كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الرُّكْنُ ) وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّ رُكْنَهُ أَكْثَرُهُ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَثُلُثَا شَوْطٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَيُسَمَّى طَوَافَ الزِّيَارَةِ إلَخْ ) وَفِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى { وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ } ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَيْ يَوْمَ الْعِيدِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمَامَ الْحَجِّ وَمُعْظَمَ أَفْعَالِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِعْلَامَ كَانَ فِيهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ } وَقِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْحَجُّ عَرَفَةَ } وَوَصَفَ الْحَجَّ بِالْأَكْبَرِ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ تُسَمَّى الْحَجَّ الْأَصْغَرَ أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ مَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ أَعْمَالِهِ فَإِنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ بَاقِي الْأَعْمَالِ أَوْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَجَّ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَوَافَقَ عِيدُهُ أَعْيَادَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِيهِ عِزُّ الْمُسْلِمِينَ وَذُلُّ الْمُشْرِكِينَ ا هـ بَيْضَاوِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إلَخْ ) هَلْ هَذَا التَّرْتِيبُ مُتَعَيَّنٌ أَوْ أَوْلَوِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَفِي الْمَنَاسِكِ لَوْ بَدَأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَإِنْ عَادَ عَلَى الْوُسْطَى ثُمَّ عَلَى الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِهِ فَحَسَنٌ ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ التَّرْتِيبُ شَرْطٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ ) قِيلَ يَقِفُ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ يُوضَعُ فِي يَدِهِ وَيَرْمِي بِهَا أَمْ

يَرْمِي عَنْهُ غَيْرُهُ وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَوْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِنَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِلْآخَرِ جَازَ وَيُكْرَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ غَدًا كَذَلِكَ ) هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ ، وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِيَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ فِيهِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ سُمِّيَ يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي ا هـ فَتْحٌ ( فَائِدَةٌ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَالْمَعْلُومَاتِ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ الْحَادِيَ عَشْرَ وَالثَّانِي عَشْرَ وَالثَّالِثَ عَشْرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَذَا النَّقْلُ أَمَّا الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَالْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشْرَ ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَذَا النَّقْلُ ( قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ) أَيْ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ رِوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ الْمَسَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلْيَقُمْ إلَى الْغَدِ حَتَّى يَنْفِرَ مَعَ النَّاسِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ نَفَرَ فِي وَقْتٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الرَّمْيُ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَمَاهَا عَنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَجَازَ لَهُ النَّفْرُ كَالنَّهَارِ ) أَيْ كَالنَّهَارِ الثَّالِثِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ قُلْت وَلَوْ رَمَاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا عَنْ يَوْمِهِ وَقَدْ امْتَنَعَ فِيهِ النَّفْرُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ ؛ لِأَنَّ لَيْلَةَ يَوْمِ الرَّابِعِ مُلْحَقَةٌ بِالْيَوْمِ

الثَّالِثِ فِي حَقِّ الرَّمْيِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ رَمْيَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَرَمَى فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ يَجُوزُ فَصَارَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ بِمَنْزِلَةِ الْيَوْمِ فَيَكُونُ خِيَارُهُ فِي النَّفْرِ ثَابِتًا فِيهِ كَمَا قَبْلَ الْغُرُوبِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ وَقْتُ الرَّمْيِ فَلَا يَبْقَى خِيَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ اللَّيَالِيَ فِيهَا تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ فَكَمَا كَانَ خِيَارُهُ ثَابِتًا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَكَذَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَعْدَهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَوْ ثَبَتَ يُحْمَلُ عَلَى سِيَاقِ الْأَفْضَلِيَّةِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ يَجُوزُ أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) ، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَطَاوُسٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَجُوزُ ) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ ) أَيْ الْيَوْمَيْنِ يَوْمِ الثَّانِي وَيَوْمِ الثَّالِثِ دُونَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَبْلَ الزَّوَالِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ كَاكِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَيَفُوتُ الرَّمْيُ بِخُرُوجِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَعَنْ عَطَاءٍ يَرْمِيهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشْرَ فَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَلَمْ يُرِقْ أَرَاقَ دَمًا كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ لَا يَرْمِي لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشْرَ لِانْقِضَاءِ وَقْتِهِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَشْهُورِ ) أَيْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ فَإِنْ رَمَى قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَحَمَلَ الْمَرْوِيَّ عَنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ وَجْهُ الظَّاهِرِ

مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ إتْبَاعِ الْمَنْقُولِ لِعَدَمِ الْمَعْقُولِيَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ تَخْفِيفٍ فِيهِمَا بِتَجْوِيزِ التَّرْكِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ التَّخْفِيفِ بِالتَّقْدِيمِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ ) أَيْ وَلَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ : وَيَثْبُتُ وَصْفُ الْقَضَاءِ فِي الرَّمْيِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى ثُبُوتِ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَقِيلَ لِي قُضِيَ أَبُو يُوسُفَ ) فَتَعَجَّبْت مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الرَّمْيُ كُلُّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ ا هـ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ رُكُوبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ كُلِّهِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَحْمِلُ مَا رُوِيَ مِنْ رُكُوبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا فِي أَنَّهُ فَعَلَ لِيُظْهِرَ فِعْلَهُ فَيُقْتَدَى بِهِ وَيُسْأَلَ وَيُحْفَظَ عَنْهُ الْمَنَاسِكُ كَمَا ذَكَرَ فِي طَوَافِهِ رَاكِبًا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَلَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ } وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ الْمَشْيِ قَالَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمَشْيُ إلَى الْجِمَارِ ، وَإِنْ رَكِبَ النَّهَارَ فَلَا بَأْسَ وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَتَظْهَرُ أَوْلَوِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَا رُكُوبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قُلْنَا يَبْقَى كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا عِبَادَةً وَأَدَاؤُهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ بَيْنَهُمْ مَعَ الْمُزَاحَمَةِ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى إلَخْ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْمَبِيتُ بِهِ فِي هَذِهِ اللَّيَالِيِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ فِي

فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعُمَرُ كَانَ يُؤَدِّبُ إلَخْ ) وَتَأْدِيبُ عُمَرَ لَا يُوجِبُ الْبَيْتُوتَةَ كَتَأْدِيبِهِ عِنْدَ تَقْدِيمِ الثَّقَلِ مَعَ أَنَّ تَقْدِيمَ الثَّقَلِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ ا هـ كَاكِيٌّ وَالثَّقَلُ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ ، وَهُوَ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَقُمَاشُهُ وَحَشَمُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ) أَيْ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ أَنْ تُقَدِّمَ ثَقَلَك إلَى مَكَّةَ ) لَفْظَةُ مَكَّةَ ثَابِتَةٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَلَيْسَتْ فِي خَطِّ الزَّيْلَعِيِّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ إلَى الْمُحَصَّبِ ) أَيْ رُحْ إلَى الْمُحَصَّبِ وَانْزِلْ بِهِ ، وَهُوَ الْأَبْطَحُ وَيُسَمَّى الْحَصْبَاءَ وَالْبَطْحَاءَ وَالْخَيْفَ ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْجَبَلِ الَّذِي عِنْدَهُ مَقَابِرُ مَكَّةَ وَالْجَبَلُ الَّذِي يُقَابِلُهُ مُصْعِدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا عَنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْ الْمُحَصَّبِ وَالْحَصْبَاءُ الْحَصَى وَالْأَبْطَحُ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصْبَاءِ وَالْخَيْفُ مَا انْحَدَرَ مِنْ غِلَظِ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ ، وَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ دَعَا سَاعَةً نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ وَالنُّزُولُ فِيهِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ بِسُنَّةٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ نُزُولُ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ ، وَإِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَ التَّحْطِيبُ بِسُنَّةٍ ، إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْزِلَ بِالْأَبْطَحِ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلَكِنِّي جِئْت فَضَرَبْت لَهُ فِيهِ قُبَّةً فَنَزَلَ وَكَانَ عَلَى ثَقَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى كُفْرِهِمْ } وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُؤْوُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَالَئُوا عَلَى مُقَاطَعَتِهِمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا فَعُلِمَ أَنَّ نُزُولَهُ كَانَ قَصْدًا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ النُّزُولُ بِهِ سُنَّةٌ فَقِيلَ لَهُ ، إنَّ رَجُلًا يَقُولُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَقَالَ

كَذَبَ أَنَاخَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَيُّ سُنَّةٍ أَقْوَى مِنْ هَذَا فَإِنَّ فِعْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَصْدًا وَفِعْلَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ثَبَتَ فِيهِ وَكَانَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ظَنًّا مِنْهُمَا فَلَا يُعَارِضْ الْمَرْفُوعَ وَالْمُثْبِتُ يُقَدَّمُ أَيْضًا عَلَى النَّافِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَطُفْ لِلصَّدْرِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا يَرْمُلُ فِي هَذَا الطَّوَافِ لِمَا بَيَّنَّا وَيُسَمَّى هَذَا طَوَافَ الصَّدْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْهُ أَيْ يَرْجِعُ وَالصَّدْرُ رُجُوعٌ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ ؛ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ بِهِ الْبَيْتَ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِهِ يُفِيضُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ مِنًى وَطَوَافُ آخِرِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ ؛ لِأَنَّهُ لَا طَوَافَ بَعْدَهُ وَطَوَافُ الْوَاجِبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى مَكَّةَ ) وَقَالَ مَالِكٌ : وَهُوَ سُنَّةٌ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا سَقَطَ عَنْ الْمَكِّيِّ وَعَنْ الْحَائِضِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ { كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْفِرْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ { أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ لَا يَصْدُرُونَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ التَّوْدِيعَ مِنْ شَأْنِ الْمُفَارِقِ وَيَلْحَقُ بِهِمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمِيقَاتِ ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَتِهِمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ

أَهْلِ مَكَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ لَزِمَهُ التَّوْدِيعُ كَنِيَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَائِضُ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ وَالنُّفَسَاءُ بِمَنْزِلَتِهَا فَيَتَنَاوَلُهَا النَّصُّ دَلَالَةً وَلَيْسَ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ الصَّدْرِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا طَوَافُ الْقُدُومِ فَكَذَا طَوَافُ الصَّدْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عَقِيبَ طَوَافِ الصَّدْرِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً

قَوْلُهُ وَالنُّزُولُ فِيهِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا ) وَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ ) أَيْ أَسْهَلَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ ) وَأَبُو رَافِعٍ هَذَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَاهُ لَهُ الْعَبَّاسُ فَلَمَّا بُشِّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِ الْعَبَّاسِ أَعْتَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ أَسْلَمُ وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقِيلَ هُرْمُزُ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ ) الْخَيْفُ خَيْفَانِ خَيْفُ مِنًى وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ ، وَهُوَ الْمُحَصَّبُ وَسُمِّيَ بِالْمُحَصَّبِ لِأَنَّ السَّيْلَ يَحْمِلُ الْحَصْبَاءَ مِنْ مَوْضِعِ الْجَرْيِ فَتَقِفُ فِيهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ حَيْثُ تَقَاسَمَتْ ) أَيْ تَعَاهَدَتْ وَتَحَالَفَتْ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ عَلَى كُفْرِهِمْ ) وَفِي الْفَوَائِدِ قَوْلُهُ عَلَى شِرْكِهِمْ أَيْ مَعَ شِرْكِهِمْ وَعَلَى بِمَعْنَى مَعَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَقُولُ الشِّعْرَ عَلَى صِغَرِ سِنِّهِ أَيْ مَعَ صِغَرٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَكُونُونَ مَعَ الشِّرْكِ لَا مَحَالَةَ يَحْلِفُونَ مِنْ شِرْكِهِمْ لَا ، إنَّهُمْ كَانُوا شُرَكَاءَ وَفِي وَقْتِ الْحَلِفِ كَانُوا مُسْلِمِينَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَطَوَافَ الْإِفَاضَةِ ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ هُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ هُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقَالَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ الْإِفَاضَةُ الزَّحْفُ وَالدَّفْعُ فِي السَّيْرِ بِكَثْرَةٍ وَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَفَرُّقٍ وَجَمْعٍ وَأَصْلُ الْإِفَاضَةِ الصَّبُّ فَاسْتُعِيرَتْ لِلدَّفْعِ فِي السَّيْرِ وَأَصْلُهُ أَفَاضَ نَفْسَهُ أَوْ رَاحِلَتَهُ فَرَفَضُوا ذَكَرَ الْمَفْعُولَ حَتَّى أَشْبَهَ غَيْرَ الْمُتَعَدِّي وَمِنْهُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ يُفِيضُ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ ثُمَّ يَرْجِعُ وَأَفَاضَ الْقَوْمُ فِي الْحَدِيثِ

يُفِيضُونَ إذَا انْدَفَعُوا فِيهِ ا هـ لَكِنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْوَرَقَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَنَّ طَوَافَ الرُّكْنِ يُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَطَافَ الْوَاجِبَ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ) لَهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ وَاجِبٌ ، وَهُوَ قَوْلُنَا وَأَحْمَدُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا سَقَطَ عَنْ الْحَائِضِ ) قُلْت يَبْطُلُ قَوْلُهُ بِالْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الدَّمَ عَلَى تَارِكِهِ وَقَدْ سَقَطَ عَنْ الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ يَبْطُلُ قَوْلُهُ أَيْ قَوْلُ مَالِكٍ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ إلَخْ ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ هُنَا خِلَافًا وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ قُبَيْلَ بَابِ الْجِنَايَاتِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ الصَّدْرِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنُ الْعُمْرَةِ فَكَيْفَ يَصِيرُ مِثْلُ رُكْنِهِ تَبَعًا لَهُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَكَذَا فَائِتُ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُعْتَمِرِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ طَوَافُ الصَّدْرِ ا هـ كَاكِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ اشْرَبْ مِنْ زَمْزَمَ ) وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَبْدَأُ بِالْمُلْتَزَمِ أَوْ بِزَمْزَمَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِزَمْزَمَ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ فَيَسْتَقِيَ بِنَفْسِهِ الْمَاءَ وَيَشْرَبَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَيَتَنَفَّسَ فِيهِ مَرَّاتٍ وَيَرْفَعَ بَصَرَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَيَنْظُرَ إلَى الْبَيْتِ وَيَمْسَحَ بِهِ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَجَسَدَهُ وَيَصُبَّ عَلَيْهِ إنْ تَيَسَّرَ وَذَكَرَ الْمُلَّا فِي سِيرَتِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَزَعَ لِنَفْسِهِ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ } وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ لَمَّا شَرِبَ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَمَّا أَفَاضَ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَهُ } قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ السَّكَنِ وَاَلَّذِي نَزَعَ لَهُ الدَّلْوَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ { لَوْلَا أَنْ يَتَّخِذَهُ النَّاسُ نُسُكًا وَيَغْلِبُوكُمْ عَلَيْهِ لَنَزَعْت مَعَكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي رِوَايَةٍ { لَمَّا نَزَعُوا الدَّلْوَ غَسَلَ مِنْهُ وَجْهَهُ وَتَمَضْمَضَ فِيهِ ثُمَّ أَعَادُوهُ } وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا شَرِبْت مِنْ زَمْزَمَ فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنَفَّسْ وَتَضَلَّعْ مِنْهُ فَإِذَا فَرَغْت فَاحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي مَاءِ زَمْزَمَ ، إنَّهَا مُبَارَكَةٌ ، إنَّهَا طَعَامُ طَعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ } وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِمَطَالِبَ جَلِيلَةٍ فَنَالُوهَا بِبَرَكَتِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ اشْرَبُوا مِنْ شَرَابِ الْأَبْرَارِ وَصَلُّوا فِي مُصَلَّى الْأَخْيَارِ وَقَالَ شَرَابُ

الْأَبْرَارِ مَاءُ زَمْزَمَ وَمُصَلَّى الْأَخْيَارِ تَحْتَ الْمِيزَابِقَوْلُهُ : إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ أَيْ طَعَامٌ يُشْبِعُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ { مَاءُ زَمْزَم لِمَا شُرِبَ لَهُ } ) أَيْ إنْ شَرِبْته لِتُشْفَى شَفَاك اللَّهُ ، وَإِنْ شَرِبْته لِشِبَعِك أَشْبَعَك اللَّهُ ، وَإِنْ شَرِبْته لِقَطْعِ ظَمَئِك قَطَعَهُ اللَّهُ ، وَهِيَ هَزْمَةُ جِبْرِيلَ وَسُقْيَا اللَّهِ إسْمَاعِيلَ ا هـ فَتْحٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْتَزِمْ الْمُلْتَزَمَ وَتَشَبَّثْ بِالْأَسْتَارِ وَالْتَصِقْ بِالْجِدَارِ ) وَالْمُلْتَزَمُ هُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَلْزَقُ صَدْرَهُ بِهِ وَالتَّشَبُّثُ التَّعَلُّقُ وَالْمُرَادُ بِالْأَسْتَارِ أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بَابَ الْبَيْتِ أَوَّلًا وَيُقَبِّلَ الْعَتَبَةَ وَيَدْخُلَ الْبَيْتَ حَافِيًا ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَيْهِ وَيَتَشَبَّثَ بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً يَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ أُمُورِ الدَّارَيْنِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُك الَّذِي جَعَلْته مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمَيْنِ اللَّهُمَّ كَمَا هَدَيْتنِي لَهُ فَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَلَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ بَيْتِك وَارْزُقْنِي الْعَوْدَ إلَيْهِ حَتَّى تَرْضَى عَنِّي بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ ، وَهُوَ يَمْشِي وَرَاءً وَبَصَرُهُ إلَى الْبَيْتِ مُتَبَاكِيًا مُتَحَسِّرًا عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي ذَلِكَ إجْلَالُ الْبَيْتِ وَتَعْظِيمُهُ ، وَهُوَ وَاجِبُ التَّعْظِيمِ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهِ فِي تَعْظِيمِ الْأَكَابِرِ وَالْمُنْكِرُ لِذَلِكَ مُكَابِرٌ وَهَذَا تَمَامُ الْحَجِّ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى وَطَنِهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ نَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ وَتَشَبَّثَ ) التَّشَبُّثُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ التَّعَلُّقُ ا هـ صِحَاحٌ ( قَوْلُهُ وَهَذَا تَمَامُ الْحَجِّ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَعَنْ الْأَعْمَشِ مِنْ إتْمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجِمَالِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ ) ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكُونُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ سُنَّةٌ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ فَيُغْنِيهِ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ كَالصَّلَاةِ الْفَرْضِ تُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعُمْرَةِ طَوَافُ الْقُدُومِ ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يُغْنِي عَنْهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَلَا يَجِبُ الْجَابِرُ بِتَرْكِهَا( فَصْلٌ ) حَاصِلُهُ مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ هِيَ عَوَارِضُ خَارِجَةٌ عَنْ أَصْلِ التَّرْتِيبِ ، وَهِيَ تَتْلُو الصُّوَرَ السَّلِيمَةَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يُغْنِي عَنْهُ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ عَنْهَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ الزَّوَالِ إلَى فَجْرِ النَّحْرِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَلَوْ جَاهِلًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ } وَهَذَا بَيَانُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَالَ { مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ } وَهَذَا بَيَانُ آخِرَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِعَرَفَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُصُولُ فَقَطْ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُشْكِلُ بِالطَّوَافِ ، فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ طَالِبًا غَرِيمًا لَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الطَّوَافِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَتَّى أَجَزْتُمُوهُ مَعَ الْجَهْلِ ؛ لِكَوْنِهِ عَرَفَةَ وَمَعَ عَدَمِ نِيَّةِ الطَّوَافِ قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنُ الْعِبَادَةِ وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بِنَفْسِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي رُكْنِهِ كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا يُنْتَفَلُ بِهِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ النِّيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ الْجِهَةِ كَمَا قُلْنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ نَقُولُ ، إنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ مَا يُفْعَلُ فِي الْإِحْرَامِ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَالْوُقُوفُ يُؤْتَى بِهِ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَالطَّوَافُ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَيَقَعُ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَصْلُ النِّيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ الْجِهَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ بِوُقُوفِ النَّهَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْحَجُّ عَرَفَةَ

فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ } رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمَشْيُ ، وَإِنْ أَسْرَعَ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ وُقُوفٍ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي فَنِّهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ جَاهِلًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ ) أَيْ وَكَذَا مَنْ كَانَ مَجْنُونًا أَوْ سَكْرَانَ أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَخْ ) قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ يُجْزِئُهُ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَعَ عَدَمِ نِيَّةِ الْوُقُوفِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الطَّوَافِ وَالصَّوَابُ الْوُقُوفِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ الْجِهَةِ ) أَيْ حَتَّى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ طَوَافًا وَاجِبًا عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ الْجِهَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ ) وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا الْعُمْرَةِ وَالْأَوَّلُ يَعُمُّهُمَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ ) وَرُكْنُ الْوُقُوفِ وُقُوفُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ عِنْدَهُ ا هـ غَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِإِغْمَائِهِ جَازَ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ عِنْدَ عَجْزِهِ فَأَحْرَمَ عَنْهُ عِنْدَ إغْمَائِهِ جَازَ إجْمَاعًا لَهُمَا أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ نَائِبِهِ وَالدَّلَالَةُ تَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَجَوَازُ الْإِذْنِ بِهِ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ يَعْرِفُ الْعَوَامُّ دَلَالَتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ صَرِيحًا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ فِي بَابِ الْحَجِّ جَائِزَةٌ فِي الْإِحْرَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّغِيرَ يُحْرِمُ عَنْهُ أَبُوهُ وَكَذَا فِي الْأَفْعَالِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا مَرُّوا بِهِ بِعَرَفَاتٍ وَحَطُّوا الْحَصَى فِي كَفِّهِ وَرَمَوْا بِهَا صَحَّ ، وَكَذَا إذَا طَافُوا بِهِ بِأَمْرِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ ثَابِتَةٌ دَلَالَةً ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرِّفْقَةِ وَالِاجْتِمَاعَ لِلسَّفَرِ الَّذِي الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِحْرَامُ وَفِعْلُ الْمَنَاسِكِ اسْتِعَانَةً بِالرِّفْقَةِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَالثَّابِتُ دَلَالَةً كَالثَّابِتِ نَصًّا كَشُرْبِ مَاءِ السِّقَايَةِ وَكَمَنْ أَوْضَعَ لَحْمًا فِي قِدْرٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الْكَانُونِ وَطَبَخَهُ إنْسَانٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ دَلَالَةً ؛ وَلِأَنَّ الْأَرْكَانَ كَالْوُقُوفِ وَالْوَاجِبَاتُ كَرَمْيِ الْجَارِ جَازَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِهِ إذَا عَجَزَ فَلَأَنْ يَجُوزَ الْإِحْرَامُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ ، وَهُوَ شَرْطٌ أَوْلَى وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ رُفَقَاؤُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِإِغْمَائِهِ جَازَ ) أَيْ اسْتِحْسَانًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَجُوزُ ) حَتَّى لَوْ أَفَاقَ فَأَدَّى الْمَنَاسِكَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمْ أَيْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَأَحْرَمَ ) يَعْنِي أَحْرَمُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَعَنْ الرَّفِيقِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ حَتَّى لَوْ قُتِلَ صَيْدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هَذَا ؛ لِأَنَّ الرُّفَقَاءَ إذَا لَبِسُوا الرِّدَاءَ وَتَجَنَّبُوا الْمَحْظُورَاتِ صَارَ هُوَ مُحْرِمًا وَيَتَدَاخَلُ الْإِحْرَامَانِ وَصَارَ إحْرَامُهُمْ عَنْهُ كَإِحْرَامِ الْأَبِ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ ، إنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْإِهْلَالِ عَنْ ابْنِهِ كَعِبَارَةِ ابْنِهِ فَكَذَا عِبَارَةُ الرُّفَقَاءِ كَعِبَارَتِهِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُمْ إفْصَاحًا فَلَا يَلْزَمُهُمْ الْجَزَاءُ بِاعْتِبَارِ إحْرَامِهِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّفِيقِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِ النِّيَابَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا النَّائِبُ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي رُفَقَاءَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ جَازَ إجْمَاعًا ) وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يَجُوزُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَجَوَازُ الْإِذْنِ بِهِ ) أَيْ بِعَقْدِ الرِّفْقَةِ وَقِيلَ بِالْإِحْرَامِ بِسَبَبٍ عِنْدَ الرِّفْقَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ) أَيْ وَلِهَذَا أَنْكَرَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ كَشُرْبِ مَاءِ السِّقَايَةِ ) أَيْ بَلْ هَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا سَافَرُوا إلَّا لَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ جَازَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ : وَالْمَرِيضُ لَوْ وَضَعَ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَمَى عَنْهُ أَوْ رَمَى رَجُلٌ عَنْهُ أَجْزَأَهُ إذْ لَمْ يَقْدِرْ أَمَّا الْأَوَّلُ ؛ فَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ

مِنْ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِعَجْزِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ غَيْرُ رُفَقَائِهِ ) لَفْظَةُ غَيْرُ سَاقِطَةٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ قِيلَ يَجُوزُ ) أَيْ ، وَهُوَ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ لَا الْوِلَايَةِ وَدَلَالَةُ الْإِعَانَةِ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ عُلِمَ قَصْدُهُ رَفِيقًا كَانَ أَوْ لَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ عِنْدَنَا اتِّفَاقًا كَالْوُضُوءِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ شَبَهُ الرُّكْنِ مَعَ ذَلِكَ فَجَازَتْ النِّيَابَةُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِهِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ كَالْوُضُوءِ إلَخْ كَمَنْ أَجْرَى الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُتَوَضِّئًا أَوْ غَطَّى عَوْرَةَ عُرْيَانَ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُحَصِّلًا لِلشَّرْطِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ) قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ وَكَانَ الْجَصَّاصُ يَقُولُ : لَا يَجُوزُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَجُوزُ وَلَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ رُفَقَاؤُهُ بَلْ هُمْ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ ؛ لِأَنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ عَامَّةُ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( غَيْرَ أَنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا ) وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا وَلَا يَذْكُرُ الْوَجْهَ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي الْوَجْهِ ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُهُ فِي الرَّأْسِ فَيَكُونُ فِي ذِكْرِهِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَلَا يُقَالُ ، إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَعْلَمَ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِيهِ وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمَا عُرِفَ ؛ لِأَنَّهُ ، إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَإِنَّمَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا لِمَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّهُ عَوْرَةٌ بِخِلَافِ رَأْسِ الرَّجُلِ وَوَجْهِهَا وَلَوْ سَدَلَتْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِهَا وَجَافَتْهُ عَنْهُ جَازَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْنَا سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا ) بَلْ تُسْمِعُ نَفْسَهَا لَا غَيْرُ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ أَوْ يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَرْمُلُ وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُخِلٌّ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهَا إظْهَارُ الْجَلَدِ ؛ لِأَنَّ بِنْيَتَهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْحِرَابِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَلَكِنْ تُقَصِّرُ ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الْحَلْقُ ، إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ؛ وَلِأَنَّ حَلْقَ رَأْسِهَا مُثْلَةٌ كَحَلْقِ اللِّحْيَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (

وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَبَاحَ السَّرَاوِيلَ وَالْقَمِيصَ لِلنِّسَاءِ الْمُحْرِمَاتِ } فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ ؛ وَلِأَنَّ فِي لُبْسِ غَيْرِ الْمَخِيطِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ وَلَا تَضْطَبِعُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الرَّمَلِ وَلَا تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ إذَا كَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ مُمَاسَّةِ الرِّجَالِ ، وَإِنْ وَجَدَتْهُ خَالِيًا عَنْ الرِّجَالِ اسْتَلَمَتْهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَتَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَالْقُفَّازَيْنِ وَتَتْرُكُ طَوَافَ الصَّدْرِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا دَمٌ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ وَلَا تَحُجُّ إلَّا مَعَ الْمَحْرَمِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُقَصِّرُ مِنْ رَأْسِهَا مَا شَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِالرُّبُعِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي التَّقْدِيرِ بِالرُّبُعِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا وَلَا يَخْلُو بِامْرَأَةٍ وَلَا رَجُلٍ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَوْ يَكُونُ ذَكَرًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ أَوْ نَحْوَهُ فَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَدْ أَحْرَمَ ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ إذَا قَلَّدَ الرَّجُلُ هَدْيَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا سَاقَهُ لِقَوْلِ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كُنْت فَتَلَتْ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا فَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ حِلًّا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ ؛ وَلِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ بَعْدَ التَّقْلِيدِ فِي مَعْنَى التَّلْبِيَةِ إذْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَصَارَ مِنْ خَصَائِصِهِ كَالتَّلْبِيَةِ إذْ الْمَقْصُودُ بِالتَّلْبِيَةِ إظْهَارُ الْإِجَابَةِ لِلدَّعْوَةِ وَبِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ

يَحْصُلُ إظْهَارُ الْإِجَابَةِ أَيْضًا وَإِظْهَارُ الْإِجَابَةِ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ كَالتَّلْبِيَةِ ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِالنِّيَّةِ يَكُونُ مُحْرِمًا كَالتَّلْبِيَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّدَهُ وَلَمْ يَسُقْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِهِ لَلَزِمَ الْحَرَجُ ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَقَلَّدَهَا أَحَدُهُمْ صَارُوا مُحْرِمِينَ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْبَقِيَّةِ وَسَارُوا مَعَهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ بَعَثَ بِهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ } ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ هَدْيٌ يَسُوقُهُ عِنْدَ التَّوَجُّهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَبِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا ، فَإِذَا أَدْرَكَهَا فَقَدْ اُقْتُرِنَتْ نِيَّتُهُ بِعَمَلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا كَمَا لَوْ سَاقَهَا مِنْ الِابْتِدَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ ) فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا حِينَ تَوَجَّهَ إلَيْهَا مَعْنَاهُ إذْ نَوَى الْإِحْرَامَ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا لِمَا بَيَّنَّا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا الْهَدْيَ مَشْرُوعٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ نُسُكًا مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَضْعًا ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَكَّةَ وَيَجِبُ شُكْرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يَجِبُ ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ مَكَّةَ ؛ وَلِأَنَّ لِهَدْيِ الْمُتْعَةِ نَوْعَ اخْتِصَاصٍ بِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ بِسَبَبِهِ ، فَإِنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ ، فَكَذَا فِي ابْتِدَاءِ الشُّرُوعِ يَخْتَصُّ بِأَنْ يَصِيرَ مُحْرِمًا بِنَفْسِ التَّوَجُّهِ وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَدْيُ الْقِرَانِ كَذَلِكَ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الرُّقَيَّاتِ أَنَّ هَدْيَ الْمُتْعَةِ ، إنَّمَا يَصِيرُ

مُحْرِمًا بِهِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ إذَا حَصَلَ التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّهُ إلَيْهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمَّا إذَا حَصَلَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ وَصِفَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يُعَلِّقَ فِي عُنُقِ بَدَنَتِهِ قِطْعَةَ نَعْلٍ وَشِرَاكَ نَعْلٍ أَوْ عُرْوَةَ مَزَادَةٍ أَوْ لِحَاءَ شَجَرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ هَدْيٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ جَلَّلَهَا أَوْ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَ شَاةً لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا ) يَعْنِي ، وَإِنْ سَاقَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ التَّجْلِيلَ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالذِّبَّانِ وَالْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَكُونُ مِنْ النُّسُكِ وَعِنْدَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ حَسَنًا فَقَدْ يُفْعَلُ لِلْمُعَالَجَةِ بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ وَالتَّجْلِيلُ حَسَنٌ ؛ لِأَنَّ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مُقَلَّدَةً مُجَلَّلَةً وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَلِيٍّ { : تَصَدَّقْ بِجَلَالِهَا وَخِطَامِهَا } عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّقْلِيدُ أَحَبُّ مِنْ التَّجْلِيلِ ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ ، وَهُوَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ أَيْضًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْبُدْنُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً } الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ { نَحَرْنَا الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْمُغْرِبِ الْبَدَنَةُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً

وَلَنَا قَوْلُ الْخَلِيلِ ، إنَّ الْبَدَنَةَ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ تُهْدَى إلَى مَكَّةَ قَالَ النَّوَوِيُّ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَدَنَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَدَانَةِ ، وَهِيَ الضَّخَامَةُ وَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهَا وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الْبَدَنَةُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْبَدَنَةُ تَقَعُ عَلَى الْجَمَلِ وَالنَّاقَةُ وَالْبَقَرَةُ ، وَهِيَ بِالْإِبِلِ أَشْبَهَ لِعِظَمِهَا ، وَهِيَ مِنْ بَدَنَ بَدَانَةً مِثْلَ كَرُمَ كَرَامَةً وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ { كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ } فَقِيلَ لَهُ وَالْبَقَرَةُ فَقَالَ وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ ) أَيْ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا فِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً وَالْخَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً هَذِهِ مَذْكُورَةٌ فِيهَا ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ ) لَفْظَةُ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا ) أَيْ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ سَدَلَتْ شَيْئًا ) أَيْ أَرْسَلَتْ مِنْ سَدَلَ الثَّوْبَ أَرْسَلَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَسْدَلَتْ وَفِي الْمُغْرِبِ أَسْدَلَتْ خَطَأٌ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَجَافَتْهُ ) وَجَافِيَهُ بِالْجِيمِ أَيْ بَاعَدَتْ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَنْ وَجْهِهَا ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ ) أَيْ وَلَكِنْ لَا تَلْبَسُ الْمَصْبُوغَ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ غُسِلَ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَزَيُّنٌ ، وَهُوَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُقَصِّرُ مِنْ رَأْسِهَا مَا شَاءَتْ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَسَابِعُهَا لَيْسَ عَلَيْهَا التَّقْصِيرُ فِي الرَّأْسِ قَدْرَ رُبُعِ الرَّأْسِ كَمَا فِي الرَّجُلِ بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تُقَصِّرَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهَا قَدْرَ أُنْمُلَةٍ لِقَوْلِ عُمَرَ الْمَرْأَةُ تَقُصُّ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ جَزَاءُ الصَّيْدِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ قُلْنَا هَذَا فِي حَقِّ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ أَوْ جَزَاءُ صَيْدِ الْحَرَمِ بِأَنْ قَتَلَ الْحَلَالُ نَعَامَةَ الْحَرَمِ وَوَجَبَتْ قِيمَتُهَا جَزَاءً ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ نَحْوَهُ ) يُرِيدُ بِهِ دَمًا وَجَبَ جَبْرًا لِنَقَائِصِ الْحَجِّ كَمَا لَوْ طَافَ جُنُبًا طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَاشْتَرَى بَدَنَةً فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا أَوْ يُرِيدُ بِهِ الْبَدَنَةَ لِلْمُتْعَةِ أَوْ لِلْقِرَانِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ ) أَفَادَ أَنَّهُ

لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّهُ مَعَهَا وَنِيَّةُ النُّسُكِ وَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ قَلَّدَ بَدَنَةً بِغَيْرِ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَلَوْ سَاقَهَا هَدْيًا قَاصِدًا إلَى مَكَّةَ صَارَ مُحْرِمًا بِالسَّوْقِ نَوَى الْإِحْرَامَ أَوْ لَمْ يَنْوِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِظْهَارُ الْإِجَابَةِ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ ) أَيْ كَمَا إذَا قِيلَ لَك يَا فُلَانُ فَأَسْرَعْت إلَى خِدْمَتِهِ حَتَّى مَثُلْت بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَذِهِ إجَابَةُ الْفِعْلِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَسَارُوا مَعَهَا ) أَيْ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَا يَصِيرُونَ مُحْرِمِينَ إلَّا الْمُقَلِّدَ وَحْدَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ مَشْرُوعٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ نُسُكًا ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ وَجَبَ ابْتِدَاءً جَزَاءٌ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَضْعًا ) أَرَادَ بِهِ الْوَضْعَ الشَّرْعِيَّ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ لِحَاءَ شَجَرٍ ) هُوَ بِالْمَدِّ قِشْرُهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالذِّبَّانِ ) الذُّبَابُ جَمْعُهُ فِي الْكَثْرَةِ ذِبَّانٌ مِثْلُ غُرَابٌ وَغِرْبَانٌ وَفِي الْقِلَّةِ أَذِبَّةٌ الْوَاحِدُ ذُبَابَةٌ ا هـ مِصْبَاحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَقَدْ يَكُونُ لِلزِّينَةِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبُدْنُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ) فِي جَامِعِ الْعَتَّابِيِّ إذَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَدَنَةَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَنَا إنْ شَاءَ أَهْدَى الْإِبِلَ ، وَإِنْ شَاءَ أَهْدَى الْبَقَرَةَ ، وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَدْيَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمُ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْجَزُورَ فَهُوَ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً لِكُلٍّ عِنْدَنَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً ) وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَتْحِ ، وَهُوَ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِاسْمٍ خَاصٍّ لَا يَنْفِي الدُّخُولَ فِي اسْمٍ عَامٍّ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ مِنْ

الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ فِي الْأَوَّلِ ، وَهُوَ الْبَدَنَةُ خُصُوصَ بَعْضِ مَا يَصْلُحُ لَهُ ، وَهُوَ الْجَزُورُ لَا كُلَّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ إعْطَاءِ الْبَقَرَةِ لِمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي مَقَامِ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَجْرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمُسَارَعَةِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ خُصُوصُ الْجَزُورِ إلَّا ظَاهِرًا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْإِرَادَةِ الْأَخَصِّ بِخُصُوصِهِ بِالْأَعَمِّ لَكِنْ يَلْزَمُهُ النَّقْلُ وَالْحُكْمُ بِاسْتِعْمَالِ لَفْظٍ فِي خُصُوصِ بَعْضِ مَاصَدَقَاتِهِ مَعَ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ مَا اسْتَقَرَّ لَهُ عَلَى حَالِهِ أَسْهَلُ مِنْ الْحُكْمِ بِنَقْلِهِ عَنْهُ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالٍ مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ مِنْ غَيْرِ كَثْرَةٍ فِيهِ وَعِنْدَ تَعَارُضِ الْحُكْمَيْنِ وَلُزُومِ أَحَدِهِمَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ فِي لِسَانِ أَهْلِ الْعُرْفِ الَّذِي يَدَّعِي نَقْلَهُ إلَيْهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ فَقِيلَ وَالْبَقَرَةُ فَقَالَ وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ا هـ .

( بَابُ الْقِرَانِ ) الْقِرَانُ مَصْدَرٌ مِنْ قَرَنْت إذَا جَمَعْت بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُقَالُ قَرَنْت الْبَعِيرَيْنِ إذَا جَمَعْت بَيْنَهُمَا بِحَبْلٍ وَالْقَارِنُ الْجَامِعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ عَنْهُ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَشْهَبُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَمَتَّعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيُحْلِلْ ثُمَّ يُهِلْ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ وَلَمْ يُحْلِلْ هُوَ مِنْ شَيْءٍ حُرِّمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ } الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ } بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ { تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَلِلشَّافِعِيِّ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ { أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ خَالِصًا لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَطُفْنَا وَسَعَيْنَا ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُحِلَّ وَقَالَ لَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْت ثُمَّ قَامَ سُرَاقَةُ

بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَلْ لِلْأَبَدِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَكَى جَابِرٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ } الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ لَسْنَا نَنْوِي إلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ : إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْرَدَ الْحَجَّ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخَذْت بِرِوَايَةِ جَابِرٍ لِتَقَدُّمٍ صُحْبَتِهِ وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ وَبِرِوَايَةِ عَائِشَةَ لِفَضْلِ حِفْظِهَا وَبِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ لِقُرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادَّعَى أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَاخْتِلَافُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فِي كَرَاهِيَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ دُونَ الْإِفْرَادِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْقِرَانُ رُخْصَةٌ } فَالْعَزِيمَةُ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ زِيَادَةُ التَّلْبِيَةِ وَالسَّفَرُ وَالْحَلْقُ فَكَانَ أَوْلَى وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَإِتْمَامُهُمَا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ كَذَا فَسَّرَتْهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَهُوَ الْقِرَانُ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَعَنْهُ { سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالتَّكْرَارُ لِتَأْكِيدِ أَمْرِ الْقِرَانِ وَعَنْ { مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ شَهِدْت عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَعُثْمَانَ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ

فَقَالَ مَا كُنْت أَدَعُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } لِقَوْلِ أَحَدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ قَالَ { جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ سُرَاقَةُ { قَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْهِرْمَاسُ بْنُ زِيَادٍ الْبَاهِلِيُّ { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ } وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ { أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَيْفَ أَهْلَلْت قُلْت أَهْلَلْت بِإِهْلَالِك فَقَالَ أَنِّي سُقْت الْهَدْيَ وَقَرَنْت } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ قَارِنًا } وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُ سِتَّةَ عَشْرَ صَحَابِيًّا بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ وَهُمْ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعَلِيٌّ وَجَابِرٌ وَعِمْرَانُ وَالْبَرَاءُ وَأَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَسُرَاقَةُ وَأَبُو طَلْحَةَ وَالْهِرْمَاسُ وَعَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةَ فِي سَبِيلِ اللَّه تَعَالَى مَعَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالتَّلْبِيَةُ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ نُسُكٍ ، وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ وَفِيهِ امْتِدَادُ إحْرَامِهِمَا بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ وَالْمُفْرِدِ وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالْحَلْقُ خُرُوجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يَتَرَجَّحُ بِهَا إذْ الْمَقْصُودُ بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْقِرَانُ رُخْصَةٌ } نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ أَوْ بِسُقُوطِ سَفَرِ الْعُمْرَةِ صَارَ رُخْصَةً ؛ وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا فَكَانَ أَوْلَى بَيَانُهُ أَنَّ الْقَارِنَ

يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلَبِّيَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبِأَحَدِهِمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِي اللَّفْظِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُلَبِّي بِهِمَا تَارَةً وَبِأَحَدِهِمَا أُخْرَى فَمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ فَقَطْ قَالَ كَانَ مُفْرِدًا وَمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْعُمْرَةِ قَالَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِهِمَا أَوْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الْحَالِ قَالَ كَانَ قَارِنًا ؛ وَلِأَنَّ مَا يَرْوِيه الشَّافِعِيُّ يُثْبِتُ الْحَجَّ وَمَا يَرْوِيهِ أَحْمَدُ يُثْبِتُ الْعُمْرَةَ فَثَبَتَا وَمَا نَرْوِيهِ نَحْنُ يُثْبِتُ الْجَمِيعَ فَلَا تَنَافِي مَعَ أَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنْ النَّافِي ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ مَا رَوَيْنَا يَنُصُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ قَرَنَتْ وَفِي بَعْضِهَا يَنُصُّ الرَّاوِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَمِعَتْهُ يُلَبِّي بِهِمَا فَكَانَ مُفَسَّرًا بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ؛ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ رَوَى خِلَافَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ فَتَعَيَّنَ تَرْكُ رِوَايَتِهِمْ لِلتَّنَاقُضِ وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَاهَا مُفَصَّلَةً وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ عِنْدَنَا يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ وَعِنْدَهُ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا } وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الصَّبِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ قَالَ { كُنْت رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْت وَأَهْلَلْت بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَالَ

فَسَمِعَنِي زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَنَا أَهِلُّ بِهِمَا فَقَالَا لَهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ فَكَأَنَّمَا حُمِّلَ عَلَيَّ بِكَلِمَتِهِمَا جَبَلٌ فَقَدِمْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرْته فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلَامَهُمَا وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ { ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَقَالَ سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ وَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْت } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ إلَّا أَحَدَهُمَا لَمْ يَكُنْ جَامِعًا ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَبَطَلَ مَا قَالَ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ مُتَنَاقِضٌ ؛ لِأَنَّهُ رَوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ مُفْرِدًا } عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً وَمَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ أَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا جَمْعَ مُتْعَةٍ لَا جَمْعَ قِرَانٍ ؛ لِأَنَّ حُجَّتَهُمْ الْمَضْمُومَةَ إلَى الْعُمْرَةِ كَانَتْ مَكِّيَّةً ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْإِفْرَادِ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ هَلْ هُوَ إفْرَادُ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِحْرَامٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ الثَّالِثُ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ اسْتِدْلَالًا بِمَوَاضِع الِاحْتِجَاجِ فَإِنَّهُ قَالَ مِنْ جِهَةِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ زِيَادَةَ التَّلْبِيَةِ وَالسَّفَرَ وَالْحَلْقَ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِإِحْرَامٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ حَجَّةٌ كُوفِيَّةٌ وَعُمْرَةٌ كُوفِيَّةٌ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ الْقِرَانِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْوَاقِعَ فِيهِ ، إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ أَفْضَلُ أَوْ الْجَمْعُ بَيْنُهُمَا أَفْضَلُ وَأَمَّا كَوْنُ الْقِرَانِ أَفْضَلَ مِنْ الْحَجِّ وَحْدَهُ فَمَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ الْحَجَّ وَزِيَادَةً وَجُعِلَ نَظِيرَ هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ أَمْ بِتَحْرِيمَتَيْنِ أَفْضَلُ وَلَمْ يَنْقُلْ فِيهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا قَالَهُ حَزْرًا وَاسْتِدْلَالًا بِمَوَاضِعِ الِاحْتِجَاجِ وَإِطْلَاقُهُمْ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُرَادُ بِهِ الْإِفْرَادُ بِالْحَجِّ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَكَانَ مُحَمَّدٌ مَعَ الشَّافِعِيِّ أَوْ كُلُّهُمْ كَانُوا مَعَهُ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ قَوْلَهُمَا خِلَافُ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ

( بَابُ الْقِرَانِ ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْإِفْرَادِ بِالْحَجِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِرَانِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُفْرَدِ سَابِقٌ عَلَى وُجُودِ الْمُرَكَّبِ ، وَإِنْ قَدَّمَ الْقِرَانَ عَلَى التَّمَتُّعِ ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْهُ عِنْدَنَا ا هـ ( قَوْلُهُ الْقِرَانُ مَصْدَرٌ ) وَمَصْدَرُ الثَّلَاثِي يَجِيءُ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا فِعَالٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ بَابِ قَتَلَ وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ ضَرَبَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ وَالِاسْمُ الْقِرَانُ مِثْلُ كِتَابٍ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَرَنَ الشَّخْصُ لِلسَّائِلِ إذَا جَمَعَ لَهُ بَعِيرَيْنِ فِي قِرَانٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ الْحَبْلُ وَالْقَرَنُ بِفَتْحَتَيْنِ لُغَةً فِيهِ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ لَا يُقَالُ لِلْحَبْلِ قَرَنٌ حَتَّى يُقْرَنَ فِيهِ بَعِيرَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ هَكَذَا نَقَلَ أَصْحَابُنَا قَوْلَ مَالِكٍ وَلَكِنْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْإِفْرَادُ بِالْحَجِّ أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ مِنْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ مَالِكٌ : وَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ وَلَا ذِكْرَ لِلْقِرَانِ فِيهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا ذِكْرَ لِلْقِرَانِ فِي كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَنَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَقَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ إتْمَامَهُمَا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ لَوْلَا هَدْيِي ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ ا هـ قَوْلُهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ : إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْرَدَ الْحَجَّ } ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَهَلَّ بِالْحَجِّ

وَحْدَهُ } ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَبِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ لِقُرْبِهِ إلَخْ ) لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّارِحُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْقِرَانُ رُخْصَةٌ } ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ إلَخْ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي الْأَدَاءِ مُتَعَذِّرٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةِ مَعَ الصَّلَاةِ ، وَإِنَّمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً فِي الْإِحْرَامِ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأَرْكَانِ عِنْدَنَا بَلْ شَرْطٌ فَلَا يَتِمُّ التَّشْبِيهُ ، وَأَيْضًا عَلِمْت أَنَّ مَوَاضِعَ الْخِلَافِ مَا إذَا أَتَى بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَكِنْ أَفْرَدَ كُلًّا مِنْهُمَا فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ يَكُونُ الْقِرَانُ ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِهِمَا أَفْضَلَ فَمُلَاقَاةُ التَّشْبِيهِ تَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا صَامَ يَوْمًا بِلَا اعْتِكَافٍ ثُمَّ اعْتَكَفَ يَوْمًا آخَرَ بِلَا صَوْمٍ نَفْلًا أَوْ حَرَسَ لَيْلًا بِلَا صَلَاةٍ وَصَلَّى لَيْلَةً بِلَا حِرَاسَةٍ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَفْضَلَ ، وَهَذَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِسَمْعٍ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَثْوَبِيَّةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ ا هـ ( فَرْعٌ ) فَإِنْ قِيلَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا قَرَنَ يَصِيرُ مُخَالِفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَوْ كَانَ الْقِرَانُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِفْرَادِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَفْضَلَ مِمَّا أُمِرَ وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِالْحَجِّ وَآخَرُ بِالْعُمْرَةِ فَقَرَنَ لَا يُجْزِئُهُ ، وَقَدْ أَتَى بِالْأَفْضَلِ قُلْنَا : إنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَرْفِ النَّفَقَةِ إلَى عِبَادَةٍ تَقَعُ لِلْآمِرِ عَلَى الْخُلُوصِ ، وَهِيَ إفْرَادُ الْحَجِّ لَهُ وَقَدْ صَرَفَهَا إلَى عِبَادَةٍ تَقَعُ لِلْآمِرِ وَعِبَادَةٍ تَقَعُ لِنَفْسِهِ فَكَانَ مُخَالِفًا لِأَمْرِهِ فَيَضْمَنُ ، وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ، إنَّمَا لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ

وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِإِخْلَاصِ سَفْرَةٍ لَهُ ، وَإِنْفَاقِ مَالِهِ فِي كُلِّ سَفْرَةٍ وَلَمْ يَفْعَلْ فَيَضْمَنُ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةَ ) يَعْنِي يَحْمِي الْغُزَاةَ وَيُصَلِّي أَيْضًا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ ) تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ ، وَفِيهِ امْتِدَادُ إحْرَامِهِمَا وَقَوْلُهُ وَالْمُفْرِدُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ نُسُكٍ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ فَاعْلَمْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ الْقِرَانُ رُخْصَةٌ ) أَيْ لَوْ صَحَّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ ) وَكَانُوا يُحْرِمُونَ بِالْعُمْرَةِ حِينَ يَنْسَلِخُ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ فَنَفَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ الْقِرَانُ رُخْصَةٌ يَعْنِي أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ جَائِزَةٌ وَلَمْ يُرِدْ بِهَا حَقِيقَةَ الرُّخْصَةِ ، وَهِيَ مَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ بَلْ الْقِرَانُ عَزِيمَةٌ كَالْإِفْرَادِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ هَلْ هُوَ إفْرَادُ الْحَجَّةِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ الْقِرَانِ ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِسَفَرَيْنِ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ سَفَرٍ وَاحِدٍ وَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا مَا لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ نَهْيٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ فِي التَّمَتُّعِ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا كَوْنُ الْقِرَانِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَأَمَّا كَوْنُ الْقَارِنِ ( قَوْلُهُ وَجَعَلَ ) أَيْ فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ إلَخْ ) أَيْ فَلْيَكُنْ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ قَوْلَهُمَا خِلَافُ ذَلِكَ ) أَيْ بَلْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدِي ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي ) أَيْ الْقِرَانَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى آخِرِهِ لِمَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ وَبِهِ يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ وَاشْتِرَاطُ الْإِهْلَالِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمِيقَاتِ جَازَ وَصَارَ قَارِنًا ، وَهُوَ أَفْضَلُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا دَاخِلَ الْمِيقَاتِ أَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ صَارَ قَارِنًا لِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ صَارَ مُتَمَتِّعًا وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهُ صَارَ قَارِنًا لِمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ أَسَاءَ لِتَقْدِيمِهِ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ فِعْلًا فَكَذَا إحْرَامًا وَلِهَذَا يُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ بِالذِّكْرِ إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا وَفِي التَّلْبِيَةِ بَعْدَهُ وَالدُّعَاءُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهَا جَازَ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ ، وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ فِيمَا تَلَوْنَا وَفِي بَعْضِ مَا رَوَيْنَا وَلَوْ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ بَعْدَمَا طَافَ لِلْحَجِّ طَوَافَ الْقُدُومِ يَكُونُ قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَهُوَ قَارِنٌ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ

( قَوْلُهُ ، وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ ) أَيْ يُحْرِمَ ا هـ ع ( قَوْلُهُ وَيَقُولُ ) أَيْ عَقِيبَ الصَّلَاةِ ا هـ ( قَوْلُهُ صَارَ قَارِنًا إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ مِنْ الْعُمْرَةِ بَاقٍ فَصَارَ كَأَنَّ الْكُلَّ بَاقٍ حُكْمًا ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ فِيمَا تَلَوْنَا ) أَيْ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } ا هـ ( قَوْلُهُ يَكُونُ قَارِنًا ، وَيَلْزَمُهُ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ ) وَفِي الْبَدَائِعِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِ جَازَ وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ ) أَيْ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَهُوَ قَارِنٌ ) أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْقَارِنِ مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا بِإِحْرَامٍ مَكِّيٍّ لِلْحَجِّ وَلِذَلِكَ أَثْبَتَ حُكْمَ التَّمَتُّعِ فِي الْقَارِنِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّمَتُّعِ عَلَى الْهَامِشِ وَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ فَهُوَ قَارِنٌ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إلَخْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَيَطُوفُ وَيَسْعَى لَهَا ) أَيْ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِلْعُمْرَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الطَّوَافِ وَيُهَرْوِلُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ فِي السَّعْيِ وَيُصَلِّي بَعْدَ الطَّوَافِ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( ثُمَّ يَحُجُّ كَمَا مَرَّ ) فَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ وَيَفْعَلُ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْحَجِّ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمُفْرِدِ ، وَإِنَّمَا يُقَدِّمُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ } وَكَلِمَةُ إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَيُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ ضَرُورَةً حَتَّى يَكُونَ الِانْتِهَاءُ بِالْحَجِّ وَالْآيَةُ ، وَإِنْ نَزَلَتْ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرَفَّقَ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ فِيهِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْأَوَّلَ لِلْحَجِّ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعُمْرَةِ كَرَمَضَانَ وَكَطَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ إذَا نَوَاهُ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ إلَّا لَهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بَيْنَهُمَا بِالْحَلْقِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ أَمَّا عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ أَوَانَ التَّحَلُّلِ فِيهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَمَّا عَلَى إحْرَامُ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَوَانَ تَحَلُّلِ الْقَارِنِ يَوْمَ النَّحْرِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُنْتَقَى فَقَالَ قَارِنٌ طَافَ لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ حَلَقَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالْحَلْقِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَقَعُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ وَفَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَحَلَقَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِذَلِكَ مِنْ عُمْرَتِهِ بَلْ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَهَذَا أَوْلَى وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِيهِ

يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْحَلْقِ بَعْدَ الذَّبْحِ كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَطُوفُ وَيَسْعَى لَهَا ) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا لَوْ طَافَ لَهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ قَارِنًا كَمَا أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ أَوَّلَ بَابِ التَّمَتُّعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ ) أَيْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ مَعَ الرَّمَلِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَالسَّعْيُ بَعْدَ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ هِيَ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعُمْرَةَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ : الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ ثُمَّ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ إنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْعُمْرَةِ لَكِنَّ الْقَارِنَ لَيْسَ عَلَيْهِ حَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيَسْعَى بَعْدَهُ ) يَعْنِي أَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَارِنٌ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ شَرَعَ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ فِي ابْتِدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْحَجِّ لَا الْعُمْرَةِ وَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَيَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي كُلِّ شَوْطٍ كَمَا فِي الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْآيَةُ ، وَإِنْ نَزَلَتْ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إلَخْ ) أَوْ نَقُولُ قَدْ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَرَنَ الْحَجَّ بِالْعُمْرَةِ } وَقَدْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَدَائِهِ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فَيُقَدِّمُ الْقَارِنُ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ طَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ جَازَ وَأَسَاءَ ) أَيْ لَوْ طَافَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَوَافَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا ثُمَّ سَعَى سَعْيَيْنِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَيْهِ وَأَسَاءَ بِتَأْخِيرِهِ سَعْيَ الْعُمْرَةِ وَتَقْدِيمِ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ النُّسُكِ وَتَأْخِيرَهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُ فَطَوَافُ الْقُدُومِ سُنَّةٌ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الْجَابِرَ فَكَذَا تَقْدِيمُهُ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ أَهْوَنُ مِنْ التَّرْكِ وَالسَّعْيُ تَأْخِيرُهُ بِعَمَلٍ آخَرَ كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا فَكَذَا بِالِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَازَ وَأَسَاءَ ) ، وَإِنَّمَا صَارَ مُسِيئًا ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي حَقِّ الْقَارِنِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ يَطُوفَ وَيَسْعَى لِحَجَّتِهِ فَلَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الطَّوَافَيْنِ وَالسَّعْيَيْنِ تَرَكَ السُّنَّةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَالسَّعْيُ إلَخْ ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِ الْعُمْرَةِ أَشْيَاءُ كَالْأَكْلِ فَجَازَ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا طَوَافُ الْحَجِّ أَيْضًا وَلَا يَبْطُلُ طَوَافُ الْحَجِّ بِتَقْدِيمِهِ عَلَى سَعْيِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْحَجِّ لَيْسَ بِمُرَتَّبٍ عَلَى سَعْيِ الْعُمْرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السَّعْيَ لَا تَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بَلْ طَوَافُ الْحَجِّ مُرَتَّبٌ عَلَى طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَقَدْ حَصَلَ ، وَإِنَّمَا بَطَلَ تَقْدِيمُ السَّعْيِ عَلَى الطَّوَافِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ فَلَمْ يَصِحَّ تَقْدِيمُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ تَأْخِيرُهُ ) أَيْ عَنْ الطَّوَافِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِذَا رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ سُبُعَهَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } وَالْقِرَانُ بِمَعْنَى التَّمَتُّعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَارِنًا وَذَبَحَ الْهَدَايَا } وَقَالَ جَابِرٌ { حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَرَادَ بِالْبَدَنَةِ هُنَا الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَدَنَةِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَيُجْزِئُ سُبُعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ وَاحِدٍ وَالْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ مَا كَانَ أَعْظَمَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ يُعَظِّمُ شَعَائِرَ اللَّهِ ، فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } .( قَوْلُهُ ، وَإِذَا رَمَى ) أَيْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَامَ الْعَاجِزُ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَسَبْعَةً إذَا فَرَغَ وَلَوْ بِمَكَّةَ ) أَيْ صَامَ الْعَاجِزُ عَنْ الْهَدْيِ إلَى آخِرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } الْآيَةَ ، وَهُوَ ، وَإِنْ نَزَلَ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ بِمَعْنَاهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَتَنَاوَلُهُ دَلَالَةً ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ لِأَجْلِ شُكْرِ النِّعْمَةِ حَيْثُ وُفِّقَ لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَالْقَارِنُ يُشَارِكُهُ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقْتُهُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَوَقْتُهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَيَصُومَ يَوْمَ السَّابِعِ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلُ الْهَدْيِ فَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهُ لِاحْتِمَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِمَكَّةَ أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَلَوْ صَامَهَا بِمَكَّةَ يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ فِيهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّيْءِ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِالْإِقَامَةِ هُنَاكَ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يُصَامَ بِمَكَّةَ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الدَّمِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِمَكَّةَ فَكَذَا بَدَلُهُ إلَّا أَنَّ النَّصَّ عَلَّقَهُ بِالرُّجُوعِ تَيْسِيرًا إذْ الصَّوْمُ فِي وَطَنِهِ أَيْسَرُ لَهُ فَإِذَا تَحَمَّلَهُ جَازَ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ بَلْ بِالْفَرَاغِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرُّجُوعِ فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبُ عَلَى السَّبَبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ يَصُمْ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ تَعَيَّنَ الدَّمُ ) أَيْ إنْ لَمْ يَصُمْ

الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ وَلَا السَّبْعَةَ بَعْدَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصُومُ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُؤَقَّتٌ فَيُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَالَ مَالِكٌ يَصُومُهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ } وَهَذَا وَقْتُهُ وَلَنَا النَّهْيُ الْمَعْرُوفُ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَجَازَ تَخْصِيصُ مَا تَلِي بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَلَا يُؤَدِّي بَعْدَهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ أَصْلٌ وَقَدْ نُقِلَ حُكْمُهُ إلَى بَدَلٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ الصَّوْمُ لَيْسَ بِمَثَلٍ لَهُ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَتُرَاعَى فِيهِ تِلْكَ الْأَوْصَافُ فَإِذَا فَاتَتْ فَقَدْ تَعَذَّرَ أَدَاؤُهُ عَلَى الْوَصْفِ الْمَشْرُوعِ فَنُقِلَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ ، وَهُوَ الْهَدْيُ وَلَوْ جَازَ الصَّوْمُ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَكَانَ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ وَالْأَبْدَالُ لَا تُعْرَفُ إلَّا شَرْعًا وَجَوَازُ الدَّمِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ الشَّاةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ تَحَلَّلَ وَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَلَوْ وَجَدَ هَدْيًا بَعْدَمَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَطَلَ صَوْمِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الذَّبْحُ ، وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَمَا تَحَلَّلَ فَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالصَّوْمِ ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَمَا صَلَّى وَلَوْ صَامَ مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ يَنْظُرُ فَإِنْ بَقِيَ الْهَدْيُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّحَلُّلِ لَا وَقْتَ الصَّوْمِ وَشَرْطُ جَوَازِ هَذَا الصَّوْمِ وُجُودُ الْإِحْرَامِ وَأَنْ يَكُونَ

فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُتَمَتِّعًا شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبُهُ فَلَا يَجُوزُقَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَخْ ) وَيَجُوزُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ طَوِيلٌ فِي أَحْكَامِ الرَّازِيّ ا هـ ( قَوْلُهُ فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبَ عَلَى السَّبَبِ إلَخْ ) ، وَإِنَّمَا صِرْنَا إلَى الْمَجَازِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالِاتِّفَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ جَازَ لَهُ صَوْمُ السَّبْعَةِ بِمَكَّةَ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَوْ مَعْنَاهُ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى مَكَّةَ أَوْ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى يَعْنِي إذَا فَرَغْتُمْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ شَرْطٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ ؛ لِأَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْوَصْفِ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَلَا أَثَرَ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِي انْتِفَاءِ الْحُكْمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعْلُولًا بِعِلَلٍ شَتَّى فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ لَا يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ ) وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُتَمَتِّعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ تَحَلَّلَ ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ إلَخْ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ أَحَلَّ بِغَيْرِ هَدْيٍ وَلَا صَوْمٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ لَصَارَ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالتَّوَجُّهِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ وَلِأَنَّ التَّوَجُّهَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُقُوفِ وَمُقَدَّمَاتِهِ فَيَعْتَبِرُ بِحَقِيقَتِهِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِهِ الظُّهْرُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ السَّعْيِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِنَقْضِ الظُّهْرِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُعْطَى لِخَصَائِصِهَا حُكْمُ الْجُمُعَةِ وَالْقَارِنُ مَنْهِيٌّ عَنْ رَفْضِ الْعُمْرَةِ وَمَأْمُورٌ بِالرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ لِيُقِيمَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَلَا يُعْطَى لِمُقَدَّمَاتِهِ حُكْمُ عَيْنِهِ فَافْتَرَقَا ، وَإِنَّمَا يَقْضِي الْعُمْرَةَ لِتَحَقُّقِ الشُّرُوعِ فِيهَا ، وَهُوَ مُلْزَمٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفَّقْ لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَصَارَ كَالْمُحْصَرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِيرُ رَافِضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى الْإِتْيَانَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَلَنَا أَنَّ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ مُعْتَمِرَةً أَوْ قَارِنَةً ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَمَّا حَاضَتْ بِسَرِفٍ وَقَدِمَتْ لَمْ تَطُفْ لِعُمْرَتِهَا حَتَّى مَضَتْ إلَى عَرَفَاتٍ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْفُضَ عُمْرَتَهَا وَتَصْنَعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ }

الْحَدِيثَ .

{ بَابُ التَّمَتُّعِ } التَّمَتُّعُ مِنْ الْمَتَاعِ ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ أَوْ النَّفْعُ ، قَالَ الشَّاعِرُ وَقَفْت عَلَى قَبْرٍ غَرِيبٍ بِقَفْرَةٍ مَتَاعٍ قَلِيلٍ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقِ جَعَلَ الْإِنْسَ بِالْقَبْرِ مَتَاعًا ، وَهَذَا فِي اللُّغَةِ ، وَفِي الشَّرْعِ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِلْعُمْرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِيرُ مَكِّيًّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ النُّسُكِ حَتَّى يَصِيرَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلُ بَيْنَهُمَا ، فَجَعْلُ سَفَرِهِ وَاقِعًا لِلْحَجِّ أَوْلَى لِكَوْنِهِ فَرْضًا مِنْ إيقَاعِهِ لِلْعُمْرَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ وَفِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ ، وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ وَسَفَرُهُ وَاقِعٌ لِلْحَجِّ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْعُمْرَةُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْحَجِّ كَتَخَلُّلِ السُّنَّةِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ إلَيْهَا وَالْمُتَمَتِّعُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُتَمَتِّعٌ يَسُوقُ الْهَدْيَ وَمُتَمَتِّعٌ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَطُوفَ لَهَا وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْهَا ) وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعُمْرَةِ ، وَلَا لِلتَّمَتُّعِ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا جَازَتْ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا وَكَذَا الْحَلْقُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَيْسَ بِحَتْمٍ بَلْ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ تَحَلَّلَ ، وَإِنْ شَاءَ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ

الْهَدْيَ وَإِنْ سَاقَ لَا يَتَحَلَّلُ ، وَقَالَ مَالِكٌ : يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ ، وَلَا تَقْصِيرٍ وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عِمْرَانَةَ قَالَ { تَمَتَّعَ النَّاسُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَتَحَلَّلْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وقَوْله تَعَالَى { مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ لَهَا تَحَرُّمٌ بِالتَّلْبِيَةِ كَانَ لَهَا تَحَلُّلٌ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ كَالْحَجِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الطَّوَافِ ) وَقَالَ مَالِكٌ : يَقْطَعُ إذَا رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ فَتَتِمُّ بِهِ ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ } وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ لَا رُؤْيَةُ الْبَيْتِ وَلَا رُؤْيَةُ مَكَّةَ فَيَكُونُ الْقَطْعُ مَعَ افْتِتَاحِهِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَكِّيِّ وَمِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ جَازَ ، وَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ } وَلِأَنَّ فِيهِ مُسَابَقَةً إلَى خَيْرٍ ، وَزِيَادَةً فِي الْمَشَقَّةِ فَكَانَ أَوْلَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَحُجُّ ) أَيْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا إذَا حَجَّ فِي

تِلْكَ السَّنَةِ ، وَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُفْرِدِ ؛ لِأَنَّهُ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَيَسْعَى بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ يَرْمُلُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَعَى مَرَّةً عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَلَا يَسْعَى أُخْرَى حَتَّى لَوْ لَمْ يَسَعْ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَسَعَى بَعْدَهُ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ طَافَ وَسَعَى بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَذْبَحُ ) لِمَا تَلَوْنَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ عَجَزَ فَقَدْ مَرَّ ) أَيْ إنْ عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ ، وَهُوَ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْقُرْآنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَاعْتَمَرَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الثَّلَاثَةِ ) يَعْنِي لَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَ مَا صَامَ لَمْ يُجْزِهِ هَذَا الصَّوْمُ عَنْ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ هَذَا الصَّوْمِ التَّمَتُّعُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ لَوْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ ) يَعْنِي صَحَّ صَوْمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا صَامَهَا بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ } وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهِ لَا يَكُونُ صَوْمُهُ فِي الْحَجِّ ، وَلَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَقْتُ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ ،

وَهَذَا قَدْ صَامَ فِي وَقْتِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ ، وَهُوَ التَّمَتُّعُ ؛ إذْ هُوَ طَرِيقٌ إلَيْهِ فَيَجُوزُ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ، وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَجِّ وَلَكِنَّا شَرَطْنَا إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لِيَتَحَقَّقَ السَّبَبُ ، وَبَقِيَ فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ هَذَا الصَّوْمِ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمَانِ قَبْلَهُ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْقُرْآنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَرَادَ سَوْقَ الْهَدْيِ أَحْرَمَ وَسَاقَ ) ، وَهُوَ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَحْرَمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَسَاقَ الْهَدْيَ بَعْدَهُ } وَلِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالتَّلْبِيَةِ فَيَأْتِيَ بِهَا قَبْلَ التَّقْلِيدِ وَالسَّوْقِ كَيْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا بِالتَّوَجُّهِ مَعَهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَلَّدَ الْبَدَنَةَ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّجْلِيلِ ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ } وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ يُرَادُ بِهِ التَّقَرُّبُ وَالتَّجْلِيلُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ كَالزِّينَةِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ التَّقْلِيدُ أَوْلَى ، وَسَوْقُهُ أَفْضَلُ مِنْ قَوْدِهِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ فَيَقُودُهَا لِلضَّرُورَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُشْعِرُ ) أَيْ لَا يُشْعِرُ الْبَدَنَةَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : يُشْعِرُ ، وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ أَحَدَ جَانِبَيْ سَنَامِهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ يُلَطِّخَ بِهِ سَنَامَهَا وَالْإِشْعَارُ هُوَ الْإِدْمَاءُ لُغَةً وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصَابَهُ حَجَرٌ فِي سَفَرِ الْحَجِّ فَأَدْمَاهُ فَقَالُوا أَشْعَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَشُقَّ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْأَيْمَنِ كُلُّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ

فَعَلَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يَدْخُلُ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ فَيَطْعَنُهُمَا فَيَقَعُ الطَّعْنُ عَلَى يَسَارِ أَحَدِهِمَا ، وَعَلَى يَمِينِ الْآخَرِ } وَالْيَسَارُ كَانَ مَقْصُودًا فَكَانَ أَشْبَهَ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَهُ وَفَعَلَهُ أَصْحَابُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِعْلَامُ حَتَّى تُرَدَّ إذَا ضَلَّتْ ، وَلَا تُهَاجَ إذَا وَرَدَتْ مَاءً أَوْ كَلَأً ، وَأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا أَحَدٌ ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْإِشْعَارِ أَتَمُّ ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ ، وَالْقِلَادَةُ قَدْ تَقَعُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ سُنَّةً إلَّا أَنَّهُ عَارَضَهُ دَلِيلُ الْكَرَاهَةِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُثْلَةً فَقُلْنَا بِحُسْنِهِ ، وَإِنْ تَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُثْلَةٌ ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ اللَّحْمِ أَوْ الْجِلْدِ ، وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ { مَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا خَطِيبًا إلَّا حَثَّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ } ، وَهِيَ حَرَامٌ فِيمَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ ، وَهُوَ الْمُرْتَدُّ أَوْ الْحَرْبِيُّ فَمَا ظَنُّك بِمَا لَا تَحِلُّ عُقُوبَتُهُ ، وَفِعْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ صِيَانَةً لِلْبُدْنِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا الْكُفَّارُ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتْرُكُونَ الْهَدَايَا ، وَيَأْخُذُونَ خِلَافَهَا ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ زَالَ الْيَوْمَ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَنَظِيرُهُ إعْطَاءُ الصَّدَقَةِ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَقَتْلُ الْكِلَابِ ، وَكَسْرُ الْأَوَانِي فِي الْخَمْرِ قَلْعًا لَهُمْ ثُمَّ لَمَّا اشْتَهَرَ سَقَطَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ : مَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلَ الْإِشْعَارِ ، وَكَيْفَ يَكْرَهُ ذَلِكَ مَعَ مَا اُشْتُهِرَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَإِنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ رَآهُمْ يُبَالِغُونَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ فَرَأَى سَدَّ هَذَا الْبَابِ ،

وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى قَطْعِ الْجِلْدِ دُونَ اللَّحْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَقِيلَ : إنَّمَا كَرِهَ إيثَارَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ كَمَا كَرِهَ إيثَارَ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ

{ بَابُ التَّمَتُّعِ } قَوْلُهُ : وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَالتَّرَفُّقُ مِنْ الرِّفْقِ وَأَرَادَ بِهِ الِانْتِفَاعَ ، وَالْإِلْمَامُ مَصْدَرُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إذَا نَزَلَ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَا يَتِمُّ بِهِ مَعْنَى التَّرَفُّقِ ؛ لِأَنَّ التَّرَفُّقَ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ إذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَالْآخَرُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَذَا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا وُجِدَ النُّسُكَانِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَالْآخَرُ مِنْ السَّنَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلْمَامٌ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا ؛ وَلِهَذَا قَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِهِ ، وَقَالَ : وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى أَهْلِهِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ أَكْثَرَ طَوَافِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذًا لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِأَنْ يُقَالَ : التَّمَتُّعُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا بِإِحْرَامِ مَكِّيٍّ لِلْحَجِّ ؛ وَلِذَلِكَ أَثْبَتَ حُكْمَ التَّمَتُّعِ فِي الْقَارِنِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ مِنْ الْقَارِنِ مِيقَاتِيٌّ ، وَمِنْ الْمُتَمَتِّعِ مَكِّيٌّ ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إذَا جَمَعَ بَيْنَ أَكْثَرِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَإِحْرَامِ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ

صَحِيحٍ وَقَالَ مَالِكٌ : إذَا أَتَى بِالْأَفْعَالِ قَبْلَ الْأَشْهُرِ ، وَبَقِيَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ حَتَّى دَخَلَتْ الْأَشْهُرُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْمُتَمَتِّعُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي الْأَشْهُرِ ، فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ وَأَتَى بِالْأَفْعَالِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ ، وَهَذَا - بِنَاءً عَلَى الْإِحْرَامِ عِنْدَنَا - عَقْدٌ عَلَى الْأَدَاءِ ، وَلَيْسَ مِنْ الْأَدَاءِ ، فَإِذَا وُجِدَ النُّسُكَانِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ مُتَمَتِّعًا وَمَعْنَى قَوْلِنَا : عَقْدُ الْأَدَاءِ أَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ الْمَشْرُوعِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ، وَهُوَ شَرْطٌ لِأَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ كَالطَّهَارَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَكَذَا التَّحْرِيمَةُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَقْدٌ عَلَى الْأَدَاءِ وَالشُّرُوعُ يَتَعَقَّبُهُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْإِحْرَامُ شُرُوعٌ فِي الْأَدَاءِ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ الدُّخُولُ فِي الْحُرْمَةِ وَبِالْإِحْرَامِ يَحْرُمُ قَتْلُ الصَّيْدِ ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَحَلْقُ الرَّأْسِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحُرْمَةِ أَدَاءُ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَفْعَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَافْهَمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ ) هَكَذَا { فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ } ا هـ هِدَايَةٌ وَهُوَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدْ { أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ وَلَا تَقْصِيرٍ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَقَدْ وُجِدَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ {

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَبَسَهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَنْ الْبَيْتِ بِالْحُدَيْبِيَةِ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ } وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا : أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَحَلَّ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ يُلَبِّي كَمَا يُلَبِّي الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ إلَى أَوَّلِ حَصَاةِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْقَارِنُ مِثْلُ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ أَيْضًا فِي قَطْعِ التَّلْبِيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ ) لَفْظَةُ بِالْحَجِّ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ مِنْ الْحَرَمِ ) فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ فَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ فَانْظُرْهُ ا هـ قَالَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ : وَقَوْلُهُ : مِنْ الْمَسْجِدِ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ لِلْأَفْضَلِيَّةِ ، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَجَمِيعُ الْحَرَمِ مِيقَاتٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ جَازَ ، وَهُوَ أَفْضَلُ ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ يَبْدَأُ فِيهِ أَفْعَالَ الْحَجِّ ؛ وَلِهَذَا { لَمَّا افْتَتَحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحْرِمُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُفْرِدِ ) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي الْقُدُومَ بِخِلَافِ الْقَارِنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ كَمَا مَرَّ ا هـ

بِمَعْنَاهُ فِي الْأَكْمَلِ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ فِي الْجَوْهَرَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ : وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ صَارَ هُوَ وَالْمَكِّيُّ سَوَاءً ، وَلَا تَحِيَّةَ لِلْمَكِّيِّ كَذَا هَذَا ا هـ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ يُفِيدُ مَا أَفَادَهُ الْأَكْمَلُ وَالْحَدَّادِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِطَوَافِ الْقُدُومِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُفْرِدُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَحَلَّ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَهَا صَارَ كَالْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَتَعَلَّقَ بِهِ أَفْعَالُ الْمُفْرِدِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَكِّيِّ ، وَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ طَوَافُ الْقُدُومِ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْقَارِنِ فَإِنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ يُسَنُّ فِي حَقِّهِمَا وَالثَّانِي يَجِبُ الْهَدْيُ شُكْرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي حَقِّهِ الْهَدْيُ بَلْ يُسْتَحَبُّ ، وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَالرَّمَلُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ ، فَإِنَّهُمَا يَرْمُلَانِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِمَا فَيَسْعَيَانِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ هَذَا إذَا وُجِدَ السَّعْيُ مِنْهُمَا عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ ، وَأَمَّا إذَا أَخَّرَ السَّعْيَ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَحِينَئِذٍ يَرْمُلَانِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَفِيهِ الرَّمَلُ ، وَكُلُّ طَوَافٍ لَيْسَ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَلَا رَمَلَ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (

قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ طَافَ ) أَيْ تَطَوُّعًا ا هـ جَوْهَرَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي الرَّمَلِ وَالسَّعْيِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : إذَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ا هـ ( قَوْلُهُ لِيَتَحَقَّقَ السَّبَبُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ سَبَبٌ إلَى التَّمَتُّعِ ؛ وَلِهَذَا جَازَ لَهُ سَوْقُ الْهَدْيِ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ فَجَازَ الصَّوْمُ لِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ بَعْدَ السَّبَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَسُوقُ الْهَدْيَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَوْ مَعْنَاهُ سَوْقُ الْهَدْيِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالتَّلْبِيَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِتَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ ، وَسَوْقُهَا بَعْدَهُ لَبَّى أَمْ لَمْ يُلَبِّ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِمَزَادَةٍ ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمَزَادَةُ الرَّاوِيَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ جِلْدَيْنِ تُفْأَمُ بِجِلْدٍ ثَالِثٍ بَيْنَهُمَا لِتَتَّسِعَ ، وَكَذَلِكَ السَّطِيحَةُ ، وَالشُّعَيْبُ وَالْجَمْعُ الْمَزَادُ وَالْمَزَايِدُ ا هـ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ : قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمَزَادَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَدِيثِ ، وَهِيَ الظَّرْفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ كَالرَّاوِيَةِ وَالْقِرْبَةِ وَالسَّطِيحَةِ وَالْجَمْعِ الْمَزَادُ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ ا هـ قَوْلُهُ : وَالْمَزَادَةُ الرَّاوِيَةُ ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ الزَّايِ مَعَ الْيَاءِ مِنْ بَابِ الدَّالِ وَذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ فِي الزَّايِ مَعَ الْوَاوِ فَقَالَ : وَالْمَزَادَةُ شَطْرُ الرَّاوِيَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ ، وَالْقِيَاسُ كَسْرُهَا ؛ لِأَنَّهَا آلَةٌ يُسْتَقَى فِيهَا الْمَاءُ ، وَجَمْعُهَا مَزَايِدُ ، وَرُبَّمَا قِيلَ مَزَادٌ بِغَيْرِهَا ، وَالْمَزَادَةُ مِفْعَلَةٌ مِنْ الزَّادِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَزَوَّدُ فِيهَا الْمَاءَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ الْإِشْعَارُ

مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ ا هـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُصَفَّى ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَهُوَ أَدْنَى مِنْ السُّنَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَأَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهُ مُثْلَةٌ ) أَيْ وَتَعْذِيبُ حَيَوَانٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ اللَّحْمِ أَوْ الْجِلْدِ ) أَيْ وَمَتَى وَقَعَ التَّعَارُضُ فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحْرِمِ قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : يَعْنِي لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ كَوْنِ الْإِشْعَارِ سُنَّةً وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُثْلَةً ، وَهِيَ حَرَامٌ فَالرُّجْحَانُ لِلْحَرَامِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ مَعَ الْمُبِيحِ إذَا اجْتَمَعَا فَالْمُحَرِّمُ أَوْلَى ، وَعِنْدِي إطْلَاقُ اسْمِ الْمُثْلَةِ عَلَى الْإِشْعَارِ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ فِي أَوَّلِ مَقْدَمِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَشْعَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدَايَا فِي آخِرِ حَيَاتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ } فَلَوْ كَانَ الْإِشْعَارُ مِنْ بَابِ الْمُثْلَةِ لَمَا أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَالْكَلَامُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يُقَالَ : إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَرِهَ الْإِشْعَارَ الْمُحْدَثَ الَّذِي يُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ ، وَيُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ إلَى الْمَوْتِ لَا مُطْلَقُ الْإِشْعَارِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَتَحَلَّلُ بَعْدَ عُمْرَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ لِسَوْقِ الْهَدْيِ تَأْثِيرًا فِي إثْبَاتِ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً ، فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي إبْقَائِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ التَّحَلُّلِ قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَحَبُّ ) لِمَا ذَكَرْنَا فِي مُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ وَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي الْحَجِّ كَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَيَتَحَلَّلُ بِهِ عَنْهُمَا ، وَقَوْلُهُ : حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ بَاقٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ كَإِحْرَامِ الْحَجِّ يَنْتَهِي بِالْحَلْقِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ ، وَلَا يَبْقَى إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ خَاصَّةً ، وَهَذَا بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ ، وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ ، وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ

( قَوْلُهُ : لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ إلَخْ ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : إذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ ، أَوْ لَمْ يَسُقْ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ لَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ { حَفْصَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَلْيُحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً ، وَمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ مَعَنَا يَوْمَ النَّحْرِ } ا هـ كَرْمَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يُقَالَ : إحْرَامُ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَلْقِ ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ الْقَارِنَ دَمَانِ إذَا جَنَى قَبْلَ الْحَلْقِ ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَزِمَهُ دَمَانِ ، وَأَجَابَ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَعَلَ الْحَجَّةَ غَايَةَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ ، وَلَا وُجُودَ لِلْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ بَعْدَهَا إلَّا ضَرُورَةٌ ، وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا ، وَإِذَا لَمْ تَبْقَ فِي حَقِّ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ ا هـ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ : فَإِنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ ا هـ وَمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ فَصْلِ جَزَاءِ الصَّيْدِ ، وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ مُطْلَقَةٌ ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ ؛ إذْ قَضَاءُ الْأَعْمَالِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْإِحْرَامِ ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا عَلَى الْأَعْمَالِ ، وَالْفَرْعُ

الْمَنْقُولُ فِي الْجِمَاعِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا بَلْ سَنَذْكُرُ عَنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ فِيمَا بَعْدَ الْحَلْقِ الْبَدَنَةَ ، وَالشَّاةُ أَيْضًا بِالْجِمَاعِ ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ الْبَدَنَةُ فَقَطْ وَيَتَبَيَّنُ الْأَوْلَى مِنْهُمَا ثُمَّ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَيَّدَ لُزُومَ الدَّمِ الْوَاحِدِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ ، وَقَالَ : إنَّ فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ شَاتَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ تُوجِبُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ لَا فَإِنْ أَوْجَبَتْ لَزِمَ شُمُولُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَشُمُولُ الْعَدَمِ ا هـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ وَمَنْ يَلِيهَا ) وَهُمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَهُمْ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ } الْآيَةَ فَيَدْخُلُ تَحْتَهَا كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ وقَوْله تَعَالَى { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } عَائِدٌ عَلَى الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ لِقُرْبِهِ يَعْنِي لَهُمْ أَنْ يَتَمَتَّعُوا وَيَقْرُنُوا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ قُلْنَا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ لَقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْآيَةَ ؛ لِأَنَّ اللَّامَ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَنَا لَا فِيمَا عَلَيْنَا ، وَلَنَا الْخِيَارُ فِي التَّمَتُّعِ إنْ شِئْنَا فَعَلْنَا وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَفْعَلْ ، وَأَمَّا الْهَدْيُ فَوَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنَّا ، وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ : ذَلِكَ عَائِدَةٌ عَلَى التَّمَتُّعِ ، وَاللَّامُ فِيهِ تَدُلُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا لِلْبَعِيدِ ، وَهُوَ أَبْعَدُ وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ التَّرَفُّهُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بَيْنَهُمَا بِأَهْلِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يُلِمَّ بَيْنَهُمَا ، وَلَا يُتَصَوَّرُ السَّفَرُ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ أَصْلًا ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ ، وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَلِأَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ ، وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْقِرَانُ ، وَأَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ مُلْحَقٌ بِهِمْ فَيَكُونُونَ بِمَنْزِلَتِهِمْ ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُلْحَقُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُلْحَقُ بِهِمْ مَنْ حَوْلَهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا غَيْرُ ، وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْمَكِّيَّ قَدِمَ مِنْ الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ صَارَ قَارِنًا ؛ لِأَنَّ نُسُكَيْهِ مِيقَاتَانِ ، وَذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا

يَصِيرُ قَارِنًا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَمَعَ هَذَا لَوْ تَمَتَّعُوا جَازَ وَأَسَاءُوا وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمُ الْجَبْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ ) وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ إلَّا الْإِفْرَادُ عِنْدَنَا ا هـ ع قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَمَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ أَوْ قَرَنَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ ، وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْقَارِنِ أَوْ الْمُتَمَتِّعِ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ ، فَإِنَّ الدَّمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمَا دَمُ نُسُكٍ يَأْكُلَانِ مِنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ مُلْحَقٌ بِهِمْ ) يَعْنِي مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَى الْحَرَمِ تَبَعٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ كَانَتْ أَوْطَانُهُمْ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ كَأَهْلِ مَكَّةَ وَكَانُوا بِمَنْزِلَتِهِمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُلْحَقُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ : وَقَالَ مَالِكٌ : مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَى الْحَرَمِ لَهُمْ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْمَكِّيَّ قَدِمَ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ قَرَنَ وَدَخَلَ مَكَّةَ صَحَّ قِرَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَلَحِقَ بِالْكُوفَةِ صَارَ آفَاقِيًّا فَيَصِحُّ قِرَانُهُ ، وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ انْعَقَدَ صَحِيحًا ، وَحَصَلَ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ فَالْإِلْمَامُ بَعْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي إبْطَالِهِ كَالْكُوفِيِّ إذَا قَرَنَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْكُوفَةِ لَمْ يَبْطُلْ كَذَا هُنَا أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بَعْدَ مَا خَرَجَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ ، وَسَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ بِخِلَافِ الْكُوفِيِّ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ ثُمَّ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ

يَبْطُلْ تَمَتُّعُهُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ لِأَجْلِ السَّوْقِ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ فَإِنَّهُ فِي عَيْنِ مَكَّةَ عِنْدَ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ فَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْعَوْدُ فَاسْتَوَى الْحَالُ فِي حَقِّهِ فَتَسْقُطُ الْمُتْعَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ قِرَانُ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ أَوْ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ ، وَجَاوَزَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَمَّا إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ ، وَهُوَ بِمَكَّةَ ، أَوْ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ قَرَنَ لَمْ يَصِحَّ قِرَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ فِي أَهْلِهِ أَوْ بِمَكَّةَ فَقَدْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَصِحُّ مِنْهُ قِرَانٌ ، وَلَا تَمَتُّعٌ عَلَى مَا أَصَّلْنَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَبِالْخُرُوجِ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ نُسُكَيْهِ مِيقَاتَانِ ) فَصَارَ كَالْكُوفِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَتَّعَ بَعْدَ مَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ مَكِّيٌّ وَلَا تَمَتُّعَ لِلْمَكِّيِّ فَعَنْ هَذَا اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا ، وَبِهِ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ التَّرَفُّقُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ فَإِذَا أَنْشَأَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفَرًا بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى ، أَوْ نَقُولُ : إنَّهُ لَمَّا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا صَارَ الْعَوْدُ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْإِلْمَامَ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ التَّمَتُّعَ حَتَّى أَجَازَهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ سَاقَ لَا ) أَيْ وَإِنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ بِإِلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَأَدَّاهُمَا بِسَفْرَتَيْنِ فَصَارَ كَمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَعَثَ هَدْيَهُ لِيُنْحَرَ عَنْهُ وَلَمْ يَحُجَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَالْهَدْيُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَدِمَ مِنْ الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ هَدْيًا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِإِلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ ، وَلَهُمَا أَنَّ إلْمَامَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يَنْحَرْ عَنْهُ الْهَدْيَ فَكَانَ الْعَوْدُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ كَالْقَارِنِ إذَا أَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ كَانَ قَارِنًا ؛ لِأَنَّ إلْمَامَهُ مُحْرِمًا غَيْرُ صَحِيحٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ أَوْ سَاقَ ، وَهُوَ مَكِّيٌّ ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ ، وَفِي الْإِيضَاحِ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ

ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ إمَّا وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا فَجَعَلَ الْحَرْفَ عَدَمَ التَّحَلُّلِ لَا سَوْقَ الْهَدْيِ

( قَوْلُهُ كَذَا رُوِيَ ) أَيْ عَنْ عَمْرٍو ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ) أَيْ وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ نَظِيرَ أَهْلِ مَكَّةَ ) أَيْ حَيْثُ لَا يَصِحُّ تَمَتُّعُهُمْ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ سَاقَ لَا ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ آفَاقِيٌّ سَاقَ لِلْمُتْعَةِ هَدْيًا وَاعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ اعْتَمَرَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ حَتَّى أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ فِي عَامِهِ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِوُجُودِ سَفَرَيْنِ وَعِنْدَهُمَا مُتَمَتِّعٌ حَيْثُ أَدَّاهُمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ إحْرَامِهِ بِالسَّوْقِ أَوْ تَرْكِ الْحَلْقِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ لِمَا عُرِفَ ، وَإِنَّمَا وُضِعَ هَكَذَا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا ، وَهُوَ النُّزُولُ فِي وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ صِفَةِ الْإِحْرَامِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْإِلْمَامَ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إذَا كَانَ صَحِيحًا يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا إذَا كَانَ فَاسِدًا كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُبْطِلُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى نِيَّةِ التَّمَتُّعِ فَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ كَالْقَارِنِ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ ا هـ قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ بَعَثَ هَدْيَهُ ) يَعْنِي لَوْ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَتَمَتَّعَ فَبَعَثَ هَدْيَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ ) وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْحَقَائِقِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ طَافَ أَقَلَّ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا فِيهَا وَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَبِعَكْسِهِ لَا ) أَيْ لَوْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَطَافَ الْأَرْبَعَةَ فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا وَبِعَكْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ، وَهُوَ مَا إذَا طَافَ الْأَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِيهَا فَيَصِيرُ مُتَمَتِّعًا وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ قَبْلَهَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِيهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا إلَّا بَعْضُهَا وَكَذَا حُكْمًا ؛ لِأَنَّهَا فَرَغَتْ تَقْدِيرًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا صَارَتْ بِحَالٍ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسَادَ بِالْجِمَاعِ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْتَبِرُ الْخَتْمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ الْإِحْرَامَ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْأَرْكَانِ عِنْدَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ ) كَذَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّهَا عَشْرُ لَيَالٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَوْ كَانَ وَقْتُهُ بَاقِيًا لَمَا فَاتَ قُلْنَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ } فَكَيْفَ يَكُونُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَلَا يَكُونُ مِنْ شَهْرِهِ وَلِأَنَّ وَقْتَ الرُّكْنِ ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَيْفَ يَدْخُلُ وَقْتُ رُكْنِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا خَرَجَ وَقْتُ الْحَجِّ وَفَوَاتُ الْوُقُوفِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِكَوْنِهِ مُؤَقَّتًا بِالنَّصِّ ، فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، وَمَا قَبْلَهُ مِنْ أَشْهُرِ

الْحَجِّ ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْوُقُوفُ لِمَا قُلْنَا ، وَقَالَ مَالِكٌ : ذُو الْحِجَّةِ كُلُّهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ قُلْنَا يَجُوزُ إطْلَاقُ لَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } فَالْأَخَوَانِ يَحْجُبَانِهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُنَزَّلَ الْبَعْضُ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ يُقَالُ رَأَيْت زَيْدًا سَنَةَ كَذَا وَإِنَّمَا رَآهُ فِي سَاعَةٍ مِنْهَا ، وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا حَتَّى إذَا صَامَ الْمُتَمَتِّعُ أَوْ الْقَارِنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ وَكَذَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ

( قَوْلُهُ : لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ ) أَيْ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ ؛ وَلِهَذَا لَا تُقَامُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ مِنْ الظُّهْرِ مُقَامَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ نَاطِقٌ بِأَنَّ فَرْضَ الْمُقِيمِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ قَبْلَهَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِيهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ الْغَلَبَةَ وَالْكَثْرَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ فَرَائِضَ الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ ، وَقَدْ أُقِيمَ الْأَكْثَرُ مُقَامَ الْكُلِّ ثَمَّةَ ؛ وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَوْ جَامَعَ قَبْلَهُ يَفْسُدُ وَلِهَذَا لَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ بَعْدَ مَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَيْضًا فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا : إنَّ وُجُودَ أَكْثَرِ الطَّوَافِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ صَارَ كَوُجُودِ كُلِّ الْأَطْوِفَةِ قَبْلَهَا فَلَوْ وُجِدَتْ الْأَطْوِفَةُ كُلُّهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَتَحَلَّلَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَكَذَا هُنَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ بِالْجِمَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ إنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْأَرْكَانِ عِنْدَهُ ) وَعِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إلَخْ ) وَإِنَّمَا فَصَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُفْهَمُ فِي عُرْفِهِمْ مِنْ إطْلَاقِ الْعَبَادِلَةِ إلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ هَذَا مَا عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ ، وَمَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فَأَمَّا الْعَبَادِلَةُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَلَيْسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْعَبَادِلَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ

الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ ثُمَّ الْعَبَادِلَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا جَمْعَ عَبْدَلٍ لُغَةٌ فِي عَبْدٍ قِيَاسًا ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي عَبْدٍ عَبْدَلٌ ، وَفِي زَيْدٍ زَيْدَلٌ ، وَأَنْ يَكُونَ جَمْعَ عَبْدٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَالنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ ذُو الْحِجَّةِ كُلُّهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ ) أَيْ وَفَائِدَتُهُ تَأْخِيرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِلَا وُجُوبِ دَمٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ فِي بَابٍ مَالِكٌ أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَهُ إلَى تَمَامِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَيَظْهَرُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَشْهُرَ الْحَجِّ ، وَالثَّانِي : إذَا اشْتَغَلَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ يَكُونُ مَكْرُوهًا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا لِلْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ وَعِنْدَنَا لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا ؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ قَدْ فَاتَتْ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَهَا وَكُرِهَ ) أَيْ جَازَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ : لَا يَجُوزُ وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً كَمَا لَوْ أَحْرَمَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا وَكَمَا لَوْ صَامَ الْقَضَاءَ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ يَكُونُ نَفْلًا وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ عِنْدَهُ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسْتَدَامُ إلَى أَنْ يَحْلِقَ وَيَنْتَقِلَ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ ، وَلَا يَنْتَقِلَ عَنْهُ وَيُجَامِعَ كُلَّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ مِثْلَ الطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ ؛ وَلِهَذَا يَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَأَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ فِي أَوَّلِ أَشْهُرِ الْحَجِّ يَجُوزُ ، وَأَدَاءُ الْأَفْعَالِ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ ، وَهَذَا آيَةُ الشَّرْطِيَّةِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِيهَا مُتَّصِلٌ بِالتَّحْرِيمَةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ كَيْ لَا يَقَعَ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ ، وَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَمُنْفَصِلٌ عَنْ الْإِحْرَامِ فَلَا مَانِعَ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رُكْنًا لَكَانَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَمَكَانٌ مَعْلُومٌ كَسَائِرِ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ شَرْطًا لَمَا كُرِهَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، قُلْنَا : كَرَاهِيَتُهُ كَيْ لَا يَقَعَ فِي الْمَحْظُورَاتِ بِطُولِ الزَّمَانِ ، أَوْ نَقُولُ : لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ ؛ وَلِهَذَا إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا كَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ وَالشَّرْطُ يُوَفِّرُ حَظَّهُمَا فِيهِ ، وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْتَزَمَهُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ وَلِأَنَّهُ جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى

وَقْتِهِ فِي الْمَكَانِ ، فَكَذَا فِي الزَّمَانِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ أَلْزَمُ فِيمَا كَانَ مُتَعَيِّنًا بِهِ مِنْ الزَّمَانِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ مِنْ الزَّمَانِ ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ تَحْرِيمُ أَشْيَاءَ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ ، وَإِيجَابُ أَشْيَاءَ كَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَصِحُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَالنَّذْرِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } مِنْ حَيْثُ إنَّ جَمِيعَهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فَكَذَا لِلْحَجِّ ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ، وَقَوْلُهُ : يَنْعَقِدُ عُمْرَةً مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِ : لِأَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ بِتَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ فَرْضٌ آخَرُ ، وَهَذَا خُلْفٌقَوْلُهُ : أَوْ نَقُولُ لَهُ شُبِّهَ بِالرُّكْنِ ) أَيْ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اعْتَمَرَ كُوفِيٌّ فِيهَا ) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ( وَأَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْبَصْرَةِ وَحَجَّ صَحَّ تَمَتُّعُهُ ) أَيْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ صَارَ مُتَمَتِّعًا أَمَّا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ فَلِأَنَّهُ أَدَّى نُسُكَيْنِ وَتَرَفَّقَ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُتْعَةِ ، وَأَمَّا إذَا أَقَامَ بِالْبَصْرَةِ فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ تَكُونُ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً ، وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً ، وَنُسُكَاهُ هَذَانِ مِيقَاتَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ قَوْمًا سَأَلُوهُ فَقَالُوا : اعْتَمَرْنَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ زُرْنَا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَجَجْنَا فَقَالَ : أَنْتُمْ مُتَمَتِّعُونَ وَلِأَنَّ السَّفَرَ الْأَوَّلَ قَائِمٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ فِيهِ نُسُكَانِ ، وَإِقَامَتُهُ بِبَصْرَةَ كَإِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ لَا مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ التَّمَتُّعِ بِالْإِقَامَةِ الْعَارِضَةِ فِيهَا ، وَلَا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمِيقَاتِ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَطَنِهِ ، وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ ، وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُمَا لَا يُخَالِفَانِهِ فِيهِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَالثَّانِي : أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فِيهِمَا وَالثَّالِثُ : أَنْ يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ فَلَا يَكُونَ مُتَمَتِّعًا وَالرَّابِعُ : أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَى قَوْلِهِمَا بَيْنَ الطَّحَاوِيِّ وَالْجَصَّاصِ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي

بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ مَا إذَا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى مِنْ خَارِجِ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ تَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى مَا يَجِيءُ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَفْسَدَهَا فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَقَضَى وَحَجَّ لَا إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ ) يَعْنِي لَوْ أَفْسَدَ الْكُوفِيُّ عُمْرَتَهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ انْتَهَى بِالْفَاسِدِ ، وَصَارَتْ عُمْرَتُهُ الصَّحِيحَةُ مَكِّيَّةً ، وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ يَعْنِي يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ مَا مَضَى فِي الْفَاسِدِ ، وَبَعْدَ مَا حَلَّ مِنْهُ ثُمَّ قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ مِيقَاتِيَّةٌ ، وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةٌ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا ضَرُورَةً ، وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ فَقَضَاهَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ سَفَرًا ، وَقَدْ تَرَفَّقَ فِيهِ بِنُسُكَيْنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ فَقَدْ أُلْحِقَ بِهِمْ فَصَارَ كَأَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَلَيْسَ لَهُمْ تَمَتُّعٌ فَكَذَا هُوَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى السَّفَرِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَطَنِهِ وَقَدْ انْتَهَى بِالْفَاسِدِ وَلَمْ يُنْشِئْ سَفَرًا آخَرَ غَيْرَهُ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُ الْخُرُوجَ مِنْ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ كَالْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا كَالرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ خَارِجَ الْمِيقَاتِ لَهُ حُكْمُ الْوَطَنِ ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ قَضَى

الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَيَّهُمَا أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ ) يَعْنِي الْكُوفِيَّ إذَا قَدِمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَأَيَّهُمَا أَفْسَدَهُ مَضَى فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَفَّقْ بِأَدَاءِ نُسُكَيْنِ صَحِيحَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَمَتَّعَ وَضَحَّى لَمْ يُجْزِئْ عَنْ الْمُتْعَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ غَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ ، وَلَوْ تَحَلَّلَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ ، وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الذَّبْحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْقِرَانِ ، وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَوْرَدَهَا فِي الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ عَلَيْهِنَّ أَغْلَبُ ، أَوْ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ امْرَأَةٍ فَنَقَلَهَا أَبُو يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ كَمَا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلَهَا كَمَا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي يُوسُفَ

( قَوْلُهُ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فِيهِمَا ) وَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَمْ يَتَّخِذْ مَكَانًا دَارًا بِأَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالرَّابِعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ ) أَيْ بَلْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ فِي مَكَان خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ا هـ مَبْسُوطٌ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَنَاسِكِهِ : وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ الْمَسْنُونِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَيَفْعَلَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْعُمْرَةِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ ، وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ الَّذِي يُبْطِلُ التَّمَتُّعَ عِنْدَنَا أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ مَا أَدَّى الْعُمْرَةَ ثُمَّ يَعُودَ وَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَزَادَ شَيْئًا آخَرَ فَقَالَ : لَوْ فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَحَلَّ مِنْهَا ثُمَّ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ أَوْ خَرَجَ مِنْ مِيقَاتِ نَفْسِهِ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ نَفْسِهِ مُلْحَقٌ بِأَهْلٍ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ كَمَا فِي السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ ا هـ وَكَالْقَارِنِ إذَا تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَبْطُلُ حُكْمُهُ وَلَوْ فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ، وَحَلَّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى غَيْرِ مِيقَاتِهِ وَلَحِقَ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ اتَّخَذَ دَارًا أَوْ لَمْ يَتَّخِذْ تَوَطَّنَ أَوْ لَمْ يَتَوَطَّنْ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ هُنَاكَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ

مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِانْعِدَامِ الْإِلْحَاقِ بِالْأَهْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَالَا وَالشَّافِعِيُّ : لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْآفَاقِيِّ فَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَقِيلَ : قَوْلُهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ الرَّازِيّ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَلَوْ دَخَلَ الْكُوفِيُّ بِعُمْرَةٍ فَأَدَّاهَا وَتَحَلَّلَ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ أَنَّ مِيقَاتَهُ مِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ مِيقَاتِ نَفْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ يَرْجِعَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ ، وَقَالَا : إذَا خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ صَارَ مُتَمَتِّعًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ، وَدَخَلَ مُحْرِمًا فَتَمَتَّعَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِمَا مَرَّ ، وَإِذَا كَانَ الْكُوفِيُّ فِي أَهْلٍ بِالْكُوفَةِ وَأَهْلٍ بِمَكَّةَ يُقِيمُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ سَنَةً وَهَؤُلَاءِ سَنَةً فَاعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بِالْكُوفَةِ أَهْلٌ وَبِالْبَصْرَةِ أَهْلٌ ، وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِالْبَصْرَةِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا ؛ لِأَنَّهُ مُلِمٌّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ نُسُكَيْنِ ا هـ قَوْلُهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ قَضَاهَا ) أَيْ بَعْدَ مَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَذَا إلَخْ ) هَذَا الْقَيْدُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ هُنَا ؛

لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَفْسَدَهَا ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَكَان غَيْرِ بَلَدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِالْأَفْعَالِ ) أَيْ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَأَفْسَدَهُ أَوْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَأَفْسَدَهَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَيْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَسْطُورَةٌ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ ، وَفِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ مَنْ فَسَدَ حَجُّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ ، وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يُفْسِدْهُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَعُلِمَ أَنَّ فَاسِدَ الْحَجِّ يَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كَمَا يَتَحَلَّلُ فَائِتُ الْحَجِّ بِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ وَاجِبٌ ، وَالْأُضْحِيَّةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى الْحَاجِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ غَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ جَاهِلًا ، وَنَوَى عَنْ الْأُضْحِيَّةِ وَلَوْ كَانَ مُتَمَتِّعًا ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ فَإِنَّ تِلْكَ الشَّاةَ لَا تَجُوزُ عَنْ الْمُتْعَةِ كَمَا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُجِزْهَا عَنْ الْمُتْعَةِ يَجِبُ عَلَيْهَا دَمَانِ سِوَى مَا ذَبَحَتْ دَمُ الْمُتْعَةِ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا ، وَدَمٌ آخَرُ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ قَبْلَ الذَّبْحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَتَتْ بِغَيْرِ الطَّوَافِ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ بِسَرِفٍ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ دُخُولِهِ ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ الْوُقُوفَيْنِ ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالسَّعْيِ فِي الْمَفَازَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَغْتَسِلُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَوْ عِنْدَ الصَّدْرِ تَرَكْته كَمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ ) أَيْ لَوْ فَعَلْت جَمِيعَ أَفْعَالِ الْحَجِّ غَيْرَ طَوَافِ الصَّدْرِ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ تَرَكْت طَوَافَ الصَّدْرِ كَمَا يَتْرُكُهُ مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ { إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَتْ { عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ حَاضَتْ بَعْدَ مَا طَافَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَقَالَ فَلْتَنْفِرْ إذًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ يَلْزَمُهَا طَوَافُ الصَّدْرِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِهِ فِي وَقْتِهِ ، وَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ ثُمَّ طَهُرَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ ، وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا فَلَمْ تَغْتَسِلْ ، وَلَمْ يَذْهَبْ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا أَحْكَامُ الطَّهَارَاتِ فِي وَقْتِ الطَّوَافِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ تَلْزَمْهَا الصَّلَاةُ ، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ فَعَلَيْهَا الطَّوَافُ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ يَسْقُطُ بِالْإِجْمَاعِ

؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُجُوبِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِعَزِيمَتِهِ كَمَنْ أَصْبَحَ مُقِيمًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالسَّفَرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : سَقَطَ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْحَيْضِ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَمَا سَقَطَ كَالصَّلَاةِ بَعْدَ مَا خَرَجَ وَقْتُهَا لَا تَسْقُطُ بِالْحَيْضِ وَقَبْلَ الْخُرُوجِ تَسْقُطُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ( قَوْلُهُ النَّفْرُ ) النَّفْرُ بِسُكُونِ الْفَاءِ الرُّجُوعُ وَالنَّفْرُ الْأَوَّلُ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، وَالنَّفْرُ الثَّانِي فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بَابُ الْجِنَايَاتِ وَهُوَ اسْمُ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَكُونُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ ، وَأَصْلُهُ مَنْ جَنَى الثَّمَرَ إذَا أَخَذَهُ مِنْ الشَّجَرِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الشَّرِّ فَبَقِيَ كَذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تَجِبُ شَاةٌ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ عُضْوًا ) وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّأْسِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَلُ تَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ ، وَذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمُوجِبِ ، وَإِنْ أَكَلَ طِيبًا كَثِيرًا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : تَجِبُ الصَّدَقَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ ، وَلَهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ كَثِيرًا يَلْتَزِقُ بِأَكْثَرِ فَمِهِ ، أَوْ كُلِّهِ ، وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا تَصَدَّقَ ) أَيْ وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ ، وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا طَيَّبَ رُبْعَ الْعُضْوِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ حَلْقَ بَعْضِ الرَّأْسِ مُعْتَادٌ فَيَتَكَامَلُ الِارْتِفَاقُ ، وَتَطْيِيبُ بَعْضِ الْعُضْوِ غَيْرُ مُعْتَادٍ فَلَا يَتَكَامَلُ ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ الْكَثْرَةَ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الطِّيبِ لَا فِي الْعُضْوِ ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا مِثْلَ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ وَبِقَدْرِ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ مِنْ الْمِسْكِ يَكُونُ كَثِيرًا ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ ، وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ النَّاسُ ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا ، وَكَفٌّ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ يَكُونُ قَلِيلًا وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ فَيُقَالُ : إنْ كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلِلطِّيبِ ، وَلَهُ تَشْهَدُ الْمَسَائِلُ كَأَكْلِ الطِّيبِ عَلَى مَا مَرَّ وَكَمَا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ مَنْ مَسَّ طِيبًا بِأُصْبُعِهِ

فَأَصَابَهَا كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ طَيَّبَ شَارِبَهُ كُلَّهُ أَوْ بِقَدْرِهِ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَالُوا إذَا اكْتَحَلَ بِالْكُحْلِ الْمُطَيِّبِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ، وَمِثْلُهُ الْأَنْفُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا كَثِيرَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ لَوْ طَيَّبَ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ ، وَلَوْ كَانَ الطِّيبُ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ يُجْمَعُ ذَلِكَ كُلُّهُ فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ ، وَلَوْ شَمَّ طِيبًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا مُجَمَّرًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَإِنْ أَجْمَرَ ثَوْبَهُ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ تُجْزِيهِ الشَّاةُ إلَّا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ صَدَقَةٌ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ جَرَادَةٍ أَوْ قَمْلٍ أَوْ بِإِزَالَةِ شَعَرَاتٍ قَلِيلَةٍ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ عُضْوٍ آخَرَ مِنْ أَعْضَائِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : تَجِبُ شَاةٌ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ عُضْوًا لَا عَلَى مَا يَلِيهِ ؛ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ طِيبٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْحِنَّاءُ طِيبٌ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ : لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِذَا كَانَ طِيبًا وَقَدْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَهَذَا إذَا كَانَ مَائِعًا وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّدًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلتَّطْيِيبِ وَدَمٌ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْحِنَّاءِ ، وَأَفْرَدَ الرَّأْسَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَدَلَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ مَضْمُونٌ بِالدَّمِ ، وَالْوَاوُ فِي : وَلِحْيَتُهُ فِي

الْأَصْلِ بِمَعْنَى أَوْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسْمَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطِيبٍ ، وَإِنَّمَا تُغَيِّرُ لَوْنَ الشَّعْرِ ، فِيهَا زِينَةٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ صَدَقَةً رَوَاهَا الْحَسَنُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ أَوْ يُلَيِّنُ الشَّعْرَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِهَا لِلْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ دَمٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ ، وَهَذَا صَحِيحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّمِ بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ ) يَعْنِي يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الشَّعْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الشَّعَثَ ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِهِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ ارْتِفَاقٍ بِمَعْنَى قَتْلِ الْهَوَامِّ وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ فَكَانَتْ جِنَايَةً قَاصِرَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ ، فَإِنَّ الرَّوَائِحَ تُلْقَى فِيهِ فَتَصِيرُ تَامَّةً فَيَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ أَصْلِ الطِّيبِ مَا يَجِبُ بِالطِّيبِ كَالْبَيْضِ لَمَّا كَانَ أَصْلَ الصَّيْدِ يَجِبُ بِكَسْرِهِ قِيمَتُهُ كَمَا يَجِبُ بِالصَّيْدِ فَإِذَا كَانَ أَصْلًا لَهُ فَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَلِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ ، وَيُزِيلُ الشَّعَثَ وَالتَّفَثَ ، وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَتَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَكَوْنُهُ مَأْكُولًا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الدَّمِ كَالزَّعْفَرَانِ ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْحَلِّ الْبَحْتِ أَيْ الْخَالِصِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ طِيبٌ أَمَّا الْمُطَيِّبُ بِالْبَنَفْسَجِ وَالزَّنْبَقِ وَالْبَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ أَمَّا لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ

رِجْلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ ، أَوْ هُوَ طِيبُ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِاسْتِعْمَالِهِ حَتَّى لَوْ أَكَلَ زَعْفَرَانًا مَخْلُوطًا بِطَعَامٍ أَوْ طِيبٍ آخَرَ وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ يَلْزَمُهُ دَمٌ ، وَإِنْ مَسَّتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا ، وَعَلَى هَذَا التَّفَاصِيلُ فِي الْمَشْرُوبِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ ادَّهَنَ بِالشَّحْمِ أَوْ السَّمْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ إلَى التَّجْرِيدِ وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ فَلَا يَكُونُ طِيبًا ، وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ لِإِزَالَةِ الشَّعَثِ وَقَتْلِ الْهَوَامِّ ، وَلَهُ أَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً ، وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ ، وَقِيلَ : جَوَابُهُ فِي خِطْمِيِّ الْعِرَاقِ ، وَجَوَابُهُمَا فِي خِطْمِيِّ الشَّامِ

بَابُ الْجِنَايَاتِ } لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ ثُمَّ الْجِنَايَاتُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ مَا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ وَقِيلَ هِيَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مِنْ قَوْلِهِمْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا أَيْ كَسَبَهُ ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْغَصْبِ إلَّا أَنَّ الْغَصْبَ أَخَصُّ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ يُسَمَّى غَصْبًا إذَا وَقَعَ فِي الْمَالِ ، وَالْجِنَايَةُ أَعَمُّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَالْمَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْجِنَايَةُ مَا يَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ أَيْ يُحْدِثُهُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّهُ يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ ) أَيْ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ ا هـ هِدَايَةٌ يَعْنِي يُعْتَبَرُ كَمْ قَدْرُهُ مِنْ قَدْرِ مَا يُوجِبُ الدَّمَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ بِحِسَابِ ذَلِكَ ، فَإِذَا كَانَ نِصْفَ الْعُضْوِ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدَّمِ ، وَإِنْ كَانَ رُبْعَ الْعُضْوِ يَجِبُ عَلَيْهِ رُبْعُ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي الْحِسِّيَّاتِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِدِينَارٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ بِالضَّرُورَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَفٌّ مِنْ الْغَالِيَةِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَفٌّ مِنْ مَاءِ الْغَالِيَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَلَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ لَوْ طَيَّبَ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ إلَخْ ) فِي الْبَدَائِعِ إنْ طَيَّبَ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ دَمٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ ، أَوْ لَمْ يَذْبَحْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إنْ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ

فِي الْجِمَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا مُجَمَّرًا ) أَيْ فَطَالَ مُكْثُهُ فِي الْبَيْتِ فَعَلِقَ بِثَوْبِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ هَاهُنَا لَيْسَتْ بِمُتَعَلِّقَةٍ بِالْعَيْنِ ، وَمُجَرَّدُ الرِّيحِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ ) أَيْ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ هُنَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا فِي بَدَنِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَطَيَّبَ بِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ عُضْوًا آخَرَ مِنْ أَعْضَائِهِ ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ فِيهَا بِمَا شَاءَ ا هـ وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ : فَهُوَ كَفٌّ مِنْ الطَّعَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا عَلَى مَا يَلِيهِ ) يَعْنِي قَوْلَهُ : وَإِلَّا تَصَدَّقَ ا هـ ( قَوْلُهُ : الْحِنَّاءُ طِيبٌ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَابِ الْهَمْزَةِ : الْحِنَّاءُ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ مَعْرُوفٌ ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ : وَالْحِنَّاءُ فُعَالٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَدَمٌ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ ) يَعْنِي إذَا غَطَّاهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ا هـ أ ك ( قَوْلُهُ : وَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسِمَةِ ) الْوَسِمَةُ بِكَسْرِ السِّينِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ ، وَهِيَ أَفْصَحُ مِنْ السُّكُونِ ، وَأَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ السُّكُونَ وَقَالَ : كَلَامُ الْعَرَبِ بِالْكَسْرِ نَبْتٌ يُخْتَضَبُ بِوَرَقِهِ ، وَيُقَالُ هُوَ الْعِظْلِمُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَفِي الصِّحَاحِ وَالْوَسِمَةُ بِكَسْرِ السِّينِ الْعِظْلِمُ يُخْتَضَبُ بِهِ وَتَسْكِينُهَا لُغَةٌ ، وَلَا تَقُلْ وَسْمَةُ بِالضَّمِّ ، وَإِذَا أَمَرْت مِنْهُ قُلْت تَوَسَّمْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِهَا لِلْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ) لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خِضَابٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا ) أَيْ تَأْوِيلُ أَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ ) أَيْ إذَا

بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا سَوَاءٌ كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَوْنُهُ مَأْكُولًا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الدَّمِ كَالزَّعْفَرَانِ ) أَيْ وَلِهَذَا إذَا طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا بِالزَّعْفَرَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِارْتِفَاقِهِ بِالطِّيبِ ، وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا ادَّهَنَ بِشَحْمٍ أَوْ أَلْيَةٍ أَوْ سَمْنٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ ، وَلَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْحَلِّ الْبَحْتِ ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمَفْتُوحَةِ الْمَنْقُوطَةِ بِنُقْطَةٍ تَحْتَانِيَّةٍ بَعْدَهَا الْحَاءُ الْمُهْمَلَةُ السَّاكِنَةُ بَعْدَهَا التَّاءُ الْمَنْقُوطَةُ بِنُقْطَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ هُوَ الْخَالِصُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْحَلُّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحَلُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ دُهْنُ السِّمْسِمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ إلَخْ ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُ بِالْحُرُضِ أَوْ بِالصَّابُونِ أَوْ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا ) يَعْنِي يَجِبُ الدَّمُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ يَوْمًا كَامِلًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ الدَّمُ بِنَفْسِ اللُّبْسِ ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ إحْرَامُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ ، وَلَنَا أَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ بِهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالدَّوَامِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْيَوْمُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِمَا فَقَدَّرْنَاهُ بِهِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ لَبِسَهُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ ، وَلَوْ لَبِسَ اللِّبَاسَ كُلَّهَا مِنْ قَمِيصٍ وَقَبَاءٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفَّيْنِ يَوْمًا كَامِلًا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا لَوْ دَامَ أَيَّامًا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ كَانَ يَنْزِعُهُ بِاللَّيْلِ وَيَلْبَسُهُ بِالنَّهَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ إلَّا إذَا نَزَعَهُ عَلَى عَزْمِ التَّرْكِ ثُمَّ لَبِسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ الْأَوَّلَ انْفَصَلَ عَنْ الثَّانِي بِالتَّرْكِ وَلَوْ لَبِسَ قَمِيصًا لِلضَّرُورَةِ ، وَلَبِسَ خُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِدْيَةٌ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ اخْتَلَفَ فَلَا يُمْكِنُ التَّدَاخُلُ ، وَلَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ اتَّشَحَ بِهِ أَوْ اتَّزَرَ بِهِ أَوْ بِالسَّرَاوِيلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْقَبَاءِ وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ ، وَقَالَ زُفَرُ : يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ؛ لِأَنَّهُ يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً قُلْنَا : الْعَادَةُ فِي لُبْسِ الْقَبَاءِ الضَّمُّ إلَى نَفْسِهِ بِإِدْخَالِ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْيَدَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُبُورِ ،

وَهُوَ الضَّمُّ وَكَمَالُهُ فِيمَا قُلْنَاهُ ، وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ قَدْ بَيَّنَّاهُ ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ الرُّبْعُ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ ، وَبَعْضُ الرَّأْسِ مَقْصُودٌ فِيهِمَا فِي حَقِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ عَلَى مَا مَرَّ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْكَثْرَةُ وَلَا تَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَقِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُعْتَبَرَ الْوُجُوبُ فِيهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا تَصَدَّقَ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ اللُّبْسُ وَالتَّغْطِيَةُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ تَصَدَّقَ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ التَّغْطِيَةُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ تَصَدَّقَ لِمَا قُلْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتَهُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَالْحَالِقِ ، أَوْ رَقَبَتَهُ أَوْ إبِطَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ مِحْجَمَهُ ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ رُبْعَ لِحْيَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، وَإِنْ حَلَقَ مِنْهُمَا أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ ، وَقَوْلُهُ : كَالْحَالِقِ أَيْ كَالْحَالِقِ رَأْسَ غَيْرِهِ ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِحَلْقِ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ بِحَلْقِ رَأْسِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ : أَوْ رَقَبَتَهُ إلَى آخِرِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الرُّبْعِ أَيْ يَجِبُ الدَّمُ عَلَيْهِ بِحَلْقِ رَقَبَتِهِ أَوْ إبِطَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِحْجَمِهِ فَإِنَّهُ إنْ حَلَقَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَجِبُ الدَّمُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ حَلَقَ بَعْضَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ فَجَعَلَ الْوَاحِدَ مِنْهُمَا كَالرُّبْعِ مِنْ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ أَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ بِحَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ ، وَهُوَ أَنَّ

الْبَعْضَ فِيهِ مَقْصُودٌ ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْلِقُ بَعْضَ الرَّأْسِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْلِقُ بَعْضَ اللِّحْيَةِ فَيَحْصُلُ بِهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجِبُ الدَّمُ ، وَأَمَّا وُجُوبُ الصَّدَقَةِ بِحَلْقِ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ دُونَ الدَّمِ فَلِقُصُورِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ بِحَلْقِ شَعْرَةٍ أَوْ شَعَرَاتٍ لَا يَكْمُلُ الِارْتِفَاقُ فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا الرُّبْعَ احْتِيَاطًا كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ بِحَلْقِ الرَّقَبَةِ كُلِّهَا فَلِأَنَّهَا عُضْوٌ كَامِلٌ فَيَكْمُلُ الِارْتِفَاقُ بِحَلْقِهِ وَكَذَا الْإِبِطَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ احْتَجَمَ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ يُوجِبُ الدَّمَ لَمَا بَاشَرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَلَا يُوجِبُ الدَّمَ كَمَا إذَا حَلَقَهُ لِغَيْرِ الْحِجَامَةِ وَلَهُ أَنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِغَيْرِهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِعُذْرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُبَاشِرُ مَا يُوجِبُ الصَّدَقَةَ أَيْضًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِقْ بَلْ احْتَجَمَ فِي مَوْضِعٍ لَا شَعْرَ فِيهِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ الرُّبْعُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ حَلْقُ الْبَعْضِ ارْتِفَاقًا كَامِلًا حَتَّى لَوْ حَلَقَ أَكْثَرَ أَحَدِ إبِطَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا الصَّدَقَةُ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَذَكَرَ فِي الْإِبِطَيْنِ الْحَلْقَ هُنَا وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ ، وَهُوَ السُّنَّةُ وَالْأَوَّلُ دَلِيلُ الْجَوَازِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا حَلَقَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَطَعَامٌ وَيُرِيدُ بِهِ

الصَّدْرَ وَالسَّاقَيْنِ وَالْعَانَةَ دُونَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَفِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْفَارِقُ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ وَعَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا وَقَوْلُهُمَا بَيَانٌ لِلْمَذْهَبِ لَا ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُخَالِفُهُمَا فِي ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَنْهُمَا لَا غَيْرُ

( قَوْلُهُ : يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ ) وَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْحَلْقِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ ثُمَّ أَقَامَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَيْهِ كَلُبْسٍ مُبْتَدَأٍ ، وَلَوْ أَحْرَمَ ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَخِيطِ فَدَامَ عَلَى ذَلِكَ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا : وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَحْوُ مَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى قَمِيصٍ وَاحِدٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ لَبِسَ عَلَيْهِ جُبَّةً أَوْ اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً وَعِمَامَةً أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَحْوُ مَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً مَعَ الْقَمِيصِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَجْلِ لُبْسِهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَيُخَيَّرُ فِي الْكَفَّارَةِ لِأَجْلِ لُبْسِ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ ، وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ثُمَّ زَالَتْ الضَّرُورَةُ عَنْهُ فَمَا دَامَ فِي شَكِّ الزَّوَالِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ ، وَلَوْ جَاءَ الْيَقِينُ أَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ زَالَتْ فَلَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ دَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ ، وَكَفَّارَةُ غَيْرِ الضَّرُورَةِ ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ : إذَا كَانَ بِهِ حُمَّى غِبٍّ فَجَعَلَ يَلْبَسُهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَمَا دَامَتْ الْحُمَّى قَائِمَةً فَاللُّبْسُ مُتَّحِدٌ وَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْحُمَّى ، وَحَدَثَتْ حُمَّى أُخْرَى اخْتَلَفَ حُكْمُ اللُّبْسِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اللُّبْسُ لِأَجْلِ الْعَدُوِّ فَجَعَلَ يَلْبَسُ السِّلَاحَ ، وَيُقَاتِلُ بِالنَّهَارِ ، وَيَنْزِعُ بِاللَّيْلِ فَهَذَا اللُّبْسُ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ وَيَجِيءُ آخَرُ فَالْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اتِّحَادُ الْجِهَةِ

وَاخْتِلَافُهَا لَا صُورَةُ اللُّبْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَلَوْ نَزَعَهُ ، وَعَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ : وَيَتَوَشَّحُ بِالثَّوْبِ ، وَلَا يُخَلِّلُهُ بِخَلَّالٍ وَلَا يَعْقِدُهُ عَلَى عَاتِقِهِ ، أَمَّا جَوَازُ التَّوَشُّحِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِارْتِدَاءِ وَالِائْتِزَارِ ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ عَقْدِهِ فَلِأَنَّهُ إذَا عَقَدَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حِفْظِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِلَا تَكَلُّفٍ فَكَانَ فِي مَعْنَى لَابِسِ الْمَخِيطِ ، وَلَوْ فَعَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَخِيطٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَاكْتَفَى بِالْكَرَاهَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ الطَّيْلَسَانَ ، وَلَا يَزُرُّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ زَرَّهُ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَرَّهُ يَوْمًا صَارَ مُنْتَفِعًا بِهِ انْتِفَاعَ الْمَخِيطِ ا هـ وَقَوْلُهُ : وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَزُرَّهُ ، فَإِنْ زَرَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : بِخِلَافِ مَا إذَا زَرَّهُ يَوْمًا كَامِلًا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِوُجُودِ الِارْتِفَاقِ الْكَامِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي الْحَلْقِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي التَّغْطِيَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ تَقْدِيرٌ بِالزَّمَانِ ، وَهُوَ الْيَوْمُ ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ وَتَقْدِيرٌ بِالْعُضْوِ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا غَطَّى رُبْعَ رَأْسِهِ فَصَاعِدًا يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَإِنْ غَطَّى مَا دُونَ الرُّبْعِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : لَا يَكُونُ عَلَيْهِ دَمٌ حَتَّى يُغَطِّيَ

الْأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَجْهُ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْجَمِيعِ اسْتِمْتَاعٌ مَقْصُودٌ ، وَمَا دُونَ الرُّبْعِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَجَعَلَ الرُّبْعَ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْحَلْقِ ا هـ { فَرْعٌ } قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَإِنْ كَانَ الْمُحْرِمُ نَائِمًا فَغَطَّى رَجُلٌ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ بِثَوْبٍ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ انْقَلَبَ مِنْ نَوْمِهِ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُغَطِّيَ الْمُحْرِمُ وَالْمُحْرِمَةُ الْفَمَ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُغَطِّيهِ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ عَلَى الَّذِي فِيهِ الدَّمُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ ) فَإِنْ قُلْت : لَا شَكَّ أَنَّ حَلْقَ مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ وَسِيلَةٌ إلَى الْحِجَامَةِ وَمَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى الشَّيْءِ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا قُلْت : لَا يُنَافِي كَوْنَهُ وَسِيلَةً أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَسِيلَةٌ لِصِحَّةِ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَقَاصِدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي أَخْذِ شَارِبِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ ) وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ أَنَّ هَذَا الْمَأْخُوذَ كَمْ يَكُونُ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الطَّعَامِ حَتَّى إذَا أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ ثَمَنِ اللِّحْيَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ رُبْعُ الدَّمِ وَذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الشَّارِبِ ، وَهُوَ الْقَصُّ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ ، وَهُوَ أَنْ يَقُصَّ مِنْهُ حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ ، وَهُوَ الْحَرْفُ الْأَعْلَى مِنْ الشَّفَةِ الْعُلْيَا ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ حَلْقَ الشَّارِبِ هُوَ السُّنَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اُحْفُوا الشَّارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى } رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إلَى الْجِلْدِ وَالْإِحْفَاءُ الِاسْتِئْصَالُ وَالْإِعْفَاءُ تَرْكُهَا حَتَّى تَكِثَّ وَتَكْثُرَ وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ فَمَا زَادَ قَطَعَهُ

قَوْلُهُ : فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الطَّعَامِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَثَلًا مِثْلَ رُبْعِ الرُّبْعِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ رُبْعِ الشَّاةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : أَيْ لَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الشَّارِبِ مِثْلَ رُبْعِ رُبْعِ اللِّحْيَةِ ، وَإِنَّمَا قَالَ مَثَلًا ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثُلُثَ الرُّبْعِ أَوْ نِصْفَ الرُّبْعِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَفِي الْأَوَّلِ ثُلُثُ الشَّاةِ ، وَفِي الثَّانِي نِصْفُ الشَّاةِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ ) الْإِطَارُ عَلَى وَزْنِ كِتَابٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ حَلْقَ الشَّارِبِ هُوَ السُّنَّةُ ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ : بِأَنَّ الْحَلْقَ بِدْعَةٌ احْتِجَاجًا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَشْرٌ مِنْ فِطْرَتِي وَذَكَرَ مِنْهَا الشَّارِبَ } وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { اُحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى } وَالْإِحْفَاءُ الِاسْتِئْصَالُ ، وَالْقَصُّ مُحْتَمَلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا رَوَيْنَا ؛ لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الْقَصِّ ، وَالْقَصُّ حَسَنٌ جَائِزٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْإِعْفَاءُ تَرْكُهَا ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مَا هُوَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : تَرْكُهَا حَتَّى تَطُولَ فَذَلِكَ إعْفَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ قَصٍّ ، وَلَا قَصْرٍ ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا : الْإِعْفَاءُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَمَا زَادَ قَطَعَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ وَرَدَ بِالْإِعْفَاءِ ، وَهُوَ التَّكْثِيرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { حَتَّى عَفَوْا } أَيْ كَثُرُوا وَلِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَمَّا كَانَتْ زِينَةً كَانَ كَثْرَتُهَا وَكَثَافَتُهَا مِنْ كَمَالِ الزِّينَةِ وَتَمَامِهَا ، فَأَمَّا الطُّولُ إذَا فَحُشَ فَهُوَ خِلَافُ الزِّينَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ ا هـ

.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي شَارِبِ حَلَالٍ أَوْ قَلْمِ أَظْفَارِهِ طَعَامٌ ) أَيْ مُحْرِمٌ أَخَذَ شَارِبَ حَلَالٍ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا بِحَلْقِ رَأْسِهِ وَكَذَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِمُحْرِمٍ آخَرَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى الْمُحْرِمِ الْحَالِقِ ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُنِعَ عَنْ إزَالَةِ تَفَثِ نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ لَهُ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِحَلْقِ رَأْسِ غَيْرِهِ ، وَلَنَا أَنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمَانَ كَنَبَاتِ الْحَرَمِ فَمُنِعَ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ مِنْ بَدَنِ غَيْرِهِ كَمَا مُنِعَ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ مِنْ بَدَنِهِ وَلِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِتَفَثِ غَيْرِهِ فَمُنِعَ مِنْ إزَالَتِهِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ إزَالَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ فِي إزَالَةِ تَفَثِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَتَأَذِّيهِ بِتَفَثِ غَيْرِهِ دُونَ التَّأَذِّي بِتَفَثِ نَفْسِهِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ ، وَأَمَّا الْمَحْلُوقُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا سَوَاءٌ حَلَقَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِأَنْ كَانَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الدَّمِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الرَّاحَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ ؛ لِأَنَّ الدَّمَ بِإِزَاءِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الرَّاحَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ إذَا أُخِذَ مِنْهُ الْعُقْرُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَارِّ ؛ لِأَنَّهُ بِإِزَاءِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ اللَّذَّةِ ، وَلَوْ كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا ، وَالْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ حَصَلَ لَهُ رَاحَةٌ ، وَالْحَلَالُ جَنَى بِإِزَالَةِ مَا اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ كَنَبَاتِ الْحَرَمِ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يَكُونَا مُحْرِمَيْنِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ الصَّدَقَةُ وَعَلَى الْمَحْلُوقِ الدَّمُ أَوْ الْحَالِقُ حَلَالًا وَالْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، أَوْ

كَانَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا ، وَالْمَحْلُوقُ حَلَالًا فَتَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ الصَّدَقَةُ لَا غَيْرُ أَوْ كَانَا حَلَالَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ( قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا ) فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَدَائِعِ : وَإِذَا كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ : وَأَمَّا الْحَلَالُ إذَا حَلَقَ رَأْسَ الْمُحْرِمِ فَلَيْسَ عَلَى الْحَالِقِ شَيْءٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِمَجْلِسٍ أَوْ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْ نَفْسِهِ وَرِجْلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ الشَّاةُ ، وَلَوْ قَصَّ يَدًا وَاحِدَةً ، أَوْ رِجْلًا وَاحِدَةً فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِوُجُودِ قَلْمِ الْخَمْسَةِ مُتَوَالِيَةً وَقَوْلُهُ : وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَيْ وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَلْمِ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ مُتَفَرِّقَةٍ فَحَاصِلُهُ أَنَّ قَصَّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي مَجْلِسٍ يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ ، وَهِيَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فَلَا يُزَادُ عَلَى الدَّمِ كَالْإِيلَاجَاتِ فِي الْجِمَاعِ حَتَّى لَا يَزِيدَ عَلَى مَهْرٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ كَثُرَ ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّدَاخُلِ كَكَفَّارَةِ الْفِطْرِ إلَّا إذَا تَخَلَّلَتْ الْكَفَّارَةُ بَيْنَهُمَا لِارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ بِالتَّكْفِيرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَجَالِسَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ رُبْعَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ لِكُلِّ يَدٍ دَمٌ وَلِكُلِّ رِجْلٍ دَمٌ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِمَاءٍ إذَا وُجِدَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ قَلْمُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَارَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ مُتَبَايِنَةٌ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا جِنَايَةً وَاحِدَةً مَعْنًى لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ الِارْتِفَاقُ ، فَإِذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى فَيَتَّحِدُ الْمُوجِبُ وَإِذَا اخْتَلَفَ تُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ كَاللُّبْسِ الْمُتَفَرِّقِ وَالتَّطَيُّبِ الْمُتَفَرِّقِ فِي مَجَالِسَ حَيْثُ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ وَبِخِلَافِ حَلْقِ الرَّأْسِ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا لِرُبْعِهِ

حُكْمَ كُلِّهِ عِنْدَ عَدَمِ حَلْقِ الْبَاقِي فَإِذَا حَلَقَ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا كَفَّارَةٌ أَمْكَنَ التَّدَاخُلُ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ حَقِيقَةً ، وَبِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَشَابَهَتْ الْحُدُودَ ، وَهَذِهِ شُرِعَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ ، وَقَوْلُهُ : وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَيْ ، وَإِنْ قَلَّمَ أَقَلَّ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فِي مَجْلِسٍ تَصَدَّقَ كَمَا يَتَصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَلَّمَ خَمْسَةَ أَصَابِعَ مُتَفَرِّقَةً وَكَذَا إذَا قَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِقَلْمِ كُلِّ ظُفْرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيَنْقُصَ مَا شَاءَ وَقَالَ زُفَرُ : يَجِبُ الدَّمُ بِقَلْمِ ثَلَاثٍ مِنْهَا ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ فِي أَظَافِيرِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ دَمًا ، وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا قُلْنَا : إنَّ أَظَافِيرَ كَفٍّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ ، وَقَدْ أَقَمْنَاهَا مَقَامَ الْكُلِّ لِكَوْنِهِ رُبْعَ الْأَصَابِعِ فَلَا يُقَامُ أَكْثَرُهَا مَقَامَ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّسَلْسُلِ فَصَارَ كَرُبْعِ الرَّأْسِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَوْ قَلَّمَ خَمْسًا مُتَفَرِّقَةً مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ قَصَّهَا مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ ، وَبِمَا إذَا حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ ، قُلْنَا : إنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ بِنَيْلِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ ، وَالْقَلْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَتَأَذَّى بِهِ ، وَيَشِينُهُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ عَلَى مَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الطِّيبِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عُضْوٌ يَخُصُّهُ فَجَعَلَ الْبَدَنَ كُلَّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَيَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ فِيهِ كَمَا فِي النَّجَاسَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا شَيْءَ بِأَخْذِ ظُفْرٍ مُنْكَسِرٍ ) لِأَنَّهُ لَا يَنْمُو بَعْدَ الِانْكِسَارِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ ذَبَحَ شَاةً أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ عَلَى سِتَّةٍ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ قَالَ { : كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ : مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْك مَا أَرَى أَتَجِدُ شَاةً قُلْتُ لَا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } قَالَ : هُوَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفُسِّرَ النُّسُكُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالشَّاةِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ لِلضَّرُورَةِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ ثُمَّ الصَّوْمُ يُجْزِيهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فِي كُلِّ مَكَان وَكَذَا الصَّدَقَةُ عِنْدَنَا ، وَأَمَّا النُّسُكُ فَمُخْتَصٌّ بِالْحَرَمِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان وَهَذَا الدَّمُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِالْمَكَانِ ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ تُجْزِيهِ التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ بِالْإِبَاحَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي النَّصِّ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ ، وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ } ، وَهِيَ الزَّكَاةُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا الْإِطْعَامُ ، وَهُوَ جَعْلُ الْغَيْرِ طَاعِمًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ كَعْبٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ فَلَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَصَارَ

كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِقَوْلُهُ : ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ إذَا فَعَلَ مُخْتَارًا لَزِمَهُ الدَّمُ ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ إنْ شَاءَ ذَبَحَ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَيَجُوزُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَطَعَامُ الْإِبَاحَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ بِالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ يَجُوزُ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ إلَّا إذَا تَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيمَةُ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَهُ بَدَلًا عَنْ الصِّيَامِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَصْلٌ وَلَا شَيْءَ إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ بِالْمَحَلِّ فَأَشْبَهَ التَّفْكِيرَ وَهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَجِبُ شَاةٌ إنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا مَسَّ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَكَذَا الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ كَمَا فِي الصَّوْمِ ، وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ الْإِحْرَامِ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْجِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّ ارْتِكَابَ سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ لَا يُفْسِدُهُ ، وَمَا تَعَلَّقَ بِالْجِمَاعِ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ كَالْحَدِّ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَيَفْسُدُ لِأَجْلِ مَا يُضَادُّهُ وَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَلِأَنَّ أَقْصَى مَا يَجِبُ فِي الْحَجِّ الْقَضَاءُ بِالْفَسَادِ ، وَفِي الصَّوْمِ الْكَفَّارَةُ فَكَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الصَّوْمِ فَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ

{ فَصْلٌ } قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ النَّوْعَ السَّابِقَ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهُ ؛ إذْ التَّطَيُّبُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ مُهَيِّجَاتٌ لِلشَّهْوَةِ لِمَا تُعْطِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا شَيْءَ ) أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : سِوَى الْغُسْلِ ؛ لِأَنَّ إنْزَالَ الْمَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ هُوَ الْجِمَاعُ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَكَذَا الِاحْتِلَامُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَى الْغُسْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ ) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ : فَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِفَرْجِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَكَارَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ مُتَّكِئَةً ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى فَرْجِ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ ، وَلَا يُظَنُّ بِالْمُسْلِمِ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ ) أَيْ حَيْثُ قَالَ : وَالْمَسُّ وَالتَّقْبِيلُ مِنْ شَهْوَةٍ ، وَالْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ الدَّمَ ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ حَصَلَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِاجْتِمَاعِ الْعُضْوِ ، وَهُوَ جِمَاعٌ مِنْ وَجْهٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ اسْتَمْتَعَ اسْتِمْتَاعًا مَقْصُودًا ، وَهُوَ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِنْزَالُ وَكَذَا التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ لَكِنْ لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ لِعَدَمِ الِارْتِفَاقِ الْكَامِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا صُحِّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ لِيَكُونَ جِمَاعًا مِنْ وَجْهٍ

مُوَافِقٍ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ : وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُنْزِلْ يَعْنِي يَجِبُ الدَّمُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ) أَرَادَ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ الِاسْتِعْمَالَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ لَا الدُّبُرَ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْإِنْزَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : تَجِبُ بِهِ الشَّاةُ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْإِحْرَامُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ) إشَارَةٌ إلَى الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالتَّقْبِيلِ بِشَهْوَةٍ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ) هَذَا الْكَلَامُ يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وُجُوبُ الشَّاةِ بِهِ ، وَالثَّانِي : فَسَادُ الْحَجِّ ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا وُجُوبُ الشَّاةِ فَمَذْهَبُنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَكْمَلُ لِوُجُودِهَا فِي مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ أَغْلَظَ ، وَلَنَا مَا رَوَى يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ الْأَسْلَمِيُّ التَّابِعِيُّ { أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا : اقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَأَهْدِيَا هَدْيًا الْحَدِيثَ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْهَدْيُ يَتَنَاوَلُ الشَّاةَ وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ صَارَ الْفَائِتُ مُسْتَدْرَكًا بِهِ فَخَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فَيُكْتَفَى بِالشَّاةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْوُقُوفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَكَانَ كُلُّ الْجَابِرِ فَيُغَلَّظُ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ لِقُصُورِ مَعْنَى الْجِمَاعِ فِيهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَهُ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا ، أَوْ نَاسِيًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّوْمِ وَلَوْ كَانَ قَارِنًا فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ إنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَمْضِي وَيَقْضِي ) أَيْ يَمْضِي فِي الْحَجِّ ، وَيَقْضِي بَعْدَ مَا أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا : يُرِيقَانِ دَمًا وَيَمْضِيَانِ فِي حَجِّهِمَا ، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِيهِ ) أَيْ وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِي الْقَضَاءِ وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : يَفْتَرِقَانِ فِيهِ

؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَوْجَبُوا الِافْتِرَاقَ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ : يَفْتَرِقَانِ إذَا خَرَجَا مِنْ مَنْزِلِهِمَا وَالشَّافِعِيُّ : إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ ذَلِكَ فَيَقَعَانِ فِيهِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ إذَا أَحْرَمَا ؛ لِأَنَّ خَوْفَ الْإِفْسَادِ يَتَحَقَّقُ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْوِقَاعِ يَجِبُ بَعْدَهُ ، وَلَنَا أَنَّ الِافْتِرَاقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ فِي الْأَدَاءِ فَكَذَا فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِإِبَاحَةِ الْوِقَاعِ وَلَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَكَّرَانِ مَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ بِسَبَبِ لَذَّةٍ يَسِيرَةٍ فَيَزْدَادَانِ نَدَمًا وَتَحَرُّزًا فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ أَنْ يُفَارِقَهَا فِي الْفِرَاشِ حَالَةَ الْحَيْضِ وَلَا حَالَةَ الصَّوْمِ مَعَ تَوَهُّمِ تَذَاكُرِهِمَا مَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَالَةَ الطُّهْرِ وَالْفِطْرِ ، وَالِافْتِرَاقُ الْمَنْقُولِ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إذَا خِيفَ ذَلِكَ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِمَرْأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ ) أَيْ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ بِحَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادُ الْحَجِّ كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَيَفْسُدُ الْحَجُّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَفْسُدُ الْحَجُّ ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَهُمَا فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فَأَمَّا إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِمْتَاعٍ مَقْصُودٍ ، وَكَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ تَجِبُ بِالِاسْتِمْتَاعِ الْمَقْصُودِ ، فَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَنْزَلَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ، وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَطِئَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ رَوَى جَمِيعَ ذَلِكَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ عَلَى هَذَا أَيْ كَجِمَاعِ الْبَهِيمَةِ ، وَقَوْلُهُ : وَلَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ كَهُوَ فِي الْقُبُلِ عِنْدَهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي أُخْرَى عَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادٌ ، وَالْأُولَى أَصَحُّ فَإِنْ جَامَعَ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَاضِي خَانْ ،

وَقَدَّمْنَا مِنْ الْمَبْسُوطِ لُزُومَ تَعَدُّدِ الْمُوجِبِ لِتَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَيْدِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ الْأُولَى فَيَلْزَمُهُ أُخْرَى وَالْحَقُّ اعْتِبَارُهُ عَلَى أَنْ تَصِيرَ الْجِنَايَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ بَعْدَهُ مُتَّحِدَةً فَإِنَّهُ نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَامَعَ النِّسَاءَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ وَأَقَامَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ الْحَلَالُ مِنْ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ حَرَامًا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ ؛ لِأَنَّ بِإِفْسَادِهِ الْإِحْرَامَ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا عَنْهُ قَبْلَ الْأَعْمَالِ ، وَكَذَا بِنِيَّةِ الرَّفْضِ وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ اسْتَنَدَ إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ فَيَكْفِيهِ لِذَلِكَ دَمٌ وَاحِدٌ ا هـ فَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَ جِمَاعٌ بَعْدَ الْأَوَّلِ بِقَصْدِ الرَّفْضِ فِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا يَلْزَمُ بِهِ الْفَسَادُ وَالدَّمُ عَلَى الرَّجُلِ يَلْزَمُ مِثْلُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً إنَّمَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ الْإِثْمُ ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الصَّبِيَّةَ أَوْ مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ ثُمَّ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً حَتَّى فَسَدَ حَجُّهَا وَلَزِمَهَا دَمٌ هَلْ تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ ؟ عَنْ أَبِي شُجَاعٍ : لَا ، وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ : نَعَمْ ا هـ ( قَوْلُهُ : إنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ ) أَيْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ا هـ وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَ حَجُّهُ دُونَ عُمْرَتِهِ وَإِذَا فَسَدَ الْحَجُّ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ نُسُكَانِ صَحِيحَانِ ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ لِفَسَادِ الْحَجِّ وَلِلْجِمَاعِ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فَيَقْضِي الْحَجَّ ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ

فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ لَيْسَ بِقَارِنٍ لِهَذَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا ) وَيَمْضِي فِيهِمَا وَيُتِمُّهُمَا عَلَى الْفَسَادِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا ) أَيْ فِيمَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ ، وَهُمَا يُحْرِمَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ : يُرِيقَانِ ) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرِيقُ دَمًا يُجْزِيهِ فِي ذَلِكَ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ أَوْ جَزُورٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ ) أَيْ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَدَنَةٌ لَوْ بَعْدَهُ وَلَا فَسَادَ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَفْسُدُ حَجُّهُ إذَا جَامَعَ قَبْلَ الرَّمْيِ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ جَامَعَهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ ، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ } وَحَقِيقَةُ التَّمَامِ غَيْرُ مُرَادٍ لِبَقَاءِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ رُكْنٌ فَتَعَيَّنَ التَّمَامُ حُكْمًا بِالْأَمْنِ مِنْ الْفَسَادِ وَبِفَرَاغِ الذِّمَّةِ عَنْ الْوَاجِبِ ، وَوُجُوبُ الْبَدَنَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا وَلِأَنَّهُ أَعْلَى الِارْتِفَاقَاتِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجَبُهُ ، وَلَوْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِحَجِّهِ ، وَشَاةٌ لِعُمْرَتِهِقَوْلُهُ : لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ) يَعْنِي قَبْلَ الْحَلْقِ ؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْجِمَاعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فِيهِ شَاةٌ هَذَا وَالْعَبْدُ إذَا جَامَعَ مَضَى فِيهِ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَحَجَّةٌ إذَا عَتَقَ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ الصَّوْمُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ ، وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ فَيَحِلُّ هُوَ ، فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَيَتَغَلَّظُ مُوجِبُهُ ) أَيْ وَهُوَ الْبَدَنَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ مَرَّةً ثَانِيَةً حَيْثُ تَجِبُ شَاةٌ لَا بَدَنَةٌ ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا بِالْجِمَاعِ فَلَمْ يَتَغَلَّظْ مُوجِبُهُ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ الشَّاةُ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الشَّاةُ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الْبَدَنَةُ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ خَفَّتْ لِوُجُودِ الْحِلِّ فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي لَوْ جَامَعَ الْقَارِنُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ ، وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ مَعًا بِالْحَلْقِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَهُوَ مُحْرِمٌ بِهِمَا فِي حَقِّ النِّسَاءِ ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَشُرُوحُهُ ؛ لِأَنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى الْحَاجِّ الشَّاةَ بَعْدَ الْحَلْقِ وَهَؤُلَاءِ أَوْجَبُوا الْبَدَنَةَ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا مَعْزِيًّا إلَى الْوَبَرِيِّ أَنَّ الْقَارِنَ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهَا بِالْحَلْقِ ، وَبَقِيَ إحْرَامُ الْحَجِّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ مُحْرِمًا فِي حَقِّ الْحَجِّ فَكَذَا فِي الْعُمْرَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى طَافَ لِلزِّيَارَةِ ، ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْحَلْقِ ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ

( قَوْلُهُ : قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ) وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ كَمَا سَيَأْتِي هُنَا ، وَهَذَا يُوهِمُ تَفْضِيلَ نُقْصَانِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ عَلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْعِنَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْأَكْمَلِ ( قَوْلُهُ : مَعْزِيًّا إلَى الْوَبَرِيِّ ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إنَّ الْقَارِنَ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا عَنْ الْوَبَرِيِّ وَإِشْكَالَ الشَّارِحِ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا عَنْ الْوَبَرِيِّ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَمْ يُعْهَدْ بِحَيْثُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ بِالْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ وَيَبْقَى فِي حَقِّهِنَّ بَلْ إذَا حَلَقَ بَعْدَ أَفْعَالِهَا حَلَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُعْهَدُ ذَلِكَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ ، فَإِذَا ضُمَّ إحْرَامُ الْحَجِّ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ اسْتَمَرَّ كُلُّ مَا عُهِدَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ؛ إذْ لَا يَزِيدُ الْقِرَانُ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّمِّ فَيَنْطَوِي بِالضَّمِّ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ الْكُلِّيَّةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مُوجِبٌ بِسَبَبِ الْوَطْءِ بَلْ لِلْحَجِّ فَقَطْ ثُمَّ يَجِبُ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا الْأَكْثَرَ ، وَتَفْسُدُ وَيَمْضِي وَيَقْضِي ) أَيْ لَوْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الشَّاةُ وَتَفْسُدُ عُمْرَتُهُ ، وَيَمْضِي فِيهَا وَيَقْضِيهَا كَالْحَجِّ إذَا جَامَعَ فِيهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ وَلَا فَسَادَ ) أَيْ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ الْأَكْثَرَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ ، وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِالْحَجِّ ؛ إذْ هِيَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ وَلَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فَكَانَتْ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْهُ فَتَجِبُ الشَّاةُ فِيهَا ، وَالْبَدَنَةُ فِي الْحَجِّ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَطَوَافُ الْعُمْرَةِ رُكْنٌ فَصَارَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَكْثَرُهُ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَجِمَاعُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاتِّفَاقِ ، وَهُوَ الْمُوجِبُ وَكَذَا جِمَاعُ النَّائِمَةِ وَالْمُكْرَهَةِ مُفْسِدٌ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هُوَ يَقُولُ : إنْ فَعَلَهُ لَمْ يَقَعْ جِنَايَةً لِعَدَمِ الْحَظْرِ مَعَ الْعُذْرِ فَشَابَهُ الصَّوْمَ قُلْنَا : الِاتِّفَاقُ مَوْجُودٌ ، وَهُوَ الْمُوجِبُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّ مُذَكَّرٌ فَصَارَ كَالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ( قَوْلُهُ : وَجِمَاعُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ ) يَعْنِي أَنَّ جِمَاعَ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يُفْسِدُ الْحَجَّ كَجِمَاعِ الْعَامِدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاتِّفَاقِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : أَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ نَائِمَةً أَوْ جَامَعَهَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ لَا تَرْجِعُ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَزِمَهَا عَلَى الْمُكْرِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَزِمَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَيْهَا كَرَجُلٍ أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَإِذَا أَدَّى مَا نَذَرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { : الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالطَّهَارَةِ فَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِيهِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ ، وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ تَشْبِيهُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ هُوَ فِي الصَّلَاةِ } وَالْمُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ عَنْ الْقِبْلَةِ وَالْكَلَامَ لَا يُفْسِدُهُ ، وَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَعَلَى هَذَا لَوْ طَافَ مَنْكُوسًا أَوْ عَارِيًّا أَوْ رَاكِبًا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَعِنْدَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ ثُمَّ الطَّهَارَةُ سُنَّةٌ عِنْدَ ابْنِ شُجَاعٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهَا وَلِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ فَلَمْ تَصِرْ الطَّهَارَةُ فِيهِ رُكْنًا ؛ لِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَدَنَةٌ لَوْ جُنُبًا ) أَيْ تَجِبُ الْبَدَنَةُ إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُعِيدُ ) أَيْ يُعِيدُ الطَّوَافَ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْإِعَادَةَ تُسْتَحَقُّ ، أَوْ تُسْتَحَبُّ ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ

الْأَفْضَلَ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ ، وَقَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ : وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا ، وَفِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَقُصُورِهَا فِي الْحَدَثِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ ، وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا فَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا يَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ وَإِنْ أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ حَيْثُ أَوْجَبَ الدَّمَ بِتَأْخِيرِهِ ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ، وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا وَجَبَ أَنْ يَعُودَ ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَثِيرٌ فَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ اسْتِدْرَاكًا لِلْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ ، وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ ، وَبَعَثَ بَدَنَةً أَجْزَأَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ إلَّا أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْأَفْضَلُ وَفِي الْمُحِيطِ بَعْثُ الدَّمِ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ ، وَفِيهِ مَنْفَعَةُ الْفُقَرَاءِ ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَ مُحْدِثًا إنْ عَادَ وَطَافَ جَازَ وَإِنْ بَعَثَ بِالشَّاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهُ خَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ ، وَفِيهِ نَفْعُ الْفُقَرَاءِ وَلَوْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَصْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ وَكَذَا إنْ تَرَكَ الْأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْكُلِّ ، وَالْأَكْثَرُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي طَوَافِهِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ الْأَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ

صَاعٍ مِنْ بُرٍّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَدَقَةٌ لَوْ مُحْدِثًا لِلْقُدُومِ ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيَنْجَبِرُ بِالصَّدَقَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ مِثْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَهُوَ دُونَهُ فَيَجِبُ فِيهِ دُونَ مَا يَجِبُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْ ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالصَّدْرِ ) أَيْ تَجِبُ الصَّدَقَةُ إذَا طَافَ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَكَانَ أَدْنَى مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَتَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ كَبِيرٌ ، وَهُوَ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَجِبُ فِيهِ دُونَ مَا يَجِبُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا سَوَّيْتُمْ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ فَإِنَّكُمْ أَوْجَبْتُمْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ مَا أَوْجَبْتُمْ فِي طَوَافِ الصَّدْرِ قُلْنَا : طَوَافُ الْقُدُومِ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَاسْتَوَيَا ، وَلَا يُقَالُ : إنَّ الدَّمَ هُنَا كَسَجْدَةِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَا فَرْقَ فِي سَجْدَةِ السَّهْوِ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ فَكَيْفَ اخْتَلَفَ هُنَا قُلْنَا : الْجَابِرُ مُتَنَوِّعٌ فِي الْحَجِّ فَأَمْكَنَ الْفَرْقُ ، وَفِي الصَّلَاةِ مُتَّحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ الْفَرْقُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ طَوَافِ الرُّكْنِ ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ أَقَلِّ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ فَمَا دُونَهَا ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يُوجِبُ الدَّمَ مِنْ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَجَازَ حَجُّهُ وَحَلَّ إذَا حَلَقَ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ فَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ فَيَلْزَمُهُ كَالنُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ جَازَ أَنْ لَا يَعُودَ وَيَبْعَثَ شَاةً لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَرَكَ أَكْثَرَهُ بَقِيَ مُحْرِمًا ) أَيْ لَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَكْثَرَهُ ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ يَعْنِي فِي حَقِّ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَطُفْ أَصْلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الصَّدْرِ أَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَصَدَقَةٌ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ أَكْثَرِ طَوَافِ الصَّدْرِ أَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَتَجِبُ صَدَقَةٌ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَمَا دُونَهُ ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبٌ فَتَرْكُهُ يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَا تَرْكُ أَكْثَرِهِ ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَبِتَرْكِ أَقَلِّهِ يَجِبُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَلَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ حَيْثُ يَجِبُ فِيهِمَا الدَّمُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضٌ ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهُمَا لَا يَنْجَبِرَانِ بِالدَّمِ ، وَطَوَافُ الصَّدْرِ يَنْجَبِرُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَفَرْقًا بَيْنَ تَرْكِ الْكُلِّ وَالْأَقَلِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا طَوَافَهُ جُنُبًا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَدَمَانِ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ لَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَطَوَافَ الصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَقِلْ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَإِعَادَةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يَنْتَقِلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَيْهِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَنْتَقِلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْإِعَادَةِ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ مُؤَخِّرًا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْبَدَنَةُ لِارْتِفَاضِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَقَامَهُ وَلَغَتْ عَزِيمَتُهُ أَنَّهُ لِلصَّدْرِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَفْعَالُ الْحَجِّ مُرَتَّبًا عَلَى مَا شُرِعَ ، فَإِذَا نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ تَلْغُو نِيَّتُهُ كَمَنْ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ تُصْرَفُ إلَى الصُّلْبِيَّةِ وَكَالْقَارِنِ إذَا طَافَ عِنْدَ قُدُومِهِ مَكَّةَ وَسَعَى ، وَهُوَ يَنْوِي طَوَافَ الْقُدُومِ يَكُونُ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْآخَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ يَصِيرُ قَارِنًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَكَذَا الْحَاجُّ لَوْ طَافَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ تَطَوُّعًا ثُمَّ انْصَرَفَ يَكُونُ لِلصَّدْرِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَطَافَ لِلصَّدْرِ يَكُونُ لِلزِّيَارَةِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ بَعْضَهُ يَكْمُلُ مِنْهُ ثُمَّ إنْ بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ بَعْدَ التَّكْمِيلِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ يَجِبُ صَدَقَةٌ ؛

لِأَنَّ تَرْكَ أَقَلِّهِ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ يَجِبُ الدَّمُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ الْكُلِّ

قَوْلُهُ : فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ) ظَرْفٌ لِطَوَافِ الصَّدْرِ فَقَطْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَتَنَبَّهْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا : عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ مُحْدِثًا يَقَعُ مُجْزِيًا لَكِنْ مَعَ النُّقْصَانِ فَلَمَّا وَقَعَ الطَّوَافُ مَعَ الْحَدَثِ مُعْتَدًّا بِهِ لَمْ يَجِبْ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَبَ دَمٌ وَيُجْزِيهِ شَاةٌ لِنُقْصَانِ الْحَدَثِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمَانِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ مَعَ الْجَنَابَةِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ ؛ وَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وُجُوبًا اسْتِحْبَابًا فَلَمَّا كَانَ فِي حُكْمِ الْعَدُوِّ وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ حَصَلَتْ لِلْأَفْعَالِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي شُرِعَتْ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ فَانْتَقَلَ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ ، وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَنْتَقِلُ ) وَفَائِدَةُ نَقْلِ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ سُقُوطُ الْبَدَنَةِ عَنْهُ انْتَهَى أ ك ( قَوْلُهُ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الصَّدْرِ أَصْلًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ ،

وَلَا يُؤْمَرُ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ إذَا أَعَادَ طَوَافَ الصَّدْرِ يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا ، وَإِنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا ، وَلَمْ يَطُفْ طَوَافَ الصَّدْرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ وَيُجْزِيهِ شَاةٌ وَدَمٌ آخَرُ وَهُوَ جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ جُنُبًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ جُنُبًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ حَيْثُ يُجْزِيهِ شَاةٌ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ فَكَانَ النُّقْصَانُ فِيهَا دُونَ النُّقْصَانِ فِي الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَخِفُّ لِمَعْنًى فِي الْمَحَلِّ كَمَا تَخِفُّ لِمَعْنًى فِي الْجَانِي ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا وَلَمْ يُعِدْ ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا مُحْدِثًا ، وَلَمْ يُعِدْهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ ، وَالنُّقْصَانُ أَيْضًا يَسِيرٌ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السَّعْيِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى عَلَى إثْرِ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ ، وَهُوَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُ الطَّوَافَ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِيهِ وَيُعِيدُ السَّعْيَ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ بِالْإِعَادَةِ ، وَلَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي السَّعْيِ ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَقَعَ عَقِيبَ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ ، وَطَوَافُ الْمُحْدِثِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَ الطَّوَافَ صَارَ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَا فَرْضَيْنِ أَوْ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِالثَّانِي ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِذَا ارْتَفَضَ الْأَوَّلُ بَقِيَ السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَا عُرِفَ كَوْنُهُ قُرْبَةً إلَّا بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَيَكُونُ تَارِكًا لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ وَأَرَاقَ دَمًا حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ السَّعْيِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ لَا يَرْتَفِعُ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ ، وَإِنَّمَا يَنْجَبِرُ بِهِ نُقْصَانُهُ فَيَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي مَوْضِعِهِ فَيَكُونُ السَّعْيُ عَقِيبَهُ فَيُعْتَبَرُ ، وَلَوْ طَافَ الْفَرْضَ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ ، وَهُوَ الْحَطِيمُ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ

؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ فَيَجِبُ الطَّوَافُ وَرَاءَهُ ، وَالطَّوَافُ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ أَنْ يَدُورَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، وَيَدْخُلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَالْحَطِيمِ فَيَدْخُلَهُ بِذَلِكَ نَقْصٌ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ كُلَّهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ، وَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى الْحِجْرِ خَاصَّةً جَازَ ؛ لِأَنَّهُ تَلَافَى مَا هُوَ الْمَتْرُوكُ ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ ، وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ هَكَذَا يَفْعَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقَالَ قَاضِي خَانْ : وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَتَى آخِرَ الْحِجْرِ يَرْجِعُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْحِجْرِ ثُمَّ يَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الْحِجْرِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ أَوَّلًا لَكِنْ لَا يُعَدُّ رُجُوعُهُ إلَى ذَلِكَ شَوْطًا وَهَكَذَا سَبْعُ مَرَّاتٍ وَلَوْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ مِنْ دَاخِلِ الْحَطِيمِ بِأَنْ تَسَوَّرَ الْحَائِطَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ الْحَطِيمَ كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِي الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ شَوْطٍ مِنْهُ يُوجِبُ الدَّمَ ، وَهَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الرُّبْعِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَاجِبِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِ الصَّدَقَةُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ تَرَكَ السَّعْيَ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِتَرْكِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا ) أَيْ حَلَّ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُهُمَا ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَعْنِي طَافَ لِعُمْرَتِهِ مُحْدِثًا وَسَعَى كَذَلِكَ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ بِوُجُوبِ الشَّاةِ فِيمَا إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ مُحْدِثًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا طَافَ جُنُبًا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِالشَّاةِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ مِنْ حُكْمِ الْحَدَثِ ، فَوَجَبَ أَنْ تَظْهَرَ حُكْمُ التَّغْلِيظِ فِي إيجَابِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِالشَّاةِ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَوْقَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ ، وَإِيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ ، وَهُوَ الْبَدَنَةُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ لِمَعْنَيَيْنِ وِكَادَةُ الطَّوَافِ وَغِلَظُ أَمْرِ الْجَنَابَةِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الثَّانِي تَعَذَّرَ إيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الشَّاةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَلَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) أَيْ فِي الصَّحِيحِ ا هـ هِدَايَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالُوا : إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ عَلَيْهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ تَجْعَلُ الْمُؤَدَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهٍ فَيَبْقَى السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّوَافِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الرُّبْعِ ) أَيْ رُبْعِ الْبَيْتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِتَرْكِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ) أَيْ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ا هـ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي : وَإِنْ تَرَكَ السَّعْيَ فِيمَا

بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَأْسًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَطْعَمَ لِكُلِّ شَوْطٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يُطْعِمُ مِنْهُ مَا شَاءَ يَعْنِي نَقَصَ مِنْهُ مَا شَاءَ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ فَيَكُونُ تَرْكُ الْأَكْثَرِ كَتَرْكِ كُلِّهِ فِي وُجُوبِ الدَّمِ ، وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ لِيَكُونَ الْوَاجِبُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ دُونَ مَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْأَكْثَرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِإِفَاضَتِهِ مِنْهَا بِالنَّهَارِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : قَبْلَ الْإِمَامِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الدَّمُ إذَا أَفَاضَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِمَامِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْإِفَاضَةِ مِنْ النَّهَارِ ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَصْلُ الْوُقُوفِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ الِاسْتِدَامَةِ شَيْءٌ ، وَلَنَا أَنَّ نَفْسَ الْوُقُوفِ رُكْنٌ ، وَاسْتِدَامَتُهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ } أَمْرٌ ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَبِتَرْكِ الْوَاجِبِ يَجِبُ الْجَابِرُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ لَيْلًا ؛ لِأَنَّا عَرَفْنَا الِاسْتِدَامَةَ بِالسُّنَّةِ فِيمَنْ وَقَفَ نَهَارًا لَا لَيْلًا فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ { : مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ } وَلَوْ عَادَ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِفَاضَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ ، وَقَدْ حَصَلَ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ طَافَ جُنُبًا ثُمَّ أَعَادَهُ أَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ مِنْهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ وَاجِبَةٌ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِالْعَوْدِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ

( قَوْلُهُ { : فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ } ) وَالدَّفْعُ مِنْ عَرَفَاتٍ هُوَ الْإِفَاضَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ لَيْلًا ) أَيْ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) أَرَادَ بِهِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ : وَإِنْ رَجَعَ وَوَقَفَ بِهَا بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ سُنَّةُ الدَّفْعِ مَعَ الْإِمَامِ ، وَلَمْ يُسْتَدْرَكْ ذَاكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الْمَتْرُوكَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ الدَّمُ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ رَمَى الْجِمَارَ كُلَّهَا أَوْ رَمَى يَوْمَ ) أَيْ بِتَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ أَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَيَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ ، وَيَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ كَمَا فِي الْحَلْقِ حَتَّى إذَا حَلَقَ جَمِيعَ بَدَنِهِ يَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ ، وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحَلْقِ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى الِانْفِرَادِ وَبِحَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ ، وَهُوَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا ، وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْقَضَاءِ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فَرَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الرُّعَاةِ إلَّا فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَا يَقْضِيهِ بِاللَّيْلِ ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ قَدْ خَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ أَوْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ يَجِبُ دَمٌ ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَإِنْ تَرَكَ أَحَدَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ نُسُكٌ وَاحِدٌ فِي يَوْمٍ فَكَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْمِيَ عَشْرَ حَصَيَاتٍ ، وَيَتْرُكَ إحْدَى عَشْرَةَ حَصَاةً فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ

الْكُلِّ ، وَمَعْنَى وُجُوبِ الصَّدَقَةِ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيَنْقُصَ مَا شَاءَ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ ) اعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا فَمَنْ حَضَرَ الْمُزْدَلِفَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَدْ أَتَى بِالْوُقُوفِ وَمَنْ تَرَكَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِأَنْ جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ إلَّا إذَا جَاوَزَهَا لَيْلًا عَنْ عِلَّةٍ وَضَعْفٍ فَخَافَ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَخَّصَ لِلضُّعَفَاءِ أَنْ يَتَعَجَّلُوا بِلَيْلٍ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الرُّكْنِ ) أَيْ إذَا أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ ، وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ ، وَفِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَنَحْرِ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لَهُمَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ : اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ ، وَقَالَ آخَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ : ارْمِ وَلَا حَرَجَ ، فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ : افْعَلْ ، وَلَا حَرَجَ } وَلِأَنَّ مَا فَاتَ يُسْتَدْرَكُ بِالْقَضَاءِ ، وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ شَيْءٌ آخَرُ ، وَلَهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْمَكَانِ يُوجِبُ الدَّمَ فِيمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِالْمَكَانِ كَالْإِحْرَامِ فَكَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ فِيمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِالزَّمَانِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ فِيهِ الْإِثْمَ الْفِدْيَةُ ، وَقَوْلُ السَّائِلِ : لَمْ أَشْعُرْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ عُذِرُوا لِجَهْلِهِمْ أَوْ لِلنِّسْيَانِ وَلَا يَأْثَمُونَ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَطُوفَ أَوْ يَحْلِقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ لِلضَّرُورَةِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَمَا ظَنُّك إذَا حَلَقَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ

قَوْلُهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ : وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِهِ فَآخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا طَافَ ، وَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ قَالَ الزَّاهِدِيُّ : لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ وَقْتَ هَذَا الطَّوَافِ أَيَّامُ النَّحْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ { فَقَالَ : اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ } ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّائِلُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَهُوَ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْلِقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْإِحْرَامِ ) أَيْ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ الْمِيقَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا حَجَّةَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَنَقُولُ : كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ لَمْ يَسْتَقِرَّ أَفْعَالُ الْمَنَاسِكِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ إذَا حَلَقَ فِي الْحِلِّ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ ، وَالْمُرَادُ فِيمَا إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَيَّامَ النَّحْرِ فَحَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ : إنْ حَلَقَ لِلْحَجِّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ حَلَقَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْحَلْقَ لِلْحَجِّ يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : لَا يَتَعَيَّنُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ ، وَأَمَّا الْحَلْقُ لِلْعُمْرَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِهِ ، وَتَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَتَعَيَّنُ لِأَبِي يُوسُفَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ } وَلَهُمَا فِي الْمَكَانِ أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ فَيَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ كَسَائِرِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ ، وَكَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَعْيِينِهِ بِالزَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، فَإِذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ أَوْجَبَ نُقْصَانًا فَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ ، وَلَا حُجَّةَ لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا رُوِيَ ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ ، وَإِنَّمَا حَلَقَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ لِيُعْرَفَ اسْتِحْكَامُ عَزْمِهِ عَلَى الرُّجُوعِ ، وَلَئِنْ وَجَبَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ لِعَجْزِهِ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُمْ حَلَقُوا فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ عَادَ فَحَلَقَ فِيهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَمَانِ لَوْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ الذَّبْحِ ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ إذَا حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ : قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ ، وَقَالَا : لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ النُّسُكِ عَنْ وَقْتِهِ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهُنَا لَمَّا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ تَرَكَ التَّرْتِيبَ بِتَقْدِيمِ هَذَا وَتَأْخِيرِ ذَاكَ ، وَهُوَ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَدَمٌ آخَرُ لِلْقِرَانِ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ لِلْأَوَّلِ ، وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : قَارِنٌ ذَبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ ، وَدَمٌ لِلْقِرَانِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ : اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ دَمٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ ثُمَّ عِنْدَهُ يَجِبُ دَمٌ آخَرُ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجِبُ دَمَانِ إجْمَاعًا دَمُ الْقِرَانِ وَدَمٌ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِذَا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَقَدْ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ وَيَجِبُ دَمٌ آخَرُ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَجِبَ خَمْسَةُ دِمَاءٍ عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثَةٌ مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَدَمَانِ لِلْجِنَايَةِ فِي إحْرَامِهِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ مَضْمُونٌ بِدَمَيْنِ وَحَلْقُهُ قَبْلَ أَوَانِهِ جِنَايَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ وَكَذَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ دَمَيْنِ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْكَافِي وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

قَوْلُهُ : قَارِنٌ ذَبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَدَمٌ لِلْقِرَانِ ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا تَتَضَاعَفُ عَلَى الْقَارِنِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّ الْمُفْرِدَ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمَيْنِ لَيْسَ إلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا دَمٌ وَاحِدٌ ا هـ .

( فَصْلٌ ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ ، وَهُوَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَتَنَاسُلُهُ فِي الْبَرِّ ، وَبَحْرِيٌّ ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلِدَ هُوَ الْأَصْلُ ، وَالتَّعَيُّشُ بَعْدَ ذَلِكَ عَارِضٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ ، وَيَحْرُمُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُحْرِمِ دُونَ الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وقَوْله تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } الْآيَةَ وَالْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ خَارِجَةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا يَجِيءُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ) أَمَّا وُجُوبُهُ بِالْقَتْلِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } وَقَدْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِهِ ، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَ عَطَاءٌ : أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجِبُ بِالدَّلَالَةِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَتْلِ ، وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ فَأَشْبَهَ دَلَالَةَ الْحَلَالِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ، وَأَنَّهُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى الصَّيْدِ ؛ إذْ هُوَ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَتَوَارِيهِ فَصَارَ كَالْإِتْلَافِ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِهِ الْتَزَمَ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّعَرُّضِ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ كَالْمُودَعِ إذْ دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْحَلَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا الْتِزَامَ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالدَّلَالَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الدَّالِّ الْحَلَالِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ ، وَالدَّلَالَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْجَزَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ

الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي الدَّلَالَةِ وَأَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ ، وَأَنْ يَنْفَلِتَ الصَّيْدُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَلَتَ صَارَ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ انْدَمَلَ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّاسِي وَالْعَامِدُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا كَإِتْلَافِ الْأَمْوَالِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } لِأَجْلِ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ الْآيَةِ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } وَالْمُبْتَدِئُ فِي الْحَجِّ ، وَالْعَائِدُ فِيهِ سَوَاءٌ وَكَذَا الْمُبْتَدِئُ فِي الْقَتْلِ ، وَالْعَائِدُ لِمَا ذَكَرْنَا{ فَصْلٌ } ( قَوْلُهُ { وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } ) أَيْ مُحْرِمُونَ جَمْعُ حَرَامٍ كَرُدُحٍ فِي جَمْعِ رَدَاحٍ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ أَيْ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ عَالِمًا أَنَّ مَا يَقْتُلُهُ مِمَّا يَحْرُمُ قَتْلُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ ، أَوْ رَمَى صَيْدًا ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَهُوَ مُخْطِئٌ ا هـ مَدَارِكُ ( قَوْلُهُ : وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَدَارِكِ : وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّعَمُّدُ فِي الْآيَةِ مَعَ أَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ يَسْتَوِي فِيهَا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْآيَةِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ فَقَدْ رُوِيَ { أَنَّهُ عَنَّ لَهُمْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ حِمَارُ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْيُسْرِ فَقَتَلَهُ فَقِيلَ لَهُ : إنَّك قَتَلْتَ الصَّيْدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَنَزَلَتْ } وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِعْلُ التَّعَمُّدِ ، وَالْخَطَأُ يُلْحَقُ بِهِ لِلتَّغْلِيظِ ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ نَزَلَ الْكِتَابُ بِالْعَمْدِ ، وَوَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالْخَطَأِ ا هـ مَدَارِكُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62