كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

فِسْقِهِ إلَّا بِرَفْعِ مِلْكِهِ ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَنْ تَرْتَفِعُ مَضَرَّتُهُ بِمُجَرَّدِ كِرَائِهَا عَلَيْهِ .
ابْنُ رُشْدٍ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ أَرَى أَنْ يُحَرَّقَ بَيْتُ الْخَمَّارِ .
قَالَ وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " كَانَ يَسْتَحِبُّ حَرْقَ بَيْتِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَبِيعُ الْخَمْرَ ، قِيلَ لَهُ فَالنَّصْرَانِيُّ يَبِيعُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَهِ أُحْرِقَ بَيْتُهُ ، قَالَ وَحَدَّثَنِي اللَّيْثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَحْرَقَ بَيْتَ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ لِبَيْعِهِ الْخَمْرَ بِهِ ، وَقَالَ لَهُ أَنْتَ فُوَيْسِقٌ لَا رُوَيْشِدٌ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( أَوْ ) أَيْ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ( بِعِتْقِ عَبْدٍ ) مُؤَجَّرٍ أَوْ أَمَةٍ مُؤَجَّرَةٍ فَلَا تَنْفَسِخُ إجَارَتُهُ ( وَيَبْقَى حُكْمُهُ ) أَيْ الْمُعْتَقُ وَهُوَ مُؤَجَّرٌ ( عَلَى ) حُكْمِ ( الرِّقُّ ) فِي شَهَادَتِهِ وَقِصَاصِهِ حَتَّى تَتِمَّ مُدَّةُ إجَارَتِهِ فِيهَا مَنْ أَجَرَ عَبْدَهُ أَوْ أَخَدَمَهُ سَنَةً ثُمَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَا يَعْتِقُ حَتَّى تَتِمَّ ، وَلَوْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَا تَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ وَلَا الْخِدْمَةُ ، وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ لِتَمَامِ السَّنَةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ الْمُسْتَأْجَرَ أَوْ الْمُخْدِمُ ( وَأُجْرَتَهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ الَّذِي أُعْتِقَ وَهُوَ مُؤَجَّرٌ بَعْدَ عِتْقِهِ فِي بَقِيَّةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ( لِسَيِّدِهِ إنْ أَرَادَ ) سَيِّدُهُ بِإِعْتَاقِهِ وَهُوَ مُؤَجَّرٌ ( أَنَّهُ ) أَيْ الرَّقِيقَ ( حُرٌّ بَعْدَ ) تَمَامِ مُدَّتْ ( هَا ) أَيْ الْإِجَارَةِ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ أَوْ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهُمَا فَأُجْرَتُهُ لَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى ، وَكِرَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ أَمَةً فَلَا يَطَؤُهَا .
ابْنُ حَبِيبٍ الْإِجَارَةُ أَمْلَكُ بِهِ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ عَبْدٍ ، وَاخْتُلِفَ فِي أُجْرَتِهِ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ "

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يُسْأَلُ سَيِّدُهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بِتَمَامِ الْإِجَارَةِ فَيُصَدَّقُ وَالْأُجْرَةُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا أَوْ إنْ أَرَادَ تَعْجِيلَ عِتْقِهِ فَهِيَ لِلْعَبْدِ قَبَضَهَا أَمْ لَا .
( تَتْمِيمٌ ) ابْنُ يُونُسَ مَنْ اكْتَرَى دَارًا فَوَجَدَ لَهَا جِيرَانَ سُوءٍ فَلَهُ رَدُّهَا لِأَنَّهُ عَيْبٌ ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَإِذَا لَهَا جِيرَانُ سُوءٍ إنَّهُ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ قَالَ الشَّاعِرُ : يَقُولُونَ لِي بِعْت الدِّيَارَ رَخِيصَةً وَلَا أَنْتَ مَدْيُونٌ وَلَا أَنْتَ مُفْلِسُ فَقُلْت لَهُمْ كُفُّوا الْمَلَامَةَ وَاقْصُرُوا بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( فَصْلٌ ) وَكِرَاءُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ ، وَجَازَ عَلَى أَنَّ عَلَيْك عَلَفَهَا ، أَوْ طَعَامَ رَبِّهَا ، أَوْ عَلَيْهِ طَعَامَك

( فَصْلٌ ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ كِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالرِّبَاعِ ( وَكِرَاءُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ ) أَيْ إيجَارُ عَاقِلٍ وَمُمْكِنُ النَّقْلِ غَيْرِ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ فِي تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَى عَاقِدٍ وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ وَالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ وَاللُّزُومِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ .
وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ السَّابِقَةِ .
ابْنُ شَاسٍ أَقْسَامُ الْإِجَارَةُ ثَلَاثَةٌ : الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي اسْتِئْجَارِ الْآدَمِيِّ ، الْقِسْمُ الثَّانِي فِي اسْتِئْجَارِ الْأَرَاضِي ، الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّوَابِّ وَهِيَ تُسْتَأْجَرُ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : لِلرُّكُوبِ و لِلْحَمْلِ وَلِلِاسْتِقَاءِ وَلِلْحَرْثِ .
( وَجَازَ ) كِرَاءُ الدَّابَّةِ ( عَلَى ) شَرْطِ ( أَنَّ عَلَيْك ) يَا مُكْتَرِي ( عَلَفَهَا ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ وَالْفَاءِ أَيْ مَا تَأْكُلُهُ الدَّابَّةُ الْمُكْتَرَاةُ ، وَهُوَ الْكِرَاءُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ مَعْلُومٍ ( أَوْ ) عَلَى أَنَّ عَلَيْك ( طَعَامَ رَبِّهَا ) أَيْ الدَّابَّةِ الَّذِي يَأْكُلُهُ فِي السَّفَرِ ، وَهُوَ الْكِرَاءُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ، وَلَوْ مَانِعَةً خُلُوٍّ فَقَطْ ، فَيَجُوزُ عَلَى أَنَّ عَلَيْك عَلَفَهَا وَطَعَامَ رَبِّهَا مَعًا كَذَلِكَ ( أَوْ ) عَلَى أَنَّ ( عَلَيْهِ ) أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ ( طَعَامَك ) يَا مُكْتَرِي الَّذِي تَأْكُلُهُ فِي سَفَرِك إنْ اكْتَرَيْتهَا بِغَيْرِ طَعَامٍ .
وَفِي هَذَا اجْتِمَاعُ إكْرَاءٍ وَبَيْعٍ فِي صَفْقَةٍ ، وَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَا تُعْطِيهِ لِرَبِّهَا فِي رُكُوبِهَا وَبَعْضَهُ فِي طَعَامِك فِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَ إبِلًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ رِحْلَتَهَا ، أَوْ تَكْتَرِيَ دَابَّةً بِعَلَفِهَا أَوْ أَجِيرًا بِطَعَامِهِ أَوْ إبِلًا عَلَى أَنَّ عَلَيْك عَلَفَهَا أَوْ طَعَامَ رَبِّهَا أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ هُوَ طَعَامَك ذَاهِبًا وَرَاجِعًا فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ لَمْ تُوصَفْ النَّفَقَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَاجِرَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ أَجَلًا مَعْلُومًا بِطَعَامِهِ فِي

الْأَجَلِ ، أَوْ بِكِسْوَتِهِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ الْكِسْوَةِ وَالطَّعَامِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ عُرُوضٌ بِعَيْنِهَا مُعَجَّلَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ عُرُوضًا مَضْمُونَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَ تَأْخِيرُهَا إنْ ضَرَبَا لَهَا أَجَلًا كَأَجَلِ السَّلَمِ .

أَوْ لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ
( أَوْ ) كِرَاؤُهَا ( لِيَرْكَبَهَا ) أَيْ الْمُكْتَرِي الدَّابَّةَ ( فِي ) قَضَاءِ ( حَوَائِجِهِ ) أَيْ الْمُكْتَرِي شَهْرًا فِيهَا ، وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ شَهْرًا مَتَى شَاءَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَا يَرْكَبُ النَّاسُ الدَّوَابَّ جَازَ .
أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ فِي الْبَلَدِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْهَا يَكْتَرِيهَا شَهْرًا عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ حَيْثُ شَاءَ ، وَإِنْ كَانَتْ تَقِلُّ مَرَّةً وَتَكْثُرُ أُخْرَى لِلضَّرُورَةِ ، إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْيِينِ مَا يَحْتَاجُهُ .
ا هـ .
فَتَأَمَّلْهُ مَعَ نَصِّهَا .
وَفِي الشَّامِلِ أَوْ لِتَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِكَ إنْ عَرَفَ ، وَقِيلَ لِلضَّرُورَةِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ مُخَالِفٌ لَهَا فِي اشْتِرَاطِهَا مَعْرِفَةَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ وَاللَّخْمِيُّ لَمْ يَشْتَرِطْهَا وَإِنَّمَا الْجَوَازُ عِنْدَهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ تَعْلِيلُ اللَّخْمِيِّ خِلَافُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ جَوَازُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ .
ا هـ .
فَعَلَى هَذَا يُوَافِقُ اللَّخْمِيُّ الْكِتَابَ عَلَى شَرْطِ مَعْرِفَةِ النَّاسِ ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ فِي تَقْيِيدِهِ بِالضَّرُورَةِ قَالَهُ طفي .

أَوْ لِيَطْحَنَ بِهَا شَهْرًا
( أَوْ ) أَيْ وَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا ( لِيَطْحَنَ ) أَيْ الْمُكْتَرِي ( بِهَا ) أَيْ الدَّابَّةِ ( شَهْرًا ) مُعَيَّنًا فَيَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَا يَطْحَنُهُ بِهَا كُلَّ يَوْمٍ فِيهَا عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَاهَا لِطَحْنِ قَمْحٍ شَهْرًا بِعَيْنِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَمْ يَطْحَنُ كُلَّ يَوْمٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ طَحِينَ النَّاسِ كُلَّ يَوْمٍ مَعْرُوفٌ .
اللَّخْمِيُّ إنْ اعْتَادُوا طَحْنَ نَوْعٍ خَاصٍّ كَقَمْحٍ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ مَرَّةً شَعِيرًا وَمَرَّةً قَمْحًا وَمَرَّةً أُرْزًا وَكَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ سَوَاءً وَمُتَقَارِبَةً جَازَ ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْيِينِ النَّوْعِ .

أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَى دَوَابِّهِ مِائَةً ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَا لِكُلٍّ
( أَوْ ) أَيْ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا ( لِيَحْمِلَ ) الْمُكْتَرِي ( عَلَى دَوَابِّهِ ) أَيْ الْمُكْرِي ( مِائَةً ) مِنْ أَرَادِبِ الْقَمْحِ أَوْ قَنَاطِيرِ الْقُطْنِ أَوْ مِنْ الرَّقِيقِ فَيَجُوزُ إنْ سَمَّى لِكُلِّ دَابَّةٍ مَا تَحْمِلُهُ مِنْ الْمِائَةِ ، بَلْ ( وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ ) الْمُكْتَرِي قَدْرَ ( مَا لِكُلٍّ ) مِنْ دَوَابِّهِ مِنْ الْمِائَة وَيَحْمِلُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ مَا تُطِيقُ حَمْلَهُ ، فِيهَا مَنْ اسْتَأْجَرَ دَوَابَّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فِي صَفْقَةٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ إرْدَبِّ قَمْحٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ جَازَ ، وَلْتُحَمَّلْ كُلُّ دَابَّةٍ بِقَدْرِ قُوَّتِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ لِرِجَالٍ شَتَّى وَحَمْلُهَا مُخْتَلِفٌ فَلَا يَجُوزُ ، إذْ لَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مَا أَكْرَى دَابَّتَهُ لِحَمْلِهِ .

وَعَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ لَمْ يَرَهُ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْفَادِحُ ، بِخِلَافِ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ
( وَ ) جَازَ كِرَاءُ دَابَّةٍ ( عَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ ) غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ مِصْرَ لِلْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ( لَمْ يَرَهُ ) أَيْ الْآدَمِيَّ الَّذِي أُرِيدَ حَمْلُهُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ لِيَسَارَةِ الْغَرَرِ بِتَقَارُبِ الْأَجْسَامِ غَالِبًا ( وَلَمْ يَلْزَمْهُ ) أَيْ رَبَّ الدَّابَّةِ الْآدَمِيَّ ( الْفَادِحُ ) بِالْفَاءِ وَإِهْمَالِ الدَّالِ وَالْحَاءِ ، أَيْ الْخَارِجُ عَنْ الْمُعْتَادِ فِي عِظَمِ جِسْمِهِ وَثِقَلِهِ .
عِيَاضٌ الْفَادِحُ مِنْ الرِّجَالِ وَالْأَحْمَالِ الثَّقِيلُ جِدًّا الَّذِي تَهْلِكُ الدَّابَّةُ تَحْتَهُ .
( بِخِلَافِ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ ) الْمَرْأَةُ فِي سَفَرِهَا فَيَلْزَمُ الْجَمَّالُ حَمْلُهُ ؛ لِأَنَّ شَأْنَهَا ذَلِكَ .
فَهُوَ دَاخِلٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَانَ مَحْمُولًا مَعَهَا فِي بَطْنِهَا .
فِيهَا مَنْ أَكْرَى دَابَّةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى حَمْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ لَمْ يَرَهُمَا جَازَ لِتَسَاوِي الْأَجْسَامِ إلَّا الْخَاصَّ ، فَإِنْ أَتَاهُ بِفَادِحَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَرَادَ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُمَا وَالْكِرَاءُ بَاقٍ بَيْنَهُمَا وَيَأْتِيهِ بِالْوَسَطِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يُكْرِي الْإِبِلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ .
وَأَجَازَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَحْمِلَ فِي عَيْبَتِهِ ثَوْبًا أَوْ ثَوْبَيْنِ لِغَيْرِهِ ، وَلَا يُخْبِرَ بِذَلِكَ الْجَمَّالَ ، وَهُوَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ وَلَوْ تُبَيَّنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِوَزْنِهَا كَانَ أَحْسَنَ وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكْتَرِيَةُ فِي الطَّرِيقِ أُجْبِرَ الْجَمَّالُ عَلَى حَمْلِ وَلَدِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ .
ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهَا لَا يَحْتَاجُ لِتَعْيِينِ الرَّاكِبِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ النِّسَاءِ أَشَدُّ .

وَبَيْعُهَا ، وَاسْتِثْنَاءُ رُكُوبِهَا الثَّلَاثَ لَا جُمُعَةً .
وَكُرِهَ الْمُتَوَسِّطُ
( وَجَازَ بَيْعُهَا ) أَيْ الدَّابَّةُ ( وَاسْتِثْنَاءُ ) أَيْ اشْتِرَاطُ بَائِعِهَا لِ ( رُكُوبِهَا ) أَيْ الدَّابَّةِ ( الثَّلَاثَ ) مِنْ الْأَيَّامِ وَأَوْلَى الْيَوْمَيْنِ وَالْيَوْمِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْهُ جَمَلًا فِي رُجُوعِهِمْ إلَى الْمَدِينَةِ وَجَعَلَ لَهُ رُكُوبَهُ إلَيْهَا ثُمَّ أَعْطَاهُ الثَّمَنَ ، ثُمَّ الْجَمَلَ } ، وَقَيَّدَهُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " بِقُرْبِ الْمَسَافَةِ ( لَا ) يَجُوزُ بَيْعُهَا وَاسْتِثْنَاءُ رُكُوبِهَا ( جُمُعَةً وَكُرِهَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( الْمُتَوَسِّطُ ) بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْجُمُعَةِ ، أَيْ اسْتِثْنَاءُ رُكُوبِهِ ، وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ وَالْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ بَاعَ دَابَّةً فَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ يُسَافِرُ عَلَيْهَا الْيَوْمَ أَوْ إلَى الْمَكَانِ الْقَرِيبِ جَازَ ، وَلَا يَنْبَغِي فِيمَا بَعُدَ ، إذْ لَا يَدْرِي الْمُبْتَاعُ كَيْفَ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ فِيمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ ، وَمِنْ الْبَائِعِ فِيمَا لَا يَجُوزُ .
اللَّخْمِيُّ مَنْ بَاعَ رَاحِلَةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ جَازَ وَكُرِهَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ، وَيُمْنَعُ مَا كَثُرَ كَالْجُمُعَةِ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ يَوْمًا أَوَيَوْمَيْنِ أَيْ أَوْ ثَلَاثَةٍ ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ .
وَحَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلَهُ لَا يَنْبَغِي عَلَى الْمَنْعِ وَنُوقِشَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ كَرَاهَةَ الْمُتَوَسِّطِ لِلَّخْمِيِّ ، وَالثَّالِثُ دَاخِلٌ فِيهِ عِنْدَهُ .

وَكِرَاءُ دَابَّةٍ شَهْرًا ، إنْ لَمْ يَنْقُدْ
( وَ ) يَجُوزُ ( كِرَاءُ دَابَّةٍ ) مُعَيَّنَةٍ لِيَرْكَبَهَا الْمُكْتَرِي مِنْ مِصْرَ إلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى أَنْ يَتَأَخَّرَ الشُّرُوعُ فِي رُكُوبِهَا ( شَهْرًا إنْ لَمْ يَنْقُدْ ) أَيْ يَدْفَعْ الْمُكْتَرِي الْكِرَاءَ لِلْمُكْرِي عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ ، وَمَفْهُومُ شَهْرًا جَوَازُ مَا دُونَهُ وَإِنْ نَقَدَ .
وَمَفْهُومُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ مَنْعُهُ إنْ نَقَدَ ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيهِمَا " غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكِرَاءُ دَابَّةٍ إنْ لَمْ يَنْقُدْ إلَى شَهْرٍ بِجَرِّ شَهْرٍ بِإِلَى ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهَا وَمَنْ اكْتَرَى رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَ إلَى الْيَوْمِ أَوْ الْيَوْمَيْنِ وَمَا قَرُبَ جَازَ ذَلِكَ وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ جَازَ مَا لَمْ يَنْقُدْهُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ ا هـ .
وَقَالَ " ق " لَعَلَّهُ إلَى شَهْرٍ ، وَنَقَلَ نَصَّهَا الْمُتَقَدِّمَ .

وَالرِّضَا بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ الْهَالِكَةِ ؛ إنْ لَمْ يَنْقُدْ ، أَوْ نَقَدَ ، وَاضْطُرَّ .
( وَ ) إنْ اكْتَرَى دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِيَرْكَبَهَا مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ مَثَلًا وَهَلَكَتْ فِي أَثْنَائِهَا جَازَ ( الرِّضَا بِ ) دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ يَرْكَبُهَا بَاقِيَ الْمَسَافَةِ ( غَيْرِ ) الدَّابَّةِ ( الْمُعَيَّنَةِ الْهَالِكَةِ ) فِي الْأَثْنَاءِ ( إنْ لَمْ يَنْقُدْ ) الْمُكْتَرِي الْكِرَاءَ لِلْمُكْرِي ، فَإِنْ كَانَ نَقَدَهُ فَلَا يَجُوزُ الرِّضَا بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ لِانْفِسَاخِ الْكِرَاءِ بِهَلَاكِهَا وَوُجُوبِ الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْبَاقِي ، وَهُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُكْرِي ، فَإِنْ رَضِيَ بِغَيْرِهَا فَقَدْ فَسَخَ دَيْنًا فِي دَيْنٍ ( أَوْ ) كَانَ ( نَقَدَ ) الْكِرَاءَ لِلْمُكْرِي ( وَ ) قَدْ ( اُضْطُرَّ ) الْمُكْتَرِي لِلرِّضَا بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ دَابَّةٍ يَكْتَرِيهَا أَوْ يَشْتَرِيهَا ، وَهُوَ فِي مَفَازَةٍ يَخْشَى الْهَلَاكَ فِيهَا إنْ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ فَيَجُوزُ رِضَاهُ بِغَيْرِهَا وَإِنْ لَزِمَهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ لِلضَّرُورَةِ وَمَفْهُومُ الْمُعَيَّنَةِ جَوَازُ الرِّضَا بِغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ الْهَالِكَةِ ، وَإِنْ كَانَ نَقَدَ الْكِرَاءَ لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْكِرَاءِ بِهَلَاكِهَا ، فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَلَوْ هَلَكَتْ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ ، أَيْ وَقَدْ نَقَدَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَهُ دَابَّةً أُخْرَى يَرْكَبُهَا بَقِيَّةَ سَفَرِهِ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ ذَلِكَ بِفَلَاةٍ وَمَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ فِيهِ كِرَاءٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الضَّرُورَةِ إلَى مَوْضِعٍ مُسْتَعْتَبٍ فَقَطْ ، وَسَوَاءٌ تَحَوَّلَ فِي كِرَاءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَضْمُونٍ إذَا كَانَ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ مُعَيَّنًا .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ .

وَفَعَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ ، وَدُونَهُ
( وَفَعَلَ ) الْمُسْتَأْجِرُ الْفِعْلَ ( الْمُسْتَأْجَرَ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ( عَلَى ) فِعْلِ ( هـ ) وَهَذَا مَعْلُومٌ ، وَذَكَرَهُ تَوَصُّلًا لِمَا بَعْدَهُ وَمُسَاوِيهِ ( وَدُونَهُ ) بِالْأَوْلَى وَ ( لَا ) يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا ( أَضَرَّ ) مِنْهُ بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا .
فِيهَا مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِحَمْلِ مَحْمَلٍ فَحَمَّلَهَا زَامِلَةً فَعَطِبَتْ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الْمَحْمَلِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فَلَا يَضْمَنُ ، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَ مَا سَمَّى إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَضَرَّ وَلَا أَثْقَلَ مِنْ مَحْمَلٍ .
الْبُنَانِيُّ أَيْ فَعَلَ مِثْلَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ عَيْنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا فِي " ز " وَغَيْرِهِ لِقِلَّةِ فَائِدَتِهِ .

وَحَمْلٌ بِرُؤْيَتِهِ ، أَوْ كَيْلِهِ ، أَوْ وَزْنِهِ ، أَوْ عَدِّهِ ، إنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ

( وَ ) جَازَ كِرَاءُ دَابَّةٍ لِحَمْلٍ ( بِرُؤْيَتِهِ ) أَيْ الْمَحْمُولِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ جِنْسِهِ اكْتِفَاءً بِرُؤْيَتِهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَكُونُ قَدْرُ الْمَحْمُولِ عُرْفًا أَوْ نَصًّا ( أَوْ ) بِ ( كَيْلِهِ ) أَيْ الْمَحْمُولِ كَإِرْدَبٍّ ( أَوْ ) بِ ( وَزْنِهِ ) كَقِنْطَارٍ ( أَوْ عَدَدِهِ ) كَمِائَةٍ ( إنْ لَمْ يَتَفَاوَتْ ) الْمَكِيلُ بِالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ أَوْ الْمَوْزُونُ بِاللُّيُونَةِ وَالْيُبُوسَةِ أَوْ الْمَعْدُودُ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ .
ابْنُ شَاسٍ الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ ، وَيُعْرَفُ الْمَحْمُولُ بِالرُّؤْيَةِ إنْ حَضَرَ ، فَإِنْ غَابَ فَبِذِكْرِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ فِيمَا لَا كَثِيرَ تَفَاوُتٍ بَيْنَ آحَادِهِ ، فِيهَا مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا مِنْ قَوْمٍ قَدْ عُرِفَ حَمْلُهُمْ ، فَذَلِكَ لَازِمٌ عَلَى مَا عَرَفُوا مِنْ الْحَمْلِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : لَوْ سَمَّى حِمْلَ طَعَامٍ أَوْ بَزٍّ أَوْ عِطْرٍ جَازَ ، وَحَمْلُهَا قَدْرُ حَمْلِ مِثْلِهَا .
عِيَاضٌ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا فَحَمَلَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ عَلَى الْخِلَافِ وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ قَدْ عُرِفَ حَمْلُهُمْ أَيْ قَدْرُهُ وَالْأَنْدَلُسِيُّونَ عَلَى الْوِفَاقِ أَيْ عَرَّفُوا جِنْسَ وَنَوْعَ مَا يَحْمِلُونَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا يَضُرُّهُمْ جَهْلُ قَدْرِهِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَضْلٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ مَتَى عُرِفَ جِنْسُهُ لَمْ يُبَالَ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ ، وَحَمَلَتْ الدَّابَّةُ حَمْلَ مِثْلِهَا ، وَقَدْ قَالَهُ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا فِي مُكْتَرِي دَوَابَّ مِنْ وَاحِدٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ إرْدَبٍّ وَلَمْ يُسَمِّ مَا تَحْمِلُ دَابَّةٌ جَازَ وَيَحْمِلُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ مَا تَقْوَى عَلَى حَمْلِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي زَامِلَةِ الْحَاجِّ .
أَبُو الْحَسَنِ حَاصِلُ هَذَا أَنَّ الْقَرَوِيِّينَ قَالُوا لَا يَجُوزُ وَإِنْ سَمَّى الْجِنْسَ حَتَّى يُعْرَفَ الْقَدْرُ إمَّا بِنَصٍّ أَوْ عُرْفٍ وَلَا يَكْفِي الِاجْتِهَادُ ، وَقَالَ الْأَنْدَلُسِيُّونَ إنْ سَمَّى الْجِنْسَ جَازَ ، وَيُصْرَفُ الْقَدْرُ لِلِاجْتِهَادِ ،

وَمِمَّنْ أَوَّلَ بِالْخِلَافِ .
اللَّخْمِيُّ فَقَالَ : إنْ سَمَّى قَدْرَ مَا يَحْمِلُ دُونَ جِنْسِهِ لَمْ يَجُزْ فَقَدْ يَتَّفِقُ الْوَزْنُ وَيَخْتَلِفُ الْكِرَاءُ لِاخْتِلَافِ الْمَضَرَّةِ كَالْكَتَّانِ وَالرَّصَاصِ الْمُسْتَوِيَيْنِ وَزْنًا وَاخْتُلِفَ إذَا سَمَّى الْجِنْسَ دُونَ الْقَدْرِ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ .
وَيَحْمِلُ عَلَيْهَا حَمْلَ مِثْلِهَا ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ، إذْ قَدْ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَا تَحْمِلُهُ إلَّا رَبُّهَا ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ شَاسٍ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي حَمْلِ كَلَامِ الْغَيْرِ عَلَى الْخِلَافِ لِاخْتِيَارِهِ اللَّخْمِيُّ ، وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَفَاوَتْ خَاصٌّ بِالْمَعْدُودِ كَمَا قَالَ الشَّارِحَانِ ، وَبِهِ قَرَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ فَرْحُونٍ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، إذْ ذِكْرُ الْجِنْسِ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ ، وَالْجِنْسُ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَفَاوُتٌ بِالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ أَفَادَهُ طفي .

وَإِقَالَةٌ قَبْلَ النَّقْدِ وَبَعْدَهُ ، إنْ لَمْ يَعِبْ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا ، إلَّا مِنْ الْمُكْتَرِي فَقَطْ ، إنْ اقْتَصَّا ، أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ

( وَ ) مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِحَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَقَايَلَا جَازَتْ ( الْإِقَالَةُ ) مِنْ الِاكْتِرَاءِ إنْ كَانَتْ ( قَبْلَ النَّقْدِ ) لِلْكِرَاءِ مِنْ الْمُكْتَرِي لِلْمُكْرِي ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْكِرَاءِ أَوْ بِأَزْيَدَ مِنْهُ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضًا بِشَرْطِ تَعْجِيلِهَا ؛ لِأَنَّ الْمُكْرِيَ اكْتَرَى الدَّابَّةَ مِنْ الْمُكْتَرِي بِالْكِرَاءِ فَقَطْ أَوْ بِهِ وَبِالزِّيَادَةِ ، فَإِنْ أُجِّلَتْ الزِّيَادَةُ مُنِعَتْ الْإِقَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ .
وَ ) تَجُوزُ الْإِقَالَةُ مِنْهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ النَّقْدِ ( إنْ لَمْ يَغِبْ ) الْمُكْرِي ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْكِرَاءِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ كَانَ غَابَ عَلَيْهِ ( فَلَا ) تَجُوزُ الْإِقَالَةُ لِاتِّهَامِهِمَا عَلَى السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ ( إلَّا أَنْ ) تَكُونَ الزِّيَادَةُ ( مِنْ الْمُكْتَرِي فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْمُكْرِي فَتَجُوزُ ( إنْ ) كَانَا ( اقْتَصَّا ) أَيْ شَرَطَا الْمُقَاصَّةَ لِيَسْلَمَا مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ( أَوْ ) تَقَايَلَا بِزِيَادَةٍ مِنْ الْمُكْرِي أَوْ الْمُكْتَرِي ( بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ ) لِنَفْيِهِ تُهْمَةَ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ مَا فَتَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ .
الْخَرَشِيُّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا فِي الْإِقَالَةِ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَنَافِعِ وَمِنْ الْمُكْرِي عَلَى الْكِرَاءِ ، وَأَمَّا الْإِقَالَةُ بِالْكِرَاءِ فَجَائِزَةٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ النَّقْدِ أَوْ بَعْدَهُ غَابَ الْمُكْرِي عَلَى النَّقْدِ أَمْ لَا لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْمَنْعِ حِينَئِذٍ ، وَهِيَ تُهْمَةُ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْإِقَالَةُ بِزِيَادَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى نُسْخَةِ ابْنِ غَازِيٍّ وَإِقَالَةٍ بِزِيَادَةٍ إلَخْ .
طفي لَيْسَ فِي نُسْخَةِ تت لَفْظُ بِزِيَادَةٍ ، فَلِذَا قَالَ : سَوَاءٌ كَانَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَزْيَدَ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِقَالَةٌ بِزِيَادَةٍ ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ

جَمْعٍ مِنْ الشُّرَّاحِ ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ فِي الْإِقَالَةِ بِزِيَادَةٍ أَمَّا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَتَجُوزُ مُطْلَقًا قَبْلَ النَّقْدِ وَبَعْدَهُ اللَّخْمِيُّ الْإِقَالَةُ مِنْ الْكِرَاءِ إذَا لَمْ تَكُنْ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْمُكْرِي وَلَا مِنْ الْمُكْتَرِي فَهِيَ جَائِزَةٌ بَعْدَ النَّقْدِ ، وَتَجُوزُ أَيْضًا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهَا حِلُّ بَيْعٍ أَوْ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ ، وَأَنَّ الذِّمَمَ تَبْرَأُ بِهَا وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِبَرَاءَةِ الذِّمَمِ بِهَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَضْمُونِ ، وَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ عِنْدَ أَخْذِ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ ، وَهُوَ الرُّكُوبُ عَنْ دَيْنٍ اسْتَحَقَّهُ عِنْدَهُ ، وَهُوَ الْكِرَاءُ .
وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ مُعَيَّنًا جَازَ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُكْتَرِي فِيهَا الْآنَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مُقَارِنٌ أَخْذَ الْمُكْرِي مَنَافِعَ عَنْ دَيْنٍ .
ا هـ .
وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ هَذَا .
الْبُنَانِيُّ حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْإِقَالَةِ بِزِيَادَةٍ فِي الْكِرَاءِ كَمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ بِالذَّهَبِ إمَّا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ عَرْضٌ ، وَهِيَ فِيهَا إمَّا مُعَجَّلَةٌ أَوْ مُؤَجَّلَةٌ فَهَذِهِ سِتَّةٌ وَهِيَ فِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا مِنْ الْمُكْتَرِي ، وَإِمَّا مِنْ الْمُكْرِي ، فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا قَبْلَ النَّقْدِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَهَذِهِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمُكْتَرِي قَبْلَ النَّقْدِ فَتَجُوزُ إنْ عُجِّلَتْ وَكَانَتْ ذَهَبًا أَوْ عَرْضًا ، وَإِنْ كَانَتْ فِضَّةً فَتَجُوزُ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ ، فَإِنْ أُجِّلَتْ امْتَنَعَتْ فِي الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهَا فِي الذَّهَبِ كِرَاءٌ وَسَلَفٌ ، وَفِي الْفِضَّةِ كِرَاءٌ وَصَرْفٌ مُؤَخَّرٌ ، وَفِي الْعَرْضِ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُكْتَرِي بَعْدَ النَّقْدِ غَابَ الْمُكْرِي عَلَى الْكِرَاءِ أَمْ لَا ، فَتَجُوزُ الْمُعَجَّلَةُ مِنْ الْعَرْضِ مُطْلَقًا ، وَمِنْ الذَّهَبِ بِشَرْطِ الْمُقَاصَّةِ وَمِنْ الْفِضَّةِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ وَتُمْنَعُ الْمُؤَخَّرَةُ مِنْ

الذَّهَبِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَرْضٍ وَذَهَبٍ بِذَهَبٍ لِأَجَلٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَفِيهِ كِرَاءٌ وَسَلَفٌ أَيْضًا ، وَمِنْ الْفِضَّةِ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ ، وَيَجُوزُ مِنْ الْعَرْضِ بِشُرُوطِ السَّلَمِ ، فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِي زِيَادَةِ الْمُكْتَرِي يَمْتَنِعُ خَمْسٌ مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمُكْرِي قَبْلَ النَّقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْغَيْبَةِ عَلَيْهِ فَتَجُوزُ الْمُعَجَّلَةُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ عَرْضًا وَتُمْنَعُ الْمُؤَخَّرَةُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ عَرْضًا ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ ، وَتُمْنَعُ بَعْدَ الْغَيْبَةِ فِيهَا إلَّا بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ يَدْفَعُ التُّهْمَةَ فَتَجُوزُ ، وَتُمْنَعُ الثَّلَاثُ إنْ أُخِّرَتْ مُطْلَقًا فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِي زِيَادَةِ الْمُكْرِي تَجُوزُ مِنْهَا ثَلَاثٌ هَذَا حَاصِلُ مَا لِابْنِ رُشْدٍ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ إنَّمَا هُوَ فِي زِيَادَةِ الْمُكْرِي بَعْدَ غَيْبَتِهِ عَلَى الْكِرَاءِ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ الْمَضْمُونَةِ .
وَأَمَّا الْمُعَيَّنَةُ فَإِنْ نَقَدَ الْكِرَاءَ بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمُكْتَرِي وَعُجِّلَتْ فَتَجُوزُ بِالذَّهَبِ وَتُمْنَعُ بِالْعَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبٌ مَنْقُودٌ وَمَنَافِعُ بِذَهَبٍ لِأَجَلٍ وَبِالْفِضَّةِ لِلصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ ، وَتَجُوزُ بِالذَّهَبِ الْمُؤَخَّرِ بِشَرْطِ الْمُقَاصَّةِ وَتُمْنَعُ بِالْفِضَّةِ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ وَبِالْعَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُكْرِي وَعُجِّلَتْ فَتَجُوزُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ وَتُمْنَعُ بِالْمُؤَجَّلِ فِي الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّهَا فِي الذَّهَبِ وَالْعَرْضِ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ ، وَفِي الْفِضَّةِ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ ، فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً فِي الْمُعَيَّنِ الْمُؤَجَّلِ ، وَفِي الْمُعَيَّنِ الْمُعَجَّلِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ فَمَجْمُوعُ صُوَرِ الْمُعَيَّنِ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ .
وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فِي الدُّورِ فَهِيَ كَالْإِقَالَةِ فِي الْكِرَاءِ الْمُعَيَّنِ فَفِيهَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ أَيْضًا إلَّا فِي

مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ إذَا غَابَ الْمُكْرِي عَلَى الْمَالِ فَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ مِنْهُ ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ سُكْنَى بَعْضِ الْمُدَّةِ كَسَيْرِ بَعْضِ الْمَسَافَةِ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ فِي الْمَسَافَةِ ، فَتَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَجْمُوعَ صُوَرِ الْإِقَالَةِ بِزِيَادَةٍ : سِتٌّ وَتِسْعُونَ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ هَكَذَا حَصَّلَهَا أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ رُشْدٍ وَصَاحِبُ التَّكْمِيلِ ، وَنَظَّمَهَا أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ ، وَوَضَعَ لَهَا فِي التَّكْمِيلِ جَدْوَلًا ، وَأَمَّا الْأَرْضُ فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً فَكَالدُّورِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ فَزِيَادَةُ الْمُكْرِي لَا تَجُوزُ نَقْدًا لِاحْتِمَالِ عَدَمِ رَيِّهَا فَيَفْسَخُ الْكِرَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاشْتِرَاطُ هَدِيَّةِ مَكَّةَ ، وَإِنْ عُرِفَ
( وَ ) يَجُوزُ اشْتِرَاطُ حَمْلِ ( هَدِيَّةِ ) الْحَاجِّ لِ ( مَكَّةَ ) عَلَى الْمُكْرِي ( إنْ عُرِفَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ قَدْرُهَا ، فِيهَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَ هَدَايَا مَكَّةَ ، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا عُرِفَ وَجْهُهُ جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ .
أَبُو الْحَسَنِ أَيْ كِسْوَتُهَا وَطِيبُهَا فَظَاهِرُهُ جَوَازُ تَطْيِيبِهَا وَكِسْوَتِهَا إلَّا أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِ مَا يُخَلِّقُ بِهِ الْمَسْجِدَ أَوْ يُجَمِّرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ ا هـ ، وَقَدْ قَالُوا : إنَّ كِسْوَةَ الْكَعْبَةِ مُخَصَّصَةٌ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ كِسْوَةِ الْجُدَرَانِ ، وَبِهَذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ ، وَقَرَّرَهُ الْبِسَاطِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُكْرِي أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُكْتَرِي هَدِيَّةَ وُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ إنْ عُرِفَ قَدْرُهَا .

وَعُقْبَةُ الْأَجِيرِ
( وَ ) يَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي اشْتِرَاطُ ( عُقْبَةِ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ ، أَيْ رُكُوبِ ( الْأَجِيرِ ) أَيْ الْخَدَّامِ الَّذِي يَقُودُ بِهِ الدَّابَّةَ الْمِيلَ السَّادِسَ عَلَى الدَّابَّةِ مَعَ الْمُكْتَرِي أَوْ بَدَلِهِ وَيُمْشِيهِ الْمُكْتَرِي .
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَ مَحْمَلًا وَيَشْتَرِطَ عُقْبَةَ الْأَجِيرِ .
ابْنُ يُونُسَ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ ، وَهُوَ رَأْسُ سِتَّةِ أَمْيَالٍ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَرْكَبُ الْمِيلَ السَّادِسَ ، وَفِي نَدْبِ اشْتِرَاطِ عُقْبَةِ الْأَجِيرِ لِيَخْرُجَ مِنْ كَرَاهَةِ فِعْلِ مِثْلِ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ وَوُجُوبِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ حُرْمَةِ فِعْلِ الْأَضَرِّ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ قَوْلَانِ .
أَبُو الْحَسَنِ أَيْ يَعْقُبُهُ أَجِيرُهُ فِي الرُّكُوبِ بَعْضُهُمْ يَرْفَعُ اشْتِرَاطَ الْكَرَاهَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ إكْرَاؤُهُ لِغَيْرِهِ إنْ أَكْرَاهَا لِلرُّكُوبِ .
أَبُو الْحَسَنِ لَيْسَ هَذَا بِبَيِّنٍ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا وَعَاقَبَهُ صَارَ كَمِنْ أَكْرَى لِمَنْ هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعَيِيَّ أَثْقَلُ مِنْ غَيْرِهِ أَبَدًا ، فَفَائِدَتُهُ رَفْعُ الْمَنْعِ .
ا هـ .
وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ سَمَاعِ عِيسَى ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَالثَّانِي نَصُّ قَوْلِ أَصْبَغَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْجَوَازُ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نَدْبٌ وَلَا وُجُوبٌ .

لَا حَمْلِ مَنْ مَرِضَ ، وَلَا اشْتِرَاطُ إنْ مَاتَتْ مُعَيَّنَةً أَتَاهُ : بِغَيْرِهَا .
( لَا ) يَجُوزُ اكْتِرَاءُ جَمَاعَةٍ مُشَاةٍ دَابَّةً لِحَمْلِ أَزْوَادِهِمْ بِشَرْطِ ( حَمْلِ مَنْ مَرِضَ ) مِنْهُمْ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَجَهَالَةٌ وَقَدْ يَظْهَرُ صَحِيحُ الْمَرَضِ لِرَغْبَتِهِ فِي الرُّكُوبِ فَيُؤَدِّي لِلتَّنَازُعِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ إلَى مَكَّةَ مِثْلَ مَا يَتَكَارَى النَّاسُ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ أَكْرَى مُشَاةً عَلَى أَزْوَادِهِمْ عَلَى أَنَّ لَهُمْ حَمْلَ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ .
( وَلَا ) يَجُوزُ اكْتِرَاءُ دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ مَثَلًا وَلَا ( اشْتِرَاطُ إنْ مَاتَتْ ) دَابَّةٌ مُعَيَّنَةٌ ) أَوْ عَجَزَتْ ( أَتَاهُ ) أَيْ الْمُكْرِي الْمُكْتَرِيَ ( بِغَيْرِهَا ) أَيْ الْمُعَيَّنَةِ الْهَالِكَةِ لِيَرْكَبَهَا فِي بَقِيَّةِ الْمَسَافَةِ إنْ كَانَ نَقَدَ الْكِرَاءَ وَلَوْ تَطَوُّعًا ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَسْخَ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا إلَى بَلَدٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى دَابَّةٍ أَوْطَأَ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ بِزِيَادَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا .
قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَلَوْ شَرَطَ فِي أَوَّلِ كِرَائِهِ أَنَّهَا إنْ مَاتَتْ فَدَابَّتُهُ الْأُخْرَى بِعَيْنِهَا مَكَانَهَا إلَى غَايَةِ سَفَرِهِ أَوْ شَرَطَ أَنَّ كِرَاءَهُ بَاقٍ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ .

كَدَوَابَّ لِرِجَالٍ ، أَوْ لِأَمْكِنَةٍ
وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ ( كَ ) اكْتِرَاءِ ( دَوَابَّ ) مَمْلُوكَةٍ ( لِرِجَالٍ ) لِكُلِّ رَجُلٍ دَابَّةٌ أَوْ لِرَجُلٍ وَاحِدَةٌ وَالْبَاقِي لِآخَرَ أَوْ مُشْتَرِكِينَ فِيهَا بِأَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ لِحَمْلِ أَحْمَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا لِكُلِّ دَابَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِمَا تَحْمِلُهُ كُلُّ دَابَّةٍ وَتَأْدِيَتِهِ لِلتَّنَازُعِ .
فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ لِرِجَالٍ شَتَّى وَأَحْمَالُهَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يَجُوزُ ، إذْ لَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مَا أَكْرَى دَابَّتَهُ لِحَمْلِهِ ( أَوْ ) كِرَاءِ دَوَابَّ فِي صَفْقَةٍ ( لِأَمْكِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ ) كَبَرْقَةَ وَإِفْرِيقِيَّةَ وَطَنْجَةَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا لِكُلِّ دَابَّةٍ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَتْ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِ الْمُتَكَارِيَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ يَرْغَبُ فِي رُكُوبِ الْقَوِيَّةِ لِلْمَكَانِ الْبَعِيدِ وَالْمُكْرِيَ يَرْغَبُ فِي عَكْسِهِ إبْقَاءً لِقُوَّةِ الْقَوِيَّةِ فَفِيهِ مُخَاطَرَةٌ وَتَنَازُعٌ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اكْتَرَى دَابَّتَيْنِ وَاحِدَةٌ إلَى بَرْقَةَ وَالْأُخْرَى إلَى إفْرِيقِيَّةَ وَهُمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُعَيِّنَ الَّتِي إلَى بَرْقَةَ وَاَلَّتِي إلَى إفْرِيقِيَةَ .

أَوْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ نَقْدَ مُعَيَّنٍ .
وَإِنْ نَقَدَ
( أَوْ ) كِرَاءِ دَابَّةٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ وَ ( لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ ) فِي بَلَدِ الْكِرَاءِ ( نَقْدَ ) أَيْ تَعْجِيلَ كِرَاءٍ ( مُعَيَّنٍ ) وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَهُ أَيْضًا فَلَا يَجُوزُ إنْ لَمْ يَنْقُدَاهُ ، بَلْ ( وَإِنْ نَقَدَا ) أَيْ عَجَّلَا الْكِرَاءَ الْمُعَيَّنَ ، فَإِنْ عُرِفَ تَعْجِيلُهُ أَوْ شُرِطَ جَازَ ، فِيهَا مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً أَوْ دَارًا أَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ الْبَلَدِ الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُنَّتُهُمْ الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ فَلَا يَجُوزُ ، وَإِنْ عُجِّلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ النَّقْدُ فِي الْعَقْدِ وَأَعَادَ هَذَا وَإِنْ قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى تَعْجِيلَ الْمُعَيَّنِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، وَإِنْ نَقَدَ ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِذِكْرِهِمَا بَعْدَهُ

أَوْ بِدَنَانِيرَ عُيِّنَتْ ، إلَّا بِشَرْطِ الْخَلِفِ
( أَوْ ) كِرَاءِ دَابَّةٍ مَثَلًا ( بِدَنَانِيرَ ) أَوْ دَرَاهِمَ ( عُيِّنَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا وَهِيَ غَائِبَةٌ عَنْ مَجْلِسِ الْكِرَاءِ بِأَنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى يَدِ قَاضٍ أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ أَمِينٍ فَلَا يَجُوزُ ( إلَّا بِشَرْطِ الْحَلِفِ ) عَلَى الْمُكْتَرِي إنْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا الْمُكْرِي فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً عُرِفَ أَوْ شُرِطَ تَعْجِيلُهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ عُجِّلَتْ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ اكْتَرَى مَا ذَكَرْنَا بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَشَاحَّا فِي النَّقْدِ فَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ قَضَى بِهِ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ تَعْجِيلُهَا فِي الْعَقْدِ كَقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِيمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِدَنَانِيرَ بِبَلَدٍ أُخْرَى عِنْدَ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ شُرِطَ ضَمَانُهَا إنْ تَلِفَتْ جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ، فَأَحْرَى إنْ كَانَ الْكِرَاءُ لَا يُنْقَدُ فِي مِثْلِهِ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الدَّنَانِيرِ إنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا .

أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ .
أَوْ لِمَكَانٍ شَاءَ .
( أَوْ ) اكْتِرَاءِ دَابَّةٍ ( لِيَحْمِلَ ) الْمُكْتَرِي ( عَلَيْهَا ) أَيْ الدَّابَّةِ ( مَا ) أَيْ الْمَتَاعَ الَّذِي ( شَاءَ ) الْمُكْتَرِي حَمْلُهُ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْمُولَاتِ تَخْتَلِفُ بِالثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ وَالْيُبُوسَةِ وَاللُّيُونَةِ ( أَوْ ) لِيَرْكَبَهَا ( لِ ) أَيِّ ( مَكَان شَاءَ ) الْمُكْتَرِي فَلَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ بِالسُّهُولَةِ وَالصُّعُوبَةِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالْأَمْنِ وَالْخَوْفِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ قَوْمٍ قَدْ عُرِفَ حَمْلُهُمْ فَذَلِكَ لَازِمٌ عَلَى مَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ الْحَمْلِ .
وَلَوْ قَالَ أَحْمِلُ عَلَيْهَا حَمْلَ مِثْلِهَا مِمَّا شِئْت فَلَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِ الْأَشْيَاءِ فِي الْحَمْلِ ، وَكَذَلِكَ لِيَرْكَبَهَا إلَى أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ لَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ بِالسُّهُولَةِ وَالْوُعُورَةِ ، وَكَذَلِكَ الْحَوَانِيتُ وَالدُّورُ وَكُلُّ مَا تَبَاعَدَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَا هُوَ أَضَرُّ بِالْجُدْرَانِ .

أَوْ لِيُشَيِّعَ رَجُلًا .
( أَوْ ) اكْتِرَاؤُهَا ( لِيُشَيِّعَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الثَّانِيَةِ مُثَقَّلَةً الْمُكْتَرِي عَلَيْهَا ( رَجُلًا ) مُسَافِرًا ، أَيْ يَسِيرُ مَعَهُ بَعْضَ الْمَسَافَةِ تَأْنِيسًا لَهُ وَتَدْرِيبًا عَلَى السَّفَرِ وَجَبْرًا لِخَاطِرِهِ وَتَوْدِيعًا لَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ نِهَايَةِ التَّشْيِيعِ ، فَلَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِغَايَتِهِ فِيهَا لَا يَجُوزُ كِرَاءُ دَابَّةٍ لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا حَتَّى يُسَمِّيَ مُنْتَهَى التَّشْيِيعِ ، قَالَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَبْلَغُ التَّشْيِيعِ ؛ بِالْبَلَدِ قَدْ عُرِفَ فَلَا بَأْسَ بِهِ .

أَوْ بِمِثْلِ كِرَاءِ النَّاسِ .
( أَوْ ) اكْتِرَاءِ دَابَّةٍ مِنْ مِصْرَ لِمَكَّةَ مَثَلًا ( بِمِثْلِ ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ ( كِرَاءِ النَّاسِ ) الَّذِي يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْكِرَاءِ حَالَ عَقْدِهِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ إلَى مَكَّةَ بِمِثْلِ مَا يَتَكَارَى بِهِ النَّاسُ لَمْ يَجُزْ .
أَبُو الْحَسَنِ أَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمَجْهُولٌ ، وَانْظُرْ إذَا كَانَ مِثْلَ كِرَاءِ النَّاسِ فِي الْمَاضِي فَهَلْ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَوْ لَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ أَكْرِيَةِ الدَّوَابِّ ا هـ .
طفي الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا لِلْمُدَوَّنَةِ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ لَفْظَهَا فِي التَّعْبِيرِ بِالْمُسْتَقْبَلِ .

أَوْ إنْ وَصَلْتَ فِي كَذَا فَبِكَذَا .
( أَوْ ) كِرَاءٍ قَالَ فِيهِ ( إنْ وَصَلْت ) مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ ( فِي كَذَا ) يَوْمًا كَثَلَاثِينَ ( فَ ) الِاكْتِرَاءُ ( بِكَذَا ) دِرْهَمًا كَعَشَرَةٍ ، وَإِنْ وَصَلْت إلَيْهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَبِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ وَالْغَرَرِ حَالَ الْعَقْدِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ اكْتَرَى رَجُلَ دَابَّةٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَلَّغَهُ مَوْضِعَ كَذَا يَوْمَ كَذَا فَلَهُ كَذَا دِرْهَمًا وَإِلَّا فَلَا كِرَاءَ لَهُ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَلَّغَك إلَى مَكَّةَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَلَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ، وَإِنْ أَوْصَلَك فِي أَكْثَرَ فَلَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَلَا يَجُوزُ ، وَيُفْسَخُ إنْ نَزَلَ قَبْلَ الرُّكُوبِ ، فَإِنْ رَكِبَ لِلْمَكَانِ فَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ فِي سُرْعَةِ غَيْرِهِ وَإِبْطَائِهِ وَلَا يُنْظَرُ لِمَا سَمَّيَاهُ .

أَوْ لِيَنْتَقِلَ لِبَلَدٍ وَإِنْ سَاوَتْ .
إلَّا بِإِذْنٍ
( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ ( يَنْتَقِلَ ) أَيْ يَعْدِلَ الْمُكْتَرِي دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لِلسَّفَرِ عَلَيْهَا ( لِبَلَدٍ ) آخَرَ غَيْرِ الَّذِي اكْتَرَاهَا إلَيْهِ إنْ لَمْ تُسَاوِهَا ، بَلْ ( وَإِنْ سَاوَتْ ) الَّتِي انْتَقَلَ إلَيْهَا الَّتِي اكْتَرَى إلَيْهَا فِي قَدْرِ الْمَسَافَةِ وَسُهُولَتِهَا أَوْ صُعُوبَتِهَا ( إلَّا بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْمُكْرِي لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ بِصَدَاقَةِ أَهْلِهَا وَعَدَاوَتِهَا الْمُكْرِيَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَهْل الْأُولَى أَصْدِقَاؤُهُ فَلَا يَخْشَى عَلَى دَابَّتِهِ مِنْهُمْ وَأَهْلَ الثَّانِيَةِ أَعْدَاؤُهُ فَيَخْشَى عَلَيْهَا مِنْهُمْ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ رَبُّهَا فِي الِانْتِقَالِ جَازَ ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ فِيهَا مَنْ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَلَى حُمُولَةٍ إلَى بَلَدٍ فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي اكْتَرَى إلَيْهِ وَإِنْ سَاوَاهُ فِي الْمَسَافَةِ وَالسُّهُولَةِ أَوْ الصُّعُوبَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُكْرِي ، وَلَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهُ وَإِنْ رَضِيَا ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ .

كَإِرْدَافِهِ خَلْفَك ، أَوْ حَمَلَ مَعَك ، وَالْكِرَاءُ لَك ، إنْ لَمْ تَحْمِلْ زِنَةً :
وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ ( كَإِرْدَافِهِ ) أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ الَّتِي اكْتَرَيْتهَا مِنْهُ بِعَيْنِهَا رَدِيفًا ( خَلْفَك ) يَا مُكْتَرِي عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ ( أَوْ حَمَلَ ) عَلَيْهَا ( مَعَك ) مَتَاعًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ؛ لِأَنَّك مَلَكْتَ جَمِيعَ مَنْفَعَتِهَا إلَى نِهَايَةِ سَفَرِك .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِنْ اكْتَرَيْت دَابَّةً بِعَيْنِهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يَحْمِلَ تَحْتَك مَتَاعًا وَلَا يُرْدِفَ خَلْفَك رَدِيفًا ، وَكَأَنَّك مَلَكْت ظَهْرَهَا وَكَذَلِكَ السَّفِينَةُ ( وَ ) إنْ أَرْدَفَ شَخْصًا خَلْفَك أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مَعَك فَ ( الْكِرَاءُ ) لِلرَّدِيفِ أَوْ الْمَحْمُولِ مَعَك حَقٌّ ( لَك ) يَا مُكْتَرِي ( إنْ لَمْ تَحْمِلْ زِنَةً ) مَعْلُومَةً فَإِنْ اكْتَرَيْت مِنْهُ حَمْلَ زِنَةٍ مَعْلُومَةٍ فَكِرَاءُ الزَّائِدِ لِرَبِّهَا ، وَلَهُ الزِّيَادَةُ إنْ لَمْ تَضُرَّ الزِّيَادَةُ بِالْمُكْتَرِي ، فَإِنْ أَضَرَّتْ بِهِ بِأَنْ كَانَ يَصِلُ فِي يَوْمِهَا بِدُونِهَا وَبِهَا لَا يَصِلُ إلَّا فِي يَوْمَيْنِ فَيَمْنَعُ الْمُكْرِيَ مِنْ الزِّيَادَةِ ، أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنْ حَمَلَ فِي مَتَاعِك عَلَى الدَّابَّةِ مَتَاعًا بِكِرَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ كِرَاءٍ ، فَلَكَ كِرَاؤُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ اكْتَرَيْت مِنْهُ حَمْلَ أَرْطَالٍ مُسَمَّاةٍ ، فَالزِّيَادَةُ لَهُ قَالَ أَشْهَبُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ أَكْرَاهُ لِيَحْمِلَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَتَاعِهِ فَكِرَاءُ الزِّيَادَةِ لِلْمُكْتَرِي .
ابْنُ يُونُسَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلُ أَشْهَبَ وِفَاقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى .

كَالسَّفِينَةِ ، وَضَمِنَ إنْ أَكْرَى لِغَيْرِ أَمِينٍ .
وَشَبَّهَ السَّفِينَةَ بِالدَّابَّةِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَكِرَاءُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ فَقَالَ ( كَالسَّفِينَةِ وَ ) مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبِهِ عَلَيْهَا مِنْ مِصْرَ لِمَكَّةَ مَثَلًا ثُمَّ أَكْرَاهَا لِغَيْرِهِ فَعَطِبَتْ أَوْ ضَاعَتْ ضَمِنَ ) الْمُكْتَرِي الْأَوَّلُ قِيمَتَهَا ( إنْ أَكْرَا ) هَا ( لِغَيْرِ أَمِينٍ ) أَوْ لَأَنْقَلَ مِنْهُ ، فَإِنْ أَكْرَاهَا لِأَمِينٍ مِثْلِهِ أَوْ أَخَفَّ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهَا .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَحَمَلَ عَلَيْهَا مَكَانَهُ مِثْلَهُ فِي الْخِفَّةِ وَالْأَمَانَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ أَكْرَاهَا مِمَّنْ هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْمُونٍ ضَمِنَ .
الْبُنَانِيُّ حَاصِلُهُ مَعَ زِيَادَةِ أَنَّ الدَّابَّةَ إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الثَّانِي فَإِمَّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ بِسَمَاوِيٍّ ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ بِتَعَدِّي الْأَوَّلِ أَوْ بِأَنَّهُ مُكْتَرٍ فَقَطْ أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ الْمَالِكُ ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا ضَمِنَ مُطْلَقًا ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَدَاءِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ ، وَإِنْ كَانَ بِسَمَاوِيٍّ فَإِنْ عَلِمَ بِالتَّعَدِّي ضَمِنَ مُطْلَقًا ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْكِرَاءِ فَقَطْ ضَمِنَ إنْ أُعْدِمَ الْأَوَّلُ وَإِنْ ظَنَّهُ الْمَالِكُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

أَوْ عَطِبَتْ بِزِيَادَةِ مَسَافَةٍ
( أَوْ عَطِبَتْ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَيْنِ الدَّابَّةُ الْمُكْتَرَاةُ ( بِ ) سَبَبِ ( زِيَادَةِ ) الْمُكْتَرِي عَلَى ( مَسَافَةٍ ) مُشْتَرَطَةٍ زِيَادَةً لَهَا بَالٌ ، نَحْوُ مِيلٍ ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ بُلُوغِهَا إلَى نِهَايَةِ الْمَسَافَةِ الْمُشْتَرَطَةِ أَوْ كِرَاءَ الزِّيَادَةِ الْخِيَارُ لِلْمُكْرِي ، وَسَوَاءٌ كَانَ شَأْنُ الزِّيَادَةِ التَّعْطِيبَ أَوْ السَّلَامَةَ ، فَإِنْ سَلِمَتْ فَلَهُ كِرَاؤُهَا فَقَطْ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا بَلَغَ الْمُكْتَرِي الْغَايَةَ الَّتِي اكْتَرَى إلَيْهَا ثُمَّ زَادَهُ مِيلًا أَوْ نَحْوَهُ فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَلِرَبِّهَا كِرَاؤُهُ الْأَوَّلُ ، وَالْخِيَارُ فِي أَخْذِ كِرَاءِ الزِّيَادَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ أَوْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي .
ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يَضْمَنُ فِي زِيَادَةِ الْمِيلِ وَنَحْوِهِ ، وَأَمَّا مِثْلُ مَا يَعْدِلُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي الْمَرْحَلَةِ فَلَا يَضْمَنُ .

أَوْ حَمْلٍ تَعْطَبُ بِهِ ، وَإِلَّا فَالْكِرَاءُ : كَأَنْ لَمْ تَعْطَبْ

( أَوْ ) عَطِبَتْ بِسَبَبِ زِيَادَةِ ( حَمْلٍ ) عَلَى الْحَمْلِ الْمُشْتَرَطِ شَأْنُهُ ( تَعْطَبُ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الدَّابَّةُ ( بِ ) سَبَبِ زِيَادَةِ مِثْلِ ( هـ ) فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الزِّيَادَةِ أَوْ كِرَاءَ الزِّيَادَةِ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَصْلِيِّ الْخِيَارُ لِرَبِّهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا زَادَهُ شَأْنُهُ التَّعْطِيبُ ، سَوَاءٌ سَلِمَتْ أَوْ عَطِبَتْ ( فَالْكِرَاءُ ) لِلْحَمْلِ الزَّائِدِ مُتَعَيِّنٌ لِرَبِّهَا مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ وَشَبَّهَ فِي تَعَيُّنِ كِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) زَادَ مَا تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ و ( لَمْ تَعْطَبْ ) فَلِرَبِّهَا كِرَاءُ الزَّائِدِ فَقَطْ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذَا زَادَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْحِمْلِ الَّذِي شُرِطَ فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ ، فَإِنْ كَانَ زَادَ مَا تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ خُيِّرَ رَبُّهَا بَيْنَ أَخْذِهِ الْمُكْتَرِيَ بِكِرَاءِ مَا زَادَ عَلَى الدَّابَّةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي ، وَلَا كِرَاءَ لَهُ .
ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ إذَا زَادَ فِي أَوَّلِ الْمَسَافَةِ فَإِنْ زَادَ بَعْدَ سَيْرِ نِصْفِ الطَّرِيقِ وَاخْتَارَ أَخْذَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ فَلَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّعَدِّي وَنِصْفُ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَلِكَ فِي ثُلُثِ الطَّرِيقِ أَوْ رُبُعِهَا لَهُ ثُلُثُ الْكِرَاءِ أَوْ رُبُعُهُ مَعَ قِيمَتِهَا .
الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنْ زَادَ مَا لَا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَعَطِبَتْ فَلَهُ كِرَاءُ الزِّيَادَةِ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ .
ابْنُ يُونُسَ ؛ لِأَنَّ عَطَبَهَا لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ مُجَاوَزَةِ الْمَسَافَةِ ؛ لِأَنَّ مُجَاوَزَتَهَا تَعَدٍّ كُلُّهُ فَيَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْحِمْلِ الْمُشْتَرَطِ اجْتَمَعَ فِيهِ إذْنٌ وَتَعَدٍّ ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهَا عُلِمَ أَنَّ هَلَاكَهَا بِمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ، وَصِفَةُ كِرَاءِ الزِّيَادَةِ فِي الْحَمْلِ إذَا وَجَبَتْ لِرَبِّهَا

وَاخْتَارَهُ فِيمَا تَعْطَبُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ كَمْ يُسَاوِي كِرَاءُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ الْمُحَمَّلَةِ حَسْبَمَا تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُكْتَرِي فَيَكُونُ ذَلِكَ لِرَبِّهَا مَعَ كِرَائِهِ الْأَوَّلِ ، وَفِيهَا لَوْ رَدَّهَا بِحَالِهَا بَعْدَ زِيَادَةِ الْمِيلِ أَوْ الْأَمْيَالِ أَوْ بَعُدَ أَوْ حَبَسَهَا الْيَوْمَ أَوْ نَحْوَهُ .
ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَوْ أَيَّامًا يَسِيرَةً فَلَا يَضْمَنُ الْإِكْرَاءَ الزِّيَادَةَ .

إلَّا أَنْ يَحْبِسَهَا كَثِيرًا فَلَهُ كِرَاءُ الزَّائِدِ ، أَوْ قِيمَتُهَا .
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَالْكِرَاءُ فَقَالَ ( إلَّا أَنْ يَحْبِسَهَا ) أَيْ يُؤَخِّرَ الدَّابَّةَ عَنْ رَبِّهَا مُكْتَرِيهَا زَمَنًا ( كَثِيرًا ) كَشَهْرٍ ( فَلَهُ ) أَيْ رَبِّهَا ( كِرَاءُ الزَّائِدِ ) الَّذِي حَبَسَهَا فِيهِ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَصْلِيِّ إذَا رَدَّهَا بِحَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهَا الْمُكْتَرِي فِي مُدَّةِ حَبْسِهَا أَمْ لَا ( أَوْ قِيمَتُهَا ) يَوْمَ التَّعَدِّي .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَثُرَتْ الزِّيَادَةُ أَوْ حَبَسَهَا أَيَّامًا أَوْ شَهْرًا أَوْ رَدَّهَا بِحَالِهَا فَلِرَبِّهَا كِرَاؤُهُ الْأَوَّلُ وَالْخِيَارُ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي أَوْ كِرَائِهَا فِيمَا حَبَسَهَا فِيهِ ، مِنْ عَمَلٍ أَوْ حَبْسِهِ إيَّاهَا بِغَيْرِ عَمَلِ مَا بَلَغَ وَإِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : ابْنُ عَاشِرٍ سَوْقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَيِّزِ الِاسْتِثْنَاءِ يُوهِمُ تَفْرِيعَهَا عَلَى التَّعَدِّي بِزِيَادَةِ مَسَافَةٍ أَوْ حَمْلٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَلَوْ قَالَ : وَإِنْ حَبَسَهَا إلَخْ كَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ .
الثَّانِي رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ : الْأَيَّامُ الْيَسِيرَةُ كَالْيَوْمِ وَالْأَيَّامُ الْكَثِيرَةُ مِثْلَ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَسِيرَةٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ مُدَّةُ مَا يَضْمَنُهَا فِيهِ مِنْ الْحَبْسِ مَا تَتَغَيَّرُ الْأَسْوَاقُ إلَيْهِ ، وَهُوَ قَدْ أَجَازَ السَّلَمَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ تَتَغَيَّرُ إلَيْهِ .

وَلَك فَسْخُ عَضُوضٍ ، أَوْ جَمُوحٍ ، أَوْ أَعْشَى أَوْ دَبَرُهُ فَاحِشًا :
( وَ ) إنْ اكْتَرَيْتَ دَابَّةً فَوَجَدْتَهَا عَضُوضًا أَوْ جَمُوحًا أَوْ عَشْوَاءَ أَوْ بِهَا دَبَرٌ فَاحِشٌ فَ ( لَك ) يَا مُكْتَرِي ( فَسْخُ ) كِرَاءِ بَعِيرٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ ( عَضُوضٍ ) أَيْ شَأْنُهُ عَضُّ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ مِنْهُ ( أَوْ جَمُوحٍ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا أَيْ لَا يَنْقَادُ إلَّا بِعُسْرٍ ( أَوْ أَعْشَى ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِعْجَامِ الشِّينِ ، أَيْ لَا يُبْصِرُ لَيْلًا أَوْ أَجْهَرَ لَا يُبْصِرُ نَهَارًا ( أَوْ ) كَانَ ( دَبَرُهُ ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ جُرْحُهُ الَّذِي فِي ظَهْرِهِ ( فَاحِشًا ) تَضُرُّ رَائِحَتُهُ رَاكِبَهُ .
فِيهَا وَإِنْ اكْتَرَيْت دَابَّةً أَوْ بَعِيرًا بِعَيْنِهِ فَإِذَا هُوَ عَضُوضٌ أَوْ جَمُوحٌ أَوْ لَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ أَوْ دَبَرَتْ تَحْتَك دَبْرَةً فَاحِشَةً يُؤْذِيك رِيحُهَا ، فَمَا أَضَرَّ مِنْ ذَلِكَ بِرَاكِبِهَا فَلَكَ فِيهِ الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّهَا عُيُوبٌ .
وَالْكِرَاءُ غَيْرُ مَضْمُونٍ .
الْبُنَانِيُّ مُقْتَضَى الْخِيَارِ أَنَّهُ إنْ تَمَسَّكَ لَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْحَطّ مَعَ التَّمَسُّكِ .

كَأَنْ يَطْحَنَ لَك كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ بِدِرْهَمٍ ، فَوُجِدَ لَا يَطْحَنُ إلَّا إرْدَبًّا .
وَشَبَّهَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِبْقَاءِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ تَسْتَأْجِرُ ثَوْرًا مَثَلًا عَلَى أَنْ ( يَطْحَنَ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ بِدِرْهَمٍ فَوُجِدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرِ النُّونِ مَثَلًا ( لَا يَطْحَنُ ) فِي الْيَوْمِ ( إلَّا إرْدَبًّا ) وَاحِدًا فَلَكَ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ فَيَسْقُطُ عَنْك نِصْفُ الْكِرَاءِ قَالَهُ تت ، وَصَوَّبَهُ طفي رَادًّا عَلَى أَحْمَدَ وعج وَمَنْ تَبِعَهُمَا فِي إلْزَامِهِ جَمِيعَ الْكِرَاءِ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا دَخَلَا وَعَقَدَا عَلَيْهِ .
الْحَطّ وَنَصُّهَا وَإِنْ اكْتَرَيْت ثَوْرًا لِتَطْحَنَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدْتَهُ لَا يَطْحَنُ إلَّا إرْدَبًّا فَلَكَ رَدُّهُ ، وَعَلَيْك فِي الْإِرْدَبِّ نِصْفُ دِرْهَمٍ ا هـ .
وَظَاهِرُهَا صِحَّةُ الْعَقْدِ ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي التَّقْيِيدِ بِالْعَمَلِ وَالزَّمَانِ الَّذِي يَحْمِلُ الْعَمَلَ ، كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَاللَّخْمِيِّ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْخِلَافَ إذَا أَمْكَنَ إتْمَامُ الْعَمَلِ فِي الزَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَهَذَا عَلَى صِحَّةِ الْكِرَاءِ مَعَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالزَّمَنِ إذَا زَادَ عَلَى الْعَمَلِ أَوْ سَاوَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ مَا يُشْبِهُ الْكَيْلَ فَلَا لَك وَلَا عَلَيْك
( وَ ) إنْ اكْتَرَى ثَوْرًا مَثَلًا لِطَحْنِ إرْدَبَّيْنِ فِي يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا فَ ( زَادَ ) مَا يَطْحَنُهُ فِيهِ عَلَى إرْدَبَّيْنِ مَا يُشْبِهُ الْكَيْلَ ( أَوْ نَقَصَ ) مَا يَطْحَنُهُ عَنْهُمَا وَتَنَازَعَ زَادَ وَنَقَصَ ( مَا ) أَيْ قَدْرًا ( يُشْبِهُ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ ( الْكَيْلَ ) أَيْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِزِيَادَتِهِ فِيهِ تَارَةً وَنَقْصِهِ عَنْهُ مَرَّةً أُخْرَى ( فَلَا ) شَيْءَ ( لَك ) يَا مُكْرِي فِي الزِّيَادَةِ ( وَلَا ) شَيْءَ ( عَلَيْك ) يَا مُكْتَرِي فِي النَّقْصِ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا حَمَلَ لَك رَجُلٌ طَعَامًا فَزَادَ أَوْ نَقَصَ مَا يُشْبِهُ زِيَادَةَ الْكَيْلِ أَوْ نَقْصِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا لَك مِنْ ضَمَانٍ وَلَا حِصَّةِ كِرَاءٍ ، وَبِهَذَا قَرَّرَ الشَّارِحَانِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّقْرِيرَيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْل ) جَازَ كِرَاءُ حَمَّامٍ
( فَصْلٌ ) فِي أَحْكَامِ كِرَاءِ الْحَمَّامِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالْعَبْدِ وَاخْتِلَافِ الْمُتَكَارِيَيْنِ ( جَازَ كِرَاءُ حَمَّامٍ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ أَيْ الْبَيْتِ الْمُعَدِّ لِلْحُمُومِ فِيهِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَمَا أَشْبَهَ كَفُرْنٍ وَمَعْمَلِ فُرُوجٍ .
فِيهَا لَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الْحَمَّامَاتِ .
أَبُو الْحَسَنِ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِشَرْطِهِ .
اللَّخْمِيُّ إجَارَةُ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ جَائِزَةٌ إذَا كَانُوا يَدْخُلُونَهُ مُسْتَتِرِينَ ، وَإِجَارَتُهُ لِلنِّسَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : جَائِزَةٍ إنْ كُنَّ يَسْتُرْنَ جَمِيعَ جَسَدِهِنَّ ، وَغَيْرِ جَائِزَةٍ إنْ كَانَتْ عَادَتُهُنَّ عَدَمَ سَتْرِ عَوْرَاتِهِنَّ .
وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ عَادَتُهُنَّ الدُّخُولَ بِالْمَآزِرِ .
وَقَالَ ابْنُ نَاجِي دُخُولُ الرَّجُلِ الْحَمَّامَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ دُخُولُهُ مَعَ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ أَوْ وَحْدَهُ فَمُبَاحٌ .
الثَّانِي دُخُولُهُ مَعَ قَوْمٍ لَا يَسْتَتِرُونَ فَمَمْنُوعٌ .
الثَّالِثُ دُخُولُهُ مَعَ قَوْمٍ مُسْتَتِرِينَ فَمَكْرُوهٌ ، إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْكَشِفَ بَعْضُهُمْ فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ ، وَقِيلَ يَجُوزُ فِي هَذَا الْوَجْهِ ، وَقَوْلُ الْعُتْبِيَّةِ : وَاَللَّهِ مَا دُخُولُهُ بِصَوَابٍ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الْحَمَّامَاتِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى فِي الْعُتْبِيَّةِ صَوَابَ دُخُولِهِ سَاكِتًا عَنْ عَقْدِ كِرَائِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ مُتَعَدٍّ فِي فِعْلِهِ مَا يَنْفِي صَوَابَ دُخُولِهِ وَمُكْرِيهِ بَرِيءٌ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ فِي فِعْلِهِ صَوَابُ مَا يَنْفِي عَقْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .

وَدَارٌ غَائِبَةٍ : كَبَيْعِهَا
( وَ ) جَازَ كِرَاءُ ( دَارٍ غَائِبَةٍ ) وَرَبْعٍ وَحَانُوتٍ وَأَرْضٍ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً كَاكْتِرَائِهِ دَارًا بِمِصْرَ ، وَهُوَ بِمَكَّةَ حَالَ كَوْنِ كِرَاءِ الْحَمَّامِ وَالدَّارِ الْغَائِبَةِ ( كَبَيْعِهَا ) أَيْ الْحَمَّامِ وَالدَّارِ وَنَحْوِهِمَا .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَبَيْعِهِمَا فِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا أَوْ وَصْفٌ وَلَوْ مِنْ الْمُكْرِي أَوْ شُرِطَ خِيَارُ الْمُكْتَرِي بِالرُّؤْيَةِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا بِإِفْرِيقِيَّةَ ، وَهُوَ بِمِصْرَ جَازَ كَالشِّرَاءِ ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ ، فَإِنْ قَدِمَ فَلَمْ يَرْضَهَا حِينَ رَآهَا وَقَالَ هِيَ بَعِيدَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْكِرَاءُ لَا يَصْلُحُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ رَأَى الدَّارَ وَعَرَفَ مَوْضِعَهَا ، أَوْ عَلَى صِفَةٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ، وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ أَرْضٍ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ عَلَى صِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَيَنْقُدُهُ كَالْبَيْعِ ، ثُمَّ لَا رَدَّ لَهُ إنْ وَجَدَهَا عَلَى الصِّفَةِ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ مُنْذُ أَمَدٍ لَا تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ ا هـ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ وَيَنْقُدُهُ كَالْبَيْعِ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ لَا يَنْقُدُهُ عَلَى صِفَةِ رَبِّهَا ، وَإِنَّمَا يَنْقُدُهُ عَلَى صِفَةِ غَيْرِهِ أَوْ يُرْسِلُ الْمُكْتَرِي رَسُولًا يُبْصِرُهَا .

أَوْ نِصْفِهَا أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ
( أَوْ ) كِرَاءُ ( نِصْفِهَا ) أَيْ الدَّارِ مَثَلًا مُشَاعًا .
فِيهَا لَا بَأْسَ بِكِرَاءِ نِصْفِ دَارٍ أَوْ سُدُسِهَا أَوْ جُزْءٍ شَائِعٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْهَا كَالشِّرَاءِ ( أَوْ ) كِرَاءُ ( نِصْفِ عَبْدٍ ) أَوْ دَابَّةٍ فِيهَا يَجُوزُ إجَارَةُ نِصْفِ عَبْدِ وَنِصْفِ دَابَّةٍ يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ يَوْمًا ، وَلِلَّذِي لَهُ النِّصْفُ الْآخَرُ يَوْمًا كَالْبَيْعِ ، وَمَا جَازَ لَك بَيْعُهُ مِنْ ثَمَرَتِك جَازَ لَك إجَارَتُهُ بِهِ .

وَشَهْرًا عَلَى إنْ سَكَنَ يَوْمًا : لَزِمَ ، إنْ مَلَكَ الْبَقِيَّةَ
( وَ ) جَازَ كِرَاءُ الدَّارِ ( شَهْرًا ) عَلَى شَرْطِ ( إنْ سَكَنَ ) الْمُكْتَرِي ( يَوْمًا ) مِنْهُ لَزِمَ ) هـ كِرَاءُ الشَّهْرِ كُلِّهِ ( إنْ مَلَكَ ) الْمُكْتَرِي ( الْبَقِيَّةَ ) مِنْ الشَّهْرِ بِسُكْنَاهَا أَوْ إسْكَانِهَا غَيْرَهُ بِكِرَاءٍ أَوْ مَجَّانًا ، فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ إنْ سَكَنَهَا يَوْمًا مَثَلًا مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْهَا لَزِمَهُ كِرَاءُ الشَّهْرِ كُلِّهِ ، وَلَا يَمْلِكُ الْبَقِيَّةَ ، بَلْ تَعُودُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُكْرِي فَلَا يَجُوزُ .
فِيهَا مَنْ اكْتَرَى بَيْتًا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَكَنَ فِيهِ يَوْمًا وَاحِدًا فَالْكِرَاءُ لَازِمٌ لَهُ جَازَ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ ، أَوْ يُكْرِيَهُ إذَا خَرَجَ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ .
بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ : ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ وَأَنَّهُ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَسْكُنْ ، فَإِنْ سَكَنَ لَزِمَ الْكِرَاءُ فِي شَهْرٍ ، فَإِنْ أَرَادَ إنْ سُكِنَتْ يَوْمًا فَالْكِرَاءُ لِي لَازِمٌ وَلَيْسَ لِي أَنْ أُكَرِي مِنْ غَيْرِي كَانَ مِنْ بَيْعِ الشُّرُوطِ الَّذِي يَبِيعُ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَهَبُ وَلَا يَبِيعُ ، فَإِنْ أُسْقِطَ الشَّرْطُ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ شَرَطَ إنْ خَرَجَ عَادَ الْمَسْكَنُ إلَى الْمُكْرِي ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي جَمِيعُ الْكِرَاءِ ، فَهَذَا فَاسِدٌ لَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ .

وَعَدَمُ بَيَانِ الِابْتِدَاءِ وَحُمِلَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ
( وَ ) جَازَ لِمَنْ اكْتَرَى دَارًا مَثَلًا شَهْرًا أَوْ سَنَةً ( عَدَمُ بَيَانِ الِابْتِدَاءِ ) لِوَقْتِ سُكْنَاهَا ( وَحُمِلَ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَهَا ( مِنْ حِينِ الْعَقْدِ ) فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ مَتَى يَسْكُنُ جَازَ ، وَيَسْكُنُ أَوْ يُسْكِنُ غَيْرَهُ مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ عَلَى الدَّارِ ، أَيْ فِي السُّكْنَى .
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ وَإِنْ أَغْلَقَهَا الْمُكْتَرِي وَخَرَجَ مِنْهَا فَذَلِكَ لَهُ ، وَلَيْسَ لِلْمُكْرِي أَنْ يَقُولَ إغْلَاقُهَا يُخْرِبُهَا .
عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى السَّنَةُ مَحْسُوبَةٌ مِنْ يَوْمِ التَّعَاقُدِ كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ السَّنَةُ بِعَيْنِهَا فِي التَّوْضِيحِ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ فَسَدَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ لَا يَجُوزُ عَلَى سَنَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ .

وَمُشَاهَرَةً ، وَلَمْ يَلْزَمْ لَهُمَا ، إلَّا بِنَقْدٍ فَقَدْرُهُ :

( وَ ) جَازَ كِرَاءُ الدَّارِ وَنَحْوَهَا مُيَاوَمَةً وَ ( مُشَاهَرَةً ) وَمُسَانَاةً بِأَنْ يَكْتَرِيَهَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا ، وَصَحَّ وَ ( لَمْ يَلْزَمْ ) الْعَقْدُ فِيمَا ذُكِرَ ( لَهُمَا ) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، سَوَاءٌ سَكَنَ بَعْضَ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ أَوْ لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِيهَا وَاخْتَارَهَا ابْنُ يُونُسَ ، وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لُزُومَهَا فِي أَقَلِّ الْمُسَمَّى مِنْ شَهْرٍ أَوْ عَامٍ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ فَقَالَ ( إلَّا ) إذَا كَانَتْ الْمُشَاهَرَةُ مَصْحُوبَةً ( بِنَقْدٍ ) أَيْ تَعْجِيلِ كِرَاءٍ مِنْ الْمُكْتَرِي لِلْمُكْرِي ( فَ ) يَلْزَمُ ( قَدْرُهُ ) أَيْ الْمَنْقُودِ مِنْ كِرَاءِ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ ، فَإِنْ كَانَ قَالَ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ عَامٍ بِدِرْهَمٍ وَعَجَّلَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَشْهُرٍ أَوْ سِنِينَ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَكْتَرِي مِنْك دَارَكَ أَوْ حَانُوتَك أَوْ أَرْضَك أَوْ غُلَامَك أَوْ دَابَّتَكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِكَذَا ، أَوْ قَالَ فِي الشَّهْرِ أَوْ فِي السَّنَةِ بِكَذَا أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ فَلَا يَقَعُ الْكِرَاءُ عَلَى تَعْيِينٍ ، وَلَيْسَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ ، فَلِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يُخْرِجَهُ مَتَى شَاءَ ، وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ ، وَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَا سَكَنَ مِنْ الْكِرَاءِ .
ابْنُ يُونُسَ كَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ لَهُ أُكْرِيكَ مِنْ حِسَابِ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ بِكَذَا ، هَذَا مَوْضُوعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَّا أَنْ يَنْقُدَهُ فِي ذَلِكَ كِرَاءَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ .
الْبُنَانِيُّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِرَاءِ الدُّورِ مُشَاهَرَةً ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَلْزَمُهُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ وَلَا مَا بَعْدَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ

مَتَى شَاءَ ، وَيَلْزَمُهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا سَكَنَ .
وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَلْزَمُهُمَا الشَّهْرُ الْأَوَّلُ وَلَا يَلْزَمُهُمَا مَا بَعْدَهُ .
وَالثَّالِثُ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَلْزَمُهُ كِرَاءُ الشَّهْرِ بِسُكْنَى بَعْضِهِ كَانَ أَوَّلَ الْأَشْهُرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَكَذَلِكَ تَجْرِي الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي كِرَاءِ الدُّورِ مُسَانَاةً .
ا هـ .
وَذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ أَيْضًا ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَعِبَارَتُهَا : وَلَيْسَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ ، وَلِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يُخْرِجَهُ مَتَى شَاءَ ، وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ .
وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَوْلَ الثَّانِيَ عَنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا بَيْنَهُمَا عَقْدًا وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ خِيَارًا ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ ، وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ مَيَّارَةَ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ ، وَقَالَ : وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا ، وَأَنَّ مَنْ اكْتَرَى مُشَاهَرَةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا إذَا سَكَنَ بَعْضَ الشَّهْرِ كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا خُرُوجٌ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ ، وَمَنْ قَامَ مِنْهُمَا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
( تَنْبِيهٌ ) اللَّخْمِيُّ قَدْ يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ الصَّبْرُ إلَى مُدَّةٍ لَمْ يَذْكُرَاهَا فِي الْعَقْدِ لِلْعَادَةِ فِي ذَلِكَ ، كَمَنْ يَكْتَرِي مِطْمَرًا لِيَطَّمِرَ فِيهِ قَمْحًا وَشَعِيرًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا ، فَلَيْسَ لِلْمُكْرِي إخْرَاجُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْمُكْتَرِي عَلَى إخْرَاجِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَتَغَيَّرَ الْأَسْوَاقُ إلَى مَا الْعَادَةُ الْبَيْعُ فِي مِثْلِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلِلْمُكْرِي إخْرَاجُهُ ، وَهَكَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ عِنْدَنَا فِي كِرَاءِ الْمَطَامِيرِ ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي إخْرَاجَ ذَلِكَ قَبْلَ غَلَائِهِ ، فَلَيْسَ لِلْمُكْرِي

مَنْعُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ مِنْ حَقِّ الْمُكْتَرِي وَيُعْفَى عَمَّا يَكُونُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَرَرِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ ، وَيُنْظَرُ إلَى الْعَادَةِ فِي خَزْنِ الزَّيْتِ فَيُحْمَلَانِ عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ الْعَادَةُ فِي كِرَاءِ الْمُخَزَّنِ لِلطَّعَامِ فِي الصَّيْفِ ، وَيُعْلَمُ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يُشْتِيَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمُكْرِي إخْرَاجُهُ قَبْلَهُ ، نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ، ثُمَّ قَالَ : حَاصِلُ قَوْلِهِ أَنَّهُ جَعَلَ خَزْنَ الطَّعَامِ مُؤَجَّلًا لِغَايَةٍ فِي حَقِّ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي دُونَ الْعَكْسِ ، وَمِنْ الْوَاضِحِ كَوْنُهُ أَجَلًا مَجْهُولًا ، وَقَوْلُهُ يُعْفَى عَنْ غَرَرٍ الْمُدَّةِ لِلضَّرُورَةِ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الضَّرُورَةَ مِمَّا شَهِدَ الشَّرْعُ بِإِلْغَائِهَا حَسْبَمَا تَقَرَّرَ فِي بَيْعِ الْغَرَرِ وَأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْهُ ، وَكَانَ ابْنُ عَرَفَةَ مِمَّنْ يُنْشِدُ : لَقَدْ مَزَّقَتْ قَلْبِي سِهَامُ جُفُونِهَا كَمَا مَزَّقَ اللَّخْمِيُّ مَذْهَبَ مَالِكِ

كَوَجِيبَةٍ بِشَهْرِ كَذَا ، وَهَذَا الشَّهْرُ ، أَوْ أَشْهُرًا ، أَوْ إلَى كَذَا

وَشَبَّهَ فِي اللُّزُومِ فَقَالَ ( كَ ) كِرَاءِ ( وَجِيبَةٍ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ ، أَيْ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُصَوَّرَةٍ ( بِشَهْرِ كَذَا ) أَيْ بِتَسْمِيَةِ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ كَرَمَضَانَ وَسَنَةِ كَذَا كَسَنَةِ سَبْعَةٍ وَثَمَانِينَ بِتَقْدِيمِ السِّينِ ( أَوْ ) بِ ( هَذَا الشَّهْرِ ) أَوْ هَذِهِ السَّنَةِ ( أَوْ ) بِقَوْلِهِ أَكْتَرِيهَا ( أَشْهُرًا ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ جَمْعُ شَهْرٍ أَوْ سَنَتَيْنِ ( أَوْ ) بِقَوْلِهِ أَكْتَرِيهَا ( إلَى كَذَا ) أَيْ كَتَمَامِ سَنَةِ سَبْعَةٍ وَثَمَانِينَ .
" غ " كَأَنَّهُ اخْتَصَرَ بِهَذَا قَوْلَ عِيَاضٍ فِي تَنْبِيهَاتِهِ لَا خِلَافَ إذَا نَصَّ عَلَى تَعْيِينِ السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ جَاءَ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّعْيِينِ ، أَنَّهُ لَازِمٌ لَهُمَا ، وَذَلِكَ فِي خَمْسِ صُوَرٍ إذَا قَالَ هَذِهِ السَّنَةُ أَوْ هَذَا الشَّهْرُ أَوْ سَنَةَ كَذَا ، أَوْ سَمَّى عَدَدًا زَائِدًا عَلَى وَاحِدٍ كَسَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ ذَكَرَ الْأَجَلَ فَقَالَ أُكْرِيهَا إلَى شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا أَوْ نَقَدَهُ أَشْهُرًا أَوْ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ ا هـ .
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَشْهُرًا كَذَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ عِيَاضٍ أَوْ سَمَّى عَدَدًا زَائِدًا عَلَى وَاحِدٍ كَسَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا .
" ق " اُنْظُرْ قَوْلَ عِيَاضٍ وَسَمَّى عَدَدًا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ ، فَلَعَلَّ لَفْظَ الشَّيْخِ خَلِيلٍ كَانَ أَوْ شَهْرًا فَأَسْقَطَ النَّاسِخُ الْأَلِفَ .
وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ اكْتَرَى مِنْهُ سَنَةً بِعَيْنِهَا أَوْ شَهْرًا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا جَمِيعًا .
ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ أَوْ إلَى سَنَةِ كَذَا فَهَذَا كُلُّهُ وَجِيبَةٌ لَازِمَةٌ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا الْخُرُوجَ لِمَنْ شَاءَ جَدّ عج جَعَلَ الْمُصَنِّفُ شَهْرًا مِنْ أَلْفَاظِ الْوَجِيبَةِ ، كَمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ ، وَسَيَقُولُ وَفِي سَنَةِ بِكَذَا تَأْوِيلَانِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ ، وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا حُمِلَ عَلَى

الِابْتِدَاءِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هَذَا الشَّهْرُ فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ صَدَقَ فِي أَنَّ هَذَا عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ .
ابْنُ عَرَفَةَ جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَلْفَاظَ الدَّالَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ أَرْبَعَةً فَقَطْ : التَّسْمِيَةُ كَشَهْرِ كَذَا وَالْإِشَارَةُ كَهَذَا الشَّهْرِ ، وَالثَّالِثُ التَّنْكِيرُ دُونَ إضَافَةٍ لِلْمُنَكَّرِ ، كَقَوْلِهِ أُكْرِيك الدَّارَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً .
الرَّابِعُ قَوْلُهُ أُكْرِيَ لِوَقْتِ كَذَا وَإِنْ سَمَّى الْكِرَاءَ دُونَ تَعْيِينِ مُدَّتِهِ كَأَكْتَرِي الشَّهْرَ بِكَذَا أَوْ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا ، وَفِي كُلِّ شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ فِي لَفْظِ السَّنَةِ ، كَذَلِكَ فَالْكِرَاءُ غَيْرُ لَازِمٍ .
ا هـ .
فَعِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ اللُّزُومُ فِي الْمُنَكَّرِ غَيْرِ الْمُضَافِ فَقَرَّرَ بِهِ تت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ، وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لِمُنَافَاتِهِ مَا بَعْدَهُ ، وَالْكَمَالُ لِلَّهِ تَعَالَى .

وَفِي سَنَةٍ بِكَذَا : تَأْوِيلَانِ .

( وَفِي ) كَوْنِ أَكْتَرِيهَا ( سَنَةً ) أَوْ شَهْرًا ( بِكَذَا ) كَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَجِيبَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ السَّنَةُ أَوْ هَذَا الشَّهْرُ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ لُبَابَةَ ، وَالْأَكْثَرُ أَوْ غَيْرِ وَجِيبَةٍ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ لِصِدْقِ سَنَةٍ بِأَيِّ سَنَةٍ وَشَهْرٍ بِأَيِّ شَهْرٍ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ ( تَأْوِيلَانِ ) عِيَاضٌ اُخْتُلِفَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ إذَا قَالَ أَكْتَرِي مِنْك سَنَةً أَوْ شَهْرًا دِرْهَمٌ فَحُمِلَ الْأَكْثَرُ ، ظَاهِرَ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ مِثْلُ هَذِهِ السَّنَةِ فِي لُزُومِهِمَا السَّنَةَ أَوْ الشَّهْرَ ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهَا إنْ أَكْرَيْتهُ دَارًا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَجَائِزٌ ، وَلَهُ أَنْ يَسْكُنَ وَيُسْكِنَ مَنْ يَشَاءُ ، وَلَوْ كَانَ لِرَبِّهَا الْخِيَارُ وَإِخْرَاجُهُ لَمْ يَتْرُكْهُ يُسْكِنُ مَنْ شَاءَ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ إنْ اسْتَأْجَرْت دَارًا بَعْدَ مُضِيّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ ، قَالَ تُحْسَبُ هَذِهِ الْأَيَّامُ ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ تَكْمُلُ مَعَ الْأَيَّامِ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا .
وَفِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ اخْدِمْنِي سَنَةً وَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ لِسَنَةٍ سَمَّاهَا فَمَرِضَ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ ، فَإِنَّهُ حُرٌّ ، قَالَ : وَإِنَّمَا سَأَلْت مَالِكًا عَنْ سَنَةٍ مُؤَقَّتَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الَّذِي أَكْرَى دَارِهِ أَوْ دَابَّتَهُ أَوْ غُلَامَهُ فَقَالَ أُكْرِيهَا مِنْك سَنَةَ ، فَالسَّنَةُ مِنْ يَوْمِ وَقَعَ الْكِرَاءُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : هَذِهِ السَّنَةَ بِعَيْنِهَا ، وَهَكَذَا لَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي تَفْسِيرِ يَحْيَى وَكِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ .
وَذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ أُكْرِيَ مِنْك سَنَةً لَا يَقْتَضِي التَّعْيِينَ ، وَلَهُ الْخُرُوجُ ، وَلِرَبِّهِ إخْرَاجُهُ مَتَى شَاءَ ، مِثْلُ قَوْلِهِ كُلَّ سَنَةٍ وَأَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ مِنْ هَذَا إنَّمَا مَعْنَاهُ سَنَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَخَلَفَهُ ابْنُ لُبَابَةَ فِي تَأْوِيلِ لَفْظِ الْكِتَابِ عَلَى مَا

بَعْدُ ، ثُمَّ قَالَ : الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ أُكْرِيكَ كُلَّ سَنَةٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ ، فَمَذْهَبُ الْكِتَابِ وَالْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ ، وَالثَّالِثَةُ قَوْلُهُ أُكْرِيكَ السَّنَةَ بِدِرْهَمٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ سَنَةً الشَّارِحُ جَرَى الْخِلَافُ فِي الْمُفْرَدِ ؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ تَارَةً لِتَحْدِيدِ الْمُدَّةِ وَتَارَةً لِتَحْدِيدِ الْكِرَاءِ .

وَأَرْضِ مَطَرٍ عَشْرًا ، إنْ لَمْ يَنْقُدْ ، وَإِنْ سَنَةً إلَّا الْمَأْمُونَةَ : كَالنِّيلِ ، وَالْمَعِينَةِ فَيَجُوزُ .
.

( وَ ) جَازَ كِرَاءُ ( أَرْضِ مَطَرٍ عَشْرًا ) مِنْ السِّنِينَ ( إنْ لَمْ يَنْقُدْ ) الْمُكْتَرِي الْكِرَاءَ لِلْمُكْرِي ، أَيْ لَمْ يَشْرِطْ النَّقْدَ ، وَلَوْ نَقَدَ بِالْفِعْلِ ، فَإِنْ شَرَطَ النَّقْدَ فَلَا يَجُوزُ .
طفي الْمُضِرُّ هُوَ شَرْطُ النَّقْدِ فَلَا يَضُرُّ النَّقْدُ مَعَ السُّكُوتِ ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ ، وَقَدْ صَرَّحَ هُنَاكَ بِجَوَازِ النَّقْدِ تَطَوُّعًا كَ الْمُدَوَّنَةِ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ : إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ النَّقْدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَطَ النَّقْدَ فَسَدَ الْكِرَاءُ كُلُّهُ إنْ شَرَطَ النَّقْدَ لِكُلِّ الْعَشْرِ ، بَلْ ( وَلَوْ ) شَرَطَ النَّقْدَ ( سَنَةً ) وَاحِدَةً مِنْ الْعَشْرِ ، فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ أَرْضِ الْمَطَرِ عَشْرَ سِنِينَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ .
أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ النَّقْدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَطَ النَّقْدَ فَسَدَ الْكِرَاءُ ، وَإِنْ اكْتَرَاهَا سِنِينَ وَقَدْ أَمْكَنَتْ لِلْحَرْثِ جَازَ نَقْدُ حِصَّةٍ عَامَّةٍ ، هَذَا وَلِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ اكْتَرَى أَرْضَ الْمَطَرِ سَنَةً قُرْبَ الْحَرْثِ ، وَحِينَ تَوَقُّعِ الْغَيْثِ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ حَتَّى تُرْوَى وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَرْثِ ( إلَّا ) الْأَرْضَ ( الْمَأْمُونَةَ ) الرَّيِّ ( كَ ) أَرْضِ ( النِّيلِ ) بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ ، أَيْ نَهْرِ مِصْرَ الْمُنْخَفِضَةِ ( وَ ) الْأَرْضِ ( الْمَعِينَةِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ الَّتِي تُسْقَى بِعَيْنٍ جَارِيَةٍ أَوْ بِئْرٍ ( فَيَجُوزُ ) شَرْطُ النَّقْدِ .
فِيهَا ابْنُ رُشْدٍ عَقْدُ الْكِرَاءِ جَائِزٌ فِي الْأَرْضِينَ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِلسِّنِينَ الْكَثِيرَةِ ، وَسَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَتْ مَأْمُونَةً أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ وَتَنْقَسِمُ فِي جَوَازِ النَّقْدِ .
فِيهَا عَلَى قِسْمَيْنِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْمُونًا كَأَرْضِ النِّيلِ وَأَرْضِ الْمَطَرِ الْمَأْمُونَةِ وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ الثَّابِتَةِ وَالْآبَارِ

الْمَعِينَةِ ، فَالنَّقْدُ فِيهَا لِلْأَعْوَامِ الْكَثِيرَةِ جَائِزٌ ، وَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُرْوَى ، وَيُمَكَّنَ مِنْ الْحَرْثِ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ أَوْ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ أَوْ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ وَالْآبَارِ .
طفي مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ مَعَ الشَّرْطِ ، وَكَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَجُوزُ ، أَيْ مَعَ الشَّرْطِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ غَيْرَ الْمَأْمُونَةِ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِالشَّرْطِ سَنَةً وَاحِدَةً بَعْدَ رَيِّهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْ حَرْثِهَا ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ ذَلِكَ فِي السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَكْرَاهَا سِنِينَ وَقَدْ أُمْكِنَتْ لِلْحَرْثِ جَازَ نَقْدُ حِصَّةِ عَامِهِ هَذَا .
أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى هَذَا بِشَرْطٍ وَقَوْلُهُ وَقَدْ أَمْكَنَتْ أَيْ وَرُوِيَتْ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ فِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ سَنَةً .
أَبُو الْحَسَنِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا إذَا رُوِيَتْ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : لَا يَجُوزُ النَّقْدُ حَتَّى تُرْوَى رَيًّا مَأْمُونًا .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَرْضَ الْغَيْرَ الْمَأْمُونَةِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِيهَا السِّنِينَ أَوْ قَبْلَ رَيِّهَا أَوْ بَعْدَهُ فَيَجُوزُ سَنَةً وَاحِدَةً ، وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يَجُوزُ حَتَّى تُرْوَى رَيًّا مَأْمُونًا ، وَفِيهَا عَقِبَ مَا سَبَقَ وَإِنْ أَكْرَاهَا قُرْبَ الْحَرْثِ وَحِينَ تَوَقُّعِ الْغَيْثِ لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ حَتَّى تُرْوَى ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تُكْرَى أَرْضُ الْمَطَرِ حَتَّى تُرْوَى مَرَّةً وَتَعْطَشَ أُخْرَى الْأَقْرَبُ الْحَرْثُ وَتَوَقُّعُ الْغَيْثِ إذَا لَمْ يَنْقُدْ ، وَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالنَّقْدِ حَتَّى تُرْوَى رَيًّا مَأْمُونًا مُتَوَالِيًا مُبْلَغًا لِلزَّرْعِ أَوْ لِأَكْثَرِهِ مَعَ رَجَاءِ وُقُوعِ الْمَطَرِ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ مَعْنَاهُ بِشَرْطٍ .

وَيَجِبُ فِي مَأْمُونَةِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ ؛
( وَيَجِبُ ) النَّقْدُ أَيْ يُقْضَى بِهِ لِمُكْرِي الْأَرْضِ عَلَى مُكْتَرِيهَا ( فِي مَأْمُونَةِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ لِسَقْيٍ آخَرَ .
وَمَفْهُومُ النِّيلِ أَنَّ أَرْضَ الْمَطَرِ وَالسَّقْيِ لَا يَجِبُ النَّقْدُ فِيهَا بِرَيِّهَا ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ لِلسَّقْيِ مِرَارًا فَلَا يَجِبُ النَّقْدُ فِيهَا حَتَّى يَتِمَّ الزَّرْعُ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ .
ابْنُ رُشْدٍ فَأَمَّا أَرْضُ النِّيلِ فَيَجِبُ النَّقْدُ فِيهَا إذَا رُوِيَتْ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَبِالرَّيِّ يَكُونُ الْمُكْتَرِي قَابِضًا لِمَا اكْتَرَى ، وَأَمَّا أَرْضُ السَّقْيِ وَالْمَطَرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْتَرِي دَفْعُ الْكِرَاءِ حَتَّى يَتِمَّ الزَّرْعُ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ .
طفي فَلَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ رُشْدٍ أَرْضَ النِّيلِ الَّتِي رُوِيَتْ بِالْمَأْمُونَةِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَصَدَ اخْتِصَارَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ ، إذْ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي تَوْضِيحِهِ ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ " ج " فِي التَّقْيِيدِ بِالْمَأْمُونَةِ ، إذْ بِحُصُولِ الرَّيِّ تَكُونُ مَأْمُونَةً .
وَقَوْلُهُ إذَا رُوِيَتْ أَيْ بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَلْزَمُ النَّقْدُ فِي أَرْضِ النِّيلِ إنْ رُوِيَتْ إذَا انْكَشَفَ الْمَاءُ عَنْهَا وَأَمْكَنَ قَبْضُ مَنَافِعِهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ النَّقْدُ فِيهَا بِرَيِّهَا ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ الْمَاءَ وَمَنَافِعَ الْأَرْضِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ النَّقْدُ بِأَحَدِهِمَا .
وَلِابْنِ عَرَفَةَ مَعَهُ كَلَامٌ لَا نُطِيلُ بِهِ ، وَإِنَّمَا أَطَلْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْضَ الطُّولِ ، لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَهَا مِنْ شُرَّاحِهِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

وَقَدْرٍ مِنْ أَرْضِك ، إنْ عُيِّنَ ، أَوْ تَسَاوَتْ
( وَ ) جَازَ كِرَاءُ ( قَدْرٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ مِقْدَارٍ مَحْدُودٍ وَبَيَانُ قَدْرٍ ( مِنْ أَرْضِك ) يَا مُكْرِي كَفَدَّانٍ ( إنْ عُيِّنَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا بِتَسْمِيَةٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ عَلَامَةٍ ( أَوْ ) لَمْ يُعَيَّنْ وَ ( تَسَاوَتْ ) أَرْضُك فِي الْجَوْدَةِ أَوْ الرَّدَاءَةِ وَفِي الْأَغْرَاضِ الْمُرَادَةِ مِنْهَا .
وَمَفْهُومُ قَدْرٍ أَنَّ كِرَاءَ الْجُزْءِ الشَّائِعِ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ وَلَمْ تَسْتَوِ الْأَرْضُ فِيهَا مَنْ اكْتَرَى مَاءَ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ جَازَ إنْ تَسَاوَتْ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُعَيِّنَ مَوْضِعَهَا .

وَعَلَى أَنْ يَحْرُثَهَا ثَلَاثًا ، أَوْ يُزَبِّلَهَا ، إنْ عُرِفَ
( وَ ) جَازَ كِرَاءُ أَرْضٍ ( عَلَى ) شَرْطِ ( أَنْ يَحْرُثَهَا ) الْمُكْتَرِي حَرْثًا ( ثَلَاثًا ) ثُمَّ يَبْذُرَهَا ( أَوْ ) عَلَى شَرْطِ ( أَنْ يُزَبِّلَهَا ) أَيْ يَجْعَلَ الْمُكْتَرِي فِيهَا زِبْلًا لِتَقْوِيَتِهَا ( إنْ عُرِفَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ نَوْعُ الزِّبْلِ وَقَدْرُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ مَنْفَعَةٍ تَبْقَى فِي الْأَرْضِ كَشَرْطِ نَقْدِ بَعْضِ كِرَائِهَا .
فِيهَا مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَزْرَعَهَا فِي الْكِرَاءِ الرَّابِعِ جَازَ وَكَذَلِكَ عَلَى أَنْ يُزَبِّلَهَا إنْ كَانَ الَّذِي يُزَبِّلُهَا بِهِ شَيْئًا مَعْرُوفًا .
ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْحَرْثِ وَالتَّزْبِيلِ تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ فِي الْأَرْضِ ، إنْ لَمْ يَتِمَّ زَرْعُهَا فَيَصِيرُ كَنَقْدٍ اشْتَرَطَهُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ ، فَإِنْ نَزَلَ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ وَلَمْ يَتِمَّ زَرْعُهُ نُظِرَ كَمْ يَزِيدُ كِرَاؤُهَا لِزِيَادَةِ مَا اُشْتُرِطَ عَلَى مُعْتَادِ حَرْثِهَا ، وَهُوَ عِنْدَنَا حَرْثُهَا عَلَى كِرَائِهَا دُونَ مَا اُشْتُرِطَتْ زِيَادَتُهُ عَلَى الْمُعْتَادِ ، فَيَرْجِعُ بِالزَّائِدِ ؛ لِأَنَّهُ كَنَقْدٍ اُشْتُرِطَ فِيهَا وَإِنْ تَمَّ زَرْعُهُ فِيهَا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا بِشَرْطِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ فَاسِدٌ ، قَالَهُ التُّونُسِيُّ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ نُظِرَ كَمْ يَزِيدُ كِرَاؤُهَا ، أَيْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَأَجَازَ هُنَا بَيْعَ الزِّبْلِ ، فَنَاقَضَ مَا فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إنْ كَانَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَإِنْ كَانَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَهُوَ مُوَافِقٌ ا هـ .

وَأَرْضٍ سِنِينَ لِذِي شَجَرٍ بِهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً

( وَ ) جَازَ كِرَاءُ ( أَرْضٍ ) مَكْرِيَّةٍ ( سِنِينَ لِذِي ) أَيْ صَاحِبِ ( شَجَرٍ ) مَغْرُوسٍ ( بِهَا ) أَيْ الْأَرْضِ فَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا ( سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً ) تَلِي السِّنِينَ الْأُولَى لِذِي الشَّجَرِ أَوْ لِغَيْرِهِ .
" غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَذِي بِكَافٍ ، وَفِي بَعْضِهَا لِذِي بِلَامٍ ، فَإِنْ كَانَ بِالْكَافِ فَأَرْضٌ مُنَوَّنٌ وَسِنِينَ صِلَةُ كِرَاءٍ الْمُقَدَّرِ ، وَالْكَلَامُ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَرَعَيْنَ مُشَبَّهٌ بِهِ ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الْكَافِ ، وَمُشَبَّهٌ ، وَهُوَ مَا بَعْدَهَا ، وَالْمَعْنَى وَجَازَ كِرَاءُ أَرْضٍ سِنِينَ .
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ كَكِرَائِهَا لِذِي شَجَرٍ بِهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً ، وَلَيْسَ الْأَوَّلُ الْمُشَبَّهُ بِهِ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ وَأَرْضِ مَطَرٍ عَشْرًا إلَخْ ، لِشُمُولِ هَذَا كِرَاءَهَا لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ فَصَّلَ فِي الْأَوَّلِ فِي النَّقْدِ دُونَ هَذَا .
وَأَشَارَ بِالْمُشَبَّهِ الَّذِي بَعْدَ الْكَافِ إلَى أَنَّ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا سِنِينَ وَغَرَسَ بِهَا شَجَرًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكْتَرِيَهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً تَلِي السِّنِينَ الْأُولَى لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَوْ اكْتَرَيْت أَرْضًا سِنِينَ مُسَمَّاةً فَغَرَسْت فِيهَا شَجَرًا فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِيهَا شَجَرُك فَلَا بَأْسَ أَنْ تُكْرِيَهَا مِنْ رَبِّهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً ، وَإِنْ كَانَ بِلَامٍ فَلَعَلَّ أَرْضٍ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لِإِضَافَتِهِ لِسِنِينَ لِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ .
سِيبَوَيْهِ : الْإِضَافَةُ تَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ ، وَحِينَئِذٍ فَالْكَلَامُ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَرْعٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ نَصُّهَا الْمُتَقَدِّمُ ، وَالْمَعْنَى وَجَازَ كِرَاءُ أَرْضِ سِنِينَ مَاضِيَةٍ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً لِمَنْ غَرَسَ بِهَا شَجَرًا فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ ، وَفِيهِ قَلَقٌ .
وَلَوْ قَالَ وَأَرْضٍ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً لِذِي شَجَرٍ بِهَا أَوْ غَيْرِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ .
" غ " وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ أَحْسَنُ ، إذْ قَالَ كَكِرَائِهَا لِذِي شَجَرٍ بِهَا أَوْ غَيْرِهِ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً ، وَدَخَلَ فِي الْغَيْرِ الْأَجْنَبِيُّ ، وَالْحُكْمُ

سَوَاءٌ .
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ لِغَيْرِك
وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ الَّتِي شُجِّرَ بِهَا شَجَرٌ لِغَيْرِ مُكْرِيهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً إنْ كَانَ لَك ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ الشَّجَرُ الَّذِي بِهَا ( لِغَيْرِك ) بِأَنْ اكْتَرَاهَا زَيْدٌ سِنِينَ وَغَرَسَ بِهَا شَجَرًا وَانْقَضَتْ مُدَّتُهُ فَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ اكْتِرَاؤُهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً ، إنْ اكْتَرَاهَا مِنْك الْمُكْتَرِي الْأَوَّلُ بَقِيَ شَجَرُهُ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ ، وَإِلَّا فَلَكَ إلْزَامُهُ بِقَلْعِ شَجَرِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوْ اكْتَرَيْت أَرْضًا سِنِينَ ثُمَّ أَكْرَيْتُهَا لِغَيْرِك فَغَرَسَ فِيهَا شَجَرًا ، ثُمَّ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْكِرَاءِ ، وَفِيهَا غَرْسُهُ فَلَكَ أَنْ تُكْرِيَهَا مِنْ رَبِّهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً ، ثُمَّ إنْ أَرْضَاكَ الْغَارِسُ وَإِلَّا قَلَعَ غَرْسَهُ .
ابْنُ يُونُسَ جَازَ كِرَاؤُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ؛ لِأَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُجْبِرَ الْغَارِسَ عَلَى قَلْعِ غَرْسِهِ بَعْدَ تَمَامِ كِرَائِهِ ، فَكَأَنَّ الْمُكْتَرِيَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَقْلَعَ الْغَارِسُ غَرْسَهُ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ الْأَرْضِ مَا كَانَ رَبُّهَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَسْتَطِيعُ مُخَالَفَتَهُ ، فَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ .
" غ " فَتَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ فِي إطْلَاقِ ذِي الشَّجَرِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ غَارِسِهِ ، وَالْتَفَتَ فَخَاطَبَهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ بِصِيغَةِ الْغَيْبَةِ ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ ، وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

لَا زَرْعٍ
لَا ) يَجُوزُ اكْتِرَاؤُك أَرْضًا بِهَا ( زَرْعٌ ) أَخْضَرَ لِغَيْرِك عَقِبَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ اكْتِرَاءِ زَارِعِهِ ، إذْ لَيْسَ لِمُكْرِي الْأَرْضِ إلْزَامُهُ بِقَلْعِهِ ، بَلْ يَلْزَمُهُ بَقَاؤُهُ بِهَا إلَى تَنَاهِي طِيبِهِ وَلَهُ كِرَاءُ مَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ الْأُولَى .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ كَانَ مَوْضِعَ الشَّجَرِ زَرْعٌ أَخْضَرُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُكْرِيَهَا مَا دَامَ زَرْعُ هَذَا فِيهَا ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ ، وَإِنَّمَا لَهُ كِرَاءُ أَرْضِهِ وَلَهُ قَلْعُ الشَّجَرِ فَافْتَرَقَا إلَّا أَنْ يُكْرِيَهَا إلَى تَمَامِ الزَّرْعِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يُكْرِيَهَا إلَى تَمَامِ الزَّرْعِ ، أَيْ بَعْدَ الزَّرْعِ ، فَإِلَى بِمَعْنَى بَعْدُ ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، إذْ لَا مَعْنَى لِإِبْقَائِهَا عَلَى ظَاهِرِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي بَقِيَتْ لِلزَّرْعِ حَسْبَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ ، فَلَا مَعْنَى لِعَقْدِ الْكِرَاءِ عَلَى ذَلِكَ .

وَشَرْطِ كَنْسِ مِرْحَاضٍ ، أَوْ مَرَمَّةٍ .

( وَ ) جَازَ اشْتِرَاطُ ( كَنْسِ مِرْحَاضٍ ) فِي اكْتِرَاءِ دَارٍ عَلَى الْمُكْرِي ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَجْهُهُ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ حَمَّامًا وَاشْتَرَطَ كَنْسَ الْمَرَاحِيضِ وَالتُّرَابِ وَغُسَالَةَ الْحَمَّامِ عَلَى الْمُكْرِي جَازَ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ .
ابْنُ يُونُسَ قِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي كَنْسِ مَا يَكُونُ بَعْدَ عَقْدِ الْكِرَاءِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ يَوْمَ الْعَقْدِ فِي الْمَرَاحِيضِ فَهُوَ عَلَى الْمُكْرِي شُرِطَ عَلَيْهِ أَمْ لَا ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَحَدِ الْبُيُوتِ الْمُكْتَرَاةِ شَيْءٌ ، فَإِنَّ عَلَيْهِ إزَالَتَهُ وَتَفْرِيغَ الْبَيْتِ لِلْمُكْتَرِي فَكَذَلِكَ الْمِرْحَاضُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَعَلَى رَبِّهَا مَرَمَّتُهَا وَكَنْسُ مَرَاحِيضِهَا وَإِصْلَاحُ مَا وَهِيَ مِنْ الْجُدْرَانِ وَالْبُيُوتِ .
ابْنُ يُونُسَ لَعَلَّهُ أَرَادَ فِي الْمَرَمَّةِ وَالْإِصْلَاحِ الْخَفِيفَ .
أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ عَلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا إذْ إهْمَالُ الْبَيْتِ فَلَا يُجْبَرُ رَبُّهُ عَلَى الطَّرِّ وَلِلْمُكْتَرِي الْخُرُوجُ فِي الضَّرَرِ الْبَيِّنِ إلَّا أَنْ يَطُرَّهَا رَبُّهَا ، فَكَذَلِكَ هَذَا .
وَقَوْلُهُ هُنَا وَعَلَى رَبِّهَا كَنْسُ الْمِرْحَاضِ لَعَلَّهُ أَرَادَ مَا كَانَ فِيهِ قَدِيمًا ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْكَنْسَ عَلَى الْمُكْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ شَرْطٌ فَيُحْمَلَانِ عَلَيْهِ .
" غ " ظَاهِرُ نَصِّهَا السَّابِقِ أَنَّهُ عَلَى الْمُكْتَرِي حَتَّى يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ ، وَقَدْ قَالَ بَعْدُ : وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَعَلَى رَبِّهَا مَرَمَّتُهَا وَكَنْسُ الْمَرَاحِيضِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَى رَبِّهَا حَتَّى يَشْتَرِطَهُ عَلَى الْمُكْتَرِي فَقِيلَ خِلَافٌ .
وَقِيلَ الْأَخِيرُ فِيمَا حَانَ قَبْلَ الْكِرَاءِ وَالْأَوَّلُ فِيمَا حَدَثَ بَعْدَهُ ، حَكَاهُمَا عِيَاضٌ .
زَادَ الْمُتَيْطِيُّ قِيلَ مَا هُنَا فِي غَيْرِ الْفَنَادِقِ وَمَا هُنَاكَ فِي الْفَنَادِقِ كَمَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ .
( أَوْ ) شَرْطُ ( مَرَمَّةٍ ) بِفَتْحِ

الْمِيمِ وَالرَّاءِ مُثَقَّلًا .
عِيَاضٌ هُوَ الْبِنَاءُ وَالْإِصْلَاحُ عَلَى الْمُكْتَرِي عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ مِنْ كِرَاءٍ وَجَبَ بِشَرْطِ النَّقْدِ أَوْ اعْتِيَادِهِ ، لَا إنْ لَمْ يَجِبْ فَلَا يَجُوزُ

أَوْ تَطْيِينٍ مِنْ كِرَاءٍ وَجَبَ

( وَ ) جَازَ اشْتِرَاطُ ( تَطْيِينٍ ) الدَّارِ عَلَى الْمُكْتَرِي .
أَبُو الْحَسَنِ ، وَهُوَ جَعْلُ الطِّينِ عَلَى سَقْفِهَا أَوْ سُطُوحِهَا لِمَنْعِ نُزُولِ الْمَطَرِ مِنْهُ ، وَيُسَمَّى طَرًّا بِفَتْحِ الطَّاءِ وَشَدِّ الرَّاءِ حَالَ كَوْنِ التَّرْمِيمِ ( مِنْ كِرَاءٍ وَجَبَ ) عَلَى الْمُكْتَرِي تَسْلِيمُهُ لِلْمُكْرِي بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ ، قَالَهُ ابْنُ فَتُّوحٍ .
وَقُيِّدَتْ بِتَحْدِيدٍ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ مَثَلًا فِي السَّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ ، فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ وَقَالَ كُلَّمَا احْتَاجَتْ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَتَرَكَ هَذَا الْمُصَنِّفُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنَّ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُكْتَرِي ، فَإِنْ شَرَطَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكِرَاءِ جَازَ ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْكِرَاءُ أَنْفَقَهُ السَّاكِنُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَا يَجُوزُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مِنْ يَسِيرِ مَرَمَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ كِرَائِهَا .
" غ " أَمَّا الْمَرَمَّةُ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ : وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنَّ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُكْتَرِي فَإِنْ اشْتَرَطَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكِرَاءِ جَازَ .
وَأَمَّا التَّطْيِينُ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مِنْ الْكِرَاءِ الَّذِي وَجَبَ ، وَإِنَّمَا قَالَ وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ تَطْيِينَ الْبُيُوتِ جَازَ إذَا سَمَّى تَطْيِينَهَا فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ .
أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى الْكِرَاءِ ، فَيَكُونُ اكْتَرَى مِنْهُ بِمَا سَمَّى وَبِالتَّطْيِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ هُوَ الْكِرَاءُ .
طفي سَوَّى الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْمَرَمَّةِ وَالتَّطْيِينِ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِمَا مِنْ كِرَاءٍ وَجَبَ ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّطْيِينِ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ مِنْ الْكِرَاءِ ، وَذَكَرَهُ فِي

الْمَرَمَّةِ وَنَصُّهَا عَلَى اخْتِصَارِ أَبِي سَعِيدٍ : وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنَّ مَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ مِنْ مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُكْتَرِي ، فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا مِنْ الْكِرَاءِ جَازَ ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْكِرَاءُ أَنْفَقَهُ السَّاكِنُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَا يَجُوزُ ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ عَلَيْهِ مَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ مِنْ يَسِيرِ مَرَمَّةٍ أَوْ كَسْرِ خَشَبَةٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ كِرَائِهَا .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ فَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ مِنْ الْكِرَاءِ جَازَ ، قِيلَ مَعْنَاهُ وَالْكِرَاءُ عَلَى النَّقْدِ أَوْ كَانَ سُنَّتُهُمْ النَّقْدَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ، إذْ لَا يَدْرِي مَا يَحِلُّ عَلَيْهِ بِالْهَدْمِ صَحَّ مِنْ جَامِعِ الطُّرَرِ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ مُؤَجَّلًا .
فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي ذَلِكَ مَا يُحْتَاجُ فِي الْغَالِبِ إلَى إصْلَاحِهِ مِثْلَ خَشَبَةٍ تُكْسَرُ أَوْ تَرْقِيعِ حَائِطٍ ، وَشَبَّهَ ذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ خَطْبُهُ وَلَا يُؤَدِّي تَعْجِيلُهُ إلَى غَرَرٍ ا هـ كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ .
الْوَانُّوغِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ نَظَرٌ ، إذَا كَانَ الْكِرَاءُ إنَّمَا يُقْبَضُ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَأْخِيرَهُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ فَقَدْ تَحْتَاجُ الدَّارُ إلَى مَرَمَّةٍ أَوَّلَ السَّنَةِ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ ، فَهَذَا غَرَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى مَتَى يُدْفَعُ الْكِرَاءُ ، وَبِهَذَا كَانَ الشُّيُوخُ قَدِيمًا يُعَارِضُونَهُ .
ا هـ .
وَنَصُّهَا فِي التَّطْيِينِ : وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ تَطْيِينَ الْبُيُوتِ جَازَ ذَلِكَ إنْ سَمَّى تَطْيِينَهَا فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ كُلَّمَا احْتَاجَتْ طَيَّنَهَا فَهَذَا مَجْهُولٌ لَا يَجُوزُ .
أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ : أَنَّ هَذَا زَائِدٌ عَلَى الْكِرَاءِ فَيَكُونُ اكْتَرَى مِنْهُ بِالْكِرَاءِ ، وَبِهَذَا التَّطْيِينِ أَوْ ذَلِكَ هُوَ الْكِرَاءُ .
ا هـ فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِكَوْنِهِ مِنْ الْكِرَاءِ لَمْ يَذْكُرْهُ

فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا فِي الْمَرَمَّةِ ، وَتَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ وَاجِبًا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ ، وَجَعَلَهُ الْقَابِسِيُّ مَحَلَّ نَظَرٍ ، وَأَنَّ اللَّخْمِيَّ جَزَمَ بِخِلَافِهِ فَعَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُؤَاخَذَةُ فِي اعْتِمَادِهِ ، وَأَنَّ التَّطْيِينَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ مِنْ الْكِرَاءِ ، إذْ لَمْ أَرَ مَنْ جَزَمَ بِذَلِكَ وَأَبُو الْحَسَنِ كَمَا تَرَى جَعَلَهُ مَحَلَّ نَظَرٍ ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَصْوِيرًا ، كَمَا عَلِمْت مِنْ نَصِّهَا ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَرَمَّةِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ فَهُوَ مَجْهُولٌ ، فَلِذَلِكَ قُيِّدَ بِكَوْنِهِ مِنْ الْكِرَاءِ ، وَمَسْأَلَةُ التَّطْيِينِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ تَطْيِينَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فَلَا جَهَالَةَ فِيهِ ، وَبِذَا عَلَّلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ اتَّفَقَا فِي التَّصْوِيرِ اتَّفَقَا فِي الْحُكْمِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

لَا إنْ لَمْ يَجِبْ
لَا ) يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمَرَمَّةِ عَلَى الْمُكْتَرِي ( إنْ لَمْ يَجِبْ ) الْكِرَاءُ عَلَى الْمُكْتَرِي لِانْتِفَاءِ عُرْفٍ وَشَرْطِ تَعْجِيلِهِ لِتُهْمَةِ سَلَفٍ وَكِرَاءٍ وَلِأَنَّهُ غَرَرٌ .
" غ " هَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ ابْنُ فَتُّوحٍ قَائِلًا جَازَ إنْ كَانَ الْكِرَاءُ عَلَى النَّقْدِ بِالشَّرْطِ أَوْ الْعُرْفِ ، وَبِهِ قَيَّدَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي جَامِعِ الطُّرَرِ ، فَقَالَ مَعْنَاهُ : وَالْكِرَاءُ عَلَى النَّقْدِ ، أَوْ كَانَتْ سُنَّتُهُمْ النَّقْدَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ، إذْ لَا يَدْرِي مَا يَحِلُّ بِالْهَدْمِ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَنْ اكْتَرَى سَنَةً بِعِشْرِينَ دِينَارًا عَلَى إنْ احْتَاجَتْ الدَّارُ إلَى مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُكْتَرِي مِنْهَا لَا بَأْسَ بِهِ ، أَرَادَ وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ مُؤَجَّلًا فَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي ذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ فِي الْغَالِبِ إلَى إصْلَاحِهِ مِثْلَ خَشَبَةٍ تَنْكَسِرُ أَوْ تَرْقِيعِ حَائِطٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ خَطْبُهُ ، وَلَا يُؤَدِّي تَعْجِيلُهُ إلَى غَرَرٍ .

أَوْ مِنْ عِنْدَ الْمُكْتَرِي ، أَوْ حَمِيمِ أَهْلِ ذِي الْحَمَّامِ ، أَوْ نُورَتِهِمْ مُطْلَقًا
( أَوْ ) شَرَطَ أَنَّ التَّرْمِيمَ ( مِنْ عِنْدِ الْمُكْتَرِي ) فَلَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ فِي الْكِرَاءِ ( أَوْ ) أَكْرَى الْحَمَّامَ عَلَى شَرْطِ ( حَمِيمِ أَهْلِ ذِي الْحَمَّامِ ) أَيْ اغْتِسَالِهِمْ فِيهِ بِمَائِهِ عَلَى الْمُكْتَرِي ( أَوْ ) عَلَى شَرْطِ ( نُورَتِهِمْ ) بِضَمِّ النُّونِ ، أَيْ مَا يَطْلِي ذَوُو الْحَمَّامِ بِهِ أَجْسَادَهُمْ لِإِزَالَةِ أَشْعَارِهِمْ عَلَى الْمُكْتَرِي فَلَا يَجُوزُ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ عِلْمِ عَدَدِهِمْ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اكْتَرَى حَمَّامًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ لِرَبِّهِ مَا يَحْتَاجُ أَهْلُهُ مِنْ نُورَةٍ أَوْ حَمِيمٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَرِطَ شَيْئًا مَعْرُوفًا

أَوْ لَمْ يُعَيَّنْ بِنَاءٌ وَغَرْسٌ ، وَبَعْضُهُ أَضَرُّ وَلَا عُرْفَ

( أَوْ ) اُكْتُرِيَتْ أَرْضٌ لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ و ( لَمْ يُعَيَّنْ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْيَاءِ الثَّانِيَةِ مُثَقَّلًا مَا يَفْعَلُ ( فِي الْأَرْضِ ) مِنْ ( بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ وَ ) الْحَالُ ( بَعْضُهُ ) أَيْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ ( أَضَرُّ ) بِالْأَرْضِ مِنْ بَعْضٍ ( وَ ) الْحَالُ ( لَا عُرْفَ ) جَارٍ بِبَلَدِهِمَا بِبِنَاءٍ خَاصٍّ ، أَوْ غَرْسٍ خَاصٍّ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ بِنَاءً وَلَا غَرْسًا وَلَا زَرْعًا وَلَا غَيْرَهَا وَبَعْضُهُ أَضَرُّ ، فَلَهُ مَا يُشْبِهُ ، فَإِنْ أَشْبَهَ الْجَمِيعَ فَسَدَ وَلَوْ سَمَّى صِنْفًا يَزْرَعُهُ جَازَ مِثْلُهُ وَدُونَهُ ، وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ يَزْرَعُهَا وَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا فَذَلِكَ لَهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ الْأَرْضَ .
اللَّخْمِيُّ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْرَعَهَا شَعِيرًا وَأَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَلَا يُمْنَعُ إذَا لَمْ يَضُرَّ ، وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ بِالْجَوَازِ مَعَ الْإِجْمَالِ ، لَكِنْ مَنَعَ الْمُكْتَرِيَ مِنْ فِعْلِ مَا فِيهِ ضَرَرٌ ، وَقَالَ غَيْرُهُ بِالْمَنْعِ حِينَئِذٍ فَالْمُصَنِّفُ جَرَى عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ اكْتَرَى دَارًا فَلَهُ أَنْ يُدْخِلَ فِيهَا مَا يَشَاءُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْأَمْتِعَةِ وَيَنْصِبَ الْحَدَّادِينَ وَالْقَصَّارِينَ وَالْأَرْحِيَةَ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ فَيُمْنَعُ ، وَلَمْ يَقُلْ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَقَالَ فِي الْأَرْضِ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا عَشْرَ سِنِينَ فَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَضَرَّ بِهَا مُنِعَ وَإِلَّا فَلَهُ ذَلِكَ .
اللَّخْمِيُّ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ كِرَاءَ الْحَوَانِيتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ لِصَنْعَةِ مُكْتَرِي الْحَوَانِيتِ وَلَا لِحَالِ مَنْ يَسْكُنُ الدَّارَ ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَوْلُ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ يَقْتَضِي

الْفَسَادَ إنْ وَقَعَ لِقَوْلِهِ وَفَسَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَلِذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُشْبِهُ مَذْهَبَ الْغَيْرِ ، بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَضَرَّ مُنِعَ الْأَضَرُّ مَعَ جَوَازِ الْعَقْدِ ، وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ مَيَّارَةَ الْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ ابْنِ الْقَاسِمِ شَدَّدَ فَمَنَعَ الْعَقْدَ مَعَ الْإِجْمَالِ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَمَنَعَ فِعْلَ الْأَضَرِّ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ عِنْدَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَكِرَاءُ وَكِيلٍ : بِمُحَابَاةٍ ، أَوْ عَرْضٍ
( وَ ) لَا يَجُوزُ ( كِرَاءُ وَكِيلٍ ) دَارًا أَوْ أَرْضًا ( بِمُحَابَاةٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِهْمَالِ الْحَاءِ وَبِمُوَحَّدَةٍ ، أَيْ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّاهُ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ مِنْ كِرَاءِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ قَدْرَ الْكِرَاءِ ( أَوْ ) كِرَاؤُهُ ( بِعَرْضٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مَا وُكِّلَ عَلَى كِرَائِهِ بِنَقْدٍ بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ فَوَّضَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ لِمُوَكِّلِهِ وَأَخْذُ الْعَرْضِ فِي كِرَاءِ الدُّورِ مَثَلًا مَصْلَحَةٌ فِيهِ لِمُوَكِّلِهِ .
ابْنُ عَاشِرٍ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْكِرَاءِ بِهَذَا الْحُكْمِ ، وَالْأَنْسَبُ بِهِ بَابُ الْوَكَالَةِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا يُكْرِي دَارِهِ فَأَكْرَاهَا بِغَبْنٍ أَوْ حَابَى فِي الْكِرَاءِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ .
ابْنُ يُونُسَ وَلَهُ فَسْخُ الْكِرَاءِ أَوْ إجَازَتُهُ إنْ لَمْ يَفُتْ ، فَإِنْ فَاتَ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْمُحَابَاةِ وَلَوْ أَعَارَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ أَسْكَنَهَا رَجَعَ رَبُّهَا عَلَى السَّاكِنِ بِالْكِرَاءِ وَلَا رُجُوعَ لِلسَّاكِنِ عَلَى الْوَكِيلِ .

أَوْ أَرْضٍ مُدَّةً لِغَرْسٍ فَإِذَا انْقَضَتْ : فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، أَوْ نِصْفُهُ
( أَوْ ) كِرَاءُ ( أَرْضٍ مُدَّةً ) مَعْلُومَةً كَعَشْرِ سِنِينَ ( لِغَرْسٍ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مَعْلُومِ الصِّنْفِ وَالْعَدَدِ ( فَإِذَا انْقَضَتْ ) مُدَّةُ الْكِرَاءِ ( فَهُوَ ) أَيْ الْمَغْرُوسُ مِلْكٌ ( لِرَبِّ الْأَرْضِ ) كُلُّهُ ( أَوْ نِصْفُهُ ) مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِالْكِرَاءِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا الْمُكْتَرِي شَجَرًا سَمَّاهَا عَلَى أَنَّ ثَمَرَهَا لِلْغَارِسِ ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَالشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَاهَا بِشَجَرٍ إلَى أَجَلٍ لَا يُدْرَى أَيُسَلَّمُ إلَيْهِ أَمْ لَا اللَّخْمِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أُكْرِيكَ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الشَّجَرِ لِي وَنِصْفَهُ لَك بَعْدَ الْعَشْرِ سِنِينَ ، فَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَهَا مِنْ الْآنَ جَازَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ .

وَالسَّنَةُ فِي الْمَطَرِ بِالْحَصَادِ وَفِي السَّقْيِ بِالشُّهُورِ ، فَإِنْ تَمَّتْ وَلَهُ زَرْعٌ أَخْضَرُ فَبِكِرَاءِ مِثْلِ الزَّائِدِ .

( وَ ) مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا سَنَةً انْقَضَتْ ( السَّنَةُ فِي ) الْأَرْضِ الَّتِي سَقْيُهَا بِ ( الْمَطَرِ ) أَوْ النِّيلِ ( بِالْحَصَادِ ) لِزَرْعِهَا سَوَاءٌ صَادَفَ تَمَامَهَا بِالشُّهُورِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِمُكْرِي الْأَرْضِ قَلْعُهُ وَلَا أُجْرَةُ مَا زَادَ عَلَى تَمَامِهَا بِالشُّهُورِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فَحَصَدَ زَرْعَهُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ ، فَأَمَّا أَرْضُ الْمَطَرِ فَمَحِلُّ السَّنَةِ فِيهَا الْحَصَادُ وَيُقْضَى بِذَلِكَ فِيهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْحَصَادِ الْإِزَالَةُ ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِحَصْدٍ أَوْ قَلْعٍ أَوْ جَزٍّ أَوْ رَعْيٍ ، فَإِنْ كَانَ يَخْلُفُ فَبِحَصْدِ آخِرِ بَطْنٍ وَتَنْقَضِي السَّنَةُ ( فِي ) أَرْضِ ( السَّقْيِ ) بِعَيْنٍ أَوْ غَرْبٍ أَوْ سَاقِيَةٍ بِتَمَامِهَا ( بِالشُّهُورِ ) الِاثْنَيْ عَشَرَ ( فَإِنْ تَمَّتْ ) السَّنَةُ بِالشُّهُورِ ( وَ ) الْحَالُ ( لَهُ ) أَيْ الْمُكْتَرِي فِيهَا ( زَرْعٌ أَخْضَرُ فَ ) لَيْسَ لِلْمُكْرِي قَلْعُهُ وَلَا أَخْذُهُ وَيَلْزَمُهُ بَقَاؤُهُ إلَى حَصْدِهِ ، وَلَهُ ( كِرَاءٍ مِثْلِ ) الْوَقْتِ ( الزَّائِدِ ) عَلَى سَنَةٍ لِشُهُورٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا ذَاتُ السَّقْيِ الَّتِي تُكْرَى عَلَى أَمَدِ الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ لِلْمُكْتَرِي الْعَمَلُ إلَى تَمَامِ سَنَةٍ ، فَإِنْ تَمَّتْ وَلَهُ فِيهَا زَرْعٌ أَخْضَرُ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ وَعَلَيْهِ تَرْكُهُ إلَى تَمَامِهِ .
وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ كِرَاءُ مِثْلِهَا عَلَى حِسَابِ مَا أَكْرَاهَا مِنْهُ طَرَحَ سَحْنُونٌ عَلَى حِسَابِ مَا اكْتَرَى وَأَبْقَى كِرَاءَ الْمِثْلِ ، وَنَقَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ كِرَاءُ مِثْلِهِ لَا عَلَى مَا أَكْرَاهُ .
ابْنُ يُونُسَ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ جَيِّدٌ ، وَوَجْهُهُ اُنْظُرْهُ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا .
ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا انْقَضَتْ السُّنُونَ وَلِلْمُكْتَرِي فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْأَرْضِ شِرَاؤُهُ ، وَإِنَّمَا بِيعَ الزَّرْعُ أَخْضَرَ إنْ اُشْتُرِيَ مَعَ الْأَرْضِ فِي صَفْقَةٍ ، وَكَذَلِكَ الْأُصُولُ

بِثَمَرِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُبْتَاعُ فَمَا أُبِّرَ مِنْ الثَّمَرِ وَمَا ظَهَرَ مِنْ الْأَرْضِ لِلْبَائِعِ ، وَإِذَا لَمْ يُؤَبَّرْ الثَّمَرُ وَلَمْ يَظْهَرْ الزَّرْعُ مِنْ الْأَرْضِ فَهُوَ لِلْمُبْتَاعِ .
ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ الْأَشْبَهُ أَنْ يَجُوزَ لِرَبِّ الْأَرْضِ شِرَاءُ مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ فَيَصِيرُ مَقْبُوضًا بِالْعَقْدِ ، وَمَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ نَمَاءٍ ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي ضَمَانِ مُشْتَرِيهِ لِكَوْنِهِ فِي أَرْضِهِ ، وَإِنَّمَا مُنِعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا ، لِكَوْنِ ضَمَانِهَا مِنْ بَائِعِهَا ؛ لِأَنَّهَا فِي أَمْوَالِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ } ، وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَجَازَ عَبْدُ الْمَلِكِ شِرَاءَ جِنَانٍ فِيهِ ثَمَرَةٌ بِقَمْحٍ أَوْ بِجِنَانٍ آخَرَ فِيهِ ثَمَرَةٌ تُخَالِفُهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ ثَمَرَةٍ مَقْبُوضَةٌ فَكَانَا مُتَنَاجِزَيْنِ وَفِي الشَّامِلِ وَفِي السَّقْيِ بِتَمَامِهَا فَإِنْ تَمَّتْ وَالزَّرْعُ بَاقٍ ، وَكَانَ رَبُّهُ يَظُنُّ تَمَامَهُ فَزَادَ الشَّهْرُ ، وَنَحْوُهُ لَزِمَ رَبَّ الْأَرْضِ تَرْكُهُ لِتَمَامِهِ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا زَادَ ، وَقِيلَ بِنِسْبَةِ الْمُسَمَّى ، وَلَوْ بَعُدَ الْأَمَدُ ، وَعَلِمَ رَبُّهُ بِذَلِكَ فَلِرَبِّهَا قَلْعُهُ أَوْ تَرْكُهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْمُسَمَّى وَكِرَاءِ الْمِثْلِ ، وَلَيْسَ لَهُ شِرَاؤُهَا عَلَى الْأَصَحِّ .

وَإِذَا انْتَثَرَ لِلْمُكْتَرِي حَبٌّ فَنَبَتَ قَابِلًا فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَمَنْ جَرَّهُ السَّيْلُ إلَيْهِ

( وَ ) إنْ اكْتَرَى شَخْصٌ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَحَصَدَ زَرْعَهُ ( وَانْتَثَرَ ) بِمُثَلَّثَةٍ أَيْ سَقَطَ فِيهَا ( لِلْمُكْتَرِي ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ انْتَثَرَ ، وَهُوَ ( حَبٌّ فَنَبَتَ ) الْحَبُّ فِي الْأَرْضِ عَامًا ( قَابِلًا ) بِمُوَحَّدَةٍ أَيْ آتِيَةً بَعْدَ عَامِ الِاكْتِرَاءِ ( فَهُوَ ) أَيْ النَّابِتُ ( لِرَبِّ الْأَرْضِ ) لِإِعْرَاضِ الْمُكْتَرِي عَنْهُ ، سَوَاءٌ انْتَثَرَ بِآفَةٍ كَنَقْلِ نَمْلٍ أَوْ غَيْرِهَا ، بِأَنْ سَقَطَ مِنْهُ حَالَ الْحَصْدِ لِشِدَّةِ يُبْسِ الزَّرْعِ .
وَشَبَّهَ فِي الْكَوْنِ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَقَالَ ( كَمَنْ ) أَيْ صَاحِبِ أَرْضٍ ( جَرَّهُ ) أَيْ الْبَزْرَ أَوْ الزَّرْعَ ( السَّيْلُ إلَى ) أَرْضِ ( هـ ) فَنَبَتَ فِيهَا فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الَّتِي انْجَرَّ إلَيْهَا .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَإِذَا انْتَثَرَ لِلْمُكْتَرِي فِي حَصَادِهِ حَبٌّ فِي الْأَرْضِ فَنَبَتَ قَابِلًا فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ زَرَعَ زَرْعًا فَحَمَلَ السَّيْلُ زَرْعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فِيهَا .
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الزَّرْعُ لِمَنْ جَرَّهُ السَّيْلُ إلَى أَرْضِهِ وَلَا شَيْءَ لِلزَّارِعِ .
سَحْنُونٌ وَلَوْ قَلَعَ السَّيْلُ شَجَرَاتٍ مِنْ أَرْضٍ فَصَيَّرَهَا إلَى أَرْضِ آخَرَ فَنَبَتَتْ فِيهَا فَلْيُنْظَرْ ، فَإِنْ كَانَتْ إذَا قُلِعَتْ وَرُدَّتْ إلَى أَرْضِهِ تَنْبُتُ ، فَلَهُ قَلْعُهَا .
وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَقْلَعُهَا لِلْحَطَبِ لَا لِيَغْرِسَهَا ، فَهَذَا مُضَارُّ وَلَهُ الْقِيمَةُ وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ لَوْ قُلِعَتْ لَا تَنْبُتُ فِي أَرْضِ رَبِّهَا وَإِنَّمَا تَصِيرُ حَطَبًا ، فَاَلَّذِي نَبَتَتْ فِي أَرْضِهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَمْرِ رَبِّهَا بِقَلْعِهَا وَإِعْطَائِهِ قِيمَتَهَا مَقْلُوعَةً ، وَلَوْ نَقَلَ السَّيْلُ تُرَابَ أَرْضٍ إلَى أُخْرَى فَإِنْ أَرَادَ رَبُّهُ نَقْلَهُ إلَى أَرْضِهِ وَكَانَ مَعْرُوفًا فَلَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَنْقُلَهُ وَطَلَبَ مَنْ صَارَ فِي أَرْضِهِ تَنْحِيَتَهُ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُرَّ شَيْئًا .

وَلَزِمَ الْكِرَاءُ بِالتَّمَكُّنِ ، وَإِنْ فَسَدَ لِجَائِحَةٍ أَوْ غَرَقٍ بَعْدَ وَقْتِ الْحَرْثِ .
( وَلَزِمَ الْكِرَاءُ ) مُكْتَرِيَ الْأَرْضِ لِزَرْعِهَا وَصِلَةُ لَزِمَ ( بِالتَّمَكُّنِ ) مِنْهُ إنْ سَلِمَ زَرْعُهَا ، بَلْ ( وَإِنْ فَسَدَ ) زَرْعُهُ فِيهَا ( لِجَائِحَةٍ ) غَيْرِ أَرْضِيَّةٍ كَبَرْدٍ وَجَلِيدٍ وَ طَيْرٍ وَجَرَادٍ وَرِيحٍ ( أَوْ غَرَقٍ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ عَطْفٌ عَلَى جَائِحَةٍ أَوْ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَطْفٌ عَلَى فَسَدَ ( بَعْدَ إبَّانٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ آخِرُهُ نُونٌ ، أَيْ وَقْتِ ( الْحَرْثِ ) الْمُعْتَادِ بِحَيْثُ لَا تُزْرَعْ إذَا انْكَشَفَتْ ، فَإِنْ غَرِقَتْ فِي إبَّانِ الْحَرْثِ أَوْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ كَذَلِكَ حَتَّى فَاتَ إبَّانُهُ سَقَطَ كِرَاؤُهَا لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الْمُكْتَرِي مِنْ زَرْعِهَا .
ابْنُ شَاسٍ لَا يَسْتَحِقُّ تَقْدِيمَ جُزْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ .
ابْنُ يُونُسَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْقُدَ إلَّا بِقَدْرِ مَا رَكِبَ أَوْ سَكَنَ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ حَبَسَ الدَّابَّةَ أَوْ الثَّوْبَ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ ، إذْ التَّمَكُّنُ كَالِاسْتِيفَاءِ ، فِيهَا إنْ أَتَى مَطَرٌ بَعْدَ مَا زَرَعَ وَفَاتَ إبَّانُ الزِّرَاعَةِ فَغَرِقَ زَرْعُهُ حَتَّى هَلَكَ بِذَلِكَ فَهِيَ جَائِحَةٌ عَلَى الزَّارِعِ ، وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْكِرَاءِ ، بِخِلَافِ هَلَاكِهِ مِنْ الْقَحْطِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ زَرْعُهُ بِبَرْدٍ أَوْ جَلِيدٍ أَوْ جَائِحَةٍ فَالْكِرَاءُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا إنْ أَتَى مَطَرٌ فَغَرِقَ زَرْعُهُ فِي إبَّانِ الْحَرْثِ لَوْ انْكَشَفَ الْمَاءُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْرَكَ زَرْعَهَا ثَانِيَةً فَلَمْ يَنْكَشِفْ حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ ، فَذَلِكَ كَغَرَقِهَا فِي الْإِبَّانِ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ حَتَّى فَاتَ الْحَرْثُ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ انْكَشَفَ الْمَاءُ فِي إبَّانٍ يُدْرِكُ فِيهِ الْحَرْثَ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ ، وَإِنْ لَمْ يَحْرُثْ .

أَوْ عَدَمِهِ بَذْرًا ، أَوْ سِجْنِهِ ؛ أَوْ انْهَدَمَتْ شُرُفَاتُ الْبَيْتِ ، أَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ بَعْضَهُ ، لَا إنْ نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَإِنْ قَلَّ

( أَوْ ) لَمْ يَزْرَعْ لِ ( عَدَمِهِ ) أَيْ فَقْدِ الْمُكْتَرِي ( بَذْرًا ) يَبْذُرُهُ بِهَا فَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إكْرَائِهَا لِغَيْرِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْبَزْرُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَيْضًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ زَرْعِهَا وَإِكْرَائِهَا ( أَوْ ) لِ ( سَجْنِهِ ) بِفَتْحٍ ، أَيْ حَبْسِ الْمُكْتَرِي فَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إكْرَائِهَا ، فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُنْتَقَضُ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الْمُتَكَارِيَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا .
وَكَذَلِكَ مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا وَلَمْ يَجِدْ بَذْرًا أَوْ سَجَنَهُ السُّلْطَانُ بَاقِيَ الْمُدَّةِ فَالْكِرَاءُ يَلْزَمُهُ وَلَا يُعْذَرُ بِهَذَا ، وَلَكِنْ يُكْرِيهَا إنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يَسْكُنَ الدَّارَ .
اللَّخْمِيُّ مَحْمَلُ قَوْلِهِ فِي الْبَذْرِ عَلَى عَجْزِ الْمُكْتَرِي عَنْهُ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا وَلَوْ كَانَتْ شِدَّةً فَلَمْ يَجِدْ أَهْلُ الْمَوْضِعِ الْبَذْرَ سَقَطَ الْكِرَاءُ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَصَدَ السُّلْطَانُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَيَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَرْعِهَا وَكِرَائِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا طَلَبَهُ السُّلْطَانُ بِأَمْرٍ فَكَانَ سَبَبًا فِي عَدَمِ حَرْثِهَا كَانَ عَلَيْهِ كِرَاؤُهَا .
( أَوْ انْهَدَمَتْ شُرُفَاتُ ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَسُكُونِهَا وَفَتْحِهَا جَمْعُ شُرْفَةٍ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ الْعَرَائِشُ الَّتِي تُجْعَلُ فَوْقَ حَائِطِ ( الْبَيْتِ ) لِتَزْيِينِهِ فَيَلْزَمُ مُكْتَرِيَهُ جَمِيعُ كِرَائِهِ ؛ لِأَنَّ انْهِدَامَهَا لَا يَنْقُصُ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِهِ ، فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا انْهَدَمَ ضَرَرٌ عَلَى الْمُكْتَرِي وَلَمْ يَبْنِهِ رَبُّ الدَّارِ لَزِمَ الْمُكْتَرِيَ السُّكْنَى بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ ، وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ لِذَلِكَ كَانْهِدَامِ شُرُفَاتٍ لَا تَضُرُّ بِسُكْنَى الْمُكْتَرِي وَإِنْ أَنْفَقَ فِيهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا ، وَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا النَّقْضُ ، فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ ( أَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ بَعْضَهُ ) أَيْ

الْبَيْتِ الْمُكْتَرَى فَيَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ جَمِيعُ كِرَائِهِ ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِأُجْرَةِ مَا سَكَنَهُ .
وَمَحَلُّ لُزُومِ جَمِيعِ الْكِرَاءِ الْمُكْتَرِيَ فِي انْهِدَامِ الشُّرُفَاتِ إنْ لَمْ يُنْقِصْ انْهِدَامُهَا شَيْئًا مِنْهُ ( لَا ) يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ جَمِيعُ الْكِرَاءِ ( إنْ نَقَصَ ) شَيْءٌ بِانْهِدَامِهَا ( مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ ) فَيُحَطُّ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِهِ إنْ كَثُرَ ، بَلْ ( وَإِنْ قَلَّ ) وَلَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي فِي الْخُرُوجِ .
ابْنُ رُشْدٍ الْهَدْمُ فِي الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ إنْ كَانَ يَسِيرًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى السَّاكِنِ وَلَا يُنْقِصُ مِنْ قِيمَةِ كِرَاءِ الدَّارِ شَيْئًا ، كَانْهِدَامِ الشُّرُفَاتِ وَنَحْوِهَا ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْكِرَاءَ لَازِمٌ لِلْمُكْتَرِي وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى السَّاكِنِ إلَّا أَنَّهُ يُنْقِصُ مِنْ قِيمَةِ كِرَاءِ الدَّارِ ، فَفِي هَذَا يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ السُّكْنَى ، وَيُحَطُّ عَنْهُ مَا حَطَّ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ إنْ لَمْ يُصْلِحْهُ رَبُّ الدَّارِ وَلَا يَلْزَمُهُ إصْلَاحُهُ ، فَإِنْ سَكَتَ وَسَكَنَ فَلَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ .
الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى السَّاكِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبْطِلَ مِنْ مَنَافِعِ الدَّارِ شَيْئًا كَالْهَطْلِ .
وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إنَّ رَبَّ الدَّارِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِصْلَاحُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ، فَإِنْ أَبَى فَالْمُكْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ أَوْ يَخْرُجَ ، فَإِنْ سَكَتَ وَسَكَنَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الْهَدْمُ كَثِيرًا فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الدَّارِ إصْلَاحٌ بِإِجْمَاعٍ ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا : أَحَدُهَا أَنْ يَعِيبَ السُّكْنَى وَيُنْقِصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَلَا يُبْطِلَ شَيْئًا مِنْ الْمَنَافِعِ مِثْلَ كَوْنِ الدَّارِ مُبَلَّطَةً مُجَصَّصَةً فَيَذْهَبُ تَبْلِيطُهَا وَتَجْصِيصُهَا فَيُخَيَّرُ الْمُكْتَرِي بَيْنَ السُّكْنَى بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ وَالْخُرُوجِ ، إلَّا أَنْ يُصْلِحَ ذَلِكَ

رَبُّ الدَّارِ ، فَإِنْ سَكَتَ وَسَكَنَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
الثَّانِي : أَنْ يُبْطِلَ الْيَسِيرَ مِنْ مَنَافِعِهَا كَانْهِدَامِ بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ فَيَلْزَمُهُ السُّكْنَى ، وَيُحَطُّ عَنْهُ مَا نَابَ الْبَيْتَ الْمُنْهَدِمَ مِنْ الْكِرَاءِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يُبْطِلَ أَكْثَرَ مَنَافِعِ الدَّارِ أَوْ مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ وَجْهُهَا أَوْ يَكْشِفَهَا بِانْهِدَامِ حَائِطِهَا فَيُخَيَّرُ فِيهِ الْمُكْتَرِي بَيْنَ السُّكْنَى بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ وَالْخُرُوجِ ، فَإِنْ أَرَادَ السُّكْنَى وَحَطَّ مَا يَنُوبُ مَا انْهَدَمَ مِنْ الْكِرَاءِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ الدَّارِ ، فَيَجْرِي عَلَى جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ ، نَقَلَهُ " ق " .

أَوْ انْهَدَمَ بَيْتٌ فِيهَا ، أَوْ سَكَنَهُ مُكْرِيهِ ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِسُلَّمٍ لِلْأَعْلَى
أَوْ انْهَدَمَ بَيْتٌ مِنْهَا ) أَيْ الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ فَيَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ سُكْنَاهَا وَيُحَطُّ عَنْهُ مَا نَابَ الْبَيْتَ الْمُنْهَدِمَ مِنْ الْكِرَاءِ ( أَوْ سَكَنَهُ ) أَيْ الْبَيْتَ مِنْهَا ( مُكْرِيهِ ) فَكَذَلِكَ ( أَوْ لَمْ يَأْتِ ) مُكْرِيهِ ( بِسُلَّمٍ ) بِضَمِّ السِّينِ وَضَمِّ اللَّامِ مُشَدَّدَةً ( لِ ) بَيْتٍ لِ ( الْأَعْلَى ) الَّذِي لَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بِسُلَّمٍ ، فَكَذَلِكَ نَحْوُهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى ابْنُ رُشْدٍ ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَاهُ جَمِيعَ مَنَافِعِ الدَّارِ فَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ وَتَسْلِيمُهُ لِلْعُلْوِ هُوَ بِجَعْلِ سُلَّمٍ لَهُ يَرْقَى عَلَيْهِ إلَيْهِ ، وَالْكِرَاءُ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَإِنْ بَاعَهُ جَمِيعَ الدَّارِ وَفِيهَا عُلْوٌ لَا يُرْقَى إلَيْهِ إلَّا بِسُلَّمٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ سُلَّمًا يَرْقَى عَلَيْهِ إلَيْهِ ، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ دَلْوًا وَحَبْلًا يَصِلُ بِهِ إلَى مَاءِ الْبِئْرِ ؛ لِأَنَّ مَا بَاعَ مِنْهُ قَدْ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ ، فَهُوَ إنْ شَاءَ سَكَنَهُ ، وَإِنْ شَاءَ هَدَمَهُ ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَا شَاءَ كَوْنُهُ دُونَ سُلَّمٍ .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْتَخَبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا تَوَانَى صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعُلْوِ سُلَّمًا وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمُكْتَرِي حَتَّى انْقَضَتْ السَّنَةُ ، قَالَ يُنْظَرُ إلَى مَا يُصِيبُ ذَلِكَ مِنْ الْكِرَاءِ فَيُطْرَحُ عَنْ الْمُكْتَرِي .

أَوْ عَطِشَ بَعْضُ الْأَرْضِ ، أَوْ غَرِقَ ، فَبِحِصَّتِهِ
( أَوْ عَطِشَ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ ( بَعْضُ الْأَرْضِ ) فَكَذَلِكَ ( أَوْ غَرِقَ ) بَعْضُهَا بِكَسْرِ الرَّاءِ ( فَ ) يَلْزَمُهُ السُّكْنَى وَالزَّرْعُ ( بِحِصَّتِهِ ) أَيْ السَّالِمِ مِنْ الْكِرَاءِ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِسَاحَةِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، فَإِنْ عَطِشَ أَوْ غَرِقَ جُلُّهَا أَوْ كُلُّهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ : فِيهَا مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَغَرِقَ بَعْضُهَا قَبْلَ زَرْعِهَا أَوْ عَطِشَ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَهَا رُدَّ جَمِيعُهَا وَإِنْ كَانَ تَافِهًا رُدَّ حَظُّهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ .

وَخُيِّرَ فِي مُضِرٍّ ، كَهَطْلٍ ، فَإِنْ بَقِيَ .
فَالْكِرَاءُ ؛ كَعَطَشِ أَرْضِ صُلْحٍ وَهَلْ مُطْلَقًا ؟ أَوْ إلَّا أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الْأَرْضِ ؟ تَأْوِيلَانِ .
عَكْسُ تَلَفِ الزَّرْعِ لِكَثْرَةِ دُودِهَا ، أَوْ فَأْرِهَا ، أَوْ عَطَشٍ ، أَوْ بَقِيَ الْقَلِيلُ

( وَخُيِّرَ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلًا بَيْنَ السُّكْنَى وَالْخُرُوجِ ( فِي ) حُدُوثِ أَمْرٍ ( مُضِرٍّ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ إنْ كَانَ كَثِيرًا ، بَلْ ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا ( كَهَطْلٍ ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَتَابُعِ الْمَطَرِ مِنْ سَقْفِ الْبَيْتِ ( فَإِنْ بَقِيَ ) الْمُكْتَرِي سَاكِنًا فِي الْبَيْتِ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ ( فَالْكِرَاءُ ) جَمِيعُهُ لَازِمٌ لِلْمُكْتَرِي لِزَوَالِ ضَرَرِهِ بِتَخْيِيرِهِ وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ جَمِيعِ الْكِرَاءِ فَقَالَ ( كَعَطَشِ أَرْضِ صُلْحٍ ) عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِهَا الْكُفَّارِ وَزَرَعُوهَا فَعَطِشَتْ فَيَلْزَمُهُمْ جَمِيعَ الْمُصَالَحِ بِهِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كِرَاءً مُحَقَّقًا .
( وَهَلْ ) يَلْزَمُهُمْ جَمِيعُهُ لُزُومًا ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ تَعْيِينِ قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ لِلْأَرْضِ ( أَوْ ) يَلْزَمُهُمْ جَمِيعُهُ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يُصَالِحُوا ) أَيْ الْكُفَّارُ الْإِمَامَ ( عَلَى الْأَرْضِ ) بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ مَعْلُومٍ فَلَا يَلْزَمُهُمْ إذَا عَطِشَتْ ؛ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) .
فِيهَا وَمَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ بِكِرَاءٍ مِثْلَ أَرْضِ الْمَطَرِ فَغَرِقَتْ أَوْ عَطِشَتْ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتِمَّ الزَّرْعُ فَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ الَّتِي صَالَحُوا عَلَيْهَا إذَا زَرَعُوا فَتَعَطَّشَ زَرْعُهُمْ فَعَلَيْهِمْ الْخَرَاجُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ هَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ وَظِيفَةً عَلَيْهِمْ .
وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ غَيْرِهِ فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ هُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ هُوَ وِفَاقُهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي صُورَتَيْنِ فَقَطْ صُلْحِهِمْ عَلَى الْأَرْضِ وَحْدَهَا ، وَصُلْحِهِمْ عَلَى الْأَرْضِ وَالرُّءُوسِ مَعَ تَعْيِينِ مَا يَخُصُّ الْأَرْضَ ، فَإِنْ صَالَحُوا عَلَى الرُّءُوسِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِمَا إجْمَالًا فَمَحَلُّ وِفَاقٍ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ ، وَذَلِكَ ( عَكْسُ ) أَيْ خِلَافُ حُكْمِ ( تَلَفِ الزَّرْعِ لِكَثْرَةِ دُودِهَا ) أَيْ

الْأَرْضِ ( أَوْ ) كَثْرَةِ ( فَأْرِهَا ) أَيْ الْأَرْضِ ( أَوْ ) لِ ( عَطَشٍ ) فَيَسْقُطُ كِرَاؤُهَا عَنْ الْمُكْتَرِي لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي اكْتَرَاهَا ، وَسَوَاءٌ تَلِفَ جَمِيعُهُ ( أَوْ ) أَكْثَرُهُ ( وَبَقِيَ الْقَلِيلُ ) مِنْهُ .
اللَّخْمِيُّ هَلَاكُ الزَّرْعِ إنْ كَانَ لِقَحْطِ الْمَطَرِ أَوْ تَعَذُّرِ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ لِكَثْرَةِ نُبُوعِ مَاءِ الْأَرْضِ أَوْ لِدُودٍ أَوْ فَأْرٍ سَقَطَ كِرَاءُ الْأَرْضِ كَانَ هَلَاكُهُ فِي الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَإِنْ هَلَكَ الطَّيْرُ أَوْ جَرَادٌ أَوْ جَلِيدٌ أَوْ بَرْدٌ أَوْ جَيْشٌ أَوْ ؛ لِأَنَّ الزَّرِيعَةَ لَمْ تَنْبُتْ لَزِمَ الْكِرَاءُ هَلَكَ فِي الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ .
الْمُتَيْطِيُّ وَمِثْلُ قَحْطِ الْمَطَرِ تَوَالِيهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا مَنَعَهُ مِنْ الزَّرْعِ فِتْنَةٌ .
وَفِيهَا إنْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي بَعْضَهُ وَهَلَكَ بَعْضُهُ ، فَإِنْ حَصَدَ مَا لَهُ بَالٌ وَلَهُ فِيهِ نَفْعٌ فَعَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِهِ ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ عَلَيْهِ إنْ حَصَدَ مَا لَا بَالَ لَهُ وَلَا نَفْعَ لَهُ فِيهِ .
مُحَمَّدٌ مِثْلَ خَمْسَةِ أَوْ سِتَّةِ فَدَادِينَ مِنْ مِائَةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ أَرَادَ إذَا كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي الْمِائَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْهَالِكِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَتَكَلَّفُ جَمْعَ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَوْ سَلِمَتْ الْخَمْسَةُ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ سَلَامَتِهَا لَزِمَهُ كِرَاؤُهَا .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَذَكَرَ الصِّقِلِّيُّ كَلَامَ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ .

وَلَمْ يُجْبَرْ آجِرٌ عَلَى إصْلَاحٍ مُطْلَقًا ، بِخِلَافِ سَاكِنٍ أَصْلَحَ لَهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ قَبْلَ خُرُوجِهِ

( وَ ) إنْ حَدَثَ خَلَلٌ فِي الْعَقَارِ الْمُكْتَرَى قَبْلَ تَمَامِ مُدَّتِهِ ( لَمْ ) الْأَوْلَى لَا ( يُجْبَرْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ( آجِرٌ ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْجِيمِ ، أَيْ مُكْرٍ ( عَلَى إصْلَاحٍ ) لِمَا انْهَدَمَ مِنْ الْعَقَارِ الَّذِي أَكْرَاهُ ( مُطْلَقًا ) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ إضْرَارِهِ بِالْمُكْتَرِي وَحُدُوثِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِمْكَانِ السُّكْنَى مَعَهُ ، وَيُخَيَّرُ الْمُكْتَرِي بَيْنَ السُّكْنَى بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ وَالْخُرُوجِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا وَقَالَ غَيْرُهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي زَمَنِنَا .
( بِخِلَافِ ) شَخْصٍ ( سَاكِنٍ ) فِي بَيْتِ غَيْرِهِ بِكِرَاءٍ ( أَصْلَحَ لَهُ ) رَبُّ الْبَيْتِ مَا انْهَدَمَ مِنْهُ فَتَلْزَمُهُ السُّكْنَى ( بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ ) إنْ أَصْلَحَ لَهُ ( قَبْلَ خُرُوجِهِ ) أَيْ السَّاكِنِ مِنْ الْبَيْتِ ، فَإِنْ أَصْلَحَ لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ سُكْنَاهُ بَقِيَّتَهَا لِانْفِسَاخِ عَقْدِ الْكِرَاءِ بِخُرُوجِهِ قَبْلَ الْإِصْلَاحِ ، فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اكْتَرَى بَيْتًا فَهُطِلَ عَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ مُكْرِيهِ عَلَى طَرِّهِ وَلَا مُكْتَرِيهِ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهِ ، وَلَهُ الْخُرُوجُ فِي الضَّرَرِ الْبَيِّنِ إلَّا أَنْ يَطُرَّهُ مُكْرِيهِ فَلَا خُرُوجَ لَهُ .
وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ كُلُّهَا أَوْ بَيْتٌ أَوْ حَائِطٌ فَلَا يُجْبَرُ مُكْرِيهَا عَلَى بِنَائِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ ، فَإِنْ انْهَدَمَ مِنْهَا مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُكْتَرِي ، قِيلَ إنْ شِئْت فَاسْكُنْ أَرَادَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ وَلَمْ يَكُنْ نَقْدًا ، أَوْ فَاخْرُجْ وَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُصْلِحَهَا مِنْ كِرَائِهَا وَيَسْكُنَهَا إلَّا بِإِذْنِ مُكْرِيهَا وَإِنْ بَنَاهَا مُكْرِيهَا فِي بَقِيَّةٍ مِنْ وَقْتِ الْكِرَاءِ لَزِمَ الْمُكْتَرِيَ السُّكْنَى وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْكِرَاءِ إنْ بَنَاهَا رَبُّهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْمُكْتَرِي مِنْهَا .

وَإِنْ اكْتَرَيَا حَانُوتًا ، فَأَرَادَ كُلٌّ مُقَدَّمَهُ .
قُسِمَ ، إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا أُكْرِيَ عَلَيْهِمَا
( وَإِنْ اكْتَرَيَا ) أَيْ الْمُكْتَرِيَانِ ( حَانُوتًا ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فَوْقِيَّةٍ أَيْ مَحِلًّا مُعَدًّا لِبَيْعِ السِّلَعِ وَتَنَازَعَا فِي كَيْفِيَّةِ جُلُوسِهِمَا فِيهِ لِبَيْعِ السِّلَعِ ( فَأَرَادَ كُلٌّ ) مِنْ الْمُكْتَرِيَيْنِ أَنْ يَجْلِسَ بِسِلْعَةٍ ( مُقَدَّمَهُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ مُثَقَّلًا أَيْ أَوَّلَ الْحَانُوتِ لِيُظْهِرَ سِلَعَهُ لِمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَهَا ( قُسِمَ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُقَدَّمُ بَيْنَ الْمُكْتَرِيَيْنِ نِصْفَيْنِ لِيَجْلِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسِلْعَةٍ فِي نِصْفٍ ، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ اقْتَرَعَا ( إنْ أَمْكَنَ ) قَسْمُهُ لِاتِّسَاعِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُهُ عَادَةً لِضِيقِهِ ( أُكْرِيَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْحَانُوتُ لِغَيْرِهِمَا جَبْرًا ( عَلَيْهِمَا ) لِإِزَالَةِ تَنَازُعِهِمَا .
اللَّخْمِيُّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي قَصَّارٍ وَحَدَّادٍ اكْتَرَيَا حَانُوتًا ثُمَّ تَنَازَعَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا أَكُونُ فِي الْمُقَدَّمِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ ، فَإِنْ حَمَلَ الْقَسْمُ وَإِلَّا أُكْرِيَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَانِبَيْنِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ قَوَّمَاهُمَا وَاقْتَرَعَا عَلَيْهِمَا .

وَإِنْ غَارَتْ عَيْنُ مُكْرًى سِنِينَ بَعْدَ زَرْعِهِ .
نُفِقَتْ حِصَّةُ سَنَةٍ فَقَطْ

( وَإِنْ ) اكْتَرَيْت مَوْضِعًا مِنْ الْأَرْضِ لِزَرْعِهِ وَلَهُ عَيْنٌ يُسْقَى مِنْهَا وَ ( غَارَتْ عَيْنُ ) مَكَان ( مُكْرًى ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ، وَصِلَةُ مُكْرًى ( سِنِينَ ) ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ انْهَدَمَتْ بِئْرُهُ ، وَصِلَةُ غَارَتْ ( بَعْدَ زَرْعِهِ ) أَيْ الْمُكْرَى وَقَبْلَ انْتِهَائِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْ السَّقْيِ وَأَبَى مُكْرِيهِ مِنْ إصْلَاحِ عَيْنِهِ أَوْ بِئْرِهِ ( نُفِقَتْ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ ( حِصَّةُ سَنَةٍ ) مِنْ السِّنِينَ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا أَكْثَرَ مِنْهَا ، أَيْ يُنْفِقُ الْمُكْتَرِي فِي إصْلَاحِ الْعَيْنِ أَوْ الْبِئْرِ مَا يَخُصُّ سَنَةً وَاحِدَةً مِنْ كِرَاءِ السِّنِينَ لِإِحْيَاءِ زَرْعِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ زَرْعِهِ الْأَرْضَ فِي بَقِيَّةِ السِّنِينَ " غ " مُكْرًى اسْمُ مَفْعُولٍ وَسِنِينَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ، وَالظَّاهِرُ فِي زَرْعِهِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَزَرَعَهَا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ تَهَوَّرَ بِئْرُهَا أَوْ انْقَطَعَتْ عَيْنُهَا فَأَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ صَاحِبَهَا فَلَا يُقْسَمُ الْكِرَاءُ عَلَى السِّنِينَ سَوَاءً ، لَكِنْ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ نِفَاقِهَا وَتَشَاحِّ النَّاسِ فِيهَا ، وَلَيْسَ كِرَاءُ الْأَرْضِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَاحِدًا وَلَا مَا يَنْقُدُ فِيهِ كَاَلَّذِي يَسْتَأْخِرُ نَقْدَهُ ، وَكَذَلِكَ يَحْسُبُ كِرَاءُ الدُّورِ فِي الْهَدْمِ وَلَا يُحْسَبُ عَلَى عَدَدِ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ ، وَقَدْ تُكْتَرَى سَنَةً لَا شَهْرَ فِيهَا كَدُورِ النِّيلِ بِمِصْرَ وَدُورِ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِمَكَّةَ .
وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ وَزَرَعَهَا ثُمَّ غَارَتْ عَيْنُهَا أَوْ انْهَدَمَ بِئْرُهَا وَأَبَى مُكْرِيهَا الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا فَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا حِصَّةَ تِلْكَ السَّنَةِ خَاصَّةً مِنْ الْكِرَاءِ ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ رَبَّهَا وَإِنْ زَادَ عَلَى كِرَاءِ سَنَةٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ .
ابْنُ يُونُسَ ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ مَتَى تَرَكَ فَسَدَ زَرْعُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَيْهِ كَلَامٌ ، إذْ

لَوْ بَطَلَ زَرْعُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ كِرَاءٌ فَلَا يَمْنَعُ أَمْرًا يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ هُوَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ رَبُّهَا غَرِمَهُ ، فَإِنْ قَبَضَهُ ، وَهُوَ عَدِيمٌ فَلِلْمُكْتَرِي إنْفَاقُ قَدْرِهِ وَاتِّبَاعُهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ إنْفَاقُ حِصَّتِهَا ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ حِصَّةِ السَّنَةِ الْأُولَى ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ زَرْعِهَا فَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا وَلِلْمُكْتَرِي الْفَسْخُ ، فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ عِنْدِهِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاؤُهُ كَامِلًا وَلَا شَيْءَ لِلْمُكْتَرِي فِيمَا أَنْفَقَ إلَّا فِي نَقْضِ قَائِمٍ مِنْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِ يُعْطِيهِ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا أَوْ يَأْمُرُهُ بِقَلْعِهِ .

وَإِنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ بَيْتٍ وَإِنْ بِكِرَاءٍ .
فَلَا كِرَاءَ إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ

( وَإِنْ تَزَوَّجَ ) رَجُلٌ مَرْأَةً ( ذَاتَ ) أَيْ صَاحِبَةَ ( بَيْتٍ ) سَاكِنَةً هِيَ فِيهِ إنْ كَانَ لَهَا بِمِلْكٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ لَهَا ( بِكِرَاءٍ ) وَسَكَنَ مَعَهَا فِيهِ مُدَّةً ( فَلَا كِرَاءَ ) لَهَا عَلَيْهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِعَدَمِ أَخْذِهَا الْكِرَاءَ مِنْهُ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا إنْ تُبَيِّنُ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ تَذْكُرَ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ فَتَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ ، فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ نَكَحَ مَرْأَةً وَهِيَ فِي بَيْتٍ اكْتَرَتْهُ سَنَةً فَدَخَلَ بِهَا فِيهِ وَسَكَنَ بَاقِيَ السَّنَةِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ لَهَا وَلَا لِرَبِّ الْبَيْتِ ، وَهِيَ كَدَارٍ تَمْلِكُهَا هِيَ إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ لَهُ أَنَّهُ بِالْكِرَاءِ ، فَإِمَّا أَدَّيْتَ أَوْ أَخُرِجَتْ .
بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ يَنْبَغِي لَوْ كَانَتْ الدَّارُ لَهَا وَطَلَّقَهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ بِكِرَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَهَا اللَّخْمِيُّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَنَى بِزَوْجَتِهِ فِي دَارِهَا ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِالْكِرَاءِ عَنْ سُكْنَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهَا أَرَادَ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ فِيهِ بِكِرَاءٍ ثُمَّ قَالَ وَكُلُّ هَذَا مَا كَانَتْ الْعِصْمَةُ قَائِمَةً ، فَإِنْ طَلَّقَهَا زَالَ مَوْضِعُ الْمُكَارَمَةِ وَلَهَا طَلَبُهُ بِكِرَاءِ عِدَّتِهَا ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ سَكَنَ بِهَا فِي مَسْكَنٍ لِأَبِيهَا أَوْ لِأُمِّهَا فَإِنَّهُ كَبَيْتِهَا لَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ مُذْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ ، وَأَمَّا الْأَخُ وَالْعَمُّ فَالْأَمْرُ فِيهِمَا مُشْكِلٌ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ وَالسُّنُونَ ، وَهُوَ لَا يَتَكَلَّمُ ، وَمِثْلُهُ إذَا سَكَنَ عِنْدَ أَبَوَيْهِ ثُمَّ طَلَبَا الْكِرَاءَ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا ، وَذَلِكَ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ إنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى مُكَارَمَتِهِمَا .

وَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ أَنَّهُ وَصَّلَ كِتَابًا
( وَ ) إنْ اُسْتُؤْجِرَ شَخْصٌ عَلَى إيصَالِ كِتَابٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَغَابَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا الذَّهَابُ وَالْإِيَابُ وَادَّعَى أَنَّهُ وَصَّلَهُ وَكَذَّبَهُ مُسْتَأْجِرُهُ فَ ( الْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ ) عَلَى إيصَالِ كِتَابٍ لِبَلَدٍ آخَرَ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْأَجِيرَ ( وَصَّلَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ الْأَجِيرُ ( كِتَابًا ) مَثَلًا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى إيصَالٍ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَصَلَهُ إذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ ذَهَابُهُ وَرُجُوعُهُ فِيهِ عَادَةً ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ فَعَلَيْهِ دَفْعُ كِرَائِهِ لَهُ ، فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ وَاجَرْت رَجُلًا عَلَى تَبْلِيغِ كِتَابٍ مِنْ مِصْرَ إلَى إفْرِيقِيَّةَ بِكَذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْصَلْته وَأَكْذَبْته فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّك ائْتَمَنْتَهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْك دَفْعُ كِرَائِهِ إلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الْحَمُولَةُ كُلُّهَا تَكْتَرِيهِ عَلَى تَوْصِيلِهَا إلَى بَلَدِ كَذَا ، فَيَدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَلَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ .

أَوْ أَنَّهُ اُسْتُصْنِعَ ، وَقَالَ : وَدِيعَةٌ ، أَوْ خُولِفَ فِي الصِّفَةِ ، وَفِي الْأُجْرَةِ إنْ أَشْبَهَ وَحَازَا ، لَا كَبِنَاءٍ

( وَ ) الْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ ( أَنَّهُ اُسْتُصْنِعَ ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ النُّونِ ، أَيْ الْأَجِيرُ فِيمَا بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ مِمَّا لَهُ فِيهِ صَنْعَةٌ كَثَوْبٍ بِيَدِ خَيَّاطٍ وَغَزْلٍ بِيَدِ نَسَّاجٍ وَعَيْنٍ بِيَدِ صَائِغٍ ( وَقَالَ ) رَبُّهُ ( وَدِيعَةٌ ) عِنْدَك فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَمَنْ ادَّعَى عَلَى صَبَّاغٍ أَوْ صَائِغٍ فِيمَا قَدْ عَمِلَهُ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ ، وَقَالَ الصَّائِغُ بَلْ اسْتَعْمَلْتنِي فِيهِ فَالصَّائِغُ مُصَدَّقٌ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ فِي هَذَا وَلَوْ جَازَ هَذَا لَذَهَبَ أَعْمَالُهُمْ ( أَوْ ) أَيْ وَالْقَوْلُ لِلصَّانِعِ إنْ اتَّفَقَا عَلَى اسْتِصْنَاعِهِ وَ ( خُولِفَ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْأَجِيرُ ( فِي الصِّفَةِ ) فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ أَشْبَهَتْ الصِّفَةُ رَبَّ الْمَصْنُوعِ كَصَبْغِهِ ثَوْبًا أَخْضَرَ لِشَرِيفٍ مُدَّعِيًا أَمَرَهُ بِهِ ، وَخَالَفَهُ الشَّرِيفُ قَائِلًا أَمَرْتُك بِصَبْغِهِ أَسْوَدَ وَكَخِيَاطَتِهِ ثَوْبًا وَاسِعَ الْأَكْمَامِ لِفَقِيهٍ ، فَقَالَ الْفَقِيهُ أَمَرْتُك بِتَضْيِيقِهِ ( أَوْ ) اتَّفَقَا عَلَى اسْتِصْنَاعِهِ وَصِفَتِهِ وَخُولِفَ فِي قَدْرِ ( الْأُجْرَةِ ) بِأَنْ قَالَ عَشَرَةٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ خَمْسَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ ( إنْ أَشْبَهَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ وَافَقَ الْأَجِيرَ فِي دَعْوَاهُ الِاسْتِصْنَاعَ وَالصِّفَةَ وَالْأُجْرَةَ الْعَادَةَ بَيْنَ مِثْلِهِ وَمِثْلِ رَبِّ الشَّيْءِ .
( وَ ) إنْ ( حَازَ ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَزَايٍ ، أَيْ اسْتَوْلَى الْأَجِيرُ عَلَى الْمَصْنُوعِ ، وَمَفْهُومُ أَشْبَهَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُشْبِهْ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ إنْ أَشْبَهَ ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ أَيْضًا حَلَفَا وَرُدَّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا ، وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ ، وَذُكِرَ مَفْهُومٌ فَقَالَ ( لَا ) إنْ لَمْ يَحُزْ ( كَبِنَاءٍ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ مُثَقَّلًا وَبِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُخَفَّفًا ، فَلَيْسَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ فِيهَا إنْ قَالَ اللَّاتِي أَمَرَتْنِي أَنَّ أَلُتَّهُ

بِعَشْرَةٍ فَفَعَلْت ، وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ أَمَرْتُكَ بِخَمْسَةٍ وَبِهَا لَتَتَّهُ ، فَاللَّاتُ مُصَدَّقٌ بِيَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سَمْنٌ بِعَشْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، كَقَوْلِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الصَّبَّاغِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عُصْفُرٍ ، وَقَالَ لِرَبِّهِ بِذَلِكَ أَمَرْتنِي وَقَالَ مَا أَمَرْتُك أَنْ تَجْعَلَ فِيهِ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عُصْفُرٍ أَنَّ الصَّبَّاغَ مُصَدَّقٌ بِيَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بِعَشَرَةٍ وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ صُدِّقَ رَبُّ الثَّوْبِ بِيَمِينِهِ ، فَإِنْ أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَتُّ مِثْلِهِ سَوَاءٌ ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ لِي صَبْغٌ مُتَقَدِّمٌ أَوْ فِي السَّوِيقِ لِتَاتٌ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يُصَدَّقُ ، وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ السَّوِيقَ وَالثَّوْبَ ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ فَرَبُّهُ مُصَدَّقٌ ، إذْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ .
ابْنُ شَاسٍ إنْ اخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ يَقُولُ بَنَيْت هَذَا الْبِنَاءَ بِدِينَارٍ وَيَقُولُ رَبُّهُ بِأَقَلَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَائِزٌ لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَا يُشْبِهُ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : " غ " إنْ أَشْبَهَ وَحَازَ أَشْبَهَ رَاجِعٌ لِلْفُرُوعِ الْأَرْبَعَةِ ، بِخِلَافِ حَازَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ .
الثَّانِي : الْبُنَانِيُّ الْحَوْزُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا أَشْبَهَا مَعًا ، أَمَّا إذَا أَشْبَهَ الصَّانِعُ فَقَطْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَوْزِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إنْ أَشْبَهَا مَعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَائِزِ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا مَعًا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى حَوْزٍ ، وَإِنْ أَشْبَهَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَحُزْ ، الثَّالِثُ : أَجَازَ الشَّارِحُ كَوْنَ جَازَ بِالْجِيمِ مِنْ الْجَوَازِ احْتِرَازًا عَنْ ادِّعَاءِ الْأَجِيرِ مَا لَا يَجُوزُ فَلَا يُصَدَّقُ .

وَلَا فِي رَدِّهِ ، فَلِرَبِّهِ وَإِنْ بِلَا بَيِّنَةٍ وَإِنْ ادَّعَاهُ ، وَقَالَ : سُرِقَ مِنِّي ، وَأَرَادَ أَخْذَهُ : دَفَعَ قِيمَةَ الصَّبْغِ بِيَمِينٍ ، وَإِنْ زَادَتْ دَعْوَى الصَّانِعِ عَلَيْهَا ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَهُ ، فَإِنْ دَفَعَ الصَّانِعُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ : فَلَا يَمِينَ ، وَإِلَّا : حَلَفَا ، وَاشْتَرَكَا

( وَلَا ) يُصَدَّقُ الصَّانِعُ ( فِي رَدِّهِ ) أَيْ الْمَصْنُوعِ لِرَبِّهِ ( فَ ) الْقَوْلُ ( لِرَبِّهِ ) أَيْ الْمَصْنُوعِ فِي غَيْرِ الْمُحَوَّزِ ، وَفِي عَدَمِ رَدِّهِ إنْ دَفَعَهُ لِلصَّانِعِ بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوْثِيقِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ دَفَعَهُ لَهُ ( بِلَا بَيِّنَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى ضَمَانِهِ كَالرَّهْنِ ، فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إذَا أَقَرَّ الصَّانِعُ بِقَبْضِ مَتَاعٍ وَقَالَ عَمِلْته وَرَدَدْته وَكَذَّبَهُ رَبُّهُ فَيَضْمَنُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِرَدِّهِ .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ الصُّنَّاعُ مُصَدَّقُونَ فِي رَدِّ الْمَتَاعِ إلَى أَهْلِهِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ إلَّا أَنْ يَأْخُذُوهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَءُونَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَبُو الْحَسَنِ زَادَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ قَبْضَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ .
ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً حَلَفَ رَبُّهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ بِغَيْرِ صَنْعَةٍ .
( وَإِنْ ادَّعَاهُ ) أَيْ الِاسْتِصْنَاعَ صَبَّاغٌ مَثَلًا فِي ثَوْبٍ بِيَدِهِ ( قَالَ رَبُّهُ ) أَيْ الْمَصْنُوعِ ، بَلْ ( سُرِقَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ الثَّوْبُ مَثَلًا مِنِّي أَبْيَضُ ( وَأَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ ) أَيْ الْمَصْنُوعَ لِتَخْيِيرِهِ فِيهِ ، وَفِي تَضْمِينِهِ لِلصَّانِعِ أَخْذُهُ وَ ( دَفَعَ ) رَبُّهُ لِلصَّانِعِ ( قِيمَةَ ) أَيْ أُجْرَةَ ( الصَّنْعِ ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ( بِيَمِينٍ ) مِنْ رَبِّ الثَّوْبِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَصْنِعْهُ ( إنْ زَادَتْ دَعْوَى الصَّانِعِ عَلَيْهَا ) أَيْ قِيمَةِ الصَّبْغِ ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ أَقَلَّ فَلَا يَحْلِفُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ لِإِسْقَاطِ زِيَادَةِ دَعْوَى الصَّانِعِ .
( وَإِنْ اخْتَارَ ) رَبُّ الثَّوْبِ حِينَ تَخْيِيرِهِ أَوَّلًا ( تَضْمِينَهُ ) أَيْ الصَّانِعِ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ ( فَإِنْ دَفَعَ الصَّانِعُ قِيمَتَهُ ) أَيْ الثَّوْبِ حَالَ كَوْنِهِ ( أَبْيَضَ ) لِرَبِّهِ ( فَلَا يَمِينَ ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَلَكَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ وَلَا كَلَامَ لِصَاحِبِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الصَّانِعُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ وَامْتَنَعَ مِنْهُ ( حَلَفَا ) أَيْ رَبُّ الثَّوْبِ أَوَّلًا

أَنَّهُ لَمْ يَسْتَصْنِعْهُ وَالصَّانِعُ أَنَّهُ اسْتَصْنَعَهُ ( وَاشْتَرَكَا ) أَيْ رَبُّ الثَّوْبِ وَالصَّانِعِ فِي الثَّوْبِ رَبُّهُ بِقِيمَتِهِ أَبْيَضَ وَالصَّانِعُ بِقِيمَةِ صَبْغِهِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَالَ اسْتَعْمَلَنِي هَذَا الْمَتَاعَ ، وَقَالَ بَلْ سُرِقَ مِنِّي تَحَالَفَا ثُمَّ قِيلَ لِرَبِّهِ ادْفَعْ إلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ وَخُذْهُ فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ هَذَا بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ غَيْرِ مَعْمُولٍ ، وَهَذَا بِقِيمَةِ عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ .
بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إذَا قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ سُرِقَ مِنِّي وَالصَّانِعُ اسْتَعْمَلَنِي فَلَا يَتَحَالَفَانِ حَتَّى يُقَالَ لِرَبِّ الثَّوْبِ مَا تُرِيدُ ، فَإِنْ قَالَ أَخْذَ ثَوْبِي نُظِرَ إلَى قِيمَةِ صَبْغِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ دَعْوَى الصَّانِعِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا أَيْمَانَ بَيْنَهُمَا ، وَيُقَالُ لِرَبِّ الثَّوْبِ هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قُلْت أَنَّهُ سُرِقَ مِنْك فَلَا تَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِدَفْعِ الْأُجْرَةِ الَّتِي قَالَهَا الصَّانِعُ فَادْفَعْهَا لَهُ وَخُذْ ثَوْبَك ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ دَعْوَى الصَّانِعِ حَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ وَحْدَهُ لِيَحُطَّ عَنْ نَفْسِهِ الزَّائِدَ عَلَى قِيمَةِ الْعَمَلِ مِمَّا ادَّعَاهُ الصَّانِعُ وَدَفَعَهَا لَهُ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَوَّلًا أَرَدْت تَضْمِينَ الصَّانِعِ قِيلَ لَهُ احْلِفْ أَنَّك لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ ، فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْآخَرِ احْلِفْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَك لِتَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ ثُمَّ قِيلَ لِرَبِّ الثَّوْبِ ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ الصَّبْغِ وَخُذْ ثَوْبَك ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْآخَرِ ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ ، وَيَصِيرُ الثَّوْبُ لَك ، فَإِنْ أَبَى أَيْضًا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّوْبِ بِقِيمَتِهِ أَبْيَضَ وَقِيمَةِ صَبْغِهِ ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْجَوَابُ فِي قَوْلِهِ سُرِقَ مِنِّي ، فَإِنْ قَالَ سَرَقْته أَنْتَ فَهُوَ مُدَّعٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِتَعَدِّيهِ فَالْيَمِينُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِيُوجِبَ أَحَدُهُمَا الضَّمَانَ عَلَى الْآخَرِ وَيَبْرَأَ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ

كَانَ الصَّانِعُ مِمَّنْ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ يُعَاقَبُ رَبُّ الثَّوْبِ وَإِلَّا فَلَا .

لَا إنْ تَخَالَفَا فِي لَتِّ السَّوِيقِ .
وَأَبَى مَنْ دَفَعَ مَا قَالَ ، اللَّاتُّ : فَمِثْلُ سَوِيقِهِ

( لَا ) يَتَحَالَفَانِ ؛ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ( إنْ تَخَالَفَا ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ رَبُّ السَّوِيقِ وَالسَّمَّانِ ( فِي لَتِّ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَشَدِّ الْمُثَنَّاةِ ، أَيْ بَلِّ ( السَّوِيقِ ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ قَافٌ ، أَيْ دَقِيقِ الْحَبِّ الْمَقْلُوِّ بِسَمْنٍ بِأَنْ قَالَ السَّمَّانُ : أَمَرْتنِي بِلَتِّهِ بِعَشْرَةِ أَرْطَالِ سَمْنٍ ، وَقَالَ رَبُّ السَّوِيقِ لَمْ آمُرْك بِشَيْءٍ فَلَا يَتَحَالَفَانِ وَلَا يَتَشَارَكَانِ فِيهِ ، وَيُقَالُ لِصَاحِبِ السَّوِيقِ ادْفَعْ لِلسَّمَّانِ مِثْلَ مَا قَالَ وَخُذْ سَوِيقَك مَلْتُوتًا ، فَإِنْ فَعَلَ أَخَذَ سَوِيقَهُ .
وَإِنْ أَبَى ) أَيْ امْتَنَعَ صَاحِبُ السَّوِيقِ ( مِنْ دَفْعِ ) مِثْلِ ( مَا قَالَ اللَّاتُّ ) بِشَدِّ الْفَوْقِيَّةِ اسْمُ فَاعِلِ لَتَّ كَذَلِكَ ( فَمِثْلُ سَوِيقِهِ ) غَيْرَ مَلْتُوتٍ يَدْفَعُهُ اللَّاتُّ لَهُ ، فِيهَا مَنْ لَتَّ سَوِيقًا لِغَيْرِهِ بِسَمْنٍ وَقَالَ لِرَبِّهِ أَمَرْتنِي أَنْ أَلُتَّهُ لَك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَالَ رَبُّهُ لَمْ آمُرْك أَنْ تَلُتَّهُ بِشَيْءٍ قِيلَ لِصَاحِبِ السَّوِيقِ إنْ شِئْت فَاغْرَمْ لَهُ مَا قَالَ وَخُذْ السَّوِيقَ مَلْتُوتًا ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلَّاتِّ : اغْرَمْ لَهُ مِثْلَ سَوِيقِهِ غَيْرَ مَلْتُوتٍ وَإِلَّا فَأَسْلِمْهُ لَهُ بِلُتَاتِهِ ، وَلَا شَيْءَ لَك ، وَلَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الطَّعَامِ لِوُجُودِ مِثْلِهِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا امْتَنَعَ رَبُّ السَّوِيقِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا لَتَّ بِهِ قُضِيَ لَهُ عَلَى اللَّاتِّ بِمِثْلِ سَوِيقِهِ غَيْرَ مَلْتُوتٍ .
أَبُو الْحَسَنِ مَسْأَلَةُ السَّوِيقِ هَذِهِ دَائِرَةٌ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ رَبُّهُ أَوْدَعْتُك إيَّاهُ أَوْ يَقُولَ سُرِقَ فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ : وَقَوْلُ رَبِّهِ لَمْ آمُرْك بِلَتِّهِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَا لَفْظُهُ فِي الْأُمَّهَاتِ ، وَنَقَلَهَا عَبْدُ الْحَقِّ بِلَفْظِ : وَقَالَ رَبُّهُ مَا دَفَعْت إلَيْك شَيْئًا .
عَبْدُ الْحَقِّ فَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الثَّوْبِ سُرِقَ مِنِّي ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلَ غَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ ، وَهُوَ خِلَافٌ أَوْ وِفَاقٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَهُ عَلَى

الْخِلَافِ وَتَرَكَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِتَرْجِيحِ قَوْلِ غَيْرِهِ عِنْدَهُ قَالَهُ الْحَطّ .
طفي وَجْهُ الْوِفَاقِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِأَخْذِهِ مَلْتُوتًا ، وَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا رَضِيَ بِأَخْذِهِ مَلْتُوتًا وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ ، وَحَمَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَلَى الْخِلَافِ ، فَعَلَى قَوْلِ الْغَيْرِ يُقْضَى بِأَخْذِ مِثْلِ سَوِيقِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مَلْتُوتًا لِلْفَضْلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَهُ وَلِلْجَمَّالِ بِيَمِينٍ : فِي عَدَمِ قَبْضِ الْأُجْرَةِ وَإِنْ بَلَغَا الْغَايَةَ ، إلَّا لِطُولٍ : فَلِمُكْتَرِيهِ ، بِيَمِينٍ

( وَ ) إنْ تَنَازَعَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْأَجِيرُ فِي قَبْضِ الْأُجْرَةِ فَالْقَوْلُ ( لَهُ ) أَيْ الْأَجِيرِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ بِيَمِينٍ فِي عَدَمِ قَبْضِ الْأُجْرَةِ ( وَ ) إنْ تَنَازَعَ الْجَمَّالُ وَالْمُكْتَرِي مِنْهُ فِي قَبْضِ الْكِرَاءِ فَالْقَوْلُ ( لِلْجَمَّالِ بِيَمِينٍ فِي عَدَمِ قَبْضِ الْأُجْرَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، فَعَلَى مُدَّعِي الْقَبْضِ إثْبَاتُهُ إنْ لَمْ يَبْلُغَا الْغَايَةَ ، بَلْ ( وَإِنْ بَلَغَا ) أَيْ الْجَمَّالُ وَالْمُكْتَرِي مِنْهُ ( الْغَايَةَ ) أَيْ الْمَكَانَ الَّذِي تَكَارَيَا إلَيْهِ ، سَوَاءٌ تَنَازَعَا فِيهِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْأَحْمَالِ أَوْ بَعْدَهُ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا لِطُولٍ ) فِي الزَّمَانِ بَعْدَ تَسْلِيمِهَا فَالْقَوْلُ ( لِمُكْتَرِيهِ بِيَمِينٍ ) فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ الْمُكْتَرِي دَفَعْت الْكِرَاءَ وَأَكْذَبَهُ الْجَمَّالُ وَقَدْ بَلَغَا الْغَايَةَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَمَّالِ إنْ كَانَتْ الْحُمُولَةُ بِيَدِهِ أَوْ بَعْدَ تَسْلِيمِهَا بِمَا قَرُبَ ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي الْبَيِّنَةُ ، وَكَذَا الْحُجَّاجُ إنْ قَامَ الْكَرْيُ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ يَبْعُدْ ، فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ فَالْمُكْتَرِي مُصَدَّقٌ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْجَمَّالُ بَيِّنَةً ، وَكَذَلِكَ قِيَامُ الصُّنَّاعِ بِحِدْثَانِ رَدِّ الْمَتَاعِ ، فَإِنْ قَبَضَ الْمَتَاعَ رَبُّهُ وَتَطَاوَلَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَتَاعِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْجَمَّالُ ، ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَمَّالَ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُكْتَرِيَ لَمْ يُقْبِضْهُ ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادِ ابْنِ يُونُسَ ، أَرَادَ عَلَى إقْرَارِ الْمُكْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا فَيَقْضِي بِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لَهُ رَاجِعٌ لِرَبِّ الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ السِّيَاقِ ؛ لِأَنَّهُ فِي فَصْلِ أَكْرِيَةِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي رَسْمِ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ أَكْرِيَةِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ

طَوِيلَةٌ قَالَهُ الْحَطّ .

وَإِنْ قَالَ : بِمِائَةٍ لِبَرْقَةَ ، وَقَالَ : بَلْ لِإِفْرِيقِيَّةَ : حَلَفَا .
وَفُسِخَ ، إنْ عُدِمَ السَّيْرُ ، أَوْ قَلَّ : وَإِنْ نَقَدَ ، وَإِلَّا فَكَفَوْتِ الْمَبِيعِ

( وَإِنْ ) اتَّفَقَ الْجَمَّالُ وَالْمُكْتَرِي مِنْهُ عَلَى قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَسَافَةِ بِأَنْ ( قَالَ ) الْجَمَّالُ أَكْرَيْتك ( بِمِائَةٍ لِبَرْقَةَ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَلَدٌ بِالْمَغْرِبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرَ نَحْوُ شَهْرٍ ( وَقَالَ ) الْمُكْتَرِي بِهَا ( لِإِفْرِيقِيَّةَ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ عَقِبَهَا وَتَشْدِيدِهَا بَلَدٌ بِالْمَغْرِبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ( حَلَفَا ) أَيْ الْجَمَّالُ وَالْمُكْتَرِي كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ وَإِثْبَاتِ دَعْوَى نَفْسِهِ .
( وَفُسِخَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ عَقْدُ الْكِرَاءِ ( إنْ عُدِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( السَّيْرُ ) بِأَنْ تَنَازَعَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ ( أَوْ قَلَّ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا السَّيْرُ بِحَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْجَمَّالِ فِي رُجُوعِهِ ، وَلَا عَلَى الْمُكْتَرِي فِي طَرْحِ مَتَاعِهِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الْكِرَاءَ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ قَدْ ( نَقَدَ ) الْمُكْتَرِي الْكِرَاءَ لِلْمُكْرِي قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : فِيهَا إنْ كَانَ نَقَدَ وَأَشْبَهَ الْمُكْرِيَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ أَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِمَا الْغَايَةَ ( فَ ) حُكْمُهُ كَحُكْمِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بَعْدَ ( فَوْتِ الْمَبِيعِ ) بِيَدِ مُشْتَرِيهِ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْقَوْلُ هُنَا قَوْلَ الْمُكْتَرِي .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَكَارِيَانِ قَبْلَ الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَ مَسِيرٍ لَا ضَرَرَ فِي رُجُوعِهِ ، فَقَالَ الْمُكْرِي إنَّمَا أَكْرَيْتُكَ إلَى بَرْقَةَ بِمِائَةٍ وَقَالَ الْمُكْتَرِي : بَلْ إلَى إفْرِيقِيَّةَ بِمِائَةٍ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا نَقَدَ الْكِرَاءَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَمَا بَلَغَا بَرْقَةَ فَقَالَ الْمُكْرِي إنَّمَا أَكْرَيْتُكَ إلَى بَرْقَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي إلَى

إفْرِيقِيَّةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَإِنْ انْتَقَدَ الْكَرْيَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ كِرَاءُ النَّاسِ إلَى بَرْقَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَحْلِفُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ الْأَقْوَالَ الْمُكْتَرِي فَلِلْجَمَّالِ حِصَّةُ مَسَافَةِ بَرْقَةَ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي بَعْدَ حَلِفِهِمَا ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّمَادِي إلَى إفْرِيقِيَّةَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ ، وَأَشْبَهَ مَا قَالَا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ حَلَفَا وَفُضَّ الْكِرَاءُ ، فَأَخَذَ الْجَمَّالُ حِصَّةَ مَسَافَةِ بَرْقَةَ وَلَا يَتَمَادَى ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ لِمَنْ حَلَفَ ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قَبْلَ الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَ بُلُوغِ بَرْقَةَ قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا ، فَإِنْ تَكَافَأَتَا حَلَفَا وَفُسِخَ .
ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ طُولِ السَّفَرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي فِي الْمَسَافَةِ وَقَوْلُ الْمُكْتَرِي فِي الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ ، وَكَأَنَّهُمَا فِي الْقُرْبِ مُتَبَايِعَانِ سِلْعَتَاهُمَا بِأَيْدِيهِمَا لَمْ تَفُتْ ، وَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ بَعْدَ السَّفَرِ فَهُوَ كَقَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَفَوْتِ مَا بِيَدِهِ ، وَفَاتَ رَدُّ الْمَبِيعِ وَصَارَ يُطْلَبُ بِالثَّمَنِ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ .

وَلِلْمُكْرِي فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ ، وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ فَقَطْ ، أَوْ أَشْبَهَا ، وَانْتَقَدَ .
وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ : حَلَفَ الْمُكْتَرِي ، وَلَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ ، إلَّا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَى .
فَلَهُ حِصَّةُ الْمَسَافَةِ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي ، وَفُسِخَ الْبَاقِي ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا : حَلَفَا ، وَفُسِخَ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى .

( وَ ) الْقَوْلُ ( لِلْمُكْرِي ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ، وَهُوَ الْجَمَّالُ فِي اخْتِلَافِهِمَا ( فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ إنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ ) أَيْ الْمُكْرِي ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْمُكْتَرِي سَوَاءٌ انْتَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ ( أَوْ أَشْبَهَا ) أَيْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي مَعًا ( وَانْتَقَدَ ) الْمُكْرِي الْكِرَاءَ مِنْ الْمُكْتَرِي ( وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ ) الْمُكْرِي الْكِرَاءَ مِنْ الْمُكْتَرِي وَهُمَا مُشَبَّهَانِ ( حَلَفَ الْمُكْتَرِي وَلَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ ) الْمُكْتَرِي فَيَحْمِلُهُ إلَى إفْرِيقِيَّةَ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَى أَنْ يَحْلِفَ ) الْجَمَّالُ أَيْضًا عَلَى الْمَسَافَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الَّتِي انْتَهَيَا إلَيْهَا وَهِيَ بَرْقَةُ ( فَلَهُ ) أَيْ الْجَمَّالِ ( حِصَّةُ الْمَسَافَةِ ) الَّتِي انْتَهَى إلَيْهَا وَهِيَ بَرْقَةُ ( عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي وَفُسِخَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( الْبَاقِي ) مِنْ بَرْقَةَ إلَى إفْرِيقِيَّةَ .
( وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا وَفُسِخَ ) الْكِرَاءُ وَحُوسِبَ الْجَمَّالُ ( بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى ) مِنْ الْمَسَافَةِ وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ مِنْهُمَا عَلَى النَّاكِلِ .
ابْنُ رُشْدٍ تَلْخِيصُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانُهَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ : أَنْ يُنْظَرَ ، فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلَ الْمُكْرِي خَاصَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ انْتَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ ، وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلَ الْمُكْتَرِي خَاصَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ نَقَدَ الْكِرَاءَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ ، وَإِنْ أَشْبَهَ مَا قَالَا جَمِيعًا نُظِرَ ، فَإِنْ انْتَقَدَ الْكِرَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْرِي فَيَحْلِفُ وَلَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْتَرِي حَلَفَ وَلَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَى فَلَهُ حِصَّةُ مَسَافَةِ بَرْقَةَ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي وَيُفْسَخُ عَنْهُ الْبَاقِي ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَلَفَا وَفُسِخَ ، وَلَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى وَأَيُّهُمَا نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ لِمَنْ حَلَفَ .

وَإِنْ قَالَ .
أَكْرَيْتُكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِائَةٍ و بَلَغَاهَا ، وَقَالَ : بَلْ لِمَكَّةَ بِأَقَلَّ ، فَإِنْ نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ وَحَلَفَا وَفُسِخَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ .
فَلِلْجَمَّالِ فِي الْمَسَافَةِ ، وَلِلْمُكْتَرِي فِي حِصَّتِهَا مِمَّا ذُكِرَ بَعْدَ يَمِينِهِمَا ، وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي فَقَطْ .
فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً .
قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا ، وَإِلَّا سَقَطَتَا

( وَإِنْ ) اخْتَلَفَا فِي الْمَسَافَةِ وَالْأُجْرَةِ مَعًا بِأَنْ ( قَالَ ) الْجَمَّالُ ( أَكْرَيْتك لِلْمَدِينَةِ ) الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ( بِمِائَةٍ وَبَلَغَاهَا ) الْمُتَكَارِيَانِ الْمَدِينَةَ ( وَقَالَ ) الْمُكْتَرِي ( بَلْ ) أَكْرَيْتَنِي ( لِمَكَّةَ ) الْمُشَرَّفَةِ ( بِأَقَلَّ ) مِنْ الْمِائَةِ كَخَمْسِينَ ( فَإِنْ ) كَانَ ( نَقَدَهُ ) أَيْ الْمُكْرِيَ الْمُكْتَرِيَ الْخَمْسِينَ ( فَالْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ ) لِتَقْوَى دَعْوَاهُ بِالِانْتِقَادِ وَالشَّبَهِ ، وَأَرَادَ مَعَ شَبَهِ الْمُكْتَرِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ( وَحَلَفَا ) أَيْ الْجَمَّالُ وَالْمُكْتَرِي وَقَوْلُهُ الْآتِي وَإِنْ أَشْبَهَ الْمُكْرِي فَقَطْ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ ( وَ ) إذَا حَلَفَا ( فُسِخَ ) الْكِرَاءُ فِيمَا بَقِيَ ، وَكَذَا إنْ نَكَلَا ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ لِلْحَالِفِ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا وَفُسِخَ الْكِرَاءُ الْمِثْلُ فِيمَا مَشَى ، وَسَكَتَ عَنْهُ لِوُضُوحِهِ وَلِدَلَالَةِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ .
( وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ ) الْمُكْتَرِيَ الْمُكْرِي شَيْئًا مِنْ الْكِرَاءِ ( فَالْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ فِي ) قَدْرِ ( الْمَسَافَةِ ) أَنَّهَا لِلْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَأَزْكَى التَّسْلِيمَاتِ ( وَ ) الْقَوْلُ ( لِمُكْتِرِي حِصَّتِهَا ) أَيْ الْمَسَافَةِ ( مِمَّا ذَكَرَهُ ) الْمُكْتَرِي مِنْ الْكِرَاءِ كَكَوْنِهِ خَمْسِينَ ( بَعْدَ يَمِينَيْهِمَا ) عَلَى مَا ادَّعَيَاهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُكْرِي أَنَّهَا لِلْمَدِينَةِ بِمِائَةٍ ، وَلَا قَوْلُ الْمُكْتَرِي أَنَّهَا لِمَكَّةَ بِخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ بُلُوغَ الْمَسَافَةِ رَجَّحَ قَوْلَ الْمُكْرِي وَعَدَمَ الِانْتِقَادِ رَجَّحَ قَوْلَ الْمُكْتَرِي ( وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْمُكْتَرِي ( فَالْقَوْلُ لَهُ ) أَيْ الْمُكْرِي ( بِيَمِينٍ ) فَيَأْخُذُ الْمِائَةَ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا .
( وَإِنْ أَقَامَا ) أَيْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي ( بَيِّنَةً ) أَيْ جِنْسَهَا الصَّادِقَ بِبَيِّنَتَيْنِ بَيِّنَةٌ شَهِدَتْ لِلْمُكْرِي وَبَيِّنَةٌ شَهِدَتْ لِلْمُكْتَرِي ( قُضِيَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ

( بِأَعْدَلِهِمَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ بَيِّنَةَ الْمُكْرِي أَوْ الْمُكْتَرِي ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا أَعْدَلَ مِنْ الْأُخْرَى وَتَسَاوَتَا فِي الْعَدَالَةِ ( سَقَطَتَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ ، وَصَارَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوْ قَالَ الْمُكْرِي أَكْرَيْتُكَ إلَى الْمَدِينَةِ بِمِائَتَيْنِ وَقَدْ بَلَغَاهَا ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي بَلْ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةٍ فَإِنْ كَانَ نَقَدَهُ الْمِائَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ .
ابْنُ يُونُسَ مَعْنَاهُ إذَا أَشْبَهَ مَا قَالَاهُ جَمِيعًا .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَحْلِفُ لَهُ الْمُكْتَرِي فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَيَحْلِفُ الْجَمَّالُ أَنَّهُ لَمْ يُكْرِهِ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةٍ وَيَتَفَاسَخَانِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ صُدِّقَ الْجَمَّالُ فِي الْمَسَافَةِ وَصُدِّقَ الْمُكْتَرِي فِي حِصَّتِهَا مِنْ الْكِرَاءِ الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا ، وَيُفَضُّ الْكِرَاءُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمُكْتَرِي ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا ، وَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا .
الْحَطّ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي هَذِهِ فِي الْمَسَافَةِ وَقَدْرِ الْكِرَاءِ وَقَدْ اخْتَصَرَ الْكَلَامُ فِيهَا تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ ، فَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ اخْتِلَافِهِمَا قَبْلَ الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ يَسِيرٍ أَوْ بَعْدَ رُكُوبٍ كَثِيرٍ اعْتِمَادًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا فِي اخْتِلَافِهِمَا قَبْلَ الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ يَسِيرٍ التَّحَالُفُ وَالتَّفَاسُخُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَبَعْدَ الرُّكُوبِ الْكَثِيرِ كَحُكْمِهِ بَعْدَ بُلُوغِ الْغَايَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الْمُكْرِي ، فَقَوْلُهُ فَإِنْ نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ وَحَلَفَا وَفُسِخَ ، يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ بُلُوغِ الْمَدِينَةِ أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْتِقَادِ الْجَمَّالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُشْبِهُ ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ وَيَحْلِفُ الْمُكْتَرِي لَهُ فِي

الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَالْجَمَّالُ أَنَّهُ لَمْ يُكْرِهِ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةٍ وَيَتَفَاسَخَانِ ، ثُمَّ قَالَ وَبَقِيَ وَجْهٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْحُكْمُ فِيهِ حَلِفَهُمَا ، وَلِلْمُكْرِي كِرَاءُ مِثْلِهِ فِي الْمَسَافَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا قُبِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ مَنْ حَلَفَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ اقْتَرَعَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : ذَكَرَ قَوْلَهُ وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً إلَخْ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ لِيُنَبِّهَ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَدِينَةِ بِقَبُولِ بَيِّنَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا كَانَتْ عِدْلَةً ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَى فَضْلَةً أَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةً فَيُقْضَى بِأَبْعَدِ الْمَسَافَتَيْنِ وَأَكْثَرِ الْكِرَاءَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ ، سَوَاءٌ انْتَقَدَ أَمْ لَمْ يَنْتَقِدْ .
الثَّانِي : فِيهَا إنْ طَلَبَ الْجَمَّالُ نَقْدَ الْكِرَاءِ قَبْلَ الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَ السَّيْرِ الْقَرِيبِ فَامْتَنَعَ الْمُكْتَرِي مِنْهُ حَمْلًا عَلَى سُنَّةِ النَّاسِ فِي نَقْدِ الْكِرَاءِ أَوْ تَأْخِيرِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ فَكَالسُّكْنَى فِي أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ إلَّا بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ عَجَّلَ الْكِرَاءَ بِلَا شَرْطٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ ، فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا نَقْدَ بَلَدِ الْغَايَةِ وَالْآخَرُ نَقْدَ بَلَدِ الْعَقْدِ قُضِيَ بَيْنَهُمَا بِنَقْدِ بَلَدِ الْعَقْدِ .
الثَّالِثُ : أَبُو الْحَسَنِ يُقَالُ لِلْجَمَّالِ مَثَلًا كَرِيٌّ وَمُكَارٍ وَمُكْرٍ وَلِلرَّاكِبِ مُكْتَرٍ وَمُتَكَارٍ وَجَمْعُ الْمُكْرِي مُكْرُونَ ، وَالْكَرْيُ أَكْرِيَاءٌ وَالْمُكْتَرِي مُكْتَرُونَ .

وَإِنْ قَالَ : اكْتَرَيْت عَشْرًا بِخَمْسِينَ ، وَقَالَ : خَمْسًا بِمِائَةٍ .
حَلَفَا ، وَفُسِخَ ، وَإِنْ زَرَعَ بَعْضًا وَلَمْ يَنْقُدْ فَلِرَبِّهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي .
إنْ أَشْبَهَ وَحَلَفَ .
وَإِلَّا فَقَوْلُ رَبِّهَا إنْ أَشْبَهَ .
فَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا : حَلَفَا وَوَجَبَ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى .
وَفُسِخَ الْبَاقِي مُطْلَقًا .
وَإِنْ نَقَدَ : فَتَرَدُّدٌ .

وَإِنْ قَالَ ) الْمُكْتَرِي دَارًا أَوْ أَرْضًا مَثَلًا ( اكْتَرَيْت مِنْك ) الدَّارَ أَوْ الْأَرْضَ مَثَلًا ( عَشْرًا ) مِنْ السِّنِينَ ( بِخَمْسِينَ ) دِينَارًا مَثَلًا ( وَقَالَ ) رَبُّهَا ( بَلْ ) اكْتَرَيْت ( خَمْسًا ) مِنْ السِّنِينَ ( بِمِائَةٍ ) مِنْ الدَّنَانِيرِ مَثَلًا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا ( حَلَفَا ) أَيْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي ( وَفُسِخَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْكِرَاءُ إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ( وَإِنْ زَرَعَ ) الْمُكْتَرِي أَوْ سَكَنَ ( بَعْضًا ) مِنْ السِّنِينَ ( وَلَمْ يَنْقُدْ ) الْمُكْتَرِي شَيْئًا مِنْ الْكِرَاءِ ( فَلِرَبِّهَا ) أَيْ الذَّاتِ الْمُكْتَرَاةِ أَرْضًا كَانَتْ أَوْ دَارًا ( مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي ) فِيمَا مَضَى ( إنْ أَشْبَهَ ) الْمُكْتَرِي فِي قَوْلِهِ عَشْرًا بِخَمْسِينَ عَادَةَ النَّاسِ ( وَحَلَفَ ) الْمُكْتَرِي عَلَى دَعْوَاهُ ، سَوَاءٌ شَبَهُ قَوْلِ الْمُكْرِي أَيْضًا أَمْ لَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ الْمُكْتَرِي ( فَ ) الْقَوْلُ ( قَوْلُ رَبِّهَا ) بِيَمِينِهِ ( إنْ أَشْبَهَ ) قَوْلُهُ خَمْسًا بِمِائَةٍ عَادَتَهُمْ .
( وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا ) بِأَنْ خَالَفَا مَعًا الْمُعْتَادَ ( حَلَفَا ) أَيْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي ( وَوَجَبَ ) لِلْمُكْرِي ( كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى ) مِنْ السِّنِينَ ( وَفُسِخَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( الْبَاقِي ) مِنْهَا فَسْخًا ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِبَعْضِ الصُّوَرِ قَالَهُ الشَّارِحُ ، وَذُكِرَ قَسِيمٌ وَلَمْ يَنْقُدْ فَقَالَ ( وَإِنْ ) كَانَ ( نَقَدَ ) الْمُكْتَرِي الْكِرَاءَ ( فَ ) فِيهِ ( تَرَدُّدٌ ) فِي كَوْنِهِ كَمَنْ لَمْ يَنْقُدُ فِي اعْتِبَارِ الشَّبَهِ ، أَوْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي لِرُجْحَانِ قَوْلِهِ بِالنَّقْدِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ الْمُكْتَرِي اكْتَرَيْت الْأَرْضَ عَشْرَ سِنِينَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا ، وَقَالَ رَبُّهَا بَلْ خَمْسَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ زَرَعَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَنْقُدْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَلِرَبِّهَا مَا أَقَرَّ

بِهِ الْمُكْتَرِي .
ابْنُ يُونُسَ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَتَغَابَنَ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَيَحْلِفُ .
ابْنُ يُونُسَ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ قُبِلَ قَوْلُهَا رَبِّهَا إنْ أَشْبَهَ بِيَمِينِهِ ، وَهُوَ عِشْرُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ إذَا تَسَاوَتْ السُّنُونَ ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى وَيُفْسَخُ بَاقِي الْمُدَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِدَعْوَاهُ فِي كِرَائِهَا أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْتَقِدْ .
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ مُصَدَّقٌ فِي الْغَايَةِ فِيمَا يُشْبِهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ وَقَالَ غَيْرُهُ : إذَا انْتَقَدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا بِيَمِينِهِ .
ابْنُ يُونُسَ هَذَا مُوَافِقٌ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَفَادَهُ " ق " .
الْحَطّ أَجْمَلَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ هَذَا التَّرَدُّدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ شَارِحُوهُ ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِكَلَامِهَا وَشُرَّاحِهَا فَفِيهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ ، وَهِيَ شَبَهُ الْمُكْتَرِي وَحْدَهُ وَشَبَهُهُمَا ، وَشَبَهُ الْمُكْرِي وَحْدَهُ وَعَدَمُ شَبَهِهِمَا مَعًا ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَنْقُدْ أَبُو الْحَسَنِ مَفْهُومُهُ لَوْ نَقَدَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّهَا وَلَا يُفْسَخُ بَقِيَّةَ الْخَمْسِ سِنِينَ فَيَكُونُ كَقَوْلِ الْغَيْرِ وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِ ، وَيُفْسَخُ بَاقِي الْمُدَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَهَذَا إنْ لَمْ يَنْقُدْ ، أَيْ هَذَا الَّذِي سَمِعْت مِنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ إذَا انْتَقَدَ ، وَالْحُكْمُ عِنْدِي سَوَاءٌ فِيهِمَا .
لَكِنْ يُعْتَرَضُ قَوْلُهُ هَذَا بِقَوْلِهِ وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ رَبُّ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ مُصَدَّقٌ إذَا انْتَقَدَ ، إذْ هُوَ مُصَدَّقٌ إذَا لَمْ يَنْتَقِدْ مِنْ بَابِ أَوْلَى ، فَهَذَا يُعْطِي سَمَاعَهُ الْوَجْهَيْنِ ، وَقِيلَ إنَّهُ يَعُودُ عَلَى أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ إذَا زَرَعَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ إلَّا أَنَّ فِيهِ تَكْرَارًا .
ا هـ .
وَنَصُّ قَوْلِ الْغَيْرِ فِيهَا

قَالَ غَيْرُهُ إذَا انْتَقَدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا مَعَ يَمِينِهِ فِيمَا يُشْبِهُ مِنْ الْمُدَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُشْبِهُ وَأَتَى الْمُكْتَرِي بِمَا يُشْبِهُ صَدَقَ فِيمَا سَكَنَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ وَيَرْجِعُ بِبَقِيَّةِ الْمَالِ عَلَى رَبِّهَا بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَى مَا ادَّعَى عَلَيْهِ وَيَمِينِ الْمُكْرِي فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ طُولِ الْمُدَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْكِرَاءُ ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي قِيمَةُ مَا سَكَنَ وَإِنْ أَتَيَا بِمَا يُشْبِهُ صَدَقَ رَبُّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَدَ مَعَ يَمِينِهِ .
ا هـ .
فَجَعَلَهُ إذَا أَتَى رَبُّ الْأَرْضِ بِمَا يُشْبِهُ لَا يَنْفَسِخُ ، وَكَذَا إذَا أَتَيَاهُ مَعًا بِمَا يُشْبِهُ فَيَكُونُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْتَقِدْ ، فَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَنْتَقِدْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُفْسَخُ فِي الْبَاقِي .
وَأَمَّا إنْ انْتَقَدَ فَلَا يُفْسَخُ يُرِيدُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ، وَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُوَافِقًا لِقَوْلِ غَيْرِهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْفَسْخُ مُطْلَقًا ، وَيَكُونُ قَوْلُ الْغَيْرِ خِلَافًا ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ ، فَإِنَّهُ قَالَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا قَوْلَهُ إذَا أَشْبَهَ قَوْلُ رَبِّهَا أَوْ أَشْبَهَ مَا قَالَا إنَّ الْمُكْتَرِيَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْكُنَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْرِي ، فَهَذَا يُخَالِفُ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَيَرَى أَنَّهُمَا يَحْلِفَانِ وَيُفْسَخُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا كَسِلْعَةٍ لَمْ تُقْبَضْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ طفي فَالتَّرَدُّدُ خَاصٌّ بِإِتْيَانِهِمَا بِمَا يُشْبِهُ أَوْ أَشْبَهَ الْمُكْرِي وَحْدَهُ وَمَا عَدَا هَاتَيْنِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ النَّقْدِ وَعَدَمِهِ ، هَكَذَا النَّقْلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا ، وَقَدْ حَرَّرَ " ح " ، الْمَسْأَلَةَ وَتَبِعَهُ عج وَالْمَحَلُّ لِلتَّأْوِيلَيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابٌ ) صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ الْإِجَارَةِ جُعْلًا عُلِمَ .

( بَابٌ ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْجُعْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( صِحَّةُ ) أَيْ مُوَافَقَةُ ( الْجُعْلِ ) الشَّرْعِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ : عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى عُمْرِ آدَمِيٍّ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْ مَحَلِّهِ بِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِهِ لَا بَعْضِهِ بِبَعْضٍ ، فَيَخْرُجُ كِرَاءُ السُّفُنِ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْقِرَاضُ ، وَقَوْلُنَا بِهِ خَوْفُ نَقْضٍ عَكَسَهُ بِقَوْلِهِ : إنْ أَتَيْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَمَلُهُ كَذَا أَوْ خِدْمَتُهُ شَهْرًا ؛ لِأَنَّهُ جُعْلٌ فَاسِدٌ لِجَهْلِ عِوَضِهِ وَالْمُعَرَّفُ حَقِيقَتُهُ الْمُعَرَّضَةُ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ ، وَأَوْجَزُ مِنْهُ مُعَاوَضَةٌ عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ يَجِبُ عِوَضٌ بِتَمَامِهِ لَا بَعْضِهِ ، فَتَخْرُجُ الْمُسَاقَاةُ وَالْإِجَارَةُ لِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِيهِمَا ، وَالْقِرَاضُ لِعَدَمِ وُجُوبِ عِوَضِهِ لِجَوَازِ تَجْرِهِ وَلَا رِبْحَ ، وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ جَعْلُ الرَّجُلِ جُعْلًا عَلَى عَمَلِ رَجُلٍ إنْ لَمْ يُكْمِلْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يُنْتَقَضُ بِالْقِرَاضِ .
الْحَطُّ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : بِهِ يَعُودُ لِلْعَمَلِ ، أَيْ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْ مَحَلِّ الْعَمَلِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَمَلِ ، فَتَخْرُجُ الْمُغَارَسَةُ وَالْقِرَاضُ ؛ لِأَنَّهُمَا بِعِوَضٍ نَاشِئٍ عَنْ مَحَلِّ الْعَمَلِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَمَلِ ، وَتَدْخُلُ الصُّورَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ نَاشِئٍ عَنْ مَحَلِّ الْعَمَلِ بِسَبَبٍ ، لَكِنْ ذَلِكَ الْعِوَضُ لَمْ يَنْشَأْ بِسَبَبِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْآبِقِ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : فِي التَّوْضِيحِ الْأَصْلُ فِي الْجِعَالَةِ قَوْله تَعَالَى { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } يُوسُفَ وَحَدِيثُ الرُّقْيَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ تَمَسَّكَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاخِ الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ الْجُعْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِجَوَازِ كَوْنِ إقْرَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ بِالضِّيَافَةِ ، فَأَجَازَ لَهُمْ اسْتِخْلَاصَهُ بِالرُّقْيَةِ .
ابْنُ نَاجِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ {

أَنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى } ، يَقْتَضِي صَرْفَ مَا أَخَذُوهُ لِلرُّقْيَةِ .
الْحَطُّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ .
قُلْت أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ } يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّانِي : ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ رُخْصَةٌ اتِّفَاقًا وَالْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِهِ ، بَلْ عَدَمُ صِحَّتِهِ لِغَرَرِهِ ، لَكِنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ ، وَخَبَرُ صِحَّةِ الْجُعْلِ ( بِالْتِزَامِ أَهْلِ الْإِجَارَةِ ) ابْنُ شَاسٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي عَاقِدَيْ الْجُعْلِ إلَّا أَهْلِيَّةُ الِاسْتِئْجَارِ وَالْعَمَلُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِمَا .
ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ شَرْطُهُمَا أَهْلِيَّةُ الِاسْتِئْجَارِ وَالْعَمَلِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْعَمَلِ أَنَّ عَمَلَ الْجِعَالَةِ قَدْ يَمْتَنِعُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ كَمَا لَوْ جُوعِلَ ذِمِّيٌّ عَلَى طَلَبِ مُصْحَفٍ ضَاعَ لِرَبِّهِ ، وَكَذَا الْحَائِضُ مُدَّةَ الْحَيْضِ قُلْت هَذَا الِامْتِنَاعُ شَرْعِيٌّ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِقَصْرِ الْجِعَالَةِ عَلَى الْجَائِزِ مِنْهَا وَالْأَظْهَرُ اعْتِبَارُهَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا يُفَسِّرُ الِامْتِنَاعَ بِالِامْتِنَاعِ الْعَادِي كَمُجَاعَلَةِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ عَلَى رَفْعِ مَتَاعٍ مِنْ قَعْرِ بِئْرٍ كَثِيرَةِ الْمَاءِ طَوِيلَةٍ ، وَمَفْعُولُ الْتِزَامِ الْمُضَافُ لِفَاعِلِهِ قَوْلُهُ ( جُعْلًا ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ ، أَيْ مَالًا ( عُلِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ لِلْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ ، فَلَا يَصِحُّ بِمَجْهُولٍ كَإِنْ جِئْتَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ نِصْفُهُ لِجَهْلِهِمَا حِينَ الْعَقْدِ .
ابْنُ شَاسٍ شَرْطُ الْجُعْلِ كَوْنُهُ مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَيْهِ كَالْأُجْرَةِ ، فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِإِجَارَةِ أَوْ جُعْلٍ ابْنُ لُبَابَةَ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ لِاسْتِئْجَارِ وَأَنْ يُجْعَلَ جُعْلًا وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ بِهِ وَلَا جَعْلُهُ جُعْلًا

إلَّا خَصْلَتَيْنِ فِي الَّذِي يَجْعَلُ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ لَهُ أُصُولًا حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ كَذَا ، ثُمَّ هِيَ وَالْأَصْلُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنَّ نِصْفَ هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَفِي الَّذِي يَقُولُ اُلْقُطْ زَيْتُونِي فَمَا لَقَطْتَ فَلَكَ نِصْفُهُ ، فَإِنَّ هَذَا يَجُوزُ .
ابْنُ رُشْدٍ أَرَادَ وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ ابْنُ لُبَابَةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِينَارٍ فَيَقُولُ الْآخَرُ مَا اقْتَضَيْت مِنْ شَيْءٍ مِنْ دَيْنِي فَلَكَ نِصْفُهُ وَهُمَا سَوَاءٌ .
ابْنُ رُشْدٍ مَا هُمَا سَوَاءٌ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُجَاعَلَةُ عَلَى لَقْطِ الزَّيْتُونِ بِالْجُزْءِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَهُ أَهْوَنُ مِنْ آخِرِهِ ، وَالْمُجَاعَلَةُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بِجُزْءِ مَا يَقْتَضِيهِ مَنَعَهَا أَشْهَبُ وَالْأَظْهَرُ جَوَازُهَا ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فِي الْعَنَاءِ فِي اقْتِضَائِهِ ، وَأَمَّا الْحَصَادُ وَالْجِدَادُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي جَوَازِ الْمُجَاعَلَةِ فِيهِ بِجُزْءٍ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ : جُدَّ مِنْ نَخْلِي مَا شِئْت أَوْ اُحْصُدْ مِنْ زَرْعِي مَا شِئْت ، وَلَك مِنْ كُلِّ مَا تَحْصُدُهُ أَوْ تَجُدُّهُ ثُلُثُهُ مَثَلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا .
ا هـ .
" ق " .
( تَنْبِيهٌ ) " غ " ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الشَّرْطَ قَاصِرٌ عَلَى الْجَاعِلِ دُونَ الْمَجْعُولِ لَهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إذَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْجُعْلِ إلَّا مِنْ الرَّشِيدِ أَوْ مِنْ الْمَحْجُورِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ النُّصُوصُ بِهَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ بِالتَّمَامِ
( يَسْتَحِقُّهُ ) أَيْ الْجُعْلَ الْمَعْلُومَ الشَّخْصُ ( السَّامِعُ ) قَوْلَ الْجَاعِلِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ ، وَمَفْهُومُ السَّامِعِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ لَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَسَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ جَعَلَ فِي عَبْدٍ لَهُ آبِقٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ فَجَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِالْجُعْلِ ، فَإِنْ كَانَ يَأْتِي بِالْآبِقِ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نَفَقَتُهُ ، وَإِنْ جَاءَ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ فَلَهُ الْعَشَرَةُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَأْخُذُ الْآبِقَ .
ابْنُ رُشْدٍ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ ، أَنَّهُ لَهُ الْجُعْلُ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، قَالَ وَقَالَهُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ إنَّمَا أَرَادَ تَحْرِيضَ مَنْ سَمِعَ قَوْلَهُ عَلَى طَلَبِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ مَا سَمَّى مِنْ الْجُعْلِ إلَّا لِمَنْ سَمِعَهُ فَطَلَبَهُ بَعْدَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ جَعَلَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ ( بِالتَّمَامِ ) لِلْعَمَلِ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ عَمَلِ الْبَعْضِ إلَّا فِيمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ .
ابْنُ الْمَوَّازِ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ : بِعْ ثَمَرَ حَائِطِي وَلَك كَذَا ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ قَوْمٌ فَسَاوَمُوهُ حَتَّى بَاعَ مِنْهُمْ فَطَلَبَ الرَّجُلُ جُعْلَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ لَهُ الْجُعْلُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ وَيُمَاكِسَ وَاَلَّذِي بَايَعَهُمْ وَمَاكَسَهُمْ صَاحِبُ الْحَائِطِ لَا الْمَجْعُولُ لَهُ .

كَكِرَاءِ السُّفُنِ
وَشَبَّهَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِالتَّمَامِ فَقَالَ ( كَكِرَاءِ السُّفُنِ ) بِضَمِّ السِّينِ وَالْفَاءِ جَمْعُ سَفِينَةٍ فَيَتَوَقَّفُ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى التَّمَامِ بِالْوُصُولِ إلَى نِهَايَةِ السَّفَرِ ، وَمُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ إخْرَاجُ مَا فِي السَّفِينَةِ ، فَإِنْ غَرِقَتْ فِي الْأَثْنَاءِ أَوْ عَقِبَ وُصُولِهَا قَبْلَ إمْكَانِ إخْرَاجِ مَا فِيهَا فَلَا شَيْءَ لِرَبِّهَا مِنْ الْكِرَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي حُكْمِ كِرَاءِ السُّفُنِ اضْطِرَابٌ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ أَنَّهُ عَلَى الْبَلَاغِ كَالْجُعْلِ الَّذِي لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَانَ عَلَى قَطْعِ الْمَسِيطَةِ أَوْ الرِّيفِ ، وَفِيهَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ اكْتَرَى سَفِينَةً فَغَرِقَتْ فِي ثُلُثَيْ الطَّرِيقِ وَغَرِقَ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كِرَاءَ لِرَبِّهَا وَأَرَى أَنَّهُ عَلَى الْبَلَاغِ .
ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إنْ كَانَ كِرَاؤُهُمْ عَلَى قَطْعِ الْبَحْرِ مِثْلَ السَّفَرِ إلَى صِقِلِّيَّةَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ أَوْ إلَى الْأَنْدَلُسِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ كِرَاؤُهُمْ مَعَ الرِّيفِ مِثْلَ الْكِرَاءِ مِنْ مِصْرَ إلَى إفْرِيقِيَّةَ وَشَبَهِهِ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ ، وَبِهَذَا قَالَ أَصْبَغُ اللَّخْمِيُّ : كِرَاءُ السُّفُنِ جُعْلٌ وَإِجَارَةٌ .

إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى التَّمَامِ .
فَبِنِسْبَةِ الثَّانِي .

وَاسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ إنْ لَمْ يُتَمَّمْ فَقَالَ ( إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ ) الْمُكْتَرِي ( عَلَى التَّمَامِ ) سَفِينَةً أُخْرَى ( فَ ) يَسْتَحِقُّ الْمُكْرِي الْأَوَّلُ مِنْ الْكِرَاءِ ( بِنِسْبَةِ ) الْكِرَاءِ ( الثَّانِي ) فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَالْجُعْلُ يَدَعُهُ الْعَامِلُ مَتَى يَشَاءُ وَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ الْجَاعِلُ بِمَا عَمِلَ لَهُ الْمَجْعُولُ مِثْلَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا عَلَى حَمْلِ خَشَبَةٍ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَيَتْرُكُهَا فِي الطَّرِيقِ وَيَسْتَأْجِرُ رَبُّهَا مَنْ يَأْتِيهِ بِهَا أَوْ يَعْجِزَ عَنْ حَفْرِ الْبِئْرِ بَعْدَ ابْتِدَائِهِ فِيهَا ثُمَّ يَجْعَلُ صَاحِبُهُ لِآخَرَ جُعْلًا فَيُتِمَّهُ فَلِلثَّانِي جَمِيعُ جُعْلِهِ الَّذِي جَاعَلَهُ بِهِ ، وَلِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ بِهِ الْجَاعِلُ مِمَّا حُطَّ عَنْهُ مِنْ جُعْلِ الثَّانِي ، وَفِي الْمُسْتَخْرَجَةِ لَوْ جَعَلَ لِلْأَوَّلِ خَمْسَةً عَلَى حَمْلِهَا الْمَسَافَةَ كُلَّهَا فَحَمَلَهَا نِصْفَ الطَّرِيقِ وَتَرَكَهَا ، فَجَعَلَ لِلثَّانِي عَشَرَةً عَلَى التَّمَامِ فَلِلْأَوَّلِ عَشَرَةٌ ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَنُوبُ عَمَلَ الْأَوَّلِ مِنْ جُعْلِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جُوعِلَ عَلَى النِّصْفِ بِعَشَرَةٍ عُلِمَ أَنَّ جُعْلَ الْجَمِيعِ عِشْرُونَ فَيُسْقِطُ عَنْ الْجَاعِلِ عَشَرَةً وَيُعْطِي الْأَوَّلَ عَشَرَةً .
ابْنُ يُونُسَ اُنْظُرْهُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ رَضِيَ بِحَمْلِهَا الْمَسَافَةَ كُلَّهَا بِخَمْسَةٍ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَهُ نِصْفَهَا اثْنَيْنِ وَنِصْفًا فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهَا نِصْفَ الطَّرِيقِ ، وَالْغَبْنُ مَاضٍ فِي الْجُعْلِ وَغَيْرِهِ ، وَنَحْوُهُ لِلتُّونُسِيِّ ، وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ عَقْدَ الْجُعْلِ لَمَّا كَانَ مُنْحَلًّا مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ وَتُرِكَ فِي الْأَثْنَاءِ صَارَ تَرْكُهُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مَا اسْتَحَقَّهُ عَلَى عَمَلِهِ بِجُعْلِ الثَّانِي ، وَمِثْلُ اسْتِئْجَارِ الْجَاعِلِ عَلَى التَّمَامِ إتْمَامُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَبِيدِهِ وَخَدَمِهِ وَيُقَدَّرُ لَهُ جُعْلٌ يَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ مِنْ الْجُعْلِ بِحَسَبِهِ .

وَإِنْ اُسْتُحِقَّ وَلَوْ بِحُرِّيَّةٍ .
بِخِلَافِ مَوْتِهِ بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ إلَّا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ .

وَإِنْ أَتَمَّ الْمَجْعُولُ لَهُ الْعَمَلَ الْمُجَاعَلَ عَلَيْهِ بِأَنْ أَتَى بِالْآبِقِ أَوْ الشَّارِدِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ إنْ اسْتَمَرَّ الْمَأْتِيُّ بِهِ فِي مِلْكِ الْجَاعِلِ ، بَلْ ( وَإِنْ اُسْتُحِقَّ ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الشَّيْءُ الْمُجَاعَلُ عَلَى تَحْصِيلِهِ أَيْ ظَهَرَ مِلْكًا لِغَيْرِ الْجَاعِلِ عَبْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، فَيَلْزَمُ الْجَاعِلَ دَفْعُ الْجُعْلِ لِلْآتِي بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَلِمْهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَاعِلَ لَا يَرْجِعُ بِالْجُعْلِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، هَذَا إذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِمِلْكٍ لِغَيْرِ الْجَاعِلِ ، بَلْ ( وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بِحُرِّيَّةٍ ) فَيَلْزَمُ الْجُعْلُ الْجَاعِلَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِقَوْلِ أَصْبَغَ بِسُقُوطِهِ عَنْهُ ( بِخِلَافِ مَوْتِهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ أَوْ الْحَيَوَانِ الْمَجْعُولِ عَلَى تَحْصِيلِهِ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ لِلْجَاعِلِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْجُعْلُ لِعَدَمِ تَمَامِ الْعَمَلِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ وَمَنْ جَعَلَ لِرَجُلٍ جُعْلًا فِي آبِقٍ لَهُ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ بِهِ إلَى رَبِّهِ ، فَصَارَ لَا يُسَاوِي الْجُعْلَ ، أَوْ نَزَلَ بِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَجِدَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ فَلَهُ جُعْلُهُ كَامِلًا وَلَا يُنْظَرُ زَادَ الْعَبْدُ أَوْ نَقَصَ ، وَقَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِرَبِّهِ حَتَّى اسْتَحَقَّهُ مُسْتَحِقٌّ فَالْجُعْلُ عَلَى جَاعِلِهِ لَيْسَ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُحِقَّ بِحُرِّيَّةٍ فَالْجُعْلُ عَلَى الْجَاعِلِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ .
أَصْبَغُ وَلَا عَلَى أَحَدٍ ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ابْنُ الْمَوَّازِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْجِعَ الْجَاعِلُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْمُسَمَّى ، وَجُعْلِ مِثْلِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ جَعَلَ جُعْلًا عَلَى آبِقٍ لَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَلَا شَيْءَ لِمَنْ وَجَدَهُ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِهِ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ

بَعْدَ أَنْ وَجَدَهُ جَعَلَ جُعْلًا عَلَى آبِقٍ لَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَلَا شَيْءَ لِمَنْ وَجَدَهُ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْ بِعِتْقِهِ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ أَنْ وَجَدَهُ فَلَهُ جُعْلُهُ ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ وَجَبَ الْجُعْلُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَمَوْتُ الْآبِقِ قَبْلَ إيصَالِهِ يُسْقِطُ جُعْلَهُ لِعَدَمِ تَمَامِ عَمَلِهِ .
( بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ ) لِلْعَمَلِ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ يُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِصِحَّةٍ وَبِتَمَامٍ أَيْ يَجُوزُ تَقْدِيرُ زَمَنٍ لِعَمَلِ الْجُعْلِ لِزِيَادَتِهِ الْغَرَرَ لِاحْتِمَالِ انْقِضَاءِ زَمَانِهِ قَبْلَ تَمَامِ عَمَلِهِ فَيَذْهَبُ بَاطِلًا ، فَإِنْ قُدِّرَ لَهُ زَمَنٌ بَطَلَ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا بِشَرْطِ تَرْكٍ ) لِلْعَمَلِ ( مَا شَاءَ ) الْعَامِلُ فَيَصِحُّ .

وَلَا نَقْدٍ مُشْتَرَطٍ فِي كُلِّ مَا جَازَ فِيهِ الْإِجَارَةُ .
بِلَا عَكْسٍ .

( وَ ) بِ ( لَا نَقْدٍ مُشْتَرَطٍ ) مَفْهُومُهُ أَنَّ النَّقْدَ بِلَا شَرْطٍ لَا يَضُرُّ ، فَلَوْ قَالَ وَلَا شَرْطِ نَقْدٍ لَكَانَ أَحْسَنَ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُفْسِدَ النَّقْدُ الْمُشْتَرَطُ ، وَمُقْتَضَى التَّصْوِيبِ أَنَّ شَرْطَ النَّقْدِ مُفْسِدٌ ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ .
ابْنُ الْمَوَّازِ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا يَصْلُحُ الْأَجَلُ فِي الْجُعْلِ وَلَا النَّقْدُ فِيهِ ( فِي كُلِّ مَا ) أَيْ عَمَلٍ ( جَازَ فِيهِ الْإِجَارَةُ ) الشَّارِحُ صِلَةُ صِحَّةٍ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجُعْلَ يَجُوزُ فِي كُلِّ عَمَلٍ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ فِيهِ حَالَ كَوْنِ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ ( بِلَا عَكْسٍ ) لُغَوِيٍّ ، أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَا جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ فَالْجُعْلُ أَعَمُّ مُتَعَلَّقًا مِنْ الْإِجَارَةِ .
" غ " هَذَا عَكْسُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كُلُّ مَا جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ كُلُّ مَا جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ ، أَيْ فَالْإِجَارَةُ أَعَمُّ مُتَعَلَّقًا مِنْ الْجُعْلِ ، وَيُشْبِهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَتَبَ فِي الْمُبَيَّضَةِ ، فَكُلُّ مَا جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ جَازَ فِيهِ الْإِجَارَةُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بَقَاءُ لَفْظِهِ عَلَى حَالِهِ بِجَعْلِ الْإِجَارَةِ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ فِي كُلِّ مَا جَازَ ، وَفَاعِلُ جَازَ ضَمِيرُ الْجَعْلِ ، إلَّا أَنَّهُ شَدِيدُ التَّكَلُّفِ ، وَإِذَا زِيدَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ فَاءٌ أَوْ وَاوٌ سَهَّلَ شَيْئًا مَا .
تَحْرِيرٌ ) ابْنُ عَرَفَةَ صِدْقُ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ رُشْدٍ وَالتَّلْقِينِ بِصِحَّةِ الْجُعْلِ فِي الْعَمَلِ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ ، وَعَلَى مَنْعِهِ فِيهِ صِدْقُهَا وَاضِحٌ ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ الْجُعْلِ عَلَى حَفْرِ الْأَرْضِ لِاسْتِخْرَاجِ مَاءٍ وَنَحْوَهُ مَعَ جَهْلِ حَالِهَا ، فَلَوْ جَازَ الْجُعْلُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ كَذَبَتْ الْكُلِّيَّةُ لِصِدْقِ نَقِيضِهَا أَوْ مُنَافِيهَا ، وَهُوَ بَعْضُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ أَوْ غَيْرُ جَائِزٍ فِيهِ الْإِجَارَةُ الْأَوَّلُ سَلْبٌ ،

وَالثَّانِي عُدُولٌ ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ الْأَرْضُ الْمَجْهُولُ حَالُهَا لَهُمَا .
طفي أَبْقَى أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَهَا عَلَى ظَاهِرِهِ قَائِلًا : الْإِجَارَةُ أَعَمُّ وَالْجُعْلُ أَخَصُّ ، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ .
ا هـ .
وَكَذَا أَبْقَى مَنْ وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ شُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ كَلَامَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ بَعْدَ كَلَامِهَا صِدْقُ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلٍ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنِ رُشْدٍ وَالتَّلْقِينِ بِصِحَّةِ الْجُعْلِ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ مَحَلٍّ يَصِحُّ فِيهِ الْجُعْلُ تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ بِشَرْطِهَا ، فَاعْتِبَارُ شَرْطِهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ صِحَّتِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ أَبُو الْحَسَنِ لَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ بِالْآبِقِ لِكَوْنِهِ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ ، بَلْ تَجُوزُ فِيهِ عَلَى أَنْ يَطْلُبَ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا ، أَوْ يَطْلُبَهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَلَهُ كَذَا .
ا هـ .
وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَقَدْ نَقَلَ " غ " كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَأَقَرَّهُ وَاغْتَرَّ بِهِ عج فَقَالَ هَذَا لَا يَصِحُّ لِجَوَازِ الْجِعَالَةِ فِيمَا يُجْهَلُ مِنْ الْأَعْمَالِ فَتَصِحُّ الْجِعَالَةُ فِيمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ فَبَانَ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ .
ا هـ .
وَقَدْ حَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَعْمَالَ فِي ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : مَا يَصِحُّ فِيهِ الْجُعْلُ وَالْإِجَارَةُ وَمَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الْجُعْلُ وَالْإِجَارَةُ وَمَا لَا يَصِحُّ فِي الْجُعْلِ وَتَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ ، فَالْأَوَّلُ كَثِيرٌ : مِنْهُ بَيْعُ الثَّوْبِ وَالثَّوْبَيْنِ وَشِرَاءُ الثِّيَابِ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ وَحَفْرُ الْآبَارِ وَاقْتِضَاءُ الدُّيُونِ وَالْمُخَاصَمَةُ فِي الْحُقُوقِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْجُعْلَ فِي الْخُصُومَةِ لَا يَجُوزُ ، وَالثَّانِي نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَا يَجُوزُ لِلْمَجْعُولِ لَهُ فِعْلُهُ ، وَالثَّانِي مَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ ، وَالثَّالِثُ كَثِيرٌ أَيْضًا مِنْهُ خِيَاطَةُ الثَّوْبِ وَخِدْمَةُ الشَّهْرِ وَبَيْعُ السِّلَعِ

الْكَثِيرَةِ .
ا هـ .
فَحَصَلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، إذْ حَصْرُ الْأَقْسَامِ فِي الثَّلَاثَةِ وَقَوْلُ تت بَقِيَ قِسْمٌ رَابِعٌ ، وَهُوَ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ دُونَ الْإِجَارَةِ كَاشْتِرَاطِ جَهْلِ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ مَوْضِعَ الْآبِقِ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

وَلَوْ فِي الْكَثِيرِ إلَّا كَبَيْعِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بِالْجَمِيعِ

( وَ ) يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ الْقَلِيلِ ، بَلْ ( وَلَوْ فِي الْكَثِيرِ إلَّا ) فِي ( كَبَيْعِ ) وَشِرَاءِ ( سِلَعٍ ) كَثِيرَةٍ فَلَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ ( لَا يَأْخُذُ ) الْمَجْعُولُ لَهُ ( شَيْئًا ) مِنْ الْجُعْلِ ( إلَّا بِ ) بَيْعِ أَوْ شِرَاءِ ( الْجَمِيعِ ) إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ انْتِفَاعُ الْجَاعِلِ بِبَيْعِ أَوْ شِرَاءِ الْبَعْضِ مَجَّانًا إذَا لَمْ يَبِعْ أَوْ يَشْتَرِ الْعَامِلُ الْبَاقِيَ ، وَلَوْ وَاحِدًا مِنْ أَلْفٍ مَثَلًا وَمَفْهُومُ لَا يَأْخُذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى أَنَّ مَا بَاعَهُ يَأْخُذُ حِصَّتَهُ يَجُوزُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْبَيْعِ فَقَطْ ، وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِلشِّرَاءِ أَيْضًا ، وَبَعْضُهُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَبَيْعِ بِالْكَافِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَام مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَأَصْحَابِهِ الْجُعْلُ عَلَى الشِّرَاءِ فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ عَلَى مِائَةِ ثَوْبٍ يَشْتَرِيهَا دِينَارًا إذَا كَانَ عَلَى أَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ لَهُ يَلْزَمُهُ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ لَهُ فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ ، وَمَنَعَ الْجُعْلَ عَلَى بَيْعِ مَا كَثُرَ فَفَرَّقَ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ .
ابْنُ يُونُسَ ر عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ سَوَاءٌ ، وَحَمَلُوا الْمَنْعَ فِي الْبَيْعِ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ فِيهِ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بِبَيْعِ الْجَمِيعِ ، فَمُنِعَ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ .
وَلَوْ كَانَ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ شَيْئًا كَانَ لَهُ بِحِسَابِهِ جَازَ وَأَوَّلُوا الْإِطْلَاقَ فِي الشِّرَاءِ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا أَخَذَ بِحِسَابِهِ ، وَلَوْ كَانَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ شِرَاءِ الْجَمِيعِ لَمُنِعَ فَاسْتَوَى الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَنْعِ وَالْجَوَازِ .
الْبُنَانِيُّ دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ كُلُّ مَا يَتَّفِقُ فِيهِ لِلْجَاعِلِ مَنْفَعَةٌ إنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَمَلُ ، فَفِي الْبَيَانِ لَمْ يَجُزْ الْجُعْلُ عَلَى بَيْعِ الثِّيَابِ الْكَثِيرَةِ

فِي الْبَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَدَا لَهُ فِي بَيْعِهَا وَرَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا كَانَ قَدْ انْتَفَعَ بِحِفْظِهِ لَهَا طُولَ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْجُعْلَ لَا يَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْجُعْلِ كَوْنُهُ فِي الْقَلِيلِ ، وَإِنْ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ فِي كُلِّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْجَاعِلِ إلَّا بِتَمَامِهِ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا ، وَالْمُسْتَثْنَى مُقَيَّدٌ بِالْكَثْرَةِ .
وَأَمَّا الثَّوْبَانِ فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ تَجُوزُ الْمُجَاعَلَةُ عَلَى بَيْعِهِمَا فَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ وَالثِّيَابِ حَتَّى جَازَ الْأَوَّلُ ، وَمُنِعَ الثَّانِي مَعَ أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ مَوْجُودَةٌ فِي الْجَمِيعِ ، قَالَهُ ابْنُ عَاشِرٍ ، وَالرِّوَايَاتُ نَاصَّةٌ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْجُعْلِ عَلَى الْبَيْعِ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ أَوْ تَفْوِيضُهُ لِلْمَجْعُولِ لَهُ ، وَهُوَ نَقْلُ الصِّقِلِّيُّ وَابْنِ رُشْدٍ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ قَوْلِهَا بِجَوَازِ الْجُعْلِ عَلَى بَيْعِ قَلِيلِ السِّلَعِ بِالْبَلَدِ سَمَّى لَهَا ثَمَنًا أَمْ لَا بِالتَّفْوِيضِ لَهُ فِيهِ وَالْعُرْفُ فِي هَذَا كَالشَّرْطِ .
فَفِي الْعُتْبِيَّةِ سَحْنُونٌ فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ عَلَى الصِّيَاحِ عَلَى الْمَتَاعِ فِي السُّوقِ عَلَى جُعْلٍ أَنَّهُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيحُ النَّهَارَ كُلَّهُ وَلَيْسَ لَهُ إمْضَاءُ الْبَيْعِ وَإِمْضَاؤُهُ إلَى رَبِّ الْمَتَاعِ فَلَا يَدْرِي أَيُعْطَى فِي السِّلْعَةِ مَا يَرْضَى بِهِ صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَمْ لَا ، وَلَوْ كَانَ إمْضَاءُ الْبَيْعِ وَالنَّظَرُ إلَى الصَّائِحِ لَمْ يَكُنْ بِالْجُعْلِ بَأْسٌ .
سَحْنُونٌ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ جَيِّدَةٌ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ جَيِّدَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى مَا قَالَ سَحْنُونٌ ، وَلَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُسَمِّيَ لَهُ ثَمَنًا أَوْ يُفَوِّضَ لَهُ الْبَيْعَ بِمَا يَرَاهُ وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا .

وَفِي شَرْطِ مَنْفَعَةِ الْجَاعِلِ قَوْلَانِ
( وَفِي شَرْطِ مَنْفَعَةِ الْجَاعِلِ ) بِعَمَلِ الْعَامِلِ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ فِي صِحَّةِ الْجُعْلِ وَعَدَمِهِ ( قَوْلَانِ ) عَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ جَاعَلَ رَجُلًا عَلَى رُقِيِّهِ إلَى مَوْضِعٍ فِي الْجَبَلِ سَمَّاهُ لَهُ ، فَلَا يَجُوزُ الْجُعْلُ إلَّا فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْجَاعِلُ ، يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ أَخْذِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ ، وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ غَيْرَ هَذَا .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ : اُخْتُلِفَ هَلْ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْجَاعِلِ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْوَرَعِ الدُّخُولُ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْجُعْلُ عَلَى حَلِّ الْمَرْبُوطِ وَالْمَسْحُورِ .
الْآبِي مَا يُؤْخَذُ لِحَلِّ الْمَعْقُودِ فَإِنْ كَانَ بِرُقْيَةٍ عَرَبِيَّةٍ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ بِالرُّقَى الْعَجَمِيَّةِ امْتَنَعَ وَفِيهِ خِلَافٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ تَكَرَّرَ نَفْعُهُ جَازَ .
" غ " ظَاهِرُ كَلَامِ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ الْمَشْهُورَ اشْتِرَاطُ مَنْفَعَةِ الْجَاعِلِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : هُوَ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَجْرًا مَعْلُومًا وَلَا يَنْقُدُهُ إيَّاهُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ يَعْمَلُهُ أَوْ مَجْهُولٍ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْجَاعِلِ عَلَى خِلَافٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ ، عَلَى أَنَّهُ إنْ عَمِلَهُ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ لِلْجَاعِلِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهِ .

وَلِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ جُعْلُ مِثْلِهِ .
إنْ اعْتَادَهُ .
كَحَلِفِهِمَا بَعْدَ تَخَالُفِهِمَا .

( وَلِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ ) قَوْلَ الْجَاعِلِ : مَنْ جَاءَ بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَهُ دِينَارٌ مَثَلًا وَجَاءَ بِهِ ( جُعْلُ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ ( مِثْلِهِ إنْ ) كَانَ قَدْ ( اعْتَادَهُ ) أَيْ الْمَجِيءَ بِالْآبِقِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ ، وَشَبَّهَ فِي الْقَضَاءِ بِجُعْلِ الْمِثْلِ فَقَالَ ( كَحَلِفِهِمَا ) أَيْ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ( بَعْدَ تَخَالُفِهِمَا ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ اخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الْمَالِ الْمَجْعُولِ لِلْعَامِلِ عَلَى تَمَامِ عَمَلِهِ ، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا رُدَّا إلَى جُعْلِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ قُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْجَاعِلِ تَحَالَفَا وَوَجَبَ جُعْلُ مِثْلِهِ .
ابْنُ هَارُونَ الْقِيَاسُ قَبُولُ قَوْلِ الْجَاعِلِ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ ، وَلِأَنَّهُ كَمُبْتَاعِ سِلْعَةٍ قَبَضَهَا وَفَاتَتْ بِيَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ ، وَإِلَّا فَقَوْلُ خَصْمِهِ ، وَإِلَّا تَحَالَفَا وَرُدَّ لِجُعْلِ الْمِثْلِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّمَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ وَإِتْيَانِهِمَا بِمَا لَا يُشْبِهُ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَاقِيًا بِيَدِ الْمَجْعُولِ لَهُ وَأَتَى بِمَا يُشْبِهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، فَإِنْ ادَّعَى بِمَا لَا يُشْبِهُ وَادَّعَى الْجَاعِلُ بِمَا يُشْبِهُ قُبِلَ قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ حُكِمَ بِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا أَصْوَبُ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ هَارُونَ .
ابْنُ عَرَفَةَ تَبِعَ فِيهِ ابْنُ شَاسٍ وَالْأَظْهَرُ تَخَرُّجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهَا فِي الْقِرَاضِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ ، وَيُحْتَمَلُ تَخَالُفُهُمَا فِي سَمَاعِ قَوْلِ الْجَاعِلِ بِأَنْ ادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَأَتَى بِهِ لِذَلِكَ ، وَقَالَ رَبُّهُ لَمْ تَسْمَعْ وَأَتَيْت بِهِ بِغَيْرِ سَمَاعٍ فَلِلْعَامِلِ جُعْلُ مِثْلِهِ ، وَيُحْتَمَلُ تَخَالُفُهُمَا فِي سَعْيِ الْعَامِلِ بِأَنْ قَالَ سَعَيْت فِي رَدِّهِ

وَأَنْكَرَهُ رَبُّهُ ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ الْمَالِكِ ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ ، وَنَصُّ ابْنِ شَاسٍ : وَإِذَا أَنْكَرَ الْمَالِكُ سَعْيَ الْعَامِلِ فِي الرَّدِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ .

وَلِرَبِّهِ ، تَرْكُهُ .
وَإِلَّا ، فَالنَّفَقَةُ

( وَ ) إنْ جَاءَ شَخْصٌ بِالْآبِقِ أَوْ الشَّارِدِ قَبْلَ الْتِزَامِ رَبِّهِ الْجُعْلَ فَ ( لِرَبِّهِ تَرْكُهُ ) أَيْ الْآبِقِ لِمَنْ جَاءَ بِهِ فَلَا مَقَالَ لَهُ ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ جُعْلِ مِثْلِهِ .
طفي هَذَا التَّقْرِيرُ صَوَابٌ مُوَافِقٌ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَعَادَتُهُ التَّكَسُّبُ بِهِ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ بِقَدْرِ تَعَبِهِ ، وَلِرَبِّهِ تَرْكُهُ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَادَتَهُ فَلَهُ نَفَقَتُهُ فَقَطْ .
ا هـ .
وَفِيهَا قِيلَ هَلْ لِمَنْ وَجَدَ آبِقًا خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ فِي الْمِصْرِ جُعْلٌ إنْ طَلَبَهُ ؟ ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَلَا دَاخِلَهُ إنْ كَانَ شَأْنُهُ يَطْلُبُ الضَّوَالَّ لِذَلِكَ وَيَرُدُّهَا فَلَهُ الْجُعْلُ بِقَدْرِ بُعْدِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهُ فِيهِ وَقَرَّبَهُ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَأْنُهُ إنَّمَا وَجَدَهُ فَأَخَذَهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ أَرَادَ إلَّا أَنْ يَدَعَهُ رَبُّهُ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ .
ا هـ .
إلَّا أَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفٌ كَمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَلَوْ أَتَى بِهِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَلِرَبِّهِ تَرْكُهُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَأَجَادَ .
وَقَوْلُ عج وَلِرَبِّهِ تَرْكُهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ جُعْلُ مِثْلِهِ فِيهِ نَظَرٌ ، إذْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ هُنَا لَهُ تَرْكُهُ ، وَإِنَّمَا قَالُوا لَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ فَحَسْبُ .
سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ جَعَلَ فِي عَبْدٍ أَبَقَ لَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ فَجَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِالْجُعْلِ فَإِنْ كَانَ يَأْتِي بِالْإِبَاقِ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا نَفَقَتُهُ .
ا هـ .
فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّ لَهُ تَرْكَهُ وَلَا ابْنُ رُشْدٍ حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا السَّمَاعِ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْآتِي بِالْآبِقِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ الْجَاعِلِ مُعْتَادًا طَلَبَ الْإِبَاقِ ( فَالنَّفَقَةُ ) الَّتِي

أَنْفَقَهَا الْآتِي بِالْآبِقِ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ لَهُ عَلَى رَبِّهِ .
الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَأْنُهُ ذَلِكَ إنَّمَا وَجَدَهُ فَأَخَذَهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ وَلَهُ نَفَقَتُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَدَعَهُ رَبُّهُ فَلَا نَفَقَةَ

وَإِنْ أَفْلَتَ فَجَاءَ بِهِ آخَرُ ، فَلِكُلٍّ نِسْبَتُهُ
( وَإِنْ أَفْلَتَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ وَاللَّامِ لَازِمٌ عَلَى هَذَا وَمُتَعَدٍّ عَلَى الْأَوَّلِ ، كَحَدِيثِ إذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ أَيْ أَبَقَ الْآبِقُ مِمَّنْ وَجَدَهُ ، وَأَخَذَهُ لِيَأْتِيَ بِهِ لِرَبِّهِ ( فَجَاءَ بِهِ ) أَيْ الْآبِقِ لِرَبِّهِ شَخْصٌ ( آخَرُ ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَيْرُ الْأَوَّلِ قَبْلَ رُجُوعِهِ لِمَكَانِهِ الْأَوَّلِ ( فَلِكُلٍّ ) مِنْ الْعَامِلَيْنِ ( نِسْبَتُهُ ) أَيْ عَمَلِ كُلٍّ لِمَجْمُوعِ عَمَلَيْهِمَا ، أَيْ مِثْلُهَا مِنْ الْمُسَمَّى ، فَإِنْ اسْتَوَى الْعَمَلَانِ فَلِكُلٍّ نِصْفُهُ وَإِنْ كَانَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا ثُلُثَيْنِ فَلَهُ ثُلُثَاهُ ، فَإِنْ أَتَى بِهِ الثَّانِي بَعْدَ عَوْدِهِ لِمَكَانِهِ الْأَوَّلِ فَالْجُعْلُ كُلُّهُ لِلثَّانِي وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْأَوَّلِ .
اللَّخْمِيُّ سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ جَعَلَ جُعْلًا لِرَجُلٍ عَلَى آبِقٍ فَانْقَلَبَ بِهِ ثُمَّ أَفْلَتَ فَأَخَذَهُ آخَرُ وَأَتَى بِهِ ، فَإِنْ أَفْلَتَ بَعِيدًا مِنْ مَكَانِ سَيِّدِهِ فَكُلُّ الْجُعْلِ لِلثَّانِي ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْأَوَّلِ ، وَإِنْ أَفْلَتَ قَرِيبًا مِنْهُ فَالْجُعْلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ شُخُوصِ كُلٍّ مِنْهُمَا .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ ؛ لِأَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ الثَّانِي : هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِعَمَلِ الْأَوَّلِ إذَا أَفْلَتَ بِالْقُرْبِ .

وَإِنْ جَاءَ بِهِ ذُو دِرْهَمٍ وَذُو أَقَلَّ .
اشْتَرَكَا فِيهِ .
( وَإِنْ جَاءَ بِهِ ) أَيْ الْآبِقِ لِرَبِّهِ ( ذُو ) أَيْ صَاحِبُ ( دِرْهَمٍ ) جَعَلَهُ لَهُ رَبُّهُ عَلَى مَجِيئِهِ بِهِ ( وَذُو أَقَلَّ ) مِنْ دِرْهَمٍ كَذَلِكَ ( اشْتَرَكَا ) أَيْ الْعَامِلَانِ ( فِيهِ ) أَيْ الدِّرْهَمِ ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ بِنِسْبَةِ كُلِّ جُعْلٍ مِنْ الدِّرْهَمِ ، وَالْأَقَلُّ لِمَجْمُوعِهِمَا ، فَلِذِي الدِّرْهَمِ ثُلُثَاهُ ، وَلِذِي النِّصْفِ ثُلُثُهُ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ جَعَلَ لِرَجُلَيْنِ فِي عَبْدٍ أَبَقَ مِنْهُ جُعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِوَاحِدٍ إنْ أَتَى بِهِ عَشَرَةً وَلِآخَرَ إنْ أَتَى بِهِ خَمْسَةً فَأَتَيَا بِهِ جَمِيعًا ، فَالْعَشَرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ .
ابْنُ يُونُسَ ؛ لِأَنَّ جُعْلَ أَحَدِهِمَا مِثْلَا جُعْلِ الْآخَرِ .
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِيهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ جُعْلِهِ وَرَجَّحَهُ التُّونُسِيُّ وَاللَّخْمِيُّ .

وَلِكِلَيْهِمَا الْفَسْخُ .
وَلَزِمَتْ الْجَاعِلَ بِالشُّرُوعِ .
( وَلِكِلَيْهِمَا ) أَيْ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ ( الْفَسْخُ ) لِعَقْدِ الْجِعَالَةِ قَبْلَ شُرُوعِ الْمَجْعُولِ لَهُ فِي الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَقِيلَ لَازِمٌ لَهُمَا .
وَقِيلَ لِلْمَجْعُولِ لَهُ فَقَطْ ( وَلَزِمَتْ ) الْجِعَالَةُ ( الْجَاعِلَ بِالشُّرُوعِ ) مِنْ الْعَامِلِ فِي الْعَمَلِ .
وَمَفْهُومُ الْجَاعِلِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ الْمَجْعُولَ لَهُ بِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ .
فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ لَيْسَ لِلْجَاعِلِ أَنْ يَفْسَخَ إذَا شَرَعَ الْمَجْعُولُ لَهُ بِهِ .
الْأَبْهَرِيُّ وَلَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ ابْنُ يُونُسَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ .
الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الْجُعْلُ يَدَعُهُ الْعَامِلُ مَتَى شَاءَ وَلَا شَيْءَ لَهُ .

وَفِي الْفَاسِدِ .
جُعْلُ الْمِثْلِ .
إلَّا بِجُعْلٍ مُطْلَقًا فَأُجْرَتُهُ .

وَفِي ) الْجُعْلِ ( الْفَاسِدِ جُعْلُ الْمِثْلِ ) إنْ تَمَّ عَمَلُهُ رَدًّا لَهُ لِصَحِيحِ نَفْسِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ الْعَمَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ .
وَقِيلَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ سَوَاءٌ تَمَّ الْعَمَلُ أَمْ لَا رَدًّا لَهُ لِصَحِيحِ أَصْلِهِ ، وَهِيَ الْإِجَارَةُ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ الْفَاسِدَةِ فَقَالَ ( إلَّا ) الْفَاسِدَ ( بِ ) جَعْلِ ( جُعْلٍ ) لِلْعَامِلِ جُعْلًا ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِتَمَامِ الْعَمَلِ ، بِأَنْ قَالَ لَهُ : إنْ أَتَيْت بِالْآبِقِ فَلَكَ دِينَارٌ ، وَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ فَلَكَ نِصْفُ دِينَارٍ ( فَأُجْرَتُهُ ) أَيْ مِثْلُ الْعَامِلِ فِي مِثْلِ الْعَمَلِ عَلَى أَظْهَرْ الْأَقْوَالِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي رَدِّ فَاسِدِ الْجُعْلِ لِحُكْمِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ جُعْلُ مِثْلِهِ إنْ تَمَّ عَمَلُهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ أَوْ لِلْإِجَارَةِ ، فَتَجِبُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ثَالِثُهَا لِلْأَوَّلِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ ، وَلِلثَّانِي فِي بَعْضٍ كَالثَّلَاثَةِ فِي الْقِرَاضِ .
" غ " أَشَارَ إلَى أَظْهَرْ الْأَقْوَالِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ جَاعَلَ فِي آبِقٍ لَهُ فَقَالَ : إنْ وَجَدْته فَلَكَ كَذَا ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَلَكَ طَعَامُكَ وَكِسْوَتُكَ ، قَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَقَعَ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ إنْ وَجَدَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَكَ طَعَامُك وَكِسْوَتُك ، قَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَقَعَ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ إنْ وَجَدَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ .
أَصْبَغُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا أُجْرَةَ لَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي الْجُعْلِ الْفَاسِدِ إذَا وَقَعَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى حُكْمِ نَفْسِهِ ، فَيَكُونُ لَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ إنْ أَتَى بِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذِهِ .
وَالثَّانِي أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى حُكْمِ غَيْرِهِ وَهِيَ الْإِجَارَةُ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ أَتَى بِهِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ .
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَمْ يُخَيِّبْهُ إنْ لَمْ

يَأْتِ بِهِ كَنَحْوِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا إنْ لَمْ تَجِدْهُ فَلَكَ نَفَقَتُك ، وَإِنْ وَجَدْته فَلَكَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ إجَارَةُ مِثْلِهِ إنْ أَتَى بِهِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا إلَّا فِي الْإِتْيَانِ بِهِ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ إنْ أَتَى بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ .
فَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْجُعْلَ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إجَارَةٌ بِغَرَرٍ جَوَّزَتْهَا السُّنَّةُ ، وَوَجْهُ الثَّالِثِ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ جُعْلًا إذَا جُعِلَ لَهُ عَلَى الْإِتْيَانِ خَاصَّةً ، فَإِذَا جُعِلَ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَيْسَ بِجُعْلٍ وَإِنْ سَمَّاهُ جُعْلًا .
وَإِنَّمَا هِيَ إجَارَةٌ ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ ، وَإِيَّاهُ اخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ ، وَحَكَاهُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ رَاجِعَةٌ لِأَصْلٍ ، وَجَارِيَةٌ عَلَى قِيَاسٍ بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ إنْ وَجَدَهُ وَأَجْرُ مِثْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْهُ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ فِي النَّوَادِرِ إنَّمَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى طَلَبِ آبِقٍ يُجْهَلُ مَكَانَهُ ، وَأَمَّا مَنْ وَجَدَهُ آبِقًا أَوْ ضَالًّا أَوْ ثِيَابًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَى رَدِّهِ ، وَلَا عَلَى أَنْ يَدُلَّ عَلَى مَكَانِهِ إذْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا مَنْ وَجَدَهُ بَعْدَ جُعْلِ رَبِّهِ فِيهِ جُعْلًا فَلَهُ الْجُعْلُ عَلِمَ بِمَا جُعِلَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا تَكَلَّفَ طَلَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْهُ .
الثَّانِي : الْمُتَيْطِيُّ الْقَابِسِيُّ لَا يَصْلُحُ الْجُعْلُ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ فِي مِلْكِ الْجَاعِلِ وَقَالَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ ، وَهُوَ أَحْسَنُ .
وَأَجَازَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْجُعْلَ عَلَى الْفَرَسِ فِي مِلْكِهِ ، وَعَقَدَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَثِيقَةً فِي حَفْرِ بِئْرٍ وَطَيِّهَا بِالصَّخْرِ فِي مِلْكِ الْجَاعِلِ .
وَاشْتَرَطَ الصَّخْرَ عَلَى الْمَجْعُولِ لَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَدَخَلَهُ

أَمْرَانِ : الْجُعْلُ فِي أَرْضِ الْجَاعِلِ وَاجْتِمَاعُ الْجُعْلِ وَالْبَيْعِ .
الثَّالِثُ : ابْنُ عَرَفَةَ وَالْعَمَلُ فِيهِ أَيْ الْجُعْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ مُتَعَسِّرِهِ ، بِخِلَافِ مُتَيَسِّرِهِ إذْ كُلُّ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ عَلَى الْآبِقِ مَعَ جَهْلِهِمَا نَاحِيَتَيْهِ ، بِخِلَافِهِ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ الْأَرْضِ ، فَفِي الْمَعُونَةِ يَجُوزُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ بُعْدِ مَاءِ الْأَرْضِ وَقُرْبِهِ وَشِدَّتِهَا وَلِينِهَا ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَدْعُو ضَرُورَةٌ إلَيْهِ ، وَهُوَ نَصُّ نَقْلِ ابْنُ فَتُّوحٍ عَنْ الْمَذْهَبِ .
وَقَوْلُ الْمُقَدِّمَاتِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ كَوْنُ الْعَمَلِ مَعْلُومًا ، بَلْ يَجُوزُ فِيهِ الْمَجْهُولُ ظَاهِرُهُ عَدَمُ شَرْطِ خِبْرَةِ الْأَرْضِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ ثَانِي مَسْأَلَةٍ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ أَوَّلِ رَسْمِ سَمَاعِ أَصْبَغَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْعَمَلُ كَعَمَلِ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا ، فَإِنَّ مَسَافَةَ الْآبِقِ وَالضَّالَّةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامُهُ يُوهِمُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ عَمَلِ الْجِعَالَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إذْ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى حَفْرِ الْبِئْرِ إلَّا بَعْدَ خِبْرَتِهِمَا الْأَرْضَ مَعًا ، وَشَرَطَ فِي الْعُتْبِيَّةِ اسْتِوَاءَ حَالِ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ فِي الْعِلْمِ بِحَالِ الْأَرْضِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ طَلَبُ الْآبِقِ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ فِيهِ إلَّا بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجَهْلِ بِمَحَلِّهِ وَمَنْ عَلِمَهُ مِنْهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ فَهُوَ غَارٌّ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَجْعُولُ لَهُ فِي الْآبِقِ أَوْ الضَّالَّةِ عَالِمًا بِمَحَلِّهِ دُونَ الْجَاعِلِ ، فَلَهُ إمْضَاءُ الْجُعْلِ وَرَدُّهُ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَ بِهِ فَلَهُ الْأَقَلُّ قِيمَةُ عَنَائِهِ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْمُسَمَّى ، ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْجَاعِلُ هُوَ الْكَاتِمُ مَوْضِعَ الْعَبْدِ أَوْ الضَّالَّةِ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ عَنَائِهِ أَوْ الْمُسَمَّى

.
الرَّابِعُ : إذَا كَانَ الْآبِقُ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ وَنَفَقَتُهُ تَسْتَغْرِقُ الْجُعْلَ فَلْيَرْفَعْ الْمَجْعُولُ لَهُ أَمْرَهُ لِلْقَاضِي لِيَبِيعَهُ وَيَحْكُمَ بِجُعْلِهِ ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الْجُعْلِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ مِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ .

بَابٌ مَوَاتُ الْأَرْضِ مَوَاتُ الْأَرْضِ .
مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِعِمَارَةٍ وَلَوْ انْدَرَسَتْ ، إلَّا لِإِحْيَاءٍ .

( بَابٌ ) فِي بَيَانِ الْمَوَاتِ وَإِحْيَائِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( مَوَاتُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا مَوَتَانٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ وَمَيْتَةٌ .
وَأَمَّا بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْمَوْتَانُ بِضَمِّهَا فَهُمَا الْمَوْتُ الذَّرِيعُ ، أَيْ حَقِيقَةُ مَوَاتِ ( الْأَرْضِ مَا ) أَيْ أَرْضٍ جِنْسٍ شَمِلَ كُلَّ أَرْضٍ ( سَلِمَ ) جَرَّدَهُ مِنْ تَاءِ التَّأْنِيثِ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ مَا ، أَيْ خَلَا ( عَنْ الِاخْتِصَاصِ ) أَيْ كَوْنِهِ مُخْتَصًّا بِأَحَدٍ ، فَصْلٌ مُخْرِجٌ غَيْرَ الْمَوَاتِ .
ابْنُ عَرَفَةَ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ لَقَبٌ لِتَعْمِيرِ دَائِرِ الْأَرْضِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ انْصِرَافِ الْمُعَمِّرِ عَنْ انْتِفَاعِهِ بِهَا وَمَوَاتُ الْأَرْضِ .
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ رَوَى ابْنُ غَانِمٍ مَوَاتُ الْأَرْضِ هِيَ لَا نَبَاتَ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فَاطِرٌ ، فَلَا يَصِحُّ الْإِحْيَاءُ إلَّا فِي الْبُورِ .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَوَاتُ الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ الِاخْتِصَاصِ فَتَبِعَ مَعَ ابْنِ شَاسٍ الْغَزَالِيَّ ، وَتَرَكَا رِوَايَةَ ابْنِ غَانِمٍ ، وَهِيَ أَجْلَى لِعَدَمِ تَوَقُّفِ تَصَوُّرِ مَدْلُولِهَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَمُوجِبِهِ .
طفي هَذَا التَّعْرِيفُ لِلْغَزَالِيِّ ارْتَكَبَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ ، وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا الْمَوَاتَ بِالسَّالِمِ عَنْ الِاخْتِصَاصِ وَالِاخْتِصَاصُ يَكُونُ بِأَسْبَابٍ لَا تَكُونُ الْأَرْضُ غَيْرَ مَوَاتٍ إلَّا بِاسْتِيفَائِهَا .
ابْنُ شَاسٍ الْمَوَاتُ الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ الِاخْتِصَاصِ ، وَالِاخْتِصَاصُ أَنْوَاعٌ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَنْوَاعَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ حَرِيمَ الْعِمَارَةِ لَا يُسَمَّى مَوَاتًا ، وَهُوَ يُخَالِفُ قَوْلَهُ حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى الْإِحْيَاءِ .
الْمَوَاتُ قِسْمَانِ : قَرِيبٌ مِنْ الْعُمْرَانِ وَبَعِيدٌ ، فَالْقَرِيبُ يَفْتَقِرُ إحْيَاؤُهُ لِإِذْنِ الْإِمَامِ لِوُقُوعِ التَّشَاحِّ فِيهِ ، بِخِلَافِ الْبَعِيدِ ، وَهُوَ مَا خَرَجَ عَمَّا يَحْتَاجُهُ أَهْلُ

الْعِمَارَةِ مِنْ مُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى إلَخْ ، وَكَذَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ يُطْلِقُونَ عَلَى الْحَرِيمِ مَوَاتًا قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا ، فَاعْجَبْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ كَيْفَ ارْتَكَبُوا هَذَا الْحَدَّ وَلَمْ يَتَنَبَّهُوا أَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِكَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، بَلْ لِكَلَامِهِمْ ، ، فَالصَّوَابُ فِي تَعْرِيفِ الْمَوَاتِ عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يُعَمَّرْ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَصَاحِبُ اللُّبَابِ ، وَالْمُحَيَّاةُ مَا عُمِّرَتْ ، وَالْإِحْيَاءُ التَّعْمِيرُ .
الْبُنَانِيُّ وَفِي التَّوْضِيحِ إشَارَةٌ إلَى نَحْوِ هَذَا الْإِيرَادِ عِنْدَ تَقْسِيمِ الْمَوَاتِ إلَى قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ قَوْلِهِ بِعِمَارَةٍ مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ ، فَيَخْرُجُ بِهِ كُلُّ مَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِصَاصُ بِغَيْرِ الْعِمَارَةِ كَالْحَرِيمِ وَالْحِمَى وَمَا أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَلَوْ انْدَرَسَتْ إلَخْ مُبَالَغَةً عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ أَنَّ الْمُعَمَّرَ لَيْسَ بِمَوَاتٍ ، وَيُقَدَّرُ لِقَوْلِهِ وَبِحَرِيمِهَا عَامِلٌ يُنَاسِبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ بِهِ كَذَا فِي نُسْخَةِ الْبُنَانِيِّ الَّتِي بِيَدِي ، وَصَوَابُهُ يَدْخُلُ ، إذْ الْمَقْصُودُ إدْخَالُ الْحَرِيمِ وَالْحِمَى وَالْمُقْطَعِ فِي الْمَوَاتِ ، وَلِأَنَّ قَيْدَ الْقَيْدِ لِلْإِدْخَالِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ .
الْحَطّ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَعْرِيفِ الْمَوَاتَ إمَّا ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ فِي الْوُجُودِ فَلِتَقَدُّمِهِ طَبْعًا قَدَّمَهُ وَضْعًا ، وَإِمَّا ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَوَاتِ وَاحِدَةٌ وَالْإِحْيَاءُ يَكُونُ بِأُمُورٍ كُلٌّ مِنْهَا مُضَادُّ الْمَوَاتِ ، فَاحْتَاجَ إلَى ذِكْرِهِ أَوَّلًا لِيَذْكُرَ أَضْدَادَهُ بَعْدَهُ .
وَصِلَةُ الِاخْتِصَاصِ ( بِعِمَارَةٍ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ تَعْمِيرٍ ، فَالْأَرْضُ الْمُعَمَّرَةُ لَيْسَتْ مَوَاتًا إنْ بَقِيَتْ الْعِمَارَةُ ، بَلْ ( وَلَوْ انْدَرَسَتْ ) أَيْ فَنِيَتْ الْعِمَارَةُ وَعَادَتْ الْأَرْضُ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ تَعْمِيرِهَا فَلَا يَزُولُ اخْتِصَاصُ مُحْيِيهَا عَنْهَا فِي

كُلِّ حَالٍ ( إلَّا لِإِحْيَاءٍ ) مِنْ شَخْصٍ آخَرَ بَعْدَ طُولِ انْدِرَاسِ عِمَارَةِ الْأَوَّلِ ، فَيَزُولُ اخْتِصَاصُ الْأَوَّلِ وَيَخْتَصُّ الثَّانِي بِهَا ، فِيهَا مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى دَثَرَتْ وَطَالَ زَمَانُهَا وَهَلَكَتْ أَشْجَارُهَا وَتَهَدَّمَتْ آبَارُهَا وَعَادَتْ كَأَوَّلِ مَرَّةٍ ثُمَّ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَهِيَ لِمُحْيِيهَا آخِرًا .
ابْنُ يُونُسَ قِيَاسًا عَلَى الصَّيْدِ إذَا أَفْلَتَ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ وَطَالَ زَمَانُهُ ثُمَّ صَادَهُ آخَرُ فَهُوَ لِلثَّانِي .
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هَذَا إذَا أَحْيَا فِي غَيْرِ أَصْلٍ كَانَ لَهُ ، فَأَمَّا مَنْ مَلَكَ أَرْضًا بِخِطَّةٍ أَوْ شِرَاءٍ ثُمَّ أَسْلَمَهَا فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَهَا .
الْبَاجِيَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا ثُمَّ انْدَرَسَتْ فَلَا يَرْتَفِعُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِانْدِرَاسِهَا اتِّفَاقًا .
ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا يَكُونُ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ انْدِرَاسِهَا وَعَوْدِهَا لِحَالِهَا الْأَوَّلِ .
وَأَمَّا إنْ أَحْيَاهَا الثَّانِي بِحِدْثَانِ انْدِرَاسِهَا وَعَوْدِهَا لِحَالِهَا الْأَوَّلِ ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِالْأَوَّلِ فَلَهُ قِيمَةُ عِمَارَتِهِ قَائِمَةً لِلشُّبْهَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَتُهَا مَنْقُوضَةً بَعْدَ يَمِينِ الْأَوَّلِ إنْ تَرَكَهُ إيَّاهَا لَمْ يَكُنْ إسْلَامًا لَهَا ، وَأَنَّهُ كَانَ نَاوِيًا إعَادَتَهَا الْحَطّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِعَدَمِ عِلْمِ أَوَّلِ عِمَارَةِ الثَّانِي وَسُكُوتِهِ ، وَإِلَّا كَانَ سُكُوتُهُ دَلِيلًا عَلَى إسْلَامِهِ إيَّاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ حَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا يُفِيدُهُ نَقْلُهُ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ الْعِمَارَةَ تَارَةً تَكُونُ نَاشِئَةً عَنْ إحْيَاءٍ ، وَتَارَةً عَنْ مِلْكٍ ، وَيَحْصُلُ الِاخْتِصَاصُ بِهَا إذَا لَمْ تَنْدَرِسْ فِي الْقِسْمَيْنِ ، فَإِنْ انْدَرَسَتْ فَإِنْ كَانَتْ عَنْ مِلْكٍ كَإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ فَالِاخْتِصَاصُ بَاقٍ اتِّفَاقًا خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ ، وَلَوْ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ انْدَرَسَتْ ، وَإِنْ كَانَتْ

عَنْ إحْيَاءٍ فَهَلْ الِاخْتِصَاصُ بَاقٍ أَوْ لَا ؟ قَوْلَانِ ، وَعَلَى الثَّانِي دَرَجَ الْمُصَنِّفُ ، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِطُولِ زَمَنِ الِانْدِرَاسِ ، هَذَا هُوَ الْحَقُّ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، فَقَوْلُهُ بِعِمَارَةٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ مِلْكٍ أَوْ إحْيَاءٍ ، وَقَوْلُهُ : وَلَوْ انْدَرَسَتْ لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ فَقَطْ لَا لِلْإِشَارَةِ لِلْخِلَافِ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِأَنْ كَانَ أَوْفَقَ بِاصْطِلَاحِهِ ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِإِحْيَاءٍ بِمَعْنَى عَنْ ، أَيْ إلَّا الْعِمَارَةَ النَّاشِئَةَ عَنْ إحْيَاءٍ فَانْدِرَاسُهَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِ مُحْيِيهَا ، وَبِهَذَا يُوَافِقُ كَلَامُهُ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَضَيْحٍ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَالِاخْتِصَاصُ عَلَى وُجُوهٍ : الْأَوَّلُ الْعِمَارَةُ وَلَوْ انْدَرَسَتْ ، فَإِنْ كَانَتْ عِمَارَةَ إحْيَاءٍ فَانْدَرَسَتْ فَقَوْلَانِ .
قَالَ فِي ضَيْحٍ مُرَادُهُ عِمَارَةُ مِلْكٍ لِمُقَابِلَتِهَا بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ عِمَارَةَ إحْيَاءٍ فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ انْدِرَاسَهَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِ مُحْيِيهَا فَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَهَا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَالثَّانِي : لِسَحْنُونٍ أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ أَعْمَرَهَا غَيْرُهُ حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ ، وَحَكَى عَنْهُ ثَالِثٌ إنْ كَانَتْ قَرِيبًا مِنْ الْعُمْرَانِ ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدًا ، فَالثَّانِي أَوْلَى بِهَا قَالَ ، وَقَوْلُهُ عِنْدِي صَحِيحٌ عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَا قَرُبَ لَا يُحْيَا إلَّا بِقَطْعِهِ مِنْ الْإِمَامِ فَكَأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا ، وَسَأَلَ ابْنُ عَبْدُوسٍ سَحْنُونًا هَلْ تُشْبِهُ هَذِهِ مَسْأَلَةَ الصَّيْدِ فَقَالَ لَا .
الْبَاجِيَّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّيْدَ لَوْ ابْتَاعَهُ ثُمَّ نَدَّ وَاسْتَوْحَشَ كَانَ لِمَنْ صَادَهُ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَتَبَوَّرَتْ فَأَحْيَاهَا غَيْرُهُ أَنَّهَا لِمُشْتَرِيهَا ، ثُمَّ قَالَ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا الْعِمَارَةُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمِلْكِ كَافٍ فِي الِاخْتِصَاصِ لَا يَفْتَقِرُ لِعِمَارَةٍ ، وَأُجِيبُ

بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِيُقَسِّمَ الْعِمَارَةَ .
ا هـ .
وَكَذَا يُقَالُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَبِحَرِيمِهَا .
كَمُحْتَطَبٍ .
وَ مَرْعًى .
يُلْحَقُ غُدُوًّا ، وَرَوَاحًا لِبَلَدٍ .

( وَ ) يَكُونُ الِاخْتِصَاصُ أَيْضًا ( بِحَرِيمِهَا ) أَيْ بِسَبَبِ كَوْنِ الْأَرْضِ حَرِيمًا لِلْعِمَارَةِ .
ابْنُ شَاسٍ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الِاخْتِصَاصِ أَنْ تَكُونَ حَرِيمُ عِمَارَةٍ فَيَخْتَصُّ بِهَا صَاحِبُ الْعِمَارَةِ ، وَلَا يَمْلِكُ إلَّا بِإِحْيَاءٍ وَلَا يُحْيِي إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ قَرُبَ مِنْ الْعِمَارَةِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَلَمَّا كَانَ حَرِيمُ الْعِمَارَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ( كَمُحْتَطَبٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ مَوْضِعِ قَطْعِ الْحَطَبِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِلْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَنَحْوِهِمَا ( وَمَرْعًى ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ مَوْضِعِ رَعْيِ الدَّوَابِّ ( يُلْحَقُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ يَصِلُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ لِلِاحْتِطَابِ أَوْ الرَّعْيِ الْمُحْتَطَبَ وَالْمَرْعَى ( غُدُوًّا ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْوَاوِ ، أَيْ قَبْلَ زَوَالِ يَوْمِهِ .
( وَ ) يَرْجِعُ مِنْهُ لِلْبَلَدِ ( رَوَاحًا ) بِفَتْحِ الرَّاءِ ، أَيْ قَبْلَ مَغِيبِ شَمْسِ يَوْمِهِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي طَبْخِ الْعَشَاءِ وَنَحْوَهُ ، وَبِحَلْبِ الدَّوَابِّ فِيهِ وَمَا لَا يَلْحَقُ كَذَلِكَ ، فَلَيْسَ حَرِيمًا وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ ( لِبَلَدٍ ) أُنْشِئَتْ بِمَوَاتٍ .
ابْنِ شَاسٍ حَرِيمُ الْبَلَدِ مَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا بِحَيْثُ تَلْحَقُهُ مَوَاشِيهَا بِالرَّعْيِ فِي غُدُوِّهَا وَرَوَاحِهَا ، وَهُوَ لَهُمْ مَسْرَحٌ وَمُحْتَطَبٌ فَهُوَ حَرِيمُهَا ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إحْيَاؤُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ ابْنُ حَبِيبٍ الشَّعْرَاءُ الْمُجَاوِرَةُ لِلْقُرَى أَوْ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَهُمَا لَا يَقْطَعُ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْعَفَا مِنْ الْأَرْضِ الَّذِي هُوَ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، إنَّمَا هِيَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ كَالسَّاحَةِ لِلدُّورِ ، وَإِنَّمَا الْعَفَا مَا بَعُدَ وَتُعُقِّبَ فَضْلُ قَوْلِهِ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ شَيْئًا مِنْ الشَّعْرَاءِ فَقَالَ وَأَيْنَ يَقْطَعُ الْإِمَامُ إلَّا فِيمَا

قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ ، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الشَّعْرَاءَ الْقَرِيبَةَ جِدًّا ؛ لِأَنَّ إقْطَاعَهَا ضَرَرٌ فِي قَطْعِ مَرَافِقِهِمْ الَّتِي يَخْتَصُّونَ بِهَا لِقُرْبِهِمْ ابْنُ رُشْدٍ الْقَرِيبُ مِنْ الْعُمْرَانِ قِسْمَانِ الْقَرِيبُ الَّذِي فِي إحْيَائِهِ ضَرَرٌ كَالْأَفْنِيَةِ الَّتِي أُخِذَ شَيْءٍ مِنْهَا ضَرَرٌ بِالطَّرِيقِ وَشَبَهِهِ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ بِحَالٍ ، وَلَا يُبِيحُهُ الْإِمَامُ وَنَحْوُهُ نَقَلَ الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُنْظَرُ فِيمَا قَرُبَ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ ضَرَرٌ فِي مَسْرَحٍ أَوْ مُحْتَطَبٍ مُنِعَ .

وَمَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ .
وَلَا يَضُرُّ بِمَا لِبِئْرٍ .
( وَ ) كَ ( مَا ) بِالْقَصْرِ ، أَيْ قَدْرٍ مِنْ الْأَرْضِ ( لَا يُضَيِّقُ ) مَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ مُثَقَّلًا فَقَافٍ ( عَلَى وَارِدِ ) الْبِئْرَ مِنْ الدَّوَابِّ ( وَلَا يَضُرُّ بِمَاءٍ ) بِالْمَدِّ بِتَنْشِيفٍ أَوْ تَنْقِيصٍ .
" غ " كَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِنَفْيِ الْفِعْلَيْنِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ رِوَايَتَانِ مَا لَا يَضُرُّ وَمَا يَضُرُّ .
عِيَاضٌ كِلَاهُمَا صَوَابٌ فَمَا يَضُرُّ هُوَ حَرِيمُهَا وَمَا لَا يَضُرُّ هُوَ حَدُّ حَرِيمِهَا .
ابْنُ يُونُسَ وَأَمَّا الْبِئْرُ فَلَيْسَ لَهَا حَرِيمٌ مَحْدُودٌ لِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ بِالرَّخَاوَةِ وَالصَّلَابَةِ ، وَلَكِنَّ حَرِيمَهَا مَا لَا ضَرَرَ مَعَهُ عَلَيْهَا ، وَهُوَ مِقْدَارُ مَا لَا يَضُرُّ بِمَائِهَا وَلَا يُضَيِّقُ مَنَاخَ إبِلِهَا وَلَا مَرَابِضَ مَوَاشِيهَا عِنْدَ وُرُودِهَا وَلِأَهْلِ الْبِئْرِ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا أَوْ يَبْنِيَ فِي ذَلِكَ الْحَرِيمِ وَهَذَا حَرِيمٌ ( لِبِئْرٍ ) سَوَاءٌ كَانَتْ لِسَقْيِ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا عِيَاضٌ حَرِيمُ الْبِئْرِ مَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا يَحْدُثَ بِهَا مَا يَضُرُّ بِهَا لَا بَاطِنًا مِنْ حَفْرِ بِئْرٍ يُنْقِصُ مَاءَهَا أَوْ يُذْهِبُهُ أَوْ يُغَيِّرُهُ بِطَرْحِ نَجَاسَةٍ فِيهِ يَصِلُ إلَيْهَا وَسَخُهَا وَلَا ظَاهِرًا كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ .

وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِنَخْلَةٍ .
وَ ) كَ ( مَا ) بِالْقَصْرِ ، أَيْ قَدْرٍ مِنْ الْأَرْضِ ( فِيهِ مَصْلَحَةٌ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ مَنْفَعَةُ حَرِيمٍ بِالنِّسْبَةِ ( لِنَخْلَةٍ ) ابْنُ يُونُسَ سَأَلَ ابْنُ غَانِمٍ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنْ حَرِيمِ النَّخْلَةِ ، فَقَالَ قَدْرُ مَا يَرَى أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَتَهَا ، وَيَتْرُكُ مَا أَضَرَّ بِهَا وَيَسْأَلُ عَنْهُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ ، وَقَدْ قَالُوا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا إلَى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ ، وَذَلِكَ حَسَنٌ ، وَسَأَلَ عَنْ الْكَرْمِ أَيْضًا فَقَالَ يَسْأَلُ عَنْهُ ، وَعَنْ كُلِّ شَجَرَةٍ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَلِكُلِّ شَجَرَةٍ بِقَدْرِ مَصْلَحَتِهَا .

وَمَطْرَحِ تُرَابٍ .
وَمَصَبِّ مِيزَابٍ لِدَارٍ .
( وَ ) كَ ( مَطْرَحِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِهْمَالِ الْحَاءِ ، أَيْ مَوْضِعِ طَرْحِ ( تُرَابٍ وَ ) كَ ( مَصَبِّ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ مَوْضِعِ مَاءٍ مَصْبُوبٍ مِنْ ( مِيزَابٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فَزَايٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَيْ آلَةٍ مُجَوَّفَةٍ تُجْعَلُ فِي طَرَفِ سَطْحِ الدَّارِ يَنْزِلُ مِنْهَا الْمَاءُ الْمُجْتَمِعُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا حَرِيمٌ ( لِدَارٍ ) مُنْشَأَةٍ فِي مَوَاتٍ ابْنُ شَاسٍ حَرِيمُ الدَّارِ الْمَحْفُوفَةِ بِالْمَوَاتِ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ مِنْ مَطْرَحِ تُرَابٍ وَمَصَبِّ مِيزَابٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ أَعْرِفْهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِحَالٍ إنَّمَا هُوَ لِلْغَزَالِيِّ لَكِنْ مَسَائِلُ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا .

وَلَا تَخْتَصُّ مَحْفُوفَةٌ بِأَمْلَاكٍ .
وَلِكُلٍّ .
الِانْتِفَاعُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْآخَرِ .

( وَلَا تَخْتَصُّ ) دَارٌ ( مَحْفُوفَةٌ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ الْأُولَى ، أَيْ مَحُوطَةٌ ( بِأَمْلَاكٍ ) دُورٍ أَوْ غَيْرِهَا بِحَرِيمٍ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ الَّتِي بَيْنَهَا سَاحَةٌ ( الِانْتِفَاعُ ) بِهَا وَضْعُ مَتَاعٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ رَبْطُ دَابَّةٍ ( مَا لَمْ يَضُرَّ ) بِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ الَّذِينَ لَهُمْ حَقٌّ فِيهَا .
ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ لِكُلٍّ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِهِ وَحَرِيمِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَسْوِيَةِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَحَرِيمِهِ بِمُجَرَّدِ عَطْفِهِ عَلَيْهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى حَرِيمِهِ الْمُغَايِرَ لِمُسَمَّى مِلْكِهِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْفِنَاءِ وَلَيْسَ انْتِفَاعُهُ بِهِ كَانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِهِ ، إذْ يَجُوزُ كِرَاءُ مِلْكِهِ مُطْلَقًا .
وَأَمَّا فِنَاؤُهُ فَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا لِأَرْبَابِ الْأَفْنِيَةِ الَّتِي انْتِفَاعُهُمْ بِهَا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ أَنْ يُكْرُوهَا .
ابْنُ رُشْدٍ كُلُّ مَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ كُلِّيَّةٌ غَيْرُ صَادِقَةٍ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهُ ، كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَبَيْتِ الْمَدْرَسَةِ لِلطَّالِبِ وَنَحْوِهِ وَفِنَاءِ الدَّارِ هُوَ مَا بَيْنَ يَدَيْ بِنَائِهَا فَاضِلًا عَنْ الطَّرِيقِ الْمُعَدِّ لِلْمُرُورِ وَغَالِبًا كَانَ بَيْنَ يَدَيْ بَابِهَا أَوْ غَيْرِهِ .
وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخنَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ الْكَائِنُ بَيْنَ يَدَيْ بَابِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الْقَسْمِ وَإِنْ قَسَمَا دَارًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ طَائِفَةً .
فَمَنْ صَارَتْ لَهُ الْأَجْنِحَةُ فِي حَظِّهِ فَهِيَ لَهُ وَلَا تُعَدُّ مِنْ الْفِنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ فِي هَوَاءِ الْأَفْنِيَةِ ، وَفِنَاءُ الدَّارِ لَهُمْ أَجْمَعِينَ الِانْتِفَاعُ بِهِ نَقَلَهُ " غ " قَالَ لِفَوَائِدِهِ وَأَمَّا الْمُنَاقَشَةُ فَأَمْرُهَا سَهْلٌ .

وَبِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ
وَيَكُونُ الِاخْتِصَاصُ ( بِ ) سَبَبِ ( إقْطَاعٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ إعْطَاءٍ مِنْ الْإِمَامِ أَرْضًا مَوَاتًا .
ابْنُ شَاسٍ النَّوْعُ الْآخَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِصَاصِ الْإِقْطَاعُ فَإِذَا أَقْطَعَ الْإِمَامُ رَجُلًا أَرْضًا كَانَتْ مِلْكًا لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا وَلَا عَمِلَ فِيهَا شَيْئًا يَبِيعُ وَيَهَبُ وَيَتَصَرَّفُ وَيُورَثُ عَنْهُ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِسَبِيلٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ ، رَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْمَهَامِهِ وَالْفَيَافِي أَوْ قَرِيبَةً مِنْ الْعُمْرَانِ .

وَلَا يُقْطِعُ مَعْمُورَ الْعَنْوَةِ مِلْكًا
( وَلَا يُقْطِعُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ لَا يُعْطِي الْإِمَامُ مَكَانًا ( مَعْمُورَ ) أَرْضَ ( الْعَنْوَةِ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ ، أَيْ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالْجِهَادِ ، أَيْ الْأَرْضَ الْمَعْمُورَةَ ، أَيْ الصَّالِحَةَ لِزِرَاعَةِ الْحُبُوبِ الْمَفْتُوحَةَ بِالْجِهَادِ حَالَ كَوْنِهَا ( مِلْكًا ) أَيْ مَمْلُوكَةً لِمَنْ أُقْطِعَتْ هِيَ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا وُقِفَتْ بِمُجَرَّدِ فَتْحِهَا ، وَيُقْطِعُهَا لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهَا حَيَاتَهُ أَوْ مُدَّةً مَحْدُودَةً وَبَعْدَهَا يَرْجِعُ حُكْمُهَا لِلْإِمَامِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْإِقْطَاعِ .
فِيهَا لَا يَجُوزُ شِرَاءُ أَرْضِ مِصْرَ وَلَا تُقْطَعُ لِأَحَدٍ ، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ : لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً .
ابْنُ رُشْدٍ الْإِقْطَاعُ فِي الْبَرَارِيِّ وَالْمَعْمُورِ إلَّا مَعْمُورَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ الَّتِي حُكْمُهَا كَوْنُهَا مَوْقُوفَةً ابْنُ عَرَفَةَ أَرَادَ إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ وَأَمَّا إقْطَاعُهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مُدَّةً فَجَائِزٌ قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ { أَقْطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضًا بِهَا نَخْلٌ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ } وَأَقْطَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ النَّاسَ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ .

وَبِحِمَى إمَامٍ مُحْتَاجًا إلَيْهِ .
قَلَّ مِنْ بَلَدٍ عَفَا .
لِكَغَزْوٍ
( وَ ) يَكُونُ الِاخْتِصَاصُ ( بِحِمَى ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مَقْصُورًا ، أَيْ حِمَايَةِ وَمَنْعِ ( إمَامٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَكَانًا ( مُحْتَاجًا ) إلَيْهِ لِمَنْفَعَةِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ ( قَلَّ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا الْمَكَانُ الْمَحْمِيُّ وَفَضَلَ عَنْ حَاجَةِ أَهْلِهِ ( مِنْ بَلَدٍ ) أَيْ أَرْضٍ ( عَفَا ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ خَلَا عَنْ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ ، وَصِلَةُ مُحْتَاجًا ( لِ ) دَوَابَّ ( كَغَزْوٍ ) وَصَدَقَةٍ رَوَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ وَقَالَ لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ } بِالنُّونِ ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْمُنْتَخَبِ حَمَى الْعَقِيقَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ تَرْعَى فِيهِ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا أَصَحُّ أَحَادِيثِ الْحِمَى ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظُ النَّقِيعِ وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ عَتِيقَةٍ مِنْ الْبَاجِيَّ وَأَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ بِالنُّونِ قَبْلَ الْقَافِ ، وَذَكَرَ الْبَكْرِيُّ بِالْبَاءِ قَبْلَ الْقَافِ وَكَذَا وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ عَتِيقَةٍ مِنْ النَّوَادِرِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى نَقْلِ اللُّغَوِيِّينَ وَأَطَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْكَلَامَ فَانْظُرْهُ وَانْظُرْ الْحَطَّابَ فَقَدْ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ ، وَأَتْبَعَهُ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ ابْنُ شَاسٍ : النَّوْعُ الْآخَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِصَاصِ الْحِمَى .
الْبَاجِيَّ ، وَهُوَ أَنْ يَحْمِيَ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ بِهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ لِذَلِكَ كَمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ وَالْخَيْلِ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا الْغَازِينَ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُهُ كَمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ يَقُومُ مِنْهُ جَوَازُ طُولِ تَأْخِيرِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ لِتَرَجِّي مَصْرِفِهَا .

وَافْتَقَرَ لِإِذْنٍ ، وَإِنْ مُسْلِمًا ، إنْ قَرُبَ ، وَإِلَّا فَلِلْإِمَامِ .
إمْضَاؤُهُ ، أَوْ جَعْلُهُ مُتَعَدِّيًا
( وَافْتَقَرَ ) إحْيَاءُ الْمَوَاتِ ( لِإِذْنِ ) مِنْ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُحْيِي مُسْلِمًا ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( مُسْلِمًا إنْ قَرُبَ ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ الْمَوَاتُ مِنْ الْعُمْرَانِ .
ابْنُ رُشْدٍ الْمَشْهُورُ فِي الْمَوَاتِ الْقَرِيبِ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِي إحْيَائِهِ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ .
الْحَطّ الْقَرِيبُ هُوَ حَرِيمُ الْعِمَارَةِ مِمَّا يَلْحَقُونَهُ غُدُوًّا وَرَوَاحًا ا هـ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فِي إحْيَاءِ الْقَرِيبِ وَأُحْيِيَ ( فَلِلْإِمَامِ إمْضَاؤُهُ ) أَيْ الْإِحْيَاءِ وَإِبْقَاؤُهُ مِلْكًا لِمُحْيِيهِ ( وَ ) لَهُ ( جَعْلُهُ ) أَيْ الْمُحْيِي بِغَيْرِ إذْنِهِ ( مُتَعَدِّيًا ) فَيُعْطِيهِ قِيمَةَ بِنَائِهِ أَوْ غَرْسِهِ مَقْلُوعًا ، وَيُبْقِيهِ لِبَيْتِ الْمَالِ .
الْبَاجِيَّ إذَا قُلْنَا لَا يُحْيَا مَا قَرُبَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَأُحْيِيَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ ، فَإِنْ رَأَى إنْفَاذَهُ فَعَلَ وَإِلَّا أَزَالَهُ وَأَعْطَاهُ غَيْرَهُ أَوْ بَاعَهُ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .

بِخِلَافِ الْبَعِيدِ ، وَلَوْ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ

( بِخِلَافِ ) إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ( الْبَعِيدِ ) مِنْ الْعُمْرَانِ فَلَا يَحْتَاجُ لِإِذْنِ الْإِمَامِ .
ابْنُ رُشْدٍ حَدُّ الْبَعِيدِ مِنْ الْعُمْرَانِ الَّذِي يَكُونُ لِمَنْ أَحْيَاهُ دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ مَسْرَحُ الْعُمْرَانِ وَاحْتِطَابُ الْمُحْتَطِبِينَ إذَا رَجَعُوا إلَى الْبَيْتِ فِي مَوَاضِعِهِمْ مِنْ الْعُمْرَانِ إنْ كَانَ الْمُحْيِي مُسْلِمًا ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ) الْأَخَوَانِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ كُلِّهِ وَالنُّجُودِ .
اللَّخْمِيُّ الْحِجَازُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَنُ .
الْبَاجِيَّ إنْ أَحْيَا ذِمِّيٌّ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ : هِيَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِحَدِيثِ { لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ } ، وَإِنَّمَا يُحْيِي الذِّمِّيُّ فِيمَا بَعُدَ .
وَأَمَّا مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ فَيَخْرُجُ عَنْهُ ، وَيُعْطَى قِيمَةَ مَا عَمَّرَ مَنْقُوضًا ؛ لِأَنَّ مَا قَرُبَ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ وَالذِّمِّيُّ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْفَيْءِ وَلَا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ كُلِّهِ وَالنُّجُودِ وَالْيَمَنِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَلَوْ قِيلَ إنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَعُدَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَفَيْءِ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ تَمَلُّكُهُ وَلَا قَسْمُهُ وَلَا بَيْعُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَنْ لَا يُحْيِيَهُ عَبْدٌ وَلَا مَرْأَةٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهِ ، ثُمَّ قَالَ فِي إحْيَاءِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ مَا قَرُبَ مَضَرَّةٌ فَلَا يَأْذَنُ فِيهِ الْإِمَامُ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ لَمْ يَبْعُدْ .
اللَّخْمِيُّ يَخْرُجُ إنَّ عَمَّرَ فِيمَا قَرُبَ .
وَلِابْنِ الْقَصَّارِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ فِي الْإِحْيَاءِ غَيْرَ مُفَرِّقٍ بَيْنَ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ .
قُلْت فَفِي جَوَازِهِ لَهُ مُطْلَقًا وَمَنْعِهِ مُطْلَقًا .
ثَالِثُهَا فِيمَا بَعُدَ لِقَوْلِ الْبَاجِيَّ لَوْ قِيلَ حُكْمُ الذِّمِّيِّ حُكْمُ

الْمُسْلِمِ فِيمَا قَرُبَ لَمْ يَبْعُدْ .
وَقَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَالْمَشْهُورُ وَعَزَا ابْنُ شَاسٍ الْأَوَّلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِقَوْلِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ إلَّا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ .
وَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَصَّارِ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ إنْ عَمَّرَ فِيمَا بَعُدَ فَذَلِكَ لَهُ ، وَفِيمَا قَرُبَ يَخْرُجُ وَلَوْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ فَيْءٌ وَتَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ .
طفي دَرَجَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ فِي إحْيَاءِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، مَعَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ : هَذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ إلَّا أَنَّ الْبَاجِيَّ رَكَنَ إلَيْهِ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى أَنَّ الْبَاجِيَّ بَعْدَ رُكُونِهِ إلَيْهِ أَتَى بِمَا يُنَاقِضُهُ ، فَقَالَ وَفِي إحْيَاءِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ مَا قَرُبَ مَضَرَّةٌ فَلَا يَأْذَنُ فِيهِ الْإِمَامُ ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ لَوْ قِيلَ حُكْمُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْعُدْ ، وَالْقَوْلُ بِإِحْيَاءِ الذِّمِّيِّ فِي الْبَعِيدِ دُونَ الْقَرِيبِ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ ، وَصَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ ، فَعَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُؤَاخَذَةُ فِي التَّسْوِيَةِ الْمَذْكُورَةِ ، لَكِنَّ الْعُذْرَ لَهُ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ صَدَّرَ بِهَا وَعَزَاهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ ، وَنَصُّهُ : وَأَمَّا إنْ أَحْيَا الذِّمِّيُّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَمْلِكُ كَالْمُسْلِمِ ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَيْسَ لِلذِّمِّيِّ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ عَمَّرَ فِيمَا بَعُدَ فَذَلِكَ لَهُ ، وَأَمَّا مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ وَلَوْ أَنَّهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُعْطَى قِيمَةَ مَا عَمَّرَ وَيُنْزَعُ مِنْهُ .
ا هـ .
وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَالْإِحْيَاءُ بِتَفْجِيرِ مَاءٍ وَبِإِخْرَاجِهِ ، وَبِبِنَاءٍ وَبِغَرْسٍ ، وَبِحَرْثٍ ، وَتَحْرِيكِ أَرْضٍ ، وَبِقَطْعِ شَجَرٍ ، وَبِكَسْرِ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَتِهَا
( وَالْإِحْيَاءُ ) يَكُونُ ( بِتَفْجِيرِ مَاءٍ ) بِالْمَدِّ مِنْ الْأَرْضِ بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ فَتْقِ عَيْنٍ فِي مَوَاتٍ ( وَبِإِخْرَاجِهِ ) أَيْ الْمَاءِ عَنْ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ الْمَغْمُورَةِ بِهِ ( وَبِبِنَاءٍ ) فِي الْمَوَاتِ ( وَبِغَرْسٍ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ لِشَجَرٍ فِي الْمَوَاتِ ( وَبِحَرْثٍ ) لِلْمَوَاتِ ( وَبِتَحْرِيكِ أَرْضٍ ) مَوَاتٍ بِغَيْرِ الْحَرْثِ ( وَبِقَطْعِ شَجَرٍ ) لَا ثَمَرَ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ ( وَبِكَسْرِ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَتِهَا ) أَيْ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ .
الْبَاجِيَّ أَمَّا صِفَةُ الْإِحْيَاءِ فَقَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمَجْمُوعَةِ : إحْيَاءُ الْأَرْضِ أَنْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ يَجْرِي عَيْنًا أَوْ يَغْرِسَ شَجَرًا أَوْ يَبْنِيَ أَوْ يَحْرُثَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ إحْيَاءٌ ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ .
عِيَاضٌ اُتُّفِقَ عَلَى سَبْعَةٍ : تَفْجِيرُ الْمَاءِ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ غَامِرِهَا بِهِ وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَالْحَرْثُ ، وَمِثْلُهُ تَحْرِيكُ الْأَرْضِ بِالْحَفْرِ وَقَطْعُ شَجَرِهَا ، وَسَابِعُهَا كَسْرُ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَةُ حُرُوفِهَا وَتَعْدِيلُ أَرْضِهَا .

لَا بِتَحْوِيطٍ
( لَا ) يَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ ( بِتَحْوِيطٍ ) عَلَى الْمَوَاتِ بِنَحْوِ حِجَارَةٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسَ التَّحْجِيرُ إحْيَاءٌ أَشْهَبَ مَنْ حَجَرَ أَرْضًا مَوَاتًا بَعِيدَةً فَلَا يَكُونُ أَوْلَى بِهَا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ حَجَرَهَا لِيَعْمَلَ فِيهَا إلَى أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ لِيُمْكِنَهُ الْعَمَلُ بِيُبْسِ الْأَرْضِ أَوْ إخْلَاءِ الْأُجَرَاءِ وَنَحْوِهِ ، فَأَمَّا مَنْ حَجَرَ مَا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ فَلَهُ مِنْهُ مَا عَمِلَ

وَرَعْيِ كَلَإٍ
( وَ ) لَا بِ ( رَعْيِ كَلَإٍ ) بِالْقَصْرِ مَهْمُوزًا ، أَيْ خَلًا نَبَتَ بِهَا بِنَفْسِهِ .
مِنْهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَا يَكُونُ الرَّعْيُ إحْيَاءً .
الْبَاجِيَّ وَجْهُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ بَاقٍ فِي الْأَرْضِ

وَحَفْرِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ
( وَ ) لَا بِ ( حَفْرِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ ) الْبَاجِيَّ لَيْسَ حَفْرُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ إحْيَاءً قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ابْنُ عَاشِرٍ مَعْنَاهُ لَيْسَ إحْيَاءً لِلْمَوَاتِ الَّذِي هُوَ بِهِ .

وَجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ
وَجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ ( وَجَازَ بِمَسْجِدٍ ) صِلَةُ ( سُكْنَى ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ مَقْصُورًا ( رَجُلٍ ) لَا مَرْأَةٍ وَلَوْ عَجُوزًا ( تَجَرَّدَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ تَخَلَّى الرَّجُلُ ( لِلْعِبَادَةِ ) كَصَلَاةٍ وَتِلَاوَةِ قُرْآنٍ وَتَعَلُّمِ عِلْمٍ وَتَعْلِيمِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَجَرَّدْ لَهَا فَلَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ لَهُ عَمَّا بُنِيَ لَهُ .
ابْنُ شَاسٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ الْمَسْجِدَ سَكَنًا إلَّا رَجُلٌ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ ، فِيهِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَإِحْيَائِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ فِيهِ دَائِمَ دَهْرِهِ إنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي التَّوْضِيحِ ، الظَّاهِرُ أَنْ يَنْبَغِيَ هَا هُنَا لِلْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى فِي الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ التَّجَرُّدِ لِلْعِبَادَةِ مُمْتَنِعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لَهُ عَمَّا حُبِسَ لَهُ ، وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ هَدْمُ الْمَقَاصِيرِ الَّتِي اُتُّخِذَتْ فِي بَعْضِ الْجَوَامِعِ لِلسُّكْنَى

وَعَقْدُ نِكَاحٍ
( وَ ) جَازَ ( عَقْدُ نِكَاحٍ ) بِمَسْجِدٍ وَاسْتَحْسَنَهُ جَمَاعَةٌ

وَقَضَاءُ دَيْنٍ
( وَ ) جَازَ ( قَضَاءُ دَيْنٍ ) بِمَسْجِدٍ .
سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِفَّةَ كَتْبِ ذِكْرِ الْحَقِّ بِهِ مَا لَمْ يَطُلْ ، وَجَوَازَ قَضَاءِ الْحَقِّ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّجْرِ وَالصَّرْفِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ .
الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ الْبِدَعِ أَرَادَ بِالْقَضَاءِ الْمُعْتَادَ الَّذِي فِيهِ يَسِيرُ الْعَمَلِ وَقَلِيلُ الْعَيْنِ ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْمَالِ الْجَسِيمِ الْمُحْتَاجِ لِلْوَزْنِ وَالنَّقْدِ وَكَثْرَةِ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَيُنْهَى السُّؤَالُ عَنْ السُّؤَالِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ فِيهِ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ سَأَلَ فَلَا يُعْطَى وَأَمَرَ بِحِرْمَانِهِمْ وَرَدِّهِمْ خَائِبِينَ فِي الرِّسَالَةِ يُكْرَهُ الْعَمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ .
ابْنُ نَاجِي يَنْبَغِي أَنْ تُنَزَّهَ الْمَسَاجِدُ عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
عِيَاضٌ بَعْضُ شُيُوخنَا إنَّمَا يُمْنَعُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ عَمَلِ الصِّنَاعَاتِ مَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ آحَادُ النَّاسِ مِمَّا يَتَكَسَّبُ بِهِ فَإِنْ كَانَ يَشْمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِثْلَ الْمُثَاقَفَةِ وَإِصْلَاحِ آلَاتِ الْجِهَادِ مِمَّا لَا مِهْنَةَ لِلْمَسْجِدِ فِي عَمَلِهِ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ الْبِدَعِ لَمْ أَرَ لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " شَيْئًا فِي كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ فِي الْمَسْجِدِ ، فَأَمَّا الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الَّذِي يَصُونُ الْمَسْجِدَ وَيَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فِي الذَّخِيرَةِ يَجْعَلُ الْمَاءَ الْعَذْبَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَقَتْلُ عَقْرَبٍ
( وَ ) جَازَ ( قَتْلُ عَقْرَبٍ ) وَنَحْوَهَا بِمَسْجِدٍ

وَنَوْمٌ بِقَائِلَةٍ
( وَ ) جَازَ ( نَوْمٌ بِقَائِلَةٍ ) فِي مَسْجِدٍ لِمُقِيمِ أَوْ مُسَافِرٍ .
ابْنُ شَاسٍ خُفِّفَ فِي الْقَائِلَةِ وَالنَّوْمِ فِيهَا نَهَارًا لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ

وَتَضْيِيفٌ بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ
( وَ ) جَازَ ( تَضْيِيفٌ ) بِالْفَاءِ ، أَيْ إنْزَالُ الضَّيْفِ وَإِطْعَامُهُ ( بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِقْنَاءِ بِكُلِّ مَسْجِدٍ لِضِيَافَةِ مَنْ أَتَى يُرِيدُ الْإِسْلَامَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يَرَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " بَأْسًا بِأَكْلِ الرُّطَبِ الَّذِي يُجْعَلُ فِي الْمَسَاجِدِ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُرَبَاءَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَأْوًى يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَأْوُوا إلَى الْمَسَاجِدِ وَيَبِيتُوا فِيهَا وَيَأْكُلُوا فِيهَا مَا أَشْبَهَ التَّمْرَ مِنْ الطَّعَامِ الْجَافِّ ، وَقَدْ خَفَّفَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي سَمَاع ابْنِ الْقَاسِمِ لِلضِّيفَانِ الْمَبِيتُ وَالْأَكْلُ فِي مَسَاجِدِ الْقُرَى ؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ لَهَا لِلصَّلَاةِ فِيهَا عَلِمَ أَنَّ الضِّيفَانَ سَيَبِيتُونَ فِيهَا لِضَرُورَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَدْ بَنَاهَا لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ بِنَائِهِ لَهَا إنَّمَا هُوَ لِلصَّلَاةِ فِيهَا ، وَيَجُوزُ لِمَنْ لَا مَنْزِلَ لَهُ أَنْ يَبِيتَ فِي الْمَسْجِدِ .

وَإِنَاءٌ لِبَوْلٍ : إنْ خَافَ سَبُعًا :
وَ ) جَازَ أَنْ يُتَّخَذَ ( إنَاءٌ ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مَمْدُودًا ، أَيْ وِعَاءٌ ( لِبَوْلٍ ) فِيهِ لَيْلًا بِمَسْجِدٍ ( إنْ خَافَ ) الْبَائِتُ فِيهِ ( سَبْقًا ) لِلْبَوْلِ مِنْهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الْقَافِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ بِسَعَةِ إدْخَالِ مَنْ لَا غِنَى عَنْ مَبِيتِهِ بِالْمَسْجِدِ مِنْ سَدَنَتِهِ لِحِرَاسَتِهِ وَمَنْ اُضْطُرَّ لِلْمَبِيتِ بِهِ مِنْ شَيْخٍ ضَعِيفٍ وَزَمِنٍ وَمَرِيضٍ وَرَجُلٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ لَيْلًا لِلْمَطَرِ وَالرِّيحِ وَالظُّلْمَةِ ظُرُوفًا لِلْبَوْلِ بِهَا ، فِيهَا نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ مَا يُحْرَسُ اتِّخَاذُهُ بِهَا غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَصَوْنُهَا عَنْ ظُرُوفِ الْبَوْلِ وَاجِبٌ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي نَقْلٍ بِمَعْصِيَةٍ .
الْحَطَّابُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْغَرِيبُ إذَا لَمْ يَجِدْ أَيْنَ يُدْخِلُ دَابَّتَهُ فَإِنَّهُ يُدْخِلُهَا فِي الْمَسْجِدِ إذَا خَافَ عَلَيْهَا مِنْ اللُّصُوصِ .

كَمَنْزِلٍ تَحْتَهُ ، وَمُنِعَ عَكْسُهُ :
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ ( كَ ) اتِّخَاذِ ( مَنْزِلٍ تَحْتَهُ ) أَيْ الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ ( وَمُنِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( عَكْسُهُ ) أَيْ اتِّخَاذِ مَنْزِلٍ فَوْقَ الْمَسْجِدِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ بَنَى فَوْقَهُ بَيْتًا فَلَا يُعْجِبُنِي ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَسْكَنًا يُجَامِعُ فِيهِ وَيَأْكُلُ .
قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ تَحْتَ الْمَسْجِدِ وَيُورَثُ الْبُنْيَانُ الَّذِي تَحْتَ الْمَسْجِدِ وَلَا يُورَثُ الْمَسْجِدُ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ قَدْ أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ أَنَّ لِظَهْرِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِلْمَسْجِدِ وَلَا يُورَثُ الْمَسْجِدُ وَلَا الْبُنْيَانُ الَّذِي فَوْقَهُ وَيُورَثُ الْبُنْيَانُ الَّذِي تَحْتَهُ وَاخْتُلِفَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ هَلْ تُكْرَهُ ابْتِدَاءً ، وَتَصِحُّ إنْ فُعِلَتْ أَوْ لَا تَصِحُّ وَتُعَادُ أَبَدًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَسُكْنَى فَوْقَهُ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ .

كَإِخْرَاجِ رِيحٍ ، وَمُكْثٍ بِنَجَسٍ

وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ ( كَإِخْرَاجِ رِيحٍ ) مِنْ دُبُرٍ بِمَسْجِدٍ فَيُمْنَعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ لِحُرْمَتِهِ وَأَذِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا يُحْدِثُ بِالْمَسْجِدِ حَدَثَ الرِّيحِ ( وَ ) كَ ( مُكْثٍ ) فِي الْمَسْجِدِ ( بِنَجَسٍ ) غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ قَلِيلٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي وُجُوبِ خُرُوجِ مَنْ رَأَى بِثَوْبِهِ كَثِيرَ دَمٍ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَتَرَكَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاتِرًا نَجَاسَتَهُ بِبَعْضِهِ نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَغَيْرِهِ .
ابْنُ الْقَاسِمُ لَا بَأْسَ بِوُضُوءِ ظَاهِرِ الْأَعْضَاءِ بِصَحْنِ الْمَسْجِدِ ، وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ ابْنِ رُشْدٍ قَوْلُ سَحْنُونٍ لَا يَجُوزُ أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ اللَّهِ تَعَالَى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ } ، فَوَجَبَ أَنْ تُرْفَعَ وَتُنَزَّهَ عَنْ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِيهَا لِمَا يَسْقُطُ فِيهَا مِنْ غُسَالَةِ الْأَعْضَاءِ مِنْ أَوْسَاخٍ وَالتَّمَضْمُضِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ، وَقَدْ يَحْتَاجُ لِلصَّلَاةِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ آخَرُ فَيَتَأَذَّى بِالْمَاءِ الْمُهْرَاقِ فِيهِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { اجْعَلُوا مَطَاهِرَكُمْ عَلَى أَبْوَابِ مَسَاجِدِكُمْ } ، وَقَدْ كَرِهَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الْوُضُوءَ بِالْمَسْجِدِ وَإِنْ جَعَلَهُ فِي طَسْتٍ ، وَذُكِرَ أَنَّ هِشَامًا فَعَلَهُ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، أَرَادَ لُقْمَانُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ أَصْحَابِ سَحْنُونٍ وَكَانَ حَافِظَ الْمَذْهَبِ مُفْتِيًا ثِقَةً صَالِحًا غَسْلَ رِجْلَيْهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ فِي جَامِعِ تُونُسَ فَأَنْكَرَ إنْسَانٌ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لُقْمَانُ كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَتَوَضَّأُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَهَذَا يَمْنَعنِي أَنْ أَغْسِلَ رِجْلَيَّ فِي جَامِعِ تُونُسَ .
وَرَوَى الشَّيْخُ يُكْرَهُ : السِّوَاكُ بِالْمَسْجِدِ فِيهَا وَلَا يَأْخُذُ الْمُعْتَكِفُ بِهِ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَإِنْ جَمَعَهُ وَأَلْقَاهُ خَارِجَهُ الْحَطَّابُ بِمَنْعِ الْمُكْثِ بِالنَّجَسِ فِي الْمَسْجِدِ صَدَّرَ ابْنُ شَعْبَانَ ، وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ

فِي الْمُخْتَصَرِ يَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى بِثَوْبِهِ دَمًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا يَخْلَعُهُ فِيهِ ، وَقِيلَ يَخْلَعُهُ وَيَتْرُكُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُغَطِّي الدَّمَ الْقَلْشَانِيُّ وَعَلَيْهِمَا الْخِلَافُ فِي إدْخَالِ النَّعْلِ الَّذِي لَحِقَتْهُ نَجَاسَةٌ فِي مِحْفَظَةٍ أَوْ مَلْفُوفَةٍ فِي خِرْقَةٍ كَثِيفَةٍ الْجُزُولِيُّ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِالثَّوْبِ النَّجِسِ مَكْرُوهٌ ، وَكَذَلِكَ نَعْلَاهُ إذَا كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ فَلَا يُدْخِلُهُمَا الْمَسْجِدَ حَتَّى يَحُكَّهُمَا ، وَلَا يَغْسِلُهُمَا فَإِنَّهُ يُفْسِدُهُمَا .
ا هـ .
فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ فَظَاهِرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ بِأَرْضِهِ وَحَكَّهُ
( وَكُرِهَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( أَنْ يَبْصُقَ بِأَرْضِهِ ) أَيْ عَلَى أَرْضِ الْمَسْجِدِ ( وَحَكَّهُ ) أَيْ مَعَ حَكِّهِ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ التَّصْوِيرِ ، أَيْ الْبُصَاقِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَبْصُقُ أَحَدٌ فِي حَصِيرِ الْمَسْجِدِ وَيُدَلِّكُهُ بِرِجْلِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ تَحْتَ الْحَصِيرِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ غَيْرَ مُحَصَّبٍ فَلَا يَبْصُقُ تَحْتَ قَدَمِهِ وَيَحُكُّهُ بِرِجْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَصِيرِ الْإِمَام مَالِكٌ إنَّ الْمَسْجِدَ مُحَصَّبٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَتَحْتَ قَدَمِهِ وَيَدْفِنَهُ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْصُقَ أَمَامَهُ فِي حَائِطِ الْقِبْلَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ رَجُلٌ وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلٌ فِي الصَّلَاةِ بَصَقَ أَمَامَهُ وَدَفَنَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْنِهِ فَلَا يَبْصُقُ فِي الْمَسْجِدِ بِحَالٍ كَانَ مَعَ النَّاسِ أَوْ وَحْدَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْصُقُ فِي الْقِبْلَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَبْصُقْ فِي ثَوْبِهِ } ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ وَإِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ فَلْيَبْصُقْ إذَا بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ } .
أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَبْصُقَ ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57