كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

شُرُوطِهَا ، وَلَمْ يَعُدَّهَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْهَا وَهُوَ أَحْسَنُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا جُزْآنِ كُلَّمَا وُجِدَا وُجِدَتْ ا هـ .
الْحَطّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا جُزْآنِ ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ تَعَلُّقِهَا عَلَيْهِمَا وَوُجُودِهَا عَلَيْهِمَا ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ رِضَا الْمُحَالِ ، وَإِنَّمَا أَرْكَانُهَا الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْمُحَالُ بِهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ كُلَّمَا وُجِدَ أَوْ وُجِدَتْ مَمْنُوعٌ فَقَدْ يُوجَدَانِ وَلَا تُوجَدُ إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا .
وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَحَالَك عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُ دَيْنٌ فَلَيْسَتْ حَوَالَةً وَهِيَ حَمَالَةٌ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ نَصَّ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ عَلَى أَنَّ حَدَّهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لَا جُزْآنِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِّ .
طفي ابْنُ رَاشِدٍ اشْتَرَطُوا رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ هِيَ عِنْدَ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا مُبَايَعَةٌ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي حَدِّ ابْنِ عَرَفَةَ ، وَحَيْثُ كَانَتْ مُبَايَعَةً فَالرِّضَا شَرْطٌ فِيهَا كَمَا فِيهِ .
وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ كُلَّمَا وُجِدَا وُجِدَتْ غَيْرُ مُسْلِمٍ كَتَخَلُّفِ الصِّيغَةِ كَالْبَيْعِ قَدْ يُوجِدُ الرِّضَا ، وَتَتَخَلَّفُ صِيغَتُهُ وَإِنَّمَا أَرْكَانُهَا الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ بِهِ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ رُكْنُهُ الْعَاقِدَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِمَا وَالصِّيغَةُ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الرُّكْنَ لَا تُتَعَقَّلُ الْمَاهِيَّةُ بِدُونِهِ وَالْحَوَالَةُ لَا يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهَا عَلَى الرِّضَا .
وَأَمَّا رَدُّ " ح " عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ قَدْ يُوجَدَانِ وَلَا تُوجَدُ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا فَغَيْرُ وَارِدٍ ، إذْ شَأْنُ الْمَاهِيَّةِ بُطْلَانُهَا عِنْدَ تَخَلُّفِ شَرْطِهَا وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَجْزَاؤُهَا وَمُرَادُهُمْ بِوُجُودِهَا عِنْدَ وُجُودِ أَجْزَائِهَا وُجُودُهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ

عَنْ تَخَلُّفِ الشَّرْطِ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ شَرْطًا عَلَى الْمَشْهُورِ .
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَدَاوَةِ قَالَهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
الْمَازِرِيُّ وَإِنَّمَا يَعْرِضُ الْإِشْكَالُ إذَا اسْتَدَانَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ دَيْنًا ثُمَّ حَدَثَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ هَلْ يُمْنَعُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ مِنْ اقْتِضَائِهِ لِئَلَّا يُبَالِغَ فِيهِ وَيُؤْذِيَهُ فَيُؤْمَرُ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ أَوْ لَا يُمْنَعُ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ ، تَرَدَّدَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي هَذَا وَإِشَارَتُهُ تَقْتَضِي الْمَيْلَ إلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِنْ اقْتِضَائِهِ بِنَفْسِهِ .
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ لَوْ كَانَ الْمُحَالُ عَدُوًّا لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ اُشْتُرِطَ رِضَاهُ .
وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا إذَا حَدَثَتْ الْعَدَاوَةُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ هَلْ يَجِبُ التَّوْكِيلُ أَوْ لَا كَمَا قَالُوا فِيمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ وَتَجَدَّدَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ .
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُ كَمَا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، وَلِلْمُوَثِّقِينَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَيْضًا الْقَوْلَانِ .
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إجَازَةُ الْحَوَالَةِ مَعَ الْجَهْلِ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيْنَ الشُّيُوخِ هَلْ هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَيَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْبُيُوعِ أَوْ هِيَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ ا هـ كَلَامُ التَّوْضِيحِ .
وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ وَلَا حُضُورُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى الْغَائِبِ ، وَإِنْ وَقَعَتْ فُسِخَتْ حَتَّى يَحْضُرَ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ لِلْغَائِبِ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءَةٌ .
وَفِي الْمُشْتَمَلِ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إلَّا

عَلَى حَاضِرٍ مُقِرٍّ .
ا هـ .
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اقْتَصَرَ الْوَقَارُ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَنَصُّهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ أَحَدٌ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَائِبٍ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا فِي مَالِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ بِهِ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْحَاضِرِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ قَدْ فَاتَتْ ، وَذِمَّةَ الْحَيِّ مَوْجُودَةٌ .
ا هـ .
وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَالْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ دَارِهِ أَوْ عَبْدَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مُقِرٍّ حَاضِرٍ مَلِيءٍ وَتُحِيلُهُ عَلَيْهِ إنْ شَرَعْت فِي السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ .
أَبُو الْحَسَنِ شَرَطَ هُنَا كَوْنَهُ حَاضِرًا مُقِرًّا وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ .
الشَّيْخُ فَحَيْثُ ذَكَرَهُ يُقَيِّدُ بِهِ مَا لَمْ تَذْكُرْهُ ا هـ الْمَشَذَّالِيُّ قَوْلُهُ مُقِرٌّ حَاضِرٌ مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ تَجُزْ الْحَوَالَةُ فِي الطُّرَرِ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقُرْطُبِيِّ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى غَائِبٍ ، فَإِنْ وَقَعَتْ فُسِخَتْ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ لِلْغَائِبِ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءَةٌ

وَثُبُوتُ دَيْنٍ لَازِمٍ

( وَ ) شَرْطُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ ( ثُبُوتُ دَيْنٍ ) لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لِلْمُحَالِ عَلَى الْمُحِيلِ وَإِلَّا فَهِيَ حَمَالَةٌ فِي الْأُولَى وَوَكَالَةٌ فِي الثَّانِيَةِ لَا حَوَالَةٌ وَلَوْ وَقَعَتْ بِلَفْظِهَا وَوُصِفَ دَيْنٌ بِ ( لَازِمٍ ) فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى دَيْنٍ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ تُدَايِنُهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ، أَوْ رَقِيقٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِجَوَازِ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ إلَّا عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى مُكَاتَبِهِ الْأَسْفَلِ إذَا بُتَّ عِتْقُ الْأَعْلَى مَعَ أَنَّ مَا عَلَى الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ غَيْرُ لَازِمٍ .
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ بِتَعْجِيلِ الْعِتْقِ صَارَ دَيْنًا لَازِمًا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُحِيلِ ، وَاغْتُفِرَ عَدَمُ لُزُومِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَسْفَلِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ ، وَلِذَا امْتَنَعَ أَنْ يُحَالَ أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْأَسْفَلِ قَبْلَ أَنْ يُبَتَّ عِتْقُهُ ، وَاحْتُرِزَ بِهِ أَيْضًا عَمَّنْ صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ وَأَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَيْهَا فَلَا تَصِحُّ لِعَدَمِ الْمُنَاجَزَةِ فِي الصَّرْفِ ، وَهُوَ يُوجِبُ فَسْخَهُ ، فَالدَّرَاهِمُ لَمْ تَلْزَمْ الْمُحَالَ عَلَيْهِ ، وَالْمُرَادُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ تَقَرُّرُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ قَبْلَ الْحَوَالَةِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَنْكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَيَتَحَوَّلُ إلَخْ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا كَمَا قَدَّرْتُهُ وَهِيَ تَقْتَضِي اللُّزُومَ هُنَا .
وَيُشْتَرَطُ فِي تَمَامِهَا كَوْنُ الدَّيْنِ اللَّازِمِ عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ ، فَمَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ بِمَالٍ وَأَحَالَ بِهِ ذَا دَيْنٍ عَلَيْهِ فَمَاتَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهَا رَجَعَ عَلَى الزَّوْجِ بِدَيْنِهِ ، قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ ، وَقَوْلُهُ دَيْنٌ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِمَا عَلَى دَيْنٍ لِلْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ أَفَادَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ ابْنُ عَاشِرٍ الْمُرَادُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ وُجُودُهُ لَا الثُّبُوتُ الْعُرْفِيُّ

بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ، وَحِينَئِذٍ يَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ تَصْدِيقُ الْمُحَالِ بِثُبُوتِهِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ بِالثُّبُوتِ إلَى مَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ شَرْطِ الْحُضُورِ وَالْإِقْرَارِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ ، وَتَأَمَّلْ هَذَا الشَّرْطَ مَعَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ إلَخْ ، وَقَدْ أَشَارَ فِي التَّوْضِيحِ إلَى هَذَا الْبَحْثِ عِنْدَ تَعْرِيفِ الْحَوَالَةِ .
وَأَجَابَ اللَّقَانِيُّ بِأَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ ، وَلُزُومِهَا لَا فِي أَصْلِ كَوْنِهَا حَوَالَةً ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَأَجَابَ " ز " بَعْدُ بِمَا هُوَ غَيْرُ مُقْنِعٍ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثُّبُوتَ شَرْطٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحَالُ بِعَدَمِ الدَّيْنِ وَيَرْضَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَوْلُهُ لَازِمٌ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ شَاسٍ وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ .
وَقَدْ تُوُرِّكَ " ق عَلَيْهِ فِي اشْتِرَاطِهِ قَائِلًا إنَّمَا اشْتَرَطُوا هَذَا فِي الْحَمَالَةِ .
لَكِنْ فِي ضَيْح عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ حَوَالَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَهُوَ يُفِيدُ شَرْطَ اللُّزُومِ وَمَا فِي " ز " مِنْ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ دَيْنِ صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَلَا يُحَالُ بِهِ حَيْثُ كَانَ لَهُمَا ، وَلَا عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ عَلَيْهِمَا فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِشَرْطِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ هُنَا ، وَكَذَا مَنْ صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ وَأَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَيْهَا لَا دَيْنَ لَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّرْفِ فَتَأَمَّلْهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، إذْ لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ الْمَنْفِيَّ إنَّمَا هُوَ لُزُومُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ : صَحَّ ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يُفَلَّسَ أَوْ يَمُوتَ ؟ تَأْوِيلَانِ .

( فَإِنْ ) أَحَالَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَ ( أَعْلَمَهُ ) أَيْ الْمُحِيلُ الْمُحَالَ ( بِعَدَمِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ بِأَنْ قَالَهُ لَا دَيْنَ لِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، أَوْ عَلِمَ الْمُحَالُ عَدَمَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُحِيلِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، ظَاهِرُهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُحِيلُ عِلْمَهُ وَرِضَاهُ بِهَا ( وَشَرَطَ ) الْمُحِيلُ عَلَى الْمُحَالِ ( الْبَرَاءَةَ ) مِنْ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ مَعَ الْحَوَالَةِ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ وَرَضِيَ الْمُحَالُ بِشَرْطِهَا ( صَحَّ ) عَقْدُ الْحَوَالَةِ فَلَا يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ لِلْمُحَالِ تَرْكَ حَقِّهِ مَجَّانًا .
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ .
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الْحَوَالَةُ وَشَرْطُهَا ثُبُوتُ دَيْنٍ .
قُلْت نَزَلَ عِلْمُهُ بِعَدَمِهِ وَرِضَاهُ مَنْزِلَةَ ثُبُوتِهِ ، لَكِنْ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ فُلِّسَ اتِّفَاقًا ، مَعَ أَنَّ فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ ( وَهَلْ ) لَا يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ الَّذِي أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْبَرَاءَةَ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يُفَلَّسَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً الْمُحَالُ عَلَيْهِ ( أَوْ يَمُوتُ ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَلِلْمُحَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ لِشَبَهِ الْحَوَالَةِ حِينَئِذٍ بِالْحَمَالَةِ .
فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ أَوْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَوْ فُلِّسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) وَجَمَعَ أَبُو عِمْرَانَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ جَوَابَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ وَالرِّوَايَةَ فِيمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ : شَرَطَ الْبَرَاءَةَ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا ،

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَحْرَى إنْ اشْتَرَطَ الْمُحَالُ الرُّجُوعَ فَهُوَ لَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا ثَلَاثُ مَسَائِلُ ، اشْتِرَاطُ الْمُحِيلِ الْبَرَاءَةَ ، وَاشْتِرَاطُ الْمُحَالِ الرُّجُوعَ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ أَحَدِهِمَا شَيْئًا مِنْهُمَا .
الثَّانِي : بَعْضُ مَشَايِخِي كَيْفَ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ حَيْثُ أَعْلَمَهُ بِأَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ ، وَاشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ثُبُوتِ دَيْنٍ لَازِمٍ ، وَهَلْ هَذَا إلَّا تَنَاقُضٌ .
وَأَجَابَ بِعَدَمِ التَّنَاقُضِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ دَيْنٍ لَازِمٍ حَيْثُ لَمْ يُعْلِمْهُ بِعَدَمِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْبَرَاءَةَ ، وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ الْإِعْلَامُ وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ أَفَادَهُ تت .
طفي قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ .
.
.
إلَخْ ، لَوْ قَالَ فَإِنْ عَلِمَ بِعَدَمِهِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ لَكَانَ أَوْلَى ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُعْلِمَهُ الْمُحِيلُ ، وَالْمَدَارُ عَلَى عِلْمِ الْمُحَالِ .
وَجَعَلَ تت التَّأْوِيلَيْنِ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ تَبِعَ فِيهِ الشَّارِحَ وَالتَّوْضِيحَ ، وَنَسَبُوا الْوِفَاقَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ نَظَرٌ ، بَلْ الْوِفَاقُ بَيْنَ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَهُوَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ كَمَا فِي ابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ لَا يَرْجِعُ ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَرْجِعُ فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ مَعَ الْعِلْمِ وَشَرْطُهُ الْبَرَاءَةُ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يُفَلَّسْ أَوْ يَمُتْ ، وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهُمَا مُحَمَّدٌ ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ .
وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ

حَرِّقْ صَحِيفَتَك الَّتِي لَك عَلَى فُلَانٍ ، وَاتَّبِعْنِي بِمَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ حَوَالَةٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَاتَّبَعَهُ حَتَّى فُلِّسَ الضَّامِنُ ، أَوْ مَاتَ وَلَا وَفَاءَ لَهُ أَنَّ لِلطَّالِبِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ الْحَوَالَةِ مَا أُحِيلَ بِهِ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ .
ابْنُ يُونُسَ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ .
أَبُو عِمْرَانَ جَوَابُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فَأَنْتَ تَرَى التَّوْفِيقَ ، الْأَوَّلَ بَيْنَ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ ، بِخِلَافِ تَوْفِيقِ أَبِي عِمْرَانَ فَإِنَّهُ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ سَابِقًا ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ صَحَّ ، أَيْ صَحَّ عَقْدُهَا حَوَالَةً لَازِمَةً وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَا يَنْقَلِبُ حَمَالَةً ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ تَصِحَّ وَتَنْقَلِبُ حَمَالَةً ، قَالَ فِيهَا وَإِنْ أَحَالَك عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُ دَيْنٌ فَلَيْسَتْ حَوَالَةً وَهِيَ حَمَالَةٌ .
ا هـ .
وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ كَلَامُ بَعْضِ مَشَايِخِ تت ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ دَيْنٍ لَازِمٍ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْهُ ، أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ فِي كَوْنِهَا حَوَالَةً وَإِلَّا انْقَلَبَتْ حَمَالَةً ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ أَيْ صِحَّتِهَا حَوَالَةً وَلَا تَنْقَلِبُ حَمَالَةً فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ .
الْبُنَانِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَوَالَةَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ ، لَكِنْ إنْ رَضِيَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالتَّأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ ، وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ إنْ شَرَطَ الْمُتَحَمِّلُ لَهُ عَلَى الْحَمِيلِ أَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ وَأَبْرَأَ الْغَرِيمَ ، فَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّرْطَ جَائِزٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ .
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْحَمِيلُ أَوْ يُفَلَّسُ ، ثُمَّ قَالَ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ

عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى التَّفْلِيسِ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَعْنَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْمُتَحَمِّلُ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُفَلَّسَ ، وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُمَا قَدْ أَبْرَآ الْغَرِيمَ جَمِيعًا مِنْ الدَّيْنِ جُمْلَةً فَابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ ، وَهَذَا سَائِغٌ مُمْكِنٌ مُحْتَمَلٌ .
ا هـ .
فَهِيَ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ ، وَعَزَا ابْنُ يُونُسَ الثَّانِي لِمُحَمَّدٍ وَالثَّالِثَ لِأَبِي عِمْرَانَ .
وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَرْجِعُ فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ مَعَ الْعِلْمِ ، وَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِمِثْلِ التَّأْوِيلِ الثَّانِي ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَهُ مُحَمَّدٌ ، وَلَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ ، وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ عُلِمَ أَنَّ التَّوْفِيقَ الَّذِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَوْجُودٌ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ كَمَا وُجِدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ أَشْهَبَ خِلَافًا لطفي فِي إنْكَارِهِ وُجُودَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَصِيغَتُهَا

( وَ ) شَرْطُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ ( صِيغَتُهَا ) أَيْ الْحَوَالَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَالِ دَيْنَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِمِثْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ .
وَاخْتَلَفَ الشَّارِحَانِ هَلْ لَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَا تَكُونُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِلَفْظِهَا ، أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ كَخُذْ مِنْهُ حَقَّك وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِك وَشَبَهُهُ وَعَلَى هَذَا أَدْرَجَ الشَّارِحُ ، أَوْ يُشْتَرَطُ وَعَلَيْهِ مَشَى الْبِسَاطِيُّ ، فَقَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَقْدُهَا بِلَفْظِهَا وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ إنَّمَا الْحَوَالَةُ أَنْ يَقُولَ أَحَلْتُك بِحَقِّك عَلَى فُلَانٍ وَأَبْرَأَ مِنْهُ بَعْدَمَا قَالَ فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَجُلٍ ، كَذَا وَأَمَرَ الْآخَرَ بِالدَّفْعِ لَيْسَ بِحَوَالَةٍ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ قَالَ خُذْ مِنْ هَذَا حَقَّك وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِك بِحَوَالَةٍ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ا هـ تت .
طفي الشَّارِحُ وَالْبِسَاطِيُّ قَرَارُهُ عَلَى أَنَّ شَرْطَهَا كَوْنُهَا بِلَفْظِهَا ، لَكِنْ لَمَّا أَتَى الشَّارِحُ بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ دَلَّ عَلَى عَدَمِ شَرْطِ لَفْظِهَا فَصَحَّ نِسْبَتُهُ لَهُ ، وَقَدْ قَالَ " ح " اُنْظُرْ هَلْ مُرَادُهُ بِصِيغَتِهَا أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِهَا ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ لَكِنَّهُ أَتَى بَعْدَهُ بِكَلَامِ الْبَيَانِ ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَوْ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَالِ دَيْنَهُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ .
قَالَ يَحْيَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ طَلَبَ رَجُلًا بِحَقٍّ فَذَهَبَ بِهِ إلَى غَرِيمِهِ ، وَقَالَ لَهُ خُذْ حَقَّك مِنْ هَذَا وَأَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَتَقَاضَاهُ فَقَضَاهُ بَعْضَ حَقِّهِ أَوْ لَمْ يَقْضِهِ شَيْئًا مِنْهُ فَأَرَادَ

الرُّجُوعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ أَوْ بِجَمِيعِهِ ، فَذَلِكَ لَهُ ، وَلَيْسَ هَذَا بِوَجْهِ الْحَوَالَةِ اللَّازِمَةِ لِمَنْ احْتَالَ بِحَقِّهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَحْتَلْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، وَإِنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَكْفِيَك التَّقَاضِي ، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَوَالَةِ اللَّازِمُ أَنْ يَقُولَ أُحِيلُك عَلَى هَذَا بِحَقِّك وَأَبْرَأُ بِذَلِكَ مِمَّا تَطْلُبُنِي وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعٌ يُنْقَلُ بِهَا الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِيَقِينٍ ، وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ مِنْ هَذَا حَقَّك وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
وَاسْتَظْهَرَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا كَوْنَهَا بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لِلْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَنَصَّهُ الشَّيْخُ وَلِلْبَرَاءَةِ بِالْحَوَالَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ وَأَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَأَنْ تَكُونَ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ وَأَنْ لَا يَغُرَّ بِهَا عَلَى مَنْ عَلِمَ عُدْمَهُ .
ا هـ .
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِهَا عِنْدَهُ فَكَأَنَّهَا حَمَالَةٌ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ .
وَعِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ يَبْرَأُ بِلَفْظِهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَخُذْ حَقَّك مِنْ فُلَانٍ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ قَالَ خُذْ حَقَّك مِنْ هَذَا وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ فَلَيْسَ بِحَوَالَةٍ .
ا هـ .
فَغَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مَا نُقِلَ لَفْظُهُ أَوَّلًا فَقَطْ ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يَنْتَقِلُ بِهَا الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا

بِيَقِينٍ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ مِنْ هَذَا حَقَّك وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
ا هـ .
فَلَوْ وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبِسَاطِيُّ مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا ، وَالْعَجَبُ مِنْ تت كَيْفَ سَلَّمَهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إذَا قَالَ لَهُ اتَّبِعْ فُلَانًا بِحَقِّك فَهِيَ حَوَالَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَنْ اُتُّبِعَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتَّبِعْ } ، قَالَ فَلَمَّا أُتِيَ بِلَفْظٍ يُشْبِهُ النَّصَّ كَانَ حَوَالَةً إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْبَيْنِ ، وَإِنَّمَا الْبَيِّنُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَدْ أَتْبَعْتُك عَلَى فُلَانٍ ، وَأَمَّا إذَا قَالَ اتَّبِعْ فُلَانًا فَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَهُمَا هَلْ الْأَمْرُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِيجَابِ أَمْ لَا ، اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
ا هـ .
وَالْقَوْلَانِ اللَّذَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا هُمَا الرِّوَايَتَانِ فِي قَوْلِ الْبَائِعِ خُذْ هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا هَلْ هُوَ إيجَابٌ لِلْبَيْعِ كَقَوْلِهِ بِعْتُك أَمْ لَا ، نَعَمْ فِي عِبَارَةِ أَبِي الْحَسَنِ مِنْ شُرُوطِ الْحَوَالَةِ كَوْنُهَا بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَأَطْلَقَ وَنَصُّهُ وَلِلْبَرَاءَةِ بِالْحَوَالَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ كَوْنُهَا بِرِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ ، وَكَوْنُهَا بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَكَوْنُهَا عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ وَأَنْ لَا يَغِرَّ بِالْإِحَالَةِ عَلَى مَنْ عَلِمَ عَدَمَهُ .
ثُمَّ قَالَ الْحَطّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ إنْ أَتَى بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ الْحَوَالَةَ وَالْوَكَالَةَ كَقَوْلِهِ خُذْ الَّذِي لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمُحَالِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ ، وَيَقُولُ إنَّمَا طَلَبْت مِنْهُ ثِيَابَهُ عَنْك لَا عَلَى أَنَّهَا حَوَالَةٌ أَبْرَأْتُك مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَحُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ وَإِنْ كِتَابَةً

( وَ ) شَرْطُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ ( حُلُولُ ) الدَّيْنِ ( الْمُحَالِ بِهِ ) عَلَى الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَدَّى إلَى تَعْمِيرِ ذِمَّةٍ بِذِمَّةٍ فَيَلْزَمُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، وَبَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِوَرِقٍ وَلَيْسَ يَدًا بِيَدٍ إنْ كَانَ الدَّيْنَانِ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ حَالًّا وَيَقْبِضُهُ قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا مِثْلُ الصَّرْفِ فَيَجُوزُ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا كَوْنُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ حَالًّا وَوَقَعَ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يُوهِمُ خِلَافَهُ ، وَنَصُّهُ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِثْلُ طَعَامَك مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَأَلَهُ أَنْ يُوفِيَك أَوْ أَحَالَك بِهِ وَلَمْ تَسْأَلْ أَنْتَ الْأَجْنَبِيَّ ، فَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ ، فَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حِينَ إقْرَائِهِ هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ مِنْ اشْتِرَاطِ حُلُولِ الْمُحَالِ بِهِ فَلَمْ يَحْضُرْهُ وَلَا غَيْرَهُ جَوَابٌ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ثُمَّ بَانَ لِي سِرُّهُ بِأَنَّ شَرْطَ الْحُلُولِ فِي الْحَوَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ ، وَهَذِهِ مَجَازٌ لِأَنَّهَا عَلَى غَيْرِ أَصْلِ دَيْنٍ فَهِيَ حَمَالَةٌ .
وَيُشْتَرَطُ حُلُولُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ دَيْنِ كِتَابَةٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( كِتَابَةً ) أَيْ نُجُومَهَا أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ بِهَا عَلَى دَيْنٍ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَتَحِلُّ الْحَوَالَةُ بِهَا إنْ حَلَّتْ حَقِيقَةً بِانْقِضَاءِ شُهُورِهَا أَوْ حُكْمًا بِأَنْ نَجَزَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ الْحَطّ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ .
ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ الْحَوَالَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ إحَالَةُ قَطْعٍ وَإِحَالَةُ إذْنٍ ، فَأَمَّا إحَالَةُ الْقَطْعِ فَلَا تَجُوزُ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ ، الْأَوَّلُ : كَوْنُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ قَدْ حَلَّ .
الثَّانِي : كَوْنُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ مُسَاوِيًا لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الصِّفَةِ

وَالْمِقْدَارِ ، الثَّالِثُ : كَوْنُ الدَّيْنَيْنِ لَيْسَا مَعًا وَلَا أَحَدُهُمَا طَعَامًا مِنْ سَلَمٍ .
وَأَمَّا إحَالَةُ الْإِذْنِ فَهِيَ كَالتَّوْكِيلِ عَلَى الْقَبْضِ وَالْإِقْطَاعِ ، فَيَجُوزُ بِمَا حَلَّ بِهَا وَلَمْ يَحِلَّ وَلَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُحَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَالَهُ ، وَيَجُوزُ لِلْمُحِيلِ عَزْلُ الْمُحَالِ فِي الْإِذْنِ عَنْ الْقَبْضِ وَلَا يَعْزِلُهُ فِي إحَالَةِ الْقَطْعِ .
طفي اشْتِرَاطُ حُلُولِ الْمُحَالِ بِهِ حَيْثُ تَئُولُ إذَا لَمْ يُحِلْ لِمَمْنُوعٍ وَإِلَّا جَازَتْ .
ابْنُ رُشْدٍ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِهَا كَوْنُ دَيْنِ الْمُحَالِ حَالًّا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَالًّا كَانَتْ بَيْعَ ذِمَّةٍ بِذِمَّةٍ فَدَخَلَهُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ إنْ كَانَ الدِّينَانِ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حَالًّا وَيَقْبِضُ ذَلِكَ مَكَانَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا مِثْلُ الصَّرْفِ فَيَجُوزُ .
عِيَاضٌ شُرُوطُ الْحَوَالَةِ الَّتِي تَجُوزُ بِهَا وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهَا أَرْبَعَةٌ ، أَوَّلُهَا : حُلُولُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ فَلَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يُحِلْ وَصَارَتْ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَقِيقَةً ، وَمُرَادُ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا أَنَّهَا مِنْ أَصْلِهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَهُوَ لَازِمٌ لَهَا إلَّا أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْمُحَالُ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مَحَلُّ الرُّخْصَةِ .
عِيَاضٌ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتَّبِعْ } حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إلَّا مِنْ دَيْنٍ حَلَّ لِأَنَّ الْمَطْلَ وَالظُّلْمَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا حَلَّ .
وَفِي التَّوْضِيحِ الْحَوَالَةُ رُخْصَةٌ فَيُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَوْرِدِهَا يَعْنِي بِهِ حُلُولَ الْمُحَالِ بِهِ اسْتِقْرَاءُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } .
.
.
الْحَدِيثَ .
فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ

فَأَجْرِهَا عَلَى الْقَوَاعِدِ ، فَإِنْ أَدَّتْ إلَى مَمْنُوعٍ مُنِعَتْ وَإِلَّا جَازَتْ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَأَطْلَقَ الْمَنْعَ مَنْ أَطْلَقَهُ إذَا لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا ذِمَّةٌ بِذِمَّةٍ ، وَتَعْجِيلُ الْحَقِّ يُخْرِجُهَا عَنْ أَصْلِهَا ، وَعَلَى التَّعْجِيلِ يُحْمَلُ قَوْلُهَا فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِثْلَ طَعَامِك مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَأَلَهُ أَنْ يُوَفِّيَك أَوْ أَحَالَك بِهِ وَلَمْ تَسْأَلْ أَنْتَ الْأَجْنَبِيَّ ذَلِكَ جَازَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ ، وَبِهِ تَعْلَمُ جَوَابَ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُ أَهْلِ دَرْسٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَيْهِ حِينَ إقْرَائِهِ هَذَا الْمَحَلَّ أَنَّ كَلَامَهَا هَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ مِنْ اشْتِرَاطِ حُلُولِ الْمُحَالِ بِهِ فَلَمْ يَحْضُرْهُ وَلَا غَيْرَهُ جَوَابٌ .
وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ بِأَنَّ لِي سِرَّهُ بِأَنَّ شَرْطَ الْحُلُولِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ ، وَهَذِهِ مَجَازٌ بِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ فَهِيَ حَمَالَةٌ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ بِاسْتِقْرَاضِهِ ، إذْ الْقَرْضُ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ فَهُوَ دَيْنٌ حَقِيقَةً

لَا عَلَيْهِ

( لَا ) يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ حُلُولُ دَيْنِ الْمُحَالِ ( عَلَيْهِ ) كَانَ كِتَابَةً أَوْ غَيْرَهَا نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ كَوْنُ الْمُحَالِ هُوَ السَّيِّدُ بِأَنْ يُحِيلَهُ مُكَاتَبُهُ بِمَا حَلَّ حَلَّ عَلَيْهِ عَلَى كِتَابَةِ مُكَاتَبٍ لِلْمُكَاتِبِ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحِيلَ السَّيِّدُ أَجْنَبِيًّا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مُكَاتَبِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ التُّونُسِيُّ ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ، وَعَزَى ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ لِابْنِ الْقَاسِمِ اشْتِرَاطَ حُلُولِ الْكِتَابَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهَا السَّيِّدُ ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمَا مَا حَكَيَاهُ مِنْ شَرْطِ حُلُولِهَا بِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْمُحَالَ عَلَيْهَا لَمْ يَشْتَرِطْ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا غَيْرُهُ حُلُولَهَا وَلَمْ يُعْرَفْ مَنْ قَالَ بِهِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ أَحَالَك مُكَاتَبُك بِالْكِتَابَةِ عَلَى مُكَاتَبٍ لَهُ وَلَهُ عَلَيْهِ مِقْدَارُ مَا عَلَى الْأَعْلَى فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُبَتَّ عِتْقُ الْأَعْلَى وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ كِتَابَةُ الْأَعْلَى جَازَتْ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ عَجَزَ الْأَسْفَلُ رَقَّ لَك وَلَا تَرْجِعُ عَلَى الْمُكَاتِبِ الْأَعْلَى بِشَيْءٍ ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْبَيْعِ وَقَدْ تَمَّتْ حُرِّيَّتُهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمُحَالِ السَّيِّدَ لَا أَجْنَبِيًّا .
التُّونُسِيُّ وَالْمُكَاتَبُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُحِيلَ سَيِّدَهُ بِمَا حَلَّ مِنْ كِتَابَتِهِ عَلَى مَا لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ كَانَ الْمُحَالُ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَجُزْ ، وَهِيَ لَوْ حَلَّتْ لَمْ تَجُزْ لِلْحَوَالَةِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا أُجِيزَتْ فِي الْأَجْنَبِيِّ إذَا أُحِيلَ عَلَى مِثْلِ الدَّيْنِ ، وَهَا هُنَا قَدْ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَتَصِيرُ الْحَوَالَةُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لِأَجْنَبِيٍّ فَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَلَا تَجُوزُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ فَتَصِيرُ الْحَوَالَةُ قَدْ خَالَفَتْ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنْهَا ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ

جِنْسِ الْمُحَالِ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الْكِتَابَةِ لِلْمُكَاتَبِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ كِتَابَتَهُ تَارَةً وَرَقَبَتَهُ أُخْرَى ، قِيلَ أَصْلُ الْحَوَالَةِ رُخْصَةٌ لِأَنَّهَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ فَلَا يَتَعَدَّى بِهَا مَا خَفَّفَ مِنْهَا ا هـ ، كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَلَخَصَّهُ فِي الشَّامِلِ بِقَوْلِهِ وَحُلُولُ مُحَالٍ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَا مُحَالٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ، وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُحِيلَ سَيِّدَهُ لَا أَجْنَبِيًّا بِمَا حَلَّ مِنْ كِتَابَتِهِ عَلَى نُجُومِ مُكَاتَبِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ .
الْبُنَانِيُّ وَفِي التَّوْضِيحِ وَأَمَّا الْكِتَابَةُ الْمُحَالُ بِهَا فَاشْتَرَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ حُلُولَهَا ، قَالَ وَإِلَّا فَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ .
وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهَا لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَعْتِقَ مَكَانَهُ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ لَيْسَ دَيْنًا ثَابِتًا ، فَقَدْ اشْتَرَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحُلُولَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُحَالِ بِهِ الْحُلُولُ ، وَرَأَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ دَيْنًا ثَابِتًا ، وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُمَا ، وَحَكَى عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّهُ إنَّمَا اخْتَلَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ إذَا سَكَتَا عَنْ شَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ ، وَعَنْ شَرْطِ بَقَائِهِ مُكَاتَبًا فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ نَفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْأَدَاءِ ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ يُحْكَمُ بِتَعْجِيلِ الْعِتْقِ .
وَأَمَّا إنْ أَحَالَهُ بِشَرْطِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ فَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي جَوَازِهَا بِشَرْطِ عَدَمِهِ فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي مَنْعهَا ، ابْنُ عَرَفَةَ لَا تَجُوزُ حَمَالَةٌ بِكِتَابَةٍ وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ ، وَفِي شَرْطِهَا بِحُلُولِهَا قَوْلًا ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فِيهَا وَصَوَّبَهُ سَحْنُونٌ وَالصَّقَلِّيُّ وَاللَّخْمِيُّ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ إنْ لَمْ تَحِلَّ الْكِتَابَةُ وَأَحَالَ عَلَيْهَا سَيِّدَهُ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ عِتْقِهِ أَوْ بِشَرْطِ عَدَمِهِ لَمْ يَخْتَلِفَا فِيهِمَا .
وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُفْسَخُ ، يُرِيدُ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْأَدَاءِ وَغَيْرُهُ

يَحْكُمُ بِتَعْجِيلِ الْعِتْقِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ اطَّلَعْت عَلَى تَمَامِ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَوَجَدْته نَصَّ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ فِي إحَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ عَلَى دَيْنٍ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ .
وَأَمَّا إذَا أَحَالَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ عِتْقِ الْأَعْلَى حَلَّتْ كِتَابَتُهُ أَوْ لَا ، وَنَصُّهُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَفِيهَا إنْ أَحَالَك مُكَاتَبُك بِكِتَابَتِهِ عَلَى مُكَاتَبِهِ بِقَدْرِهَا لَمْ تَجُزْ إلَّا بِبَتِّ عِتْقِ الْأَعْلَى ، فَإِنْ عَجَزَ الْأَسْفَلُ رَقَّ لَك .
الصِّقِلِّيُّ يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ كِتَابَةُ الْأَعْلَى لِشَرْطِهِ تَعْجِيلَ عِتْقِهِ .
الْمَازِرِيُّ قَالُوا لَا مَعْنَى لِشَرْطِ تَعْجِيلِ عِتْقِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُهُ .
الصِّقِلِّيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْقِيَاسُ أَنَّ لَفْظَ الْحَوَالَةِ يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ لِلِاعْتِذَارِ عَنْ شَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ بِمَا تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا أَوْجَبَتْ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا عَلَى مُحَقَّقٍ ثُبُوتُهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ عَجْزِ الْأَسْفَلِ فَلَا يَحْصُلُ نَفْسُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، فَضَعْفُ إيجَابِ هَذِهِ الْحَوَالَةِ الْبَرَاءَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْعِتْقِ فَافْتَقَرَ إلَى شَرْطِهَا بِالْعِتْقِ

وَتَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ قَدْرًا وَصِفَةً ، وَفِي تَحَوُّلِهِ عَلَى الْأَدْنَى : تَرَدُّدٌ

( وَ ) شَرْطُ الْحَوَالَةِ ( تَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ ) الْمُحَالِ بِهِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ ( قَدْرًا ) بِأَنْ يُحِيلَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَلَى مِثْلِهَا لَا عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا وَلَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ تَسَاوِي مَا عَلَى الْمُحِيلِ لِمَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ حَتَّى تَمْتَنِعَ الْإِحَالَةُ بِخَمْسَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ عَلَى الْمُحِيلِ عَلَى خَمْسَةٍ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، أَوْ بِخَمْسَةٍ عَلَى الْمُحِيلِ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَمَا تُوهَمُ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَسَاوِي مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحَالِ بِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ .
( وَ ) تُسَاوِيهِمَا ( صِفَةً ) بِأَنْ يَكُونَا مُحَمَّدِيَّيْنِ أَوْ يَزِيدِيَّيْنِ فَلَا يُحَالُ بِيَزِيدِيٍّ عَلَى مُحَمَّدِيٍّ وَلَا عَكْسُهُ زَادَ الشَّارِحُ تَسَاوِيهِمَا جِنْسًا كَذَهَبَيْنِ أَوْ فِضَّتَيْنِ فَلَا يُحَالُ بِذَهَبٍ عَلَى فِضَّةٍ وَلَا عَكْسُهُ الْبِسَاطِيُّ يُسْتَغْنَى عَنْ هَذَا بِتَسَاوِيهِمَا صِفَةً ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسَاوِي الصِّفَةِ اتِّحَادُ الْجِنْسِ كَدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ مُحَمَّدِيَّتَيْنِ أَوْ يَزِيدِيَّتَيْنِ ( وَفِي ) جَوَازِ ( تَحَوُّلِهِ ) بِالْأَعْلَى صِفَةً ( عَلَى الْأَدْنَى ) صِفَةً بِالْأَكْثَرِ قَدْرًا عَلَى الْأَقَلِّ قَدْرًا وَمَنْعِهِ ( تَرَدُّدٌ ) وَعُلِّلَ الْجَوَازُ بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ ، وَالْمَنْعُ بِتَأْدِيَتِهِ لِلتَّفَاضُلِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ الْأَشْيَاخَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَرَدَّدُوا فِي جَوَازِ تَحَوُّلِهِ مِنْ الدَّيْنِ الْأَعْلَى إلَى أَدْنَى مِنْهُ يُرِيدُ أَوْ مِنْ الْكَثِيرِ إلَى أَقَلَّ مِنْهُ ، وَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى الْجَوَازِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ التَّرَدُّدَ جَارٍ فِي التَّحَوُّلِ مِنْ الْكَثِيرِ إلَى الْقَلِيلِ ، بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ ذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُقَدِّمَاتِ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ شَرَطَ فِيهَا تَمَاثُلَهُمَا فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ وَلَا أَدْنَى وَلَا أَفْضَلَ ا هـ .
قُلْت هَذَا وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِجُمْلَةِ الْكَثِيرِ عَلَى الْقَلِيلِ كَأَحَلْتُكَ بِالْمِائَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ عَلَى فُلَانٍ بِعَشَرَةٍ لِي عِنْدَهُ .
أَمَّا إنْ قَالَ لَهُ أَسْقَطْت عَنْك تِسْعِينَ مِنْ الْمِائَةِ وَأَحَلْتُك بِالْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى عَشَرَةٍ لِي عَلَى فُلَانٍ فَالظَّاهِرُ فِيهِ التَّرَدُّدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فِي التَّوْضِيحِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ جَوَازِ التَّحَوُّلِ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى مُوَافِقٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ شَاسٍ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَقْوَى فِي الْمَعْرُوفِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ لَا يَجُوزُ ، وَأَمَّا التَّحَوُّلُ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ فَيَجُوزُ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى مَوْضِعَ عَلَى عَنْ ، فَهِيَ بِمَعْنَى عَلَى ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهَا بِمَعْنَاهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَخْذُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى ، وَهَذِهِ لَا يَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ يُشْتَرَطُ تَمَاثُلُ صِنْفِ الدَّيْنَيْنِ ، وَفِي شَرْطِ تَسَاوِيهِمَا فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ مُطْلَقًا وَجَوَازِ كَوْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَقَلُّ أَوْ أَدْنَى .
قَوْلُ الْمُقَدِّمَاتِ شَرْطُهَا تَمَاثُلُهُمَا فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ وَلَا أَدْنَى وَلَا أَفْضَلَ وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ مَعَ الْمَازِرِيِّ وَالْمُتَيْطِيِّ ، وَقَالَ شُرُوطُهَا سِتٌّ كَوْنُهَا عَلَى دَيْنٍ ، وَاتِّحَادُ جِنْسِ الدَّيْنَيْنِ ، وَاتِّحَادُ قَدْرِهِمَا وَصِفَتِهِمَا أَوْ كَوْنُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَقَلَّ أَوْ أَدْنَى ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) فِي التَّوْضِيحِ حَيْثُ حَكَمَ بِالْمَنْعِ فِي هَذَا الْفَصْلِ ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقَعْ التَّقَابُضُ فِي الْحَالِ فَإِنْ قَبَضَهُ فِيهِ جَازَ ، فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَ الدَّيْنَانِ فِي الصِّنْفِ أَوْ الْجَوْدَةِ وَهُمَا طَعَامٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ وَإِنْ حَلَّا مُحَمَّدٌ

إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا فَتَجُوزُ إلَّا فِي الطَّعَامِ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبِضَهُ إلَّا صَاحِبُهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ وَرِقًا فَلَا يُحِيلُهُ بِهِ ، وَإِنْ حَلَّا إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ مَكَانَهُ قَبْلَ افْتِرَاقِ الثَّلَاثَةِ وَطُولَ الْمَجْلِسِ .

وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ :
( وَ ) شَرْطُهَا ( أَنْ لَا يَكُونَا ) أَيْ الدَّيْنَانِ الْمُحَالُ بِهِ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ ( طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ ) فَلَا يَدْخُلُهَا بَيْعُ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَفْرَدَ طَعَامًا وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ مُثَنَّى لِكَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ صَادِقًا عَلَى الْكَثِيرِ أَيْضًا ، كَمَاءٍ وَثَنَّاهُ فِي السَّلَمِ نَظَرًا لِتَعَدُّدِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ ، وَشَمِلَ مَنْطُوقُهُ صُورَتَيْنِ كَوْنَهُمَا مِنْ قَرْضٍ ، وَيَكْفِي فِي هَذِهِ حُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ ، وَكَوْنَ أَحَدِهِمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرِ مِنْ قَرْضٍ ، وَيَكْفِي فِي هَذِهِ حُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ ، وَكَوْنِ أَحَدِهِمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرِ مِنْ قَرْضٍ ، وَيَكْفِي فِي هَذِهِ حُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا ابْنُ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَاشْتَرَطَ حُلُولَهُمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ وَقَوْلُهُمْ أَصْوَبُ فَهُوَ الْمَذْهَبُ ، فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ .
ابْنُ عَاشِرٍ عِلَّةُ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي كَوْنِ أَحَدِهِمَا مِنْ بَيْعٍ فَمَا مَعْنَى جَوَازِهَا فِيهِمَا .
الْبُنَانِيُّ وَجْهُهُ أَنَّ قَضَاءَ الْقَرْضِ بِطَعَامِ الْبَيْعِ جَائِزٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَضَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ قُلْت هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمُحَالُ بِهِ مِنْ قَرْضٍ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ لَا فِي عَكْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

لَا كَشْفُهُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ
( لَا ) يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ ( كَشْفُهُ ) أَيْ الْمُحَالِ ( عَنْ ) حَالِ ( ذِمَّةِ ) الشَّخْصِ ( الْمُحَالِ عَلَيْهِ ) مِنْ غِنًى وَفَقْرٍ وَاشْتِغَالٍ بِدَيْنٍ آخَرَ غَيْرِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ ، فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ مَعَ عَدَمِ الْكَشْفِ عَنْهَا ، فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إجَازَةُ الْحَوَالَةِ مَعَ الْجَهْلِ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ ، وَنَصُّهُ أَجَازَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْحَوَالَةَ مَعَ الْجَهْلِ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَدْرِي أَمُوسِرٌ هُوَ أَوْ مُعْسِرٌ الْمَازِرِيُّ شَرْطُ بَيْعِ الدَّيْنِ عِلْمُ حَالِ ذِمَّةِ الْمَدِينِ ، وَإِلَّا كَانَ غَرَرًا بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ فَاغْتُفِرَ فِيهَا الْغُرُورُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ

وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحَالِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَفْلَسَ أَوْ جَحَدَ ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُحِيلُ بِإِفْلَاسِهِ فَقَطْ

( وَيَتَحَوَّلُ ) بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْحَوَالَةِ ( حَقُّ ) الشَّخْصِ ( الْمُحَالِ عَلَى ) الشَّخْصِ ( الْمُحَالِ عَلَيْهِ ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُفْلِسًا ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ قَدْ ( أَفْلَسَ ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ حِينَ الْحَوَالَةِ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهُ وَأَوْلَى إنْ طَرَأَ فَلَهُ بَعْدَهَا إنْ اسْتَمَرَّ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ ، بَلْ ( أَوْ ) أَيْ وَإِنْ ( جَحَدَ ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ لَا قَبْلَهَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ بِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ دَيْنٍ عَلَيْهِ ، وَالْأَوْلَى إبْدَالُ وَاوِ وَيَتَحَوَّلُ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُحِيلُ بِإِفْلَاسِهِ ) أَيْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْمُحَالِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِيهَا وَإِذَا أَحَالَك غَرِيمُك عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَرَضِيت بِاتِّبَاعِهِ فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي غَيْبَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ عُدْمِهِ .
أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُحَالُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ جَحَدَ أَوْ مَاتَ فَلَهُ شَرْطُهُ ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُغِيرَةِ ابْنِ نَاجِي ، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ لَمْ أَعْرِفْ فِيهِ خِلَافًا .
وَفِي التَّوْضِيحِ مَسْأَلَةُ الْفَلَسِ صَحِيحَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا ، وَقَيَّدَهَا الْمُغِيرَةُ فَقَالَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُحَالُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَلَهُ شَرْطُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ حُدُوثُ فَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَغْوٌ لَا يُوجِبُ نَقْضَهَا ، وَسَمِعَ سَحْنُونٌ الْمُغِيرَةَ إنْ شَرَطَ الْمُحَالُ إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ فَلَهُ شَرْطُهُ ، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيَّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ لَمْ أَعْرِفْ فِيهِ خِلَافًا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُنَاقِضٌ لِعَقْدِ الْحَوَالَةِ ، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ فِي الشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ لِلْعَقْدِ أَنَّهُ يُفْسِدُهُ ،

وَفِي بَعْضِهَا يَسْقُطُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ كَالْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا جَائِحَةَ .
ابْنُ سَلْمُونٍ إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحَالَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْمُحَالُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْحَوَالَةُ ، فَإِنْ انْعَقَدَ فِي الْوَثِيقَةِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُحَالِ بِمُلَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَمَوْضِعِهِ مِنْ الْمَالِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِوَجْهٍ وَإِنْ كَانَ إفْلَاسُهُ بَعْدَ الْإِحَالَةِ فَلَا كَلَامَ لِلْمُحَالِ .
الْحَطّ إذَا عَلِمَا جَمِيعًا بِفَلَسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ قَالَهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَحْرَى إذَا عَلِمَهُ الْمُحَالُ وَحْدَهُ ، فَإِنْ جَهِلَا فَلَسَهُ جَمِيعًا فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ ، بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْمُوَضِّحُ وَغَيْرُهُمَا ، بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اعْتَرَضَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّ فَلَسَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَيْبًا فَلَهُ الرُّجُوعُ ، عَلِمَ الْمُحِيلُ بِهِ أَمْ لَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ مُطْلَقًا .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَيْبٌ مَعَ عِلْمِ الْمُحِيلِ لِغُرُورِهِ ، وَأَجَابَ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ مَعْرُوفٌ فَسَهُلَ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يَغِرَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ السَّابِقُ بِهَذَا

وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ ، إنْ ظُنَّ بِهِ الْعِلْمَ
( وَ ) إنْ ادَّعَى الْمُحَالُ عِلْمَ الْمُحِيلِ بِفَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَهُ الْمُحِيلُ ( حَلَفَ ) الْمُحِيلُ ( عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ الْعِلْمِ ( إنْ ظُنَّ ) بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ( بِهِ ) أَيْ الْمُحِيلِ ( الْعِلْمُ ) أَيْ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ حَالَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفُ ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ الْمُحَالُ بِهِ هَذَا هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ .
وَالظَّاهِرُ مِثْلُهُ فِي دَعْوَى الْمُحِيلِ عِلْمَ الْمُحَالِ فَلَسَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ

فَلَوْ أَحَالَ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِالثَّمَنِ ، ثُمَّ رَدَّ بِعَيْبٍ أَوْ اسْتَحَقَّ وَلَمْ تَنْفَسِخْ ، وَاخْتِيرَ خِلَافُهُ

وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَتَحَوَّلُ إلَخْ فَقَالَ ( فَلَوْ أَحَالَ ) شَخْصٌ ( بَائِعٌ ) شَيْئًا مَعْلُومًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ( عَلَى مُشْتَرٍ ) ذَلِكَ الشَّيْءَ ( بِالثَّمَنِ ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ ( ثُمَّ رُدَّ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ عَلَى بَائِعِهِ الْمُحِيلِ بِثَمَنِهِ ( بِ ) سَبَبِ ( عَيْبٍ ) قَدِيمٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ بِسَبَبِ فَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ بِسَبَبِ إقَالَةٍ ( أَوْ اُسْتُحِقَّ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُحَالِ عَلَيْهِ قَبْلَ دَفْعِهِ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ ( لَمْ تَنْفَسِخْ ) الْحَوَالَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي دَفْعُ الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ عَلَى بَائِعِهِ الْمُحِيلِ ( وَاخْتِيرَ خِلَافُهُ ) أَيْ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَهُوَ الِانْفِسَاخُ .
الْحَطّ وَتَنْفَسِخُ عِنْدَ أَشْهَبَ وَاخْتَارَهُ الْأَئِمَّةُ .
ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ فَقَوْلُهُ وَاخْتِيرَ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قَاعِدَتِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ مَادَّةَ الِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيُّ وَصِيغَةَ الْفِعْلِ لِاخْتِيَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلَّخْمِيِّ اخْتِيَارٌ هُنَا ، وَالْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَنْصُوصٌ وَالْمُخْتَارُ لِقَوْلِ أَشْهَبَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) هَذَا الْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِظَنِّ الْبَائِعِ أَنَّهُ مَلَكَ مَا بَاعَهُ ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ كَبَيْعِهِ سِلْعَةً لِرَجُلٍ ثُمَّ بَيْعِهَا لِآخَرَ وَإِحَالَتِهِ عَلَيْهِ بِثَمَنِهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ ، وَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَابْنِ سَلْمُونٍ ، وَنَصُّهُ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ بَاعَ حِصَّةً مِنْ كَرْمٍ وَأَحَالَ عَلَيْهِ بِثَمَنِهَا فَأَثْبَتَ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْتَاعَ الْحِصَّةَ مِنْ الْمُحِيلِ قَبْلَ بَيْعِهَا لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ وَاسْتَحَقَّ الْحِصَّةَ وَفُسِخَ الْبَيْعُ فَقَالَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْت فَتُنْتَقَضُ الْإِحَالَةُ وَيَرْجِعُ

الْمُحَالُ بِدَيْنِهِ عَلَى الَّذِي أَحَالَهُ ، وَلَا يَكُونُ لَهُ قِبَلَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِسُقُوطِ الثَّمَنِ بِالِاسْتِحْقَاقِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَارِجَةٌ عِنْدِي مِنْ الِاخْتِلَافِ لِكَوْنِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمُحِيلِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ ، وَقَدْ كُنْتُ سُئِلْتُ عَنْهَا مِنْ مُدَّةٍ فَأَجَبْت فِيهَا بِمِثْلٍ هَذَا الْجَوَابِ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ خَالَفَهُ فِي اللَّفْظِ

وَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ ، إنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ نَفْيُ الدَّيْنِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ ، لَا فِي دَعْوَاهُ وَكَالَةً أَوْ سَلَفًا .

( وَ ) إنْ ادَّعَى الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَادَّعَى الْمُحِيلُ أَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ فَلَسِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ فَ ( الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ ) بِيَمِينٍ ( إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُحِيلُ الْمُحَالَ ( نَفْيَ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْفَاءِ ، أَيْ عَدَمَ ( الدَّيْنِ لِ ) الْمُحِيلِ عِنْدَ ( الْمُحَالِ عَلَيْهِ ) فَإِنْ حَضَرَ وَذَكَرَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَحَدِهِمَا فَهَلْ يَكُونُ شَاهِدًا لَهُ أَمْ لَا ، وَهَلْ يَجْرِي فِي الْمَلِيءِ وَالْمُعْسِرِ أَمْ لَا .
فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَهَا ثُبُوتُ دَيْنٍ لَازِمٍ ، فَمُقْتَضَاهُ تَكْلِيفُ الْمُحِيلِ بِإِثْبَاتِهِ ، فَجَوَابُهُ أَنَّ رِضَا الْمُحَالِ بِالْحَوَالَةِ ابْتِدَاءً تَصْدِيقٌ مِنْهُ بِثُبُوتِهِ فَصَارَ مُدَّعِيًا وَالْمُحِيلُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ قَبَضَ شَخْصٌ دَيْنَ آخَرَ مِنْ مَدِينِهِ وَادَّعَى رَبُّ الدَّيْنِ أَنَّهُ وَكَّلَ الْقَابِضَ عَلَى قَبْضِهِ أَوْ أَنَّهُ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ وَادَّعَى الْقَابِضُ أَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا فَ ( لَا ) يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُحِيلِ ( فِي دَعْوَاهُ ) أَيْ الْمُحِيلِ ( وَكَالَةً ) أَيْ تَوْكِيلًا لِلْمُحَالِ عَلَى قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِنْكَارِهِ إحَالَتَهُ لَهُ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ لِلْمُحَالِ ( أَوْ ) دَعْوَاهُ ( سَلَفًا ) أَيْ تَسْلِيفًا لِلْمُحَالِ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَعَ صُدُورِ لَفْظِ الْحَوَالَةِ مِنْ الْمُحِيلِ لِلْمُحَالِ فَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مِنْ دَيْنِهِ أَحَالَهُ بِهِ إنْ أَشْبَهَ كَوْنُ مِثْلِهِ يُدَايِنُ الْمُحِيلَ ، وَإِلَّا فَقَوْلُ رَبِّ الْمَالِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ أَوْ سَلَّفَهُ ، هَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْوَكَالَةِ وَتَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ فِي السَّلَفِ عَلَيْهَا .
وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَوْلَ فِي السَّلَفِ لِلْمُحِيلِ وَخَرَجَ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ

فِي الْوَكَالَةِ ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْجَرْيُ عَلَيْهِ أَفَادَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ ، أَيْ فِي الْوَكَالَةِ وَالسَّلَفِ ، قَالَ فِي ضَيْح أَرَادَ بِالْأَصَحِّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْوَكَالَةِ وَغَيْرِ الْأَصَحِّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي السَّلَفِ .
اللَّخْمِيُّ الْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ ، وَعَلَى هَذَا فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلٌ ، وَخَرَجَ فِيهِ آخَرُ مِنْ الْأُخْرَى ، وَبِتَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي السَّلَفِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ " ز " يَنْبَغِي لَهُ الْجَرْيُ عَلَيْهِ ، أَيْ الْمَنْصُوصِ فِيهِ أَيْ السَّلَفِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

بَابُ ) الضَّمَانِ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ ، وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ : كَمُكَاتَبٍ ، وَمَأْذُونٍ أَذِنَ سَيِّدُهُمَا ، وَزَوْجَةٍ ، وَمَرِيضٍ بِثُلُثٍ

بَابٌ ) فِي بَيَانِ الضَّمَانِ وَأَقْسَامِهِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ( الضَّمَانُ ) أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا الْمَازِرِيُّ الْحَمَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ وَالزَّعَامَةُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي اللُّغَةِ ، تَقُولُ الْعَرَبُ هَذَا كَفِيلٌ وَحَمِيلٌ وَضَمِينٌ وَزَعِيمٌ ، هَذِهِ هِيَ الْأَسْمَاءُ الْمَشْهُورَةُ وَتَقُولُ الْعَرَبُ أَيْضًا قَبِيلٌ بِمَعْنَى ضَمِينٍ ( شَغْلٌ ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَيْنِ ، أَيْ مَصْدَرُ شَغَلَ بِفَتْحِهِمَا مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ جِنْسٌ شَمِلَ الضَّمَانَ وَغَيْرَهُ ، وَإِضَافَتُهُ لِ ( ذِمَّةٍ ) فَصْلٌ مُخْرِجٌ لِشَغْلِ غَيْرِهَا وَنَعْتُ ذِمَّةٍ بِ ( أُخْرَى ) أَيْ مَعَ الْأُولَى فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ الْحَوَالَةَ وَالْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالنِّكَاحَ وَالْخُلْعَ وَنَحْوَهَا ( بِالْحَقِّ ) إمَّا ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً ، فَشَمِلَ ضَمَانَ الْمَالِ وَضَمَانَ الْوَجْهِ وَضَمَانَ الطَّلَبِ ، وَأَلْ فِي الْحَقِّ لِلْعَهْدِ أَيْ الْأَوَّلِ الَّذِي شُغِلَتْ بِهِ الذِّمَّةُ الْأُولَى فَانْدَفَعَ إيرَادُهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ بَيْعَ شَيْءٍ بِدَيْنٍ ثُمَّ بَيْعَ سِلْعَةٍ أُخْرَى بِدَيْنٍ أَيْضًا وَالتَّشْرِيكُ فِيمَا اشْتَرَى ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَشْمَلُ التَّوْلِيَةَ ، وَيُجَابُ بِخُرُوجِهَا بِأُخْرَى كَالْحَوَالَةِ ، وَانْدَفَعَ بِقَوْلِي أَوْ انْتِهَاءً إيرَادُ أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِعَدَمِ شُمُولِهِ ضَمَانَ الْوَجْهِ وَضَمَانَ الطَّلَبِ .
وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي تَعْرِيفِهِ بِمَا ذُكِرَ ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ الْحَمَالَةُ الْتِزَامُ دَيْنٍ لَا يُسْقِطُهُ أَوْ طَلَبَهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِمَنْ هُوَ لَهُ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِعَبْدِ الْوَهَّابِ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ لَا يَشْمَلُهَا لِأَنَّ شَغْلَ الذِّمَّةِ لَازِمٌ لَهَا لَا نَفْسِهَا لِأَنَّهَا مُكْتَسَبَةٌ ، وَالشَّغْلُ حُكْمٌ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ كَالْمِلْكِ مَعَ الْبَيْعِ .
وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إطْلَاقُ الْحَمَالَةِ عَلَى الطَّلَبِ إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ عُرْفًا لَا حَقِيقَةً ، يُرَدُّ بِمَنْعِهِ لِظَاهِرِ إطْلَاقَاتِ الْمُدَوَّنَةِ

وَالْأُمَّهَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالرُّوَاةِ .
" غ " فَالضَّمَانُ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ مُنَوَّعٌ إلَى الْتِزَامِ الدَّيْنِ وَالْتِزَامِ طَلَبِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ عِنْدَهُ مُكْتَسَبٌ وَالشَّغْلُ لَازِمُهُ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ مُكْتَسَبٌ وَالْمِلْكَ لَازِمُهُ .
الْبُنَانِيُّ حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَغْلٌ مُبَايِنٌ لِلْمَحْدُودِ فَلَيْسَ بِجَامِعٍ وَلَا مَانِعٍ لِأَنَّ الضَّمَانَ سَبَبٌ فِي الشَّغْلِ ، فَالشَّغْلُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ لَا نَفْسُهُ وَسَلَّمَهُ " غ " وعج وَرَدَّهُ ابْنُ عَاشِرٍ بِأَنَّ الَّذِي لَيْسَ فِعْلًا لِلشَّخْصِ إنَّمَا هُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ .
وَأَمَّا شَغْلُهَا فَهُوَ فِعْلُ الشَّخْصِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ ، فَقَوْلُهُمْ شَغْلُ ذِمَّةٍ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ شَغَلَ ذِمَّتَهُ بِالْحَقِّ أَيْ أَلْزَمَهَا إيَّاهُ ، فَهُوَ فِعْلٌ مُكْتَسَبٌ مُسَاوٍ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْتِزَامُ دَيْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاحْتَرَزَ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ لَا يُسْقِطُهُ عَنْ الْحَوَالَةِ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهَا طَرْحُ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْتِزَامٍ ، فَالْمُنَاسِبُ أَنَّهُ لِتَحْقِيقِ الْمَاهِيَّةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي فُصُولِ الْحَدِّ لَا لِإِخْرَاجِ الْحَوَالَةِ ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ صُوَرِ الْحَوَالَةِ وَذَلِكَ إذَا الْتَزَمَ مَدْيَنُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى دَائِنِهِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْحَوَالَةِ ، فَهَذِهِ تَخْرُجُ بِقَوْلِهِ لَا يُسْقِطُهُ ، وَيَخْرُجُ بِهِ أَيْضًا الْتِزَامُ دَيْنٍ عَلَى آخَرَ أَفَادَهُ عج .
( وَصَحَّ ) الضَّمَانُ وَلَزِمَ ( مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ ) بِالْمَضْمُونِ فِيهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيمَا ضَمِنَ ، فِيهِ فَدَخَلَتْ الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ بِالنِّسْبَةِ لِلثُّلُثِ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أَذِنَ لَهُمَا سَيِّدُهُمَا فِي ضَمَانِهِ .
وَمَفْهُومُ أَهْلِ التَّبَرُّعِ فِيهِ تَفْصِيلٌ ، فَإِنْ كَانَ زَوْجَةً أَوْ مَرِيضًا بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ رَقِيقًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، أَوْ مَدِينًا بِدَيْنٍ

مُسْتَغْرِقٍ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ ، أَوْ مُؤَجِّرًا نَفْسَهُ لِعَمَلٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ ظِئْرًا فَضَمَانُهُمْ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إجَازَتُهُ .
فِي النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ تَكَفَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ فَغَابَ الرَّجُلُ فَأُخِذَ بِهِ الْكَفِيلُ فَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْكَفِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يَبْنِيَ لَهُ دَارِهِ أَوْ يُسَافِرَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ فَالْإِجَارَةُ مُقَدَّمَةٌ وَلَا يُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ كَفَالَةَ الدَّيْنِ مَعْرُوفٌ مُتَطَوَّعٌ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ ظِئْرًا اُسْتُؤْجِرَتْ لِرَضَاعٍ قَبْلَ كَفَالَتِهَا فَلَا تُحْبَسُ فِي الْكَفَالَةِ أَيْضًا ، وَالرَّضَاعُ مُقَدَّمٌ ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ طُولِبَتْ بِالْحَمَالَةِ .
وَمَثَّلَ لِأَهْلِ التَّبَرُّعِ فَقَالَ ( كَ ) رَقِيقٍ ( مُكَاتَبٍ وَ ) رَقِيقٍ ( مَأْذُونٍ ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ ( أَذِنَ سَيِّدُهُمَا ) لَهُمَا فِي الضَّمَانِ ، فَيَصِحُّ مِنْهُمَا ، وَيَلْزَمُهُمَا إنْ وَقَعَ مِنْهُمَا .
فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا فَيَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَأُتْبِعَ ذُو الرِّقِّ بِهِ إنْ عَتَقَ ، وَدَخَلَ بِالْكَافِ قَنٌّ وَذُو شَائِبَةٍ كَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ ، وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ جَوَازِ ضَمَانِهِمَا بِلَا إذْنٍ لِإِحْرَازِ الْمُكَاتَبِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ ، وَلِرَفْعِ الْحَجْرِ عَنْ الْمَأْذُونِ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لِسَيِّدِهِ فِيهِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى عَجْزِهِ .
وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ تَوَقُّفُ ضَمَانِهِمَا عَلَى إذْنِ سَيِّدِهِمَا وَلَوْ ضَمِنَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ .
وَمُرَادُهُ بِهِمَا غَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا لِدَيْنٍ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ بِهِمَا لِأَهْلِ التَّبَرُّعِ ، فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ بِشُمُولِ كَلَامِهِ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِمَا لِدَيْنٍ ، وَأَجَابَ تت

بِأَنَّهُ أَطْلَقَ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَجْرِ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ .
الْبُنَانِيُّ الْكَافُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِلتَّشْبِيهِ ، وَفِي الْمَعْطُوفِ لِلتَّمْثِيلِ فَهِيَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي مَعْنَيَيْهِ .
( وَ ) كَ ( زَوْجَةٍ وَمَرِيضٍ ) ضَمِنَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا ( بِ ) قَدْرِ ( ثُلُثٍ ) مِنْ مَالِهِ أَوْ بِزَائِدٍ عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ كَدِينَارٍ وَمَا خَفَّ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَمْ تَقْصِدْ بِهِ ضَرَرًا فَيَمْضِي الثُّلُثُ مَعَ الزَّائِدِ الْيَسِيرِ لَا بِكَثِيرٍ ، فَلَا يَلْزَمُهَا ، وَإِنْ ضَمِنَتْ زَوْجَهَا أَوْ ضَمِنَ مَرِيضٌ وَارِثَهُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ صَحِيحًا مُتَوَقِّفًا عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ وَالْوَارِثِ وَلِلزَّوْجِ رَدُّ جَمِيعِهِ إنْ ضَمِنَتْ بِأَزْيَدَ كَمَا مَرَّ وَلَوْ لَهُ هُوَ وَلِلْوَارِثِ رَدُّ الزَّائِدِ فَقَطْ وَلَوْ لَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا كَفَالَةُ ذَاتِ الزَّوْجِ فِي ثُلُثِهَا إنْ تَكَفَّلَتْ بِزَوْجِهَا فَفِيهَا عَطِيَّتُهَا زَوْجَهَا جَمِيعَ مَالِهَا جَائِزَةٌ ، وَكَذَا كَفَالَتُهَا عَنْهُ .
الْبَاجِيَّ يُرِيدُ بِإِذْنِهِ وَفِيهَا إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا فِي كَفَالَتِهَا عَنْهُ فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ .
ا هـ .
فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَفَالَةِ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ ، وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيَّ هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ ، وَهُوَ وَإِنْ كَاتَبَتْ أَوْ تَكَفَّلَتْ أَوْ أَعْتَقَتْ أَوْ تَصَدَّقَتْ أَوْ وَهَبَتْ أَوْ صَنَعَتْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ ، فَإِنْ حَمَلَهُ ثُلُثُهَا وَهِيَ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهَا جَازَ وَإِنْ كَرِهَ زَوْجُهَا .
وَإِنْ جَاوَزَ ثُلُثَهَا فَلِزَوْجِهَا رَدُّ جَمِيعِهِ أَوْ إجَازَتُهُ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ ، إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ كَالدِّينَارِ وَمَا خَفَّ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ بِهِ ضَرَرَهُ فَيَمْضِي الثُّلُثُ مَعَ الزِّيَادَةِ ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَإِذَا أَجَازَ الزَّوْجُ كَفَالَةَ زَوْجَتِهِ الرَّشِيدَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا جَازَتْ تَكَفَّلَتْ عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ تَكَفَّلَتْ عَنْهُ بِمَا يَغْتَرِقُ جَمِيعَ مَالِهَا فَلَمْ يَرْضَ لَمْ يَجُزْ الثُّلُثُ وَلَا غَيْرُهُ .

ا هـ .
وَلَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا حُرَّةً رَشِيدَةً لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَا يَكُونُ ضَمَانُهَا لِغَيْرِهِ ، فَإِنْ ضَمِنَتْهُ جَازَ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ مَالِهَا لِأَنَّ جَوَازَ هَذَا مَشْرُوطٌ بِإِذْنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَالزَّوْجُ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ ، نَعَمْ يُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِكَوْنِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لَيْسَتْ يَسِيرَةً كَدِينَارٍ وَمَا خَفَّ وَإِلَّا فَيَمْضِي كُلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَاتُّبِعَ ذُو الرِّقِّ بِهِ إنْ عَتَقَ ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ جَبْرُهُ عَلَيْهِ

( وَ ) إنْ ضَمِنَ الرَّقِيقُ مَالًا أَوْ وَجْهًا وَتَعَذَّرَ مَضْمُونُهُ ( اُتُّبِعَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ( ذُو الرِّقِّ ) أَيْ الرَّقِيقُ ( بِ ) غَرَامَاتِ ( هـ ) أَيْ الضَّمَانِ ، سَوَاءٌ ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِلَا إذْنِهِ ( إنْ عَتَقَ ) الرَّقِيقُ الضَّامِنُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْفَوْقِيَّةِ أَيْ صَارَ حُرًّا بِإِعْتَاقٍ أَوْ أَدَاءِ نُجُومِ كِتَابَةٍ أَوْ مَوْتِ سَيِّدِهِ أَوْ انْقِضَاءِ أَجَلِ رَقَبَتِهِ أَوْ حُصُولِ مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ أَوْ تَمْثِيلٍ أَوْ نَحْوِهَا إذَا لَمْ يُرِدْ سَيِّدُهُ ضَمَانَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ ، فَإِنْ رَدَّ سَقَطَ عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِهِ عَنْهُ لِأَنَّ رَدَّهُ إبْطَالٌ لَا إيقَافٌ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ وَلَا مُكَاتَبٍ وَلَا مُدَبَّرٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ كَفَالَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ ، فَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يَجُوزُ إنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ ، فَإِنْ رَدَّهُ فَلَا يَلْزَمُهُمْ ، وَإِنْ عَتَقُوا وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ حَتَّى عَتَقُوا لَزِمَهُمْ عَلِمَ بِهِ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِمْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .
أَبُو الْحَسَنِ جَعَلَ رَدَّ السَّيِّدِ هُنَا رَدَّ إبْطَالٍ وَمِثْلُهُ فِي الْعِتْقِ ، وَجَعَلَهُ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ رَدَّ إيقَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الْحَطّ .
( وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ جَبْرُهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَفِي بِمَا يَضْمَنُهُ ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ جَبْرُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِهِ فَلَهُ جَبْرُهُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا .
اللَّخْمِيُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْبُرَ عَبْدَهُ عَلَى الْكَفَالَةِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ بِقَدْرِهَا ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مَالٌ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْبَرُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْبَرُ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ لَوْ أَشْهَدَ سَيِّدُهُ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَالَةُ فَلَا تَلْزَمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ

وَعَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ
وَ ) صَحَّ الضَّمَانُ بِمَعْنَى الْحَمْلِ لَا حَقِيقَةِ الضَّمَانِ الَّذِي هُوَ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ لِخَرَابِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ ، أَيْ صَحَّ الْحَمْلُ وَيَلْزَمُ ( عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ ) بِسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمُعْسِرِ .
قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْحَمَالَةُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَجُوزُ عَنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ تَحَمَّلَ عَنْ الْحَيِّ فَأَدَّى عَنْهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ ، وَإِتْبَاعُهُ بِهِ إنْ كَانَ مُعْدَمًا تَحَمَّلَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَإِنْ تَحَمَّلَ عَنْ مَيِّتٍ لَا وَفَاءَ لَهُ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى عَنْهُ فِي مَالٍ طَرَأَ لَهُ ا هـ .
الْمَازِرِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الْحَمَالَةِ عَنْ الْحَيِّ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَلَا فِي الْحَمَالَةِ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ مُوسِرًا ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْحَمَالَةِ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِهَا ، وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِمَنْعِهَا

وَالضَّامِنِ

( وَ ) صَحَّ ضَمَانُ ( الضَّامِنِ ) وَإِنْ تَكَرَّرَ بِأَنْ ضَمِنَ الضَّامِنُ ضَامِنًا وَضَمِنَ ضَامِنُ الضَّامِنِ ضَامِنًا ثَالِثًا ، وَضَمِنَ الثَّالِثُ ضَامِنًا رَابِعًا ، وَضَمِنَ الرَّابِعُ خَامِسًا وَهَكَذَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ كَوْنَ الضَّمَانِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَالٍ أَوْ بِوَجْهٍ أَوْ بِطَلَبٍ ، أَوْ كَوْنَ الْأَوَّلِ بِمَالٍ ، وَالثَّانِي بِوَجْهٍ وَعَكْسَهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ وَإِنْ اخْتَلَفَا مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعُ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْ الْكَفِيلِ كَفِيلًا لَزِمَهُ مَا لَزِمَ الْكَفِيلَ ا هـ .
وَفِي الشَّامِلِ وَإِنْ كَانَا مَعًا بِمَالٍ غَرِمَهُ الْأَوَّلُ إنْ حَلَّ وَغَابَ غَرِيمُهُ ، فَإِنْ أَعْدَمَ فَالثَّانِي فَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فَأَحْضَرَ الثَّانِي أَحَدَهُمَا مُوسِرًا بَرِئَ وَإِلَّا غَرِمَ ، فَإِنْ غَابَ الْكُلُّ بَدَأَ بِمَالِ غَرِيمِهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْأَوَّلِ ، ثُمَّ الثَّانِي وَإِنْ كَانَا مَعًا بِوَجْهٍ فَغَابَ غَرِيمُهُ أَحْضَرَهُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا غَرِمَ ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا بَرِئَ الثَّانِي بِحُضُورِ مَنْ ضَمِنَهُ ، وَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا أَحْضَرَ الثَّانِي أَحَدَهُمَا وَإِلَّا غَرِمَ ، وَإِنْ غَابَ الْكُلُّ أُخِذَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَالْأَوَّلِ ، ثُمَّ الثَّانِي إنْ لَمْ يَثْبُتْ فَقْرُ غَرِيمِهِ مَعَ الْأَوَّلِ .
وَإِنْ كَانَا الْأَوَّلُ بِمَالٍ دُونَ الثَّانِي فَغَابَ غَرِيمُهُ غَرِمَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي إنْ كَانَ غَرِيمُهُ فَقِيرًا .
فَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فَأَحْضَرَ الثَّانِي غَرِيمَهُ مُوسِرًا أَوْ الْأَوَّلَ مُطْلَقًا بَرِئَ وَإِلَّا غَرِمَ وَإِنْ غَابَ الثَّانِي أَيْضًا وَوُجِدَ لَهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ فَقْرُ الْأَوَّلِ .
وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِوَجْهٍ دُونَ الثَّانِي فَغَابَ غَرِيمُهُ أَحْضَرَهُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا غَرِمَ .
فَإِنْ أَعْدَمَ غَرِمَ الثَّانِي وَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا بَرِئَ الثَّانِي إنْ أَحْضَرَ غَرِيمَهُ مُطْلَقًا أَوْ الْأَوَّلَ مُوسِرًا ، فَإِنْ مَاتَ الْغَرِيمُ بَرِئَ لِبَرَاءَةِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ عَلَى

الْأَصَحِّ ، وَلَوْ مَاتَ الثَّانِي جَرَى عَلَى حُكْمِ حَمِيلِ الْمَالِ إذَا مَاتَ عَلَى الْأَظْهَرِ .
ا هـ .
وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ لَكِنَّ هَذَا أَخْصَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَالْمُؤَجَّلُ حَالًّا ، إنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ
( وَ ) إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَأَسْقَطَ الْمَدِينُ حَقَّهُ فِي التَّأْجِيلِ وَرَضِيَ بِتَعْجِيلِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ صَحَّ ضَمَانُ الدَّيْنِ ( الْمُؤَجَّلِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْجِيمِ مُشَدَّدًا عَلَى أَنْ يُدْفَعَ ( حَالًّا ) قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ ( إنْ كَانَ ) الدَّيْنُ ( مِمَّا يُعَجَّلُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْجِيمِ مُشَدَّدًا أَيْ يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ وَهُوَ الْعَيْنُ مُطْلَقًا وَالْعَرْضُ وَالطَّعَامُ مِنْ قَرْضٍ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ كَعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ ضَمَانُهُ حَالًّا لِأَنَّ فِيهِ حَطَّ الضَّمَانِ ، وَأَزِيدُك تَوَثُّقًا بِالضَّمَانِ .
الْبُنَانِيُّ كَضَمَانِ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا فِي جَوَازِهِ بِقَيْدِهِ ضَمَانَهُ لِدُونِ أَجَلِهِ وَضَمَانَهُ لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ وَلِأَبْعَدَ مُمْتَنِعٌ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ ، وَتَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ مِمَّا يُعَجَّلُ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ ، فَإِنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَا يَأْخُذُ زِيَادَةً فِي نَفْسِ الْحَقِّ وَلَا مُنْفَصِلَةً يَنْتَفِعُ بِهَا ، وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّوَثُّقَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ وَلَا غَرَضَ لِلْآخَرِ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ مَعَ التَّأْخِيرِ لَا مَعَ التَّعْجِيلِ ، وَتَعَقَّبَ بِمُخَالَفَتِهِ النَّقْلَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِعْطَاءُ حَمِيلٍ بِدَيْنٍ قَبْلَ أَجَلِهِ إلَيْهِ جَائِزٌ مُطْلَقًا ، وَإِلَى أَجَلٍ دُونَهُ وَالدَّيْنُ عَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ مِنْ قَرْضٍ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَرْضًا مِنْ بَيْعٍ وَالْقَصْدُ نَفْعُ الطَّالِبِ بِالتَّعْجِيلِ جَازَ ، وَلِنَفْعِ الْمَطْلُوبِ بِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ لَا يَجُوزُ

وَعَكْسُهُ إنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ أَوْ لَمْ يُوسِرْ فِي الْأَجَلِ
( وَ ) يَجُوزُ ( عَكْسُهُ ) أَيْ ضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا كَأَجَلِ مَدِينِك بِالدَّيْنِ شَهْرًا وَأَنَا ضَامِنُهُ ( إنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ ) أَيْ مَدِينُ الْمَضْمُونِ لَهُ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ لِأَنَّهُ كَابْتِدَاءِ تَسْلِيفٍ بِضَامِنٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ مِنْهُ ( أَوْ ) أَعْسَرَ غَرِيمُهُ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ وَ ( لَمْ ) أَيْ وَكَانَ لَا ( يُوسِرْ ) الْغَرِيمُ فِي الْأَجَلِ ) بِأَنْ كَانَ يَسْتَمِرُّ عُسْرُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ الَّذِي ضَمِنَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ انْتَفَعَ بِتَوَثُّقِهِ بِالضَّمَانِ لَمْ يَحْصُلْ تَسْلِيفٌ بِتَأْخِيرِهِ لِوُجُوبِ إنْظَارِهِ لِعُسْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ يُوسِرُ فِي الْأَجَلِ بِغَلَّةٍ أَوْ مُرَتَّبٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَثَلًا فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَعْدَ يُسْرِهِ تَسْلِيفٌ جَرَّ نَفْعًا بِتَوَثُّقِهِ بِالضَّمَانِ فِيمَا قَبْلَ يُسْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيُسْرَ الْمُتَرَقَّبَ كَالْحَاصِلِ ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ عُسْرِهِ وَيُسْرُهُ الْمُتَرَقَّبُ قَدْ لَا يَحْصُلُ فَهُوَ مُعْسِرٌ تَبَرَّعَ بِضَامِنٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِعْطَاؤُهُ أَيْ الْحَمِيلِ بَعْدَ حُلُولِهِ لِتَأْخِيرِ وَالْغَرِيمُ مُوسِرٌ جَائِزٌ ، وَكَذَا إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَالتَّأْخِيرُ لِمَا يَرَى يُسْرَهُ إلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَفِي جَوَازِهِ لِمَا يَرَى يُسْرَهُ قَبْلَهُ قَوْلَا أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ

وَبِالْمُوسِرِ أَوْ بِالْمُعْسِرِ ؛ لَا الْجَمِيعِ بِدَيْنٍ لَازِمٍ ، أَوْ آيِلٍ إلَيْهِ

( وَ ) إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَالْمَدِينُ مُوسِرٌ بِبَعْضِهِ وَمُعْسِرٌ بِبَعْضِهِ صَحَّ ضَمَانُهُ ( بِ ) الْبَعْضِ ( الْمُوسَرِ ) بِفَتْحِ السِّينِ بِهِ فَقَطْ مُؤَجَّلًا ( أَوْ ) ضَمَانُهُ بِالْبَعْضِ ( الْمُعْسَرِ ) بِفَتْحِ السِّينِ بِهِ إنْ اسْتَمَرَّ عُسْرُهُ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَجَلِ ( لَا ) يَصِحُّ ضَمَانُهُ ( بِالْجَمِيعِ ) أَيْ الْمُوسَرِ بِهِ وَالْمُعْسَرِ بِهِ مَعًا عَلَى تَأْخِيرِهِ بِالْمُوسَرِ بِهِ لِأَنَّهُ تَسْلِيفٌ بِتَأْخِيرِهِ جَرَّ نَفْعَ التَّوَثُّقِ بِالضَّمَانِ فِي الْمُعْسَرِ بِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِالْبَعْضِ فَالْحَمَالَةُ بِهِ لِيُؤَخِّرَهُ جَائِزَةٌ ، وَكَذَا بِمَا هُوَ مُعْسَرٌ بِهِ عَلَى تَعْجِيلِ مَا هُوَ مُوسَرٌ بِهِ وَعَلَى تَأْخِيرِهِ لَا يَجُوزُ .
قُلْت وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِالْبَعْضِ جَازَ ضَمَانُ أَحَدِهِمَا لَا الْجَمِيعِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهِ نَظَرٌ إذَا مَرِضَ إنَّ عُسْرَهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْيُسْرِ فِي الْأَجَلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسِرًا بِالْجَمِيعِ لَجَازَ ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا بِهِ لَجَازَ أَيْضًا .
قُلْت لَا يَخْفَى سُقُوطُ احْتِجَاجِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا بِالْجَمِيعِ فَلَا عُوِّضَ عَنْ الْحَمَالَةِ بِوَجْهٍ ، وَإِذَا كَانَ مُوسِرًا بِالْبَعْضِ فَالْعِوَضُ عَنْهَا مَوْجُودٌ وَهُوَ تَأْخِيرُهُ بِالْبَعْضِ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ فَيَدْخُلُهُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ وَسَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا حَسْبَمَا قَرَّرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَشَارَ لِلْمَضْمُونِ فِيهِ بِقَوْلِهِ مُعَلَّقًا لَهُ يَصِحُّ ( بِدَيْنٍ ) لَا بِمُعَيَّنٍ كَوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَالِ قِرَاضٍ وَشَرِكَةٍ عَلَى أَنَّهَا إنْ تَلِفَتْ أَتَى الضَّامِنُ بِعَيْنِهَا لِاسْتِحَالَتِهِ ، فَإِنْ ضَمِنَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَلَفِهَا بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ مِنْ الْعَرْضِ صَحَّ وَلَزِمَ ( لَازِمٌ ) كَقَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجْرَةِ مُسْتَأْجَرٍ فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ فِي دَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَدَيْنٍ عَلَى رَقِيقٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ تُدَايِنُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَوَلِيِّهِ ( أَوْ آيِلٌ ) بِهَمْزَتَيْنِ وَلَا تَبْدُ الثَّانِيَةُ يَاءً كَبَائِعٍ أَيْ

صَائِرٌ ( إلَيْهِ ) أَيْ اللُّزُومِ كَجُعْلٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمَضْمُونُ مَا يَأْتِي نَيْلُهُ مِنْ الضَّامِنِ أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُهُ فَيَدْخُلُ الْوَجْهُ ، وَكُلُّ الْكُلِّيِّ لَا الْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ كَالْمُعَيَّنِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ ، وَلِذَا جَازَتْ بِعَمَلِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّهُ كُلِّيٌّ حَسْبَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَجْوِبَتُهَا مَعَ غَيْرِهَا ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُفْتِينَ وَفِيهَا لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَا ابْتَعْته مِنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ ، وَتَجُوزُ بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْ دَرْكٍ فِي الْمَبِيعِ فَيَغْرَمُ الثَّمَنَ حِينَ الدَّرْكِ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ وَعُدْمِهِ

لَا كِتَابَةٍ بَلْ كَجُعْلٍ

وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ لَازِمٍ فَقَالَ ( لَا ) يَصِحُّ الضَّمَانُ بِنُجُومِ ( كِتَابَةٍ ) لِعَدَمِ لُزُومِهَا إلَّا أَنْ يُعَجِّلَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ أَوْ يَشْتَرِطَ تَنْجِيزَ عِتْقِهِ عَلَى تَقْدِيرِ عَجْزِهِ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ فِيهَا لِلُزُومِهَا ، وَإِنْ أَدَّاهَا الضَّامِنُ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ ، قَالَ فِي الشَّامِلِ لَا كِتَابَةَ عَلَى الْمَعْرُوفِ إلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ أَوْ كَانَتْ نَجْمًا وَاحِدًا وَقَالَ الْحَمِيلُ هُوَ عَلَيَّ إنْ عَجَزَ ( بَلْ ) تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِ ( كَجُعْلٍ ) أَيْ عِوَضِ عَمَلٍ مُعَلَّقٍ عَلَى التَّمَامِ بِقَوْلِهِ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ فِيهَا وَلَوْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَالشَّامِلِ لِأَنَّهُ آيِلٌ لِلُّزُومِ ، فَلِذَا مَثَّلَ بِهِ لَهُ " غ " .
فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ بِدَيْنٍ لَازِمٍ أَوْ آيِلٍ كَجُعْلٍ لَا كِتَابَةٍ لَكَانَ أَحْسَنَ .
قُلْت بَلْ صَنِيعُهُ أَمَسُّ لِعَطْفِهِ دَايِنْ عَلَى عَجِّلْ ، إذْ هُمَا مِثَالَانِ لِلْآيِلِ إلَيْهِ ، وَاقْتَضَى حُسْنُ الْإِلْقَاءِ أَنْ لَا يُقَدِّمَهُمَا لِطُولِ التَّفْرِيعِ فِي الثَّانِيَةِ .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا كِتَابَةَ بَلْ بِمُعَجَّلٍ كَجُعْلٍ ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الضَّمَانُ بِكِتَابَةٍ ، بَلْ إنَّمَا يَجُوزُ بِعِوَضِ عِتْقٍ مُعَجَّلٍ كَمَا يَجُوزُ بِجُعْلٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِكِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ .
وَأَمَّا مَنْ عَجَّلَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى مَالٍ فَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ ، وَكَذَا مَنْ قَالَ عَجِّلْ عِتْقَ مُكَاتَبِك وَأَنَا بِمَا فِي كِتَابَتِهِ كَفِيلٌ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَأَمَّا الْجُعْلُ فَلَمْ يُوقَفْ فِي عَيْنِهِ عَلَى رِوَايَةٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَلَكِنْ نَصَّ الْمَازِرِيُّ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ فِيهِ وَلِلَّهِ دَرُّ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يَزَلْ بِهِ نَقْلُ ابْنُ شَاسٍ وَاتَّبَعَهُ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ قَالَ لَا يَجُوزُ ضَمَانُ الْجُعْلِ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَرَّرَهُ

ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا لِأَنَّ الْجَعَالَةَ قَبْلَ الْعَمَلِ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ مُنْبَرِمٍ ، وَأَشْبَهَتْ الْكِتَابَةَ وَلَمْ يَقْنَعْ حَتَّى زَادَ ، وَفِي جَوَازِ الْحَمَالَةِ بِهَا بَعْدَ الْعَمَلِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْعَامِلِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي هَذَا نَظَرٌ ، أَمَّا أَوَّلًا فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا لَازِمًا فِي الْحَالِ فَيَلْزَمُ فَهُوَ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ ، وَمِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ مَا لَيْسَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ كَالْجُعْلِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ كَقَوْلِهِ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ، فَهَذَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ بِهِ أَيْضًا قَبْلَ الْمَجِيءِ بِالْآبِقِ ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ لَزِمَ مَا تَحَمَّلَ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ ا هـ .
وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ ، وَقَالَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَجُوزُ ضَمَانُ الْجُعْلِ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِمَا ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ عِنْدِي الْجَوَازُ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ غَيْرِهَا بِصِحَّةِ ضَمَانِ مَا هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلثُّبُوتِ اسْتِقْبَالًا .
وَتَوْجِيهُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ قَبْلَ الْعَمَلِ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ مُنْبَرِمٍ فَأَشْبَهَتْ الْكِتَابَةَ ، يُرَدُّ بِأَنَّ حَمَالَةَ الْكِتَابَةِ تُؤَدِّي إلَى الْغُرْمِ مَجَّانًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَيْنًا ثَابِتًا ، وَالْجُعْلُ مَهْمَا غَرِمَهُ الْحَمِيلُ رَجَعَ بِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ دَيْنٌ ثَابِتٌ ، وَفِي وَجِيزِ الْغَزَالِيِّ فِي ضَمَانِ الْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ وَجْهَانِ

وَدَايِنْ فُلَانًا ، وَلَزِمَ فِيمَا ثَبَتَ وَهَلْ يُقَيَّدُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ ؟ تَأْوِيلَانِ وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمُعَامَلَةِ ، بِخِلَافِ احْلِفْ وَأَنَا ضَامِنٌ بِهِ ، إنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ضَامِنِهِ

( وَ ) يَصِحُّ الضَّمَانُ مِمَّنْ قَالَ لِشَخْصٍ ( دَايِنْ فُلَانًا ) أَيْ عَامِلْهُ بِدَيْنٍ بِأَنْ تُقْرِضَهُ أَوْ تُسَلِّمَهُ أَوْ تَبِيعُهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَأَنَا ضَامِنُهُ فِيمَا تُعَامِلُهُ بِهِ ( وَ ) إنْ دَايَنَهُ ( لَزِمَ ) الضَّمَانُ الضَّامِنَ ( فِيمَا ) أَيْ دَيْنٍ أَوْ الدَّيْنِ الَّذِي ( ثَبَتَ ) تَدَايُنُهُ مِنْ الْمَقُولِ لَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ تَحَمَّلَ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ قِبَلَ فُلَانٍ فِي لُزُومِ غُرْمِهِ مَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ بِإِقْرَارِهِ أَوْ وَقَفَهُ عَلَى ثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ نَقْلًا اللَّخْمِيُّ .
قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ وَالْمُدَوَّنَةِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ .
فِي الْبَزَّازِ وَمَا الْعَادَةُ الْمُدَايَنَةُ فِيهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ، وَسَمِعَ عِيسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ أَنَا حَمِيلٌ بِمَا بُويِعَ بِهِ فُلَانٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا بُويِعَ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَا بِإِقْرَارِهِ ، وَكَذَا مَنْ شُكِيَ إلَيْهِ مَطْلُ رَجُلٍ فَقَالَ مَا عَلَيْهِ عَلَيَّ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ .
ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُهُ قَوْلُهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بَايِعْ فُلَانًا فَمَا بَايَعْته بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَا ضَامِنٌ ثَمَنَهُ لَزِمَهُ إذَا ثَبَتَ مَا بَايَعَهُ بِهِ زَادَ غَيْرُهُ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا يُشْبِهُ أَنْ يُدَايَنَ بِمِثْلِهِ الْمَحْمُولُ عَنْهُ ، وَلَا خِلَافَ عِنْدِي فِيهِ ، وَلَا فِي مَسْأَلَةِ الشَّكْوَى اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِي الْحَطّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهَا إنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ مُدَايِنَتِهِ أَوْ مُعَامَلَةِ هَذَا الْمَثَلِ .
هَذَا ( وَ ) اخْتَلَفَ شُيُوخُهَا فِي جَوَابِ ( هَلْ يُقَيَّدُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مُثَقَّلَةً اللُّزُومُ فِيمَا ثَبَتَ وَصِلَةُ يُقَيَّدُ ( بِمَا يُعَامَلُ بِهِ ) مِثْلُ الْمَضْمُونِ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، فَقَوْلُ الْغَيْرِ وِفَاقٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَوْ لَا يُقَيَّدُ بِذَلِكَ ، وَهَذَا

تَأْوِيلُ غَيْرُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ شَارِحِيهَا فَهُوَ خِلَافٌ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الثَّانِي قَالَ لَا أَذْكُرُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ ، بَلْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ وَالصَّقَلِّيُّ عَلَى أَنَّهُ وِفَاقٌ .
ا هـ .
فَعُمْدَةُ الْمُصَنِّفِ فِي ذِكْرِ التَّأْوِيلَيْنِ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ ، وَفَسَّرَ بِهِ الشَّارِحَانِ التَّأْوِيلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ جَعْلَهُ تَقْيِيدًا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَعْرُوفُ مِنْهُ فَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ .
( وَلَهُ ) أَيْ مَنْ قَالَ دَايِنْ فُلَانًا وَأَنَا ضَامِنُهُ ( الرُّجُوعُ ) عَنْ الضَّمَانِ ( قَبْلَ ) حُصُولِ ( الْمُعَامَلَةِ ) بَيْنَ الْمَضْمُونِ لَهُ وَالْمَضْمُونِ لِالْتِزَامِهِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ قَيَّدَ بِقَدْرٍ كَمِائَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي التَّقْيِيدِ بِقَدْرٍ وَالْآخَرُ لَا رُجُوعَ لَهُ ، وَقَوْلُهُ قَبْلَ الْمُعَامَلَةِ أَيْ قَبْلَ تَمَامِهَا ، فَإِنْ عَامَلَهُ يَوْمًا مَثَلًا ثُمَّ رَجَعَ الضَّامِنُ لَزِمَهُ مَا عَامَلَهُ بِهِ فِي الْيَوْمِ لَا مَا عَامَلَهُ بِهِ فِيمَا بَعْدَهُ قَالَهُ الْجَزِيرِيُّ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا حَدَّ لِمَا يُعَامِلُهُ بِهِ حَدًّا كَمِائَةٍ أَوْ لَمْ يَحُدَّ لَهُ حَدًّا وَقُلْنَا يُقَيَّدُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ مِثْلُهُ ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَلَا فَائِدَةَ لَهُ قَالَهُ عب ، وَفِي قَوْلِهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إلَخْ نَظَرٌ ، إذْ الْفَائِدَةُ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ أَيْضًا .
( بِخِلَافِ ) مَنْ قَالَ لِمُدَّعٍ بِمَالٍ عَلَى مُنْكِرِهِ ( احْلِفْ ) عَلَى مَا ادَّعَيْت بِهِ ( وَأَنَا ضَامِنٌ ) بِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَلَوْ قَبْلَ حَلِفِهِ لِأَنَّهُ أَحَلَّ نَفْسَهُ مَحَلَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَهُوَ إذَا قَالَ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ وَخُذْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ .
قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ احْلِفْ أَنَّ الَّذِي تَدَّعِيهِ قِبَلَ أَخِي حَقٌّ وَأَنَا ضَامِنٌ ثُمَّ رَجَعَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ

رُجُوعُهُ ، وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ حَلَفَ الطَّالِبُ ، وَإِنْ مَاتَ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ فَإِنْ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِمَا غَرِمَ الْحَمِيلُ غَرِمَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ فَلِلْحَمِيلِ تَحْلِيفُهُ ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْحَمِيلِ إذْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الطَّالِبَ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ أَوَّلًا ، وَأَشْبَهَتْ يَمِينُهُ يَمِينَ التُّهَمِ الَّتِي بِالنُّكُولِ عَنْهَا يَغْرَمُ .
ا هـ .
مِنْ أَبِي الْحَسَنِ .
وَأَشَارَ لِلْمَضْمُونِ فِيهِ أَيْضًا بِجَعْلِهِ شَرْطًا فَقَالَ ( إنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ ) أَيْ الْحَقِّ الْمَضْمُونِ ( مِنْ ضَامِنِهِ ) وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ بِدَيْنٍ ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إخْرَاجُ الْمُعَيَّنَاتِ وَالْحُدُودِ وَنَحْوِهَا كَالتَّعَازِيرِ وَالْقَتْلِ وَالْجَرْحِ فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ فِيهَا إذْ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الضَّامِنِ ، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ ، وَأَيْضًا فَالضَّمَانُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا احْتَرَزَ عَنْهُ بِهَذَا الْقَيْدِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِإِخْرَاجِهِ بِهِ ، إذْ هُوَ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ وَالْمُعَيَّنَاتُ لَا تَقْبَلُهَا الذِّمَمُ وَكَذَا الْحُدُودُ وَنَحْوُهَا لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ لَا بِالذِّمَّةِ ، وَهَذَا الْإِيرَادُ الثَّانِي وَارِدٌ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ بِدَيْنٍ ، إذْ مُحْتَرَزُهُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ ، وَلَعَلَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِهِ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى صِفَتِهِ وَهُوَ اللَّازِمُ قَالَهُ " د "

وَإِنْ جُهِلَ أَوْ مَنْ لَهُ ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ : كَأَدَائِهِ رِفْقًا لَا عَنَتًا فَيُرَدُّ : كَشِرَائِهِ ، وَهَلْ إنْ عَلِمَ بَائِعُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ؟ تَأْوِيلَانِ

( وَ ) يَصِحُّ الضَّمَانُ بِالدَّيْنِ الثَّابِتِ اللَّازِمِ إنْ كَانَ مَعْلُومًا ، بَلْ ( وَإِنْ جُهِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الدَّيْنُ حَالًا وَمَآلًا ، الْحَطُّ مِنْ صُوَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا ذَابَ لَك قِبَلَ فُلَانٍ الَّذِي تُخَاصِمُ فَأَنَا بِهِ حَمِيلٌ فَاسْتُحِقَّ قِبَلَهُ مَالًا كَانَ هَذَا الْكَفِيلُ ضَامِنًا لَهُ .
عِيَاضٌ ذَابَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَأَلْفٍ سَاكِنَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ أَيْ ثَبَتَ وَصَحَّ .
فِي التَّوْضِيحِ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا إشْكَالَ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الضَّمَانِ فَقَوْلَانِ اسْتَقْرَاهُمَا .
عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْهَا ابْنُ الْمَوَّازِ مَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الْحَمَالَةِ يَلْزَمُهُ غُرْمُهُ ، وَقَيَّدَ ابْنُ سَحْنُونٍ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِعُسْرِ الْغَرِيمِ .
وَأَمَّا الْمُوسِرُ فَلَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ ثُمَّ قَالَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ تَجُوزُ الْحَمَالَةُ بِالْمَالِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ، وَيَضْرِبُ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ بِقَدْرِ مَا يَرَى .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ لَمْ يُوَفِّك فُلَانٌ حَقَّك فَهُوَ عَلَيَّ وَلَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا تَلَوَّمَ لَهُ السُّلْطَانُ بِقَدْرِ مَا يَرَى ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ الْمَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا مَلِيًّا ، وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَفِّك حَقَّك فُلَانٌ حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ عَلَيَّ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ يُرِيدُ عَدِيمًا .
ابْنُ يُونُسَ لَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ قَبْلَ مَوْتِ الْغَرِيمِ وَجَبَ أَنْ يُوقَفَ مِنْ مَالِهِ قَدْرُ الدَّيْنِ ، فَإِنْ مَاتَ الْمَحْمُولُ عَنْهُ عَدِيمًا أَخَذَ الْمَحْمُولُ لَهُ ذَلِكَ الْمَوْقُوفَ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ إلَى خُرُوجِ الْعَطَاءِ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إنْ كَانَ فِي قَرْضٍ أَوْ فِي تَأْخِيرِ ثَمَنِ بَيْعٍ صَحَّتْ عُقْدَتُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ الْعَطَاءُ مَجْهُولًا .
وَيَصِحُّ الضَّمَانُ بِالدَّيْنِ الثَّابِتِ اللَّازِمِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَضْمُونُ لَهُ ( أَوْ ) جَهِلَ ( مَنْ ) أَيْ الشَّخْصُ الَّذِي الدَّيْنُ ( لَهُ ) إذْ لَا

يَخْتَلِفُ الضَّمَانُ بِمَعْرِفَتِهِ وَعَدَمِهَا ( وَ ) صَحَّ الضَّمَانُ ( بِغَيْرِ إذْنِهِ ) أَيْ الْمَضْمُونِ ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ صِحَّةُ ضَمَانِهِ وَإِنْ جَهِلَهُ الضَّامِنُ .
الْبُنَانِيُّ جَرَتْ عَادَةُ الْمُوَثِّقِينَ بِذِكْرِ رِضَا الْمَدِينِ بِضَمَانِهِ ، وَسَبَبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْحَمَالَةَ لَا تَلْزَمُ الْمِدْيَانَ إلَّا بِشَرْطِ كَوْنِهَا بِأَمْرِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ نُصُوصُهَا مَعَ غَيْرِهَا بِصِحَّةِ الْحَمَالَةِ دُونَ رِضَا الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ وَاضِحَةٌ .
الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ لَا تَلْزَمُ الْحَمَالَةُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا بِأَمْرِهِ ، وَلِذَا كَتَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ تَحَمَّلَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ بِأَمْرِهِ .
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ ( كَأَدَائِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ لِرَبِّهِ مِنْ غَيْرِ الْمَدِينِ بِلَا إذْنِهِ فَيَصِحُّ إذَا أَدَّاهُ عَنْهُ ( رِفْقًا ) بِالْمَضْمُونِ فِي الْأُولَى وَبِالْمُؤَدَّى عَنْهُ فِي الثَّانِيَةِ ( لَا ) يَصِحُّ الضَّمَانُ وَلَا التَّأْدِيَةُ إنْ ضَمِنَهُ أَوْ أَدَّى عَنْهُ ( عَنَتًا ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَيْ لِإِضْرَارِهِ بِسُوءِ طَلَبِهِ وَحَبْسِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا ( فَيُرَدُّ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمَالُ الَّذِي أَدَّاهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ لِمُؤَدِّيهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ ، فَإِنْ فَاتَ رُدَّ لَهُ عِوَضُهُ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِغَيْبَةِ الْمَدْفُوعِ لَهُ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَنْ يَقْبِضُ مِنْ الْمَدِينِ وَيَدْفَعُ لِلْمُؤَدِّي عَنَتًا .
وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ لِلْعَنَتِ وَالرَّدِّ فَقَالَ ( كَشِرَائِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ عَنَتًا فَيُرَدُّ ، فَإِنْ فَاتَ رُدَّ عِوَضُهُ إلَخْ مَا تَقَدَّمَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا مَنْ أَدَّى عَنْ رَجُلٍ دَيْنًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ إنْ فَعَلَهُ رِفْقًا بِالْمَطْلُوبِ ، وَإِنْ أَرَادَ الضَّرَرَ بِطَلَبِهِ وَإِعْنَاتِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى دَيْنًا عَلَيْهِ

لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَرُدَّ إنْ عُلِمَ .
أَبُو الْحَسَنِ قَصْدُ الضَّرَرِ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بِقَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَيْهِ .
( وَهَلْ ) رَدُّ شِرَاءِ الدَّيْنِ عَنَتًا ( إنْ عَلِمَ بَائِعُهُ ) أَيْ الدَّيْنِ يَقْصِدُ مُشْتَرِيَهُ بِشِرَائِهِ الْعَنَتَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَلَا يُرَدُّ وَيُبَاعُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِشَخْصٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينِ عَدَاوَةٌ لِيَرْتَفِعَ ضَرَرُهُ بِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّقْيِيدُ بِعِلْمِ بَائِعِهِ ( الْأَظْهَرُ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ خِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَهُ .
" غ " إنَّمَا وَقَفْت عَلَى هَذَا التَّرْجِيحِ لِابْنِ يُونُسَ ، وَعَنْهُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ ابْنُ رُشْدٍ فَصَوَابُهُ وَهُوَ الْأَرْجَحُ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ ثَبَتَ قَصْدُ مُشْتَرِي الدَّيْنِ ضَرَرَ الْمَدِينِ وَالْبَائِعُ جَاهِلٌ بِذَلِكَ ، فَفِي فَسْخِ بَيْعِهِ وَمُضِيِّهِ وَيُبَاعُ عَلَى مُشْتَرِيهِ نَقْلًا عَبْدِ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَغَيْرِهِ مَعَ الصِّقِلِّيِّ ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ بَائِعِهِ قَصْدَ مُشْتَرِيهِ الضَّرَرَ بِشِرَائِهِ فَيُرَدُّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَائِعُهُ وَهُوَ ظَاهِرُهَا عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ )

، لَا إنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ فَضَمِنَ ثُمَّ أَنْكَرَ ، أَوْ قَالَ لِمُدَّعٍ عَلَى مُنْكِرٍ : إنْ لَمْ آتِك بِهِ لِغَدٍ فَأَنَا ضَامِنٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ ، إنْ لَمْ يُثْبِتْ حَقَّهُ بِبَيِّنَةٍ ، وَهَلْ بِإِقْرَارِهِ ؟ تَأْوِيلَانِ : كَقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : أَجِّلْنِي الْيَوْمَ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ عَلَيَّ حَقٌّ .

( لَا ) يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ ( إنْ ادَّعَى ) شَخْصٌ دَيْنًا ( عَلَى ) شَخْصٍ ( غَائِبٍ فَضَمِنَ ) شَخْصٌ آخَرُ الْغَائِبَ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ ( ثُمَّ أَنْكَرَ ) الْغَائِبُ الدَّيْنَ بَعْدَ حُضُورِهِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ ( أَوْ قَالَ ) شَخْصٌ ( لِ ) شَخْصٍ ( مُدَّعٍ عَلَى ) شَخْصٍ ( مُنْكِرٍ ) بِكَسْرِ الْكَافِ لَمَّا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ أَطْلِقْهُ الْيَوْمَ وَأَنَا آتِيك بِهِ غَدًا .
وَ ( إنْ لَمْ آتِك بِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ ( لِغَدٍ ) أَيْ فِيهِ ( فَأَنَا ضَامِنٌ ) مَا ادَّعَيْت بِهِ عَلَيْهِ ( وَلَمْ يَأْتِ ) الْقَائِلُ ( بِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرُ فِي الْغَدِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَائِلَ شَيْءٌ ( إنْ لَمْ يَثْبُتْ ) الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِبَيِّنَةٍ ) فَإِنْ ثَبَتَ بِهَا لَزِمَ الضَّامِنَ مَا ثَبَتَ .
وَهَلْ ) يَلْزَمُ الضَّامِنَ مَا ثَبَتَ ( بِإِقْرَارِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مَدْلُولُ الْكِتَابِ أَوْ لَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
عِيَاضٌ لَوْ أَقَرَّ الْمُتَكَفَّلُ عَنْهُ بَعْدُ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ وَهُوَ نَصُّ كِتَابِ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ الْكِتَابَ .
فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الشَّارِحَانِ إلَّا فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ زَادُوا وَأَقْبَلَ بِإِقْرَارِهِ لَكَانَ حَسَنًا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ الْمَطْوِيِّ فِي كَلَامِهِ قَالَهُ تت .
الْحَطّ الشَّرْطُ وَمَا بَعْدَهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ ، اُنْظُرْ الْمُدَوَّنَةَ فِي الْحَمَالَةِ ، وَكَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ .
الْبُنَانِيُّ الْأَوَّلُ لِعِيَاضٍ ، وَالثَّانِي لِغَيْرِهِ .
وَلَوْ قَالَ وَهَلْ وَبِإِقْرَارِهِ كَانَ أَوْلَى ، وَقَوْلُ " ز " رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ فَقَطْ أَصْلُهُ لِلشَّارِحِ وَالْبِسَاطِيِّ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَاشِرٍ قَائِلًا لِأَنَّ الْأُولَى فَرْضُهَا الْإِنْكَارُ .
الْمِسْنَاوِيُّ

لَعَلَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَلَى مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِغَيْرِهِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا عَلَيْهِ شُيُوخُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى خِلَافُ ذَلِكَ .
وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا التَّأْوِيلَانِ إنَّمَا هُمَا فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى خِلَافٌ أَيْضًا ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَأْوِيلٍ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ بِبَيِّنَةٍ وَفِي لُزُومِهِ حَيْثُ ثَبَتَ بِهَا ، وَيُعْتَبَرُ الْإِقْرَارُ هُنَا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ ( كَقَوْلِ ) الشَّخْصِ ( الْمُدَّعَى ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ ( عَلَيْهِ ) الْمُنْكِرِ لِلْمُدَّعِي ( أَجِّلْنِي الْيَوْمَ ) وَأَنَا أُوَافِيك غَدًا ( فَإِنْ لَمْ أُوَافِك ) أَيْ آتِك وَأُلَاقِك ( غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ عَلَيَّ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مُشَدَّدَةً ( حَقٌّ ) وَأَخْلَفَ وَعْدَهُ وَلَمْ يُوَافِهِ غَدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
الْحَطُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُهُ أُوَافِك بِأَلْفٍ بَعْدَ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ مِنْ الْمُوَافَاةِ ، أَيْ الْمُلَاقَاةِ ، وَيُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ .
وَمِنْ كِتَابِ الْجِدَارِ وَسُئِلَ عِيسَى عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَشْتَرِطُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ لَمْ يُوَافِهِ عِنْدَ الْقَاضِي إلَى أَجَلٍ سَمَّيَاهُ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ إنْ كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ دَعْوَى صَاحِبِهِ حَقٌّ إنْ كَانَ مُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُخْلِفُهُ هَلْ يَلْزَمُهُ هَذَا الشَّرْطُ قَالَ لَا يُوجِبُ هَذَا الشَّرْطُ حَقًّا لَمْ يَجِبْ وَلَا يُسْقِطُ حَقًّا قَدْ وَجَبَ ، وَسُئِلَ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَوَاعَدَانِ إلَى الْمُوَافَاةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَهُوَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُمَا يُسَمِّيَانِهَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا إنِّي أَخَافُ أَنْ تُخْلِفَنِي فَأَتْعَبَ وَأَغْرَمَ كِرَاءَ الدَّابَّةِ فَيَقُولُ إنْ لَمْ أُوَافِك فَدَعْوَاك حَقٌّ ثُمَّ يُخْلِفُهُ قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ .
ا هـ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ أُوَفِّك غَدًا بِإِسْقَاطِ الْأَلْفِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنْ التَّوْفِيَةِ وَنَحْوُهُ فِي

حَمَالَةِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَنَصُّهَا وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِلطَّالِبِ أَجِّلْنِي الْيَوْمَ ، فَإِنْ لَمْ أُوَافِك غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ قِبَلِي حَقٌّ فَهَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
ابْنُ يُونُسَ أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةً .
أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ا هـ .
( فَرْعٌ ) أَبُو الْحَسَنِ مَا يَقُولُهُ النَّاسُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَقْتَ كَذَا فَالْحَقُّ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ مَنْ الْتَزَمَهُ ا هـ .
( فَرْعٌ ) فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ عَجَّلْت لِي مِنْ حَقِّي كَذَا وَكَذَا فَبَقِيَّتُهُ مَوْضُوعَةٌ عَنْك ، إمَّا السَّاعَةَ أَوْ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ فَيُعَجِّلُ ذَلِكَ فِي السَّاعَةِ أَوْ فِي الْأَجَلِ إلَّا الدِّرْهَمَ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْوَضِيعَةُ ، فَقَالَ عِيسَى مَا أَرَى الْوَضِيعَةَ تَلْزَمُهُ إذْ لَمْ يُعَجِّلْ جَمِيعَ حَقِّهِ .
طفي الَّذِي فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا أُوَفِّك ، وَالصَّوَابُ أُوَافِك بِأَلْفٍ بَعْدَ الْوَاوِ مِنْ وَافَى بِمَعْنَى أَتَى ، وَالْأُولَى تَصْحِيفٌ مِمَّنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ إذْ لَا مَعْنَى لِوَفَّى الَّذِي بِمَعْنَى أَدَّى هُنَا ، إذْ هَذَا كَصَرِيحِ الْإِقْرَارِ وَمُخَالِفٌ لِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِلطَّالِبِ أَجِّلْنِي يَوْمَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ أُوَافِك غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ قِبَلِي حَقٌّ ، فَهَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ ، إذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَفُهِمَ مِنْ تَوْجِيهِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ وَافَى بِمَعْنَى أَتَى .
وَمِمَّا يَدُلُّ لَهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ أَيْ قَوْلَهُ إنْ لَمْ آتِك بِهِ لِغَدٍ فَأَنَا ضَامِنٌ عَبَّرَ عَنْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِإِنْ لَمْ أُوَافِك كَمَا فِي هَذِهِ فَخَالَفَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا تَفَنُّنًا ، وَنَصُّهَا قَالَ

ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَنَا بِهِ كَفِيلٌ إلَى غَدٍ ، فَإِنْ لَمْ أُوَافِك فِي غَدٍ بِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لِلْمَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فِي غَدٍ فَلَا يَلْزَمُ الْحِيَلَ شَيْءٌ حَتَّى يُثْبِتَ الْحَقَّ بِبَيِّنَةٍ فَيَكُونَ حَمِيلًا بِهِ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ تَغَيُّرَ تت وَغَيْرِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ ، وَأَنَّ تَجْوِيزَ الْحَطّ تَشْدِيدَ الْفَاءِ بِمَعْنَى الْوَفَاءِ وَاسْتِدْلَالَهُ عَلَى هَذَا الضَّبْطِ بِلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ فِيهِ نَظَرٌ ، إذْ كَلَامُهَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا تَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْبُنَانِيُّ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ اخْتَصَرَهَا بِلَفْظِ فَإِنْ لَمْ آتِك غَدًا

وَرَجَعَ بِمَا أَدَّى وَلَوْ مُقَوَّمًا ، إنْ ثَبَتَ الدَّفْعُ .

( وَ ) إنْ دَفَعَ الضَّامِنُ شَيْئًا لِلْمَضْمُونِ لَهُ ( رَجَعَ ) عَلَى الْمَضْمُونِ ( بِ ) مِثْلِ ( مَا ) أَيْ الْمَالِ الَّذِي ( أَدَّى ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مُثَقَّلَةً أَيْ دَفَعَهُ الضَّامِنُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَعَيْنٍ وَطَعَامٍ ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ مَا أَدَّاهُ ( مُقَوَّمًا ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالْوَاوِ ، وَمُثَقَّلًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، لِأَنَّهُ كَالسَّلَفِ ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُقَوَّمِ وَظَاهِرُهُ ، وَلَوْ كَانَ الْمُقَوَّمُ عَرْضًا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ حَكَى فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بِثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ إنْ لَمْ يُحَابَ ، وَسَاقَهُ فِي الشَّامِلِ قَيَّدَ الْحَطّ ابْنُ رُشْدٍ إذَا اشْتَرَى الْكَفِيلُ الْعَرْضَ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ فَلَا اخْتِلَافَ أَعْرِفُهُ فِي أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مَا لَمْ يُحَابِ الْبَائِعَ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ .
وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ إنْ كَانَ ضَمِنَ الْمَضْمُونَ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ وَقِيمَةِ مَا تَحَمَّلَ بِهِ .
وَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى ( إنْ ثَبَتَ الدَّفْعُ ) مِنْ الضَّامِنِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ بِبَيِّنَةٍ عَايَنَتْ دَفْعَ الدَّيْنِ لِلطَّالِبِ أَوْ بِإِقْرَارِ الطَّالِبِ بِقَبْضِهِ مِنْ الضَّامِنِ ، وَأَمَّا إقْرَارُ الْمَطْلُوبِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الدَّفْعُ فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَمِيلَ لَا يَرْجِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا إقْرَارُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّامِنَ دَفَعَ الدَّيْنَ لِلطَّالِبِ إذَا أَنْكَرَ الطَّالِبُ الْقَبْضَ وَهُوَ كَذَلِكَ ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي هَذَا إذَا أَدَّى الضَّامِنُ الدَّيْنَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْغَرِيمِ وَأَمَّا بِحَضْرَتِهِ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِتَقْصِيرِهِ وَبِتَرْكِ الْإِشْهَادِ ، وَلَهُ فِي سَمَاعِ أَبِي

زَيْدٍ يَرْجِعُ لِتَقْصِيرِ الْغَرِيمِ فِيهِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَالَ لِلضَّامِنِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِشْهَادِ عَلَى دَفْعِهِ ، وَذَكَرَ الْحَطّ سَمَاعَ عِيسَى وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْحَطّ تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا دَفَعَ الْحَمِيلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَوْ دَفَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ الْمَالَ لِلْحَمِيلِ لِيَدْفَعَهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَدَفَعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَهُ فَإِنْ دَفَعَهُ بِحَضْرَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَمِيلِ الدَّافِعِ وَيَغْرَمُهُ الْمَضْمُونُ ثَانِيَةً بَعْدَ يَمِينِ الطَّالِبِ الْجَاحِدِ ، فَإِنْ أَعْدَمَ الْمَطْلُوبُ أَوْ غَابَ أُخِذَ مِنْ الْحَمِيلِ ثَانِيَةً وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلطَّالِبِ قِبَلَهُ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ الْمَطْلُوبُ بِحَضْرَةِ الْحَمِيلِ وَجَحَدَهُ الطَّالِبُ وَأَخَذَهُ مِنْ الْحَمِيلِ ثَانِيَةً لِعَدَمِ الْمَطْلُوبِ أَوْ غَيْبَتِهِ ، وَإِنْ دَفَعَهُ الْحَمِيلُ مِنْ مَالِهِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْبَتِهِ ضَمِنَهُ لِلْمَطْلُوبِ وَلَهُ تَضْمِينُهُ وَإِنْ عَلِمَ دَفْعَهُ لِلطَّالِبِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِتَرْكِ إشْهَادِهِ عَلَى دَفْعِهِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى

وَجَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا جَازَ لِلْغَرِيمِ عَلَى الْأَصَحِّ

( وَجَازَ صُلْحُهُ ) أَيْ الضَّامِنِ رَبِّ الدَّيْنِ ( عَنْهُ ) أَيْ الْمَدِينِ أَوْ الدَّيْنِ ( بِمَا ) أَيْ الْمَالِ الَّذِي ( جَازَ لِلْغَرِيمِ ) أَيْ الْمَدِينِ صَلَحَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ ( عَلَى ) الْقَوْلِ ( الْأَصَحِّ ) مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ قَدَّمَهُمْ الْمُصَنِّفُ فَيَنْزِلُ الضَّامِنُ مَنْزِلَةَ الْمَضْمُونِ ، فَيَجُوزُ صُلْحُ الضَّامِنِ بَعْدَ الْأَجَلِ عَنْ دَنَانِيرَ جَيِّدَةٍ بِدَنَانِيرَ رَدِيئَةٍ وَعَكْسِهِ لِجَوَازِهِ لِلْمَضْمُونِ .
( تَنْكِيتٌ ) تَعَقَّبَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِصُورَتَيْنِ يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهِمَا لِلْغَرِيمِ وَلَا يَجُوزُ الضَّامِنُ أَحَدُهُمَا طَعَامُ السَّلَمِ الَّذِي حَلَّ أَجَلُهُ ، يَجُوزُ لِلْغَرِيمِ الصُّلْحُ عَنْهُ بِأَدْنَى أَوْ أَجْوَدَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ صُلْحُ الْغَرِيمِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ بِشَرْطِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ وَعَكْسُهُ ، وَيُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْأُولَى فِي تَوْضِيحِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ مَا جَازَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَدْفَعَهُ جَازَ لِلضَّامِنِ ، قَالَ لَكِنْ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَمْ يَطَّرِدْ هَذَا أَيْ الْجَوَازُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الطَّعَامِ مِنْ السَّلَمِ فَإِنَّهُ مَنَعَ الْكَفِيلَ أَنْ يُصَالِحَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ بِطَعَامٍ أَجْوَدَ مِمَّا تَحَمَّلَ بِهِ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَضَاءً عَنْ الْغَرِيمِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ ا هـ .
فَلَمْ يَعْتَمِدْ هُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْهَا .
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَفِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ صَفْحَةٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا صَالَحَ بِمِثْلِيٍّ مُخَالِفٍ جِنْسَ الدَّيْنِ فَمَنَعَهُ فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَأَجَازَهُ فِي الْكَفَالَةِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَقْرَبُ لِأَنَّ الْبَابَ مَعْرُوفٌ ، وَمَا لَا يَجُوزُ لِلْغَرِيمِ دَفْعُهُ عِوَضًا عَمَّا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ

لِلضَّامِنِ فَلَوْ ضَمِنَهُ فِي عُرُوضٍ مِنْ سَلَمٍ فَلَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ الصُّلْحُ عَنْهَا قَبْلَ الْأَجَلِ بِأَدْنَى صِفَةً أَوْ قَدْرًا لِدُخُولِ ضَعْ وَتَعَجَّلْ وَلَا بِأَكْثَرَ قَبْلَ الْأَجَلِ لِدُخُولِ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُ قَالَهُ تت .
طفي لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْحَمِيلَ مِثْلَ مَا أَدَّى أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ لَمْ يَعْتَمِدْ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْهَا فِيهِ نَظَرٌ ، إذْ يَبْقَى الْمُصَنِّفُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي مُخَالَفَةِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَوْلُهُ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا صَالَحَ بِمِثْلِيٍّ إلَخْ أَيْ : وَالدَّيْنُ عَيْنٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي مَنْعِهِ عَنْ عَيْنٍ بِمِثْلِيٍّ وَجَوَازِهِ قَوْلًا سَلَمُهَا وَكَفَالَتُهَا ، وَنَصُّ سَلَمِهَا وَإِنْ كَانَ دَيْنُك مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ قَرْضٍ فَصَالَحَك الْكَفِيلُ عَنْهَا قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ بِشَيْءٍ يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ جَازَ ذَلِكَ ، وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْغَرِيمِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ لَمَّا صَالَحَ بِهِ وَإِنْ صَالَحَك الْكَفِيلُ بِطَعَامٍ أَوْ بِمَا يَقْضِي بِثَمَنِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ إنْ أَعْطَاك مِثْلَهُ أَوْ الدَّيْنَ ا هـ .
وَنَصُّ كَفَالَتِهَا وَمَنْ تَكَفَّلَ بِمِائَةِ دِينَارٍ هَاشِمِيَّةٍ فَأَدَّاهَا دِمَشْقِيَّةً وَهِيَ دُونَهَا بِرِضَا الطَّالِبِ رَجَعَ بِمِثْلِ مَا أَدَّى ، وَلَوْ دَفَعَ فِيهَا عَرْضًا أَوْ طَعَامًا فَالْغَرِيمُ مُخَيَّرٌ فِي دَفْعِ مِثْلِ الطَّعَامِ أَوْ قِيمَةِ الْعَرْضِ أَوْ مَا لَزِمَهُ مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ ا هـ .
فَكِلَاهُمَا فِي الْمُصَالَحَةِ عَنْ الْعَيْنِ بِمِثْلِيٍّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافًا لِتَعْمِيمِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، أَمَّا الْمُصَالَحَةُ عَنْ الْعَيْنِ بِمُقَوَّمٍ فَجَائِزَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَصِّ سَلَمِهَا ، وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَأَمَّا الْمُصَالَحَةُ عَنْ الْعِوَضِ بِعَرْضٍ أَوْ عَيْنٍ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي مَنْعِهِ عَنْ عَرْضٍ بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ

مُخَالِفٍ لَهُ سَمَاعُ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ .
وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الْمُصَالَحَةُ عَنْ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِيٍّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَتَمْرٍ عَنْ قَمْحٍ ، ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْبِسَاطِيَّ أَطْلَقَ فِي مَنْعِ الْمُصَالَحَةِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ لِلْكَفِيلِ ، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ .
وَقَوْلُ تت فَدَرَجَ هُنَا عَلَى مَا اسْتَقَرَّ بِهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْمَشْهُورِ لِأَنَّ مَا فِي سَلَمِهَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ زَرْقُونٍ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا فِي كَفَالَتِهَا مُضْطَرِبٌ .
عِيَاضٌ سَقَطَ عِنْدَ ابْنِ عَتَّابٍ ذِكْرُ الطَّعَامِ هُنَا وَثَبَتَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى قَوْلُهُ أَوْ طَعَامٌ لَا يُعْجِبُنِي .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْمُصَالَحَةُ بِالْمُقَوَّمِ عَنْ الْعَيْنِ وَلَمْ يُرِدْ الْمُصَالَحَةَ بِالْمِثْلِيِّ لِقَوْلِهِ وَرَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ وَقَدْ أَخَذُوا مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ الَّتِي كَهَذِهِ أَنَّ الصُّلْحَ بِمُقَوَّمٍ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ .
وَأَمَّا الصُّلْحُ عَنْ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ وَعَكْسِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ ، ذَكَرَهُمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَجَزَمَ الْبِسَاطِيُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
ا هـ .
كَلَامُ طفي .
الْبُنَانِيُّ الْمُصَالَحَةُ بِالْمُقَوَّمِ عَنْ الْعَيْنِ نَصَّ عَلَى جَوَازِهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَحَكَى الْمَازِرِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ مَوْجُودًا فِيمَا عِنْدَ غَيْرِهِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ إذْ لَا أَقُولُ إنَّ الْجَوَازَ فِيهَا هُوَ الرَّاجِحُ ، ثُمَّ قَالَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَاجِيَّ وَإِلَى مَنْعِ الْمُصَالَحَةِ بِالدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَبِالْعَكْسِ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَأَصْحَابُنَا ا هـ .
وَأَمَّا صُلْحُهُ عَنْ طَعَامَ بِيعَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ أَوْ أَدْنَى ، فَإِنَّ مَنْعَهُ لِلضَّامِنِ دُونَ الْغَرِيمِ ذَكَرَهُ

فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَنَقَلَ فِي ضَيْح بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّ الْكَفِيلَ كَالْغَرِيمِ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ الصُّلْحِ وَيُمْنَعُ عَنْ الْمَازِرِيِّ مَا نَصُّهُ ، لَكِنْ لَمْ يَطَّرِدْ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الطَّعَامِ مِنْ السَّلَمِ ، فَإِنَّهُ مَنَعَ الْكَفِيلَ أَنْ يُصَالِحَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ بِطَعَامٍ أَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِحُصُولِ الْخِيَارِ لِلْمَدِينِ إلَخْ

وَرَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ .
وَإِنْ بَرِئَ الْأَصْلُ : بَرِئَ ، لَا عَكْسُهُ
( وَرَجَعَ ) الضَّامِنُ إذَا صَالَحَ عَنْ الْعَيْنِ بِمُقَوَّمٍ ( بِالْأَقَلِّ مِنْهُ ) أَيْ دَيْنِ الْعَيْنِ ( أَوْ ) مِنْ ( قِيمَتِهِ ) أَيْ الْمُقَوَّمِ الْمُصَالَحِ بِهِ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقَلَّ رَجَعَ بِهِ .
فِي الْجَوَاهِرِ إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَةِ مَا صَالَحَ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ سُومِحَ بِحَطِّ قَدْرٍ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ صِفَةٍ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا بَذَلَ ا هـ ( وَإِنْ بَرِئَ ) مِنْ الدَّيْنِ ( الْأَصْلُ ) أَيْ الْمَضْمُونُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِمُسْتَحِقِّهِ أَوْ هِبَتِهِ لَهُ أَوْ إبْرَائِهِ مِنْهُ أَوْ مَوْتِهِ مَلِيًّا وَالطَّالِبُ وَارِثُهُ أَوْ إحَالَةٍ عَلَى دَيْنٍ ثَابِتٍ لَازِمٍ ( بَرِئَ ) مِنْهُ الضَّامِنُ لِأَنَّ طَلَبَهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَضْمُونِ ( لَا ) يَثْبُتُ ( عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ بَرَاءَةِ الْمَضْمُونِ ، فَإِنْ أَسْقَطَ رَبُّ الدَّيْنِ الضَّمَانَ عَنْ الضَّامِنِ أَوْ وَهَبَهُ الدَّيْنَ أَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ لِعَدَمِ الْمَضْمُونِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ كَانَ الضَّمَانُ مُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ وَتَمَّتْ ، وَالْمَضْمُونُ حَاضِرٌ مَلِيءٌ بَرِئَ الضَّامِنُ دُونَ الْمَضْمُونِ

، وَعُجِّلَ بِمَوْتِ الضَّامِنِ ، وَرَجَعَ وَارِثُهُ بَعْدَ أَجَلِهِ أَوْ الْغَرِيمِ إنْ تَرَكَهُ .
( وَعُجِّلَ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُثَقَّلَةً الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ الْمَضْمُونُ ( بِمَوْتِ الضَّامِنِ ) لَهُ أَوْ فَلَسِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ مِنْ تَرِكَةِ الضَّامِنِ وَحَاصَّ مُسْتَحِقُّهُ بِهِ غُرَمَاءَ الضَّامِنِ فِي مَالِهِ إنْ فُلِّسَ لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ وَحُلُولِ مَا عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ وَلَوْ حَضَرَ الْمَضْمُونُ مَلِيًّا ( وَرَجَعَ وَارِثُهُ ) أَيْ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ ( بَعْدَ ) تَمَامِ ( أَجَلِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ فَلَوْ مَاتَ الضَّامِنُ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَالْمَضْمُونُ حَاضِرٌ مَلِيءٌ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ الضَّامِنِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَالْحَيِّ ( أَوْ ) مَوْتِ ( الْغَرِيمِ ) أَيْ الْمَدِينِ الْمَضْمُونِ فَيُعَجَّلُ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لِذَلِكَ ، وَيُعَجَّلُ ( إنْ تَرَكَ ) الْكَفِيلُ أَوْ الْغَرِيمُ وَفَاءَ ( هـ ) أَيْ الدَّيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْغَرِيمُ وَفَاءَهُ فَلَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يَتِمَّ أَجَلُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُلُولِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ بِمَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ حُلُولُهُ عَلَى الْكَفِيلِ لِبَقَاءِ ذِمَّتِهِ

وَلَا يُطَالَبُ ، إنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا ، أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إثْبَاتُهُ عَلَيْهِ

( وَ ) إنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ الْمَدِينُ فَ ( لَا يُطَالَبُ ) الضَّامِنُ بِالدَّيْنِ الْمَضْمُونَ فِيهِ ( إنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ ) أَيْ الْمَدِينُ الْمَضْمُونُ حَالَ كَوْنِهِ ( مُوسِرًا ) بِالدَّيْنِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَهُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ الْمَشْهُورُ ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْقَضَاءُ ، وَلَهُ فِيهَا أَيْضًا لَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ، وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يُطَالَبُ أَيْضًا إذَا غَابَ الْغَرِيمُ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ يُعَدَّى فِيهِ أَيْ يُسَلِّطُ الْحَاكِمُ رَبَّ الدَّيْنِ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْحَاضِرِ الْمَلِيءِ فَيُؤَدِّي مِنْ مَالِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) غَابَ الْغَرِيمُ وَ ( لَمْ يَبْعُدْ ) أَيْ يَشُقَّ وَيَصْعُبْ ( إثْبَاتُهُ ) أَيْ مَالُ الْغَرِيمِ الْغَائِبِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الطَّالِبِ وَلَا النَّظَرُ فِيهِ ، وَنَصُّهَا وَإِذَا كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ يُعَدَّى فِيهِ فَلَا يُتْبَعُ الْكَفِيلُ .
وَقَالَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي تَثْبِيتِهِ وَالنَّظَرِ فِيهِ بُعْدٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَمِيلِ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ الْغَيْرِ تَفْسِيرٌ لَا خِلَافٌ ، وَكَذَا حَمَلَهُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ الشُّيُوخِ ، وَبِهِ الْعَمَلُ .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إثْبَاتُهُ ، أَيْ أَوْ غَابَ الْغَرِيمُ وَحَضَرَ مَالُهُ وَلَمْ يَبْعُدْ إثْبَاتُهُ عَلَيْهِ أَيْ الطَّالِبِ .
الْحَطّ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ نَفْيَ مُطَالَبَةِ الضَّامِنِ مَشْرُوطٌ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا حُضُورُ الْغَرِيمِ مُوسِرًا أَوْ حُضُورُ مَالِهِ إذَا لَمْ يَبْعُدْ عَلَى الطَّالِبِ إثْبَاتُهُ لِلْمَطْلُوبِ وَالنَّظَرُ فِيهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا رَجَعَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ تَخْيِيرِ الطَّالِبِ فِي طَلَبِ الْحَمِيلِ دُونَ الْغَرِيمِ لِوَقْفِهِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ طَلَبِ الْغَرِيمِ ، وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ

رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَظْهَرُ فِي أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَعَ مَلَاءِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَحُضُورِهِ وَاسْتِوَائِهِمَا فِي اللَّدَدِ لِأَنَّهُ إنْ قَضَى لِلْمَكْفُولِ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ قَضَى فِي الْحِينِ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَالْقَضَاءُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَوْلَى وَأَقَلُّ عَنَاءً .
طفي قَوْلُ عج ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ كَثِيرَ الْمَطْلِ وَاللَّدَدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُلِدًّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقِيلَ الَّتِي لِلتَّمْرِيضِ ، وَنَسَبَهُ ابْنُ شَاسٍ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَنَصُّهُ قَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ كَانَ مُلِدًّا ظَالِمًا ، فَلَهُ إتْبَاعُ الْحَمِيلِ وَكَلَامُ الْغَيْرِ هُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ خِلَافُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَإِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي عَدِّهِ خِلَافًا نَظَرٌ ، وَجَعَلَهُ فِي الشَّامِلِ تَقْيِيدًا .
الْبُنَانِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، إذْ قَالَ وَاسْتِوَائِهِمَا فِي اللَّدَدِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ أَيْضًا فَسَقَطَ تَوَرُّكُ طفي عَلَى عج .
( تَنْبِيهٌ ) بِالتَّخْيِيرِ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ الْإِمَامُ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْعَمَلِيَّاتِ عَنْ سَيِّدِي الْعَرَبِيِّ الْفَاسِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَالْقَوْلُ لَهُ فِي مُلَائِهِ ، وَأَفَادَ شَرْطَ أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَتَقْدِيمِهِ ، أَوْ إنْ مَاتَ كَشَرْطِ ذِي الْوَجْهِ ، أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ ، التَّصْدِيقَ فِي الْإِحْضَارِ ، وَلَهُ طَلَبُ الْمُسْتَحِقِّ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ ؛ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ

وَ ) إنْ تَنَازَعَ الضَّامِنُ وَالْمَضْمُونُ لَهُ فِي مَلَاءِ الْمَضْمُونِ فَ ( الْقَوْلُ لَهُ ) أَيْ الضَّامِنِ ( فِي ) ثُبُوتِ ( مَلَائِهِ ) أَيْ الْمَضْمُونِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَيْسَ لِلطَّالِبِ طَلَبُ الضَّامِنِ لِتَصْدِيقِهِ فِي مَلَاءِ الْمَضْمُونِ وَلَا طَلَبُ الْمَضْمُونِ لِإِقْرَارِهِ بِعَدَمِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِعَدَمِهِ فَلَهُ طَلَبُ الضَّامِنِ أَوْ تَجَدَّدَ مَالٌ لِلْمَضْمُونِ فَلَهُ طَلَبُهُ حِينَئِذٍ ، هَذَا خِلَافُ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْحَمِيلُ بَيِّنَةً بِمَلَاءِ الْغَرِيمِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الزَّعِيمُ غَارِمٌ } فَوَجَبَ غُرْمُهُ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُسْقِطُهُ ، وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ اسْتَظْهَرَ فِي تَوْضِيحِهِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْحَمِيلِ فِي مَلَائِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ هُنَا ، وَمَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَهَلْ بِيَمِينٍ أَمْ لَا ، لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ خَصْمُهُ الْعِلْمَ ، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُقَدِّمَاتِ .
سَحْنُونٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَحَمِّلِ لَهُ ، وَعَلَى الْكَفِيلِ إقَامَةُ بَيِّنَةٍ أَنَّ الْغَرِيمَ مَلِيءٌ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ لِأَنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لِلْغَرِيمِ مَالٌ ظَاهِرٌ ، فَالْحَمِيلُ غَارِمٌ .
الْبُنَانِيُّ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ ، وَنَصُّهُ وَإِذَا طَالَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْحَمِيلَ بِدَيْنِهِ وَالْغَرِيمُ حَاضِرٌ فَقَالَ لَهُ الْحَمِيلُ شَأْنُك بِغَرِيمِك فَهُوَ مَلِيءٌ بِدَيْنِك .
وَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْغَرِيمُ مُعْدِمٌ ، وَمَا أَجِدُ لَهُ مَالًا فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْحَمِيلَ يَغْرَمُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ يُسْرَ الْغَرِيمِ وَمَلَاءَهُ فَيَبْرَأُ فَإِنْ عَجَزَ حَلَفَ لَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْرِفَةَ يُسْرِهِ عَلَى إنْكَارِ مَعْرِفَتِهِ

بِذَلِكَ وَغَرِمَ الْحَمِيلُ ، وَلَهُ رَدُّ الْيَمِينِ فَإِنْ رَدَّهَا حَلَفَ الْحَمِيلُ وَبَرِئَ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ لَيْسَ عَلَى الْحَمِيلِ سَبِيلٌ حَتَّى يَبْدَأَ بِالْغَرِيمِ .
ا هـ .
فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ اسْتِظْهَارَ نَفْسِهِ ، وَمَا اسْتَظْهَرَهُ " ح " مِنْ عَدَمِ الْيَمِينِ إلَّا بِدَعْوَى الْعِلْمِ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَيْطِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَأَفَادَ ) رَبُّ الدَّيْنِ ( شَرْطَ ) أَيْ اشْتِرَاطَ ( أَخْذِ ) أَيْ تَغْرِيمِ ( أَيِّهِمَا ) أَيْ الضَّامِنِ وَمَضْمُونِهِ ( شَاءَ ) الْأَخْذَ مِنْهُ مُبْدَأٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ حَضَرَ مَلِيًّا عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَفَائِدَةُ هَذَا الِاشْتِرَاطِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمِيلِ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ إنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا ، فَإِنْ اخْتَارَ إتْبَاعَ الْحَمِيلِ سَقَطَ إتْبَاعُهُ الْمَدِينَ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا ، وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً لَا يَجُوزُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ إلَّا فِي الْقَبِيحِ الْمُطَالَبَةِ ، أَوْ ذِي السُّلْطَانِ ، وَقَوْلُهُ إنْ اخْتَارَ إتْبَاعَ الْحَمِيلِ سَقَطَ إتْبَاعُهُ الْمَدِينَ نَقَلَهُ أَحْمَدُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ ا هـ بُنَانِيٌّ .
( وَ ) أَفَادَ شَرْطُ ( تَقْدِيمِهِ ) أَيْ الْحَمِيلِ فِي الْغُرْمِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَكْسَ الْحُكْمِ السَّابِقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ يُوَفِّي لَهُ بِهِ ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ لِلشَّرْطِ فَائِدَةٌ لِكَوْنِهِ أَمْلَأَ أَوْ أَسْمَحَ أَوْ أَيْسَرَ قَضَاءً أَوَّلًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْبَيَانِ وَسَوَاءٌ شَرَطَ بَرَاءَةَ الْمَدِينِ أَمْ لَا ، وَإِذَا اخْتَارَ تَقْدِيمَ الْحَمِيلِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَرَاءَةَ الْمَدِينِ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَخْذِ مِنْ الْحَمِيلِ ( أَوْ ) شَرَطَ الْحَمِيلُ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ إلَّا ( إنْ مَاتَ ) الْمَضْمُونُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَفِّك حَقَّك حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ

عَلَيَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ .
ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ أَنْ يَمُوتَ عَدِيمًا ، فَلَوْ فُلِّسَ أَوْ افْتَقَرَ أَوْ جَحَدَ الْمَدِينُ فَلَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ عَمَلًا بِشَرْطِهِ ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُ ضَمِيرِ مَاتَ لِلضَّامِنِ ، أَيْ شَرَطَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَنْ لَا يُطَالَبَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْحَمِيلِ ، وَلَوْ أَعْدَمَ الْمَدِينُ وَشَبَّهَ فِي إفَادَةِ الشَّرْطِ فَقَالَ ( كَشَرْطِ ذِي الْوَجْهِ ) أَيْ ضَامِنِ الْوَجْهِ ( أَوْ ) شَرْطِ ( رَبِّ الدَّيْنِ التَّصْدِيقَ فِي ) شَأْنِ ( الْإِحْضَارِ ) لِلْمَضْمُونِ ، يَعْنِي أَنَّ ضَامِنَ الْوَجْهِ إذَا شَرَطَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ إحْضَارَ الْمَضْمُونِ إذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ بِلَا يَمِينٍ أَوْ شَرَطَ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى ضَامِنِ الْوَجْهِ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي إحْضَارِهِ بِلَا يَمِينٍ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ .
الْمُتَيْطِيُّ إذَا اشْتَرَطَ ضَامِنُ الْوَجْهِ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي إحْضَارِ مَضْمُونِهِ دُونَ يَمِينٍ فَلَهُ شَرْطُهُ ، وَإِنْ انْعَقَدَ فِي وَثِيقَةِ الضَّمَانِ تَصْدِيقُ الْمَضْمُونِ لَهُ فِي عَدَمِ إحْضَارِهِ إنْ ادَّعَى الضَّامِنُ أَنَّهُ قَدْ أَحْضَرَهُ دُونَ يَمِينٍ فَهُوَ مِنْ الْحَزْمِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْيَمِينُ إنْ ادَّعَى الضَّامِنُ إحْضَارَهُ .
( وَلَهُ ) أَيْ الضَّامِنِ ( طَلَبُ ) الشَّخْصِ ( الْمُسْتَحِقِّ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ رَبِّ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ لَهُ ( بِتَخْلِيصِهِ ) أَيْ الضَّامِنِ مِنْ الضَّمَانِ بِأَنْ يَقُولَهُ ( عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ وَسُكُوتِهِ عَنْ طَلَبِ دَيْنِهِ مِنْ الْمَضْمُونِ الْحَاضِرِ الْمَلِيءِ أَوْ تَأْخِيرِهِ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ دَيْنَك مِنْ الْمَضْمُونِ أَوْ تُسْقِطَ الضَّمَانَ عَنِّي وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ دَيْنَهُ مِنْ الضَّامِنِ أَوْ لَا .
وَمَفْهُومٌ عِنْدَ أَجَلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ .
الْحَطّ كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى صَرِيحٌ فِي طَلَبِ الضَّامِنِ رَبَّ الدَّيْنِ بِأَنْ يُخَلِّصَ دَيْنَهُ مِنْ الْغَرِيمِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ

فِيهِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ طَلَبَ الْكَفِيلُ بِمَا عَلَى الْغَرِيمِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ طَلَبٌ فِي حُضُورِ الْغَرِيمِ وَيُسْرِهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ لَا يُلَائِمُهُ كُلَّ الْمُلَاءَمَةِ ، لَكِنْ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ الْمُعْسِرِ إلَخْ ، وَيَشْهَدُ لَهُ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، أَوْ قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَلِلضَّامِنِ الْمُطَالَبَةُ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ الطَّلَبِ يَعْنِي أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إذَا تَوَجَّهَ لَهُ الطَّلَبُ عَلَى غَرِيمِهِ فَسَكَتَ عَنْهُ أَيْ نَصَّ عَلَى تَأْخِيرِهِ فَلِلْحَمِيلِ أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ ، وَيَقُولَ لِرَبِّ الدَّيْنِ إمَّا أَنْ تَطْلُبَ حَقَّك مِنْ الْغَرِيمِ مُعَجَّلًا وَإِلَّا فَأَسْقِطْ عَنِّي الْحَمَالَةَ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ عِنْدَ وُجُوبِهِ ضَرَرًا بِالْحَمِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا الْآنَ وَيُعْسِرُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْمُطَالَبَةُ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا مَقَالَ لِلْحَمِيلِ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا طَلَبَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ فِي هَذَا الْحَالِ ا هـ .
وَأَمَّا طَلَبُ الضَّامِنِ الْمِدْيَانَ أَنْ يُخَلِّصَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَفِي الْجَوَاهِرِ لِلْكَفِيلِ إجْبَارُ الْأَصْلِ عَلَى تَخْلِيصِهِ إذَا طُولِبَ وَلَيْسَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ ا هـ ، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ .
قُلْت وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهَا فِي السَّلَمِ .
الثَّانِي لَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَخْذُ الطَّعَامِ مِنْ الْغَرِيمِ بَعْدَ الْأَجَلِ لِيُوَصِّلَهُ إلَى رَبِّهِ ، وَلَهُ طَلَبُهُ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إلَى رَبِّهِ وَيَبْرَأُ مِنْ حَمَالَتِهِ .
ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَهُ طَلَبُ الْمِدْيَانِ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ

إلَيْهِ لَكَانَ حَسَنًا ا هـ .
( لَا ) أَيْ لَيْسَ لِلضَّامِنِ طَلَبُ الْمَضْمُونِ ( بِتَسْلِيمِ الْمَالِ ) الْمَضْمُونِ فِيهِ ( إلَيْهِ ) أَيْ الضَّامِنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِيُؤَدِّيَهُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ

وَضَمِنَهُ إنْ اقْتَضَاهُ لَا أُرْسِلَ بِهِ

( وَ ) إنْ سَلَّمَهُ لَهُ فَضَاعَ ( ضَمِنَهُ ) أَيْ الْكَفِيلُ الْمَالَ ( إنْ اقْتَضَاهُ ) أَيْ أَخَذَ الْكَفِيلُ الْمَالَ مِنْ الْمَضْمُونِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْلِيصِ لِتَنَزُّلِهِ مَنْزِلَةَ صَاحِبِ الْمَالِ ، فَهُوَ وَكِيلٌ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَعَدِّيًا ( لَا ) يَضْمَنُ الْكَفِيلُ الْمَالَ الَّذِي اسْتَلَمَهُ مِنْ الْمَضْمُونِ إنْ ( أُرْسِلَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ السِّينِ ، أَيْ الضَّامِنُ أَيْ أَرْسَلَهُ الْمَضْمُونُ ( بِهِ ) أَيْ الْمَالِ لِرَبِّهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَمِينٌ لِلْمَضْمُونِ ، فَضَمَانُ الْمَالِ عَلَى الْمَضْمُونِ حَتَّى يَصِلَ لِرَبِّهِ .
الْحَطّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا الرَّكْرَاكِيُّ فِي شَرْحِ مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَنَصُّهُ لَا يَخْلُو قَبْضُ الْكَفِيلِ الطَّعَامَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ : أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَلَا يَخْلُو الطَّعَامُ مِنْ كَوْنِهِ قَائِمًا بِيَدِهِ أَوْ فَائِتًا ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالطَّالِبُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْكَفِيلَ ، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْأَصْلَ ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا .
وَإِنْ فَاتَ الطَّعَامُ فَلَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِهِ بِتَلَفٍ أَوْ إتْلَافٍ ، فَإِنْ كَانَ بِتَلَفٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِالْكَفَالَةِ خَاصَّةً ، ثُمَّ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْهُودِ فِي الْحَمَالَةِ فِي التَّبْدِئَةِ بِالْمُطَالَبَةِ ، وَإِنْ كَانَ بِإِتْلَافٍ مِنْ الْكَفِيلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْأَصِيلِ مِثْلَ ذَلِكَ الطَّعَامِ ، فَإِنْ غَرِمَ الْكَفِيلُ الطَّعَامَ لِلطَّالِبِ فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَصِيلِ ، فَإِنْ غَرِمَهُ لِلْأَصِيلِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِمِثْلِ طَعَامِهِ أَوْ أَخْذِ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْوَجْهِ ، وَإِنْ غَرِمَ الْكَفِيلُ الطَّعَامَ لِلطَّالِبِ بَعْدَ أَنْ بَاعَ مَا أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ فَأَرَادَ الْأَصِيلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَ مَا غَرِمَ مِنْ الطَّعَامِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .

الثَّانِي : أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْأَصِيلِ قَوْلًا وَاحِدًا ، فَإِنَّ الطَّالِبَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِقَبْضِ الْكَفِيلِ ، فَإِنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْكَفِيلُ بَعْدَ صِحَّةِ قَبْضِهِ فَالْعَدَاءُ عَلَى الطَّالِبِ وَقَعَ بِلَا إشْكَالٍ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ إمَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِهِ ، كَمَا إذَا غَابَ الطَّالِبُ وَحَلَّ الْأَجَلُ وَخَافَ الْكَفِيلُ إعْدَامَ الْأَصِيلِ وَإِحْدَاثَ الْفَلَسِ ، وَبِهَذَا يُؤَوَّلُ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَبَضَهُ بِحُكْمِ قَاضٍ أَوْ قَبَضَهُ بِرِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِلَا حُكْمٍ ، فَالْكَفِيلُ فِي هَذَا الْوَجْهِ ضَامِنٌ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الطَّعَامِ وَذِمَّتُهُ عَامِرَةٌ بِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إلَى طَالِبِهِ ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا مَعَ قِيَامِ الطَّعَامِ بِيَدِ الْكَفِيلِ أَوْ فَوَاتِهِ ، فَإِنْ غَرِمَ الْأَصِيلُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِطَعَامِهِ أَوْ مِثْلِهِ إنْ أَتْلَفَهُ ، أَوْ بِثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّمَنَ .
وَلَا يَجُوزُ لِطَالِبِهِ بَيْعُهُ بِهَذَا الْقَبْضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا أَخْذُ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ الطَّالِبُ مِثْلَ طَعَامِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ مَا اقْتَضَاهُ سَاغَ الثَّمَنُ لَهُ ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَصِيلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي غَرِمَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ .
الرَّابِعُ : اخْتِلَافُهُمَا فِي صِفَةِ الْقَبْضِ فَادَّعَى الْكَفِيلُ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى الْإِرْسَالِ وَالْأَصِيلُ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ ، فَفِيهِ قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَصِيلِ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْقَرْضِ إذَا قَالَ قَابِضُهُ قَبَضْته عَلَى مَعْنَى الْوَدِيعَةِ .
وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ قَرْضًا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ .
وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ وَهُوَ

قَوْلُ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَقْبُوضَ لِلدَّافِعِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْقَابِضِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ فَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَالْأُصُولُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَبِهَذَا قِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَصِيلِ ، وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الْحَظْرِ ، وَالْكَفِيلُ هَاهُنَا قَدْ ادَّعَى قَبْضًا صَحِيحًا ، وَالْأَصِيلُ قَدْ ادَّعَى قَبْضًا فَاسِدًا ، فَوَجَبَ كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلَ الْقَابِضِ الَّذِي هُوَ الْكَفِيلُ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَشْبَهَ وَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مُبَاحًا وَالْأَصِيلُ قَدْ ادَّعَى الْفَسَادَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ الطَّعَامِ مِنْ الْمَكْفُولِ ، وَإِنَّمَا لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالدَّفْعِ إلَى الطَّالِبِ لِيَبْرَأَ مِنْ الْكَفَالَةِ ، فَإِذَا ادَّعَى الْأَصِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مَحْظُورًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ .
الْخَامِسُ : إبْهَامُ الْأَمْرِ وَخُلُوُّ الْقَبْضِ عَنْ الْقَرَائِنِ وَقَدْ مَاتَ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِرْسَالِ حَتَّى يَثْبُتَ الْقَبْضُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى الِاقْتِضَاءِ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِرْسَالُ ، فَهَذَا مِمَّا يَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلَانِ .
ا هـ .
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَادَّعَى التَّلَفَ أَنَّهُ يَحْلِفُ .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ قَبَضَ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَالضَّمَانُ مِنْ الدَّافِعِ بَعْدَ يَمِينِ الْقَابِضِ عَلَى التَّلَفِ ، وَيَبْقَى الْحَقُّ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلُ ا هـ .
وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْحَمِيلِ فِي دَعْوَاهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ وَإِنْ اُتُّهِمَ

أُحْلِفَ .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي دَعْوَى تَلَفِهِ بِيَمِينِهِ إنْ اُتُّهِمَ ، وَإِذَا صُدِّقَ فِيهِ كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ الطَّالِبِ وَبَرِئَ الْمَطْلُوبُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الدَّفْعِ وَلَا يَكْفِي تَصْدِيقُ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا .
ثُمَّ قَالَ الْحَطّ وَقَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ أَنَّ الْكَفِيلَ ضَامِنٌ سَوَاءٌ قَبَضَهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ أَوْ بِرِضَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ خِلَافُهُ .
قَالَ قَوْلُهُ بِقَضَاءِ سُلْطَانٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ أَنْكَرَ سَحْنُونٌ هَذَا اللَّفْظَ ، وَقَالَ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ هُنَا حُكْمٌ .
قَالَ وَرَأَيْت فِيمَا أَمْلَاهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَغِيبَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ غَيْبَةً بَعِيدَةً وَيَحِلَّ الْأَجَلُ وَيَقُومَ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ ، وَيَقُولَ أَخْشَى أَنْ يَعْدَمَ قَبْلَ قُدُومِهِ فَأَغْرَمَ فَيَنْظُرَ الْحَاكِمُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَكْفُولُ مَلِيًّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْكَفِيلِ ، وَإِنْ كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ الْعُدْمُ أَوْ كَانَ مُلِدًّا قَضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ وَأَبْرَأَهُ مِنْهُ وَجَعَلَهُ عِنْدَ عَدْلٍ أَوْ عِنْدَ الْكَفِيلِ إنْ كَانَ ثِقَةً ، وَنَقَلَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ .
أَبُو الْحَسَنِ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا إحَالَةً لِلْمَسْأَلَةِ عَنْ وَجْهِهَا إذْ لَا ضَمَانَ فِي هَذَا الْفَرْضِ ، وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فِيهَا الضَّمَانُ ا هـ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَرَادَ الْحَمِيلُ أَخْذَ الْحَقِّ بَعْدَ مَحِلِّهِ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ وَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُفَلَّسَ وَهُوَ مِمَّنْ يُخَافُ عُدْمُهُ قَبْلَ قُدُومِهِ ، أَوْ لَا يُخَافُ إلَّا أَنَّهُ كَثِيرُ اللَّدَدِ وَالْمَطْلِ مُكِّنَ مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَ أَمِينًا أَقَرَّ عِنْدَهُ وَإِلَّا أَوْدَعَ وَيَبْرَأُ الْحَمِيلُ وَالْغَرِيمُ وَضَمَانُ الْمَالِ مِنْ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ قَبَضَ لَهُ بِالْحَاكِمِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مَلِيًّا وَفِيًّا فَلَا

يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ

وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ ، الْمُعْسِرِ ، أَوْ الْمُوسِرِ ، إنْ سَكَتَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ مُسْقِطًا
وَلَزِمَهُ ) أَيْ الضَّامِنَ ( تَأْخِيرُ رَبِّهِ ) أَيْ الدَّيْنِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ الْمَضْمُونَ ( الْمُعْسِرَ ) ابْنُ رُشْدٍ وَلَا كَلَامَ لِلضَّامِنِ فِي هَذَا اتِّفَاقًا لِوُجُوبِ إنْظَارِ الْمُعْسِرِ ، وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يَحْتَجَّ الضَّامِنُ بِأَنَّ تَأْخِيرَهَا إسْقَاطٌ لِلضَّمَانِ عَنْهُ ، فَأَفَادَ أَنَّ التَّأْخِيرَ يَلْزَمُهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَالَةُ ( أَوْ ) تَأْخِيرُ رَبِّهِ الْمَضْمُونَ ( الْمُوسِرَ ) بِالدَّيْنِ فَيَلْزَمُ الضَّامِنَ ( إنْ سَكَتَ ) الضَّامِنُ عَالِمًا بِالتَّأْخِيرِ زَمَانًا يَرَى عُرْفًا أَنَّ سُكُوتَهُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِبَقَاءِ ضَمَانِهِ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي أَخَّرَ إلَيْهِ ( أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ) الضَّامِنُ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ الَّذِي أَخَّرَ رَبُّ الدَّيْنِ الْمَضْمُونَ إلَيْهِ ، فَالضَّمَانُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الضَّامِنِ ( إنْ حَلَفَ ) رَبُّ الدَّيْنِ ( أَنَّهُ ) أَيْ رَبَّ الدَّيْنِ ( لَمْ يُؤَخِّرْهُ ) أَيْ الْمَضْمُونَ حَالَ كَوْنِهِ ( مُسْقِطًا ) لِلضَّمَانِ عَنْ الضَّمَانِ .
اللَّخْمِيُّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَمِيلُ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ حَلَفَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ لِيُسْقِطَ الْكَفَالَةَ وَيَكُونَ عَلَى حَقِّهِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَمَحِلُّهُ إذَا كَانَتْ ذِمَّةُ الْغَرِيمِ يَوْمَ حُلُولِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ الْأَوَّلُ ثُمَّ أَعْسَرَ الْآنَ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْحَمِيلِ لِتَفْرِيطِهِ حَتَّى تَلِفَ مَالُ غَرِيمِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْكَفِيلُ فَيُعَدُّ رَاضِيًا .
ا هـ .
فَإِنْ نَكَلَ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَلَوْ أَشْهَدَ رَبُّ الدَّيْنِ حِينَ التَّأْخِيرِ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ الْحَمَالَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ قَالَهُ الْحَطّ

وَإِنْ أَنْكَرَ : حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ وَلَزِمَهُ

( وَإِنْ أَنْكَرَ ) الضَّامِنُ التَّأْخِيرَ حِينَ عِلْمِهِ بِهِ ( حَلَفَ ) الطَّالِبُ ( أَنَّهُ ) أَيْ الطَّالِبَ ( لَمْ يُسْقِطْ ) الطَّالِبُ الْحَمَالَةَ بِتَأْخِيرِ الْمَضْمُونِ ( وَلَزِمَهُ ) أَيْ الضَّمَانُ الضَّامِنَ وَ سَقَطَ التَّأْخِيرُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ حَالًّا ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهَا الْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ حَلَفَ أَوْ نَكَلَ .
وَقِيلَ لَازِمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَرَفَةَ ، وَنَصُّهُ وَإِنْ أَخَّرَهُ مَلِيًّا فَأَنْكَرَ حَمِيلُهُ فَفِي سُقُوطِهِ حَمَالَتُهُ وَبَقَائِهَا .
ثَالِثُهَا إنْ أَسْقَطَ الْحَمَالَةَ صَحَّ تَأْخِيرُهُ وَإِلَّا حَلَفَ مَا أَخَّرَ إلَّا عَلَى بَقَائِهَا وَسَقَطَ تَأْخِيرُهُ ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ .
الْحَطّ غَيْرَ أَنَّهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْت مِنْ الْبَيَانِ آثَرَ قَوْلَهُ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ ، وَالْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ، وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ ، وَقَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ مُشْكِلٍ لِاقْتِضَائِهِ سُقُوطَ الْكَفَالَةِ مَعَ حَلِفِهِ ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الثَّانِي .
وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ بِلَفْظٍ وَالْكَفَالَةُ ثَابِتَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ، وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ مِثْلُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي غَالِبِ نُسَخِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ لُزُومُ الْكَفَالَةِ إذَا نَكَلَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ وَاسْتَشْكَلَهُ الْبِسَاطِيُّ بِوَجْهٍ آخَرَ ، قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّهَا ثَابِتَةٌ بِكُلِّ حَالٍ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالتَّأْخِيرِ سُقُوطَ الْكَفَالَةِ ، فَإِنْ نَكَلَ فَالْقِيَاسُ سُقُوطُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
ا هـ .
وَهَذَا يَرْتَفِعُ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْبَيَانِ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ لَا ثَابِتَةٌ ، وَيَبْقَى الْإِشْكَالُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ

فِي التَّوْضِيحِ ، وَلَكِنْ عَلَى مَا فِي الْبَيَانِ يَبْقَى الْقَوْلُ الثَّانِي ، كَأَنَّهُ الْأَوَّلُ لَا كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ كَوْنِ الثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ ، وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِزَوَالِ قَوْلِهِ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فِي الْبَيَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ نَقَلَهُ كَذَلِكَ ، وَكَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ يُفَرِّقُ بَيْنَ حَلِفِهِ فَلَا يُسْقِطُ الْكَفَالَةَ وَيُسْقِطُ التَّأْخِيرَ ، وَبَيْنَ نُكُولِهِ فَتَسْقُطُ الْكَفَالَةُ وَلَا يُسْقِطُ التَّأْخِيرَ وَقَوْلُ غَيْرِهِ سُقُوطُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ بِمُجَرَّدِ التَّأْخِيرِ ، وَالثَّالِثُ ثُبُوتُهَا فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
طفي وَاَلَّذِي عَلَيْهِ النَّاقِلُونَ لِكَلَامِ الْبَيَانِ هُوَ نَقْلُ أَبِي الْحَسَنِ وَصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ .
وَقَوْلُ " ح " لِاقْتِضَائِهِ سُقُوطَ الْكَفَالَةِ مَعَ حَلِفِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ مُعْتَرِفٌ بِسُقُوطِهَا لِقَوْلِهِ أَوَّلَ كَلَامِهِ ، فَإِنْ عَلِمَ فَأَنْكَرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَالَةُ ، وَيُقَالُ لِلطَّالِبِ إنْ أَحْبَبْت أَنْ تُمْضِيَ التَّأْخِيرَ عَلَى أَنْ لَا كَفَالَةَ لَك عَلَى الْكَفِيلِ ، وَإِلَّا فَاحْلِفْ أَنَّك إنَّمَا أَخَّرْته عَلَى أَنْ يَبْقَى الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ وَالْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ .
.
.
إلَخْ وَلِأَنَّ حَلِفَهُ إنَّمَا هُوَ لِيُبْطِلَ التَّأْخِيرَ حَيْثُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ كَمَا فِي نَقْلِ " ق " ، وَهَكَذَا فِي نَقْلِ أَبِي الْحَسَنِ وَ " ح " اخْتَصَرَهُ وَأَخَلَّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ .
وَقَوْلُهُ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْكَفَالَةَ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ لَيْسَ هُوَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِسُقُوطِهَا فِي كُلِّ حَالٍ فِي الْأَوَّلِ ، أَيْ بِقَيْدِ الْإِنْكَارِ حَلَفَ أَمْ لَا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى فَهْمِهَا .
ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي سُقُوطُهَا بِكُلِّ حَالٍ لَا بِقَيْدِ

الْإِنْكَارِ فَعِنْدَهُ أَنَّ نَفْسَ التَّأْخِيرِ مُسْقِطٌ لَهَا ، وَهُوَ قَوْلُ الْغَيْرِ ، فَافْتَرَقَ الْقَوْلَانِ .
وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْكَفِيلُ بِالتَّأْخِيرِ خُيِّرَ الطَّالِبُ ، فَأَمَّا إبْرَاءُ الْحَمِيلِ مِنْ حَمَالَتِهِ وَيَصِحُّ التَّأْخِيرُ ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْحَمِيلِ .
فَإِنْ سَكَتَ الْحَمِيلُ وَقَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْحَمَالَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَلَّ أَجَلُ التَّأْخِيرِ حَلَفَ الطَّالِبُ مَا أَخَّرَهُ لِيُبَرِّئَ الْحَمِيلَ وَثَبَتَتْ الْحَمَالَةُ .
وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ كَانَ الْغَرِيمُ مَلِيًّا وَأَخَّرَهُ تَأْخِيرًا بَيِّنًا سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ .
ا هـ .
فَأَنْت تَرَى قَوْلَ الْغَيْرِ بِسُقُوطِ الْحَمَالَةِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْإِنْكَارِ ، بَلْ مُطْلَقٌ وَلَوْ عَلِمَ وَسَكَتَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَلَّ التَّأْخِيرُ ، بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدْ اتَّضَحَ لَك الْحَقُّ ، وَبَانَ لَك أَنَّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بَوْنًا ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ رُشْدٍ أَتَى بِهِمَا فِي قِسْمِ الْإِنْكَارِ ، وَلَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَأَمَّا نَقْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْحَمَالَةَ ثَابِتَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ، فَتَبِعَ فِيهِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى وَجْهِهِ ، بَلْ اخْتَصَرَهُ فَطَغَى الْقَلَمُ .
وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَعْزِيَ لِابْنِ رُشْدٍ ثُبُوتَ الْحَمَالَةِ بِكُلِّ حَالٍ ، وَهُوَ قَدْ قَالَ إنْ عَلِمَ فَأَنْكَرَ فَلَا تَلْزَمُهُ الْحَمَالَةُ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ، وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ .
تت تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ ، هَذَا كُلُّهُ فِي التَّأْخِيرِ الْكَثِيرِ ، وَأَمَّا الْيَسِيرِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلضَّامِنِ مَعَ ذِكْرِهِ فِي تَوْضِيحِهِ

وَتَأَخَّرَ غَرِيمُهُ بِتَأْخِيرِهِ ، إلَّا أَنْ يَحْلِفَ
( وَ ) إنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ وَأَخَّرَ رَبُّهُ الضَّامِنُ ( تَأَخَّرَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ( غَرِيمُهُ ) أَيْ مَدِينُ رَبِّ الدَّيْنِ ( بِ ) سَبَبِ ( تَأْخِيرِهِ ) أَيْ الْحَمِيلِ ، فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْغَرِيمِ إلَّا بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِ التَّأْخِيرِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَحْلِفَ ) رَبُّ الدَّيْنِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِتَأْخِيرِهِ الْحَمِيلَ تَأْخِيرَ الْغَرِيمِ ، فَلَهُ طَلَبُ الْغَرِيمِ ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ تَأْخِيرُ الْغَرِيمِ أَيْضًا ، وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ تَأَخَّرَ إلَخْ بِأَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْحَمِيلَ مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ وَيُسْرِهِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَخَّرَهُ وَالْمَدِينُ مُعْسِرٌ أَوْ غَائِبٌ فَأَيْسَرَ الْغَرِيمُ أَوْ حَضَرَ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ مَلِيًّا فَلَا يُطَالَبُ حَتَّى يَحِلَّ أَجَلُ تَأْخِيرِ الضَّامِنِ

وَبَطَلَ ، إنْ فَسَدَ مُتَحَمَّلٌ بِهِ
( وَبَطَلَ ) الضَّمَانُ ( إنْ فَسَدَ ) الْعَقْدُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَالٌ ( مُتَحَمَّلٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الثَّانِيَةِ ، تَحَمَّلَ ( بِهِ ) الضَّامِنُ عَنْ الْمَدِينِ الَّذِي تَرَتَّبَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ ادْفَعْ لَهُ دِينَارًا فِي دِينَارَيْنِ ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا إلَى شَهْرٍ وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ ، فَهَذِهِ حَمَالَةٌ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ ، وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الضَّمَانُ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ اتِّفَاقًا فِي الثَّانِي ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كُلُّ حَمَالَةٍ وَقَعَتْ عَلَيَّ حَرَامٌ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمَا أَوْ بَعْدَهُ ، فَهِيَ سَاقِطَةٌ لَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ بِهَا شَيْءٌ عَلِمَ الْمُتَبَايِعَانِ بِحَرَامِ ذَلِكَ أَوْ جَهِلَاهُ عَلِمَ الْحَمِيلُ بِذَلِكَ أَوْ جَهِلَهُ ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ لَزِمَ فِي الْمُتَحَمَّلِ بِهِ قِيمَتُهُ لِفَوَاتِهِ أَمْ لَا ، وَصَرَّحَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَالْجَزِيرِيُّ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْمُتَحَمِّلُ بِفَسَادِ الْحَمَالَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَمِيلَ الْحَمَالَةُ بِالْقِيمَةِ لَا إنْ عَلِمَ

أَوْ فَسَدَتْ : كَبِجُعْلٍ مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ ، وَإِنْ ضَمَانَ مَضْمُونِهِ ، إلَّا فِي اشْتِرَاءِ شَيْءٍ بَيْنَهُمَا ، أَوْ بَيْعِهِ ، كَقَرْضِهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ

( أَوْ ) أَيْ وَبَطَلَ الضَّمَانُ أَيْ لَغِيَ وَلَمْ يَلْزَمْ الْحَمِيلَ بِهِ شَيْءٌ إنْ ( فَسَدَتْ ) الْحَمَالَةُ نَفْسُهَا بِانْتِفَاءِ رُكْنِهَا أَوْ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعِهَا فَلَمْ يَتَّحِدْ الْمُعَلَّقُ وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَا اعْتِرَاضَ بِتَعْلِيقٍ أُنْشِئَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَمَثَّلَ شَيْنَ الْفَاسِدَةِ فَقَالَ ( كَ ) حَمَالَةٍ ( بِجُعْلٍ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ ، أَيْ عِوَضٍ ( مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ ) أَيْ الدَّيْنِ ( لِمَدِينِهِ ) بِأَنْ كَانَ مِنْ رَبِّهِ وَمِنْ الْمَدِينِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِلضَّامِنِ لِأَنَّ الضَّامِنَ إذَا غَرِمَ رَجَعَ بِمِثْلِ مَا غَرِمَهُ وَازْدَادَ الْجُعْلَ ، وَهَذَا سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى .
وَالثَّانِي الْقَرْضُ ، وَالثَّالِثُ الْجَاهُ ، فَمَنْطُوقُهُ صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ رَبِّهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِمَدِينِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِشَرْطِ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْأَوَّلِ ، فَهَذِهِ النُّسْخَةُ صَحِيحَةٌ أَفَادَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ فِي التَّوْضِيحِ لَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ أَنْ يَأْخُذَ جُعْلًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ الْمَدِينِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا .
الْمَازِرِيُّ لِلْمَنْعِ عِلَّتَانِ أُولَاهُمَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بِيَاعَاتِ الْغَرَرِ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ عَشَرَةً عَلَى أَنْ يَتَحَمَّلَ بِمِائَةٍ لَمْ يَدْرِ هَلْ يُفْلِسُ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُ أَوْ يَغِيبُ فَيَخْسَرَ مِائَةً وَلَمْ يَأْخُذْ إلَّا الْعَشَرَةَ أَوْ يَسْلَمُ مِنْ الْغَرَامَةِ وَيَفُوزُ بِالْعَشَرَةِ ، ثَانِيَتُهُمَا أَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَمْنُوعَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّى الْغَرِيمُ الدَّيْنَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ بَاطِلًا ، وَإِنْ أَدَّى الضَّامِنُ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ صَارَ كَأَنَّهُ أَسْلَفَ مَا أَدَّى وَرَبِحَ الْجُعْلَ فَكَانَ سَلَفًا بِزِيَادَةٍ .
ا هـ .
وَالْبُطْلَانُ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْجُعْلِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَعِلْمِ رَبِّ الدَّيْنِ وَإِلَّا لَزِمَتْ الْحَمَالَةُ ، وَرَدَّ الْجُعْلَ .
قَالَ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ اعْلَمْ أَنَّ

الْجُعْلَ إنْ كَانَ لِلْحَمِيلِ رَدَّ الْجُعْلَ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي ثُبُوتِ الْحَمَالَةِ وَسُقُوطِهَا ، وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَتَارَةً تَسْقُطُ الْحَمَالَةُ وَيَثْبُتُ الْبَيْعُ ، وَتَارَةً تَثْبُتُ الْحَمَالَةُ وَالْبَيْعُ .
وَالثَّالِثُ يَخْتَلِفُ فِيهِ فِي الْحَمَالَةِ وَالْبَيْعِ جَمِيعًا ، فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْبَائِعِ كَانَتْ الْحَمَالَةُ سَاقِطَةً لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيمَا فَعَلَ الْبَائِعُ مَعَ الْحَمِيلِ وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْمُشْتَرِي ، أَيْ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِهِ فَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ كَالْبَيْعِ لِأَنَّ الْحَمِيلَ غَرَّ الْبَائِعَ حَتَّى أَخْرَجَ سِلْعَتَهُ .
وَاخْتُلِفَ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ الْحَمَالَةُ يُرِيدُ وَيُخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي سِلْعَتِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ سَبَبٌ ، وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ اُنْظُرْ " ح " ، وَقَوْلُ " ز " وَمَفْهُومُهُ صُورَتَانِ إلَخْ .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا دَاخِلَةٌ فِي مَنْطُوقِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَتْ مِنْ مَفْهُومِهِ وَقَدْ عُلِمَ جَوَازُهَا فَتَرِدُ عَلَى الْمَنْطُوقِ وَتَفْسُدُ بِهَا ، هَذِهِ النُّسْخَةُ أَعْنِي مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ " غ " فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ أَوْ فَسَدَتْ كَبِجُعْلٍ ، وَإِنْ مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ كَمَدِينِهِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ وَالرَّاءِ وَزِيَادَةِ وَإِنْ وَكَمَدِينِهِ بِكَافِ التَّشْبِيهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ لَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ أَنْ يَأْخُذَ جُعْلًا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ الْمَدِينِ أَوْ غَيْرِهِمَا .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالدَّالِ وَلِمَدِينِهِ بِاللَّامِ ، وَصَوَابُهُ عَلَى هَذَا لَا مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ بِلَا النَّافِيَةِ حَتَّى يُطَابِقَ قَوْلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ أَعْطَى الْمِدْيَانَ

شَيْئًا عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ حَمِيلًا فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَصِحُّ ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَرِهَهُ ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ الْجَوَازُ أَبْيَنُ .
الْحَطّ هَاتَانِ النُّسْخَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا غَيْرُ مُشْتَهِرَتَيْنِ ، وَالنُّسْخَةُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ كَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا بِإِسْقَاطِ وَإِنْ وَغَيْرُ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالْيَاءِ وَلِمَدِينِهِ فَاللَّامُ الْجَرِّ ، وَهَذِهِ مَعْنَاهَا فَاسِدٌ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ يَفْسُدُ إذَا دَفَعَ غَيْرُ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمِدْيَانِ جُعْلًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَ لِرَبِّ الدَّيْنِ حَمِيلًا ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ الْجُعْلَ لَوْ كَانَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمِدْيَانِ يَصِحُّ ، فَأَحْرَى إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ بَدَلَ اللَّامِ كَافٌ صَحَّتْ ، لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْأُولَى غَيْرَ أَنَّهُ يَدَّعِي فِيهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْجُعْلُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ أَحْرَوِيًّا فَأَوْلَى النُّسَخِ وَأَحْسَنُهَا النُّسْخَةُ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ غَازِيٍّ .
وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ بِكَجُعْلٍ جَمِيعُ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِيهَا الْحَمَالَةُ لِدُخُولِ الْفَسَادِ بَيْنَ الْكَفِيلِ وَالطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ وَيَبْطُلُ الضَّمَانُ بِجُعْلٍ لِلضَّامِنِ إنْ كَانَ الْجُعْلُ مَالًا ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ الْجُعْلُ ( ضَمَانَ مَضْمُونِهِ ) أَيْ الضَّامِنِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ ، أَيْ الضَّامِنُ بِأَنْ ضَمَّنَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِيُضَمِّنَهُ الْآخَرُ بِأَنْ تَدَايَنَ رَجُلَانِ دَيْنًا مِنْ رَجُلٍ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ ، وَيُضَمِّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا عَلَيْهِ لِرَبِّ الدَّيْنِ فَيُمْنَعُ إذَا شَرَطَا ذَلِكَ لَا إنْ اتَّفَقَ بِدُونِ شَرْطٍ ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُ مَفْعُولِ الْمَصْدَرِ مَدِينُ الضَّامِنِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اضْمَنِّي وَأَنَا أَضْمَنُ لَك مَدِينَك .
وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ فَقَالَ

( إلَّا ) تَضَامُنُهُمَا ( فِي ) ثَمَنٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا بِسَبَبِ ( اشْتِرَاءِ شَيْءٍ ) مُعَيَّنٍ مُشْتَرَكٍ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْمُتَضَامِنَيْنِ بِأَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا مُعَيَّنًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ مُؤَجَّلٍ عَلَيْهِمَا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ، وَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ فَيَجُوزُ لِعَمَلِ السَّلَفِ ( أَوْ ) تَضَامُنُهُمَا فِي عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ بِ ( بَيْعِهِ ) لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ عَلَى وَجْهِ السَّلَمِ فَيَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ .
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ ( كَقَرْضِهِمَا ) أَيْ تَسَلُّفِ شَخْصَيْنِ شَيْئًا بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَتَضَامُنِهِمَا فِيهِ فَيَجُوزُ ( عَلَى الْأَصَحِّ ) مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ الْعَطَّارِ خِلَافًا لِابْنِ الْفَخَّارِ رَآهُ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً .
تت وَقَيَّدْنَا بِالسَّوِيَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِمَّا لِلْآخَرِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ أَحَدُهُمَا قَدْرَ مَا ضَمِنَهُ الْآخَرُ فِيهِ فَقَطْ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ .
عب جَازَ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِعَمَلِ الْمَاضِينَ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا امْتَنَعَ ، وَالْجَوَازُ فِيهَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يُضَمِّنَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ فِي قَدْرِ مَا ضَمَّنَهُ فِيهِ الْآخَرُ وَإِلَّا امْتَنَعَ ، فَإِذَا اشْتَرَيَا شَيْئًا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ ، فَإِنْ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي جَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ ضَمِنَ ذُو الثُّلُثِ نِصْفَ مَا لِصَاحِبِهِ جَازَ

وَإِنْ تَعَدَّدَ حُمَلَاءُ أُتْبِعَ كُلٌّ بِحِصَّتِهِ ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ : كَتَرَتُّبِهِمْ ، وَرَجَعَ الْمُؤَدِّي بِغَيْرِ الْمُؤَدَّى عَنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ مَا عَلَى الْمُلْقِي ؛ ثُمَّ سَاوَاهُ ، فَإِنْ اشْتَرَى سِتَّةٌ بِسِتِّمِائَةٍ بِالْحَمَالَةِ فَلَقِيَ أَحَدَهُمْ : أَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ ، ثُمَّ إنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ : أَخَذَهُ بِمِائَةٍ ، ثُمَّ بِمِائَتَيْنِ ، فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثًا : أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ وَبِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ : فَإِنْ لَقِيَ الثَّالِثُ رَابِعًا : أَخَذَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَبِمِثْلِهَا ، ثُمَّ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ ، وَبِسِتَّةٍ وَرُبُعٍ

( وَإِذَا تَعَدَّدَ حُمَلَاءُ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مَمْدُودًا جَمْعُ حَمِيلٍ ، وَأَرَادَ بِهِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَيَشْمَلُ الِاثْنَيْنِ أَيْضًا لِمَدِينٍ ضَمِنُوهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَحَلَّ الْأَجَلُ وَغَابَ الْغَرِيمُ أَوْ أَفْلَسَ ( اتَّبَعَ ) الْمَضْمُونُ لَهُ ( كُلًّا ) مِنْ الْحُمَلَاءِ ( بِحِصَّتِهِ ) أَيْ الْحَمِيلِ الْمُتَّبِعِ فَقَطْ مِنْ قِسْمَةِ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ فِيهِ عَلَى عَدَدِهِمْ ، فَلَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ حَمِيلًا عَنْ بَعْضِهِمْ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَلِيءٍ حِصَّةُ مُعْدِمٍ ، وَلَا مِنْ حَاضِرٍ نَصِيبُ غَائِبٍ ، وَلَا مِنْ حَيٍّ حَظُّ مَيِّتٍ ، بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمْ ضَمَانُهُ عَلَيْنَا وَوَافَقَهُ الْبَاقِي ، أَوْ قِيلَ لَهُمْ تَضْمَنُونَ فُلَانًا فَقَالُوا جَمِيعًا نَعَمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَاقِبِينَ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ) الْمَضْمُونُ لَهُ فِي عَقْدِ الضَّمَانِ ( حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ ) أَيْ الْحُمَلَاءِ ( عَنْ بَعْضٍ ) فَلَهُ أَخْذُ جَمِيعِ حَقِّهِ مِنْ بَعْضِهِمْ إنْ غَابَ غَيْرُهُ أَوْ أَعْدَمَ وَإِنْ حَضَرُوا أَمْلِيَاءَ اتَّبَعَ كُلًّا بِحِصَّتِهِ فَقَطْ ، فَإِنْ كَانَ قَالَ مَعَ ذَلِكَ أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْت حَقِّي مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُ جَمِيعِ حَقِّهِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَلَوْ حَضَرَ غَيْرُهُ مَلِيًّا .
وَأَقْسَامُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ ، تَعَدُّدُهُمْ بِلَا شَرْطٍ فَلَا يَتَّبِعُ كُلًّا إلَّا بِحِصَّتِهِ .
تَعَدُّدُهُمْ وَاشْتِرَاطُ حَمَالَةِ بَعْضِهِمْ ، وَقَالَ أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْت حَقِّي مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ شَاءَ وَلَوْ حَضَرُوا أَمْلِيَاءَ .
تَعَدُّدُهُمْ بِشَرْطِ حَمَالَةِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَقُلْ أَيُّكُمْ إلَخْ ، فَيَأْخُذُ جَمِيعَ حَقِّهِ مِمَّنْ حَضَرَ مَلِيًّا إنْ غَابَ الْبَاقِي أَوْ أَعْدَمَ وَإِنْ حَضَرُوا أَمْلِيَاءَ اتَّبَعَ كُلًّا بِحِصَّتِهِ .
تَعَدُّدُهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ ، وَقَالَ أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْت حَقِّي مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ شَاءَ وَلَوْ حَضَرُوا أَمْلِيَاءَ .
وَشَبَّهَ فِي أَخْذِهِ الْحَقَّ مِمَّنْ شَاءَ الْمَضْمُونُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ

الْمَفْهُومُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ ( كَتَرَتُّبِهِمْ ) أَيْ الْحُمَلَاءِ فِي الْحَمَالَةِ بِأَنْ ضَمِنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ شَاءَ ، وَلَوْ حَضَرُوا جَمِيعًا أَمْلِيَاءَ إنْ أَعْدَمَ الْمَضْمُونُ أَوْ غَابَ ، وَسَوَاءٌ شَرَطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ أَمْ لَا عَلِمَ الْمُتَأَخِّرُ بِالتَّقَدُّمِ أَمْ لَا ، " غ " كَأَنَّهُ يُشِيرُ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ كَفِيلًا بَعْدَ كَفِيلٍ فَلَهُ فِي عُدْمِ الْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ حَقِّهِ أَيَّ الْكَفِيلَيْنِ شَاءَ ( وَرَجَعَ ) الضَّامِنُ ( الْمُؤَدِّي ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُثَقَّلًا ، وَمَفْهُومُهُ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ ، أَيْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونُ فِيهِ ( بِغَيْرِ ) الْقَدْرِ ( الْمُؤَدَّى ) بِفَتْحِ الدَّالِ مُثَقَّلًا ( عَنْ نَفْسِهِ ) أَيْ الْمُؤَدِّي ، وَأَبْدَلَ مِنْ بِغَيْرِ إلَخْ قَوْلُهُ ( بِكُلِّ مَا ) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي ( عَلَى ) الشَّخْصِ ( الْمُلْقِي ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَشَدِّ الْيَاءِ ( ثُمَّ سَاوَاهُ ) أَيْ الْمُؤَدِّي الْمُلْقِي بِالْكَسْرِ فِيهِمَا فِيمَا أَدَّاهُ عَنْ صَاحِبِهِمَا الْغَائِبِ إذَا كَانُوا حُمَلَاءَ غُرَمَاءَ ، بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ الْآتِي أَوْ حُمَلَاءَ فَقَطْ ، وَاشْتَرَطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِي هَذَا كَثَلَاثَةٍ اشْتَرَوْا سِلْعَةً بِثَلَاثِمِائَةٍ عَلَى كُلِّ مِائَةٍ وَتَضَامَنُوا فَلَقِيَ الْبَائِعُ أَحَدَهُمْ فَأَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ مِائَةً عَنْ نَفْسِهِ وَمِائَتَيْنِ عَنْ صَاحِبَيْهِ ، فَإِنْ وَجَدَ الْغَارِمُ أَحَدَهُمَا أَخَذَ مِنْهُ الْمِائَةَ الَّتِي دَفَعَهَا عَنْهُ وَخَمْسِينَ نِصْفَ الْمِائَةِ الَّتِي دَفَعَهَا عَنْ صَاحِبِهِمَا ثُمَّ كُلُّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمَا .
الثَّالِثُ أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ .
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحُمَلَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي أُفْرِدَتْ بِالتَّصَانِيفِ مُفَرِّعًا لَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ ( فَإِنْ اشْتَرَى سِتَّةٌ ) سِلْعَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ سَوِيَّةً ( بِسِتِّمِائَةٍ ) عَلَى كُلٍّ

مِنْهُمْ مِائَةٌ ( بِ ) شَرْطِ ( الْحَمَالَةِ ) مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِبَاقِيهِمْ ( فَلَقِيَ ) الْبَائِعُ ( أَحَدَهُمْ فَأَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ ) أَيْ السِّتَّمِائَةِ مِائَةً عَنْ نَفْسِهِ أَصَالَةً لَا يَرْجِعُ بِهَا ، وَخَمْسَمِائَةٍ حَمَالَةً عَنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِينَ يَرْجِعُ بِهَا عَلَيْهِمْ ( ثُمَّ إنْ لَقِيَ ) الدَّافِعُ ( أَحَدَهُمْ ) أَيْ الْخَمْسَةِ ( أَخَذَهُ ) أَيْ الدَّافِعُ الْمُلْقِي ( بِمِائَةٍ ) عَنْ نَفْسِ الْمُلْقِي تَبْقَى أَرْبَعُمِائَةٍ لِلدَّافِعِ فَيُسَاوِي الْمُلْقِي فِيهَا فَيَأْخُذَهُ ( بِمِائَتَيْنِ ) فَيَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا غَرِمَ مِائَتَيْنِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ .
( فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الدَّافِعُ وَالْمُلْقِي الْأَوَّلُ ( ثَالِثًا ) مِنْ السِّتَّةِ الْمُتَضَامِنِينَ ( أَخَذَهُ ) أَيْ أَحَدَهُمَا الْمُلْقِي الثَّالِثُ ( بِخَمْسِينَ ) عَنْ نَفْسِ الْمُلْقِي الثَّالِثِ رُبْعَ الْمِائَتَيْنِ الْمَدْفُوعَتَيْنِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ يَبْقَى مِنْ الْمِائَتَيْنِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَيُسَاوِي أَحَدَهُمَا فِيهَا الْمُلْقِي الثَّالِثُ ( وَ ) يَأْخُذُهُ ( بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ ) عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ .
( فَإِنْ لَقِيَ الثَّالِثَ ) الَّذِي دَفَعَ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ حَمَالَةً عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ ( رَابِعًا ) مِنْ السِّتَّةِ ( أَخَذَهُ ) أَيْ الثَّالِثُ الرَّابِعَ ( بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ) عَنْ نَفْسِ الرَّابِعِ يَبْقَى مِنْ الْخَمْسَةِ وَالسَّبْعِينَ الَّتِي دَفَعَهَا الثَّالِثُ حَمَالَةً خَمْسُونَ فَيُسَاوِي الثَّالِثُ الرَّابِعَ فِيهَا ( وَ ) يَأْخُذُهُ ( بِمِثْلِهَا ) أَيْ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ حَمَالَةً عَنْ الْبَاقِيَيْنِ .
( ثُمَّ ) إنْ لَقِيَ هَذَا الرَّابِعُ خَامِسًا مِنْ السِّتَّةِ أَخَذَهُ ( بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ ) عَنْ نَفْسِ الْخَامِسِ يَبْقَى لِلرَّابِعِ مِنْ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٍ فَيُسَاوِي الْخَامِسَ فِيهَا ( وَ ) يَأْخُذُهُ ( بِسِتَّةٍ وَرُبُعٍ ) حَمَالَةً عَنْ السَّادِسِ ، فَإِنْ لَقِيَ الْخَامِسُ السَّادِسَ أَخَذَهُ بِسِتَّةٍ وَرُبُعٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا أَيْضًا كَيْفِيَّةَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ

حَتَّى يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السِّتَّةِ دَافِعًا الْمِائَةَ الَّتِي عَلَيْهِ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ الْمَازِرِيِّ بَعْضُ مَشَايِخِي فِيهِ تَطْوِيلٌ تَنْفِرُ مِنْهُ النُّفُوسُ ، وَذَكَرَ طَرِيقًا قَالَ وَإِنْ كَانَ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كُلَّ الْمُنَاسَبَةِ فَقَالَ إذَا لَقِيَ الْبَائِعُ أَحَدَ الْمُشْتَرِينَ وَأَخَذَ مِنْهُ السِّتَّمِائَةِ ، ثُمَّ لَقِيَ هَذَا الدَّافِعُ وَاحِدًا مِنْ شُرَكَائِهِ فِي الشِّرَاءِ طَالَبَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِائَةٍ تَخُصُّهُ وَمِائَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْحَمَالَةِ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ قَدْ دَفَعْت سِتَّمِائَةٍ مِائَةً تَخُصُّنِي لَا رُجُوعَ لِي بِهَا وَخَمْسَمِائَةٍ عَنْك ، وَعَنْ أَصْحَابِك يَخُصُّك مِنْهَا مِائَةٌ تَبْقَى أَرْبَعُمِائَةٍ عَنْ أَصْحَابِنَا الْأَرْبَعَةِ أَنْتَ حَمِيلٌ مَعِي بِهَا فَلِذَلِكَ يُطَالِبُهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ .
فَإِذَا أَخَذَهَا مِنْهُ اسْتَقَرَّ ، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفَعَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَقَدْ عَلِمْت تَفْصِيلَهَا ، فَإِذَا لَقِيَا ثَالِثًا طَالَبَاهُ بِمِائَةٍ تَخُصُّهُ وَتَبْقَى ثَلَاثُمِائَةٍ هُوَ مَعَهُمَا حَمِيلٌ بِهَا فَيُطَالِبُهُ بِمِائَةٍ مِنْهَا بِالْحَمَالَةِ فَيَأْخُذَانِ الْمِائَتَيْنِ فَيَقْتَسِمَانِهِمْ ا فَيَبْقَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِائَةٌ ، وَلِلثَّالِثِ أَيْضًا مِائَةٌ ، فَإِذَا لَقِيَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ رَابِعًا طَالَبُوهُ بِمِائَةٍ عَنْ نَفْسِهِ ، وَيَبْقَى لَهُمْ مِائَتَانِ هُوَ حَمِيلٌ بِهِمَا مَعَهُمْ فَيُطَالِبُونَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْهُمَا بِطَرِيقِ الْحَمَالَةِ وَهِيَ خَمْسُونَ ، وَيَتَقَاسَمُ الثَّلَاثَةُ هَذِهِ الْمِائَةُ وَالْخَمْسِينَ أَثْلَاثًا فَيَبْقَى لِكُلٍّ خَمْسُونَ وَلِلرَّابِعِ أَيْضًا كَذَلِكَ ، وَهِيَ الَّتِي دَفَعَهَا بِطَرِيقِ الْحَمَالَةِ فَالْبَاقِي مِائَتَانِ .
فَإِذَا لَقِيَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ خَامِسًا طَالَبُوهُ بِمِائَةٍ عَنْ نَفْسِهِ وَبِعِشْرِينَ مِنْ الْمَائِهِ السَّادِسَةِ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ حُمَلَاءُ بِهَا فَتُضَمُّ هَذِهِ الْعِشْرُونَ إلَى الْمِائَةِ ، وَيُوَزَّعُ الْمَجْمُوعُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فَيَنُوبُ كُلًّا ثَلَاثُونَ ، وَيَبْقَى لِكُلٍّ عِشْرُونَ ، وَلِلْخَامِسِ أَيْضًا عِشْرُونَ ،

وَمَجْمُوعُهَا مِائَةٌ فَيَأْخُذُهَا الْخَمْسَةُ مِنْ السَّادِسِ إذَا ظَفِرُوا بِهِ وَيَتَقَاسَمُونَهَا أَخْمَاسًا فَيَظْفَرُ كُلٌّ بِمَجْمُوعِ حَقِّهِ ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) هَذَا الْعَمَلُ نَحْوُهُ عَمِلَ الطُّنَيْزِيُّ ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ اُنْظُرْهُ فِي الْكَبِيرِ قَالَهُ تت فِي الصَّغِيرِ طفي جَعْلُهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مَشَايِخِهِ طَرِيقًا آخَرَ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَنَحْوًا لِعَمَلِ الطُّنَيْزِيِّ وَهُمْ ، بَلْ هُوَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ التَّرَاجُعِ تُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَيْسَتْ طَرِيقًا أُخْرَى ، لِأَنَّ صُوَرَ التَّرَاجُعِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِيمَا ذَكَرَ .
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ اعْلَمْ أَنَّ وُجُوهَ التَّرَاجُعِ لَا تَنْحَصِرُ بَيْنَهُمْ فِي عَدَدٍ ، إذْ قَدْ يَلْتَقُونَ عَلَى رُتَبٍ مُخْتَلِفَةٍ وَصُوَرٍ شَتَّى لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إمَّا أَنْ يَلْقَى جَمِيعَهُمْ أَوْ يَلْقَى خَمْسَةً مِنْهُمْ أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدًا ، وَإِذَا لَقِيَ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ أَوْ أَقَلَّ فَأَخَذَ مَالَهُ مِمَّنْ لَقِيَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْغَرِيمَ إمَّا أَنْ يَلْقَى سَائِرَهُمْ مُجْتَمَعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبَيْ الْمُلْتَقِينَ أَوْ مُجْتَمَعِينَ فِي جَانِبٍ وَمُفْتَرِقِينَ فِي آخَرَ وَالِافْتِرَاقُ عَلَى أَقْسَامٍ كَثِيرَةٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ التَّرَاجُعِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إلَى أَنْ قَالَ وَإِنْ لَقِيَ اثْنَانِ مِنْهُمْ وَاحِدًا رَجَعَا عَلَيْهِ بِمَا أَدَّيَا عَنْهُ مِنْ أَصْلِ الْحَقِّ وَبِثُلُثِ مَا أَدَّيَا عَنْ أَصْحَابِهِ بِالْحَمَالَةِ ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَقُوا وَاحِدًا رَجَعُوا عَلَيْهِ بِمَا أَدَّوْا عَنْهُ بِحِمَالَةِ مَا أَدَّوْا عَنْ أَصْحَابِهِ بِالْحَمَالَةِ .
ا هـ .
بِاخْتِصَارٍ ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذِهِ وُجُوهٌ مُفَرَّعَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا طَرِيقًا مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ ، وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَالطُّنَيْزِيِّ حَيْثُ لَقِيَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ الثَّالِثَ عَلَى الِانْفِرَادِ ،

وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ حَسْبَمَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ أَمَّا إنْ لَقِيَاهُ مَعًا كَمَا فَرَضَ بَعْضُ مَشَايِخِ تت فَلَا خِلَافَ فِيهَا ، وَلَا تَنْحُو لِمَا قَالَ الطُّنَيْزِيُّ وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ : وَضَابِطُ تَرَاجُعِهِمْ فِي ثَمَنِ مَا ابْتَاعُوهُ مُتَحَامِلِينَ رُجُوعُ كُلِّ غَارِمٍ عَلَى مَنْ لَقِيَهُ بِمَا غَرِمَ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ مَا ابْتَاعَهُ ، وَبِمَا يُوجِبُ مُسَاوَاتَهُ إيَّاهُ فِيمَا غَرِمَهُ بِالْحَمَالَةِ عَنْ غَيْرِهِ ، ثُمَّ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى حَالِ لِقَاءِ الْغَارِمِ مَنْ لَقِيَهُ فَقَطْ أَوْ عَلَى مُقْتَضَى مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ كُلِّ مَنْ غَرِمَ لَوْ لَقِيَهُمْ رَبُّ الْحَقِّ مُجْتَمِعِينَ قَوْلًا الْأَكْثَرُ .
وَنَقَلَ عِيَاضٌ حَيْثُ قَالَ لَوْ لَقِيَ ثَانِي السِّتَّةِ ثَالِثُهُمْ فَفِيهَا يَأْخُذُهُ بِخَمْسِينَ قَضَاهَا عَنْهُ فِي خَاصَّتِهِ ، وَبِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ نِصْفِ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَدَّاهَا بِالْحَمَالَةِ فَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَعَلَى هَذَا حَسَبَ كُلُّ الْفُقَهَاءِ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّرَاجُعِ بَيْنَهُمْ .
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطُّنَيْزِيُّ الْفَارِضِيُّ هَذَا غَلَطٌ فِي الْحِسَابِ وَالْوَاجِبُ إذَا الْتَقَى الثَّالِثُ مَعَ أَحَدِ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَقُولَ الثَّالِثُ نَحْنُ كَأَنَّا اجْتَمَعْنَا مَعًا بِاجْتِمَاعِ بَعْضِنَا بِبَعْضٍ ، وَلَوْ اجْتَمَعْنَا مَعًا كَانَ الْمَالُ عَلَيْنَا أَثْلَاثًا عَلَيَّ مِنْهُ مِائَتَانِ غَرِمْتُهُمَا أَنْتَ وَصَاحِبُك عَنِّي خُذْ مِائَتَك وَادْفَعْ لِصَاحِبِك مِائَتَهُ إذَا لَقِيته وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْمَسْأَلَةِ .
قُلْت قَبِلَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ غَلَطٌ فِي الْفِقْهِ لِأَنَّ مَآلَهُ عَدَمُ غُرْمِ الثَّالِثِ شَيْئًا بِالْحَمَالَةِ لِأَنَّ جُمْلَةَ مَا غَرِمَهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي لِقَائِهِ .
الثَّانِي مِائَةٌ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ وَاسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْتِزَامِ الْحَمَالَةِ يُوجِبُ اسْتِوَاءَهُمَا فِي الْغُرْمِ بِهَا وَاسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ يُوجِبُ رُجُوعَ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ بِمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ

وَهَلْ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ لَا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ؟ تَأْوِيلَانِ

( وَ ) إذَا كَانُوا حُمَلَاءَ غَيْرَ غُرَمَاءَ بِأَنْ ضَمِنُوا شَخْصًا فِي مَالٍ عَلَيْهِ بِشَرْطِ حَمَالَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَأَدَّى بَعْضُهُمْ الْحَقَّ لِرَبِّهِ لِعَدَمِ الْغَرِيمِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَلَقِيَ الْمُؤَدِّي أَحَدَ أَصْحَابِهِ فَ ( هَلْ لَا يَرْجِعُ ) الْمُؤَدِّي عَلَى الْمُلْقِي ( بِمَا ) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي أَيْ الْمُؤَدَّى ( أَيْضًا ) أَيْ كَمَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ إذَا كَانُوا حُمَلَاءَ غُرَمَاءَ ( إذَا كَانَ الْحَقُّ ) الْمَضْمُونُ ( عَلَى غَيْرِهِمْ ) أَيْ الْحُمَلَاءِ الْمُشْتَرَطِ حَمَالَةُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ ( أَوَّلًا ) بِشَدِّ الْوَاوِ مُنَوَّنًا ، أَيْ ابْتِدَاءً وَعَلَيْهِمْ ثَانِيًا بِالْحَمَالَةِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُؤَدِّي بِمَا يَخُصُّهُ عَلَى الْمُلْقِي ( الْأَكْثَرُ ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَكَيْفِيَّةُ التَّرَاجُعِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إذَا تَحَمَّلَ ثَلَاثَةٌ عَنْ وَاحِدٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَغَرِمَهَا أَحَدُهُمْ ثُمَّ لَقِيَ آخَرَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِائَةً عَنْ نَفْسِهِ وَخَمْسِينَ بِحَمَالَةِ الثَّالِثِ ، وَمَنْ لَقِيَ مِنْهُمَا الثَّالِثَ أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ .
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي طَوَاهُ الْمُصَنِّفُ تَقْدِيرُهُ أَوْ يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ ، وَكَيْفِيَّةُ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَارِمَ الْأَوَّلَ يَأْخُذُ مِنْ الْمُلْقِي الْأَوَّلِ مِائَةً وَخَمْسِينَ بِالْحَمَالَةِ ، وَإِذَا لَقِيَ أَحَدُهُمَا الثَّالِثَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ ، وَإِذَا لَقِيَهُ الْآخَرُ طَالَبَهُ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ فَيَقُولُ لَهُ الثَّالِثُ دَفَعْت لِصَاحِبِنَا الَّذِي لَقِيَنِي قَبْلَك خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَاوَيْتُك فِيهَا يَبْقَى لَك زَائِدًا مِثْلُهَا فَخُذْ نِصْفَهُ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ وَنِصْفًا ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَقِيَ مِنْهُمَا الَّذِي لَمْ يَدْفَعْ إلَّا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ أَخَذَ مِنْهُ اثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفًا فَيَسْتَوِي الْجَمِيعُ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دَفَعَ مِائَةً بِالْحَمَالَةِ ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ تَرَاجُعِهِمْ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ، وَكَلَامُ مَنْ وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ

غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَا وَافٍ بِالْمَقْصُودِ ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ كَذَا إنْ كَانَ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِمْ لَكَانَ أَوْلَى لِاخْتِصَارِهِ وَإِفَادَتِهِ جَرَيَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأَوْلَى فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ وَرَجَعَ الْمُؤَدِّي إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ سَاوَاهُ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
طفي قَوْلُهُ وَهَلْ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ .
.
.
إلَخْ ، أَيْ إذَا أَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمْ مَا يَخُصُّهُ فَقَطْ فَهَلْ لَا يَرْجِعُ بِهِ كَمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَيْهِمْ أَوْ يَرْجِعُ بِهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَبِهِ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ ، وَالْمَسْأَلَةُ هَكَذَا مَفْرُوضَةٌ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّهُ فَإِنْ تَحَمَّلَ بِالْمَالِ حُمَلَاءُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَنُوبُهُ مِنْهُ مُوَزَّعًا عَلَى عَدَدِهِمْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ عَنْ أَصْحَابِهِ ، قَالَ بِجَمِيعِ الْمَالِ ، أَوْ لَمْ يَقُلْ فَيُؤْخَذُ مَلِيُّهُمْ بِمُعْدِمِهِمْ كَأَخْذِهِمْ بِعُدْمِ الْغَرِيمِ ، وَيَأْخُذُ أَيَّهُمْ شَاءَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَعَلَى كِلَيْهِمَا إنْ اشْتَرَطَ أَخْذَ أَيِّهِمْ شَاءَ ، فَإِنْ أَخَذَا أَحَدَهُمْ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الْمَالِ فَاخْتُلِفَ هَلْ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى مَنْ وَجَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ .
وَقِيلَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ مَا يَنُوبُهُ مِنْهُ إنَّمَا أَدَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ الْآتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي السِّتَّةِ كُفَلَاءُ ا هـ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَ " ق " .
وَأَمَّا فَرْضُهَا فِي أَخْذِ جَمِيعِ الْحَقِّ مِنْ أَحَدِهِمْ فَلَا يَظْهَرُ لِلْخِلَافِ فِيهِ مَعْنًى لِمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ وَإِنْ كَانَ جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَرَضُوهُ فِيهِ كَعِيَاضٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ ، بَلْ

وَجَمِيعُ مَنْ وَقَفْت عَلَيْهِمْ إلَّا ابْنَ رُشْدٍ ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا إلَّا كَلَامَهُ ، وَلَعَلَّهُمْ حَرَّفُوهُ وَإِنْ بَعُدَ تَوَاطُؤُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْأَجِلَّاءِ عَلَى التَّحْرِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَرْضُهُمْ ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ، وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِيمَا فَرَضُوهُ لَا تَأْوِيلَ فِيهِ وَلَا خِلَافَ ، وَنَصُّهَا فِي الثَّلَاثَةِ الْحُمَلَاءِ فَقَطْ إنْ أَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمْ جَمِيعَ الْمَالِ رَجَعَ الْغَارِمُ عَلَى صَاحِبَيْهِ إذَا لَقِيَهُمَا بِالثُّلُثَيْنِ ، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ .
ا هـ .
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهَا صَرَّحْت بِمَا يَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ لَا تَأْوِيلَ فِيهِ وَلَا خِلَافَ ، فَلَوْ كَانَ الْخِلَافُ فِيمَا فَرَضُوهُ لَنَبَّهُوا عَلَى نَصِّهَا إذْ يَبْعُدُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى التُّونُسِيِّ وَابْنِ الْمَوَّازِ وَسَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ وَيُتْرَكَ نَصُّهَا ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَبِهِ يَظْهَرُ لَك مَا فِي تَقْرِيرِ تت وَبَعْضِ مَشَايِخِهِ مِنْ الْخَبْطِ ، لَكِنَّ الْعُذْرَ لَهُمَا أَنَّهُمَا مَسْبُوقَانِ بِذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ قَدَمٌ رَاسِخٌ فِي التَّحْقِيقِ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَالْمَحَلُّ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّأْوِيلَيْنِ ، إذْ لَمْ يُؤَوِّلَا عَلَيْهَا .
وَجَعْلُ تت فِي كَبِيرِهِ تَبَعًا لِلْبِسَاطِيِّ نَصَّهَا الْمُتَقَدِّمَ مَحَلَّ التَّأْوِيلَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ وَانْدَفَعَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمِسْنَاوِيِّ مَا هَوَّلَ بِهِ طفي ، ثُمَّ قَالَ سَلَّمْنَا وُجُودَ الْخِلَافِ فِي فَرْضِ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا بَيَّنَهُ ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْفَرْضِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَقَدْ عَلِمْت ثَمَرَتَهُمَا فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ قُلْت الْعَجَبُ كَيْفَ حَمَلَهُ عَدَمُ فَهْمِهِ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ فِي فَرْضِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الثَّانِي بِالنِّصْفِ فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ لِسُكُوتِهِ عَنْ رُجُوعِ أَحَدِهِمَا عَلَى الثَّالِثِ ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لطفي ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) تت .
( تَنْبِيهٌ ) أَوَّلًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُنَوَّنٌ كَذَا رَأَيْته بِخَطِّ

الْأَقْفَهْسِيِّ مَضْبُوطًا بِالْقَلَمِ ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ .
وَأَمَّا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ نَفْيًا لِقَوْلِهِ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ ، فَيَنْعَكِسُ النَّقْلُ إذْ يَصِيرُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ هُوَ التَّأْوِيلُ الثَّانِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ

وَصَحَّ بِالْوَجْهِ
( وَصَحَّ ) الضَّمَانُ ( بِالْوَجْهِ ) أَيْ الذَّاتِ أَيْ الْإِتْيَانُ بِالْمَدِينِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَنَا ، وَتَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَعْبِيرِهِ يَصِحُّ ، وَعَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ بِجَازِ كَمَا لِإِرْشَادٍ .
وَفِي الشَّامِلِ وَجَازَ بِوَجْهٍ وَالْعُضْوُ الْمُعَيَّنُ كَالْجَمِيعِ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ

وَلِلزَّوْجِ : رَدُّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ
( وَ ) إنْ ضَمِنَتْ زَوْجَةٌ بِالْوَجْهِ فَ ( لِلزَّوْجِ رَدُّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ ) أَيْ ضَمَانِ الْوَجْهِ وَلَوْ بِغَيْرِ مَالٍ ، لِأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ تَخْرُجُ لِلتَّفْتِيشِ عَلَى الْمَضْمُونِ وَإِحْضَارِهِ ، وَذَلِكَ عَارٌ عَلَيَّ وَمِثْلُهُ ضَمَانُ الطَّلَبِ .
وَأَمَّا ضَمَانُ الْمَالِ فَقَدَّمَ صِحَّتَهُ فِي قَدْرِ ثُلُثِ مَالِهَا .
الْحَطّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ الْمَضْمُونُ فِيهِ دُونَ ثُلُثِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالشَّامِلِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَبِلُوهُ ، وَزَادَ وَلَوْ شَرَطَتْ عَدَمَ الْغُرْمِ فِي التَّوْضِيحِ وَلَوْ تَكَفَّلَتْ ذَاتُ زَوْجٍ بِوَجْهِ رَجُلٍ عَلَى أَنْ لَا مَالَ عَلَيْهَا فَلِزَوْجِهَا رَدُّهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ تُحْبَسُ وَامْتَنَعَ مِنْهَا وَتَخْرُجُ لِلْخُصُومَةِ ، وَذَلِكَ شَيْنٌ عَلَيَّ فَلَهُ مَنْعُ تَحَمُّلِهَا بِالطَّلَبِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَبَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ ، وَإِنْ بِسِجْنٍ ، أَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ ، إنْ أَمَرَهُ بِهِ ، إنْ حَلَّ الْحَقُّ ، وَبِغَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ ، إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ، وَبِغَيْرِ بَلَدِهِ ، إنْ كَانَ بِهِ حَاكِمٌ وَلَوْ عَدِيمًا ، وَإِلَّا أُغْرِمَ بَعْدَ خَفِيفِ تَلَوُّمٍ ، إنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ غَرِيمِهِ : كَالْيَوْمِ

( وَبَرِئَ ) ضَامِنُ الْوَجْهِ ( بِتَسْلِيمِهِ لَهُ ) أَيْ الْمَضْمُونِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِمَكَانٍ فِيهِ حَاكِمٌ ، وَإِمَّا مَكَان لَا سُلْطَانَ فِيهِ أَوْ فِي حَالِ فِتْنَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ أَوْ بِمَكَانٍ يَقْدِرُ الْغَرِيمُ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَمْ يَبْرَأْ أَفَادَهُ تت ، وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَان يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِ حَقِّهِ مِنْهُ فِيهِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ سِجْنٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) سَلَّمَهُ لَهُ ( بِسِجْنٍ ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ مَحَلٍّ مَسْجُونٍ فِيهِ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ يُسْجَنُ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ مَا حُبِسَ فِيهِ .
الْبَاجِيَّ سَوَاءٌ كَانَ سَجْنُهُ فِي دَمٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَيَكْفِي قَوْلُهُ بَرِئْت مِنْهُ إلَيْك وَهُوَ فِي السِّجْنِ فَشَأْنُك بِهِ كَانَ سَجْنُهُ فِي حَقٍّ أَوْ تَعَدِّيًا .
اللَّخْمِيُّ وَلَوْ تَعَدِّيًا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّعَدِّي نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِإِخْرَاجِهِ بِرَفْعِ التَّعَدِّي عَنْهُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِإِمْكَانِ مُحَاكَمَتِهِ فِي الْحِينِ ، فَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ جَرَى مَجْرَى مَوْتِهِ ، فَفِي التَّوْضِيحِ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ سَوَاءٌ سُجِنَ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ لِإِمْكَانِ مُحَاكَمَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي حَبَسَهُ ، فَإِنْ مُنِعَ هَذَا الطَّالِبُ مِنْهُ وَمِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ فَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى مَوْتِهِ ، وَمَوْتُهُ يُسْقِطُ الْكَفَالَةَ .
( فَرْعٌ ) إنْ أَحْضَرَهُ بِزَاوِيَةٍ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مِنْهَا ، فَاَلَّذِي وَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْعَمَلُ أَنَّهُ كَإِحْضَارِهِ يَبْرَأُ بِهِ ، قَالَ فِي نَظْمِ الْعَمَلِيَّاتِ : وَضَامِنٌ مَضْمُونَهُ قَدْ أَحْضَرَ بِمَوْضِعٍ إخْرَاجُهُ تَعَذَّرَا يَكْفِيهِ مَا لَمْ يَضْمَنْ الْإِحْضَارُ لَهْ بِمَجْلِسِ الشَّرْعِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَهْ ا هـ .
بُنَانِيٌّ ( أَوْ بِتَسْلِيمِهِ ) أَيْ الْمَضْمُونِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ ( نَفْسِهِ ) أَيْ الْمَضْمُونِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ فَيَبْرَأُ الْحَمِيلُ بِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَزَادَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ( إنْ أَمَرَهُ ) أَيْ الضَّامِنُ الْمَضْمُونَ ( بِهِ ) أَيْ تَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ لِلْمَضْمُونِ

لَهُ لِأَنَّهُ كَوَكِيلِهِ فَإِنْ سَلَّمَ نَفْسَهُ بِدُونِ أَمْرِهِ فَلَا يَبْرَأُ الضَّامِنُ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ سَلَّمْت نَفْسِي نِيَابَةً عَمَّنْ تَحَمَّلَ بِي كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ بِدُونِ أَمْرِ الضَّامِنِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ الطَّالِبُ قَبُولَهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لَهُ الْحَمِيلُ وَلَوْ قَبْلَهُ بَرِئَ كَمَنْ دَفَعَ دَيْنًا عَنْ أَجْنَبِيٍّ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْغَرِيمِ ، وَلَهُ قَبُولُهُ فَيَبْرَأُ ، زَادَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ أَنْكَرَ الطَّالِبُ كَوْنَ الْحَمِيلِ أَمَرَهُ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ أَحَدٌ بَرِئَ الْحَمِيلُ .
وَفِي الشَّامِلِ لَوْ أَنْكَرَ الطَّالِبُ أَمْرَهُ لَهُ بَرِئَ إنْ شَهِدَ لَهُ بِهِ أَحَدٌ .
وَشَرْطُ بَرَاءَةِ الْحَمِيلِ بِتَسْلِيمِ الْمَضْمُونِ ( إنْ حَلَّ الْحَقُّ ) الْمَضْمُونُ بِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ عج أَيْ عَلَى الْغَرِيمِ كَمَا فِي الشَّرْحِ ، وَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الضَّامِنِ بِأَنْ أَخَّرَهُ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَأْخِيرَ الْغَرِيمِ ، قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا ، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ضَامِنَ الْوَجْهِ كَضَامِنِ الْمَالِ فِي هَذَا ( وَ ) بَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ ( بِغَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ) الْمَضْمُونُ لَهُ عَلَى الضَّامِنِ تَسْلِيمَهُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ بِهِ قَالَهُ فِي الْكَافِي ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَوَجَدَ الْمَضْمُونَ لَهُ غَائِبًا فَلَا يَبْرَأُ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الضَّامِنُ سُقُوطَ الضَّمَانِ عَنْهُ بِإِحْضَارِهِ لَوْ لَمْ يَجِدْهُ وَلَا وَكِيلَهُ لَكِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَى إحْضَارِهِ ، وَيَبْرَأُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ بَقِيَ مَجْلِسُ الْحُكْمِ بِحَالِهِ أَوْ خَرِبَ وَلَمْ تَجْرِ فِيهِ الْأَحْكَامُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ تت عب فَإِنْ خَرِبَ وَانْتَقَلَ الْعُمْرَانُ لِغَيْرِهِ فَفَيْءُ بَرَاءَتِهِ بِإِحْضَارِهِ فِيمَا خَرِبَ

وَعَدَمِهَا قَوْلَانِ مَبْنَاهُمَا مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
( وَ ) بَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ ( بِغَيْرِ بَلَدِهِ ) أَيْ الِاشْتِرَاطِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَشْتَرِطُ ( إنْ كَانَ بِهِ ) أَيْ بَلَدِ التَّسْلِيمِ ( حَاكِمٌ ) شَرْعِيٌّ يُخَلِّصُ الْحَقَّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاكِمٌ فَلَا يَبْرَأُ بِهِ ، وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ بِهِ حَكَاهُمَا عَبْدُ الْحَكَمِ الْمَازِرِيُّ وَهَذَا الْخِلَافُ يَجْرِي عِنْدِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَا يُقَيَّدُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَدْ يَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُقَيَّدًا بِأَنْ كَانَ الْبَلَدُ الْمُشْتَرَطُ إحْضَارُهُ فِيهِ مَوْضِعَ سُكْنَى الْبَيِّنَةِ ، أَوْ كَانَ الْحَقُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلِلطَّالِبِ غَرَضٌ فِي أَخْذِهِ فِي مَحَلِّ الِاشْتِرَاطِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ شَرَطَ إحْضَارَهُ بِبَلَدٍ فَأَحْضَرَهُ بِغَيْرِهِ حَيْثُ تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ ، فَفِي بَرَاءَتِهِ بِإِحْضَارِهِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَيُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَ بَرَاءَتَهُ بِالْأَحْرَى إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ إحْضَارَهُ بِبَلَدٍ مُعَيَّنٍ وَأَحْضَرَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الضَّمَانِ مِمَّا يَأْخُذُهُ الْحُكْمُ فِيهِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِذَا أَحْضَرَهُ بَرِئَ إنْ كَانَ مَلِيًّا بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( عَدِيمًا ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْجَهْمِ وَابْنِ اللَّبَّادِ لَا يَبْرَأُ بِإِحْضَارِهِ عَدِيمًا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ الْحَمِيلُ بِوَجْهٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ( أُغْرِمَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الضَّامِنُ الْحَقَّ الْمَضْمُونَ فِيهِ ( بَعْدَ خَفِيفِ ) أَيْ يَسِيرِ ( تَلَوُّمٍ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً أَيْ تَأْخِيرٍ ( إنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ غَرِيمِهِ ) أَيْ مَضْمُونِ الضَّامِنِ ( كَالْيَوْمِ ) وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ يَوْمًا آخَرَ ، فَإِنْ بَعُدَتْ أُغْرِمَ بِلَا تَلَوُّمٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ عَدَمُ التَّلَوُّمِ إذَا حَضَرَ الْغَرِيمُ ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ التَّلَوُّمُ فِي حُضُورِهِ أَيْضًا .
فَلَوْ قَالَ إنْ حَضَرَ أَوْ قَرُبَتْ

غَيْبَتُهُ لَوَفَّى بِمَا فِيهَا وَالتَّلَوُّمُ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ ، وَلَوْ أَدَّاهُ إلَى أَمَدٍ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى الظَّاهِرِ

وَلَا يَسْقُطُ الْغُرْمُ بِإِحْضَارِهِ ؛ إنْ حَكَمَ بِهِ ، لَا إنْ أَثْبَتَ عَدَمَهُ ، أَوْ مَوْتَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ

( وَ ) إنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ وَلَمْ يَحْضُرْ ضَامِنُ الْوَجْهِ الْمَضْمُونِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى ضَامِنٍ بِغُرْمِ مَا عَلَى الْمَضْمُونِ فَأَحْضَرَ الضَّامِنُ الْمَضْمُونَ فَ ( لَا يَسْقُطُ ) الْغُرْمُ عَنْ ضَامِنِ الْوَجْهِ ( بِإِحْضَارِهِ ) أَيْ الْمَضْمُونِ ( إنْ ) كَانَ ( حُكِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ عَلَى الضَّامِنِ ( بِهِ ) أَيْ الْغُرْمِ قَبْلَ إحْضَارِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَضَى .
فَإِنْ كَانَ دَفَعَ الْمَالَ ثُمَّ أَحْضَرَهُ مَضَى اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ يُخَيَّرُ الطَّالِبُ فِي إتْبَاعِ الْغَرِيمِ أَوْ الْحَمِيلِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ أَحْضَرَهُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَالدَّعْوَى ، وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْغُرْمُ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْحُكْمِ فَقِيلَ هُوَ إشْهَادُ الْحَاكِمِ عَلَى حُكْمِهِ بِالْغُرْمِ وَقِيلَ الْقَضَاءُ بِالْمَالِ وَدَفْعِهِ لِرَبِّهِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَغَيْرِهِ ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِيُسْرِ الْمَضْمُونِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا رُدَّ الْحُكْمُ بِالْغُرْمِ ، وَرَجَعَ الضَّامِنُ بِمَا دَفَعَهُ لِقَوْلِهِ ( لَا ) يَغْرَمُ الضَّامِنُ ( إنْ ثَبَتَ عُدْمُهُ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ فَقْرُ الْمَضْمُونِ وَعَجْزُهُ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَى الضَّامِنِ بِالْغُرْمِ ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ يَمِينَ الْمَدِينِ مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِعُدْمِهِ اسْتِظْهَارٌ ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْفَلَسِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ بِغُرْمِهِ وَلَوْ أَثْبَتَ عُدْمَهُ فِي غَيْبَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَتْمِيمٌ لِلنِّصَابِ وَرَجَعَ تت وَغَيْرُهُ مَا هُنَا ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَغْرَمُ ضَامِنُ الْوَجْهِ إنْ أَثْبَتَ ( مَوْتَهُ ) أَيْ الْمَضْمُونِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ ، فَإِنْ أَثْبَتَ مَوْتَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهِ فَهُوَ حُكْمٌ مَضَى وَيَلْزَمُهُ الْغُرْمُ ، فَإِنْ سَبَقَ الْحُكْمُ الْمَوْتَ لَزِمَ الْغُرْمُ

، وَإِنْ سَبَقَ الْمَوْتُ الْحُكْمَ لَمْ يَلْزَمْ لِتَبَيُّنِ خَطَإِ الْحُكْمِ ، وَقَوْلُهُ ( فِي غَيْبَتِهِ ) قَيْدٌ فِي ثُبُوتِ عُدْمِهِ فَقَطْ ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ إثْبَاتِ عُدْمِهِ فِي حَالِ حُضُورِهِ مَعَ عَدَمِ إحْضَارِهِ لِلطَّالِبِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْغُرْمُ عَنْ الْحَمِيلِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إثْبَاتِ الْعُدْمِ مِنْ حَلِفِ مَنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِعُدْمِهِ إذَا حَضَرَ ، بِخِلَافِ الْغَائِبِ فَيَثْبُتُ عُدْمُهُ بِمُجَرَّدِ الْبَيِّنَةِ وَيَسْقُطُ غُرْمُ ضَامِنِ الْوَجْهِ بِثُبُوتِ مَوْتِ الْمَضْمُونِ بِبَلَدِ الضَّمَانِ ، بَلْ ( وَلَوْ ) مَاتَ ( بِغَيْرِ بَلَدِهِ ) أَيْ الضَّمَانِ لِذَهَابِ الذَّاتِ الْمَكْفُولَةِ .
أَشْهَبُ لَا أُبَالِي مَاتَ غَائِبًا أَوْ بِبَلَدِهِ فَيَبْرَأُ الْحَمِيلُ ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَمَالَةَ تَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمِدْيَانِ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ مَاتَ بِبَلَدِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ مَاتَ بِغَيْرِ بَلَدِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ بِزَمَنٍ لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ فِيهِ عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ بِهِ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَنَّ تَفْرِيطَهُ فِي الْغَرِيمِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ الْبَلَدِ كَعَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِهِ حَيًّا لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ لِحِلِّ الْأَجَلِ وَهُوَ بِالْبَلَدِ وَتَمَكُّنِ الطَّالِبِ مِنْهُ وَإِلَّا سَقَطَ ، وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ

وَرَجَعَ بِهِ
( وَ ) إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَحْضُرْ ضَامِنُ الْوَجْهِ الْمَضْمُونِ وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ وَغَرِمَ ثُمَّ أَثْبَتَ الضَّامِنُ مَوْتَ الْمَضْمُونِ أَوْ عُدْمَهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ ( رَجَعَ ) الضَّامِنُ الَّذِي حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ وَغَرِمَ فَيَرْجِعُ ( بِهِ ) أَيْ مَا غَرِمَهُ إذَا أَثْبَتَ أَنَّ الْغَرِيمَ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ أَعْدَمَ حِينَ حَلَّ الْحَقُّ فَهُوَ رَاجِعٌ لِإِثْبَاتِ الْعُدْمِ وَالْمَوْتِ كَمَا فِي طخ .
وَأَمَّا إذَا غَرِمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ فِي غَيْبَةِ الْغَرِيمِ بِلَا قَضَاءٍ ثُمَّ أَثْبَتَ مَوْتَهُ أَوْ عُدْمَهُ فَلَا يَرْجِعُ لِتَبَرُّعِهِ كَمَا فِي .
طخ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَوْ غَرِمَ الْحَمِيلُ ثُمَّ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ الْغَرِيمَ قَدْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ رَجَعَ الْحَمِيلُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ بِمَا أَدَّى ، لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ حِينَ طَلَبَ الْحَمِيلُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْحَمَالَةُ بِالنَّفْسِ مَا كَانَ حَيًّا .
الْحَطّ وَانْظُرْ إذَا غَرِمَ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ عَدِيمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ لَمْ أَجِدْ فِي طخ رُجُوعَهُ فِي إثْبَاتِ أَنَّهُ كَانَ عَدِيمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ

وَبِالطَّلَبِ ، وَإِنْ فِي قِصَاصٍ كَأَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ ، أَوْ اشْتَرَطَ نَفْيَ الْمَالِ ، أَوْ قَالَ لَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ ، وَطَلَبَهُ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ ، وَحَلَفَ مَا قَصَّرَ ، وَغَرِمَ إنْ فَرَّطَ أَوْ هَرَّبَهُ ، وَعُوقِبَ ، وَحُمِلَ فِي مُطْلَقٍ : أَنَا حَمِيلٌ ، وَزَعِيمٌ ، وَأَذِينٌ ، وَقَبِيلٌ ، وَعِنْدِي وَإِلَيَّ وَشِبْهِهِ عَلَى الْمَالِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَالْأَظْهَرِ

( وَ ) صَحَّ الضَّمَانُ ( بِالطَّلَبِ ) أَيْ التَّفْتِيشِ عَلَى الْمَضْمُونِ وَإِعْلَامِ الْمَضْمُونِ لَهُ بِمَحَلِّهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ إنْ كَانَ فِي مَالٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( فِي ) شَأْنِ ( قِصَاصٍ ) مِنْ نَفْسِهَا أَوْ دُونِهَا إذْ لَا يَلْزَمُ ضَامِنَ الطَّلَبِ إلَّا طَلَبُ الْمَضْمُونِ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ حَمَالَةُ الطَّلَبِ لَا تُوجِبُ غُرْمَ مَالٍ ، وَأَشَارَ لِصِيغَتِهِ بِقَوْلِهِ ( كَ ) قَوْلِ الضَّامِنِ ( أَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ ) أَيْ الْمَضْمُونِ أَوْ عَلَى طَلَبِهِ أَوْ لَا أَضْمَنُ إلَّا طَلَبَهُ أَوْ عَلَى إحْضَارِهِ أَوْ الْتَزَمْت بِإِحْضَارِهِ أَوْ أَنَا مُطَالَبٌ بِطَلَبِهِ ( أَوْ اشْتَرَطَ ) الضَّامِنُ ( فَفِي ) أَيْ عَدَمِ ضَمَانِ ( الْمَالِ ) بِالتَّصْرِيحِ بِأَنْ قَالَ أَضْمَنُ وَجْهَهُ لَا الْمَالَ الَّذِي عَلَيْهِ ( أَوْ قَالَ ) الضَّامِنُ ( لَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ ) أَيْ الْمَضْمُونَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَصِيغَتُهَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ وَمُرَادِفُهُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهَا أَنَا حَمِيلُ الْوَجْهِ أَطْلُبُهُ ، فَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ بَرِئْت مِنْ الْمَالِ .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ قَائِلٌ لَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ لَا يَلْزَمُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنَا ضَامِنٌ لِوَجْهِهِ وَلَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ فِي ضَمَانِ الْوَجْهِ عَلَيْهِ وَمَنْ ضَمِنَ الْوَجْهَ ضَمِنَ الْمَالَ كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَسْلَفَنِي فُلَانٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمَا أَسْلَفَنِي إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إذَا كَانَ لِكَلَامِهِ بِسَاطٌ يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْمَالِ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ تَحَمَّلْ لَنَا بِوَجْهِ فُلَانٍ ، فَإِنْ جِئْت بِهِ بَرِئْت مِنْ الْمَالِ فَيَقُولُ لَا أَضْمَنُ لَكُمْ إلَّا وَجْهَهُ وَشَبِيهُ ذَلِكَ ا هـ .
( وَطَلَبَهُ ) أَيْ ضَامِنُ الطَّلَبِ الْمَضْمُونِ وُجُوبًا ( بِمَا ) أَيْ شَيْءٍ أَوْ الشَّيْءِ الَّذِي ( يَقْوَى ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْوَاوِ وَسُكُونِ الْقَافِ ، أَيْ يَقْدِرُ ضَامِنُ الطَّلَبِ ( عَلَيْهِ ) عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ عَلِمَ مَوْضِعَهُ أَوْ جَهِلَهُ فِي الْبَلَدِ وَقُرْبَهُ .

وَقِيلَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ .
وَقِيلَ وَإِنْ بَعُدَ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ ، وَقِيلَ عَلَى مَسَافَةِ نَحْوِ شَهْرٍ هَذَا عَلَى نَقْلِ اللَّخْمِيِّ ، وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ لِلْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ إنْ بَعُدَ أَوْ جَهِلَ مَوْضِعَهُ ( وَحَلَفَ ) حَمِيلُ الطَّلَبِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَضْمُونَهُ وَكَذَّبَهُ الطَّالِبُ وَصِيغَةُ يَمِينِهِ أَنَّهُ ( مَا قَصَّرَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا فِي الطَّلَبِ وَلَا دَلَّسَ وَأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ لَهُ مَحَلًّا .
( وَغَرِمَ ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ حَمِيلُ الطَّلَبِ الْمَالَ الَّذِي عَلَى مَضْمُونِهِ ( إنْ فَرَّطَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا حَمِيلُ الطَّلَبِ فِي مَضْمُونِهِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ حَتَّى هَرَبَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ ( أَوْ هَرَّبَهُ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ أَمَرَ الْحَمِيلُ الْمَضْمُونَ بِهُرُوبِهِ مِنْ الطَّالِبِ فَهَرَبَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَحَلَّهُ ( وَعُوقِبَ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يُؤَدَّبُ حَمِيلُ الطَّلَبِ الَّذِي فَرَّطَ أَوْ هَرَّبَ بِمَا يَرَى السُّلْطَانُ بِاجْتِهَادِهِ مِنْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ .
الْحَطُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَمْعُ التَّغْرِيمِ وَالْعُقُوبَةِ ، وَاَلَّذِي فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُحْبَسُ إذَا فَرَّطَ فِي الطَّلَبِ حَتَّى يَجْتَهِدَ فِيهِ .
وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ تَفْرِيطُهُ فِيهِ بِأَنْ لَقِيَهُ وَتَرَكَهُ أَوْ غَيَّبَهُ وَهَرَّبَهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا عُقُوبَةً .
عج إذَا كَانَ الْمَضْمُونُ فِيهِ قِصَاصًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ بِتَفْرِيطِهِ يَضْمَنُ دِيَةَ عَمْدٍ ، وَلَكِنْ مُفَادُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَاقَبَ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ هَذَا قُصُورٌ ، فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ إنَّمَا قَالَ فِي ضَمَانِ الطَّلَبِ فِي الْقِصَاصِ أَنَّ الضَّامِنَ يَلْزَمُهُ طَلَبُ الْمَكْفُولِ ، قَالَ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ إذَا تَكَفَّلَ بِنَفْسِ فِي قِصَاصٍ أَوْ جِرَاحٍ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَجِئْ بِهِ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ وَأَرْشُ الْجِرَاحَةِ ، وَكَانَتْ لَهُ فِي مَالِ الْجَانِي إذْ لَا قِصَاصَ عَلَى الْكَفِيلِ .

ا هـ .
فَأَنْتَ تَرَاهُ إنَّمَا عَزَا لُزُومَ الدِّيَةِ لِعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ .
وَفِي التَّنْبِيهَاتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ إلَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَأَلْزَمَهُ دِيَةَ النَّفْسِ فِي الْقَتْلِ وَأَرْشَ الْجِرَاحَاتِ وَلِأَصْبَغَ فِي الْفَاسِقِ الْمُتَعَسِّفِ عَلَى النَّاسِ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ فَيُؤْخَذُ وَيُعْطَى حَمِيلًا بِمَا عَلَيْهِ مِنْ قَتْلٍ ، وَأَخْذِ مَالٍ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ الْحَمِيلُ بِمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْفَاسِقُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ .
فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ هَلْ أَرَادَ يُؤْخَذُ بِالْمَالِ خَاصَّةً أَوْ بِهِ وَبِالدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ .
عِيَاضٌ وَهُوَ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي مُوَافِقٌ لِعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ ا هـ .
تت تَكْمِيلٌ بَقِيَ نَوْعٌ مِنْ الضَّمَانِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَّاهُ ضَمَانَ الدَّرْكِ ، فَقَالَ وَمَنْ تَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْ دَرْكٍ فِي جَارِيَةٍ ابْتَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا جَازَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ حِينَ الدَّرْكِ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ وَعُدْمِهِ ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهُ .
( وَحُمِلَ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الضَّمَانُ ( فِي مُطْلَقِ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ قَوْلِ الضَّامِنِ أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَالِ وَالْوَجْهِ وَالطَّلَبِ ( أَنَا حَمِيلٌ أَوْ ) أَنَا ( زَعِيمٌ أَوْ ) أَنَا ( أَذِينٌ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهَا وَكَسْرِ ثَانِيهَا وَإِعْجَامِ الذَّالِ ( وَ ) أَنَا ( قَبِيلٌ ) كَذَلِكَ ( وَعِنْدِي وَإِلَيَّ ) بِشَدِّ الْيَاءِ ( وَشَبَهِهِ ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الصِّيَغِ .
كَعَلَيَّ بِشَدِّ الْيَاءِ وَصَبِيرٍ وَكَوَيْنَ بِالنُّونِ مِنْ كُنْت لَهُ بِكَذَا ، وَكَفِيلٌ وَضَامِنٌ وَغُرَيْرٌ بِمُعْجَمَةٍ فَرَاءَيْنَ مُهْمَلَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ .
عِيَاضٌ وَكُلُّهَا مِنْ الْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ ، وَصْلَةٌ حُمِلَ ( عَلَى ) ضَمَانِ ( الْمَالِ عَلَى الْأَرْجَحِ ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ لِقَوْلِهِ هُوَ الصَّوَابُ ( وَ ) عَلَى ( الْأَظْهَرِ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ لِقَوْلِهِ هُوَ الْأَصَحُّ .
ابْنُ عَرَفَةَ الصِّيغَةُ مَا

دَلَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ عُرْفًا فِيهَا مَنْ قَالَ أَنَا حَمِيلٌ بِفُلَانٍ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ ضَامِنٌ أَوْ قَبِيلٌ أَوْ هُوَ لَك عِنْدِي أَوْ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَهِيَ حَمَالَةٌ لَازِمَةٌ إنْ أَرَادَ الْوَجْهَ ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَالَ لَزِمَهُ .
عِيَاضٌ وَمِثْلُهَا قَبِيلٌ وَأَذِينٌ وَعَوِينٌ وَصَبِيرٌ وَكَوِينٌ ، وَفِي حَمْلِ لَفْظِهَا الْمُبْهَمِ الْعُرْيُ عَنْ بَيَانِ لَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ عَلَى الْمَالِ أَوْ النَّفْسِ نَقْلًا عِيَاضٍ عَنْ شُيُوخِنَا .
ابْنِ رُشْدٍ الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْحَمِيلُ غَارِمٌ } .
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُطْلَقٌ عَمَّا لَوْ قَيَّدَ بِالْمَالِ أَوْ الْوَجْهِ أَوْ الطَّلَبِ فَيَلْزَمُهُ مَا قَيَّدَ بِهِ بِلَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ .
فِي التَّوْضِيحِ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ هُنَا عَلَى الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ الْعُرْفِ فِي الضَّمَانِ ا هـ .
وَتَلَخَّصَ مِنْ مَنْطُوقِ كَلَامِهِ وَمَفْهُومِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ الْأَوَّلُ : عَرْوُ الصِّيغَةِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَالِ وَالْوَجْهِ لَفْظًا وَنِيَّةً ، وَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وَالتَّرْجِيحِ .
وَالثَّانِي .
تَقْيِيدُهَا بِأَحَدِهِمَا لَفْظًا وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ مَا قَيَّدَ بِهِ .
وَالثَّالِثُ : تَقْيِيدُهَا نِيَّةً وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِهِ أَيْضًا كَمَا فِي نَصِّهَا السَّابِقِ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ ، وَقَدْ تَعَقَّبَ الْبِسَاطِيُّ الْمُصَنِّفَ بِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

لَا إنْ اخْتَلَفَا ، وَلَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ
( لَا ) تُحْمَلُ صِيغَةُ الضَّمَانِ عَلَى ضَمَانِ الْمَالِ ( إنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الضَّامِنُ وَالْمَضْمُونُ لَهُ بِأَنْ قَالَ الضَّامِنُ إنَّمَا ضَمِنْت الْوَجْهَ وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ بَلْ ضَمِنْت الْمَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ .
وَقَالَ الْبِسَاطَيْ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ بَحْثٌ لِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَمِيلِ ( وَ ) إنْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَوْكِيلَ ثِقَةٍ حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَتِهِ الْغَائِبَةِ خَائِفًا مِنْ هُرُوبِهِ ( لَمْ ) الْأُولَى لَا ( يَجِبْ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ وَادَّعَى الْمُدَّعِي غَيْبَةَ بَيِّنَتِهِ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَوْكِيلَ ثِقَةٍ مَأْمُونٍ خَوْفًا مِنْ هُرُوبِهِ إذَا حَضَرَتْ بَيِّنَتُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَكِيلٌ ) أَيْ تَوْكِيلُهُ ( لِلْخُصُومَةِ ) عَنْهُ إذَا حَضَرَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى وَغَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الشَّهَادَاتِ اخْتِلَافَ الشُّيُوخِ فِي فَهْمِ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .

وَلَا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى ، إلَّا بِشَاهِدٍ
( وَلَا ) يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ ( كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِ ) سَبَبٍ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى ) صِلَةُ يَجِبْ الْمَنْفِيُّ ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى بِإِلْزَامِ الْمَطْلُوبِ بِحَمِيلٍ ، وَجْهٌ بِالدَّعْوَى سَوَاءٌ ادَّعَى الطَّالِبُ قُرْبَ بَيِّنَتِهِ أَوْ بُعْدَهَا .
بُنَانِيٌّ ( إلَّا بِ ) شَهَادَةِ ( شَاهِدٍ ) وَاحِدٍ وَزَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ وَطَلَبَ الْإِمْهَالَ لِإِحْضَارِهِ وَقَالَ أَخَافُ هُرُوبَ الْمَطْلُوبِ فَلْيَأْتِ بِوَكِيلٍ أَوْ كَفِيلٍ بِوَجْهِهِ فَيَلْزَمُهُ لِتَقْوَى دَعْوَاهُ بِالشَّاهِدِ وَسَيَأْتِي آخَرَ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ يَجِبُ كَفِيلٌ بِالْمَالِ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَهُ تت .
الْحَطّ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْكَفِيلِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَفَالَةِ الْمُدَوَّنَةِ .
وَفِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْهَا خِلَافُ هَذَا وَأَنَّهُ يَجِبُ لِلْكَفِيلِ بِالْوَجْهِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشَاهِدٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهَا فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ ، وَكَلَامُ الشُّيُوخِ عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ وِفَاقًا أَوْ خِلَافًا .
الْبُنَانِيُّ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ الشَّاهِدِ إلَّا حَمِيلٌ بِالْوَجْهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجِبُ حَمِيلٌ بِالْمَالِ ذَكَرَ الْخِلَافَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُفِيدِ ، وَقَالَ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ خِلَافُ مَا فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بِكَالسُّوقِ أَوْقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ .
( وَإِنْ ادَّعَى ) شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ فَأَنْكَرَهُ وَطَلَبَ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَأَجَابَهُ الطَّالِبُ بِأَنَّ لَهُ ( بَيِّنَةً ) عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ ( بِكَالسُّوقِ ) وَجَانِبِ الْبَلَدِ الْآخَرِ وَالْمَكَانِ الْآخَرِ وَبَعْضِ الْقَبَائِلِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ( وَقَفَهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( الْقَاضِي عِنْدَهُ ) مِقْدَارَ مَا يَأْتِي بِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا خَلَّى سَبِيلَهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( بَابٌ ) الشَّرِكَةُ : إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا

( الشَّرِكَةُ ) بِفَتْحِ الشِّينِ مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَبِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ، وَالْأُولَى أَفْصَحُهَا وَهِيَ لُغَةً الِاخْتِلَاطُ وَالِامْتِزَاجُ ، وَشَرْعًا ( إذْنٌ ) مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا ) أَيْ الْآذِنَيْنِ فِي مَالِهِمَا أَوْ بِبَدَنِهِمَا أَوْ عَلَى ذِمَّتَيْهِمَا ( مَعَ ) بَقَاءِ تَصَرُّفِ ( أَنْفُسِهِمَا ) لَهُمَا فِيهِمَا ، أَيْ أَنْ يَأْذَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ لِلْآخَرِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَجْمُوعٍ مِنْ مَالِهِمَا أَوْ بِبَدَنِهِمَا أَوْ عَلَى ذِمَمِهِمَا وَمَا يَنْشَأُ عَنْ تَصَرُّفِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ لَهُمَا وَالْخُسْرِ عَلَيْهِمَا ، فَقَوْلُهُ : إذْنٌ جِنْسٌ شَمِلَ الشَّرِكَةَ وَغَيْرَهَا وَقَوْلُهُ فِي التَّصَرُّفِ فَصْلٌ مُخْرِجٌ الْإِذْنَ فِي غَيْرِهِ ، وَقَوْلُهُ لَهُمَا صِلَةُ التَّصَرُّفِ فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ تَوْكِيلَ كُلٍّ مِنْ شَخْصَيْنِ الْآخَرَ عَلَى التَّصَرُّفِ لَهُ فِي مَالِهِ ، وَقَوْلُهُ مَعَ أَنْفُسِهِمَا فَصْلٌ ثَالِثٌ مُخْرِجٌ دَفْعَ كُلٍّ مِنْ شَخْصَيْنِ مَالًا لِلْآخَرِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّرِكَةُ الْأَعَمِّيَّةُ تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ بَيْنَ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مِلْكًا فَقَطْ ، وَالْأَخَصِّيَّةُ بَيْعُ مَالِكٍ كُلَّ بَعْضِهِ بِبَعْضِ كُلِّ الْآخَرِ يُوجِبُ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ فِي الْجَمِيعِ فَيَدْخُلُ فِي الْأُولَى شَرِكَةُ الْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ لَا شَرِكَةُ التَّجْرِ ، وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَكْسِ ، وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ وَالْحَرْثِ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فِي الثَّانِيَةِ وَنِيَّةِ عِوَضِهِ فِي الْأُولَى ، وَقَدْ يَتَبَايَنَانِ فِي الْحُكْمِ ، فَشَرِكَةُ الشَّرِيكِ بِالْأُولَى جَائِزَةٌ ، وَبِالثَّانِيَةِ مَمْنُوعَةٌ فِيهَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَاوِضَ شَرِيكًا دُونَ إذْنِ شَرِيكِهِ ، وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ إذْنِهِ .
وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا قَبِلُوهُ ، وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِقَوْلِ مَالِكِ شَيْءٍ لِآخَرَ أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مَعِي ، وَقَوْلِ الْآخَرِ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ شَرِكَةً

إذْ لَوْ هَلَكَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْآخَرُ وَهُوَ لَازِمُ الشَّرِكَةِ ، وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَنْفِي الْمَلْزُومَ وَعَكْسُهُ بِخُرُوجِ شَرِكَةِ الْجَبْرِ كَالْوَرَثَةِ وَشَرِكَةِ الْمُبْتَاعَيْنِ شَيْئًا بَيْنَهُمَا ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا إذْ لَا إذْنَ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا ، وَلِذَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ تَصَرُّفِ أَحَدِهِمَا كَغَاصِبٍ أَمْ لَا ، سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِأَحَدِ مَالِكَيْ عَبْدٍ ضَرْبُهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهُ إلَّا فِي ضَرْبٍ لَا يَتْلَفُ فِي مِثْلِهِ أَوْ ضَرْبِ أَدَبٍ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ كَأَجْنَبِيٍّ .
ابْنُ رُشْدٍ رَأْيُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ شَرِكَتُهُ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الضَّمَانَ فِي ضَرْبِ الْأَدَبِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ لِأَنَّ تَرْكَ ضَرْبِهِ أَدَبًا يُفْسِدُهُ وَعَلَيْهِ زَرْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَبِنَاؤُهُ فِي أَرْضٍ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فِي كَوْنِهِ كَغَاصِبٍ يُقْلَعُ زَرْعُهُ وَبِنَاؤُهُ أَوْ لَا لِشَبَهِ الشَّرِكَةِ فَلَهُ الزَّرْعُ ، وَإِنْ لَمْ يُفْتِ إلَّا بَانٍ وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ لِنِصْفِ شَرِيكِهِ وَلَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ قَائِمًا وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إيلَادِ الْعَبْدِ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرٍّ نِصْفُ قِيمَتِهَا جِنَايَةً فِي رَقَبَتِهِ ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِمَا نَقَصَ ثَمَنُهَا عَنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا ا هـ .
وَأُجِيبَ عَنْ إبْطَالِ الطَّرْدِ بِتَعْلِيقٍ لَهُمَا بِالتَّصَرُّفِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَعَنْ إبْطَالِ الْعَكْسِ بِأَنَّ سِيَاقَ ابْنِ الْحَاجِبِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ حَدُّ شَرِكَةِ التَّجْرِ ، وَأَنَّهَا الْمَعْقُودُ لَهَا الْبَابُ ، وَذِكْرُ غَيْرِهَا فِيهِ اسْتِطْرَادٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْحَطّ اُنْظُرْ مَا مَعْنَى تَسْمِيَةُ الْأُولَى أَعَمِّيَّةً مَعَ خُرُوجِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ عَنْهَا بِمَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، قُلْت إذَا حَذَفَ قَوْلَهُ فَقَطْ ظَهَرَتْ الْأَعَمِّيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الرَّصَّاعُ فِي اسْتِثْنَائِهِ شَرِكَةَ التَّجْرِ نَظَرٌ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَعَمِّ

صِدْقُهُ عَلَى الْأَخَصِّ ، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِيهِ وَإِلَّا انْتَفَى عُمُومُهُ ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ مِلْكًا فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ كَجُزْأَيْهَا الْبَيْعِ وَالْوَكَالَةِ وَعُرُوضُ وُجُوبِهَا بَعِيدٌ ، بِخِلَافِ عُرُوضِ مُوجِبِ حُرْمَتِهَا وَكَرَاهَتِهَا ، وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمْ } ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ ، وَصَحَّحَهُ بِسُكُوتِهِ عَنْهُ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، وَفِيهِ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا .

وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ

ابْنُ شَاسٍ وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ ، الْأَوَّلُ : الْعَاقِدَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْأَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلُ وَالتَّوَكُّلُ ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ لِصَاحِبِهِ بِإِذْنِهِ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَالْمُصَنِّفُ فَقَالَ ( وَإِنَّمَا تَصِحُّ ) الشَّرِكَةُ ( مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ ) لِغَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ( وَ ) أَهْلِ ( التَّوَكُّلِ ) عَنْ غَيْرِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمُوَكِّلِ ، وَأَهْلُهُمَا الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ الْمُسْلِمُ غَيْرُ الْعَدُوِّ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَتَبِعُوا كُلُّهُمْ وَجِيزَ الْغَزَالِيِّ وَيَرُدُّ بِوُجُوبِ زِيَادَةِ وَأَهْلِ الْبَيْعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَبَاعَ لِصَاحِبِهِ بَعْضَ مَالِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهَا أَهْلِيَّةُ الْوَكَالَةِ لِجَوَازِ تَوْكِيلِ الْأَعْمَى اتِّفَاقًا وَتَوَكُّلِهِ ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ ا هـ .
وَذَكَرَهُ " غ " كَالْمُنَكِّتِ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ .
الْحَطّ لَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ أَهْلِيَّةِ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَعْمَى جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا فَرَّعَ عَلَيْهِ ، نَعَمْ لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فَقَالُوا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ أَوْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ لَكَفَى إذْ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ وَجَازَ كَوْنُهُ وَكِيلًا إلَّا لِمَانِعٍ ، وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهِ .
فَإِنْ قُلْت قَدْ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ التَّوْكِيلُ وَلَا يَجُوزُ تَوَكُّلُهُ كَالذِّمِّيِّ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَوَكُّلُهُ عَنْ مُسْلِمٍ ، وَكَالْعَدُوِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ عَلَى عَدُوِّهِ كَمَا أَشَارَ إلَى هَذَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ لِقَوْلِهِمَا إلَّا لِمَانِعٍ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ إخْرَاجَ ذَلِكَ مِنْ الشَّرِكَةِ أَيْضًا .
قُلْت أَمَّا أَوَّلًا فَعَلَى تَسْلِيمِهِ ، فَكَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقْتَصِرُوا عَلَى قَوْلِهِمْ مِنْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَهْلِيَّةَ التَّوْكِيلِ

.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الذِّمِّيَّ وَالْعَدُوَّ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ لِأَنَّ تَوَكُّلَهُمَا إنَّمَا امْتَنَعَ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ فَقَطْ ، وَأَيْضًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَوَازُ مُشَارَكَةِ الْعَدُوِّ ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ صِحَّةُ مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ وَإِنْ لَمْ تَصْلُحْ ابْتِدَاءً ، قَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَلَا يَصْلُحُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُشَارِكَ ذِمِّيًّا إلَّا أَنْ لَا يَغِيبَ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ وَلَا اقْتِضَاءٍ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ وَقَعَ اُسْتُحِبَّ صَدَقَتُهُ بِرِبْحِهِ إنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِالرِّبَا ، وَبِجَمِيعِ مَالِهِ إنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِهِ فِي خَمْرٍ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ مُشَارَكَةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُحَافِظُ عَلَى دِينِهِ فِي التَّصَدُّقِ بِالرِّبْحِ كَذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ فَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ شَرِكَةَ الذِّمِّيِّ إذَا لَمْ يَغِبْ صَحِيحَةٌ ، بَلْ وَجَائِزَةٌ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ وَكُرِهَتْ مُشَارَكَةُ ذِمِّيٍّ وَمُتَّهَمٍ فِي دِينِهِ إنْ تَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ ، وَإِلَّا جَازَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صِحَّةَ مُشَارَكَةِ النِّسَاءِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَبَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ .
اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ إنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً أَوْ شَابَّةً وَلَا تُبَاشِرُهُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّ كَثْرَةَ مُحَادَثَةِ الشَّابَّةِ الرَّجُلَ يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ فَلَا بَأْسَ .
ابْنُ عَرَفَةَ يُرِيدُ وَاسِطَةً مَأْمُونَةً .
ابْنُ الْهِنْدِيِّ إنَّمَا تَجُوزُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا صَالِحَيْنِ مَشْهُورَيْنِ بِالْخَيْرِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ وَإِلَّا فَلَا .
أَبُو الْحَسَنِ أَوْ مَعَ ذِي مُحْرِمٍ .
وَفِيهَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الْعَبِيدِ الْمَأْذُونِ لَهُمْ فِي التِّجَارَةِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ

لَهُ وَوَلِيَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ ، فَلَا يَضْمَنُ وَضِيعَةَ الْمَالِ وَلَا تَلَفَهُ ، وَكَذَا إنْ وَلِيَا مَعًا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَوَزَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مَنَابَهُ وَأَغْلَقَا عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَنْفَرِدْ الْحُرُّ بِهِمَا ، وَإِنْ انْفَرَدَ بِتَوَلِّي ذَلِكَ ضَمِنَ رَأْسَ الْمَالِ إنْ هَلَكَ أَوْ خَسِرَ .
ا هـ .
فَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ تَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَا يَضْمَنُ الْعَبْدُ مَالَ الْحُرِّ إنْ ضَاعَ .

وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا : كَاشْتَرَكْنَا

وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الثَّانِي وَهِيَ الصِّيغَةُ بِقَوْلِهِ ( وَلَزِمَتْ ) الشَّرِكَةُ ( بِمَا يَدُلُّ ) عَلَيْهَا ( عُرْفًا ) مِنْ قَوْلٍ ( كَاشْتَرَكْنَا ) وَتَعَامَلْنَا فِي هَذَا الْمَالِ عَلَى كَذَا وَنَحْوِهِ ، أَوْ فِعْلٍ كَخَلْطِ الْمَالَيْنِ وَالْعَمَلِ فِيهِمَا وَشَمِلَ مَا يَدُلُّ عُرْفًا الْإِشَارَةَ الْمُفْهِمَةَ شُهِرَ هَذَا فِي الْمُعِينِ .
وَقِيلَ جَائِزَةٌ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْخَلْطِ .
الْبُنَانِيُّ لُزُومُهَا بِالْقَوْلِ هُوَ الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ وَعِيَاضٍ ، وَنَصُّهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ الشَّرِكَةُ عَقْدٌ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْمُعَاوَضَاتِ وَهِيَ رُخْصَةٌ فِي بَابِهَا الَّذِي يَخْتَصُّ بِهَا ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ ، وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْخَلْطِ ا هـ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُعِينِ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي لُزُومِهَا بِالْقَوْلِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَذْهَبُ لُزُومُ شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ بِالْعَقْدِ دُونَ الشُّرُوعِ ا هـ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ هِيَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا مَتَى شَاءَ وَنَحْوُهُ اللَّخْمِيُّ .
خَلِيلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمْ وَمُرَادُ ابْنِ يُونُسَ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الضَّمَانِ ، أَيْ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ بَعْدَ الْعَقْدِ فَضَمَانُهُ مِنْهُمَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالْخَلْطِ ا هـ .
الْحَطّ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ .
ا هـ .
وَوَفَّقَ الْعَوْفِيُّ تَوْفِيقًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ اللُّزُومَ بِالْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ بَيْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضَ مَالِهِ الْآخَرَ ، وَعَدَمِ اللُّزُومِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ مَتَى شَاءَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ ابْنِ رُشْدٍ وَإِذَا تَفَاصَلَا اقْتَسَمَا مَا صَارَ بَيْنَهُمَا لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَرْجِعُ فِي عَيْنِ شَيْئِهِ ،

فَإِذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا وَالْآخَرُ عَرْضًا فَالشَّرِكَةُ لَزِمَتْهُمَا بِالْعَقْدِ ، فَإِنْ انْفَصَلَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعَيْنِ وَنِصْفُ الْعَرْضِ .

بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا

وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يُشْتَرَكُ بِهِ ، وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْمَحِلِّ فَقَالَ وَمَحِلُّهَا الْمَالُ وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِ تَصِحُّ ( بِذَهَبَيْنِ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ( أَوْ ) ب ( وَرِقَيْنِ ) مِنْهُمَا بِكَسْرِ الرَّاءِ إنْ ( اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا ) أَيْ الذَّهَبَيْنِ أَوْ الْوَرِقَيْنِ وَوَزْنُهُمَا وَيُغْتَفَرُ الْفَضْلُ الْيَسِيرُ فِي الْوَزْنِ ، سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ سِكَّتُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَتْ ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ هَاشِمِيَّةٍ وَأَخْرَجَ الْآخَرُ مِثْلَ وَزْنِهَا دَنَانِيرَ دِمَشْقِيَّةٍ أَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ يَزِيدِيَّةٍ وَالْآخَرُ وَزْنَهَا مُحَمَّدِيَّةٍ وَصَرْفُهُمَا مُخْتَلِفٌ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي الِاخْتِلَافِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ فَيُجَوِّزُوهُمَا فِيمَا كَثُرَ كَتَفَاضُلِ الْمَالَيْنِ ، وَلَوْ جَعَلَا الرِّبْحَ وَالْعَمَلَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ فَضْلِ مَا بَيْنَ السِّكَّتَيْنِ لَمْ يَجُزْ إذْ صَرَفَاهُمَا إلَى الْقِيَمِ وَحُكْمُهُمَا الْوَزْنُ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ .
أَبُو الْحَسَنِ صُورَةُ الْقِيمَةِ أَنْ يُقَالَ مَا قِيمَةُ الْمُحَمَّدِيَّةِ ، فَيُقَالُ عَشَرَةٌ ، وَمَا قِيمَةُ الْيَزِيدِيَّةِ فَيُقَالُ خَمْسَةٌ ، فَيَشْتَرِكَانِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَيَلْزَمُ التَّفَاضُلُ .
ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ نَزَلَ أَخَذَ كُلٌّ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ مِنْ سِكَّتِهِ وَمِنْ الرِّبْحِ بِقَدْرِ وَزْنِ رَأْسِ مَالِهِ لَا عَلَى فَضْلِ مَا بَيْنَ السِّكَّتَيْنِ ، وَقَالَهُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .
بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ لَعَلَّ مُحَمَّدًا أَرَادَ إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ سُوقُ السِّكَّتَيْنِ مِنْ الشَّرِكَةِ إلَى الْقِسْمَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَيَظْلِمُ الَّذِي زَادَ سُوقُ سِكَّتِهِ صَاحِبَهُ إذَا أَخَذَ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا دَفَعَ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ اتَّفَقَتْ السِّكَّتَانِ فِي الصَّرْفِ يَوْمَ الشَّرِكَةِ جَازَتْ ، فَإِنْ افْتَرَقَا وَقَدْ حَالَّ الصَّرْفُ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَيَقْتَسِمَانِ مَا بِأَيْدِيهِمَا عَرْضًا كَانَ أَوْ طَعَامًا أَوْ عَيْنًا أَفَادَهُ الْحَطّ .

وَبِهِمَا مِنْهُمَا ، وَبِعَيْنٍ : وَبِعَرْضٍ ، وَبِعَرْضَيْنِ مُطْلَقًا
( وَ ) تَصِحُّ الشَّرِكَةُ ( بِهِمَا ) أَيْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ مَعًا ( مِنْهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ بِأَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَوَرِقًا وَالْآخَرُ مِثْلَهُمَا اتِّفَاقًا بِشَرْطِ اسْتِوَاءِ الذَّهَبَيْنِ وَالْوَرِقَيْنِ فِي الْوَزْنِ وَالصَّرْفِ ( وَ ) تَصِحُّ ( بِعَيْنٍ ) أَيْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ بِهِمَا مِنْ أَحَدِهِمَا ( وَبِعَرْضٍ ) مِنْ الْآخَرِ ، وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الطَّعَامَ ( وَ ) تَصِحُّ ( بِعَرْضَيْنِ ) غَيْرِ طَعَامَيْنِ مِنْ كُلِّ شَرِيكٍ عَرْضٌ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا فَتَجُوزُ بِعَرْضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَصُوفٍ وَحَرِيرٍ ، وَشَمِلَ عَرْضًا مِنْ أَحَدِهِمَا وَطَعَامًا مِنْ الْآخَرِ .
فَفِي الْمُدَوَّنَةِ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِطَعَامٍ وَدَرَاهِمَ وَبِعَيْنٍ وَعَرْضٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِيَمِ ، وَبِقَدْرِهَا يَكُونُ الرِّبْحُ وَالْعَمَلُ .

وَكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أُحْضِرَ ، لَا فَاتَ ، إنْ صَحَّتْ
( وَكُلٌّ ) مِنْ الْعَرْضِ الْمُتَشَارَكِ بِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا يُعْتَبَرُ رَأْسَ مَالٍ ( بِالْقِيمَةِ ) لَهُ ( يَوْمَ أُحْضِرَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْعَرْضُ لِلشَّرِكَةِ ، فَإِنْ اسْتَوَتْ قِيمَةُ الْعَرْضَيْنِ أَوْ قِيمَةُ الْعَرْضِ وَالْعَيْنِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ فَالشَّرِكَةُ بِالنِّصْفِ وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الِاخْتِلَافِ ( لَا ) تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْفَوَاتِ إنْ ( فَاتَ ) الْعَرْضُ ( إنْ صَحَّتْ ) الشَّرِكَةُ ، فَإِنْ فَسَدَتْ فَلَا يُقَوَّمُ وَرَأْسُ مَالِ مُخْرِجِ الْعَرْضِ مَا يُبَاعُ بِهِ عَرْضُهُ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ وَضَمَانِهِ إلَيَّ بَيْعِهِ كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا .
" غ " عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قِيمَةِ الْعَرْضِ فِي الْفَاسِدَةِ يَوْمَ الْفَوَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَبْيَنُ مِنْهَا إذَا قَالَ فَلَوْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً فَرَأْسُ مَالِهِ مَا بِيعَ بِهِ عَرْضُهُ وَقَالَ الصَّقَلِّيَّانِ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُسَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا مَا بِيعَتْ سِلْعَتَاهُمَا بِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةُ عَرْضِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا بَعِيدٌ ا هـ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِي طَعَامٍ فَاسِدَةً فَرَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا بِيعَ بِهِ طَعَامُهُ إذْ هُوَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يُبَاعَ وَلَوْ خُلِطَ قَبْلَ بَيْعِهِ فَرَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةُ طَعَامِهِ يَوْمَ خَلْطِهِ .
طفي اُنْظُرْ فَائِدَةَ قَوْلِهِ لَا فَاتَ لِأَنَّ عَادَةَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا اُسْتُقْرِئَ مِنْ كَلَامِهِ إذَا نَفَى شَيْئًا فَإِنَّمَا يُنَكِّتُ بِهِ عَلَى مَنْ قَالَ بِهِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ فِي الصَّحِيحَةِ يَوْمَ الْفَوَاتِ مَعَ مَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْفَاسِدَةِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْفَوَاتِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ " غ " .

إنْ خَلَطَا وَلَوْ حُكْمًا
وَإِنْ اشْتَرَكَ شَخْصَانِ أَوْ أَكْثَرُ شَرِكَةً صَحِيحَةً ثُمَّ تَلِفَ مَالُ أَحَدِهِمَا أَوْ بَعْضُهُ ضَمِنَهُ شَرِيكُهُ مَعَهُ ( إنْ خَلَطَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ مَا أَخْرَجَاهُ لِلشَّرِكَةِ بِهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ حَقِيقَةً ، بَلْ ( وَلَوْ حُكْمًا ) بِجَعْلِهِمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ بِلَا خَلْطٍ فَهُوَ شَرْطٌ فِي مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَقِبَهُ ، وَإِلَّا فَالتَّالِفُ مِنْ رَبِّهِ .
وَقَالَ الْحَطّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرِّبْحِ وَالْخَسَارَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ .
قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي التَّوَاءِ ، أَيْ الْهَلَاكِ لَا فِي النَّمَاءِ لِأَنَّهُ قَالَ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ قَبْلَ الْخَلْطِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا ، وَمَا ضَاعَ فَهُوَ مِنْ صَاحِبِهِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي شَرْطِ ثُبُوتِ لَازِمِهَا وَهُوَ ضَمَانُ الْمُشْتَرَكِ مِنْهُمَا بِالْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ فَضْلًا عَنْ الْحِسِّيِّ ، أَوْ بِالْحِسِّيِّ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فِيهَا ، وَالْحُكْمُ كَوْنُ الْمَالَيْنِ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ وَلَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَقْصَدِ الْمَحْمُودِ وَصَاحِبُ الْمَعُونَةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، فَلِذَا تَأَوَّلَهُ " ح " ، ثُمَّ قَالَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ بَعْدَ لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ يَكُونُ ضَمَانُ كُلِّ مَالِ مِنْ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْخَلْطِ ، فَإِنْ وَقَعَ الْخَلْطُ وَلَوْ حُكْمًا فَالضَّمَانُ مِنْهُمَا .

وَإِلَّا فَالتَّالِفُ مِنْ رَبِّهِ ، وَمَا اُبْتِيعَ بِغَيْرِهِ فَبَيْنَهُمَا ، وَعَلَى الْمُتْلِفِ نِصْفُ الثَّمَنِ
وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ خَلْطٌ لِلْمَالَيْنِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَتَلِفَ الْمَالَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا ( فَ ) الْمَالُ ( التَّالِفُ ) ضَمَانُهُ ( مِنْ رَبِّهِ ) خَاصَّةً ( وَمَا ) أَيْ الْعَرْضُ الَّذِي ( اُبْتِيعَ ) أَيْ اُشْتُرِيَ لِلتِّجَارَةِ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ التَّالِفِ ( فَ ) هُوَ مُشْتَرَكٌ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ صَاحِبِ السَّالِمِ وَصَاحِبِ التَّالِفِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، فَإِنْ رَبِحَ فَلَهُمَا وَإِنْ خَسِرَ فَعَلَيْهِمَا ( وَعَلَى الْمُتْلِفِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا ، أَيْ الَّذِي تَلِفَ مَالُهُ ( نِصْفُ الثَّمَنِ ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْعَرْضَ إنْ كَانَتْ شَرِكَتُهُمَا بِالنِّصْفِ وَإِلَّا فَبِحَسَبِ مَالِهِ فَلَوْ قَالَ ثَمَنُ حِصَّتِهِ لَشَمِلَهُمَا .

وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ ؟ أَوْ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَخْذَ لَهُ ؟ تَرَدُّدٌ .

( وَهَلْ ) يَكُونُ الْعَرْضُ الْمُشْتَرَى بِالسَّالِمِ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَعْلَمَ ) صَاحِبُ السَّالِمِ ( بِالتَّلَفِ ) لِمَالِ شَرِيكِهِ حِينَ شِرَائِهِ ، فَإِنْ عَلِمَهُ حِينَهُ فَلَا يَكُونُ الْعَرْضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ، وَيَخْتَصُّ بِهِ ذُو السَّالِمِ ( فَلَهُ ) أَيْ رَبِّ السَّالِمِ رِبْحُ مَا اشْتَرَاهُ إنْ رَبِحَ فِيهِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ رَبِّ السَّالِمِ نِصْفُهُ إنْ خَسِرَ فِيهِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ ( أَوْ ) هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ( مُطْلَقًا ) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ عِلْمِ رَبِّ السَّالِمِ تَلَفَ مَالِ شَرِيكِهِ حِينَ شِرَائِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ ، وَالْخِلَافُ الْمُتَقَدَّمُ فِي كُلِّ حَالٍّ ( إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ) رَبُّ السَّالِمِ أَنَّهُ قَصَدَ ( الْأَخْذَ ) أَيْ الشِّرَاءَ ( لِنَفْسِهِ ) خَاصَّةً ، فَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَيَخْتَصُّ بِمَا ابْتَاعَهُ اتِّفَاقًا ، فِي الْجَوَابِ ( تَرَدُّدٌ ) فِي فَهْمِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ بَقِيَتْ صُرَّةُ كُلٍّ بِيَدِ رَبِّهَا حَتَّى ابْتَاعَ أَحَدُهُمَا بِصُرَّتِهِ أَمَةً عَلَى الشَّرِكَةِ وَتَلِفَتْ الصُّرَّةُ الْأُخْرَى فَالصُّرَّةُ التَّالِفَةُ مِنْ رَبِّهَا وَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا ، فَفَهِمَهَا ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَابْنُ يُونُسَ عَلَى الثَّانِي ، فَالْجَارِي عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ تَأْوِيلَانِ قَالَهُ تت .
طفى قَرَّرَ تت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَعَ أَنَّهُ مُنْتَقَدٌ مِنْ " ح " وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَهُوَ انْتِقَادٌ صَحِيحٌ .
وَحَاصِلُ النَّقْلِ عَنْ جَمِيعِ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ بَيْنَ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ مَعَ عَبْدِ الْحَقِّ فَابْنُ رُشْدٍ عِنْدَهُ إنْ اشْتَرَى بَعْدَ تَلَفِ مَا أَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُ حِصَّتَهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ أَوْ يَنْفَرِدَ بِهِ عَنْهُ ، وَإِنْ اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِالتَّلَفِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً هَكَذَا فِي مُقَدِّمَاتِهِ ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ .
وَعِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَعَبْدِ

الْحَقِّ إنْ اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ التَّلَفَ فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهَا أَوْ يَدَعَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِي فَهِيَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّلَفِ حِينَ اشْتَرَى فَهِيَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى فَتَلِفَتْ الصُّرَّةُ الْأُخْرَى ، هَكَذَا فِي نَقْلِ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ فَابْنُ رُشْدٍ عَكَسَ مَا قَالَاهُ إذْ التَّخْيِيرُ عِنْدَهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِهِمَا ، وَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي عَزْوِهِمَا ، وَنَصُّهُ وَهَلْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالتَّلَفِ فَيُخَيَّرُ ، وَإِنْ عَلِمَ يَخْتَصُّ بِهِ أَوْ يُخَيَّرُ الْآخَرُ مَعَ الْعِلْمِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ ابْتَاعَ لِنَفْسِهِ تَرَدُّدٌ ا هـ .
وَقَالَ تت فِي كَبِيرِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السَّالِمَ صُرَّتُهُ تَلْزَمُهُ الشَّرِكَةُ فِيمَا اُبْتِيعَ بِهَا بِشَرْطِهِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ ، وَاَلَّذِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَبِهِ قَرَّرَ الشَّارِحُ كَلَامَهُ هُنَا ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ فِي شَامِلِهِ ثُمَّ سَاقَ كَلَامَ الشَّامِلِ الْمُتَقَدِّمَ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ السَّالِمُ صُرَّتُهُ ، كَمَا عَلِمْت ، وَكَمَا فِي الشَّامِلِ ، وَقَدْ نَقَلَ لَفْظَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ فِي صَغِيرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
الْحَطّ الْأَلْيَقُ بِاصْطِلَاحِهِ تَأْوِيلَانِ ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ بَقِيَتْ كُلٌّ صُرَّةٍ بِيَدِ رَبِّهَا حَتَّى ابْتَاعَ أَحَدَهُمَا بِصُرَّتِهِ أَمَةً عَلَى الشَّرِكَةِ وَتَلِفَتْ الصُّرَّةُ الْأُخْرَى وَالْمَالَانِ مُتَّفِقَانِ ، فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا وَالصُّرَّةُ مِنْ رَبِّهَا .
ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ ثَمَنِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا عَلَى الشَّرِكَةِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ التَّلَفِ عَالِمًا بِهِ فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ

يُشْرِكَهُ فِيهَا أَوْ يَدَعَهَا لَهُ ، إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِي فَهِيَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّلَفِ حَتَّى اشْتَرَى الْأَمَةَ فَهِيَ بَيْنَهُمَا ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثُمَّ تَلِفَتْ صُرَّةُ الْآخَرِ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
أَبُو الْحَسَنِ وَلِابْنِ رُشْدٍ عَكْسُ هَذَا ، قَالَ إنْ اشْتَرَى بَعْدَ التَّلَفِ وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ يَنْفَرِدَ بِهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ عَلِمْت تَلَفَهُ لَمْ أَشْتَرِ إلَّا لِنَفْسِي ، وَمَا اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ تَلَفَ مَا أَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً .
ا هـ .
فَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَا اشْتَرَى بِالسَّالِمِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ التَّلَفَ ، فَإِنْ عَلِمَهُ فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ فَالسِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا بِلَا خِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ .
فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ إلَّا أَنْ يَدَّعِي ، يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ .
قُلْت لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَى لِلشَّرِكَةِ وَلَمْ يَدَّعِ الْأَخْذَ لِنَفْسِهِ ، فَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يُفِيدُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ وَإِنَّهُ بَيْنَهُمَا لُزُومًا .
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ مُطْلَقًا هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ ، إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا ، وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ اشْتَرَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ أَوْ قَبْلَهُ ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ التَّلَفَ يُخَيَّرُ شَرِيكُهُ الَّذِي تَلِفَتْ صُرَّتُهُ فِي شَرِكَتِهِ

وَتَرْكِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا إنْ لَمْ يَبْعُدْ وَلَمْ يُتَّجَرْ لِحُضُورِهِ

وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ إنْ أَحْضَرَ مَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا ، بَلْ ( وَلَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ الَّذِي شَارَكَ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ بِقَيْدَيْنِ ، أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لَهُمَا بِقَوْلِهِ ( إنْ لَمْ يَبْعُدْ ) النَّقْدُ الْغَائِبُ ، زَادَ فِي تَوْضِيحِهِ جِدًّا ، فَإِنْ بَعُدَ النَّقْدُ الْغَائِبُ جِدًّا فَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِ ( وَلَمْ يُتَّجَرْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ مُشَدَّدَةً وَالْجِيمِ بِنَقْدِ أَحَدِهِمَا الْحَاضِرِ ( لِحُضُورِهِ ) أَيْ النَّقْدِ الْغَائِبِ ، وَاَلَّذِي فِي تَوْضِيحِهِ لِقَبْضِهِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ حُضُورَهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ قَالَهُ تت .
فَإِنْ اتَّجَرَ بِالْحَاضِرِ قَبْلَ حُضُورِ الْغَائِبِ فَلَا تَصِحُّ .
طفي جَعَلَهُ تت مُبَالَغَةً فِي لُزُومِهَا ، وَتَبِعَهُ " س " ، وَاعْتَرَضَهُمَا عج بِاقْتِضَائِهِ عَدَمَ لُزُومِهَا مَعَ الْبُعْدِ أَوْ التَّجْرِ قَبْلَ حُضُورِهِ ، وَالْمُرَادُ مَنْعُهَا وَجَعْلُهُ مُبَالَغَةً فِي جَوَازِهَا .
قُلْت الْأَوْلَى كَوْنُهُ مُبَالَغَةً فِي صِحَّتِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ ، قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ إلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ لِلَّخْمِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الْقَيْدُ لِبَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ ، وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِهِ تَقْيِيدًا نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ خِلَافٌ .
ا هـ .
وَنَصُّهُ وَفِي الشَّرِكَةِ بِمَالٍ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ ، نَقَلَ اللَّخْمِيُّ صِحَّتَهَا عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَمَنَعَهَا عَنْ سَحْنُونٍ ، وَنَقَلَ التُّونُسِيُّ عَنْهُ الْكَرَاهَةَ وَالصَّقَلِّيُّ الْفَسَادَ ، وَفِي كَوْنِ قَوْلِ بَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ إنَّمَا تَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِشَرْطِ قُرْبِ الْغَيْبَةِ وَوَقْفُ التَّجْرِ بِالْحَاضِرِ عَلَى حُضُورِ الْغَائِبِ تَقْيِيدًا نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ خِلَافٌ لِاحْتِجَاجِ

ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْجَوَازِ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا اُنْظُرْ تَمَامَهُ .

لَا بِذَهَبٍ وَبِوَرِقٍ
( لَا ) تَصِحُّ الشَّرِكَةِ ( بِذَهَبٍ ) مِنْ أَحَدِهِمَا ( وَوَرِقٍ ) مِنْ الْآخَرِ لِاجْتِمَاعِ الشَّرِكَةِ وَالصَّرْفِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ احْتِجَاجُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ صَرْفٌ وَشَرِكَةٌ غَيْرُ بَيِّنٍ ` لِأَنَّ الْعُقُودَ الْمُنْضَمَّةَ إلَى الشَّرِكَةِ إنَّمَا تُمْنَعُ صِحَّتُهَا إنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهَا ، نَصَّ عَلَى مَعْنَى هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ عَرَفَةَ ، قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهَا ظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْخَارِجَةِ غَيْرُ مَانِعَةٍ صَرْفًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إنَّمَا قَالَهُ فِيمَا لَيْسَ صَرْفًا لِأَجْلِ ضِيقِ الصَّرْفِ وَشِدَّتِهِ ، وَإِنَّمَا الْغَيُّ مَانِعِيَّةُ الصَّرْفِ فِي الشَّرِكَةِ .
سَحْنُونٌ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ .
ا هـ .
وَقِيلَ عِلَّةُ الْمَنْعِ أَنَّ يَدَ كُلٍّ جَائِلَةٌ فِي نَقْدِهِ فَهُوَ بَاقٍ تَحْتَ يَدِهِ فَهُوَ صَرْفٌ بِتَأْخِيرٍ ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فِيمَا أَجَازُوهُ مِنْ الشَّرِكَةِ بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ بَدَلَا التَّأْخِيرِ لِجَوَلَانِ يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى نَقْدِهِ ، وَفِيهِ اجْتِمَاعُ الشَّرِكَةِ وَالْبَدَلِ وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى الْبَدَلِ بِتَأْخِيرٍ .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إجَازَةِ الشَّرِكَةِ بِالدَّنَانِيرِ مِنْ كِلَا الشَّرِيكَيْنِ ، أَوْ الدَّرَاهِمِ مِنْ كِلَيْهِمَا جَمِيعًا ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا عَدَمَ الْمُنَاجَزَةِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ لِبَقَاءِ يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا بَاعَ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ وَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ، وَكَأَنَّهُمْ رَخَّصُوا فِي النُّقُودِ لِأَنَّهَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ ، وَالنَّاسُ مُحْتَاجُونَ إلَى الْمُعَيَّنِ فِي أَمْوَالِهِمْ .
وَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِلشَّرِكَةِ فِيهِ ضَرُورَةٌ ا هـ .

وَبِطَعَامَيْنِ ، وَلَوْ اتَّفَقَا ؛

( وَلَا ) تَصِحُّ ( بِطَعَامَيْنِ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ إنْ اخْتَلَفَا جِنْسًا أَوْ صِفَةً أَوْ قَدْرًا ، بَلْ ( وَلَوْ اتَّفَقَا ) أَيْ الطَّعَامَانِ نَوْعًا وَصِفَةً عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيْعُ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ لِلْآخَرِ بَعْضَ طَعَامِهِ بِبَعْضِ طَعَامِ الْآخَرِ وَبَقِيَ الْبَعْضُ الَّذِي بَاعَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا تَحْتَ يَدِهِ ، فَإِذَا بِيعَ لِأَجْنَبِيٍّ فَقَدْ بِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ هَذَا فِي الشَّرِكَةِ بِطَعَامٍ وَعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ ، وَقَدْ أَجَازَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَأُجِيبَ بِاغْتِفَارِهِ فِي هَذِهِ لِتَبَعِيَّةِ الطَّعَامِ النَّقْدَ أَوْ الْعَرْضَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ بِطَعَامَيْنِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ كَثِيرًا مَمْنُوعَةٌ .
الصِّقِلِّيُّ اتِّفَاقًا ، وَإِلَّا فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُمْنَعُ قَائِلًا لَمْ يُجِزْهُ مُنْذُ لَقِينَاهُ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا مَا عَلِمْت لِكَرَاهَةٍ فِيهَا وَجْهًا ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ بِخَلْطِ الطَّعَامِ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ وَعَبْدُ الْحَقِّ بِبَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِسْمَاعِيلُ بِافْتِقَارِ الشَّرِكَةِ إلَى اسْتِوَاءِ الْقِيمَةِ وَالْبَيْعِ إلَى اسْتِوَاءِ الْكَيْلِ ، وَلَا يَكَادُ أَنْ يُوجَدَا .
وَزَادَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِهَا بِعَيْنَيْنِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لَمْ يَقِسْ عَلَيْهِ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ جَوَازَهَا بِطَعَامَيْنِ وَأَبُو الْحَسَنِ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ فِي الطَّعَامِ مُطْلَقًا لِفَسْخِ بَيْعِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ ، وَعَدَمِ اخْتِلَافِهَا فِي الْعَيْنِ لِعَدَمِ فَسْخِهِ فِيهِ فَصَارَ مُتَمَاثِلَا الطَّعَامِ كَمُخْتَلِفَيْهِ ، بِخِلَافِ مُتَمَاثِلَيْ الْعَيْنِ ، وَنَظَمَ " غ " الْمَسْأَلَةَ وَعَلَّلَهَا فَقَالَ : شَارِكْ بِجِنْسِ الْعَيْنِ وَالطَّعَامِ وَالثَّانِ لِلْعُتَقِيِّ لَا الْإِمَامِ لِلنَّقْلِ وَالْخَلْطِ وَالْأَرْشِ وَالْغَرَضْ وَعِلَلٍ وَإِنْ كَلَامًا قَبَضْ

وَالْمُرَادُ بِالنَّقْلِ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ فِي الْعَيْنِ ، وَبِالْأَرْشِ الْقِيمَةُ الَّتِي تَفْتَقِرُ الشَّرِكَةُ إلَى الِاسْتِوَاءِ فِيهَا ، وَبِالْغَرَضِ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ فِي الطَّعَامِ وَتَنْكِيرُ عِلَلٍ لِلتَّكْثِيرِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي جَوَازِهَا بِدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَطَعَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَعَرْضَيْنِ كَذَلِكَ وَمَنَعَهَا فِي الْجَمِيعِ .
ثَالِثُهَا تَجُوزُ فِي الْعَرْضَيْنِ فَقَطْ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ وَسَحْنُونٍ ، وَالثَّانِي لِأَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ .
وَالثَّالِثُ لِأَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لِاجْتِمَاعِ عِلَّتَيْنِ فِي الْأَوَّلَيْنِ ، وَهُمَا عَدَمُ الْمُنَاجَزَةِ وَالْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ وَانْفِرَادُ عِلَّةٍ فِي الْعَرْضَيْنِ هِيَ الْبَيْعُ وَالشَّرِكَةُ .
ا هـ .
وَأَصْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَقْدِهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى ، قَالَ أَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَاعِ فِي الشَّرِكَةِ عَدَمَ التَّنَاجُزِ وَلَا الصَّرْفِ وَالشَّرِكَةِ وَلَا الْبَيْعِ إذَا دَخَلَا فِيهَا .

ثُمَّ إنْ أَطْلَقَا التَّصَرُّفَ وَإِنْ بِنَوْعٍ ، فَمُفَاوَضَةٌ
وَلَمَّا كَانَتْ الشَّرِكَةُ سِتَّةَ أَقْسَامٍ مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ وَجَبْرٍ وَعَمَلٍ وَذِمَمٍ وَمُضَارَبَةٍ وَهُوَ الْقَرَّاضُ ذَكَرَهَا مُرَتَّبَةً كَهَذَا وَأَفْرَدَ الْأَخِيرَ بِبَابٍ فَقَالَ : ( ثُمَّ ) بَعْدَ لُزُومِهَا بَدَا لَهَا عُرْفًا ( إنْ أَطْلَقَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ ( التَّصَرُّفَ ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ مَا يَتَّجِرَانِ فِيهِ بِأَنْ جَعَلَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ ، وَبِلَا إذْنِهِ وَعِلْمِهِ ، وَفِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَالِاكْتِرَاءِ وَالْإِكْرَاءِ وَنَحْوِهَا إنْ كَانَ الْإِطْلَاقُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ مَا يُتَّجَرُ فِيهِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( بِنَوْعٍ ) وَاحِدٍ مِمَّا يُتَّجَرُ فِيهِ كَالْبَزِّ بِالزَّايِ أَوْ الْعِطْرِ ( فَ ) هِيَ ( مُفَاوَضَةٌ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ لَا غَيْرُ أَيْ تُسَمَّى بِهَذَا

وَلَا يُفْسِدُهَا : انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ ؛
( وَلَا يُفْسِدُهَا ) أَيْ الْمُفَاوَضَةَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ( انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ( بِشَيْءٍ ) مِنْ الْمَالِ يَتَّجِرُ فِيهِ لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ إذَا دَخَلَا عَلَى عَمَلِهِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ بِقَدْرِ مَالِهِ فِيهَا يَكُونَانِ مُتَفَاوِضَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا عَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ دُونَ صَاحِبِهِ ، وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا .
وَفِي التَّوْضِيحِ وَلَا يُفْسِدُ عِنْدَنَا وُجُودُ مَالٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى حِدَتِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ

وَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ ، إنْ اسْتَأْلَفَ بِهِ أَوْ خَفَّ ، كَإِعَارَةِ آلَةٍ ، وَدَفْعِ كِسْرَةٍ
( وَلَهُ ) أَيْ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ ( أَنْ يَتَبَرَّعَ ) بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ( إنْ اسْتَأْلَفَ ) الْمُتَبَرِّعُ ( بِهِ ) أَيْ التَّبَرُّعِ لِلتِّجَارَةِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَنَحْوِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْلِفْ بِهِ مُنِعَ وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ مِمَّا يَخُصُّهُ ( أَوْ ) لَمْ يَسْتَأْلِفْ بِهِ لَهَا و ( خَفَّ ) أَيْ قَلَّ الْمُتَبَرَّعُ بِهِ ( كَإِعَارَةِ آلَةٍ ) جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِعَارَتِهَا كَدَلْوٍ وَفَأْسٍ وَرَحًى ( وَدَفْعِ كِسْرَةٍ ) مِنْ رَغِيفٍ لِفَقِيرٍ وَشَرْبَةِ مَاءٍ وَإِعَارَةِ غُلَامٍ لِنَحْوِ سَقْيِ دَابَّةٍ .
وَمَفْهُومُ خَفَّ مَنْعُ الْكَثِيرِ فِيهَا وَإِنْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا غَرِيمًا بِدَيْنٍ أَوْ وَضَعَ لَهُ مِنْهُ نَظَرًا وَاسْتِئْلَافًا فِي التِّجَارَةِ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَازَ ، وَكَذَلِكَ وَكِيلُ الْبَيْعِ إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ وَمَا صَنَعَهُ غَيْرُ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ مِنْ شَرِيكٍ أَوْ وَكِيلٍ فَلَا يَلْزَمُ ، وَلَكِنْ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ فِي حِصَّتِهِ وَيَرُدُّ صَنِيعَ الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَهْلِكَ مَا صَنَعَهُ الْوَكِيلُ فَيَضْمَنُهُ .
ا هـ .
وَفِيهَا أَيْضًا لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُعِيرَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يُوسِعَ لَهُ فِيهِ شَرِيكُهُ ، أَوْ يَكُونَ شَيْئًا خَفِيفًا كَعَارِيَّةِ غُلَامٍ لِيَسْقِيَ دَابَّةً وَنَحْوِهِ ، فَأَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْعَارِيَّةُ مِنْ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا فِعْلُهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ اسْتِئْلَافًا لِلتِّجَارَةِ .
وَإِنْ وَهَبَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعَارَ عَلَى الْمَعْرُوفِ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ لِلِاسْتِئْلَافِ فَلَا يَضْمَنُ

وَيُبْضِعَ
( وَ ) لَهُ أَنْ ( يُبْضِعَ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ يَدْفَعُ مَالًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لِمَنْ يَشْتَرِي بِهِ بِضَاعَةً مَعْلُومَةً مِنْ بَلَدِ كَذَا وَيُرْسِلُهَا أَوْ يَقْدُمُ بِهَا لِلشَّرِيكَيْنِ

وَيُقَارِضَ
( وَ ) لَهُ أَنْ ( يُقَارِضَ ) أَيْ يَدْفَعُ مَالًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ فِيهَا لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُبْضِعَ وَيُقَارِضَ دُونَ إذْنِ الْآخَرِ .
اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ الْمَالُ وَاسِعًا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَنْهُمَا فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ نَظَرِهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ فِي شَيْءٍ بَارَ عَلَيْهِمَا وَبَلَغَهُ نَفَاقُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَلَا يَجِدُ لِلسَّفَرِ بِهِ إلَيْهِ سَبِيلًا ، أَوْ يَبْلُغُهُ عَنْ سِلَعٍ صَلَاحًا بِبَلَدٍ فَيَبْعَثُ مَا يُشْبِهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ مِنْ مِثْلِ مَا بِأَيْدِيهِمَا ، وَمِثْلُ هَذَا يُعْرَفُ عِنْدَ نُزُولِهِ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وِفَاقٌ لَهَا .

وَيُودِعَ لِعُذْرٍ ، وَإِلَّا ضَمِنَ
وَ ) لَهُ أَنْ ( يُودِعَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الدَّالِ مَالَ الْمُفَاوَضَةِ عِنْدَ أَمِينٍ ( لِعُذْرٍ ) كَهَدْمِ جِدَارٍ وَحُدُوثِ جَارِ سَوْءٍ وَحُدُوثِ فِتْنَةٍ وَسَفَرٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِيدَاعُ لِعُذْرٍ وَضَاعَ الْمَالُ ( ضَمِنَ ) الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِمَّا أَوْدَعَهُ .
اللَّخْمِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُودَعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا لِعُذْرٍ ، وَكَذَلِكَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ ، وَلَهُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ اخْتِيَارًا بِلَا عُذْرٍ .
فَإِنْ مَاتَ الْمُودِعُ وَلَمْ تُوجَدْ الْوَدِيعَةُ كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ مُفَاوَضًا أَمْ لَا ، وَفِيهَا وَأَمَّا إيدَاعُهُ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَنُزُولِهِ بَلَدًا فَرَأَى أَنْ يُودِعَ ، إذْ مَنْزِلَةُ الْفُنْدُقِ وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ السَّرِقَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَوْدَعَ لِغَيْرِ عُذْرٍ ضَمِنَهُ .
أَبُو الْحَسَنِ فَذَلِكَ لَهُ أَيْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيُشَارِكُ فِي مُعَيَّنٍ
( وَلَهُ ) أَنْ ( يُشَارِكَ فِي ) مَالٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ( مُعَيَّنٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً شَرِكَةَ غَيْرَ مُفَاوَضَةٍ ، كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَلِذَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْمُعَيَّنِ .
طفي بَلْ وَلَوْ مُفَاوَضَةٌ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَرَّهُ قَوْلُهَا ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَاوِضَ شَرِيكًا إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ .
وَأَمَّا إنْ شَارَكَهُ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا غَيْرِ شَرِكَةِ مُفَاوَضَةٍ فَجَائِزٌ لِأَنَّهَا تِجَارَةٌ مِنْ التِّجَارَاتِ .
ا هـ .
وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهَا غَيْرُ شَرِكَةِ مُفَاوَضَةٍ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا ، بَلْ مُرَادُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَارِكَهُ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ حَتَّى يَكُونَ ثَالِثَهُمَا ، فَفِي شَرْحِهَا اللَّخْمِيُّ مُشَارَكَتُهُ ثَالِثًا إنْ شَارَكَهُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ سِلْعَةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ بِدَنَانِيرَ يُخْرِجُهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَيُشَارِكُ بِهَا آخَرَ لِيَتَّجِرَ فِي ذَلِكَ جَازَ ، فَإِنْ جَعَلَهُ ثَالِثًا لَهُمَا لَمْ يَجُزْ فَقَوْلُهُ فِيهَا غَيْرُ مُفَاوَضَةٍ أَيْ بِجَعْلِهِ ثَالِثًا لَهُمَا .
أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهَا وَلِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُبْضِعَ وَيُقَارِضَ دُونَ إذْنِ الْآخَرِ .
ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ دَفْعَهُ الْبِضَاعَةَ وَمُقَارَضَةَ غَيْرِهِ وَشَرِكَتَهُ فِي سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي سِلَعٍ مِنْ التِّجَارَةِ مُوَسَّعٌ لَهُ فِيهِ .
وَأَمَّا شَرِكَتُهُ شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ فَقَدْ مَلَكَ هَذَا الشَّرِيكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الشَّرِيكِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَحُزْ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
ا هـ .
فَجَعَلَ مَحَلَّ الْمَنْعِ حَيْثُ جَعَلَهُ ثَالِثًا فَصَحَّ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ كَمَا أَطْلَقَ غَيْرُهُ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ ، وَفَسَدَ التَّقْيِيدُ .
وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ .
ا هـ .
الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ لِمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيُقِيلَ
( وَ ) لَهُ أَنْ ( يُقِيلَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ أَيْ يَرُدُّ سِلْعَةً لِلشَّرِكَةِ بِثَمَنِهَا الَّذِي بَاعَهَا بِهِ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ

وَيُوَلِّيَ
( وَ ) لَهُ أَنْ ( يُوَلِّيَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً ، أَيْ يَبِيعُ سِلْعَةً مُشْتَرَكَةً بِمِثْلِ ثَمَنِهَا إذَا خَافَ كَسَادَهَا أَوْ خُسْرَهَا ، وَلَعَلَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَا لَمْ يُجَابَّ .

و يَقْبَلَ الْمَعِيبَ وَإِنْ أَبَى الْآخَرُ
( وَ ) لَهُ أَنْ ( يَقْبَلَ الْمَعِيبَ ) أَيْ الْمَرْدُودَ بَعْدَ بَيْعِهِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ مِنْهُمَا مَعًا إنْ رَضِيَ شَرِيكُهُ ، بَلْ ( وَإِنْ أَبَى ) شَرِيكُهُ ( الْآخَرُ ) قَبُولَهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُفَاوِضَ إذَا ظَهَرَ لَهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ فِيمَا اشْتَرَاهُ أَوْ شَرِيكُهُ فَلَهُ قَبُولُهُ وَعَدَمُ رَدِّهِ عَلَى بَائِعِهِ ، وَإِنْ أَبَى الْآخَرُ قَبُولَهُ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَضِيَهُ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ لَزِمَ ذَلِكَ الْآخَرَ ، فَإِنْ رَدَّهُ مُبْتَاعُهُ وَرَضِيَهُ شَرِيكُهُ لَزِمَ رِضَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ بِهِ لَزِمَ الشَّرِيكَ .

وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ
( وَ ) لَهُ أَنْ ( يُقِرُّ بِدَيْنٍ ) فِي مَالِ الْمُفَاوَضَةِ ، وَيَلْزَمُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْآخَرَ إنْ كَانَ إقْرَارُهُ ( لِمَنْ ) أَيْ شَخْصٍ ( لَا يُتَّهَمُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ مُشَدَّدَةً الْمُقِرُّ ( عَلَيْهِ ) بِالْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ لَهُ بِأَنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا غَيْرَ مُلَاطِفٍ لِلْمُقِرِّ أَوْ بَعِيدَ الْقَرَابَةِ كَذَلِكَ ، فَإِنْ أَقَرَّ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ كَأَبَوَيْهِ وَأَوْلَادِهِ وَصَدِيقِهِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ .

وَيَبِيعَ بِالدَّيْنِ
( وَ ) لَهُ أَنْ ( يَبِيعَ ) سِلْعَةً مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ ( بِالدَّيْنِ ) لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ عَلَى الْمَشْهُورِ

لَا الشِّرَاءُ بِهِ

( لَا ) يَجُوزُ لَهُ ( الشِّرَاءُ ) لِسِلْعَةٍ لِلْمُفَاوَضَةِ ( بِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ .
طفي سِوَى ابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ الشِّرَاءُ بِالْبَيْعِ فِي الْجَوَازِ فَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ .
وَأَمَّا الشِّرَاءُ بِالدَّيْنِ فَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَكْرَهُ أَنْ يُخْرِجَا مَالًا عَلَى أَنْ يَتَّجِرَا بِهِ وَبِالدِّينِ مُفَاوَضَةً ، فَإِنْ فَعَلَا فَمَا اشْتَرَاهُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَبَيْنَهُمَا وَإِنْ جَاوَزَ رُءُوسَ أَمْوَالِهَا ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ قَالَ إذَا كَانَ الشِّرَاءُ عَلَى النَّقْدِ بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ جَازَ ، وَهَذَا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهُ .
ا هـ .
فَتَبِعَهُ خَلِيلٌ فِي تَعَقُّبِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ بِكَلَامِهَا ، وَلِذَا فَرَّقَ فِي مُخْتَصَرِهِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
وَفِي اسْتِدْلَالِهِمَا عَلَى التَّعَقُّبِ بِكَلَامِهَا وَهْمٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فِي تَعَاقُدِهِمَا عَلَى الشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ فَبَيْنَهُمَا مَا بَيْنَ الضَّبِّ وَالنُّونِ ، وَإِنَّمَا كَلَامُهَا فِي شَرِكَةِ الذِّمَمِ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهَا الْمَذْكُورِ وَهَذِهِ تُفَسِّرُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهَا ، أَمَّا الذِّمَمُ بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَضْمَنَا مَا ابْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا .
وَأَرَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِبَعْضِ الشُّيُوخِ اللَّخْمِيَّ ، قَالَ وَلَا يَشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ، فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ فَيَكُونُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً ، ثُمَّ قَالَ يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَا يَكُونُ ثَمَنُهُ مَعَهُ عَلَى النَّقْدِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57