُدُودِ الْعَقَارِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبْتَلَى بِهِ فِي

مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَذِكْرُهُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ وَاحْتِيَاطِهِ فِي الْأُمُورِ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ حَتَّى قَالَ أَوْهَمْت ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَوَهِمَ فِي الْحِسَابِ غَلِطَ مِنْ بَابِ لَبِسَ وَأَوْهَمَ فِيهِ مِثْلُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ، فَإِنْ قَالَ : أَوْهَمْت أَوْ أَخْطَأَتْ أَوْ نَسِيت وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الشَّاهِدَانِ أَوْهَمْنَا إنَّمَا السَّارِقُ هَذَا وَيُرْوَى وَهِمْنَا وَأَوْهَمَ فِي الْحِسَابِ مِائَةً أَيْ أَسْقَطَ وَأَوْهَمَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً وَفِي الْحَدِيثِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى وَأَوْهَمَ فِي صَلَاتِهِ فَقِيلَ لَهُ كَأَنَّك أَوْهَمْت فِي صَلَاتِك } ا هـ

( بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ وَإِلَّا لَا ) ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نُصِّبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَفَصْلُهُ يَفْتَقِرُ إلَى سَبْقِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ بَعْدَ الدَّعْوَى أَمَّا الشَّهَادَةُ أَوْ الْيَمِينُ وَقَدْ وُجِدَ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِيمَا إذَا وَافَقَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى فَأَمْكَنَ الْفَصْلُ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا إذَا خَالَفَتْهَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَضَاءُ بِهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِأَجْلِ تَصْدِيقِ الدَّعْوَى ، فَإِذَا خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا ، وَالدَّعْوَى الْكَاذِبَةُ لَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فَانْعَدَمَ الشَّرْطُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى فَلَا يُحْكَمُ بِهَا بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ خَصْمًا فِي إثْبَاتِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الدَّعْوَى مَوْجُودَةٌ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا كَانَ طَالِبًا لَهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إقَامَتُهَا وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا بِالدَّعْوَى إذْ لَا يَعْرِفُ الْقَاضِي حُقُوقَهُمْ وَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى اسْتِيفَائِهَا

بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ ) الِاخْتِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ بَلْ الْأَصْلُ الِاتِّفَاقُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَتَفَرَّعُ عَنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ذَلِكَ وَالشَّهَادَةُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّعُ إمَّا عَنْ رُؤْيَةٍ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْقَتْلِ أَوْ سَمَاعٍ بِإِقْرَارٍ وَغَيْرِهِ وَالشَّاهِدَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي إدْرَاكِ ذَلِكَ فَيَسْتَوِيَانِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِ فَلِذَا أَخَّرَهُ عَمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافٌ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ ) بِأَنْ كَانَتْ فِي أَلْفٍ قَرْضٍ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ قَرْضٍ ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى بِأَنْ كَانَتْ فِي أَلْفٍ قَرْضٍ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ ثَمَنِ مَتَاعٍ ا هـ ع ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ وَهُوَ الدَّعْوَى ، وَقَدْ وُجِدَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يُوَافِقُهَا أَيْ يُوَافِقُ الشَّهَادَةَ فَوُجِدَ شَرْطُ قَبُولِهَا فَتُقْبَلُ وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا ، فَإِنَّهَا لَمَّا لَمْ تُوَافِقْهَا صَارَتْ الدَّعْوَى لِشَيْءٍ آخَرَ وَشَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَاعْلَمْ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ الْمُطَابَقَةَ بَلْ إمَّا الْمُطَابَقَةُ أَوْ كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَكْثَرَ فَمِنْ الْأَقَلِّ مَا لَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرِ كَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ بِلَا زِيَادَةٍ تُقْبَلُ وَيَقْضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ قَدْرَ مَا سَمَّاهُ أَوْ أَقَلَّ ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ لَا يَقْضِي بِالزِّيَادَةِ كَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْخُلَاصَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ وَمِنْهُ إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّتَاجِ فَشَهِدُوا فِي الْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قُبِلَتَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ

بِسَبَبٍ أَقَلُّ مِنْ الْمُطْلَقِ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنِّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ وَفِي قَلْبِهِ وَهُوَ دَعْوَى الْمُطْلَقِ فَشَهِدُوا بِالنِّتَاجِ لَا تُقْبَلُ وَمِنْ الْأَكْثَرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ الْإِرْثَ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ سَمَّاهُ وَنَسَبَهُ ، أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْته أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَهِيَ خِلَافِيَّةٌ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَبُولِ رَشِيدُ الدِّينِ وَهُنَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مِلْكٍ بِسَبَبٍ ، وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمُطْلَقِ لَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ لَهُ قُلْت كَيْفَ وَفِيهِ أَيْضًا إبْطَالُ حَقِّهِ ، فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا لَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا ) أَيْ كَذَّبَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَنُسِبَ الْكَذِبُ إلَى الدَّعْوَى لَا إلَى الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّهُودِ الْعَدَالَةُ دُونَ الْمُدَّعِي إذْ هِيَ شَرْطٌ فِيهِمْ دُونَهُ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الِاشْتِرَاطُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ احْتِرَازًا عَنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ دَعْوَى مُدَّعٍ خَاصٍّ غَيْرِ الشَّاهِدِ لَيْسَ شَرْطًا لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الْقِيَامُ فِي إثْبَاتِهِ وَذَلِكَ الشَّاهِدُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَكَانَ قَائِمًا فِي الْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَشَاهِدٌ مِنْ جِهَةِ تَحَمُّلِ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهَا إلَى خَصْمٍ آخَرَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَغَتْ ) أَيْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مِلْكًا حَادِثًا وَهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ قَدِيمٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُطْلَقِ يَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي بِزَوَائِدِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْحَادِثِ وَتَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيهِ فَصَارَا غَيْرَيْنِ ، وَالتَّوْفِيقُ مُتَعَذِّرٌ ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ قَدِيمًا وَلَا الْقَدِيمُ حَادِثًا فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِعَكْسِهِ لَا ) أَيْ بِعَكْسِ مَا مَضَى وَهُوَ مَا إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِمِلْكٍ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ لَا تَكُونُ لَغْوًا بَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ الْمُثَنَّى فَمَا لَمْ يَتَّفِقَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ لَا تَثْبُتُ الْحُجَّةُ مُطْلَقًا ، وَالْمُوَافَقَةُ الْمُطْلَقَةُ بِاللَّفْظِ ، وَالْمَعْنَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ لَا غَيْرُ ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إعَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِدِرْهَمٍ وَآخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ وَآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَآخَرُ بِخَمْسَةٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِأَرْبَعَةٍ وَكَذَا إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمِائَةُ ، وَالْمِائَتَانِ ،

وَالطَّلْقَةُ ، وَالطَّلْقَتَانِ أَوْ الثَّلَاثُ لَهُمَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَقَلِّ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا لِعَدَمِهَا ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ ادَّعَى الْأَكْثَرَ وَشَهِدَا بِالْأَقَلِّ تُقْبَلُ ، وَلَوْ كَانَ اخْتِلَافًا لَمَا قُبِلَتْ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقَبُولِ أَنْ تُوَافِقَ الْبَيِّنَةُ الدَّعْوَى فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَ ، وَالْخَمْسَمِائَة بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْأَقَلَّ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ مَنْ يَشْهَدُ بِالزِّيَادَةِ وَبِشَهَادَةِ الْفَرْدِ لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اخْتِلَافَ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاحِدِ غَيْرُ لَفْظِ الِاثْنَيْنِ وَلَفْظَ الْأَلْفِ غَيْرُ لَفْظِ الْأَلْفَيْنِ وَلِهَذَا لَا يُرَادُ بِأَحَدِهِمَا الْآخَرُ وَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْ اللَّفْظَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا وَاحِدٌ وَلَا يُقَالُ : إنَّ الْأَلْفَ مَوْجُودٌ فِي الْأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ مَوْجُودٌ فِيهِ إذَا ثَبَتَ الْأَلْفَانِ ثَبَتَ الْأَلْفُ ضِمْنًا ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمِّنُ لَا يَثْبُتُ الْمُتَضَمَّنُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ بَرِيَّةٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ، وَإِنْ اتَّفَقَ اللَّفْظَانِ فِي الْمَعْنَى لِعَدَمِ ثُبُوتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ ، وَالْمَعْنَى شَرْطُ الْقَبُولِ بِخِلَافِ الدَّعْوَى ، وَالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ اتِّفَاقُهُمَا فِي اللَّفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ تُقْبَلُ ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَتْلِ ، وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا

تُقْبَلُ وَبِخِلَافِ الْأَلْفِ ، وَالْخَمْسِمِائَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَنَظِيرُهُ الطَّلْقَةُ ، وَالطَّلْقَةُ وَنِصْفٌ ، وَالْمِائَةُ ، وَالْمِائَةُ ، وَالْخَمْسُونَ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ كَالْأَلْفَيْنِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي الْأَكْثَرَ فَشَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي بِالزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ فَيَقُولَ أَصْلُ حَقِّي كَانَ كَمَا قَالَ إلَّا أَنِّي اسْتَوْفَيْت الزَّائِدَ أَوْ أَبْرَأْته عَنْهُ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ فِي الْأَقَلِّ لِظُهُورِ التَّوْفِيقِ وَفِي النِّهَايَةِ إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ ، وَالْآخَرُ عَلَى الْعَطِيَّةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ وَهُوَ مَا صَارَ اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَيْهِ ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُوَافَقَةُ فِي ذَلِكَ لَا تَضُرُّ الْمُخَالَفَةُ فِيمَا سِوَاهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ ، وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا

( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إعَادَةِ الْمَعْنَى ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ قُبِلَتْ ا هـ كَمَالٌ وَقَوْلُهُ إعَادَةٌ هُوَ بِالْعَيْنِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَكَذَا هُوَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْكَافِي إفَادَةٌ بِالْفَاءِ ا هـ قَوْلُهُ : لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ ) فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ فَلَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَدَّعِي أَلْفًا لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شَاهِدَ الْأَلْفَيْنِ إلَّا إنْ وَفَّقَ فَقَالَ كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفَانِ فَقَضَانِي أَلْفًا أَوْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ أَلْفٍ وَالشَّاهِدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ يُقْضَى لَهُ بِالْأَلْفِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ أَوْ الثَّلَاثُ ) لَا يُقْضَى بِطَلَاقٍ أَصْلًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِالْأَقَلِّ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا فِي دَعْوَى الدَّيْنِ ، أَمَّا فِي دَعْوَى الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَ فِي كِيسٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْكِيسِ لَهُ وَهُوَ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ أَنَّ نِصْفَ مَا فِيهِ لَهُ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمِقْدَارِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ذَكَرَهُ الْخَبَّازِيُّ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَسْتَحِقُّ الزَّائِدَ بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ ) أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِطَلْقَةٍ وَالْآخَرُ بِتَطْلِيقَةٍ وَنِصْفٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62