كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

يَقُولُ الْفَقِيرُ الْمُضْطَرُّ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ ، الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى : خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيُّ : الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي مَا تَزَايَدَ مِنْ النِّعَمِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ : لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ ، وَنَسْأَلُهُ اللُّطْفَ وَالْإِعَانَةَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ، وَحَالِ حُلُولِ الْإِنْسَانِ فِي رَمْسِهِ .
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الْمَبْعُوثِ لِسَائِرِ الْأُمَمِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ أَفْضَلِ الْأُمَمِ .

يَقُولُ ) أَصْلُهُ بِسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الْوَاوِ فَنُقِلَ إلَى الْقَافِ لِثِقَلِهِ عَلَى الْوَاوِ لِمُلَازَمَتِهِ فِي فَعَلَ وَلَمْ يَثْقُلْ عَلَيْهَا فِي نَحْوِ هَذَا وَلَوْ لِعَدَمِ مُلَازَمَتِهِ وَكَوْنِهِ فِي اسْمٍ .
( الْفَقِيرُ ) وَزْنُهُ فَعِيلُ مِنْ الْفَقْرِ أَيْ الْحَاجَةِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ أَيْ دَائِمُ الْحَاجَةِ ، أَوْ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ أَيْ كَثِيرُهَا ، وَالْأَوَّلُ مُلَازِمٌ لِلْعَبْدِ وَمُسْتَلْزِمٌ لِلثَّانِي فَهُوَ الْأَوْلَى ، وَفِي نُسْخَةٍ الْعَبْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ عَبْدُ الْإِيجَادِ أَيْ الْمَخْلُوقُ ، أَوْ عَبْدُ الْعُبُودِيَّةِ أَيْ الْعَابِدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ " الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ " لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } وَقَالَ سَيِّدُ الْعَالَمِينَ أَجْمَعِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سُبْحَانَكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ } .
( الْمُضْطَرُّ ) يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ اسْمَ فَاعِلٍ أَيْ : شَدِيدُ الِاحْتِيَاجِ وَكَوْنُهُ اسْمَ مَفْعُولٍ أَيْ الْمُلْجَأُ الَّذِي أَلْجَأَتْهُ شِدَّةُ احْتِيَاجِهِ لِزَوَالِ الْحَرَكَةِ الْفَارِقَةِ بَيْنَهُمَا بِالْإِدْغَامِ وَأَصْلُهُ بِتَاءٍ عَقِبَ الضَّادِ وَفَكِّ الرَّاءِ مِنْ الرَّاءِ فَخُفِّفَ بِإِبْدَالِهَا طَاءً مُهْمَلَةً ، وَإِبْدَالِ الضَّادِ طَاءً أَيْضًا ، وَإِدْغَامِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ ، وَإِدْغَامِ الرَّاءِ فِي الرَّاءِ أَيْضًا .
( لِرَحْمَةِ ) أَيْ إلَى إنْعَامِ ( رَبِّهِ ) أَيْ مَالِكِهِ وَمُرَبِّيهِ ( الْمُنْكَسِرُ ) أَصْلُهُ اسْمُ فَاعِلِ " انْكَسَرَ " ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْحَزِينُ ( خَاطِرُهُ ) أَصْلُهُ مَا وَرَدَ عَلَى الْقَلْبِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْقَلْبُ لِعَلَاقَةِ الْحَالِيَّةِ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ لِاجْتِمَاعِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الْمُنْكَسِرُ ، وَالْمُشَبَّهِ وَهُوَ الْخَاطِرُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْقَلْبِ عَلَى وَجْهٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّشْبِيهِ وَهُوَ إسْنَادُ

الْمُنْكَسِرِ لِلْخَاطِرِ وَهَذَا مَانِعٌ مِنْهَا بِإِجْمَاعِ الْبَيَانِيِّينَ ، وَالِانْكِسَارُ تَفَرُّقُ أَجْزَاءِ الْيَابِسِ كَحَجَرٍ ، وَالِانْقِطَاعُ تَفَرُّقُ أَجْزَاءِ اللَّيِّنِ كَلَحْمٍ .
( لِقِلَّةِ الْعَمَلِ ) أَيْ الصَّالِحِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى قِلَّتِهِ انْكِسَارُ الْقَلْبِ ( وَالتَّقْوَى ) أَيْ اتِّقَاءِ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ ، فَعَطْفُهَا عَلَى الْعَمَلِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ ، وَإِنْ خُصَّتْ بِالِاجْتِنَابِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْعَمَلِ قَبْلَهَا فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايَرَةِ وَهَذَا شَأْنُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ مِنْ نِسْبَةِ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنْفُسِهِمْ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى } ، وَتَأَسِّيًا بِأَشْرَفِ الْمَخْلُوقِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَكَ { لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ } .
( خَلِيلُ ) أَصْلُهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ الْخُلَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ صَفَاءِ الْمَوَدَّةِ ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَهُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْهَا ( ابْنُ إِسْحَاقَ ) نَعْتُ " خَلِيلُ " لِتَأَوُّلِهِ بِالْمَنْسُوبِ بِالْبُنُوَّةِ لِإِسْحَاقَ ( الْمَالِكِيُّ ) أَيْ الْمَنْسُوبُ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِتَعَبُّدِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِهِ تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا نَعْتٌ ثَانٍ لِخَلِيلٍ لَا لِإِسْحَاقَ ؛ لِأَنَّهُ حَنَفِيٌّ .
وَشُغِلَ خَلِيلٌ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِمَحَبَّتِهِ فِي شَيْخَيْهِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ وَسَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ قِيلَ : مَكَثَ الْمُصَنِّفُ فِي تَأْلِيفِ الْمُخْتَصَرِ عِشْرِينَ سَنَةً وَبَيَّضَهُ إلَى النِّكَاحِ ، وَوُجِدَ بَاقِيهِ فِي أَوَرَاقِ مُسَوَّدَةٍ فَجَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَأَلَّفَ بَهْرَامُ بَابَ الْمُقَاصَّةِ مِنْهُ وَكَمَّلَ الْأَقْفَهْسِيُّ جُمْلَةً يَسِيرَةً تَرَكَ الْمُصَنِّفُ لَهُمَا

بَيَاضًا .
وَأَلَّفَ الْمُصَنِّفُ شَرْحَهُ التَّوْضِيحَ عَلَى مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْفِقْهِيِّ قِيلَ وَبِهِ عُرِفَ فَضْلُهُ وَمَكَثَ بِمِصْرَ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يَرَ النِّيلَ وَكَانَ يَلْبَسُ لُبْسَ الْجُنْدِ الْمُتَقَشِّفِينَ وَسَمَّى نَفْسَهُ فِي مَبْدَأِ كِتَابِهِ لِلتَّرْغِيبِ فِيهِ ، وَالْوُثُوقِ بِهِ كَمَا هِيَ عَادَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ نُصْحًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِهَذَا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فَفِي الْبَيَانِ لِابْنِ رُشْدٍ أَوَّلَ كُلِّ مَسْأَلَةٍ : قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ : بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَحْصِيلُهَا كَذَا ، وَكَذَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي تَأْلِيفِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ عِيَاضٌ : الْحُكْمُ كَذَا .
( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) مَفْعُولُ " يَقُولُ " وَكَذَا مَا بَعْدَهُ إلَى قَوْلِهِ فَلَا إشْكَالَ ، وَهَلْ مَحَلُّ النَّصْبِ لِلْمَجْمُوعِ وَلِكُلِّ جُمْلَةٍ ؟ خِلَافٌ ، وَالْحَمْدُ لُغَةً الْوَصْفُ بِجَمِيلٍ لِأَجْلِ اتِّصَافِ الْمَوْصُوفِ بِوَصْفٍ جَمِيلٍ غَيْرِ طَبِيعِيٍّ إنْعَامًا كَانَ ، أَوْ غَيْرَهُ مَعَ قَصْدِ الْوَاصِفِ تَعْظِيمَ الْمَوْصُوفِ وَعُرْفًا أَمْرٌ دَالٌّ عَلَى تَعْظِيمِ مُنْعِمٍ وَهَذَا هُوَ الشُّكْرُ لُغَةً .
( حَمْدًا ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لِنَوْعِ عَامِلِهِ بِنَعْتِهِ بِجُمْلَةِ يُوَافِي إلَخْ وَعَامِلُهُ مُقَدَّرٌ أَيْ أَحْمَدُهُ لَا الْحَمْدُ الْمَذْكُورُ لِفَصْلِهِ مِنْهُ بِالْخَبَرِ الْأَجْنَبِيِّ بِجِهَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ الَّتِي كَانَ يُعْمَلُ بِهَا فِي " حَمْدًا " ، وَإِنْ كَانَ مَعْمُولًا لَهُ مِنْ جِهَةِ الِابْتِدَائِيَّةِ الَّتِي رُفِعَ الْخَبَرُ بِهَا ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْحَمْدِ جِهَتَيْنِ مَصْدَرَانِيَّةً وَبِهَا يُنْصَبُ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ وَلَا يُرْفَعُ الْخَبَرُ وَابْتِدَائِيَّةً وَبِهَا يُرْفَعُ الْخَبَرُ وَلَا يُنْصَبُ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ وَهَلْ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ كَاخْتِلَافِ الذَّاتِ وَعَلَيْهِ فَالْخَبَرُ أَجْنَبِيٌّ مَانِعٌ مِنْ نَصْبِ " حَمْدًا " ، أَوْ لَيْسَ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ كَاخْتِلَافِ الذَّاتِ وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ الْخَبَرُ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَمْنَعُ مِنْ نَصْبِ " حَمْدًا " ، وَهُوَ الْحَقُّ ؟

.
( يُوَافِي ) أَيْ يَفِي الْحَمْدَ ( مَا تَزَايَدَ ) أَيْ زَادَ فَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي حُصُولِ الْفِعْلِ مِنْ فَاعِلٍ وَاحِدٍ وَعَبَّرَ بِهَا لِإِفَادَتِهَا الْمُبَالَغَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الْمُغَالَاةِ .
( مِنْ النِّعَمِ ) جَمْعُ نِعْمَةٍ بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ أَنْعَامٍ ، أَوْ مُنْعَمٍ بِهِ ، بَيَانٌ لِمَا فَكُلُّ نِعْمَةٍ تَتَجَدَّدُ فَالْحَمْدُ يُقَابِلُهَا فَإِنْ قُلْت حَمْدُ الْمُصَنِّفِ جُزْئِيٌّ وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لَهَا فَكَيْفَ يُقَابِلُهَا وَلَا تَزِيدُ عَلَيْهِ قُلْت : الْمُرَادُ أَنَّهُ يُقَابِلُهَا بِمُلَاحَظَةِ الْمَحْمُودِيَّةِ وَهِيَ صِفَاتُ اللَّهِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا ، وَالْمَعْنَى : أُثْنِي عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَأَجْعَلُ الثَّنَاءَ بِكُلِّ صِفَةٍ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ فَيَزِيدُ الْحَمْدُ عَلَى النِّعَمِ ؛ لِأَنَّهَا مَحْصُورَةٌ وَالصِّفَاتُ لَيْسَتْ مَحْصُورَةً ، أَوْ يُقَالُ الْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ وَجَرَى عَلَى طَرِيقِ التَّخَيُّلِ لَا التَّحَقُّقِ .
( تَنْبِيهٌ ) : الْحَقُّ قَوْلُ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالرَّازِيِّ إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى نِعَمًا عَلَى الْكَافِرِ يَجِبُ شُكْرُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا بَنِي إسْرَائِيلَ اُذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } وَيُؤَيِّدُهُ خِطَابُهُ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كَافِرٍ فَبِالنَّظَرِ لِلْحَقِيقَةِ ، وَالْعَاقِبَةِ لَا لِلصُّورَةِ الرَّاهِنَةِ حَتَّى قِيلَ : إنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ بَلْ مِمَّا لَا يَضُرُّ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ فِي نِعْمَةٍ فِي الْآخِرَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَا مِنْ عَذَابٍ إلَّا وَفِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ هَذَا التَّعْبِيرُ لِمُصَادَمَةِ الْوَارِدِ أَفَادَهُ فِي الْإِكْلِيلِ .
( وَالشُّكْرُ ) لُغَةً الْحَمْدُ عُرْفًا وَاصْطِلَاحًا صَرْفُ جَمِيعِ النِّعَمِ فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ مِنْ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَمُبَاحٍ ( لَهُ ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى ( عَلَى مَا ) أَيْ النِّعَمِ الَّتِي ( أَوْلَانَا ) أَيْ أَعْطَانَا اللَّهُ

تَعَالَى إيَّاهَا لِصِلَةٍ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَوْصُولِهَا وَلَمْ يَبْرُزْ ضَمِيرُهَا لِأَمْنِ اللَّبْسِ ، وَقَوْلُهُ ( مِنْ الْفَضْلِ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَصْلُهُ مَصْدَرُ فَضُلَ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا اسْمُ الْمَفْعُولِ لِعَلَاقَةِ الِاشْتِقَاقِ أَيْ الْمُتَفَضَّلِ بِهِ .
( وَالْكَرَمِ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالرَّاءِ أَصْلُهُ مَصْدَرُ " كَرُمَ " بِضَمِّ الرَّاءِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُتَكَرَّمُ بِهِ لِذَلِكَ بَيَانٌ لِمَا وَلَمَّا أَوْهَمَ قَوْلُهُ يُوَافِي إلَخْ إحْصَاءَهُ الثَّنَاءَ عَلَى النِّعَمِ ، وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ إذْ هِيَ لَا تُحْصَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } رَفَعَهُ بِقَوْلِهِ ( لَا أُحْصِي ) أَيْ لَا أَضْبِطُ ( ثَنَاءً ) أَيْ وَصْفًا بِجَمِيلٍ ( عَلَيْهِ ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى .
( هُوَ ) أَيْ اللَّهُ تَعَالَى تَوْكِيدٌ لِهَاءِ عَلَيْهِ ، أَوْ مُبْتَدَأٌ أَيْ اللَّهُ تَعَالَى ، أَوْ الثَّنَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ تَعَالَى ( كَمَا ) الْكَافُ زَائِدٌ وَمَا مَوْصُولٌ اسْمِيٌّ خَبَرُ هُوَ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ أَيْ اللَّهُ الَّذِي ( أَثْنَى ) أَوْ الثَّنَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الثَّنَاءُ عَلَى نَفْسِهِ ، أَوْ حَرْفِيٌّ ، وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ صِلَتِهِ مُؤَوَّلٌ بِاسْمِ فَاعِلٍ خَبَرُ " هُوَ : عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ أَيْ اللَّهُ مُثْنٍ عَلَى نَفْسِهِ الثَّنَاءَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ ، أَوْ خَبَرٌ بِلَا تَأْوِيلٍ عَلَى الثَّانِي أَيْ الثَّنَاءُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ الْكَافُ أَصْلِيٌّ وَ " مَا " مَوْصُولٌ اسْمِيٌّ ، أَوْ حَرْفِيٌّ وَالْجَارُ ، وَالْمَجْرُورُ صِفَةُ ثَنَاءٍ أَيْ كَالثَّنَاءِ الَّذِي أَثْنَاهُ ، أَوْ كَثَنَائِهِ ( عَلَى نَفْسِهِ ) أَيْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِطْلَاقُ لَفْظِ النَّفْسِ عَلَيْهِ تَعَالَى بِلَا مُشَاكَلَةٍ وَرَدَ فِي آيَةِ { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } وَحَدِيثِ { لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك } وَدَعْوَى الْمُشَاكَلَةِ فِيهِمَا بَعِيدَةٌ ( وَنَسْأَلُهُ ) أَيْ اللَّهَ تَعَالَى ( اللُّطْفَ ) أَيْ الرِّفْقَ

وَالرَّأْفَةَ ( وَالْإِعَانَةَ ) أَيْ خَلْقَ فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَنْهِيَّاتِ وَكَسْبِهِمَا هَذَا هُوَ الْمُرَادُ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْإِعَانَةِ الْمُشَارَكَةَ فِي الْفِعْلِ لِتَسْهِيلِهِ فَشَبَّهَ حُصُولَ الْفِعْلِ بَيْنَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقًا ، وَإِيجَادًا وَقُدْرَةِ الْعَبْدِ كَسْبًا وَاخْتِيَارًا بِوُقُوعِهِ بَيْنَ قُدْرَتَيْنِ مُؤَثِّرَتَيْنِ فَرْضًا وَتَقْدِيرًا بِجَامِعِ مُطْلَقِ وُقُوعِهِ بَيْنَ قُدْرَتَيْنِ وَتُنُوسِيَ التَّشْبِيهُ وَادُّعِيَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ دَاخِلٌ فِي جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَاسْتُعِيرَ لَفْظُ الْإِعَانَةِ مِنْ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً أَصْلِيَّةً .
فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ) تَنَازَعَ فِيهِ اللُّطْفُ ، وَالْإِعَانَةُ فَأُعْمِلَ الثَّانِي فِي لَفْظِهِ لِقُرْبِهِ وَالْأَوَّلُ فِي ضَمِيرِهِ وَحُذِفَ ؛ لِأَنَّهُ فَضْلُهُ ( وَ ) فِي ( حَالِ حُلُولِ ) أَصْلُهُ النُّزُولُ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُكْثُ لِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ لِاحْتِيَاجِ ( الْإِنْسَانِ ) لَهُمَا مَا دَامَ فِي قَبْرِهِ ، يُحْتَمَلُ إرَادَةُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِنْسَانِ نَفْسَهُ فَأَلْ لِلْعَهْدِ وَيُحْتَمَلُ إرَادَتُهُ بِهِ كُلَّ مُؤْمِنٍ فَهِيَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهَذَا أَوْلَى لِرَجَاءِ الْإِجَابَةِ .
( فِي رَمْسِهِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ، وَإِهْمَالِ السِّينِ : أَصْلُهُ الطَّرْحُ وَالرَّمْيُ نُقِلَ لِلْمَرْمُوسِ لِعَلَاقَةِ الِاشْتِقَاقِ وَنُقِلَ مِنْهُ لِلْمَرْمُوسِ فِيهِ وَهُوَ الْقَبْرُ لِعَلَاقَةِ الْحَالِيَّةِ فَفِيهِ مَجَازٌ عَلَى مَجَازٍ وَذَكَرَ هَذِهِ الْحَالَةَ مَعَ دُخُولِهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِ الْإِنْسَانِ فِيهَا لِلُّطْفِ ، وَالْإِعَانَةِ فَإِنَّهَا الْمَنْزِلَةُ الْأُولَى مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَالرِّحْلَةُ الْأُولَى صَعْبَةٌ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ فِي الْآخِرَةِ .
وَلَمَّا كَانَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْوَاسِطَةَ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ عِبَادِهِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَيْهِمْ وَلَا سِيَّمَا الْإِسْلَامُ وَشَرِيعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ تَأَكَّدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَنَعَ مَعَكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ } فَلِذَا قَالَ .
( وَالصَّلَاةُ ) أَيْ الرَّحْمَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالتَّعْظِيمِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَا لَا يُدْعَى بِهَا لِغَيْرِ مَعْصُومٍ أَيْ يُكْرَهُ وَقِيلَ يَحْرُمُ وَقِيلَ : خِلَافُ الْأَوْلَى ، وَالدُّعَاءُ بِاسْتِغْفَارٍ ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفَسَّرَهَا ابْنُ هِشَامٍ بِالْعَطْفِ مُطْلَقًا وَفَسَّرَ عَطْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَعَطْفَ غَيْرِهِ بِدُعَائِهِ فَهِيَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ عَلَى هَذَا كَإِنْسَانٍ وَاللَّفْظِيِّ عَلَى الْأَوَّلِ كَعَيْنٍ .
( وَالسَّلَامُ ) أَيْ التَّحِيَّةُ وَالتَّأْمِينُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ( عَلَى مُحَمَّدٍ ) أَصْلُهُ اسْمُ مَفْعُولِ " حَمَّدَ " بِفَتَحَاتٍ مُشَدَّدَ الْمِيمِ لِلتَّكْثِيرِ أَيْ الْمَحْمُودِ كَثِيرًا ، أَوْ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ الْمُوَفَّقِ لِلْحَمْدِ سَمَّى بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ابْنَ ابْنِهِ تَفَاؤُلًا بِذَلِكَ لَهُ وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ تَعَالَى رَجَاءَهُ وَجَعَلَهُ أَعْظَمَ الْحَامِدِينَ ، وَالْمَحْمُودِينَ فَهُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولٍ .
سَيِّدِ ) أَيْ شَرِيفٍ كَامِلٍ وَتَقِيٍّ فَاضِلٍ وَذِي رَأْيٍ شَامِلٍ وَحَلِيمٍ كَرِيمٍ وَفَقِيهٍ عَلِيمٍ وَرَئِيسٍ مُقَدَّمٍ ( الْعَرَبِ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ ، أَوْ ضَمِّ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَنْ يَتَكَلَّمُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ سَجِيَّةً سَوَاءٌ سَكَنَ الْحَاضِرَةَ ، أَوْ الْبَادِيَةَ وَالْأَعْرَابُ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ الْمُتَكَلِّمُونَ بِهَا كَذَلِكَ فَهُمْ أَخَصُّ مِنْ الْعَرَبِ وَقِيلَ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ سَوَاءٌ تَكَلَّمُوا بِهَا ، أَوْ بِالْعَجَمِيَّةِ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَجْهِيٌّ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا قَبْلَ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ وَمِنْهُمْ عَادٌ وَثَمُودُ وَقَحْطَانُ وَجُرْهُمُ وَأَخَذَ إسْمَاعِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْ جُرْهُمَ وَسُمِّيَتْ أَوْلَادُهُ الْعَرَبَ الْمُسْتَعْرِبَةَ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَنْهُمَا أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ إسْمَاعِيلُ ، وَالْمُرَادُ بِهَا عَرَبِيَّةُ قُرَيْشٍ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا .
( وَالْعَجَمِ ) أَيْ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْعَجَمِيَّةِ سَجِيَّةً وَفِيهِ اللُّغَتَانِ اللَّتَانِ فِي الْعَرَبِ ، وَالْأَوْلَى قِرَاءَتُهُمَا بِلُغَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا .
( الْمَبْعُوثِ ) اسْمُ مَفْعُولِ " بَعَثَ " أَيْ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( لِسَائِرِ ) مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ بَاقِي مِنْ السُّؤْرِ بِالْهَمْزِ أَيْ الْبَقِيَّةِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى " جَمِيعِ " مَجَازًا مِنْ السُّورِ بِالْوَاوِ أَيْ الْبِنَاءِ الْمُحِيطِ بِغَيْرِهِ وَكِلَاهُمَا يَصِحُّ هُنَا فَالْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ إرْسَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَسَدِهِ مُبَاشَرَةً لِآخِرِ الْأُمَمِ وَالثَّانِي بِاعْتِبَارِ إرْسَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُوحِهِ وَنِيَابَةِ الْمُرْسَلِينَ السَّابِقِينَ عَنْهُ لِجَمِيعِ ( الْأُمَمِ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ جَمْعُ أُمَّةٍ كَذَلِكَ وَشَدِّ الْمِيمِ أَيْ جَمَاعَةٍ إنْسًا وَمَلَائِكَةً وَجِنًّا وَبَهَائِمَ وَجَمَادَاتٍ إرْسَالَ تَكْلِيفٍ وَتَشْرِيفٍ لِلْإِنْسِ ، وَالْجِنِّ وَتَشْرِيفٍ فَقَطْ لِلْمَلَائِكَةِ وَتَأْمِينٍ لِلْبَاقِي .
( وَعَلَى آلِهِ ) أَيْ أَهْلِ بَيْتِهِ ( وَأَصْحَابِهِ ) أَيْ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ بَعْثِهِ مُؤْمِنِينَ بِهِ ( وَأَزْوَاجِهِ ) أَيْ زَوْجَاتِهِ ( وَذُرِّيَّتِهِ ) أَيْ أَوْلَادِهِ مُبَاشَرَةً وَهُمْ سَبْعَةٌ : ثَلَاثَةُ ذُكُورٍ ؛ الْقَاسِمُ ، وَإِبْرَاهِيمُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَلُقِّبَ عَبْدُ اللَّهِ بِالطَّيِّبِ وَالطَّاهِرِ وَأَرْبَعُ إنَاثٍ فَاطِمَةُ وَزَيْنَبُ وَرُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَكُلُّهُمْ مِنْ خَدِيجَةَ إلَّا إبْرَاهِيمَ فَمِنْ مَارِيَةَ ، أَوْ بِوَاسِطَةٍ وَهُمْ الْحَسَنُ ، وَالْحُسَيْنُ وَأَوْلَادُهُمَا كَذَلِكَ إلَى قُرْبِ السَّاعَةِ ( وَأُمَّتِهِ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَشَدِّ الْمِيمِ أَيْ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مِنْ حِينِ

بَعْثِهِ إلَى قُرْبِ الْقِيَامَةِ .
( أَفْضَلِ ) اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنْ الْفَضْلِ أَيْ الشَّرَفِ ، وَالْعِظَمِ ( الْأُمَمِ ) أَيْ الْأَتْبَاعِ فَبَيْنَ هَذَا وَالْأُمَمِ السَّابِقَةِ جِنَاسٌ تَامٌّ بِاتِّفَاقِ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ وَتَفْسِيرُهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ يَلْزَمُهُ تَكْرَارُ الْفَاصِلَةِ وَهُوَ عَيْبٌ فِي السَّجْعِ وَأَفْضَلِيَّةُ أُمَّتِهِ عَلَى بَاقِي الْأُمَمِ لِأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى بَاقِي الْمُرْسَلِينَ ؛ إذْ التَّابِعُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَتْبُوعِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

( وَبَعْدُ ) فَقَدْ سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ أَبَانَ اللَّهُ لِي وَلَهُمْ مَعَالِمَ التَّحْقِيقِ ، وَسَلَكَ بِنَا وَبِهِمْ أَنْفَعَ طَرِيقٍ : مُخْتَصَرًا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ مُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى فَأَجَبْتُ سُؤَالَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ ، مُشِيرًا بِ " فِيهَا " لِلْمُدَوَّنَةِ ، وَبِ " أُوِّلَ " إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا فِي فَهْمِهَا وَبِ الِاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ لَكِنْ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ وَبِالِاسْمِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْخِلَافِ ، وَبِ " التَّرْجِيحِ " لِابْنِ يُونُسَ كَذَلِكَ وَبِ " الظُّهُورِ " لِابْنِ رُشْدٍ كَذَلِكَ وَبِ " الْقَوْلِ " لِلْمَازِرِيِّ كَذَلِكَ وَحَيْثُ قُلْت " خِلَافٌ " فَذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي التَّشْهِيرِ ، وَحَيْثُ ذَكَرْتُ قَوْلَيْنِ أَوْ أَقْوَالًا فَذَلِكَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِي فِي الْفَرْعِ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ .

( وَبَعْدُ ) الْوَاوُ نَائِبَةٌ عَنْ " أَمَّا " وَ " أَمَّا " نَائِبَةٌ عَنْ " مَهْمَا يَكُنْ " وَ " بَعْدُ " ظَرْفٌ مَبْنِيٌّ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْحَرْفِ وَهِيَ الْإِضَافَةُ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ الْإِضَافَةِ بِهِ ، وَحُرِّكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَضُمَّ لِتَكْمُلَ لَهُ الْحَرَكَاتُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذُكِرَ مَعَهُ الْمُضَافُ إلَيْهِ ، أَوْ نُوِيَ لَفْظُهُ يُنْصَبُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ يُجَرُّ بِمِنْ بِلَا تَنْوِينٍ فَإِنْ لَمْ يُنْوَ لَفْظُهُ وَلَا مَعْنَاهُ نُصِبَ عَلَيْهَا ، أَوْ جُرَّ بِمِنْ مُنَوَّنًا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَمَانِيٌّ بِاعْتِبَارِ النُّطْقِ وَأَنَّهُ مَكَانِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْكِتَابَةِ ، وَالْمُخْتَارُ تَعَلُّقُهُ بِجَوَابِ مَهْمَا الَّتِي نَابَتْ عَنْهَا الْوَاوُ بِوَاسِطَةِ نِيَابَتِهَا عَنْ أَمَّا وَالتَّقْدِيرُ مَهْمَا يَكُنْ شَيْءٌ .
( فَ ) أَقُولُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ ، وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ( قَدْ ) تَحْقِيقِيَّةٌ ( سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ ) مَالِكِيَّةٌ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي ( أَبَانَ ) أَصْلُهُ أَبْيَنَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ ، فَنُقِلَتْ الْفَتْحَةُ إلَى الْمُوَحَّدَةِ وَأُبْدِلَتْ الْيَاءُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا أَصَالَةً وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا الْآنَ وَمَعْنَاهُ : أَظْهَرَ ( اللَّهُ ) وَهُوَ خَبَرٌ لَفْظًا إنْشَاءٌ مَعْنًى أَيْ اللَّهُمَّ أَظْهِرْ إلَخْ وَعَبَّرَ بِالْخَبَرِ لِقُوَّةِ رَجَائِهِ الْإِجَابَةَ حَتَّى كَأَنَّهَا حَصَلَتْ وَأُخْبِرَ بِهَا .
( لِي ) بَدَأَ فِي الدُّعَاءِ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهَا السُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ رَسُولِهِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } ( وَلَهُمْ ) أَيْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ سَأَلُونِي دَعَا لَهُمْ لِدَلَالَتِهِمْ عَلَى الْخَيْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } ( مَعَالِمَ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مَعْلَمٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ الْعَلَامَةُ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى نَحْوِ الطَّرِيقِ ،

وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْأَدِلَّةُ لِتَشْبِيهِهَا بِالْمَعَالِمِ فِي الدَّلَالَةِ بِقَرِينَةِ إضَافَتِهَا إلَى التَّحْقِيقِ ) أَيْ ذِكْرِ الشَّيْءِ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ وَيُطْلَقُ عَلَى إثْبَاتِهِ بِدَلِيلٍ أَيْضًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَبَّهَ التَّحْقِيقَ بِشَيْءٍ لَهُ مَعَالِمُ كَالْحَرَمِ فِي الشَّرَفِ وَتَنَاسَى التَّشْبِيهَ وَأَدْرَجَ الْمُشَبَّهَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ وَاسْتَعَارَ اسْمَهُ لَهُ وَطَوَاهُ وَأَشَارَ لَهُ بِالْمَعَالِمِ عَلَى سَبِيلِ الْمَكْنِيَّةِ وَالتَّخَيُّلِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِدْلَال وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ ، وَالْمُصَنِّفُ وَالسَّائِلُونَ مُقَلِّدُونَ فَكَيْفَ يَطْلُبُهُ لَهُ وَلَهُمْ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَنْصِبَ الْمُجْتَهِدِ الِاسْتِدْلَال عَلَى ابْتِكَارِ الْأَحْكَامِ وَاَلَّذِي طَلَبَهُ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِدْلَال عَلَى تَقْرِيرِهَا مُحَقَّقَةً .
( وَسَلَكَ ) أَيْ ذَهَبَ ( بِنَا ) أَيْ الْمُصَنِّفِ فَتَفَنَّنَ ( وَبِهِمْ ) أَيْ السَّائِلِينَ الْبَاءُ فِي الْمَحَلَّيْنِ لِلتَّعْدِيَةِ مُعَاقَبَةً لِلْهَمْزَةِ ، وَالْجُمْلَةُ إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى أَيْ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا سَالِكِينَ وَعَبَّرَ بِالْخَبَرِ لِقُوَّةِ رَجَائِهِ الْإِجَابَةَ حَتَّى كَأَنَّهَا حَصَلَتْ وَحَكَاهَا ( أَنْفَعَ ) اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنْ النَّفْعِ اكْتَسَبَ الظَّرْفِيَّةَ بِإِضَافَتِهِ إلَى ( طَرِيقٍ ) إضَافَةَ مَا كَانَ صِفَةً لِمَا كَانَ مَوْصُوفًا وَمَفْعُولُ " سَأَلَ " الثَّانِي تَأْلِيفًا ( مُخْتَصَرًا ) أَيْ قَلِيلَ الْأَلْفَاظِ وَجُمْلَةُ أَبَانَ إلَخْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَفْعُولَيْنِ .
( عَلَى مَذْهَبِ ) مَفْعَلُ صَالِحٌ لِحَدَثِ الذَّهَابِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ نُقِلَ مِنْ الْحَدَثِ لِلْأَحْكَامِ لِوُقُوعِهِ عَلَيْهَا ، أَوْ مِنْ مَكَانِهِ لَهَا لِلْمُشَابَهَةِ فِي الْمَكَانِيَّةِ ؛ إذْ هِيَ مَكَانٌ لِذَهَابِ الْعَقْلِ ، ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهَا ، وَإِضَافَتُهُ إلَى ( الْإِمَامِ ) أَيْ الْمُقْتَدَى بِهِ لِاسْتِنْبَاطِهِ إيَّاهَا فَالْأَحْكَامُ الْمَنْصُوصَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَيْسَتْ مَذْهَبًا لِإِمَامٍ دُونَ آخَرَ .
( مَالِكِ ) أَصْلُهُ اسْمُ فَاعِلِ مَلَكَ سُمِّيَ بِهِ تَفَاؤُلًا بِمِلْكِهِ الْعُلُومَ وَقَدْ

تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ إمَامَ الْأَئِمَّةِ ؛ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لِتَرْبِيَتِهِ إيَّاهُ وَقَوْلِهِ : مَالِكٌ شَيْخِي وَعَنْهُ أَخَذْتُ الْعِلْمَ وَهُوَ الْحُجَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَ رَبِّي وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَخْذِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَالْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ أَثْبَتَ السُّيُوطِيّ أَخْذَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي تَزْيِينِ الْمَمَالِكِ بِتَرْجَمَةِ مَالِكٍ قَالَ وَأَلَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ جُزْءًا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَلَا غَرَابَةَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا وَأَقْدَمُ وَفَاةً مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ وَنَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِي .
( ابْنِ أَنَسٍ ) بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ غَيْمَانَ بْنِ خُثَيْلٍ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَالْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ ذِي أَصْبَحَ بَطْنٍ مِنْ حِمْيَرَ وَعَادَتُهُمْ زِيَادَةُ ذِي فِي اسْمِ الْمَلِكِ فَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ ، وَأَبُوهُ أَنَسٌ كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَجَدُّ مَالِكٍ تَابِعِيٌّ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ حَمَلُوا عُثْمَانَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَنْهُمْ وَدَفَنُوهُ لَيْلًا بِالْبَقِيعِ وَأَبُوهُ أَبُو عَامِرٍ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْمَغَازِيَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بَدْرًا .
وَالْإِمَامُ مَالِكٌ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَقِيلَ مِنْ التَّابِعِينَ لِإِدْرَاكِهِ عَائِشَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قِيلَ : صَحَابِيَّةٌ وَالصَّحِيحُ لَا رَوَى الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَلَا يَجِدُونَ أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ } وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ { يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ وَرُوِيَ آبَاطَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ أَفْقَهَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ } .
قَالَ سُفْيَانُ كَانُوا يَرَوْنَهُ مَالِكًا قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ

: يَعْنِي سُفْيَانُ بِقَوْلِهِ " كَانُوا يَرَوْنَهُ مَالِكًا " التَّابِعِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ ، وَلَمْ تُشَدَّ الرِّحَالُ لِعَالِمٍ بِهَا كَمَا شُدَّتْ لَهُ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ ، فَمَتَى قَالَ الْأَئِمَّةُ : هَذَا قَوْلُ عَالِمِ الْمَدِينَةِ فَهُوَ مُرَادُهُمْ وَمَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكًا أَيْ إمَامًا وَعَنْهُ جَالَسْت ابْنَ هُرْمُزَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي عِلْمٍ لَمْ أَبُثَّهُ لِأَحَدٍ ، وَمَنَاقِبُهُ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " كَثِيرَةٌ جِدًّا مُفْرَدَةٌ بِتَآلِيفَ ذَكَرَ الْحَطُّ جُمْلَةً مِنْهَا فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت .
( مُبَيِّنًا ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مُشَدَّدَةً نَعْتٌ ثَانٍ لِمُخْتَصَرٍ ، أَوْ إسْنَادُ الْبَيَانِ لَهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ ( لِمَا ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي تَجِبُ ( بِهِ الْفَتْوَى ) أَيْ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِلَا إلْزَامٍ ، وَالْقَضَاءُ أَيْ الْإِخْبَارِيَّةُ بِإِلْزَامٍ ، وَالْعَمَلُ بِهِ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي كَثُرَ قَائِلُوهُ وَالرَّاجِحُ الَّذِي قَوِيَ دَلِيلُهُ فَتَحْرُمُ الْفَتْوَى ، وَالْقَضَاءُ ، وَالْعَمَلُ بِالشَّاذِّ وَالضَّعِيفِ وَيُقَدَّمُ تَقْلِيدُ نَحْوِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ عَلَى الْعَمَلِ بِالشَّاذِّ وَالضَّعِيفِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ قَالَهُ مُتَأَخِّرُو الْمِصْرِيِّينَ وَقَالَ مُتَأَخِّرُو الْمَغَارِبَةِ يُقَدَّمُ الْعَمَلُ بِهِمَا عَلَى التَّقْلِيدِ عِنْدَهُمَا اقْتِصَارًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَتَمَسُّكًا بِهِ مَا أَمْكَنَ ، وَفِي تَلْفِيقِ الْعِبَادَةِ ، أَوْ الْمُعَامَلَةِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ خِلَافٌ نَقَلَ الْعَدَوِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الصَّغِيرِ جَوَازَهُ وَهِيَ فُسْحَةٌ .
( فَأَجَبْتُ ) أَيْ بِالشُّرُوعِ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ سَابِقَةً عَلَيْهِ وَبِتَتْمِيمِهِ إنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ ( سُؤَالَهُمْ ) زَادَ لَفْظَ سُؤَالٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا ، وَأَنَّهُ أَتَى بِهِ مُتَّصِفًا بِالصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ ؛ الِاخْتِصَارِ ، وَكَوْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَمُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى .
( بَعْدَ

الِاسْتِخَارَةِ ) صِلَةُ أَجَبْت أَيْ طَلَبَ مَا هُوَ خَيْرٌ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي وَقْتٍ يَحِلُّ النَّفَلُ فِيهِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ بِ : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، وَالْكَافِرُونَ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى ، وَ بِ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } ، وَالْإِخْلَاصِ كَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ .
وَالدُّعَاءُ بَعْدَ السَّلَامِ { بِاللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ وَأَرْضِنِي بِهِ فَإِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارَ وَحَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَمْضِي لِمَا يَنْشَرِحُ صَدْرُهُ إلَيْهِ مِنْ فِعْلٍ ، أَوْ تَرْكٍ ، وَإِنْ لَمْ يَنْشَرِحْ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَلْيُكَرِّرْهَا إلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ وَيَنْوِي مَا يَسْتَخِيرُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ " هَذَا الْأَمْرَ " وَإِنْ شَاءَ صَرَّحَ بِهِ عَقِبَهُ هَذِهِ كَيْفِيَّةُ الِاسْتِخَارَةِ الَّتِي كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهَا لِأَصْحَابِهِ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ مِنْ الذَّخَائِرِ الَّتِي ادَّخَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَأُمَّتِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ هَمَّ بِأَمْرٍ تَرْكُهَا .
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ { مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ اسْتِخَارَةُ اللَّهِ

تَعَالَى وَمِنْ شِقْوَتِهِ تَرْكُهُ الِاسْتِخَارَةَ } ، ثُمَّ بَيَّنَ مَعَانِيَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أَرَادَ اسْتِعْمَالَهَا فِيمَا يَأْتِي لِيَعْلَمَهَا النَّاظِرُ فِي كِتَابِهِ وَيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي نَظَرِهِ فَقَالَ : ( مُشِيرًا ) حَالٌ مِنْ تَاءِ " أَجَبْتُ " مَنْوِيَّةً أَيْ نَاوِيًا الْإِشَارَةَ ( بِفِيهَا ) أَيْ هَذَا اللَّفْظِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ ضَمِيرِ غَيْبَةٍ مُؤَنَّثٍ عَائِدٍ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِفِيهَا عَنْ كُلِّ ذَلِكَ .
وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ شَامِلٌ لِضَمِيرِ نَحْوِ حَمَّلْت وَأَوَّلْت وَقَيَّدْت وَظَاهِرُهَا وَأُقِيمُ مِنْهَا ، وَصِلَةُ " مُشِيرًا " ( لِلْمُدَوَّنَةِ ) أَيْ الْمَسَائِلِ الَّتِي دَوَّنَهَا قَاضِي الْقَيْرَوَانِ أَسَدُ بْنُ الْفُرَاتِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَتُسَمَّى الْأَسَدِيَّةَ وَالْمُخْتَلِطَةَ ، وَتَلَطَّفَ سَحْنُونٌ بِابْنِ الْفُرَاتِ حَتَّى أَخَذَهَا مِنْهُ ، ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَهَذَّبَهَا وَنَقَّحَهَا وَرَتَّبَهَا وَاخْتَصَرَهَا الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُمَا ، ثُمَّ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرَادِعِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ ، أَوْ الْمُعْجَمَةِ وَسَمَّاهُ التَّهْذِيبَ وَاشْتُهِرَ بِاسْمِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِهَا وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ .
( وَ ) مُشِيرًا ( بِ أُوِّلَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدًا أَيْ بِمَادَّتِهِ لِيَشْمَلَ " تَأْوِيلَانِ " وَ " تَأْوِيلَاتٌ " وَ " أَوَّلْت " ( إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا ) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ شَارِحٍ سَقَطَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ ، وَالْمُرَادُ شَارِحُ مَحَلِّ الْخِلَافِ شَرَحَ بَاقِيَهَا أَوْ لَا ، وَصِلَةُ اخْتِلَافٍ ( فِي فَهْمِهَا ) أَيْ الْمُرَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَصْلُ التَّأْوِيلِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ إبْقَاءَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ ، وَتَصِيرُ مَفْهُومَاتُهُمْ مِنْهَا أَقْوَالًا فِي الْمَذْهَبِ يُعْمَلُ

وَيُفْتَى وَيُقْضَى بِأَيِّهَا إنْ اسْتَوَتْ ، وَإِلَّا فَبِالرَّاجِحِ ، أَوْ الْأَرْجَحِ وَسَوَاءٌ وَافَقَتْ أَقْوَالًا سَابِقَةً عَلَيْهَا مَنْصُوصَةً لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ أَمْ لَا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ .
فَإِنْ قِيلَ الْمُدَوَّنَةُ لَيْسَتْ قُرْآنًا وَلَا أَحَادِيثَ صَحِيحَةً فَكَيْفَ تُسْتَنْبَطُ الْأَحْكَامُ مِنْهَا قِيلَ : إنَّهَا كَلَامُ أَئِمَّةٍ مُجْتَهِدِينَ عَالِمِينَ بِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ ، وَالْعَرَبِيَّةِ مُبَيِّنِينَ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَمَدْلُولُ كَلَامِهِمْ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَلَّدَهُمْ مَنْطُوقًا كَانَ ، أَوْ مَفْهُومًا ، صَرِيحًا كَانَ أَوْ إشَارَةً فَكَلَامُهُمْ بِالنِّسْبَةِ لَهُ كَالْقُرْآنِ ، وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ .
( وَ ) مُشِيرًا ( بِالِاخْتِيَارِ ) أَيْ مَادَّتِهِ كَانَتْ بِصِيغَةِ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ ( لِ ) اخْتِيَارِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ ( اللَّخْمِيِّ ) لَكِنْ إنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ ( بِصِيغَةِ الْفِعْلِ ) كَ اخْتَارَ ( فَذَلِكَ ) أَيْ الِاخْتِيَارُ إشَارَةٌ ( لِاخْتِيَارِهِ ) أَيْ اللَّخْمِيِّ ( هُوَ ) تَوْكِيدٌ لِلْهَاءِ ( فِي نَفْسِهِ ) أَيْ بِاجْتِهَادِهِ وَاسْتِنْبَاطِهِ مِنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ لَا مِنْ أَقْوَالٍ سَابِقَةٍ عَلَيْهِ .
( وَ ) إنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ ( بِ ) صِيغَةِ ( الِاسْمِ ) كَالْمُخْتَارِ ( فَذَلِكَ ) أَيْ الِاخْتِيَارُ إشَارَةٌ ( لِاخْتِيَارِهِ ) أَيْ اللَّخْمِيِّ ذَلِكَ الْقَوْلَ ( مِنْ الْخِلَافِ ) الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ الِاخْتِيَارُ بِمَادَّتِهِ ، أَوْ التَّصْحِيحِ ، أَوْ التَّرْجِيحِ أَوْ الِاسْتِحْسَانِ ، أَوْ غَيْرِهَا .
( وَ ) مُشِيرًا ( بِالتَّرْجِيحِ ) أَيْ مَادَّتِهِ بِصِيغَةِ فِعْلٍ ، أَوْ اسْمٍ ( لِ ) تَرْجِيحِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ( بْنِ يُونُسَ ) وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ التَّرْجِيحُ بِمَادَّتِهِ أَوْ غَيْرِهَا حَالَ كَوْنِهِ ( ذَلِكَ ) أَيْ الِاخْتِيَارَ فِي أَنَّهُ كَانَ بِفِعْلٍ فَهُوَ لِتَرْجِيحِهِ فِي نَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِاسْمٍ فَهُوَ لِتَرْجِيحِهِ مِنْ خِلَافٍ .
( وَ ) مُشِيرًا ( بِالظُّهُورِ ) أَيْ مَادَّتِهِ فِي اسْمٍ ، أَوْ فِعْلٍ (

لِ ) اسْتِظْهَارِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ ( بْنِ رُشْدٍ كَذَلِكَ ) الْمَذْكُورِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَالتَّرْجِيحِ فِي أَنَّ الِاسْمَ لِمَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ ، وَالْفِعْلَ لِمَا كَانَ مِنْ النَّفْسِ .
( وَ ) مُشِيرًا ( بِالْقَوْلِ ) أَيْ مَادَّتِهِ فِي اسْمٍ ، أَوْ فِعْلٍ ( لِ ) تَرْجِيحِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ ( الْمَازِرِيِّ ) نِسْبَةً لِمَازَرَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِهَا مَدِينَةٍ بِجَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ تُسَمَّى الْآنَ سَلِيلَةَ قُرْبَ مَالِطَةَ أَعَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْإِسْلَامِ .
( كَذَلِكَ ) الْمُتَقَدِّمِ فِي أَنَّ الْفِعْلَ لِمَا مِنْ النَّفْسِ وَالِاسْمَ لِمَا مِنْ خِلَافٍ وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ فَنَاسَبَ مَا كَانَ مِنْ النَّفْسِ ، وَالِاسْمَ هُنَا مُرَادٌ مِنْهُ الدَّوَامُ فَهُوَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ فَنَاسَبَ مَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ قَدِيمٍ وَلَمْ يُرَتِّبْ الْمُصَنِّفُ الْأَشْيَاخَ عَلَى حَسَبِ تَرَتُّبِهِمْ فِي الْوُجُودِ ؛ إذْ أَوَّلُهُمْ فِيهِ ابْنُ يُونُسَ .
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ ، وَإِحْدَى وَخَمْسِينَ ، ثُمَّ اللَّخْمِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ ، ثُمَّ ابْنُ رُشْدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ ، ثُمَّ الْمَازِرِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ وَخَصَّهُمْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا اتَّفَقَ لَهُمْ فِي تَحْرِيرِ الْمَذْهَبِ .
وَخَصَّ ابْنَ يُونُسَ بِالتَّرْجِيحِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ اجْتِهَادِهِ فِي تَرْجِيحِ بَعْضِ أَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَاخْتِيَارُهُ مِنْ نَفْسِهِ قَلِيلٌ وَاللَّخْمِيَّ بِالِاخْتِيَارِ لِكَثْرَتِهِ مِنْهُ وَابْنَ رُشْدٍ بِالظُّهُورِ لِقَوْلِهِ كَثِيرًا : ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ كَذَا وَظَاهِرُ سَمَاعِ فُلَانٍ كَذَا ، وَالْمَازِرِيَّ بِالْقَوْلِ لِقُوَّةِ عَارِضَتِهِ فِي الْعُلُومِ وَتَصَرُّفِهِ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُجْتَهِدِينَ حَتَّى صَارَ صَاحِبَ قَوْلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ .
( وَحَيْثُ ) ظَرْفُ زَمَانٍ ، أَوْ مَكَان مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ فِي مَحَلِّ رَفْعِ مُبْتَدَأٍ أَيْ وَكُلُّ وَقْتٍ ، أَوْ

مَكَان ( قُلْتُ ) فِيهِ ( خِلَافٌ ) أَيْ هَذَا اللَّفْظَ ، وَرَفَعَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ يَنْصِبُ الْمُفْرَدَ الْمُرَادَ مِنْهُ لَفْظُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشِرْ بِهِ إلَّا مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ ، وَخَبَرِهِ مَذْكُورًا وَمَحْذُوفًا فَقَصَدَ حِكَايَتَهُ هُنَا .
( فَذَلِكَ ) أَيْ لَفْظُ خِلَافٍ إشَارَةٌ ( لِلِاخْتِلَافِ ) بَيْنَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ( فِي التَّشْهِيرِ ) لِتِلْكَ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ تَسَاوِي الْمُخْتَلِفِينَ فِي التَّشْهِيرِ فِي الرُّتْبَةِ وَسَوَاءٌ شَهَّرُوا بِمَادَّةِ التَّشْهِيرِ ، أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْمُرَجِّحُونَ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأَقْوَى عُلِمَ هَذَا مِنْ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ غَالِبًا وَقَدْ يُصَدِّرُ بِالْأَقْوَى وَيَذْكُرُ بَعْدَهُ غَيْرَهُ كَقَوْلِهِ الذَّكَاةُ قَطْعُ مُمَيِّزٍ تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ وَشُهِّرَ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ ، وَالْوَدَجَيْنِ .
( وَحَيْثُ ) أَيْ وَكُلَّ زَمَانٍ أَوْ مَكَان ( ذَكَرْتُ ) فِيهِ ( قَوْلَيْنِ وَأَقْوَالًا ) بِمَادَّةِ الْقَوْلِ ، أَوْ غَيْرِهَا نَحْوُ هَلْ كَذَا ، أَوْ كَذَا ؟ قَوْلَانِ أَوْ أَقْوَالٌ وَنَحْوُ هَلْ كَذَا ؟ ثَالِثُهَا كَذَا وَرَابِعُهَا كَذَا .
( فَذَلِكَ ) أَيْ ذِكْرُ الْقَوْلَيْنِ ، وَالْأَقْوَالِ إشَارَةٌ ( لِعَدَمِ اطِّلَاعِي فِي الْفَرْعِ ) أَيْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُتَعَلِّقِ بِعَمَلٍ قَلْبِيٍّ كَالنِّيَّةِ ، أَوْ غَيْرِهِ كَالطَّهَارَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، وَصِلَةُ اطِّلَاعٍ ( عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ ) لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ يَاؤُهُ لِلْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ كَوْنُ بَعْضِ الْأَقْوَالِ رَاجِحًا عَلَى غَيْرِهِ بِأَنْ اسْتَوَتْ فِي عَدَمِ التَّرْجِيحِ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ فَإِنْ اسْتَوَتْ فِي التَّرْجِيحِ عَبَّرَ عَنْهَا بِخِلَافٍ ، وَإِنْ انْفَرَدَ بَعْضُهَا بِهِ ، أَوْ زَادَ فِيهِ اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ غَالِبًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى ، وَقَوْلُهُ وَحَيْثُ قُلْت خِلَافٌ إلَخْ

وَأَعْتَبِرُ مِنْ الْمَفَاهِيمِ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ وَأُشِيرُ بِ " صُحِّحَ " أَوْ " اُسْتُحْسِنَ " إلَى أَنَّ شَيْخًا غَيْرَ الَّذِينَ قَدَّمْتُهُمْ صَحَّحَ هَذَا أَوْ اسْتَظْهَرَهُ وَبِ " التَّرَدُّدِ " لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَبِ " لَوْ " إلَى خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ ، وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ مَنْ كَتَبَهُ ، أَوْ قَرَأَهُ أَوْ حَصَّلَهُ أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ ، وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ الزَّلَلِ ، وَيُوَفِّقُنَا فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، ثُمَّ أَعْتَذِرُ لِذَوِي الْأَلْبَابِ ، مِنْ التَّقْصِيرِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَأَسْأَلُ بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ وَالْخُشُوعِ وَخِطَابِ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ : أَنْ يَنْظُرَ بِعَيْنِ الرِّضَا وَالصَّوَابِ ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ كَمَّلُوهُ ، وَمِنْ خَطَأٍ أَصْلَحُوهُ ، فَقَلَّمَا يَخْلُصُ مُصَنَّفٌ مِنْ الْهَفَوَاتِ ، أَوْ يَنْجُو مُؤَلِّفٌ مِنْ الْعَثَرَاتِ .

( وَأَعْتَبِرُ ) أَيْ أُنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَنْطُوقِ ( مِنْ الْمَفَاهِيمِ ) جَمْعُ مَفْهُومٍ أَيْ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ، صِلَةُ أَعْتَبِرُ ( مَفْهُومَ الشَّرْطِ ) ، أَوْ حَالٌ مِنْهُ فِي انْصِرَافِ الْقُيُودِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِمَا إلَيْهِ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا مَفْهُومَ الصِّفَةِ ، وَالْعِلَّةِ وَظَرْفِ الزَّمَانِ ، وَالْمَكَانِ وَالْعَدَدِ وَاللَّقَبِ .
وَيَعْتَبِرُ مَفْهُومَ الْحَصْرِ وَالْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَوْلَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا مِنْ الْمَنْطُوقِ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظٌ مَنْطُوقٌ بِهِ فَالْحَصْرُ إضَافِيٌّ ، وَالْمَفْهُومُ قِسْمَانِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْطُوقِ بِالْأَوْلَى كَتَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } وَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ أَوْ بِالْمُسَاوَاةِ كَتَحْرِيمِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } الْآيَةَ ، وَيُسَمَّى لَحْنَ الْخِطَابِ .
وَمَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ : مَفْهُومُ الْحَصْرِ بِالنَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ ، بِإِنَّمَا نَحْوُ { أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ } ، وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ نَحْوُ { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } ، وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ { إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ نَحْوُ { إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ } ، وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ نَحْوُ { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } ، وَمَفْهُومُ الصِّلَةِ نَحْوُ { إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ } ، وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ نَحْوُ { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } ، وَالْمَكَانِ نَحْوُ { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ } ، وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ نَحْوَ { ثَمَانِينَ جَلْدَةً } ، وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ أَيْ الِاسْمِ الْجَامِدِ نَحْوُ { أَرْسَلْنَا نُوحًا } ، وَكُلُّهَا حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إلَّا هَذَا فَاحْتَجَّ بِهِ الدَّقَّاقُ الشَّافِعِيُّ وَابْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ

الْمَالِكِيُّ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَجَمَعَ ابْنُ غَازِيٍّ أَنْوَاعَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي بَيْتٍ فَقَالَ : صِفْ وَاشْتَرِطْ عَلِّلْ وَلَقِّبْ ثُنْيَا وَعُدَّ ظَرْفَيْنِ وَحَصْرٌ أُغْيَا قَوْلُهُ ثُنْيَا أَيْ اسْتِثْنَاءٌ ، وَقَوْلُ أُغْيَا أَيْ غَايَةٌ .
وَأُشِيرُ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ ( بِ صُحِّحَ وَاسْتُحْسِنَ ) مَبْنِيَّيْنِ لِلْمَجْهُولِ ( إلَى أَنَّ شَيْخًا ) مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ الصَّادِقِ بِنَفْسِ الْمُصَنِّفِ خَلِيلٍ فَقَدْ يُشِيرُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِهَذَا إلَى تَصْحِيحِ وَاسْتِحْسَانِ نَفْسِهِ فِي تَوْضِيحِهِ ( غَيْرَ ) الْأَرْبَعَةِ ( الَّذِينَ قَدَّمْتهمْ ) فِي قَوْلِي وَبِالِاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ إلَخْ كَابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ وَابْنِ الْحَاجِبِ .
( صَحَّحَ هَذَا ) أَيْ الْحُكْمَ الْمَقْرُونَ بِ صُحِّحَ أَوْ اُسْتُحْسِنَ مِنْ الْخِلَافِ ( أَوْ اسْتَظْهَرَهُ ) مِنْ نَفْسِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِ صُحِّحَ لِمَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْمُصَحَّحِ وَبِ اُسْتُحْسِنَ لِمَا كَانَ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِكُلٍّ لِكُلٍّ .
( وَ ) أُشِيرُ ( بِالتَّرَدُّدِ ) لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا ( لِتَرَدُّدِ ) جِنْسِ ( الْمُتَأَخِّرِينَ ) الصَّادِقِ بِوَاحِدٍ وَهُمْ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ طَبَقَةُ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ مُطْلَقًا ( فِي النَّقْلِ ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ كَنَقْلِهِمْ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ حُكْمًا فِي نَازِلَةٍ فِي بَابٍ وَنَقْلِهِمْ عَنْهُ حُكْمًا آخَرَ فِيهَا فِي بَابٍ آخَرَ وَكَنَقْلِ بَعْضِهِمْ عَنْهُ حُكْمًا فِي نَازِلَةٍ وَنَقْلِ بَعْضِهِمْ الْآخَرِ حُكْمًا آخَرَ فِيهَا وَكَنَقْلِ بَعْضِهِمْ اتِّفَاقَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى حُكْمٍ فِي نَازِلَةٍ وَنَقْلِ غَيْرِهِ عَنْهُمْ الِاخْتِلَافَ فِيهَا وَسَبَبُ ذَلِكَ إمَّا اخْتِلَافُ قَوْلِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ أَوْ الِاخْتِلَافُ فِي مَعْنَى كَلَامِهِ .
( أَوْ ) الْحُكْمِ الَّذِي اسْتَنْبَطُوهُ ( لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ ) عَلَيْهِ فَلَيْسَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ مَعْطُوفًا عَلَى التَّرَدُّدِ

لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَوْ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ إذْ لَا تَرَدُّدَ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ فَالْمَعْطُوفُ الْحُكْمُ ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ النَّقْلُ وَالتَّرَدُّدُ فِي الْحُكْمِ إنْ كَانَ مِنْ وَاحِدٍ فَمَعْنَاهُ التَّحَيُّرُ ، أَوْ اخْتِلَافُ الِاجْتِهَادِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُتَعَدِّدٍ فَمَعْنَاهُ اخْتِلَافُ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَامَةً مُمَيِّزَةً بَيْنَ التَّرَدُّدَيْنِ ، وَالْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ كَثِيرٌ وَالثَّانِي قَلِيلٌ كَقَوْلِهِ : وَفِي خُفٍّ غُصِبَ تَرَدُّدٌ ، وَفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ ، وَفِي إجْزَاءِ مَا وُقِفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ ، وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ تَرَدُّدٌ .
( وَ ) أُشِيرُ غَالِبًا ( بِلَوْ ) مَسْبُوقَةٍ بِوَاوِ النِّكَايَةِ وَلَا جَوَابَ لَهَا نَحْوُ قَوْلِهِ ، أَوْ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا ( إلَى ) وُجُودِ ( خِلَافٍ ) بِالتَّنْوِينِ ( مَذْهَبِيٍّ ) كَذَلِكَ ، نَعْتُ " خِلَافٍ " أَيْ مَنْسُوبٍ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِوُقُوعِهِ فِيهِ إذَا كَانَ قَوِيًّا ، وَإِلَّا فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ عُلِمَ هَذَا مِنْ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ ، تَعْبِيرُهُ بِلَوْ لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ وَوَقَعَ لِلْمُصَنَّفِ عَكْسُ هَذَا فِي " إنْ " فَاسْتَعْمَلَهَا فِي مُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ غَالِبًا وَلِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ غَيْرِ الْمَذْهَبِيِّ قَلِيلًا .
( وَاَللَّهَ ) أَيْ لَا غَيْرَهُ بِقَرِينَةِ التَّقْدِيمِ ( أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ ) أَيْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ ( مَنْ ) مِنْ صِيَغِ الْعَامِّ ( كَتَبَهُ ) أَيْ الْمُخْتَصَرَ لِنَفْسِهِ ، أَوْ غَيْرِهِ بِأُجْرَةٍ ( أَوْ قَرَأَهُ ) أَيْ الْمُخْتَصَرَ لِيَحْفَظَهُ ، أَوْ يَفْهَمَهُ أَوْ لِيَفْهَمْهُ ، أَوْ يَتَفَهَّمْهُ ( أَوْ حَصَّلَهُ ) أَيْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَحَازَهُ بِشِرَاءٍ ، أَوْ اسْتِعَارَةٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ ( أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ ) أَيْ بَعْضٍ ( مِنْهُ ) أَيْ الْمُخْتَصَرِ بِكِتَابَةٍ ، أَوْ قِرَاءَةٍ ، أَوْ تَحْصِيلٍ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا ، أَوْ الثَّلَاثَةِ ، أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِعَانَةِ كَاتِبِهِ ، أَوْ

قَارِئِهِ ، أَوْ مُحَصِّلِهِ كُلِّهِ ، أَوْ بَعْضِهِ ، وَشُهْرَتُهُ ، وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَكَثْرَةُ الِاشْتِغَالِ بِهِ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ دَلَائِلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَبِلَ مِنْهُ هَذَا السُّؤَالَ .
( وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا ) أَيْ يَحْفَظُنَا ( مِنْ الزَّلَلِ ) أَصْلُهُ الْوُقُوعُ فِي نَحْوِ الْوَحْلِ وَاسْتَعْمَلَهُ فِي الْخَطَأِ لِتَشْبِيهِهِ بِهِ فِي تَرَتُّبِ النَّقْصِ عَلَى كُلٍّ وَاسْتَعَارَهُ لَهُ بَعْدَ التَّنَاسِي ، وَالْإِدْرَاجُ عَلَى سَبِيلِ التَّصْرِيحِيَّةِ وَالْقَرِينَةُ حَالِيَّةٌ ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى أَيْ اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا مِنْ الْخَطَأِ ( وَيُوَفِّقُنَا ) أَيْ يَخْلُقُ فِينَا كَسْبَ الطَّاعَةِ ( فِي الْقَوْلِ ، وَالْعَمَلِ ) أَيْ كُلِّ أَقْوَالِنَا وَأَعْمَالِنَا الَّتِي مِنْهَا تَأْلِيفُ هَذَا الْكِتَابِ الْخَطِرِ .
( ثُمَّ أَعْتَذِرُ ) أَيْ أُظْهِرُ عُذْرِي ( لِذَوِي ) أَيْ أَصْحَابِ ( الْأَلْبَابِ ) جَمْعُ لُبٍّ بِضَمِّ اللَّامِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ عَقْلٍ كَامِلٍ وَهُوَ نُورٌ رُوحَانِيٌّ بِالْقَلْبِ وَشُعَاعُهُ مُتَّصِلٌ بِالدِّمَاغِ آلَةٌ لِلنَّفْسِ فِي إدْرَاكِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ وَالنَّظَرِيَّةِ يَبْتَدِيهِ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ نَفْخِ الرُّوحِ فِي الْجَنِينِ وَيُتِمُّهُ عِنْدَ كَمَالِ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً وَخَصَّهُمْ بِهِ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَقْبَلُونَهُ لِكَمَالِ إيمَانِهِمْ ، وَصِلَةُ " أَعْتَذِرُ " ( مِنْ ) تَعْلِيلِيَّةٌ ( التَّقْصِيرِ ) مَصْدَرُ قَصَّرَ بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ تَرْكِ الشَّيْءِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَأَرَادَ بِهِ لَازِمَهُ أَيْ الْخَلَلَ ( الْوَاقِعِ ) أَيْ الَّذِي شَأْنُهُ الْوُقُوعُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الَّذِي وَقَعَ بِالْفِعْلِ وَعَلِمَهُ ؛ إذْ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إصْلَاحُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ وَالِاعْتِذَارُ مِنْهُ ، وَصِلَةُ " الْوَاقِعِ " ( فِي هَذَا الْكِتَابِ ) الْعَظِيمِ ، وَالْخَطْبِ الْجَسِيمِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَى مِثْلِهِ إلَّا بِإِمْدَادٍ إلَهِيٍّ وَتَوْفِيقٍ رَبَّانِيٍّ فَيَغْتَفِرُونَ لِي مَا لَعَلَّهُ يُوجَدُ فِيهِ مِنْ الْهَفَوَاتِ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مِنْ الْفُرُوعِ

الْغَرِيبَةِ ، وَالْمَسَائِلِ ، وَالْمُهِمَّاتِ الْعَجِيبَةِ فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ .
( وَأَسْأَلُ ) حَذَفَ الْمَسْئُولَ اخْتِصَارًا لِعِلْمِهِ مِمَّا سَبَقَ أَيْ أَسْأَلُهُمْ ( بِلِسَانِ ) ذِي ( التَّضَرُّعِ ) الْخُشُوعِ ، أَوْ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الْمُتَضَرِّعِ لِعَلَاقَةِ الِاشْتِقَاقِ ، أَوْ جَعَلَ ذَاتَهُ تَضَرُّعًا مُبَالَغَةً فِي اتِّصَافٍ بِهِ ، أَوْ شَبَّهَهُ بِإِنْسَانٍ فِي الِاسْتِدْعَاءِ وَأَثْبَتَ لَهُ اللِّسَانَ تَخْيِيلًا عَلَى طَرِيقِ الْمَكْنِيَّةِ وَالتَّخَيُّلِيَّةِ ، أَوْ الْإِضَافَةِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ ( وَالْخُشُوعِ وَخِطَابِ ) أَيْ كَلَامٍ مَقْصُودٍ بِهِ الْإِفْهَامُ أَوْ صَالِحٍ لَهُ ذِي ( التَّذَلُّلِ ) وَتَجْرِي فِيهِ بَقِيَّةُ الْأَوْجُهِ السَّابِقَةِ أَيْضًا فِي لِسَانِ التَّضَرُّعِ .
( وَالْخُضُوعِ ) وَالْخِطَابُ مَحَلُّ إطْنَابٍ فَلَا بَأْسَ بِجَمْعِ الْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَرَادِفَةِ فِيهَا وَتَفَنَّنَ بِإِضَافَةِ اللِّسَانِ بِمَعْنَى الْكَلَامِ لِلتَّضَرُّعِ ، وَالْخِطَابِ بِمَعْنَاهُ لِلتَّذَلُّلِ وَثَانِي مَفْعُولَيْ " أَسْأَلُ " ( أَنْ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ ( يُنْظَرَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ النَّظَرَ فِيهِ ( بِعَيْنِ ) ذِي ( الرِّضَا ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، وَفِيهِ بَقِيَّةُ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ أَيْضًا ( وَالصَّوَابِ ) أَيْ الْإِنْصَافِ .
( فَمَا ) الْفَاءُ تَفْرِيعِيَّةٌ وَمَا شَرْطِيَّةٌ وَ ( كَانَ ) تَامَّةٌ وَفَاعِلُهَا عَائِدٌ عَلَى مَا وَ ( مِنْ نَقْصٍ ) بَيَانٌ لِمَا أَيْ إسْقَاطُ لَفْظٍ مُخِلٍّ بِالْمُرَادِ ( كَمَّلُوهُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ فِعْلٌ مَاضٍ جَوَابُ مَا وَبِكَسْرِهَا فِعْلُ أَمْرٍ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ لَهُ بِالشَّرْطِ وَمُرَادُهُ بِهِ الْإِتْيَانُ بِاللَّفْظِ النَّاقِصِ فَالنَّقْصُ مَعْنَاهُ النَّاقِصُ ، أَوْ الْمَنْقُوصُ مِنْهُ لِعَلَاقَةِ الِاشْتِقَاقِ فِيهِمَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَكْمِيلَ النَّقْصِ بِحَذْفِ بَاقِي الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ كَلِمَةً أَوْ الْكَلِمَةِ النَّاقِصَةِ حَرْفًا مَثَلًا وَلَا تَكْمِيلَ الْأَحْكَامِ بِذِكْرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ لِمُنَافَاةِ هَذَا

لِلِاخْتِصَارِ وَعَدَمِ تَنَاهِيهِ .
( وَ ) مَا كَانَ ( مِنْ خَطَأٍ ) فِي الْمَعْنَى ، وَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْكَلَامِ ( أَصْلَحُوهُ ) بِفَتْحِ اللَّامِ فِعْلٌ مَاضٍ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ ، أَوْ الْحَاشِيَةِ ، أَوْ التَّقْرِيرِ بِأَنَّهُ سَهْوٌ ، أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ وَصَوَابُهُ كَذَا هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ كَذَا ، أَوْ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ لَا بِتَغْيِيرٍ فِي صُلْبِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَا فِيهِ هُوَ الصَّوَابَ وَمَا فَهِمَهُ النَّاظِرُ خِلَافَهُ فَيَلْزَمُ إبْدَالُ الصَّوَابِ بِالْخَطَأِ قَالَ اللَّهُ { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إفْكٌ قَدِيمٌ } .
وَقَالَ الشَّاعِرُ : وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ .
وَالْحَذَرُ مِنْ قِلَّةِ الْأَدَبِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ مِثْلِ الْمُصَنِّفِ ؛ إذْ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ( فَقَلَّ ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَقَلَّ لِلنَّفْيِ ( مَا ) حَرْفٌ كَافٌّ لِ قَلَّ عَنْ طَلَبِ الْفَاعِلِ أَيْ لَا ( يَخْلُصُ ) أَيْ يَسْلَمُ ( مُصَنِّفٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ مُشَدَّدَةً أَيْ مُؤَلِّفٌ وَصِلَةُ " يَخْلُصُ " ( مِنْ الْهَفَوَاتِ ) بِفَتْحِ الْهَاءِ ، وَالْفَاءِ جَمْعُ هَفْوَةٍ أَيْ خَطَأٍ فِي الْمَعَانِي .
( أَوْ يَنْجُو مُؤَلِّفٌ ) بِكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً وَصِلَةُ " يَنْجُو " ( مِنْ الْعَثَرَاتِ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ، وَالْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ عَثْرَةٍ أَيْ سَقْطَةٍ أَرَادَ بِهَا الْخَطَأَ فِي الْأَلْفَاظِ وَتَرْكِيبِهَا وَيَحْتَمِلُ الْعَكْسَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَالْخَطْبُ مَحَلُّ إطْنَابٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَحَلُّ النِّسْيَانِ وَالْقَلْبُ يَتَقَلَّبُ فِي كُلِّ آنٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ " قَلَّ " لِلتَّقْلِيلِ وَ " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ ، وَالْمَصْدَرَ فَاعِلُ " قَلَّ " أَيْ قَلَّ خُلُوصُ إلَخْ .

( بَابٌ ) : يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمُطْلَقِ ، وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى أَوْ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ أَوْ كَانَ سُؤْرَ بَهِيمَةٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ فَضْلَةَ طُهَارَتِهِمَا أَوْ كَثِيرًا خُلِطَ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ أَوْ شُكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ ، أَوْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ وَإِنْ بِدُهْنٍ لَاصَقَ أَوْ بِرَائِحَةِ قَطِرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ ، أَوْ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ ؛ أَوْ بِقَرَارِهِ كَمِلْحٍ .
أَوْ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ .
وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ تَرَدُّدٌ .

( بَابٌ ) : أَيْ أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ أَحْكَامُ الطَّهَارَةِ وَمَا يُنَاسِبُهَا وَهِيَ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا بِالْمَاءِ ، أَوْ الصَّعِيدِ وَهَذَا هُوَ الْمُكَلَّفُ بِهِ وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى صِفَةٍ تَقْدِيرِيَّةٍ شَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا أَيْ يُقَدِّرُ الشَّارِعُ قِيَامَهَا بِالْحَيِّ ، وَالْجَمَادِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ وَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَبِالْآدَمِيِّ ، أَوْ غَيْرِهِ عِنْدَ رَفْعِ الْمَانِعِ عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ .
( يُرْفَعُ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ يُزَالُ ( الْحَدَثُ ) أَيْ الْوَصْفُ الْمَانِعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا الْمُقَدَّرُ شَرْعًا قِيَامُهُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ ، أَوْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ عِنْدَ مُوجِبِهِ .
( وَحُكْمُ ) أَيْ الْوَصْفُ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا قِيَامُهُ بِ ( الْخَبَثِ ) أَيْ ذَاتِ النَّجَاسَةِ وَمَا تَلَطَّخَ بِهَا مِنْ بَدَنِ آدَمِيٍّ ، أَوْ غَيْرِهِ وَصِلَةُ " يُرْفَعُ " ( بِالْمُطْلَقِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَصْلُهُ مَفْعُولُ " أَطْلَقَ " ، ثُمَّ نُقِلَ شَرْعًا لِجِنْسِ الْمَاءِ الطَّهُورِ ، وَالرَّفْعُ إمَّا غُسْلٌ ، أَوْ مَسْحٌ أَوْ نَضْحٌ ، وَالْمَسْحُ إمَّا أَصْلِيٌّ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ فِي الْوُضُوءِ ، وَإِمَّا بَدَلِيٌّ وَهَذَا إمَّا اخْتِيَارِيٌّ كَمَسْحِ الْخُفِّ فِيهِ ، وَإِمَّا اضْطِرَارِيٌّ كَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ ، وَالْغُسْلُ إمَّا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ سِوَى الرَّأْسِ ، وَالْأُذُنَيْنِ ، أَوْ لِمَا تَلَطَّخَ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ بَدَنِ آدَمِيٍّ ، أَوْ غَيْرِهِ .
فَإِنْ قُلْتَ : الِاقْتِصَارُ فِي مَقَامِ التَّبْيِينِ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ ؛ إذْ الصَّعِيدُ الطَّاهِرُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخَبَثِ عَنْ مَحَلِّ الِاسْتِجْمَارِ وَمَلْبُوسِ الرِّجْلِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ وَذَيْلِ الْمَرْأَةِ الْمُطَالِ لِلسَّتْرِ ، .
قُلْت : الْمُرَادُ الْحَصْرُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ، وَهَذِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بِالرَّفْعِ وَعَدَمِهِ مَعَ الْعَفْوِ .

( وَهُوَ ) أَيْ تَعْرِيفُ الْمُطْلَقِ ( مَا ) أَيْ شَيْءٌ جِنْسٌ شَمِلَ الْمُطْلَقَ وَغَيْرَهُ ( صَدَقَ ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَيْنِ أَيْ صَحَّ أَنْ يَحْصُلَ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الشَّيْءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ لَفْظًا ، وَفَاعِلُ صَدَقَ " ( اسْمُ مَاءٍ ) بِالْمَدِّ ، وَإِضَافَتُهُ لِلْبَيَانِ أَيْ اسْمٌ هُوَ لَفْظُ مَاءٍ فَصْلٌ مُخْرِجٌ كُلَّ مَا لَمْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ مَاءً ، جَامِدًا كَانَ كَالصَّعِيدِ ، أَوْ مَائِعًا كَالزَّيْتِ ، وَالْعَسَلِ ، وَصِلَةُ " صَدَقَ " .
( بِلَا قَيْدٍ ) فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ مَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَاءُ إلَّا بِقَيْدٍ نَحْوُ مَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الزَّهْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ وَشَمِلَ مَاءَ الْبَحْرِ وَمَاءَ الْمَطَرِ وَمَاءَ الْعَيْنِ وَمَاءَ الْغَدِيرِ وَمَاءَ النَّدَى وَنَحْوَهَا لِصِحَّةِ حَمْلِ الْمَاءِ عَلَيْهَا بِلَا قَيْدٍ ، وَلَمَّا تُوُهِّمَ عَدَمُ شُمُولِهِ النَّدَى الْمَجْمُوعَ وَالذَّائِبَ بَعْدَ جُمُودِهِ بَالَغَ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ جُمِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْمُطْلَقُ فِي يَدِ رَافِعِ الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ ، أَوْ غَيْرِهَا ، وَصِلَةُ جُمِعَ ( مِنْ نَدًى ) بِفَتْحِ النُّونِ مَقْصُورٌ رَأْيُ بَلَلٍ نَازِلٍ مِنْ السَّمَاءِ آخِرَ اللَّيْلِ عَلَى وَرَقِ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ ، أَوْ غَيْرِهِمَا فَهُوَ مُطْلَقٌ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخَبَثِ وَلَوْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ ، أَوْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ ، أَوْ اثْنَانِ ، أَوْ الثَّلَاثَةُ بِمَا جُمِعَ مِنْ فَوْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالْقَرَارِ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ( أَوْ ذَابَ ) أَيْ تَمَيَّعَ الْمُطْلَقُ بِنَفْسِهِ ، أَوْ تَسْخِينِهِ بِشَمْسٍ ، أَوْ نَارٍ ( بَعْدَ جُمُودِهِ ) كَثَلْجٍ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مُتَحَلِّلًا كَرَغْوَةِ صَابُونٍ جَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى صَارَ كَالْحَجَرِ ، ثُمَّ ذَابَ ، وَبَرَدٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ نَزَلَ مِنْهَا جَامِدًا كَالْحَجَرِ ثُمَّ ذَابَ ، وَجَلِيدٍ نَزَلَ مِنْهَا مُتَّصِلًا بِخَيْطٍ ، ثُمَّ ذَابَ ، وَمَاءٍ جَمَدَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ ، ثُمَّ ذَابَ بِالتَّسْخِينِ .
( أَوْ كَانَ ) أَيْ الْمُطْلَقُ ( سُؤْرَ ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ

وَسُكُونِ الْهَمْزِ يُخَفَّفُ بِإِبْدَالِهِ وَاوًا أَيْ بَاقِيًا بَعْدَ شُرْبِ ( بَهِيمَةٍ ) وَلَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ جَلَّالَةً ؛ إذْ الْكَلَامُ الْآنَ فِي الطَّهُورِ الشَّامِلِ لِلْمُبَاحِ ، وَالْمَكْرُوهِ هُوَ الْمُحَرَّمُ كَمَاءِ آبَارِ نَحْوِ ثَمُودَ ( أَوْ ) سُؤْرَ ( حَائِضٍ ) وَنُفَسَاءَ ( وَجُنُبٍ ) وَلَوْ كَافِرَيْنِ ، أَوْ شَارِبَيْ خَمْرٍ شَرِبَا مِنْهُ مَعًا وَأَوْلَى أَحَدُهُمَا ( أَوْ ) كَانَ الْمُطْلَقُ ( فَضْلَةً ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَقِيَّةَ ( طُهَارَتِهِمَا ) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْبَاقِيَ بَعْدَ اغْتِسَالِ الْحَائِضِ ، وَالْجُنُبِ مَعًا مِنْ الْمَاءِ وَأَوْلَى الْبَاقِي بَعْدَ اغْتِسَالِ أَحَدِهِمَا فَإِضَافَةُ " فَضْلَةَ " لِلْبَيَانِ .
أَوْ ) كَانَ الْمُطْلَقُ ( كَثِيرًا ) أَيْ زَائِدًا عَلَى إنَاءِ غُسْلٍ وَكَذَا الْيَسِيرُ عَلَى الرَّاجِحِ ( خُلِطَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْكَثِيرُ ( بِنَجِسٍ ) وَأَوْلَى بِطَاهِرٍ ( لَمْ يُغَيِّرْ ) النَّجِسُ أَحَدَ أَوْصَافِ الْمَاءِ فَإِنْ غَيَّرَهُ سَلَبَ طَهُورِيَّتَهُ وَطَاهِرِيَّتَهُ .
( أَوْ ) كَانَ الْمُطْلَقُ مُتَغَيِّرًا يَقِينًا وَ ( شُكَّ ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُرُدِّدَ عَلَى السَّوَاءِ ( فِي ) ضَرَرِ ( مُغَيِّرِهِ ) لِكَوْنِهِ مِمَّا يُفَارِقُ الْمَاءَ غَالِبًا وَعَدَمِهِ لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا فَقَوْلُهُ ( هَلْ يَضُرُّ ) الْمُغَيِّرُ الْمَاءَ أَيْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ لِمُفَارَقَتِهِ لَهُ غَالِبًا كَالطَّعَامِ وَالدَّمِ ، أَوْ لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ لِكَوْنِهِ لَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا كَقَرَارِهِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ بَيَانٌ لِمُتَعَلِّقِ الشَّكِّ ، وَإِشَارَةٌ لِلْمُضَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَوْلَى الْمُتَوَهَّمُ ضَرَرُ مُغَيِّرِهِ ، أَوْ الْمَظْنُونُ أَوْ الْمَشْكُوكُ ، أَوْ الْمُتَوَهَّمُ تَغَيُّرَهُ مَعَ الشَّكِّ فِي ضَرَرِ مُغَيِّرِهِ ، أَوْ تَوَهُّمِهِ فَإِنْ ظُنَّ ضَرَرُ مُغَيِّرِهِ فَلَيْسَ طَهُورًا ، أَوْ إنْ تُيُقِّنَ ضَرَرُ مُغَيِّرِهِ وَشُكَّ فِي طَهَارَتِهِ وَعَدَمِهَا فَطَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا ، أَوْ كَثِيرًا .
( أَوْ تَغَيَّرَ )

بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا رِيحُ الْمُطْلَقِ ( بِمُجَاوِرِهِ ) بِالْهَاءِ ضَمِيرُ الْمُطْلَقِ مُضَافٌ إلَيْهَا اسْمُ الْفَاعِلِ ، أَوْ بِالتَّاءِ مِنْ بِنْيَةِ الْمَصْدَرِ كَوَرْدٍ عَلَى شُبَّاكِ قُلَّةٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاؤُهَا ، أَوْ جِيفَةٍ عَلَى شَطِّ غَدِيرٍ كَذَلِكَ وَلَوْ فُرِضَ بَقَاءُ تَغَيُّرِ رِيحِهِ بَعْدَ إبْعَادِ مُجَاوِرِهِ عَنْهُ وَأَمَّا اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ فَلَا يَتَغَيَّرَانِ بِالْمُجَاوَرَةِ وَإِنْ حَصَلَ دَلَّ عَلَى الْمُمَازَجَةِ فَلَيْسَ مُطْلَقًا خِلَافًا لعج وَمَنْ تَبِعَهُ هَذَا إنْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرٍ غَيْرِ مُلَاصِقٍ بَلْ ( وَإِنْ ) تَغَيَّرَ رِيحُهُ ( بِدُهْنٍ ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَزَيْتٍ وَشَحْمٍ ( لَاصَقَ ) الدُّهْنُ ظَاهِرَ الْمَاءِ وَلَمْ يَمْتَزِجْ بِهِ قَالَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ رَاشِدٍ وَخَلِيلٌ وَارْتَضَاهُ الْحَطَّابُ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ : ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ عَدَمُ اغْتِفَارِهِ وَارْتَضَاهُ ابْنُ مَرْزُوقٌ وعج وَتَلَامِذَتُهُ ، وَأَمَّا تَغَيُّرُ اللَّوْنِ ، أَوْ الطَّعْمِ بِهِ فَيَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ اتِّفَاقًا وَأَوْلَى بِالْمُمَازِجِ .
( أَوْ ) تَغَيَّرَ رِيحُهُ ( بِرَائِحَةِ قَطِرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ ) أَوْ مُقِيمٍ صُبَّ الْمَاءُ فِيهِ بَعْدَ زَوَالِ جِرْمِ الْقَطِرَانِ مِنْهُ وَكَذَا تَغَيُّرُ رَائِحَتِهِ بِجِرْمِ الْقَطِرَانِ عَلَى مَا لِسَنَدٍ ، وَأَمَّا تَغَيُّرُ طَعْمِهِ ، أَوْ لَوْنِهِ فَيَسْلُبُهَا سَفَرًا وَحَضَرًا وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْحَطَّابُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ دِبَاغًا لِلْوِعَاءِ ، وَإِلَّا فَلَا يَسْلُبُهَا وَلَوْ غَيَّرَ جَمِيعَ أَوْصَافِهِ تَغْيِيرًا فَاحِشًا كَغَيْرِهِ إنْ كَانَ دِبَاغًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَأَلْحَقُوا بِهِ الدِّهَانَاتِ الْغَالِبَةَ فِي أَوْعِيَةِ الْبَوَادِي ، وَقَاعِدَةُ الِاغْتِفَارِ عُسْرُ الِاحْتِرَازِ .
( أَوْ ) تَغَيَّرَ الْمُطْلَقُ لَوْنًا ، أَوْ طَعْمًا ، أَوْ رَائِحَةً ، أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ الْجَمِيعَ ( بِمُتَوَلِّدٍ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا اسْمُ فَاعِلِ " تَوَلَّدَ " ( مِنْهُ ) أَيْ الْمُطْلَقِ كَطُحْلُبٍ بِضَمِّ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَفَتْحِهَا

وَلَوْ نُزِعَ مِنْهُ وَأُلْقِيَ فِيهِ ثَانِيًا ، أَوْ فِي غَيْرِهِ مَا لَمْ يُطْبَخْ وَكَسَمَكٍ حَيٍّ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِسَمَكٍ مَيِّتٍ فَلَيْسَ بِطَهُورٍ وَفِي الْمُتَغَيِّرِ بِرَوْثِهِ تَرَدُّدٌ لعج وَمَنْ بَعْدَهُ .
( أَوْ ) تَغَيَّرَ الْمُطْلَقُ ( بِقَرَارِهِ ) الَّذِي اسْتَقَرَّ فِيهِ ( كَمِلْحٍ ) وَمَغْرَةٍ وَكِبْرِيتٍ وَشَبٍّ وَزِرْنِيخٍ وَطَفْلٍ بِمَعْدِنِهِ ( أَوْ ) تَغَيَّرَ الْمُطْلَقُ ( بِمَطْرُوحٍ ) فِيهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ آدَمِيٍّ بِرِيحٍ ، أَوْ غَيْرِهِ بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ طَرْحُهُ فِيهِ ( قَصْدًا ) أَيْ مَقْصُودًا مِنْ آدَمِيٍّ وَأَشَارَ بِ " وَلَوْ " إلَى أَنَّ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلًا بِضَرَرِ الْمَطْرُوحِ قَصْدًا وَهُوَ لِلْمَازِرِيِّ وَبَيْنَ الْمَطْرُوحِ بِقَوْلِهِ ( مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ ) جَمَعَهُمَا ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ أَقْرَبُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إلَى الْمَاءِ ، وَالْمِلْحَ أَبْعَدُهَا مِنْهُ فَيُعْلَمُ قِيَاسُ مَا بَيْنَهُمَا عَلَيْهِمَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمِلْحُ مَعْدِنِيًّا ، أَوْ مَصْنُوعًا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ .
( وَالْأَرْجَحُ ) أَيْ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ خِلَافِ الْمُتَقَدِّمِينَ ( السَّلْبُ ) لِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ ( بِالْمِلْحِ ) الْمَطْرُوحِ فِيهِ قَصْدًا ، مَصْنُوعًا كَانَ ، أَوْ مَعْدِنِيًّا وَهَذَا قَوْلُ الْقَابِسِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَقَالَ الْبَاجِيَّ : الْمَعْدِنِيُّ لَا يَسْلُبُهَا ، وَالْمَصْنُوعُ يَسْلُبُهَا ، وَضُعِّفَ أَيْضًا ، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ .
وَالْقَابِسِيِّ إلَى قَوْلِ الْبَاجِيَّ وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْدِنِيَّ لَا يَسْلُبُهَا اتِّفَاقًا ، وَالْمَصْنُوعَ يَسْلُبُهَا اتِّفَاقًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرُدَّهُمَا إلَيْهِ وَأَبْقَاهُمَا عَلَى إطْلَاقِهِمَا وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَالْخِلَافُ فِيهِمَا ، وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ ) لِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ ( بِهِ ) أَيْ الْمِلْحِ ( إنْ صُنِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْمِلْحُ

مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَتُرَابٍ ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ الْمَعْدِنِيَّ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى السَّلْبِ بِهِ وَهَذَا فَهْمُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَرَدِّهَا لِقَوْلٍ وَاحِدٍ وَهَذَا أَحَدُ شِقَّيْ التَّرَدُّدِ وَالشِّقُّ الثَّانِي طَوَاهُ الْمُصَنِّفُ وَتَقْدِيرُهُ : وَعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ فَفِيهِ الْخِلَافُ كَالْمَعْدِنِيِّ وَهَذَا فَهْمُ مَنْ أَبْقَى الْأَقْوَالَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا لِقَوْلٍ وَاحِدٍ وَمُبْتَدَأٍ ، وَفِي الِاتِّفَاقِ إلَخْ .
( تَرَدُّدٌ ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ الرَّاجِحُ مِنْهُ عَدَمُ الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِالْمَصْنُوعِ فَفِيهِ الْخِلَافُ كَالْمَعْدِنِيِّ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ السَّلْبِ بِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ .
فَإِنْ قُلْتَ : هَذَا التَّرَدُّدُ لَيْسَ مِنْ تَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ أَبَا زَيْدٍ وَالْقَابِسِيَّ وَالْبَاجِيِّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلِأَنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ وَلَا فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّهِمْ عَلَيْهِ فَهَذَا التَّرَدُّدُ لَمْ يَجْرِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي أَسَّسَهَا فِي الْخُطْبَةِ .
قُلْتُ : هُوَ مِنْ تَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِينَ ؛ إذْ لَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ بِالْمُتَقَدِّمِينَ فِيهَا الْمُتَقَدِّمِينَ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بَلْ أَرَادَ بِهِمْ كُلَّ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ وَلَمْ يُرِدْ بِالِاخْتِلَافِ فِي النَّقْلِ خُصُوصَ نَقْلِ أَقْوَالِهِمْ الَّتِي نَصُّوا عَلَيْهَا بَلْ أَرَادَ مَا يَعُمُّهَا وَمَا فَهِمَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْهُمْ مِنْ كَلَامِهِمْ فَكُلُّ مَنْ فَهِمَ مِنْهُ شَيْئًا نَسَبَهُ لَهُمْ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ كَأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَيْهِ وَقَالُوهُ ؛ فَهَذَا التَّرَدُّدُ جَارٍ عَلَى قَاعِدَتِهِ وَمِنْ أَفْرَادِهَا .

لَا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ : كَدُهْنٍ خَالَطَ ، أَوْ بُخَارِ مُصْطَكَى .
وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ .

وَعَطَفَ عَلَى بِالْمُطْلَقِ بِلَا فَقَالَ : ( لَا ) يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ ( بِ ) مَاءٍ ( مُتَغَيِّرٍ ) يَقِينًا وَظَنًّا قَوِيًّا أَوْ ضَعِيفًا وَلَوْ تَغَيُّرًا يَسِيرًا ( لَوْنًا ، أَوْ طَعْمًا ) اتِّفَاقًا ( أَوْ رِيحًا ) عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ اغْتَفَرَهُ مُطْلَقًا ، أَوْ يَسِيرًا وَهَذِهِ تَمْيِيزَاتٌ مُحَوَّلَةٌ عَنْ الْفَاعِلِ وَصِلَةُ " مُتَغَيِّرًا " ( بِمَا ) أَيْ شَيْءٍ ، أَوْ الشَّيْءِ الَّذِي ( يُفَارِقُهُ ) أَيْ الْمَاءُ فِرَاقًا أَوْ زَمَنًا ( غَالِبًا ) أَيْ كَثِيرًا احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يُلَازِمُهُ كَقَرَارِهِ وَعَمَّا يُفَارِقُهُ نَادِرًا كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ فَتَغَيُّرُهُ بِهِمَا لَا يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ وَبَيَّنَ مُفَارِقَهُ غَالِبًا بِقَوْلِهِ ( مِنْ ) ظَاهِرٍ ) كَزَعْفَرَانٍ وَطَعَامٍ .
( أَوْ نَجِسٍ ) كَدَمٍ وَمَثَّلَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ ( كَدُهْنٍ ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ مِنْ مُذَكًّى ، أَوْ مَيْتَةٍ ( خَالَطَ ) أَيْ الدُّهْنُ الْمَاءَ لَا إنْ جَاوَرَهُ ، أَوْ لَاصَقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ .
( أَوْ بُخَارِ ) أَيْ دُخَانِ ( مُصْطَكَى ) بِفَتْحِ الْمِيمِ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا وَضَمِّهَا مَقْصُورًا فَقَطْ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَبُخَارُهَا كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ نَجِسَةً فَبُخَارُهَا نَجِسٌ عَلَى أَنَّ دُخَانَ النَّجِسِ نَجِسٌ وَهُوَ الْآتِي لِلْمُصَنِّفِ وَسَوَاءٌ بَخَّرَ بِهَا الْمَاءَ بِأَنْ كَانَ وِعَاؤُنَا نَاقِصًا وَوُضِعَتْ الْمِبْخَرَةُ فَوْقَ الْمَاءِ وَحُبِسَ الْبُخَارُ فِي أَعْلَاهُ حَتَّى امْتَزَجَ بِهِ وَغَيَّرَهُ ، أَوْ الْإِنَاءِ وَحُبِسَ الْبُخَارُ فِيهِ وَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَامْتَزَجَا وَتَغَيَّرَ الْمَاءُ فَإِنْ لَمْ يُحْبَسْ الْبُخَارُ وَسَرَحَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الْإِنَاءِ وَصُبَّ الْمَاءُ فِيهِ فَتَغَيَّرَ فَهُوَ طَهُورٌ وَلِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ ، وَبُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ سَطْحَ الْإِنَاءِ اكْتَسَبَ الرَّائِحَةَ وَلَاصَقَ الْمَاءَ فَهُوَ تَغَيُّرٌ بِمُلَاصِقٍ .
( وَحُكْمُهُ ) أَيْ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا أَيْ وَصْفُهُ الْحُكْمِيُّ ( كَ ) وَصْفِ ( مُغَيِّرِهِ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا

أَيْ الْمَاءِ فَالْمُتَغَيِّرُ بِطَاهِرٍ كَعَسَلٍ طَاهِرٌ ، وَالْمُتَغَيِّرُ بِنَجِسٍ كَدَمٍ نَجِسٌ وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ أَيْ مَا حُكْمُ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ إلَخْ فَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا .

وَيَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ بِحَبْلِ سَانِيَةٍ : كَغَدِيرٍ بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ ، أَوْ بِئْرٍ بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ وَالْأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ وَفِي جَعْلِ الْمُخَالِطِ وَالْمُوَافِقِ كَالْمُخَالِفِ نَظَرٌ .

( وَيَضُرُّ ) الْمَاءَ أَيْ بِسَلْبِ طَهُورِيَّتِهِ ( بَيِّنُ ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ مُشَدَّدَةً أَيْ فَاحِشٌ وَكَثِيرٌ ، مُضَافٌ لِ ( تَغَيُّرٍ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ : مَصْدَرُ تَغَيَّرَ بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا إضَافَةُ مَا كَانَ صِفَةً لِمَا كَانَ مَوْصُوفًا ، وَالْأَصْلُ تَغَيُّرٌ بَيِّنٌ أَيْ فَاحِشٌ لِلَوْنِ أَوْ طَعْمِ ، أَوْ رِيحِ الْمَاءِ ، وَصِلَةُ " تَغَيُّرٍ " ( بِحَبْلِ سَانِيَةٍ ) أَيْ بِئْرٍ ذَاتِ دُولَابٍ وَتُسَمَّى فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ سَاقِيَةً وَحَبْلُهَا طَوَنْسًا وَمِثْلُهَا سَائِرُ الْآبَارِ وَمِثْلُ الطَّوَنْسِ سَائِرُ الْحِبَالِ وَالدِّلَاءِ الَّتِي يُنْزَعُ بِهَا الْمَاءُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَلِيفٍ وَحَلْفَاءَ وَخُوصٍ وَجِلْدٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهَا كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَفَخَّارٍ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَلَوْ بَيِّنًا وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْمَشْهُورِ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْبَيِّنِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ تَغَيُّرُ مَاءِ الْبِئْرِ بِآلَةِ إخْرَاجِهِ مِنْهَا ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَقِيلَ : إنَّهُ مُغْتَفَرٌ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يُغْتَفَرُ مُطْلَقًا وَقِيلَ يُغْتَفَرُ الْيَسِيرُ لَا الْكَثِيرُ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى إبْدَالُ حَبْلِ سَاقِيَةٍ بِآلَةِ اسْتِقَاءٍ لِيَشْمَلَ الْحَبْلَ وَغَيْرَهُ وَالسَّاقِيَةَ وَغَيْرَهَا وَشَبَّهَ فِي الضَّرَرِ فَقَالَ : ( كَ ) تَغَيُّرِ ( غَدِيرٍ ) أَيْ مَاءِ غَدِيرٍ أَيْ تَرَكَهُ السَّيْلُ ، أَوْ النِّيلُ فِي مَحَلٍّ مُنْخَفِضٍ يُسَمَّى فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ بِرْكَةً فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، وَيَصِحُّ كَوْنُهُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْضًا لِغَدْرِهِ أَهْلَهُ بِالْجَفَافِ عِنْدَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ فِي الصَّيْفِ وَصِلَةُ " تَغَيُّرِ " الْمُقَدَّرِ ( بِرَوْثِ ) وَبَوْلِ ( مَاشِيَةٍ ) أَلْقَتْهُ فِيهِ حَالَ شُرْبِهَا مِنْهُ فَغَيَّرَهُ تَغْيِيرًا كَثِيرًا ، أَوْ يَسِيرًا فَلَيْسَ طَهُورًا فَالتَّشْبِيهُ لَيْسَ تَامًّا هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ رِوَايَتَيْ اللَّخْمِيِّ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى تَقْيِيدُ

الضَّرَرِ بِالْكَثِيرِ ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْيَسِيرِ وَحَمَلَ عَلَيْهَا بَعْضُ الشَّارِحِينَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَجَعَلَ التَّشْبِيهَ تَامًّا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ نَعَمًا ، أَوْ غَيْرَهَا ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ طَهُورِيَّةُ الْغَدِيرِ الْمُتَغَيِّرِ بِرَوْثِ النَّعَمِ مُطْلَقًا وَيُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ .
( أَوْ ) تَغَيُّرِ مَاءِ ( بِئْرٍ ) وَلَوْ يَسِيرًا ( بِوَرَقِ شَجَرٍ ، أَوْ تِبْنٍ ) بِالْمُوَحَّدَةِ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِيهِ فَلَيْسَ طَهُورًا فِي بَادِيَةٍ وَلَا فِي حَاضِرَةٍ ( وَالْأَظْهَرُ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ قَوْلَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ( فِي ) تَغَيُّرِ مَاءِ ( بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا ) أَيْ وَرَقِ الشَّجَرِ وَالتِّبْنِ ( الْجَوَازُ ) لِرَفْعِ الْحَدَثِ ، وَحُكْمِ الْخَبَثِ بِهِ لِعَدَمِ سَلْبِهِ طَهُورِيَّتَهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُمَا فِيهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمِثْلُ مَاءِ الْبِئْرِ الْغَدِيرُ بِالْأَوْلَى وَبِئْرُ الْحَاضِرَةِ الَّتِي يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا فِيهَا فَالْمَدَارُ عَلَى غَلَبَةِ السُّقُوطِ ، وَعُسْرِ الِاحْتِرَازِ فِيَاضُ وَحِيَاضُ الْحَاضِرَةِ الَّتِي يَغْلِبُ سُقُوطُهُمَا فِيهَا وَيَعْسُرُ تَغْطِيَتُهَا كَذَلِكَ .
( وَفِي جَعْلِ ) أَيْ تَقْدِيرِ ( الْمُخَالِطِ ) لِلْمُطْلَقِ ( الْمُوَافِقِ ) لَهُ فِي لَوْنِهِ وَطَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَهُوَ مِمَّا يُفَارِقُهُ غَالِبًا كَمَاءِ حَطَبِ الْعِنَبِ الْمُسَمَّى زَرْجُونًا وَمَاءِ نَحْوِ وَرْدٍ ذَهَبَتْ أَوْصَافُهُ ، وَمَفْعُولُ جَعْلِ " الثَّانِي ( كَالْمُخَالِفِ ) لِلْمُطْلَقِ فِي الصِّفَاتِ ، وَالْحُكْمُ بِسَلْبِهِ طَهُورِيَّةَ الْمُطْلَقِ وَعَدَمِ جَعْلِهِ كَالْمُخَالِفِ فَيُحْكَمُ بِبَقَاءِ الطَّهُورِيَّةِ ( نَظَرٌ ) أَيْ تَوَقُّفٌ وَتَرَدُّدٌ لِابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ وَاسْتَظْهَرَ الْإِمَامُ سَنَدٌ شِقَّهُ الْأَوَّلَ وَلِذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَطَوَى مُقَابِلَهُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شِقَّهُ الْآخَرَ وَهُمَا فِي الْمَاءِ مُطْلَقًا كَثِيرًا كَانَ ، أَوْ قَلِيلًا ، وَفَرَضَهُمَا فِي كَوْنِ الْمُخَالِطِ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَغَايَرَ الْمَاءَ يَقِينًا ، أَوْ ظَنًّا وَأَجْرَاهُمَا ابْنُ

رُشْدٍ فِي الْمُوَافِقِ النَّجِسِ أَيْضًا كَبَوْلِ مَرِيضٍ بِصِفَةِ الْمَاءِ أَوْ ذَهَبَتْ صِفَاتُهُ بِمُرُورِ الرِّيَاحِ .
وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَبُو عَلِيٍّ نَاصِرُ الدِّينِ وَجَزَمَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الَّذِي خَالَطَهُ الْبَوْلُ الْمَذْكُورُ وَقَصَرَا التَّرَدُّدَ عَلَى الْمُخَالِطِ الطَّاهِرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُوَافِقِ أَصَالَةً كَمَاءِ الزَّرْجُونِ ، أَوْ عُرُوضًا كَمَاءِ الرَّيَاحِينِ الَّذِي ذَهَبَتْ أَوْصَافُهُ قَالَهُ الْإِمَامُ سَنَدٌ وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ وَاسْتَظْهَرَهُ الْبُنَانِيُّ .

وَفِي التَّطْهِيرِ بِمَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ قَوْلَانِ .
( وَفِي ) جَوَازِ ( التَّطْهِيرِ ) مِنْ حَدَثٍ ، أَوْ حُكْمِ خَبَثٍ ( بِمَاءٍ ) بِالْمَدِّ مُطْلَقٍ ( جُعِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ أُدْخِلَ ( فِي الْفَمِ ) قَبْلَ التَّطْهِيرِ بِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ تَغَيُّرِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَدَمُ جَوَازِهِ لِعَدَمِ سَلَامَتِهِ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّيقِ مَعَ قِلَّتِهِ جِدًّا وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ( قَوْلَانِ ) مُقَيَّدَانِ بِعَدَمِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ بِالرِّيقِ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا ، أَوْ عَدَمِ طُولِ مُكْثِهِ فِي الْفَمِ زَمَنًا يَتَحَقَّقُ ، أَوْ يُظَنُّ أَنَّهُ خَالَطَ الْمَاءَ فِيهِ مِقْدَارٌ مِنْ الرِّيقِ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ لَغَيَّرَهُ فَإِنْ انْتَفَيَا ، أَوْ أَحَدُهُمَا اُتُّفِقَ عَلَى مَنْعِ التَّطْهِيرِ بِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالْمُخَالَطَةِ فِي هَذِهِ وَالْجَزْمِ بِهَا فِي تِلْكَ وَلِأَنَّ هَذِهِ مَنْصُوصَةٌ وَلَا نَصَّ فِي تِلْكَ .

وَكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ وَفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ وَيَسِيرٌ : كَآنِيَةِ وُضُوءٍ ، وَغُسْلٍ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيِّرْ أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ وَرَاكِدٌ يُغْتَسَلُ فِيهِ .

وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ الْمُطْلَقِ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : ( وَكُرِهَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَنْ يُسْتَعْمَلَ ( مَاءٌ ) قَلِيلٌ كَإِنَاءِ غُسْلٍ مَوْجُودٍ غَيْرُهُ فِي رَفْعِ حَدَثٍ وَحُكْمِ خَبَثٍ ، وَطَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ كَغُسْلِ جُمُعَةٍ ، أَوْ مَنْدُوبَةٍ كَغُسْلِ عِيدٍ لَا فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُطْلَقِ كَغُسْلِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَنَعْتُ " مَاءٌ " ( مُسْتَعْمَلٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ أَيْ الْمَاءُ قَبْلَ ذَلِكَ ( فِي ) رَفْعِ ( حَدَثٍ ) أَوْ حُكْمِ خَبَثٍ وَهُوَ الْمُتَقَاطِرُ مِنْ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ ، وَالْمَغْسُولُ فِيهِ الْعُضْوُ لَا الْجَارِي عَلَيْهِ وَلَا الْبَاقِي فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ الِاغْتِرَافِ مِنْهُ .
( وَفِي ) كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي ( غَيْرِهِ ) أَيْ رَفْعِ الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُطْلَقِ وَيُصَلَّى بِهِ كَغُسْلِ إحْرَامٍ وَوُضُوءٍ مُجَدَّدٍ وَغَسْلِهِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً لِوَجْهٍ وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ فِي رَفْعِ حَدَثٍ وَحُكْمِ خَبَثٍ وَطَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ ، أَوْ مَنْدُوبَةٍ وَعَدَمِهَا ( تَرَدُّدٌ ) أَيْ فِي الْحُكْمِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُطْلَقِ كَغَسْلِ إنَاءٍ طَاهِرٍ ، أَوْ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَلَا يُصَلَّى بِهِ كَوُضُوءٍ لِنَوْمٍ ، أَوْ زِيَارَةِ صَالِحٍ أَوْ سُلْطَانٍ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُتَوَقِّفٍ عَلَى طَهُورٍ .
( وَ ) كُرِهَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَاءٌ ( يَسِيرٌ ) أَيْ قَلِيلٌ كَإِنَاءِ غُسْلٍ فِي رَفْعِ حَدَثٍ ، أَوْ حُكْمِ خَبَثٍ وَطَهَارَةٍ سُنَّةٍ ، أَوْ مَنْدُوبَةٍ لَا فِي غَسْلِ نَحْوِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ قَالَهُ عبق وَبَحَثَ فِيهِ الْعَدَوِيُّ بِأَنَّ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ كُرْهِهِ بِمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ كُرْهُهُ فِي الْعَادَاتِ أَيْضًا وَهُوَ وَجِيهٌ ، وَإِنْ فَرَّقَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْعِبَادَةِ وَمَثَّلَ لِلْيَسِيرِ بِقَوْلِهِ ( كَآنِيَةِ ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ النُّونِ أَصْلُهُ بِهَمْزَتَيْنِ مَفْتُوحٍ فَسَاكِنٍ فَأُبْدِلَ الثَّانِي الْفَاءَ جَمْعُ إنَاءٍ فَالْأَوْلَى

كَإِنَاءٍ ؛ لِأَنَّهُ نِهَايَةُ الْقَلِيلِ .
( وُضُوءٍ وَغُسْلٍ ) وَإِنَاءُ الْغُسْلِ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَضِّئِ أَيْضًا وَمَا دُونَ إنَاءِ الْوُضُوءِ كَإِنَاءِ الْوُضُوءِ وَنَعَتَ " يَسِيرٌ " بِقَوْلِهِ خُلِطَ ( بِنَجِسٍ ) قَدْرَ قَطْرَةِ مَطَرٍ مُتَوَسِّطَةٍ كَحِمَّصَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا لِإِنَاءِ وُضُوءٍ وَفَوْقَهَا لِإِنَاءِ غُسْلٍ نَقَلَهُ الرَّمَاصِيُّ عَنْ الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَاشْتَرَطَ النَّاصِرُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا لَهُمَا وَاكْتَفَى بِهَا الْحَطَّابُ فِيهِمَا وَنَعَتَ " نَجِسٍ " بِجُمْلَةِ .
( لَمْ يُغَيِّرْ ) النَّجِسُ الْمَاءَ وَوَجَدَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَادَّةٌ وَلَمْ يَجْرِ فَإِنْ غَيَّرَهُ نَجَّسَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ ، أَوْ كَانَتْ لَهُ مَادَّةٌ ، أَوْ جَرَى فَلَا كَرَاهَةَ كَالْكَثِيرِ الزَّائِدِ عَلَى إنَاءِ غُسْلٍ ، وَالْمُخْتَلِطِ بِطَاهِرٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْمَكْرُوهَ وَصَلَّى بِهِ فَلَا يُعِيدُ وَعَطَفَ عَلَى مُتَعَلِّقِ بِنَجِسٍ وَهُوَ " خُلِطَ " الْمُقَدَّرُ فَقَالَ ( أَوْ ) يَسِيرٌ ( وَلَغَ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا أَيْ أَدْخَلَ ( فِيهِ ) أَيْ الْيَسِيرِ ( كَلْبٌ ) لِسَانَهُ وَحَرَّكَهُ فِيهِ وَلَوْ تُيُقِّنَتْ سَلَامَةُ فَمِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَوُجِدَ غَيْرُهُ لَا إنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ فِيهِ وَلَا إنْ سَقَطَ لُعَابُهُ فِيهِ بِدُونِ إدْخَالِ لِسَانِهِ فِيهِ وَلَا إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ عَطَفَ عَلَى " مَاءٌ " فَقَالَ : ( وَ ) كُرِهَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ ( رَاكِدٌ ) أَيْ غَيْرُ جَارٍ ، وَقَوْلُهُ ( يُغْتَسَلُ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَفَتْحِ السِّينِ ( فِيهِ ) أَيْ الرَّاكِدِ تَفْسِيرٌ لِاسْتِعْمَالِهِ الْمُقَدَّرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَكُرِهَ اسْتِعْمَالُ رَاكِدٍ أَيْ الِاغْتِسَالُ فِيهِ أَيْ مِنْ جَنَابَةٍ سَنَدٌ ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ " أَوْ غَيْرِهَا " خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَمَرْدُودٌ بِالنِّسْبَةِ وَالنَّظَرِ ابْنُ مَرْزُوقٍ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَصْرُ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ فِيهِ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى ، وَالسُّنَّةُ الِاغْتِرَافُ مِنْهُ وَالِاغْتِسَالُ أَوْ التَّوَضُّؤُ خَارِجَهُ

بِحَيْثُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ الْمَاءُ الْمُتَقَاطِرُ مِنْ الْبَدَنِ ، أَوْ الْأَعْضَاءِ وَلَوْ كَثِيرًا غَيْرَ مُسْتَبْحِرٍ وَلَا ذِي مَادَّةٍ كَثِيرَةٍ وَلَمْ يُضْطَرَّ إلَى الِاغْتِسَالِ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ اغْتِسَالٌ فِيهِ وَلَوْ نُظِّفَ الْبَدَنُ وَخَلَا عَنْ الْوَسَخِ تَعَبُّدًا فَلَيْسَتْ نَعْتًا لِرَاكِدٍ ، وَإِنْ كَانَ مُتَبَادَرًا لِإِيهَامِهِ شَرْطَ تَقَدُّمِ الِاغْتِسَالِ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .

وَسُؤْرُ شَارِبِ خَمْرٍ ؛ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ .
( وَ ) كُرِهَ ( سُؤْرُ ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ أَيْ بَقِيَّةُ مَاءِ شُرْبِ ( شَارِبٍ ) أَيْ كَثِيرِ شُرْبِ ( خَمْرٍ ) أَيْ مُسْكِرٍ ، مُسْلِمٍ ، أَوْ كَافِرٍ وَشُكَّ فِي طَهَارَةِ فَمِهِ لِغَلَبَةِ نَجَاسَتِهِ فَإِنْ تَحَقَّقَتْ ، أَوْ ظُنَّتْ طَهَارَتُهُ فَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُهُ ، وَإِنْ تَحَقَّقَتْ ، أَوْ ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ الْآتِي ، وَإِنْ رِيئَتْ مِنْ فِيهِ إلَخْ وَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُ مَنْ شَرِبَهَا مَرَّةً ، أَوْ مَرَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ فَمِهِ وَلَمْ تَغْلِبْ النَّجَاسَةُ عَلَيْهِ .
( وَ ) كُرِهَ ( مَا ) بِالْقَصْرِ أَيْ مُطْلَقٌ ( أَدْخَلَ ) شَارِبُ الْخَمْرِ ( يَدَهُ ) مَثَلًا ( فِيهِ ) وَلَمْ تَتَحَقَّقْ ، أَوْ تُظَنَّ طَهَارَتُهَا وَلَا نَجَاسَتُهَا فَإِنْ تَحَقَّقَتْ ، أَوْ ظُنَّتْ طَهَارَتُهَا فَلَا يُكْرَهُ أَوْ نَجَاسَتُهَا فَيُعْمَلُ عَلَيْهَا وَكَرَاهَةُ السُّؤْرِ ، وَالْمُدْخَلِ فِيهِ مُقَيَّدَةٌ بِيَسَارَتِهِمَا وَوُجُودِ غَيْرِهِمَا وَهُمَا مِنْ أَفْرَادِ الْيَسِيرِ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَأُفْرِدَا بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ دُخُولِهِمَا فِيهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِمَا وَصَلَّى بِهِمَا أُعِيدَتْ الطَّهَارَةُ بِغَيْرِهِمَا نَدْبًا لِلصَّلَاةِ الْآتِيَةِ دُونَ الصَّلَاةِ الْمَاضِيَةِ .

وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءِ ، لَا إنْ عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ ، أَوْ كَانَ طَعَامًا : كَمُشَمَّسٍ ، وَإِنْ رِيئَتْ عَلَى فِيهِ وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ عُمِلَ عَلَيْهَا .

( وَ ) كُرِهَ سُؤْرُ ( مَا ) أَيْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ كَنَعَمٍ وَطَيْرٍ ، أَوْ لَا كَخِنْزِيرٍ وَحِمَارٍ وَفَرَسٍ لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا ) أَكْلًا ، أَوْ شُرْبًا ( مِنْ مَاءٍ ) بَيَانٌ لِسُؤْرِ الشَّارِبِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَسُؤْرِ الْمُقَدَّرِ هُنَا ، وَكَرَاهَةُ سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا إذَا لَمْ يَعْسُرْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ( لَا ) يُكْرَهُ سُؤْرُ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا .
( إنْ عَسُرَ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ السِّينِ أَيْ صَعُبَ وَشَقَّ ( الِاحْتِرَازُ ) أَيْ حِفْظُ الْمَاءِ ( مِنْهُ ) أَيْ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا كَقِطٍّ وَفَأْرٍ وَعَطَفَ عَلَى عَسُرَ فَقَالَ ( أَوْ كَانَ ) أَيْ سُؤْرُ شَارِبِ الْخَمْرِ ، أَوْ مَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ ، أَوْ سُؤْرُ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا ( طَعَامًا ) كَلَبَنٍ وَعَسَلٍ وَزَيْتٍ وَمَرَقٍ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُرَاقُ لِشَرَفِهِ وَيَحْرُمُ طَرْحُهُ فِي قَذِرٍ وَامْتِهَانُهُ الشَّدِيدُ وَيُكْرَهُ الْخَفِيفُ كَغَسْلِ الْيَدِ بِهِ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ .
( كَمُشَمَّسٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، وَالْمِيمِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَاءٍ مُسَخَّنٍ بِشَمْسٍ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالطَّعَامِ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ مَذْكُورٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ شَعْبَانَ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَ ابْنُ الْفَرَسِ كَرَاهَتَهُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهَا بِجَعْلِهِ مُشَبَّهًا بِمَا قَبْلَهُ فِي الْكَرَاهَةِ وَقُيِّدَتْ بِالْبِلَادِ الْحَارَّةِ كَالْحِجَازِ ، وَالْأَوَانِي الَّتِي تَمْتَدُّ تَحْتَ الْمِطْرَقَةِ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ وَخَصَّ ابْنُ الْإِمَامِ التِّلْمِسَانِيِّ ذَلِكَ بِالنُّحَاسِ الْأَصْفَرِ .
وَلَا يُكْرَهُ الْمُسَخَّنُ بِنَارٍ مَا لَمْ تَشْتَدَّ سُخُونَتُهُ فَيُكْرَهَ كَشَدِيدِ الْبُرُودَةِ لِمَنْعِهِمَا كَمَالَ الْخُشُوعِ ، وَالْكَرَاهَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْبَدَنِ بِوُضُوءٍ ، أَوْ غُسْلٍ ، أَوْ رَفْعِ حُكْمِ خَبَثٍ ، أَوْ وَسَخٍ ظَاهِرٍ وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَوَانِي

وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَيُكْرَهُ شُرْبُهُ وَأَكْلُ الْمَطْبُوخِ بِهِ إنْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ بِضَرَرِهِ وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِتَبْرِيدِهِ وَكَرَاهَةُ سُؤْرِ الْمَاءِ ، وَالْمُدْخَلِ فِيهِ ، وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ مَحَلَّهُمَا إذَا لَمْ تُرَ النَّجَاسَةُ عَلَى فَمِهِ ، أَوْ يَدِهِ حِينَ اسْتِعْمَالِهِ .
( وَإِنْ رِيئَتْ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ أَصْلُهُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَقْدِيمِ الْهَمْزِ مَكْسُورًا عَلَى الْمُثَنَّاةِ فَحُذِفَتْ ضَمَّةُ الرَّاءِ وَنُقِلَتْ كَسْرَةُ الْهَمْزِ إلَيْهَا وَقُدِّمَتْ الْمُثَنَّاةُ عَلَى الْهَمْزِ أَيْ عُلِمَتْ النَّجَاسَةُ بِمُشَاهَدَةٍ ، أَوْ أَخْبَارٍ كَائِنَةٍ ( عَلَى فِيهِ ) أَيْ فَمِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا أَوْ يَدِهِ الَّتِي أَدْخَلَهَا فِي الْمَاءِ ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَعْضَائِهِ وَصِلَةُ " رِيئَتْ " ( وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ ) الْمَاءِ وَالطَّعَامِ ( عُمِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ حُكِمَ ( عَلَيْهَا ) أَيْ بِمُقْتَضَاهَا فَإِنْ غَيَّرَتْ الْمَاءَ نَجَّسَتْهُ ، وَإِلَّا كُرِهَ اسْتِعْمَالُهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا وَنَجَّسَتْ الطَّعَامَ إنْ كَانَ مَائِعًا ، أَوْ جَامِدًا ، أَوْ أَمْكَنَ سَرَيَانُهَا فِيهِ .

وَإِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ بِرَاكِدٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ نُدِبَ نَزْحٌ بِقَدْرِهَا ، لَا إنْ وَقَعَ مَيِّتًا .

( وَإِذَا مَاتَ ) حَيَوَانٌ ( بَرِّيٌّ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ أَيْ مَنْسُوبٌ لِلْبَرِّ ضِدِّ الْبَحْرِ لِخَلْقِهِ وَحَيَاتِهِ فِيهِ ( ذُو ) أَيْ صَاحِبُ ( نَفْسٍ ) بِسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ دَمٍ ( سَائِلَةٍ ) أَيْ يَجْرِي عِنْدَ سَبَبِ جَرَيَانِهِ كَتَذْكِيَةٍ وَجَرْحٍ وَقَطْعٍ وَصِلَةُ " مَاتَ " ( بِ ) مَاءٍ ( رَاكِدٍ ) أَيْ غَيْرِ جَارٍ وَغَيْرِ مُسْتَجْرٍ جِدًّا أَوْ لَوْ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ .
( وَ ) الْحَالُ أَنَّهُ ( لَمْ يَتَغَيَّرْ ) الْمَاءُ بِمَوْتِ الْبَرِّيِّ ذِي النَّفْسِ السَّائِلَةِ فِيهِ ( نُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( نَزْحٌ ) بَعْدَ إخْرَاجِ الْحَيَوَانِ ، أَوْ قَبْلَهُ إذْ الْعِلَّةُ إزَالَةُ الْفَضَلَاتِ وَهِيَ تَخْرُجُ حِينَ مَوْتِهِ لَا بَعْدَهُ مِنْ الْمَاءِ ، وَصَبُّهُ فِي غَيْرِ الرَّاكِدِ حَتَّى تَطِيبَ النَّفْسُ وَيَزُولَ عَيْفُهَا الْمَاءَ وَكَرَاهَتُهَا إيَّاهُ لِزَوَالِ الْفَضَلَاتِ الَّتِي خَرَجَتْ مَعَ الْمَاءِ مِنْ فَمِ الْحَيَوَانِ وَقْتَ فَتْحِهِ طَلَبًا لِلنَّجَاةِ حِينَ مَوْتِهِ وَيَنْقُصُ النَّازِحُ الدَّلْوَ ؛ لِأَنَّ الْفَضَلَاتِ تَعْلُو عَلَى الْمَاءِ كَالدُّهْنِ فَإِنْ مَلَأَ الدَّلْوَ تَسْقُطُ مِنْهُ وَتَعُودُ لِلْمَاءِ حِينَ رَفْعِهِ وَحَرَكَتِهِ فَلَا تَحْصُلُ ثَمَرَةُ النَّزْحِ وَصِلَةُ " نَزْحٌ " ( بِقَدْرِهِمَا ) أَيْ الْمَاءِ قِلَّةً ، أَوْ كَثْرَةً ، أَوْ تَوَسُّطًا بَيْنَهُمَا وَالْحَيَوَانِ صِغَرًا ، أَوْ كِبَرًا ، أَوْ تَوَسُّطًا بَيْنَهُمَا فَقَدْ يَكْثُرُ الْمَاءُ وَيَكْبَرُ الْحَيَوَانُ وَقَدْ يَقِلُّ الْمَاءُ وَيَصْغُرُ الْحَيَوَانُ وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ يَكْثُرُ الْمَاءُ وَيَكْبَرُ الْحَيَوَانُ ، وَقَدْ يَقِلُّ الْمَاءُ وَيَصْغُرُ الْحَيَوَانُ وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ يَكْثُرُ الْمَاءُ وَيَصْغُرُ الْحَيَوَانُ ، أَوْ عَكْسُهُ ، وَكُلُّ حَالَةٍ مِنْ هَذِهِ يُنَاسِبُهَا قَدْرٌ مِنْ النَّزْحِ بِحَسَبِ قَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَكُلَّمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحْسَنُ .
ابْنُ الْإِمَامِ لَيْسَ لِمِقْدَارِ مَا يُنْزَحُ حَدٌّ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ مَا مَاتَ مِنْ صَغِيرٍ وَطُولِ إقَامَةٍ وَقِلَّةِ مَاءٍ وَمُقَابِلِهَا وَلِذَا لَمْ يَحُدَّهُ مَالِكٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ

تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ غَيْرَ أَنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ النَّزْحُ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِمْ وَأَوْلَى وَأَبْلَغَ وَأَحْوَطَ .
ابْنُ بَشِيرٍ وَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ تَحْدِيدِهِ بِأَرْبَعِينَ لَا أَصْلَ لَهُ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِئَلَّا يُكْثِرَ الْمُوَسْوَسُ وَيُقِلَّ الْمُتَسَاهِلُ وَلِذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ فِي هَذَا فَقَالَ : انْزِعُوا مِنْهَا أَرْبَعِينَ خَمْسِينَ سِتِّينَ دَلْوًا وَقَالَ إنَّمَا قُلْت لَهُمْ ذَلِكَ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَقَلَّ يَجْزِيهِمْ ، وَالْأَكْثَرَ أَحَبُّ وَلَوْ اقْتَصَرْتُ عَلَى خَمْسِينَ لَأَبْطَلْتُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ وَهِيَ مِثْلُهَا وَمَنَعْتُهُمْ مِنْ سِتِّينَ وَهِيَ أَبْلَغُ ا هـ .
وَاحْتَرَزَ بِالْبَرِّيِّ عَنْ الْبَحْرِيِّ وَبِذِي النَّفْسِ عَمَّا لَا نَفْسَ لَهُ فَلَا يُنْدَبُ النَّزْحُ بِمَوْتِهِمَا فِي الْمَاءِ وَبِالرَّاكِدِ عَنْ الْجَارِي فَلَا يُنْدَبُ فِيهِ أَيْضًا وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ النَّزْحِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ بِهِ فِي الْوَقْتِ نَقَلَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَالْحَطَّابُ عَنْ الْأَكْثَرِ ، وَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِمَيْتَةِ الْبَرِّيِّ ذِي النَّفْسِ السَّائِلَةِ تَنَجَّسَ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ .
وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَصْرُ نَدْبِ النَّزْحِ عَلَى مَا لَا مَادَّةَ لَهُ وَقِيلَ يَجِبُ النَّزْحُ وَلَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَعَطَفَ عَلَى مَاتَ بِلَا فَقَالَ : ( لَا ) يُنْدَبُ النَّزْحُ ( إنْ وَقَعَ ) الْبَرِّيُّ ذُو النَّفْسِ السَّائِلَةِ فِي الرَّاكِدِ حَالَ كَوْنِهِ ( مَيِّتًا ) ، أَوْ حَيًّا وَأُخْرِجَ حَيًّا وَرَجَّحَ ابْنُ مَرْزُوقٍ الْقَوْلَ بِنَدْبِهِ إنْ وَقَعَ مَيِّتًا وَلَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِزَوَالِ الرُّطُوبَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ مُبَالَغَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ أَوْلَى بِنَدْبِ النَّزْحِ .

وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجِسِ ، لَا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ فَاسْتُحْسِنَ الطَّهُورِيَّةُ ، وَعَدَمُهَا أَرْجَحُ .

( وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ ) الْمَاءِ الَّذِي لَا مَادَّةَ لَهُ ( النَّجِسِ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ الْمُتَنَجِّسِ بِبَوْلٍ مَثَلًا وَعَطَفَ عَلَى صِلَةِ " زَالَ " الْمُقَدَّرَةِ أَيْ بِنَفْسِهِ فَقَالَ ( لَا بِكَثْرَةِ ) أَيْ زِيَادَةِ صَبِّ مَاءٍ ( مُطْلَقٍ ) عَلَيْهِ وَلَا بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ طَاهِرٍ فِيهِ مِنْ تُرَابٍ ، أَوْ طِينٍ ، أَوْ نَحْوِهِمَا ( فَاسْتُحْسِنَ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَكَسْرِ السِّينِ الْأَخِيرَةِ أَيْ مِنْ بَعْضِ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ وَنَائِبُ فَاعِلِ " اُسْتُحْسِنَ " ( الطَّهُورِيَّةُ ) لِلْمَاءِ الَّذِي زَالَ تَغَيُّرُهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِنَجَاسَتِهِ لِتَغَيُّرِهِ وَقَدْ زَالَ ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ كَذَهَابِ حُرْمَةِ الْخَمْرِ وَنَجَاسَتِهَا بِذَهَابِ إسْكَارِهَا بِتَخَلُّلِهَا ، أَوْ تَحَجُّرِهَا .
( وَعَدَمُهَا ) أَيْ الطَّهُورِيَّةِ الصَّادِقُ بِعَدَمِ الطَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَرِينَةِ كَوْنِ الْكَلَامِ فِي مُتَغَيِّرٍ بِنَجِسٍ وَخَبَرُ " عَدَمُهَا " ( أَرْجَحُ ) أَيْ رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ خِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ عج وعبق وشب وَالْعَدَوِيِّ وَاعْتَمَدَ الْبُنَانِيُّ الْأَوَّلَ ، وَالثَّانِي مُقَيَّدٌ بِوُجُودِ غَيْرِهِ وَإِلَّا اُسْتُعْمِلَ مُرَاعَاةً لِلْأَوَّلِ فَحُلَّ الْخِلَافُ إذَا وُجِدَ مَاءٌ آخَرُ غَيْرُ ذَلِكَ الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هُوَ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِلَا كَرَاهَةٍ اتِّفَاقًا لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ قَالَهُ الْعَدَوِيُّ ابْنُ غَازِيٍّ لَيْسَ لِابْنِ يُونُسَ هُنَا تَرْجِيحٌ ، وَإِنَّمَا تَرْجِيحُهُ فِي إزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ بِمَاءٍ طَاهِرٍ غَيْرِ طَهُورٍ كَمَاءِ وَرْدٍ فَقِيلَ يَزُولُ حُكْمُهَا أَيْضًا وَيَطْهُرُ الْمَحَلُّ وَقِيلَ لَا وَرَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَبِتَسْلِيمِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى تَرْجِيحِ ابْنِ يُونُسَ فِي فَرْعِ زَوَالِ تَغَيُّرِ النَّجِسِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوَالِ عَيْنِهَا بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ فَلَزِمَ مِنْ التَّرْجِيحِ فِي الثَّانِي التَّرْجِيحُ فِي

الْأَوَّلِ بِجَامِعِ زَوَالِ أَعْرَاضِهَا بِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَإِنْ كَانَ النَّجِسُ الَّذِي زَالَ تَغَيُّرُهُ قَلِيلًا فَهُوَ نَجِسٌ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ زَالَ بِصَبٍّ مُطْلَقٍ عَلَيْهِ وَلَوْ قَلِيلًا فَهُوَ طَهُورٌ اتِّفَاقًا وَمِنْهُ مَا لَهُ مَادَّةٌ ، وَإِنْ زَالَ بِإِلْقَاءِ نَحْوِ طِينٍ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِهِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ فَلَا لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ تَغَيُّرِهِ بِالنَّجِسِ وَخَفَائِهِ بِتَغَيُّرِهِ بِنَحْوِ الطِّينِ ، وَمَفْهُومُ النَّجِسِ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِطَاهِرٍ مُفَارِقٌ لَهُ غَالِبًا إنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ طَهُورٌ قَالَهُ الْحَطَّابُ وَرُجِّحَ ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ مِنْ فَرْعِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَيْضًا .

وَقُبِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ إنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا أَوْ اتَّفَقَا مَذْهَبًا ، وَإِلَّا فَقَالَ : يُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ
( وَ ) إنْ شُكَّ فِي ضَرَرِ مُغَيِّرِ الْمَاءِ وَأَخْبَرَ بِنَجَاسَتِهِ مُخْبِرٌ ( قُبِلَ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ وَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ ( خَبَرُ ) أَيْ إخْبَارُ الْمُخْبِرِ ( الْوَاحِدِ ) وَأَوْلَى الْأَكْثَرُ إنْ كَانَ عَدْلًا رِوَايَةً وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ السَّالِمُ مِنْ الْفِسْقِ وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَلَوْ أُنْثَى ، أَوْ رِقًّا بِنَجَاسَتِهِ ( إنْ بَيَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْمُخْبِرُ ( وَجْهَهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ بِأَنْ قَالَ تَغَيُّرٌ بِنَحْوِ دَمٍ .
( أَوْ ) لَمْ يُبَيِّنْهُ وَ ( اتَّفَقَا ) أَيْ الْمُخْبِرُ بِالْكَسْرِ الْعَالِمُ بِالطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ ، وَالْمُخْبَرُ بِالْفَتْحِ ( مَذْهَبًا ) أَيْ فِي أَحْكَامِ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي غَيْرِهَا ، وَشُرِطَ الْبَيَانُ أَوْ الِاتِّفَاقِ فِي الْمُخْبِرِ وَلَوْ بَلَغَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ ، وَالْجِنِّيُّ كَالْإِنْسِيِّ عَلَى الظَّاهِرِ فَإِنْ أَخْبَرَ بِطَهُورِيَّتِهِ مَعَ ظُهُورِ عَدَمِهَا قُبِلَ خَبَرُهُ إنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا ، أَوْ وَافَقَ مَذْهَبًا ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُهَا فَقَدْ سَبَقَ حَمْلُهُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ حِينَئِذٍ بَيَانٌ وَلَا مُوَافَقَةٌ وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ نِسْبَةَ اسْتِحْسَانِ التَّرْكِ لِلْمَازِرِيِّ فَقَالَ : ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُخْبِرُ وَجْهَهَا وَلَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبًا ( فَقَالَ ) أَيْ الْمَازِرِيُّ مِنْ نَفْسِهِ ( يُسْتَحْسَنُ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ مَا قَبْلَ آخِرِهِ أَيْ يُسْتَحَبُّ ( تَرْكُهُ ) أَيْ الْمَاءِ الْمَشْكُوكِ الَّذِي أَخْبَرَ الْوَاحِدُ بِنَجَاسَتِهِ بِلَا بَيَانٍ وَلَا اتِّفَاقٍ احْتِيَاطًا لِتَعَارُضِ الْأَصْلِ ، وَالْإِخْبَارِ الْمُحْتَمِلِ لِلصِّدْقِ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ بِهِ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ اسْتِعْمَالُهُ .

وَوُرُودُ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ كَعَكْسِهِ .
وَوُرُودُ ) أَيْ نُزُولُ وَطَرَيَانُ ( الْمَاءِ ) الطَّهُورِ الْمُطْلَقِ ( عَلَى النَّجَاسَةِ ) الْعَيْنِيَّةِ أَوْ الْحُكْمِيَّةِ ( كَعَكْسِهِ ) أَيْ وُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ ، قَلِيلًا كَانَ ، أَوْ كَثِيرًا فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِوَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهَا فَالْغُسَالَةُ وَالْمَحَلُّ طَاهِرَانِ ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ فَنَجِسَانِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ دُونَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَ بِمُجَرَّدِ وُرُودِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا مِصْرِيًّا تَقْرِيبًا وَشَبَّهَ وُرُودَ الْمَاءِ عَلَيْهَا الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بِوُرُودِهَا عَلَيْهِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى عَكْسَهُ مُبَالَغَةً فِي رَدِّ الْخِلَافِ وَلَا يُقَالُ : قَاعِدَةُ الْفُقَهَاءِ إدْخَالُ الْكَافِ عَلَى الْمُشَبَّهِ فَلَمْ يُخَالِفْ الْمُصَنِّفُ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَحَلُّهَا فِي التَّشْبِيهِ بَعْدَ الْحُكْمِ ، وَالْحُكْمُ هُنَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّشْبِيهِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ هُنَا عَلَى قَاعِدَةِ الْبَيَانِيِّينَ وَهُوَ تَشْبِيهٌ مَعْكُوسٌ لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِ : وَبَدَا الصَّبَاحُ كَأَنَّ غُرَّتَهُ وَجْهُ الْخَلِيفَةِ حِينَ يُمْتَدَحُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُلِمَتْ مِمَّا سَبَقَ وَذُكِرَتْ هُنَا لِمُجَرَّدِ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) الطَّاهِرُ مَيْتُ مَا لَا دَمَ لَهُ
وَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّ حُكْمَ الْمُتَغَيِّرِ كَمُغَيِّرِهِ بَيَّنَ الْمُغَيِّرَ فَقَالَ : فَصْلٌ ) : أَصْلُهُ مَصْدَرُ فَصَلَ الشَّيْءَ أَيْ قَطَعَهُ وَأَبَانَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ بَابٍ ، أَوْ كِتَابٍ غَالِبًا لِقَطْعِهَا وَإِبَانَتِهَا وَفَرْقِهَا مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا ، ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا بَيَانُ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ ، وَالْأَشْيَاءِ النَّجِسَةِ .
( الطَّاهِرُ ) أَيْ أَفْرَادُ وَجُزْئِيَّاتُ الشَّيْءِ الْمُتَّصِفِ بِالطَّهَارَةِ أَيْ الصِّفَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا بِمُلَابَسَتِهِ ( مَيْتُ ) بِسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ أَيْ مَا مَاتَ بِالْفِعْلِ وَمُشَدَّدُهَا الْحَيُّ الَّذِي سَيَمُوتُ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ يَتَنَاوَبَانِ ( مَا ) أَيْ حَيَوَانٍ بَرِّيٍّ ( لَا دَمَ لَهُ ) مِنْ ذَاتِهِ ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ دَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ غَيْرِهِ كَبُرْغُوثٍ وَبَقٍّ وَنَامُوسٍ وَذُبَابٍ وَعَقْرَبٍ وَخُنْفُسٍ وَصِرْصَارٍ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ مَا فِيهِ دَمٌ مُكْتَسَبٌ كَبُرْغُوثٍ مَيْتَةٌ نَجِسَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .

وَالْبَحْرِيِّ وَلَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِبَرٍّ
( وَ ) مَيْتُ الْحَيَوَانِ ( الْبَحْرِيِّ ) أَيْ الْمَنْسُوبِ لِلْبَحْرِ أَيْ الْمَاءِ الْكَثِيرِ لِخَلْقِهِ وَحَيَاتِهِ فِيهِ وَلَوْ خِنْزِيرًا وَسَوَاءٌ مَاتَ بِنَفْسِهِ ، أَوْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُسْلِمٍ ، أَوْ كَافِرٍ فِي الْبَحْرِ ، أَوْ فِي الْبَرِّ إنْ لَمْ تَطُلْ حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ بَلْ ( وَلَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِبَرٍّ ) كَتِمْسَاحٍ وَضُفْدَعٍ وَسُلَحْفَاةٍ بَحْرِيَّةٍ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ مَيْتَةٌ نَجِسَةٌ مَاتَ بِبَحْرٍ ، أَوْ بَرٍّ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ طَهَارَتَهَا إنْ مَاتَ بِبَحْرٍ وَنَجَاسَتَهَا إنْ مَاتَ بِبَرٍّ وَأَشَارَ لَهُمْ بِ " وَلَوْ " .

وَمَا ذُكِّيَ ، وَجُزْؤُهُ إلَّا مُحَرَّمَ الْأَكْلِ
( وَ ) الطَّاهِرُ ( مَا ) أَيْ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ لَهُ دَمٌ ( ذُكِّيَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُشَدَّدًا أَيْ فُعِلَ بِهِ السَّبَبُ لِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ مِنْ ذَبْحٍ ، أَوْ نَحْرٍ ، أَوْ عَقْرٍ .
( وَجُزْؤُهُ ) أَيْ الْمُذَكَّى مِنْ لَحْمٍ ، وَعَظْمٍ ، وَظُفْرٍ ، وَسِنٍّ ، وَجِلْدٍ ، وَغَيْرِهَا وَذَكَرَهُ بَعْدَ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ طَهَارَتِهِ طَهَارَةُ الْجُزْءِ الْمُنْفَصِلِ مِنْهُ أَلَا تَرَى الدَّمَ ، وَالْمَنِيَّ ، وَالْمَذْيَ ، وَالْوَدْيَ وَالسَّوْدَاءَ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ بَعْدَ انْفِصَالِهَا مِنْ الْمُذَكَّى فَالْمُرَادُ يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا ( إلَّا مُحَرَّمَ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ مُشَدَّدَةً ( الْأَكْلِ ) كَخَيْلٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ إنْسِيٍّ وَخِنْزِيرٍ مَذْبُوحٍ ، أَوْ مَنْحُورٍ ، أَوْ مَعْقُورٍ فَنَجِسٌ فَلَا تُطَهِّرُهُ الذَّكَاةُ إجْمَاعًا إنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ ، وَمَكْرُوهُ الْأَكْلِ كَسَبُعٍ وَهِرٍّ دَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتُطَهِّرُهُ الذَّكَاةُ .

وَصُوفٌ ، وَوَبَرٌ ، وَزَغَبُ رِيشٍ ؛ وَشَعَرٌ وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ إنْ جُزَّتْ
، ( وَ ) الطَّاهِرُ ( صُوفٌ ) مِنْ ضَأْنٍ ( وَوَبَرٌ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ إبِلٍ وَأَرْنَبٍ وَنَحْوِهِمَا ( وَزَغَبُ ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَهْدَابُ ( رِيشٍ ) مُحِيطٍ بِقَصَبَتِهِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِكُلِّهِ ( وَشَعَرٌ ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تُسَكَّنُ مِنْ جَمِيعِ الدَّوَابِّ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ بَلْ ( وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ ) وَكَلْبٍ وَقِيلَ بِاسْتِثْنَائِهِمَا وَقِيلَ بِاسْتِثْنَاءِ الْخِنْزِيرِ فَقَطْ ، وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بَ وَلَوْ .
( إنْ جُزَّتْ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ مُثَقَّلًا أَيْ الصُّوفُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ بِلَا ذَكَاةٍ ، وَالْمُرَادُ بِجَزِّهَا مَا قَابَلَ نَتْفَهَا مِنْ قَصٍّ وَحَلْقٍ وَقَرْضٍ وَحَرْقٍ وَنُورَةٍ فَإِنْ نُتِفَتْ مِنْ حَيٍّ أَوْ غَيْرِ مُذَكًّى فَأَصْلُهَا الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْجِلْدِ نَجِسٌ فَإِنْ أُزِيلَ فَالْبَاقِي طَاهِرٌ ، وَإِنْ نُتِفَتْ مِنْ مُذَكًّى مُبَاحٍ ، أَوْ مَكْرُوهٍ فَجَمِيعُهَا طَاهِرٌ .

وَالْجَمَادُ وَهُوَ جِسْمٌ غَيْرُ حَيٍّ ، وَمُنْفَصِلٌ عَنْهُ إلَّا الْمُسْكِرَ .
( وَ ) الطَّاهِرُ ( الْجَمَادُ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ( وَهُوَ ) أَيْ مُعَرَّفُ الْجَمَادِ ( جِسْمٌ ) جِنْسٌ دَخَلَ فِيهِ سَائِرُ الْأَجْسَامِ جَامِدَةً كَانَتْ أَوْ مَائِعَةً كَمَاءٍ وَزَيْتٍ وَعَسَلِ قَصَبٍ ( غَيْرُ حَيٍّ ) أَيْ لَمْ تَحِلَّ فِيهِ رُوحٌ ؛ فَصْلٌ مُخْرِجٌ مَا حَلَّتْ فِيهِ وَاسْتَمَرَّتْ ، أَوْ خَرَجَتْ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَبُونَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا مَا خُلِقَ مِنْ الطِّينِ وَنَحْوِهِ وَمَاتَ لِأَنَّ الرُّوحَ حَلَّتْ فِيهِمَا .
( وَ ) غَيْرُ ( مُنْفَصِلٍ عَنْهُ ) أَيْ الْحَيِّ ؛ فَصْلٌ آخَرُ مُخْرِجٌ الْبَيْضَ وَاللَّبَنَ وَفُرُوعَهُ كَالسَّمْنِ ، وَالْجُبْنِ وَعَسَلِ النَّحْلِ لِانْفِصَالِهَا عَنْ حَيٍّ وَاسْتَثْنَى مِنْ الطَّاهِرِ الْجَمَادِ فَقَالَ ( إلَّا الْمُسْكِرَ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ مِنْ الْجَمَادِ وَهُوَ مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَحْدَهُ مَعَ نَشْوَةٍ أَيْ قُوَّةٍ وَشَجَاعَةٍ وَطَرَبٍ ، أَيْ فَرَحٍ وَسُرُورٍ فَهُوَ نَجِسٌ وَمُحَرَّمٌ قَلِيلُهُ الَّذِي لَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ فَضْلًا عَنْ كَثِيرِهِ الَّذِي يُغَيِّبُهُ ، وَمُوجِبٌ لِلْحَدِّ ثَمَانِينَ جَلْدَةً عَلَى ظَهْرِهِ بِلَا حَائِلٍ إنْ كَانَ رَجُلًا وَبِحَائِلٍ رَقِيقٍ إنْ كَانَ امْرَأَةً وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ عَصِيرِ عِنَبٍ وَهِيَ الْخَمْرُ ، أَوْ مَاءِ زَبِيبٍ ، أَوْ تِينٍ ، أَوْ تَمْرٍ ، أَوْ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ ، أَوْ أَرُزٍّ ، أَوْ عَسَلٍ ، أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يَكُونُ إلَّا مَائِعًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ .
وَأَمَّا الْمُفْسِدُ وَيُسَمَّى الْمُخَدِّرَ أَيْضًا وَهُوَ مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَحْدَهُ بِلَا نَشْوَةٍ وَلَا طَرَبٍ وَمِنْهُ الْحَشِيشَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، وَالْأَفْيُونُ ، وَالْبَرَشُ ، وَجَوْزَةُ الطِّيبِ ، وَالْمُرْقِدُ وَهُوَ مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ ، وَالْحَوَاسَّ وَمِنْهُ الْبَنْجُ ، وَالدَّاتُورَةُ فَطَاهِرَانِ دَاخِلَانِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَاسْتِعْمَالُ قَلِيلِهِمَا الَّذِي لَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ جَائِزٌ وَكَثِيرِهِمَا الَّذِي يُغَيِّبُهُ مُحَرَّمٌ وَمُوجِبٌ لِلْأَدَبِ بِمَا يَرْدَعُ الْمُسْتَعْمِلَ مِنْ ضَرْبٍ ، أَوْ غَيْرِهِ .

وَالْحَيُّ وَدَمْعُهُ وَعَرَقُهُ وَلُعَابُهُ وَمُخَاطُهُ وَبَيْضُهُ وَلَوْ أَكَلَ نَجِسًا ، إلَّا الْمَذِرَ وَالْخَارِجَ بَعْدَ الْمَوْتِ
( وَ ) الطَّاهِرُ ( الْحَيُّ ) أَيُّ حَيٍّ بَحْرِيًّا كَانَ ، أَوْ بَرِّيًّا وَلَوْ خُلِقَ مِنْ عَذِرَةٍ ، أَوْ كَلْبًا ، أَوْ خِنْزِيرًا ( وَدَمْعُهُ ) الَّذِي سَالَ مِنْ عَيْنِهِ ( وَعَرَقُهُ ) الَّذِي رَشَحَ مِنْ جِلْدِهِ لِحَرٍّ أَوْ نَحْوِهِ وَلَوْ كَانَ جَلَّالَةً ، أَوْ سَكْرَانَ حَالَ سُكْرِهِ ( وَلُعَابُهُ ) الَّذِي سَالَ مِنْ فَمِهِ فِي يَقَظَةٍ ، أَوْ نَوْمٍ إلَّا الْمُنْتِنَ الْأَصْفَرَ فَنَجِسٌ وَيُعْفَى عَنْهُ إنْ لَازَمَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً ( وَمُخَاطُهُ ) الَّذِي سَالَ مِنْ أَنْفِهِ ( وَبَيْضُهُ ) أَيْ الْحَيِّ وَلَوْ حَيَّةً تَرَبَّى لَهُ قِشْرٌ يَابِسٌ أَوْ لَا إنْ لَمْ يَأْكُلْ الْحَيُّ الَّذِي سَالَ مِنْهُ الدَّمْعُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ نَجِسًا بَلْ ( وَلَوْ أَكَلَ ) الْحَيُّ ( نَجِسًا ) فَالْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةٌ لِلدَّمْعِ وَمَا بَعْدَهُ لَكِنْ لِرَدِّ الْخِلَافِ فِي الْعَرَقِ ، وَالْبَيْضِ فَقِيلَ بِنَجَاسَتِهِمَا مِمَّا أَكَلَ نَجِسًا وَلِمُجَرَّدِ دَفْعِ التَّوَهُّمِ فِي الْبَاقِي وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبٍ فِيهِ عَرَقُ شَارِبِ خَمْرٍ ، أَوْ مُخَاطُهُ ، أَوْ بُصَاقُهُ خِلَافًا لِزَرُّوقٍ .
( إلَّا ) الْبَيْضَ ( الْمَذِرَ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْمُنْتِنَ أَوْ الَّذِي صَارَ دَمًا ، أَوْ مُضْغَةً ، أَوْ فَرْخًا مَيِّتًا لَا الْمَمْرُوقَ الَّذِي اخْتَلَطَ صُفَارُهُ بِبَيَاضِهِ بِلَا نُتُونَةٍ فَطَاهِرٌ عَلَى الظَّاهِرِ .
( وَإِلَّا الْخَارِجَ ) مِنْ الْحَيَوَانِ ( بَعْدَ ) قِيَامِ ( الْمَوْتِ ) بِهِ مِنْ الدَّمْعِ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ وَلَمْ يُذَكَّ .

وَلَبَنُ آدَمِيٍّ إلَّا الْمَيِّتَ ، وَلَبَنُ غَيْرِهِ تَابِعٌ .
( وَ ) الطَّاهِرُ ( لَبَنُ آدَمِيٍّ ) ذَكَرٍ ، أَوْ أُنْثَى مُسْلِمٍ ، أَوْ كَافِرٍ وَلَوْ سَكْرَانَ لِاسْتِحَالَتِهِ إلَى صَلَاحٍ ( إلَّا ) الْآدَمِيَّ ( الْمَيِّتَ ) فَلَبَنُهُ نَجِسٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
( وَلَبَنُ غَيْرِهِ ) أَيْ الْآدَمِيِّ الْمَحْلُوبِ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ( تَابِعٌ ) لِلَحْمِهِ فِي الطَّهَارَةِ بِالتَّذْكِيَةِ وَعَدَمِهَا بِعَدَمِهَا فَإِنْ كَانَ لَحْمُهُ يَطْهُرُ بِهَا وَهُوَ الْمُبَاحُ ، وَالْمَكْرُوهُ فَلَبَنُهُ فِي حَيَاتِهِ ، أَوْ بَعْدَهَا طَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانَ لَحْمُهُ نَجِسًا بَعْدَهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ فَلَبَنُهُ نَجِسٌ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُبَاحُ ، وَالْمَكْرُوهُ بِلَا ذَكَاةٍ فَلَبَنُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ تَابِعٌ لِلَحْمِهِ فِي النَّجَاسَةِ .

وَبَوْلٌ ، وَعَذِرَةٌ مِنْ مُبَاحٍ إلَّا الْمُغْتَذِيَ بِنَجِسٍ ، وَقَيْءٌ ، إلَّا الْمُتَغَيِّرَ عَنْ الطَّعَامِ ؛ وَصَفْرَاءُ ، وَبَلْغَمٌ ؛ وَمَرَارَةُ مُبَاحٍ ، وَدَمٌ لَمْ يُسْفَحْ ، وَمِسْكٌ وَفَأْرَتُهُ ، وَزَرْعٌ بِنَجِسٍ ، وَخَمْرٌ تَحَجَّرَ أَوْ خُلِّلَ

( وَ ) الطَّاهِرُ ( بَوْلٌ وَعَذِرَةٌ ) أَيْ رَجِيعٌ وَرَوْثٌ خَرَجَا ( مِنْ مُبَاحٍ ) أَكْلُهُ فِي حَيَاتِهِ ، أَوْ بَعْدَ ذَكَاتِهِ ( إلَّا ) الْمُبَاحَ ( الْمُغْتَذِيَ بِنَجِسٍ ) مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ يَقِينًا ، أَوْ ظَنًّا ، أَوْ شَكًّا وَشَأْنُهُ ذَلِكَ كَدَجَاجٍ وَفَأْرٍ وَاحْتَرَزَ بِالْمُبَاحِ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ فَفَضْلَتُهُمَا نَجِسَةٌ .
( وَ ) الطَّاهِرُ ( قَيْءٌ ) أَيْ طَعَامٌ خَرَجَ مِنْ فَمِ آدَمِيٍّ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى مَعِدَتِهِ ( إلَّا ) الْقَيْءَ ( الْمُتَغَيِّرَ عَنْ ) صِفَةِ ( الطَّعَامِ ) وَلَوْ لَمْ يُشْبِهْ الْعَذِرَةَ فِي وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهَا وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا خَرَجَ مِنْ الْقَيْحِ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَمَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ فَنَجِسٌ ا هـ .
فَظَاهِرُهَا أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ نَجِسٌ كَيْفَ كَانَ الْمُتَغَيِّرُ وَعَلَيْهِ حَمَلَهَا سَنَدٌ وَالْبَاجِيِّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ حَتَّى يُشْبِهَ الْعَذِرَةَ ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ التُّونُسِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ : إنْ شَابَهَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ ، أَوْ قَارَبَهَا .
فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ إنْ شَابَهَهَا تَنَجَّسَ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى حَالَةِ الطَّعَامِ فَطَاهِرٌ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ تَغَيَّرْ وَلَمْ يُشْبِهْهَا بِأَنْ اسْتَعَدَّ لِلْهَضْمِ عِنْدَ ابْنِ فَرْحُونٍ ، أَوْ ظَهَرَتْ فِيهِ حُمُوضَةٌ عِنْدَ الْبِسَاطِيِّ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورُهُ النَّجَاسَةُ وَجَعَلَ الْحَطَّابُ الْقَلَسَ بِفَتْحِ اللَّامِ كَالْقَيْءِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ مِنْ الشَّارِحِينَ وَرَدَّهُ الرَّمَاصِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِمُشَابَهَةِ الْعَذِرَةِ اتِّفَاقًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ : الْقَلَسُ مَاءٌ حَامِضٌ طَاهِرٌ ا هـ .
وَتَبِعَهُ الْعَدَوِيُّ .
( وَ ) الطَّاهِرُ ( صَفْرَاءُ ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ مَمْدُودًا وَهُوَ مَائِعٌ أَصْفَرُ مُنْعَقِدٌ يُشْبِهُ الصِّبْغَ الزَّعْفَرَانِيَّ يَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ لِعِلَّةِ الْحَيَاةِ فَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَهُوَ

طَاهِرٌ وَعِلَّةُ نَجَاسَةِ الْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ الِاسْتِحَالَةُ إلَى فَسَادٍ لَا وُصُولُهُ لَهَا ، وَإِلَّا كَانَ نَجِسًا وَلَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَا قَائِلَ بِهِ ( وَ ) الطَّاهِرُ ( بَلْغَمٌ ) وَهُوَ الْمُنْعَقِدُ كَالْمُخَاطِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّدْرِ أَوْ يَسْقُطُ مِنْ الرَّأْسِ مِنْ آدَمِيٍّ ، أَوْ غَيْرِهِ .
( وَ ) مِنْ الطَّاهِرِ ( مَرَارَةُ مُبَاحٍ ) أَوْ مَكْرُوهٍ مُذَكًّى وَمُرَادُهُ بِهَا مَائِعٌ أَصْفَرُ مُرٌّ فِي كِيسٍ مُلْزَقٍ بِزَائِدِ الْكَبِدِ لَا نَفْسُ الْكِيسِ لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ وَجُزْؤُهُ وَهُوَ غَيْرُ الصَّفْرَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَالْحَيَوَانُ حَيٌّ ، وَالْمَرَارَةُ لَا تَخْرُجُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ بِفَصْلِ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْكَبِدِ وَلِذَا أَضَافَهَا لِلْمُبَاحِ وَأَطْلَقَ الصَّفْرَاءَ ( وَ ) الطَّاهِرُ ( دَمٌ لَمْ يُسْفَحْ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الْفَاءِ آخِرَهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ لَمْ يَجْرِ عِنْدَ مُوجِبِ الْجَرَيَانِ مِنْ ذَبْحٍ وَنَحْرٍ وَجَرْحٍ وَهُوَ الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَالْمَوْجُودُ فِي الْقَلْبِ حِينَ شَقِّهِ وَالرَّاشِحُ مِنْ اللَّحْمِ حَالَ تَقْطِيعِهِ ، وَأَمَّا مَا يُوجَدُ فِي جَوْفِ الْحَيَوَانِ بَعْدَ ذَبْحِهِ ، أَوْ نَحْرِهِ ، وَالْمُتَجَمِّدُ عَلَى مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ فَهُوَ مَسْفُوحٌ نَجِسٌ انْعَكَسَ إلَى الْجَوْفِ .
( وَ ) مِنْ الطَّاهِرِ ( مِسْكٌ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الْجَوْهَرِيُّ : فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَمَفْتُوحُهَا الْجِلْدُ ، وَإِنَّهُ كَانَ أَصْلُهُ دَمًا لِاسْتِحَالَتِهِ إلَى صَلَاحٍ وَأَكْلُهُ مُبَاحٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُ الطَّعَامِ الْمُمَسَّكِ إذَا أَمَاتَهُ الطَّبْخُ وَلَوْ صَبَغَ الْفَمَ وَلَوْ أُخِذَ مِنْ مَيْتَةٍ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْضِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْمَوْتِ شِدَّةُ الِاسْتِحَالَةِ إلَى صَلَاحٍ ( وَ ) مِنْ الطَّاهِرِ ( فَأْرَتُهُ ) أَيْ الْجِلْدَةُ الَّتِي يَجْتَمِعُ الْمِسْكُ فِيهَا فِي تَعَيُّنِ هَمْزِهِ وَعَدَمِهِ خِلَافٌ وَتُسَمَّى نَافِحَةً أَيْضًا .
( وَ ) مِنْ الطَّاهِرِ ( زَرْعٌ ) سُقِيَ ( بِنَجِسٍ ) ، أَوْ نَبْتٍ مِنْ بَذْرٍ نَجِسٍ وَظَاهِرُهُ

نَجِسٌ فَيُغْسَلُ قَبْلَ أَكْلِهِ ، أَوْ حَمْلِهِ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ ( وَ ) مِنْهُ ( خَمْرٌ تَحَجَّرَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ صَارَ كَحَجَرٍ فِي الْيُبْسِ إذَا ذَهَبَ مِنْهُ الْإِسْكَارُ فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فِيهِ بِحَيْثُ إذَا بُلَّ وَشُرِبَ يُسْكِرُ فَهُوَ نَجِسٌ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَتَوَقَّفَ فِيهِ عج وعب الْبُنَانِيُّ : لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ تَوَقُّفٌ فِيهِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْمَازِرِيِّ .
( أَوْ خُلِّلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الْخَمْرُ فَالْمُتَخَلِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى بِالطَّهَارَةِ وَكَذَا مَا حُجِّرَ وَلَعَلَّ فِي الْمَتْنِ احْتِبَاكًا ، وَالْأَصْلُ تَحَجَّرَ ، أَوْ حُجِّرَ ، أَوْ تَخَلَّلَ أَوْ خُلِّلَ ، وَالْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا شَرَابًا مَثَلًا ، أَوْ عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ ، وَإِذَا طَهُرَتْ بِالتَّحَجُّرِ ، أَوْ التَّخَلُّلِ طَهُرَ إنَاؤُهَا تَبَعًا لَهَا وَلَوْ فَخَّارًا غَاصَتْ فِيهِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ فَخَّارٍ بِغَوَّاصٍ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِ الْقُدُومِ عَلَى تَخْلِيلِهَا بِالْحُرْمَةِ لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا ، وَالْكَرَاهَةِ ، وَالْإِبَاحَةِ وَيُمْنَعُ التَّدَاوِي بِهَا لَوْ مُسْتَهْلَكَةً فِي غَيْرِهَا وَسُلِبَتْ مَنَافِعُهَا بِتَحْرِيمِهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا إلَّا الضَّرَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَالنَّجَسُ مَا اُسْتُثْنِيَ ، وَمَيْتُ : غَيْرِ مَا ذُكِرَ وَلَوْ قَمْلَةً أَوْ آدَمِيًّا وَالْأَظْهَرُ طَهَارَتُهُ

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّاهِرَاتِ بَيَّنَ النَّجَاسَاتِ بِقَوْلِهِ : ( وَالنَّجَسُ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ ( مَا ) أَيْ الَّذِي ( اُسْتُثْنِيَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ ، وَالْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ النُّونِ أَيْ أُخْرِجَ مِنْ الطَّاهِرَاتِ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا بِإِلَّا ، أَوْ بِالشَّرْطِ وَذَكَرَهُ هُنَا مَعَ عِلْمِهِ مِمَّا سَبَقَ لِيَجْمَعَهُ مَعَ نَظَائِرِهِ فَلَا يَغْفُلَ عَنْهُ النَّاظِرُ فِيهَا ( وَ ) النَّجَسُ ( مَيْتُ ) حَيَوَانٍ ( غَيْرِ مَا ) أَيْ الْحَيَوَانِ الَّذِي ( ذُكِرَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَهُوَ الْبَرِّيُّ الَّذِي لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ ، وَالْبَحْرِيُّ فَغَيْرُهُمَا الْبَرِّيُّ الَّذِي لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ قَمْلَةً وَلَا آدَمِيًّا بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( قَمْلَةً ) وَأَشَارَ بِ وَلَوْ إلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ مَيْتَتُهَا طَاهِرَةٌ ؛ لِأَنَّ دَمَهَا مَنْقُولٌ وَيُعْفَى عَنْ حَمْلِ ، أَوْ قَتْلِ ثَلَاثٍ فِي الصَّلَاةِ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ ( أَوْ آدَمِيًّا ) قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ شَعْبَانَ .
( وَالْأَظْهَرُ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ خِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ ( طَهَارَتُهُ ) أَيْ مَيِّتِ الْآدَمِيِّ قَالَ فِي الْبَيَانِ : وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْ بَنِي آدَمَ طَاهِرٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ دَمٌ سَائِلٌ ا هـ .
وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عِيَاضٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي تُعَضِّدُهُ الْآثَارُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا ، أَوْ كَافِرًا لِحُرْمَةِ الْآدَمِيَّةِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ا هـ .
وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَاسْتَظْهَرَهُ قَالَ وَالظَّاهِرُ طَهَارَةُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَصَّارِ ، ا هـ .
وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَخَذَهُ عِيَاضٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ هَارُونَ : لَا يَدْخُلُ هَذَا الْخِلَافُ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ

عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيَجِبُ الِاتِّفَاقُ عَلَى طَهَارَةِ أَجْسَادِهِمْ وَقَدْ قِيلَ بِطَهَارَةِ حَدَثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ بِجَسَدِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ الْإِجْمَاعُ عَلَى طَهَارَةِ أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا سِيَّمَا جَسَدُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ ، أَوْ مَعْنًى لَا حِسًّا .

وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ وَمَيْتٍ : مِنْ قَرْنٍ وَظِلْفٍ وَعَظْمٍ وَظُفْرٍ وَعَاجٍ وَقَصَبِ رِيشٍ وَجِلْدٍ وَلَوْ دُبِغَ وَرُخِّصَ فِيهِ مُطْلَقًا إلَّا مِنْ خِنْزِيرٍ بَعْدَ دَبْغِهِ فِي يَابِسٍ وَمَاءٍ ، .

( وَ ) النَّجَسُ ( مَا ) أَيْ الْجُزْءُ الَّذِي ( أُبِينَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَصْلُهُ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ فَنُقِلَ كَسْرُهَا لِلْمُوَحَّدَةِ أَيْ فُصِلَ ( مِنْ ) حَيَوَانٍ نَجِسِ الْمَيْتَةِ ( حَيٍّ ، أَوْ مَيْتٍ ) وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَعَلَّقَ بِيَسِيرِ جِلْدٍ بِحَيْثُ لَا يَنْجَبِرُ فَالْمُنْفَصِلُ مِنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ أَوْ مَيْتٍ طَاهِرٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمِنْهُ مَا نُحِتَ بِحَجَرٍ مِنْ رِجْلِهِ وَبَيَّنَ مَا بِقَوْلِهِ ( مِنْ قَرْنٍ وَعَظْمٍ وَظِلْفٍ ) بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِبَقَرَةٍ وَشَاةٍ كَحَافِرِ الْفَرَسِ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْحَافِرَ ( وَظُفْرِ ) الْبَعِيرِ وَنَعَامٍ ، وَإِوَزٍّ وَدَجَاجٍ وَسَائِرِ الطَّيْرِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَصَلَّبَ عَلَى رَأْسِ الْأُصْبُعِ .
( وَعَاجٍ ) أَيْ سِنِّ فِيلٍ ( وَقَصَبِ رِيشٍ ) وَلَوْ أَعْلَاهَا الَّذِي لَا يَتَأَلَّمُ الْحَيَوَانُ بِقَصِّهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا ( وَجِلْدٍ ) إنْ لَمْ يُدْبَغْ بَلْ ( وَلَوْ دُبِغَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَلَا يَطْهُرُ وَحَدِيثُ { أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ } مَحْمُولٌ فِي الْمَشْهُورِ عَلَى الطَّهَارَةِ اللُّغَوِيَّةِ أَيْ النَّظَافَةِ ( وَرُخِّصَ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مُشَدَّدَةً أَيْ أُجِيزَ وَأُذِنَ مِنْ الشَّارِعِ ( فِيهِ ) أَيْ اسْتِعْمَالِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ تَرْخِيصًا ( مُطْلَقًا ) عَلَى التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ مِنْ مُبَاحٍ أَوْ مَكْرُوهٍ .
( إلَّا ) جِلْدًا مَدْبُوغًا ( مِنْ خِنْزِيرٍ ) فَلَمْ يُرَخَّصْ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَذَكَرَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ كَغَيْرِهِ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ دَبْغِهِ وَكَذَا جِلْدُ الْآدَمِيِّ إجْمَاعًا لِشَرَفِهِ وَوُجُوبِ دَفْنِهِ وَلَوْ كَافِرًا وَصِلَةُ " اسْتِعْمَالِ " الْمُقَدَّرِ ( بَعْدَ دَبْغِهِ ) أَيْ الْجِلْدِ بِمَا يُزِيلُ رَائِحَتَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَيَحْفَظُهُ مِنْ التَّغَيُّرِ وَلَوْ نَجِسًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ وَلَا الْإِسْلَامُ فَيُرَخَّصُ فِيمَا دَبَغَهُ كَافِرٌ وَفِيمَا دُبِغَ بِسُقُوطِهِ فِي دَابِغٍ

بِلَا قَصْدٍ ، وَصِلَةُ " اسْتِعْمَالِ " الْمُقَدَّرِ أَيْضًا ( فِي يَابِسٍ ) كَحَبٍّ وَدَقِيقٍ وَفُرُشٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَلُبْسٍ فِي غَيْرِهِ وَغَيْرِ صَلَاةٍ ( وَ ) فِي ( مَاءٍ ) طَهُورٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ إلَّا مَا يُغَيِّرُ لَوْنَهُ ، أَوْ طَعْمَهُ ، أَوْ رِيحَهُ فَلَا يُرَخَّصُ فِي اسْتِعْمَالِهِ قَبْلَ دَبْغِهِ وَلَا بَعْدَهُ فِي مَائِعٍ غَيْرِ طَهُورٍ كَزَيْتٍ وَعَسَلٍ وَمَاءِ وَرْدٍ ، وَالْفَرْوُ الَّذِي يُلْبَسُ فِي الشِّتَاءِ إنْ كَانَ مِنْ مَصِيدِ كَافِرٍ ، أَوْ مَذْبُوحٍ مَجُوسِيٍّ يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِذَهَابِهِ إلَى طَهَارَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بِالدَّبْغِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ زَوَالَ الشَّعَرِ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ وَاشْتَرَطَهُ الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .

وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْعَاجِ .
( وَفِيهَا ) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ ( كَرَاهَةُ ) لُبْسِ ( الْعَاجِ ) فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوَهَا مِنْ فِيلٍ غَيْرِ مُذَكًّى وَنِصْفِهَا وَأَكْرَهُ الْأَدْيَانِ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ ، وَالْمَشْطِ بِهَا وَالتِّجَارَةِ فِيهَا ابْنُ نَاجِي زَادَ فِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ ا هـ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهَا قَبْلَهُ وَكُرِهَ أَخْذُ الْعَظْمِ وَالسِّنِّ ، وَالْقَرْنِ وَالظِّلْفِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَرَآهُ مَيْتَةً ابْنُ نَاجِي : الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ وَرَآهُ مَيْتَةً وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَرَاهَتَيْنِ لِتَعْلِيلِهِ كُلًّا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ حَمَلَهَا فِيهِمَا عَلَى بَابِهَا وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ وَرَبِيعَةَ وَابْنَ شِهَابٍ أَجَازُوا أَنْ يُتَمَشَّطَ بِأَمْشَاطِهِ وَذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ إلَى أَنَّ عِظَامَ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ ، وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَطَّابُ وَالرَّمَاصِيُّ وَالْبَنَّانِيُّ .

وَالتَّوَقُّفُ فِي الْكِيمَخْتِ
( وَ ) فِيهَا ( التَّوَقُّفُ ) بِفَتْحِ التَّاءِ ، وَالْوَاوِ وَضَمِّ الْقَافِ مُثَقَّلًا مِنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ( فِي ) الْجَوَابِ عَنْ حُكْمِ ( الْكِيمَخْتِ ) بِفَتْحِ الْكَافِ ، وَالْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ ، وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ جِلْدِ الْحِمَارِ ، أَوْ الْبَغْلِ ، أَوْ الْفَرَسِ الْمَدْبُوغِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ مَذْهَبِهِ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ وَوُجُوبَ تَرْكِهِ فِي الصَّلَاةِ ، وَالْمَسْجِدِ كَسَائِرِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ ، وَعَمَلُ السَّلَفِ يَقْتَضِي طَهَارَتَهُ وَجَوَازَ مُلَابَسَتِهِ فِيهِمَا ، وَنَصُّهَا : وَلَا يُصَلَّى عَلَى جِلْدِ حِمَارٍ وَإِنْ ذُكِّيَ وَتَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الْكِيمَخْتِ وَرَأَيْت تَرْكَهُ أَحَبَّ إلَيَّ ، قَالَ الْعَدَوِيُّ : الْأَرْجَحُ أَنَّ التَّوَقُّفَ لَا يُعَدُّ قَوْلًا ، وَالْمَشْهُورُ كَرَاهَتُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقِيلَ فِي خُصُوصِ السُّيُوفِ .

وَمَنِيٌّ وَمَذْيٌ ، وَوَدْيٌ ، وَقَيْحٌ ، وَصَدِيدٌ ، وَرُطُوبَةُ فَرْجٍ ، وَدَمٌ مَسْفُوحٌ ، وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَذُبَابٍ ، وَسَوْدَاءُ ؛ وَرَمَادُ نَجِسٍ وَدُخَانُهُ
( وَ ) النَّجَسُ ( مَنِيٌّ وَمَذْيٌ وَوَدْيٌ ) وَلَوْ مِنْ مُبَاحٍ وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا الدَّمَ الْمَعْفُوَّ عَنْ يَسِيرِهِ وَهِيَ بِوَزْنِ ظَبْيٍ أَوْ صَبِيٍّ ( وَقَيْحٌ ) بِفَتْحِ الْقَافِ مِدَّةٌ غَلِيظَةٌ يُخَالِطُهَا دَمٌ ( وَصَدِيدٌ ) مَاءٌ رَقِيقٌ مُخْتَلِطٌ بِدَمٍ خَارِجٍ مِنْ جُرْحٍ وَقِيلَ يَشْمَلُ الْغَلِيظَ وَكَذَا يَسِيلُ مِنْ الْبَثَرَاتِ ، وَالْحَصْبَةِ ، وَالْجُدَرِيِّ وَكَشْطِ الْجِلْدِ ، وَالْحَرَارَةِ .
( وَرُطُوبَةُ فَرْجٍ ) مِنْ غَيْرِ مُبَاحٍ وَمِنْهُ طَاهِرَةُ مَا لَمْ يَتَغَذَّ بِنَجَسٍ وَمَا لَمْ يَحِضْ قُرْبَ حَيْضٍ ( وَدَمٌ مَسْفُوحٌ ) أَيْ جَارٍ بِذَكَاةٍ ، أَوْ فَصْدٍ ، أَوْ جَرْحٍ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ سَمَكٍ وَذُبَابٍ بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( مِنْ سَمَكٍ وَذُبَابٍ ) وَبُرْغُوثٍ وَبَقٍّ وَنَامُوسٍ وَقُرَادٍ وَحَلَمٍ وَأَشَارَ بِ وَلَوْ إلَى قَوْلِ الْقَابِسِيّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِطَهَارَتِهِ مِنْهَا ( وَسَوْدَاءُ ) بِفَتْحِ السِّينِ مَمْدُودًا مَائِعٌ أَسْوَدُ ، أَوْ كَدَرٌ أَحْمَرُ خَفِيفُ الْحُمْرَةِ .
( وَرَمَادُ ) مَحْرُوقٍ ( نَجِسٍ ) كَرَوْثِ مُحَرَّمٍ وَمَكْرُوهٍ وَعَظْمِ مَيْتَةٍ وَحَطَبِ مُتَنَجِّسٍ ( وَدُخَانُهُ ) أَيْ النَّجِسِ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَنُسِبَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ يُونُسَ وَابْنِ حَبِيبٍ وَاللَّخْمِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَشُهِّرَ ، وَكَلَامُ الْحَطَّابِ أَوَّلًا وَآخِرًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَبْلَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ مَرْزُوقٍ وعج طَهَارَتَهُمَا وَقَوَّاهُ الْحَطَّابُ فِي وَسَطِ كَلَامِهِ .

وَبَوْلٌ ، وَعَذِرَةٌ مِنْ آدَمِيٍّ وَمُحَرَّمٍ وَمَكْرُوهٍ
( وَبَوْلٌ وَعَذِرَةٌ مِنْ آدَمِيٍّ وَمُحَرَّمٍ ) كَبَغْلٍ ( وَمَكْرُوهٍ ) كَسَبُعٍ وَهِرٍّ وَلَا فَرْقَ فِي الْآدَمِيِّ بَيْنَ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ ، وَالْكَبِيرِ ، وَلَا بَيْنَ الذَّكَرِ ، وَالْأُنْثَى ، وَلَا بَيْنَ قَلِيلِ الْبَوْلِ وَكَثِيرِهِ وَلَا بَيْنَ الْمُتَغَيِّرِ وَالنَّازِلِ بِصِفَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِمَرَضٍ إلَّا الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَفَضْلَتُهُمْ طَاهِرَةٌ وَلَوْ قَبْلَ بِعْثَتِهِمْ لِاصْطِفَائِهِمْ قَبْلَهَا وَاسْتِنْجَاؤُهُمْ كَانَ لِلتَّنْظِيفِ وَالتَّشْرِيعِ .

وَيَنْجُسُ كَثِيرُ طَعَامٍ مَائِعٍ بِنَجِسٍ قَلَّ .
كَجَامِدٍ ، إنْ أَمْكَنَ السَّرَيَانُ وَإِلَّا فَبِحَسَبِهِ .

وَبَيَّنَ حُكْمَ حُلُولِ النَّجَاسَةِ بِطَعَامٍ بِقَوْلِهِ ( وَيَنْجُسُ ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْجِيمِ أَيْ يَتَنَجَّسُ .
( كَثِيرُ ) وَأَوْلَى " قَلِيلُ " ( طَعَامٍ ) الْأَصْلُ طَعَامٌ كَثِيرٌ فَقَدَّمَ الصِّفَةَ وَأَضَافَهَا لِمَوْصُوفِهَا ( مَائِعٍ ) يَتَرَادُّ مِنْ بَاقِيهِ مَا يَخْلُفُ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ سُرْعَةً كَخَلٍّ وَزَيْتٍ وَقْتَ حُلُولِ النَّجَاسَةِ وَلَوْ جَمَدَ بَعْدَهُ خُلِطَ ( بِنَجِسٍ ) كَبَوْلٍ وَمَاءٍ مُتَنَجِّسٍ وَلَحْمٍ وَعَظْمِ مَيْتَةٍ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ يَقِينًا ، أَوْ ظَنًّا لَا شَكًّا فِي الِاخْتِلَاطِ ، أَوْ التَّحَلُّلِ ؛ إذْ لَا يُطْرَحُ الطَّعَامُ بِهِ لِشَرَفِهِ .
فَأَوْلَى إنْ عُلِمَ ، أَوْ ظُنَّ عَدَمُهُ كَعَاجٍ وَعَظْمٍ قَدِيمٍ لَا دَسَمَ فِيهِ وَلَا رُطُوبَةَ وَلَا سِيَّمَا إنْ صُنِعَ نَحْوَ سُبْحَةٍ وَمُشْطٍ وَنَعَتَ " نَجِسٍ " بِجُمْلَةِ ( قَلَّ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا وَأَوْلَى الْكَثِيرُ وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ ، أَوْ عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَرَوْثِ فَأْرٍ يَصِلُ لِلنَّجَاسَةِ .
وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ بِاغْتِفَارِهِ وَمِثْلُ الطَّعَامِ الْمَائِعِ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِطَاهِرٍ يُفَارِقُهُ غَالِبًا فَإِنْ اخْتَلَطَ الْمُطْلَقُ بِنَجِسٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ ، ثُمَّ اخْتَلَطَ بِطَاهِرٍ مُفَارِقٍ غَالِبًا فَتَغَيَّرَ فَطَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَشَبَّهَ الطَّعَامَ الْجَامِدَ بِالطَّعَامِ الْمَائِعِ فِي التَّنَجُّسِ فَقَالَ ( كَ ) طَعَامٍ ( جَامِدٍ ) لَا يَتَرَادُّ مِنْهُ مَا يَخْلُفُ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ بِسُرْعَةٍ كَثَرِيدٍ وَجُبْنٍ وَحَبٍّ وَدَقِيقٍ وَعَجِينٍ فَيَنْجُسُ بِالنَّجِسِ الْقَلِيلِ ( إنْ أَمْكَنَ السَّرَيَانُ ) لِلنَّجِسِ فِي جَمِيعِهِ يَقِينًا ، أَوْ ظَنًّا لَا شَكًّا بِكَوْنِ النَّجِسِ مَائِعًا وَالطَّعَامِ مُتَحَلِّلًا أَوْ بِطُولِ زَمَنِ مُكْثِهِ فِيهِ فَقَدْ أَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي هُرْيِ زَيْتُونٍ وُجِدَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ بِأَنَّهُ كُلَّهُ نَجِسٌ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ لِطُولِ زَمَنِ حُلُولِهَا فِيهِ حَتَّى ظُنَّ سَرَيَانُهَا فِي جَمِيعِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَرَيَانُهَا فِي جَمِيعِهِ ( فَ ) يَنْجُسُ

مِنْهُ ( بِحَسَبِهِ ) أَيْ السَّرَيَانِ الْمُحَقَّقِ ، أَوْ الْمَظْنُونِ وَالْبَاقِي طَاهِرٌ يُبَاحُ أَكْلُهُ وَبَيْعُهُ بَعْدَ الْبَيَانِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَكْرَهُهُ .

وَلَا يَطْهُرُ زَيْتٌ خُولِطَ ، وَلَحْمٌ طُبِخَ ، وَزَيْتُونٌ مُلِحَ وَبَيْضٌ صُلِقَ بِنَجِسٍ ، وَفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ
وَلَا يَطْهُرُ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ ( زَيْتٌ ) وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَدْهَانِ ( خُولِطَ ) بِنَجَسٍ ( وَ ) لَا ( لَحْمٌ ) وَنَحْوُهُ ( طُبِخَ ) بِنَجِسٍ مِنْ مَاءٍ ، أَوْ مِلْحٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، أَوْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ حَالَ طَبْخِهِ قَبْلَ اسْتِوَائِهِ لِشُرْبِهِ مِنْهَا وَغَوْصِهَا فِيهِ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ بَعْدَ نُضْجِهِ تَنَجَّسَ ظَاهِرُهُ فَقَطْ فَيُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ .
( وَ ) لَا زَيْتُونٌ وَنَحْوُهُ ( مُلِحَ ) بِتَخْفِيفِ اللَّامِ بِنَجِسٍ مِنْ مِلْحٍ ، أَوْ مَاءٍ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ بَعْدَ طِيبِهِ فِي الْمِلْحِ تَنَجَّسَ ظَاهِرُهُ فَقَطْ ( وَلَا بَيْضٌ ) لِحَمَامٍ ، أَوْ دَجَاجٍ ، أَوْ إوَزٍّ ، أَوْ نَعَامٍ أَوْ غَيْرِهَا ( صُلِقَ بِ ) مَاءٍ ( نَجِسٍ ) ، أَوْ وُجِدَتْ فِيهِ بَيْضَةٌ مَذِرَةٌ إنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ الْمَصْلُوقُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ بِهَا وَشَرِبَ مِنْهُ غَيْرُهَا .
( وَلَا ) يَطْهُرُ ( فَخَّارٌ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَشَدِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ إنَاءُ الطِّينِ الْمُحْرَقِ غَيْرُ الْمَدْهُونِ ، أَوْ الْمَدْهُونُ بِمَا لَا يَمْنَعُ الْغَوْصَ كَفَخَّارِ مِصْرَ الْمَدْهُونِ الْمُسَمَّى بِالْعَجَمِيِّ الْمُعَدِّ لِلِّينِ ، وَالْفُولِ وَنَحْوِهِمَا تَنَجَّسَ ( بِ ) نَجِسٍ ( غَوَّاصٍ ) أَيْ مَائِعٍ يَغُوصُ وَيَنْفُذُ فِي الْفَخَّارِ كَدَمٍ وَبَوْلٍ وَمُسْكِرٍ وَمَاءٍ مُتَنَجِّسٍ فَهِيَ صِيغَةُ نَسَبٍ لَا مُبَالَغَةٍ فَإِنْ تَنَجَّسَ بِجَامِدٍ قَبِلَ التَّطْهِيرَ ، وَأَمَّا النُّحَاسُ ، وَالْحَدِيدُ وَالرَّصَاصُ وَالزُّجَاجُ وَالصِّينِيُّ ، وَالْمُزَفَّتُ فَتَقْبَلُ التَّطْهِيرَ وَكَذَا الْفَخَّارُ الْمُوَدَّكُ الْعَتِيقُ الَّذِي لَا يَشْرَبُ وَكَذَا الْحَدِيدُ ، أَوْ النُّحَاسُ الْمَحْمِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْرَبُ وَمَا يُشَاهَدُ فِيهِ مِنْ الْغَلَيَانِ وَنَقْصِ الْمَاءِ فَمِنْ تَدَافُعِ حَرَارَةِ النَّارِ ، وَالْمَاءِ ، وَدَلِيلُ عَدَمِ شُرْبِهِ عَدَمُ زِيَادَةِ وَزْنِهِ .

وَيُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ لَا نَجِسٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَآدَمِيٍّ

( وَيُنْتَفَعُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ ضَمِيرِ الْمُكَلَّفِ ، أَوْ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ ( بِمُتَنَجِّسٍ ) أَيْ مَا عَرَضَتْ لَهُ النَّجَاسَةُ مِنْ طَعَامٍ كَزَيْتٍ وَعَسَلٍ وَلَبَنٍ وَسَمْنٍ وَشَرَابٍ كَمَاءٍ وَمَاءِ وَرْدٍ وَلِبَاسٍ كَثَوْبٍ ( لَا ) يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ ( بِنَجِسٍ ) كَبَوْلٍ وَدَمٍ وَمُسْكِرٍ إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ الْمَدْبُوغِ فِي يَابِسٍ وَمَاءٍ ، أَوْ مَيْتَةٍ تُلْقَى لِكِلَابِ صَيْدٍ ، أَوْ حِرَاسَةٍ ، أَوْ شَحْمَ مَيْتَةٍ لِدَهْنِ نَحْوِ عَجَلَةٍ وَطِلَاءِ سَفِينَةٍ وَشَمْعٍ ، أَوْ عَظْمَ مَيْتَةٍ لِحَرْقِ طُوبٍ ، أَوْ جِيرٍ ، أَوْ جِبْسٍ ، أَوْ مَا دَعَتْ ضَرُورَةٌ لَهُ كَإِسَاغَةِ غُصَّةٍ بِنَحْوِ خَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وَمَيْتَةٍ لِمُضْطَرٍّ وَعَذِرَةٍ بِمَاءٍ لِسَقْيِ زَرْعٍ وَرَوْثِ خَيْلٍ بِهِ لِتَسْلِيكِ قَنَاتِهِ وَصِلَةُ " يُنْتَفَعُ " ( فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ ) فَيَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِالْمُتَنَجِّسِ فِيهِ فَلَا يُفْرَشُ بِفِرَاشٍ مُتَنَجِّسٍ وَلَا يُوقَدُ فِيهِ بِزَيْتٍ مُتَنَجِّسٍ وَلَا يُبْنَى بِمُتَنَجِّسٍ ، وَإِنْ بُنِيَ بِهِ لَيْسَ بِطَاهِرٍ وَلَا يُهْدَمُ لِإِضَاعَةِ الْمَالِ ، وَإِنْ كُتِبَ مُصْحَفٌ بِمِدَادٍ مُتَنَجِّسٍ مُحِيَ بِمَاءٍ طَهُورٍ أَوْ أُحْرِقَ فَإِنْ زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَبَقِيَ حُكْمُهَا بِثَوْبٍ ، أَوْ مِنْدِيلٍ ، أَوْ نَعْلٍ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَإِنْ بَقِيَتْ عَيْنُهَا بِالنَّعْلِ وَسُتِرَ بِطَاهِرٍ يَمْنَعُ مِنْ سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهُ فِيهِ جَازَ إدْخَالُهُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ ، وَإِلَّا مُنِعَ وَيُمْنَعُ الْبَصْقُ ، وَالْمَخْطُ وَالتَّنَخُّمُ فِي النَّعْلِ الْمُتَنَجِّسِ غَيْرِ الْمَسْتُورِ لِتَأْدِيَتِهِ لِلْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ لِتَنَجُّسِ الْمَذْكُورَاتِ بِمُجَرَّدِ حُلُولِهَا فِيهِ وَتَنْجِيسِ الْمَسْجِدِ بِسَيَلَانِهَا فِيهِ وَقَدْ اعْتَادَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ .
( وَ ) فِي غَيْرِ أَكْلِ وَشُرْبِ ( آدَمِيٍّ ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ وَشُرْبُ الْمُتَنَجِّسِ لِتَنْجِيسِهِ جَوْفَهُ وَعَجْزِهِ عَنْ تَطْهِيرِهِ وَيُكْرَهُ دَهْنُ ظَاهِرِ جَسَدِهِ بِنَجِسٍ

غَيْرِ الْخَمْرِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُهُ بِهِ لِلصَّلَاةِ ، وَإِلَّا مُنِعَ كَدَهْنِهِ بِالْخَمْرِ لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا وَمِنْ صُوَرِ الِانْتِفَاعِ بِالْمُتَنَجِّسِ فِي غَيْرِهِمَا الِاسْتِصْبَاحُ وَعَمَلُ الصَّابُونِ وَدَهْنُ الْحِبَالِ ، وَالْعَجَلِ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ ، وَإِطْعَامُهَا .

وَلَا يُصَلَّى بِلِبَاسِ كَافِرٍ ، بِخِلَافِ نَسْجِهِ ، وَلَا بِمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ وَلَا بِثِيَابِ غَيْرِ مُصَلٍّ إلَّا كَرَأْسِهِ ، وَلَا بِمُحَاذِي فَرْجِ غَيْرِ عَالِمٍ .

( وَلَا يُصَلَّى ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا أَيْ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فَرْضًا كَانَتْ ، أَوْ نَفْلًا ( بِلِبَاسِ ) أَيْ مَلْبُوسِ شَخْصٍ ( كَافِرٍ ) ذَكَرٍ ، أَوْ أُنْثَى كِتَابِيٍّ ، أَوْ مَجُوسِيٍّ بَاشَرَ جِلْدَهُ أَوْ لَا كَانَ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ تَلْحَقَهُ النَّجَاسَةُ ، أَوْ لَا كَقَلَنْسُوَتِهِ وَعِمَامَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ نَجَاسَتُهُ فَحُمِلَ عَلَيْهَا عِنْدَ الشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ فَإِنْ عُلِمَتْ أَوْ ظُنَّتْ طَهَارَتُهُ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ .
( بِخِلَافِ نَسْجِهِ ) أَيْ مَنْسُوجِ الْكَافِرِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ لِعَدَمِ غَلَبَةِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ لِتَوَقِّيهِ فِيهِ مِنْهَا خَوْفًا مِنْ كَسَادِهِ عَلَيْهِ بِامْتِنَاعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شِرَائِهِ مِنْهُ وَكَذَا سَائِرُ مَصْنُوعَاتِهِ وَلَوْ فِي خَلْوَتِهِ لِنَفْسِهِ ( وَ ) لَا يُصَلَّى ( بِمَا ) أَيْ شَيْءٍ ( يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ ) أَيْ غَيْرُ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ لِغَلَبَةِ نَجَاسَتِهِ بِبَوْلٍ ، أَوْ مَذْيٍ ، أَوْ حَيْضٍ إنْ شُكَّ فِي طَهَارَتِهِ فَإِنْ تُيُقِّنَتْ ، أَوْ ظُنَّتْ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ وَاَلَّذِي يَنَامُ فِيهِ أَدْرَى بِحَالِهِ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ .
( وَلَا ) يُصَلَّى ( بِثِيَابِ غَيْرِ مُصَلٍّ ) رَجُلًا كَانَ ، أَوْ امْرَأَةً بَالِغًا ، أَوْ صَبِيًّا لِغَلَبَةِ نَجَاسَتِهَا ؛ إذْ شَأْنُ مَنْ لَا يُصَلِّي عَدَمُ تَوَقِّيهَا وَاسْتَثْنَى مِمَّا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ وَمِنْ ثِيَابِ غَيْرِ الْمُصَلِّي فَقَالَ ( إلَّا ) ثِيَابَ ( كَرَأْسِهِ ) وَمَا فَوْقَ سُرَّتِهِ مِنْ قَلَنْسُوَةٍ وَعِمَامَةٍ وَسَدِيرِيٍّ وَقَمِيصٍ لِلسُّرَّةِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهَا لِعَدَمِ غَلَبَةِ نَجَاسَتِهَا ( وَ ) لَا يُصَلَّى ( بِ ) ثَوْبٍ ( مُحَاذِي ) أَيْ مُقَابِلِ ( فَرْجٍ ) أَيْ قُبُلِ ، أَوْ دُبُرِ شَخْصٍ ( غَيْرِ عَالِمٍ ) بِأَحْكَامِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ بِلَا حَائِلٍ مَانِعٍ مِنْ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ كَسَرَاوِيلَ ، وَإِزَارٍ وَقَمِيصٍ لِغَلَبَةِ نَجَاسَتِهِ فَإِنْ عُلِمَتْ ، أَوْ ظُنَّتْ طَهَارَتُهُ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ ، وَمَفْهُومُ غَيْرِ عَالِمٍ جَوَازُهَا بِمُحَاذِي فَرْجِ الْعَالِمِ بِلَا حَائِلٍ لِعَدَمِ غَلَبَتِهَا فِيهِ

وَكَذَا مُحَاذِي فَرْجِ غَيْرِ الْعَالِمِ وَمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ بِحَائِلٍ مَانِعٍ مِنْ وُصُولِهَا إلَيْهِ لِذَلِكَ .

وَحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى ، وَلَوْ مِنْطَقَةً ، وَآلَةَ حَرْبٍ .
إلَّا الْمُصْحَفَ ، وَالسَّيْفَ ، وَالْأَنْفَ .

وَلَمَّا شَابَهَ الْمُحَلَّى النَّجِسَ فِي حُرْمَةِ الِاسْتِعْمَالِ ذَكَرَهُ هُنَا فَقَالَ : ( وَحَرُمَ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ ( اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ ) بَالِغٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ ، وَمَفْعُولُهُ قَوْلُهُ " شَيْئًا " ( مُحَلًّى ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً أَيْ مُزَيَّنًا بِذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ بِنَسْجٍ أَوْ طَرْزٍ ، أَوْ خِيَاطَةٍ ، وَأَمَّا الذَّكَرُ الصَّغِيرُ فَيُكْرَهُ لِوَلِيِّهِ إلْبَاسُهُ الذَّهَبَ ، وَالْحَرِيرَ وَيَجُوزُ إلْبَاسُهُ الْفِضَّةَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَالْحِلْيَةُ كَأَسْوِرَةٍ وَخَلْخَالٍ أَوْلَى بِالْحُرْمَةِ مِنْ الْمُحَلَّى وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْحِلْيَةِ ، وَالْمُحَلَّى لِعَاقِبَةٍ ، أَوْ زَوْجَةٍ مَثَلًا وَالتِّجَارَةُ فِيهِمَا وَبَالَغَ عَلَى حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ الذَّكَرِ الْبَالِغِ الْمُحَلَّى فَقَالَ : ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُحَلَّى بِالنَّقْدِ ( مِنْطَقَةً ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ حِزَامًا وَأَشَارَ بِ وَلَوْ إلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ لَا بَأْسَ بِهَا مُفَضَّضَةً .
( وَ ) لَوْ ( آلَةَ حَرْبٍ ) كَبُنْدُقِيَّةٍ وَقَرْبِيلَةٍ وَغَدْرِيَّةٍ وَسِكِّينٍ ( إلَّا الْمُصْحَفَ ) مُثَلَّثُ الْمِيمِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِذَكَرٍ بَالِغٍ وَهُوَ مُحَلًّى بِذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ عَلَى جِلْدِهِ وَتُكْرَهُ كِتَابَتُهُ كُلِّهِ ، أَوْ بَعْضِهِ بِذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْكُتُبِ دَاخِلٌ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ .
( وَ ) إلَّا ( السَّيْفَ ) فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مُحَلًّى بِأَحَدِهِمَا ، أَوْ بِهِمَا فِي قَبْضَتِهِ أَوْ جَفِيرِهِ إنْ كَانَ لِلْجِهَادِ وَكَانَ لِرَجُلٍ ( وَ ) إلَّا ( الْأَنْفَ ) السَّاقِطَ فَيَجُوزُ تَعْوِيضُهُ بِأَنْفٍ مِنْ ذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ وَبَعْضُهُمْ خَصَّ الذَّهَبَ لِخَاصِّيَّةِ مَنْعِ نَتْنِهِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ { أَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ سَعْدٍ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ بِضَمِّ الْكَافِ وَخِفَّةِ اللَّامِ اسْمُ مَاءٍ كَانَتْ الْوَاقِعَةُ عِنْدَهُ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَهُ مِنْ ذَهَبٍ

فَاِتَّخَذَهُ مِنْ ذَهَبٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .

وَرَبْطَ سِنٍّ مُطْلَقًا ، وَخَاتَمَ الْفِضَّةِ لَا مَا بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَلَوْ قَلَّ
( وَ ) إلَّا ( رَبْطَ سِنٍّ ) تَخَلْخَلَ ، أَوْ سَقَطَ بِخَيْطِ ذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ ، أَوْ بِوَزْنٍ مَخْصُوصٍ ، رَاجِعٌ لِلْمُصْحَفِ وَمَا بَعْدَهُ ( وَ ) إلَّا ( خَاتَمَ الْفِضَّةِ ) فَيَجُوزُ لُبْسُهُ لِلذَّكَرِ الْبَالِغِ إنْ قَصَدَ بِهِ الِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ وَاحِدًا وَوَزْنُهُ دِرْهَمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ ، أَوْ أَقَلَّ ، وَإِلَّا حَرُمَ ، وَإِنْ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ نُدِبَ كَلُبْسِهِ بِالْيُسْرَى وَجَعْلِ فَصِّهِ لِلْكَفِّ ( لَا ) يَجُوزُ لِلذَّكَرِ الْبَالِغِ ( مَا ) أَيْ خَاتَمٌ ( بَعْضُهُ ) وَأَوْلَى " كُلُّهُ " ( ذَهَبٌ وَلَوْ قَلَّ ) الذَّهَبُ عَنْ الْفِضَّةِ وَأَشَارَ بِ وَلَوْ إلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ مَا قَلَّ ذَهَبُهُ بِأَنْ كَانَ ثُلُثَهُ فَأَقَلَّ وَاعْتَمَدَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَرَاهَتَهُ حِينَئِذٍ .

وَإِنَاءُ نَقْدٍ .
وَاقْتِنَاؤُهُ وَإِنْ لِامْرَأَةٍ .
( وَ ) حَرُمَ اسْتِعْمَالُ ( إنَاءِ نَقْدٍ ) أَيْ ذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ لِأَكْلٍ ، أَوْ شُرْبٍ ، أَوْ غَسْلٍ ، أَوْ تَبْخِيرٍ أَوْ رَشٍّ ( وَ ) حَرُمَ ( اقْتِنَاؤُهُ ) أَيْ تَمَلُّكُ إنَاءِ نَقْدٍ وَلَوْ لِغَيْرِ اسْتِعْمَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لَهُ إلَّا لِتَدَاوٍ وَفِدَاءِ أَسِيرٍ وَكَسْرٍ ( وَإِنْ ) كَانَ الِاقْتِنَاءُ ( لِامْرَأَةٍ ) أَيْ مِنْهَا ؛ إذْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ أَيْضًا .

وَفِي الْمُغَشَّى
( وَفِي ) حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ وَاقْتِنَاءِ إنَاءِ النَّقْدِ ( الْمُغَشَّى ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَيْنِ مُثَقَّلًا أَيْ الْمُلَبَّسِ مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ بِنَحْوِ رَصَاصٍ نَظَرًا لِبَاطِنِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَجَوَازِهِمَا نَظَرًا لِظَاهِرِهِ .

وَالْمُمَوَّهِ
( وَ ) فِي حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ وَاقْتِنَاءِ إنَاءِ النُّحَاسِ وَنَحْوَهُ ( الْمُمَوَّهِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَالْوَاوِ مُثَقَّلًا أَيْ الْمَطْلِيِّ بِذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ نَظَرًا لِظَاهِرِهِ وَجَوَازِهِمَا نَظَرًا لِبَاطِنِهِ .

وَالْمُضَبَّبِ
( وَ ) فِي حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ وَاقْتِنَاءِ إنَاءِ الْفَخَّارِ أَوْ الْخَشَبِ الْمَكْسُورِ ( الْمُضَبَّبِ ) أَيْ الْمَجْعُولِ لَهُ ضَبَّةٌ أَيْ قِطْعَةُ ذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ عَلَى مَحَلِّ كَسْرِهِ لِإِصْلَاحِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَجَوَازِهِمَا .

وَذِي الْحَلْقَةِ
( وَ ) فِي حُرْمَةِ اقْتِنَاءِ وَاسْتِعْمَالِ إنَاءِ النُّحَاسِ أَوْ الْخَشَبِ ( ذِي ) أَيْ صَاحِبِ ( الْحَلْقَةِ ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَكَذَا اللَّوْحُ ، وَالْمِرْآةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَجَوَازِهِمَا .

وَإِنَاءِ الْجَوْهَرِ قَوْلَانِ .
( وَ ) فِي حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ وَاقْتِنَاءِ إنَاءِ ( الْجَوْهَرِ ) النَّفِيسِ كَزُمُرُّدٍ وَيَاقُوتٍ وَجَوَازِهِمَا وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلَانِ ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى رَاجِحِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ .

وَجَازَ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ مُطْلَقًا وَلَوْ نَعْلًا : كَسَرِيرٍ
( وَجَازَ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ ) أَيْ لُبْسُهُ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَالْحَرِيرِ وَعَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ مَلْبُوسَ رَأْسٍ ، أَوْ غَيْرِهِ .
( وَلَوْ ) كَانَ الْمَلْبُوسُ ( نَعْلًا ) مِنْ ذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ وَأَشَارَ بِ وَ لَوْ إلَى قَوْلٍ فِي الْمُذْهَبِ بِمَنْعِهِ عَلَى قَاعِدَتِهِ الْبُرْزُلِيُّ ، وَأَمَّا جَعْلُ الْقَبْقَابِ مِنْ فِضَّةٍ فَفِيهِ خِلَافٌ هَلْ هُوَ مِنْ اللِّبَاسِ ، أَوْ الْأَوَانِي ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْفِرَاشِ ، وَفِي الزَّاهِيِّ وَالنَّعْلُ لَيْسَ مِنْ الْحُلِيِّ وَقِيلَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ مِنْ الذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ غَيْرُ الْمَلْبُوسِ ( كَسَرِيرٍ ) وَمُكْحُلَةٍ وَمُشْطٍ وَمِرْآةٍ وَمُدْيَةٍ وَآلَةِ حَرْبٍ وَلَوْ سَيْفًا وَآلَةِ رُكُوبٍ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) هَلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ ثَوْبِ مُصَلٍّ : وَلَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ : لَا طَرَفَ حَصِيرِهِ .
سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ ؟ خِلَافٌ .

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى وَسِيلَةِ الطَّهَارَةِ وَمَا نَاسَبَهَا شَرَعَ فِي مَقَاصِدِهَا وَبَدَأَ مِنْهَا بِطَهَارَةِ الْخَبَثِ لِقِلَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فَقَالَ : ( فَصْلٌ ) فِي بَيَانِ حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا وَسُقُوطِهَا عَلَى الْمُصَلِّي وَالشَّكِّ فِي الْأَوَانِي وَالْوُلُوغِ وَمَا نَاسَبَهَا وَبَدَأَ بِحُكْمِ إزَالَتِهَا مُوَطِّئًا لَهُ بِصُورَةِ اسْتِفْهَامٍ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِيهِ تَنْبِيهًا لِلْوَاقِفِ عَلَى تَلَقِّيه فَقَالَ : ( هَلْ إزَالَةُ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ مَصْدَرُ أَزَالَ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ ( النَّجَاسَةِ ) أَيْ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِمَوْصُوفِهَا مَنْعَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ وَكَذَا تَقْلِيلُهَا إنْ تَعَدَّدَ مَحَلُّهَا وَوُجِدَ مَاءٌ يَسِيرٌ كَافٍ أَحَدَ الْمَحَلَّيْنِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَغَسْلُ بَعْضِهِ يَزِيدُهَا انْتِشَارًا وَصِلَةُ إزَالَةُ ( عَنْ ثَوْبِ ) أَيْ مَحْمُولٍ ( مُصَلٍّ ) أَيْ مُرِيدِ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ بَالِغٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَالصَّبِيُّ الَّذِي يُرِيدُ الصَّلَاةَ تُنْدَبُ لَهُ إزَالَتُهَا عَنْ ثَوْبِهِ وَمَكَانُهُ الْبُنَانِيُّ لَيْسَ خِطَابُ الصَّبِيِّ بِهِمَا عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ السُّنِّيَّةِ كَخِطَابِ الْبَالِغِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ فَقَطْ فَلَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ يَقْصُرُ كَلَامَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمُرِيدُ الطَّوَافِ كَمُرِيدِ الصَّلَاةِ وَمَنْ لَمْ يُرِدْهُمَا تُنْدَبُ لَهُ إزَالَتُهَا عَنْ بَدَنِهِ عَلَى أَنَّ التَّلَطُّخَ بِهَا مَكْرُوهٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَتَجِبُ عَلَى أَنَّهُ مُحْرِمٌ سَوَاءٌ كَانَ قَمِيصًا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ عِمَامَةً أَوْ غَيْرَهَا فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ : ( وَلَوْ ) كَانَ الثَّوْبُ ( طَرَفَ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ بَعْضَ ( عِمَامَتِهِ ) أَيْ الْمُصَلِّي الْمَرْمِيَّ بِالْأَرْضِ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ مُتَعَمِّمٌ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ مُتَحَزِّمٌ بِهِ أَوْ مَاسِكٌ لَهُ بِيَدِهِ فَالْعِمَامَةُ كُلُّهَا مَحْمُولَةٌ لِلْمُصَلِّي فِي هَذِهِ الصُّوَرُ سَوَاءٌ تَحَرَّكَ طَرَفُهَا الَّذِي عَلَى الْأَرْضِ

بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ بِعَدَمِ الْأَمْرِ بِإِزَالَتِهَا عَنْ طَرَفِ الْعِمَامَةِ الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ لَمْ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ وَمِثْلُ طَرَفِ الْعِمَامَةِ طَرَفُ غَيْرِهَا كَرِدَاءٍ وَحَبْلٍ .
( وَ ) عَنْ ظَاهِرِ ( بَدَنِهِ ) أَيْ الْمُصَلِّي وَمِنْهُ دَاخِلُ فَمِهِ وَأَنْفِهِ وَعَيْنِهِ وَأُذُنِهِ وَلَا تَكْفِي غَلَبَةُ الرِّيقِ وَالدَّمْعِ إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ فَيُعْفَى عَنْهُ وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَجَسًا فَقَالَ التُّونُسِيُّ فِيهِ مَا بِدَاخِلِ الْجِسْمِ مِنْ نَجَاسَةٍ لَغْوٌ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مَا أُدْخِلَ مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ كَمَا بِظَاهِرِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عج وَحَاصِلُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا وَنَحْوَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّقَايُؤِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى فَهُوَ كَمَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ مُتَعَمِّدًا وَلَوْ تَابَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَصَلَّى فَهُوَ كَالْمُصَلِّي بِهَا غَيْرِ مُتَعَمِّدٍ وَإِنْ شَرِبَهَا لِغُصَّةٍ أَوْ لِظَنِّهَا غَيْرَهَا وَقَدَرَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَصَلَّى فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ .
( وَ ) عَنْ ( مَكَانِهِ ) أَيْ الْمُصَلِّي الَّذِي تَمَسُّهُ أَعْضَاؤُهُ بِالْفِعْلِ كَمَوْضِعِ قَدَمَيْهِ وَكَفَّيْهِ وَجَبْهَتِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَسَاقِهِ وَأَلْيَتِهِ وَفَخِذِهِ وَمَا لَا يَمَسُّهُ بِالْفِعْلِ كَمَوْضِعٍ لَا يُخَاطَبُ بِإِزَالَتِهَا عَنْهُ كَمَا تَحْتَ صَدْرِهِ وَمَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ وَمَا هُوَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ أَوْ أَمَامَهُ أَوْ خَلْفَهُ وَكَالْمَوْضِعِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِالسُّجُودِ .
( لَا ) عَنْ ( طَرَفِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ جَانِبَ ( حَصِيرِهِ ) أَيْ الْمُصَلِّي مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَمَامَهُ أَوْ خَلْفَهُ أَوْ جِهَةِ الْأَرْضِ الَّتِي فُرِشَ عَلَيْهَا فِي الْجَوَاهِرِ وَلْيَكُنْ مَا يَمَسُّ بَدَنَ الْمُصَلِّي عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ طَاهِرًا زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ وَأَمَّا مَا لَا يَمَسُّهُ فَلَا يَضُرُّهُ وَفِي الْإِكْمَالِ أَنَّ ثِيَابَ الْمُصَلِّي إذَا كَانَتْ تَمَسُّ

نَجَاسَةً جَافَّةً وَلَا يَجْلِسُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي فَلَا تَضُرُّهُ .
وَخَبَرُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ( سُنَّةٌ ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ النُّونِ مَعْنَاهَا لُغَةً : الطَّرِيقُ وَعُرْفًا : طَرِيقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي دَاوَمَ عَلَيْهَا وَأَظْهَرَهَا فِي جَمَاعَةٍ وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا أَيْ مَطْلُوبَةً طَلَبًا مُؤَكَّدًا غَيْرَ جَازِمٍ وَشَهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي نُكَتِهِ وَابْنُ يُونُسَ فِي جَامِعِهِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ .
( أَوْ وَاجِبَةٌ ) وُجُوبَ الشُّرُوطِ وَشَهَرَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ : وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَجَعَلَهُ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ ( إنْ ذَكَرَ ) أَيْ تَذَكَّرَ الْمُصَلِّي النَّجَاسَةَ فِيمَا ذَكَرَ ( وَقَدَرَ ) الْمُصَلِّي عَلَى إزَالَتِهَا بِوُجُودِ مَاءٍ طَهُورٍ أَوْ ثَوْبٍ طَاهِرٍ أَوْ بِالِانْتِقَالِ إلَى مَكَان طَاهِرٍ قَرَّرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَالْحَطَّابُ وَابْنُ فَجْلَةَ وَالْمِسْنَاوِيُّ أَنَّ الذِّكْرَ وَالْقُدْرَةَ شَرْطَانِ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ وَأُمًّا السُّنِّيَّةُ فَمُطْلَقَةٌ ذَكَرَ أَوْ نَسِيَ قَدَرَ أَوْ عَجَزَ وَقَرَّرَ عج وعبق أَنَّهُمَا شَرْطَانِ فِيهَا أَيْضًا وَاسْتَشْكَلَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْلِيفَ النَّاسِي وَالْعَاجِزِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِي حَقِّهِمَا ثَمَرَتُهَا أَيْ نُدِبَ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ إنْ تَذَكَّرَ النَّاسِي وَقَدَرَ الْعَاجِزُ فِيهِ لَا طَلَبَهَا مِنْهُمَا حَالَ النِّسْيَانِ وَالْعَجْزِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْ النَّاسِي وَامْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ وَالثَّانِي بِأَنَّهَا لَا تَنْحَطُّ عَنْ مُقْتَضَى السُّنِّيَّةِ مِنْ نَدْبِ الْإِعَادَةِ الْوَقْتِيَّةِ بِالنِّسْيَانِ وَالْعَجْزِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُمَا فِيهَا مِنْ حَيْثُ رَفْعِ الْخِطَابِ بِهَا حَالَهُمَا فَهُوَ خِلَافٌ فِي حَالٍ فَمَنْ نَظَرَ إلَى رَفْعِ الطَّلَبِ قَيَّدَ السُّنِّيَّةَ بِهِمَا وَمَنْ نَظَرَ إلَى طَلَبِ الْإِعَادَةِ الْوَقْتِيَّةِ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَالْقُدْرَةِ أَطْلَقَهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ النَّجَاسَةَ

أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إزَالَتِهَا وَصَلَّى بِهَا نَاسِيًا لَهَا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا أَوْ عَاجِزًا عَنْ إزَالَتِهَا وَاسْتَمَرَّ نِسْيَانُهُ أَوْ عَدَمُ عِلْمِهِ بِهَا أَوْ عَجْزُهُ حَتَّى أَتَمَّ الصَّلَاةَ ( أَعَادَ ) نَدْبًا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ( الطُّهْرَيْنِ ) أَيْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ ( لِلِاصْفِرَارِ ) أَيْ أَوَّلَهُ فَلَا يُعِيدُهُمَا فِيهِ وَأَعَادَ الْعِشَاءَيْنِ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ إمَّا إعَادَةُ الظُّهْرَيْنِ لِلْغُرُوبِ أَوْ الْعِشَاءَيْنِ لِآخِرِ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَالصُّبْحِ لِلْأَسْفَارِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ كَالتَّنَقُّلِ وَهُوَ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ فِي الِاصْفِرَارِ وَمَنْدُوبٌ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ وَبِمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا ضَرُورِيَّ لِلصُّبْحِ فِيهِ .
( خِلَافٌ ) لَفْظِيٌّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى إعَادَةِ الذَّاكِرِ الْقَادِرِ وَصَلَاتِهِ بِهَا أَبَدًا وَالْعَاجِزِ وَالنَّاسِي فِي الْوَقْتِ وَرُدَّ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ إزَالَتِهَا وَنَدْبِهَا عَلَى سُنِّيَّتِهَا وَبِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَحَدِهِمَا يُجِيبُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْآخَرُ وَبِأَنَّ الْمُصَنِّفَ يُشِيرُ بِخِلَافٍ لِلِاخْتِلَافِ فِي التَّشْهِيرِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُفِيدُ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِهِ وَأَنَّ الْإِعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَى السُّنِّيَّةِ أَيْضًا ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ بِأَنَّ إزَالَتَهَا سُنَّةٌ وَعَلَيْهِ فَالْمُصَلِّي بِهَا عَامِدًا يُعِيدُ أَبَدًا وُجُوبًا كَمَا قِيلَ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ عَمْدًا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ .
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَمْ يَتَّفِقْ بَيْنَ مَنْ قَالَ بِالسُّنِّيَّةِ وَمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ الْمُقَيَّدِ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ كَأَبِي الْفَرَجِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ إشَارَةَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافٍ لِلْخِلَافِ فِي التَّشْهِيرِ تَشْمَلُ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَشْهِيرِ الْحُكْمِ أَوْ عِبَارَتِهِ وَمَا

هُنَا مِنْ الثَّانِي وَإِنْ كَانَتْ أَغْلَبِيَّةً فِي الْأَوَّلِ هَذَا فِي الْمَذْهَبِ طَرِيقَتَانِ طَرِيقَةٌ لِابْنِ رُشْدٍ وَهِيَ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ مِنْ إعَادَةِ النَّاسِي وَالْعَاجِزِ فِي الْوَقْتِ وَالذَّاكِرِ الْقَادِرِ أَبَدًا وُجُوبًا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ أَيْضًا وَحُرْمَةِ قُدُومِهِ .
وَعَلَيْهَا فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَطَرِيقَةٌ لِلْقُرْطُبِيِّ وَهِيَ أَنَّهُ عَلَى السُّنِّيَّةِ تُنْدَبُ إعَادَةُ الْمُصَلِّي بِهَا فِي الْوَقْتِ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا قَادِرًا أَوْ عَاجِزًا وَعَلَى الْوُجُوبِ يُعِيدُ الذَّاكِرُ الْقَادِرُ أَبَدًا وُجُوبًا وَالنَّاسِي وَالْعَاجِزُ فِي الْوَقْتِ نَدْبًا وَعَلَيْهَا فَالْخِلَافُ حَقِيقِيٌّ فَمَنْ قَالَ يُعِيدُ الذَّاكِرُ الْقَادِرُ أَبَدًا عَلَى الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ وُجُوبًا عَلَى الْأَوَّلِ وَنَدْبًا عَلَى الثَّانِي لَا سَلَفَ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

وَسُقُوطُهَا فِي صَلَاةٍ مُبْطِلٌ .
كَذِكْرِهَا فِيهَا لَا قَبْلَهَا أَوْ كَانَتْ أَسْفَلَ نَعْلٍ فَخَلَعَهَا

( وَسُقُوطُهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ عَلَى الشَّخْصِ وَهُوَ ( فِي صَلَاةٍ ) فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ ( مُبْطِلٌ ) لَهَا وَلَوْ كَانَ مَأْمُومًا إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ بِأَنْ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ يَابِسَةً وَلَمْ تَكُنْ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ اخْتِيَارِيًّا أَوْ ضَرُورِيًّا لِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ إزَالَتِهَا وَوَجَدَ مَاءً يُزِيلُهَا بِهِ أَوْ ثَوْبًا آخَرَ وَلَمْ تَكُنْ مَحْمُولَةً لِغَيْرِهِ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْبُطْلَانِ سَحْنُونَ وَالْبَاجِيِّ وَابْنَ رُشْدٍ فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الْبِسَاطِيِّ وَالرَّمَاصِيِّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ .
وَالْمُدَوَّنَةُ عَبَّرَتْ بِالْقَطْعِ الْمُشْعِرِ بِالِانْعِقَادِ وَاخْتَلَفَ شُرَّاحُهَا فِيهِ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَشَبَّهَ فِي الْبُطْلَانِ بِالشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ إذْ الْأَوَّلُ لَازِم فِي الْمُشَبَّهِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ فِيهِ فَقَالَ ( كَذِكْرِهَا ) أَيْ النَّجَاسَةَ أَوْ عِلْمِهَا بِثَوْبِ الشَّخْصِ أَوْ بَدَنِهِ وَهُوَ ( فِيهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ فَتُبْطِلُ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِهَا أَوْ عِلْمِهَا فَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً وَلَمْ تَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ بِأَنْ سَقَطَتْ بِمُجَرَّدِ سُقُوطِهَا عَلَيْهِ أَوْ كَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْهَا أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً يُزِيلُهَا بِهِ وَلَا ثَوْبًا آخَرَ وَكَانَتْ مَحْمُولَةً لِغَيْرِهِ فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا .
( لَا ) تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إنْ ذُكِرَتْ النَّجَاسَةُ وَنَسِيَهَا ( قَبْلَ ) إحْرَامِهِ بِ ( هَا ) وَاسْتَمَرَّ نَاسِيًا لَهَا حَتَّى أَتَمَّهَا وَلَوْ تَكَرَّرَ الذِّكْرُ وَالنِّسْيَانُ وَيُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ ( أَوْ كَانَتْ ) أَيْ النَّجَاسَةُ ( أَسْفَلَ نَعْلٍ ) أَيْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ وَأَحْرَمَ الشَّخْصُ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ لَابِسُهَا وَاسْتَمَرَّ لَابِسَهَا حَتَّى أَرَادَ السُّجُودَ ( فَخَلَعَهَا ) أَيْ النَّعْلَ مِنْ رِجْلَيْهِ وَلَمْ يَرْفَعْهَا بِرِجْلِهِ وَسَجَدَ بِدُونِهَا وَلَمَّا قَامَ لِلْقِرَاءَةِ لَبِسَهَا وَلَمَّا أَرَادَ السُّجُودَ خَلَعَهَا

وَفَعَلَ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ وَلَوْ تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ حَالَ خَلْعِهَا وَحَالَ لُبْسِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ حَامِلًا لَهَا وَأَسْفَلُهَا كَأَسْفَلِ الْحَصِيرِ النَّجِسِ وَوَجْهُهُ الَّذِي يَمَسُّهُ الْمُصَلِّي طَاهِرٌ وَمَفْهُومُ أَسْفَلَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي أَعْلَاهُ أَوْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِحَمْلِهِ النَّجَاسَةَ وَمَفْهُومُ خَلْعِهَا أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ بِهَا لَبَطَلَتْ أَيْضًا لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَسْفَلُ النَّعْلِ طَاهِرًا أَوْ وَقَفَ بِهَا عَلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ يَابِسٍ نَاسِيًا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ وَلَمَّا ذَكَرَهَا أَوْ عَلِمَهَا نَقَلَ رِجْلَهُ بِالنَّعْلِ إلَى مَحَلٍّ ظَاهِرٍ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ أَسْفَلَهَا كَوَجْهِ الْحَصِيرِ الْمُلَاقِي لِلْأَرْضِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ ابْنُ نَاجِي الْفَرْقُ بَيْنَ النَّعْلِ يَنْزِعُهَا فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَالثَّوْبِ تَبْطُلُ وَلَوْ نَزَعَهُ أَنَّ الثَّوْبَ مَحْمُولٌ لَهُ وَالنَّعْلُ وَاقِفٌ عَلَيْهَا وَالنَّجَاسَةُ بِأَسْفَلِهَا فَهِيَ كَبَسْطِ شَيْءٍ كَثِيفٍ عَلَى النَّجَاسَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ .

وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ كَحَدَثِ مُسْتَنْكِحٍ وَبَلَلِ بَاسُورٍ فِي يَدٍ إنْ كَثُرَ الرَّدُّ أَوْ ثَوْبٍ وَثَوْبِ مُرْضِعَةٍ تَجْتَهِدُ وَنُدِبَ لَهَا ثَوْبٌ لِلصَّلَاةِ وَدُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا : وَقَيْحٍ : وَصَدِيدٍ وَبَوْلِ فَرَسٍ لِغَازٍ بِأَرْضِ حَرْبٍ : وَأَثَرِ ذُبَابٍ مِنْ عَذِرَةٍ : وَمَوْضِعِ حِجَامَةٍ مُسِحَ .
فَإِذَا بَرِئَ غَسَلَ وَإِلَّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ ، وَبِالْإِطْلَاقِ .

( وَعُفِيَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ سُومِحَ وَتَجُوزُ ( عَمَّا ) أَيْ كُلِّ نَجَاسَةٍ ( يَعْسُرُ ) أَيْ يَصْعُبُ وَيَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ وَمَثَّلَ لَهَا لِلْإِيضَاحِ فَقَالَ ( كَحَدَثِ ) أَيْ خَارِجٍ مُعْتَادٍ مِنْ مَخْرَجٍ مُعْتَادٍ كَبَوْلٍ وَمَذْيٍ وَوَدْيٍ وَمَنِيٍّ وَغَائِطٍ رَقِيقٍ وَنَعَتَ حَدَثِ بِ ( مُسْتَنْكِحٍ ) بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ خَارِجٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الشَّخْصِ مُلَازِمٍ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً فَأَكْثَرَ أَصَابَ الْبَدَنَ أَوْ الثَّوْبَ الْحَطَّابُ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ إصَابَةَ الْمَكَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ أَصَابَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ لِسُهُولَةِ الِانْتِقَالِ إلَى مَكَان غَيْرِهِ طَاهِرٍ وَإِنْ أَصَابَهُ فِيهَا فَيُعْفَى عَنْهُ .
( وَ ) كَبَّ ( لَلِ بَاسُورٍ ) بِمُوَحَّدَةٍ أَيْ وَجَعُ الْمَقْعَدَةِ وَتَوَرُّمُهَا مِنْ دَاخِلِهَا وَنَبَاتِ ثَوَالِيلَ فِيهِ تَخْرُجُ فَيَتَأَلَّمُ مِنْ خُرُوجِهَا وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ وَأَمَّا بِالنُّونِ فَعَرَبِيٌّ وَهُوَ انْفِتَاحُ عُرُوقِ الْمَقْعَدَةِ وَسَيَلَانُ مَادَّتِهَا حَصَلَ ( فِي يَدٍ ) فَلَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ غَسْلُهَا مِنْهُ ( إنْ كَثُرَ ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ الرَّدُّ ) لِمَا خَرَجَ مِنْ الْبَاسُورِ مِنْ الدُّبُرِ إلَيْهِ بِهَا بِأَنْ حَصَلَ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ وَمِثْلُ الْيَدِ الْخِرْقَةُ الَّتِي يَجْعَلُهَا عَلَيْهَا حَالَ الرَّدِّ .
( أَوْ ) حَصَلَ فِي ( ثَوْبٍ ) أَوْ بَدَنٍ وَلَازَمَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً سَوَاءٌ كَثُرَ خُرُوجُهُ أَوْ لَا كَمَا يُفِيدُهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ الشَّرْطِ وَالْفَرْقُ أَنَّ غَسْلَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ كُلَّ يَوْمٍ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَلَا يَشُقُّ غَسْلُ الْيَدِ إلَّا إذَا كَثُرَ فَاَلَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ مَرَّاتٍ وَأَمَّا الْمُلَازَمَةُ كُلَّ يَوْمٍ فَهِيَ شَرْطٌ فِيهِمَا أَيْضًا .
( وَ ) كَمُصِيبِ ( ثَوْبِ ) أَوْ بَدَنِ ( مُرْضِعَةٍ ) لِإِمْكَانِهَا إنْ أَمْكَنَهَا التَّحَوُّلُ عَنْهُ مِنْ بَوْلٍ أَوْ عَذِرَةِ الرَّضِيعِ سَوَاءٌ كَانَتْ أُمُّهُ مُطْلَقَةً أَوْ غَيْرَهَا إنْ احْتَاجَتْ لِإِرْضَاعِهِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ أَوْ

لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا ، وَنَعَتَ " مُرْضِعَةٍ " بِجُمْلَةِ ( تَجْتَهِدُ ) أَيْ تَبْذُلُ جُهْدَهَا فِي إبْعَادِ بَوْلِهِ وَعَذِرَتِهِ عَنْ بَدَنِهَا وَثَوْبِهَا وَغَلَبَهَا بِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَيُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ رَأَتْهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ التَّوْضِيحِ وَالْجَوَاهِرِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ هَارُونَ وَابْنِ نَاجِي وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ : لَا يُعْفَى عَمَّا رَأَتْهُ فَإِنْ لَمْ تَجْتَهِدْ فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهَا مِنْهُمَا وَلَوْ قَلَّ وَمِثْلُهَا مِنْ الْغَالِبِ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ كَنَازِحِ الْكَنِيفِ وَالْجَزَّارِ وَسَائِقِ الدَّوَابِّ وَرَاعِيهَا .
( وَنُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( لَهَا ) أَيْ مِنْ الْمُرْضِعِ وَمِثْلِهَا فِيهِ مَنْ أُلْحِقَ بِهَا وَنَائِبُ فَاعِلِ نُدِبَ ( ثَوْبٌ ) طَاهِرٌ أَيْ إعْدَادُهُ ( لِلصَّلَاةِ ) فِيهِ خَاصَّةً لَا الَّذِي سَلُسَ وَدُمَّلٌ سَائِلٌ وَبَاسُورٌ وَنَحْوُهَا لِأَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ لَهُمْ مِنْ بَدَنِهِمْ وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُفِيدُ إعْدَادُ الثَّوْبِ لَهَا نَعَمْ يُنْدَبُ إعْدَادُ خِرْقَةٍ لِدَرْئِهِ إنْ حَصَلَ فِيهَا .
( وَ ) كَ ( دُونَ ) أَيْ أَقَلَّ مِنْ مِسَاحَةِ ( دِرْهَمٍ ) بَغْلِيٍّ أَيْ الدَّائِرَةِ السَّوْدَاءِ الَّتِي فِي بَاطِنِ ذِرَاعِ الْبَغْلِ وَإِنْ زَادَ عَلَى وَزْنِهِ لِثِخَنِهِ وَبَيْنَ دُونِ الدِّرْهَمِ بِقَوْلِهِ ( مِنْ ) عَيْنٍ أَوْ أَثَرِ ( دَمٍ مُطْلَقًا ) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي أَوْ غَيْرَ حَيْضٍ وَخِنْزِيرٍ أَوْ فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَكَان وَمَفْهُومُ دُونَ دِرْهَمٍ أَنَّ الدِّرْهَمَ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ سَابِقٍ أَنَّ دُونَ الدِّرْهَمِ يُعْفَى عَنْهُ اتِّفَاقًا وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ لَا يُعْفَى عَنْهُ اتِّفَاقًا وَفِي الدِّرْهَمِ رِوَايَتَانِ مَشْهُورُهُمَا عَدَمُهُ وَالْمُعْتَمَدُ الْعَفْوُ عَنْهُ لَا عَمَّا زَادَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَثَرًا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ زِيَادٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ : وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِرْشَادِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الْيَسِيرَ قَدْرُ رَأْسِ الْأُصْبُعِ الْخِنْصِرِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَبْلُغْ دِرْهَمًا يُعْفَى عَنْهُ

عَلَى الْمَشْهُورِ وَالدِّرْهَمُ وَمَا فَوْقَهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ اتِّفَاقًا .
وَقَالَ الْبَاجِيَّ : الْأَثَرُ يُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ وَضِعْفٍ .
( وَ ) مِنْ ( قَيْحٍ وَصَدِيدٍ ) هُمَا كَالدَّمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَفُهِمَ مِنْ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ غَيْرِهَا كَبَوْلٍ وَمَذْيٍ وَمَنِيٍّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الْعَفْوُ عَنْ يَسِيرِ الْبَوْلِ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ وَقَصْرُ الْعَفْوِ عَلَيْهَا لِأَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ لَهَا كَقِرْبَةٍ مَلْآنَةَ فَالِاحْتِرَازُ عَنْهَا عُسْرٌ .
( وَ ) كَ ( بَوْلِ ) لَا رَوْثِ ( فَرَسٍ ) لَا بَغْلٍ وَحِمَارٍ ( لِغَازٍ ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّاي أَيْ مُجَاهِدٍ لَا لِغَيْرِهِ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ أَصَابَهُ ( بِأَرْضِ حَرْبٍ ) أَيْ كُفْرٍ لَا بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ فَيُعْفَى عَنْهُ بِدُونِ شَرْطِ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْهَا بِأَنْ كَانَ رَوْثًا أَوْ لِبَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ لِغَيْرِ غَازٍ أَوْ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ فَيُعْفَى عَنْهُ بِشَرْطِ الِاجْتِهَادِ كَالْمُرْضِعِ .
( وَ ) كَ ( أَثَرِ ) فَمٍ وَأَرْجُلٍ كَ ( ذُبَابٍ ) وَنَامُوسٍ وَنَمْلٍ صَغِيرٍ وَبَيْنَ الْأَثَرِ بِقَوْلِهِ ( مِنْ عَذِرَةٍ ) وَأَوْلَى مِنْ بَوْلٍ وَقَفَ عَلَيْهَا ثُمَّ عَلَى الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ فَإِنْ انْغَمَسَ فِيهَا ثُمَّ انْتَقَلَ لِمَا ذُكِرَ فَإِنْ زَادَ الْمُصِيبُ مِنْهُ عَلَى أَثَرِ فَمِهِ وَأَرْجُلِهِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ .
( وَ ) كَأَثَرِ دَمٍ فِي ( مَوْضِعِ ) كَ ( حِجَامَةٍ ) وَفَصَادَةٍ ، وَنَعَتَ " الْمَوْضِعِ " بِجُمْلَةِ ( مُسِحَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْمَوْضِعُ مِنْ عَيْنِ الدَّمِ فَيُعْفَى عَنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ ( فَإِذَا بَرِئَ ) الْمَوْضِعُ ( غَسَلَ ) الْمُكَلَّفُ الْمَوْضِعَ اسْتِنَانًا أَوْ وُجُوبًا إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ بَعْدَهُ وَصَلَّى ( أَعَادَ ) الْمُكَلَّفُ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَ الْبُرْءِ ( فِي الْوَقْتِ ) الظُّهْرَيْنِ

لِلِاصْفِرَارِ وَالْعِشَاءَيْنِ وَالصُّبْحِ لِلطُّلُوعِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَأُوِّلَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدًا أَيْ فُهِمَ ( بِالنِّسْيَانِ ) أَيْ بِأَنَّهُ نَسِيَ الْغَسْلَ وَعَلَيْهِ فَمَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا يُعِيدُ أَبَدًا وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ يُونُسَ ( وَ ) أُوِّلَ ( بِالْإِطْلَاقِ ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِالنِّسْيَانِ فَتَارِكُهُ عَمْدًا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَنَاسِيهِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مِنْ لَا يَأْمُرُهُ بِغَسْلِهِ وَرَجَّحَ وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ .

وَكَطِينِ مَطَرٍ ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الْعَذِرَةُ بِالْمُصِيبِ .
لَا إنْ غَلَبَتْ .
وَظَاهِرُهَا الْعَفْوُ .
وَلَا إنْ أَصَابَ عَيْنَهَا .
( وَكَطِينِ ) وَمَاءِ كَ ( مَطَرٍ ) وَرَشٍّ وَنَاقِعٍ فِي طَرِيقٍ اخْتَلَطَ بِبَوْلِ أَوْ رَوْثِ دَوَابَّ بَلْ ( وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الْعَذِرَةُ بِالْمُصِيبِ ) لِبَدَنِ الْمُصَلِّي أَوْ مَحْمُولِهِ مَا دَامَ الْمَاءُ وَالطِّينُ طَرِيًّا فِي الطُّرُقِ فَإِنْ جَفَّ سُنَّ أَوْ وَجَبَ الْغَسْلُ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ إنْ لَمْ تَغْلِبْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمُصِيبِ ( لَا ) يُعْفَى عَنْ طِينٍ أَوْ مَاءٍ كَالْمَطَرِ ( إنْ غَلَبَتْ ) أَيْ زَادَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ عَلَى الطِّينِ أَوْ الْمَاءِ كَطِينٍ أَوْ مَاءِ مَزْبَلَةٍ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فَقَوْلُهُ ( وَظَاهِرُهَا ) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ ( الْعَفْوُ ) أَيْ عَمَّا أَصَابَ مِنْ طِينٍ أَوْ مَاءِ مَطَرٍ غَلَبَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ ضَعِيفٌ .
( وَلَا ) عَفْوَ ( إنْ أَصَابَ عَيْنَهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَمْ تَخْتَلِطْ بِطِينٍ أَوْ مَاءِ الْمَطَرِ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا

وَذَيْلِ امْرَأَةٍ مُطَالٍ لِلسَّتْرِ وَرِجْلٍ بُلَّتْ يَمُرَّانِ بِنَجِسٍ يَبِسَ يَطْهُرَانِ بِمَا بَعْدَهُ .
( وَ ) كَمُصِيبِ ( ذَيْلِ ) ثَوْبِ ( امْرَأَةٍ ) حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وَقِيلَ حُرَّةٍ فَقَطْ يَابِسٍ ( مُطَالٍ لِلسَّتْرِ ) لَا لِلزِّينَةِ وَالْفَخْرِ وَلَا عَنْ مُصِيبِ الْمَبْلُولِ وَلَا عَنْ مُصِيبِ ذَيْلِ رِجْلٍ ( وَ ) كَمُصِيبٍ ( رِجْلٍ ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ ( بُلَّتْ ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ اللَّامِ نَعْتُ " رِجْلٍ " ( يَمُرَّانِ ) أَيْ الذَّيْلُ الْيَابِسُ وَالرِّجْلُ الْمَبْلُولَةُ ( بِنَجَسٍ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ كَبَوْلٍ وَزِبْلٍ أَوْ مُتَنَجِّسٍ أَيْ عَلَيْهِ ( يَبِسَ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مَصْدَرُ يَبِسَ بِكَسْرِهَا بِمَعْنَى اسْمِ فَاعِلٍ أَيْ يَابِسٍ أَوْ بِكَسْرِهَا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ كَفَرِحٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ مُنَوَّنًا نَعْتُ نَجِسٍ .
( يَطْهُرَانِ ) أَيْ الذَّيْلُ الْجَافُّ وَالرِّجْلُ الْمَبْلُولَةُ طَهَارَةً لُغَوِيَّةً ( بِمَا ) أَيْ مَوْضِعٍ طَاهِرٍ يَمُرَّانِ عَلَيْهِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ مُرُورِهِمَا بِالنَّجَسِ الْيَابِسِ وَسَوَاءٌ رُفِعَتْ الرِّجْلُ عَنْهُ بِسُرْعَةٍ أَوْ بَعْدَ طُولٍ عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ اللَّبَّادِ الْمُعْتَمَدِ وَتَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ بِرَفْعِهَا عَنْهُ بِسُرْعَةٍ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الذَّيْلُ وَالنَّجَسُ يَابِسَيْنِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غُبَارُهُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ .

وَخُفٍّ وَنَعْلٍ مِنْ رَوْثِ دَوَابَّ وَبَوْلِهَا إنْ دُلِكَا لَا غَيْرِهِ .
فَيَخْلَعُهُ الْمَاسِحُ لَا مَاءَ مَعَهُ وَيَتَيَمَّمُ وَاخْتَارَ إلْحَاقَ رِجْلِ الْفَقِيرِ .
وَفِي غَيْرِهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَانِ .

( وَ ) كَمُصِيبِ ( خُفٍّ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْفَاءِ ( وَنَعْلٍ ) وَبَيَّنَ الْمُضَافَ الْمُقَدَّرَ بِقَوْلِهِ ( مِنْ رَوْثِ دَوَابَّ ) مُحَرَّمَةٍ كَحِمَارٍ وَبَغْلٍ وَفَرَسٍ ( وَبَوْلِهَا ) بِمَوْضِعٍ تَمُرُّ فِيهِ كَثِيرًا ( إنْ دُلِكَا ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ مُسِحَ الْخُفُّ وَالنَّعْلُ مِنْ الرَّوْثِ وَالْبَوْلِ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ كَتُرَابٍ وَحَجَرٍ وَخِرْقَةٍ حَتَّى زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ عَنْهُمَا وَكَذَا جَفَافُهَا وَسُقُوطُهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ يُذْهِبُهُ الْمَسْحُ ( لَا ) يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ مِنْ نَجَسٍ ( غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ رَوْثِ وَبَوْلِ الدَّوَابِّ كَدَمٍ وَفَضْلَةِ آدَمِيٍّ أَوْ كَلْبٍ .
( فَيَخْلَعُهُ ) أَيْ الْخُفَّ الشَّخْصُ ( الْمَاسِحُ ) عَلَى الْخُفِّ بَعْدَ انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ الَّتِي لَبِسَهُ عَلَيْهَا حَالَ كَوْنِهِ ( لَا مَاءَ مَعَهُ ) يَكْفِيهِ لِغَسْلِ الْخُفِّ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يُعْفَى عَنْهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ ( وَيَتَيَمَّمُ ) لِلصَّلَاةِ تَقْدِيمًا لِطَهَارَةِ الْخَبَثِ إذْ لَا بَدَلَ لَهَا عَلَى الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ إذْ لَهَا بَدَلٌ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْزِعْ الْخُفَّ يُصَلِّي بِالطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ وَهُوَ حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ وَإِنْ نَزَعَهُ بَطَلَ وُضُوءُهُ وَانْتَقَلَ لِلتَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ .
( وَاخْتَارَ ) اللَّخْمِيُّ مِنْ نَفْسِهِ ( إلْحَاقَ رِجْلِ ) الشَّخْصِ ( الْفَقِيرِ ) الْعَاجِزِ عَنْ اتِّخَاذِ خُفٍّ أَوْ نَعْلٍ بِهِمَا فِي الْعَفْوِ عَنْ مُصِيبِهَا مِنْ رَوْثِ الدَّوَابِّ أَوْ بَوْلِهَا إنْ دُلِكَتْ وَمِثْلُهُ غَنِيٌّ لَمْ يَجِدْ أَحَدَهُمَا أَوْ عَجَزَ عَنْ لُبْسِهِ لَعَلَّهُ فِي رِجْلِهِ .
( وَفِي ) إلْحَاقِ رِجْلِ ( غَيْرِهِ ) أَيْ الْفَقِيرِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْوَاجِدُ لِأَحَدِهِمَا الْقَادِرُ عَلَى لُبْسِهِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ وَأَصَابَ الْمَذْكُورُ رِجْلَهُ وَدَلَكَهَا وَعَدَمُهُ وَسُنِّيَّةُ أَوْ وُجُوبُ غَسْلِهَا مِنْهُ ( لِلْمُتَأَخِّرِينَ ) حَالَ صَاحِبِهَا ( قَوْلَانِ ) مُسْتَوِيَانِ لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى رَاجِحِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ

فَذِكْرُهُمَا هُنَا جَارٍ عَلَى اصْطِلَاحِهِ

وَوَاقِعٍ .
عَلَى مَارٍّ ، وَإِنْ سَأَلَ صُدِّقَ الْمُسْلِمُ .
( وَ ) كَشَيْءٍ مَائِعٍ ( وَاقِعٍ ) أَيْ سَاقِطٍ مِنْ نَحْوِ رَوْشَنٍ لِمُسْلِمٍ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا ، وَصِلَةُ " وَاقِعٍ " ( عَلَى ) شَخْصٍ ( مَارٍّ ) أَيْ مَاشٍ أَوْ جَالِسٍ أَوْ مُضْطَجِعٍ وَلَمْ تُتَيَقَّنْ وَلَمْ تُظَنَّ طَهَارَتُهُ وَلَا نَجَاسَتُهُ وَشَكَّ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْهُ الْمَارَّ .
( وَإِنْ سَأَلَ ) عَنْ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْدُوبُ وَأَخْبَرَ بِنَجَاسَةِ الْوَاقِعِ ( صَدَّقَ ) الْمَارُّ وُجُوبًا الشَّخْصَ ( الْمُسْلِمَ ) لَا الْكَافِرَ الْعَدْلَ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ السَّالِمُ مِنْ الْفِسْقِ وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَلَوْ أُنْثَى أَوْ رِقًّا إنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا أَوْ وَافَقَ فِي الْمَذْهَبِ وَإِلَّا نُدِبَ تَصْدِيقُهُ لَا الصَّبِيِّ وَلَا الْفَاسِقِ وَلَا مُخْتَلِّ الْمُرُوءَةِ وَأَمَّا إنْ أَخْبَرَ بِطَهَارَتِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَصْدِيقِهِ إسْلَامٌ وَلَا عَدَالَةٌ وَلَا بَيَانُ وَجْهِهَا وَلَا مُوَافَقَةٌ فِي مَذْهَبٍ إذْ هُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ الْمَحْمُولُ عَلَيْهِ الْوَاقِعُ بِدُونِ إخْبَارٍ .
فَإِنْ قِيلَ الْوَاقِعُ مِنْ بَيْتِ مُسْلِمٍ الْمَشْكُوكُ فِيهِ الْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَمَحْمُولٌ عَلَيْهَا فَمَا مَعْنَى كَوْنِهِ مَعْفُوًّا عَنْهُ قُلْت نَعَمْ وَلَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَهُوَ مِمَّا تَعَارَضَ فِيهِ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَرْجِيحُ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَلْبُوسِ الْكَافِرِ وَغَيْرِ الْمُصَلِّي وَمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ وَمُحَاذِي فَرْجِ غَيْرِ الْعَالِمِ فَمُقْتَضَاهَا حَمْلُ الْوَاقِعِ الْمَذْكُورِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَوُجُوبُ السُّؤَالِ عَنْهُ وَسُنِّيَّةُ غَسْلِهِ أَوْ وُجُوبِهِ إنْ لَمْ يُخْبِرْ بِطَهَارَتِهِ عَدْلٌ .

وَكَسَيْفٍ صَقِيلٍ لِإِفْسَادِهِ مِنْ دَمٍ مُبَاحٍ وَأَثَرِ دُمَّلٍ لَمْ يُنْكَ .

( وَكَ ) مُصِيبِ ( سَيْفٍ ) وَمُدْيَةٍ وَمِرْآةٍ وَنَحْوَهَا مِمَّا يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ وَهُوَ صَلْبٌ ( صَقِيلٍ ) أَيْ أَمْلَسَ نَاعِمٍ فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ الْخَشِنَ كَالْمِبْرَدِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَعَدَمِ تَطَايُرِهَا عَنْهُ بِالْجَفَافِ وَصَرَّحَ بِعِلَّةِ الْعَفْوِ لِلْخِلَافِ فِيهَا بِقَوْلِهِ ( لِ ) دَفْعِ ( إفْسَادِهِ ) أَيْ السَّيْفِ بِغَسْلِهِ وَبَيَّنَ مُصِيبَهُ بِقَوْلِهِ ( مِنْ دَمٍ ) لَا يُعْفَى عَنْ مُصِيبِهِ مِنْ نَجَاسَةِ غَيْرِ دَمٍ لِعَدَمِ عُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا فِي السَّيْفِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الدَّمِ فَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِكَثْرَةِ إصَابَتِهِ لَهُ .
وَشَرْطُ الدَّمِ كَوْنُهُ بِفِعْلٍ ( مُبَاحٍ ) أَيْ غَيْرَ مَمْنُوعٍ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ كَالْجِهَادِ وَالسُّنَّةِ كَالتَّضْحِيَةِ وَالْمُبَاحِ كَتَذْكِيَةِ الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ كَتَذْكِيَةِ الْمَكْرُوهِ فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ مِنْ فِعْلٍ مَمْنُوعٍ كَقَتْلٍ أَوْ جَرْحِ عُدْوَانٍ وَسَوَاءٌ مُسِحَ مِنْهُ أَمْ لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَرَوَى الْبَاجِيَّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اشْتِرَاطَ مَسْحِهِ مِنْهُ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِلْأَبْهَرِيِّ وَقِيلَ عِلَّةُ الْعَفْوِ زَوَالُ عَيْنِهِ بِالْمَسْحِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي مُصِيبِ الظُّفْرِ وَالْبَدَنِ وَالزُّجَاجِ فَعَلَى التَّعْلِيلِ بِخَشْيَةِ الْفَسَادِ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَعَلَى التَّعْلِيلِ بِزَوَالِ عَيْنِهِ بِمَسْحِهِ يُعْفَى عَنْهُ وَالْمَوْضُوعُ فِيمَا زَادَ عَنْ دِرْهَمٍ وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) كَ ( أَثَرِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْمُثَلَّثَةِ أَيْ قَيْحٍ أَوْ صَدِيدٍ أَوْ دُمَّلٍ كَ ( دُمَّلٍ ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً وَجُرْحِ بِضَمِّ الْجِيمِ ، وَنَعَتَ " دُمَّلٍ " بِجُمْلَةِ ( لَمْ يُنْكَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ أَيْ يُقْشَرُ وَيُعْصَرُ بِأَنْ خَرَجَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَزَادَ عَلَى دِرْهَمٍ فَيُعْفَى عَنْهُ فَإِنْ نُكِئَ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ لَهُ فَيُعْفَى

عَنْهُ كَالسَّائِلِ مِنْهُ بَعْد نَكْئِهِ سَوَاءٌ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ حَالَ نَكْئِهِ أَمْ لَا وَهَذَا إنْ دَامَ سَيَلَانُهُ أَوْ لَمْ يَنْضَبِطْ وَقْتَهُ أَوْ لَازَمَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً فَإِنْ انْضَبَطَ وَقْتَهُ وَلَمْ يُلَازِمْ كُلَّ يَوْمٍ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ وَهَذَا فِي أَثَرِ دُمَّلٍ وَاحِدٍ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَيُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ نَكَاهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ كَالْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ وَالْجُدَرِيِّ وَالْحَصْبَاءِ وَنَحْوِهَا وَيَنْتَهِي الْعَفْوُ بِالْبُرْءِ فَإِنْ بَرِئَ غَسَلَ .

وَنُدِبَ إنْ تَفَاحَشَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ إلَّا فِي صَلَاةٍ ، وَيَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجِسِ بِلَا نِيَّةٍ بِغَسْلِهِ إنْ عُرِفَ ، وَإِلَّا فَبِجَمِيعِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ : كَكُمَّيْهِ ، بِخِلَافِ ثَوْبَيْهِ فَيَتَحَرَّى بِطَهُورٍ مُنْفَصِلٍ كَذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ عَصْرُهُ مَعَ زَوَال طَعْمِهِ ، لَا لَوْنٍ وَرِيحٍ عَسُرَا .

( وَنُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ غَسْلُ كُلِّ نَجِسٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ إلَّا مُصِيبَ كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ لِخَشْيَةِ فَسَادِهِ ( إنْ تَفَاحَشَ ) النَّجَسُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْحَدِّ الْمُعْتَادِ وَاسْتِقْبَاحِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَالِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْجُلُوسِ بِهِ بَيْنَ الْأَقْرَانِ وَوُجِدَ سَبَبُ الْعَفْوِ فَإِنْ زَالَ وَجَبَ أَوْ سُنَّ غَسْلُهُ وَشَبَّهَ فِي النَّدْبِ فَقَالَ ( كَ ) غَسْلِ ( دَمِ ) أَيْ خُرْءِ ( الْبَرَاغِيثِ ) إنْ تَفَاحَشَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَمْثِيلٌ لِأَنَّهُ مِمَّا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ .
فَإِنْ قُلْت الْبَرَاغِيثُ لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةً وَمَيْتَتُهَا طَائِرَةٌ فَخَرْؤُهَا طَاهِرٌ قُلْت بَلْ هُوَ نَجَسٌ لِتَغْذِيَتِهَا بِالدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَأَمَّا دَمُهَا الْحَاصِلُ بِقَتْلِهَا فَدَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ " وَدُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا وَيُنْدَبُ غَسْلُ خُرْءِ الْقَمْلِ وَالذُّبَابِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ كَدُونِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ .
( إلَّا ) أَنْ يَطَّلِعَ الشَّخْصُ عَلَى النَّجَسِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ الْمُتَفَاحَشِ وَهُوَ ( فِي صَلَاةٍ ) وَلَوْ نَفْلًا فَلَا يُنْدَبُ لَهُ غَسْلُهُ حَتَّى يُتِمَّهَا لِأَنَّهُ وَبِالشُّرُوعِ فِيهَا وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا إذْ لَا يُتَوَهَّمُ تَرْكُ وَاجِبٍ لِتَحْصِيلِ مَنْدُوبٍ ( وَيَطْهُرُ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ ( مَحَلُّ النَّجَسِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ أَوْ كَسْرِهَا أَيْ مَا عَرَضَتْ لَهُ النَّجَاسَةُ ( بِلَا نِيَّةٍ ) أَيْ لِتَطْهِيرِهِ صِلَةُ يَطْهُرُ وَبَاؤُهُ لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ مَعَ تَرْكِهَا فَلَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ وَصِلَةُ " يَطْهُرُ " أَيْضًا ( بِغَسْلِهِ ) وَبَاؤُهُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بِلَا نِيَّةٍ صِلَةُ غَسْلِ لِأَنَّهُ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ ( إنْ عُرِفَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ أَوْ ظُنَّ الْمَحَلُّ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَحَلُّ النَّجَسِ بِأَنْ شَكَّ فِي مَحَلَّيْنِ مَثَلًا ( فَ ) لَا يَطْهُرُ إلَّا ( بِ ) غَسْلِ ( جَمِيعِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ ) مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَكَان أَوْ إنَاءٍ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي جِهَةٍ أَوْ جِهَتَيْنِ ( كَكُمَّيْهِ )

أَيْ الشَّخْصِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِثَوْبِهِ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ نَجَاسَةً بِأَحَدِهِمَا وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ فَيُسَنُّ أَوْ يُجْلَبُ غَسْلُهُمَا إنْ وَسِعَهُ الْوَقْتُ وَوَجَدَ مَاءً كَافِيًا لَهُمَا فَإِنْ وَسِعَ غَسَلَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ أَوْ لَمْ يَكْفِ الْمَاءُ إلَّا أَحَدَهُمَا تَحَرَّى أَحَدَهُمَا وَغَسَلَهُ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ صَلَّى بِهِ بِلَا غَسْلٍ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا مُقَدَّمَةٌ وُجُوبًا عَلَى طَهَارَةِ الْخَبَثِ .
( بِخِلَافِ ) عَلِمَهُ أَوْ ظَنَّهُ نَجَاسَةً بِأَحَدِ ( ثَوْبَيْهِ ) الْمُنْفَصِلِ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ ( فَيَتَحَرَّى ) الطَّاهِرَ مِنْهُمَا بِعَلَامَةٍ تَظْهَرُ لَهُ لِيُصَلِّيَ بِهِ وَيَتْرُكَ الْآخَرَ أَوْ يَغْسِلَهُ إنْ وَسِعَ الْوَقْتُ التَّحَرِّيَ فَإِنْ ضَاقَ عَنْهُ صَلَّى بِأَحَدِهِمَا لِعَجْزِهِ عَنْ إزَالَتِهَا فَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرِّي غَسَلَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا لِلصَّلَاةِ بِهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَهُ الْحَطَّابُ لِأَنَّ إصَابَةَ النَّجَاسَةِ مُحَقَّقَةٌ وَالشَّكُّ فِي مَحَلِّهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ قِلَالِ الزَّيْتِ الَّتِي أُفْرِغَتْ فِي زِقَاقِ ثُمَّ وُجِدَتْ فَأْرَةٌ يَابِسَةٌ فِي إحْدَاهَا الَّتِي حَكَمَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا بِنَجَاسَةِ الْجَمِيعِ فَرَدُّ الْمِسْنَاوِيُّ عَلَى الْحَطَّابِ بِأَنَّهُ يَنْضَحُ أَحَدَهُمَا وَيُصَلِّي بِهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ : " وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا الثَّوْبَ وَجَبَ نَضْحُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ " .
وَإِنْ اسْتَظْهَرَهُ الْبُنَانِيُّ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكُمَّيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ شَاسٍ وَرَدَّهُ ابْنُ هَارُونَ بِأَنَّهُ إذَا تَحَرَّى وَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا فَقَدْ أَدْخَلَ احْتِمَالَ الْخَلَلِ فِي صَلَاتِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ الْحَطَّابُ : وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ أَصَابَتْ أَحَدَ ثَوْبَيْنِ أَوْ أَثْوَابَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ يُصَلِّي بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ ثَوْبٍ كَاشْتِبَاهِ الطَّهُورِ بِغَيْرِهِ وَفَرَّقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بِخِفَّةِ

طَهَارَةِ الْخَبَثِ عَنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَقَالَ سَنَدٌ : الثَّوْبَانِ كَالْكُمَّيْنِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِمَا وَعَدَمِ التَّحَرِّي إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ عَدَمِ مَاءٍ يَكْفِيهِمَا وَصِلَةُ غَسَلَهُ : ( بِطَهُورٍ مُنْفَصِلٍ ) عَنْ مَحَلِّ النَّجِسِ بَعْدَ غَمْرِهِ بِهِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ كَنَفْسِهِ قَبْلَ غَسْلِ مَحَلِّ النَّجَسِ بِهِ فِي الطَّهُورِيَّةِ ظَاهِرُهُ إنْ تَغَيَّرَتْ الْغُسَالَةُ بِطَاهِرٍ مُفَارِقٍ لِلْمَاءِ غَالِبًا كَوَسَخٍ طَاهِرٍ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ وَضَعَّفُوهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى كَذَلِكَ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِوَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ فَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَالْغُسَالَةُ طَاهِرَةٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ كَالْمُطْلَقِ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَهُوَ شَاذٌّ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ طَاهِرٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْمُضَافَ كَالطَّعَامِ .
( وَلَا يَلْزَمُ ) فِي طَهَارَةِ مَحَلِّ النَّجَسِ ( عَصْرُهُ ) أَيْ مَحَلِّ النَّجَسِ مِنْ الْغُسَالَةِ الَّتِي لَمْ تَتَغَيَّرْ بِوَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ النَّجَاسَةِ وَلَا نَزْحِهَا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ الْإِنَاءِ وَلَا انْفِصَالِهَا عَنْ الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ لِانْعِدَامِ النَّجَاسَةِ بِغَلَبَةِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهَا وَغَمْرِهِ إيَّاهَا فَلَوْ غُسِلَتْ قَطْرَةُ بَوْلٍ مَثَلًا فِي جَسَدٍ أَوْ ثَوْبٍ وَسَالَتْ الْغُسَالَةُ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ فِي بَاقِيهِ وَلَمْ تَنْفَصِلْ عَنْهَا فَهُوَ طَاهِرٌ وَلَا عَرْكَهُ وَلَا تَسْخِينَ الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَشْتَدَّ تَعَلُّقُ النَّجَاسَةِ بِهِ وَيَتَوَقَّفُ زَوَالُهَا مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ وَصِلَةُ غَسَلَ : مَعَ زَوَالِ طَعْمِهِ ) أَيْ النَّجَسِ مِنْ الْمَحَلِّ الْمَغْسُولِ وَلَوْ عُسِرَ فَلَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَائِهِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ عَيْنِهَا فِيهِ ( لَا ) يُشْتَرَطُ زَوَالُ ( لَوْنٍ وَرِيحٍ عَسُرَا ) أَيْ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ فَيَطْهُرُ الْمَحَلُّ مَعَ بَقَائِهِمَا بِهِ كَمَصْبُوغٍ بِصِبْغٍ نَجَسٍ وَأَمَّا غُسَالَتُهُ الْمُتَغَيِّرَةُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَنَجِسَةٌ وَلَا يَجِبُ أُشْنَانٌ وَلَا صَابُونٌ وَلَا تَسْخِينٌ لِإِزَالَةِ اللَّوْنِ أَوْ

الرِّيحِ الْمُتَعَسِّرِ فَإِنْ لَمْ يَعْسُرْ زَوَالُهُمَا فَهُوَ شَرْطٌ فِي طَهَارَةِ الْمَحَلِّ .

وَالْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ نَجِسَةٌ
( وَالْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ ) بِطَعْمِ النَّجَاسَةِ أَوْ لَوْنِهَا أَوْ رِيحِهَا وَلَوْ الْمُتَعَسِّرَيْنِ ( نَجِسَةٌ ) وَهَذِهِ نُكْتَةُ إتْيَانِهِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا بَعْدَ قَوْلِهِ " مُنْفَصِلٍ كَذَلِكَ الْمُغْنِي عَنْهَا لَكِنْ يُغْنِي عَنْهَا أَيْضًا قَوْلُهُ " وَحُكْمُهُ كَغَيْرِهِ " عَلَى تَفْسِيرِ الْحُكْمِ بِالصِّفَةِ وَأَمَّا الْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ بِوَسَخٍ أَوْ صِبْغٍ طَاهِرٍ فَطَاهِرَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ كَالْمُطْلَقِ فِي تَوَقُّفٌ تَنَجُّسِهِ عَلَى تَغَيُّرِهِ بِهَا .

وَلَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَنَجَّسْ مُلَاقِي مَحَلِّهَا
( وَلَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ ) عَنْ مَحَلِّهَا ( بِغَيْرِ ) الْمَاءِ ( الْمُطْلَقِ ) كَمَاءٍ مُتَغَيِّرٍ بِوِرْدٍ أَوْ زَهْرٍ وَبَقِيَ فِي مَحَلِّهَا بَلَلُهُ وَلَاقَى جَافًّا أَوْ مَبْلُولًا أَوْ جَفَّ وَلَاقَى مَبْلُولًا ( لَمْ يَتَنَجَّسْ مُلَاقِي ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ ( مَحَلِّهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ إذَا لَمْ يَبْقَ بِالْمَحَلِّ إلَّا الْحُكْمُ وَهُوَ مُقَدَّرٌ لَا وُجُودَ لَهُ فَلَا يَنْتَقِلُ وَفِيهِ أَنَّ الْمُضَافَ يَتَنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَالْبَلَلُ الْبَاقِي فِي الْمَحَلِّ عَيْنُ نَجَاسَةٍ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِالْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ كَالْمُطْلَقِ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ فَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ فَلَوْ اسْتَنْجَى بِمَاءٍ مُضَافٍ لَأَعَادَ الِاسْتِنْجَاءَ دُونَ غَسْلِ ثَوْبِهِ عَلَى الرَّاجِحِ .

وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا لِثَوْبٍ وَجَبَ نَضْحُهُ ، وَإِنْ تَرَكَ أَعَادَ الصَّلَاةَ : كَالْغُسْلِ ، وَهُوَ رَشٌّ بِالْيَدِ بِلَا نِيَّةٍ لَا إنَّ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ أَوْ فِيهِمَا .
وَهَلْ الْجَسَدُ كَالثَّوْبِ ، أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ ؟ خِلَافٌ .

( وَإِنْ شَكَّ ) شَخْصٌ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا ضَعِيفًا ( فِي إصَابَتِهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ ( لِلثَّوْبِ ) أَوْ حَصِيرٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ نَعْلٍ ( وَجَبَ نَضْحُهُ ) إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ ، وَقِيلَ : يُسَنُّ ، وَقِيلَ : يُنْدَبُ فَإِنْ غَسَلَهُ أَجْزَأَ ( وَإِنْ تَرَكَ ) النَّضْحَ وَصَلَّى بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ ( أَعَادَ الصَّلَاةَ ) الَّتِي صَلَّاهَا بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ بِلَا نَضْحٍ ( كَ ) إعَادَةِ تَارِكِ ( الْغَسْلِ ) لِلثَّوْبِ وَنَحْوِهِ الَّذِي تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا قَوِيًّا إصَابَةَ النَّجَاسَةِ لَهُ وَصَلَّى فِيهِ فِي كَوْنِهَا أَبَدًا إنْ تَرَكَهُ ذَاكِرًا قَادِرًا وَفِي الْوَقْتِ إنْ تَرَكَهُ نَاسِيًا أَوْ عَاجِزًا هَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَعِيسَى أَنَّ تَارِكَ النَّضْحِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا لِخِفَّةِ أَمْرِهِ وَيُمْكِنُ تَمْشِيَةُ الْمَتْنِ عَلَيْهِ بِجَعْلِ التَّشْبِيهِ فِي مُطْلَقِ الْإِعَادَةِ لَا تَامًّا وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ .
وَلَوْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ الْمَشْيَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَقَالَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُعِيدُ مُطْلَقًا لِخِفَّةِ حُكْمِ النَّضْحِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِإِعَادَةِ تَارِكِهِ نَاسِيًا أَبَدًا كَمَا قِيلَ فِي تَارِكِ الْغَسْلِ نَاسِيًا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ النَّضْحِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ أَبُو الْفَرَجِ مِنَّا بِوُجُوبِ الْغَسْلِ مُطْلَقًا بَلْ وَاجِبٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ ، وَقِيلَ : سُنَّةٌ مُطْلَقًا وَقِيلَ : مَنْدُوبٌ وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي مَعُونَتِهِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ .
( وَهُوَ ) أَيْ النَّضْحُ ( رَشٌّ بِالْيَدِ ) رَشَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ لَمْ تَعُمَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَيَكْفِي مُلَاقَاةُ الْمَطَرِ أَوْ النَّدَى بِهِ وَحِكْمَتُهُ دَفْعُ الشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ وَسَدُّ بَابِ التَّوَسْوُسِ وَقِيلَ تَعَبَّدَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى لِانْتِشَارِهَا وَيُجْزِئُ النَّضْحُ ( بِلَا نِيَّةٍ ) لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ فِي الْغَيْرِ كَتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ ( لَا ) يَجِبُ النَّضْحُ ( إنْ ) تَحَقَّقَ الْإِصَابَةُ وَ ( شَكَّ فِي نَجَاسَةِ )

الشَّيْءِ ( الْمُصِيبِ ) إذْ الْأَصْلُ طَهَارَتُهُ ( أَوْ ) شَكَّ ( فِيهِمَا ) أَيْ الْإِصَابَةِ وَنَجَاسَةِ الْمُصِيبِ عَلَى فَرْضِ إصَابَتِهِ فَلَا يَجِبُ النَّضْحُ بِالْأَوْلَى إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُمَا .
( وَهَلْ الْجَسَدُ ) الَّذِي شَكَّ فِي إصَابَتِهِ نَجَاسَةٌ ( كَالثَّوْبِ ) الْمَشْكُوكِ فِي إصَابَتِهِ نَجَاسَةٌ فِي وُجُوبِ نَضْحِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ ( أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ ) أَيْ الْجَسَدِ الْمَشْكُوكِ فِي إصَابَتِهِ نَجَاسَةٌ لِأَنَّ الْغَسْلَ لَا يُفْسِدُهُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ ( خِلَافٌ ) فِي التَّشْهِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَكَانِ الْمَشْكُوكِ فِي إصَابَتِهِ نَجَاسَةٌ وَفِيهِ خِلَافٌ فَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : يَجِبُ غَسْلُهُ اتِّفَاقًا لِيُسْرِ الِانْتِقَالِ عَنْهُ إلَى مَكَان مُحَقَّقِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ فَسَادِهِ بِغَسْلِهِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّطِّيُّ وَعِيَاضٌ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يَجِبُ نَضْحُهُ وَصَدَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ بِالْأَوَّلِ .

وَإِذَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجِسٍ ، صَلَّى بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ .

( وَإِذَا اشْتَبَهَ ) أَيْ الْتَبَسَ مَاءٌ ( طَهُورٌ ) أَيْ مُطَهِّرٌ لِغَيْرِهِ ( بِمُتَنَجِّسٍ ) كَمَاءٍ مُتَغَيِّرٍ بِنَجَسٍ ( أَوْ ) اشْتَبَهَ طَهُورٌ ( بِنَجَسٍ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ كَبَوْلِ آدَمِيٍّ مُوَافِقٍ لِلطَّهُورِ فِي أَوْصَافِهِ وَلَمْ يُوجَدْ طَهُورٌ غَيْرُ مُشْتَبَهٍ بِأَحَدِهِمَا وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ تَوَضَّأَ الشَّخْصُ وُضُوآتٍ ( وَصَلَّى ) صَلَوَاتٍ ( بِعَدَدِ ) أَوْ إلَى ( النَّجِسِ ) أَوْ الْمُتَنَجِّسِ .
( وَزِيَادَةِ إنَاءٍ ) عَلَى عَدَدِ النَّجِسِ أَوْ الْمُتَنَجِّسِ فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا تَوَضَّأَ وُضُوأَيْنِ وَصَلَّى صَلَاتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا وَصَلَّى ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ وَهَكَذَا مَا زَادَ وَإِنْ شَكَّ فِي عَدَدِهِ بَنَى عَلَى الْأَكْثَرِ وَيُصَلِّي عَقِبَ كُلِّ وُضُوءٍ صَلَاةً لِيَكُونَ النَّجَسُ قَاصِرًا عَلَى صَلَاتِهِ إذْ لَوْ أَخَّرَ الصَّلَوَاتِ عَنْ الْوُضُوآتِ لَاحْتُمِلَ أَنَّ الْإِنَاءَ الْأَخِيرَ إنَاءُ النَّجَسِ فَتَقَعُ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا بِالنَّجَاسَةِ ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ : يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَهَكَذَا الْبَاقِي ابْنُ شَاسٍ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُوَضِّحُ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ شب لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ ضَرُورَةٍ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ فِي السَّابِقِ لَا لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْمُتَأَخِّرَ يُطَهِّرُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ لِوُرُودِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَثُرَتْ أَوَانِي غَيْرِ الطَّهُورِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ إنْ قُلْت تَوَضَّأَ بِعَدَدِهَا وَزِيَادَةِ إنَاءٍ وَإِنْ كَثُرَتْ تَحَرَّى وَاحِدًا وَتَوَضَّأَ بِهِ ، وَإِنْ وُجِدَ طَهُورٌ غَيْرُ مُشْتَبَهٍ تَعَيَّنَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ تَرَكَهَا وَتَيَمَّمَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُرِيقُهَا لِأَنَّهَا كَالْعَدَمِ وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِطَاهِرٍ تَوَضَّأَ بِعَدَدِ الطَّاهِرِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ وَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً .

وَنُدِبَ غَسْلُ إنَاءِ مَاءٍ وَيُرَاقُ لَا طَعَامٍ وَحَوْضٍ : تَعَبُّدًا سَبْعًا بِوُلُوغِ كَلْبٍ مُطْلَقًا ، لَا غَيْرِهِ عِنْدَ قَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا تَتْرِيبٍ ، وَلَا يَتَعَدَّدُ بِوُلُوغِ كَلْبٍ أَوْ كِلَابٍ .

( وَنُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( غَسْلُ إنَاءِ مَاءٍ وَيُرَاقُ ) أَيْ الْمَاءُ نَدْبًا إنْ كَانَ يَسِيرًا كَإِنَاءِ غَسْلٍ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَا يُرَاقُ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ ( لَا ) يُنْدَبُ غَسْلُ إنَاءِ ( طَعَامٍ ) وَتَحْرُمُ إرَاقَتُهُ لِإِضَاعَةِ الْمَالِ وَإِهَانَةِ الطَّعَامِ .
( وَ ) لَا يُنْدَبُ غَسْلُ ( حَوْضٍ ) وَلَا إرَاقَةُ مَائِهِ الْكَثِيرِ حَالَ كَوْنِ غَسْلِ إنَاءِ الْمَاءِ وَإِرَاقَتِهِ ( تَعَبُّدًا ) أَيْ لَمْ تَظْهَرْ حِكْمَتُهُ لِطَهَارَةِ الْكَلْبِ وَلِذَا لَمْ يُطْلَبَا بِوُلُوغِ الْخِنْزِيرِ الْأَخْبَثِ مِنْ الْكَلْبِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ مُعَلِّلٌ بِقَذَارَةِ الْكَلْبِ فَالْخِنْزِيرُ أَوْلَى وَقِيلَ بِنَجَاسَتِهِ إلَّا أَنَّ الْمَاءَ لَمَّا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَوَسَطٌ فِي الْحُكْمِ فَالْخِنْزِيرُ أَوْلَى أَيْضًا غَسْلًا ( سَبْعًا ) مِنْ الْغَسَلَاتِ وَلَا يُعَدُّ مِنْهَا الْمَاءُ الْمَوْلُوغُ فِيهِ وَتَنَازَعَ غَسْلٌ وَيُرَاقُ فِي قَوْلِهِ ( بِ ) سَبَبِ ( وُلُوغِ كَلْبٍ ) أَيْ إدْخَالِ لِسَانِهِ فِي الْمَاءِ وَتَحْرِيكِهِ وُلُوغًا ( مُطْلَقًا ) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِي قَنْيَتِهِ .
( لَا ) يُنْدَبُ الْغَسْلُ وَلَا الْإِرَاقَةُ بِسَبَبِ ( غَيْرِهِ ) أَيْ الْوُلُوغِ كَإِدْخَالِ رِجْلِهِ أَوْ لِسَانِهِ بِلَا تَحْرِيكٍ أَوْ سُقُوطِ لُعَابِهِ فِي الْمَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْكَلْبِ أَيْ لَا غَيْرِ كَلْبٍ كَخِنْزِيرِ وَيُرَاقُ وَيُغْسَلُ ( عِنْدَ قَصْدِ ) التَّوَجُّهِ إلَى ( الِاسْتِعْمَالِ ) لِلْمَاءِ الَّذِي وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ لَا بِفَوْرِ وُلُوغِهِ وَيُجْزِئُ غَسْلُهُ ( بِلَا نِيَّةٍ ) لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ فِي الْغَيْرِ .
( وَ ) بِ ( لَا تَتْرِيبٍ ) أَيْ جَعْلِ تُرَابٍ فِي إحْدَى الْغَسَلَاتِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ وَاضْطِرَابِ رُوَاتِهِ ( وَلَا يَتَعَدَّدُ ) الْغَسْلُ سَبْعًا ( بِ ) سَبَبِ ( وُلُوغِ كَلْبٍ ) وَاحِدٍ مَرَّاتٍ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ .
( أَوْ ) وُلُوغِ ( كِلَابٍ ) فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ قَبْلَ غَسْلِهِ لِتَدَاخُلِ مُسَبَّبَاتِ الْأَسْبَابِ الْمُتَّفِقَةِ فِي الْمُسَبَّبِ كَنَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَمُوجِبَاتِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ .

( فَصْلٌ )
وَلَمَّا أَتَمَّ الْكَلَامَ عَلَى أَحْكَامِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ الْمَائِيَّةِ الصُّغْرَى فَقَالَ : ( فَصْلٌ فِي فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ ) وَتَرَكَ أَسْبَابَهُ وَشُرُوطَهُ وَمَكْرُوهَاتِهِ فَأَسْبَابُهُ دُخُولُ الْوَقْتِ وَثُبُوتُ نَاقِضِهِ

وَشُرُوطُهُ : ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ شُرُوطُ وُجُوبٍ فَقَطْ وَهِيَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُ وُجُوبِهِ فَقَطْ : وَهِيَ الْبُلُوغُ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِهِ وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ ، وَشُرُوطُ صِحَّةٍ فَقَطْ : وَهِيَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُ صِحَّتِهِ فَقَطْ وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَعَدَمُ الْحَائِلِ وَعَدَمُ الْمُنَافِي وَهُوَ النَّاقِضُ وَشُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ مَعًا وَهِيَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُهُمَا مَعًا وَهِيَ الْعَقْلُ وَبُلُوغُ دَعْوَةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلُوُّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَعَدَمُ النَّوْمِ وَالسَّهْوِ وَوُجُودُ الْكَافِي مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْغُسْلُ كَالْوُضُوءِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا التَّيَمُّمُ بِإِبْدَالِ الْمَاءِ بِالصَّعِيدِ وَجُعِلَ دُخُولُ الْوَقْتِ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ أَيْضًا وَسَتَأْتِي مَكْرُوهَاتُهُ آخِرَ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

فَرَائِضُ الْوُضُوءِ : غَسْلُ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ ، وَالذَّقَنِ ، وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ ، فَيَغْسِلُ الْوَتَرَةَ ، وَأَسَارِيرَ جَبْهَتِهِ ، وَظَاهِرَ شَفَتَيْهِ بِتَخْلِيلِ شَعَرٍ تَظْهَرُ الْبَشَرَةَ تَحْتَهُ ، لَا جُرْحًا بَرِئَ ، أَوْ خُلِقَ غَائِرًا ، وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ وَبَقِيَّةُ مِعْصَمٍ إنْ قُطِعَ : كَكَفٍّ بِمَنْكِبٍ بِتَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ ، لَا إجَالَةُ خَاتَمِهِ وَنُقِضَ غَيْرُهُ ، وَمَسْحُ مَا عَلَى الْجُمْجُمَةِ بِعَظْمِ صُدْغَيْهِ مَعَ الْمُسْتَرْخِي وَلَا يَنْقُضُ ضَفْرَهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَيُدْخِلَانِ يَدَيْهِمَا تَحْتَهُ فِي رَدِّ الْمَسْحِ ، وَغَسْلُهُ مُجْزٍ ، وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ بِكَعْبَيْهِ النَّاتِئَيْنِ بِمَفْصِلَيْ السَّاقَيْنِ

( فَرَائِضُ ) جَمْعُ فَرِيضَةٍ شُذُوذًا إذْ شَرْطُ قِيَاسِ فَعَائِلَ فِي فَعِيلَةٍ أَنْ لَا تَكُونَ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَصَحِيفَةٍ وَصَحَائِفَ وَعَظِيمَةٍ وَعَظَائِمَ أَوْ فَرْضٍ شُذُوذًا أَيْضًا إذْ قِيَاسُ جَمْعِ فَعْلٍ أَفْعَالٍ إنْ كَانَ مُعْتَلَّ الْعَيْنِ كَثَوْبٍ وَأَثْوَابٍ ، وَبَيْتٍ وَأَبْيَاتٍ ، وَبَابٍ وَأَبْوَابٍ ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحَهَا فَهُوَ شَاذٌّ أَيْضًا : كَقُرْءٍ وَأَقْرَاءٍ فَإِنْ قِيلَ هِيَ سَبْعَةٌ وَفَعَائِلُ مِنْ صِيَغِ الْكَثْرَةِ وَمَبْدَؤُهَا أَحَدَ عَشَرَ قِيلَ : هُوَ عَلَى أَنَّ مَبْدَأَ الْكَثْرَةِ ثَلَاثَةٌ كَالْقِلَّةِ وَأَيْضًا مَحَلُّ الْفَرْقِ بَيْنَ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَجَمْعِ الْكَثْرَةِ إذَا جُمِعَ الْمُفْرَدُ بِهِمَا فَإِنْ جُمِعَ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَأَرْجُلٍ وَصْفَى ، وَفَرِيضَةٌ لَمْ تُجْمَعْ إلَّا عَلَى فَرَائِضَ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا .
( الْوُضُوءُ ) بِضَمِّ الْوَاوِ أَيْ التَّوَضُّؤُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَاءِ قَلِيلًا وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ الْمَاءُ فَهُوَ التَّوَضُّؤُ قَلِيلًا ( غَسْلُ ) أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ مَعَ الدَّلْكِ ( مَا ) أَيْ الْوَجْهِ الَّذِي ( بَيْنَ ) وَتَدَيْ ( الْأُذُنَيْنِ ) وَهَذَا بَيَانٌ لِحَدِّهِ عَرْضًا فَدَخَلَ فِيهِ الْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ الْوَتَدِ وَعَظْمِ الصُّدْغِ الْبَارِزِ وَاَلَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِذَارِ نَازِلًا عَنْ الْوَتَدِ وَخَرَجَ عَنْهُ صَدْعُ الصُّدْغَيْنِ وَالْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُذُنِ .
وَأَشَارَ إلَى حَدِّهِ طُولًا بِقَوْلِهِ ( وَ ) غَسْلُ مَا بَيْنَ ( مَنَابِتِ ) جَمْعُ مَنْبَتٍ أَيْ مَوْضِعِ نَبَاتٍ ( شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ ) نَعْتٌ لِلْمَنَابِتِ لِإِخْرَاجِ مَنْبَتِ الْأَصْلَعِ وَالْأَنْزَعِ وَالْأَغَمِّ فَالْأَوَّلَانِ لَا يَلْزَمُهُمَا الْغَسْلُ إلَى مَنَابِتِهِمَا وَالْأَخِيرُ لَا يَكْفِيهِ الْغَسْلُ إلَى مَنْبَتِهِ ( وَ ) بَيْنَ مُنْتَهَى ( الذَّقَنِ ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ مَحَلُّ اجْتِمَاعِ اللَّحْيَيْنِ أَسْفَلَ الْفَمِ لِمَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ كَمَرْأَةٍ وَأَمْرَدَ .
( وَ ) بَيْنَ مُنْتَهَى ( ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ ) لِمَنْ هِيَ لَهُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا

أَيْ الشَّعْرِ النَّابِتِ عَلَى جَانِبَيْ الْوَجْهِ الْمُسَمَّيَيْنِ لَحْيَيْنِ مَثْنَى لَحْيٍ بِفَتْحِ اللَّامِ ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا فِيهِمَا فَدَخَلَ فِيهِ الذَّقَنُ وَاللِّحْيَةُ وَظَاهِرُهَا مَا يُرَى عِنْدَ الْمُوَاجِهَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ بَاطِنِهَا وَهُوَ أَسْفَلُهَا الَّذِي يَلِي الصَّدْرَ فَلَمْ يَطْلُبْ غَسْلَهُ فَهِيَ بِدْعَةٌ وَغُلُوٌّ فِي الدِّينِ وَزِيَادَةٍ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ مَكْرُوهَةٌ وَالْمُرَادُ بِغُسْلِهِ تَعْمِيمُهُ بِالْمَاءِ مَعَ الدَّلْكِ وَهَذَا غَيْرُ التَّخْلِيلِ الَّذِي هُوَ إيصَالُ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّعْرِ وَلَا يَتِمُّ غَسْلُ الْوَجْهِ إلَّا بِغَسْلِ جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ الرَّأْسِ فَهُوَ وَاجِبٌ لِتَوَقُّفِ تَمَامِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ .
( فَيَغْسِلُ ) أَيْ الْمُتَوَضِّئُ وُجُوبًا ( الْوَتَرَةَ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمُثَنَّاةِ أَيْ الْحَاجِزَ بَيْنَ طَاقَتَيْ الْأَنْفِ بِحَبْسِ الْمَاءِ السَّائِلِ عَلَيْهَا حَتَّى يَعُمَّهَا مَعَ الدَّلْكِ ( وَ ) يَغْسِلُ ( أَسَارِيرَ ) أَيْ تَكَامِيشَ ( جَبْهَتِهِ ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ أَوْ الْوَجْهِ بِتَعْمِيمِهَا بِالْمَاءِ مَعَ الدَّلْكِ ( وَ ) يَغْسِلُ ( ظَاهِرَ ) أَيْ مَا يَظْهَرُ مِنْ ( شَفَتَيْهِ ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ عِنْدَ ضَمِّهِمَا ضَمًّا طَبِيعِيًّا خَالِيًا عَنْ التَّكَلُّفِ بِحَبْسِ الْمَاءِ السَّائِلِ لَهُ حَتَّى يَعُمَّهُ وَدَلَكَهُ وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ شَأْنَ الْمَاءِ الْبُعْدُ عَنْهَا ( بِتَخْلِيلِ ) أَيْ مَعَ إيصَالِ الْمَاءِ لِبَاطِنِ ( شَعْرٍ ) لِلِّحْيَةِ أَوْ حَاجِبٍ أَوْ عَنْفَقَةٍ ( تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْجِلْدَةُ ( تَحْتَهُ ) عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ وَمَفْهُومُ تَظْهَرُ إلَخْ أَنَّ الَّذِي لَا تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهُ لَا يَجِبُ تَخْلِيلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ يُكْرَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَقِيلَ يُنْدَبُ وَقِيلَ : يَجِبُ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي هَذَا ( لَا ) يَجِبُ أَنْ يَغْسِلَ ( جُرْحًا ) بِضَمِّ الْجِيمِ ( بَرِيءَ ) غَائِرًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ .
( أَوْ ) مَوْضِعًا (

خُلِقَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ حَالَ كَوْنِهِ ( غَائِرًا ) كَذَلِكَ وَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ لِبَاطِنِهِ إنْ أَمْكَنَ غَسْلُهُ وَجَبَ وَسَوَاءً كَانَ فِي الْوَجْهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَعَطَفَ عَلَى مَا بَيْنَ ، فَقَالَ ( وَ ) غَسَلَ ( يَدَيْهِ ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ ( بِمِرْفَقَيْهِ ) أَيْ مَعَهُمَا مُثَنَّى مِرْفَقٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ ، وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ آخِرِ عَظْمِ الذِّرَاعِ الْمُتَّصِلِ بِالْعَضُدِ .
( وَ ) غَسْلُ ( بَقِيَّةِ مِعْصَمٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَصْلُهُ مَوْضِعُ السِّوَارِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْيَدُ مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ ( إنْ قُطِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ بَعْضُ الْمِعْصَمِ وَمِثْلُ الْمِعْصَمِ بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ ، وَمِثْلُ الْقَطْعِ سُقُوطُهُ بِغَيْرِهِ أَوْ خَلْقُهُ نَاقِصًا فَكُلُّ عُضْوٍ سَقَطَ بَعْضُهُ تَعَلَّقَ حُكْمُهُ بِبَاقِيهِ غَسْلًا أَوْ مَسْحًا وَيَلْزَمُ الْأَقْطَعَ أَوْ الْأَشَلَّ أُجْرَةُ مَنْ يُطَهِّرُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَ مَا يُمْكِنُهُ وَشَبَّهَ فِي الْفَرْضِيَّةِ فَقَالَ ( كَ ) غَسْلِ ( كَفٍّ ) خُلِقَتْ ( بِمَنْكِبٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ مَفْصِلِ الْعَضُدِ مِنْ الْكَتِفِ وَلَيْسَ لَهُ يَدٌ غَيْرُهَا فَإِنْ كَانَ لَهُ يَدٌ غَيْرُهَا وَكَانَ لَهَا مِرْفَقٌ أَوْ نَبَتَتْ فِي الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهَا أَيْضًا أَوْ فِي غَيْرِهِ وَطَالَتْ حَتَّى حَاذَتْهُ وَجَبَ غَسْلُ الْمُحَاذِي مِنْهَا فَقَطْ وَيُقَالُ فِي الرِّجْلِ الزَّائِدَةِ نَحْوُ مَا قِيلَ فِي الْيَدِ الزَّائِدَةِ بِإِبْدَالِ الْمِرْفَقِ بِالْكَعْبِ وَمِنْهُ فَرَّعَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْكَحَّالَةِ تِلْمِيذُ سَحْنُونٍ مَرْأَةٌ لَهَا وَجْهَانِ وَأَرْبَعَةُ أَيْدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهَا غَسْلُ وَجْهَيْهَا وَأَيْدِيَهَا ، وَيَجُوزُ وَطْؤُهَا لِاتِّحَادِ مَحَلِّهِ .
( بِتَخْلِيلِ أَصَابِعِ ) يَدَيْ ( هـ ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ وُجُوبًا لِأَنَّهَا كَأَعْضَاءٍ لِشِدَّةِ افْتِرَاقِهَا وَيُحَافِظُ عَلَى عَقْدِهَا ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْبُو عَنْهَا بِأَنْ يَحْنِيَهَا حَالَ النَّسْلِ حَتَّى تَظْهَرَ تَكَامِيشُهَا أَوْ

يَجْمَعَ رُءُوسَ أَصَابِعِهِ وَيَحُكَّهَا بِبَطْنِ كَفِّهِ الْأُخْرَى وَالْأَوْلَى تَخْلِيلُهَا مِنْ ظَهْرِ الْيَدِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ وَيُخَلِّلُهَا فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ نَدْبًا وَيُعْفَى عَنْ الْوَسَخِ الْمُجْتَمِعِ تَحْتَ الْأَظَافِرِ إنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ .
( لَا ) تَجِبُ ( إجَالَةُ ) أَيْ تَحْوِيلُ ( خَاتِمِهِ ) أَيْ الْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَوْ كَانَ ضَيِّقًا مَانِعًا مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ لِمَا تَحْتَهُ فَإِنْ حَوَّلَهُ بَعْدَ غَسْلِ يَدٍ غَسَلَ مَحَلَّهُ إنْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَصِلْهُ وَالْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ بِخَوَاتِمِ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَمِثْلُ الْخَاتَمِ الْأَسَاوِرُ وَالْخَلَاخِلُ وَالْأَطْوَاقُ وَالْغَسْلُ كَالْوُضُوءِ وَغَيْرُ الْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ مُحَرَّمٍ كَخَاتِمٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ زَادَ عَلَى دِرْهَمَيْنِ أَوْ تَعَدَّدَ لِرَجُلٍ أَوْ مَكْرُوهٍ كَنُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ : ( وَنُقِضَ ) الشَّخْصُ الْمُتَوَضِّئُ وُجُوبًا أَيْ أَزَالَ ( غَيْرُهُ ) أَيْ الْخَاتِمِ الْمَأْذُونِ فِيهِ صَادِقٌ بِغَيْرِ الْخَاتَمِ كَشَمْعٍ وَزِفْتٍ وَمِدَادٍ وَوَسَخٍ عَلَى الْعُضْوِ مَانِعٍ مِنْ وَصْلِ الْمَاءِ لِبَشَرَتِهِ وَبِالْخَاتَمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ مَحَلِّهِ وَغُلِّهِ فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ وُصُولَ الْمَاءِ لَهَا فَلَا يَجِبُ نَقْضُهُ وَيَكْفِي الدَّلْكُ بِهِ كَالدَّلْكِ بِالْيَدِ بِحَائِلٍ عَلَيْهَا هَذَا الَّذِي أَفَادَهُ نَقْلُ الْحَطِّ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَعَطَفَ عَلَى غَسْلُ فَقَالَ : ( وَمَسْحُ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِ ( مَا ) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي ( عَلَى الْجُمْجُمَةِ ) بِضَمِّ الْجِيمَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ الْأُولَى أَيْ عَظْمِ الرَّأْسِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الدِّمَاغِ مِنْ جِلْدٍ أَوْ شَعْرٍ وَحْدَهُ طُولًا مِنْ الْمَنَابِتِ الْمُعْتَادَةِ لِلشَّعْرِ إلَى نُقْرَةِ الْقَفَا وَعَرْضَا مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْبَيَاضُ الَّذِي فَوْقَهُمَا ( بِعَظْمِ صُدْغَيْهِ ) الَّذِي نَبَتَ عَلَيْهِ الشَّعْرُ فَقَطْ وَبَاقِيهِ مِنْ الْوَجْهِ فَالْأَوْلَى بِشَعْرِ صُدْغَيْهِ ( مَعَ ) مَسْحِ

الشَّعْرِ ( الْمُسْتَرْخِي ) أَيْ الْمُسْتَطِيلِ النَّازِلِ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ وُجُوبًا وَلَوْ طَالَ جِدًّا نَظَرًا لِأَصْلِهِ .
( وَلَا يَنْقُضُ ) أَيْ لَا يَجِبُ وَلَا يُنْدَبُ أَنْ يَنْقُضَ ( ضَفْرَهُ ) أَيْ مَضْفُورَ شَعْرِهِ مَفْعُولُ يَنْقُضُ مُقَدَّمٍ وَفَاعِلُهُ ( رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ ) إنْ خَلَا عَنْ الْخَيْطِ وَلَوْ اشْتَدَّ وَيَنْقُضُ فِي الْغُسْلِ اشْتَدَّ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى خَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ فَإِنْ اشْتَدَّ نَقَضَ فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ ضَفَّرَ بِثَلَاثَةِ خُيُوطٍ أَوْ أَكْثَرَ نَقَضَ فِيهِمَا اشْتَدَّ وَلَمْ يَشْتَدَّ .
( وَيَدْخُلَانِ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ اللَّذَانِ طَالَ شَعْرُهُمَا اسْتِنَانًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي رَدِّ الْمَسْحِ وَمَفْعُولُ يُدْخِلَانِ قَوْلُهُ ( يَدَيْهِمَا ) أَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَصِلَةُ يُدْخِلَانِ ( تَحْتَهُ ) أَيْ الشَّعْرِ الْمُسْتَرْخِي وَكَذَا ( فِي رَدِّ الْمَسْحِ ) السُّنَّةُ الَّذِي نَصَّ عَلَى حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي فِي السُّنَنِ : وَرَدِّ مَسْحِ رَأْسِهِ فَالْفَرْضُ يَتِمُّ بِمَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ وَلَوْ طَالَ جِدًّا وَالسُّنَّةُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ تَحْتِهِ هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْمَعُونَةِ وَالتَّلْقِينِ وَجَامِعِ ابْنِ يُونُسَ وَتَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ وَالْجَوَاهِرِ وَقَوَاعِدِ عِيَاضٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَقَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ كَانَ الرَّدُّ سُنَّةً وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مَنْدُوبَيْنِ لِأَنَّ الَّذِي يَمْسَحُهُ فِي الرَّدِّ غَيْرُ الَّذِي مَسَحَهُ أَوَّلًا فِي ذِي الشَّعْرِ الطَّوِيلِ وَأُلْحِقَ بِهِ غَيْرُهُ وَقَرَّرَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيُّ جَدُّ عج كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَغَسْلُهُ ) أَيْ مَا عَلَى الْجُمْجُمَةِ ( مُجْزٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْجِيمِ آخِرُهُ زَايٌ عَنْ مَسْحِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَسْحِ وَزِيَادَةٍ وَإِنْ كُرِهَ ابْتِدَاءً كَمَا أَشَارَ لَهُ بِمُجْزٍ وَعَطَفَ عَلَى غَسْلُ فَقَالَ ( وَغَسْلُ

رِجْلَيْهِ ) أَيْ الشَّخْصِ الْمُتَوَضِّئِ ( بِكَعْبَيْهِ ) أَيْ مَعَ غَسْلِ الْعَظْمَيْنِ ( النَّاتِئَيْنِ ) أَيْ الْبَارِزَيْنِ ( بِمَفْصِلَيْ ) بِفَتْحِ اللَّامِ مُثَنَّى مَفْصِلٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَحَدُ مَفَاصِلِ الْأَعْضَاءِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ ، وَفَتْحِ الصَّادِ مَعْنَاهُ اللِّسَانُ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا أَيْ فِي مَوْضِعِ انْفِصَالِ الْقَدَمَيْنِ مِنْ ( السَّاقَيْنِ ) وَالْعُرْقُوبِ فِي مَحَلِّ انْفِصَالِ السَّاقِ مِنْ الْعَقِبِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلسَّاقِ جَانِبَيْنِ جَانِبٌ مُتَّصِلٌ بِالْقَدَمِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأَصَابِعِ وَعِنْدَهُ الْكَعْبَانِ وَجَانِبٌ مُتَّصِلٌ بِالْعَقِبِ وَعِنْدَهُ الْعُرْقُوبُ وَيُحَافِظُ عَلَى الْعُرْقُوبِ وَالْعَقِبِ وُجُوبًا لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْبُو عَنْهُمَا وَفِي الْحَدِيثِ { وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ } .

وَنُدِبَ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا ، وَلَا يُعِيدُ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ
( وَنُدِبَ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا ) أَيْ الرِّجْلَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِشِدَّةِ اتِّصَالِهَا كَأَنَّهَا عُضْوٌ وَاحِدٌ مِنْ أَسْفَلِهَا يَبْدَأُ بِخِنْصِرِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِإِبْهَامِهِمَا ثُمَّ بِإِبْهَامِ الْيُسْرَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصِرِهَا ثُمَّ بِسَبَّابَةِ يَدِهِ الْيُسْرَى ( وَلَا يُعِيدُ ) أَيْ لَا يَغْسِلُ مَحَلَّ الظُّفْرِ وَلَا يَمْسَحُ مَوْضِعَ الشَّعْرِ ( مَنْ قَلَّمَ ) بِفَتَحَاتٍ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا أَيْ قَصَّ ( ظُفْرَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ ) بَعْدَ وُضُوئِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ حَدَثَهُ قَدْ ارْتَفَعَ بِغَسْلِ ظُفْرِهِ وَمَسْحِ شَعْرِهِ وَلَا يَعُودُ بِإِبَانَتِهِمَا .

وَفِي لِحْيَتِهِ قَوْلَانِ ، وَالدَّلْكُ
( وَفِي ) وُجُوبِ غَسْلِ مَوْضِعِ ( لِحْيَتِهِ ) وَشَارِبِهِ اللَّذَيْنِ حَلَقَهُمَا أَوْ زَالَا بَعْدَ وُضُوئِهِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَلَوْ كَنَيِّفَةِ ( قَوْلَانِ ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى رَاجِحِيَّةِ أَحَدِهِمَا وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حَلْقُ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ وَيَجِبُ حَلْقُهُمَا عَلَى الْمَرْأَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا يَنْبَغِي تَرْكُ حَلْقِ الرَّأْسِ لِمَنْ اعْتَادَهُ وَعَطَفَ عَلَى " غَسْلُ " فَقَالَ : ( وَالدَّلْكُ ) أَيْ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ مَعَ سَيَلَانِ الْمَاءِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ جَفَافِهِ وَتُنْدَبُ مُقَارَنَتُهُ لَهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ لِمَشَقَّتِهَا فِيهِ عج وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ فِي الْوُضُوءِ بَاطِنُ الْكَفِّ فَلَا يَكْفِي إمْرَارُ غَيْرِهِ فِيهِ وَيَكْفِي فِي الْغُسْلِ وَكَتَبَ أَبُو عَلِيٍّ حَسَنٌ الْمِسْنَاوِيُّ الدَّلْكُ أَيْ بِالْيَدِ ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا وَبِالذِّرَاعِ أَوْ بِحَكِّ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ بِالْأُخْرَى خِلَافًا لِتَخْصِيصِ عج وَمَنْ تَبِعَهُ الدَّلْكَ بِبَاطِنِ الْكَفِّ .
قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ الدَّلْكُ إمْرَارُ الْيَدِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ الدَّلْكُ بِالْيَدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ خِلَافًا لعج وَمَنْ تَبِعَهُ ا هـ وَلَا يَضُرُّ إضَافَةُ الْمَاءِ بِسَبَبِ الدَّلْكِ بَعْدَ عُمُومِهِ الْعُضْوِ طَهُورًا إلَّا إذَا كَانَ الْوَسَخُ حَائِلًا .

وَهَلْ الْمُوَالَاةُ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ ، وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا ، وَإِنْ عَجَزَ مَا لَمْ يَطُلْ بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ بِزَمَنٍ اعْتَدَلَا ، أَوْ سُنَّةٌ ؟ خِلَافٌ .

( وَهَلْ الْمُوَالَاةُ ) أَيْ عَدَمُ التَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ بَيْنَ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَيُسَمَّى فَوْرًا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُوهِمُ وُجُوبَهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَوُجُوبُ الْإِسْرَاعِ فِيهِ وَحُرْمَةُ التَّفْرِيقِ الْيَسِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ هِيَ مَنْدُوبَةٌ فَالتَّعْبِيرُ بِهَا أَوْلَى لِأَنَّهَا لَا تُوهِمُهَا وَخَبَرُ الْمُوَالَاةِ ( وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ ) أَيْ تَذَكَّرَ الشَّخْصُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ ( وَقَدَرَ ) الْمُتَوَضِّئُ عَلَى التَّوَضُّؤِ بِلَا تَفْرِيقٍ كَثِيرٍ فَلَا تَجِبُ إنْ نَسِيَ أَوْ عَجَزَ .
( وَبَنَى ) الْمُتَوَضِّئُ عَلَى مَا فَعَلَهُ اسْتِنَانًا أَوْ وُجُوبًا مَا يُكْمِلُ وُضُوءَهُ وَيُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهُ أَوْ يَحْرُمُ إنْ كَانَ ثَلَّثَ غَسْلَ أَعْضَائِهِ أَوْ رَدُّ مَسْحَ رَأْسِهِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ خِلَافٌ هَذَا إنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا أَوْ الْبَقَاءَ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنْ أَرَادَ قَطْعَهُ جَازَ إذْ لَا يَلْزَمُ تَتْمِيمُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُثَلِّثْ بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِهِ أَوْ اثْنَتَيْنِ نُدِبَ ابْتِدَاؤُهُ بِمَا يُكْمِلُ الثَّلَاثَ وَصِلَةُ بَنَى ( بِنِيَّةٍ ) أَيْ مَعَ قَصْدِ إكْمَالِ الْوُضُوءِ لِذَهَابِ نِيَّتِهِ الْأُولَى بِالنِّسْيَانِ فَإِنْ بَنَى بِغَيْرِهَا فَلَا يَجْزِيهِ ( إنْ نَسِيَ ) الْمُتَوَضِّئُ إكْمَالَ وُضُوئِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فَيَبْنِي بِنَاءً ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْقُرْبِ .
( وَإِنْ عَجَزَ ) الْمُتَوَضِّئُ عَنْ إكْمَالِ وُضُوئِهِ عَجْزًا حَكِيمًا بِأَنْ أَعَدَّ مَا يَكْفِيهِ ظَنًّا ضَعْفًا أَوْ شَكًّا فَلَمْ يَكْفِهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ بَنَى وُجُوبًا أَوْ اسْتِنَانًا ( مَا لَمْ يَطُلْ ) الزَّمَنُ فَإِنْ طَالَ بَطَلَ الْوُضُوءُ وَكَذَا مَنْ أَعَدَّ مَاءً لَا يَكْفِيهِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا أَوْ فَرَّقَ عَامِدًا مُخْتَارًا بِلَا رَفْضٍ وَأَمَّا الْعَاجِزُ حَقِيقَةً بِأَنْ أَعَدَّ مَاءً يَكْفِيهِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا فَلَمْ يَكْفِيه أَوْ أَرَاقَهُ نَحْوُ أَعْمَى أَوْ غَصَبَهُ شَخْصٌ أَوْ أُرِيقَ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّفْرِيقِ أَوْ

حَدَثَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِكْمَالِ فَيَبْنِي وَلَوْ طَالَ وَلَا يَحْتَاجُ لِتَجْدِيدِ نِيَّةٍ لِاسْتِمْرَارِهَا وَالطُّولُ مُقَدَّرٌ .
( بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ ) مَغْسُولَةٍ ( بِزَمَنٍ ) أَيْ فِيهِ وَوَصَفَ الْأَعْضَاءَ وَالزَّمَنَ بِجُمْلَةِ ( اعْتَدَلَا ) أَيْ الْأَعْضَاءُ بِتَوَسُّطِ صَاحِبِهَا بَيْنَ الشُّبُوبِيَّةِ وَالشُّيُوخَةِ وَالْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ الْمَرَضِ وَالزَّمَنِ بِتَوَسُّطِهِ بَيْنَ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ كَفَصْلَيْ الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ حَالَ سُكُونِ الرِّيحِ فَإِنْ كَانَا مُعْتَدِلَيْنِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا قَدْرَ اعْتِدَالِهِمَا وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِدَالِ الْمَكَانِ بِتَوَسُّطِهِ بَيْنَ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ كَبِلَادِ مِصْرَ فَجَفَافُ الْأَعْضَاءِ مَعَ ذَلِكَ عَلَامَةُ الطُّولِ وَعَدَمُهُ عَلَامَةُ عَدَمِهِ .
( أَوْ ) هِيَ ( سُنَّةٌ ) إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ فَإِنْ فَرَّقَ نَاسِيًا أَوْ عَاجِزًا عَجْزًا حَقِيقِيًّا بَنَى وَلَوْ طَالَ وَإِنْ فَرَّقَا عَامِدًا وَطَالَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : بَطَلَ وُضُوءُهُ فَيَبْتَدِئُهُ فَإِنْ بَنَى وَصَلَّى أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ ( خِلَافٌ ) فِي التَّشْهِيرِ فَقَدْ شَهَّرَ ابْنُ رُشْدٍ السُّنِّيَّةَ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبَ وَهُوَ مَعْنَوِيٌّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَفْظِيٌّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ

وَنِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ وَجْهِهِ ، أَوْ الْفَرْضِ ، أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ وَإِنْ مَعَ تَبَرُّدٍ ، أَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْمُسْتَبَاحِ ، أَوْ نَسِيَ ، حَدَثًا لَا أَخْرَجَهُ .

وَعَطَفَ عَلَى " غَسْلُ " فَقَالَ : ( وَنِيَّةُ ) أَيْ إرَادَةِ وَقَصْدِ ( رَفْعِ ) أَيْ إزَالَةِ ( الْحَدَثِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُقَدَّرِ قِيَامُهُ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَانِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَزَمَنُهَا ( عِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ ) إنْ بَدَأَ بِهِ كَمَا هِيَ السُّنَّةُ وَإِلَّا فَعِنْدَ أَوَّلِ فَرْضِ غَيْرِهِ ( أَوْ ) نِيَّةِ أَدَاءِ الْوُضُوءِ ( الْفَرْضِ ) أَيْ الْمَفْرُوضِ أَيْ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَجَوَازُ مَسِّ الْمُصْحَفِ فَتَجْرِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَوُضُوءِ الصَّبِيِّ .
( أَوْ ) نِيَّةُ ( اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ ) بِالْحَدَثِ كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَالْأَوْلَى جَمْعُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَاهَا كَفَتْ وَإِنْ أَتَى بِكَيْفِيَّةٍ مِنْهَا وَنَفَى غَيْرَهَا فَلَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَكَذَا اثْنَتَانِ وَنَفْيُ الثَّالِثَةِ لِتَنَاقُضِهِ وَتَكْفِي إحْدَاهَا مُجَرَّدَةً عَنْ غَيْرِهَا بَلْ ( وَإِنْ مَعَ ) نِيَّةٍ كَ ( تَبَرُّدٍ ) أَوْ تَدَفُّؤٍ أَوْ نَظَافَةٍ أَوْ إزَالَةِ حُكْمِ خَبَثٍ أَوْ تَعْلِيمٍ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْوُضُوءَ وَلَا تُؤَثِّرُ خَلَلًا فِيهِ لِاسْتِلْزَامِهِ غَالِبهَا إنْ لَمْ يَخْرُجْ بَعْضُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ .
( أَوْ ) وَإِنْ أَخْرَجَ ( بَعْضَ الْمُسْتَبَاحِ ) فِعْلُهُ بِالْوُضُوءِ كَالصَّلَاةِ بِأَنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الظُّهْرِ لَا الْعَصْرَ مَثَلًا أَوْ الصَّلَاةَ لَا الطَّوَافَ أَوْ أَحَدَهُمَا لَا مَسَّ مُصْحَفٍ أَوْ عَكْسَهَا فَيَصِحُّ وُضُوءُهُ وَيُبَاحُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا لِأَنَّ تَرْتِيبَ إبَاحَتِهِ عَلَى صِحَّةِ الْوُضُوءِ وَظِيفَةُ الشَّارِعِ لَا الْمُكَلَّفُ فَهُوَ فُضُولِيٌّ فِيهِ فَأُلْغِيَ إخْرَاجُهُ هَذَا إنْ تَذَكَّرَ الْأَحْدَاثَ كُلَّهَا الَّتِي اتَّفَقَتْ لَهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ .
( أَوْ ) وَإِنْ ( نَسِيَ حَدَثًا ) أَوْ أَحْدَاثًا مِنْهَا وَتَذَكَّرَ غَيْرَهُ وَنَوَى الِاسْتِبَاحَةَ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ هُنَا النَّاقِضُ الشَّامِلُ لِلسَّبَبِ وَغَيْرِهِمَا أَيْضًا فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ الْحَقِيقِيِّ

وَسَوَاءٌ كَانَ مَا نَوَى الِاسْتِبَاحَةَ مِنْهُ حَصَلَ مِنْهُ أَوْ لَا أَوْ وَسَطًا أَوْ آخِرًا أَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ ذَكَرَ نَوَاقِضَ وَنَوَى مِنْ بَعْضِهَا وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ ( لَا ) إنْ ( أَخْرَجَهُ ) أَيْ الْمُتَوَضِّئَ الْحَدَثُ فَلَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ لِتَنَاقُضِهِ بِأَنْ نَوَى مِنْ الْبَوْلِ لَا مِنْ الرِّيحِ مَثَلًا .

أَوْ نَوَى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ
( أَوْ نَوَى ) الْمُتَوَضِّئُ بِغَسْلِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ ( مُطْلَقَ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَإِضَافَتِهِ إلَى ( الطَّهَارَةِ ) مِنْ إضَافَةِ مَا كَانَ صِفَةً أَيْ الطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ أَمَّا فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ أَوْ حُكْمِ الْخَبَثِ فَلَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ لِتَرَدُّدِهِ فِي نِيَّتِهِ وَعَدَمِ جَزْمِهِ بِطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَأَوْلَى نِيَّتُهُ الطَّهَارَةَ الْمُتَحَقِّقَةَ فِي طَهَارَةِ حُكْمِ الْخَبَثِ وَحْدَهَا لِعَدَمِ نِيَّةِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَمُفْهِمُ مُطْلَقِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ الشَّامِلَةَ لَهُمَا مَعًا أَوْ الْمُتَحَقِّقَةَ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَقَطْ أَوْ الطَّهَارَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَلَمْ يُلَاحَظْ دَوَرَانُهَا بَيْنَهُمَا وَلَا شُمُولُهَا لَهُمَا مَعًا وَلَا تَحَقُّقُهَا فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَحْدَهَا صَحَّ وُضُوءُهُ وَحَالُهُ يَصْرِفُ نِيَّتَهُ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَقَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِهَا فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ .

أَوْ اسْتِبَاحَةَ مَا نُدِبَتْ لَهُ
( أَوْ ) نَوَى ( اسْتِبَاحَةَ مَا ) أَيْ فِعْلِ أَوْ الْفِعْلِ الَّذِي ( نُدِبَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الطَّهَارَةُ ( لَهُ ) وَلَمْ يَتَوَقَّفْ جَوَازُهُ وَلَا صِحَّتُهُ عَلَيْهَا كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ عَنْ حِفْظِ الْقَلْبِ بِلَا مَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ زِيَارَةِ صَالِحٍ أَوْ دُخُولٍ عَلَى سُلْطَانٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ قِرَاءَةِ عِلْمٍ أَوْ تَعْلِيمِهِ أَوْ تَعَلُّمِهِ فَلَا يَرْفَعُ وُضُوءَهُ حَدَثُهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ فَلَا يُصَلِّي وَلَا يَطُوفُ وَلَا يَمَسُّ مُصْحَفًا بِهِ .

أَوْ قَالَ إنْ كُنْت أَحْدَثْت فَلَهُ
( أَوْ قَالَ ) الْمُتَوَضِّئُ بِكَلَامِهِ الْقَلْبِيِّ وَكَانَ مُتَوَضِّئًا وَشَكَّ فِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ وَمَفْعُولُ قَالَ ( إنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ ) أَيْ نَقَضْتُ وُضُوئِي بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فَ ) هَذَا الْوُضُوءُ الَّذِي أُرِيدُهُ ( لَهُ ) أَيْ الْحَدَثِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَلَا يَجْزِيهِ هَذَا الْوُضُوءُ فِي رَفْعِ حَدَثِهِ لِعَدَمِ جَزْمِهِ فِي نِيَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلَّقَهَا عَلَى مَشْكُوكٍ فِيهِ لَا لِكَوْنِ الشَّكِّ فِي النَّاقِضِ لَا يَنْقُضُ فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ بِالشَّكِّ فِي نَاقِضِهِ جَزْمُ النِّيَّةِ وَعَدَمُ التَّعْلِيقِ فِيهَا .

أَوْ جَدَّدَ فَتَبَيَّنَ حَدَثُهُ
أَوْ ) اعْتَقَدَ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ وَ ( جَدَّدَ ) وُضُوءَهُ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ أَوْ الْفَرْضِيَّةِ ( فَتَبَيَّنَ ) لَهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ ( حَدَثُهُ ) قَبْلَ التَّجْدِيدِ فَلَا يَجْزِيهِ هَذَا الْوُضُوءُ لِعَدَمِ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَلِأَنَّ الْمَنْدُوبَ لَا يَكْفِي عَنْ الْفَرْضِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ إنْ نَوَى الْفَرْضَ عِنْد تَجْدِيدِهِ مُفَوَّضًا وَبَيْنَ الْمُعِيدِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ مُفَوَّضًا أَنَّ نِيَّةَ التَّفْوِيضِ أُمِرَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ اهْتِمَامًا بِالْمَقْصِدِ فَلِذَا إنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْأُولَى أَوْ فَسَادُهَا أَجْزَأَتْ الصَّلَاةُ بِنِيَّةِ التَّفْوِيضِ وَلَمَّا لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْوُضُوءِ لَمْ يَتَرَتَّبْ الْإِجْزَاءُ إنْ تَبَيَّنَ حَدَثُهُ .

أَوْ تَرَكَ لُمْعَةً فَانْغَسَلَتْ بِنِيَّةِ الْفَضْلِ
( أَوْ تَرَكَ ) الْمُتَوَضِّئُ ( لُمْعَةً ) مِنْ عُضْوٍ مَغْسُولٍ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَوْ مَمْسُوحٍ كَالرَّأْسِ وَقَصَرَ فِيهِ الْفَرْضَ عَلَى الْغَسْلَةِ أَوْ الْمَسْحَةِ الْأُولَى وَجَدَّدَ نِيَّةَ النَّقْلَ لِمَا بَعْدَهَا ( فَانْغَسَلَتْ ) اللُّمْعَةُ أَوْ انْمَسَحَتْ بِالْغَسْلَةِ وَالْمَسْحَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي فَعَلَهَا ( بِنِيَّةِ الْفَضْلِ ) أَيْ الْفَضِيلَةِ فَلَا يَجْزِيهِ غَسْلُهَا أَوْ مَسْحُهَا لِأَنَّ نِيَّةَ الْفَضِيلَةِ لَا تَكْفِي عَنْ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ نِيَّةَ الْفَرْضِ عَلَى الْأُولَى وَنَوَى أَنَّ الْفَرْضَ مَا عَمَّ الْعُضْوَ وَالنَّقْلَ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَتَرَكَ لُمْعَةً مِنْ الْأُولَى فَعَمَّتهَا الثَّانِيَةُ أَوْ الثَّالِثَةُ أَجْزَأَتْهُ .

أَوْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَالْأَظْهَرُ فِي الْأَخِيرِ الصِّحَّةُ

( أَوْ فَرَّقَ ) بِشَدِّ الرَّاءِ ( النِّيَّةَ ) أَيْ جِنْسَهَا الصَّادِقَ بِمُتَعَدِّدٍ ( عَلَى الْأَعْضَاءِ ) بِأَنْ نَوَى غَسْلَ وَجْهِهِ فَقَطْ ثُمَّ نَوَى غَسْلَ يَدِهِ الْيُمْنَى فَقَطْ ثُمَّ نَوَى غَسْلَ الْيَدِ الْيُسْرَى فَقَطْ ثُمَّ نَوَى مَسْحَ رَأْسِهِ فَقَطْ ثُمَّ نَوَى غَسْلَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى فَقَطْ ثُمَّ نَوَى غَسْلَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَلَمْ يَنْوِ بِغَيْرِ الْأَخِيرَةِ تَكْمِيلَ الْوُضُوءِ فَلَا يَجْزِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ جَعَلَ رُبُعَ النِّيَّةِ لِلْوَجْهِ وَرُبُعَهَا الثَّانِيَ لِلْيَدَيْنِ وَالثَّالِثَ لِلرَّأْسِ وَالرَّابِعَ لِلرِّجْلَيْنِ إذْ الْوُضُوءُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَحِيحٌ مُجْزِئٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْوَاحِدَةَ مَعْنًى جُزْئِيٌّ لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ فَتَجْزِئَتُهَا لَغْوٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَيْضًا أَنَّهُ نَوَى إكْمَالَ الْوُضُوءِ عِنْدَ أَوَّلِ فَرْضٍ ثُمَّ جَدَّدَ نِيَّتَهُ عِنْدَ كُلِّ فَرْضٍ بَعْدَهُ فَإِنَّ هَذَا تَوْكِيدٌ لَا يَضُرُّ .
( وَالْأَظْهَرُ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ ( فِي ) هَذَا الْفَرْعِ ( الْأَخِيرِ ) أَيْ تَجْزِئَةِ النِّيَّةِ عَلَى الْأَعْضَاءِ ( الصِّحَّةُ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُهَا الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ لَمْ يَسْتَظْهِرْ فِي فَرْعِ التَّفْرِيقِ شَيْئًا وَإِنَّمَا اسْتَظْهَرَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِظْهَارِهِ اسْتِظْهَارُ مَا بَنَى عَلَيْهِ وَهِيَ الصِّحَّةُ فِي التَّفْرِيقِ إذْ قَدْ لَا يُسَلِّمُ ابْنُ رُشْدٍ التَّفْرِيعَ الْمَذْكُورَ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ : رَفْعُ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ مَشْرُوطٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِتَقْدِيمِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ بِتَمَامِهِ .
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ : إذَا غَسَلَ الْوَجْهَ فَفِي قَوْلٍ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ ، وَفِي قَوْلٍ : لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ ، قَالَ فِي

الْبَيَانِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْهُ ، وَالثَّانِي لِسَحْنُونٍ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ا هـ .
وَأُجِيبُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مِنْ حَفِظَ حُجَّةَ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ ابْنِ رُشْدٍ فَالْأَصْلُ أَنَّ مِنْ اسْتَظْهَرَ شَيْئًا يَسْتَظْهِرُ مَا بَنَى عَلَيْهِ .

وَعُزُوبُهَا بَعْدَهُ وَرَفْضُهَا مُغْتَفَرٌ
( وَعُزُوبُهَا ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَزَاي أَيْ نِسْيَانُ النِّيَّةِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْإِتْيَانِ بِهَا عِنْدَ الْوَجْهِ وَتَكْمِيلِ الْوُضُوءِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْهُ وَاشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ مُغْتَفَرٌ لِعُسْرِ اسْتِحْضَارِهَا إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا ( وَرَفْضُهَا ) أَيْ إبْطَالُ النِّيَّةِ بِالْقَلْبِ وَالرُّجُوعِ عَنْهَا وَتَصْيِيرِهَا كَالْعَدَمِ ( مُغْتَفَرٌ ) فَلَا يَبْطُلُ الْوُضُوءُ وَلَا يَنْقُضُهُ إنْ وَقَعَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَإِنْ وَقَعَ فِي أَثْنَائِهِ أَبْطَلَهُ عَلَى الرَّاجِحِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ اغْتِفَارَهُ أَيْضًا وَالْغَسْلُ كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ يُبْطِلُهُمَا رَفْضُهُمَا فِي أَثْنَائِهِمَا اتِّفَاقًا وَفِي رَفْضِهِمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ أَرْجَحُهُمَا الِاغْتِفَارُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لَا يُرْتَفَضَانِ مُطْلَقًا وَالتَّيَمُّمُ يُرْتَفَضُ مُطْلَقًا وَالِاعْتِكَافُ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ .

وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ خِلَافٌ .
( وَفِي ) إجْزَاءِ ( تَقَدُّمِهَا ) أَيْ النِّيَّةِ عَلَى أَوَّلِ فَرْضٍ ( بِ ) زَمَنٍ ( يَسِيرٍ ) كَنِيَّتِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ التَّوَضُّؤَ أَوْ الِاغْتِسَالَ فِي حَمَّامِ بَلَدٍ صَغِيرٍ مِثْلَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ سَاكِنِهَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى الدَّوَامِ وَعَدَمِهِ ( خِلَافٌ ) فِي التَّشْهِيرِ شَهَّرَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْإِجْزَاءَ وَشَهَّرَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ بَزِيزَةَ عَدَمَهُ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِكَثِيرٍ فَلَا تُجْزِئُ اتِّفَاقًا كَتَأَخُّرِهَا عَنْ أَوَّلِ مَفْرُوضٍ لِخُلُوِّهِ عَنْهَا .

وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثَلَاثًا تَعَبُّدًا بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ ، أَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ مُفْتَرِقَتَيْنِ .

( وَسُنَنُهُ ) أَيْ الْوُضُوءِ ( غَسْلُ يَدَيْهِ ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ إلَى كُوعَيْهِ ( أَوَّلًا ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ مُثَقَّلًا أَيْ قَبْلَ اغْتِرَافِ الْمَاءِ بِهِمَا مِنْ كَإِنَاءٍ غَسْلٍ رَاكِدٍ أَمْكَنَ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ فَإِنْ اغْتَرَفَ بِهِمَا أَوْ إحْدَاهُمَا مِمَّا ذَكَرَ قَبْلَ غَسْلِهِمَا فَعَلَ مَكْرُوهًا وَفَاتَتْهُ سُنَّةُ غَسْلِهِمَا فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَوْ جَارِيًا فَلَا تُشْتَرَطُ الْأَوَّلِيَّةُ فِي السُّنِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ وَكَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ أَوْ بِهِمَا قَذَرٌ نَجَسٌ لَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ أَوْ طَاهِرٌ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِهِمَا مَا يُغَيِّرُهُ تَحَيَّلَ عَلَى أَخْذِ الْمَاءِ بِفَمٍ أَوْ خِرْقَةٍ نَظِيفَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَتَيَمَّمَ .
وَيَغْسِلُهُمَا ( ثَلَاثًا ) مِنْ الْمَرَّاتِ ظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ تَوَقُّفُ السُّنَّةِ عَلَى التَّثْلِيثِ وَرَجَّحَ وَقِيلَ : تَحْصُلُ بِالْغَسْلَةِ الْأُولَى وَتُنْدَبُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَهَذَا ظَاهِرُهُ قَوْلُهُ : وَشَفَعَ غَسْلَهُ وَتَثْلِيثَهُ وَرَجَّحَ أَيْضًا غَسْلًا ( تَعَبُّدًا ) أَيْ لَمْ تَظْهَرْ لَنَا حِكْمَتُهُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ مُعَلِّلًا بِالتَّنْظِيفِ لِحَدِيثِ { إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي إنَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ } فَتَعْلِيلُهُ بِالشَّكِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ وَإِنَّمَا هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى حِكْمَةٍ تَكُونُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا يُنَافِي التَّعَبُّدَ .
وَاحْتَجَّ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ بِتَحْدِيدِهِ بِثَلَاثٍ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا ذَلِكَ وَحَمَلَهُ أَشْهَبُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْظِيفِ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى التَّثْلِيثِ وَلِذَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى " تَعَبُّدًا " الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ ، وَلَوْ كَانَ التَّثْلِيثُ مَبْنِيًّا عَلَى التَّعَبُّدِ كَمَا قِيلَ لِآخِرِهِ عَنْهُ وَصِلَةُ غَسْلُ ( بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ

تَعَبُّدٌ وَعَلَى أَنَّهُ لِلتَّنْظِيفِ تَحْصُلُ بِغَسْلِهِمَا بِمُضَافٍ وَبِلَا نِيَّةٍ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا ( وَلَوْ ) كَانَتَا ( نَظِيفَتَيْنِ ) وَأَشَارَ بِلَوْ لِقَوْلِ أَشْهَبَ لَا يُسَنُّ غَسْلُ النَّظِيفَتَيْنِ .
( أَوْ ) وَلَوْ ( أَحْدَثَ ) الْمُتَوَضِّئُ ( فِي أَثْنَائِهِ ) أَيْ الْوُضُوءِ خِلَافًا لِقَوْلِ أَشْهَبَ لَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا حِينَئِذٍ حَالَ كَوْنِهِمَا ( مُفْتَرِقَتَيْنِ ) أَيْ بِغَسْلِ الْيُمْنَى وَحْدَهَا ثُمَّ الْيُسْرَى وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَغْسِلُهُمَا مَجْمُوعَتَيْنِ وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ : غَسَلَهُمَا " تَعَبُّدًا " فَلَا يُقَالُ أَنَّهُ خَالَفَ أَصْلَهُ وَالتَّنْظِيفُ إنَّمَا يُنَاسِبُهُ الْجَمْعُ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّنْظِيفَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَالتَّفْرِيقَ رِوَايَتُهُ فَلَمْ يُخَالِفْ أَصْلَهُ أَيْضًا وَالتَّفْرِيقُ مَنْدُوبٌ وَقِيلَ شَرْطٌ فِي السُّنِّيَّةِ .

وَمَضْمَضَةٌ ، وَاسْتِنْشَاقٌ ، وَبَالَغَ مُفْطِرٌ ، وَفِعْلُهُمَا بِسِتٍّ أَفْضَلُ وَجَازَا أَوْ إحْدَاهُمَا بِغَرْفَةٍ

( وَمَضْمَضَةٌ ) أَيْ إدْخَالُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَخَضْخَضَتُهُ وَطَرْحُهُ فَإِنْ دَخَلَ فَمَهُ بِلَا قَصْدٍ أَوْ لَمْ يُخَضْخِضْهُ أَوْ ابْتَلَعَهُ أَوْ سَالَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكْفِ وَأَخَذَ الْقُورِيُّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ طَرْحِهِ مِنْ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ رَأَيْت شَيْخَنَا يَتَوَضَّأُ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ فَلَعَلَّهُ يَبْتَلِعُ مَاءَ الْمَضْمَضَةِ حَتَّى سَمِعْته مِنْهُ ا هـ .
وَاَلَّذِي ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ الِاكْتِفَاءُ بِبَلْعِهِ فَكَذَا سَيَلَانٌ أَفَادَهُ الْحَطّ ( وَاسْتِنْشَاقٌ ) أَيْ جَذْبُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إلَى دَاخِلِ الْأَنْفِ فَإِنْ دَخَلَهُ بِلَا قَصْدٍ أَوْ بِلَا جَذْبٍ لَمْ يَكْفِ وَلَا بُدَّ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ نِيَّةٍ لِتَقَدُّمِهِمَا عَلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ بِخِلَافِ رَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَيَنْدَرِجَانِ تَحْتَ نِيَّةِ الْفَرْضِ كَبَاقِي السُّنَنِ وَالْفَضَائِلِ نَعَمْ إنْ قَدَّمَ نِيَّةَ الْفَرْضِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِغَيْرِهَا وَتَنْسَحِبُ عَلَى جَمِيعِ السُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ .
( وَبَالَغَ ) نَدْبًا شَخْصٌ ( مُفْطِرٌ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ غَيْرُ صَائِمٍ فِي الْمَضْمَضَةِ بِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى أَقْصَى الْفَمِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِإِيصَالِهِ إلَى أَقْصَى الْأَنْفِ أَفَادَهُ بَهْرَامُ وَاَلَّذِي فِي ابْنِ مَرْزُوقٍ وَالْمَوَّاقِ اخْتِصَاصُهَا بِالِاسْتِنْشَاقِ وَتُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ لِلصَّائِمِ لِئَلَّا يَفْسُدَ صَوْمُهُ فَإِنْ بَالَغَ وَوَصَلَ الْمَاءُ لِحَلْقِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ .
( وَفِعْلُهُمَا ) أَيْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ( بِسِتٍّ ) مِنْ الْغَرَفَاتِ يَتَمَضْمَضُ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِثَلَاثٍ كَذَلِكَ هَذَا مُرَادُهُ وَإِنْ صَدَقَ كَلَامُهُ أَيْضًا يَتَمَضْمَضُ بِغَرْفَةٍ وَاسْتِنْشَاقُهُ بِأُخْرَى وَهَكَذَا إلَى تَمَامِ السِّتِّ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ إنَّمَا هِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى وَخَبَرُ فِعْلِهِمَا بِسِتٍّ ( أَفْضَلُ ) مِنْ

فِعْلِهِمَا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَجَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ هَذِهِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهِمَا بِسِتٍّ وَلَكِنْ رَجَّحَ الْأَشْيَاخُ أَنَّ فِعْلَهُمَا أَفْضَلُ .
( وَجَازَا ) أَيْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مَعًا ( أَوْ إحْدَاهُمَا بِغَرْفَةٍ ) وَاحِدَةٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً : يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثَلَاثًا كَذَلِكَ أَوْ يَتَمَضْمَضُ وَاحِدَةً وَيَسْتَنْشِقُ وَاحِدَةً وَهَكَذَا إلَخْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَيَتَمَضْمَضُ أَوْ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثَلَاثًا فِي الثَّانِيَةِ وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ خِلَافُ الْأُولَى بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ .

وَاسْتِنْثَارٌ
( وَاسْتِنْثَارٌ ) أَيْ طَرْحُ الْمَاءِ مِنْ الْأَنْفِ بِالنَّفَسِ وَاضِعًا سِبَابَتَهُ وَإِبْهَامَهُ مِنْ يُسْرَاهُ عَلَى أَعْلَى أَنْفِهِ عِنْدَ دَفْعِ الْمَاءِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ سَالَ الْمَاءُ أَوْ لَمْ يَضَعْ أُصْبُعَيْهِ لَمْ يَكْفِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّاذِلِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَقِيلَ وَضْعُ الْأُصْبُعَيْنِ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا وَرَجَّحَ كَكَوْنِ الْأُصْبُعَيْنِ مِنْ الْيُسْرَى .

وَمَسْحُ وَجْهَيْ كُلِّ أُذُنٍ ، وَتَجْدِيدُ مَائِهِمَا
( وَمَسْحُ وَجْهَيْ ) أَيْ ظَاهِرِ وَبَاطِنِ ( كُلِّ أُذُنٍ ) وَلَمْ يَقُلْ وَجْهَيْ أُذُنَيْنِ لِثِقَلِهِ بِتَوَالِي تَثْنِيَتَيْنِ وَإِبْهَامِهِ أَنَّ السُّنَّةَ مَسْحُ ظَاهِرِهِمَا فَقَطْ ( وَتَجْدِيدُ ) الـ ( مَاءِ ) لِمَسْحِ ( هِمَا ) أَيْ الْأُذُنَيْنِ فَلَوْ مَسَحَهُمَا بِلَا تَجْدِيدٍ فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ يُفِيدُ أَنَّ مَسْحَ الصِّمَاخَيْنِ أَيْ الثُّقْبَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْأُذُنَيْنِ بِرَأْسِ السَّبَّابَةِ مِنْ تَمَامِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَلَيْسَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ .

وَرَدُّ مَسْحِ رَأْسِهِ
( وَرَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ ) إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مُقَدَّمَ الرَّأْسِ أَوْ مُؤَخَّرَهُ أَوْ أَحَدَ جَانِبَيْهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَمْ لَا وَلَوْ طَالَ شَعْرُهُ كَفَى فِي الْفَرْضِ مَسْحُ ظَاهِرِهِ وَفِي السُّنَّةِ مَسْحُ بَاطِنِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي كُلٍّ مِنْهُمَا هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيُّ وَالرَّمَاصِيُّ وَالْبَنَّانِيُّ خِلَافًا لعج وَمَنْ تَبِعَهُ وَشَرْطُ سُنَّةِ الرَّدِّ بَقَاءُ بَلَلٍ بِالْيَدِ بَعْدَ مَسْحِ الْفَرْضِ فَإِنْ جَفَّتْ فِيهِ فَلَا يُسَنُّ الرَّدُّ فَإِنْ بَقِيَ بَلَلٌ يَكْفِي الْبَعْضَ رَدٌّ بِقَدْرِهِ عَلَى الظَّاهِرِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ } .

وَتَرْتِيبُ فَرَائِضُهُ ، فَيُعَادُ الْمُنَكَّسُ وَحْدَهُ إنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ ، وَإِلَّا مَعَ تَابِعِهِ
( وَتَرْتِيبُ فَرَائِضُهُ ) أَيْ الْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ فَالْيَدَيْنِ فَمَسْحِ الرَّأْسِ فَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَإِنْ نَكَّسَ وَقَدَّمَ فَرْضًا عَنْ مَحَلِّهِ ( فَيُعَادُ ) اسْتِنَانًا الْفَرْضُ ( الْمُنَكَّسُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَالْكَافِ مُثَقَّلًا أَيْ الْمُقَدَّمُ عَلَى مَحَلِّهِ الشَّرْعِيِّ ( وَحْدَهُ ) حَالٌ مِنْ نَائِبِ فَاعِلِ يُعَادُ مَرَّةً وَاحِدَةً لِلتَّرْتِيبِ ( إنْ بَعُدَ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ طَالَ مَا بَيْنَ انْتِهَاءِ وُضُوئِهِ وَالْإِعَادَةِ بُعْدًا مُقَدَّرًا ( بِجَفَافٍ ) لِلْعُضْوِ الْأَخِيرِ الْمُعْتَدِلِ وَلَوْ تَقْدِيرًا وَالزَّمَنُ وَالْمَكَانُ كَذَلِكَ هَذَا إنْ نَكَّسَ سَاهِيًا فَإِنْ نَكَّسَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ نَدْبًا .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ أَعَادَ الْمُنَكَّسَ مَرَّةً قَالَهُ سَالِمٌ وَالطِّخِّيخِيُّ وَارْتَضَاهُ الرَّمَاصِيُّ قَائِلًا لَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ ثَلَاثًا بَعْدَ غَسْلِهِ ثَلَاثًا غَسْلًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا أُعِيدَ لِتَحْصِيلِ التَّرْتِيبِ السُّنَّةِ وَقَوْلُ عج يُعَادُ الْمُنَكَّسُ ثَلَاثًا فِي الْقُرْبِ وَمَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْبُعْدِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ( مَعَ ) إعَادَةِ ( تَابِعِهِ ) أَيْ الْمُنَكَّسِ فِي التَّرْتِيبِ الشَّرْعِيِّ لَا فِي فِعْلِهِ الْأَوَّلِ مَرَّةً مَرَّةً وَسَوَاءً نَكَّسَ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا فَمَنْ ابْتَدَأَ بِيَدَيْهِ إلَى مِرْفَقَيْهِ فَوَجْهِهِ فَرَأْسِهِ فَرِجْلَيْهِ فَفِي الْقُرْبِ يُعِيدُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ وَمَسْحَ الرَّأْسِ وَغَسْلَ الرِّجْلَيْنِ مَرَّةً مَرَّةً سَوَاءً كَانَ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا وَإِنْ بَعُدَ أَعَادَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ مَرَّةً فَقَطْ إنْ كَانَ نَاسِيًا وَابْتَدَأَ الْوُضُوءَ إنْ كَانَ عَامِدًا .

وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أَتَى بِهِ وَبِالصَّلَاةِ ، وَسُنَّةً فَعَلَهَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ .

( وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا ) مِنْ وُضُوئِهِ أَوْ غُسْلِهِ غَيْرَ النِّيَّةِ أَوْ لُمْعَةً يَقِينًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا وَلَيْسَ مُسْتَنْكِحًا وَصَلَّى بِوُضُوئِهِ أَوْ غُسْلِهِ النَّاقِصَ فَرْضًا ثُمَّ تَذَكَّرَهُ ( أَتَى ) تَارِكُ الْفَرْضِ ( بِهِ ) أَيْ الْفَرْضِ الْمَتْرُوكِ فَوْرًا وُجُوبًا بِنِيَّةِ تَكْمِيلِ وُضُوئِهِ أَوْ غُسْلِهِ وَإِنْ طَالَ بَطَلَ وُضُوءُهُ أَوْ غُسْلُهُ ( وَ ) أَتَى ( بِالصَّلَاةِ ) الَّتِي صَلَّاهَا بِالنَّاقِصِ لِبُطْلَانِهَا وَسَوَاءً طَالَ مَا قَبْلَ التَّذَكُّرِ أَوْ لَمْ يَطُلْ إنْ نَسِيَ أَوْ عَجَزَ عَجْزًا حَقِيقِيًّا فَإِنْ تَعَمَّدَ أَوْ عَجَزَ عَجْزًا حَكِيمًا فَإِنْ طَالَ الْوُضُوءُ أَوْ الْغُسْلُ وَإِنْ قَرُبَ أَتَى بِهِ وُجُوبًا وَبِمَا بَعْدَهُ نَدْبًا .
( وَ ) مَنْ تَرَكَ ( سُنَّةً ) وَلَوْ شَكًّا وَلَيْسَ مُسْتَنْكِحًا مِنْ سُنَنِ وُضُوئِهِ غَيْرَ التَّرْتِيبِ لِتَقَدُّمِ حُكْمِهِ وَلَمْ يُنِبْ غَيْرَهَا عَنْهَا وَلَا يُوقِعُ تَدَارُكُهَا فِي مَكْرُوهٍ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا وَصَلَّى بِوُضُوئِهِ النَّاقِصِ سُنَّةً ( فَعَلَهَا ) أَيْ السُّنَّةَ الْمَتْرُوكَةَ اسْتِنَانًا وَحْدَهَا طَالَ الزَّمَنُ أَوْ لَا لِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّنَنِ فِي نَفْسِهَا وَمَعَ الْفَرَائِضِ مَنْدُوبٌ ( لِمَا يُسْتَقْبَلُ ) مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ لَمْ يَرِدْ الصَّلَاةُ بِهِ فَلَا يَفْعَلُهَا إلَّا إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا بِمَا تَرَكَ مِنْهُ سُنَّةً إنْ كَانَ نَسِيَ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ عَامِدًا نُدِبَتْ إعَادَتُهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَرْكِ التَّرْتِيبِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ لَا بِتَدَارُكٍ لِقِيَامِ غَسْلِهِمَا لِلْمَرْفِقَيْنِ مَقَامَهُ وَلَا بِتَدَارُكِ رَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَلَا تَجْدِيدِ الْمَاءِ لِمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَلَا الِاسْتِنْثَارِ لِإِيقَاعِهِ فِي مَكْرُوهٍ وَهُوَ تَجْدِيدُ الْمَاءِ لِرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَتَكْرَارِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِزَائِدٍ عَلَى الثَّلَاثِ فَانْحَصَرَ الْمُتَدَارَكُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ .

وَفَضَائِلُهُ : مَوْضِعٌ ، وَقِلَّةُ الْمَاءِ بِلَا حَدٍّ كَالْغُسْلِ ، وَتَيَمُّنُ أَعْضَاءٍ ، وَإِنَاءٍ إنْ فُتِحَ وَبَدْءٌ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ، وَشَفْعُ غَسْلِهِ ، وَتَثْلِيثُهُ ، وَهَلْ الرِّجْلَانِ كَذَلِكَ ؟ أَوْ الْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ ، وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ ؟ خِلَافٌ

( وَفَضَائِلُهُ ) أَيْ مَنْدُوبَاتُ الْوُضُوءِ ( مَوْضِعٌ طَاهِرٌ ) أَيْ فِعْلُهُ فِيهِ بِالْفِعْلِ وَشَأْنُهُ الطَّهَارَةُ فَيُكْرَهُ فِي الْمِرْحَاضِ قَبْلَ حُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ تَعَرُّضٌ لِوَسْوَسَةِ شَيَاطِينِهِ الَّذِينَ سَكَنُوهُ بِمُجَرَّدِ وَضْعِهِ وَلِخَسَّتِهِ وَشَرَفِ الْوُضُوءِ ( وَقِلَّةٌ ) أَيْ تَقْلِيلُ ( مَاءٍ ) مُغْتَرَفٍ لِغَسْلِ أَوْ مَسْحِ الْعُضْوِ لَا مُغْتَرَفٍ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْبَحْرِ مَعَ تَقْلِيلِ مَا يُغْتَرَفُ مِنْهُ لِذَلِكَ ( بِلَا حَدٍّ ) أَيْ تَحْدِيدٍ فِي التَّقْلِيلِ بِمُدٍّ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَكُلُّ شَخْصٍ يُقَلِّلُ بِحَسَبِ حَالِ أَعْضَائِهِ مِنْ صِغَرٍ وَكِبَرٍ وَنَحَافَةٍ وَسِمَنٍ وَنُعُومَةٍ وَخُشُونَةٍ وَمُلُوسَةٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهِمَا وَالشَّرْطُ جَرَيَانُ الْمَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْعُضْوِ إلَى آخِرِهِ لَا سَيَلَانُهُ عَنْهُ وَلَا تَقَاطُرُهُ مِنْهُ .
وَشَبَّهَ الْغَسْلَ بِالْوُضُوءِ فِي نَدْبِ الْمَوْضِعِ الطَّاهِرِ وَقِلَّةِ الْمَاءِ فَقَالَ ( كَالْغُسْلِ وَتَيَمُّنٌ ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاتَيْنِ وَضَمِّ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً أَيْ تَقْدِيمُ يُمْنَى ( أَعْضَاءٍ ) عَلَى يُسْرَاهَا فِي الْغُسْلِ أَوْ الْمَسْحِ ( وَ ) تَيَمُّنُ ( إنَاءٍ ) أَيْ جَعْلُهُ جِهَةَ يَمِينِهِ ( إنْ فُتِحَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْإِنَاءُ فَتْحًا وَاسِعًا يُمْكِنُ الِاغْتِرَافُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُفْتَحْ كَإِبْرِيقٍ نُدِبَ جَعْلُهُ جِهَةَ يُسْرَاهُ لِيَفْرُغَ بِهَا فِي يُمْنَاهُ إلَّا الْأَعْسَرَ فَيُجْعَلُ الْمَفْتُوحُ جِهَةَ يُسْرَاهُ وَغَيْرُهُ جِهَةَ يُمْنَاهُ وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُ قَوْلِهِ كَالْغُسْلِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَنْدُوبَيْنِ لِيُفِيدَ رُجُوعَهُ لَهُمَا أَيْضًا .
( وَبَدْءٌ ) بِسُكُونِ الدَّالِ أَيْ ابْتِدَاءٌ فِي الْمَسْحِ ( بِمُقَدَّمِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ ، وَفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ أَيْ أَوَّلِ ( رَأْسِهِ ) وَهُوَ مَنْبَتُ الشَّعْرِ الْمُعْتَادِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ وَأَوَّلُ الْوَجْهِ الْمَنْبَتُ الْمُعْتَادُ لِشَعْرِ الرَّأْسِ وَأَوَّلُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَخَصَّ الرَّأْسَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِهِ

مِنْ جِهَةِ الْقَفَا وَمَنْ قَالَ يَبْدَأُ بِوَسَطِهِ وَيَنْزِلُ إلَى الْوَجْهِ وَيَرُدُّ إلَى الْقَفَا وَيَرُدُّ إلَى الْوَسَطِ فَإِنْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْمُقَدَّمِ زُجِرَ وَوُعِظَ إنْ كَانَ عَالِمًا وَعُلِّمَ إنْ كَانَ جَاهِلًا .
( وَشَفْعُ ) أَيْ تَثْنِيَةُ ( غَسْلِهِ ) أَيْ الْوُضُوءِ لَا مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْجَبِيرَةِ فَلَا فَضِيلَةَ فِي شَفْعِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ شَفْعَ الرَّأْسِ هُوَ السُّنَّةُ ( وَتَثْلِيثُهُ ) أَيْ غَسْلُ الْوُضُوءِ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ فَضِيلَةٌ وَكَذَا الثَّالِثَةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ : الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ ، وَقِيلَ : فَرْضٌ ، وَقِيلَ مَجْمُوعُهُمَا فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ .
( وَهَلْ الرِّجْلَانِ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ الْوَجْهُ وَالْيَدَيْنِ فِي نَدْبِ الشَّفْعِ وَالتَّثْلِيثِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ( أَوْ الْمَطْلُوبُ ) فِيهِمَا ( الْإِنْقَاءُ ) مِنْ الْوَسَخِ بِلَا حَدِّ خِلَافٍ فِي الْوَسِخَتَيْنِ بِمَانِعِ وُصُولِ الْمَاءِ لِلْجِلْدَةِ وَالنَّقِيَّتَانِ كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ اتِّفَاقًا وَهَذَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ : الْإِنْقَاءُ وَكَذَا الْوَسِخَتَانِ بِمَا لَا يَمْنَعُ الْوُصُولَ .
( وَهَلْ تُكْرَهُ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ الْغَسْلَةُ ( الرَّابِعَةُ ) وَهُوَ نَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْأَوْلَى الزَّائِدَةُ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الرَّابِعَةِ وَلِيَنْدَفِعَ إيهَامُ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِ مَا زَادَ عَلَيْهَا ( أَوْ تُمْنَعُ ) الرَّابِعَةُ وَهُوَ نَقْلُ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ ( خِلَافٌ ) فِي التَّشْهِيرِ مَحَلُّهُ الرَّابِعَةُ الْمُحَقَّقَةُ بَعْدَ ثَلَاثٍ مُوعِبَةٍ وَإِمَّا الْمَشْكُوكُ فِي كَوْنِهَا رَابِعَةً أَوْ ثَالِثَةً فَالْخِلَافُ فِيهَا بِالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَسَتَأْتِي وَالرَّابِعَةُ بَعْدَ ثَلَاثٍ لَمْ تُوعَبْ وَاجِبَةٌ اتِّفَاقًا وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي الْمَفْعُولَةِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ فَعَلَهَا بِنِيَّةِ تَبَرُّدٍ أَوْ تَدَفُّؤٍ أَوْ تَنْظِيفٍ جَازَتْ اتِّفَاقًا قَبْلَ الْمُنَاسِبِ لِاصْطِلَاحِهِ تَرَدُّدٌ مَحَلَّ خِلَافٍ لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ

عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي التَّشْهِيرِ أَيْضًا وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْإِشَارَةَ لِلتَّرَدُّدِ مَتَى اُتُّفِقَ أَوْ لِلِاخْتِلَافِ فِي التَّشْهِيرِ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ إنْ وُجِدَ فِي كَلَامِي كَذَا فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى كَذَا .

وَتَرْتِيبُ سُنَنِهِ أَوْ مَعَ فَرَائِضِهِ .
( وَتَرْتِيبُ سُنَنِهِ ) أَيْ الْوُضُوءِ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ بِتَقْدِيمِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ فَالْمَضْمَضَةِ فَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ فَرَدِّ الْمَسْحِ فَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ ( أَوْ ) تَرْتِيبُ سُنَنِهِ ( مَعَ فَرَائِضِهِ ) أَيْ الْوُضُوءِ بِتَقْدِيمِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَهَذِهِ عَلَى رَدِّ الْمَسْحِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَهَذَيْنِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَعَطَفَ بِأَوْ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ .

وَسِوَاكٌ وَإِنْ بِإِصْبَعٍ كَصَلَاةٍ بَعُدَتْ مِنْهُ
( وَسِوَاكٌ ) أَيْ اسْتِيَاكٌ بِعُودِ أَرَاكٍ أَوْ نَحْوِهِ بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( بِإِصْبَعٍ ) فَيَكْفِي إنْ لَمْ يُوجَدْ عُودٌ قَبْلَ الْوُضُوءِ بِالْيُمْنَى وَيَبْتَدِئُ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ عَرْضًا فِي الْأَسْنَانِ وَطُولًا فِي اللِّسَانِ وَكُرِهَ بِعُودِ الْمُرْسِينَ وَالرُّمَّانِ لِتَحْرِيكِهِمَا عِرْقَ الْجُدَامِ وَبِعُودِ الْحَلْفَاءِ وَالشَّعِيرِ لَا يُرَانِهِمَا الْأَكَلَةُ وَالْبَرَصُ وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ شِبْرًا فَأَقَلَّ وَعَدَمُ التَّشْدِيدِ فِي قَبْضِهِ وَشَبَّهَ فِي النَّدْبِ بِقَوْلِهِ : ( كَ ) سِوَاكِهِ لِ ( صَلَاةٍ ) فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ ( بَعُدَتْ مِنْهُ ) أَيْ السِّوَاكِ وَكَذَا التِّلَاوَةُ وَقُرْآنٌ وَانْتِبَاهٌ مِنْ نَوْمٍ وَتَغَيُّرِ فَمٍ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ طُولِ سُكُوتٍ أَوْ كَثْرَةِ كَلَامٍ .

وَتَسْمِيَةٌ ، وَتُشْرَعُ فِي غُسْلٍ .
وَتَيَمُّمٍ وَأَكْلٍ .
وَشُرْبٍ .
وَزَكَاةٍ .
وَرُكُوبِ دَابَّةٍ .
وَسَفِينَةٍ .
وَدُخُولٍ وَضِدِّهِ : لِمَنْزِلٍ .
وَمَسْجِدٍ وَلُبْسٍ .
وَغَلْقِ بَابٍ .
وَإِطْفَاءِ مِصْبَاحٍ .
وَوَطْءٍ .
وَصُعُودِ خَطِيبٍ مِنْبَرًا .
وَتَغْمِيضِ مَيِّتٍ وَلَحْدِهِ .

( وَتَسْمِيَةٌ ) لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِنْدَ ابْتِدَائِهِ بِأَنْ يَقُولَ : بِسْمِ اللَّهِ ، وَفِي زِيَادَةٍ " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ ( وَتُشْرَعُ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ أَيْ التَّسْمِيَةُ وَعَبَّرَ بِتُشْرَعُ لِشُمُولِهِ الْوُجُوبَ وَالسُّنِّيَّةَ وَالنَّدْبَ ( فِي غُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ ) نَدْبًا ( وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ ) اسْتِنَانًا عَيْنِيًّا فِي الشُّرْبِ اتِّفَاقًا وَفِي الْأَكْلِ عَلَى الرَّاجِحِ وَقِيلَ : سُنَّةُ كِفَايَةٍ فِيهِ وَنُدِبَ زِيَادَةُ " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا وَزِدْنَا مِنْهُ إنْ كَانَ الْمَأْكُولُ أَوْ الْمَشْرُوبُ لَبَنًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ وَلَوْ لَحْمًا قَالَ خَيْرًا مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدَ الطَّعَامِ لَكِنَّ فِي اللَّبَنِ مَزِيَّةَ الْإِشْبَاعِ وَالْإِرْوَاءِ .
( وَ ) تُشْرَعُ فِي ( زَكَاةٍ ) وُجُوبًا شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ ( وَ ) نَدْبًا فِي ( رُكُوبِ دَابَّةٍ ) وَزِيَادَةُ { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } ( وَسَفِينَةٍ ) وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَنْ قَالَ عِنْدَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَهَا وَمُرْسَاهَا إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } أَمِنَ مِنْ الْغَرَقِ .
( وَدُخُولٍ وَضِدِّهِ ) أَيْ خُرُوجٍ ( لِمَنْزِلٍ ) وَيَزِيدُ فِي دُخُولِهِ { اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَ الْمَخْرَجِ وَخَيْرَ الْمَوْلَجِ } وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ وَالْفَاتِحَةِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَيَزِيدُ فِي الْخُرُوجِ { تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ بِسْمِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِي وَعَلَى دِينِي وَعَلَى أَوْلَادِي اللَّهُمَّ رَضِّنِي بِمَا قَضَيْت لِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ

اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنَّ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَبْغِيَ أَوْ يُبْغَى عَلَيَّ عَزَّ جَارُك وَجَلَّ ثَنَاؤُك } وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ .
( وَمَسْجِدٍ ) وَيَزِيدُ فِي دُخُولِهِ { تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ اللَّهُمَّ غُفْرَانَك اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك } وَفِي خُرُوجِهِ مِنْهُ عَقِبَ التَّوَكُّلِ وَالْحَوْقَلَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ { اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك } ( وَلُبْسٍ ) لِكَثَوْبٍ وَنَزْعِهِ ( وَغَلْقِ بَابٍ ) وَفَتْحِهِ ( وَإِطْفَاءِ مِصْبَاحٍ ) وَإِيقَادِهِ ( وَوَطْءٍ ) غَيْرِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَتُكْرَهُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَقِيلَ تَحْرُمُ فِيهِ ( وَصُعُودِ خَطِيبٍ مِنْبَرًا ) لِخُطْبَةِ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( وَتَغْمِيضِ مَيِّتٍ ) بَعْدَ تَحَقُّقِ مَوْتِهِ ( وَلَحْدِهِ ) أَيْ إرْقَادِهِ فِي قَبْرِهِ وَابْتِدَاءِ تِلَاوَةٍ إلَّا لِبَرَاءَةٍ وَابْتِدَاءِ طَوَافٍ وَدُخُولِ مِرْحَاضٍ وَالْأَوْلَى إتْمَامُهَا فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالذَّكَاةِ وَدُخُولِ الْمِرْحَاضِ .

وَلَا تُنْدَبُ إطَالَةُ الْغُرَّةِ
( وَلَا تُنْدَبُ ) بَلْ تُكْرَهُ ( إطَالَةُ الْغُرَّةِ ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ أَيْ الزِّيَادَةِ فِي الْغَسْلِ أَوْ الْمَسْحِ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ لِأَنَّهَا مِنْ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَيُنْدَبُ التَّجْدِيدُ وَإِدَامَةُ الطَّهَارَةِ

وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ
( وَ ) لَا يُنْدَبُ ( مَسْحُ الرَّقَبَةِ بِالْمَاءِ ) بَعْدَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ بَلْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مِنْ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ .

وَتَرْكُ مَسْحِ الْأَعْضَاءِ .
( وَ ) لَا يُنْدَبُ ( تَرْكُ مَسْحِ الْأَعْضَاءِ ) أَيْ تَنْشِيفُهَا مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ بِالْمِنْدِيلِ وَنَحْوَهُ بَلْ هُوَ جَائِزٌ كَتَجْفِيفِهَا بِالْهَوَاءِ .

وَإِنْ شَكَّ فِي ثَالِثَةٍ فَفِي كَرَاهَتِهَا وَنَدْبِهَا قَوْلَانِ .
قَالَ كَشَكِّهِ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ .
هَلْ هُوَ الْعِيدُ ؟
( وَإِنْ شَكَّ ) الْمُتَوَضِّئُ ( فِي ) اتِّصَافِ غَسْلِهِ أَرَادَ فِعْلَهَا بِ ( ثَالِثَةٍ ) فَفِعْلهَا مَنْدُوبٌ أَوْ رَابِعَةٍ فَتُكْرَهُ أَوْ تَحْرُمُ ( فَفِي كَرَاهَتِهَا ) أَيْ الْغَسْلَةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الشَّامِلِ ابْنُ نَاجِي وَهُوَ الْحَقُّ وَاخْتَارَهُ الْعَدَوِيُّ وَنَدَبَهَا اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ وَهُوَ لَيْسَ مُسْتَنْكِحًا وَإِلَّا فَلَا يَأْتِي بِهَا اتِّفَاقًا ( قَوْلَانِ ) مُسْتَوِيَانِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ .
( قَالَ ) أَيْ الْمَازِرِيُّ مِنْ نَفْسِهِ مُخَرِّجًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّكِّ فِي الْغَسْلَةِ ( كَشَكِّهِ ) أَيْ الشَّخْصِ ( فِي ) لَيْلَةِ ( يَوْمِ عَرَفَةَ هَلْ ) الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهَا يَوْمُ عَرَفَةَ فَيَنْوِي صَوْمَهُ أَوْ ( هُوَ الْعِيدُ ) فَلَا يَنْوِي صَوْمَهُ فَفِي كَرَاهَةِ نِيَّةِ صَوْمِهِ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي صَوْمِ الْعِيدِ الْمَمْنُوعِ وَنَدْبِهَا اسْتِصْحَابٌ لِلْأَصْلِ وَاسْتَظْهَرَهُ الْمَازِرِيُّ قَوْلَانِ وَمِنْ الْفَضَائِلِ : اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالتَّمَكُّنُ فِي الْجُلُوسِ ، وَالِارْتِفَاعُ عَنْ الْأَرْضِ ، وَاسْتِحْضَارُ النِّيَّةِ .
إلَخْ وَمِنْ مَكْرُوهَاتِهِ الْإِكْثَارُ مِنْ الْمَاءِ وَالْكَلَامِ الدُّنْيَوِيِّ وَالزَّائِدِ عَلَى ثَلَاثٍ فِي الْغَسْلِ وَعَلَى وَاحِدَةٍ فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَالْخُفِّ وَعَلَى اثْنَتَيْنِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ ، وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لِرَدِّ مَسْحِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ غَسْلًا أَوْ مَسْحًا وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ وَفِعْلُهُ فِي مَكَان نَجِسٍ فِعْلًا أَوْ شَأْنًا وَمُبَالَغَةُ الصَّائِمِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَتَرْكِ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِهِ وَالتَّوَضُّؤُ مِنْ الْمِيضَأَةِ الَّتِي تُغْسَلُ فِيهَا الْأَعْضَاءُ .

( فَصْلٌ ) نُدِبَ لِقَاضِي الْحَاجَةِ جُلُوسٌ .
وَمُنِعَ بِرَخْوٍ نَجِسٍ .
وَتَعَيَّنَ الْقِيَامُ .
( فَصْلٌ فِي آدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ ) ( نُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْأُولَى طُلِبَ لِيَشْمَلَ الْوُجُوبَ أَيْضًا فَإِنَّ بَعْضَهَا وَاجِبٌ ( لِقَاضِي ) أَيْ مِنْ مُرِيدِ قَضَاءِ ( الْحَاجَةِ ) بَوْلًا كَانَتْ أَوْ غَائِطًا وَنَائِبُ فَاعِلِ نُدِبَ ( جُلُوسٌ ) بِمَكَانٍ رَخْوٍ طَاهِرٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِعَوْرَتِهِ مَعَ أَمْنِهِ مِنْ تَنَجُّسِ ثِيَابِهِ فَالْقِيَامُ خِلَافُ الْأَوْلَى فِي الْبَوْلِ ، وَمَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فِي الْغَائِطِ إذَا أُمِنَ الْإِطْلَاعُ عَلَى عَوْرَتِهِ وَإِلَّا مُنِعَ فِيهِمَا .
( وَمُنِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ كُرِهَ الْجُلُوسُ ( بِ ) مَكَان ( رَخْوٍ ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ أَيْ لَيِّنٍ كَتُرَابٍ وَرَمْلٍ ( نَجِسٍ ) بِنَجَاسَةٍ رَطْبَةٍ يُخْشَى تَنَجُّسُ ثِيَابِهِ بِهَا إنْ جَلَسَ وَنُدِبَ الْقِيَامُ بِهِ فِي الْبَوْلِ إنْ أَمِنَ الْإِطْلَاعَ عَلَى عَوْرَتِهِ صِيَانَةً لِثِيَابِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ مَعَ أَمْنِهِ مِنْ رَدِّهِ الْبَوْلَ عَلَيْهِ وَاجْتِنَابِهِ فِي الْغَائِطِ وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الصُّلْبُ فَيُنْدَبُ الْجُلُوسُ فِيهِ فِيهِمَا إنْ كَانَ طَاهِرًا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِعَوْرَتِهِ مَعَ صِيَانَةِ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِهِ وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ فِيهِ فِيهِمَا لِتَنْجِيسِ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا نُدِبَ اجْتِنَابُهُ قِيَامًا وَجُلُوسًا فِيهِمَا لِلسَّلَامَةِ مِنْ نَجَاسَتِهِ .
الْوَنْشَرِيسِيُّ : بِالطَّاهِرِ الصُّلْبِ اجْلِسْ وَقُمْ بِرَخْوٍ نَجِسٍ وَالنَّجِسَ الصُّلْبَ اجْتَنِبْ وَاجْلِسْ وَقُمْ إنْ تَعْكِسْ .

وَاعْتِمَادٌ عَلَى رِجْلٍ .
( وَ ) نُدِبَ لَهُ ( اعْتِمَادٌ ) حَالَ قَضَاءِ الْغَائِطِ أَوْ الْبَوْلِ ( عَلَى رِجْلٍ ) يُسْرَى بِالْمَيْلِ عَلَيْهَا وَرَفْعُ عَقِبِ الْيُمْنَى مَعَ وَضْعِ صَدْرِهَا بِالْأَرْضِ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى خُرُوجِ الْفَضْلَةِ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ فَإِذَا اعْتَمَدَ عَلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى زَادَ مَيَلَانُهَا وَصَارَتْ مُزْلِقَةً .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57