كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةٍ ؛ وَإِلَّا قُبِلَ لَهُمَا ؛

( وَلَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ ( مَنْ شَهِدَ لَهُ ) أَيْ الشَّاهِدُ نَفْسُهُ ( بِ ) مَالٍ ( كَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ( بِوَصِيَّةٍ ) لِلتُّهْمَةِ .
وَفِي الْجَلَّابِ قَبُولُهَا لِغَيْرِهِ فَقَطْ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِنَفْسِهِ بِكَثِيرٍ وَشَهِدَ لَهَا بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ بِهَا ( قُبِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَا شَهِدَ بِهِ لَهُمَا .
هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَظَاهِرُهُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مَكْتُوبَةً أَمْ لَا .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَنْهُمَا فِيمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ فِي ذِكْرِ حَقٍّ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ ، فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ عَلَى وَصِيَّةٍ أَوْصَى لَهُ فِيهَا بِشَيْءٍ تَافِهٍ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فَتَجُوزُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُجَازَ الشَّهَادَةُ وَيُرَدَّ بَعْضُهَا ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي رَجُلٍ هَلَكَ فَشَهِدَ رَجُلٌ أَنَّهُ أَوْصَى لِقَوْمٍ بِوَصَايَا وَوَصَّى لِلشَّاهِدِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ أَسْنَدَ الْوَصِيَّةَ إلَى الشَّاهِدِ وَهُوَ يَشْهَدُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ لِنَفْسِهِ تَافِهًا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ .
ابْنُ يُونُسَ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا ضَرُورَةٌ ، إذْ قَدْ يَخْشَى الْمُوصِي مُعَالَجَةَ الْمَوْتِ وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا الَّذِي أَوْصَى لَهُ ، وَلَا ضَرُورَةَ تَلْحَقُ الْمُشْهَدَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَكَمَا أَجَازُوا شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ لِلضَّرُورَةِ وَشَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ .
طفى قَوْلُهُ وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ إلَخْ الْأَوْلَى تَجْرِيدُهُ مِنْ لَا ؛ لِأَنَّهُ مَنْ سَلَكَ مَا قَبْلَهُ وَتَوَهَّمَ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَيْسَ بِمُسَوِّغٍ لِذَلِكَ ، ثُمَّ فِيهِ تَعَدَّى فِعْلُ الْفَاعِلِ الْمُتَّصِلِ إلَى ضَمِيرِهِ الْمُتَّصِلِ ، وَذَلِكَ خَاصٌّ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ

بِشَهِدَ ، بَلْ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ كَثِيرٌ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ ، وَيَصِيرُ فِي الْكَلَامِ رَكَاكَةٌ ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي وَصِيَّةٍ ، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ كَثِيرًا لَمْ يُقْبَلْ فِيهِمَا .
الْبُنَانِيُّ لَا يَبْعُدُ إجْرَاءُ شَهِدَ مَجْرَى أَفْعَالِ الْقُلُوبِ لِرُجُوعِهِ لِلْعِلْمِ .
قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَاصَّ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ رَفْعُهَا وَنَصْبُهَا بِلَا وَاسِطَةِ حَرْفِ جَرٍّ ضَمِيرَيْ وَاحِدٍ ، نَحْوُ عَلِمْتنِي وَخِلْتنِي .
وَأَمَّا رَفْعُ أَحَدِ الضَّمِيرَيْنِ وَنَصْبُ الْآخَرِ بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الْجَرِّ فَلَيْسَ خَاصًّا بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ ، نَحْوُ اشْتَرَيْت لِي وَوَكَّلْت لِي وَاكْتَرَيْت لِي ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَا إنْ دَفَعَ : كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ ، أَوْ الْمُدَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ

( وَلَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ ( إنْ دَفَعَ ) الشَّاهِدُ بِهَا عَنْهُ ضَرَرًا ( كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ ( بِفِسْقِ ) الـ ( شُهُودِ ) الشَّاهِدِينَ عَلَيْهِ بِ ( الْقَتْلِ ) خَطَأً لِاتِّهَامِهِمْ بِقَصْدِهِمْ إسْقَاطَهُمْ غُرْمَ الدِّيَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ ، عَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَجْرَأَ أَوْ يَدْفَعَ بِهَا ، قَالَ أَمَّا الدَّفْعُ فَكَشَاهِدَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ خَطَأً .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِرَدِّ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَاَلَّذِي يَلْزَمُ الْغَنِيَّ أَدَاؤُهُ يَسِيرٌ جِدًّا ، فَتَأَمَّلْ هَذَا ، وَقَابِلْهُ بِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُقْبَلُ هَذَا ا هـ ، فَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ تَقْيِيدَ الشَّاهِدِ بِالْفِسْقِ بِكَوْنِهِ غَنِيًّا ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وتت وعب وشب وَاعْتَمَدَهُ الْبُنَانِيُّ وَالْعَدَوِيُّ .
( أَوْ ) كَشَهَادَةِ ( الْمُدَانِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ الْمَدِينِ ( الْمُعْسِرِ ) فِي الْوَاقِعِ الظَّاهِرُ الْمُلَاءُ الَّذِي يُخْشَى حَبْسُهُ حَتَّى يَثْبُتَ عُسْرُهُ ( لِرَبِّهِ ) أَيْ الدَّيْنِ فَلَا تُقْبَلُ لِاتِّهَامِهِ بِقَصْدِ دَفْعِ ضَرَرِ حَبْسِهِ فِي دَيْنِهِ ، وَمَفْهُومُ الْمُعْسِرِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَدِينِ الْغَنِيِّ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ دَفْعُ مَا عَلَيْهِ وَلَا يُخْشَى حَبْسُهُ فِيهِ لَهُ مَقْبُولَةٌ ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ، وَكَذَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا بِأَجَلٍ بَعِيدٍ ، سَوَاءٌ شَهِدَ لَهُ بِمَالٍ أَوْ اسْتِحْقَاقِ قِصَاصٍ أَوْ حَدِّ قَاذِفٍ أَوْ تَأْدِيبِ سَابٍّ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَهَمِّ الْمَالِ خِلَافًا لِنَقْلِ ابْنِ زَرْقُونٍ عَنْ أَهْلِ النَّظَرِ إجَازَةَ شَهَادَةِ الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ بِغَيْرِ الْمَالِ أَفَادَهُ الْخَرَشِيُّ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَوْنَهُ أَسِيرَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ ، وَرُبَّمَا كَانَ غَيْرُ الْمَالِ أَهَمَّ عِنْدَ الْمَشْهُودِ لَهُ مِنْ الْمَالِ .
ابْنُ عَرَفَةَ

إنْ كَانَ الدَّيْنُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الشَّاهِدِ فَفِي سَمَاعِ زُونَانَ لِأَشْهَبَ جَوَازَهَا كَانَ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا ، خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا السَّمَاعِ ، يُرِيدُ وَالدَّيْنُ حَالٌّ أَوْ قَرِيبَ الْحُلُولِ ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى أَنْ يُوَسِّعَ لَهُ فِي أَجَلِ الدَّيْنِ وَيُؤَخِّرَهُ بِهِ كَانَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَرَ أَشْهَبُ هَذِهِ تُهْمَةً فِي الْعَدْلِ كَانَ الدَّيْنُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الشَّاهِدِ أَوْ بِالْعَكْسِ .
الْبَاجِيَّ إنْ كَانَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الشَّاهِدِ ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا قُبِلَتْ ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رُدَّتْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَالْأَخَوَانِ قَالَا ؛ لِأَنَّهُ كَأَسِيرٍ بِيَدِهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَرِيبَ الْحُلُولِ ، وَإِنْ بَعُدَ أَجَلُهُ جَازَتْ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَرُدَّتْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ .
وَمَعْنَى الْغِنَى هُنَا أَنْ لَا يَسْتَضِرَّ بِإِزَالَةِ هَذَا الْمَالِ عَنْهُ ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ كَفَافُهُ فَالضَّرَرُ يَلْحَقُهُ بِتَعْجِيلِهِ مِنْهُ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ .
الْبُنَانِيُّ ضَبَطَ فِي التَّوْضِيحِ الْمُدَانَ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَدَانَ الرُّبَاعِيِّ كأقأم ، وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِشَدِّ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ ادَّانَ الْمُشَدَّدِ الدَّالِ الْخُمَاسِيِّ ، وَأَصْلُهُ ادْتَيَنَ عَلَى وَزْنِ افْتَعَلَ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .
قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ أَدَنْت الرَّجُلَ أَعْطَيْته دَيْنًا ، وَهَذَا يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ ، ثُمَّ قَالَ وَادَّانَ وَاسْتَدَانَ وَدَانَ أَخَذَ الدَّيْنَ وَهَذَا يَشْهَدُ لِلثَّانِي وَنَحْوُهُمَا لِلْجَوْهَرِيِّ إلَّا أَنَّهُ فَسَّرَ الْخُمَاسِيَّ بِاسْتَقْرَضَ بَعْدَمَا قَالَ دِنْت الرَّجُلَ أَقْرَضْته فَهُوَ مَدِينٌ وَمَدْيُونٌ .

وَلَا مُفْتٍ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ ، إنْ كَانَ مِمَّا يُنَوَّى فِيهِ ، وَإِلَّا رَفَعَ

( وَلَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ ( مُفْتٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ ، أَيْ مُخْبِرٍ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْإِلْزَامِ ( عَلَى مُسْتَفْتِيه ) أَيْ طَالِبِ الْفَتْوَى مِنْ الْمُفْتِي ( إنْ كَانَ ) الْمَسْئُولُ عَنْهُ ( مِمَّا يُنَوَّى ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَالْوَاوِ مُثَقَّلًا ، أَيْ تُقْبَلُ النِّيَّةُ ( فِيهِ ) مِنْ الْمُسْتَفْتِي عِنْدَ الْمُفْتِي وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي ، أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِهِ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ تُقْبَلْ نِيَّتُهُ وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ كَقَوْلِهِ لِلْمُفْتِي كَانَتْ زَوْجَتِي مُوثَقَةً ، فَقَالَتْ لِي أَطْلِقْنِي ، فَقُلْت لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ نَاوِيًا مِنْ الْوَثَاقِ فَأَفْتَاهُ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ رَفَعَتْهُ زَوْجَتُهُ لِلْقَاضِي فَأَنْكَرَ فَطَلَبَتْ مِنْ الْمُفْتِي الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِهِ فَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ شَهِدَ لَهَا عَلَيْهِ بِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُنَوَّى فِيهِ عِنْدَ الْمُفْتِي ( رَفَعَ ) الْمُفْتِي الشَّهَادَةَ لِلْقَاضِي وَشَهِدَ بِإِقْرَارِهِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ إنْ أَنْكَرَهُ .
ابْنُ يُونُسَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّجُلِ يَأْتِي مُسْتَفْتِيًا عَنْ أَمْرٍ يُنَوَّى فِيهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فَيُفْتِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ الشَّهَادَةَ مِنْ الْمُفْتِي قَالَ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَوْ شَهِدَ لَمْ يَنْفَعْهَا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْإِشْهَادِ قَالَ وَمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ حَدٌّ أَوْ طَلَاقٌ أَوْ حَقٌّ ثُمَّ أَنْكَرَهُ فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَضَرَ إذَا سَمِعُوا الْقَضِيَّةَ كُلَّهَا حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْهَا مِمَّا يُفْسِدُ الشَّهَادَةَ إنْ تَرَكَ ا هـ " غ " .
مَثَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ

عِيسَى بِالرَّجُلِ يَأْتِي الْعَالِمَ فَيَقُولُ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا وَكَلَّمْته بَعْدَ شَهْرٍ لِأَنِّي كُنْت نَوَيْت أَنْ لَا أُكَلِّمَهُ شَهْرًا فَإِذَا دَعَتْهُ امْرَأَتُهُ يَشْهَدُ لَهَا بِمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ مِنْ حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ بَعْدَ شَهْرٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ مِنْ بَاطِنِ يَمِينِهِ خِلَافَ مَا يُوجِبُهُ ظَاهِرُهَا .
ا هـ .
وَهُوَ جَارٍ مَعَ الْمُدَوَّنَةِ .

وَلَا إنْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقٍ ، وَقَالَ : أَنَا بِعْته لَهُ
( وَلَا ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ( إنْ شَهِدَ ) لِشَخْصٍ ( بِاسْتِحْقَاقٍ ) لِشَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ ( وَقَالَ ) الشَّاهِدُ ( أَنَا بِعْته ) أَيْ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَقَّ ( لَهُ ) أَيْ الْمَشْهُودَ لَهُ اتَّهَمْته بِقَصْدِ دَفْعِ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ إنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى يُثْبِتَ مِلْكَ الْبَائِعِ مَا بَاعَهُ فَقَوْلُهُ أَنَا بِعْته لَهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ بِمِلْكِهِ وَهِيَ دَعْوَى لَا شَهَادَةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنَا بِعْته أَوْ وَهَبْته أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالنَّقْلُ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ ، فَإِذَا قَالَ أَنَا بِعْته أَوْ وَهَبْته فَقَدْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِمِلْكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَهِيَ لَا تَصِحُّ .

وَلَا إنْ حَدَثَ فِسْقٌ بَعْدَ الْأَدَاءِ ، بِخِلَافِ تُهْمَةِ جَرٍّ ، وَدَفْعٍ وَعَدَاوَةٍ
( وَلَا ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ( إنْ حَدَثَ فِسْقٌ ) مِنْ الشَّاهِدِ بِأَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ أَوْ سَكِرَ أَوْ قَذَفَ أَوْ قَتَلَ ( بَعْدَ الْأَدَاءِ ) لِلشَّهَادَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَقَبْلَ حُكْمِهِ بِهَا فَيَرُدُّهَا وَلَا يَحْكُمُ بِمُقْتَضَاهَا لِبُطْلَانِهَا هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا تَبْطُلُ فِيمَا لَا يُسَرُّ كَالْجَرْحِ وَالْقَتْلِ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ .
طفى وَالْحُدُوثُ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَبِهِ عَبَّرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، وَلَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْأَدَاءِ بَطَلَتْ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ إلَّا بِنَحْوِ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْفِسْقُ مِمَّا يُسِرُّهُ النَّاسُ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، فَمُقْتَضَى كَلَامِ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّ حُدُوثَهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ يُبْطِلُهُ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كُمُونِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسَرُّ كَالْجَرْحِ وَالْقَتْلِ ، فَقَالَ ابْن الْقَاسِمِ يُبْطِلُهَا ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُبْطِلُهَا ، أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
( بِخِلَافِ ) حُدُوثِ ( تُهْمَةِ جَرٍّ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَشَدِّ الرَّاءِ وَصِلَتُهُ مُقَدَّرَةٌ ، أَيْ لِنَفْعٍ بَعْدَ الْأَدَاءِ كَتَزَوُّجِ الشَّاهِدِ الْمَرْأَةَ الَّتِي شَهِدَ لَهَا فَلَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ خِطْبَتُهُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ ( وَ ) بِخِلَافِ حُدُوثِ تُهْمَةِ ( دَفْعٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ ، أَيْ لِضُرٍّ كَشَهَادَةٍ بِفِسْقِ رَجُلٍ ثُمَّ شَهِدَ الْمَشْهُودُ بِفِسْقِهِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً ، وَالشَّاهِدُ بِالْفِسْقِ مِنْ عَاقِلَتِهِ فَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِالْفِسْقِ .
( وَ ) بِخِلَافِ حُدُوثِ ( عَدَاوَةٍ ) دُنْيَوِيَّةٍ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ كَتَجَدُّدِ خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا فَلَا يُبْطِلُهَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهَا سَبَبٌ سَابِقٌ .

وَلَا عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ
( وَلَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ ( عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ ) ابْنُ عَاتٍ عَنْ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الشَّعْبَانِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقُرَّاءِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِتَحَاسُدِهِمْ كَالضَّرَائِرِ وَالْحَسُودُ ظَالِمٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مَنْ يَحْسُدُهُ ا هـ .
الْمُتَيْطِيُّ فِي الْمَبْسُوطَةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَارِئِ عَلَى الْقَارِئِ يَعْنِي الْعُلَمَاءَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ تَحَاسُدًا .
وَقَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
تت كَانَ الْغُبْرِينِيُّ يُنْكِرُ ذَلِكَ الْقَوْلَ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ ثُمَّ قَالَ عَقِبَ كَلَامِ الشَّعْبَانِيِّ هَذَا الْكَلَامُ سَاقِطٌ لِمُنَاقَضَةِ بَعْضِهِ بَعْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُمْ وَصْفَ الظُّلْمِ وَمَنْ ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا رِوَايَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَرَدُّ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ، ثُمَّ هَذَا الْكَلَامُ إنْ أُرِيدَ بِهِ مَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ فَغَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِمْ ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ فَمُعَارِضٌ لِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ ، وَمَا أَظُنُّهُ يَصْدُرُ مِنْ عَالِمٍ وَلَعَلَّهُ وَهْمٌ مِنْ النَّقَلَةِ ، وَبِمَاذَا يُخَرِّجُ نَفْسَهُ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْهُمْ فَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ فَقَوْلُهُ غَيْرَهُ مَقْبُولٌ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ .

وَلَا إنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمَّالِ ، أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ

وَلَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ ( إنْ أَخَذَ ) الشَّاهِدُ مَالًا ( مِنْ الْعُمَّالِ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ ، جَمْعُ عَامِلٍ الْمُقَامِينَ عَلَى قَبْضِ الْخَرَاجِ وَنَحْوِهِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ الَّذِينَ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِمْ صَرْفُهَا فِي وُجُوهِهَا ( أَوْ أَكَلَ ) الشَّاهِدُ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْعُمَّالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ أَكْلًا مُتَكَرِّرًا ( بِخِلَافِ ) الْأَخْذِ وَالْأَكْلِ مِنْ ( الْخُلَفَاءِ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ مَمْدُودًا جَمْعُ خَلِيفَةٍ ، أَيْ السَّلَاطِينِ النَّائِبِينَ عَنْ رَسُولٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَإِقَامَةِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهَا وَصَرْفِهَا فِي جِهَاتِهَا الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَكْلِ عِنْدَهُمْ ، فَلَا يَمْنَعَانِ قَبُولَ الشَّهَادَةِ ، وَ مِثْلُهُمْ الْعُمَّالُ الْمَأْذُونُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ .
ابْنُ عَرَفَةَ قِيلَ لِسَحْنُونٍ مَنْ قَبِلَ صِلَةَ السُّلْطَانِ أَوْ أَكَلَ طَعَامَهُ وَسَلَاطِينُ الزَّمَانِ مَنْ عَلِمْت هَلْ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ ، وَقَدْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَالْعِلْمِ ، أَخَذَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ وَالْحَجَّاجُ مَنْ قَدْ عَلِمْت وَابْنُ شِهَابٍ جَوَائِزَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْخُلَفَاءِ ، وَأَخَذَ مَالِكٌ جَوَائِزَ أَبِي جَعْفَرٍ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ الْأَخْذَ مِنْهُمْ فَلَمْ يَرَ مِنْهُمْ إلَّا خَيْرًا .
وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَمَرَ لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " بِثَلَاثِ صُرَرٍ فَأَتْبَعَهُ الرَّسُولَ بِهَا فَسَقَطَتْ مِنْهُ صُرَّةٌ مِنْهَا فِي الزَّحْمَةِ فَأَتَاهُ بِصُرَّتَيْنِ فَسَأَلَهُ عَنْ الثَّالِثَةِ فَأَنْكَرَهَا فَأَلَحَّ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى أَتَاهُ بِهَا مَنْ وَجَدَهَا ، وَجَمِيعُ الْقُضَاةِ مِنْ السُّلْطَانِ يُرْزَقُونَ وَيَأْكُلُونَ فَكَتَبَ سَحْنُونٌ مَنْ قَبِلَ الْجَوَائِزَ مِنْ الْعُمَّالِ

الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ ، وَمَنْ كَانَتْ مِنْهُ الزَّلَّةُ وَالْفَلْتَةُ فَغَيْرُ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْخَفِيفَ مِنْ الزَّلَّةِ وَالْفَلْتَةِ لَا يَضُرُّ فِي الْعَدَالَةِ ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهُمْ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ وَمَا قُلْت مِنْ قَبُولِ ابْنِ شِهَابٍ وَمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَيْسَ بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَجَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ جَائِزَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا لِاجْتِمَاعِ الْخَلْقِ عَلَى قَبُولِ الْعَطِيَّةِ مِنْ الْخُلَفَاءِ مِمَّنْ يُرْضَى مِنْهُمْ وَمِمَّنْ لَا يُرْضَى ، وَجُلُّ مَا يَدْخُلُ بَيْتَ الْمَالِ مُسْتَقِيمٌ ، وَمَا يَظْلِمُ فِيهِ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَخْذَ الْعَطَاءِ مُنْذُ زَمَنِ مُعَاوِيَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إلَى الْيَوْمِ ، وَالْقُضَاةُ أُجَرَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ .
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا سَمِعَتْ عَلِيَّ بْنَ زِيَادٍ يُنْكِرُهُ وَيَرْفَعُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ قَبُولُ جَوَائِزِ الْعُمَّالِ جُرْحَةٌ مَعْنَاهُ عِنْدِي عُمَّالُ الْجِبَايَةِ الَّذِينَ إنَّمَا جُعِلَ لَهُمْ قَبْضُ الْأَمْوَالِ وَتَحْصِيلِهَا دُونَ وَضْعِهَا فِي وُجُوهِهَا بِالِاجْتِهَادِ .
وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ فَوَّضَ لَهُمْ الْخَلِيفَةُ أَوْ خَلِيفَتُهُ قَبْضَ الْأَمْوَالِ وَصَرْفَهَا فِي وُجُوهِهَا بِاجْتِهَادِهِمْ كَالْحَجَّاجِ وَشَبَهِهِ مِنْ أُمَرَاءِ الْبِلَادِ الْمُفَوَّضِ جَمِيعُ الْأُمُورِ فِيهَا إلَيْهِمْ ، فَجَوَائِزُهُمْ كَجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ .
فَإِنْ صَحَّ أَخْذُ ابْنِ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ فَهَذَا وَجْهُهُ ، وَأَمَّا الْقُضَاةُ وَالْأَجْنَادُ وَالْحُكَّامُ فَلَهُمْ أَخْذُ أَرْزَاقِهِمْ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ الَّذِينَ فُوِّضَ إلَيْهِمْ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَضَرَبَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فِيمَا سِوَاهُ ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ ، فَأَمَّا جَوَائِزُ الْعُمَّالِ فَفِيهَا شَيْءٌ يُرِيدُ الَّذِينَ ظَهَرَ أَمْرُهُمْ أَنَّهُ

مُفَوَّضٌ إلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ خُلَفَائِهِمْ ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ ، وَيُرِيدُ أَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ مَكْرُوهٌ وَلَوْ تَحَقَّقَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ لِكَرَاهَةِ أَخْذِ جَوَائِزِهِمْ وَجْهٌ ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِي إعْطَاءِ الْمَالِ بِاجْتِهَادِهِمْ لِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا لَمْ يَكُنْ لِتَسْوِيغِ أَخْذِ جَوَائِزِهِمْ وَجْهٌ ، فَإِنْ كَانَ حَلَالًا وَعُدِلَ فِي قِسْمَتِهِ فَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجَائِزَةِ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْدَلْ فِي قِسْمَتِهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجَائِزَةِ مِنْهُ ، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ ، وَإِنْ شَابَ الْمَجْبِيَّ حَلَالٌ وَحَرَامٌ فَالْأَكْثَرُ عَلَى كَرَاهَةِ الْأَخْذِ مِنْهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَجْبِيُّ حَرَامًا فَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَ أَخْذَ الْجَائِزَةِ وَالرِّزْقِ عَلَى عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ مِنْهُ ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ قَسَّمَ ابْنُ رُشْدٍ مَا بِيَدِ الْأُمَرَاءِ مِنْ الْمَالِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ، أَحَدُهُمَا حَلَالٌ لَا يُعْدَلُ فِي قَسْمِهِ ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ قَبُولِهِ مِنْهُمْ ، وَقِيلَ يُكْرَهُ .
الثَّانِي مُخْتَلِطٌ حَلَالٌ وَحَرَامٌ ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى كَرَاهَةِ أَخْذِهِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ .
الثَّالِثُ حَرَامٌ فَقِيلَ يَحْرُمُ أَخْذُهُ ، وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ يَجُوزُ .
قَالَ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْحَرَامُ فَلَهُ حُكْمُهُ ، وَإِنْ غَلَبَ الْحَلَالُ فَلَهُ حُكْمُهُ وَفِيهِ كَرَاهَةٌ خَفِيفَةٌ .

وَلَا إنْ تَعَصَّبَ ، كَالرِّشْوَةِ
( وَلَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ ( إنْ تَعَصَّبَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .
ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الْعَصَبِيَّةُ وَهُوَ بُغْضُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا وَنَحْوِهِ فِي الْمُفِيدِ ، { وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْعَصَبِيَّةُ ، قَالَ أَنْ تُعِينَ قَوْمًا عَلَى الظُّلْمِ } .
ابْنُ مَرْزُوقٍ الْأَوْلَى أَنْ يُمَثِّلَ لَهُ بِشَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ بِجَرْحٍ أَوْ قَذْفٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْعَصَبِيَّةُ ، كَتَعْدِيلِ شَاهِدِ الْأَخِ وَتَجْرِيحِ شَاهِدٍ عَلَيْهِ ، وَمِنْهُ شَهَادَةُ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ وَشَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ .
وَشَبَّهَ فِي إبْطَالِ الشَّهَادَةِ فَقَالَ ( كَ ) أَخْذِ ( الرِّشْوَةِ ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَوْ لِتَحْقِيقِ حَقٍّ أَوْ إبْطَالِ بَاطِلٍ ، وَدَفْعِهَا لِإِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ تَحْقِيقِ بَاطِلٍ .
وَأَمَّا دَفْعُهَا لِتَحْقِيقِ حَقٍّ تَوَقَّفَ عَلَى دَفْعِهَا فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ ، وَكَذَا دَفْعُهَا لِإِبْطَالِ بَاطِلٍ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ عَلَى الْآخِذِ فِيهِمَا .
ابْنُ عَاتٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُرْتَشٍ وَلَا مُلَقِّنٍ لِلْخُصُومِ فَقِيهًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، وَيُضْرَبُ عَلَى يَدِهِ وَيُشَهَّرُ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ وَيُعَرَّفُ بِهِ وَيُسَجَّلُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ قُضَاةِ قُرْطُبَةَ بِكَبِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ .

وَتَلْقِينُ خَصْمٍ
( وَتَلْقِينُ خَصْمٍ ) حُجَّةً يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى إبْطَالِ حَقٍّ أَوْ تَحْقِيقِ بَاطِلٍ ، وَأَمَّا تَلْقِينُهُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى تَحْقِيقِ حَقٍّ أَوْ إبْطَالِ بَاطِلٍ فَلَيْسَ بِقَادِحٍ .
وَفِي الْحَدِيثِ { مَنْ ثَبَّتَ غَبِيًّا فِي خُصُومَةٍ حَتَّى يَفْهَمَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ تَعَالَى قَدَمَهُ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ } .
الْمِسْنَاوِيُّ مِنْ التَّلْقِينِ الْقَادِحِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُفْتُونَ الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّ الْإِفْتَاءَ إنَّمَا كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لِأَمْرَيْنِ ، أَحَدُهُمَا تَوَقُّفُ الْحَاكِمِ فِي الْحُكْمِ ، وَالثَّانِي شَكُّهُ فِي مُصَادَفَتِهِ بَعْدَ تَسْجِيلِهِ .
وَأَمَّا الْآنَ فَلَا تَرَاهُمْ يَشْرَعُونَ فِي الْخِصَامِ إلَّا بَعْدَ اسْتِفْتَائِهِمْ لِيَنْظُرُوا هَلْ الْحَقُّ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ ، فَيَتَحَيَّلُونَ عَلَى إبْطَالِهِ ، وَقَدْ يَكْتُبُ الْمُفْتِي الْوَاحِدُ لِكُلٍّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ نَقِيضَ مَا يَكْتُبُهُ لِلْآخَرِ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا .

وَلَعِبِ نَيْرُوزِ
( وَلَعِبِ نَيْرُوزِ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ آخِرُهُ زَايٌ ، أَيْ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ لِإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْأَوْبَاشُ وَالْجَهَلَةُ وَالنَّصَارَى .
تت قِيلَ كَانَ مَعْرُوفًا بِمِصْرَ قَدِيمًا وَلَمْ أَعْرِفْ صِفَتَهُ ، وَرَأَيْت فِي بَعْضِ قُرَى الصَّعِيدِ يَأْتِي رَجُلٌ مِمَّنْ يُسْخَرُ بِهِ لِكَبِيرِ الْقَرْيَةِ فَيَجْعَلُ عَلَيْهِ فَرْوَةً أَوْ حَصِيرًا يَخْرِقُهَا فِي عُنُقِهِ وَيُرْكِبُهُ فَرَسًا وَيَتْبَعُهُ رَعَاعُ النَّاسِ وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ يَقْبِضُونَ مَنْ أَمَرَهُمْ بِقَبْضِهِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ ، وَلَا يُطْلِقُونَهُ إلَّا بِشَيْءٍ يَدْفَعُهُ لَهُمْ أَوْ يَعِدُهُمْ بِهِ .

وَمَطْلٍ وَحَلِفٍ : بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ

وَمَطْلٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ غَنِيٍّ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ لِخَبَرِ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } أَيْ تَأْخِيرُ دَفْعِ الْحَقِّ مَعَ طَلَبِهِ رَبَّهُ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَتَرْكُ الطَّلَبِ حَيَاءً كَالطَّلَبِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مَطْلُ الْغَنِيِّ جُنْحَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ بِأَنَّ الشُّهْرَةَ بِالْمَطْلِ دُونَ ضَرُورَةٍ جُرْحَةٌ ؛ لِأَنَّهَا إذَايَةٌ لِلْمُسْلِمِ فِي مَالِهِ ( وَ ) اعْتِيَادُ ( حَلِفٍ بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ ) لِخَبَرِ { الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ } .
الْحَطُّ ظَاهِرُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ بِهِمَا وَلَوْ مَرَّةً جُرْحَةٌ ، وَاَلَّذِي فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ اعْتِيَادَهُ جُرْحَةٌ وَقَبِلَهُ الشَّيْخُ فِي النَّوَادِرِ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُمْ نَاقِلِينَ لَهُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ .
ابْنُ الْمُلُوحِيُّ مِنْ الْمَوَانِعِ اعْتِيَادُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ رُشْدٍ الْأَدَبُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ } وَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا تَحْلِفُوا بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ } فَإِنَّهُمَا مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ اعْتَادَ الْحَلِفَ بِهِ لَا يَخْلُصُ مِنْ الْحِنْثِ فِيهِ فَتَصِيرَ زَوْجَتُهُ تَحْتَهُ مُطَلَّقَةً وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّ مُلَازَمَةَ ذَلِكَ وَاعْتِيَادَهُ جُرْحَةٌ فِي الشَّهَادَةِ وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْهُ حِنْثُهُ .
وَقِيلَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ إنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ كَتَبَ أَنْ يُضْرَبَ فِي ذَلِكَ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَقَالَ قَدْ أَحْسَنَ ، إذْ أَمَرَ فِيهِ بِالضَّرْبِ ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَتَبَ

أَنْ يُضْرَبَ فِي ذَلِكَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا .
ا هـ .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي النَّوَادِرِ وَالشَّارِحُ وَابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ حَدِيثَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ .
عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا قَالَ السَّخَاوِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْمُلُوحِيُّ وَلَا ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ .
الْبُنَانِيُّ بَحَثْت عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي جَامِعِ السُّيُوطِيّ الْكَبِيرِ فَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ .

وَبِمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثًا
( وَ ) تُرَدُّ الشَّهَادَةُ ( بِ ) سَبَبِ ( مَجِيءِ ) الشَّاهِدِ لِ ( مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثًا ) مِنْ الْمَرَّاتِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ وَأَوْلَى فِي يَوْمٍ ( بِلَا عُذْرٍ ) ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ الْمَوَانِعِ إتْيَانُ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَيَجْعَلَهَا مَأْكَلَةً فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي مَنْعُهُ مِنْهُ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى الْخُصُومَاتِ وَتَعَلُّمِهِ الْحِيَلَ فِي تَحْرِيفِهَا وَلِأَنَّ مَجْلِسَهُ عَوْرَةٌ ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَحَاجَةٍ أَوْ عِلْمٍ فَلَا يُقْدَحُ .

وَتِجَارَةٍ لِأَرْضِ حَرْبٍ
( وَتِجَارَةٍ ) مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ ( لِأَرْضِ الْحَرْبِ ) الَّتِي تَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُ الْكُفْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ الْإِطْلَاقُ ، وَقَيَّدَهُ أَبُو إِسْحَاقَ بِالْعِلْمِ بِذَلِكَ ، وَمِثْلُ أَرْضِ الْحَرْبِ أَرْضُ السُّودَانِ ، وَمِثْلُ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ تِجَارَةُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَحْكَامَ التِّجَارَةِ الْخَرَشِيُّ لَا دُخُولُهَا لِفِدَاءِ أَسِيرٍ أَوْ غَلَبَةِ رِيحٍ الْعَدَوِيُّ .
ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عِلَّةُ النَّهْيِ ، عَنْ السَّفَرِ لِلسُّودَانِ خَوْفُ جَرَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ إنَّهُ غَيْرُ جُرْحَةٍ ، وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ عِلْمِ جَرَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ وَعَدَمِهِ ، وَالْمُرَادُ بِأَرْضِ الْحَرْبِ أَرْضُ الرُّومِ ؛ لِأَنَّ الْحَرْبَ شَأْنُهُمْ لَا شَأْنُ السُّودَانِ وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِي الْكُفْرِ .
سَحْنُونٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ تَجَرَ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ ، وَأَجَازَهَا أَبُو صَالِحٍ فِيمَنْ يَخْتَلِفُ إلَى الْعَدُوِّ مِمَّنْ لَا بَأْسَ بِحَالِهِ أَفَادَهُ ابْنُ عَاتٍ .

وَسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ أَوْ مَعَ وَلَدٍ شِرِّيبٍ
( وَسُكْنَى ) دَارٍ مَثَلًا ( مَغْصُوبَةٍ ) غَصَبَهَا غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ يَجِبُ الْإِقْلَاعُ عَنْهَا فَوْرًا وَكَذَا الطَّحْنُ عَلَى الرَّحَى الْمَغْصُوبَةِ ، وَلَوْ قَالَ وَانْتِفَاعٍ بِكَمَغْصُوبٍ لَشَمِلَ الْمَغْصُوبَ وَغَيْرَهُ وَمُعَامَلَةَ الْغَاصِبِ فِيمَا غَصَبَهُ بِقَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَفَادَهُ شب ( أَوْ سُكْنَاهُ ) أَيْ الشَّاهِدِ ( مَعَ وَلَدٍ ) لَهُ ( شِرِّيبٍ ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ ، أَيْ مُكْثِرٍ شُرْبَ مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ فَقَطْ مَعَ نَشْأَةٍ وَطَرَبٍ فِي الْمُفِيدِ عَاطِفًا عَلَى مَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَسُكْنَاهُ دَارًا يَعْلَمُ أَنَّ أَصْلَهَا مَغْصُوبٌ أَوْ لَهُ وَلَدٌ شِرِّيبٌ يَسْمَعُ الْغِنَاءَ مِنْ الْخَدَمِ وَنَحْوِهِنَّ وَيَسْكُنُ مَعَهُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ .
وَفِي الْكَافِي مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا وَاحِدًا مَعَ أَهْلِ الْخَمْرِ فِي مَجَالِسِهِمْ طَائِعًا غَيْرَ مُضْطَرٍّ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْهَا وَمَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَبَانَتْ جُرْحَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ حَلِيلَتِهِ ، وَ مِثْلُ السُّكْرِ سَائِرُ الْكَبَائِرِ وَمِثْلُ الْوَلَدِ غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى إذَا عَلِمَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ أَوْ غَيَّرَ جُهْدَهُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ أَوْ عَجَزَ عَنْ التَّغْيِيرِ وَعَنْ انْتِقَالِهِ عَنْهُ فَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ إذَا هَجَرَهُ جُهْدَهُ .

وَبِوَطْءِ مَنْ لَا تُوطَأُ ، وَبِالْتِفَاتِهِ فِي الصَّلَاةِ ؛ وَبِاقْتِرَاضِهِ حِجَارَةً مِنْ الْمَسْجِدِ وَعَدَمِ إحْكَامِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ، وَالزَّكَاةِ لِمَنْ لَزِمَتْهُ ، وَبَيْعِ نَرْدٍ وَطُنْبُورٍ ، وَاسْتِحْلَافِ أَبِيهِ

( وَ ) تُرَدُّ ( بِ ) سَبَبِ ( وَطْءِ مَنْ ) أَيْ صَغِيرَةٍ شَأْنُهَا ( لَا تُوطَأُ ) سَحْنُونٌ مَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا أُدِّبَ أَدَبًا مُوجِعًا مَعَ طَرْحِ شَهَادَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ حَمْلُهَا مَأْمُونًا لِصِغَرِهَا أَوْ يَأْسِهَا لَمْ تَسْقُطْ شَهَادَتُهُ لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ لَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا ( وَ ) تُرَدُّ ( بِ ) تَكَرُّرِ ( الْتِفَاتِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ ( فِي الصَّلَاةِ ) وَلَوْ نَافِلَةً لِغَيْرِ عُذْرٍ لِدَلَالَتِهِ عَلَى قِلَّةِ اكْتِرَاثِهِ بِهَا وَأَوْلَى مَنْ لَا يَعْتَدِلُ فِي رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَمَنْ لَا يَطْمَئِنُّ فِيهِمَا الْأَخَوَانِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رَفْعِ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ دُونَ عُذْرٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَلَوْ فِي نَفْلٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ عُلِمَ إقَامَتُهُ فِي الْفَرْضِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ حَتَّى لَوْ إذَا تَكَرَّرَ الْتِفَاتُهُ اخْتِيَارًا ، فَإِنْ الْتَفَتَ لِعُذْرٍ فَلَا يَضُرُّ وَأَوْلَى تَأْخِيرُهَا عَنْ اخْتِيَارِيِّهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ بَعْدَ زَوَالِهِ فِي ضَرُورِيِّهَا .
سَحْنُونٌ كَثِيرُ الْمَالِ الْقَوِيُّ عَلَى الْحَجِّ وَلَمْ يَحُجَّ مَجْرُوحٌ إذَا طَالَ زَمَنُهُ وَاتَّصَلَ وَفْرُهُ وَلَا مَانِعَ .
قِيلَ وَإِنْ كَانَ بِالْأَنْدَلُسِ قَالَ وَإِنْ كَانَ بِهِ .
ابْنُ يُونُسَ قَيَّدَ بِطُولِ الزَّمَانِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي .
( وَ ) تُرَدُّ ( بِاقْتِرَاضِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ ( حِجَارَةً مِنْ ) حِجَارَةِ ( الْمَسْجِدِ ) الَّتِي بُنِيَ الْمَسْجِدُ بِهَا وَانْهَدَمَتْ يَبْنِي أَوْ يَرُمُّ بِهَا بَيْتَهُ مَثَلًا وَكَالْحِجَارَةِ اللَّبِنُ وَالْخَشَبُ وَكَالْمَسْجِدِ سَائِرُ الْحَبْسِ إذَا عَلِمَ حُرْمَتَهُ ، وَإِلَّا تُرَدُّ كَمَا فِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونٍ ، كَانَ الْحَبْسُ عَامِرًا أَوْ خَرِبًا احْتَاجَ لِتِلْكَ الْحِجَارَةِ أَوْ لَا رُجِيَتْ عِمَارَتُهُ أَوْ لَا ، وَاقْتِرَاضُ النَّاظِرِ رِيعَ الْوَقْفِ كَاقْتِرَاضِ الْمُودَعِ الْوَدِيعَةَ ا هـ شب .
( وَ ) تُرَدُّ بِعَدَمِ ( إحْكَامِ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ ، أَيْ إتْقَانِ ( الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ )

الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَأَوْلَى بِجَهْلِ كَيْفِيَّتِهِ وَكَذَا التَّيَمُّمُ ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لَهُ بِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ ، وَكَذَا سَائِرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَأَوْلَى نَفْسُ الصَّلَاةِ ( وَ ) تُرَدُّ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ ( الزَّكَاةِ ) لِنَقْدٍ أَوْ نَعَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ عَرْضِ تِجَارَةٍ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَالَهُ سَحْنُونٌ .
فِي التَّوْضِيحِ الْبَخِيلُ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ هُوَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ ، فَمَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَيْسَ بِبُخْلٍ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا شَهَادَةُ الْبَخِيلِ مَرْدُودَةٌ وَإِنْ كَانَ مَرَضِيَّ الْحَالِ ، وَيُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ .
ابْنُ فَرْحُونٍ ابْنُ الْقَاسِمِ اُخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْبَخِيلِ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ الْمَازِرِيُّ الْبُخْلُ مَنْعُ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ ، وَأَمَّا مَنْعُ مَا لَمْ يَجِبْ فَالْقَدْحُ بِهِ مُغْتَفَرٌ فِي الشَّهَادَةِ بِتَفْصِيلٍ يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَ الِاسْتِدْلَالَ بِحَرَكَاتِ النَّاسِ وَطَبَائِعِهِمْ وَسِيَرِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَصِدْقِهِمْ .
( وَ ) تُرَدُّ بِسَبَبِ ( بَيْعِ نَرْدٍ وَطُنْبُورٍ ) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَالطِّنْبَارُ بِكَسْرِهَا لُغَةٌ فِيهِ وَعُودٍ وَمِزْمَارٍ ( وَ ) تُرَدُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِسَبَبِ ( اسْتِحْلَافِ ) الشَّاهِدِ لِ ( أَبِيهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ فِي حَقٍّ لِلشَّاهِدِ عَلَى أَبِيهِ أَنْكَرَهُ فِيهِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِ تَحْلِيفِهِ مُبَاحًا لِوَلَدِهِ وَكَوْنِهِ جُرْحَةً فِي عَدَالَتِهِ لِقَدْحِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فِيهَا ، وَسَوَاءٌ حَلَّفَهُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَمْ لَا أَفَادَهُ تت .
طفى فِي كَلَامِهِ تَدَافُعٌ لِتَصْرِيحِهِ أَوَّلًا بِأَنَّهُ مُبَاحٌ ، ثُمَّ قَالَ سَوَاءٌ حَلَّفَهُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَمْ لَا ثُمَّ الْإِبَاحَةُ لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بِالْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ كَمَا فِي ابْنِ رُشْدٍ وَالتَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ ، وَنَصُّهُ وَفِي كَوْنِ تَحْلِيفِهِ فِي حَقٍّ يَدَّعِيه عَلَيْهِ مَكْرُوهًا وَيَقْضِي بِهِ أَوْ عُقُوقًا وَلَا يُقْضَى

بِهِ .
ثَالِثُهَا وَيُقْضَى بِهِ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ سَمَاعَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْأَقْضِيَةِ مَعَ ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ ، وَرِوَايَتُهَا فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مَعَ الْأَخَوَيْنِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَحْنُونٍ فِي تَحْلِيفِهِ وَحْدَهُ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَسَمَاعُ أَصْبَغَ فِي الشَّهَادَاتِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ يُقْضَى بِتَحْلِيفِهِ وَحْدَهُ وَهُوَ عَاقٌّ بِذَلِكَ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ وَهُوَ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ الْعُقُوقَ كَبِيرَةٌ .
ا هـ .
فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاحِ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ وَهُوَ الْمُرَادُ فَبَعِيدٌ وَيُشْكِلُ تَرَتُّبُ رَدِّ الشَّهَادَةِ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَى مَنْعِ تَحْلِيفِهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ ، وَأَيْضًا الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ ضَعِيفٌ وَخِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ تَحْرِيمِهِ ، وَكَوْنُهُ عُقُوقًا وَعَدَمُ الْقَضَاءِ بِهِ وَإِنْ اقْتَحَمَ وَحَلِفُهُ فِسْقٌ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ .
أَبُو الْحَسَنِ عَقِبَ ذِكْرِهِ كَوْنَ اسْتِحْلَافِهِ عُقُوقًا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ عُذِرَ بِجَهَالَتِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالصَّحِيحُ .
وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِعُقُوقٍ فَيُقْضَى لَهُ بِهِ وَلَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ ا هـ .
ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي تَحْلِيفِ الرَّجُلِ فِي حَقٍّ يَدَّعِيه وَلَدُهُ قَبْلَهُ وَحْدَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ، أَحَدُهَا : أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِعُقُوقٍ ، فَيُقْضَى بِهِ لَهُ وَلَا تَسْقُطُ بِهِ شَهَادَتُهُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عُقُوقٌ فَلَا يُقْضَى بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ ، لِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَمَا تَظَاهَرَتْ الْآثَارُ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يَمِينَ لِلْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ وَلَا لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ } .
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ عُقُوقٌ إلَّا

أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ إنْ طَلَبَهُ وَيَكُونُ جُرْحَةً فِيهِ تَسْقُطُ بِهَا شَهَادَتُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ الْعُقُوقَ إنْ كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهِ أَحَدٌ ا هـ .

وَقُدِحَ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِكُلٍّ ، وَفِي الْمُبَرِّزِ بِعَدَاوَةٍ وَقَرَابَةٍ ، وَإِنْ بِدُونِهِ : كَغَيْرِهِمَا عَلَى الْمُخْتَارِ ؛ وَزَوَالِ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ ؛ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِلَا حَدٍّ

( وَقُدِحَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ قُبِلَ الْقَدَحُ وَالتَّجْرِيحُ ( فِي ) الشَّاهِدِ ( الْمُتَوَسِّطِ ) فِي الْعَدَالَةِ وَأَوْلَى مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنْهُ ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ مُقَابِلُ الْمُبَرِّزِ فَيَشْمَلُهُمَا ( بِكُلٍّ ) مِنْ الْقَوَادِحِ السَّابِقَةِ .
اللَّخْمِيُّ يُسْمَعُ الْقَدْحُ فِي الرَّجُلِ الْمُتَوَسِّطِ الْعَدَالَةِ مُطْلَقًا ( وَ ) قُدِحَ ( فِي ) الشَّاهِدِ ( الْمُبَرِّزِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُشَدَّدَةً ، أَيْ الظَّاهِرِ الْعَدَالَةِ الزَّائِدِ فِيهَا عَلَى أَمْثَالِهِ ( بِعَدَاوَةٍ ) دُنْيَوِيَّةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( وَقَرَابَةٍ ) أَكِيدَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْقَدَحُ فِيهِ بِغَيْرِهِمَا مِنْ تَسْفِيهٍ وَتَفْسِيقٍ ، وَأَمَّا بِجَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَالتَّعَصُّبِ فَيُسْمَعُ كَالْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ وَيُقْبَلُ التَّجْرِيحُ فِي الشَّاهِدِ بِمِثْلِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ فِي الْعَدَالَةِ ، بَلْ ( وَإِنْ بِدُونِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ فِي الْعَدَالَةِ .
وَشَبَّهَ فِي قَبُولِ الْقَدْحِ فِي الْمُبَرِّزِ فَقَالَ ( كَغَيْرِهِمَا ) أَيْ الْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ فَيُقْبَلُ الْقَدْحُ بِهِ فِي الْمُبَرِّزِ ( عَلَى الْمُخْتَارِ ) اللَّخْمِيُّ مِنْ الْخِلَافِ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْإِنْسَانِ إخْفَاءُ جَرْحِهِ وَكَتْمُهُ عَنْ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى تَكْمِيلِ نَفْسِهِ فَلَا يَكَادُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْضُ النَّاسِ وَهِيَ شَهَادَةٌ يُؤَدِّيهَا مِثْلَ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ .
عج هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ .
اللَّقَانِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ .
طفى وَالْبَنَّانِيُّ لَوْ زَادَ وَشَبَهَهُمَا كَمَا فَعَلَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ لَكَانَ أَحْسَنَ ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا عَدَا الْأَسْفَاهَ أَيْ الْفُسَّقَ ، إذْ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَفِيهِ فَقَطْ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ .
( وَزَوَالِ الْعَدَاوَةِ ) الدُّنْيَوِيَّةِ بَيْنَ الشَّاهِدِ

وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِقَرَائِنَ وَأَحْوَالٍ تُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِزَوَالِهَا كَرُجُوعِهِمَا إلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَهَا ( وَ ) زَوَالُ ( الْفِسْقِ ) مِمَّنْ اتَّصَفَ بِهِ يَكُونُ ( بِمَا ) أَيْ أَمَارَاتٍ وَعَلَامَاتٍ ( يَغْلِبُ ) زَوَالُهُ ( عَلَى الظَّنِّ ) بِحُصُولِهَا كَتَوْبَتِهِ وَمُلَازَمَتِهَا وَظُهُورِ أَمَارَاتِ الصَّلَاحِ عَلَيْهِ ( بِلَا حَدٍّ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ ، أَيْ تَحْدِيدٍ لِلزَّمَنِ الَّذِي يَحْصُلُ الزَّوَالُ فِيهِ ، وَقِيلَ يُحَدُّ بِسَنَةٍ ، وَقِيلَ بِنِصْفِهَا ، وَأَنْكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي زَوَالِهِمَا فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُطَّلَعُ عَلَى بَاطِنِهِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ ، وَمُخَالَطَةِ الْحُذَّاقِ بِظَوَاهِرِ حَتَّى يُظَنَّ صَالِحًا أَوْ حَبِيبًا وَهُوَ فِي بَاطِنِهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ ، يَنْتَظِرُ غَفْلَةً يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ إظْهَارِ مَا فِي بَاطِنِهِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِخِلَافِهِ ، فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَتْ الْقَرَائِنُ وَالْأَحْوَالُ لَا مُجَرَّدُ طُولِ الزَّمَانِ .
ابْنُ عَرَفَةَ جُرْحَةُ الْفِسْقِ تَزُولُ بِالتَّوْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ مُسْتَوْفَاةٌ فِي فَنِّ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْفِقْهِ .
الْمَازِرِيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ تُبْت ، إنَّمَا تُقْبَلُ بِدَلَالَةِ حَالِهِ وَالْقَرَائِنِ عَلَى صِدْقِهِ مَعَ اتِّصَافَةِ بِصِفَاتِ الْعَدَالَةِ وَلَا تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ وَوَقَّتَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالتَّحْقِيقُ مَا قُلْنَاهُ .
قُلْت لِلشَّيْخِ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ مَنْ كَانَ يُعْرَفُ بِالصَّلَاحِ لِمَعْرِفَةِ تَوْبَتِهِ مِنْ قَذْفٍ بِطُولٍ لَيْسَ كَمَنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالسُّوءِ ؛ لِأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالْخَيْرِ لَا يَتَبَيَّنُ تَزَيُّدُهُ فِيهِ إلَّا بِالتَّرْدَادِ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، ظَاهِرُهُ فِي الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَفِي الرَّجْمِ مِنْهَا مَعَ الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ حَتَّى يُجْلَدَ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ .

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِقَذْفِهِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَثُبُوتُ تَوْبَتِهِ يُوجِبُ قَبُولَهَا الْمَازِرِيُّ الْمُعْتَبَرُ فِي تَوْبَتِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَذْفِهِ عَدْلًا صَالِحًا كَانَتْ تَوْبَتُهُ بِزِيَادَةِ دَرَجَتِهِ فِي الصَّلَاحِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ .
قُلْت هَذَا إنْ كَانَ حَدُّهُ بِقَذْفِهِ جُرْأَةً أَوْ سَبًّا أَوْ غَضَبًا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِانْقِلَابِ شَهَادَتِهِ قَذْفًا لِرُجُوعِ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الشَّاهِدِينَ مَعَهُ أَوْ اخْتِلَافِهِ فِي وَصْفِ الزِّنَا ، فَأَظْهَرَ عَدَمَ اعْتِبَارِ زِيَادَةِ صَلَاحِهِ وَفِي شَرْطِ تَوْبَتِهِ بِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ فِي قَذْفِهِ نَقْلُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَقَوْلُ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي سَرِقَتِهَا لِوَاحِدٍ نَصْرَانِيٍّ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ بِالْقُرْبِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَلَمْ يُقَيِّدْهَا الصِّقِلِّيُّ .
وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ عَنْ سَحْنُونٍ يُتَوَقَّفُ فِي شَهَادَتِهِ حَتَّى يُعْلَمَ صَلَاحُهُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ زَوَالُ الْعَدَاوَةِ كَالْفِسْقِ .
قُلْت لَا أَعْرِفُ هَذَا لِغَيْرِهِ ، وَتَقَدَّمَ سَمَاعُ أَشْهَبَ فِي الرَّجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ ثُمَّ يَشْهَدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بَعْدَ سِنِينَ قَالَ إنْ صَارَ أَمْرُهُمَا إلَى سَلَامَةٍ وَصُلْحٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ .
ابْنُ رُشْدٍ سَلَامَةُ أَمْرِهِمَا إلَى صُلْحٍ هُوَ أَنْ يَرْجِعَا إلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَنَوَازِلِ أَصْبَغَ وَفِي إجْرَائِهَا .
ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى زَوَالِ الْفِسْقِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ شَرْطٌ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَنَظَرُ الْقَاضِي فِي ثُبُوتِهَا ضَرُورِيٌّ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِرَفْعِ فِسْقِهِ أَوْ بَقَائِهِ ، وَأَمَّا الْعَدَاوَةُ فَلَا نَظَرَ لِلْقَاضِي فِي رَفْعِهَا ؛ لِأَنَّهَا مَانِعٌ يُبْدِيه الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَثْبَتَهَا ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ احْتَمَلَ النَّظَرَ فِي تَكْلِيفِهِ إثْبَاتَهَا ثَانِيًا لِاحْتِمَالِ بَقَائِهَا وَالْأَظْهَرُ تَخْرِيجُهَا عَلَى حُكْمِ مَنْ عُدِّلَ فِي شَهَادَتِهِ ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةً أُخْرَى هَلْ

تُسْتَصْحَبُ عَدَالَتُهُ أَوْ يُسْتَأْنَفُ إثْبَاتُهَا ؟ .
تت عَنْ بَعْضِهَا إنَّمَا يَتِمُّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَانِعُ أَمَّا مَعَ ثُبُوتِهِ فَلَا يُسَوَّغُ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ رَفْعُهُ وَلَيْسَ شَكَّا فِي الْمَانِعِ ، بَلْ فِي رَافِعِهِ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَنَوَازِلِ أَصْبَغَ شَاهِدٌ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ امْتَنَعَتْ لَهُ ، لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ وَيُجَرِّحْ شَاهِدًا عَلَيْهِ ، وَمَنْ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ : فَالْعَكْسُ ؛
( وَمَنْ ) أَيْ وَكُلُّ شَخْصٍ ( امْتَنَعَتْ ) شَهَادَةُ شَخْصٍ آخَرَ ( لَهُ ) لِتَأَكُّدِ قَرَابَتِهِمَا كَالْأَبِ وَابْنِهِ وَالزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ ( لَمْ يُزَكِّ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَشَدِّ الْكَافِ ، أَيْ مَنْ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ مِنْهُ شَاهِدَ ) الَّذِي امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ لَ ( هـ ) ؛ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ شَاهِدِهِ كَالشَّهَادَةِ لَهُ فِي النَّفْعِ ( وَلَمْ يُجَرِّحْ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الَّذِي امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ مِنْهُ ( شَاهِدًا عَلَيْهِ ) أَيْ مَنْ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ لَهُ لِلتُّهْمَةِ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ( وَمَنْ ) أَيْ الشَّخْصُ الَّذِي ( امْتَنَعَتْ ) شَهَادَةٌ ( عَلَيْهِ ) لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا ( فَالْعَكْسُ ) أَيْ لَا يُزَكِّي مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَلَا يُجَرِّحُ مَنْ شَهِدَ لَهُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ مَنْ امْتَنَعَتْ لَهُ امْتَنَعَتْ فِي تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ لَهُ وَتَجْرِيحُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَمَنْ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ امْتَنَعَتْ فِي الْعَكْسِ أَقَلُّ مِنْ شَطْرِ عَدَدِ كَلِمَاتِهِ التَّزْكِيَةُ فِي شَيْءٍ كَشَهَادَةٍ بِهِ وَالتَّجْرِيحُ فِيهِ كَشَهَادَةٍ بِنَقِيضِهِ وَعِلَّةُ الْجَمِيعِ جَرُّ نَفْعٍ أَوْ دَفْعُ ضُرٍّ وَكُلُّ شَهَادَةٍ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ .

إلَّا الصِّبْيَانَ ، لَا نِسَاءً فِي كَعُرْسٍ ، فِي جَرْحٍ ، أَوْ قَتْلٍ ، وَالشَّاهِدُ حُرٌّ ، مُمَيِّزٌ ، ذَكَرٌ تَعَدَّدَ ، لَيْسَ بِعَدُوٍّ ، وَلَا قَرِيبٍ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ ، وَفُرْقَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهَا ، وَلَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ ، أَوْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ، أَوْ لَهُ

( إلَّا الصِّبْيَانَ ) فَتَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ .
اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَهُوَ مَعْرُوفُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَأَصْحَابِهِ إلَّا ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَى الثَّانِي أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ " رَضٍ " أَجْمَعِينَ .
( لَا نِسَاءً ) اجْتَمَعْنَ ( فِي كَعُرْسٍ ) وَمَأْتَمٍ وَحَمَّامٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ وَلَوْ لِبَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضِهِنَّ فِي قَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَشَهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَمُقَابِلُهُ لِلْجَلَّابِ وَفَرَّقَ لِلْمَشْهُورِ بِأَنَّ اجْتِمَاعَ الصِّبْيَانِ مَشْرُوعٌ لِلتَّدْرِيبِ ، وَالْغَالِبُ عَدَمُ حُضُورِ الْعُدُولِ مَعَهُمْ فَلَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ عَنْ بَعْضٍ لَأَدَّى ذَلِكَ لِهَدَرِ دِمَائِهِمْ وَاجْتِمَاعُ النِّسَاءِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَتُعْتَبَرُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ ( فِي جَرْحٍ ) مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ( وَقَتْلٍ ) كَذَلِكَ لَا فِي غَيْرِهِمَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ إذَا جُوِّزَتْ فِي الْقَتْلِ فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا تَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَدَنِ مَقْتُولًا .
ابْنُ رُشْدٍ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
( وَالشَّاهِدُ ) مِنْهُمْ ( حُرٌّ ) لَا قِنٌّ وَلَا ذُو شَائِبَةٍ لِلَغْوِ شَهَادَةِ الرَّقِيقِ الْكَبِيرِ فَالصَّغِيرُ أَوْلَى مُمَيِّزٌ ) أَيْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ ، وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَيَضْبِطُ مَا يُشَاهِدُ .
الْخَرَشِيُّ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا وَأَنْ يَبْلُغَ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَضْبِطُ مَا يَقُولُ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى مَا يَفْعَلُ لَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ " غ " قَوْلُهُ مُمَيِّزٌ أَعَمُّ مِمَّا حَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مِمَّنْ يَفْعَلُ الشَّهَادَةَ .
ابْنُ عَرَفَةَ

كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَجُوزُ شَهَادَةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ وَأَقَلُّ مِمَّا يُقَارِبُهَا ا هـ .
بَقِيَ هَذَا الشَّرْطُ عَلَيْهِ كَمَا بَقِيَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّهُ أَشَارَ فِي التَّوْضِيحِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالتَّمْيِيزِ ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ .
( ذَكَرٌ ) لَا أُنْثَى وَلَوْ تَعَدَّدَتْ مَعَ ذَكَرٍ ( تَعَدَّدَ ) الشَّاهِدُ فَلَا تُعْتَبَرُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ ( لَيْسَ ) الشَّاهِدُ ( بِعَدُوٍّ ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .
الْبِسَاطِيُّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ أَوْ بَيْنَ آبَائِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْرُوثَةَ أَشَدُّ مِنْ الطَّارِئَةِ ( وَلَا قَرِيبٍ ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ .
الْخَرَشِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ مَانِعٌ فَتَشْمَلُ الْعُمُومَةَ وَالْخُؤُولَةَ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا أَكِيدَةً كَمَا ارْتَضَاهُ الْجِيزِيُّ .
( وَلَا خِلَافَ ) أَيْ اخْتِلَافَ ( بَيْنَهُمْ ) أَيْ الصِّبْيَانِ فِي كَيْفِيَّةِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهَا بِأَنْ قَالَ اثْنَانِ قَتَلَهُ فُلَانٌ ، وَقَالَ آخَرَانِ قَتَلَهُ فُلَانٌ الْآخَرُ ، أَوْ قَالَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ أَنْتُمَا قَتَلْتُمَاهُ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا لِلشَّاهِدَيْنِ ، بَلْ أَنْتُمَا قَتَلْتُمَاهُ فَلَا تُقْبَلُ ( وَلَا فُرْقَةَ ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ، أَيْ تَفَرُّقَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ افْتَرَقُوا قَبْلَهَا فَلَا تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ تَعْلِيمِ بَالِغٍ لَهُمْ خِلَافَ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ ، وَأَمْرِهِمْ بِكَتْمِ الْوَاقِعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ أَوْ جَلْبِ النَّفْعِ ( إلَّا أَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ ( يُشْهَدَ ) عَدْلَانِ ( عَلَى ) شَهَادَتِ ( هِمْ ) أَيْ الصِّبْيَانِ ( قَبْلَهَا ) أَيْ الْفُرْقَةِ فَالْمُعْتَبَرُ شَهَادَتُهُمْ الْأُولَى الَّتِي سَمِعَهَا مِنْهُمْ الْعَدْلَانِ وَلَوْ رَجَعُوا عَنْهَا بَعْدَ افْتِرَاقِهِمْ .
فِي الْمُدَوَّنَةِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ مَا لَمْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يُخَبَّبُوا أَيْ يُعَلَّمُوا ابْنَ عَرَفَةَ مُقْتَضَاهَا أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَرَادِفَيْنِ ، وَنَصُّهُ شَرَطَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَهَادَتِهِمْ كَوْنَهَا قَبْلَ

تَفَرُّقِهِمْ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا مُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِمْ مَا لَمْ يُخَبَّبُوا ، فَإِنَّ افْتِرَاقَهُمْ مَظِنَّةَ اخْتِلَاطِهِمْ بِمَنْ يُلَقِّنُهُمْ مَا تَبْطُلُ بِهِ شَهَادَتُهُمْ .
قُلْت مُقْتَضَى قَوْلِهَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا وَيَخْبُوا مَعَ اخْتِصَارِهَا .
أَبُو سَعِيدٍ كَذَلِكَ إنَّهُمَا غَيْرُ مُتَرَادِفَيْنِ ، وَكَذَا لَفْظُ اللَّخْمِيِّ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ وَتَخْبِيبِهِمْ ، وَلَفْظُ إذَا شَهِدُوا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَيُخَبَّبُوا فَإِنْ افْتَرَقُوا وَأَمْكَنَ تَخْبِيبُهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَنَحْوُهُ لَفْظُ ابْنِ فَتُّوحٍ قَالَ وَمَعْنَى يُخَبَّبُوا يُعَلَّمُوا ا هـ .
( وَلَمْ يَحْضُرْ ) مَعَهُمْ شَخْصٌ ( كَبِيرٌ ) أَيْ بَالِغٌ ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَدْلًا أَغْنَتْ شَهَادَتُهُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ يُتَّهَمُ بِتَخْبِيبِهِمْ .
الْحَطّ أَطْلَقَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَبِيرَ فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَوْ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيُفْهَمُ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ مَعَ حُضُورِ الْكَبِيرِ خَوْفُ تَخْبِيبِهِمْ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أُحْضِرَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَشَهَادَتُهُمْ سَاقِطَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مَعَ حُضُورِ كَبِيرٍ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ .
فِي التَّوْضِيحِ لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا سَحْنُونٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ا هـ .
وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ سُقُوطِ شَهَادَتِهِمْ هَلْ هُوَ خَوْفُ التَّخْبِيبِ أَوْ الِاسْتِغْنَاءُ بِشَهَادَةِ الْكَبِيرِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَقَوْلَانِ فِي التَّوْضِيحِ ، أَيْ الْكَبِيرُ الْحَاضِرُ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ كَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ لَا يَضُرُّ حُضُورُهُمْ بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ .
الْمَازِرِيُّ لَا خِلَافَ فِيهِ مَنْصُوصٌ عِنْدَنَا وَقَالَهُ سَحْنُونٌ ، ثُمَّ تَوَقَّفَ

فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى هَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ إلَّا أَنَّهُ لَازِمٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّخْبِيبُ ، بَلْ هُوَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ أَشَدُّ ، وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِشَهَادَةِ الْكَبِيرِ ا هـ .
ثُمَّ قَالَ وَجَعَلَ الرَّجْرَاجِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ مَنْصُوصًا ، وَنَصُّهُ إذَا حَضَرَ كَبِيرٌ فَإِنْ كَانَ شَاهِدًا فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَلَا خِلَافَ أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ سَاقِطَةٌ لِوُجُودِ الْكَبِيرِ الْعَدْلِ ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِعَدْلٍ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ ، أَحَدُهُمَا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ جَائِزَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ ، وَالثَّانِي أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تَجُوزُ لِحُضُورِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُودًا عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقٍ ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي الْجِرَاحِ أَوْ فِي النَّفْسِ إنْ كَانَ عَاشَ حَتَّى يَعْرِفَ مَا هُوَ فِيهِ ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ لَهُ ، وَصَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَنَصُّهُ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ إنَّمَا يُتَّقَى مِنْ الْكَبِيرِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَوْ يُخَبِّبَهُمْ فَلَا تُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْجُرْحَةُ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ ، وَزَادَ فَقَالَ وَحَاصِلُهُ قَوْلَانِ فَنَظَرَ مُطَرِّفٌ وَمَنْ مَعَهُ إلَى رَفْعِ الضَّرُورَةِ وَإِذَا كَانَ الْكَبِيرُ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ تَرْتَفِعْ الضَّرُورَةُ ، وَنَظَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ لِلتَّخْبِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَهُوَ فِي غَيْرِ الْعَدْلِ أَكْثَرُ .
( أَوْ يَشْهَدُ ) الصِّبْيَانُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْكَبِيرِ لِصَغِيرٍ ( أَوْ ) يَشْهَدُ الصِّبْيَانُ ( لَهُ ) أَيْ الْكَبِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ ، فَالشَّرْطُ شَهَادَتُهُمْ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضِهِمْ عب الضَّمِيرَانِ لِلْكَبِيرِ كَمَا فِي الشَّارِحِ ،

وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْهُمْ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ اعْتِبَارُ مَنْعِ الْكَذِبِ قَبُولَ شَهَادَةِ مَنْ عُرِفَ بِهِ مِنْهُمْ .
تت سَكَتَ عَنْ شَرْطِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِعِلْمِهِ مِنْ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ الْبَالِغِ بِالْأَوْلَى .
وَقَالَ " غ " تَضَمَّنَ شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ شَرْطَ إسْلَامِهِ ، وَتَبِعَهُ عب ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ صِغَارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ، وَكَذَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ .

وَلَا يَقْدَحُ رُجُوعُهُمْ ، وَلَا تَجْرِيحُهُمْ ؛
( وَلَا يَقْدَحُ ) فِي شَهَادَتِهِمْ ( رُجُوعُهُمْ ) أَيْ الصِّبْيَانِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ أَدَائِهَا فَيُعْمَلُ بِالْأُولَى سَوَاءٌ رَجَعُوا عَنْهَا قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَتَأَخَّرْ الْحُكْمُ عَنْ بُلُوغِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ بَعْدَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ ، وَجَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ الْمَذْهَبَ ( وَلَا ) يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمْ ( تَجْرِيحُهُمْ ) أَيْ الصِّبْيَانِ الشَّاهِدِينَ ، أَيْ بِغَيْرِ الشُّهْرَةِ بِالْكَذِبِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ لِذَلِكَ .

وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ بِوَقْتٍ ؛ وَرُؤْيًا اتَّحَدَا ، وَفُرِّقُوا فَقَطْ : أَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا

( وَلِ ) الشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ ا ( لَزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ ) مِنْ الْعُدُولِ الْمُسْتَوْفِينَ الشُّرُوطَ السَّابِقَةَ وَالْخَالِينَ مِنْ الْمَوَانِعِ كَذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَاعْتُبِرَ هَذَا الْعَدَدُ فِي الزِّنَا إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } وَحِكْمَةُ التَّشْدِيدِ بِاشْتِرَاطِ الْأَرْبَعَةِ طَلَبُ السَّتْرِ وَدَفْعُ الْعَارِ اللَّاحِقِ لِلزَّانِي ، وَلَهَا وَلِأَهْلِهَا ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَتَكُونُ تَأْدِيَةُ الْأَرْبَعَةِ الشَّهَادَةَ لِلْحَاكِمِ ( بِوَقْتٍ وَ ) اعْتِمَادًا عَلَى ( رُؤْيًا ) لِآلَةِ الرَّجُلِ فِي آلَةِ الْمَرْأَةِ بِالْبَصَرِ ( اتَّحَدَا ) أَيْ وَقْتَ التَّأْدِيَةِ وَالرُّؤْيَةِ ، فَإِنْ أَدَّوْهَا مُتَفَرِّقِينَ أَوْ رَأَوْا كَذَلِكَ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَحُدُّوا حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .
الْحَطّ يَعْنِي بِالْوَقْتِ الْمُتَّحِدِ أَنْ يَأْتُوا بِشَهَادَتِهِمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مُجْتَمِعِينَ غَيْرَ مُتَفَرِّقِينَ ، وَاشْتِرَاطُ اتِّحَادِهِ فِي الرُّؤْيَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُلَفَّقُ الشَّهَادَةُ فِي الْأَفْعَالِ .
ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا لَا تَجُوزُ حَتَّى تَجْتَمِعَ أَرْبَعَةٌ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَيَوْمٍ وَاحِدٍ وَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْقِفٍ وَاحِدٍ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ .
ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا تَسْمِيَةُ الْمَوْضِعِ وَلَا الْيَوْمِ وَلَا السَّاعَةِ إنَّمَا شَرْطُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ الْأَرْبَعَةُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ قَالُوا رَأَيْنَاهُ مَعًا يَزْنِي بِفُلَانَةَ غَائِبَةً فَرْجُهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ تَمَّتْ شَهَادَتُهُمْ ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَذْكُرُ الْيَوْمَ وَلَا الْمَوْضِعَ وَإِنْ قَالُوا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَيَوْمِ كَذَا وَسَاعَةِ كَذَا مِنْ يَوْمِ كَذَا كَانَتْ أَتَمَّ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَوَاضِعِ أَوْ الْأَيَّامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ كَذَا

.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي يَوْمِ كَذَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ فِي يَوْمٍ آخَرَ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَازَتْ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ؛ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرُوهُ تَمَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْهُ ا هـ .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَالَ أَحَدُهُمْ زَنَى بِهَا مُنْكَبَّةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ مُسْتَلْقِيَةً بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ .
ا هـ .
وَسَمِعَ عِيسَى إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَا رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ شَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّهَا طَاوَعَتْهُ وَاثْنَانِ بِأَنَّهُ اغْتَصَبَهَا حُدَّ الْأَرْبَعَةُ .
( وَفُرِّقُوا ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ الشَّاهِدُونَ بِالزِّنَا عِنْدَ تَأْدِيَةِ الشَّهَادَةِ وُجُوبًا ، سَوَاءٌ حَصَلَتْ رِيبَةٌ أَمْ لَا قَالَهُ تت ، وَتَبِعَهُ عب وَالْخَرَشِيُّ .
وَقَالَ شب نَدْبًا ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ ( وَ ) يَشْهَدُونَ ( أَنَّهُ أَدْخَلَ ) ذَكَرَهُ ( فِي فَرْجِهَا ) وَمُقْتَضَى نَقْلِ " ق " أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ، وَيُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ أَيْضًا .
وَقَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةِ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ .

وَلِكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ .

( وَ ) يَجُوزُ ( لِكُلٍّ ) أَيْ مِنْ الْعُدُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ أَرَادُوا الشَّهَادَةَ بِالزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ ( النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ ) أَيْ لِقَصْدِ التَّحَمُّلِ فَلَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ بِتَعَمُّدِهِ ، وَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ بِكَوْنِهِمْ أَرْبَعَةً وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ، وَجَازَ لَهُمْ نَظَرُهَا هُنَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ غَالِبًا فَتَكْثُرَ الْفَاحِشَةُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا قِيلَ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ إلَيْهِمَا لِتَثْبُتَ الشَّهَادَةُ ، قَالَ كَيْفَ يَشْهَدُونَ إلَّا هَكَذَا ، وَنَاقَضَهَا ابْنُ هَارُونَ بِعَدَمِ إجَازَتِهِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي عَيْبِ الْفَرْجِ نَظَرَ النِّسَاءِ إلَيْهِ لِيَشْهَدْنَ بِمَا يَرَيْنَ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِصَابَةِ وَهِيَ بِكْرٌ ، قَالَ تُصَدَّقُ وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ ، قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُشْكِلٌ .
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْخِيَارِ إنَّ نَظَرَ الْمُبْتَاعِ فَرْجَ الْأَمَةِ رِضًى مِنْهُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُهُ إلَّا النِّسَاءُ أَوْ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ فَأَجَازَ نَظَرَ النِّسَاءِ إلَيْهِ .
فَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ طَرِيقَ الْحُكْمِ هُنَا مُنْحَصِرٌ فِي الشَّهَادَةِ وَلَا تُقْبَلُ إلَّا بِصِفَتِهَا الْخَاصَّةِ وَطَرِيقُهُ فِي تِلْكَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي الشَّهَادَةِ ، بَلْ لَهُ غَيْرُهَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي مَحَلِّهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْتَكَبَ مُحَرَّمٌ وَهُوَ نَظَرُ الْفَرْجِ بِلَا ضَرُورَةٍ .
قُلْت يُرَدُّ بِأَنَّ صُورَةَ النَّقْضِ إنَّمَا هِيَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ الْعَيْبِ إلَّا بِالنَّظَرِ .
وَكَانَ يَجْرِي لَنَا الْجَوَابُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ، أَحَدُهَا : أَنَّ الْحَدَّ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَثُبُوتُ الْعَيْبِ حَقٌّ آدَمِيٌّ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْكَدُ لِقَوْلِهَا فِيمَنْ سَرَقَ وَقَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ عَمْدًا يُقْطَعُ لِلسَّرِقَةِ ، وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ .
الثَّانِي مَا لِأَجْلِهِ النَّظَرُ هُنَا مُحَقَّقُ الْوُجُودِ أَوْ رَاجِحُهُ وَثُبُوتُ

الْعَيْبِ بِالسَّوِيَّةِ .
الثَّالِثُ : الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي الزِّنَا إنَّمَا هُوَ مُغَيِّبُ الْحَشَفَةِ ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالْفَرْجِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ النَّظَرُ إلَى الْعَيْبِ .
اللَّخْمِيُّ قَوْلُهُ كَيْفَ يَشْهَدُ الشُّهُودُ إلَّا هَكَذَا ، أَرَادَ بِهِ أَنَّ تَعَمُّدَ النَّظَرِ لَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ لِإِرَادَةِ إقَامَةِ الْحَدِّ ، وَهَذَا أَحْسَنُ فِيمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا يَكْشِفُونَ وَلَا تُحَقَّقُ عَلَيْهِمْ الشَّهَادَةُ ، ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ أَنْ لَا يُبَلِّغُوا الشَّهَادَةَ ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ يَكْشِفُونَ عَنْ تَحْقِيقِهَا ، فَإِنْ قَذَفَهُ أَحَدٌ بَعْدَهَا بَلَّغُوهَا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَالسَّتْرُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ قَذْفِهِ نَادِرَةٌ قُلْت وَلِقَوْلِهَا مَنْ قُذِفَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ زَنَى حَلَّ لَهُ الْقِيَامُ بِحَدِّ قَاذِفِهِ .
الْمَازِرِيُّ تَعَمُّدُ نَظَرِ الْبَيِّنَةِ لِفِعْلِ الزَّانِي ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِهِ ، وَنَظَرُ الْفَجْأَةِ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَا تَتِمُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَمَنَعَ بَعْضُ النَّاسِ نَظَرَ الْعَوْرَةِ فِي ذَلِكَ لِمَا نَبَّهَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِحْسَانِ السَّتْرِ .
وَفِي قَوَاعِدِ عِزِّ الدِّينِ إنَّمَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَنْظُرُوا مِنْ ذَلِكَ مَا يُحَصِّلُ وُجُوبَ الْحَدِّ وَهُوَ مَغِيبُ الْحَشَفَةِ فَقَطْ ، وَالنَّظَرُ إلَى الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ حَرَامٌ .
قُلْت هَذَا كُلُّهُ إنْ عَجَزَ الشُّهُودُ عَنْ مَنْعِ الْفَاعِلَيْنِ إتْمَامَ مَا قَصَدَاهُ أَوْ ابْتَدَآهُ مِنْ الْفِعْلِ ، فَلَوْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ وَلَمْ يَفْعَلُوا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِعِصْيَانِهِمْ بِعَدَمِ تَغْيِيرِهِمْ هَذَا الْمُنْكَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُمَا بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُهُ التَّغْيِيرُ لِإِسْرَاعِهِمَا .
ا هـ .
الْحَطّ وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَهُوَ بِبَادِئِ الرَّأْيِ ظَاهِرٌ ، وَلَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ بِخِلَافِهِ ،

وَنَصُّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يَرَى السَّارِقَ يَسْرِقُ مَتَاعَهُ فَيَأْتِي بِشَاهِدَيْنِ لِيَنْظُرَا إلَيْهِ وَيَشْهَدَا عَلَيْهِ بِسَرِقَتِهِ فَيَنْظُرَانِ إلَيْهِ وَرَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُمَا ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَهُ مَنَعَهُ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَقَالَ أَصْبَغُ أَرَى عَلَيْهِ الْقَطْعَ .
مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُ أَصْبَغَ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَتَاعَ مُسْتَسِرًّا بِهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا يَرَاهُ لَا رَبَّ الْمَتَاعِ وَلَا غَيْرَهُ كَمَنْ زَنَى وَالشُّهُودُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ وَلَوْ شَاءُوا أَنْ يَمْنَعُوهُ مَنَعُوهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ .
وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ رَآهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُخْتَلِسِ لَمَّا أَخَذَ الْمَتَاعَ وَصَاحِبُهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ ، وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْتَلِسِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ لَمْ يَعْلَمْ بِنَظَرِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ إلَيْهِ ا هـ .

وَنُدِبَ سُؤَالُهُمْ ، كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ ؟ وَكَيْفَ أُخِذْت ؟

( وَ ) إذَا شَهِدَ الْعُدُولُ الْأَرْبَعَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ ( نُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ لِلْحَاكِمِ ( سُؤَالُهُمْ ) أَيْ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ كَيْفِيَّةِ مَا رَأَوْهُ وَمَكَانَهُ وَوَقْتَهُ وَكَيْفِيَّةِ اجْتِمَاعِهِمَا وَدُخُولِهِمَا ، وَمَا الْبَاعِثُ لَهُمَا ، وَكَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِمَا وُصُولُكُمْ إلَيْهِمَا ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْجَوَابِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي شُهُودِ الزِّنَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ .
ابْنُ الْقَاسِمِ كَيْفَ رَأَوْهُ وَكَيْفَ صَنَعَ ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْرَأُ الْحَدَّ دَرَأَهُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ إيَّاهُمْ فِي جَمْعٍ مِنْ النَّاسِ .
مُحَمَّدٌ إنْ غَابُوا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ مَاتُوا أَقَامَ الْحَدَّ بِشَهَادَتِهِمْ .
اللَّخْمِيُّ أَرَادَ إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمُوجَبِ الْحَدِّ ، إذْ قَدْ يَرَوْنَهُ عَلَيْهَا فَيَشْهَدُونَ بِالزِّنَا ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَنَحْوُهُ لِلتُّونُسِيِّ .
أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ يَنْبَغِي هَلْ مَعْنَاهُ يَجِبُ أَوْ هُوَ عَلَى بَابِهِ ؟ الْأَقْرَبُ الْوُجُوبُ .
الْحَطّ وَهُوَ الظَّاهِرُ .
وَشَبَّهَ فِي نَدْبِ السُّؤَالِ فَقَالَ ( كَالسَّرِقَةِ ) فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ شَاهِدَيْهَا ( مَا هِيَ ) أَيْ الذَّاتُ الْمَسْرُوقَةُ مِنْ الْأَنْوَاعِ ( وَكَيْفَ أُخِذَتْ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهَا وَإِلَى أَيْنَ ذَهَبَ بِهَا ، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، وَعَنْ كَيْفِيَّةِ تَوَصُّلِهِمْ لِمَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ .
وَأَمَّا مَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِ فَالسُّؤَالُ عَنْهُ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا كَأَخْذِ الْمَالِ مِنْ حِرْزِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ ، وَفِي السَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ أَخَذَهَا وَمِنْ أَيْنَ إلَى أَيْنَ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ

كَانُوا مِمَّنْ يَجْهَلُ .
قُلْت قَوْلُ سَحْنُونٍ إنَّمَا نَقَلَهُ الصِّقِلِّيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِي السَّرِقَةِ .
الصِّقِلِّيُّ بَعْضُ فُقَهَائِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْشِفُوا ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَجْهَلُونَ ، إذْ قَدْ يَكُونُ رَأْيُ الْحَاكِمِ فِيهِ نَفْيَ الْقَطْعِ أَوْ ثُبُوتَهُ وَرَأْيُهُ خِلَافَ رَأْيِهِمْ .
قُلْت سِيَاقُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَقُولُهُ حَيْثُ الشُّهُودُ وَالْحَاكِمُ أَهْلُ مَذْهَبٍ وَاحِدٍ .

وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ لَهُ كَعِتْقٍ ، وَرَجْعَةٍ ، وَكِتَابَةٍ عَدْلَانِ

( وَلِمَا ) أَيْ مَشْهُودٍ بِهِ ( لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ لَهُ ) أَيْ الْمَالُ ( كَعِتْقٍ ) وَهُوَ كُلُّ عَقْدٍ لَازِمٍ لَا يَفْتَقِرُ لِعَاقِدَيْنِ ، وَفِيهِ إخْرَاجٌ فَمِثْلُهُ الْوَقْفُ وَالطَّلَاقُ غَيْرُ الْخُلْعِ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَالِ ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَاءُ وَالتَّدْبِيرُ قَالَهُ تت .
طفى لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْوَقْفَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَدْلَيْنِ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَإِنْ تَعَذَّرَتْ يَمِينُ بَعْضٍ كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ إلَخْ يُنَافِيه .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ عَامِلَةٌ فِي الْأَحْبَاسِ ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ ، وَقَدْ عَدَّهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِأَحَدِهِمَا وَيَمِينٍ ، وَقَوْلُهُ غَيْرُ الْخُلْعِ أَخْرَجَ الْخُلْعَ لِعَدَمِ انْتِظَامِهِ فِي هَذَا السِّلْكِ وَسَيَذْكُرُهُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَفْتَقِرُ لِعَاقِدَيْنِ .
الْبُنَانِيُّ أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ تت وَمَنْ تَبِعَهُ يُحْمَلُ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ .
الْبَاجِيَّ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَلَا يُحَاطُ بِهِمْ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ بِصَدَقَةٍ لِبَنِي تَمِيمٍ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَا يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِشَهَادَتِهِ شَيْئًا ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ مُسْتَحِقُّ هَذَا الْحَقِّ فَيَحْلِفُ مَعَهُ ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ فِي الْحُقُوقِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ الْمِلْكَ أَوْ الْقَبْضَ ، وَيُطْلَبُ بِهِ إنْ نَكَلَ .
قُلْت الْجَوَابُ بِكَلَامِ الْبَاجِيَّ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى تَعَذُّرِ الثُّبُوتِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَيَبْقَى الثُّبُوتُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ ، فَفِي ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ الصَّوَابُ جَوَازُ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِوَصِيَّةٍ لِلْمَسَاكِينِ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ؛

لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا سَقَطَتْ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَقِّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَالٍ لَا تُسْتَحَقُّ بِيَمِينٍ مَعَ الشَّاهِدِ .
( وَرَجْعَةٍ ) تت وَهُوَ كَالْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ فِيهِ إدْخَالًا ، فَمِثْلُهُ الِاسْتِلْحَاقُ وَالْإِسْلَامُ وَالرِّدَّةُ ، وَيُنَاسِبُهُ الْإِحْلَالُ وَالْإِحْصَانُ ( وَكِتَابَةٍ ) تت وَهُوَ عَقْدٌ يَفْتَقِرُ لِعَاقِدَيْنِ ، فَمِثْلُهَا النِّكَاحُ وَالْوَكَالَةُ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَالْخُلْعِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْعِدَّةُ ( عَدْلَانِ ) ابْنُ عَرَفَةَ وَمُتَعَلِّقُ الشَّهَادَةِ بِالذَّاتِ مَحْكُومًا بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا وَلَا زِنًا وَلَا قَرِينَةً وَلَا مُخْتَصًّا بِاطِّلَاعِ النِّسَاءِ ، فَشَرْطُ شَهَادَتِهِ اثْنَانِ رَجُلَانِ .
ابْنُ شَاسٍ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مَا عَدَا الزِّنَا مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مَا يَئُولُ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْوَلَاءِ وَالْعِدَّةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَثُبُوتِهِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِمَا ، وَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَشِبْهِ ذَلِكَ ، وَكَذَا الْوَكَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ .
شَرْطُ كُلُّ ذَلِكَ الْعَدَدُ وَالذُّكُورِيَّةُ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَدَّ الْمَازِرِيُّ فِي هَذَا النَّوْعِ الْإِحْلَالَ وَالْإِحْصَانَ وَالْإِيلَاءَ وَالظِّهَارَ ، وَتَقَدَّمَ عَدُّ ابْنُ شَاسٍ الْعِدَّةَ فِيهِ .
الْمَازِرِيُّ يَشْهَدَانِ بِانْقِضَائِهَا أَوْ ثُبُوتِهَا ، قَالَ وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَعَدَّ فِيهَا الرَّجْعَةَ كَالْمَعُونَةِ وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهَا خِلَافًا .
وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ فِي شَهَادَتِهِنَّ فِي الِارْتِجَاعِ قَوْلَانِ ، فَسَمِعَ أَشْهَبُ لَا تَجُوزُ .
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي غَيْرِ الْمُسْتَخْرَجَةِ هِيَ جَائِزَةٌ فِيهِ .

وَإِلَّا فَعَدْلٌ ، وَامْرَأَتَانِ ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَمِينٍ : كَأَجَلٍ ، وَخِيَارٍ ، وَشُفْعَةٍ ، وَإِجَارَةٍ ، وَجَرْحٍ خَطَإٍ ، أَوْ مَالٍ ، وَأَدَاءِ كِتَابَةٍ ، وَإِيصَاءٍ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ ، أَوْ بِأَنَّهُ حُكِمَ بِهِ : كَشِرَاءِ زَوْجَتِهِ وَتَقَدُّمِ دَيْنٍ عِتْقًا ، وَقِصَاصٍ فِي جُرْحٍ

( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَشْهُودُ بِهِ لَيْسَ مَالًا وَلَا آيِلًا إلَيْهِ ، بِأَنْ كَانَ مَالًا أَوْ آيِلًا إلَيْهِ ( فَ ) يَكْفِي فِيهِ ( عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ ) بِلَا يَمِينٍ ( أَوْ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْعَدْلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ ( بِيَمِينٍ ) يَحْلِفُهَا الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الْعَدْلُ أَوْ الْمَرْأَتَانِ حَقٌّ صَحِيحٌ ، وَمَثَّلَ لِمَا لَيْسَ مَالًا وَلَا آيِلًا إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( كَأَجَلٍ ) لِثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ أَوْ قَرْضٍ ( وَخِيَارٍ ) فِي بَيْعٍ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ ( وَشُفْعَةٍ ) أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أَخْذٍ أَوْ تَرْكٍ وَإِسْقَاطٍ أَوْ غَيْبَةِ الشَّفِيعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَإِجَارَةٍ ) وَبَيْعٍ وَكِرَاءٍ ( وَجَرْحٍ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ مُضَافٌ لِ ( خَطَأٍ أَوْ ) جَرْحِ ( مَالٍ ) وَهُوَ الْعَمْدُ الَّذِي لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِخَشْيَةِ التَّلَفِ كَجَائِفَةٍ وَآمَّةٍ ( وَأَدَاءِ ) نُجُومِ ( كِتَابَةٍ وَإِيصَاءٍ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ ) أَيْ الْمَالِ ( أَوْ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْحَاكِمُ ( حَكَمَ لَهُ ) أَيْ الطَّالِبِ ( بِهِ ) أَيْ الْمَالِ فَيَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَيَمِينِ الشَّارِحِ ، وَمَثَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( كَشِرَاءِ زَوْجَتِهِ ) الرَّقِيقَةِ لِغَيْرِهِ فَيَكْفِي فِيهِ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَيَمِينٌ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ ، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَسْخُ النِّكَاحِ .
الْبِسَاطِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ بِأَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ لِشَخْصٍ بِمَالٍ ثُمَّ أَرَادَ تَنْفِيذَهُ عِنْدَ إنْكَارِ الْخَصْمِ كَفَى فِيهِ الشَّاهِدُ وَامْرَأَتَانِ ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ مَسْأَلَةُ إنْهَاءِ الْحَاكِمِ لِغَيْرِهِ ، وَجَعَلَهَا الشَّارِحُ مِثَالًا ، وَلَا أَدْرِي مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ اُنْظُرْ الْكَبِيرَ ، وَنَصُّهُ وَلَعَلَّ اخْتِلَافَهُمَا نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ .
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْقَضَاءِ بِمَالٍ فَالْمَشْهُورُ لَا تَمْضِي فَصَلَهَا ؛ لِأَنَّهَا عَكْسُ مَا قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيمَا قَبْلَهَا عَلَى مَالٍ وَتَئُولُ إلَى غَيْرِهِ ، وَهَذِهِ بِالْعَكْسِ .

وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ الشَّهَادَةُ عَلَى أَدَاءِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ بِأَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ بِأَدَاءِ آخِرِ نَجْمٍ ، وَيُنْكِرَ السَّيِّدُ وَيَحْلِفَ الْمُكَاتَبُ مَعَ شَاهِدِهِ فَيَثْبُتَ الْأَدَاءُ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ ، وَلَيْسَ بِمَالٍ .
وَمَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَالٍ فَأَنْكَرَ فَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِهِ ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ الْمَشْهُورُ لَا ، وَتَعَقَّبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي ، قَالَ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيَّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ لَيْسَ بِمَالٍ وَيَئُولُ إلَى مَالٍ .
وَأَمَّا دَعْوَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِمَالٍ ، فَدَعْوًى بِمَالٍ حَقِيقَةً لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهَا وَرُدَّ بِأَنَّ الْخِلَافَ أَيْضًا مَوْجُودٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي حَكَاهُ فَضْلٌ ، وَالْقَوْلُ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ لِمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَاهِدَانِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ ، وَلَعَلَّ ابْنَ الْحَاجِبِ شَهَّرَهُ إمَّا لِأَخْذِ ابْنِ حَبِيبٍ بِهِ ، وَإِمَّا ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَإِمَّا لِكَوْنِ الشَّهَادَةِ فِيهِ بَاشَرَتْ مَالًا وَإِمَّا لِلْمَجْمُوعِ ا هـ .
" غ " قَوْلٌ أَوْ بِأَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ ، أَيْ وَكَذَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي بِالْمَالِ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ ، فَلَيْسَ كَشِرَاءِ زَوْجَتِهِ تَمْثِيلًا ، وَلَكِنَّهُ تَشْبِيهٌ لِإِفَادَةِ حُكْمٍ .
طفى أَرَادَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَمَثَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَشِرَاءِ زَوْجَتِهِ أَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ غَيْرَ مَالٍ وَلَا آيِلٍ لَهُ ، لَكِنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَالِ فَيَكْفِي فِيهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَيَمِينٌ ، وَنَصُّهُ

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَوْ بِأَنَّهُ حُكِمَ لَهُ بِهِ إلَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ لَهُ إذَا انْتَقَلَ بِالشَّهَادَةِ لِذَلِكَ ، أَيْ الْمَالِ ، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ يَمِينٍ ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ شَاهِدٌ مَعَ يَمِينٍ أَوْ امْرَأَتَانِ مَعَ يَمِينٍ ، فَتَصِيرَ مِلْكًا لَهُ ، فَيَجِبَ بِذَلِكَ فِرَاقُهَا ، وَكَذَلِكَ عَلَى دَيْنٍ مُتَقَدِّمٍ يُرَدُّ بِهِ الْعِتْقُ أَوْ يُقِيمَ الْقَاذِفُ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَقْذُوفَ عَبْدٌ فَيَسْقُطَ الْحَدُّ ، وَإِنَّمَا زَادَ الشَّيْخُ الْقِصَاصَ فِي الْجَرْحِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ لَهُ وَلَا مِمَّا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ لِيَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ الصُّوَرِ .
ا هـ .
فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ كَلَامِهِ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ بِأَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ ، وَأَنَّ شِرَاءَ الزَّوْجَةِ وَمَا بَعْدَهُ مِثَالَانِ لِذَلِكَ ، وَكَذَا الْمِثَالُ الَّذِي زَادَهُ ، فَالْفَسْخُ فِي الْأَوَّلِ وَرَدُّ الْعِتْقِ فِي الثَّانِي وَسُقُوطُ الْحَدِّ فِي الثَّالِثِ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَلَا تُؤَوَّلُ إلَيْهِ ، لَكِنْ حُكِمَ لَهَا بِحُكْمِ الْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ .
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى شِرَاءِ الزَّوْجَةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى أَدَاءِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَتَثْبُتُ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْفَسْخُ وَالْعِتْقُ فَصَلَهَا بِأَمَّا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مَحْضٍ ، بَلْ مُرَكَّبٌ مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ فَيَثْبُتُ الْبَيْعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَالٌ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَحْكُمْ بِهِ لَأَدَّى إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ كِلَاهُمَا بَاطِلٌ ، إمَّا رَدُّ شَهَادَةٍ بِشَاهِدٍ وَإِمَّا إبْقَاءُ الزَّوْجَةِ فِي عِصْمَةِ مَالِكِهَا ، وَكَذَا الْمِثَالُ الثَّانِي يَثْبُتُ فِيهِ أَدَاءُ النُّجُومِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ .
ا هـ .
فَقَدْ ظَهَرَ لَك صِحَّةُ قَوْلِ

الشَّارِحِ ، وَأَنَّ قَوْلَ الْبِسَاطِيِّ لَا أَدْرِي إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ وَأَمَّا تَقْرِيرُ الْبِسَاطِيِّ وَنَحْوُهُ لَغْ فَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْقَضَاءِ بِمَالٍ فَالْمَشْهُورُ لَا تَمْضِي وَلَهُ اسْتِحْلَافُ الْمَطْلُوبِ ، وَأَقَرَّهُ فِي تَوْضِيحِهِ ، وَعَزَا مَا شَهَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِابْنِ الْقَاسِمِ ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى تَعَقُّبِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَهُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ فِي مُخْتَصَرِهِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَا قَرَّرَ بِهِ الْبِسَاطِيُّ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ غَيْرُ الْإِنْهَاءِ كَمَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ ، وَأَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا .
الْبُنَانِيُّ لَكِنَّ تَقْرِيرَ الشَّارِحِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِي ذَلِكَ هُوَ الْبَيْعُ ، وَهُوَ مَالٌ وَيُؤَدِّي إلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْفَسْخُ مَثَلًا ، فَلَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ طفى بِكَلَامِ التَّوْضِيحِ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ ، لَكِنَّ تَقْرِيرَ التَّوْضِيحِ لَا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ تَقْرِيرَ ابْنِ غَازِيٍّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَتَمُّ فَائِدَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) كَ ( تَقَدُّمِ دَيْنٍ ) مُحِيطٍ بِمَالِ الْمُعْتِقِ ( عِتْقًا ) فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ ، وَيُرَدُّ الْعِتْقُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ رَقِيقًا وَظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِهِ وَادَّعَى غُرَمَاؤُهُ أَنَّ تَدَايُنَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَأَقَامُوا عَلَيْهِ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا ، وَحَلَفُوا مَعَهُ يَمِينًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ وَيُرَدُّ الْعِتْقُ وَيُؤْخَذُ الرَّقِيقُ فِي الدَّيْنِ ( وَ ) كَ ( قِصَاصٍ ) مِنْ جَانٍ ( فِي جَرْحِ ) عَمْدٍ فَيَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمُسْتَحْسَنَاتُ .
فِيهَا مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جَرْحٍ عَمْدًا فَلْيَحْلِفْ وَيَقْتَصِفْ ، فَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْجَارِحِ احْلِفْ وَابْرَأْ ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ ، ثُمَّ قَالَ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ

وَلَيْسَتْ بِمَالٍ ، فَقَالَ كَلَّمْت مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّهُ لِشَيْءٍ اسْتَحْسَنْته وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا ، وَفِيهَا أَيْضًا كُلُّ جَرْحٍ فِيهِ قِصَاصٌ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ فِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَكُلُّ جَرْحٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ مِمَّا هُوَ مُتْلِفٌ كَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ فَالشَّاهِدُ فِيهِ وَالْيَمِينُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ مَالٌ .
" غ " قَوْلُهُ أَوْ قِصَاصٍ فِي جَرْحٍ مَعْطُوفٌ عَلَى شِرَاءِ زَوْجَةٍ وَكَأَنَّهُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ لَهُ عَدْلَانِ .
الْبُنَانِيُّ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَبُولَ الشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ فِي الْمَالِ وَمَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِمَا .
وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ مَنْ صَحَّ نَظَرُهُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا بِالشَّاهِدِ الْمُبَرِّزِ فِي الْعَدَالَةِ .
ا هـ .
وَنَحْوُهُ فِي التَّبْصِرَةِ .
وَفِي الْمِعْيَارِ سُئِلَ ابْنُ لُبٍّ عَنْ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَأَجَابَ الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَقَدْ مَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَأَجَازَهُ الْمَالِكِيَّةُ ، لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الشَّاهِدِ الْعَدْلِ الْبَيِّنِ الْعَدَالَةِ ، وَحُمِلَ عَلَى التَّفْسِيرِ لِلْمَذْهَبِ ، وَقَدْ كَانَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنَّا لَا يَحْكُمُ بِهِ إلَّا مَعَ شَاهِدٍ مُبَرِّزٍ وَلَا يَأْخُذُ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا إنْ ظَهَرَتْ رِيبَةٌ فِي الْقَضِيَّةِ وَكَانَ الْأَخْذُ بِذَلِكَ مُؤَدِّيًا إلَى فَسْخِ عَقْدٍ ثَابِتِ الصِّحَّةِ فَلَا وَجْهَ لِلْأَخْذِ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ .
ا هـ .
لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ رَحَّالٍ فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ ظَاهِرُ كَلَامِ جُمْهُورِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ لَا تَفْسِيرٌ ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ قَيَّدَ كَلَامَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا بِمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ الْإِتْيَانُ بِالْمُبَرِّزِ ، اُنْظُرْ كَلَامَهُ .

وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ ، كَوِلَادَةٍ وَعَيْبِ فَرْجٍ ، وَاسْتِهْلَالٍ وَحَيْضٍ ، وَنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ ، أَوْ سَبْقِيَّتِهِ ، أَوْ مَوْتٍ وَلَا زَوْجَةَ ، وَلَا مُدَبَّرَ وَنَحْوَهُ ؛

( وَلِمَا ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ ، أَيْ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ ( لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ ) لِكَوْنِهِ عَوْرَةً لَهُنَّ ( امْرَأَتَانِ ) عَدْلَتَانِ ، وَمَثَّلَ لِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ فَقَالَ ( كَوِلَادَةٍ ) وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَوْلُودِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاشْتَرَطَ سَحْنُونٌ حُضُورَهُ لِيُشَاهِدَهُ الرِّجَالُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ ( وَ ) كَ ( عَيْبِ فَرْجٍ ) مِنْ أَمَةٍ اخْتَلَفَ فِيهِ بَائِعُهَا وَمُشْتَرِيهَا .
وَأَمَّا عَيْبُ فَرْجِ الْحُرَّةِ فَتُصَدَّقُ فِيهِ وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ إلَّا بِرِضَاهَا .
وَقَالَ سَحْنُونٌ تُجْبَرُ عَلَى تَمْكِينِهِنَّ مِنْ نَظَرِهِ كَالْأَمَةِ ، وَتَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ أَتَى بِامْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ لَهُ قُبِلَتَا ( وَ ) كَ ( اسْتِهْلَالٍ ) أَيْ صُرَاخِ الْمَوْلُودِ حِينَ وِلَادَتِهِ وَعَدَمِهِ وَظَاهِرُهُ كَانَ الْبَدَنُ مَوْجُودًا أَمْ لَا ، وَذُكُورَتُهُ أَوْ أُنُوثَتُهُ مَعَ يَمِينِ الْقَائِمِ بِشَهَادَتِهِنَّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ( وَ ) كَ ( حَيْضٍ ) مِنْ أَمَةٍ ، وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَتُصَدَّقُ فِيهِ .
( وَنِكَاحٍ ) ادَّعَاهُ حَيٌّ ( بَعْدَ مَوْتٍ ) فَيَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي فَيَثْبُتُ الصَّدَاقُ وَالْإِرْثُ لَا النِّكَاحُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ( أَوْ سَبْقِيَّتِهِ ) أَيْ مَوْتِ أَحَدِ الْقَرِيبَيْنِ أَوْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى مَوْتِ الْآخَرِ فَثَبَتَ بِعَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَأَحَدُهُمَا مَعَ يَمِينٍ ( أَوْ مَوْتٍ ) لِرَجُلٍ ( وَلَا زَوْجَةَ ) لَهُ ( وَلَا مُدَبَّرَ ) لَهُ فَيَثْبُتُ بِمَا ذَكَرَ ( وَ ) لَا ( نَحْوَهُ ) أَيْ الْمُدَبَّرِ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ وَمُوصًى بِعِتْقِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ أَوْ نَحْوُ مُدَبَّرٍ فَلَا يَثْبُتُ مَوْتُهُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ .
" غ " قَوْلُهُ وَنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ أَوْ سَبْقِيَّتِهِ أَوْ مَوْتٍ وَلَا زَوْجَةَ وَلَا مُدَبَّرَ وَنَحْوَهُ حَقُّ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى قَوْلِهِ وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ مُنْتَظِمًا فِي سِلْكِ مَا يُقْبَلُ فِيهِ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ

أَحَدُهُمَا بِيَمِينٍ ، فَلَعَلَّهُ كَانَ مُلْحَقًا فِي الْمُبَيَّضَةِ فَوَضَعَهُ النَّاسِخُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ .

وَثَبَتَ الْإِرْثُ وَالنَّسَبُ لَهُ ، وَعَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ

( وَ ) إنْ شَهِدَ امْرَأَتَانِ بِاسْتِهْلَالِ الْمَوْلُودِ ( ثَبَتَ الْإِرْثُ وَالنَّسَبُ لَهُ ) أَيْ الْمَوْلُودِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْمَوْلُودِ ( بِلَا يَمِينٍ ) مَعَ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ .
" غ " يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ بِقَوْلِهِ وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ كَوِلَادَةٍ وَعَيْبِ فَرْجٍ وَاسْتِهْلَالٍ وَحَيْضٍ كَمَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ النَّسَبَ وَالْمِيرَاثَ يَثْبُتَانِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ بِالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ لِلْمَوْلُودِ ، وَعَلَيْهِ فَإِنْ شَهِدَتَا أَنَّهُ اسْتَهَلَّ وَمَاتَ بَعْدَ أُمِّهِ وَرِثَهَا وَوَرِثَهُ وَارِثُهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِشَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَثْبُتُ الْمِيرَاثُ وَالنَّسَبُ لَهُ وَعَلَيْهِ ، وَقَرَّرَهُ ابْنُ هَارُونَ بِقَوْلِهِ مِثْلُ أَنْ تَشْهَدَ امْرَأَتَانِ بِوِلَادَةِ أَمَةٍ أَقَرَّ سَيِّدُهَا بِوَطْئِهَا وَأَنْكَرَ وِلَادَتَهَا ، فَإِنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَاحِقٌ بِهِ ، وَكَذَا مُوَارَثَتُهُ إيَّاهُ لَهُ وَعَلَيْهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا كَقَوْلِ آخِرِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَمَةٌ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَأَنْكَرَ لَمْ أُحَلِّفْهُ لَهَا إلَّا أَنْ تُقِيمَ رَجُلَيْنِ عَلَى إقْرَارِ سَيِّدِهَا بِوَطْئِهَا وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى وِلَادَتِهَا فَتَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ وَيَثْبُتَ النَّسَبُ لِلْوَلَدِ إنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ سَيِّدُهَا اسْتِبْرَاءَهَا بَعْدَ وَطْئِهَا فَذَلِكَ لَهُ ، وَهَذَا نَصٌّ فِي جَوَازِ شَهَادَتِهِنَّ فِيمَا لَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَتُهُنَّ إذَا كَانَ لَازِمًا لِمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَتُهُنَّ ، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ أَوْ غَيْرِهِ ا هـ .
وَمِنْ تَمَامِ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَقَامَتْ شَاهِدِينَ عَلَى إقْرَارِ السَّيِّدِ بِوَطْئِهَا وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى وِلَادَتِهَا أَحْلَفَتْهُ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ بِلَا يَمِينٍ كَابْنِ الْحَاجِبِ .
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَذَا قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَطْلَقَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا وَإِنْ كَانَ الْقَائِمُ بِشَهَادَتِهِنَّ

يَتَيَقَّنُ صِدْقَهُنَّ كَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ ، فَحَكَى اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ فِي إلْزَامِهِ الْيَمِينَ قَوْلَيْنِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يَطَّرِدُ هَذَا الْخِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ .

وَالْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ : كَقَتْلِ عَبْدٍ آخَرَ
( وَ ) إنْ شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَلَفَ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يَثْبُتُ ( الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ ) لِيَدِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ ( فِي ) شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَيَمِينٍ عَلَى مُكَلَّفٍ بِ ( سَرِقَةٍ ) " غ " أَرَادَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِيَمِينٍ وَلَوْ وَصَلَهُ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ ، وَقَدْ نَكَّتَ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَصِلْهُ بِالْأَمْوَالِ ، إذْ قَالَ هُنَا وَلَوْ شَهِدَ عَلَى السَّرِقَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُوهِمُ كَوْنَ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فَقَطْ ، فَمَا الظَّنُّ بِهَذَا ، وَلَكِنَّهُ اتَّكَلَ عَلَى تَمْيِيزِ ذِهْنِ السَّامِعِ اللَّبِيبِ .
وَشَبَّهَ فِي ثُبُوتِ الْمَالِ دُونَ الْقَتْلِ فَقَالَ ( كَقَتْلِ عَبْدٍ ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ قَوْلُهُ عَبْدًا ( آخَرَ ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَيَمِينٍ الْمَالُ ، أَيْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ أَوْ نَفْسُ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ إنْ لَمْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَسَلَّمَهُ لِسَيِّدِهِ وَلَا يَثْبُتُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ الْقَتْلُ قِصَاصًا .

وَحِيلَتْ أَمَةٌ مُطْلَقًا كَغَيْرِهَا ، إنْ طَلَبَتْ بِعَدْلٍ ، أَوْ اثْنَيْنِ يُزَكَّيَانِ

( وَ حِيلَتْ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ ، أَيْ مُنِعَتْ وَأُبْعِدَتْ ( أَمَةٌ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْمِيمِ مِنْ حَائِزِهَا ادَّعَتْ حُرِّيَّتَهَا أَوْ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا مِلْكُهُ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهَا رَائِعَةً وَيَطْلُبُ حَيْلُولَتَهَا وَيَكُونُ حَائِزُهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ ، وَجُعِلَتْ عِنْدَ أَمِينَةٍ حَتَّى يَتَّضِحَ أَمْرُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .
" غ " أَيْ رَائِعَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ رَائِعَةٍ بِيَدِ مَأْمُونٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرِ مَأْمُونٍ طَلَبَ الْقَائِمُ الْحَيْلُولَةَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلِذَا قَالَ بَعْدَهَا كَغَيْرِهَا إنْ طَلَبَتْ ، أَيْ كَغَيْرِ الْأَمَةِ إنْ طَلَبَتْ الْحَيْلُولَةَ .
شب إنْ كَانَ الْحَائِزُ مَأْمُونًا فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمَةِ ، وَيُؤْمَرُ بِتَرْكِ التَّمَتُّعِ بِهَا حَتَّى يَتَّضِحَ حَالُهَا كَمَا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالشَّامِلِ تَبَعًا لَهَا فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ ، وَبِهِ قَرَّرَ اللَّقَانِيُّ ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ أَفَادَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ .
الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَيْنِ ، وَصَدَّرَ بِالْأَوَّلِ فَأَفَادَ تَرْجِيحَهُ وَنَصُّهُ وَتُحَالُ الْأَمَةُ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا عَلَيْهَا .
وَقِيلَ تُحَالُ الرَّائِعَةُ مُطْلَقًا .
ا هـ .
وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ ، وَنَصُّهُ إنْ ادَّعَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ الْعَبْدُ الْحُرِّيَّةَ فَإِنْ سَبَّبَا لِذَلِكَ سَبَبًا كَالشَّاهِدِ الْعَدْلِ أَوْ الشُّهُودِ غَيْرِ الْعُدُولِ وَقَفَ السَّيِّدُ عَنْ الْجَارِيَةِ وَأُمِرَ بِكَفِّهِ عَنْ وَطْئِهَا إنْ كَانَ مَأْمُونًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا وُضِعَتْ عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ ، اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ فِي الْمَوَّاقِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ " غ " إذْ قَالَ كَانَتْ بِيَدِ مَأْمُونٍ أَوْ غَيْرِ مَأْمُونٍ وَنَحْوُهُ لِأَحْمَدَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَشَبَّهَ فِي الْحَيْلُولَةِ فَقَالَ ( كَغَيْرِهَا ) أَيْ الْأَمَةِ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ كَبَقَرَةٍ وَفَرَسٍ وَثَوْبٍ وَكِتَابٍ فَتَجِبُ

الْحَيْلُولَةُ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِزِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( إنْ طُلِبَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْحَيْلُولَةُ مِنْ الْمُدَّعِي وَقَدْ أَتَى ( بِعَدْلٍ ) شَاهِدٍ لَهُ بِهِ وَزَعَمَ أَنَّ لَهُ شَاهِدًا ثَانِيًا ( أَوْ ) أَتَى بِ ( اثْنَيْنِ ) شَهِدَا لَهُ بِهِ ( يُزَكَّيَانِ ) بِفَتْحِ الْكَافِ ، أَيْ يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِهِمَا عَلَى تَزْكِيَتِهِمَا ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلَدِيًّا أَوْ غَرِيبًا .
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ الْفِقْهُ يَقْتَضِي أَخْذَ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْغَرِيبِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِضَامِنٍ عَلَى نَظَرٍ فِي قَبُولٍ لِاحْتِمَالِ هُرُوبِهِ وَتَغْيِيبِ الْمُعَيَّنِ .
وَأَمَّا الْعَقَارُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إلَّا بِنِصَابٍ كَامِلٍ .
طفى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْبِسَاطِيُّ فِي الْعَقَارِ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ الْمُعْتَمَدِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِكَمَالِ النِّصَابِ أَنَّهُمَا زَكَّيَا وَحَازَ الْمَشْهُودُ بِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْعَقَارَ لَا يُوقَفُ بِحَالٍ .
ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَحِقِّ ، وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُ وَيَجِبُ بِهِ التَّوْقِيفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ ، وَلَا تَجِبُ لَهُ الْغَلَّةُ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ بِهِ وَهُوَ الْآتِي عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْغَلَّةِ لِلَّذِي هِيَ بِيَدِهِ حَقٌّ يَقْضِي بِهَا لِلطَّالِبِ ، فَعَلَيْهِ لَا يَجِبُ تَوْقِيفُ الْأَصْلِ الْمُسْتَحَقِّ تَوَقُّفًا بِحَالٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَا تَوْقِيفُ غَلَّتِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرُّبْعَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ لَا يُوقَفُ مِثْلُ مَا يَحُولُ وَيَزُولُ ، وَإِنَّمَا يُوقَفُ وَقْفًا يَمْنَعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهِ .
ا هـ .
ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ .
ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى نَقْلِهِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ التَّوْقِيفُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ .
ا هـ

.
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِهِ وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ تت صِفَةُ الْإِيقَافِ غَلْقُ الدَّارِ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَخِلَافُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمُوَطَّإِ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَمَعْنَى قَوْلِهَا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُوقَفُ وَقْفًا يَمْنَعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ لِلَّذِي هُوَ عِنْدَهُ ، وَفِي يَدِهِ لَا تُحْدِثُ فِيهِ حَدَثًا مِنْ تَفْوِيتٍ وَلَا تَغْيِيرٍ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِك قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ .

وَبِيعَ مَا يَفْسُدُ ، وَوُقِفَ ثَمَنُهُ مَعَهُمَا ، بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ ، وَيُبَقَّى بِيَدِهِ .

( وَبِيعَ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ قَبْلَ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ ( مَا ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ الَّذِي ( يَفْسُدُ ) بِتَأْخِيرِهِ إلَى تَمَامِ الشَّهَادَةِ كَطَرِيِّ لَحْمٍ وَفَاكِهَةٍ وَمَطْبُوخٍ ( وَوُقِفَ ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْقَافِ ( ثَمَنُهُ ) بِيَدِ عَدْلٍ ( مَعَ ) الشَّهَادَةِ مِنْ ( هُمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ الْمُحْتَاجَيْنِ لِلتَّزْكِيَةِ ( بِخِلَافِ ) شَهَادَةِ ( الْعَدْلِ فَ ) لَا يُبَاعُ الْمُدَّعَى بِهِ بِسَبَبِهَا وَ ( يَحْلِفُ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْهُ ( وَيُبَقَّى ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا الْمُدَّعَى بِهِ ( بِيَدِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا يَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ كَاللَّحْمِ وَرُطَبِ الْفَوَاكِهِ ، وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَاحْتِيجَ إلَى تَزْكِيَتِهِمَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ عَدْلًا وَاحِدًا فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ وَيَتْرُكُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ بِقَوْلِهِ قَالُوا وَقَبْلَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
وَقَالَ تَبْرَأَ مِنْهُ لِإِشْكَالِهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّاهِدِ الثَّانِي ، كَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَالَةِ الشَّاهِدَيْنِ .
فَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ وَيُوقَفَ ثَمَنُهُ فِيهِمَا أَوْ يُخَلَّى بِيَدِهِ فِيهِمَا .
وَأَجَابَ صَاحِبُ النُّكَتِ بِأَنَّ مُقِيمَ الْعَدْلِ قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ فَلَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا صَارَ كَأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ ، بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا أَوْ وَقَفَ ذَلِكَ الْقَاضِي لِيَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمْ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِغَيْرِ عَدَالَتِهِمْ .
وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ إلَى فَرْقٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْمَجْهُولَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ وَالشَّهِيدَانِ الْمَجْهُولَانِ إذَا عُدِّلَا فَإِنَّمَا أَفَادَ تَعْدِيلُهُمَا بَعْدَ الْكَشْفِ عَنْ وَصْفٍ كَانَا عَلَيْهِ

حِينَ شَهَادَتِهِمَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْإِشْكَالِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ إنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُمْ مَكَّنُوا مِنْ الطَّعَامِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ بَعْدَ شَاهِدٍ وَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْهُ إنْ قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ ، بَلْ قَالُوا يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ وَالشَّاهِدَانِ أَضْعَفُ .
قَالَ فَإِنْ قُلْت وَلِأَجْلِ أَنَّ الشَّاهِدَ أَضْعَفُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أُبْقِيَ الطَّعَامُ بِيَدِ الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُضْعِفَتْ الدَّعْوَى لِضَعْفِ الْحُجَّةِ ضَعُفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَثَرُهَا ، فَإِبْقَاءُ الطَّعَامِ بِيَدِهِ لَيْسَ هُوَ لِمَا تُوُهِّمَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى ، بَلْ هُوَ عَيْنُ تَرْجِيحِ الْأَقْوَى .
فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِيمَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ وَيُتْرَكَ لَهُ يَفْعَلُ فِيهِ مَا أَحَبَّ .
قَالَ وَيُجَابُ عَنْ أَصْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ قَدْ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي لِخَشْيَةِ فَسَادِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ دَعْوَاهُ .
فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النِّزَاعُ فِي ثَمَنِهِ ، فَهُوَ كَدَيْنٍ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ فَمُكِّنَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُنَازِعِ فِي تَعْجِيلِهِ لَهُ ، وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي فِيهِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
ا هـ .
كَلَامُ التَّوْضِيحِ .
ابْنُ عَرَفَةَ حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ هُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَأَشَارَ إلَى التَّبَرِّي مِنْهُ وَهُوَ أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ فِيمَا يُخْشَى فَسَادُهُ يُوجِبُ عَدَمَ تَمَامِهِ حِينَ خَوْفِ الْمُدَّعِي فِيهِ تَسْلِيمَهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ بَيْعِهِ ، وَإِنَّ عَدَمَ عَدَالَةِ الشَّاهِدَيْنِ حِينَئِذٍ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ ، بَلْ يُوجِبُ بَيْعَهُ وَوَقْفَ ثَمَنِهِ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَأَبِي حَفْصٍ الْعَطَّارِ مُرَاعِيًا أُصُولَ الْمَذْهَبِ عَلِمَ أَنَّ مَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ عَنْ الْمَذْهَبِ ، وَفَسَّرَ بِهِ كَلَامَ ابْنِ

الْحَاجِبِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِيهَا إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يَفْسُدُ مِنْ اللَّحْمِ وَرَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَأَثْبَتَ لَطْخًا وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَجَّلَهُ الْقَاضِي لِإِحْضَارِ شَاهِدٍ إنْ قَالَ لِي شَاهِدٌ وَلَا أَحْلِفُ ، أَوْ بَيِّنَةٌ مَا لَمْ يَخَفْ الْفَسَادَ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي ادَّعَى وَاسْتُؤْنِيَ ، فَإِنْ أَحْضَرَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَإِلَّا خَلَّى بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ إنْ كَانَ هُوَ الْبَائِعَ ، وَنَهَى الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَكَانَ الْقَاضِي يَنْظُرُ فِي تَعْدِيلِهِمَا وَخَافَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ أُمِرَ بِبَيْعِهِ وَوَضْعِ ثَمَنِهِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ ، فَإِنْ زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ قَضَى لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ فَدُفِعَ لِلْبَائِعِ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ، وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا زَادَ ثَمَنُ الْمُشْتَرِي الَّذِي جَحَدْت الْبَيْعَ بِهِ عَلَى ثَمَنِ سِلْعَتِك وَإِنْ لَمْ تَزُلْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشِّرَاءِ دَفَعَ الْقَاضِي الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ ، فَإِنْ ضَاعَ الثَّمَنُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ لِأَحَدِهِمَا فَضَمَانُهُ مِمَّنْ يُقْضَى لَهُ بِهِ .
عِيَاضٌ قَوْلُهُ فِي تَوْقِيفِ مَا يُسْرِعُ لَهُ الْفَسَادُ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي عِنْدِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَلَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَنَّهُ يُؤَجِّلُهُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الْفَسَادَ ، وَإِلَّا خَلَّى بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ .
مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَيْ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ أَرَادَ لَا أَحْلِفُ مَعَهُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا ، فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت مَعَ شَاهِدِي بِيعَ حِينَئِذٍ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ إنْ خُشِيَ فَسَادُهُ وَلَيْسَ هَذَا بِأَضْعَفَ مِنْ شَاهِدَيْنِ يُطْلَبُ تَعْدِيلُهُمَا ، فَقَدْ جَعَلَهُ بِبَيْعِهِ هُنَا وَنَحْنُ عَلَى شَكٍّ مِنْ تَعْدِيلِهِمَا ، وَهُوَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ بَطَلَ الْحَقُّ وَشَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي الْأَوَّلِ ثَابِتٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْحَلِفُ مَعَهُ مُمْكِنٌ إنْ لَمْ يَجِدْ آخَرَ وَيَثْبُتُ

الْحَقُّ ، فَحَاصِلُهَا إنْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي إلَّا لَطْخًا قَاصِرًا عَنْ شَاهِدِ عَدْلٍ وَعَنْ شَهِيدَيْنِ مُمْكِنٍ تَعْدِيلُهُمَا وَقَفَ الْمُدَّعِي فِيهِ مَا لَمْ يَخْشَ فَسَادَهُ ، فَإِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَكَذَا إنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا وَقَالَ لَا أَحْلِفُ مَعَهُ بِوَجْهٍ وَإِنْ قَالَ أَحْلِفُ مَعَهُ أَوْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ يَنْظُرُ فِي تَعْدِيلَهُمَا بِيعَ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ ، وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ ، وَزَادَ إنْ كَانَ أَتَى الطَّالِبُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُزَكِّهِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّزْكِيَةِ فَهُوَ كَقِيَامِ شَهِيدَيْنِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا يُبَاعُ الْمُدَّعَى بِهِ لِخَوْفِ فَسَادِهِ .
وَنَقَلَ أَبُو إبْرَاهِيمَ قَوْلَ عِيَاضٍ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي سُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ .
قُلْت لَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَزِمَ فِيمَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ وَاضِحٌ رَدُّهُ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ بَيْعُهُ وَوَقْفُ ثَمَنِهِ عُلِّلَ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ بِخَوْفِ فَسَادِهِ حِينَ عَدَمِ حُجَّةِ الْمُدَّعِي عَدَمًا لَا يُوجِبُ تَعْجِيزَهُ ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَفْقُودَةٌ فِيمَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ .
وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَالشَّاهِدَيْنِ ، وَتَقَدَّمَ رَدُّهُ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ يُرَدُّ جَوَابُهُ بِأَنَّ اللَّازِمَ حِينَئِذٍ كَوْنُهُ كَدَيْنٍ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ ، وَهَذَا إنَّمَا يُوجِبُ عَدَمَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ لَا الزِّيَادَةَ الثَّابِتَةَ فِي رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَهِيَ قَوْلُهُ وَنَهَى الْمُشْتَرِيَ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَهُ مُطْلَقًا لَا فِي عَيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ وَلَا فِي تَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ وَلَوْ بَقِيَتْ دَعْوَاهُ فِي ثَمَنِهِ لَوُقِفَ ثَمَنُهُ ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرَ مَلِيءٍ بِثَمَنِهِ

، وَمُوجَبُ كَلَامِ الشَّيْخِ عَدَمُ وُقُوفِهِ عَلَى كَلَامِ عِيَاضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمِنْ اهْتَدَى .
الْحَطّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي أَنَا لَا أَحْلِفُ أَلْبَتَّةَ مَعَ شَاهِدَيْ الْعَدْلِ ، وَإِنَّمَا أَطْلُبُ شَاهِدًا ثَانِيًا ، فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت ، فَإِنَّ الْمُدَّعَى فِيهِ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ كَمَا يُبَاعُ ثَمَنُهُ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَأَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ أَوْ بَيِّنَةٍ سُمِعَتْ ؛ وَإِنْ لَمْ تَقْطَعْ وَضَعَ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَلَدٍ يَشْهَدُ لَهُ عَلَى عَيْنِهِ : أُجِيبَ ، لَا إنْ انْتَفَيَا ، وَطَلَبَ إيقَافَهُ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنْ بِكَيَوْمَيْنِ ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً ، أَوْ سَمَاعًا يَثْبُتُ بِهِ ، فَيُوقَفُ وَيُوَكَّلُ بِهِ فِي كَيَوْمٍ ، وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ .

( وَإِنْ ) كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي عَبْدٌ أَبَقَ فَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَبَقَ وَأَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا أَوْ بَيِّنَةَ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ بِلَا قَطْعٍ وَ ( سَأَلَ ) أَيْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي ( ذُو ) أَيْ صَاحِبُ الشَّاهِدِ ( الْعَدْلِ ) الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ الْمَوْقُوفَ عِنْدَ الْقَاضِي لَهُ ( أَوْ ) سَأَلَ مُقِيمُ ( بَيِّنَةٍ سُمِعَتْ ) أَنَّهُ لَهُ ( وَإِنْ لَمْ تَقْطَعْ ) بِأَنَّهُ لَهُ وَاوُهُ لِلْحَالِ وَإِنْ مُؤَكِّدَةٌ ، وَمَفْعُولُ سَأَلَ قَوْلُهُ ( وَضْعَ قِيمَةَ الْعَبْدِ ) عِنْدَ الْقَاضِي وَأَخَذَ الْعَبْدَ ( لِيَذْهَبَ ) السَّائِلُ ( بِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ ( إلَى بَلَدٍ يُشْهِدُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ ( لَهُ ) أَيْ السَّائِلِ فِيهِ ( عَلَى عَيْنِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَهُ عِنْدَ قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ ، وَيَنْهَى بِثُبُوتِهِ لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ لِيَدْفَعَ الْقِيمَةَ الْمَوْقُوفَةَ عِنْدَهُ لِلسَّائِلِ .
وَجَوَابُ إنْ سَأَلَ ( أُجِيبَ ) السَّائِلُ ( لِذَلِكَ ) أَيْ وَضْعِ الْقِيمَةِ وَالذَّهَابِ بِالْعَبْدِ ( لَا ) يُجَابُ لِذَلِكَ ( إنْ انْتَفَيَا ) أَيْ الْعَدْلُ وَبَيِّنَةُ السَّمَاعِ ( وَ ) طَلَبَ الْمُدَّعِي عَبْدًا فِي يَدِ غَيْرِهِ ( إيقَافَهُ ) أَيْ الْعَبْدِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ أَوْ وَضْعِ قِيمَتِهِ ( لِيَأْتِيَ ) الطَّالِبُ ( بِبَيِّنَةٍ ) بَعِيدَةٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَتْ قَرِيبَةً ( بِكَالْيَوْمَيْنِ ) لِاتِّهَامِهِ بِأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ إضْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَعْطِيلَ مَنْفَعَةِ الْعَبْدِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ( إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ) الْمُدَّعِي ( بَيِّنَةً حَاضِرَةً ) بِالْبَلَدِ قَاطِعَةً بِأَنَّ الْعَبْدَ لَهُ ( أَوْ ) يَدَّعِيَ ( سَمَاعًا ) فَأَشْيَاءُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ ( يَثْبُتُ بِهِ ) أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ ( فَيُوقَفُ ) الْعَبْدُ ( وَيُوَكَّلُ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْكَافِ مُثَقَّلًا وَكِيلٌ ( بِهِ ) أَيْ عَلَى حِفْظِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ ( فِي كَيَوْمٍ وَالْغَلَّةُ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ اللَّامِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ ( لَهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( لِلْقَضَاءِ ) بِهِ

لِلْمُدَّعِي قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمُدَوَّنَةِ ( وَالنَّفَقَةُ ) عَلَى الْمُدَّعِي بِهِ بَعْدَ الدَّعْوَى وَقَبْلَ الْقَضَاءِ ( عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ قَضَى بِهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَوَاضِحٌ ، وَإِنْ قَضَى بِهِ لِلْمُدَّعِي رَجَعَ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي فِيهَا وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي الْإِيقَافِ عَلَى مَنْ يُقْضَى لَهُ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ وَالْغَلَّةُ أَبَدًا لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُهُ مِنْهُ حَتَّى يُقْضَى بِهِ لِطَالِبِهِ .
أَبُو الْحَسَنِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، النَّفَقَةُ ، وَالْغَلَّةُ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ .
وَقِيلَ لِمَنْ يُقْضَى لَهُ بِهِ وَالتَّفْصِيلُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَهُوَ مُشْكِلٌ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْعَبْدُ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِيهَا .

وَجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ بِلَا يَمِينٍ ، وَخَطِّ شَاهِدٍ مَاتَ ، أَوْ غَابَ بِبُعْدٍ ، وَإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا

( وَجَازَتْ ) الشَّهَادَةُ ( عَلَى خَطِّ ) شَخْصٍ ( مُقِرٍّ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَشَدِّ الرَّاءِ ، أَيْ بِحَسَبِ دَلَالَةِ خَطِّهِ بِأَنْ كَتَبَ بِخَطِّهِ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ مِنْ قَرْضٍ أَوْ قَبَضْت مِنْ فُلَانٍ الدَّيْنَ مِنْ الَّذِي كَانَ لِي عَلَيْهِ أَوْ زَوْجَتُهُ فُلَانَةُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ فُلَانٌ حُرٌّ أَوْ عَفَوْت عَنْ قَاذِفِي فُلَانٍ أَوْ قَاطِعِ طَرَفِي أَوْ قَاتِلِ وَلِيِّي ، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا الْآنَ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِلشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ وَيُعْمَلُ بِهَا اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ رِوَايَتَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْجَلَّابِ ( بِلَا يَمِينٍ ) عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَتَبَ شَهَادَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذِكْرِ الْحَقِّ أَوْ كَتَبَ ذِكْرَ الْحَقِّ وَلَمْ يَكْتُبْ شَهَادَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَفِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ، وَسُئِلَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَنْ رَجُلٍ كَتَبَ عَلَى رَجُلٍ ذِكْرَ حَقٍّ وَأَشْهَدَ فِيهِ رَجُلَيْنِ فَكَتَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ شَهَادَةً عَلَى نَفْسِهِ بِيَدِهِ فِي ذِكْرِ الْحَقِّ وَهَلَكَ الشَّاهِدَانِ ثُمَّ جَحَدَ الْمَكْتُوبَ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَتَى رَجُلَانِ فَقَالَا إنَّهُ كِتَابُهُ بِيَدِهِ ، فَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهَا كِتَابَتُهُ بِيَدِهِ رَأَيْت أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْحَقُّ وَلَا يَنْفَعُهُ إنْكَارُهُ ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ جَحَدَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِإِقْرَارِهِ فَأَرَى أَنْ يَغْرَمَ ا هـ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ إقْرَارٌ عَلَيْهَا وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ شَهَادَةٌ عَلَيْهَا وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ شب لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْوَثِيقَةِ كُلِّهَا بِخَطِّهِ أَوْ الْمَكْتُوبِ بِخَطِّهِ صِيغَةَ الْإِقْرَارِ وَالْبَاقِي بِخَطِّ غَيْرِهِ أَوْ كَوْنِهَا كُلِّهَا بِخَطِّ غَيْرِهِ ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى طَرَفِهَا الْمَنْسُوبُ إلَيَّ فِيهَا صَحِيحٌ

أَوْ أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِمَا كُتِبَ عَلَيَّ فِي هَذِهِ الْوَثِيقَةِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ إلَّا عَدْلَانِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَيَمِينٍ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى خَطِّ الْوَاحِدِ كَالنَّقْلِ عَنْهُ ، وَلَا يَنْقُلُ عَنْهُ إلَّا اثْنَانِ وَلَوْ فِي الْمَالِ ، وَصَوَّبَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَلَّابِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ ، زَادَ عب وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْخَطِّ ، وَيُنْتَزَعُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ فَهِيَ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ .
الْبُنَانِيُّ أَمَّا حُضُورُ الْخَطِّ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَتْوَى شَيْخِنَا ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ شَرْطَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ حُضُورُهُ ، وَلَا تَصِحُّ فِي غَيْبَتِهِ صَوَابٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَسْجِيلَاتِ الْمُوَثَّقِينَ .
الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ فِي الْمِعْيَارِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَاهِدَيْنِ نَظَرَا وَثِيقَةً بِيَدِ رَجُلٍ وَحَفِظَا وَتَحَقَّقَا مَا فِيهَا وَعَرَفَا شُهُودَهَا ، وَأَنَّهُمْ مَاتُوا بِوَسْمِ الْعَدَالَةِ ثُمَّ ضَاعَتْ الْوَثِيقَةُ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ ، إذْ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ حُضُورِهَا وَغَيْبَتِهَا ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ وَانْظُرْ مَا يُنَاقِضُ هَذِهِ الْفَتْوَى فِي الْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يُلْتَفَتُ إلَى غَيْرِهِ ا هـ .
وَأَمَّا كَوْنُ الْخَطِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ دُونَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَفِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ الْمُعْتَمَدُ ثُبُوتُهُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، إذْ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ ضَيْح ، وَنَصُّهُ فَرْعٌ إذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْحَقِّ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى الْخَطِّ فَرِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَهِدَ لَهُ اثْنَانِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ أَمْ لَا ؟ فَمَنْ قَالَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَعْمَلَ الشَّهَادَةَ هُنَا وَمَنْ قَالَ يَحْتَاجُ أَبْطَلَهَا هُنَا ، وَإِذَا قُلْنَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى

يَمِينَيْنِ يَمِينٌ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَمِينٌ أُخْرَى لِيُكْمِلَ السَّبَبَ الْمُشَارَ إلَيْهِ مَسَّاحِي فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ ، وَصَحَّ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَيْنِ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ .
ا هـ .
فَيُفْهَمُ مِنْ بِنَائِهِ الْحُكْمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْخَطِّ عَلَى عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ مَعَ الِاثْنَيْنِ إلَى يَمِينٍ لِلَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمَتْنِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ ثُبُوتُهُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ " ق " ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) جَازَتْ عَلَى ( خَطِّ شَاهِدٍ ) كَتَبَهُ فِي وَثِيقَةٍ وَ ( مَاتَ ) الشَّاهِدُ ( أَوْ غَابَ ) الشَّاهِدُ ( بِبُعْدٍ ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ مَا يَنَالُ الشَّاهِدُ فِي حُضُورِهِ مِنْهُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ مَشَقَّةٌ ، وَجَرَتْ الْعَادَةُ عِنْدَنَا أَنَّ اخْتِلَافَ عَمَلِ الْقُضَاةِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبُعْدِ وَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ الْعَمَلَيْنِ قَرِيبًا ، وَحَدَّهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَأَصْبَغُ بِمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْعِرَاقِ أَوْ إفْرِيقِيَةَ مِنْ مِصْرَ ، فَلَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْحَيِّ الْحَاضِرِ أَوْ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ ، وَتَجُوزُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ وَالشَّاهِدِ إنْ كَانَتْ بِمَالٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَتْ ( بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا ) أَيْ الْمُقِرِّ وَالشَّاهِدِ .
الْحَطّ هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ جَائِزَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ وَنَحْوِهِمَا ، وَكَأَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ ، وَنَصُّهُ فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ مَوْلَى ابْنِ الطَّلَّاعِ أَنَّهُ قَالَ الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخُطُوطِ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ وَالطَّلَاقِ وَالْأَحْبَاسِ وَغَيْرِهَا .
ا هـ .
وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ السُّيُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى

الْخَطِّ فِي طَلَاقٍ وَلَا إعْتَاقٍ وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ عَلَى مَا فِي الْوَاضِحَةِ وَغَيْرِهَا ا هـ .
وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ قُيِّمَ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ تَضَمَّنَ إشْهَادَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَتَى تَزَوَّجَ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَتَزَوَّجَهَا وَأَنْكَرَ الْعَقْدَ فَشَهِدَ شُهُودٌ أَنَّ الْعَقْدَ خَطُّ يَدِهِ ، فَقَالَ إنْ كَانَ الْعَقْدُ الَّذِي قِيمَ بِهِ عَلَى الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ وَعَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ ، فَاَلَّذِي أَرَاهُ وَأَتَقَلَّدُهُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جُرْحَةً تُسْقِطُ شَهَادَتَهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا أَلْبَتَّةَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ جُرْأَةً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، إذْ لَوْ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ وَقَالَ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يُسَوَّغُ لَهُ لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ لِعُذْرٍ فِيمَا فَعَلَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ جُرْحَةً لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِمَّنْ يَنْظُرُ فِي الْعِلْمِ وَسَمِعَ الْأَحَادِيثَ .
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَثْبُتْ الْعَقْدُ الَّذِي قِيمَ بِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ ، فَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَهُ ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ فِي شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَجُوزُ فِي طَلَاقٍ وَلَا إعْتَاقٍ وَلَا نِكَاحٍ وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ وَغَيْرِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ خَطُّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْهُ عَازِمًا عَلَى إنْفَاذِهِ ، وَإِنَّمَا كَتَبَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَشِيرَ وَيَنْظُرَ لِصِدْقٍ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَنَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيهَا عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ

أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي طَلَاقٍ وَلَا إعْتَاقٍ وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ وَلَا كِتَابِ قَاضٍ ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ فَقَطْ وَحَيْثُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ فَلَا تَجُوزُ عَلَى الْخَطِّ ، وَحَيْثُ يَجُوزُ هَذَا يَجُوزُ هَذَا .
وَفِي رَسْمِ الْقَضَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي امْرَأَةٍ كَتَبَ لَهَا زَوْجُهَا بِطَلَاقِهَا مَعَ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إنْ وَجَدَتْ مَنْ يَشْهَدُ لَهَا عَلَى خَطِّهِ نَفَعَهَا ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهَا شُبْهَةٌ تُوجِبُ لَهَا الْيَمِينَ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ مَا طَلَّقَ .
ابْنُ رُشْدٍ كَانَ يَمْضِي لَنَا عِنْدَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ الشُّيُوخِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ نَفَعَهَا أَنْ يَكُونَ لَهَا شُبْهَةٌ تُوجِبُ لَهَا الْيَمِينَ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ مَا طَلَّقَ ، وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّ مَعْنَى مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا هُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فِي طَلَاقٍ وَلَا إعْتَاقٍ وَلَا نِكَاحٍ لَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّهِ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ نَكَحَ ، بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ عَلَى خَطِّهِ بِذَلِكَ كَمَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَفَعَهَا عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْحُكْمِ لَهَا بِالطَّلَاقِ عَلَيْهِ إذَا شَهِدَ عَلَى خَطِّهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ خَطُّهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ مِثْلَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى رَجُلٍ يُعْلِمُهُ بِأَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ إلَيْهَا يُعْلِمُهَا بِذَلِكَ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْكِتَابُ إنَّمَا هُوَ بِطَلَاقِهِ إيَّاهَا ابْتِدَاءً فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَتَبَهُ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ .
وَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ إنَّهُ كَتَبَهُ غَيْرَ مُجْمِعٍ عَلَى الطَّلَاقِ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ أَنَّهُ كَتَبَهُ اخْتِلَافٌ

.
ا هـ .
فَاخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ ثَالِثُ فَرْقٍ فِيهِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ ، فَتَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ الْخَطُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخَطُّ إنَّمَا هُوَ بِطَلَاقِهِ إيَّاهَا ابْتِدَاءً فَلَا ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ وَالْبَاجِيِّ نَحْوَ اخْتِيَارِ ابْنِ رُشْدٍ ، وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ قَوْلَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَقَالَهُ فِي نَوَازِلِهِ ظَاهِرُ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَمْوَالَ لَا عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ وَلَا عَلَى خَطِّ الْمُطَلِّقِ أَوْ الْمُعْتِقِ وَسَائِرِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ ، وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ الشُّيُوخُ يَحْمِلُونَهُ ، وَمَعْنَاهُ إذَا وُجِدَ الْكِتَابُ بِالْعِتْقِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بِيَدِهِ فِي حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ خَطُّهُ وَقَالَ كَتَبَتْهُ عَلَى أَنْ أَسْتَخِيرَ فِي تَنْفِيذِهِ وَلَمْ أُنَفِّذْهُ بَعْدُ لَصَدَقَ فِي ذَلِكَ .
وَمَا إذَا كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْعَبْدِ أَوْ كَانَ قَدْ نَصَّ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ أَنْفُذَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ عَامِلَةٌ كَالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ .
ا هـ .
ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ .
ابْنُ رَاشِدٍ هَذِهِ التَّفْرِقَةُ لَا مَعْنَى لَهَا إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْأَمْوَالَ أَخَفُّ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ فِي الْجَمِيعِ .
ابْنُ الْهِنْدِيِّ يَلْزَمُ مَنْ أَجَازَهَا فِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ إجَازَتُهَا فِي غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ .

إنْ عَرَفَتْهُ : كَالْمُعَيَّنِ ، وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مُشْهِدَهُ ، وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا لَا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا ، وَأَدَّى بِلَا نَفْعٍ

وَمَحَلُّ جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ أَوْ الشَّاهِدِ ( إنْ عَرَفَتْهُ ) أَيْ الْبَيِّنَةُ الْخَطَّ مَعْرِفَةً تَامَّةً مُتَيَقَّنَةً ( كَ ) مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ ( الْمُعَيَّنِ ) بِضَمٍّ فَفَتْحَتَيْنِ مُثَقَّلًا ، أَيْ الَّذِي يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ إلَّا مِنْ فَطِنٍ عَارِفٍ مُمَارِسٍ لِلْخُطُوطِ .
ابْنُ عَاتٍ الْخَطُّ شَخْصٌ قَائِمٌ وَمِثَالٌ مُمَاثِلٌ تُبْصِرُهُ الْعَيْنُ وَيُمَيِّزُهُ الْعَقْلُ كَتَمْيِيزِهِ سَائِرَ الْأَشْخَاصِ وَالصُّوَرِ ( وَ ) عَرَفْت ( أَنَّهُ ) أَيْ الشَّاهِدَ الْمَشْهُودَ عَلَى خَطِّهِ ( كَانَ يَعْرِفُ ) أَيْ الْمَشْهُودَ عَلَى خَطِّهِ ( مُشْهِدَهُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ ، أَيْ الشَّخْصَ الَّذِي أَشْهَدَهُ قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ .
ابْنُ رُشْدٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ ( وَ ) عَرَفْت أَنَّ الشَّاهِدَ الْمَشْهُودَ عَلَى خَطِّهِ ( تَحَمَّلَهَا ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ هَذَا حَالَ كَوْنِهِ ( عَدْلًا ) مَرْضِيَّ الشَّهَادَةِ .
الْحَطّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَتِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مُشْهِدَهُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَمَعْرِفَتُهُمْ تَحَمُّلَهُ عَدْلًا تَعْدِيلٌ لِلْمَشْهُودِ عَلَى خَطِّهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْخَطِّ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ ، وَذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا .
قَالَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ فِي فَصْلٍ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ قَائِمًا قَامَ بِالْحِسْبَةِ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ حَبْسًا مَا نَصُّهُ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى خُطُوطٍ مَوْتَى فِي كِتَابٍ .
قُلْت فَأَتَى إلَيْهِ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَشَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّ شَهَادَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ الْوَاقِعَةَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ الْمُنْتَسِخِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِخُطُوطِ أَيْدِيهِمَا لَا يَشُكَّانِ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّهُمَا مَيِّتَانِ فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الشَّهِيدَيْنِ عِنْدَهُ ، وَشَهَادَةَ الشَّهِيدَيْنِ الْمَشْهُودِ عَلَى خَطِّهِمَا وَإِنْ عَدَّلَهُمَا غَيْرُ

الشَّهِيدَيْنِ عَلَى خَطِّهِمَا جَازَ وَقُلْت فِي إثْرِ قَوْلِك إنَّهُمَا مَيِّتَانِ وَإِنَّهُمَا يُوسَمُ الْعَدَالَةُ ، وَقَبُولُ الشَّهَادَةِ فِي تَارِيخِ شَهَادَتِهِمَا الْمَذْكُورَةِ وَبَعْدَهَا إلَى أَنْ تَوَفَّيَا وَإِنْ عَدَّلَهُمَا عِنْدَهُ غَيْرُ الشَّهِيدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَى خُطُوطِهِمَا .
قُلْت فِي الشَّهِيدَيْنِ وَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا لِمَعْرِفَتِهِ بِهِمَا ، وَقَبِلَ شَهَادَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ الْمَشْهُودِ عَلَى خُطُوطِهِمَا بِتَعْدِيلِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لَهُمَا عِنْدَهُ بِالْعَدْلِ وَالرِّضَا إلَى أَنْ تَوَفَّيَا عَلَى ذَلِكَ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَإِنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مُشْهِدَهُ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْطَ صِحَّةٍ ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ زَرْبٍ .
ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ فَقَطْ ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا .
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْوَثِيقَةُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا خَالِيَةً مِنْ التَّعْرِيفِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا ، وَعَرَّفَهُ أَوْ عَرَّفَ بِهِ ، فَلَوْ كَانَ فِيهَا مَا ذَكَرَ فَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ لَا يُحْتَاجُ لِهَذَا الشَّرْطِ اتِّفَاقًا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ .
قَوْلُهُ وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةَ التَّحَمُّلِ ، بَلْ وَضْعَهَا فِي الرَّسْمِ ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَوَضَعَهَا فِي الرَّسْمِ عَدْلًا كَانَ أَصْوَبَ ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ تَعْدِيلٌ لِلْمَشْهُودِ عَلَى خَطِّهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى الْخَطِّ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ ، وَذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا اُنْظُرْ " ح " .
وَإِذَا كُتِبَتْ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ وَكَتَبَ شَخْصٌ بِخَطِّهِ أَنَّهُ شَهِدَ بِمَا فِيهَا ثُمَّ نَسِيَ مَا فِيهَا وَنَسِيَ شَهَادَتَهُ بِهِ وَعَرَفَ خَطَّهُ الَّذِي كَتَبَهُ بِشَهَادَتِهِ بِمَا فِيهَا فَ ( لَا ) يَشْهَدُ بِمَا فِيهَا مُعْتَمِدًا ( عَلَى خَطِّهِ نَفْسِهِ ) الَّذِي عَرَفَهُ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ

خَطُّهُ ( حَتَّى يَذْكُرَ ) أَيْ يَتَذَكَّرَ مَا فِيهَا وَأَنَّهُ شَهِدَ بِهِ ( وَ ) إنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ ذَلِكَ ( أَدَّاهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ أَيْ يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي بِأَنَّ هَذَا خَطُّهُ ، وَأَنَّهُ نَاسٍ مَا فِي الْوَثِيقَةِ وَنَاسٍ شَهَادَتَهُ بِهِ ( بِلَا نَفْعٍ ) لِلطَّالِبِ فِي هَذِهِ التَّأْدِيَةِ ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْضَ مَا فِيهَا .
وَلِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ فَلْيَشْهَدْ بِمَا فِي الْوَثِيقَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى خَطِّهِ ، وَلَا يُخَيَّرُ الْحَاكِمُ بِنِسْيَانِهِ ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يَذْكُرَ بَعْضَهُ الْبُنَانِيُّ لَا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا .
ذَكَرَ فِي ضَيْح عَنْ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَكَانَ الْإِمَامُ مَالِكٌ يَقُولُ إنْ عَرَفَ خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ وَلَا شَيْئًا مِنْهَا وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ فَلْيَشْهَدْ ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ دِينَارٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ وَسَحْنُونٌ .
مُطَرِّفٌ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ .
مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلْيَقُمْ بِالشَّهَادَةِ تَامَّةً بِأَنْ يَقُولَ مَا فِيهِ حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ مَا فِي الْكِتَابِ عَدَدًا وَلَا مَقْعَدًا ، وَلَا يَعْلَمُ الْقَاضِي أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا عَيْنَ خَطِّهِ ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ لَزِمَ الْحَاكِمَ رَدُّهَا .
وَفِي التَّوْضِيحِ صَوَّبَ جَمَاعَةٌ أَنْ يَشْهَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ نِسْيَانِ الشَّاهِدِ الْمُنْتَصِبِ لِلشَّهَادَةِ وَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَذْكُرَهَا لَمَا كَانَ لِوَضْعِ خَطِّهِ فَائِدَةٌ ، وَذَكَرَ ابْنُ نَاظِمٍ التُّحْفَةِ وَابْنُ فَرْحُونٍ أَنَّهُ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ ، وَنَظَمَهُ فِي التُّحْفَةِ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَيْضًا يُقَاسُ قَالَهُ

بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي عَمَلِهَا عِنْدَ سَيِّدِي الْعَرَبِيِّ الْفَاسِيِّ .
تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : طفى قَوْلُهُ وَأَدَّاهَا بِلَا نَفْعٍ نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
أَبُو الْحَسَنِ ابْنُ مُحْرِزٍ وَجْهُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنْ يَقُولَ هُوَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا عِنْدِي ، وَلَكِنْ يُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي يَجْتَهِدُ فِيهِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَرْفَعُهَا ، وَهُوَ قِيَاسٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي اجْتِهَادِهِ وَامْتَثَلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ .
الثَّانِي : تت ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرَ الْحَقَّ وَالشَّهَادَةَ بِخَطِّهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِخَطِّهِ إلَّا الشَّهَادَةَ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ حَارِثٍ .
الثَّالِثُ : تت ظَاهِرُهُ أَيْضًا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي كَاغَدٍ أَوْ رَقٍّ بِبَاطِنِ الْكَاغَدِ أَوْ ظَاهِرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ .
الرَّابِعُ : تت ظَاهِرُهُ عَرَفَ عِدَّةَ الْمَاءِ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ .
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ إنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَ الْمَالِ عَرَّفَ الْإِمَامَ بِذَلِكَ وَلَا أَرَاهُ يَنْفَعُهُ .
الْخَامِسُ : جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ كَلَامُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْأُمَّهَاتِ الْمَشْهُورَةِ .
ابْنُ فَرْحُونٍ هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ .
اللَّخْمِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ لِلضَّرُورَةِ ، وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ بَاطِلَةٌ ، وَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إلَّا عَلَى الْخَطِّ .
وَقَالَ الْبَاجِيَّ مَشْهُورُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ ، رَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَاخْتَارَهُ .
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إجَازَتَهَا وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ قَوِيَّةٌ فِي الْحُكْمِ ، وَزَادَ

الْمُتَيْطِيُّ عَنْهُ لَا يُعَجَّلُ الْحُكْمُ لِغَيْبَتِهِ ، وَلْيَتَثَبَّتْ .
اللَّخْمِيُّ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ صَحِيحَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ ، وَعَلَى مَعْرُوفِ الْمَذْهَبِ مِنْ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ .
قَالَ الْمَازِرِيُّ نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ مُنْذُ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَشُيُوخُ الْفَتْوَى مُتَوَافِرُونَ ، وَهِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ غَرِيبَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَالٍ جَلِيلٍ فَأَنْكَرَهُ ، فَأَخْرَجَ الْمُدَّعِي كِتَابًا فِيهِ إقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ خَطَّهُ ، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُشْهِدُ عَلَيْهِ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي كَتْبَهُ ، فَأَفْتَى شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى أَنْ يُطَوِّلَ فِيمَا يَكْتُبَ تَطْوِيلًا لَا يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ خَطًّا غَيْرَ خَطِّهِ وَأَفْتَى شَيْخُنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ اجْتَمَعْت بَعْدَ ذَلِكَ بِالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ ، وَأَخَذَ مَعِي فِي إنْكَارِ مَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، فَقُلْت بِهِ احْتَجَّ بِأَنَّهُ كَالْتِزَامِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً يُقِيمُهَا عَلَى نَفْسِهِ لِخَصْمِهِ ، فَأَنْكَرَ هَذَا وَقَالَ إنَّ الْبَيِّنَةَ لَوْ أَتَى بِهَا الْمُدَّعِي لَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَهِدْت عَلَيَّ بِالزُّورِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْعَى فِيمَا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ ، بِخِلَافِ الَّذِي يَكْتُبُ خَطُّهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَفَادَهُ ابْنُ غَازِيٍّ .
ابْنُ فَرْحُونٍ اخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ حُلُولُو هُوَ الْحَقُّ إنْ كَانَ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ .
السَّادِسُ : ابْنُ عَرَفَةَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ إلَّا مِنْ الْفَطِنِ الْعَارِفِ بِالْخُطُوطِ وَمُمَارَسَتِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَ ذَا الْخَطِّ .
وَحَضَرْت يَوْمًا بَعْضَ مَنْ قَدَّمَهُ الْقَاضِي بْنُ قَدَّاحٍ لِلشَّهَادَةِ بِتُونُسَ ، وَهُوَ أَبُو

الْعَبَّاسِ بْنُ قُلَيْدٍ ، وَقَدْ نَاوَلَ الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَثِيقَةً لِيَرْفَعَ عَلَى خَطِّ شَاهِدٍ فِيهَا مَاتَ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّك لَمْ تُدْرِكْ هَذَا الشَّاهِدَ الَّذِي أَرَدْت أَنْ تَشْهَدَ عَلَى خَطِّهِ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْوَثِيقَةَ وَمَنَعَهُ مِنْ الرَّفْعِ عَلَى الْخَطِّ فِيهَا وَأَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ابْنُ قُلَيْدٍ قَالَ لِي إنَّمَا لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَتَهُ عَلَى الْخَطِّ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْخُطُوطِ ، وَلَيْسَ عَدَمُ إدْرَاكِ الرَّافِعِ عَلَى الْخَطِّ كَاتِبَهُ بِمَانِعٍ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ عَارِفًا بِالْخُطُوطِ ، فَإِنَّا نَعْرِفُ كَثِيرًا مِنْ خُطُوطِ مَنْ لَمْ نُدْرِكْهُ كَخَطِّ الشَّلُوفِينَ وَابْنِ عُصْفُورٍ وَابْنِ السَّيِّدِ وَنَحْوِهِمْ لِتَكَرُّرِ خُطُوطِهِمْ عَلَيْنَا مَعَ تَلَقِّينَا مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ أَنَّهَا خُطُوطُهُمْ .

وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ ، إلَّا عَلَى عَيْنِهِ ، وَلْيُسَجِّلْ مَنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا ابْنَةُ فُلَانٍ ، وَلَا عَلَى مُنْتَقِبَةٍ لِتَتَعَيَّنَ لِلْأَدَاءِ ، وَإِنْ قَالُوا أَشْهَدَتْنَا مُنْتَقِبَةً ، وَكَذَلِكَ نَعْرِفُهَا قُلِّدُوا ، وَعَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا ، إنْ قِيلَ لَهُمْ عَيِّنُوهَا .

( وَلَا ) يَشْهَدُ الشَّاهِدُ عَلَى ( مَنْ ) أَيْ الشَّخْصِ الَّذِي ( لَا يَعْرِفُ ) الشَّاهِدُ نَسَبَهُ ( إلَّا عَلَى عَيْنِهِ ) ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى اسْمِهِ لِاحْتِمَالِ تَسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ( وَ ) إنْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى امْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ النَّسَبِ ، وَقَدْ سَمَّتْ نَفْسَهَا وَانْتَسَبَتْ لِأَبٍ سَمَّتْهُ ، وَالشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَ اسْمَهَا وَلَا اسْمَ أَبِيهَا فَ ( لْيُسَجِّلْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُشَدَّدَةً أَيْ يَأْمُرُ الْقَاضِي مَنْ يَكْتُبُ فِي كِتَابِهِ الْمَحْفُوظِ عِنْدَهُ الَّذِي يَكْتُبُ الْوَقَائِعَ فِيهِ شَهِدَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِكَذَا عَلَيَّ ( مَنْ ) أَيْ الْمَرْأَةِ الَّتِي ( زَعَمَتْ ) أَيْ أَخْبَرَتْ ( أَنَّ ) اسْمَ ( هَا ) فُلَانَةُ ( ابْنَةُ فُلَانٍ ) مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ بِاسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا فِيهِمَا الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمَجْهُولُ نَسَبُهُ وَاسْمُهُ كَذَلِكَ لِذَلِكَ .
( وَ ) لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ ( عَلَى ) امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ لِلشُّهُودِ ( مُنْتَقِبَةٍ ) حَتَّى تَرْفَعَ النِّقَابَ عَنْ وَجْهِهَا وَيَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهَا ( لِتَتَعَيَّنَ ) الْمَرْأَةُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا ( لِلْأَدَاءِ ) أَيْ تَأْدِيَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي تَحَمَّلُوهَا عَلَيْهَا إذَا طَلَبُوا بِهَا عَنْ الْحَاكِمِ ( وَإِنْ قَالُوا ) أَيْ الشُّهُودُ وَقْتَ الْأَدَاءِ ( أَشْهَدَتْنَا ) هَذِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا بِكَذَا حَالَ كَوْنِهَا ( مُنْتَقِبَةً وَكَذَلِكَ ) أَيْ حَالَ كَوْنِهَا مُنْتَقِبَةً ( نَعْرِفُهَا ) وَلَا تَشْتَبِه عَلَيْنَا بِغَيْرِهَا فَتُؤَدَّى الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا مُنْتَقِبَةً ( قُلِّدُوا ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ صُدِّقُوا وَاتُّبِعُوا فِي ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ أَشْهَدَتْنَا وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ ، وَكَذَلِكَ نَعْرِفُهَا وَلَا نَعْرِفُهَا بِغَيْرِ نِقَابٍ فَهُمْ أَعْلَمُ مَا تَقَلَّدُوا إنْ كَانُوا عُدُولًا وَعَيَّنُوهَا كَمَا ذَكَرَتْ وَقُطِعَ بِشَهَادَتِهِمْ ، سَأَلَ ابْنُ حَبِيبٍ سَحْنُونًا عَنْ امْرَأَةٍ أَنْكَرَتْ دَعْوَى رَجُلٍ عَلَيْهَا

فَأَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةً قَالُوا أَشْهَدَتْنَا عَلَى نَفْسِهَا وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ بِكَذَا وَكَذَا ، وَلَا نَعْرِفُهَا إلَّا مُنْتَقِبَةً وَإِنْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا فَلَا نَعْرِفُهَا فَقَالَ هُمْ أَعْلَمُ بِمَا تَقَلَّدُوا ، فَإِنْ كَانُوا عُدُولًا وَقَالُوا عَرَفْنَاهَا قُطِعَ بِشَهَادَتِهِمْ .
( وَ ) إنْ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِحَقٍّ وَأَنْكَرَتْ وَقَالُوا شَهِدْنَا عَلَيْهَا عَلَى مَعْرِفَةٍ مِنَّا بِعَيْنِهَا وَنَسَبِهَا وَسَأَلَ الْخَصْمُ إدْخَالَهَا فِي نِسَاءٍ وَإِخْرَاجَهَا الشُّهُودَ مِنْ بَيْنِهِنَّ فَ ( عَلَيْهِمْ ) أَيْ الشُّهُودِ ( إخْرَاجُهَا ) وَتَعْيِينُهَا مِنْهُنَّ ( إنْ قِيلَ لَهُمْ عَيِّنُوهَا ) وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ تَعْيِينُهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ اعْتَرَفَ دَابَّةً أَوْ رَأْسًا هَلْ تُجْمَعُ دَوَابُّ أَوْ رَقِيقٌ وَيُدْخَلُ فِيهَا الْمُعْتَرِفُ وَيُكَلَّفُ الشُّهُودُ بِإِخْرَاجِهِ ، قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ فِي شَيْءٍ وَذَلِكَ خَطَأٌ ، وَلَكِنْ إنْ كَانُوا عُدُولًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ .
أَصْبَغُ وَكَذَا النِّسَاءُ إنْ شُهِدَ عَلَيْهِنَّ ، وَعَنْ سَحْنُونٍ لَوْ شَهِدُوا عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَإِقْرَارِهَا وَإِبْرَائِهَا وَسَأَلَ الْخَصْمُ إدْخَالَهَا فِي نِسَاءٍ لِيُخْرِجُوهَا وَقَالُوا شَهِدْنَا عَلَيْهَا عَنْ مَعْرِفَتِنَا بِعَيْنِهَا وَنَسَبِهَا وَلَا نَدْرِي هَلْ نَعْرِفُهَا الْيَوْمَ وَقَدْ تَغَيَّرَ حَالُهَا وَقَالُوا لَا نَتَكَلَّفُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجُوا عَيْنَهَا ، وَإِنْ قَالُوا نَخَافُ أَنْ تَكُونَ تَغَيَّرَتْ قِيلَ لَهُمْ إنْ شَكَكْتُمْ وَقَدْ أَيْقَنْتُمْ أَنَّهَا بِنْتُ فُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حِينِ شَهِدْتُمْ عَلَيْهَا إلَى الْيَوْمِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ .
شب فَإِنْ لَمْ يُخْرِجُوهَا ضَمِنُوا خِلَافًا لِبَعْضِ شُيُوخِ الزَّرْقَانِيِّ ، وَنَصُّهُ اُنْظُرْ إذَا لَمْ يُعَيِّنُوهَا ، فَهَلْ يَغْرَمُونَ إذَا تَلِفَ مَالٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَدَمَ تَغْرِيمِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ كَفَسَقَةٍ تَحَمَّلُوا شَهَادَةً بِحَقٍّ عَالِمِينَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تُقْبَلُ ، ثُمَّ أَدَّوْهَا فَرُدَّتْ وَعَلَيْهِ

اقْتَصَرَ عج .
ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُ كَبِنْتِ أَخِيهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَيْفَ يُشْهِدَ عَلَيْهَا ، قَالَ يُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ لَا تَحْتَشِمُ مِنْهُ فَيَشْهَدَ عَلَى رُؤْيَتِهَا ، قَالَ عِيسَى قَالَ لِي ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا الشَّهِيدَانِ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَعْرِفُهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى رُؤْيَتِهَا مَنْ لَا تَحْتَشِمُ مِنْهُ فَلْتُسْفِرْ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهَا لِيَثْبُتُوا عَلَيْهَا لِيَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهَا إنْ أَنْكَرَتْ أَنَّهَا الَّتِي أَشْهَدَتْهُمْ ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْعُدُولِ مَنْ يَعْرِفُهَا فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَا يَعْرِفُهَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا ، فَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهَا مَعَ وُجُودِ مَنْ يَعْرِفُهَا أَوْ دُونَهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهَا بِالرِّضَا بِالنِّكَاحِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ هِيَ الَّتِي أَشْهَدَتْهُمْ فَيَمُوتُوا وَيُشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَتُلْزَمَ نِكَاحًا لَمْ تَرْضَهُ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهَا بِذَلِكَ كَشَهَادَتِهِمْ بِهِ عَلَيْهَا عِنْدَ حَاكِمٍ وَالْحُقُوقُ بِخِلَافِ ذَلِكَ .
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَشْهَدُ الرَّجُلُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ ، وَمِثْلُهُ لِأَصْبَغَ .
قَالَ وَأَمَّا الْحُقُوقُ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْوَكَالَاتِ وَالْهِبَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَشْهَدُ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَنْ لَا يَعْرِفُهَا بِعَيْنِهَا وَاسْمِهَا وَنَسَبِهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ أَنَّهُ يُخْشَى أَنْ يَمُوتُوا فَيُشْهَدَ عَلَى خُطُوطِهِمْ فَتُلْزَمَ نِكَاحًا بَاطِلًا لَمْ تُشْهِدْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا ، وَعَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ إلَّا فِي الْأَحْبَاسِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا يَسْتَوِي النِّكَاحُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَا يُجَرَّحُ الرَّجُلُ بِوَضْعِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ فِي الْحُقُوقِ كَمَا يَضَعُهَا عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ إذَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِهِ

بِذَلِكَ ، وَقَدْ اسْتَجَازَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا ، وَأَمَّا عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِإِجْمَاعٍ إلَّا عَلَى مَنْ ثَبَتَتْ عَيْنُهُ وَعَرَفَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَشْهَدَهُ دُونَ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ .
ابْنُ أَيُّوبَ إذَا كَتَبَ ذِكْرَ الْحَقِّ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ الشُّهُودُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكْتُبَ نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ وَيُشْهِدَ الشُّهُودَ عَلَى صِفَتِهِ حَيِيَ أَوْ مَاتَ حَضَرَ أَوْ غَابَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَكْتُبُ اسْمَهُ وَقَرْيَتَهُ وَمَسْكَنَهُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَسَمَّى الرَّجُلُ بِغَيْرِ اسْمِهِ وَغَيْرِ مَسْكَنِهِ وَمَوْضِعِهِ .

وَجَازَ الْأَدَاءُ إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ ، وَإِنْ بِامْرَأَةٍ لَا بِشَاهِدَيْنِ إلَّا نَقْلًا .

( وَجَازَ ) لِمَنْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ ( الْأَدَاءُ ) لِلشَّاهِدَةِ عَلَيْهِ ( إنْ حَصَلَ ) لِلشَّاهِدِ ( الْعِلْمُ ) بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ الْيَقِينِيِّ الَّذِي لَا شَكَّ مَعَهُ بِتَعْرِيفِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ لَفِيفٍ مِنْ النَّاسِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ ( بِ ) تَعْرِيفِ ( امْرَأَةٍ ) وَاحِدَةٍ ، ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُ عَنْ الْغُبْرِينِيُّ قَبُولَ تَعْرِيفِ الصَّغِيرِ وَالْأَمَةِ يَسْأَلُهُمَا عَنْ غَفْلَةٍ وَيَتْرُكُ تَعْرِيفَ الْمَقْصُودِ ( لَا بِ ) شَهَادَةِ ( شَاهِدَيْنِ ) عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا فُلَانَةُ بِشَهَادَتِهِمَا ، فَلَا يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا ( إلَّا نَقْلًا ) عَنْهُمَا بِأَنْ يَقُولَا لَهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِنَا أَنَّهَا فُلَانَةُ .
طفى قَوْلُهُ إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ أَنْت بِغَيْرِ رِيبَةٍ ، كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ، أَيْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الشَّهَادَةِ ، بَلْ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنْ اثْنَيْنِ ذَوَيْ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدٍ أَوْ وَاحِدَةٍ ، وَاحْتُرِزَ عَمَّا إذَا كَانَ بِالْبَيِّنَةِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ لَا بِشَاهِدَيْنِ ، أَيْ أَتَى بِهِمَا الْمَشْهُودُ لَهُ يَشْهَدَانِ بِتَعْرِيفِهَا ، وَلِذَا عَبَّرَ بِالشَّاهِدَيْنِ وَإِلَّا لَقَالَ لَا بِرَجُلَيْنِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي أَقُولُهُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَتَاهُ بِالشَّاهِدَيْنِ لِيَشْهَدَا لَهُ عَلَيْهَا بِشَهَادَتِهِمَا بِأَنَّهَا فُلَانَةُ فَلَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى شَهَادَتِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ هُوَ سَأَلَ الشَّاهِدَيْنِ فَأَخْبَرَاهُ أَنَّهَا فُلَانَةُ فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهَا ، وَكَذَا لَوْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَجُلًا وَاحِدًا يَثِقُ بِهِ أَوْ امْرَأَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ ، وَلَوْ أَتَاهُ الْمَشْهُودُ لَهُ بِجَمَاعَةٍ مِنْ لَفِيفِ النَّاسِ فَيَشْهَدُونَ عِنْدَهُ أَنَّهَا فُلَانَةُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إذَا وَقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِشَهَادَتَيْنِ ا هـ .
فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْفَرْقُ

بَيْنَ أَنْ يَسْأَلَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ ، وَبَيْنَ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ ، وَيَكْتَفِي بِهِ فِي التَّعْرِيفِ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّقْلِ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ الْعِلْمُ بِهِ كَاللَّفِيفِ مِنْ النَّاسِ ، وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ اقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَرَفَةَ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَجَازَ الْأَدَاءُ إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ أَيْ وَكَانَ عَلَى وَجْهِ الْخَيْرِ ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الثِّقَةُ بِخَبَرِ الْمُخْبِرِ وَقَوْلُهُ لَا بِشَاهِدَيْنِ أَيْ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ بِهِمْ الْعِلْمُ بِأَنْ بَلَغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ ، هَذَا هُوَ الْمُتَحَصِّلُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ غَيْرَهُ ، وَنَحْوُ عِبَارَتِهِ لِابْنِ الْحَاجِبِ ، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ تَحْتَفُّ بِهِ قَرِينَةٌ فَيُفِيدُ الْعِلْمَ إلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ ، وَلِذَا قُبِلَ الْوَاحِدُ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ هُوَ لِابْنِ رُشْدٍ إلَّا أَنَّهُمَا أَجْمَلَا وَالْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ غَيْرُ مُفَصَّلٍ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ دُعِيَ لِيَشْهَدَ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا وَيَشْهَدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ فَلَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى شَهَادَتِهِمَا .
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَشْهَدُ ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطَةِ فِيمَنْ دُعِيَ لِلشَّهَادَةِ عَلَى امْرَأَةٍ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا إنْ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ فَيَشْهَدُ عَلَيْهَا .
ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا بَاطِلٌ ، وَلَا يَشْهَدُ إلَّا وَهُوَ يَعْرِفُهَا بِتَعْرِيفِهِمَا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ الْبَاطِلُ ، وَكَيْفَ يُعْرَفُ النِّسَاءُ إلَّا بِمِثْلِ هَذَا ا هـ .
وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْبِيرِ

الرِّوَايَةِ بِالشَّهَادَةِ ، فَيَكُونُ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ وِفَاقًا لِابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَدْ جَعَلَهُ فِي الشَّامِلِ مُخَالِفًا لِلْقَوْلَيْنِ ، فَقَالَ وَلَوْ عَرَفَهَا شَاهِدَانِ فَلَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى شَهَادَتِهِمَا إنْ تَعَذَّرَ ، أَوْ قِيلَ يَشْهَدُ وَالْمُخْتَارُ إنْ سَأَلَهُمَا الشَّاهِدُ عَنْهَا فَأَخْبَرَاهُ فَلْيَشْهَدْ لَا إنْ أَحْضَرَهُمَا الْمَشْهُودُ لَهُ لِيُخْبِرَاهُ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَقَوْلِهِ قَبْلُ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مَحَلُّهُ إذْ لَمْ تَحْصُلْ مَعْرِفَةٌ وَلَا تَعْرِيفٌ ، وَهَذَا مَعْنَى مَنْ لَا يَعْرِفُ ، وَقَرَّرَ ابْنُ رَحَّالٍ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ مَعْنَاهُ وَجَازَ الْأَدَاءُ إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِالتَّعْرِيفِ وَإِنْ بِتَعْرِيفِ امْرَأَةٍ ، وَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ بِحُصُولِ الْعِلْمِ بِسَبَبِ تَعْرِيفِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ، وَإِذَا لَمْ يُعْتَمَدْ عَلَيْهِمَا مَعَ حُصُولِ الْعِلْمِ فَأَحْرَى مَعَ عَدَمِهِ .
قَالَ وَأَمَّا تَقْرِيرُ الشَّارِحِ وتت وعج وَابْنِ مَرْزُوقٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ شُرُوحِهِ قَوْلُهُ لَا بِشَاهِدَيْنِ بِعَدَمِ حُصُولِ الْعِلْمِ بِهِمَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ كَلَامِ النَّاسِ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمَا فِي التَّعْرِيفِ مُطْلَقًا ، حَصَلَ عِلْمٌ بِهِمَا أَمْ لَا ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخُصُوصِهِ لِمُرُورِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فَيَصِحُّ كَلَامُ الشَّارِحِ وَمَنْ تَبِعَهُ إلَّا أَنَّهُ قَلِيلُ الْجَدْوَى ، إذْ لَوْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ لَقَالَ بَدَلَ لَا بِشَاهِدَيْنِ لَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ عِلْمٌ .
فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْمَنْعِ مَعَ حُصُولِ الْعِلْمِ بِالشَّاهِدَيْنِ ، قُلْت ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَنْ عَرَفَا صِحَّةَ شَهَادَتِهِمَا وَحُضُورَهُمَا فِيهِ تُهْمَةٌ وَرِيبَةٌ ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ

وَأَبُو الْحَسَنِ صَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّ تَفْصِيلَ ابْنِ رُشْدٍ قَوْلٌ ثَالِثٌ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مُطْلَقًا ، وَلَوْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهِمَا وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مُقْتَضَى مَنْ جَعَلَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ ثَالِثًا وَالظَّاهِرُ قَوْلُ طفى يُمْكِنُ حَمْلُ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ ، فَيَكُونُ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ وِفَاقًا لِابْنِ الْقَاسِمِ ا هـ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
أَقُولُ وَتَوْجِيهُ ابْنِ رَحَّالٍ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ مُتَنَاقِضٌ ، فَإِنَّ تُهْمَةَ الشَّاهِدَيْنِ وَالرِّيبَةَ فِي شَهَادَتِهِمَا بِتَوَقُّفِهِمَا عَنْهَا تَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ الْعِلْمِ بِشَهَادَتِهِمَا ، وَحَاشَا الْإِمَامُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِتَعْرِيفِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ الشَّاهِدَ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي شَهَادَتِهِ ، وَإِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِيهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ ؛ بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مُتَصَرِّفٍ طَوِيلًا .

( وَجَازَتْ ) الشَّهَادَةُ ( بِسَمَاعٍ فَشَا ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ شَاعَ وَاشْتَهَرَ وَكَثُرَ ( عَنْ ثِقَاتٍ ) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ ، أَيْ مَنْ يُوثَقُ بِكَلَامِهِمْ وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ ( وَغَيْرِهِمْ ) ابْنُ عَرَفَةَ شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ فِيهِ بِإِسْنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلِ بِأَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ سَمَّاهُ فَاشِيًا كَذَا ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا لَمْ تَصِحَّ .
طفى الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ مُعْظَمُ الشُّيُوخِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ .
وَقَالَ الْبَاجِيَّ شَهَادَةُ السَّمَاعِ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًا مِنْ الْعُدُولِ وَغَيْرِهِمْ ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ .
وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ سَمَاعًا فَاشِيًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ ، وَنَحْوُهُ فِي وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونٍ .
وَقَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَا تَكْمُلُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ فِيهَا أَهْلُ الْعَدْلِ وَغَيْرُهُمْ ، عَلَى هَذَا مَضَى عَمَلُ النَّاسِ ، وَلَيْسَ يَأْتِي آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَهْدَى مِمَّا عَلَيْهِ أَوَّلُهَا ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَقَرَّهُ ، ثُمَّ قَالَ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى كَوْنِ السَّمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ دُونَ تَسْمِيَتِهِمْ فَفِي صِحَّتِهَا نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ ظَاهِرِ نَقْلِ ابْنِ فَتُّوحٍ عَنْ الْمَذْهَبِ ، وَنَقَلَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَهَادَةَ سَمَاعٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ نَقْلٌ فَيَفْتَقِرُ لِتَسْمِيَةِ الشُّهُودِ ، يَعْنِي أَنَّ السَّمَاعَ مِنْ الْعُدُولِ دُونَ تَسْمِيَتِهِمْ مَقْبُولٌ ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ شَهَادَةُ سَمَاعٍ أَوْ نَقْلٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهُ .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ عُمُومِ النَّاسِ دُونَ ذِكْرِ الْعُدُولِ فَفِي صِحَّتِهَا بِمَا لَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ يَدٍ نَقْلَا اللَّخْمِيِّ قَائِلًا ، وَهِيَ فِيمَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ يَدٍ لَغْوٌ اتِّفَاقًا .
وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ بِصِحَّةِ شَهَادَةِ

السَّمَاعِ مِنْ لَفِيفِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ تَبْدُ عَدَالَتُهُمْ ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْمَسْمُوعِ مِنْهُمْ ثَالِثُهَا إلَّا فِي الرَّضَاعِ .
ا هـ .
فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَيَّدَهَا أَبُو الْحَسَنِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ا هـ .
وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي ( بِمِلْكٍ ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ .
تت مُطْلَقٌ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَكَادُ يُقْطَعُ بِهِ ، وَحَاوَلَ بَعْضُهُمْ تَصْوِيرَهُ بِمِنْ صَادَ مِنْ فَيَافِي الْأَرْضِ بِحَضْرَةِ بَيِّنَةٍ فَتَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ عَلَى الْقَطْعِ وَاعْتُرِضَ بِاحْتِمَالِ نُدُودِهِ مِنْ مَالِكٍ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ مِنْ زَمَنٍ لَمْ يَتَوَحَّشْ فِيهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْأَوَّلِ ، وَصَوَّرَهُ آخَرُ بِمَا مَلَكَ مِنْ غَنِيمَةٍ وَنَظَرَ فِيهِ بِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْدَعَهُ لِكَافِرٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمِلْكِ مُشْتَرٍ لُقَطَةً بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى الْتِقَاطِهَا وَتَعْرِيفِهَا وَبَيْعِهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ ، وَهَذَا عَجِيبٌ ، فَإِنَّ صُوَرَ الْقَطْعِ بِالْمِلْكِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الرِّكَازُ وَالْمَعْدِنُ الَّذِي أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ وَمَلْفُوظُ الْبَحْرِ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَمَاؤُهُ الْمَنْقُولُ مِنْهُ وَحَجَرُ الْجَبَلِ ، وَمَا نُقِلَ مِنْ شَجَرِ الْغَابَةِ وَالْمَوَاتِ الْمُحَيَّاةِ .
وَتَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ بِمِلْكٍ ( لِ ) شَخْصٍ ( حَائِزٍ ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَهَمْزٍ وَزَايٍ لِلشَّيْءِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِمِلْكِهِ ( مُتَصَرِّفٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُثَقَّلَةً فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ لَهُ فِيهِ زَمَنًا ( طَوِيلًا ) طفى لَمْ أَرَ مَنْ اشْتَرَطَ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ التَّصَرُّفَ سِوَى الْمُصَنِّفِ فِي مُخْتَصَرِهِ هَذَا وَتَوْضِيحِهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ الْفَاشِي عَنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْمِلْكِ مَا نَصُّهُ أَيْ الْمُطْلِقُ .
قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ

إنَّمَا يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ إذَا طَالَتْ الْحِيَازَةُ وَكَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بِالْهَدْمِ وَنَحْوِهِ ، وَلَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ ، وَلَا يَكْتَفِي بِشَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَحُوزُهَا حَتَّى يَقُولُوا إنَّهُ يَحُوزُهَا لِحَقِّهِ وَأَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ ، وَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى مِنْ سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِمِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ .
ا هـ .
وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ هَذَا فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ عَلَى الْقَطْعِ ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي ، وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ .
وَأَمَّا شَهَادَةُ السَّمَاعِ بِالْمِلْكِ فَقَدْ قَالَ فِيهِ فِي غَائِبٍ قَدِمَ وَادَّعَى دَارًا فِي يَدِ حَائِزٍ فَيُقِيمُ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ بَيِّنَةً عَلَى السَّمَاعِ فِي تَطَاوُلِ الزَّمَانِ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِي هَذَا الْقَائِمِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ مِمَّنْ صَارَتْ إلَيْهِ عَنْهُمْ فَيَثْبُتُ لَهُ نَفَاذُهَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ .
ا هـ .
فَاشْتَرَطَ الْحَوْزَ فَقَطْ كَمَا تَرَى وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَامَتْ بِيَدِهِ دَارٌ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ قَدِمَ رَجُلٌ كَانَ غَائِبًا فَادَّعَاهَا وَأَثْبَتَ الْأَصْلَ لَهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ وَثَبَتَتْ الْمَوَارِيثُ حَتَّى صَارَتْ لَهُ فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ ابْتَاعَهَا مِنْ الْقَادِمِ أَوْ مِنْ أَحَدِ آبَائِهِ أَوْ مِمَّنْ وَرِثَهُ الْقَادِمُ عَنْهُ أَوْ مِمَّنْ ابْتَاعَهَا مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَذَلِكَ يَقْطَعُ حَقَّ الْقَادِمِ مِنْهَا وَهِيَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا بِسَمَاعٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا إلَخْ .
وَفِي ابْنِ يُونُسَ ابْنُ الْمَوَّازِ تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ لِمُدَّعِي دَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ وَقَدْ حَازَهَا عَلَيْهِ إنَّمَا تَجُوزُ لِمَنْ الدَّارُ بِيَدِهِ إذَا أَثْبَتَ الَّذِي يَدَّعِيهَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ وَارِثُهُ

، وَتَكُونُ قَدْ قَامَتْ بِيَدِ حَائِزِهَا سِنِينَ يَنْقَطِعُ فِيهَا الْعِلْمُ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ إلَّا عَلَى السَّمَاعِ أَنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الْعُدُولِ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ ابْتَاعَهَا مِنْ الْقَادِمِ أَوْ مِنْ أَحَدٍ وَرِثَهَا الْقَادِمُ عَنْهُ فَلِذَلِكَ يُقْطَعُ حَقُّ الْقَادِمِ .
ا هـ .
وَالْمَالِكِيَّةُ مُطْبِقُونَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِأَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ لِلْحَائِزِ وَلَمْ يَقُولُوا لِلْمُتَصَرِّفِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ وَعَرَفَ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ لَا بِالرِّجَالِ وَلَمْ يَجْعَلْ رِبْقَةَ التَّقْلِيدِ فِي عُنُقِهِ لِكُلِّ غَثٍّ وَسَمِينٍ وَالْعَجَبُ مِنْ " ح " وَالشَّارِحِ وَ " ق " وَغَيْرِهِمْ كَيْفَ تَوَاطَئُوا عَلَى نَقْلِ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ هُنَا تَقْلِيدًا لِلتَّوْضِيحِ وَلَمْ يَتَنَبَّهُوا لِمَا قُلْنَاهُ مَعَ وُضُوحِهِ ، وَتَبِعَهُمْ عج حَتَّى فَسَّرَ الطُّولَ فِي قَوْلِهِ وَحَوْزٍ طَالَ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا فُسِّرَ بِهِ مُرَادُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ ، لَكِنْ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ عَلَى الْبَتِّ كَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ وَحَوْزٍ طَالَ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَأَمَّا هُنَا فَكَيْفَ يَأْتِي اشْتِرَاطُ الْحَوْزِ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ مَعَ شَرْطِ طُولِ الزَّمَانِ كَالْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ سَنَةً مَا هَذَا إلَّا تَهَافُتٌ ، وَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحِيَازَةَ هُنَا خَمْسُونَ سَنَةً أَوْ سِتُّونَ سَنَةً وَنَحْوُهَا مِمَّا يَنْقَطِعُ بِهِ الْعِلْمُ وَرَبُّك أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَالْعُذْرُ لِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ تَكَلَّمَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ عَلَى الْبَتِّ أَثْنَاءَ شَهَادَةِ السَّمَاعِ ، فَتَوَهَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ ، فَوَقَعَ فِيمَا وَقَعَ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ تَعَالَى .
الْبُنَانِيُّ وَوَقَعَ لِابْنِ مَرْزُوقٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاحْتَجَّ لَهُ

بِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ مَا نَصُّهُ مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَكَادُ يُقْطَعُ بِهِ ، وَيَعْتَمِدُ الشَّاهِدُ فِي الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ عَلَى وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ ، وَنِسْبَتُهَا مَعَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَعَدَمُ الْمُنَازِعِ وَطُولُ الْحِيَازَةِ وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ ، وَهُوَ وَهْمٌ أَيْضًا مِنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَيُعْتَمَدُ إلَخْ إنَّمَا هُوَ فِي شَهَادَةِ الْقَطْعِ بِالْمِلْكِ لَا السَّمَاعِ .

وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ ، إلَّا بِسَمَاعٍ : أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ

( وَ ) إنْ حَازَ شَخْصٌ عَقَارًا نَحْوَ سِتِّينَ سَنَةً مُدَّعِيًا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ هُوَ أَوْ أَحَدُ مُوَرِّثِيهِ وَقَدِمَ شَخْصٌ آخَرُ مِنْ غَيْبَتِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ وَأَقَامَ الْحَائِزُ بَيِّنَةَ سَمَاعٍ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَالْقَادِمُ بَيِّنَةَ بَتٍّ أَنَّهُ مَلَكَهُ ( قُدِّمَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( بَيِّنَةُ الْمِلْكِ ) الشَّاهِدَةُ بِهِ بَتًّا عَلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ بِالشِّرَاءِ ( إلَّا ) بَيِّنَةً شَاهِدَةً ( بِسَمَاعٍ ) مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْحَائِزَ ( اشْتَرَاهَا ) أَيْ الْحَائِزُ الدَّارَ ( مِنْ كَأَبِي ) وَجَدِّ ( الْقَائِمِ ) أَيْ الْمُدَّعِي عَلَى الْحَائِزِ أَنَّهَا مِلْكُهُ ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَبَيِّنَةُ الْقَطْعِ مُسْتَصْحِبَةٌ .
طفى قَوْلُهُ وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ إلَخْ تت عَلَى بَيِّنَةِ الْحَوْزِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قُدِّمَتْ ، وَعِبَارَةٌ كَبِيرَةٌ إذَا عَارَضَتْهَا بَيِّنَةُ الْحَوْزِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بَيِّنَةُ الْحَوْزِ أَنَّهَا شَهِدَتْ بِالْحَوْزِ ، بَلْ بَيِّنَةُ الْحَائِزِ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ ذِي الْحَوْزِ شَهِدَتْ لِلْحَائِزِ شَهَادَةُ سَمَاعٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا وَلَمْ تُبَيِّنْ مِمَّنْ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ .
قَالَ فِي كَبِيرِهِ وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ إذَا عَارَضَتْهَا بَيِّنَةُ الْحَوْزِ فِي دَارِ شَخْصٍ قَدِمَ مِنْ غِيبَةٍ بَعِيدَةٍ وَأَثْبَتَ أَنَّهَا لَهُ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ ، وَأَثْبَتَ الْمِيرَاثَ حَتَّى صَارَتْ لَهُ ، وَقَالَ مَنْ هِيَ فِي حَوْزِهِ طَوِيلًا إنَّهُ اشْتَرَاهَا ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ عَلَى السَّمَاعِ أَنَّهَا لِوَاحِدٍ مِنْ آبَائِهِ وَلَا يَدْرُونَ مِمَّنْ فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ .
ا هـ .
وَهُوَ تَقْرِيرٌ حَسَنٌ أَمَسُّ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَبِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ وَإِنْ أَتَى الَّذِي بِيَدِهِ دَارٌ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ مِنْ الْعُدُولِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي بِيَدِهِ الدَّارُ أَوْ أَحَدُ آبَائِهِ ابْتَاعَهَا وَلَا يَدْرِي مِمَّنْ ابْتَاعَهَا فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ ، وَهَكَذَا

قَرَّرَهُ الشَّارِحُ وَ " ق " وَأَمَّا تَقْرِيرُ ح لَهُ بِمَا إذَا شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِالْمِلْكِ بِالْقَطْعِ لِشَخْصٍ آخَرَ فَبَيِّنَةُ الْمِلْكِ الَّتِي قَطَعَتْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ فَبَعِيدٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
الْبُنَانِيُّ إنْ قُلْت الْحَوْزُ عَشْرَ سِنِينَ كَافٍ وَحْدَهُ فِي رَدِّ دَعْوَى الْقَائِمِ وَبَيِّنَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْقَطْعِ فَلَا يَحْتَاجُ لِبَيِّنَةِ سَمَاعٍ وَلَا غَيْرِهَا .
قُلْت هَذَا إذَا كَانَ الْقَائِمُ حَاضِرًا بِلَا عُذْرٍ ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ لَهُ عُذْرٌ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيَحْتَاجُ الْحَائِزُ لِدَفْعِهَا وَلَوْ بَيِّنَةَ سَمَاعٍ ، وَفَرْضُ هَذِهِ أَنَّ الْقَائِمَ كَانَ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا لَهُ مَانِعٌ .

وَوَقْفٍ وَمَوْتٍ بِبُعْدٍ إنْ طَالَ الزَّمَانُ ، بِلَا رِيبَةٍ .

( وَ ) تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ بِ ( وَقْفٍ ) عَلَى حَائِزِهِ أَوْ لَا يَدَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ فَتَشْهَدُ بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ بِأَنَّهُ حَبْسٌ عَلَى حَائِزِهِ أَوْ عَلَى بَنِي فُلَانٍ أَوْ لِلَّهِ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا .
أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ .
الْحَطّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَسْمِيَةُ الْمُحْبِسِ وَلَا إثْبَاتُ مِلْكِهِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا عَلَى الْحَبْسِ بِالْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحَبْسُ حَتَّى يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لِلْمُحْبِسِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
ابْنُ سَهْلٍ كَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالسَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الدَّارَ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا وَحَدُّهَا كَذَا ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ عِشْرِينَ عَامًا مُتَقَدِّمَةَ التَّارِيخِ شَهَادَتَهُ هَذِهِ سَمَاعًا فَاشِيًا مُسْتَفِيضًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْمِلْكَ حَبْسٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا أَوْ عَلَى الْمَرْضَى بِحَاضِرَةِ كَذَا أَوْ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ أَوْ حَبْسٌ لَا غَيْرُ ، وَأَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ بِحُرْمَةِ الْأَحْبَاسِ وَتَحْوِزَتُهَا بِالْوَقْفِ إلَيْهَا وَالتَّبْيِينِ لَهَا ، بِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ ، فَإِذَا أُدِّيَتْ هَكَذَا بِشَاهِدَيْنِ فَصَاعِدًا حُكِمَ بِهَا بَعْدَ حِيَازَةِ الشُّهُودِ بِتَحْبِيسِهِ ، وَالْإِعْذَارُ إلَى مَنْ يَعْتَرِضُ فِيهِ وَيَدَّعِيه فِي سَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ ، إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُمَا كَانَا يَسْمَعَانِ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ حَبْسٌ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَكَانَتْ حَبْسًا عَلَى الْمَسَاكِينِ إذَا لَمْ يُسَمِّ أَحَدًا .
الْحَطّ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَصَارِفَ الْحَبْسِ وَشَرْطِ الْوَاقِفِ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ ، وَنَصَّ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سُئِلَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ قَوْمٍ شَهِدُوا بِالسَّمَاعِ فِي حَبْسٍ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَا تَدْخُلُ زَوْجَتُهُ فِي نَصِيبِهِ ، وَتَهْلِكُ بِنْتُ الْمَيِّتِ فَلَا يَدْخُلُ

فِيهِ وَلَدُهَا وَلَا زَوْجُهَا فَقَالَ أَرَاهُ حَبْسًا ثَابِتًا ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَبْسِ وَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ كُلَّهُ وَذَكَرُوا فِي السَّمَاعِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ا هـ .
وَ ) تَجُوزُ بِ ( مَوْتٍ بِبُعْدٍ ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ بَلَدٍ بَعِيدٍ ( إنْ طَالَ الزَّمَانُ ) عَلَى السَّمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ أَرْبَعُونَ سَنَةً أَوْ خَمْسُونَ سَنَةً .
ابْنُ زَرْقُونٍ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَعَنْهُ أَيْضًا عِشْرُونَ سَنَةً .
ابْنُ رُشْدٍ وَبِهِ الْعَمَلُ بِقُرْطُبَةَ ، وَهَلْ خَمْسَ عَشْرَةَ طُولٌ أَوْ لَا ؟ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَبَاءِ وَغَيْرِهِ ( بِلَا رِيبَةٍ ) فَإِنْ كَانَ فِيهِ رِيبَةٌ بِأَنْ شَهِدَ بِالسَّمَاعِ اثْنَانِ وَفِي الْقَبِيلَةِ مِائَةٌ مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمَا لَمْ يَسْمَعُوا ذَلِكَ ، أَوْ شَهِدَا بِمَوْتِ شَخْصٍ بِبَلَدٍ وَفِيهِ جَمٌّ غَفِيرٌ لَمْ يَسْمَعُوا ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلَانِ .
" غ " قَوْلُهُ إنْ طَالَ الزَّمَانُ بِلَا رِيبَةٍ تَبِعَ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ الْفَاشِي عَنْ الثِّقَاتِ فِي الْمِلْكِ وَالْوَقْفِ وَالْمَوْتِ لِلضَّرُورَةِ بِشَرْطِ طُولِ الزَّمَانِ وَانْتِفَاءِ الرَّيْبِ .
ابْنُ عَرَفَةَ حَمَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ ، إنَّمَا هُوَ فِي الْمِلْكِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَشْرِبَةِ الْقَدِيمَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالْحِيَازَةِ جَمِيعُ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ طُولُ الزَّمَانِ .
وَأَمَّا الْمَوْتُ فَمُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ وَالْأَقْوَالِ أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ الْقَاصِرَةَ عَنْ شَهَادَةِ الْبَتِّ فِي الْقَطْعِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ بِحَيْثُ لَا يُدْرَكُ بِالْقَطْعِ وَالْبَتِّ عَادَةً ، فَإِنْ أَمْكَنَ عَادَةً الْبَتُّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْبَاجِيَّ .
أَمَّا الْمَوْتُ فَيُشْهَدُ فِيهِ عَلَى السَّمَاعِ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْبِلَادِ ، وَأَمَّا مَا قَرُبَ أَوْ كَانَ بِبَلَدِ الْمَوْتِ فَإِنَّمَا هِيَ

شَهَادَةٌ بِالْبَتِّ وَقَدْ شَهِدْت شَيْخَنَا الْقَاضِيَ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ بِتُونُسَ بَعْضُ أَهْلِهَا إثْبَاتَ وَفَاةِ صِهْرٍ لَهُ مَاتَ بِبَرْقَةَ قَافِلًا مِنْ الْحَجِّ ، فَأَذِنَ لَهُ فَأَتَاهُ بِوَثِيقَةٍ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عَلَى سَمَاعٍ بِوَفَاتِهِ عَلَى مَا يَجِبُ كَتْبُهُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ فِيهَا بَتُّ الْعِلْمِ بِوَفَاتِهِ نَحْوَ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ فِي ظَنِّي ، فَرَدَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلْهُ ، وَلَمَّا حَكَى قَوْلَ الْبَاجِيَّ فَيَشْهَدُ عَلَى الْمَوْتِ بِالسَّمَاعِ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْبِلَادِ لَا مَا قَرُبَ قَيَّدَهُ بِأَنْ قَالَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطُولَ زَمَنُ تَقَدُّمِ الْمَوْتِ كَالْعِشْرِينِ عَامًا ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا الْبَتُّ قَالَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِيت وَهُوَ صَوَابٌ ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْبَتِّ كَمِنْ يَمُوتُ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ .
الْبُنَانِيُّ نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ فَحَمَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهِ ، وَتَبِعَهُ فِي ضَيْح ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ هَارُونَ بِأَنَّ طُولَ الزَّمَنِ لَيْسَ فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ ، بَلْ فِي الْأَمْلَاكِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَحْبَاسِ وَالْأَنْكِحَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالْحِيَازَةِ .
وَأَمَّا الْمَوْتُ فَيُشْتَرَطُ تَنَائِي الْبُلْدَانِ أَوْ طُولُ الزَّمَانِ وَاعْتَمَدَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ هَارُونَ فِي حَصْرِهِ ، وَتَبِعَهُ " غ " وَاخْتَارَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَوْتِ بُعْدَ الْبَلَدِ وَقُرْبَ الزَّمَنِ قَائِلًا إذَا بَعُدَ الزَّمَنُ أَمْكَنَ بَتُّ الشَّهَادَةِ بِفُشُوِّ الْإِخْبَارِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ كَقُرْبِ الْبَلَدِ وَاتِّحَادِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

وَحَلَفَ وَشَهِدَ اثْنَانِ : كَعَزْلٍ ، وَجَرْحٍ ، وَكُفْرٍ ، وَسَفَهٍ ؛ وَنِكَاحٍ ، وَضِدِّهَا ، وَإِنْ بِخُلْعٍ وَضَرَرِ زَوْجٍ وَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَوِلَادَةٍ وَحِرَابَةٍ وَإِبَاقٍ وَعُدْمٍ وَأَسْرٍ وَعِتْقٍ وَلَوْثٍ

( وَحَلَفَ ) الْمَشْهُودُ لَهُ بِالسَّمَاعِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْأَصْلِ الْمَسْمُوعِ عَنْهُ وَاحِدًا ، وَهُوَ لَا يُثْبِتُ الْحَقَّ إلَّا مَعَ يَمِينٍ ( وَشَهِدَ ) بِالسَّمَاعِ ( اثْنَانِ ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ .
وَشَبَّهَ فِي الثُّبُوتِ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ فَقَالَ ( كَعَزْلٍ ) لِقَاضٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ وَكِيلٍ ( وَجَرْحٍ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ، أَيْ تَجْرِيحِ شَاهِدٍ بِأَنْ يَقُولَا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فُلَانًا مُجَرَّحٌ أَوْ يَشْرَبُ أَوْ يَزْنِي وَلَا يُعَدُّ هَذَا قَذْفًا ( وَكُفْرٍ ) أَصْلِيٍّ أَوْ بِارْتِدَادٍ ( وَسَفَهٍ ) أَيْ عَدَمِ حِفْظِ الْمَالِ وَحُسْنِ التَّصَرُّفِ فِيهِ ( وَنِكَاحٍ ) فِي التَّوْضِيحِ أَبُو عِمْرَانَ يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ عَلَى النِّكَاحِ اتِّفَاقُ الزَّوْجَيْنِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ .
وَفِي شَرْحِ التُّحْفَةِ لِمَيَّارَةَ شَرْطُ السَّمَاعِ فِي النِّكَاحِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ تَحْتَ حِجَابِ الزَّوْجِ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ زَوْجِيَّتِهَا ، أَوْ يَمُوتُ أَحَدُهُمَا فَيَطْلُبُ الْحَيُّ مِيرَاثَهُ مِنْهُ ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي عِصْمَةِ أَحَدٍ فَأَثْبَتَ رَجُلٌ بِالسَّمَاعِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْبِنَاءَ بِهَا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ إنَّمَا يَنْفَعُ مَعَ الْحِيَازَةِ وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِ أَصْلِهِ مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِّ .
ا هـ .
لَكِنْ قَالَ ابْنُ رَحَّالٍ فِي حَاشِيَتِهِ ظَاهِرُ النَّقْلِ خِلَافُ مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَابْنُ الْحَاجِّ .
ا هـ .
وَهُوَ فِي عُهْدَتِهِ فَانْظُرْهُ ، وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ وَنِكَاحٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَضِدِّهَا ) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ تَوْلِيَةٍ وَتَعْدِيلٍ وَإِسْلَامٍ وَرُشْدٍ وَطَلَاقٍ .
تت بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ أَقِفْ عَلَى الطَّلَاقِ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا إلَّا فِي النَّظْمِ الْآتِي إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الدَّاخِلُ فِي ضِدِّهَا بِغَيْرِ خُلْعٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( بِخُلْعٍ ) أَيْ عِوَضٍ ( وَ )

كَ ( ضَرَرِ زَوْجٍ ) أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الزَّوْجَةَ بِأَنْ يَشْهَدُوا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي أَنَّ فُلَانًا ضَرَّ زَوْجَتَهُ أَوْ أَنَّ فُلَانَةَ ضَرَّتْ زَوْجَهَا ( وَ ) كَ ( هِبَةٍ ) وَصَدَقَةٍ ( وَ ) كَ ( وَصِيَّةٍ ) " غ " فَسَّرَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِالْإِيصَاءِ عَلَى أَيْتَامٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي .
الْبُنَانِيُّ وَاَلَّذِي فِي " غ " مَا نَصُّهُ أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْقَرَافِيُّ وَالْغِرْنَاطِيُّ لَفْظَةَ الْوَصِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَصَدُوا مَا فِي الْكَافِي مِنْ الْإِيصَاءِ بِالنَّظَرِ ، وَبِهَذَا فَسَّرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ فِي لَفْظِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ ا هـ .
قُلْت قَدْ عَدُّوا الْهِبَةَ مِمَّا يُعْمَلُ فِيهِ بِالسَّمَاعِ فَلَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) كَ ( وِلَادَةٍ وَ ) كَ ( حِرَابَةٍ ) أَيْ قَطْعِ طَرِيقٍ ( وَ ) كَ ( إبَاقٍ ) تت بَعْضُهُمْ لَمْ أَرَ الْإِبَاقَ إلَّا فِي النَّظْمِ ( وَ عُدْمٍ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَوْ بِفَتْحَتَيْنِ ، أَيْ فَقْرٍ ( وَأَسْرٍ ) لِمُسْلِمٍ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ ( وَعِتْقٍ وَلَوْثٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَمُثَلَّثَةٍ ، أَيْ قَرِينَةِ تُهْمَةٍ بِقَتْلٍ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِرْثٍ بَدَلَ لَوْثٍ .
الْبُنَانِيُّ اجْتَهَدَ النَّاسُ فِي عَدِّ مَوَاطِنِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ فَعَدَّهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَزْفِيُّ السَّبْتِيُّ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَنَظَمَهَا وَزَادَ عَلَيْهِ وَلَدُهُ سِتَّةً وَنَظَمَهَا وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خَمْسَةً فَهَذِهِ ثِنْتَانِ وَثَلَاثُونَ ، وَنَظَمَهَا الْعَبْدُوسِيُّ فِي قَصِيدَةٍ وَجِيزَةٍ وَذَكَرَهَا كُلَّهَا .
" غ " وَزَادَ مَسَائِلَ أُخَرَ وَنَظَمَهَا فَانْظُرْهُ فَقَدْ أَطَالَ هُنَا ، وَرَأَيْت أَنْ أُثْبِتَ هُنَا نَظْمَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْزُوقٍ ، فَقَدْ نَظَمَ أَرْبَعِينَ مَوْطِنًا فِي سَبْعَةِ أَبْيَاتٍ فَقَالَ : فَعَدْلٌ وَإِسْلَامٌ وَرُشْدُ وِلَايَةٍ وَأَضْدَادُهَا ثُمَّ الْمُقِرُّ وَوَاهِبُ رَضَاعٌ وَقَسْمُ نِسْبَةٍ ذُو وَصِيَّةٍ وَلَاءٌ وَأَسْرٌ ثُمَّ مَوْتٌ وَنَائِبُ نِكَاحٌ وَضِدٌّ ثُمَّ خُلْعٌ

عَتَاقَةٌ إبَاقٌ وَتَفْلِيسٌ كَذَاك الْمُحَارِبُ وَبَيْعٌ وَوَقْفٌ طَالَ عَهْدُهُمَا وَفِي جِرَاحٍ وَحَمْلٍ وَالْمُصَدَّقُ رَاغِبُ وَإِضْرَارُ زَوْجٍ ثُمَّ لَوْثُ قَسَامَةٍ وِلَادَتُهَا ثُمَّ التَّصَرُّفُ غَالِبُ وَإِنْفَاقُ مَنْ أَوْصَى وَمَنْ هُوَ غَائِبٌ وَتَنْفِيذُ إيصَاءٍ وَعِشْرُونَ عَاقِبُ وَإِرْثٌ وَإِيسَارٌ فَذِي أَرْبَعُونَ خُذْ فَمَا رُتْبَةٌ إلَّا عَلَتْهَا مَرَاتِبُ .
وَتَعَقَّبَ عَلَيْهِ " غ " فِي التَّكْمِيلِ ذَكَرَهُ الْجَرَّاحُ قَائِلًا مِمَّا وَقَفْت فِي الْجِرَاحِ عَلَى شَيْءٍ لِغَيْرِهِ ، وَأَمَّا عَدُّهُ الْإِقْرَارَ مِنْهَا فَتَبِعَ فِيهِ الْقَرَافِيُّ فِي فُرُوقِهِ ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ التَّصَرُّفُ غَالِبُ وَإِنْفَاقُ مَنْ أَوْصَى وَمَنْ هُوَ غَائِبٌ إلَى قَوْلِ الْكَافِي ، وَجَائِزٌ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ أَنَّ فُلَانًا فِي وِلَايَةِ فُلَانٍ ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَوَلَّى النَّظَرَ لَهُ وَالْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ بِإِيصَاءِ أَبِيهِ إلَيْهِ أَوْ تَقْدِيمِ مَاضٍ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهُ أَبُوهُ بِالْإِيصَاءِ وَلَا الْقَاضِي بِالتَّقَدُّمِ ، وَلَكِنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِاسْتِفَاضَةِ السَّمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ ، وَيَصِحُّ بِذَلِكَ سَفَهٌ إذَا شَهِدَ مَعَهُ غَيْرُهُ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ ، وَفِيهَا بَيْنَ أَصْحَابِنَا اخْتِلَافٌ .
ا هـ .
فَأَطْلَقَ ابْنُ مَرْزُوقٍ الْمُسَبَّبَ الَّذِي هُوَ التَّصَرُّفُ وَالْإِنْفَاقُ وَأَرَادَ السَّبَبَ الَّذِي هُوَ الْإِيصَاءُ وَالتَّقْدِيمُ .
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَتَنْفِيذُ إيصَاءٍ إلَى مَا فِي الْمُفِيدِ مِنْ أَنَّ ابْنَ زَرْبٍ أَفْتَى فِي وَصِيٍّ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً عَلَى تَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ أُسْنِدَتْ إلَيْهِ بِالسَّمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالثِّقَةِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ .
قَالَ فِي التَّكْمِيلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعِشْرُونَ عَاقِبُ ، أَيْ مُتَأَخِّرٌ عَنْ تَنْفِيذِ الْإِيصَاءِ فَلَعَلَّهُ فَهِمَ أَنَّ الثَّلَاثِينَ فِي فَتْوَى ابْنِ زَرْبٍ وَقَعَتْ فِي وَصِيٍّ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةُ السُّؤَالِ ، فَاعْتَمَدَ عَلَى صَرِيحِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إعْمَالِ السَّمَاعِ فِي الْعِشْرِينَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَالتَّحَمُّلُ إنْ اُفْتُقِرَ إلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ مِنْ كَبَرِيدَيْنِ وَعَلَى ثَالِثٍ ، إنْ لَمْ يُجْتَزْ بِهِمَا

( وَالتَّحَمُّلُ ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ عَلِمَ الْمَشْهُودُ بِهِ ( إنْ اُفْتُقِرَ ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ ، أَيْ اُحْتِيجَ ( إلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) عِنْدَ تَعَدُّدِ مَنْ يَقُومُ بِهِ لِأَجْلِ حِفْظِ الْحَقِّ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ إذْ لَوْ تُرِكَ لَضَاعَتْ حُقُوقُ النَّاسِ ، وَيَسْقُطُ بِقِيَامِ بَعْضِ النَّاسِ بِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِمَا يَتَعَيَّنُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ مِنْ الشُّرُوعِ فِيهِ ، وَبِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُمَا .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ عَدَمُ فَرْضِيَّتِهِ إنْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَيْهِ .
عب وَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ الِانْتِفَاعُ عَلَى التَّحَمُّلِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ دُونَ الْأَدَاءِ كَمَا يَأْتِي ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا ، إذْ قَدْ يَحْسُنُ حَالُهُ حَالَ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ .
الْبُنَانِيُّ مَفْهُومُ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي جَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى التَّحَمُّلِ خِلَافٌ ، وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ النَّاسِ عَلَى أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَيْهِ بِالْكُتُبِ بِإِفْرِيقِيَةَ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ انْتَصَبَ لَهَا .
ابْنُ الْمُنَاصِفِ فَمَنْ أَخَذَ وَاسْتَغْنَى تَرَكَ الْأَخْذَ ، وَعَلَى الْأَخْذِ تَكُونُ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً مُسَمَّاةً ، وَتَجُوزُ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَكْتُوبُ لَهُ مُضْطَرًّا لِلْكِتَابِ ، إمَّا لِقَصْرِ الْقَاضِي الْكَتْبَ عَلَيْهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِمُوجِبِهَا ، وَإِمَّا لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَجِبُ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ لَا يَطْلُبَ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّ ، فَإِنْ فَعَلَ فَهِيَ جُرْحَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا فَفِيهِ نَظَرٌ ، وَهُوَ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ ، وَهُوَ عِنْدِي مَحْمَلُ هِبَةِ الثَّوَابِ .
فَإِنْ أَعْطَاهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لَزِمَهُ وَإِلَّا خُيِّرَ فِي قَبُولِ مَا أَعْطَاهُ وَتَمَسُّكِهِ بِمَا كَتَبَهُ لَهُ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْمَكْتُوبِ لَهُ فَيَكُونَ فَوْتًا وَيُجْبَرَانِ عَلَى أُجْرَةِ

الْمِثْلِ .
( وَتَعَيَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ( الْأَدَاءُ ) لِلشَّهَادَةِ الْمُتَحَمَّلَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْأَدَاءُ إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَةٍ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ ، وَصِلَةُ الْأَدَاءِ ( مِنْ ) مَسَافَةٍ ( كَبَرِيدَيْنِ ) ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْأَدَاءُ مِنْ نَحْوِ الْبَرِيدَيْنِ إنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنْ كَانُوا أَزْيَدَ مِنْ اثْنَيْنِ فَالْأَدَاءُ عَلَيْهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَّا أَنْ لَا يَكْتَفِيَ الْقَاضِي بِالِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ أَدَّيَا أَوَّلًا لِمَانِعٍ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا أَوْ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الثَّالِثِ إلَخْ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْأَدَاءَ فَرْضُ عَيْنٍ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الْقَائِمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ إنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَقَدْ تَعَيَّنَا ، فَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ احْلِفْ مَعَ الْآخَرِ فَهُوَ آثِمٌ لَمْ أَعْرِفْهُ لِأَصْحَابِنَا ، بَلْ لِلْغَزَالِيِّ فِي وَجِيزِهِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِنَا .
( وَ ) تَعَيَّنَ الْأَدَاءُ ( عَلَى ) شَاهِدٍ ( ثَالِثٍ إنْ لَمْ يَجْتَزْ ) الْقَاضِي ( بِهِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ أَدَّيَا الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ لِمَانِعٍ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا .

وَإِنْ انْتَفَعَ : فَجُرْحٌ ، إلَّا رُكُوبَهُ لِعُسْرِ مَشْيِهِ وَعَدَمِ دَابَّتِهِ ، لَا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ .
وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِدَابَّةٍ ؛ وَنَفَقَةٍ ؛

( وَإِنْ انْتَفَعَ ) الشَّاهِدُ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِمَالٍ فِي نَظِيرِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَهُ ( فَ ) انْتِفَاعُهُ ( جَرْحٌ ) فِي شَهَادَتِهِ مُسْقِطٌ لَهَا .
طفى أَطْلَقَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَبِهِ قَرَّرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالِامْتِنَاعِ إنَّمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ فِي السُّؤَالِ ، فَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ قِيلَ لَهُ أَرَأَيْت الشَّاهِدَيْنِ يَأْتِيهِمَا صَاحِبُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَشْهَدَا لَهُ فَيَقُولَانِ الْهُبُوطُ إلَى الْحَاضِرَةِ يَشُقُّ عَلَيْنَا إلَّا أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْنَا وَتُعْطِيَنَا دَوَابَّ نَهْبِطُ عَلَيْهَا ، قَالَ إنْ كَانَ مِثْلَ السَّاحِلِ مِنَّا كَتَبَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ يَشْهَدُ عِنْدَهُ لِشَاهِدَانِ فَيَكْتُبُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا يُعَنِّتُهُمَا بِالْقُدُومِ إلَيْهِ ، قِيلَ وَلَا تُرَى هَذِهِ وِلَايَةً لِلْمَشْهُودِ عِنْدَهُ ، قَالَ لَا يَسْتَغْنِي الْقَاضِي عَنْ مِثْلِ هَذَا قِيلَ لَهُ كَمْ بُعْدُ السَّاحِلِ مِنْ هُنَا قَالَ سِتُّونَ مِيلًا ، قَالَ فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ بَرِيدَيْنِ وَيَجِدُونَ الدَّوَابَّ وَالنَّفَقَةَ فَلَا يُعْطِيهِمْ رَبُّ الْحَقِّ نَفَقَةً وَلَا دَوَابَّ فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ ؛ لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ عَلَى شَهَادَتِهِمْ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا نَفَقَةً وَلَا دَوَابَّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْرِيَ لَهُمْ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِمْ .
ابْنُ رُشْدٍ أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمِيعًا فِيمَا قَرُبَ دُونَ مَا بَعُدَ خُصِّصَ الْقُرْآنُ بِالْإِجْمَاعِ ، فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ بِحَيْثُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ وَجَبَ عَلَيْهِ رُكُوبُ دَابَّتِهِ وَأَكْلُ طَعَامِهِ ، فَإِنْ أَكَلَ طَعَامَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَرَكِبَ دَابَّتَهُ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَرْشَى عَلَيْهَا بِذَلِكَ ، وَخَفَّفَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا وَكَانَ أَمْرًا خَفِيفًا ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّفْسِيرِ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ فَالْقَرِيبُ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ قِسْمَانِ : قَرِيبٌ

جِدًّا تَقِلُّ فِيهِ النَّفَقَةُ ، وَمُؤْنَةُ الرُّكُوبِ فَهَذَا لَا يَضُرُّ الشَّاهِدَ فِيهِ رُكُوبُ دَابَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ وَلَا أَكْلُ طَعَامِهِ .
وَغَيْرُ قَرِيبٍ جِدًّا تَكْثُرُ فِيهِ النَّفَقَةُ وَمُؤْنَةُ الرُّكُوبِ ، فَهَذَا تَبْطُلُ فِيهِ شَهَادَتُهُ إنْ رَكِبَ دَابَّةَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَلَهُ دَابَّةٌ أَوْ أَكَلَ طَعَامَهُ عِنْدَ سَحْنُونٍ .
وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغُ يُطْلَبُ لِيَشْهَدَ فِي الْأَرْضِ النَّائِيَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِهَا بِالْحَيَاةِ لَهَا ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ دَابَّةَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَيَأْكُلَ طَعَامَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، إذْ لَيْسَ مَا يَصِيرُ لِلشَّاهِدِ مِنْ هَذَا مَالًا يَتَمَوَّلُهُ .
وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ وَلَا اكْتِرَاءِ الدَّابَّةِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ رَاجِلًا فَلَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ اكْتَرَى لَهُ دَابَّةً .
وَقِيلَ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مِنْ الْبُعْدِ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَلَا يَضُرُّهُ أَكْلُ طَعَامِ الْمَشْهُودِ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَا رُكُوبُ دَابَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فَانْظُرْ أَبَدًا إذَا أَنْفَقَ الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى الشَّاهِدِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ وَالْمُقَامُ فِيهِ جَازَ ، وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُ الشَّاهِدَ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يَرْكَبُ الشَّاهِدُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ دَابَّةٌ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْكَبَ دَابَّةَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ دَابَّةٌ وَشَقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ وَمُوسِرٍ وَمُعْسِرٍ ، وَإِنَّمَا

يَفْتَرِقُ ذَلِكَ حَسْبَمَا ذَكَرْنَا فِي النَّفَقَةِ ، وَفِي الرُّكُوبِ إذَا كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ ا هـ .
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ قَائِلًا نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلَ ابْنِ كِنَانَةَ مَعْكُوسًا فَقَالَ وَقِيلَ تَبْطُلُ فِي غَيْرِ الْمُبَرِّزِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا ابْنُ هَارُونَ لِذَلِكَ ، فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْإِطْلَاقُ ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَيْدِ الِامْتِنَاعِ الْوَاقِعِ فِي السُّؤَالِ ، إذْ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ، وَظَهَرَ لَك أَيْضًا أَنَّهُ عِنْدَ الْجَوَازِ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالرُّكُوبِ وَأَنَّ الِاكْتِرَاءَ لَهُ حُكْمُ دَابَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُ إلَّا أَنَّ تَخْصِيصَ الْمُصَنِّفِ لِلرُّكُوبِ وَعُسْرِ الْمَشْيِ وَإِطْلَاقِهِ فَيَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الصُّورَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ ، وَبِهَا صَدَّرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الرُّكُوبِ وَالنَّفَقَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ الِانْتِفَاعِ فَقَالَ ( إلَّا رُكُوبَهُ ) أَيْ الشَّاهِدِ دَابَّةَ الْمَشْهُودِ لَهُ مَمْلُوكَةً أَوْ مُكْتَرَاةً فَلَيْسَ جُرْحَةً إذَا كَانَ ( لِعُسْرِ مَشْيِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ لِمَوْضِعِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ( وَعَدَمِ دَابَّتِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ تت .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : إضَافَةُ الدَّابَّةِ لِضَمِيرِ الشَّاهِدِ مُخْرِجٌ لِدَابَّةٍ قَرِيبَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِعَارَتُهَا .
الثَّانِي : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ انْتِفَاعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْأَدَاءِ جَرْحٌ ، وَلَوْ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِأَدَائِهَا يَمْنَعُهُ مِنْ اشْتِغَالِهِ بِاكْتِسَابِ مَا تَقُومُ بِهِ بَيِّنَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِابْنِ الْمُنَاصِفِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ عَلَى الْأَدَاءِ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ اكْتِسَابِ قُوتِهِ .
الثَّالِثُ : ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي أَخْذِ الْأُجْرَةِ فِي الرِّوَايَةِ عَلَى الْأَسْمَاعِ أَوْ السَّمَاعُ

الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ وَالتَّفْصِيلُ .
( وَلَا ) يَلْزَمُ الشَّاهِدَ الْأَدَاءُ مِنْ ( كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ ) سَحْنُونٌ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ قَاضِي نَاحِيَتِهِ وَيَكْتُبُ بِهَا إلَى قَاضِي النَّاحِيَةِ الَّذِي عَلَى يَدَيْهِ النَّازِلَةُ ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ رَجُلٍ يَكْتُبُهَا الْقَاضِي وَلَمْ يَخُصَّ الْقَاضِيَ .
وَفِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ وَ " ق " عَنْ سَحْنُونٍ يَشْهَدُونَ عِنْدَ مَنْ يَأْمُرُهُمْ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ عِنْدَهُ مِنْ بَلَدِهِمْ .
( وَلَهُ ) أَيْ الشَّاهِدِ الَّذِي طَلَبَ مِنْهُ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ مِنْ كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ ( أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهُ ) أَيْ الْمَشْهُودُ لَهُ ( بِدَابَّةٍ ) يَرْكَبُهَا فِي ذَهَابِهِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَرُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ ( وَنَفَقَةٍ ) تت ذَهَابًا وَمَقَامًا وَإِيَابًا .

وَحُلِّفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ ، وَعِتْقٍ ، لَا نِكَاحٍ .
فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ ، وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ .
وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِهَا مِنْ قَوْلِهِ سَابِقًا وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا فَقَالَ ( وَ ) إنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِتْقِ رَقِيقِهِ أَوْ نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَأَنْكَرَهُ وَأُقِيمُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ بِذَلِكَ ( حُلِّفَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِ ) سَبَبِ شَهَادَةِ ( شَاهِدٍ ) عَلَيْهِ ( فِي طَلَاقٍ ) لِزَوْجَتِهِ ( وَعِتْقٍ ) لِرِقِّهِ ( لَا ) يَحْلِفُ بِشَاهِدٍ عَلَيْهِ بِ ( نِكَاحٍ ) عَلَى الْمَعْرُوفِ ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ الشُّهْرَةُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ ، فَالْعَجْزُ عَنْ إقَامَةِ شَاهِدٍ ثَانٍ عَلَيْهِ يُضَعِّفُ الشَّاهِدَ وَيُصَيِّرُهُ كَالْعَدَمِ .
( فَإِنْ ) حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِرَدِّ شَاهِدِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ سَقَطَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ وَخُلِّيَ سَبِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَإِنْ ( نَكَلَ ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ( حُبِسَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ لِيَحْلِفَ فِيهِمَا ، فَإِنْ حَلَفَ خُلِّيَ سَبِيلُهُ ( وَإِنْ طَالَ ) زَمَنُ حَبْسِهِ وَلَمْ يَحْلِفْ ( دُيِّنَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ وُكِّلَ لِدَيْنِهِ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَبِهِ الْقَضَاءُ وَلَهُ تَحْدِيدُ الطُّولِ بِسَنَةٍ ، وَلَهُ أَيْضًا حَبْسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ .

وَحَلَفَ عَبْدٌ وَسَفِيهٌ مَعَ شَاهِدٍ ، لَا صَبِيٌّ وَأَبُوهُ ، وَإِنْ أَنْفَقَ وَحَلَفَ مَطْلُوبٌ لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ ، وَأُسْجِلَ لِيَحْلِفَ ، إذَا بَلَغَ كَوَارِثِهِ قَبْلَهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلًا ، فَفِي حَلِفِهِ : قَوْلَانِ .

( وَحَلَفَ عَبْدٌ ) قِنٌّ أَوْ ذُو شَائِبَةٍ حُرِّيَّةٍ مُدَّعٍ بِمَالٍ عَلَى مُنْكِرٍ وَشَهِدَ لَهُ عَدْلٌ بِهِ وَثَبَتَ لَهُ ، وَإِنْ نَكَلَ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ وَلَا كَلَامَ لِسَيِّدِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ حَلَفَ سَيِّدُهُ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ الْمَالَ .
( وَ ) حَلَفَ شَخْصٌ ( سَفِيهٌ ) أَيْ بَالِغٌ عَاقِلٌ لَا يَحْفَظُ الْمَالَ وَلَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مُدَّعٍ بِمَالٍ عَلَى مُنْكِرٍ وَشَهِدَ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ ( مَعَ شَاهِدٍ ) لَهُ بِهِ وَثَبَتَ لَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ وَيَبْرَأُ وَابْنُ رُشْدٍ فَلَيْسَ لَهُ الْحَلِفُ بَعْدَ رُشْدٍ .
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَهُ الْحَلِفُ بَعْدَ رُشْدِهِ ( لَا ) يَحْلِفُ ( صَبِيٌّ ) عَامِلٌ بَالِغًا بِمَالٍ وَأَنْكَرَهُ وَشَهِدَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ شَاهِدٌ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ ( وَ ) لَا يَحْلِفُ ( أَبُوهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ الْمُعَامَلَةَ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ شَخْصٌ لِيَسْتَحِقَّ غَيْرَهُ إنْ لَمْ يُنْفِقْ لِوُجُودِ مَالِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ أَنْفَقَ ) الْأَبُ عَلَى الصَّبِيِّ لِفَقْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ ، وَقَيَّدَ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَلِ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ الْمُعَامَلَةَ ، فَإِنْ وَلِيَهَا أَحَدُهُمَا وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ .
( وَ ) إذَا لَمْ يَحْلِفْ الصَّبِيُّ وَلَا أَبُوهُ ( حَلَفَ ) شَخْصٌ ( مَطْلُوبٌ ) لِلصَّبِيِّ عَلَى بُطْلَانِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ الصَّبِيُّ ( لِيُتْرَكَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُدَّعَى بِهِ ( بِيَدِهِ ) أَيْ الْمَطْلُوبِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ ، فَإِنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ سُلِّمَ الْمَالُ لِلصَّبِيِّ لِثُبُوتِهِ لَهُ بِالشَّاهِدِ وَنُكُولِ الْمَطْلُوبِ ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا كَدَارٍ أَوْ غَيْرِهِ كَالْعَيْنِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ مَأْمُونًا أَوْ يُخْشَى فَقْرُهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ .
الْبُنَانِيُّ الَّذِي

لِابْنِ الْحَاجِبِ فَإِذَا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ فَفِي وَقْفِ الْمُعَيَّنِ قَوْلَانِ ، فَنَسَبَ فِي ضَيْح الْأَوَّلَ لِظَاهِرِ الْمَوَّازِيَّةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ ، وَالثَّانِي لِلْأَخَوَيْنِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ ، وَبَنَى الْمَازِرِيُّ الْخِلَافَ عَلَى الْخِلَافِ فِي إسْنَادِ الْحَقِّ إلَى الشَّاهِدِ فَقَطْ وَالْيَمِينُ كَالْعَاضِدِ ، فَيَحْسُنُ الْإِيقَافُ أَوْ إلَيْهِمَا مَعًا فَيَضْعُفُ الْإِيقَافُ ، وَذَكَرَ فِي الْبَيَانِ الْخِلَافَ فِي وَقْفِ الدَّيْنِ ثُمَّ قَالَ وَوَقْفُهُ صَحِيحٌ فِي الْقِيَاسِ ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ شَيْئًا مُعَيَّنًا لَوَجَبَ تَوْقِيفُهُ أَوْ بَيْعُهُ وَتَوْقِيفُ ثَمَنِهِ إنْ خَشِيَ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي لِابْنِ الْقَاسِمِ .
ا هـ .
فَظَاهِرُهُ أَنَّ وَقْفَ الْمُعَيَّنِ هُوَ الْمَذْهَبُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) إذَا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَتُرِكَ الْمَالُ بِيَدِهِ ( أُسْجِلَ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ ، أَيْ كُتِبَ مَا وَقَعَ فِي سِجِلِّ الْقَاضِي ( لِيَحْلِفَ ) الصَّبِيُّ يَمِينًا يُكَمِّلُ النِّصَابَ ( إذَا بَلَغَ ) الصَّبِيُّ وَيَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ الْمَطْلُوبِ ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ لِحَلِفِهِ أَوَّلًا كَمَا يَأْتِي .
وَشَبَّهَ فِي الْحَلِفِ فَقَالَ ( كَوَارِثِهِ ) أَيْ الصَّبِيِّ إنْ مَاتَ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْبُلُوغِ فَيَحْلِفُ الْوَارِثُ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ لِانْتِقَالِهِ لَهُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَلِفُ وَارِثِ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ أَوَّلًا مَعَ الشَّاهِدِ وَأَخَذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ .
الْبُنَانِيُّ اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ لَوْ حَلَفَ الْكَبِيرُ أَوَّلًا وَأَخَذَ مِقْدَارَ حَقِّهِ ثُمَّ وَرِثَ الصَّغِيرُ فَلَا يَأْخُذُ نَصِيبَهُ إلَّا بِيَمِينٍ ثَانِيَةٍ ، وَسَلَّمَهُ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ ، وَانْظُرْ كَيْفَ سَلَّمُوهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْيَمِينِ فِي مِثْلِ هَذَا ، إذْ سَأَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّيَ عَنْ وَرَثَةٍ كِبَارٍ وَابْنَةٍ صَغِيرَةٍ

فَأَثْبَتُوا لَهُ مِلْكًا بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَحَلَفَ الْكِبَارُ مَعَهُ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ لِنَصِيبِ الْبِنْتِ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ بُلُوغِهَا وَوَرِثَتْهَا أُمُّهَا فَلَا تَحْلِفُ ثَانِيَةً لِحَظِّهَا مِنْ بِنْتِهَا ، فَأَجَابَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا نَصُّهُ يَمِينُ الْمَرْأَةِ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ حَقٌّ لِيَسْتَحِقَّ بِهَا حَظَّهَا مِمَّا أَحَقَّتْهُ لِزَوْجِهَا مَعَ الشَّاهِدِ تُجْزِيهَا فِيمَا صَارَ إلَيْهَا مِنْ بِنْتِهَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ حَلَفَتْ عَلَى ذَلِكَ ، إذْ حَلَفَتْ عَلَى الْجَمِيعِ حِينَ لَمْ يَصِحَّ لَهَا أَنْ تُبَعِّضَ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ فَتَحْلِفَ عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ بِحَقٍّ فِي مِقْدَارِ حِصَّتِهَا ، فَتَكُونَ قَدْ أَكْذَبَتْهُ فِي شَهَادَتِهِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُسْمَعُ عِنْدِي فِيهِ اخْتِلَافٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهَا أَوَّلًا إلَّا قَدْرَ حَظِّهَا ، فَقَدْ حَلَفَتْ عَلَى الْجَمِيعِ ، فَإِذَا رَجَعَ الْحَقُّ إلَيْهَا فِيمَا تَسْتَحِقُّهُ بِيَمِينِهَا مِمَّا حَلَفَتْ عَلَيْهِ اكْتَفَتْ بِالْيَمِينِ الْأُولَى ، هَذَا الَّذِي يَأْتِي عَلَى مِنْهَاجِ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَقَدْ نَقَلَ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ بِتَمَامِهَا وَقَالَ فَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَطَعَ بِتَكْرِيرِ الْيَمِينِ ، وَقَطَعَ ابْنُ رُشْدٍ بِعَدَمِ تَكْرِيرِهَا وَاللَّائِقُ بِتَحْصِيلِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنْ لَا يُغْفَلَ فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِمُخَالَفَتِهَا مَا نُقِلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَإِنْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ ابْنَيْنِ بَالِغٍ وَصَبِيٍّ وَشَهِدَ لَهُ عَدْلٌ بِمَالٍ عِنْدَ مُنْكِرِهِ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ لِبَقَاءِ نَصِيبِ الصَّبِيِّ مِنْهُ بِيَدِهِ أَوْ إيقَافِهِ بِيَدِ عَدْلٍ وَمَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَوَرِثَ نَصِيبَهُ أَخُوهُ الْبَالِغُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى حَقِّيَّةَ مَا شَهِدَ الْعَدْلُ بِهِ وَيَأْخُذُ نَصِيبَ الصَّبِيِّ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ فِي كُلِّ حَالٍ .
( لَا أَنْ يَكُونَ ) الْبَالِغُ ( نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ عَلَى

حَقِّيَّةَ مَا شَهِدَ بِهِ الْعَدْلُ لِأَبِيهِمَا ( أَوَّلًا ) بِشَدِّ الْوَاوِ مُنَوَّنًا أَيْ حِينَ إقَامَةِ الدَّعْوَى وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ لَهُمَا ( فَفِي حَلِفِهِ ) أَيْ الْبَالِغِ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ وَأَخْذِ نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ مَا يُقَوِّي ظَنَّهُ بِحَقِّيَّةِ مَا شَهِدَ الْعَدْلُ بِهِ .
ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَوَّلًا وَأَخَذَ حِصَّتَهُ ثُمَّ وَرِثَ الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ حِصَّتَهُ إلَّا بِيَمِينٍ ثَانِيَةٍ وَعَدَمُ حَلِفِهِ لِنُكُولِهِ أَوَّلًا قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ ( قَوْلَانِ ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا .
الْمَازِرِيُّ وَلَا نَصَّ فِيهَا لِلْمُتَقَدِّمِينَ ، وَلِذَا عِيبَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ كَانَ وَارِثُ الصَّغِيرِ مَعَهُ أَوَّلًا وَكَانَ قَدْ نَكَلَ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَنْهَا .

وَإِنْ نَكَلَ اكْتَفَى بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ الْأُولَى .
( وَإِنْ نَكَلَ ) الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى حَقِّيَّةِ مَا شَهِدَ الشَّاهِدُ بِهِ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَبِيًّا وَكَانَ الْمَطْلُوبُ حَلَفَ أَوَّلًا ( اُكْتُفِيَ ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ ، أَيْ اُجْتُزِئَ ( بِيَمِينِ ) الشَّخْصِ ( الْمَطْلُوبِ الْأُولَى ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ ، أَيْ الَّتِي حَلَفَهَا حِينَ إقَامَةِ الدَّعْوَى وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ " غ " لَا إشْكَالَ أَنَّ فَاعِلَ نَكَلَ ضَمِيرُ الصَّبِيِّ أَوْ وَارِثِهِ ، وَأَمَّا نُكُولُ الْمَطْلُوبِ فَقَدْ أَغْفَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إذْ قَالَ فَإِنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ فَفِي أَخْذِهِ مِنْهُ تَمْلِيكًا أَوْ وَقْفًا قَوْلَانِ .

وَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلَا ضَمَّ ، وَفِي حَلِفِهِ مَعَهُ وَتَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ قَوْلَانِ .
( وَإِنْ ) ادَّعَى شَخْصٌ بِمَالٍ عَلَى مُنْكِرِهِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْحَلِفِ مَعَهُ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَ ( حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَتَى ) الطَّالِبُ ( بِ ) شَاهِدٍ ( آخَرَ ) يَشْهَدُ لَهُ كَالْأَوَّلِ ( فَلَا ضَمَّ ) أَيْ لَا تُضَمُّ شَهَادَةُ الثَّانِي لِشَهَادَةِ الْأَوَّلِ لِبُطْلَانِهَا بِنُكُولِ الطَّالِبِ ، وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ( وَفِي حَلِفِهِ ) أَيْ الطَّالِبِ ( مَعَهُ ) أَيْ الشَّاهِدِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَوَّلِ صَارَتْ كَالْعَدَمِ بِنُكُولِهِ وَحَلِفُ الْمَطْلُوبِ وَعَدَمُ حَلِفِهِ مَعَهُ لِتَرْكِهِ حَقَّهُ بِنُكُولِهِ مَعَ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ قَوْلَانِ ( وَ ) عَلَى الْقَوْلِ بِحَلِفِهِ مَعَهُ فَفِي ( تَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ ) لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الثَّانِي ( إنْ لَمْ يَحْلِفْ ) الطَّالِبُ مَعَهُ بِأَنْ نَكَلَ ثَانِيًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْ يَمِينِهِ إلَّا رَدَّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ، فَإِنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ أَخَذَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَدَمُ تَحْلِيفِهِ ثَانِيًا وَسُقُوطُ الْحَقِّ عَنْهُ اكْتِفَاءً بِحَقِّهِ أَوَّلًا قَالَهُ ابْنُ مُيَسِّرٍ ( قَوْلَانِ ) حُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ .

وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ : كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ عَلَى بَنِيهِ وَعَقِبِهِمْ ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ : حَلَفَ ، وَإِلَّا فَحُبِسَ .

( فَإِنْ ) شَهِدَ عَدْلٌ بِحَقٍّ لِأَشْخَاصٍ ( وَتَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ ) مِنْهُمْ أَوْ الْجَمِيعِ فَالْأَوَّلُ ( كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ ) لِدَارٍ مَثَلًا ( عَلَى بَنِيهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ ( وَ ) عَلَى ( عَقِبِهِمْ ) فَالْيَمِينُ مُمْكِنَةٌ مِنْ بَعْضِ الشُّهُودِ لَهُمْ وَهُمْ الْبَنُونَ الْمَوْجُودُونَ وَقْتَ الشَّهَادَةِ وَمُتَعَذِّرَةٌ فِي الْحَالِ مِنْ الْعَقِبِ .
وَالثَّانِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) شَاهِدٍ بِوَقْفٍ ( عَلَى الْفُقَرَاءِ ) فَالْيَمِينُ مُتَعَذِّرٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ ، وَأَشَارَ لِحُكْمِ الْقِسْمَيْنِ بِقَوْلِهِ ( حَلَفَ ) الْمَطْلُوبُ بِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَبَقِيَ الْمُدَّعَى مِلْكًا لَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ بِأَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ ( فَ ) الْمَشْهُودُ بِهِ ( حَبْسٌ ) عَلَى بَنِيهِ وَعَقِبِهِمْ أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَنُكُولِ الْمَطْلُوبِ .
" غ " أَمَّا الْبَنُونَ وَعَقِبُهُمْ فَإِنَّمَا تَعَذَّرَتْ الْيَمِينُ مِنْ بَعْضِهِمْ كَمَا قَالَ ، وَأَمَّا الْفُقَرَاءُ وَنَحْوُهُمْ فَالْيَمِينُ فِي حَقِّهِمْ مُمْتَنِعَةٌ غَيْرُ مَرْجُوَّةِ الْإِمْكَانِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَوْعِ تَجَوُّزٍ ، وَفَاعِلُ حَلَفَ ضَمِيرُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، أَيْ حَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِ الْيَمِينِ مِنْ بَعْضِ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ كُلِّهِ ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَبْسُ فِي الْفَرْعَيْنِ ، هَذَا أَقْرَبُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ لَفْظُهُ ، وَمَنْ قَالَ حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ فِي الْأَوَّلِ وَالْمَطْلُوبُ فِي الثَّانِي فَيَحْتَاجُ إلَى وَحْيٍ يُسْفِرُ عَنْ ذَلِكَ ، وَيَتَّضِحُ مُرَادُهُ هُنَا بِالْوُقُوفِ عَلَى مَا سَلَخَ فِي تَوْضِيحِهِ مِمَّا فِي الْجَوَاهِرِ مِمَّا أَصْلُهُ لِلْمَازِرِيِّ ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : لِمَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ وَهْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مَعَ الشَّاهِدِ ثَبَتَ الْحَبْسُ لِلْجَمِيعِ .
الثَّانِي : لِمَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ رَضِيَ اللَّهُ

تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ جُلُّهُمْ ثَبَتَ الْجَمِيعُ .
الثَّالِثُ : قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا امْتِنَاعُ الْيَمِينِ مَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ كَمَا إذَا شَهِدَ الْوَاحِدُ عَلَى وَقْفِ الْفُقَرَاءِ وَالْحُكْمُ فِي وَقْفِ الْفَقْرِ عَلَى مَا نَصَّ أَنْ يَحْلِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَ الْحَبْسُ .
الرَّابِعُ : لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَرَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ ثَبَتَ نَصِيبُهُ وَمَنْ لَا فَلَا ، كَشَاهِدٍ شَهِدَ الْحَاضِرُ وَغَائِبٍ أَوْ حُمِّلَ ا هـ .
فَأَنْتَ تَرَاهُ سَوَّى فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ بَيْنَ هَذَا الْفَرْعِ الْأَوَّلِ وَالْفَرْعِ الثَّانِي الْمُتَّفَقِ عَلَى نَفْيِ الْيَمِينِ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُمْ ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ حَتَّى سَاوَى بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي رُجُوعِ الْيَمِينِ لِجِهَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَ الْحَبْسُ اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ اللَّخْمِيِّ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي ، فَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ ، وَحَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا خَبْطُ عَشْوَاءٍ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) الَّذِي فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِحَبْسٍ فِي السَّبِيلِ أَوْ وَصِيَّةٍ فِيهِ أَوْ لِلْيَتَامَى أَوْ مَنْ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ سَاقِطَةٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ الْحَلِفُ مَعَهُ وَلِيَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ ، وَلَمَّا عَلَّلَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ الْحَقَّ لِمَجْمُوعٍ يَتَعَذَّرُ حُصُولُهُ وَالْوَاحِدُ مِنْهُ لَا يَتَقَرَّرُ حَقُّهُ فِيهِ إلَّا بِإِحْصَاءِ الْمَجْمُوعِ ، قَالَ وَيَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَلَى إبْطَالِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ كَالشَّاهِدِ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ عَدَمُ حَلِفِهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ طَالِبِهِ ، وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ حَلِفَهُ كَالْمَازِرِيِّ قَائِلًا إنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ طفى وَبِهَذَا تُعْلَمُ مُعَارَضَةُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِمَا ذَكَرَهُ آخِرَ الْهِبَةِ أَنَّ

الصَّدَقَةَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، وَمِثْلُهَا الْحَبْسُ لَا يُقْضَى بِهِ ، إذْ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ فَرْعُ الْقَضَاءِ وَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَوْلُ عج وَمَنْ تَبِعَهُ كَلَامُهُ هُنَا فِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَقْفُ لَا فِي الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلثُّبُوتِ إلَّا الْقَضَاءُ .
قُلْت قَدْ يُقَالُ فِي دَفْعِهَا مَا تَقَدَّمَ مَحَلُّهُ فِي الدَّعْوَى عَلَى الْمَالِكِ لِشَيْءٍ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ حَبَسَهُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ ، وَمَا هُنَا فِي شَيْءِ حَائِزٍ يَدَّعِي مِلْكَهُ فَيُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ بِإِثْبَاتِ وَقْفِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيُقْضَى بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَإِنْ مَاتَ فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِينَ أَوْ الْبَطْنِ الثَّانِي : تَرَدُّدٌ ، وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ : ثَبَتَ عِنْدِي ، إلَّا بِإِشْهَادٍ مِنْهُ .
كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي ، أَوْ رَآهُ يُؤَدِّيهَا ، إنْ غَابَ الْأَصْلُ ، وَهُوَ رَجُلٌ بِمَكَانٍ ، لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ مِنْهُ ، وَلَا يَكْفِي فِي الْحُدُودِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ أَوْ مَاتَ أَوْ مَرِضَ

( وَ ) إنْ شَهِدَ الْعَدْلُ بِوَقْفٍ عَلَى بَنِيهِ وَعَقِبِهِمْ فَحَلَفَ بَعْضُ الْبَنِينَ وَنَكَلَ بَعْضُهُمْ اسْتَحَقَّ الْحَالِفُ نَصِيبَهُ ( فَإِنْ مَاتَ ) الْحَالِفُ وَبَقِيَ إخْوَتُهُ النَّاكِلُونَ ( فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّهِ ) أَيْ نَصِيبِ الْحَالِفِ الَّذِي حَلَفَ الْحَالِفُ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ مَنْ نَكَلَ ( مِنْ بَقِيَّةِ ) الْبَطْنِ ( الْأَوَّلِينَ ) دُونَ أَهْلِ الْبَطْنِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُمْ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى نَصِيبِهِمْ لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ نَصِيبِ الْحَالِفِ الَّذِي مَاتَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَأْخِيرِ الصَّغِيرِ إذَا نَكَلَ أَخُوهُ الْكَبِيرُ ثُمَّ مَاتَ الصَّغِيرُ ( أَوْ ) يَسْتَحِقُّهُ ( الْبَطْنُ الثَّانِي ) لِبُطْلَانِ حَقِّ بَقِيَّةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بِنُكُولِهِمْ ، وَالْبَطْنُ الثَّانِي إنَّمَا تَلَقَّوْهُ عَنْ جَدِّهِمْ الْمُحْبِسِ ( تَرَدُّدٌ ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ لَوْ حَلَفَ وَاحِدٌ فَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ وَنَكَلَ الْآخَرُ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ ثُمَّ مَاتَ الْحَالِفُ وَحْدَهُ وَبَقِيَ إخْوَتُهُ النَّاكِلُونَ فَقِيلَ نُكُولُهُمْ كَمَوْتِهِمْ ، فَيَصِيرُ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ قَدْ مَاتُوا أَحَدُهُمْ حَقِيقَةً وَسَائِرُهُمْ حُكْمًا بِنُكُولِهِمْ ، فَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِلْبَطْنِ الثَّانِي ، وَهَذَا عِنْدِي يَجْرِي عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا ، وَهُوَ أَنَّ نُكُولَ مَنْ نَكَلَ لَا يُبْطِلُ حَقَّ مِنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي ، وَأَمَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي فَلَا يَرْجِعُ حَظُّ النَّاكِلِ إلَى أَهْلِ الْبَطْنِ الثَّانِي وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُحْبِسَ إنْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْبَطْنُ الثَّانِي شَيْئًا إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَمَوْتِ جَمِيعِهِمْ فَلَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي شَيْئًا مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ النَّاكِلِينَ حَيًّا ، وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ .
( وَلَمْ ) الْأَوْلَى لَا ( يَشْهَدْ ) شَاهِدٌ عَلَى حُكْمِ ( حَاكِمٍ

قَالَ ) الْحَاكِمُ ( ثَبَتَ عِنْدِي ) لِزَيْدٍ مَثَلًا كَذَا ، أَوْ حَكَمْت لَهُ بِهِ إلَّا بِإِشْهَادٍ مِنْ الْحَاكِمِ لِلشَّاهِدِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اشْهَدْ عَلَيَّ بِهِ ، نَقَلَ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ الْمُفِيدِ عَنْ مُطَرِّفٍ .
الْمَازِرِيُّ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ مَنْعُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ خَوْفَ كَوْنِهِ غَيْرَ عَدْلٍ ، فَيَقُولُ عَلِمْت فِيمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْبَيِّنَةَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَابْنُ الْجَلَّابِ ، وَرَأَى الْمَازِرِيُّ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا لَيْسَ حُكْمًا مِنْهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ، فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْحُكْمِ وَأَلَّفَ فِيهِ جُزْءًا ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَبَحَثَ فِيهِ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَعَارَضَهُ بِمَا لَهُ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ ، فَقِفْ عَلَى الْفَرْعَيْنِ فِي أَقْضِيَتِهِ قَالَهُ " غ " .
طفى ظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْجَلَّابِ وَابْنِ الْقَصَّارِ فِي فَرْضِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إذْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْقَاضِي فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَلَوْ سَمَّى الْبَيِّنَةَ ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ ، إذْ أَصْلُ النَّقْلِ كَذَلِكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِشْهَادِ ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ تَسْمِيَةُ الْبَيِّنَةِ ، وَلِذَا أَطْلَقَ مُطَرِّفٌ هَذَا الْفَرْعَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَكَلَامُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَابْنِ الْجَلَّابِ فِي قَوْلِ الْقَاضِي نَفْسِهِ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا لَا بُدَّ فِي قَبُولِهِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ ، وَبِنَقْلِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ يَتَّضِحُ لَك الْمُرَادُ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ حَكَمَ عَلَى الْخَصْمِ بِإِقْرَارِهِ الْمُسْتَمِرِّ حَتَّى حَكَم عَلَيْهِ ثُمَّ أَنْكَرَ بَعْدَ حُكْمِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ مَا كُنْت أَقْرَرْت بِشَيْءٍ فَلَا يُنْظَرُ إلَى إنْكَارِهِ هَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ إنْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَيْءٍ وَأَنْكَرَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ

فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْحَاكِمِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهُوَ أَشْبَهُ فِي قُضَاةِ الْيَوْمِ لِضَعْفِ عَدَالَتِهِمْ .
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا جَاءَ كِتَابٌ مِنْ قَاضٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا بِشَهَادَةِ شُهُودٍ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى طَابَعِ الْقَاضِي وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ ، وَزَادَ أَشْهَبُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ خَتْمِهِ .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا يَجُوزُ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ أَشْهَدَهُمَا بِمَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَاتَمُهُ .
ابْنُ فَرْحُونٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَالِمًا بِعَدَالَةِ شَاهِدَيْ الْكِتَابِ وَلَا يَكْفِي تَعْدِيلُهُمَا فِيهِ .
وَشَبَّهَ فِي الِاشْتِرَاطِ فَقَالَ ( كَ ) قَوْلِ الشَّاهِدِ الْأَصْلِيِّ لِلشَّاهِدِ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْهُ شَهَادَتَهُ ( اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي ) ابْنُ عَرَفَةَ النَّقْلُ عُرْفًا إخْبَارُ الشَّاهِدِ عَنْ سَمَاعِهِ شَهَادَةَ غَيْرِهِ أَوْ سَمَاعِهِ إيَّاهُ لِقَاضٍ ، فَيَدْخُلُ نَقْلُ النَّقْلِ ، وَيَخْرُجُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ لِغَيْرِ قَاضٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ سَمِعْته يَقُولُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ وَلَمْ يُشْهِدْك فَاشْهَدْ بِمَا سَمِعْت إنْ كُنْت سَمِعْته يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِلْحُكْمِ بِهَا وَإِلَّا فَلَا حَتَّى يُشْهِدَك ، إذْ لَعَلَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّك تَنْقُلُهَا عَنْهُ لَزَادَ أَوْ نَقَصَ مَا يَنْقُضُهَا .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَلَاءِ وَكُلِّ شَيْءٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالنَّقْلُ عَنْ الْأَصْلِ شَيْءٌ ، فَظَاهِرُ عُمُومِ الرِّوَايَاتِ وَإِطْلَاقُهَا صِحَّةُ نَقْلِ النَّقْلِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِيهِ ، فَإِنْ قَالَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ لِلنَّاقِلِ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَوْ اُنْقُلْهَا عَنِّي صَحَّ نَقْلُهُ اتِّفَاقًا .
الْبَاجِيَّ مَنْ سَمِعَ شَاهِدًا قَبَضَ شَهَادَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ نَقْلُهَا عَنْهُ حَتَّى يُشْهِدَهُ

عَلَيْهَا .
ابْنُ الْحَاجِبِ شَرْطُهَا أَنْ يَقُولَ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْ شَرْطُ قَبُولِهَا أَوْ تَحَمُّلِهَا ا هـ ( أَوْ رَآهُ ) أَيْ الشَّاهِدُ النَّاقِلُ الشَّاهِدَ الْمَنْقُولَ عَنْهُ ( يُؤَدِّيهَا ) أَيْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ الشَّهَادَةَ عِنْدَ حَاكِمٍ لِلْحُكْمِ بِهَا فَيَجُوزُ لَهُ نَقْلُهَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَجُوزُ لَهُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي .
ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ .
وَيَصِحُّ نَقْلُ الشَّهَادَةِ ( إنْ غَابَ الْأَصْلُ ) أَيْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ ، فَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ حَاضِرًا قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهَا رِيبَةٌ لَوْ حَضَرَتْ تَثْبُتُ فِيهِ وَلِأَنَّ خَوْفَ سَهْوِ أَوْ غَلَطِ أَوْ كَذِبِ الْأَصْلِ أَخَفُّ مِنْ خَوْفِهِ مِنْ النَّاقِلِ ( وَ ) الْحَالُ ( هُوَ ) أَيْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ ( رَجُلٌ ) فَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ امْرَأَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ النَّقْلِ عَنْهَا غَيْبَتُهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ يَنْقُلُ عَنْ النِّسَاءِ وَإِنْ حَضَرْنَ وَهُوَ الشَّأْنُ ، رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ ، قَالَ لَمْ أَرَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةً قَطُّ أَدَّتْ الشَّهَادَةَ بِنَفْسِهَا ، وَلَكِنْ تُحْمَلُ عَنْهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّقْلِ عَنْهَا غَيْبَتُهَا .
الْبَاجِيَّ لِمَا أُمِرَ النِّسَاءُ بِهِ مِنْ السَّتْرِ وَالْبُعْدِ عَنْ الرِّجَالِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يَلْزَمُ الْمُخَدَّرَةَ حُضُورُ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لِلْمُحَاكَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَبْتَذِلُ بِكَثْرَةِ التَّصَرُّفِ وَلَا تَخْرُجُ إلَّا لِزِيَارَةٍ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالْأَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ يُخْشَى مِنْ خُرُوجِهَا مَفْسَدَةٌ وَمَنْ لَا وَيُشْتَرَطُ غَيْبَةُ الْأَصْلِ ( بِمَكَانٍ ) بَعِيدٍ ( لَا يَلْزَمُ ) الْأَصْلَ ( الْأَدَاءُ ) لِلشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي الْخُصُومَةُ عِنْدَهُ ( مِنْهُ وَ ) لَكِنْ ( لَا يَكْفِي ) فِي صِحَّةِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ

( فِي ) مُوجِبِ جِنْسِ ( الْحُدُودِ ) كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَالْقَذْفِ ( الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ ) أَيْ غَيْبَةُ الشَّاهِدِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ مَسَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ، وَعَلَيْهِ إذَا كَانَ الشَّاهِدَانِ بِمُوجِبِ الْحَدِّ عَلَى يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَرْفَعَانِ شَهَادَتَهُمَا إلَى مَنْ يُخَاطِبُ الْقَاضِيَ الَّذِي يُرَادُ نَقْلُ الشَّهَادَةِ إلَيْهِ .
ابْنُ عَاشِرٍ اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يَكْتَفِ فِي غَيْبَةِ الْيَوْمَيْنِ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ ، وَاكْتَفَى فِيهَا بِخِطَابِ الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ ، وَلَعَلَّهُ ؛ لِأَنَّهُ خِطَابُ الْمَشْهُودِ عَنْهُ أَوْثَقُ مِنْ النَّقْلِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ تَكْفِي مَسَافَةُ الْيَوْمَيْنِ فِي الْحُدُودِ أَيْضًا .
وَعَطَفَ عَلَى غَابَ فَقَالَ ( أَوْ ) إنْ ( مَاتَ ) الْأَصْلُ بِالْأُولَى ( أَوْ ) إنْ ( مَرِضَ ) الْأَصْلُ مَرَضًا يَشُقُّ مَعَهُ حُضُورُهُ إلَى الْقَاضِي .
ابْنُ الْمَوَّازِ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَإِنَّمَا يُنْقَلُ عَنْ مَرِيضٍ أَوْ غَائِبٍ وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ عَنْ الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ أَرَادَ إلَّا النِّسَاءَ ، فَيَجُوزُ النَّقْلُ عَنْهُنَّ مَعَ حُضُورِهِنَّ وَصِحَّتِهِنَّ لِضَرُورَةِ الْكَشَفَةِ .
وَأَمَّا فِي الْحُدُودِ فَلَا يُنْقَلُ عَنْ الْبَيِّنَةِ إلَّا فِي غَيْبَةٍ بَعِيدَةٍ ، فَأَمَّا الْيَوْمَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَلَا ، وَأَمَّا غَيْرُ الْحُدُودِ فَجَائِزٌ فِي مِثْلِ هَذَا .

وَلَمْ يَطْرَأْ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ بِخِلَافِ جِنٍّ .
وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَصْلُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ ، وَإِلَّا مَضَى بِلَا غُرْمٍ .

وَ ) إنْ لَمْ ( يَطْرَأْ ) أَيْ يَتَجَدَّدْ لِلْأَصْلِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ ( فِسْقٌ ) خَفِيٌّ كَسَرِقَةٍ وَزِنًا ، أَوْ ظَاهِرٌ كَقَتْلٍ وَحِرَابَةٍ ( أَوْ عَدَاوَةٌ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ شَهَادَةِ النَّقْلِ ، فَإِنْ طَرَأَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا قَبْلَهُ بَطَلَتْ شَهَادَةُ النَّقْلِ ( بِخِلَافِ ) طُرُوُّ ( جِنٍّ ) أَيْ جُنُونٍ لِلْمَنْقُولِ عَنْهُ قَبْلَهُ فَلَا يُبْطِلُهَا ( وَ ) إنْ ( لَمْ يُكَذِّبْهُ ) أَيْ النَّاقِلُ ( أَصْلُهُ ) أَيْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ ( قَبْلَ الْحُكْمِ ) بِشَهَادَةِ النَّقْلِ بِأَنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ أَصْلًا أَوْ كَذَّبَهُ بَعْدَهُ ، كَمَا يَأْتِي ، فَإِنْ كَذَّبَهُ قَبْلَهُ بِأَنْ قَالَ لَمْ أُشْهِدْهُ عَلَى شَهَادَتِي وَلَمْ يَسْمَعْنِي أُؤَدِّيهَا عِنْدَ حَاكِمٍ لِيَحْكُمَ بِهَا أَوْ قَالَ لَا شَهَادَةَ لِي فِي ذَلِكَ بَطَلَ النَّقْلُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ كَذَّبَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ النَّاقِلَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ ( مَضَى ) الْحُكْمُ وَنَفَذَ الْمَحْكُومُ بِهِ ( بِلَا غُرْمٍ ) عَلَى الشُّهُودِ النَّاقِلِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ بِكَذِبِهِمْ وَالْحُكْمُ صَدَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلَا يُنْقَضُ ، وَكَذَا طُرُوُّ فِسْقِ الْأَصْلِ أَوْ عَدَاوَتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ .
فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي شَاهِدَيْنِ نَقَلَا شَهَادَةَ رَجُلٍ ثُمَّ قَدِمَ فَأَنْكَرَ إشْهَادَهُمَا أَوْ كَوْنَهُ عَلِمَ ذَلِكَ وَقَدْ حَكَمَ بِهَا ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُفْسَخُ ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى يَمْضِي وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا وَلَا يُقْبَلُ تَكْذِيبُهُ لَهُمَا .
ابْنُ يُونُسَ هَذَا أَصْوَبُ ، قَالَ وَلَوْ قَدَّمَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَقَالَ ذَلِكَ سَقَطَتْ الشَّهَادَةُ .
ابْنُ يُونُسَ كَالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ .
ابْنُ شَاسٍ إنْ طَرَأَ عَلَى الْأَصْلِ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ أَوْ رِدَّةٌ امْتَنَعَتْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ .
الْمَازِرِيُّ حُدُوثُ فِسْقِ الْأَصْلِ بَعْدَ سَمَاعِ النَّقْلِ عَنْهُ وَقَبْلَ أَدَائِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ ، وَأَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْفِسْقَ إنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى وَيُكْتَمُ كَالزِّنَا أَشْعَرَ بِسَابِقِ

مُقَدِّمَاتٍ تَمْنَعُ الْعَدَالَةَ ، وَإِنْ كَانَ يُجَاهَرُ بِهِ كَالْقَتْلِ لَمْ يُشْعِرْ بِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ .
قَالَ وَإِنْ انْتَقَلَ مَنْ طَرَأَ فِسْقُهُ لِعَدَالَةٍ فَفِي صِحَّةِ النَّقْلِ عَنْهُ بِالسَّمَاعِ الْأَوَّلِ مِنْهُ أَوْ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ بَعْدَ انْتِقَالِهِ خِلَافٌ بَيْنَ النَّاسِ .

وَنَقَلَ عَنْ كُلٍّ : اثْنَانِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا .
( وَ ) إنْ ( نَقَلَ عَنْ كُلٍّ ) مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَصْلَيْنِ أَوْ الشُّهُودِ الْأُصُولِ ( اثْنَانِ ) يَنْقُلَانِ عَنْ أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ ثُمَّ يَنْقُلَانِ عَنْ الْأَصْلِ الْآخَرِ .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ الْآخَرِ ( لَيْسَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ النَّاقِلَيْنِ ( أَصْلًا ) فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا كَانَ نَقْلُ أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ مَعَ ثَالِثٍ غَيْرُ أَصْلٍ عَنْ الْأَصْلِ الْآخَرِ ، فَلَا يَصِحُّ .
ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ نَقْلِ غَيْرِ الزِّنَا اثْنَانِ وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي أَصْلٍ آخَرَ فِيهَا ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى عَدَدٍ كَثِيرٍ وَلَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ فِي الْحُقُوقِ عَنْ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ وَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ فِي مَالٍ ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَالنَّقْلُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلَوْ أُجِيزَ ذَلِكَ فَلَا يَصِلُ إلَى قَبْضِ الْمَالِ إلَّا بِيَمِينَيْنِ ، وَإِنَّمَا { قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَالِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَاحِدَةٍ } .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا وَثَالِثٌ عَلَى شَهَادَةِ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ وَاحِدًا أَحْيَا شَهَادَتَهُمَا .
ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا شَهِدَ رَجُلٌ فِي حَقٍّ عَلَى عِلْمِهِ وَشَهِدَ هُوَ وَآخَرُ يَنْقُلَانِ عَنْ رَجُلٍ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ وَاحِدًا أَحْيَا الشَّهَادَةَ .
فِي الْعُتْبِيَّةِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى عِلْمِ نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ عَنْ الْآخَرِ .

وَفِي الزِّنَا : أَرْبَعَةٌ عَنْ كُلٍّ ، أَوْ عَنْ كُلٍّ اثْنَيْنِ : اثْنَانِ .
وَلُفِّقَ نَقْلٌ بِأَصْلٍ

( وَ ) إنْ نَقَلَ ( فِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ ) وَاحِدَةً ( عَنْ كُلٍّ ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأُصُولِ ( أَوْ ) يَنْقُلُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا لَكِنْ ( عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ ) أَصْلَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأُصُولِ ( اثْنَانِ ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْفُرُوعِ ، وَأَوْلَى نَقْلُ سِتَّةَ عَشَرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ .
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ النَّقْلُ إلَّا هَكَذَا ، وَلَوْ نَقَلَ اثْنَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَاثْنَانِ عَنْ الرَّابِعِ فَلَا تَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْفَرْعِ إلَّا حَيْثُ تَصِحُّ شَهَادَةُ الْأَصْلِ لَوْ حَضَرَ وَالرَّابِعُ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ اثْنَانِ لَوْ حَضَرَ مَا صَحَّتْ شَهَادَتُهُ مَعَ الِاثْنَيْنِ النَّاقِلَيْنِ عَنْ الثَّلَاثَةِ لِنَقْصِ الْعَدَدِ وَلِأَنَّ عَدَدَ الْفَرْعِ نَاقِصٌ عَنْ عَدَدِ الْأَصْلِ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ الثَّلَاثَةِ اثْنَانِ فَقَطْ وَالْفَرْعُ لَا يَنْقُصُ عَنْ أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَنَائِبٌ عَنْهُ هَذَا عَلَى مَا لِلْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَلِابْنِ عَرَفَةَ خِلَافُهُ ، وَنَصُّهُ وَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ تَجُوزُ ثَلَاثَةٌ عَنْ ثَلَاثَةٍ فِي الزِّنَا وَاثْنَانِ عَنْ وَاحِدٍ ، ثُمَّ قَالَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي السَّمَاعِ تَجُوزُ ثَلَاثَةٌ إلَخْ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى سُؤَالِ سَائِلٍ ، لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِهِ اثْنَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَاثْنَانِ عَنْ وَاحِدٍ ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْجَوَازَ فِي هَذَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ ا هـ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ ، وَنَقَلْت نَصَّ ابْنِ عَرَفَةَ بِتَمَامِهِ فِي حَاشِيَتِي عَلَى شَرْحِ شَيْخِ مَشَايِخِي سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ عَلَى مَجْمُوعِهِ .
وَلُفِّقَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( نَقْلٌ بِأَصْلٍ ) فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ فَفِيهِ كَاثْنَيْنِ عَلَى رُؤْيَتِهِ وَاثْنَيْنِ نَاقِلَيْنِ عَنْ اثْنَيْنِ بِرُؤْيَتِهِ ، وَكَثَلَاثَةٍ بِرُؤْيَتِهِ ، وَاثْنَيْنِ عَنْ أَصْلٍ بِهَا ، وَفِي غَيْرِهِ كَاثْنَيْنِ نَاقِلَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ وَوَاحِدٌ أَصْلٌ .
ابْنُ

عَرَفَةَ وَتَتِمُّ الشَّهَادَةُ بِبَعْضِ الْأَصْلِ وَالنَّقْلِ عَنْ بَاقِيهِ بِشَرْطِ عَدَدِهِ عِنْدَ قَائِلِيهِ .
الشَّيْخُ لِمُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى رُؤْيَةِ نَفْسِهِ وَثَلَاثَةٌ عَلَى شَهَادَةِ ثَلَاثَةٍ ، فَذَلِكَ تَامٌّ ، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ حَتَّى يَكُونَ عَدَدُ الشُّهُودِ أَرْبَعَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَاثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ وَأَمَّا وَاحِدٌ عَلَى رُؤْيَتِهِ وَاثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ، وَحُدَّ شَاهِدُ الرُّؤْيَةِ لِلْقَذْفِ وَشَاهِدُ النَّقْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِمَا أَنَّهُ زَانٍ إنَّمَا قَالَا أَشْهَدَانَا عَلَى شَهَادَتِهِمْ أَنَّ فُلَانًا زَانٍ رَأَيْنَاهُ وَفُلَانًا ، فَلَا يُحَدَّانِ ، وَإِنْ قَدِمَ الثَّلَاثَةُ حُدُّوا إلَّا أَنْ يَثْبُتُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ حِينَ قَدِمُوا ، وَيَشْهَدُوا بِهَا فَيُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ .
مُحَمَّدٌ هَذَا إنْ تَأَخَّرَ ضَرْبُ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ حَتَّى قَدِمَ هَؤُلَاءِ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ وَقَدِمَ اثْنَانِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ غَيْرُ وَاحِدٍ فَشَهِدَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ ، وَرَوَى مُطَرِّفٌ إنْ حَضَرَ ثَلَاثَةٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَغَابَ الرَّابِعُ أَوْ مَاتَ فَلَا تَتِمُّ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ يَنْقُلُونَ عَنْهُ .

وَجَازَ تَزْكِيَةُ نَاقِلٍ أَصْلِهِ وَنَقْلُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي بَابِ شَهَادَتِهِنَّ
( وَجَازَ تَزْكِيَةُ ) شَاهِدٍ ( نَاقِلٍ ) شَهَادَةَ غَيْرِهِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ قَوْلُهُ ( أَصْلَهُ ) أَيْ الْمَنْقُولَ عَنْهُ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهَا وَلَا تَجُوزُ تَزْكِيَةُ الْأَصْلِ النَّاقِلِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ مَشَقَّةَ التَّأْدِيَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَ النَّقْلُ عَنْ الشَّاهِدِ تَعْدِيلًا لَهُ حَتَّى يُعَدِّلَهُ النَّاقِلُونَ أَوْ يَعْرِفَهُ الْقَاضِي بِعَدَالَةٍ أَشْهَبَ ، وَإِلَّا طَلَبَ مِنْهُ مَنْ يُزَكِّيه .
( وَ ) جَازَ ( نَقْلُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ ) نَاقِلٍ عَنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ ( فِي بَابِ شَهَادَتِهِنَّ ) أَيْ النِّسَاءِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ مِمَّا تَعَلَّقَ بِعَوْرَةِ النِّسَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْوَكَالَةُ عَلَيْهَا وَهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ كَرَجُلٍ ، فَلَا يَنْقُلْنَ إلَّا مَعَ رَجُلٍ نَقَلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَقَالَهُ أَشْهَبُ ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ عَلَى شَهَادَةٍ وَلَا عَلَى وَكَالَةٍ فِي مَالٍ .
سَحْنُونٌ وَهَذَا أَعْدَلُ .
عِيَاضٌ أَرَادَ أَنَّ أَشْهَبَ وَافَقَهُ فِي نَقْلِهِنَّ فَقَطْ لَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ .

وَإِلَّا قَالَا وَهِمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا : سَقَطَتَا
( وَإِنْ ) شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا بِمَالٍ ثُمَّ ( قَالَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِمُقْتَضَاهَا ( وَهِمْنَا ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ، أَيْ غَلِطْنَا فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ زَيْدٌ مَثَلًا ( بَلْ ) إنَّمَا نَشْهَدُ عَلَى عَمْرٍو وَ ( هُوَ هَذَا : سَقَطَتَا ) أَيْ الشَّهَادَتَانِ مَعًا الْأُولَى لِاعْتِرَافِهِمَا بِالْغَلَطِ فِيهَا ، وَالثَّانِيَةُ لِإِخْرَاجِهِمَا أَنْفُسَهُمَا مِنْ الْعَدَالَةِ لِإِقْرَارِهِمَا بِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِدُونِ يَقِينٍ ، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ ، وَقَالَهُ هُوَ وَأَشْهَبُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ قَالَا قَبْلَ الْقَطْعِ وَهِمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا الْآخَرُ فَلَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
أَبُو الْحَسَنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُمَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُمَا قَدْ كَانَا بَرَّآهُ حِينَ شَهِدَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْحُكْمِ وَقَبْلَ إنْفَاذِهِ .
وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ إذَا قَالَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَهِمْنَا لَمْ يُقْبَلَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ ، قَالَا وَلَوْ قَالَا فِي آخَرَ عَلَى هَذَا شَهِدْنَا وَوَهِمْنَا فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُقْبَلَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ .
أَشْهَبُ كَانَ ذَلِكَ فِي حَقٍّ أَوْ قَتْلٍ أَوْ سَرِقَةٍ لِإِخْرَاجِهِمَا أَنْفُسَهُمَا عَنْ الْعَدَالَةِ بِإِقْرَارِهِمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الْوَهْمِ وَالشَّكِّ .

وَنُقِضَ ، إنْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ : كَحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ ، أَوْ جَبِّهِ قَبْلَ الزِّنَا

( وَ ) إنْ شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى شَخْصٍ بِقَتْلٍ آخَرَ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ عَمْدًا عُدْوَانًا أَوْ أَرْبَعَةٌ عَنْ مُحْصَنٍ بِالزِّنَا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقِصَاصِ مِنْ الْأَوَّلِ وَرَجْمِ الثَّانِي ( نُقِضَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ فُسِخَ الْحُكْمُ ( إنْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ ) أَيْ الشُّهُودِ فِي شَهَادَتِهِمْ .
الْبُنَانِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اسْتَوْفَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَجْمَلَهَا الْمُصَنِّفُ ، فَلَوْ قَالَ وَنُقِضَ إنْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ أَوْ جَبِّهِ قَبْلَ الزِّنَا أَوْ بَعْدَهُ وَأَمْكَنَ كَدِيَةِ خَطَأٍ وَإِلَّا فَلَا كَرُجُوعِهِمْ وَلَوْ عَنْ دِمَاءٍ وَحَدٍّ وَغَرِمَا مَالًا وَدِيَةً لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَتَمَّ .
ابْنُ عَاشِرٍ هَذَا تَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ وَضَمِيرُ غَرِمَا لِلشَّاهِدَيْنِ فِي عَدَمِ النَّقْضِ فِي صُورَتَيْ تَبَيُّنِ الْكَذِبِ وَالرُّجُوعِ .
ا هـ .
( كَ ) ظُهُورِ ( حَيَاةِ مَنْ ) أَيْ الشَّخْصِ الَّذِي شَهِدَا بِأَنَّهُ ( قُتِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأٍ ، فَإِنْ كَانَ اقْتَصَّ فِي الْعَمْدِ ثُمَّ قَدِمَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا غَرِمَ الشَّاهِدَانِ الدِّيَةَ مِنْ أَمْوَالِهِمَا وَلَا شَيْءَ مِنْهَا عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ شَهِدَا بِالْقَتْلِ خَطَأً ثُمَّ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ غُرْمِ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ بِالدِّيَةِ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا ، فَإِنْ أَعْدَمَ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَى الشُّهُودِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ .
( أَوْ ) ظُهُورِ ( جَبِّهِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِرُؤْيَةِ الزِّنَا ( قَبْلَ الزِّنَا ) الْمَشْهُودِ بِهِ وَيَغْرَمُ الشُّهُودُ دِيَتَهُ وَلَا يُحَدُّونَ لِجَبِّهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَتَلَ ابْنَ هَذَا عَمْدًا فَقَضَى بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ قَدِمَ الِابْنُ حَيًّا غَرِمَ الشَّاهِدَانِ دِيَتَهُ فِي أَمْوَالِهِمَا إنْ تَعَمَّدَا ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى

عَاقِلَتِهِ وَلَا عَلَى الْأَبِ ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا مِنْ الشَّاهِدَيْنِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ صَالَحَ الْأَبُ الْقَاتِلَ بِمَالٍ لِرَدِّهِ فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَلَا يُتَّبَعُ الشَّاهِدَانِ بِشَيْءٍ وَقَالَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا يُقَيَّدُ إنْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ ، وَزَادَ عَنْهُ وَلَا يَرْجِعُ الشَّاهِدَانِ فِيمَا غَرِمَا عَلَى الْقَاتِلِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ تَعَدَّيَا ، فَإِنْ كَانَا عَدِيمَيْنِ رَجَعَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى الْوَلِيِّ الْقَاتِلِ ، فَإِنْ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَتْلَفَ النَّفْسَ ، ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَتْبَعَ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَوُّلُ عَنْهُمَا إلَّا بِعَدَمِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُمَا رَجَعَا بِهِ عَلَى الْوَلِيِّ ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْوَلِيِّ الْقَاتِلِ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَوُّلُ عَنْهُ إلَى الشَّاهِدَيْنِ أَعْدَمَ أَوْ لَمْ يُعْدِمْ وَإِنْ وَدَى الْوَلِيُّ الْقَاتِلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَلِيِّ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْمَحْكُومِ بِقَتْلِهِ حَيًّا أَبْطَلَ الْحُكْمَ ، وَالْوَلِيُّ إنَّمَا أَخَذَ مَا أَعْطَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُمَا صَدَقَا عِنْدَهُ ، وَاَلَّذِي أَخَذَهُ قِصَاصٌ لَا ثَمَنَ لَهُ ، وَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ غُرْمُ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ أَتْلَفَا ذَلِكَ .
قُلْت فَحَاصِلُهُ إنْ قَدِمَ مَنْ اُقْتُصَّ بِقَتْلِهِ بِبَيِّنَةٍ حَيًّا فَفِي تَعَيُّنِ رُجُوعِ وَلِيِّ مَنْ قُتِلَ بِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ بِدِيَتِهِ فِي أَمْوَالِهِمْ إنْ كَانَا مَلِيَّيْنِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُقْتَصِّ تَخْيِيرُهُ فِي ذَلِكَ وَفِي رُجُوعِهِ عَلَى الْمُقْتَصِّ .
ثَالِثُهَا لَا رُجُوعَ عَلَى الْمُقْتَصِّ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِقَتْلٍ خَطَأً ثُمَّ قَدِمَ مَنْ شَهِدَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ غُرْمِ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ رَجَعَتْ عَلَى الْبَيِّنَةِ بِهَا حَالَّةً فَإِنْ أَعْدَمَتْ فَعَلَى الْوَلِيِّ وَمَنْ يَغْرَمُ

مِنْهُمَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ ، وَرُوِيَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ مُخَيَّرَةٌ ، فَإِنْ اتَّبَعَتْ الْبَيِّنَةَ فَلَا تَحَوُّلَ لَهَا عَنْهَا إلَى الْوَلِيِّ إلَّا فِي عَدَمِهَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ غَرِمَتْ رَجَعَتْ عَلَى الْوَلِيِّ ، وَإِنْ اتَّبَعَتْ الْوَلِيَّ فَلَا تَحَوُّلَ لَهَا عَنْهُ إلَى الْبَيِّنَةِ وَلَوْ أَعْدَمَ ؛ لِأَنَّهُ إنْ غَرِمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَبَ يَرُدُّ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَا أَخَذَ مِنْهَا ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا غَرِمَتْ الْبَيِّنَةُ ، ثُمَّ قَالَ وَفِيهَا إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَرَجَمَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَجْبُوبًا فَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ ، إذْ لَا يُحَدُّ مَنْ قَالَ لِمَجْبُوبٍ يَا زَانٍ وَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ مَعَ وَجِيعِ الْأَدَبِ وَطُولِ السَّجْنِ إلَّا أَنْ يَقُولُوا رَأَيْنَاهُ يَزْنِي قَبْلَ جَبِّهِ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ بِكُلِّ حَالٍ .

لَا رُجُوعُهُمْ ، وَغَرِمَا مَالًا وَدِيَةً وَلَوْ تَعَمَّدَا

( لَا ) يُنْقَضُ الْحُكْمُ إنْ ثَبَتَ ( رُجُوعُهُمْ ) أَيْ الشُّهُودِ عَنْ الشَّهَادَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ انْتِقَالُ الشَّاهِدِ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ بِأَمْرٍ إلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ دُونَ نَقِيضِهِ ، فَيَدْخُلُ انْتِقَالُهُ إلَى شَكٍّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الشَّاكَّ حَاكِمٌ أَوْ غَيْرُ حَاكِمٍ ، الْأَوَّلُ لِلْأَصْبَهَانِيِّ شَارِحِ الْمَحْصُولِ ، وَالثَّانِي لِلْقَرَافِيِّ ، وَقَيْدُ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ ، هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ ، وَظَاهِرُ لَفْظِ الْمَازِرِيِّ صِدْقُهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْأَدَاءِ فَعَلَيْهِ يُحْذَفُ لَفْظُ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ .
ا هـ .
وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ رُجُوعُهُمْ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِمَالٍ مَضَى اتِّفَاقًا ، وَإِنْ كَانَ بِقَتْلٍ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُنْقَضُ كَمَا فِي الْمَالِ ، وَلَهُ أَيْضًا مَعَ غَيْرِهِ لَا يُسْتَوْفَى فِي الدَّمِ لِحُرْمَتِهِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحُكْمَ تَامٌّ .
( وَ ) إنْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ ( غَرِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( مَالًا ) اتِّفَاقًا لِلْمَشْهُودِ لِشَهَادَتِهِمَا بِهِ ، وَلَوْ قَالَا غَلِطْنَا ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ ، وَإِنْ رَجَعَا بَعْدَهُ غَرِمَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا غَرِمَهُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا ( وَ ) غَرِمَا ( دِيَةً ) لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ أَوْ الْمَرْجُومِ إنْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِقَتْلٍ بَعْدَ قَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا بِالرَّجْمِ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدَا الزُّورَ ، وَقَالَا غَلِطْنَا خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي عَدَمِهِ قَالَ إذْ لَوْ غَرِمَا فِي الْخَطَأِ مَعَ كَثْرَةِ الشَّهَادَةِ لَتَوَرَّعَ النَّاسُ عَنْهَا ، بَلْ ( وَلَوْ تَعَمَّدَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ الزُّورَ فَيَغْرَمَانِ الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ أَشْهَبَ يُقْتَصُّ مِنْهُمَا فِي الْعَمْدِ

وَاسْتَقَرَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِقَتْلِهِمَا نَفْسًا بِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَالْوَلِيُّ وَالْقَاضِي مَعْذُورَانِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ لَوْ شَهِدُوا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَحَكَمَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ وَدَفْعِهِ لِلْوَلِيِّ فَأَقَرَّ بِالزُّورِ قَبْلَ قَتْلِهِ فَقَدْ اُضْطُرِبَ فِيهِ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً يَنْفُذُ الْحُكْمُ بِقَتْلِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا الْآنَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ، ثُمَّ قَالَ هَذَا الْقِيَاسُ وَلَكِنْ أَقِفُ عَنْ الْحُكْمِ بِقَتْلِهِ لِحُرْمَتِهِ ، وَكَذَا الْقَطْعُ وَشَبَهُهُ ، وَالْعَقْلُ أَحَبُّ إلَيَّ ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَشْهَبَ أَيْضًا .
أَصْبَغُ الْقِيَاسُ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ وَالرَّجْمُ فِي زِنَا الْمُحْصَنِ وَأَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا يُقْتَلَ لِحُرْمَةِ الدَّمِ وَخَطَرِهِ وَلَا دِيَةَ عَلَى شَاهِدٍ وَلَا مَشْهُودٍ عَلَيْهِ وَأَرَاهُ شُبْهَةً كَبِيرَةً وَقَالَهُ مُحَمَّدٌ الْمَازِرِيُّ .
قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ الْعَقْلُ أَحَبُّ إلَيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَلَى مَنْ يَكُونُ الْعَقْلُ هَلْ عَلَى الشُّهُودِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْطَلُوا الدَّمَ فَيَغْرَمُوا دِيَتَهُ وَإِنْ أَرَادَهُ فَهَلْ عَلَيْهِمْ دِيَةُ مَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ أَوْ دِيَةُ الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَخْتَلِفُ قَدْ يَكُونُ الْقَتِيلُ رَجُلًا وَالْقَاتِلُ امْرَأَةً أَوْ عَكْسُهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْعَقْلَ عَلَى الْقَاتِلِ حَقٌّ لَا يَبْطُلُ الدَّمُ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ زِنَا مُحْصَنٍ فَفِي تَنْفِيذِ حَدِّهِ وَسُقُوطِهِ لَا لِبَدَلٍ .
ثَالِثُهَا يُحَدُّ حَدَّ بِكْرٍ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ زِنَا غَيْرِ مُحْصَنٍ فَفِي إنْفَاذِهِ وَسُقُوطِهِ بِعُقُوبَتِهِ فَقَطْ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَاخْتِيَارِهِ .
وَفِي الْقَذْفِ مِنْهَا وَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَمَا وَجَبَ الْحَدُّ مَا شَهِدْنَا إلَّا بِزُورٍ دُرِئَ الْحَدُّ .
ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا شَهِدَا بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ فَرُجُوعُهُمَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ ، وَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِمَا أَتْلَفَاهُ وَشَهَادَتُهُمَا الْأُخْرَى بَاطِلَةٌ وَالْحُكْمُ مَاضٍ

.
ابْنُ شَاسٍ إنْ كَانَ رُجُوعُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلَا قَضَاءَ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَخِلَافٌ يَنْفُذُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ غَرِمَا الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ابْنُ حَارِثٍ إنْ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ قَبْضِ الْمَالِ وَجَبَ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ قَبْضُهُ اتِّفَاقًا ، وَفِيهَا إنْ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِدَيْنٍ ضَمِنَاهُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبْلَ تَنْفِيذِهِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى نَقْلِ الصِّقِلِّيِّ عَلَى الْمَوَّازِيَّةِ إنْ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ فَهَرَبَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَطَلَبَ الْمَقْضِيُّ لَهُ الشَّاهِدَيْنِ بِمَا كَانَا يَغْرَمَانِهِ لِغَرِيمِهِ لَوْ غَرِمَ فَلَا يَلْزَمُهُمَا غُرْمٌ حَتَّى يَغْرَمَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ يُنَفِّذُ الْقَاضِي الْحُكْمَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاجِعِينَ بِالْغُرْمِ هَرَبَ أَوْ لَمْ يَهْرُبْ ، فَإِنْ غَرِمَ أَغْرَمَهُمَا ، وَكَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْحَقِّ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَغْرَمَ هُوَ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ الشَّاهِدَيْنِ بِالْمَالِ حَتَّى يَدْفَعَاهُ عَنْهُ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ .
الْبُنَانِيُّ الْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةٌ لِقَوْلِهِ وَدِيَةً فَقَطْ ، إذَا الْعَمْدُ فِي الْمَالِ أَحْرَى بِالْغُرْمِ فَلَا يُبَالَغُ عَلَيْهِ ، وَمَا قَبْلَهَا فِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا ، لَكِنْ بِالْغُرْمِ وَعَدَمِهِ ، وَمَا مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ الْغُرْمِ خِلَافُ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، لَكِنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ .

وَلَا يُشَارِكُهُمْ شَاهِدَا الْإِحْصَانِ فِي الْغُرْمِ : كَرُجُوعِ الْمُزَكِّي ، وَأُدِّبَا فِي كَقَذْفٍ ، وَحُدَّ شُهُودُ الزِّنَا مُطْلَقًا : كَرُجُوعِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَهُ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ

( وَ ) لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِالزِّنَا وَاثْنَانِ بِإِحْصَانِهِ وَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ السِّتَّةُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ اخْتَصَّ شُهُودُ الزِّنَا بِغُرْمِ الدِّيَةِ فَ ( لَا يُشَارِكُهُمْ ) أَيْ شُهُودَ الزِّنَا ( شَاهِدَا الْإِحْصَانِ ) فِي غُرْمِ الدِّيَةِ ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ .
وَقَالَ أَشْهَبُ وَمَنْ وَافَقَهُ يُشَارِكُهُمْ شَاهِدَا الْإِحْصَانِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ رَجْمِهِ مُرَكَّبٌ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَسْتَوِي السِّتَّةُ فِي الْغُرْمِ أَوْ عَلَى شَاهِدَيْ الْإِحْصَانِ نِصْفُهَا ؟ قَوْلَانِ ، وَلَوْ انْفَرَدَتْ شَهَادَةُ الزِّنَا لَمْ يُرْجَمْ ، كَذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَرَّرَهُ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّهُ رُجِمَ بِشُهُودِ الزِّنَا وَالْإِحْصَانِ ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مَجْبُوبٌ ، فَإِنَّ الْغُرْمَ يَخْتَصُّ بِشُهُودِ الزِّنَا لِعَدَمِ تَبَيُّنِ كَذِبِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ فَهِيَ مِنْ تَمَامِ قِسْمِ تَبَيُّنِ الْكَذِبِ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ رُجِمَ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِزِنَاهُ وَاثْنَيْنِ بِإِحْصَانِهِ ثُمَّ رَجَعُوا أَجْمَعُونَ فَفِي عَدَمِ غُرْمِ شَاهِدَيْ الْإِحْصَانِ وَغُرْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا سُدُسُ الدِّيَةِ ، وَبَاقِيهَا عَلَى بَيِّنَةِ الزِّنَا بِالسَّوِيَّةِ ، ثَالِثُهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ شَاهِدَيْ الْإِحْصَانِ رُبْعُهَا وَنِصْفُهَا عَلَى بَيِّنَةِ الزِّنَا بِالسَّوِيَّةِ لِأَصْبَغَ مَعَ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُحَمَّدٍ ، وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ إلَى أَنَّ ذَلِكَ بِنَاءٌ عَلَى حَصْرِ حُكْمِ الرَّجْمِ إلَى إضَافَتِهِ لِوَصْفِ زِنَاهُ وَلَغْوِ إحْصَانِهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفُ كَمَالٍ لَهُ لَا وَصْفُ نَقْصٍ فِيهِ ، أَوْ إضَافَتِهِ إلَى وَصْفَيْ إحْصَانِهِ وَزِنَاهُ مِنْ عَدَدِ مُثْبِتِهِمَا أَوْ إضَافَتِهِ إلَى الْوَصْفَيْنِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُمَا .
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْغُرْمِ فَقَالَ ( كَرُجُوعِ ) جِنْسِ الْعَدْلِ ( الْمُزَكِّي ) لِشُهُودِ الزِّنَا أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ عَنْ تَزْكِيَتِهِمْ بَعْدَ رَجْمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ قَتْلِهِ قِصَاصًا

، فَلَا يَغْرَمُ الْمُزَكِّي شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ ، سَوَاءٌ رَجَعَ الشُّهُودُ الْأُصُولُ أَوْ لَا ، فَفِي النَّوَادِرِ سَحْنُونٌ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِحَقٍّ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُهُمَا فَزَكَّاهُمَا رَجُلَانِ فَقَبِلَهُمَا الْقَاضِي وَحَكَمَ بِالْحَقِّ ثُمَّ رَجَعَ الْمُزَكِّيَانِ لِلْبَيِّنَةِ وَقَالَا زَكَّيْنَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ وَمَنْ لَا يُزَكَّى مِثْلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ أُخِذَ بِغَيْرِهِمَا وَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ وَمَنْ زَكَّاهُمَا فَلَا يَغْرَمُ إلَّا الشَّاهِدَانِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَيْضًا .
الْمِسْنَاوِيُّ لَمْ يَذْكُرُوا خِلَافَ أَشْهَبَ فِي رُجُوعِ الْمُزَكِّي كَخِلَافِهِ فِي رُجُوعِ شَاهِدِ الْإِحْصَانِ .
وَلَعَلَّهُ يَتَخَرَّجُ فِي رُجُوعِ الْمُزَكِّي بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِدُونِ الْمُزَكِّي ، بِخِلَافِ شَاهِدِ الْإِحْصَانِ فَيَثْبُتُ بِدُونِهِ الْجَلْدُ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ .
( وَأُدِّبَا ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الشَّاهِدَانِ الرَّاجِعَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( فِي كَقَذْفٍ ) وَشَتْمٍ وَضَرْبٍ بِسَوْطٍ وَلَطْمٍ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ بِحَدِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَتَأْدِيبِهِ ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا وَلَا قَوَدَ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا ، إذْ لَمْ يُتْلِفَا مَالًا فَيَغْرَمَانِهِ ، وَلَا نَفْسًا فَيُطْلَبَانِ بِدِيَتِهَا .
سَحْنُونٌ إذَا شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا أَوْ شَتَمَهُ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ أَوْ لَطَمَهُ فَجَلَدَهُ الْقَاضِي فِي الْقَذْفِ أَوْ أَدَّبَهُ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْأَدَبُ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ وَأَقَرُّوا بِالزُّورِ فَلَيْسَ فِي هَذَا عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا غُرْمٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ إلَّا الْأَدَبُ مِنْ السُّلْطَانِ ، وَلَا تَقَعُ الْمُمَاثَلَةُ فِي اللَّطْمَةِ وَلَا ضَرْبُ السَّوْطِ بِأَمْرٍ يُضْبَطُ ، وَلَا أَرْشَ لِذَلِكَ إنَّمَا فِيهِ الْأَدَبُ .
( وَحُدَّ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ كَذَلِكَ ( شُهُودُ الزِّنَا ) الرَّاجِعُونَ عَنْ الشَّهَادَةِ بِهِ حَدَّ الْقَذْفِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْحُرِّ ذِي الْآلَةِ الْعَفِيفِ عَمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ

بِكَوْنِ رُجُوعِهِمْ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ بِحَدِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لِلرُّجُوعِ ثَلَاثُ صُوَرٍ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَعْدَهُ ، وَيُحَدُّونَ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا وَشَبَّهَ فِي حَدِّ شُهُودِ الزِّنَا فَقَالَ ( كَرُجُوعِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ ) الَّذِينَ شَهِدُوا بِالزِّنَا عَلَى مُكَلَّفٍ عَنْ شَهَادَتِهِ ( قَبْلَ الْحُكْمِ ) بِحَدِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَيُحَدُّ الْأَرْبَعَةُ لِعَدَمِ كَمَالِ نِصَابِ شَهَادَةِ الزِّنَا فَهُمْ قَاذِفُونَ .
( وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالزِّنَا عَلَى مُكَلَّفٍ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ بِحَدِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( حُدَّ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا الشَّاهِدُ ( الرَّاجِعُ ) اتِّفَاقًا لِاعْتِرَافِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَذْفِ ( فَقَطْ ) أَيْ وَلَا يُحَدُّ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ مَعَ بَقَائِهِمْ عَلَيْهَا .
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَوْضِيحِهِ .
وَفِي الْجَوَاهِرِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَإِقَامَةِ الْحَدِّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَهُ تت .
طفى لَمْ يَتَّبِعْهُ بَلْ عِبَارَتُهُ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَنَصُّهُ فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ حُدُّوا وَبَعْدَهُ حُدَّ الرَّاجِعُ اتِّفَاقًا دُونَ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَنَصُّ الْجَوَاهِرِ وَإِذَا رَجَعَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ حُدُّوا وَلَوْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَإِقَامَةِ الْحَدِّ حُدَّ الرَّاجِعُ بِغَيْرِ خِلَافٍ .
وَاخْتُلِفَ هَلْ يُحَدُّ الْبَاقُونَ ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ أَوْ لَا يُحَدُّونَ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَمَّ بِشَهَادَتِهِمْ وَهُمْ الْآنَ بَاقُونَ عَلَيْهَا .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ رَجَعَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ حُدُّوا كُلُّهُمْ وَبَعْدَهُ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ ، وَإِيَّاهَا تَبِعَ ابْنُ شَاسٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ

عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ خِلَافًا فِي حَدِّ الرَّاجِعِ فَقَطْ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ أَوْ الْجَمِيعِ ا هـ .

وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ ، فَلَا غُرْمَ ، وَلَا حَدَّ ، إلَّا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ فَيُحَدُّ الرَّاجِعَانِ وَالْعَبْدُ ، وَغَرِمَا فَقَطْ رُبْعَ الدِّيَةِ ، ثُمَّ إنْ رَجَعَ ثَالِثٌ : حُدَّ هُوَ وَالسَّابِقَانِ ، وَغَرِمُوا رُبْعَ الدِّيَةِ ، وَرَابِعٌ فَنِصْفَهَا

( وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ ) شَهِدُوا بِالزِّنَا عَلَى مُكَلَّفٍ ( فَلَا غُرْمَ وَلَا حَدَّ ) عَلَى مَنْ رَجَعَ وَلَا عَلَى مَنْ بَقِيَ لِتَمَامِ النِّصَابِ بِالْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ ، هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَوْلُهُ الثَّانِي يُحَدُّ الرَّاجِعَانِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا غُرْمَ وَلَا حَدَّ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ ) بَعْدَ الْحَدِّ وَرُجُوعِ الِاثْنَيْنِ ( أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ ) الْبَاقِينَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ ( عَبْدٌ فَيُحَدُّ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الِاثْنَانِ ( الرَّاجِعَانِ ) عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( وَالْعَبْدُ ) حَدَّ الْقَذْفِ لِنَقْصِ الْبَاقِينَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ عَنْ النِّصَابِ ( وَغَرِمَا ) أَيْ الرَّاجِعَانِ ( رُبْعَ الدِّيَةِ ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْمَرْجُومِ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَثُرُوا بِمَنْزِلَةِ الرَّابِعِ الْمُكَمِّلِ لِلنِّصَابِ ، وَلَا يَغْرَمُ الْعَبْدُ مَعَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شَهَادَتِهِ وَلَا غُرْمَ وَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ مَعَهُمْ الِاثْنَانِ الرَّاجِعَانِ ، وَرُجُوعُهُمْ لَغْوٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ .
طفى قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَخْ ، أَصْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ، وَبَحَثَ فِيهِ بِاقْتِضَائِهِ غُرْمَهُ إذَا رَجَعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لِسَيِّدِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِالْوَصْفِ الْمُعْتَبَرِ وَهُوَ عُبُودِيَّتُهُ ، إذْ هُوَ الْمُضِرُّ لِلشَّهَادَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِالرُّجُوعِ مَعَهُ حَصَلَ أَمْ لَا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ فَلَا عِبْرَةَ بِرُجُوعِهِ إنْ رَجَعَ ، وَإِنْ شَهِدَ سِتَّةُ أَحْرَارٍ بِالزِّنَا عَلَى مُحْصَنٍ وَرَجَعَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بَعْدَ رَجْمِهِ فَلَا يَغْرَمَانِ وَلَا يُحَدَّانِ .
( ثُمَّ إنْ رَجَعَ ثَالِثٌ ) أَيْ مِنْ السِّتَّةِ الْأَحْرَارِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالزِّنَا ( حُدَّ ) بِضَمِّ الْحَاءِ ( هُوَ ) أَيْ الثَّالِثُ ( وَ ) الشَّاهِدَانِ ( السَّابِقَانِ ) لِلثَّالِثِ فِي الرُّجُوعِ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ بِالثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ ( وَغَرِمُوا ) أَيْ الثَّلَاثَةُ الرَّاجِعُونَ عَنْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57