كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ ) لَيْسَ هَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ ا هـ ثُمَّ إنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَسْتَ لِأُمِّك لَا يُحَدُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَذَاكَ لِأَنَّهُ صَدَقَ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْآبَاءِ لَا إلَى الْأُمَّهَاتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي غَضَبٍ ) ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافَ الْأُولَى وَفِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْغَضَبُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَجِيءُ ا هـ قَالَ فِي النُّقَايَةِ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَيْ حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا بِصَرِيحِهِ أَوْ بِلَسْتَ لِأَبِيك أَوْ بِلَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ بِغَضَبٍ وَهُوَ أَبُوهُ حُدَّ ثَمَانِينَ سَوْطًا قَالَ الشُّمُنِّيُّ وَقَوْلُهُ فِي غَضَبٍ قَيْدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ بِقَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُشْبِهُهُ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّ أُمَّك وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَنْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ إحْصَانُ الْوَاطِئِ بِذَلِكَ قُلْت إنَّمَا وَجَبَ الْحَدُّ لِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَذْفِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ لِأَنَّ الشَّتْمَ إنَّمَا يَكُونُ فِي عَادَاتِ النَّاسِ بِنَفْيِ النَّسَبِ بِالزِّنَا لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَنَحْوِهِ فَيَثْبُتُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك أُمُّك زَانِيَةٌ فَيُحَدُّ الْقَاذِفُ إذَا كَانَتْ هِيَ مُحْصَنَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا إذَا قَالَ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا فَلَا يَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلٌ بَلْ يُحَدُّ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ

يَا حَلِيلَةَ فُلَانٍ لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي غَيْرِهِ لَا كَنَفَيْهِ عَنْ جَدِّهِ وَقَوْلِهِ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ وَيَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ وَنِسْبَتِهِ إلَى عَمِّهِ وَخَالِهِ وَرَابِّهِ ) أَيْ فِي غَيْرِ الْغَضَبِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَمَا لَا يَجِبُ بِنَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ وَالْمُرَادُ بِرَابِّهِ مَنْ رَبَّاهُ وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهِ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كُلُّهَا لَا تَكُونُ قَذْفًا لَمَّا نُبَيِّنُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ أَمَّا إذَا قَالَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَضَبِ لَسْتَ لِأَبِيك وَنَحْوَهُ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا إذَا نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ لَا ابْنُ جَدِّهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ وَعَدَمِ الْفَصَاحَةِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمِصْرِيِّ أَنْتَ رُسْتَاقِيٌّ وَأَنْتَ قَرَوِيٌّ وَيُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا لَا الْقَذْفُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ قَذْفٌ فَيُحَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَا نَبَطِيُّ فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، لَوْ نَسَبَهُ إلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى غَيْرَ قَبِيلَتِهِ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا هُوَ أَوْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ وَكَانَ عَامِرُ بْنُ حَارِثَةَ يُلَقَّبُ بِمَاءِ السَّمَاءِ لِكَرَمِهِ وَقَالُوا بِأَنَّهُ كَانَ يُقِيمُ مَالَهُ فِي الْقَحْطِ مَقَامَ الْقَطْرِ وَسُمِّيَتْ أُمُّ الْمُنْذِرِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بِمَاءِ السَّمَاءِ لِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا وَقِيلَ لِأَوْلَادِهَا بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ وَهُمْ مُلُوكُ الْعِرَاقِ وَأَمَّا إذَا نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ مُرَبِّيهِ فَلِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ عَادَةً مَجَازًا وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ

تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إسْرَائِيلَ وَبَنِيهِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ { قَالُوا نَعْبُدُ إلَهَك وَإِلَهَ آبَائِك إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } وَإِبْرَاهِيمُ كَانَ جَدَّهُ وَإِسْحَاقُ أَبَاهُ وَإِسْمَاعِيلُ عَمَّهُ وَقَالَ تَعَالَى { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } يَعْنِي أَبَاهُ وَخَالَتَهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْخَالُ أَبٌ } وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } قِيلَ إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الْمُرَبِّي فِي الْكِتَابِ دُونَ زَوْجِ الْأُمِّ تُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلتَّرْبِيَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَوْ نَسَبَهُ إلَى مَنْ رَبَّاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِزَوْجٍ لِأُمِّهِ وَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ .

( قَوْلُهُ يَا نَبَطِيُّ ) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ النَّبَطُ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ سَوَادَ الْعِرَاقِ قَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي هَجْوِ طَيِّئٍ هُمْ نَبَطٌ مِنْ أَهْلِ حَوْرَانَ نِصْفُهُمْ وَمِنْ أَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ كَانَتْ سُطُورُهَا وَفَسَّرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ النَّبَطِيَّ بِرَجُلٍ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ ا هـ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَالِقِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْمَقَالَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ كِتَابِ دِيسْقُورِيدُوس وَبِلَادِ الْجَرَامِقَةِ هِيَ بِلَادُ النَّبَطِ وَهِيَ فِي بِلَادِ الرَّها وَالْمُوصِلِ وَالْجَزِيرَةِ فِيمَا وَصَفَهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْسَبُ إلَى الْجَدِّ مَجَازًا مُتَعَارَفًا وَفِي بَعْضِ أَصْحَابِنَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَأَمِيرُ حَاجٍّ جَدُّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ إسْرَائِيلُ ) أَيْ يَعْقُوبُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ } إلَخْ ) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ } إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْعَمَّ وَالْخَالَ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ قِيلَ إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ ) يُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ } ا هـ كَشَّافٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ فَطَلَبَ الْوَالِدُ أَوْ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُهُ ) أَيْ وَلَدُ الْوَلَدِ ( حُدَّ ) لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً بَعْدَ مَوْتِهَا وَلِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ مُطَالَبَةٌ لِوُقُوعِ الْقَدْحِ فِي نَسَبِهِمْ بِقَذْفِهَا فَيُحَدُّ بِطَلَبِهِمْ دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُمْ وَلَا يُطَالِبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ لِأَنَّهُمْ يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ فَكَانَ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ مَعْنًى لِأَنَّ الْعَارَ نَوْعُ ضَرَرٍ وَالضَّرَرُ الرَّاجِعُ إلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ كَالرَّاجِعِ إلَى نَفْسِهِ وَكَذَا النَّفْعُ الرَّاجِعُ إلَيْهِمْ كَالنَّفْعِ الرَّاجِعِ إلَى نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لَهُمْ وَدَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ وَمَنْعَ الْوَكِيلِ مِنْ الْبَيْعِ لَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيهِ لَا إلَى أُمِّهِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِزِنَا أَبِي أُمِّهِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ إذْ النَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ قُذِفَتْ أُمُّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا خَاصَمَ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بِقَذْفِ أَبِيهَا إذْ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا وَلَوْ كَانَ أَصْلُ الْمُحْصَنِ أَوْ فَرْعُهُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ الْقَذْفُ يَتَنَاوَلُهُ مَعْنًى لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِ فَلَا يُطَالِبُ بِالْحَدِّ كَمَا إذَا تَنَاوَلَهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ قَذَفَ نَفْسَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ إذْ الْكُفْرُ أَوْ الرِّقُّ لَا يُنَافِيهِ وَقَدْ عَيَّرَهُ بِنِسْبَةِ مُحْصَنٍ إلَى الزِّنَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْحَدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ فَلَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ عَلَى

الْكَمَالِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ شَرَفِ الْمَنْسُوبِ إلَى الزِّنَا وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ قِيَامِ الْوَلَدِ خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ فَوْقَ مَا يَلْحَقُ وَلَدَ الْوَلَدِ فَصَارَ هُوَ مَعَهُ كَالْمَقْذُوفِ مَعَ وَلَدِهِ فَاعْتُبِرَ هَذَا بِالْكَفَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ فِي الْخُصُومَةِ لِلْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْخُصُومَةِ بِاعْتِبَارِ لُحُوقِ الْعَارِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا قَالَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ } وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ الْإِرْثُ فِي الْقَذْفِ وَهُنَاكَ يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْمَقْذُوفِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَعَهُ حَقٌّ لِأَنَّ حَقَّ الْخُصُومَةِ لَهُ بِاعْتِبَارِ نَيْلِ الْقَاذِفِ مِنْ عَرْضِهِ وَلَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ مَعَ وُجُودِهِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِمَوْتِهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَاعْتِبَارُهُ بِمَوْتِهِ بَاطِلٌ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَلَمْ تُرْجَ خُصُومَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَيًّا وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَقُّ إلَّا لِلْوَارِثِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَأَوْلَادِ بِنْتِهِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَيُورَثُ وَعِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَثُبُوتُ الْخُصُومَةِ لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ كَحَدِّ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِصَاحِبِ الْمَالِ الْخُصُومَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ ) أَيْ مُحْصَنَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكَوْنِ الْأُمِّ مُحْصَنَةً لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَى قَاذِفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ الْإِحْصَانَ فِي الْآيَةِ ثُمَّ الْإِحْصَانُ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ رَجُلَيْنِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ قُبَيْلَ بَابِ الْحَدِّ فَإِنْ أَنْكَرَ الْقَاذِفُ وَعَجَزَ الْمَقْذُوفُ عَنْ الْبَيِّنَةِ لَا يَسْتَحْلِفُ الْقَاذِفَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَثْبُتُ إحْصَانُهَا بِالظَّاهِرِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِوُقُوعِ الْقَدْحِ ) أَيْ الطَّعْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيُحَدُّ بِطَلَبِهِمْ إلَخْ ) هَلْ لِلْأُصُولِ أَوْ الْفُرُوعِ مُطَالَبَةُ قَاذِفِ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ كَانَ سَارِقًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ نَحْوَهُ هَلْ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّعْزِيرِ ذَكَرَهَا فِي آخِرِ الْقُنْيَةِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ فِيهَا نَصٌّ وَلَا جَوَابٌ شَافٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ ) فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقْذِفُ الرَّجُلَ وَهُوَ مَيِّتٌ قَالَ لَا يَأْخُذُ بِالْحَدِّ إلَّا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَعْنِي الْوَالِدَ وَالْجَدَّ وَإِنْ عَلَا وَالْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَدَّ يُسَمَّى أَبًا وَوَلَدَ الْوَلَدِ يُسَمَّى ابْنًا وَلَيْسَ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ أَنْ يَأْخُذُوا بِالْحَدِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِكُلِّ وَارِثٍ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَعِنْدَنَا تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِمَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَقْذُوفُ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالْعَارُ إنَّمَا

يَتَّصِلُ بِالْحَيِّ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا جُزْئِيَّةٌ كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَإِلَّا فَلَا وَلِهَذَا صَارَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْأَخِ لِلْأُخْتِ وَبِالْعَكْسِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَلِهَذَا اقْتَصَرَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا عَلَى قَرَابَةِ الْوِلَادِ دُونَ سَائِرِ الْأَقَارِبِ فَلَمَّا كَانَ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِقَرَابَةِ الْوِلَادِ كَانَ الْوَارِثُ وَغَيْرُ الْوَارِثِ سَوَاءً وَكَذَا الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ سَوَاءً أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ قَذَفَ مَيِّتًا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ وَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ أَنْ يُخَاصِمُوا سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ أَوْ الْوَالِدُ وَارِثًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ أَنْ يُخَاصِمُوا لِأَنَّ النَّقِيصَةَ تَلْحَقُ بِهِمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ ) يَعْنِي وَمِنْهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ، كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا بِأَنْ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَلَا يُطَالِبُ بِهِ الِابْنُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَقْذُوفِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِأَنْ قَذَفَ نَفْسَهُ ) أَيْ بِأَنْ قَذَفَ إنْسَانٌ نَفْسَ الِابْنِ الْكَافِرِ أَوْ الِابْنِ الْعَبْدِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ لِكُفْرِهِ أَوْ رِقِّهِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا حَقُّ خُصُومَةِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَقْرَبِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ } فَعُلِمَ تَرَتُّبُهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْمَ يُشْعِرُ بِهِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ مَعَ وُجُودِهِ ) قَالَ

الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّ لُحُوقَهُ لَهُمَا بِوَاسِطَةِ لُحُوقِهِ لِلْمَقْذُوفِ بِالذَّاتِ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُ مَقْصُودًا فَلَا يُطَالِبُ الْغَيْرُ بِمُوجِبِهِ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ عَنْ مُطَالَبَتِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَيِّتًا فَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ وَلَا لِوَالِدِهِ الْمُطَالَبَةُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْغَائِبُ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ يَثْبُتُ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رَجُلٌ قَذَفَ مَيِّتًا فَلِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْقَاذِفَ وَيَحُدَّهُ وَوَلَدُ الِابْنِ وَوَلَدُ الْبِنْتِ سَوَاءٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يَأْخُذُهُ بِذَلِكَ أَخٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا جَدٌّ أَبُو الْأَبِ وَلَا أُمُّ الْأُمِّ وَلَا عَمَّةٌ وَلَا مَوْلَاةٌ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قُلْت قَدْ ظَهَرَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وِلَايَةِ مُطَالَبَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ بِقَذْفِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ إنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ زُفَرُ عِنْدَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ فَمَا وَجْهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ إذَا قَالَ جَدُّك زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ قُلْنَا ذَاكَ لِلْإِبْهَامِ لِأَنَّ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُسْلِمًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ ابْنُ الزَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِجَدِّهِ الْأَدْنَى فَإِنْ كَانَ أَوْ كَانَتْ مُحْصَنَةً حُدَّ ، ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعَاقَبَانِ بِسَبَبِهِمَا حَتَّى سَقَطَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِمَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ } فَالْحَدُّ أَوْلَى لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِسَبَبِهِ وَكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَادِقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا وَلِأَنَّ مَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ حَقًّا لِلْمَوْلَى فَلَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ أَبٌ وَنَحْوُهُ وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّ بَعْضِهِمْ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعَبِيدِ يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْمِيرَاثِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ بَعْضِهِمْ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءِ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ ضَرُورَةً وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا لِلْعَبْدِ حَقُّ الْخُصُومَةِ إذَا لَحِقَهُ بِهِ شَيْنٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ فَبِسُقُوطِ حَقِّ بَعْضِهِمْ فِي الْخُصُومَةِ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِينَ وَلِهَذَا كَانَ لِلْأَبْعَدِ مِنْهُمْ حَقٌّ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ ) أَيْ الَّتِي قَذَفَهَا فِي حَالِ مَوْتِهَا ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لِابْنِهِ أَوْ لِابْنِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ بَعْدَ وَفَاةِ أُمِّهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ } إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَيْسَ لِلْوَلَدِ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ إذَا كَانَ الْقَاذِفُ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ وَإِنْ عَلَا أَوْ أُمَّهُ أَوْ جَدَّتَهُ وَإِنْ عَلَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهَا ) أَيْ لِزَوْجَتِهِ الْمَيِّتَةِ الَّتِي قَالَ لِوَلَدِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَلَدٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ لَا بِالرُّجُوعِ وَالْعَفْوِ ) يَعْنِي حَدُّ الْقَذْفِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ وَلَا بِالْعَفْوِ وَكَذَا بِمَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَبْطُلُ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ الْعَبْدِ فَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْعَفْوِ وَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّ الْعَبْدِ لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّ فِيهِ الْحَقَّيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شُرِعَ لِصِيَانَةِ عَرْضِ الْعَبْدِ وَلِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ صَارَ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَ إخْلَاءً لِلْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا سُمِّيَ حَدًّا فَلَمَّا تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَدِلَّةُ تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَحْكَامُ أَيْضًا فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُبَاحُ الْقَذْفُ بِإِبَاحَتِهِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ سُقُوطِهِ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ إلَى أَنْ يَثْبُتَ وَلَا يُورَثُ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ إحْصَانُهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ ، وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ ، وَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى سَائِرِ الْحُدُودِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرَّجْمِ ، وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَإِذَا تَعَارَضَ فِيهِ الْحَقَّانِ كَانَ الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَقَّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ ، وَنَحْنُ رَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَقْصُودِ وَالِاسْم فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ فَكَانَ فِيهِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ

يَرْجِعُ إلَى حَقِّ الْعَامَّةِ فَكَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَتَسْمِيَتُهُ بِالْحَدِّ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِحْصَانُ وَلَا يَحْلِفُ فِيهِ الْقَاذِفُ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ السُّقُوطِ وَلَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَمَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ إذْ الْمَقْصُودُ وَاحِدٌ فَأَمْكَنَ مُرَاعَاتُهُ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَكْسُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْحَقَّانِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُنَا أَمْكَنَ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ عَفْوَهُ يَصِحُّ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ بِهِ كَمَوْتِهِ قُلْنَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ فَيُطَالِبُ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِخِلَافِ مَوْتِهِ حَيْثُ لَا يُطَالِبُ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ بِقَذْفِهِ أَلْحَقَ الْعَارَ بِالْمَقْذُوفِ قَصْدًا وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ تَبَعًا فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُ الْقَصْدِيُّ بِالْمَوْتِ بَطَلَ الضِّمْنِيُّ ضَرُورَةً وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ وَأَجَابَ عَنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِجَوَابٍ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِنَا فَقَالَ فِي تَفْوِيضِ الْإِقَامَةِ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى الْإِقَامَةِ وَإِنَّمَا لَا يُورَثُ لِكَوْنِهِ مُجَرَّدَ حَقٍّ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مِلْكِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ مَوْلًى عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْإِقَامَةِ وَلِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي الْعَفْوِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ رِضًا بِالْعَارِ وَالرِّضَا بِالْعَارِ عَارٌ وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ

.

( قَوْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْطُلُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ إلَخْ ) أَيْ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لَا لِصِحَّةِ عَفْوِهِ بَلْ لِتَرْكِ طَلَبِهِ حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ يُحَدُّ ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا ( قَوْلُهُ وَكَذَا بِمَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَبْطُلُ ) أَيْ الْبَاقِي عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ فَيَرِثُ الْوَارِثُ الْبَاقِيَ فَيُقَامُ عَلَيْهِ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَحَقَّ الْعَبْدِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ ) أَيْ كَالْقِصَاصِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ ) أَيْ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ ) أَيْ كَالْعُقُوبَاتِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ التَّالِفِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ ) أَيْ فَإِنَّهُ بَعْدَمَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْقَذْفُ وَالْإِحْصَانُ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ خُصُومَتَهُ شَرْطٌ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ يَصِحُّ الْعَفْوُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ ) أَيْ إذَا عَلِمَهُ فِي أَيَّامِ قَضَائِهِ وَلِذَا لَوْ قَذَفَ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي حَدَّهُ ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يُسْتَقْضَى ثُمَّ وَلِيَ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ حَتَّى يُشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ ، ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا سَمِعَ إنْسَانًا يَقْذِفُ إنْسَانًا وَطُولِبَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ لَا يَحْتَاج الْمَقْذُوفُ إلَى بَيِّنَةٍ بَلْ يَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي وَهُوَ سَمَاعُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ

وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْكَذِبِ أَمَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَفِيهِ الْحَقَّانِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِوُجُودِ الْمُكَذِّبِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَلِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ أَلْحَقَ الشَّيْنُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ يَكُونُ ذَلِكَ إبْطَالًا وَإِسْقَاطًا لِحَقِّ الْغَيْرِ فَلَا يُقْبَلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ ) يَعْنِي الْبَزْدَوِيَّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَبْسُوطِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَأَطْلَقَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَالْعِبَارَتَانِ صَحِيحَتَانِ أَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ مِنْ حَقِّهِ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ الشَّيْنِ بِقَذْفِهِ وَتَنَاوُلِهِ مِنْ عِرْضِهِ وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْ لَمْ يُحَدَّ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الْحَدِّ لَا الْمُطَالَبَةِ إذْ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ لِآخَرَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يُطَالِبُ وَمِلْكُ الثَّمَنِ لِلْآمِرِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ وَكِيلًا فَإِنَّ قَبْضَ الْعَبْدِ إلَيْهِ وَالْمِلْكَ لِلْآمِرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَى الْإِمَامِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْإِمَامَةُ أَيْ لِمَنْ وَلِيَ الْإِمَامَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالرِّضَا بِالْعَارِ عَارٌ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ا هـ أَيْ كَوْنُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُغَلَّبًا أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِ حَقِّ الْعَبْدِ مُغَلَّبًا وَعَلَى الْأَوَّلِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ وَعَنَى الصُّعُودَ حُدَّ ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَارْقَأْ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنْئًا فِي الْجَبَلِ أَيْ صُعُودًا وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادًا وَحَرْفُ " فِي " لَا يُنَافِي الصُّعُودَ كَمَا فِي الْبَيْتِ وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يُورِثَ الشُّبْهَةَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ لِلْفَاحِشَةِ لَا لِلصُّعُودِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ زَنَأْتُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَبَلَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لَا يُنَافِي الْفَاحِشَةَ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ يُقَالُ دَأْبَةٌ وَشَأْبَةٌ وَبَيْأَضٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزُ مِنْ غَيْرِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا يُلَيِّنُونَ الْمَهْمُوزَ كَرَاسٍ وَآدَمَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَهْمُوزِ وَالْمُلَيَّنِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْنِ بِهِ الصُّعُودَ يَجِبُ الْحَدُّ إجْمَاعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا أَوْ كَانَ مُحْتَمِلًا لَمَا وَجَبَ وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ وَدَلَالَةُ الْحَالِ تُرَجِّحُ جَانِبَ الْفَاحِشَةِ وَاسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ فِي بِمَعْنَى كَلِمَةِ عَلَى مَجَازٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِأَصْلُبَنكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } فَلَا تُزَاحِمُ الْحَقِيقَةَ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِهَا وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ زَنَيْتُ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الزِّنَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَلَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ قِيلَ يُحَدُّ وَقِيلَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تُسْتَعْمَلُ فِي الصُّعُودِ وَفِي الْكَوْنِ فَوْقَهُ يُقَالُ زَيْدٌ

عَلَى الْفَرَسِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ فَيُعْتَبَرُ الظَّاهِرُ أَوْ الْمُحْتَمَلُ فِي الْحُدُودِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ .( قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً ) أَيْ وَقَدْ أَرَادَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ وَلَا يُحَدُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَارْقَأْ إلَى آخِرِ الشَّعْرِ ) وَأُوِّلَ الشِّعْرُ أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك أَوْ أَشْبِهْ جَمَلَ وَلَا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكُلْ يُصْبِحُ فِي مَضْجَعِهِ قَدْ انْجَدَلَ وَارْقَأْ إلَى الْخَيْرَاتِ إلَخْ الْجَمَلُ بِالْجِيمِ اسْمُ رَجُلٍ أَبِيٍّ حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ وَهُوَ جَمَلُ بْنُ سَعْدٍ وَالْهِلَّوْفُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْكُلُّ الْعِيَالُ وَالِانْجِدَالُ السُّقُوطُ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ قَالَتْ امْرَأَةٌ إلَخْ مَا نَصُّهُ أَيْ وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا وَقَوْلُهُ وَارْقَأْ هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي الْمَهْمُوزِ رَقَأْتُ الدَّرَجَةَ لُغَةً مِنْ رُقِّيت وَأَنْشَدَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي مَادَّةِ هَلَفَ وَأَرَقَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُعْتَلٌّ لَا مَهْمُوزٌ ا هـ وَقَوْلُهُ أَوْ أَشْبِهْ جَمَلَ أَنْشَدَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي مَادَّةِ هَلَفَ أَوْ أَشْبِهْ عَمَلَ ثُمَّ قَالَ وَعَمَلُ اسْمِ رَجُلٍ وَهُوَ خَالُهُ تَقُولُ لَا تُجَاوِزْنَا فِي الشَّبَهِ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الزِّنَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ) أَيْ وَلَوْ قَالَ زَنَأْتُ بِدُونِ الصِّلَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ قَذْفًا بِدُونِ النِّيَّةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ هُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَعْرِفُونَ بِهِ إلَّا الْقَذْفَ ا هـ كَاكِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ يَا زَانِي وَعَكَسَ حُدَّا ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي وَعَكَسَ الْآخَرُ بِأَنْ قَالَ لَا بَلْ أَنْتَ يُحَدَّانِ جَمِيعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ الزَّانِي لِأَنَّ كَلِمَةَ بَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنْ جَعْلِ الْحُكْمِ لِلْأَوَّلِ وَإِثْبَاتِهِ لِلثَّانِي وَزِيدَتْ لَا مَعَهَا لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْإِضْرَابِ فَيَصِيرُ قَاذِفًا .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَعَكَسَتْ حُدَّتْ وَلَا لِعَانَ ) يَعْنِي عَكَسَتْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ قَالَتْ لَا بَلْ أَنْتَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاذِفًا لِصَاحِبِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِأَنَّ فِي بِدَايَتِهِ فَائِدَةً وَهُوَ إبْطَالُ اللِّعَانِ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلِّعَانِ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا لِأَنَّ الْمُلَاعِنَةَ تُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ إحْصَانَهُ لَا يَبْطُلُ بِاللِّعَانِ وَالْمَحْدُودُ لَا يُلَاعِنُ لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ بِهِ فَيَحْتَالُ لِدَفْعِ اللِّعَانِ إذْ هُوَ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَلَا يُقَالُ قَدْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ تَقْدِيمَ الْحَدِّ وَهُوَ قَذْفُهُ لَهَا سَابِقًا عَلَى قَذْفِهَا لَهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا تَقَاذَفَا يُحَدَّانِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ يَبْدَأُ بِهِ مَنْ بَدَأَ بِالْقَذْفِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَهَذَا نَظِيرُهُ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ حَيْثُ صَارَ قَاذِفًا لَهَا وَلِأُمِّهَا فَقَذْفُهَا يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُ أُمِّهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِيَنْتَفِيَ اللِّعَانَ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَتْ زَنَيْتُ بِك بَطَلَا ) أَيْ قَالَتْ ذَلِكَ جَوَابًا لِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَإِنَّمَا بَطَلَ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ بِهِ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَهِيَ صَدَّقَتْهُ مِنْ وَجْهٍ بِقَوْلِهَا زَنَيْتُ بِك لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ مِنْهَا بِأَنَّهَا زَنَتْ فَيَسْقُطُ اللِّعَانُ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِأَنَّهَا قَذَفَتْهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا هُوَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَيْ زِنَايَ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي مَا مَكَّنْتُ أَحَدًا غَيْرَك وَلَا حَصَلَ مِنَى فِعْلُ الزِّنَا

وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ أَغْضَبَهَا وَآذَاهَا فَتُغْضِبُهُ وَتُؤْذِيهِ مُتَمَسِّكَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ } وَسَمَّتْهُ زِنًا لِلْمُقَابَلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِنًا حَقِيقَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ مُصَدِّقَةً وَلَا قَاذِفَةً لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَيَجِبُ اللِّعَانُ بِقَذْفِهِ فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لَا يَجِبُ مِنْهُمَا بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَتْ لَهُ ابْتِدَاءً زَنَيْتُ بِك ثُمَّ قَذَفَهَا هُوَ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ زَنَيْتُ مَعَك بَدَلَ قَوْلِهَا زَنَيْت بِك لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنِّي زَنَيْتُ بِحُضُورِك وَأَنْتَ تَشْهَدُ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لَهُ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ زَنَيْت بِك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ غَيْرَ أَنَّهَا صَدَّقَتْهُ فَبَطَلَ مُوجِبُ قَذْفِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا هُوَ فَوَجَبَ مُوجِبُ قَذْفِهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَصْدِيقِهَا وَعَدَمِ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ الزَّوْجَةِ .( قَوْلُهُ تَقْدِيمَ الْحَدِّ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ اللِّعَانُ ا هـ ( قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ } ) التِّلَاوَةُ بِالْوَاوِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ لَاعَنَ ) لِأَنَّ نَفْيَ وَلَدِ امْرَأَتِهِ يُوجِبُ اللِّعَانَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ اللِّعَانِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ ذَلِكَ مِنْ تَصْدِيقٍ أَوْ تَفْرِيقٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَكَسَ حُدَّ ) أَيْ قَالَ عَكْسَ الْأَوَّلِ بِأَنْ نَفَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّهُ وَلَدُهُ وَإِنَّمَا يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بَعْدَ مَا نَفَاهُ سَقَطَ اللِّعَانُ وَوَجَبَ الْحَدُّ لِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ وَهَذَا لِأَنَّ اللِّعَانَ حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صِيرَ إلَيْهِ لِلتَّكَاذُبِ فَإِذَا بَطَلَ التَّكَاذُبُ بِالْإِكْذَابِ صِيرَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْحَدُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْوَلَدُ لَهُ فِيهِمَا ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ نَفْيُ نَسَبِهِ نَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي اللِّعَانِ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك بَطَلَا ) أَيْ بَطَلَ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ أَصْلًا فَيَكُونُ إنْكَارًا لِلزِّنَا بَلْ هُوَ إنْكَارٌ لِلْوَطْءِ فَلَا يَجِبُ بِمِثْلِهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا فُلَانَةَ وَهُمَا أَبَوَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ .

( قَوْلُهُ أَوْ تَفْرِيقٍ ) أَيْ بِبَيْنُونَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ صِيرَ إلَيْهِ لِلتَّكَاذُبِ ) أَيْ وَالْحَدُّ الْأَصْلِيُّ حَدُّ الْقَذْفِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ إلَخْ ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ كَانَ نَفْيَ الْوَلَدِ فَلَمَّا لَمْ يَنْتَفِ الْوَلَدُ كَيْفَ يَجِبُ اللِّعَانُ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ قَطْعُ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَاللِّعَانُ شُرِعَ بِلَا وَلَدٍ أَلَا تَرَى إذَا تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ مِنْ حِينَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ نَفَى يُلَاعَن بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْقَطِعُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَلَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ يَنْتَفِي النَّسَبُ وَلَا يَجْرِي اللِّعَانُ إلَيْهِ أَشَارَ الْبَزْدَوِيُّ ا هـ دِرَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَمْ يُدْرَ أَبُو وَلَدِهَا أَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ أَوْ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً أَوْ مُسْلِمًا زَنَى فِي كُفْرِهِ أَوْ مُكَاتَبًا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَا يُحَدُّ ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ أَوْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ مِنْ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ أَمَّا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ أَوْ امْرَأَةً لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ فَلِوُجُودِ أَمَارَةِ الزِّنَا لِأَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعْرَفُ مِنْ الزِّنَا ظَاهِرًا فَقَدْ تَمَكَّنَ فِي إحْصَانِهَا شُبْهَةُ الْعَدَمِ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ ظَاهِرًا وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لِأَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ لَا تَزُولُ بِمَوْتِ الْوَلَدِ بَلْ تَتَقَرَّرُ وَلَا تَخْرُجُ هِيَ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَالِدَةً بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ حَيْثُ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِعَدَمِ أَمَارَةِ الزِّنَا لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ فَكَانَ مُؤَكِّدًا لِلْعِفَّةِ وَلَا يُقَالُ اللِّعَانُ فِي جَانِبِهَا قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فَكَانَتْ مَحْدُودَةً فَوَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ قَاذِفُهَا لِأَنَّا نَقُولُ لِعَانُهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِعَانَ الزَّوْجِ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ إذْ لَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي حَقِّ الْكُلِّ لَمَا قُبِلَتْ لِأَنَّ لِعَانَهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فَيَكُونُ مُؤَكِّدًا لِإِحْصَانِهَا وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَأَمَّا إذَا قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً فَلِفَوَاتِ الْعِفَّةِ فَيَكُونُ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ

وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ حُدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ كَأَمَتِهِ الَّتِي حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالرَّضَاعِ أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِخَبَرٍ مَشْهُورٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْقُطُ الْإِحْصَان حَتَّى لَا يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ يُنَافِي مِلْكَ الْمُتْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ فَصَارَ الْوَطْءُ وَاقِعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ فَيَصِيرُ زِنًا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ بِهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُحَرَّمٌ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِثُبُوتِ التَّضَادِّ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِلُّ فَكَيْفَ يَكُونُ فِيهِ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَلَا كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً لِأَنَّ الْحِلَّ فِيهِ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ فَيَكُونُ شُبْهَةً وَلَا يُقَالُ إنَّكُمْ قُلْتُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا وَعَلَى اعْتِبَارِ مَا قُلْتُمْ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا لِوُجُودِ الزِّنَا وَانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُودُ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ أَثَّرَ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَا كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ مِنْ وَجْهٍ فِي سُقُوطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى قَاذِفِهِ حَدٌّ فَاسْتَوَى الْحُكْمَانِ فِي انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَمَّا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَبِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ ، وَمِنْ الْحُرْمَةِ لِعَيْنِهِ جَارِيَةُ ابْنِهِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْأَمَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ وَالْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا وَمِنْهَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا أَوْ زَنَى

أَبُوهُ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الِابْنُ أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْخِلَافُ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مَحَارِمَهُ وَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَوَطِئَهَا كُلُّ ذَلِكَ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ لِثُبُوتِ حُرْمَتِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالنَّصِّ وَإِذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ غَيْرَ مُؤَبَّدَةٍ كَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِوَطْئِهَا وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَمَتَانِ أُخْتَانِ فَوَطِئَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً أَوْ الْحَائِضَ أَوْ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ الْمُحَرَّمَةَ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ فِيهِنَّ وَالْحُرْمَةُ عَارِضٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ثَبَتَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالْوَطْءِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِدَلِيلٍ مُحْتَمَلٍ وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ أَوْ نَوْعُ اجْتِهَادٍ مِنْ حَيْثُ إقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ احْتِيَاطًا فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالْوَطْءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا زَنَى فِي حَالِ كُفْرِهِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَأَمَّا إذَا قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً فَلِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي حُرِّيَّتِهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اخْتَلَفُوا فِي

مَوْتِهِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَالْإِحْصَانُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ .قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً ) أَيْ كَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ) أَيْ قَرِيبًا ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَدُّ قَاذِفِ وَاطِئِ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ وَحَائِضٍ وَمُكَاتَبَةٍ ، وَمُسْلِمٍ نَكَحَ أُمَّهُ فِي كُفْرِهِ ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ثَابِتٌ وَفِيمَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نِكَاحَهُمْ عِنْدَهُ صَحِيحٌ وَعِنْدَهُمَا فَاسِدٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ مَحَارِمَهُمْ وَفِي الْمُكَاتَبَةِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ وَطْؤُهَا حَرَامٌ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ لِخُرُوجِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى لَزِمَهُ الْعُقْرُ بِوَطْئِهَا قُلْنَا مِلْكُهُ فِيهَا ثَابِتٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا جَازَ إعْتَاقُهَا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَوُجُوبُ الْعُقْرِ لَا يُنَافِي الْحِلَّ فَكَيْفَ يُنَافِي الشُّبْهَةَ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُسْتَأْمِنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا ) أَيْ يُحَدُّ مُسْتَأْمِنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا يَقُولُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَسَائِرِ الْحُدُودِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَمُوجِبُهُ إذَا آذَى طَمَعًا فِي أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .قَوْلُهُ وَمُوجِبَهُ ) بِالنَّصْبِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَذَفَ أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مِرَارًا فَحُدَّ فَهُوَ لِكُلِّهِ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَالِانْزِجَارُ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ أَوْ يُحْتَمَلُ حُصُولُهُ فَخَلَا الثَّانِي عَنْ الْمَقْصُودِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَتَمَكَّنَ فِيهِ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فَلَا يُشْرَعُ إذْ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَشَرِبَ حَيْثُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَدَّهُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ إذْ الْأَغْرَاضُ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا صِيَانَةُ الْأَنْسَابِ وَمِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صِيَانَةُ الْأَعْرَاضِ وَمِنْ حَدِّ الشُّرْبِ صِيَانَةُ الْعُقُولِ فَلَا يَحْصُلُ بِكُلِّ جِنْسٍ إلَّا مَا قُصِدَ بِشَرْعِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ جُلِدَ لِلْقَذْفِ إلَّا سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يُتَمُّ الْأَوَّلُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ وَلَوْ ضُرِبَ لِلزِّنَا أَوْ لِلشُّرْبِ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ ثُمَّ زَنَى أَوْ شَرِبَ ثَانِيًا حُدَّ حَدًّا مُسْتَأْنَفًا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْقَذْفِ يُنْظَرُ فَإِنْ حَضَرَ الْأَوَّلُ إلَى الْقَاضِي يُتَمَّمُ الْأَوَّلُ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي وَإِنْ حَضَرَ الثَّانِي وَحْدَهُ يُحَدُّ حَدًّا مُسْتَأْنَفًا لِلثَّانِي وَبَطَلَ الْأَوَّلُ وَلَوْ قَذَفَ عَبْدٌ فَأُعْتِقَ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فَأَخَذَهُ الْأَوَّلُ فَضُرِبَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ أَخَذَهُ الثَّانِي يُتَمُّ لَهُ ثَمَانُونَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَتَدَاخَلُ إلَّا إذَا قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ وَاحِدًا بِزِنًا وَاحِدٍ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ عِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا تَدَاخُلَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَعِنْدَنَا الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَتَدَاخَلُ وَحُكِيَ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى كَانَ قَاضِيًا بِالْكُوفَةِ فَسَمِعَ رَجُلًا يَوْمًا يَقُولُ عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ

فَأَمَرَ بِأَخْذِهِ فَأُدْخِلَ الْمَسْجِدَ فَضَرَبَهُ حَدَّيْنِ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ لِقَذْفِهِ الْوَالِدَيْنِ فَأُخْبِرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ فَقَالَ يَا لِلْعَجَبِ مِنْ قَاضِي بَلَدِنَا قَدْ أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : حَدَّهُ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةِ الْمَقْذُوفِ وَضَرْبَهُ حَدَّيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ ، وَلَوْ قَذَفَ أَلْفًا ، وَوَالَى بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ ، وَحَدَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { جَنِّبُوا صِبْيَانَكُمْ مَسَاجِدَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ } وَالْخَامِسُ يَنْبَغِي أَنْ يَكْشِفَ أَنَّ الْمَقْذُوفَيْنِ حَيَّانِ أَوْ مَيِّتَانِ لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى وَلَدِهِمَا فَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَلَى وَاحِدٍ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ بِأَنْ قَذَفَ وَزَنَى وَشَرِبَ وَسَرَقَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَلَا يُوَالِي بَيْنَهَا خِيفَةَ الْهَلَاكِ بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَبْدَأَ بِحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ لَا لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ ثُمَّ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ شَاءَ بِالْقَطْعِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ إذْ هُمَا ثَابِتَانِ بِالْكِتَابِ وَيُؤَخِّرُ حَدَّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا جِرَاحَةٌ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بُدِئَ بِالْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ حَذَفَ الْقَذْفَ ثُمَّ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ( قَوْلُهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ إلَخْ ) فَرْعٌ قَذَفَ رَجُلًا فَحُدَّ لِقَذْفِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا هَلْ يُحَدُّ ثَانِيًا يُنْظَرُ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِشَيْءٍ قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ .

( فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ ) لَمَّا ذَكَرَ الْحُدُودَ وَهِيَ الزَّوَاجِرُ الْمُقَدَّرَةُ شَرَعَ فِي الزَّوَاجِرِ غَيْرِ الْمُقَدَّرَةِ إذْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ كَالْحُدُودِ وَهُوَ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالرَّدْعِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاضْرِبُوهُنَّ } الْآيَةَ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَرْفَعْ عَصَاك عَنْ أَهْلِك } وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَزَّرَ رَجُلًا قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مُخَنَّثُ وَحَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ } وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِهِ فِي كَبِيرَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ ثُمَّ هُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْحَبْسِ وَقَدْ يَكُونُ بِالصَّفْعِ وَبِتَعْرِيكِ الْآذَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ أَوْ بِالضَّرْبِ وَقَدْ يَكُونُ بِنَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ عَلَى مَا تَقْتَضِي جِنَايَتُهُمْ فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِيهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْلُغَ غَايَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْكَبِيرَةِ كَمَا إذَا أَصَابَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلَّ مُحَرَّمٍ سِوَى الْجِمَاعِ أَوْ جَمَعَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ فِي الدَّارِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ وَكَذَا يُنْظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَنْزَجِرُ بِالْيَسِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْكَثِيرِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ التَّعْزِيرُ عَلَى مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْعَلَوِيَّةُ ، بِالْإِعْلَامِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْأُمَرَاءُ وَالدَّهَاقِينُ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ وَالْحَبْسِ وَتَعْزِيرُ الْأَخِسَّةِ بِهَذَا كُلِّهِ وَالضَّرْبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْأَمْوَالِ جَائِزٌ

لِلْإِمَامِ وَسُئِلَ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ قَالَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ لَهُ الْقَتْلُ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ حَلَّ لَهُ قَتْلُهَا أَيْضًا وَفِي الْمُنْيَةِ رَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ يَزْنِي بِهَا أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ وَهُمَا مُطَاوِعَتَانِ قَتَلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ جَمِيعًا .

( فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ ) فَرْعٌ لِلْمَوْلَى تَعْزِيرُ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَحُدُّ عَبْدَهُ إلَّا بِإِذْنِ إمَامِهِ ا هـ وَذُكِرَ هُنَاكَ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَيَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَاضْرِبُوهُنَّ ) أَمْرٌ بِضَرْبِ الزَّوْجَاتِ تَأْدِيبًا وَتَهْذِيبًا لَهُنَّ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا ) يَعْنِي فَيَنْزَجِرُ بِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْأَمْوَالِ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ ) وَعِنْدَهُمَا وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ بِأَخْذِ الْمَالِ ا هـ كَاكِيٌّ وَفَتْحٌ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ سَمِعْت مِنْ ثِقَةٍ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ أَوْ الْوَالِي جَازَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْمَشَايِخِ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَهُ قَتْلُهَا أَيْضًا ) وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ تَعْزِيرًا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا وَصَرَّحَ فِي الْمُنْتَقَى بِذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ وَالشَّارِعُ وَلِيُّ كُلِّ أَحَدٍ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ } الْحَدِيثَ بِخِلَافِ الْحُدُودِ لَمْ يَثْبُتْ وِلَايَتُهَا إلَّا لِلْوُلَاةِ وَبِخِلَافِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَجِب حَقًّا لِلْعَبْدِ بِالْقَذْفِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَا فِيهِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا أَوْ مُسْلِمًا بِيَا فَاسِقُ يَا كَافِرُ يَا خَبِيثُ يَا لِصُّ يَا فَاجِرُ يَا مُنَافِقُ يَا لُوطِيُّ يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا دَيُّوثُ يَا مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ يَا زِنْدِيقُ يَا قَرْطَبَانُ يَا مَأْوَى الزَّوَانِي أَوْ اللُّصُوصِ يَا حَرَامٌ زَادُهُ عُزِّرَ ) لِمَا رَوَيْنَاهُ لِأَنَّهُ آذَاهُ بِإِلْحَاقِ الشَّيْنِ بِهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَتَفْسِيرُ قَرْطَبَانِ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَحْرَمِهِ رَجُلًا فَيَدَعُهُ خَالِيًا بِهَا وَقِيلَ هُوَ السَّبَبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَمْدُوحٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ امْرَأَتَهُ مَعَ غُلَامٍ بَالِغٍ أَوْ مَعَ مُزَارِعِهِ إلَى الضَّيْعَةِ أَوْ يَأْذَنُ لَهُمَا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ وَعَلَى هَذَا يُعَزَّرُ مَنْ قَالَ يَا سَارِقُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ أَوْ يَا ابْنَ الْكَافِرِ أَوْ النَّصْرَانِيِّ أَوْ قَالَ لِلْمَرْأَةِ يَا قَحْبَةُ وَهِيَ لَا تَكُونُ هِمَّتُهَا ذَلِكَ الْفِعْلَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِيَا كَلْبُ يَا تَيْسُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ يَا حَجَّامُ يَا بِغَاءُ يَا مُؤَاجِرُ يَا وَلَدَ الْحَرَامِ يَا عَيَّارُ يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ يَا سُخْرَةُ يَا ضُحَكَةُ يَا كَشْخَانُ يَا أَبْلَهُ يَا مُوَسْوَسُ لَا ) أَيْ لَا يُعَزَّرُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا لِأَنَّ مِنْ عَادَاتِهِمْ إطْلَاقَ الْحِمَارِ وَنَحْوِهِ بِمَعْنَى الْبَلَادَةِ أَوْ الْحِرْصِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الشَّتِيمَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بِهِ وَيَقُولُونَ عِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَلٍ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ لَا يَلْحَقُهُ شَيْنٌ بِهَذَا الْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ الْقَاذِفَ وَكُلُّ أَحَدٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلَيْسَ بِكَلْبٍ وَلَا حِمَارٍ وَأَنَّ الْقَاذِفَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ وَحَكَى الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فِي زَمَانِنَا فِي مِثْلِ

قَوْلِهِ يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الشَّتْمُ فِي عُرْفِنَا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ مِنْ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ شَيْنًا فِي حَقِّهِ وَتَلْحَقُهُ الْوَحْشَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يُعَزَّرُ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ يَا رُسْتَاقِيُّ وَيَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ .

( قَوْلُهُ يَا مُنَافِقُ ) أَيْ أَوْ يَا يَهُودِيُّ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي إنْ قَالَ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا مَجُوسِيُّ أَوْ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يَا لُوطِيُّ ) وَفِي يَا لُوطِيُّ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَرَادَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ إمَّا فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَمَا لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ يُعَزَّرُ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ إلَخْ قُلْت أَوْ هَزْلِ مَنْ تَعَوَّدَ الْهَزْلَ بِالْقَبِيحِ وَلَوْ قَذَفَهُ بِإِتْيَانِ مَيِّتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ عُزِّرَ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ عُزِّرَ هَكَذَا ذُكِرَ مُطْلَقًا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَذَكَرَهُ النَّاطِفِيُّ وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا قَالَهُ لِرَجُلٍ صَالِحٍ أَمَّا لَوْ قَالَ لِفَاسِقٍ يَا فَاسِقُ أَوْ لِلِّصِّ يَا لِصُّ أَوْ لِلْفَاجِرِ يَا فَاجِرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُنَا أَنَّهُ آذَاهُ بِمَا أَلْحَقَ بِهِ مِنْ الشَّيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّصَافُهُ بِهَذَا أَمَّا مَنْ عُلِمَ فَإِنَّ الشَّيْنَ قَدْ أَلْحَقَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ قَرْطَبَانِ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ ) أَيْ أَوْ أَهْلِهِ ا هـ قَاضِي خَانْ قَالَ ثَعْلَبٌ الْقَرْطَبَانُ الَّذِي يَرْضَى أَنْ يَدْخُلَ الرِّجَالُ عَلَى نِسَائِهِ وَقَالَ الْقَرْطَبَانُ وَالْكَشْخَانُ لَمْ أَرَهُمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَعْنَاهُمَا عِنْدَ الْعَامَّةِ مِثْلُ الدَّيُّوثِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي

يُدْخِلُ الرِّجَالَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي الْكَشْخَانِ يُعَزَّرُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ يَا قَوَّادُ يَا قِرْدُ أَوْ يَا مُقَامِرُ قِيلَ يُعَزَّرُ وَقِيلَ لَا يُعَزَّرُ وَلَوْ قَالَ يَا بَلِيدُ يَا قَذِرُ يُعَزَّرُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ مَحْرَمِهِ رَجُلًا ) أَيْ أَجْنَبِيًّا ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَدَعُهُ خَالِيًا بِهَا ) أَيْ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ السَّبَبُ ) هَذَا الْقِيلُ عَزَاهُ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ إلَى أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ وَالْقَوْلُ الَّذِي قَبْلَهُ عَزَاهُ لِأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَمَّا السَّفَلَةُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُسْلِمُ لَا يَكُونُ سَفَلَةً إنَّمَا السَّفَلَةُ هُوَ الْكَافِرُ وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ السَّفَلَةُ هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا يُقَالُ لَهُ مِنْ وُجُوهِ الذَّمِّ وَالشَّتْمِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ وَيُقَامِرُ وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ السَّفَلَةُ هُوَ الَّذِي إذَا دُعِيَ إلَى طَعَامٍ يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ الْمَائِدَةِ وَقِيلَ هُوَ الطُّفَيْلِيُّ وَقِيلَ هُوَ الْحَائِكُ وَالْحَجَّامُ وَالدَّبَّاغُ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَخْتَلِفُ إلَى الْقُضَاةِ ثُمَّ قَالَ قَاضِي خَانْ وَأَمَّا الْمَاجِنُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا يَسْمَعُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَا تَيْسُ ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ ا هـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ التَّيْسُ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ إذَا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَقَبْلَ الْحَوْلِ جَدْيٌ وَالْجَمْعُ تُيُوسٌ مِثْلَ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ ا هـ ( قَوْلُهُ يَا بِغَاءُ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ الْبِغَاءُ أَنْ يَعْلَمَ بِفُجُورِهَا وَيَرْضَى هَذَا إنْ صَحَّ تَوَسُّعٌ فِي الْكَلَامِ يَا بِغَاءُ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا بِغَاءٌ فَهُوَ وَالْقَرْطَبَانُ سَوَاءٌ ا هـ

( قَوْلُهُ يَا مُؤَاجِرُ ) قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا فِيمَنْ يُؤَاجِرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَا ا هـ ( قَوْلُهُ يَا عَيَّارُ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ رَجُلٌ عَيَّارٌ كَثِيرُ الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ الْعَيَّارُ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يُخَلِّي نَفْسَهُ وَهَوَاهَا لَا يَرْدَعُهَا وَلَا يَزْجُرُهَا وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بِلَا عَمَلٍ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ عَائِرٌ وَعَيَّارٌ ا هـ ( قَوْلُهُ يَا سُخْرَةُ ) يُقَالُ فُلَانٌ سُخْرَةٌ يَتَسَخَّرُ فِي الْعَمَلِ يُقَالُ خَادِمَةٌ سُخْرَةٌ وَرَجُلٌ سُخْرَةٌ أَيْضًا يُسْخَرُ مِنْهُ وَسُخَرَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ يَسْخَرُ مِنْ النَّاسِ كَثِيرًا ا هـ صِحَاحٌ ( قَوْلُهُ يَا ضُحَكَةُ ) يُقَالُ رَجُلٌ ضُحَكَةُ كَثِيرُ الضَّحِكِ وَضُحْكَةٌ بِالتَّسْكِينِ يُضْحَكُ مِنْهُ ا هـ صِحَاحٌ ( قَوْلُهُ يَا كَشْخَانُ ) بِالْخَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا كَشْخَانُ حُكِيَ عَنْ امْرَأَةٍ جَاءَتْ إلَى أَبِي عِصْمَةَ الْمَرْوَزِيِّ وَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي كُلَّ يَوْمٍ يَأْمُرُنِي بِالطَّبْخِ فَقُلْت لَهُ يَوْمًا أَيْ كَشْخَانُ إلَى مَتَى أَطْبُخُ فَقَالَ لِي إنْ كُنْتُ كَشْخَانَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ إنَّ زَوْجَك إذَا سَمِعَ أَنَّ رَجُلًا يَمُدُّ يَدُهُ إلَيْك بِسُوءٍ وَلَا يُبَالِي فَهُوَ كَشْخَانُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ وَضَرَبَكِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ لَيْسَ بِكَشْخَانَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ الْقَاذِفَ ) أَيْ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِ ا هـ كَيْ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا وَفِي رِوَايَةٍ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُقَرِّبُ كُلَّ جِنْسٍ إلَى جِنْسِهِ فَيُقَرِّبُ لِلْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ أَوْ لِلْمُحْصَنِ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صَرْفًا لِكُلِّ نَوْعٍ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيهِ مُضْطَرِبٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي بَعْضِهَا مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ } فَيُعَزَّرُ مِنْ غَيْرِ تَبْلِيغِهِ حَدًّا بِالْإِجْمَاعِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ أَدْنَى الْحُدُودِ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ لِأَنَّ مُطْلَقَ مَا رَوَيْنَا يَتَنَاوَلُهُ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْأُصُولُ وَأَقَلُّهُ ثَمَانُونَ فَنَقَصَ عَنْهُ سَوْطًا وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةً رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ فَعَلَهُ فَقَلَّدَهُ أَوْ اُعْتُبِرَ نَفْسُ الْجُرْمِ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجُرْمِ كَالْحَدِّ فَقَرُبَ الْجُرْمُ الْكَبِيرُ مِنْ أَكْثَرِ الْحَدِّ وَهُوَ مِائَةٌ وَالصَّغِيرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْأَرْبَعِينَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ ) أَيْ أَقَلُّ التَّعْزِيرِ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ فَيَكُونُ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي يُقَيِّمُهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا تَفَاصِيلَهُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (

وَصَحَّ حَبْسُهُ بَعْدَ الضَّرْبِ ) أَيْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ بَعْدَ مَا ضَرَبَهُ لِتَعْزِيرِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لِمَا رَوَيْنَا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الضَّرْبِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ الْحَبْسَ إلَيْهِ إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَهَذَا لِأَنَّهُ يَصْلُحُ تَعْزِيرًا ابْتِدَاءً حَتَّى جَازَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَلِهَذَا لَا يُحْبَسُ بِالتُّهْمَةِ فِي التَّعْزِيرِ لِكَوْنِهِ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ فَيَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّحَقُّقِ فَإِذَا صَلَحَ تَعْزِيرًا ابْتِدَاءً وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ جَازَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الضَّرْبِ مَا تَجُوزُ زِيَادَةُ الضَّرَبَاتِ فِيهِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ إلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ ) لِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّخْفِيفُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ وَيَتَّقِي الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُتَّقَى فِي الْحُدُودِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضْرِبُ فِيهِ الظَّهْرَ وَالْأَلْيَةَ فَقَطْ ثُمَّ ذُكِرَ فِي حُدُودِ الْأَصْلِ تَفْرِيقُ التَّعْزِيرِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يُضْرَبُ فِي التَّعْزِيرِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَمَوْضُوعُ الْأَوَّلِ إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ وَمَوْضُوعُ الثَّانِي إذَا لَمْ يَبْلُغْ .

( قَوْلُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ) يَعْنِي فِي حَقِّ الْأَحْرَارِ لَا فِي الْعَبِيدِ عَلَى مَا سَيَأْتِي آخِرَ الْمَقَالَةِ ا هـ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ بَلَغَ حَدًّا } ) الرِّوَايَةُ بَلَغَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلُ خَطَأٌ بَيِّنٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ بَلَغَ الْحَدَّ فِي غَيْرِ الْحَدِّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ وَلَوْ قِيلَ بَلَّغَ بِالتَّشْدِيدِ لَصَارَ الْمَعْنَى مَنْ بَلَّغَ الْحَدَّ إلَى غَيْرِ الْحَدِّ وَلَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ وَلَوْ قَدَّرْت الْمَفْعُولَ الْأَوَّلَ مَحْذُوفًا لَاحْتَمَلَ الصِّحَّةَ أَيْ بَلَغَ التَّعْزِيرُ حَدًّا وَيَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبِّك } أَيْ بَلِّغْ النَّاسَ ا هـ مُسْتَصْفَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَلَا تَرَى إلَى مَا نَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ حُدُودِ الْأَصْلِ لَا يُمَدُّ فِي التَّعْزِيرِ ، وَيُضْرَبُ وَالْمَضْرُوبُ قَائِمًا أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَا يَبْلُغُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْلُغُ بِهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَالَ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا لَكِنَّ هَذَا فِي تَعْزِيرِ الْحُرِّ أَمَّا فِي تَعْزِيرِ الْعَبْدِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُنْقِصَ خَمْسَةً عَنْ أَرْبَعِينَ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ قَوْلُهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ كَذَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَلِفِ وَقَوْلُ زُفَرَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ

ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ هَكَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَوْلَ زُفَرَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْأَصْلُ هُنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ } مَعْنَاهُ مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِيمَا لَيْسَ بِحَدٍّ يَعْنِي فِي التَّعْزِيرِ إذَا بَلَغَ حَدًّا فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ أَيْ مِنْ الْمُجَاوِزِينَ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ نُقْصَانِ عَدَدِ الْجَلْدِ فِي التَّعْزِيرِ عَنْ الْحَدِّ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِنُقْصَانِ سَوْطٍ عَنْ الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ بَلَغَ حَدًّا } بِلَفْظِ النَّكِرَةِ فَيَتَنَاوَلُ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَدِّ وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ لِأَنَّهُ أَدْنَى حَدِّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ لِأَنَّ الرِّقَّ عَارِضٌ فَنَقَصَ سَوْطًا عَنْهُ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ نَقَصَ عَنْ الثَّمَانِينَ سَوْطًا وَلَا فِقْهَ فِيهِ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى مَعْقُولٌ قَالُوا إنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يُعَزِّرُ رَجُلًا وَقَدْ أَمَرَ بِتِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ وَكَانَ يَعْقِدُ لِكُلِّ خَمْسَةٍ عَقْدًا بِأُصْبُعِهِ فَعَقَدَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَمْ يَعْقِدْ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِنُقْصَانِهَا عَنْ الْخَمْسَةِ فَظَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ وَكَانَ يَعْرِفُ يُضْرَبُ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِهَذَا وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي هَذَا نَقْلٌ عَنْ عُمَرَ لَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو حَنِيفَةَ التَّعْزِيرَ بِحَدِّ الْعَبْدِ وَقِيلَ إنَّ نُقْصَانَ الْخَمْسَةِ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قُلْنَا وَهَذَا لِأَنَّ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَاجِبٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قِيلَ إنَّ أَبَا يُوسُفَ

أَخَذَ النِّصْفَ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَالنِّصْفَ مِنْ حَدِّ الْعَبِيدِ وَأَكْثَرُ حَدِّ الْأَحْرَارِ مِائَةٌ وَأَكْثَرُ حَدِّ الْعَبِيدِ خَمْسُونَ فَأَخَذَ نِصْفًا مِنْ هَذَا وَنِصْفًا مِنْ هَذَا قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ الْمِائَةَ حَدُّ هَذَا وَالْخَمْسُونَ حَدُّ ذَاكَ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ التَّعْزِيرِ بِتَنْصِيفِ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّنْصِيفِ جَزْمًا لَا سِيَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا دَلِيلَ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ أَكْثَرِ الْحَدَّيْنِ وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ عِنْدِي لِتَيَقُّنِ الْأَقَلِّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ وَعَلَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ نِصْفُ الْحَدِّ وَلَيْسَ بِحَدٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ لَيْسَ بِحَدٍّ بَلْ هُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ عَمَّتْ ( قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ ) الرِّوَايَةُ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَلِلتَّشْدِيدِ وَجْهٌ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ أَيْ مَنْ بَلَغَ التَّأْدِيبَ أَوْ بَلَغَ الضَّرْبَ حَدًّا فِيمَا لَيْسَ بِحَدٍّ أَيْ فِي التَّعْزِيرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ مَنْ بَلَغَ التَّعْزِيرَ حَدًّا وَذَلِكَ مُلَوِّثٌ لِلصِّمَاخِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَدٍّ التَّعْزِيرُ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ مَنْ بَلَغَ التَّعْزِيرَ حَدًّا فِي التَّعْزِيرِ فَيَرِدُ مَا قُلْنَا ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ( فُرُوعٌ ) رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا فَاجِرُ أَوْ يَا مُنَافِقُ أَوْ يَا خَبِيثُ أَوْ يَا خِنْزِيرُ أَوْ يَا حِمَارُ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا لُوطِيُّ أَوْ يَا آكِلَ الرِّبَا أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ أَوْ يَا دَيُّوثُ أَوْ يَا مُخَنَّثُ أَوْ يَا خَائِنُ أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ أَوْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُوجَبُ فِيهِ التَّعْزِيرَ أَوْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي أَوْ أَمَةٌ ادَّعَتْ

أَنَّهُ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ أَوْ ادَّعَى أَمْرًا يَجِبُ فِيهِ الْأَدَبُ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ضَرَبَنِي أَوْ شَتَمَنِي أَوْ لَطَمَنِي وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ وَالْإِبْرَاءُ وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي وَلَا يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِالْإِقَامَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ يُؤَدِّبُ الْمَرْأَةَ وَالْمَوْلَى يُؤَدِّبُ الْعَبْدَ وَلَوْ رَأَى إنْسَانًا يَفْعَلُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْهَاهُ وَيَمْنَعَهُ وَيُؤَدِّبَهُ وَيَضْرِبَهُ إنْ كَانَ لَا يَنْزَجِرُ بِالْمَنْعِ بِاللِّسَانِ فَيَجْرِي فِيهِ الْيَمِينُ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى قُبَيْلَ بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي قَوْلُهُ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي أَيْ فَإِنْ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّعْزِيرِ ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا ) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَابِتٌ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَنْكَشِفُ بِحَالٍ وَحُرْمَةَ الْخَمْرِ تَنْكَشِفُ بِالضَّرُورَةِ وَالزِّنَا يُؤَدِّي إلَى قَتْلِ النَّفْسِ بِأَنْ يَتَخَلَّقَ مِنْهُ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ فَيَهْلِكُ وَلِهَذَا شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ بِخِلَافِ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَعْظَمَ كَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَشَدَّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الشُّرْبِ ثُمَّ الْقَذْفِ ) أَيْ ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ مَقْطُوعٌ بِهَا بِمُشَاهَدَةِ الشُّرْبِ وَالْإِحْضَارِ إلَى الْحَاكِمِ مَعَ الرَّائِحَةِ وَجِنَايَةَ الْقَذْفِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَعَجْزُهُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عِفَّةِ الْمَقْذُوفِ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِ وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ جَرَى فِيهِ تَغْلِيظٌ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَتَخْفِيفُ الضَّرْبِ لَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَلِأَنَّ الشَّارِبَ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْقَذْفِ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَيَغْلُظُ عَلَيْهِ الْحَدُّ .( قَوْلُهُ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِ ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ شُهُودَهُ غَابُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ أَبَوْا عَنْ الشَّهَادَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ ) أَيْ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ لِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذْ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ لِلتَّأْدِيبِ فَإِذَا هَلَكَ كَانَ خَطَأً مِنْ الْإِمَامِ وَضَمَانُ خَطَئِهِ فِيمَا يُقِيمُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَعُودُ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ فِي مَالِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْلَافُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَرَمْيِ الْغَرَضِ وَنَحْوِهِ وَلَنَا أَنَّ الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ يَجِبُ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ إذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْوَاجِبُ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ كَالْفِصَادِ وَالْبَزَّاغِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمُعْتَادَ وَكَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى الْآمِرِ فَكَأَنَّهُ أَمَاتَهُ حَتْفَ أَنْفِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ إلَى آخِرِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِلَّا فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ عِنْدَ التَّلَفِ وَإِنْ ضَرَبَهَا لِغَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ وَعَدَّا مِثْلَ مَا ذُكِرَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَعَلَّلَا لِجَوَازِ الضَّرْبِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَتُعَزَّرُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْرِبُهَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَى الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ

وَلَدَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ أَفْضَاهَا حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ الْجِمَاعُ مُبَاحًا وَلَمْ يُقَيِّدَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنْ قَالَ إنَّمَا لَا يَجِبُ هُنَاكَ الضَّمَانُ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَهْرِ قَدْ وَجَبَ فِي ابْتِدَاءِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِمَوْتِهَا كَانَ فِيهِ إيجَابُ ضَمَانَيْنِ بِمُقَابَلَةِ مَضْمُونٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَعَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَزِدْ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى مِائَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا كَانَ يَرَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا عَزَّرُوهُ مِائَةٌ فَإِذَا زَادَ عَلَى مِائَةٍ فَمَاتَ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَحَصَلَ الْقَتْلُ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَبِفِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَتَنَصَّفُ وَيَثْبُتُ التَّعْزِيرُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَشُرِعَ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَالتَّكْفِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ ) سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا إلَخْ ا هـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوَاهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَرْبَعِ خِصَالٍ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَرْبَعِ إحْدَاهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجُ يُرِيدُهَا وَالثَّانِي عَلَى تَرْكِ الْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَالثَّالِثُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَعَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَالرَّابِعُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ مَعْصِيَةٌ ا هـ وَتَنَبَّهْ لِقَوْلِهِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَرْبَعِ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِي فَصْلِ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَرْأَةَ مِنْ الْغَزْلِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهَا تَرْكُ الزِّينَةِ إذَا أَرَادَ الزِّينَةَ وَالثَّانِيَةُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ إذَا أَرَادَ الْجِمَاعَ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَالثَّالِثَةُ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَتَرْكُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالرَّابِعَةُ الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَعْدَ إيفَاءِ الْمَهْرِ قَالَ السُّرُوجِيُّ وَلَا يُجْبِرُ الْمُسْلِمُ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْكَنَائِسِ ا هـ .

( كِتَابُ السَّرِقَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خُفْيَةً قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ مُحْرَزَةٍ بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ ) وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ جَيِّدَةً وَانْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِلْكَ رَجُلٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ سَرِقَةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً لِجَمَاعَةٍ قُطِعَ بِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَيَأْخُذَهَا جُمْلَةً وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي كِيسٍ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ كِيسٍ دِرْهَمًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ فَيَخْرُجَ بِهَا جُمْلَةً لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَتِمُّ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّارِ فَيُعْتَبَرُ الِاتِّحَادُ عِنْدَهُ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَفِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ لِأَنَّهُ يَسْمَعُ كَلَامَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى غِرَّةٍ مِنْهُ وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الِاسْتِسْرَارُ مُرَاعًى فِيهَا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إذَا كَانَتْ بِالنَّهَارِ أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرُ إذَا كَانَتْ بِاللَّيْلِ كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً جَهْرًا لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِالْخُفْيَةِ فِيهِ ابْتِدَاءً لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي النَّهَارِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ وَهِيَ نَوْعَانِ سَرِقَةٌ صُغْرَى وَكُبْرَى فَالصُّغْرَى يُسَارِقُ فِيهَا عَيْنَ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْحِفْظِ وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ خُفْيَةً عَلَى زَعْمِ السَّارِقِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ فَسَرَقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الدَّارِ وَصَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَالسَّارِقُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ قُطِعَ وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ يَعْلَمُ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَالْكُبْرَى يُسَارِقُ فِيهَا عَيْنَ

الْإِمَامِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْآفَاقِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَدِّي لِحِفْظِ الطُّرُقِ وَقَوْلُهُ مَضْرُوبَةٌ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا سَرَقَ فِضَّةً غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَا يُقْطَعُ بِخِلَافِ الْمَهْرِ حَيْثُ يَصِحُّ جَعْلُهَا مَهْرًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْكَامِلِ وَالْمَهْرُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَيَصِحُّ كَيْفَمَا كَانَ وَعَلَى هَذَا أَوَانِي الْفِضَّةِ وَالزُّيُوفُ إذَا سَرَقَهَا وَوَزْنُهَا عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ أَوْ قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ وَوَزْنُهَا أَقَلُّ لَا يُقْطَعُ وَقِيلَ الْمَضْرُوبَةُ وَغَيْرُ الْمَضْرُوبَةِ فِيهِ سَوَاءٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَتَثْبُتُ الْقِيمَةُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِالْقِيَمِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحُدُودِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَزْنُ سَبْعَةٍ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ نِصَابُهُ مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ وَقَالَ مَالِكٌ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَفِي لَفْظٍ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَالثَّلَاثَةُ رُبْعُهَا وَالرُّبْعُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِيمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ يَدَ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا } وَفِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ } قُلْنَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ كَانَتْ قِيمَةُ الْمِجَنِّ الَّذِي قُطِعَ فِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ عَلَيْهِ

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ } وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي قِيمَةِ الْمِجَنِّ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ النِّصَابَ مُقَدَّرٌ بِهِ مَالَ مَالِكٌ إلَى الْأَقَلِّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَمَالَ أَصْحَابُنَا إلَى الْأَكْثَرِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ الْعَشَرَةَ لَمْ يُقْطَعْ بِهَا وَمَا دُونَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ إذْ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْمَرْفُوعِ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ بِمُطْلَقِ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ لَهُ نِصَابٌ مُقَدَّرٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ قُلْنَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمَالِ فَكَذَا بِالنِّصَابِ لِمَا رَوَيْنَا وَحَكَيْنَا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ } الْمُرَادُ بِهِ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَالْحَبْلُ النَّفِيسُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَأَنَّ مِنْ الْحِبَالِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ .

( كِتَابُ السَّرِقَةِ ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الْمَزَاجِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ النُّفُوسِ كُلًّا وَجُزْءًا وَاتِّصَالًا بِهَا شَرَعَ ، فِي بَيَانِ الْمَزَاجِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَأَخَّرَهَا لِكَوْنِ النَّفْسِ أَصْلًا وَالْمَالِ تَابِعًا وَذَلِكَ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لِلزَّجْرِ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِضَيَاعِ نَفْسِ الْوَلَدِ فَكَانَ فِيهِ صِيَانَةُ النَّفْسِ ، وَحَدُّ الشُّرْبِ فِيهِ صِيَانَةُ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْأَجْزَاءِ فِي النَّفْسِ ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لِصِيَانَةِ مَاءِ الْوَجْهِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالنَّفْسِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ قَالَ تَعَالَى { خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خِفْيَةً ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَيْدُ الْخِفْيَةِ احْتِرَازٌ عَنْ النَّهْبِ وَالْغَصْبِ وَالِاخْتِلَاسِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ جَيِّدَةً ) أَيْ حَتَّى لَوْ سَرَقَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةَ أَوْ سَتُّوقَةَ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْوَصْفِ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمَالِيَّةِ كَنُقْصَانِ الْقَدْرِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ إنْ كَانَتْ تَرُوجُ لِأَنَّ بِالرَّوَاجِ صَارَتْ كَالْجِيَادِ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَجَوْدَتُهَا شَرْطٌ وَيُخَالِفُهُ فِي الزُّيُوفِ الرَّائِجَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً ) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخِفْيَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الشَّرِيعَةِ هِيَ هَذَا أَيْضًا وَإِنَّمَا زِيدَ عَلَى مَفْهُومِهَا قُيُودٌ فِي إنَاطَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهَا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ خِفْيَةً سَرِقَةٌ شَرْعًا لَكِنْ لَمْ يُعَلِّقْ الشَّرْعُ بِهِ حُكْمَ الْقَطْعِ فَهِيَ شُرُوطٌ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا قِيلَ السَّرِقَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْأَخْذُ خُفْيَةً مَعَ كَذَا وَكَذَا لَا يَحْسُنُ بَلْ السَّرِقَةُ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الشَّرْعُ

وُجُوبَ الْقَطْعِ هِيَ أَخْذُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ عَشَرَةً أَوْ مِقْدَارَهَا خِفْيَةً عَمَّنْ هُوَ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ لِلْغَيْرِ مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَيُعَمِّمُ الشُّبْهَةَ فِي التَّأْوِيلِ فَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ وَلَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ ذِي الرَّحِمِ الْكَامِلَةِ وَالْفِعْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ مَا لَا مَرَدَّ لَهُ كَالصَّلَاةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَمَا قِيلَ هِيَ فِي مَفْهُومِهَا اللُّغَوِيِّ وَالزِّيَادَاتُ شُرُوطٌ غَيْرُ مَرَضِيٍّ وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا لِلْأَفْعَالِ وَالْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا وَلَوْ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِإِنَّهَا فِي الشَّرْعِ لِلدُّعَاءِ وَالْأَفْعَالُ شَرْطُ قَبُولِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ الدُّعَاءُ قَطُّ هَذَا وَسَيَأْتِي فِي السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ خِلَافٌ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ ) أَيْ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ صَاحِبُ الْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ مُكَابَرَةً جَهْرًا ) أَعْنِي مُقَاتَلَةً بِالسِّلَاحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مُكَابَرَةً ) أَيْ مُغَالَبَةً وَمُدَافَعَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ ) أَيْ فِي الْمِصْرِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا كَابَرَهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا وَأَخَذَ مَالَهُ لَا يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ دَخَلَ خِفْيَةً وَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ فِي اللَّيْلِ لَكِنْ يُقْطَعُ إذْ غَالِبُ السَّرِقَاتِ فِي اللَّيْلِ تَصِيرُ مُغَالَبَةً إذْ قَلِيلًا مَا يَخْفَى الدُّخُولُ وَالْأَخْذُ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَلَيْهِ فُرِّعَ إذَا كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ دُخُولَهُ وَاللِّصُّ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ فِيهَا أَوْ يَعْلَمُهُ اللِّصُّ وَصَاحِبُ الدَّارِ لَا يَعْلَمُ دُخُولَهُ أَوْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ قُطِعَ وَلَوْ عَلِمَا لَا يُقْطَعُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ) أَيْ مَقَامَ الْمَالِكِ بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ يَدِ أَمَانَةٍ أَوْ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَعِيرِ

وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودِعِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُضَارِبِ وَالْغَاصِبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَزْنُ سَبْعَةٍ ) يَعْنِي الْمُعْتَبَرُ فِي وَزْنِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي يُقْطَعُ بِعَشَرَةٍ مِنْهَا مَا يَكُونُ وَزْنُ عَشَرَةٍ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ نِصَابُهُ مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ ) أَيْ مَسْكُوكٌ يُقَوَّمُ بِهِ السِّلَعُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ رُبْعُ دِينَارٍ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الْوَرِقِ أَوْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ بِأَرْبَعِينَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ هَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا نَشَأَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا يَدُ سَارِقِ الْمِجَنِّ وَاخْتَلَفَ فِي تَقْدِيرِهِ الرُّوَاةُ فَبَعْدَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ أَخَذُوا بِالْأَقَلِّ وَبَعْضُهُمْ أَخَذُوا بِالْأَكْثَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تُقْطَعْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَنِ مِجَنٍّ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ ثُمَّ إنَّ مَالِكًا رَوَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ } وَالشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَقْطَعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا } كَذَا قَالَهُ أَبُو عِيسَى فِي جَامِعِهِ وَأَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ وَشَرْحِ الْآثَارِ مُسْنَدًا إلَى عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُمَا قَالَ { قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ } وَأَصْحَابُنَا رَجَّحُوا هَذَا لِأَنَّ فِي الْعَشَرَةِ يَجِبُ الْقَطْعُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيمَا دُونَهَا خِلَافٌ وَالْأَخْذُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِمَا فِيهِ خِلَافٌ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْخِلَافِ إيرَاثُ الشُّبْهَةِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِأَنَّ فِي الْأَقَلِّ شُبْهَةً عَدَمَ الْجِنَايَةِ وَلَا حَدَّ بِالشُّبْهَةِ يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ فِي الْجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ ) أَيْ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْخَوَارِجُ وَثَبَتَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ بِمُطْلَقِ السَّرِقَةِ ) أَيْ حَتَّى إذَا سَرَقَ فَلْسًا قُطِعَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ إلَّا إذَا أَقَرَّ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الْإِقْرَارِ فِيهِ بِعَدَدِ الشُّهُودِ أَصْلُهُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ مَرَّةً مُظْهِرٌ فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالِاعْتِبَارُ بِالشَّهَادَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا تُفِيدُ تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُؤَكِّدَ بِالتَّكْرَارِ لِيَدُلَّ عَلَى الثُّبُوتِ لِأَنَّا نَقُولُ بَابُ الرُّجُوعِ فِيهِ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يُكَذِّبُهُ وَفِي الزِّنَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ بِشْرٌ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِمَا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ ا هـ كَمَالٌ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ قَوْله تَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وَإِنَّمَا خُصَّ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ لِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهِ مُسْنَدًا إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ } وَلِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا لِأَنَّهَا بِالْمُخَالَفَةِ وَالْمُخَالَفَةُ فَرْعُ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ ) أَيْ إذْ لَا يُتَّهَمُ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِمَا يَضُرُّهُ ضَرَرًا بَالِغًا عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ إمَّا صَادِقٌ فَالثَّانِي لَا يُفِيدُ شَيْئًا إذْ لَا يَزْدَادُ صِدْقًا وَإِمَّا كَاذِبٌ فَبِالثَّانِي لَا يَصِيرُ صِدْقًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَكْرَارِهِ ا هـ فَتْحٌ ( فُرُوعٌ ) مِنْ عَلَامَةِ الْعُيُونِ قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ يَعْنِي بِالْإِضَافَةِ قُطِعَ وَلَوْ نَوَّنَ الْقَافَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ سَرَقْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ بَلْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ يُقْطَعُ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَضْمَنُ مِائَةً هَذَا إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمَالَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِسَرِقَةِ مِائَةٍ وَأَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا

لَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَةً بَلْ مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَوَجَبَ الْقَطْعُ فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَالْمِائَةُ الْأُولَى لَا يَدَّعِيهَا الْمُقَرُّ لَهُ بِخِلَافِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَتَيْنِ بَلْ مِائَةً لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنْ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهَا فَوَجَبَ الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِالْمِائَةِ إذْ لَا يَدَّعِيهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْمِائَةِ لَا ضَمَانَ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَّنَ لَا يُقْطَعُ هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَالظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُنَوِّنْ فَكَلَامُهُ دَلَّ عَلَى السَّرِقَةِ الْمَاضِيَةِ كَأَنَّهُ قَالَ سَرَقْت هَذَا الثَّوْبَ وَإِذَا نَوَّنَ فَكَلَامُهُ دَلَّ عَلَى السَّرِقَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ أَسْرِقُهُ مِنَّا لَهُ إذَا قَالَ هَذَا قَاتِلُ زَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ وَإِنْ قَالَ هَذَا قَاتِلٌ زَيْدًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ ) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ التَّكْرَارِ فَيُقْبَلُ بِالْحُدُودِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَإِنْ تَعَدَّدَ وَتَكَثَّرَ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ ) لِأَنَّهُ مِنْ الْحُدُودِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ وَيَجِبُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّةِ السَّرِقَةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَمَكَانِهَا وَيَسْأَلَ الشُّهُودَ عَنْ زَمَانِهَا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ يَلْتَبِسُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى أَشْيَاءَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ خِفْيَةً وَعَلَى تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً مَنْ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ } وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّ مَنْ يُدْخِلُ يَدَهُ مِنْ النَّقْبِ أَوْ مِنْ الطَّاقَةِ وَيَأْخُذُ شَيْئًا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ أَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حِرْزٍ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا بِالتَّقَادُمِ يَسْقُطُ الْحَدُّ دُونَ الْمَالِ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةٌ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هَلْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ السَّارِقِ أَوْ زَوْجٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ جَمِيعُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَاحَةِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ مَا اُسْتُطِيعَ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .

( قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّةِ السَّرِقَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ كَيْفَ سَرَقَ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ نَقَبَ الْبَيْتَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ فَذَهَبَ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي وَكَذَا إذَا نَاوَلَ صَاحِبًا لَهُ عَلَى الْبَابِ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إذْ فِي الْأَوَّلِ مُخْتَلِسٌ لَا هَاتِكٌ لِلْحِرْزِ لِأَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ فِي الْبَيْتِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ الْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ عَلَى الْكَمَالِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى الثَّوْبَ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ حَيْثُ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوجِبَ لِلْقَطْعِ تَمَّ بِهِ وَحْدَهُ وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْمَاهِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ مَا هِيَ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَسْرُوقَ شَيْءٌ تَافِهٌ أَوْ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ أَوْ مَالُ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ مَالٌ فِيهِ شَرِكَةٌ لِلسَّارِقِ أَوْ مَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ دَرَاهِمُ الْمَدْيُونِ أَخَذَهَا السَّارِقُ بِقَدْرِ حَقِّهِ أَوْ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ النِّصَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ نَسَبَاهُ إلَى السَّرِقَةِ لِاسْتِرَاقِ الْكَلَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى { إلَّا مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ } أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدِلْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا بُدَّ إذًا مِنْ السُّؤَالِ عَنْهَا وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الزَّمَانِ بِأَنْ يُقَالَ مَتَى سَرَقَ فَلِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ لِأَنَّ التَّقَادُمَ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْمَكَانِ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ سَرَقَ مِنْ مُسْتَأْمِنٍ فِي دَارِنَا لَا قَطْعَ فِيهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ مُؤَقَّتَةٌ لَا مُؤَبَّدَةٌ أَوْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ الْحِرْزِ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ

فِيهِ أَوْ مِنْ حَمَّامٍ نَهَارًا أَوْ بِاللَّيْلِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْذَنُ بِالدُّخُولِ فِي اللَّيْلِ ا هـ قَوْلُهُ وَأَمَّا السُّؤَالُ إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ثُبُوتُ السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ حَيْثُ لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُقِرَّ عَنْ الزَّمَانِ لِأَنَّ التَّقَادُمَ لَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ وَلَا عَنْ الْمَكَانِ لَكِنْ يَسْأَلُهُ عَنْ بَاقِي الشُّرُوطِ مِنْ الْحِرْزِ وَغَيْرِهِ اتِّفَاقًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَحْبِسَهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُمَا يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْبِسَ الْإِمَامُ السَّارِقَ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ تَعْزِيرًا عَلَيْهِ وَقَدْ { حَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ } وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ بِالْكَفَالَةِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِيمَا مَبْنَاهُ عَلَى الدَّرْءِ وَالْقَطْعُ قَبْلَ التَّعْدِيلِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّلَافِي إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فَتَعَيَّنَ الْحَبْسُ كَيْ لَا يَفُوتَ الْحَقُّ بِالْهَرَبِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ جَمْعًا وَالْآخِذُ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا إنْ أَصَابَ لِكُلٍّ نِصَابٌ ) أَيْ لَوْ سَرَقَ جَمَاعَةُ وَتَوَلَّى الْأَخِذَ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا إذَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ بَيْنَ السُّرَّاقِ أَنْ يَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ وَيَسْتَعِدَّ الْبَاقُونَ لِلدَّفْعِ فَلَوْ امْتَنَعَ الْحَدُّ بِمِثْلِهِ لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ فَيُؤَدِّي إلَى فَتْحِ بَابِ الْفَسَادِ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحَدُّ جَمِيعًا اسْتِحْسَانًا سَدًّا لِبَابِهِ سَوَاءٌ خَرَجُوا مَعَهُ مِنْ الْحِرْزِ أَوْ بَعْدَهُ فِي فَوْرِهِ أَوْ خَرَجَ هُوَ بَعْدَهُمْ فِي فَوْرِهِمْ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّعَاوُنُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْحِرْزِ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْحَامِلِ وَحْدَهُ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ تَوَلَّى الْأَخْذَ الصَّغِيرُ أَوْ الْمَجْنُونُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَطْعُ وَإِنْ أَخَذَ الْكِبَارُ الْعُقَلَاءُ وَجَبَ لِأَنَّ الْآخِذَ هُوَ الْأَصْلُ وَالرِّدْءُ تَبَعٌ فَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْ الْأَصْلِ يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْ التَّبَعِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ قُلْنَا الْحَامِلُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِقُوَّةِ الرِّدْءِ فَصَارُوا مُبَاشِرِينَ مَعْنًى عَلَى مَا يَجِيءُ تَمَامُهُ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى وَشُرِطَ أَنْ يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ إذْ لَا قَطْعَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْطَعُونَ بِنِصَابٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ مُوجِبٌ لِلْقَطْعِ فَإِذَا اشْتَرَكُوا أُجْرِيَ عَلَى جَمِيعِهِمْ كَالْقِصَاصِ قُلْنَا الْقِصَاصُ تَعَلَّقَ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ فَيُنْسَبُ إلَى جَمِيعِهِمْ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ جَمْعًا وَالْآخِذُ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ جَمَاعَةٌ فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخِذَ قُطِعُوا جَمِيعًا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَإِنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي دُخُولِ جَمِيعِهِمْ إذَا اشْتَرَكُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى فِعْلِ السَّرِقَةِ لَكِنْ دَخَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَدْخُلْ غَيْرُهُ فَالْقَطْعُ عَلَى مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ إنْ عُرِفَ بِعَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَعَلَيْهِمْ التَّعْزِيرُ وَلَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الدَّاخِلِ يُعَيِّنُ الدَّاخِلَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمْ مَا لَمْ يَدْخُلُوا الْبَيْتَ لَمْ تَتَأَكَّدْ مُعَاوَنَتُهُمْ بِهَتْكِ الْحِرْزِ بِالدُّخُولِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ اشْتِرَاكُهُمْ لِمَا أَنَّ كَمَالَ هَتْكِ الْحِرْزِ إنَّمَا يَكُونُ بِالدُّخُولِ وَقَدْ وُجِدَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَاعْتُبِرَ اشْتِرَاكُهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) أَيْ أَوْ أَخْرَسُ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ قُلْنَا الْحَامِلُ لَا يَتَمَكَّنُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ كَالْمُخْطِئِ وَالْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُقْطَعُ بِخَشَبٍ وَحَشِيشٍ وَقَصَبٍ وَسَمَكٍ وَطَيْرٍ وَصَيْدٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَنُورَةٍ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ الْأَيْدِي لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ أَيْ الْحَقِيرِ وَمَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ حَقِيرٌ وَالطِّبَاعُ لَا تَضَنُّ بِهِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَفِي آخِذُهُ عَادَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ لِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهَا نَاقِصٌ وَلِهَذَا يُلْقَى بَعْضُهَا فِي الْأَبْوَابِ بَلْ فِي الْقَوَارِعِ كَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِ وَبَعْضُهَا يَنْفَلِتُ فَيَفِرُّ وَيَضِيعُ فَتَنْقُصُ الرَّغَبَاتُ فِيهِ كَمَا تَنْقُصُ فِي الْقَلِيلِ وَلِمِثْلِهِ لَا يُشْرَعُ الزَّاجِرُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْعَامَّةَ الَّتِي كَانَتْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ تُورِثُ الشُّبْهَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ حَتَّى الْبَطَّ وَالدَّجَاجَ وَفِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا التُّرَابَ وَالطِّينَ وَالسِّرْقِينَ وَهُوَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَوَجَبَ قَطْعُهُ فِيهِ وَكَوْنُهُ يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُبَاحًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَالْفَيْرُوزَجِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ } أَثْبَتَ فِيهِ شَرِكَةً عَامَّةً فَإِذَا انْتَفَتْ الشَّرِكَةُ بِالْإِحْرَازِ حَقِيقَةً تُورَثُ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ كَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَغْنَمِ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ } يُورِثُ شُبْهَةً وَإِذَا ثَبَتَ الشُّبْهَةُ فِي هَذِهِ

الْأَشْيَاءِ وَهِيَ تُوجَدُ مُبَاحَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَذَا فِي أَمْثَالِهَا وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ فَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا سَرَقَهَا عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي تُوجَدُ مُبَاحَةً لَا يُقْطَعُ وَهُوَ الْمُخْتَلِطُ بِالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُقْطَعُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَافِهَةٍ جِنْسًا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِهِ لَا يَتْرُكُهُ فَهَذِهِ عَلَامَتُهُ وَلَا يُقْطَعُ فِي الرُّخَامِ وَلَا فِي الْقُدُورِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَلَا فِي الْمِلْحِ .

( قَوْلُهُ وَصَيْدٍ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَرِّيًّا أَوْ بَحْرِيًّا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَنُورَةٍ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ الزِّرْنِيخُ بِالْكَسْرِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْمَغْرَةُ الطِّينُ الْأَحْمَرُ بِفَتْحَتَيْنِ وَالتَّسْكِينُ تَخْفِيفٌ وَالنُّورَةُ بِضَمِّ النُّونِ حَجَرُ الْكِلْسِ ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَى أَخْلَاطٍ تُضَافُ إلَى الْكِلْسِ مِنْ زِرْنِيخٍ وَغَيْرِهِ وَتُسْتَعْمَلُ لِإِزَالَةِ الشَّعْرِ ا هـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَهَمَزُوا ( وَالنُّورَةُ ) خَطَأٌ ا هـ كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ وَمَغْرَةٍ وَنُورَةٍ أَيْ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ الْوَسْمَةُ وَالْحِنَّاءُ وَقِيلَ إنَّ فِي الْوَسْمَةِ وَالْحِنَّاءِ يُقْطَعُ فِي بِلَادِنَا لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي إحْرَازِهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ) قَيَّدَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَا يُوجَدُ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ حَقِيرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ بِصُورَتِهِ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ وَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ فَإِنَّ فِيهَا الْقَطْعَ لِتَغَيُّرِهَا عَنْ الصُّورَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ ) لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْمَعَادِنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالصُّفْرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَحْجَارِ لِكَوْنِهَا مَرْغُوبًا فِيهَا فَيُقْطَعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَعَلَى نَظَرِ بَعْضِهِمْ فِي الزِّرْنِيخِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِهِ لِأَنَّهُ يُحَازُ وَيُصَانُ فِي دَكَاكِينِ الْعَطَّارِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُدْخَلُ الدُّورَ لِلْعِمَارَةِ فَكَانَ إحْرَازُهُ نَاقِصًا بِخِلَافِ السَّاجِ وَالْآبِنُوسِ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَسْمِ وَالْحِنَّاءِ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ فِي الدَّكَاكِينِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ غَيْرَ بِنَصْبِ غَيْرَ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ قَوْلِهِ

مُبَاحًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ أَيْ وَهُوَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ ( قَوْلُهُ لَا تَضَنُّ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ ضَنَّ بِالشَّيْءِ يَضَنُّ مِنْ بَابِ تَعِبَ ضَنًّا وَضِنَةٌ بِالْكَسْرِ وَضَنَانَةٌ بِالْفَتْحِ بُخْلٌ فَهُوَ ضَنِينٌ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةً ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَنْقُصُ الرَّغَبَاتُ فِيهِ ) يَعْنِي فَلَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى اسْتِحْصَالِهِ وَعَلَى الْمُعَالَجَةِ فِي التَّوَصُّلِ إلَيْهِ وَالطِّبَاعُ لَا تَضِنُّ إذَا أُحْرِزَ حَتَّى أَنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ وَلَا يُنْسَبُ إلَى الْخِيَانَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّنَةَ بِهَا تُعَدُّ مِنْ الْخَسَاسَةِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ فِيهِ كَمَا دُونَ النِّصَابِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ فَإِنَّ فِيهَا الْقَطْعَ كَمَا بَيَّنَّا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ سَرَقَ طَيْرًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا يُقْطَعُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ بِهِ الطَّائِرَ الَّذِي يَكُونُ صَيْدًا سِوَى الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ فَيَجِبُ فِيهِمَا الْقَطْعُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَهْلِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي جَمِيعِ الطُّيُورِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ ثُمَّ قَالَ وَذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ لَوْ سَرَقَ مِنْ الدَّجَاجِ أَوْ الْبَطِّ أَوْ الْحَمَامِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ ) قَالَ الْكَمَالُ صَوَابُهُ السَّمَكُ الْمَلِيحُ أَوْ الْمَمْلُوحُ ا هـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَمَاءٌ مِلْحٌ وَسَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَهُوَ الْمُقَدَّدُ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ مِلْحٌ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ عَلَى شَجَرٍ وَلَبَنٍ وَلَحْمٍ وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ وَأَشْرِبَةٍ وَطُنْبُورٍ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ سَرِقَةَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَالْمَعَازِفَ أَوْ السَّرِقَةَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ } وَلَا كَثَرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالْكَثَرُ الْجِمَارُ وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ لَهُ لَبَنٌ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ النَّخْلِ وَمَنْ قَالَ الْكَثَرُ الْحَطَبُ أَوْ صِغَارُ النَّخْلِ فَقَدْ أَخْطَأَ ذَكَرَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْجِمَارَ شَحْمُ النَّخْلِ وَالْمُرَادُ بِالتَّمْرِ مَا يَتَسَارَعُ الْفَسَادُ وَهُوَ الرُّطَبُ وَسُئِلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ وَالْعُقُوبَةُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالْجَرِينُ الْمِرْبَدُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الرُّطَبُ لِيَجِفَّ وَالْجِرَانُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُعْصَرُ فِيهِ الْعِنَبُ أَوْ التَّمْرُ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ عَلَى الشَّجَرِ وَالزَّرْعَ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْإِحْرَازُ وَالْقَطْعُ بِدُونِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَيَدْخُلُ فِي اللَّحْمِ الْقَدِيدُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْفَسَادُ وَفِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ الْعِنَبُ وَكَذَا الرُّطَبُ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَبِمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ لِمَا رَوَيْنَا قُلْنَا أَخْرَجَهُ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ لِأَنَّ مَا يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثِّمَارِ عَادَةً وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إذَا سَرَقَهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْغَلَاءِ وَفِي الْقَحْطِ لَا يُقْطَعُ

فِي الطَّعَامِ لِلضَّرُورَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُنْتَقَى لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْخَلِّ يُقْطَعُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَهُوَ مَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْعَسَلِ بِخِلَافِ الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَفِي الْمَعَازِفِ يُتَأَوَّلُ لِكَسْرِهَا وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَطُنْبُورٍ ) الطُّنْبُورُ مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَهُوَ فُنْعُولٌ بِضَمِّ الْفَاءِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَإِنَّمَا ضُمَّ حَمْلًا عَلَى بَابِ عُصْفُورٍ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا كَثَرٍ ) بِفَتْحَتَيْنِ ا هـ مِصْبَاحٌ وَقَوْلُهُ كَثَرٍ بِالْمُثَلَّثَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً ) الْخُبْنَةُ بِالضَّمِّ مَا تَحْمِلُهُ تَحْتَ إبْطِك ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ الْمِرْبَدُ ) مِثْلُ مِقْوَدٍ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ وَالْقَطْعُ بِدُونِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ) أَيْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَ فِي حَائِطٍ مُحْرَزٍ ا هـ كَيْ قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَبِمَا يَتَسَارَعُ إلَخْ ) رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا قَطْعَ فِي طَعَامٍ } وَالْمُرَادُ الطَّعَامُ الَّذِي لَا يَبْقَى وَيَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَمَا فِي مَالِيَّتِهِ قُصُورٌ كَاللَّحْمِ وَالثَّمَرِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقَطْعِ فِي الْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثِّمَارِ ) أَيْ وَفِيهِ الْقَطْعُ وَهَذَا لِأَنَّ ثِمَارَ الْمَدِينَةِ لَا تُؤْوَى إلَّا يَابِسَةً فَيَكُونُ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ الْإِيوَاءِ عَلَى عَادَتِهِمْ وَكَذَا عِنْدَنَا لَا يُقْطَعُ إذَا صَارَتْ تَمْرًا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ الْقَطْعُ ) أَيْ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي الْقَحْطِ لَا يُقْطَعُ فِي الطَّعَامِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا لِأَنَّ هَذَا مَالٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ فَإِذَا كَانَ مُحْرَزًا يُقْطَعُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَامِ السَّنَةِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ سَرَقَ مُتَأَوِّلًا ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ يَعْنِي إذَا كَانَ فِي عَامِ الْقَحْطِ لَا

يُقْطَعُ سَارِقُ الْحِنْطَةِ وَإِنْ كَانَ مُحْرَزًا لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ دَفْعَ ضَرُورَةِ الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ { لَا قَطْعَ فِي عَامِ سَنَةٍ وَلَا فِي عِذْقٍ مُعَلَّقٍ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ ) يُقَالُ أَطْرَبَهُ فَطَرِبَ وَالطَّرَبُ أَنْ يَسْتَخِفَّك فَرَحٌ أَوْ حُزْنٌ وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْأَشْرِبَةُ الْمُسْكِرَةُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ مِنْهَا لِأَنَّ بَعْضَهَا حَرَامٌ كَالْخَمْرِ يَتَأَوَّلُ سَارِقُهَا إرَاقَتَهَا وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِي إبَاحَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي إبَاحَتِهِ يُورِثُ شُبْهَةً فِي عَدَمِ الْمَالِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ ) أَيْ الْمُنْصَفِ وَالْبَاذِقِ وَمَاءِ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالْخَمْرِ وَلَا مَالِيَّةَ لَهُ ا هـ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ ( قَوْلُهُ وَفِي الْمَعَازِفِ ) الْمَعَازِفُ آلَاتٌ يَضْرِبُ بِهَا الْوَاحِدُ عَزْفٌ مِثْلُ فَلْسٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَهُوَ نَقْلٌ عَنْ الْعَرَبِ وَإِذَا قِيلَ الْمِعْزَفُ بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الطَّنَابِيرِ يَتَّخِذُهُ أَهْلُ الْيَمَنِ قَالَ وَغَيْرُ اللَّيْثِ يَجْعَلُ الْعُودَ مِعْزَفًا ا هـ مِصْبَاحٌ قَالَ فِي شَرَحَ الطَّحَاوِيِّ وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الْمَلَاهِي كَالدُّفِّ وَالطَّبْلِ وَالْمِزْمَارِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى كَاسِرِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَأَوْجَبَ قُصُورًا فِي مَالِيَّتِهَا فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي عَدَمِ الْقَطْعِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ سَرَقَ طَبْلًا لِلْغُزَاةِ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً تَكَلَّمُوا فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ كَمَا يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ يَصْلُحُ لِلَّهْوِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُصْحَفٍ وَلَوْ مُحَلًّى ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ حِلْيَتُهُ نِصَابًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُصْحَفِ فَتُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ لِلتَّمَوُّلِ وَآخِذُهُ يَتَأَوَّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمُصْحَفِ الْقُرْآنُ لَا الْحِلْيَةُ وَالْجِلْدُ وَالْوَرَقُ وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِالْمَالِيَّةِ وَوُجُوبِ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِهَا فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَتْبَاعٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ أَوْ ثَرِيدٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَقِيمَةُ الْأَوَانِي تَبْلُغُ نِصَابًا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِيهَا لِمَا أَنَّهَا تَبَعٌ فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْأَصْلُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَبَرَ التَّبَعُ وَهِيَ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يَصِحُّ الْإِلْزَامُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَفِيهِ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ مَضْرُوبٌ يَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الثَّوْبُ فَكَانَ هُوَ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْدِيلًا قَدْ صُرَّ فِيهِ ذَلِكَ حَيْثُ يُقْطَعُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمِنْدِيلَ يُصَرُّ فِيهِ عَادَةً فَكَانَ مَا فِيهِ مُعْتَبَرًا إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْأَخْذِ ، وَفَرَّقُوا فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا صُرَّ فِيهِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِهِ فَأَوْجَبُوا الْقَطْعَ فِي الْعَالِمِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي ، وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدَّارِ أَوْ أَرَاقَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ الْآنِيَةَ يُقْطَعُ إجْمَاعًا .

( قَوْلُهُ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ ) أَيْ وَلِأَنَّ وَرَقَهُ مَالٌ وَمَا كُتِبَ فِيهِ ازْدَادَ بِهِ وَلَمْ يَنْتَقِصْ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فَأَوْجَبُوا الْقَطْعَ فِي الْعَالِمِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّ سَرِقَتَهُ تَمَّتْ فِي نِصَابٍ كَامِلٍ وَقُلْنَا السَّارِقُ قَصَدَ إخْرَاجَ مَا يُعْلَمُ بِهِ دُونَ مَا لَا يُعْلَمُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ دِرَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَابِ مَسْجِدٍ ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ كَبَابِ الدَّارِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُحْرَزُ بِبَابِ الدَّارِ مَا فِيهَا بِخِلَافِ بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَلِيبِ ذَهَبٍ وَشِطْرَنْجٍ وَنَرْدٍ ) لِأَنَّ مَنْ أَخَذَهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ كَمَا فِي الْمَعَازِفِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهَا التِّمْثَالُ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ بَلْ لِلتَّمَوُّلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا تَأْوِيلُ الْكَسْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَ الصَّلِيبُ فِي مُصَلَّاهُمْ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ فِي حِرْزٍ يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ فِي الْأَوَّلِ وَوُجُودِهِ فِي الثَّانِي .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَابِ مَسْجِدٍ ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ اعْتَادَ هَذَا الْفِعْلَ أَيْ سَرِقَةَ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَيَجِبُ أَنْ يُعَزَّرَ وَيُبَالَغَ فِيهِ وَيُحْبَسَ حَتَّى يَتُوبَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَلِيبِ ذَهَبٍ ) وَالصَّلِيبُ شَيْءٌ مُثَلَّثٌ تَعْبُدُهُ النَّصَارَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَشِطْرَنْجٍ ) بِكَسْرِ الشِّينِ ا هـ كَاكِيٌّ عَلَى وَزْنِ قِرْطَعْبٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ فِي كِتَابِ مَا تَلْحَنُ فِيهِ الْعَامَّةُ وَمِمَّا يُكْسَرُ وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُهُ أَوْ تَضُمُّهُ وَهُوَ الشِّطْرَنْجُ بِكَسْرِ الشِّينِ قَالُوا وَإِنَّمَا كُسِرَ لِيَكُونَ نَظِيرَ الْأَوْزَانِ الْعَرَبِيَّةِ مِثْلَ جِرْدَحْلٍ إذْ لَيْسَ فِي الْأَوْزَانِ الْعَرَبِيَّةِ فَعَلَلٍ بِالْفَتْحِ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ وَنَرْدٍ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ كَمَا فِي الْمَعَازِفِ ) وَيَضْمَنُ مِثْلَ ذَهَبِهِ وَزْنًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الصَّلِيبُ فِي مُصَلَّاهُمْ ) أَيْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِمْ ا هـ ( قَوْلُهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ لِأَنَّهُ بَيْتٌ مَأْذُونٌ فِي دُخُولِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَبِيٍّ حُرٍّ وَلَوْ مَعَهُ حُلِيٌّ ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا عَلَيْهِ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِأَنَّهُ يُتَأَوَّلُ إسْكَاتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ يُسَاوِي النِّصَابَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى وَالْأَوَانِي وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَفِي الْمُمَيِّزِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ لِأَنَّهُ خِدَاعٌ وَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ لِمَا أَنَّ لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَبِيٍّ حُرٍّ ) قُيِّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ كَمَا يَجِيءُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَبِيٍّ حُرٍّ وَلَوْ مَعَهُ حُلِيٌّ ) يَعْنِي لَا قَطْعَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ الْخِلَافَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ هُوَ نِصَابٌ مَكَانَ قَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ا هـ يَعْنِي وَإِلَّا أَوْهَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ وَالزَّيْلَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبِعَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ قَالَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَبْدٍ كَبِيرٍ وَدَفَاتِرَ ) بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَدَفْتَرِ الْحِسَابِ لِأَنَّ سَرِقَةَ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ غَصْبٌ وَخِدَاعٌ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مَالٌ فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ السَّرِقَةُ وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَهُوَ كَالْكَبِيرِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْحُرِّ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ وَإِنْ كَانَ مَالًا مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا اعْتَبَرَا جِهَةَ الْمَالِيَّةِ فِيهِ لِوُجُودِ حَدِّ الْمَالِيَّةِ فِيهِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَفِي إذْنِهِ شَيْءٌ مِثْلُهُ يَقْطَعُ بِاعْتِبَارِ الضَّمِّ وَالدَّفَاتِرِ الْمَقْصُودِ مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ مَا فِيهَا إذْ لَا نَفْعَ فِيهِ لِغَيْرِ صَاحِبِهِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكَاغِدُ وَفِي دَفَاتِرِ الْأَدَبِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ مُلْحَقَةٍ بِالْحِسَابِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَحْكَامٌ وَفِي رِوَايَةٍ مُلْحَقَةٌ بِالْأَحَادِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ فَلَا يُقْطَعُ فِيهَا إذْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا لِمَعْرِفَةِ التَّفْسِيرِ وَالْأَحْكَامِ ثَابِتَةٌ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ نَفْعَهَا مُتَعَدٍّ وَهِيَ مُعَدَّةٌ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَا يُقْصَدُ بِهَا التَّمَوُّلُ فَصَارَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الدَّفَاتِرِ .( قَوْلُهُ وَلَا يُقْصَدُ فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ ) أَيْ وَهِيَ دَفَاتِرُ أَهْلِ الدِّيوَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَفِي الْفَوَائِدِ الْبَدْرِيَّةِ الْمُرَادُ بِدَفَاتِر الْحِسَابِ دَفَاتِرُ أَهْلِ الْعَمَلِ وَالْحِسَابُ الَّذِي أُمْضِيَ حِسَابُهُ فَكَانَ فِيهَا مَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ الْكَوَاغِدَ فَيُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ ا هـ دِرَايَةٌ قَوْلُهُ الَّذِي أُمْضِيَ أَمَّا إذَا لَمْ يَمْضِ حِسَابُهُ يَكُونُ غَرَضُهُ الْكَاغَدَ لَا مَا فِيهِ فَيُقْطَعُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَلْبٍ وَفَهْدٍ ) لِأَنَّ جِنْسَهُمَا يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي مَالِيَّةِ الْكَلْبِ يُورِثُ شُبْهَةً وَلَوْ كَانَ عَلَى الْكَلْبِ طَوْقُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا يُقْطَعُ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَالصَّبِيِّ الْحُرِّ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدُفٍّ وَطَبْلٍ وَبَرْبَطٍ وَمِزْمَارٍ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا وَيَجِبُ كَسْرُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ بِاعْتِبَارِ صَلَاحِيَتِهَا لِغَيْرِ اللَّهْوِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ اللَّهْوُ أَوْرَثَ شُبْهَةً لِأَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكِرِ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِدَرْءِ الْحَدِّ هَذَا إذَا كَانَ لِلَّهْوِ وَإِنْ كَانَ الدُّفُّ أَوْ الطَّبْلُ لِلْغُزَاةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يُقْطَعُ فِيهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ بِهِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ مِنْ اللَّهْوِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدُفٍّ ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَرْبَطٍ ) الْبَرْبَطُ وِزَانُ جَعْفَرٍ مِنْ مَلَاهِي الْعَجَمِ وَلِهَذَا قِيلَ مُعَرَّبٌ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَجَمَاعَةُ الْعَرَبِ تُسَمِّيهِ الْمِزْهَرَ وَالْعُودَ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ قِيلَ يُقْطَعُ فِيهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ا هـ كَاكِيٌّ وَأَيْضًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِخِيَانَةٍ وَنَهْبٍ وَاخْتِلَاسٍ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَالْإِخْفَاءَ شَرْطُ الْقَطْعِ وَعُدِمَا فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ الثَّانِي فِي الْأَخِيرَيْنِ فَانْتَفَى رُكْنُ السَّرِقَةِ وَشَرْطُهَا فَلَمْ يُقْطَعْ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَطَعَ مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ } مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا أَوْ عَلَى أَنَّهُ سِيَاسَةٌ لِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ مِنْهَا( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِخِيَانَةٍ إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ الْكَرْدَرِيِّ الْخَائِنُ مَا يَخُونُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَمَانَةِ كَالْمُودَعِ وَالْخَائِنَةُ لِلْمُؤَنَّثِ وَالِانْتِهَابُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى وَجْهِ الْعَلَانِيَةِ قَهْرًا مِنْ بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَالِاخْتِلَاسُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَيْتِ سُرْعَةً جَهْرًا لَا قَطْعَ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لِعَدَمِ صِدْقِ السَّرِقَةِ عَلَيْهَا ا هـ دِرَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِنَبْشٍ ) أَيْ لَا قَطْعَ بِسَبَبِ نَبْشٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ } لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا يَبْلُغُ نِصَابًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِهِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْحِرْزِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي } وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَة وَلِأَنَّهُ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي السَّرِقَةِ وَالْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ وَالْحِرْزِ وَالْمَقْصُودِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يُسَارِقُ عَيْنَ حَافِظٍ قَصَدَ حِفْظَهُ لَكِنَّهُ انْقَطَعَ حِفْظُهُ بِعَارِضٍ كَنَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَالنَّبَّاشُ لَا يُسَارِقُ عَيْنَ مَنْ قَصَدَ حِفْظَهُ وَإِنَّمَا يُسَارِقُ عَيْنَ مَنْ لَعَلَّهُ يَهْجُمُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِاسْمٍ آخَرَ وَلَا يُسَمَّى سَارِقًا فَلَا تَتَنَاوَلُهُ آيَةُ السَّرِقَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْمَيِّتُ حَقِيقَةً لِعَجْزِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْمَالَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَمِيلُ إلَيْهِ النُّفُوسُ وَتَضِنُّ بِهِ وَهُوَ مَخْلُوقٌ لِمَصَالِح الْآدَمِيِّ وَالطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ تَنْفِرُ عَنْهُ فَضْلًا عَمَّا تَضِنُّ بِهِ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِالْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ فَكَيْفَ يُحْرِزُ غَيْرَهُ وَلَا بِالْقَبْرِ لِأَنَّهُ حُفْرَةٌ فِي الصَّحْرَاءِ فَلَا يَكُونُ حِرْزًا وَلِهَذَا لَوْ دُفِنَ فِيهِ مَالٌ آخَرُ غَيْرَ الْكَفَنِ لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ وَأَمَّا الْخَامِسُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْحُدُودِ تَقْلِيلُ الْفَسَادِ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ وَهَذِهِ الْجِنَايَةُ نَادِرَةٌ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى الزَّاجِرِ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بَلْ

هُوَ مِنْ كَلَامِ زِيَادٍ وَذُكِرَ فِي آخِرِهِ { مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ أَنْفَهُ جَدَعْنَاهُ } وَلَا يَكَادُ يَثْبُتُ هَذَا أَبَدًا وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ فِيمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ إذَا رَأَى الْإِمَامُ فِيهِ مَصْلَحَةً وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ نَبَّاشًا أَتَى بِهِ مَرْوَانُ فَسَأَلَ الصَّحَابَةَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُبَيِّنُوا لَهُ فِيهِ شَيْئًا فَعَزَّرَهُ أَسْوَاطًا وَلَمْ يَقْطَعْهُ وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ تَتَنَاوَلُهُ أَوْ كَانَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ لَبَيَّنُوا لَهُ وَلَا احْتَاجَ هُوَ إلَى مُشَاوَرَتِهِمْ وَلَا كَانُوا يَتَّفِقُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَمَا رُوِيَ فِيهِ مِنْ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ارْتَفَعَ بِإِجْمَاعٍ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ قُلْنَا حِرْزُ الْمِثْلِ لَا يَخْتَلِفُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ كَمَا إذَا سَرَقَ دَابَّةً مِنْ إصْطَبْلٍ يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْهُ لُؤْلُؤًا لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ شَاةً مِنْ حَظِيرَةٍ يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْهَا ثَوْبًا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حِرْزٌ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ وَالشَّاةِ دُونَ اللُّؤْلُؤِ وَالثَّوْبِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُ ثَوْبًا آخَرَ غَيْرَ الْكَفَنِ لَا يُقْطَعُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ حِرْزًا لِلْكَفَنِ لَقُطِعَ فِيهِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ لِأَنَّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ بِالْحِرْزِ لَا تَخْتَلِفُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُقَالُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لَكَانَ تَضْيِيعًا وَبِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَبِ وَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا إذَا كَفَّنَا الصَّغِيرَ مِنْ مَالِهِ فَكَانَ حِرْزًا ضَرُورَةً لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ حِرْزًا لَمَا ضَمِنَا ثَوْبًا آخَرَ لَهُ غَيْرَ الْكَفَنِ بِدَفْنِهِ فِيهِ وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنَانِ بِالتَّكْفِينِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ إلَى حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَبِهِ لَا يَكُونُ تَضْيِيعًا كَإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ وَذَبْحِ الشَّاةِ لِلْأَكْلِ

وَتَنَاوُلِ الطَّعَامِ لِحَاجَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ لَا يُقْطَعُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْخَلَلِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ مَالًا آخَرَ غَيْرَ الْكَفَنِ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ بِالدُّخُولِ فِيهِ زِيَارَةَ الْقَبْرِ وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْكَفَنَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ السَّارِقُ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ الْمَيِّتُ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ بِالدُّخُولِ فِيهِ تَجْهِيزُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ الْكُلِّ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فِيهِ عَادَةً .قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْمَيِّتُ حَقِيقَةً لِعَجْزِهِ ) أَيْ وَلَا الْوَارِثُ لِأَنَّهُ لَوْ نَبَشَ الْقَبْرَ وَأَخَذَ الْكَفَنَ يُقْطَعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَوْ كَانَ مَالِكًا لَهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُقْطَعُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَنْ جَدَعَ أَنْفَهُ ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِإِجْمَاعِ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ ) أَيْ فِي عَصْرِ مَرْوَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَتَنَاوُلِ الطَّعَامِ لِحَاجَتِهِ ) أَيْ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَالُ عَامَّةٍ أَوْ مُشْتَرَكٍ ) أَيْ لَا يُقْطَعُ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فِي مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةً لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شَرِكَةً حَقِيقَةً أَوْ شُبْهَةَ شَرِكَةٍ فَإِنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ وَإِذَا احْتَاجَ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِثْلُ دَيْنِهِ ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَدِينِهِ قَدْرَ دَيْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَالدَّيْنُ حَالٌّ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِدَيْنِهِ وَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَنْ عَلَيْهِ إذَا ظَفِرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يُقْطَعُ قِيَاسًا لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُهُ فَصَارَ كَأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالتَّأْجِيلُ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَكَذَا إذَا سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً وَإِنْ سَرَقَ مِنْ خِلَافٍ جِنْسَ حَقِّهِ فَإِنْ كَانَ نَقْدًا لَا يُقْطَعُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ حُكْمًا وَلِهَذَا كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَطْلُوبِ وَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ عَرْضًا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِيفَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبْدَالٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَإِنَّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِدَيْنِهِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً قُلْنَا هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ لِوُجُودِ الظَّنِّ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ نَقْدًا لَا يُقْطَعُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ دَنَانِيرَ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبْدَالٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي ) أَيْ وَلِهَذَا إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَدْيُونُ الْعُرُوضَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ تَسْلِيمِ الدَّرَاهِمِ حَيْثُ يُجْبَرُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ جِنْسِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ آخُذَ الْعُرُوضَ رَهْنًا بِحَقِّي أَوْ قَضَاءً بِحَقِّي دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا فَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَ خِلَافَ جِنْسِ حَقِّهِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي الْعُرُوضِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْأَخْذَ لِحَقِّهِ لِكَوْنِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ شُبْهَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَحَقُّهُ دَرَاهِمُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا لِحَقِّهِ بَلْ يَصِيرُ بَيْعًا مُبْتَدَأً وَلَوْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ مِنْ غَرِيمِ الْمَوْلَى قُطِعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى وَكَّلَهُمَا بِالْقَبْضِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُمَا وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ أَوْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ قُطِعَ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يُقْطَعُ وَالْمَسَائِلُ مَذْكُورَةٌ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَالْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ ) أَيْ الْأَخْذَ بِحَقِّهِ أَوْ الرَّهْنَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِشَيْءٍ قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ ) أَيْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ شَيْءٍ كَانَ قَدْ سَرَقَهُ مِنْ قَبْلُ وَقُطِعَ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى وَإِنْ تُغَيِّرْ بِأَنْ كَانَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَنَسَجَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ سَرَقَهُ قُطِعَ فِيهِ ثَانِيًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مَعْصُومًا كَامِلَ النِّصَابِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيُقْطَعُ كَالْأُولَى بَلْ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ وَلَا إشْكَالَ فِي عِصْمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ كَانَتْ السَّرِقَةُ وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ يَسْتَلْزِمُ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ حَقًّا لِلْعَبْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ إنْ بَقِيَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ فِيهِ شُبْهَةُ السُّقُوطِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمَالِكِ وَالْمِلْكِ وَالْعَيْنِ وَبَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِسُقُوطِ عِصْمَةِ ذَلِكَ الْمَالِ وَهُوَ الْقَطْعُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ وُجُودُهَا نَادِرٌ فَتُعَرَّى الْإِقَامَةُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَصَارَ نَظِيرُ قَذْفِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ كَعَيْنٍ أُخْرَى حَتَّى تَبَدَّلَ اسْمُهَا وَيَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ بِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ثُمَّ سَرَقَهَا الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ

يُوجِبُ تَبَدُّلَ الْعَيْنِ حُكْمًا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا تَبَدَّلَتْ حَقِيقَةً أَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ : هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ } فَإِنْ قِيلَ حَدُّ الزِّنَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْقَذْفِ كَذَلِكَ قُلْنَا حَدُّ الزِّنَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَالْمُسْتَوْفَى فِي الزِّنَا الثَّانِي غَيْرُ الْمُسْتَوْفَى فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَصَارَ كَشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الْمَشْرُوبَ فِي الثَّانِي غَيْرُ الْمَشْرُوبِ فِي الْأَوَّلِ أَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ فَبِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ بِأَنْ تَغَيَّرَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ ثَانِيًا عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا تَسْقُطُ بِهِ عِصْمَةُ الْمَحَلِّ وَبِحَدِّ السَّرِقَةِ تَسْقُطُ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ عَنْ تِلْكَ الْهَيْئَةِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخُصُومَةِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُصُومَةُ .

( قَوْلُهُ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ ) وَفِي الْمِرْعَزِيَّةِ هَذَا إذَا قَذَفَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزِّنَا أَمَّا لَوْ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الزِّنَا يُحَدُّ ثَانِيًا وَقَدْ مَرَّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا ) أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ قُطْنًا فَصَارَ غَزْلًا أَوْ كَانَ غَزْلًا فَصَارَ ثَوْبًا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْعَيْنَ بِتَبَدُّلِهَا عَنْ حَالِهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ عَيْنٍ أُخْرَى فَلَوْ سَرَقَ عَيْنًا وَقُطِعَ فِيهَا ثُمَّ سَرَقَ عَيْنًا أُخْرَى يُقْطَعُ ثَانِيًا فَكَذَا هُنَا وَلِهَذَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ الْمَغْصُوبِ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ هَكَذَا قَالَ ( قَوْلُهُ ثُمَّ سَرَقَهَا الْأَوَّلُ ) أَيْ السَّارِقُ الْأَوَّلُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ ) وَهُوَ السَّارِقُ ا هـ ( قَوْلُهُ حَدَّ الْقَذْفِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ حَدُّ السَّرِقَةِ وَقَوْلُهُ أَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ إلَخْ يُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَاهُ ا هـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَإِنْ قِيلَ حَدُّ السَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَحَدُّ الزِّنَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ يُحَدُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَدُّ السَّرِقَةِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ثَانِيًا قُلْنَا فِي حَدِّ الزِّنَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ لَا تَسْقُطُ فِي حَقِّهِ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ فَإِنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ مِنْ السَّارِقِ وَلِأَنَّ هَذَا حَقٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ وَلَا يَتَكَرَّرَانِ بِخُصُومَةٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ

الْخُصُومَةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ السَّاجِ وَالْقَنَا وَالْآبِنُوسِ وَالصَّنْدَلِ وَالْفُصُوصِ الْخُضْرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَهِيَ مُحْرَزَةٌ وَلَا تُوجَدُ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنْ لَا قَطْعَ فِي الْعَاجِ مَا لَمْ يُعْمَلْ فَإِذَا عَمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُطِعَ فِيهِ وَلَا قَطْعَ فِي الزُّجَاجِ لِأَنَّ الْمَكْسُورَةَ مِنْهُ تَافِهٌ وَالْمَصْنُوعَ مِنْهُ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَقِيلَ فِي الْمَصْنُوعِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ نَفِيسٌ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إلَّا بِالتَّقْصِيرِ فِي الِاحْتِرَازِ غَالِبًا وَيُقْطَعُ فِي الْعُودِ وَالْمِسْكِ وَالْأَدْهَانِ وَالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفُصُوصِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأَوَانِي وَالْأَبْوَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ ) لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا غَلَبَتْ عَلَى الْأَصْلِ وَالْتَحَقَتْ بِالصَّنْعَةِ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ حَتَّى تَضَاعَفَتْ قِيمَتُهَا وَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَافِهَةً وَلِهَذَا تُحْرَزُ بِخِلَافِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ فِيهِ حَتَّى لَا تَتَضَاعَفَ قِيمَتُهُ وَلَا يُحْرَزَ حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ فِيهِ الصَّنْعَةُ كَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ والجرجانية وَالْعَبْدَانِيَّةِ وَالْأَوَانِي الَّتِي تُتَّخَذُ لِلَّبَنِ وَالْمَاءِ مِنْ الْحَشِيشِ فِي السُّودَانِ يُقْطَعُ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا يُقْطَعُ فِي الْأَبْوَابِ إذَا كَانَتْ فِي الْحِرْزِ وَكَانَتْ خَفِيفَةً لَا يَثْقُلُ حِمْلُهَا عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِي سَرِقَةِ الثَّقِيلِ مِنْ الْأَبْوَابِ وَإِنْ كَانَتْ مُرَكَّبَةً عَلَى الْبَابِ لَا يُقْطَعُ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُحْرَزَةً بِهِ بَلْ هِيَ حِرْزٌ لِغَيْرِهَا لِأَنَّ الْحِرْزَ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَى الْمَالِ وَيَصِيرُ الْمَالُ بِهِ مُحْصَنًا وَهِيَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَا تَكُونُ مُحْرَزَةً بِالتَّرْكِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْأَبْوَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ ) يَعْنِي وَلَا يُقْطَعُ فِي الْخَشَبِ إلَّا فِي خَمْسَةٍ السَّاجِ وَالسِّيجِ وَالْعُودِ وَالْخَلَنْجِ وَالصَّنْدَلِ وَالْآبِنُوسِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الصَّنَوْبَرِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ .

( فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا بِرَضَاعٍ وَمِنْ زَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا وَسَيِّدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجِ سَيِّدَتِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَخَتْنِهِ وَصِهْرِهِ وَمِنْ مَغْنَمٍ وَحَمَّامٍ وَبَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ لَمْ يُقْطَعْ ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلِلْبُسُوطَةِ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ عَادَةً وَلِهَذَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَأَبَاحَ الشَّرْعُ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَجَرَتْ الْبُسُوطَةُ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَالِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ فِيهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ ظَاهِرَةً وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ بِخِلَافِ الصَّدِيقِ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ عَادَاهُ فَلَمْ يَبْقَ صَدِيقًا لَهُ وَفِي غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَقَارِبِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهَا بِالْأَجَانِبِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النَّفَقَةِ وَالْعَتَاقِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَالَ غَيْرِهِ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ وَبِالْعَكْسِ يُقْطَعُ لِوُجُودِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي الْوِلَادِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ فِي مَالِهِ وَقَوْلُهُ لَا بِرَضَاعٍ لَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَإِنَّمَا يُقْطَعُ فِيهِ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا عَادَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ بِخِلَافِ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِعَدَمِ هَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا كُلُّ ذَلِكَ لَا يَشْتَهِرُ فَلَا يُوجِبُ الْبُسُوطَةَ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِ الْقَرَابَةِ لَا تُحْتَرَمُ كَمَا إذَا ثَبَتَتْ بِالزِّنَا وَلِهَذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْأَخِ أَوْ سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجِ

سَيِّدَتِهِ فَلِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً فَانْعَدَمَ الْحِرْزُ وَلَوْ أَبَانَهَا بَعْدَ السَّرِقَةِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ انْعَقَدَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْقَطْعِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً كَمَا إذَا وَهَبَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَلَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْعِدَّةِ أَوْ سَرَقَتْ هِيَ مِنْهُ لَا يَقْطَعُ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ إذْ الدُّخُولُ مُبَاحٌ لِلِاطِّلَاعِ صِيَانَةً لِمَائِهِ أَوْ لِوُجُوبِ السُّكْنَى عَلَيْهَا حَيْثُ يَسْكُنُ وَقِيلَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ الْمَنْزِلُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ دُونَ السَّارِقِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ عَنْ الْخَلْوَةِ بِصَاحِبِهِ فَحَرُمَ الدُّخُولُ عَلَيْهِ كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْقَطْعِ لَا يُقْطَعُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ وَالشُّبْهَةُ تُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ دُونَ الرُّجُوعِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ حَيْثُ تُعْتَبَرُ فِيهَا حَالَةُ الْمَوْتِ لَا غَيْرُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِرْزٍ لِلْآخَرِ لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ لِوُجُودِ الْبُسُوطَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْوَالِ عَادَةً وَدَلَالَةُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا بَذَلَتْ نَفْسَهَا وَهِيَ أَنْفَسُ مِنْ الْمَالِ فَالنَّفْسُ أَوْلَى وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا مُلْحَقٌ بِمَوْلَاهُ حَتَّى لَا يُقْطَعَ فِي سَرِقَةٍ لَا يُقْطَعُ فِيهَا الْمَوْلَى كَالسَّرِقَةِ مِنْ أَقَارِبِ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِالدُّخُولِ عَادَةً فِي بُيُوتِ هَؤُلَاءِ لِإِقَامَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمُكَاتَبُ فِيهِ كَالْقِنِّ

لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَكَذَا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ مُكَاتَبِهِ فَلِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي أَكْسَابِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ مُكَاتَبٍ فَتَحَقَّقَتْ الشُّبْهَةُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ خَتْنِهِ وَصِهْرِهِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَقْطَعُ لَهُ أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِالْبُسُوطَةِ فِي دُخُولِ بَعْضِهِمْ مَنَازِلَ بَعْضٍ بِلَا اسْتِئْذَانٍ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْحِرْزِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي مِلْكِ الْبَعْضِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْقَرَابَةِ وَلَا قَرَابَةَ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِالْمُصَاهَرَةِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ مِنْ كُلِّ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْمُصَاهَرَةِ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ مَغْنَمٍ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَى بِرَجُلٍ مِنْ الْمَغْنَمِ فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ وَقَالَ إنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ فَلِاخْتِلَالِ الْحِرْزِ بِالْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ ثَوْبًا مِنْ تَحْتِ رَجُلٍ فِي الْحَمَّامِ يُقْطَعُ كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ وَالْفَرْقُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْحَمَّامَ بُنِيَ لِلْإِحْرَازِ فَكَانَ حِرْزًا فَلَا يُعْتَبَرُ الْحَافِظُ كَالْبَيْتِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مَا بُنِيَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِزًا بِالْمَكَانِ فَيُعْتَبَرُ الْحَافِظُ كَالطَّرِيقِ وَالصَّحْرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ فِي وَقْتٍ لَا يُؤْذَنُ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ يُقْطَعُ وَفِي الْمَسْجِدِ لَا يُقْطَعُ مُطْلَقًا وَحَوَانِيتُ التُّجَّارِ وَالْخَانَاتُ كَالْحَمَّامِ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِلْإِحْرَازِ وَالْإِذْنُ مُخْتَصٌّ بِوَقْتِ التِّجَارَةِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحِرْزِ لِأَنَّ الِاخْتِفَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ الْمَكَانُ

الْمُعَدُّ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالصَّنَادِيقِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ كَمَنْ جَلَسَ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ وَهُوَ مُحْرَزٌ بِهِ وَقَدْ { قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ } وَفِي الْمُحْرَزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْحِرْزَ بِهِ فَوْقَ الْحِرْزِ بِالْحَافِظِ لِأَنَّ الْحِرْزَ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَى الْمَالِ وَبِهِ امْتَنَعَ مَعَ اخْتِفَائِهِ فِيهِ عَنْ أَعْيُنِهِمْ فَكَانَ الْحِرْزُ بِالْحَافِظِ دُونَهُ فَيَكُونُ كَالْبَدَلِ عَنْهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَالَ وُجُودِ الْأَصْلِ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ فِيهِ فَسَرَقَ مِنْهُ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ حَاضِرٌ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْحَافِظَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْحِرْزِ بِالْمَكَانِ وَذَلِكَ قَدْ سَقَطَ بِالْإِذْنِ وَلَوْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا بِالنَّهَارِ فَسَرَقَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ وَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ وَلَوْ كَانَ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ انْتِشَارِ النَّاسِ قُطِعَ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَفِي الْمُحِيطِ الْفَشَّاشُ وَهُوَ الَّذِي يُهَيِّئُ لِغَلْقِ الْبَابِ مَا يَفْتَحُهُ فَفَشَّ بَابًا فِي الدَّارِ أَوْ فِي السُّوقِ نَهَارًا وَلَيْسَ فِي الدَّارِ وَلَا فِي السُّوقِ أَحَدٌ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا وَأَخَذَ الْمَتَاعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ يُقْطَعُ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَأَوْجَبَ الْقَطْعَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْخَانَاتِ وَفِي الْحَوَانِيتِ لَيْلًا لَا نَهَارًا مُطْلَقًا هَذَا فِي الْمَفْتُوحَةِ وَفِي الْمُغْلَقَةِ يُقْطَعُ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ وَالْإِخْرَاجُ مِنْ الْحِرْزِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ فِي الْمُحْرَزِ بِالْمَكَانِ لِقِيَامِ يَدِهِ قَبْلَهُ وَفِي الْحَافِظِ يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِهِ فَتَتِمُّ السَّرِقَةُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ وَإِطْلَاقُ الْقُدُورِيِّ

بِقَوْلِهِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَكُونُ مُحْرِزًا فِي حَالِ نَوْمِهِ إلَّا إذَا كَانَ تَحْتَ جَنْبِهِ أَوْ تَحْتَ رَأْسِهِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِحْرَازُ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ فَإِنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَ النَّائِمَ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ لَا مُضَيِّعًا وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ .

( فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْرُوقِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَوْ لَا يَجِبُ فِيهِ وَالْمَسْرُوقُ هُوَ الْمَالُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحِرْزِ لِأَنَّ الْحِرْزَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَطْعِ إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ ذِكْرَهُ لِأَنَّ الْحِرْزَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَالِ وَالْحِرْزُ فِي اللُّغَةِ الْمَوْضِعُ الْحَرِيزُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ أَيْ يُحْفَظُ وَفِي الشَّرْعِ مَا يُحْفَظُ فِيهِ الْمَالُ عَادَةً كَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَالْخَيْمَةِ أَوْ الشَّخْصُ بِنَفْسِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْحِرْزِ مَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَحَمَّامٍ ) أَيْ نَهَارًا ا هـ مَجْمَعٌ ( قَوْلُهُ وَبَيْتٍ إلَخْ ) بَعْدَ قَوْلِهِ وَحَمَّامٍ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَقَارِبِ ) كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ فَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ الْقَطْعُ لَهُ ظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وَلِأَنَّ مِلْكَ أَحَدِهِمَا مُبَايِنٌ لِمِلْكِ الْآخَرِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ لِوُجُودِ سَرِقَةٍ مِنْ حِرْزٍ كَامِلٍ وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَجِبُ إلَّا بِأَخْذِ الْمَالِ وَهَتْكِ الْحِرْزِ وَلَمْ يُوجَدْ هَتْكُ الْحِرْزِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فَلَا يَبْقَى الْمَالُ مُحْرَزًا فِي حَقِّ السَّارِقِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ } فَإِنْ قُلْت الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْأَكْلِ لَا إبَاحَةِ الدُّخُولِ قُلْت الْأَكْلُ فِي الْبَيْتِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالدُّخُولِ فِيهِ فَدَلَّ إبَاحَةُ الْأَكْلِ فِي الْبَيْتِ عَلَى إبَاحَةِ الدُّخُولِ

فِيهِ وَمَعَ إبَاحَةِ الدُّخُولِ فِيهِ لَا يَكُونُ الْحِرْزُ ثَابِتًا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُكُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهَا { أَوْ صَدِيقِكُمْ } وَمَعَ هَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الصَّدِيقِ قُطِعَ قُلْت لَمَّا سَرَقَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَدِيقًا بَلْ كَانَ عَدُوًّا بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ لَا يُقَالُ لَمْ تَبْقَ الْأُخُوَّةُ أَوْ الْعُمُومَةُ أَوْ الْخُؤُولَةُ أَوْ الْقَرَابَةُ بِالسَّرِقَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَالْجَوَابُ عَنْ آيَةِ السَّرِقَةِ فَنَقُولُ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْإِجْمَاعِ قَدْ خُصَّ مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ وَغَيْرُ الْحِرْزِ وَمَالٌ فِيهِ شَرِكَةٌ لِلسَّارِقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا هَذَا مَالٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فَلَا يُقْطَعُ كَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ ) أَمَّا قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَلَا قَطْعَ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ يُقْطَعُ ) أَيْ كَمَا إذَا سَرَقَ مَالَ ذِي رَحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ ) لَك أَنْ تَقُولَ بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ مَثَلًا أَوْ ابْنَ الْخَالِ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ لَا بِرَضَاعٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ ا هـ ثُمَّ رَأَيْت الْبَدْرَ الْعَيْنِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَجَابَ عَنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمِثْلِ مَا ظَهَرَ لِي وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مِنْ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَبَ الْقَطْعُ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ

أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ رَضَاعًا لَا يُقْطَعُ ا هـ ( قَوْلُهُ قُلْنَا كُلُّ ذَلِكَ ) أَيْ مِنْ الرَّضَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يُوجِبُ الْبُسُوطَةَ ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى الْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ يَعْنِي بَيْنَهُمَا انْبِسَاطٌ فِي دُخُولِ الْمَنْزِلِ فَلَا يُقْطَعُ فَقَالَ الرَّضَاعُ قَلِيلٌ اشْتِهَارُهُ عَادَةً فَلَا انْبِسَاطَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ لِعَدَمِ اشْتِهَارِ الرَّضَاعِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوفِ فِي مَوْقِفِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْأُمِّ مِنْ النَّسَبِ فَإِنَّ النَّسَبَ أَمْرٌ مُشْتَهِرٌ فَالِانْبِسَاطُ مُتَحَقِّقٌ لَا مَحَالَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ) فَإِنْ قُلْت أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رُبَّمَا يُحْرِزُ مَالَهُ عَنْ الْآخَرِ قُلْت نَعَمْ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ التَّبَسُّطُ فِي الْمَنْزِلِ فَيَمْتَنِعُ الْقَطْعُ لِوُجُودِ التَّبَسُّطِ كَمَا إذَا أَحْرَزَ الْأَبُ مَالَهُ عَنْ ابْنِهِ فَسَرَقَ الِابْنُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَانْعَدَمَ الْحِرْزُ ) وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَةِ سَيِّدِهِ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ فَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ خَادِمُ الزَّوْجِ فَالزَّوْجُ أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَبَانَتْ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ سَرَقَتْ هِيَ مِنْهُ لَا تُقْطَعُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ يَجِبُ الْقَطْعُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قُضِيَ بِالْقَطْعِ عَلَيْهِ أَمْ

لَمْ يُقْضَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ تُقْطَعُ يَدُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَالنَّفْسُ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ فَالْمَالُ وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ فِيهِ ) أَيْ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَوْلَاهُ كَالْقِنِّ ا هـ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ عَبْدٌ مَا لَمْ يَمُتْ الْمَوْلَى وَلَا قَطْعَ عَلَى الْعَبْدِ فِي مَالِ سَيِّدِهِ لِمَا بَيَّنَّا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَهُ حَقًّا فِي أَكْسَابِهِ ) أَيْ وَ لِأَنَّ مَالَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَعَلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَمَالُهُ لَهُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَمَالُهُ لِلْمَوْلَى وَلَا قَطْعَ فِي الْمَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَى السَّارِقِ وَعَلَى غَيْرِهِ كَمَا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الْمُتَابِعَيْنِ مَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ خَتْنِهِ ) سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْأَصْهَارَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ وَأَنَّ الْأَخْتَانَ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ مَغْنَمٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنَائِمِ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَةَ كَمَا أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ السَّارِقِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ أَوْ فِي الْخُمُسِ كَالْغَانِمِينَ أَوْ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ أَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُسْتَتَمًّا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيُقْطَعُ بِخِلَافِ السَّارِقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ مُعَدٌّ لِمَصَالِح عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ فَصَارَ كَمَالٍ فِيهِ شَرِكَةٌ لِلسَّارِقِ فَلَا يُقْطَعُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَالَ الْغَنِيمَةِ مُبَاحٌ أَخْذُهُ فِي الْأَصْلِ

لِكُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ بَعْدُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَصَارَ بَقَاؤُهُ عَلَى صُورَتِهِ شُبْهَةً فَسَقَطَ الْقَطْعُ وَالْمَغْنَمُ الْغَنِيمَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ إنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَعْلِيلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالصَّنَادِيقِ ) أَيْ وَالْحَانُوتِ وَالْخَيْمَةِ وَالْجَرِينِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ ) أَيْ ابْنِ أُمَيَّةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ ) ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمُوَطَّإِ وَالسُّنَنِ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ ) وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُودَعِ فِيمَا إذَا وَضَعَ الْوَدِيعَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِيمَا إذَا نَامَ قَاعِدًا أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْحَضَرِ أَمَّا فِي السَّفَرِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ نَامَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا ا هـ دِرَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَرَبُّهُ عِنْدَهُ قُطِعَ ) لِمَا رَوَيْنَا وَذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ سَرَقَ ضَيْفٌ مِمَّنْ أَضَافَهُ أَوْ سَرَقَ شَيْئًا أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ لَا ) أَيْ لَا يَقْطَعُ لِأَنَّ الْبَيْتَ فِي حَقِّ الضَّيْفِ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي دُخُولِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِهِ وَالدَّارُ بِمَا فِيهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا فِي الْمَعْنَى وَهِيَ كُلُّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا لِيَتَحَقَّقَ الْأَخْذُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْغَصْبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْأَخْذِ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً لَا يَسْتَغْنِي أَهْلُ الْبُيُوتِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ كُلُّهَا حِرْزًا وَاحِدًا حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهَا فَسَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَسَرَقَ مِنْهَا وَأَخْرَجَهُ إلَى صَحْنِهَا يُقْطَعُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهَا عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ حُجْرَةٍ إلَى الدَّارِ أَوْ أَغَارَ مِنْ أَهْلِ الْحُجْرَةِ عَلَى حُجْرَةٍ أَوْ نَقَبَ فَدَخَلَ وَأَلْقَى شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ أَخَذَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ وَأَخْرَجَهُ قُطِعَ ) لِتَحَقُّقِ السَّرِقَةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ حُجْرَةٍ إلَى الدَّارِ أَيْ إلَى صَحْنِهَا فَلِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْحِرْزِ قَدْ تَحَقَّقَ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً وَفِيهَا مَقَاصِيرُ أَيْ حُجَرٌ وَمَنَازِلُ وَفِي كُلِّ مَقْصُورَةٍ مَكَانٌ يَسْتَغْنِي بِهِ أَهْلُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِ الدَّارِ وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ السِّكَّةِ فَيَكُونُ إخْرَاجُهُ إلَيْهِ كَإِخْرَاجِهِ إلَى السِّكَّةِ لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ إذْ لِكُلِّ مَقْصُورَةٍ بَابٌ وَغَلْقٌ عَلَى حِدَةٍ وَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مُحْرَزٌ بِمَقْصُورَتِهِ فَكَانَتْ الْمَنَازِلُ بِمَنْزِلَةِ دُورٍ فِي مَحَلَّةٍ وَأَمَّا إذَا أَغَارَ مِنْ أَهْلِ الْحُجْرَةِ عَلَى أَهْلِ حُجْرَةٍ أُخْرَى

فَالْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَسْتَغْنِي أَهْلُ الْمَنَازِلِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِ الدَّارِ بَلْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ الْمَنَازِلِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَكَان وَاحِدٍ فَلَا يُقْطَعُ السَّاكِنُ فِيهَا وَلَا الْمَأْذُونُ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا إذَا سَرَقَ مِنْ بَعْضِ مَقَاصِيرِهَا وَأَمَّا إذَا نَقَبَ وَدَخَلَ إلَخْ فَلِأَنَّهُ هَتَكَ الْحِرْزَ بِالدُّخُولِ وَتَمَّتْ السَّرِقَةُ بِالْإِخْرَاجِ وَالْأَخْذُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَقُولُ الْإِلْقَاءُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ وَكَذَا الْأَخْذُ مِنْ الطَّرِيقِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَنَا أَنَّهُ حِيلَةٌ مُعْتَادَةٌ بَيْنَ السُّرَّاقِ إمَّا لِتَعَذُّرِ الْخُرُوجِ مَعَ الْمَتَاعِ أَوْ لِيُمْكِنَهُ الدَّفْعُ وَالْفِرَارُ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَصَارَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا وَهَذَا لِأَنَّ يَدَهُ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ ثُمَّ بِالرَّمْيِ لَمْ تَزَلْ يَدُهُ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ مَالٌ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حُكْمًا فَكَأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى يَدِهِ حَقِيقَةً فَإِذَا أَبْقَى يَدَهُ حُكْمًا وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْأَخْذِ يُقْطَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ وَهَذَا لِأَنَّ رَمْيَهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلتَّضْيِيعِ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ التَّضْيِيعَ عَلَى صَاحِبِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً لِإِتْمَامِ الْأَخْذِ وَأَيُّهُمَا فَعَلَ تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّمْيَ كَانَ لِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ إلَخْ فَلِأَنَّ سَيْرَ الْحِمَارِ مُضَافٌ إلَيْهِ بِسَوْقِهِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ وَلَوْ لَمْ يَسُقْهُ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ لَا يُقْطَعُ وَفِي قَوْلِهِ فَسَاقَهُ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي نَهْرٍ فِي الدَّارِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ

ضَعِيفًا وَأَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكِ السَّارِقِ قُطِعَ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مُضَافٌ إلَيْهِ وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمَاءُ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَقِيلَ يُقْطَعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِسَبَبِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ .

( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَغَارَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ أَغَارَ لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَالصَّمْيَرِيِّ وَهُوَ مَنْ أَغَارَ عَلَى الْعَدُوِّ وَأَمَّا لَفْظُ مُحَمَّدٍ وَإِنْ أَعَانَ يَعْنِي بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّ الْإِغَارَةَ تَدُلُّ عَلَى الْجَهْرِ وَالْمُكَابَرَةِ وَالسَّرِقَةِ عَلَى الْخُفْيَةِ وَلِلْأَوَّلِ وَجْهٌ أَيْضًا عِنْدِي بِأَنْ يَدْخُلَ اللِّصُّ مُكَابَرَةً بِاللَّيْلِ جَهْرًا وَيُخْرِجَ الْمَالَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِوُجُودِ الْخُفْيَةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ أَيْضًا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيَّ مَعَ تَبَحُّرِهِ فِي الْعُلُومِ لَا سِيَّمَا الْفِقْهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ فِي هَذَا الْقَدْرِ وَالْإِغَارَةُ جَاءَتْ بِمَعْنَى الْإِسْرَاعِ وَالْعَدْوِ أَيْضًا قَالَ الْفَرَزْدَقُ رَأَوْنَا فَوْقَهُمْ وَلَنَا عَلَيْهِمْ صَلَاةُ الرَّافِعِينَ مَعَ الْغَيْرِ يَقُولُ إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ بِالْمَوْسِمِ رَأَوْنَا أَئِمَّتَهُمْ وَالْمُغِيرُ الْمُسْرِعُ وَهَذَا مِنْ قَوْلِ أَبِي سَيَّارَةَ عَمِيلَةَ بْنِ خَالِدٍ الْعُدْوَانِيِّ وَكَانَ يَدْفَعُ بِالنَّاسِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى حِمَارٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَضَرَبَتْ الْعَرَبُ بِحِمَارِهِ الْمَثَلَ فَقَالُوا أَصَحُّ مِنْ عَيْرِ أَبِي سَيَّارَةَ وَكَانَ يَقُولُ أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا تُغِيرُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ أَسْرَعَ إنْسَانٌ وَعَدَا مِنْ مَقْصُورَةٍ عَلَى مَقْصُورَةٍ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ وَجَاءَ أَغَارَ الْحَبْلَ أَيْ فَتَلَهُ فَتْلًا شَدِيدًا ذَكَرَهُ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ وَالْفَتْلُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُخَادَعَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَا فِي مَعْنَاهُ فِيهَا أَيْضًا أَلَا تَرَى إلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَأَبَتْ عَلَيْهِ فَمَا زَالَ يَفْتِلُ فِي الذُّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى أَجَابَتْهُ الذُّرْوَةُ أَعْلَى السَّنَامِ وَالْغَارِبُ مُقَدِّمُهُ هُوَ مَثَلٌ يُقَالُ مَا زَالَ يَفْتِلُ فِي ذُرْوَتِهِ أَيْ

يُخَادِعُهُ حَتَّى يُزِيلَهُ عَنْ رَأْيٍ هُوَ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ إذَا احْتَالَ وَخَادَعَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ مَقْصُورَةٍ عَلَى مَقْصُورَةٍ أُخْرَى فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ ا هـ كَلَامُ الْأَتْقَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْكَمَالُ يُرِيدُ دُخُولَ مَقْصُورَةٍ عَلَى غِرَّةٍ فَأُخِذَ بِسُرْعَةٍ يُقَالُ أَغَارَ الْفَرَسُ وَالثَّعْلَبُ فِي الْعَدْوِ إذَا أَسْرَعَ ا هـ قَوْلُهُ فَصَارَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ غَيْرُهُ حَيْثُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ الْحِرْزِ وَلَيْسَ عَلَى السَّارِقِ أَيْضًا قَطْعٌ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ بِاعْتِرَاضِ يَدِ الْآخَرِ لَمْ تَبْقَ يَدُهُ قَائِمَةً عَلَى السَّرِقَةِ حِينَ الْخُرُوجِ وَقَدْ خَرَجَ وَلَا مَالَ فِي يَدِهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ بِالرَّمْيِ لَمْ تَزُلْ يَدُهُ حُكْمًا ) أَيْ لِعَدَمِ اعْتِرَاضِ يَدٍ أُخْرَى عَلَى يَدِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ لَمْ يَضْمَنْ ) سَيَأْتِي فِي بَابِ اللُّقَطَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَضْمَنُ السَّائِقُ إلَخْ ) وَفِي مَبْسُوطِ أَبِي الْيُسْرِ وَكَذَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى عُنُقِ كَلْبٍ فَزَجَرَهُ يُقْطَعُ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ زَجْرٍ لَا يُقْطَعُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْقِهِ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ لَا يُقْطَعُ ) أَيْ لِأَنَّ لِلْبَهِيمَةِ اخْتِيَارًا لِنَفْسِهَا ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَلَوْ ذَهَبَ السَّارِقُ إلَى مَنْزِلِهِ فَخَرَجَ الْحِمَارُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَ إلَى مَنْزِلِهِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ شَيْئًا عَلَى طَائِرٍ وَتَرَكَهُ ثُمَّ طَارَ إلَى مَنْزِلِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمَاءُ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ لَا يُقْطَعُ ) كَذَا فِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ نَاوَلَ آخَرَ مِنْ خَارِجٍ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي بَيْتٍ وَأَخَذَ أَوْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ كُمٍّ أَوْ سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ بَعِيرًا أَوْ حَمَلًا لَا ) أَيْ لَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا لِعَدَمِ الْحِرْزِ أَوْ لِعَدَمِ هَتْكِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا نَاوَلَ آخَرَ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ وَمُرَادُهُ إذَا نَقَبَ وَدَخَلَ وَنَاوَلَ الْمَتَاعَ غَيْرَهُ فَلِأَنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ بِهَتْكِ الْحِرْزِ وَالْإِخْرَاجِ وَلَمْ يُوجَدَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ الْخَارِجُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْهَتْكُ وَالدَّاخِلُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ وَإِنْ وُجِدَ بِإِخْرَاجِ يَدِهِ فَقَدْ بَطَلَ بِاعْتِرَاضِ يَدِ الْآخَرِ عَلَيْهِ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَى الدَّاخِلِ الْقَطْعَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْهَتْكَ تَمَّ مِنْهُ فَصَارَ الْمَالُ مُخْرَجًا بِفِعْلِهِ أَوْ بِمُعَاوَنَتِهِ وَأَمَّا الْخَارِجُ فَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ يُقْطَعُ لِوُجُودِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ وَلَكِنَّ الدَّاخِلَ أَخْرَجَ يَدَهُ وَنَاوَلَهُ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْهَتْكِ وَالْإِخْرَاجِ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ الْخَارِجَ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ يُقْطَعُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ذَكَرَهَا فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي بَيْتٍ يَعْنِي مِنْ النَّقْبِ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ اللِّصُّ إذَا كَانَ ظَرِيفًا لَا يُقْطَعُ قِيلَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ أَنْ يَنْقُبَ الْبَيْتَ وَيُدْخِلَ يَدَهُ وَيُخْرِجَ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ هُوَ وَلِأَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ مُعْتَبَرٌ لِإِيجَابِ الْقَطْعِ وَفِي الْحُدُودِ يُرَاعَى كَمَالُ السَّبَبِ وَالشُّرُوطُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَأَكْمَلُ جِهَةٍ هَتْكُ الْحِرْزِ بِالدُّخُولِ فَيُشْتَرَطُ بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ وَالْجَيْبِ وَالْكُمِّ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِيهَا إدْخَالُ الْيَدِ لَا الدُّخُولُ فَيُشْتَرَطُ

الْمُمْكِنُ لَا غَيْرُ لِلتَّعَذُّرِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ إنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ الْحِرْزِ عَلَى الْخُفْيَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَ بِإِدْخَالِ يَدِهِ كَمَا تَحَقَّقَ بِدُخُولِهِ بِنَفْسِهِ وَالدُّخُولُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي الصُّنْدُوقِ وَنَحْوِهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا وَحُصُولُ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِ هَتْكِ الْحِرْزِ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَقَّ جُوَالِقًا فَتَبَدَّدَ مَا فِيهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَأَخَذَهُ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ لِعَدَمِ الْهَتْكِ وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ يُقْطَعُ لِوُجُودِ الْهَتْكِ وَأَمَّا إذَا طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ فَلِأَنَّ الرِّبَاطَ مِنْ خَارِجٍ فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الظَّاهِرِ فَلَمْ يُوجَدْ هَتْكُ الْحِرْزِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ وَإِنْ كَانَتْ الصُّرَّةُ دَاخِلَةً فَطَّرَهَا وَأَخَذَهَا قُطِعَ لِأَنَّ الرِّبَاطَ مِنْ دَاخِلٍ فَبِالطَّرِّ تَبْقَى الصُّرَّةُ دَاخِلَ الْكُمِّ فَيَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الدَّاخِلِ فَوُجِدَ الْهَتْكُ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الطَّرِّ حَلُّ الرِّبَاطِ يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ مُحْرِزٌ بِالْكُمِّ أَوْ بِصَاحِبِهِ قُلْنَا لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ بِالْحَافِظِ إلَّا إذَا كَانَ يَحْفَظُهُ مِنْ السُّرَّاقِ وَبَعُدَ مَا أَدْخَلَهُ فِي كُمِّهِ أَوْ رَبَطَهُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَهُ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ قَطْعَ الطَّرِيقِ أَوْ الِاسْتِرَاحَةَ بِالْمَشْيِ وَالْقُعُودِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ حَافِظًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ } لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّاعِي الرَّعْيُ دُونَ الْحِفْظِ وَهُوَ تَبَعٌ فَلَا يَصْلُحُ لِلْقَطْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا عَلَيْهِ وَهُوَ رِدَاؤُهُ أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ طَرَفَ مِنْطَقَتِهِ أَوْ سَيْفَهُ أَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَةٍ حُلِيًّا عَلَيْهَا

لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا خِلْسَةٌ وَلَيْسَتْ بِخُفْيَةِ سَرِقَةٍ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ نَائِمٍ قِلَادَةً عَلَيْهِ وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ مُلَاءَةً وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ وَاضِعُهَا قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا خُفْيَةً وَسِرًّا وَلَهُ حَافِظٌ وَهُوَ النَّائِمُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ بَعِيرًا أَوْ حَمَلًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ مَقْصُودٍ فَتُمْكِنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ السَّائِقَ أَوْ الرَّاكِبَ يَقْصِدُ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا يُقْطَعُ .( قَوْلُهُ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ مُنَاوَلَةِ الدَّاخِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا طَرَّ صُرَّةً ) الطَّرُّ الشِّقُّ وَمِنْهُ الطِّرَارُ وَالصُّرَّةُ الْهِمْيَانُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصُّرَّةِ هُنَا نَفْسُ الْكُمِّ الْمَشْدُودِ فِيهِ الدَّرَاهِمُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِالْكُمِّ ) أَيْ فِي صُورَةِ طَرِّهَا خَارِجَ الْكُمِّ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ بِصَاحِبِهِ ) أَيْ فِي صُورَةِ طَرِّهَا دَاخِلَ الْكُمِّ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ لَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ ) وَحَرِيسَةُ الْجَبَلِ هِيَ الشَّاةُ الْمَسْرُوقَةُ مِمَّا يُحْرَسُ فِي الْجَبَلِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلسَّارِقِ حَارِسٌ عَلَى سَبِيلِ التَّعْكِيسُ وَفِي التَّكْمِلَةِ حَرَسَنِي شَاةً أَيْ سَرَقَهَا حَرَسِي ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ أَوْ سَيْفِهِ ) أَيْ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ غَيْرُ غَافِلٍ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَقَّ الْحَمْلُ فَأَخَذَ مِنْهُ أَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَرَبُّهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقٍ أَوْ فِي جَيْبِ غَيْرِهِ أَوْ كُمِّهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ ) لِوُجُودِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ وَالنَّوْمِ بِقُرْبٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ حَافِظًا لَهُ كَالنَّوْمِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ ) لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ تُقْطَعُ الْأَصَابِعُ فَقَطْ لِأَنَّ الْبَطْشَ يَقَعُ بِهَا وَقَالَتْ الْخَوَارِجُ تُقْطَعُ الْيَمِينُ مِنْ الْمَنْكِبِ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِكُلِّهَا وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الرُّسْغِ } وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَطَعَ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَطَعَ مِنْ الرُّسْغِ فَصَارَ إجْمَاعًا فِعْلًا فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُحْسَمُ ) أَيْ تُكْوَى كَيْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ مَنَافِذَ الدَّمِ تَنْسَدُّ بِالْكَيِّ فَيَنْقَطِعُ بِهِ فَلَوْ لَمْ يُكْوَى رُبَّمَا يَسْتَرْسِلُ الدَّمُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

( فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ ) ظَاهِرُ تَرْتِيبِهِ عَلَى بَيَانِ نَفْسِ السَّرِقَةِ وَتَفَاصِيلِ الْمَالِ وَالْحِرْزِ لِأَنَّهُ حُكْمُ سَرِقَةِ الْمَالِ الْخَاصِّ مِنْ الْحِرْزِ فَيَتَعَقَّبُهُ فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَا مِنْ قَبْلُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وَالْمَعْنَى يَدَيْهِمَا وَحُكْمُ اللُّغَةِ أَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْ الْخَلْقِ إلَى اثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ أَنْ يُجْمَعَ ، مِثْلُ قَوْله تَعَالَى { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } وَقَدْ يُثَنَّى وَقَالَ ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ وَالْأَفْصَحُ الْجَمْعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ الزَّنْدِ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الزَّنْدُ مَوْصِلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ فِي الْكَفِّ وَهُمَا زَنْدَانِ الْكُوعُ وَالْكُرْسُوعُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْكُوعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَالْكُرْسُوعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا كَوْنُهَا الْيَمِينُ فَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَكَانَ خَبَرًا مَشْهُورًا فَيُقَيِّدُ إطْلَاقَ النَّصِّ فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ بَابِ الْمُجْمَلِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَقَدْ { قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ } وَكَذَا الصَّحَابَةُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُرَادًا لَمْ يَفْعَلْهُ وَكَانَ يَقْطَعُ الْيَسَارَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَنْفَعُ مِنْ الْيَسَارِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَحْدَهَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْيَسَارِ فَلَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ مُرَادًا وَالِامْتِثَالُ يَحْصُلُ بِكُلٍّ لَمْ يَقْطَعْ إلَّا الْيَسَارَ عَلَى عَادَتِهِ مِنْ طَلَبِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ ا هـ وَقَوْلُهُ فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ إلَخْ فِيهِ رَدٌّ لِمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قُلْت الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نُسِخَ عِنْدَنَا فَلِذَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ جَازَتْ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ

اللَّهِ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ وَقِرَاءَتُهُ كَانَتْ مَشْهُورَةً إلَى زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالزِّيَادَةُ بِالْمَشْهُورِ جَائِزَةٌ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَنَقُولُ خَبَرُ الْوَاحِدِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ وَفِي حَقِّ الْيَمِينِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الشِّمَالِ فَالْتَحَقَتْ قِرَاءَتُهُ بِالْكِتَابِ بَيَانًا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْيَمِينُ لَا الشِّمَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَطْشَ يَقَعُ بِهَا ) أَيْ وَالْأَخْذُ أَيْ فَتُقْطَعُ الْأَصَابِعُ لِإِزَالَةِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَخْذِ وَالْبَطْشِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الرُّسْغِ } ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ ذَاتَ مَقَاطِعَ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ الرُّسْغُ وَالْمِرْفَقُ وَالْمَنْكِبُ وَكُلٌّ مِنْهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَزَالَ الِاحْتِمَالُ بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَمَرَ بِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى مِنْ الزَّنْدِ وَلِأَنَّ مِفْصَلَ الزَّنْدِ وَهُوَ الرُّسْغُ مُتَيَقِّنٌ بِهِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ فَيُؤْخَذُ بِهِ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ لَا تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الرُّسْغِ شُبْهَةٌ فَلَا تَثْبُتُ وَإِنَّمَا كَانَ مَفْصِلُ الزَّنْدِ مِنْ الْيَمِينِ مُرَادًا إمَّا بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَسْمُ هُوَ الْكَيُّ بَعْدَ الْقَطْعِ بِالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَنَحْوِهِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا الْحَسْمُ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَتَى بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا إخَالهُ سَرَقَ فَقَالَ السَّارِقُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ فَقُطِعَ ثُمَّ حُسِمَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَالَ تُبْت إلَى اللَّهِ قَالَ تَابَ

اللَّهُ عَلَيْك } وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَكَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ حُجِّيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الْمِفْصَلِ ثُمَّ حَسَمَهُمْ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَإِلَى أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا أُيُورُ الْحُمُرِ ، وَالْحَسْمُ الْكَيُّ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ هُوَ أَنْ يُغْمَسَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْجِسْمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ أَمَرَ الْقَاطِعَ بِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَعِنْدَنَا هُوَ عَلَى السَّارِقِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَأْثَمُ وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً هـ

( وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إنْ عَادَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ } وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إلَخْ ) ثُمَّ يُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالرَّوَافِضُ يَقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْطَعُ كَذَلِكَ وَيَدْعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا ا هـ فَتْحٌ

( فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ وَلَمْ يُقْطَعْ كَمَنْ سَرَقَ وَإِبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ إصْبَعَانِ مِنْهَا سِوَاهَا أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ ) أَيْ لَا يُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ كَمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ إلَخْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى وَفِي الرَّابِعَةِ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ } وَيُرْوَى مُفَسَّرًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ هُوَ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } يَتَنَاوَلُ الْيَدَيْنِ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ مِثْلُ الْأَوْلَى فِي الْجِنَايَةِ بَلْ أَقْبَحُ لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ فَكَانَتْ أَدْعَى إلَى شَرْعِ الْحَدِّ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حِين حَجَّهُمْ عَلِيٌّ بِقَوْلِهِ إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْمَرْفُوعِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِهِ وَمَا رَوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ قَالَ تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا وَلِهَذَا لَمْ يُقْتَلْ فِي الْخَامِسَةِ وَإِنْ ذُكِرَ فِيمَا رُوِيَ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى النَّسْخِ وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ إضَافَةَ جُزْأَيْنِ أَوْ مَا هُمَا كَجُزْأَيْنِ إلَى مُتَضَمِّنِهِمَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلَا يُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بَلْ يُرَادُ بِهِ التَّثْنِيَةُ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا يَدًا وَاحِدَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَبَطَلَ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ فِي الثَّانِيَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى وَلَوْ تَنَاوَلَتْهَا الْآيَةُ لَقُطِعَتْ وَلِأَنَّ السَّارِقَ اسْمُ فَاعِلٍ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ لُغَةً وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى إذْ كُلُّ السَّرِقَاتِ غَيْرُ مُرَادٍ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ

الْقَطْعِ عَلَيْهِ وَبِفِعْلٍ وَاحِدٍ لَمْ تُقْطَعْ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ تَعَيَّنَتْ الْيُمْنَى فَخَرَجَتْ الْيُسْرَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَفِي قَطْعِ الْأَرْبَعِ إتْلَافُهُ أَيْضًا فِي الْمَعْنَى وَالْقَطْعُ لِلزَّجْرِ لَا لِلْإِتْلَافِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَسَمَ الْمَقْطُوعَ كَيْ لَا يَهْلَكَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْمُسَاوَاةُ لِكَوْنِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ وَلِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا إذْ الْحَدُّ فِيمَا يَغْلِبُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ وَإِنَّمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ إلَخْ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْبَطْشُ أَوْ الْمَشْيُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ لِأَنَّ فَوْتَهَا لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْبَطْشِ ظَاهِرًا وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ تُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيُمْنَى وَاسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

( قَوْلُهُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ ) قَالَ صَاحِبُ النَّافِعِ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ سِيمَا رَجُلٍ صَالِحٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ أُصْبُعَانِ مِنْهَا سِوَاهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأُصْبُعَانِ يَنْزِلَانِ مَنْزِلَةَ الْإِبْهَامِ فِي نُقْصَانِ الْبَطْشِ فَلَوْ قُطِعَتْ الْيَمِينُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَلْزَمُ فَوَاتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُقْطَعُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِهْلَاكُ مَعْنًى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ إصْبَعٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ حَيْثُ تُقْطَعُ الْيَمِينُ لِعَدَمِ الْخَلَلِ فِي الْبَطْشِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ اعْتَبَرَ فِيهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ الْجَوَازِ فَوْتَ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ سِوَى الْإِبْهَامِ لَا فَوْتَ الْإِصْبَعَيْنِ وَهُنَا اعْتَبَرَ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَطْعِ الْيَمِينِ فَوْتَ الْإِصْبَعَيْنِ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْهَلَاكُ مَعْنًى فِي الْبَابَيْنِ وَتَحَقُّقُهُ بِفَوَاتِ الْأَكْثَرِ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَمَّا كَانَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ اُحْتِيطَ فِيهِ فَأُقِيمَ الْأُصْبُعَانِ مَقَامَ الْإِبْهَامِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ إصْبَعَانِ إحْدَاهُمَا الْإِبْهَامُ فَاعْتُبِرَ هُنَاكَ أَكْثَرُ الْأَصَابِعِ وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ تُوَافِقُ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مَقْطُوعَةً مِنْ كُلِّ يَدٍ ثَلَاثُ أَصَابِعَ أَوْ إصْبَعَانِ إحْدَاهُمَا الْإِبْهَامُ لَا يُجْزِئُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اُعْتُبِرَ ذَهَابُ الْقُوَّةِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْأَكْثَرُ وَهَذَا الرِّوَايَةُ أَحْوَطُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً ) أَيْ إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى ا هـ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَنْ سَرَقَ أَوَّلًا يَعْنِي مَنْ سَرَقَ أَوَّلًا وَكَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ يَدُهُ

الْيُمْنَى وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ سَرَقَ ثَانِيًا يَعْنِي مَنْ سَرَقَ ثَانِيًا وَكَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى الْمُصَنِّفُ الْكَافِي وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وَعَلَى الثَّانِي مَشَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ كَالْبَدْرِ الْعَيْنِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ ( قَوْلُهُ وَيُرْوَى مُفَسَّرًا ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ } وَفِي سَنَدِهِ الْوَاقِدِيُّ وَهُنَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ الطَّعْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ ) أَيْ بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْقَتْلِ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى السِّيَاسَةِ أَيْضًا فَكَذَا يُحْمَلُ الْقَطْعُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَخَرَجَتْ الْيُسْرَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُقْتَلُ فِي الْخَامِسَةِ عِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ قُلْت لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ حَكَى عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ كَقَوْلِنَا فِي الثَّالِثَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي قَطْعِ الْأَرْبَعِ إتْلَافُهُ ) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتَلْته إذَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَعْنَى ) أَيْ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ أَثَرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَطْعِ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إنْسَانًا لَوْ قَطَعَ يَسَارَ

إنْسَانٍ آخَرَ يُقْطَعُ يَسَارُ الْقَاطِعِ قِصَاصًا مَعَ فَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى وُقُوعِهِ تَفْوِيتًا لِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا فَيَسْقُطُ لِشُبْهَةِ الْهَلَاكِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيْ رَجُلٍ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ أَرْبَعَتَهُ قُطِعَتْ أَرْبَعَتُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيه مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ لَا يُقَالُ الْيَدُ الْيُسْرَى مَحَلٌّ لِلْقَطْعِ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ ، وَلَا إجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا وَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ مِنْهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَمَلًا بِالْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ خَرَجَتْ مِنْ كَوْنِهَا مُرَادَةً وَالْأَمْرُ الْمَقْرُونُ بِالْوَصْفِ وَإِنْ تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَإِذَا انْتَفَى إرَادَةُ الْيُسْرَى بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْيِيدِ انْتَفَى مِنْ مَحَلِّيَّتِهَا الْقَطْعُ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَكْرَارُهُ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَثَبَتَ قَطْعُ الرِّجْلِ فِي الثَّانِيَةِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَانْتَفَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِتَمَامِ الدَّلِيلِ عَلَى الْعَدَمِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ ) أَيْ لِأَنَّ فِعْلَ السَّرِقَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يَنْدُرُ ا هـ ( قَوْلُهُ يَنْدُرُ ) أَيْ يَنْدُرُ أَنْ يَسْرِقَ الْإِنْسَانُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ وَالْحَدُّ لَا يُشْرَعُ إلَّا فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرُهُ مَرَّةً ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ

الْأَصَابِعِ فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ دَرَأْت فِيهِ الْقَطْعَ ضَمَّنْته السَّرِقَةَ إنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَإِذَا حُبِسَ السَّارِقُ لِيَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَقَدْ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْ السَّارِقِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ شَلَّاءَ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَيْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا فِيمَا إذَا كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى شَلَّاءَ أَيْ مَقْطُوعَةً وَمَشَيَا فِيمَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً وَتَفْوِيتُهُ إهْلَاكِهِ مَعْنًى فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ لِئَلَّا يُفْضِي إلَى الْإِهْلَاكِ وَقَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَيْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ ا هـ قَالَ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى يَابِسَةً قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَإِنْ كَانَتْ الرِّجْلُ الْيُمْنَى هِيَ الْيَابِسَةُ لَمْ تُقْطَعْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِيفَاءِ الزَّائِدِ مِنْ الْوَاجِبِ إذْ بِهِ يَتَعَطَّلُ نِصْفُ الْبَدَنِ عَنْ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى الْهَالِكِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى هِيَ الْيَابِسَةُ قُطِعَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إمْسَاكُ الْعَصَا بِالْيَدِ الْيُسْرَى

فَيَحْصُلُ بِهَا نَوْعُ مَنْفَعَةٍ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً ا هـ .

( وَلَا يَضْمَنُ بِقَطْعِ الْيُسْرَى مَنْ أَمَرَ بِخِلَافِهِ ) أَيْ الَّذِي أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِقَطْعِ الْيُمْنَى فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ قَطَعَهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ عَفْوًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنُهَا قُلْنَا خَطَأُ الْمُجْتَهِدِ مَوْضُوعٌ إجْمَاعًا وَهَذَا مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ إذَا النَّصُّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْيَدَيْنِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ يَدًا مَعْصُومَةً ظُلْمًا عَمْدًا فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُعْذَرُ فِيمَا إذَا كَانَ دَلِيلُهُ ظَاهِرًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَعْيِينُ الْيُمْنَى وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنْ قِيلَ الْيَمِينُ لَمْ تَحْصُلْ بِقَطْعِ الْيُسْرَى بَلْ كَانَتْ حَاصِلَةً بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهِدِ بِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ أَخْلَفَ قُلْنَا الْيَمِينُ كَانَتْ مُسْتَحِقَّةَ الْإِتْلَافِ فَبِقَطْعِ الْيُسْرَى سَلِمَتْ فَصَارَتْ كَالْحَاصِلَةِ لَهُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَيْثُ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَمَعَ هَذَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ لِأَنَّا نَقُولُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ فَيُمْنَعُ وَلَئِنْ سَلِمَ فَالْمُتْلَفُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْبَاقِي فَلَمْ يَخْلُفْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا الِاخْتِلَافُ لَوْ قَطَعَ الْيَسَارَ غَيْرُ الْحَدَّادِ لَا يَضْمَنُ فِي الصَّحِيحِ إذَا كَانَ بَعْدَ حُكْمِ

الْحَاكِمِ بِالْقَطْعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَخْلَفَ ثُمَّ فِي الْعَمْدِ يَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ عَلَى السَّارِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا وَسُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْهُ فِي ضِمْنِ وُقُوعِهِ حَدًّا وَكَذَا عِنْدَهُمَا بَلْ أَوْلَى وَفِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا وَهِيَ أَنَّ الْقَاطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ وَلَمْ يَقَعْ حَدًّا وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْقَاطِعَ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الْكِتَابَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الْيَمِينِ يَكُونُ قَطْعُ الْيَسَارِ وَاقِعًا عَلَى الْحَدِّ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَعْذُورٌ فِي الْخَطَأِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذْ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ عَفْوًا أَيْضًا هَذَا إذَا عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ الْيُمْنَى بِأَنْ قَالَ لَهُ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ لَهُ اقْطَعْ يَدَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ بِاتِّفَاقٍ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ إذْ الْيَدُ تَنْطَلِقُ عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَأَمَّا إذَا قَطَعَهُ أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا وَيَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ لِأَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ حَدًّا كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْمُثْلَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا سُرِقَ لِعَدَمِ الْقَطْعِ حَدًّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطَلَبُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَرْطُ الْقَطْعِ ) أَيْ طَلَبُهُ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ حَتَّى لَا يَقْطَعَ وَهُوَ غَائِبٌ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ

لَهُ بِالْمِلْكِ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَالْقَطْعِ لِتَنْتَفِيَ تِلْكَ الشُّبْهَةُ وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي الْحُدُودِ مِنْ الْقُضَاةِ وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُطِعَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الْغَائِبِ وَتَصْدِيقُهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يُنْتَظَرُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُنْتَظَرُ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحُضُورِ وَكِيلِهِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَشَرْطُ الْحَدِّ لَا يَثْبُتُ بِمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْغَيْرِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحِسْبَةِ كَالزِّنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا حَاجَةَ إلَى حُضُورِهِ فِي الْإِقْرَارِ دُونَ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى دُونَ الْإِقْرَارِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

( قَوْلُهُ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى لَا يَضْمَنُ ) أَيْ وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ الْجَلَّادُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَا يَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ ) أَيْ يَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ أَرْشَ الْيَسَارِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ ) أَيْ الْمُرَادُ بِالْخَطَأِ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْطَعَ الْيُسْرَى بَعْدَ قَوْلِ الْحَاكِمِ اقْطَعْ يَمِينَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي أَنَّ قَطْعَهَا يُجْزِئُ عَنْ قَطْعِ السَّرِقَةِ نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالْيَسَارُ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا ) أَيْ فَيَضْمَنُ ا هـ لِأَنَّ الْجَهْلَ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِهَارِ لَيْسَ بِعُذْرِ وَهَذَا مَوْضِعُ اشْتِهَارٍ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ ا هـ كِفَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يُجْعَلُ عَفْوًا ) أَيْ فَلَا ضَمَانَ ا هـ ( قَوْلُهُ إذْ النَّصُّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْيَدَيْنِ ) أَيْ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ ) أَيْ الثَّابِتَةِ فِي الْآيَةِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ كَقَوْلِنَا فِيمَا إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فِي انْتِظَارِ التَّعْدِيلِ ثُمَّ عُدِّلَتْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَتُقْطَعُ يَدُ الْقَاطِعِ قِصَاصًا وَيَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ لَوْ كَانَ أَتْلَفَهُ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَدْ وَلِذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى يُقْتَصُّ لَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَطْعُ الْيُمْنَى لِمَا عُرِفَ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ) أَيْ وَهُوَ الْيُمْنَى فَإِنَّهَا لَا تُقْطَعُ بَعْدَ

قَطْعِ الْيُسْرَى ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مَا نَصُّهُ أَيْ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِالْيُمْنَى أَتَمُّ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ الْيَمِينُ لَمْ تَحْصُلْ بِقَطْعِ الْيُسْرَى ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُكُمْ أَخَفُّ بَدَلَ مَا أَتْلَفَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَالْمُتْلَفُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْبَاقِي ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَطَعَ الْحَدَّادُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَلَوْ قَطَعَ يَسَارَهُ غَيْرُهُ فَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصِ وَفِي الْخَطَّا الدِّيَةُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ إلَخْ ) تَكْرَارُ مَحْضٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي ) فَقَطَعَهَا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا يَسَارُهُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ ) أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِآخَرَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَ يَدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا قَطَعَهُ أَحَدٌ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ فَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى قَطَعَ قَاطِعٌ يَمِينَهُ فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَعَلَى قَاطِعُهُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالْأَرْشُ فِي الْخَطَأِ وَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقْطَعَ رِجْلُهُ فِي السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا خُوصِمَ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْيُمْنَى وَقَدْ فَاتَتْ فَيَسْقُطُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ وَكَانَ قَطْعُهُ عَنْ السَّرِقَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى السَّارِقِ فِيمَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالِ السَّرِقَةِ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ

وَالْإِقْرَارِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ أَنْ تَثْبُتَ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَا يُقْطَعُ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ أَقْطَعُهُ بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ ) يَعْنِي لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ أَيْضًا إذَا غَابَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عِنْدَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَ غَائِبًا عِنْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ ) أَيْ وَلِهَذَا تُجْعَلُ الْأَسْبَابُ الْحَادِثَةُ فِي الشُّهُودِ كَالِارْتِدَادِ وَالْفِسْقِ وَالْجُنُونِ وَالْعَمَى وَالْمَوْتِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ كَالْحَادِثَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ إلَخْ ) هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبًا فِي وَقْتِ الشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى دُونَ الْإِقْرَارِ ) وَلَنَا أَنَّ الْمَقَرَّ بِهِ لِلْمُقِرِّ ظَاهِرًا مَا لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ ثُمَّ لِحَاضِرٍ جَازَ فَإِذَا كَانَ زَوَالُ مِلْكِهِ مَوْقُوفًا إلَى التَّصْدِيقِ كَانَ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ شُبْهَةٍ وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ فَصَارَ الْإِقْرَارُ كَالشَّهَادَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ إذْ ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِالشُّهُودِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لِجَوَازِ التَّكْذِيبِ مِنْهُ فَكَذَا هُنَا وَكَمَا لَوْ قَالَ سَرَقْتهَا وَلَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

( وَلَوْ مُودِعًا أَوْ غَاصِبًا أَوْ صَاحِبَ الرِّبَا ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ وَكَذَا بِخُصُومَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَبْضِعِ وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَمُتَوَلَّى الْوَقْفِ وَكُلِّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِهَؤُلَاءِ حَقَّ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ عِنْدَ جُحُودِ مَنْ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُمْ الْحِفْظُ دُونَ الْخُصُومَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ لِاسْتِمْرَارِهَا فَلَأَنْ لَا يَمْلِكُوهَا مَعَ انْتِفَائِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى وَزُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا ضَرُورَةَ اسْتِرْدَادِ الْمَالِ إلَى الْحِفْظِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ وَالنِّيَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْحُدُودِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ إذَا حَضَرَ عَلَى مَا مَرَّ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِهِ مَعَ غِيبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ لِلصِّيَانَةِ وَلَوْ أَظْهَرْنَاهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لَفَاتَتْ الصِّيَانَةُ إذْ بِالْقَطْعِ يَبْقَى الْمَالُ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فَيُسْتَوْفَى الْقَطْعُ وَلِهَؤُلَاءِ يَدٌ صَحِيحَةٌ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ فَإِذَا أُزِيلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِاسْتِرْدَادِهَا أَصَالَةً لَا نِيَابَةً لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَمِينًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَّا بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَمِينًا لَا يَتَمَكَّنُ

مِنْ إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِذَلِكَ فَكَانَ مُخَاصِمًا عَنْ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْخُصُومَةِ إلَى غَيْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ سَرَقَ مِنِّي بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ وَلَا يُخَاصِمُ بِاعْتِبَارِ حَقِّهِ فَإِذَا كَانَ أَصِيلًا فِي الْخُصُومَةِ وَجَبَ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ الثُّبُوتِ بِلَا حَضْرَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ فِيهِ حُضُورُهُ اسْتِحْسَانًا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَفِيهِ شُبْهَةٌ زَائِدَةٌ وَهِيَ جَوَازُ أَنْ يُرَدَّ إقْرَارَهُ فَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ بِخِلَافِ خُصُومَةِ هَؤُلَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ ضِمْنًا لِقَطْعِ الْيَدِ فَلَا يَكُونُ سُقُوطُهُ مُضَافًا إلَى الْمُودِعِ وَلَا يَكُونُ تَضْيِيعًا لَهُ بَلْ يَكُونُ صِيَانَةً بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ السُّرَّاقَ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ يَمْتَنِعُونَ عَنْهُ وَبِعَكْسِهِ يَجْتَرِؤُنَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ قَتْلًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالشُّبْهَةِ الْمَوْهُومَةِ بِاعْتِرَاضِ الْمَالِكِ لِبُعْدِهَا كَمَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةُ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ ثَابِتَةً وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ مِنْ السَّرِقَةِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ حَالَ غِيبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْهُ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ خُصُومَتَهُ صَحِيحَةٌ وَاقِعَةٌ عَنْ نَفْسِهِ لِاسْتِرْدَادِ مَالِهِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ يُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَتِهِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ

قَائِمَةً بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ إذَا هَلَكَتْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلرَّاهِنِ وَكَذَا قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لَا حَقَّ لَهُ فِي مُطَالَبَةِ الْعَيْنِ فَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِخُصُومَةِ الرَّاهِنِ بَعْدَ الْهَلَاكِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَكَانَ الْفَضْلُ يَبْلُغُ نِصَابًا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ السَّارِقَ بَعْدَ الْهَلَاكِ كَالْوَدِيعَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ ) أَيْ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْمُودِعِ وَالْغَاصِبِ وَصَاحِبِ الرِّبَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ صَاحِبُ الرِّبَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَسَّرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْعَتَّابِيُّ صَاحِبَ الرِّبَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَنْ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعِشْرِينَ وَقَبَضَ الْعِشْرِينَ ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ وَسَرَقَ الْعِشْرِينَ مِنْهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَنَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ) أَيْ وَالْقَابِضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُونَهَا ) النُّونُ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ ) أَيْ مِنْ حِرْزٍ مُسْتَتِمٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ ) أَيْ وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ) جَوَابٌ لِقَوْلِ زُفَرَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ الصِّيَانَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالشُّبْهَةِ ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ شُبْهَةُ الْإِذْنِ مِنْ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ فَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ فَأَجَابَ بِهِ يَعْنِي لَا اعْتِبَارَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومٍ اعْتِبَارُهَا بَلْ الِاعْتِبَارُ لِشُبْهَةِ مُحَقَّقَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُودِعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً مَوْهُومَةً أَيْضًا بِأَنْ يَقُولَ الْمُودِعُ إنْ حَضَرَ كَانَ السَّارِقُ ضَيْفًا عِنْدِي مَأْذُونًا بِالدُّخُولِ فِي الْبَيْتِ وَكَذَا يُقْطَعُ بِالْإِقْرَارِ مَعَ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُتَوَهِّمَةٌ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَعُلِمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلشُّبْهَةِ الْقَائِمَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْحَالِ لَا لِلشُّبْهَةِ الْمُتَوَهِّمَةِ الْمُحْتَمَلَةِ الِاعْتِرَاضَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَة ) أَرَادَ بِهِ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا نُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ غَابَ الْمُسْتَوْدِعُ وَحَضَرَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْتَوْدِعِ .

ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي السَّرِقَةِ ) فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مَنْ بَدَّلَ فِي ا هـ ( قَوْلِهِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلرَّاهِنِ ) أَيْ بَلْ لِلْمُرْتَهِنِ ا هـ كَاكِيٌّ بِمَعْنَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ إلَخْ ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ يَنْبَغِي الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ ) قَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فَإِنْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُودِعُ هَلْ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِيهِ رِوَايَتَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

( لَا بِطَلَبِ الْمَالِكِ أَوْ السَّارِقِ لَوْ سَرَقَ مِنْ سَارِقٍ بَعْدَ الْقَطْعِ ) مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّرِقَةَ إنَّمَا تُوجِبُ الْقَطْعَ إذَا كَانَتْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ أَوْ الْأَمِينِ أَوْ الضَّمِينِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هُنَا إذْ السَّارِقُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا أَمِينٍ وَلَا ضَمِينٍ فَلَا يُقْطَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا سُرِقَ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ وَلِرَبِّ السَّرِقَةِ الْقَطْعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ إذْ هِيَ تَصِحُّ بِالْمِلْكِ أَوْ الْأَمَانَةِ أَوْ الضَّمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ إذْ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَوْلُهُ مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ ) أَرَادَ بِالسَّرِقَةِ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ كَمَا فِي نُسَخ الْيَمَنِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ كِتَابِ سَرِقَةِ الْأَصْلِ إذَا سَرَقَ مِنْ السَّارِقِ رَجُلٌ وَلَمْ تُقْطَعْ يَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ فَالْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ قُطِعَ يَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ عَلَى الثَّانِي ثُمَّ قَالَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إنْ قَطَعْت يَدَ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَمْ أَقْطَعْ يَدَ السَّارِقِ الثَّانِي وَإِنْ دَرَأْت الْقَطْعَ عَنْ الْأَوَّلِ لِشُبْهَةٍ قَطَعْت يَدَ الثَّانِي وَفِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِهِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَطْعَ الْأَوَّلَ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ فَإِنْ قُطِعَ الْأَوَّلُ لَا يُقْطَعُ الثَّانِي لِارْتِفَاعِ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ فَكَانَتْ سَرِقَةُ مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ الْأَوَّلُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ ) أَيْ لِلسَّارِقِ الْأَوَّلِ ا هـ ( قَوْلُهُ وِلَايَةٌ ) أَيْ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ الِاسْتِرْدَادِ ) أَيْ مِنْ الثَّانِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِدْ وَاحِدٌ مِنْهَا ) أَيْ فَيَكُونُ الِاسْتِرْدَادُ لِلْمَالِكِ أَمَّا إذَا دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ ثُمَّ سَرَقَ الثَّانِي فَلَا رِوَايَةَ فِي الِاسْتِرْدَادِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ لِأَنَّ يَدَهُ ضَمَانٌ كَالْغَاصِبِ فَيَسْتَرِدَّ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الضَّمَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إمَّا أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ ضَمَانٍ فَلِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ بِالْقَطْعِ ا هـ

( وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ أَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ ) أَمَّا إذَا رَدَّهُ السَّارِقُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ فَلِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَطْعَ وَإِنْ كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ ثُبُوتَهُ فِي ضِمْنِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي الْمَسْرُوقِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ وَالْمَشْهُودُ لَهُ يُنْكِرُ السَّرِقَةَ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ وَحَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هُنَا لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا أَرَدَّهَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ قُلْنَا بَعْدَ التَّرَافُعِ وُجِدَتْ الْخُصُومَةُ وَانْتَهَتْ بِالرَّدِّ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَتَقَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ فَتَكُونُ مَوْجُودَةً حُكْمًا وَتَقْرِيرًا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا رَدَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ وَكَذَا إذَا رَدَّهَا بَعْدَ مَا شَهِدَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا هُوَ حُجَّةٌ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَلَوْ رَدَّهَا عَلَى وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ فَهُوَ كَرَدِّهِ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَلَا يُقْطَعُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ لِوُجُودِ الْوُصُولِ إلَيْهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَلِهَذَا لَوْ رَدَّ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَقَبَضَ يَبْرَأُ الْمَدِينُ بِقَبْضِهِ وَكَذَا لَوْ رَدَّ عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهِرَةً أَوْ عَبْدَهُ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى وَالِدِهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ وَالِدَتِهِ أَوْ

جَدَّتِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الرَّدِّ وَشُبْهَةُ الرَّدِّ كَالرَّدِّ وَلَوْ دَفَعَ إلَى عِيَالِ هَؤُلَاءِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَى مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ مُكَاتَبٍ وَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ مَالَهُ لَهُ رَقَبَةً وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْعِيَالِ وَرَدَّ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِمْ فَوْقَ أَيْدِيهمْ فِي مَالِهِ وَأَمَّا إذَا مَلَكَهُ السَّارِقُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَقَدْ اعْتَرَضَ مَا يُوجِبُ فَقَدْ شَرَطَهُ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ فَيَمْتَنِعُ الْإِمْضَاءُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ كَتَغَيُّرِ أَوْصَافِ الشُّهُودِ بِالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالرِّدَّةِ وَالْفِسْقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ رَدِّهِ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ يُؤَكِّدُ الْخُصُومَةَ فَيُتِمُّهَا لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا فَتَبْقَى تَقْدِيرًا وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَيُضَادُّ مَقْصُودَهَا إذْ لَا يُخَاصِمُ أَحَدٌ لِيَمْلِكَ وَإِنَّمَا يُخَاصِمُ لِيَسْتَرِدَّ فَيَقْطَعُهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ السَّرِقَةَ وَقَعَتْ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَلِيلِهَا وَلَا أَثَرَ لِلْعَارِضِ فِي إيرَاثِ الْخَلَلِ فِي الظُّهُورِ أَوْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ تُوجِبُ مِلْكًا حَادِثًا فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ كَالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْوَجْهَ وَالْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَلَا نُعِيدُهُ فَإِنْ قِيلَ إذَا تَزَوَّجَ بِمَنْ زَنَى بِهَا يُحَدُّ فَلَوْلَا أَنَّ الْعَارِضَ كَالْعَدَمِ لِمَا حُدَّ قُلْنَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَهُوَ مُتَلَاشٍ وَالْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَهُوَ بَاقٍ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إذْ رَدَّ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْقَاضِي أَوْ بَعْدَ مَا رَفَعَ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْخُصُومَةِ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَقِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ حَقِّ الْعَبْدِ وَحَقِّ الْعَبْدِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْخُصُومَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْخُصُومَةُ بِرَدِّ الْمَسْرُوقِ إلَى الْمَالِكِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْعَبْدِ لَمْ يَثْبُتْ مَا فِي ضِمْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقْطَعُ وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى مَالِكِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا فَلَا يَكُونُ فَائِدَةً فِي رَدِّ السَّارِقِ فَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى وَالِدِهِ إلَخْ ) أَمَّا الْمُودِعُ يَضْمَنُ بِالرَّدِّ إلَى هَؤُلَاءِ وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ ) أَيْ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقًّا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ ) أَيْ فَالْمَلِكُ الْحَادِثُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمِلْكِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِي لَمَّا لَمْ يَمْضِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فَلَا يَسْتَوْفِي الْقَطْعَ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَهَذَا

لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَضَيْت بَلْ بِالِاسْتِيفَاءِ جَلْدًا أَوْ رَجْمًا أَوْ قَطْعًا فَلَا جَرَمَ كَانَ الْإِمْضَاءُ مِنْ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّ ثَمَّةَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَضَيْت يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ السَّارِقَ لَوْ قُطِعَ بَعْدَ الْمِلْكِ قُطِعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا قَضَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ يَعْنِي إلَى السَّارِقِ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ لِأَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ تَتَّصِلْ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَهَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ سَرَقَ سَرِقَةً فَقَضَى الْقَاضِي بِالْقَطْعِ ثُمَّ وَهَبَ رَبُّ السَّرِقَةِ السَّرِقَةَ إلَى السَّارِقِ قَالَ يَدْرَأُ عَنْهُ الْقَطْعَ قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ السَّارِقُ إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ وَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ ا هـ .

وَأَمَّا إذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكَهُ فَمَعْنَاهُ بَعْدَ مَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَتَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إذَا رَجَعَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ وَأَمَّا إذَا نَقَصَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ عَنْ النِّصَابِ فَالْمُرَادُ بِهِ النُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ السِّعْرِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْقَطْعِ لَا مِنْ حَيْثُ نُقْصَانِ الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ سُرِقَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَيَوْمَ الْقَطْعِ أَقَلَّ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ النِّصَابَ تَمَّ عِنْدَ الْأَخْذِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فَنُقْصَانُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ كَمَا فِي النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ النِّصَابَ لَمَّا كَانَ شَرْطًا شَرَطَ قِيَامَهُ عِنْد الْإِمْضَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ لِنُقْصَانِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عَلَى السَّارِقِ فَكَمَّلَ النِّصَابَ عَيْنًا وَدَيْنًا وَنُقْصَانُ السِّعْرِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِفُتُورِ الرَّغَبَاتِ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى أَحَدٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

( قَوْلُهُ فَمَعْنَاهُ إلَخْ ) وَإِنَّمَا فَسَّرَ بِهِ لِيُخْرِجَ مَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَمْ أَسْرِقْ بَلْ هُوَ مِلْكِي فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الْمَالُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إذَا رَجَعَ صَحَّ ) أَيْ إجْمَاعًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا مِنْ السُّرَّاقِ أَقَلُّ مِنْ الْقَلِيلِ كَالْفُقَهَاءِ وَهُمْ لَا يَسْرِقُونَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ ذَاتُ الْعَيْنِ نَاقِصَةً وَقْت الِاسْتِيفَاءِ وَالْبَاقِي مِنْهَا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَكَمَّلَ النِّصَابَ عَيْنًا وَدَيْنًا ) أَيْ وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ السَّارِقُ اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ ثُمَّ يَسْقُطُ ضَمَانُهُ ا هـ كَمَالٌ

( وَلَوْ أَقَرَّا بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا ) أَيْ لَوْ أَقَرَّ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا الْمَسْرُوقُ مَالِي لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَوَاءٌ ادَّعَى قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لِأَنَّ السَّرِقَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الشَّرِكَةِ وَبَطَلَ الْحَدُّ عَنْ أَحَدِهِمَا بِرُجُوعِهِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ السَّرِقَةَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهَا فَكَانَ رُجُوعًا فِي حَقِّهِ وَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ لِاتِّحَادِ السَّرِقَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت أَنَا وَفُلَانٌ كَذَا وَفُلَانٌ يُنْكِرُ حَيْثُ يُقْطَعُ الْمُقِرُّ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ بِتَكْذِيبِهِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ إنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَثْبُتُ غَيْرُ مُشْتَرَكٍ وَقَدْ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ فَلَا يَثْبُتُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّرِكَةَ لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ بِإِنْكَارِ الْآخَرِ صَارَ فِعْلُهُ كَالْعَدَمِ وَعَدَمُ فِعْلِهِ لَا يُخِلُّ بِالْمَوْجُودِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ قَتَلْت أَنَا وَفُلَانٌ فُلَانًا وَقَالَ الْآخَرُ مَا قَتَلْت يُقَادُ الْمُقِرُّ وَحْدَهُ ، وَكَقَوْلِهِ زَنَيْت أَنَا وَفُلَانٌ بِفُلَانَةَ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ حُدَّ الْمُقِرُّ وَحْدَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ ) أَيْ الْحَاضِرُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوَّلًا يَقُولُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّ الْغَائِبَ رُبَّمَا يَدَّعِي الشُّبْهَةَ عِنْدَ حُضُورِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُقْطَعُ لِأَنَّ سَرِقَةَ الْحَاضِرِ تَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَوْهُومُ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَادَّعَى كَانَ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ الدَّعْوَى شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

( قَوْلُهُ أَيْ الْحَاضِرِ ) ثُمَّ إذَا جَاءَ الْغَائِبُ لَمْ يُقْطَعْ بِالشَّهَادَةِ الْأُولَى حَتَّى تُعَادَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ أَوْ غَيْرُهَا فَحِينَئِذٍ يُقْطَعُ لِأَنَّ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِأَنَّهَا قَامَتْ بِغَيْرِ خَصْمٍ إذْ الْحَاضِرُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْهُ إمَّا لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْخُصُومَةِ فِي الْحُدُودِ أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ عَلَى الْحَاضِرِ ثُبُوتُهَا عَلَى الْغَائِبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُقْطَعُ ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ا هـ فَتْحٌ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مَعَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَيُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ بَاقِي الْأَئِمَّةِ ا هـ فَتْحٌ

( وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ يَعْنِي إذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَا يَضْمَنُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ مُكَاتَبًا وَكَانَ الْمَال الْمَسْرُوقُ مُسْتَهْلَكًا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فَيَدْفَعُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْطَعُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي الْمَالِ أَوْ يُصَدِّقُهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْقَطْعِ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَوْلَى فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ قُلْنَا صِحَّةُ إقْرَارِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فِي ضِمْنِهِ فَيَصِحُّ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ أَقَرَّ الْمَدِينُ بِالدَّيْنِ يُقْبَلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فَكَذَا هَذَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ بَاطِلٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْغَصْبِ وَمَا فِي يَدِهِ لِلْمَوْلَى فَلَا يُقْطَعُ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلِكِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ فِيهَا وَالْقَطْعُ تَابِعٌ حَتَّى تَسْمَعَ الْخُصُومَةَ فِيهِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِدُونِ الْقَطْعِ كَمَا إذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ دُونَ عَكْسِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بَطَلَ فِي التَّبَعِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ

الْقَطْعِ تَبَعًا وَبِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالْمُسْتَهْلِكِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ لِيَرُدَّ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَطْعِ فَيَصِحُّ وَعَلَى الْمَوْلَى بِالْمَالِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَصِحُّ وَالْقَطْعُ قَدْ يَجِبُ بِدُونِ الْمَالِ كَمَا إذَا قَالَ الثَّوْبُ الَّذِي مَعَ عَمْرٍو سَرَقْته مِنْ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يُصَدِّقُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الثَّوْبِ وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَال مُسْتَهَلّك وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَطْعِ قَدْ صَحَّ مِنْهُ لَكَوَّنَهُ آدَمِيًّا وَصِحَّته لِعَدَمِ التُّهْمَة فَيَصِحّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَار يُلَاقِي حَالَة الْبَقَاء وَالْمَال فِيهَا تَابِع لِلْقَطْعِ حَتَّى تَسْقُط عِصْمَة الْمَال بِاعْتِبَارِ الْقَطْع وَيَسْتَوْفِي الْقَطْع بَعْد هَلَاك الْمَال بِخِلَافِ مَسْأَلَة الْحُرّ لِأَنَّ الْقَطْع يَجِب بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْمُوَدِّع وَلَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِمَالِ مَوْلَاهُ أَبَدًا فَحَاصِل هَذَا الْخِلَاف رَاجَعَ إلَى أَنَّ الْمَال أَصْل أَوْ الْقَطْع أَوْ كِلَاهُمَا فَعِنْد أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَطْع هُوَ الْأَصْل وَالْمَال تَبِعْ وَعِنْد مُحَمَّدٍ الْمَال هُوَ الْأَصْل هُوَ فَلَا يَثْبُت الْقَطْع بِدُونِهِ وَعِنْد أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا أَصْلٌ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْأَقَاوِيل الثَّلَاثَة مَرْوِيَّة عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَوْله الْأَوَّل أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَالثَّانِي أَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَهِيَ نَظِير أَقْوَاله فِي الْحَمْلَانِ فَعُدْت مِنْ مَنَاقِبه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62