كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

الْبُنَانِيُّ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : الَّذِي رَأَيْته فِي نُسَخٍ عَدِيدَةٍ مِنْ التَّوْضِيحِ وَأَمَّا نُكُولُ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ هُمْ فِي الْقُعْدُدِ سَوَاءٌ إلَخْ ، وَلَمْ أَرَ النُّسْخَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا طفي ، وَحِينَئِذٍ فَلَا اخْتِلَالَ فِي عِبَارَتِهِ بِحَالٍ .
الثَّانِي : لَمَّا نَقَلَ طفي قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمَ عَقِبَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي فَهْمِ تَعْلِيلِهِ إشْكَالٌ ، قَالَ مَا نَصُّهُ إذَا تَأَمَّلْت عَلِمْت أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ ، وَأَنَّهُ وَاضِحٌ ، فَمَا أَدْرِي مَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ مِنْهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّخْمِيَّ أَشَارَ بِتَعْلِيلِهِ إلَى قَوْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا أَقْسَمَ وُلَاةُ الدَّمِ وَوَجَبَ الْقَوَدُ فَعَفَا بَعْضُهُمْ بَعْدَ الْقَسَامَةِ وَهُمْ بَنُونَ أَوْ بَنُو بَنِينَ أَوْ إخْوَةٌ صَحَّ عَفْوُهُمْ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ .
وَاخْتُلِفَ إذَا كَانُوا عُمُومَةً أَوْ بَنِي عُمُومَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَصِحُّ عَفْوُهُمْ .
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ ا هـ .
قُلْت تَعْلِيلُهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُ لَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُ فِي الْعَفْوِ مِنْ غَيْرِ خِلَافِهِ عَنْهُ ، وَمَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْهُ ، فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّالِثُ : نَقَلَ " ق " الْقَوْلَ الْمَرْدُودَ بِلَوْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ وَنَصُّهُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ إنْ كَانُوا أَعْمَامًا أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُمْ ، فَجَعَلَهُمْ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَرَّةً كَالْبَنِينَ ، وَمَرَّةً قَالَ إنْ رَضِيَ اثْنَانِ كَانَ لَهُمَا أَنْ يَحْلِفَا وَيَسْتَحِقَّا حَقَّهُمَا مِنْ الدِّيَةِ .
ا هـ .
وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ وضيح وَغَيْرِهِمْ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ اثْنَانِ كَانَ لَهُمَا أَنْ يَحْلِفَا وَيَقْتُلَا وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الدِّيَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَتُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ، فَيَحْلِفُ كُلٌّ خَمْسِينَ ، وَمَنْ نَكَلَ : حُبِسَ ، حَتَّى يَحْلِفَ وَلَا اسْتِعَانَةَ ،

وَإِذَا نَكَلَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ وَسَقَطَ الدَّمُ ( فَتُرَدُّ ) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْقَسَامَةُ ( عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ) الْقَتْلُ ( فَيَحْلِفُ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( خَمْسِينَ يَمِينًا ) إنْ تَعَدَّدُوا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَّهَمٌ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا حَلَفَهَا وَحْدَهُ ( وَمَنْ نَكَلَ ) عَنْهَا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ( حُبِسَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( حَتَّى يَحْلِفَ ) خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ يَمُوتَ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ أَمْرٌ سُجِنَ بِسَبَبِهِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ .
وَقِيلَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطُولَ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ إنْ اُتُّهِمَ بِالدَّمِ جَمَاعَةٌ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَوْ كَثُرُوا ، قَالَ مَعَ عَبْدِ الْمَلِكِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِحَلِفِهِ ، إذْ لَعَلَّهُ الَّذِي كَانَ يُقْسِمُ عَلَيْهِ ، فَمَنْ حَلَفَ بَرِئَ إلَّا مِنْ ضُرِبَ مِائَةً وَسُجِنَ سَنَةً ، وَمَنْ نَكَلَ سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ .
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عَصَبَتِهِ مُحَمَّدٌ وَقَالَهُ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ .
عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ كَانُوا كُلُّهُمْ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ فَذَلِكَ لَهُمْ وَلَا يَنْقُصُ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَوْ كَثُرُوا ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ فَخِذٍ وَاحِدٍ اسْتَعَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِتِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ فَحَلَفُوا مَعَهُ فَلِمَنْ يَحْلِفُ بَعْدَهُ مِنْ الْمُتَّهَمِينَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِمْ أَنْفُسِهِمْ ، وَبِالْمُتَّهَمِ نَفْسِهِ الَّذِي حَلَفَ هُوَ عَنْهُ وَكَذَا مَعَ الثَّالِثِ ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوهُمْ فِي وَاحِدٍ فَيَقُولُونَ مَا قَتَلَهُ فُلَانٌ وَلَا فُلَانٌ وَلَا فُلَانٌ وَلَا يَحْلِفُونَ الثَّلَاثَةَ الْأَيْمَانَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَكْرِيرِهِمْ الْأَيْمَانَ ( وَلَا اسْتِعَانَةَ ) لِمَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ بِغَيْرِهِ مِنْ عَصَبَتِهِ ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ ، بِخِلَافِ وَلِيِّ الدَّمِ .
وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَيْمَانَ الْوَلِيِّ مُوجِبَةٌ ، وَقَدْ يَحْلِفُهَا مَنْ يُوجِبُ لِغَيْرِهِ ،

وَأَيْمَانُ الْمُتَّهَمِ دَافِعَةٌ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ بِيَمِينِهِ مَا تَعَلَّقَ بِغَيْرِهِ قَالَهُ تت وَتَبِعَهُ عب وَالْخَرَشِيُّ .
الْبُنَانِيُّ عَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ هُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَعَزَاهُ لِظَاهِرِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا نَقَلَهُ الْحَطّ ، وَبِهِ يَسْقُطُ اعْتِرَاضُ " ق " وَابْنُ مَرْزُوقٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ ، وَقَوْلُ " ز " ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ أَيْمَانَ الْوَلِيِّ مُوجِبَةٌ إلَخْ ، نَحْوُهُ فِي الْخَرَشِيِّ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُصَادَرَةٌ .

وَإِنْ أَكْذَبَ بَعْضٌ نَفْسَهُ : بَطَلَ ، بِخِلَافِ عَفْوِهِ ، فَلِلْبَاقِي نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ ؛

( فَإِنْ أَكْذَبَ بَعْضٌ ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْحَالِفِينَ الْقَسَامَةَ ( نَفْسَهُ ) بِأَنْ قَالَ إنَّهُ كَذَبَ فِي دَعْوَاهُ ( بَطَلَ الْقَوَدُ ) وَالدِّيَةُ لِأَنَّهُ كَالشَّاهِدِ بِالظُّلْمِ عَلَى غَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانُوا قَبَضُوا الدِّيَةَ رَدُّوهَا .
طفي حُكْمُ التَّكْذِيبِ بَعْدَ الْقَسَامَةِ حُكْمُ النُّكُولِ ، فَلَوْ جَمَعَهُ مَعَهُ فَقَالَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ وَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا قَوْلَهُ وَلَوْ بَعُدُوا ، وَقَوْلُهُ فَتَرُدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ أَوْ شَبَّهَهُ بِهِ فَقَالَ كَتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ ، وَعِبَارَتُهُ لَا يُعْلَمُ مِنْهَا إلَّا بُطْلَانُ الْقَوَدِ ، وَالْكَلَامُ كُلُّهُ فِي الْعَمْدِ ، وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ ، وَزَادُوا الْعَفْوَ قَبْلَ الْقَسَامَةِ مِثْلَ النُّكُولِ وَالتَّكْذِيبِ فِي ذَلِكَ .
( بِخِلَافِ عَفْوِهِ ) أَيْ بَعْضِ الْمُسْتَحَقِّينَ عَنْ الْقَوَدِ مِنْ الْقَاتِلِ عَمْدًا بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَبْطُلُ الْقَوَدُ وَحِصَّةُ الْعَافِي مِنْ الدِّيَةِ فَقَطْ ( وَلِلْبَاقِي ) مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ ( نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ ) أَفَادَهُ تت .
طفي الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْقَسَامَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ أَوْ التَّعْمِيمَ ، إذْ الْحُكْمُ سَوَاءٌ فِيهِمَا .
وَأَمَّا عَفْوُهُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ بِالْقَسَامَةِ فَيُبْطِلُ الْقَوَدَ وَالدِّيَةَ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ نَكَلَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْقَسَامَةِ وَهُمْ فِي الْقُعْدُدِ سَوَاءٌ أَوْ عَفَا عَنْ الدَّمِ قَبْلَهَا فَفِي سُقُوطِ الدَّمِ وَالدِّيَةِ أَوْ الدَّمِ فَقَطْ ، وَيَحْلِفُ مَنْ بَقِيَ لِأَخْذِ حَقِّهِ ، ثَالِثُهَا هَذَا إنْ نَكَلَ عَلَى وَجْهِ الْعَفْوِ عَنْ حَقِّهِ ، وَإِنْ نَكَلَ تَحَرُّجًا وَتَوَرُّعًا حَلَفَ مَنْ بَقِيَ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ .
اللَّخْمِيُّ إنْ نَكَلَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ عَفَا وَهُمْ بَنُونَ أَوْ إخْوَةٌ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْقَاتِلِ ، وَلَيْسَ لِمَنْ لَمْ يَنْكُلْ

أَنْ يَحْلِفَ وَلِمَالِكٍ أَيْضًا وَإِنْ بَقِيَ اثْنَانِ كَانَ لَهُمَا أَنْ يَحْلِفَا وَيَسْتَحِقَّا حَقَّهُمَا مِنْ الدِّيَةِ .
اللَّخْمِيُّ يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَنْكُلْ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا لِأَنَّ الْأَمْرَ آلَ إلَى الدِّيَةِ .
وَاخْتُلِفَ فِيهِ إنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ أَعْمَامًا أَوْ بَنِي أَعْمَامٍ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُمْ مِنْ الْعَصَبَةِ فَنَكَلَ بَعْضُهُمْ ، فَجُعِلَ الْجَوَابُ فِيهِمْ مَرَّةً كَالْبَنِينَ .
وَقَالَ أَيْضًا لِمَنْ لَمْ يَنْكُلْ إنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا أَنْ يَحْلِفَا وَيَقْتُلَا لِأَنَّهُ لَا عَفْوَ لَهُمْ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ ، بِخِلَافِ الْبَنِينَ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْقُعْدُدِ .
قُلْت فِي فَهْمِ تَعْلِيلِهِ إشْكَالٌ وَالرِّوَايَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْجَلَّابِ ، قَالَ وَعَلَى رِوَايَةِ سُقُوطِ الْقَوَدِ هَلْ لِلْبَاقِينَ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَسْتَحِقُّوا حَظَّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لَهُمْ ذَلِكَ ، وَالْأُخْرَى لَا قَوَدَ لَهُمْ وَلَا دِيَةَ وَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ، اُنْظُرْ الْحَاشِيَةَ .

وَلَا يُنْتَظَرُ صَغِيرٌ ، بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ ، وَالْمُبَرْسَمِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ ، فَيَحْلِفُ الْكَبِيرُ حِصَّتَهُ ، وَالصَّغِيرُ مَعَهُ

وَلَا يُنْتَظَرُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ بِبَعْضِ الْقَسَامَةِ وَلِيٌّ ( صَغِيرٌ ) إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلِيَّانِ كَبِيرَانِ فَيَحْلِفَانِ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ وَلَهُمَا الْقَوَدُ ( بِخِلَافِ ) الْوَلِيِّ ( الْمُغْمَى ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ ، أَيْ مَنْ سَتَرَ الْمَرَضُ عَقْلَهُ ( وَ ) الْوَلِيُّ ( الْمُبَرْسَمُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ مَنْ بِهِ دَاءٌ فِي رَأْسِهِ أَثْقَلَ دِمَاغَهُ وَسَتَرَ عَقْلَهُ ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُنْتَظَرُ لِقُرْبِ إفَاقَتِهِ .
الْبُنَانِيُّ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ يُنْتَظَرَانِ لِبَعْضِ الْأَيْمَانِ ، وَلَوْ وُجِدَ مَنْ يَحْلِفُ غَيْرُهُمَا ، وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ ، إذْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَحَمَلَهُ " ق " وعج عَلَى انْتِظَارِهِمَا لِلْقَتْلِ إذَا أَرَادَهُ غَيْرُهُمَا وَهُوَ صَوَابٌ ، إلَّا أَنَّهُ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا وَانْتُظِرَ غَائِبٌ لَمْ تَبْعُدْ غَيْبَتُهُ وَمُغْمًى وَمُبَرْسَمٌ وَبَعِيدٌ مِنْ غَرَضِهِ هُنَا وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا طفي ، وَنَصُّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ يُنْتَظَرُ بِبَعْضِ الْأَيْمَانِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ ، وَلَوْ وُجِدَ مَنْ يَحْلِفُ غَيْرُهُمَا فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا وَلَا مَعْنًى لِانْتِظَارِهِمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَحْلِفُ ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا صَاحِبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ وَقَفْت عَلَيْهِ .
وَقَالَ " ح " إنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ وَانْتُظِرَ غَائِبٌ لَمْ تَبْعُدْ غَيْبَتُهُ وَمُغْمًى وَمُبَرْسَمٌ وَكَوْنُهُ مُكَرَّرًا ، إذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ انْتِظَارُهُمَا لِلْقَتْلِ إذَا أَرَادَهُ غَيْرُهُمَا مَعَ كَمَالِ الْقَسَامَةِ كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ وَهُوَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ ، وَلَيْسَ هُوَ الْغَرَضُ هُنَا ، وَكَأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ عَدَمُ وُجُودِ نَقْلٍ يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ، هُنَا فَحَمْلُهُ عَلَى التَّكْرَارِ أَحْسَنُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَنْقُولِ وَقَرَّرَهُ ق " أَيْضًا بِمَا

يُوجِبُ التَّكْرَارَ فَقَرَّرَهُ بِقَوْلِهَا إنْ كَانَ فِي الْأَوْلِيَاءِ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُبَرْسَمٌ فَإِنَّهُ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ لِأَنَّ هَذَا مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ .
ا هـ .
وَكَلَامُهَا فِيمَا إذَا أَرَادَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْقَتْلَ لَا فِي انْتِظَارِهِ لِلْحَلِفِ لِأَنَّ قَبْلَ هَذَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ مَجْنُونًا مُطْبَقًا فَلِلْآخَرِ أَنْ يَقْتُلَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُنْتَظَرُ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأَوْلِيَاءِ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَخْ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ أَحْوَالِ عَدَمِ انْتِظَارِ الصَّغِيرِ فَقَالَ ( إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ ) أَيْ الصَّغِيرِ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ مَعَ الْكَبِيرِ وَلَا مِنْ عَصَبَتِهِ الَّذِينَ يَسْتَعِينُ بِهِمْ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ضَمِيرَ غَيْرِهِ رَاجِعٌ لِلْكَبِيرِ الَّذِي مَعَ الصَّغِيرِ ( فَيَحْلِفُ ) الْوَلِيُّ ( الْكَبِيرُ حِصَّتَهُ ) مِنْ الْقَسَامَةِ وَلَا يُؤَخِّرُ الْكَبِيرُ الْحَلِفَ إلَى بُلُوغِ الصَّغِيرِ لِئَلَّا يَمُوتَ أَوْ يَغِيبَ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ فَيَبْطُلُ الدَّمُ ( وَالصَّغِيرُ مَعَهُ ) أَيْ الْكَبِيرِ حَالَ حَلِفِهِ لِأَنَّهُ أَرْهَبُ ، وَإِذَا حَلَفَ الْكَبِيرُ اُنْتُظِرَ بُلُوغُ الصَّغِيرِ لِيَحْلِفَ حِصَّتَهُ مِنْ الْقَسَامَةِ وَيَقْتُلَ الْجَانِيَ أَوْ يَعْفُوَ عَنْهُ ، وَإِنْ عَفَا الْكَبِيرُ سَقَطَ الْقَوَدُ وَالصَّغِيرُ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ حَلِفِهِ وَلَمْ يَجِدْ الْكَبِيرُ مَنْ يَحْلِفُ بَطَلَ الدَّمُ فِيهَا إنْ كَانَ أَوْلَادُ الْمَقْتُولِ صِغَارًا وَكِبَارًا ، فَإِنْ كَانَ الْكِبَارُ اثْنَيْنِ فَلَهُمْ الْقَسَامَةُ وَالْقَتْلُ وَلَا يَنْتَظِرَانِ بُلُوغَ الصَّغِيرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَلَدٌ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ ، فَإِنْ وَجَدَ الْكَبِيرُ رَجُلًا مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ يَحْلِفُ مَعَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ لَهُ الْعَفْوُ حَلَفَا جَمِيعًا خَمْسِينَ يَمِينًا وَكَانَ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَقْتُلَ .
ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ كَانَ وَاحِدًا اسْتَعَانَ بِوَاحِدٍ مِنْ عَصَبَتِهِ ، وَلَا يُنْتَظَرُ الصَّغِيرُ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ حَالِفًا

فَلْيَحْلِفْ نِصْفَهَا وَالصَّغِيرُ مَعَهُ فَيُنْتَظَرُ ، فَإِنْ عَفَا فَلِلصَّغِيرِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ لَا أَقَلُّ .

وَوَجَبَ بِهَا الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ ، وَالْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ مِنْ وَاحِدٍ تَعَيَّنَ لَهَا

( وَوَجَبَ بِهَا ) أَيْ الْقَسَامَةِ ( الدِّيَةُ ) عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ ( فِي ) قَتْلِ ( الْخَطَأِ وَالْقَوَدُ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْوَاوِ أَيْ الْقِصَاصُ مِنْ الْقَتْلِ ( فِي ) قَتْلِ ( الْعَمْدِ ) لِلنَّصِّ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ وَقِيسَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ بِالْأَوْلَى وَيُقَادُ بِهَا ( مِنْ وَاحِدٍ تَعَيَّنَ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ( لَهَا ) أَيْ الْقَسَامَةِ إنْ كَانَتْ التَّدْمِيَةُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَلَا يُقْتَلُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى الْمَشْهُورِ لِضَعْفِهَا عَنْ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ فَيُقْسِمُونَ عَلَى الْمُعَيَّنِ ، وَيَقُولُونَ لِمَنْ فَعَلَهُ مَاتَ ، وَهَذَا إذَا اُحْتُمِلَ مَوْتُهُ مِنْ فِعْلِ أَحَدِهِمْ وَإِلَّا كَرَمْيِ جَمَاعَةٍ صَخْرَةً لَا يُطِيقُ حَمْلَهَا أَحَدُهُمْ فَيُقْسِمُونَ عَلَى جَمِيعِهِمْ ، وَيَقُولُونَ لِمَنْ فَعَلَهُمْ مَاتَ وَيَقْتُلُونَ أَيَّ وَاحِدٍ شَاءُوا قَتْلَهُ مِنْهُمْ ، وَيُجْلَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاقِينَ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً ، وَإِذَا أَقْسَمُوا عَلَى مُعَيَّنٍ ثُمَّ أَقَرَّ غَيْرُهُ بِالْقَتْلِ خُيِّرَ الْوَلِيُّ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَيُجْلَدُ الْآخَرُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً أَفَادَهُ شب .
ابْنُ عَرَفَةَ وَمُوجِبُهَا الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ ، فَإِنْ انْفَرَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَوَاضِحٌ ، وَإِنْ تَعَدَّدَ وَالْمُوجِبُ قَتْلٌ ، فَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ لَا يُقْسِمُ إلَّا عَلَى رَجُلٍ وَلَا يُقْتَلُ غَيْرُهُ ، وَلَمْ نَعْلَمْ قَسَامَةً قَطُّ كَانَتْ إلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِابْنِ عَبْدُوسٍ أَنَّ الْمُغِيرَةَ قَالَ تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْقَسَامَةِ ، وَكَذَا كَانَ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
الْبَاجِيَّ وَالصَّقَلِّيُّ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُقْسَمُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ بِكُلِّ حَالٍ ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ شَاءُوا أَقْسَمُوا عَلَى وَاحِدٍ أَوْ عَلَى اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ لَا يَقْتُلُونَ إلَّا وَاحِدًا مِمَّنْ أَدْخَلُوهُ فِي قَسَامَتِهِمْ .
قُلْت وَلِسَحْنُونٍ قَوْلٌ

ثَالِثٌ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ حَارِثٍ ، قَالَ اخْتَلَفُوا فِي ثَلَاثَةٍ حَمَلُوا صَخْرَةً رَمَوْهَا عَلَى رَجُلٍ قَتَلُوهُ بِهَا وَقَامَ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْسَمُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ يُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْعَمْدِ الَّذِي لَا يُقْتَلُ فِيهِ بِالْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ ضُرِبَ وَاحِدٌ عَلَى الرَّأْسِ وَآخَرُ عَلَى الْبَطْنِ وَآخَرُ عَلَى الظَّهْرِ هَذَا لَا يُقْسَمُ فِيهِ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ .
الْبَاجِيَّ عَلَى الْأَوَّلِ يُقْسِمُونَ لِمَنْ ضَرَبَهُ لَا مَنْ ضَرَبَهُمْ قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ قَدِمَ لِلْقَتْلِ بِقَسَامَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا قَتَلْته ، قَالَ رَبِيعَةُ يُقْتَلُ هَذَا بِالْقَسَامَةِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا آخُذُ بِهِ وَلَا يُقْتَلُ اثْنَانِ بَلْ وَاحِدٌ فَيَقْتُلُونَ أَحَدَهُمَا وَيَتْرُكُونَ الْآخَرَ .
ابْنُ رُشْدٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِثْلُ قَوْلِ رَبِيعَةَ حَكَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْهُمْ ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي السَّمَاعِ ، وَإِذَا قُتِلَ الْمُقِرُّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً بِقَسَامَةٍ وَمَرَّةً بِغَيْرِهَا وَأَنْكَرَ أَصْبَغُ الْأَوَّلَ ، وَقِيلَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ ، وَ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِلْمَقْتُولِ حَيَاةٌ ، وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ .

وَمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جُرْحٍ ، أَوْ قَتْلِ كَافِرٍ ، أَوْ عَبْدٍ ؛ أَوْ جَنِينٍ حَلَفَ وَاحِدَةً ، وَأَخَذَ الدِّيَةَ ، وَإِنْ نَكَلَ بَرِئَ الْجَارِحُ ، إنْ حَلَفَ ؛ وَإِلَّا حُبِسَ

( وَمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا ) وَاحِدًا عَدْلًا ( عَلَى جُرْحٍ ) لِحُرٍّ مُسْلِمٍ ( أَوْ ) أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى ( قَتْلِ ) شَخْصٍ ( كَافِرٍ ) كِتَابِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ ( أَوْ ) أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى قَتْلِ ( عَبْدٍ ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً ( أَوْ ) أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى التَّسَبُّبِ فِي إسْقَاطِ ( جَنِينٍ ) مِنْ مَرْأَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ ( حَلَفَ ) مُقِيمُ الشَّاهِدِ عَلَى مَا ذَكَرَ يَمِينًا ( وَاحِدَةً ) فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ ( وَأَخَذَ ) الْحَالِفُ ( الدِّيَةَ ) أَيْ الْمَالَ الْمُؤَدَّى فَشَمَلَتْ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَغُرَّةَ الْجَنِينِ وَعُشْرَ قِيمَةِ الْأَمَةِ وَلَهُ الْقِصَاصُ فِي جُرْحِ الْعَمْدِ .
قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ بِمَالٍ ، فَقَالَ كَلَّمْتُهُ فِيهِ فَقَالَ إنَّهُ لِشَيْءٍ اسْتَحْسَنْته وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا .
( وَإِنْ نَكَلَ ) مُقِيمُ الشَّاهِدِ عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَبَرِئَ ) الشَّخْصُ ( الْجَارِحُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجُرْحِ الْعَمْدِ ، وَكَذَا قَاتِلُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَمُسْقِطُ الْجَنِينِ ( إنْ حَلَفَ ) يَمِينًا عَلَى بَرَاءَتِهِ مِمَّا اُتُّهِمَ هُوَ بِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ بِأَنْ نَكَلَ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ ( حُبِسَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ حَتَّى يَحْلِفَ وَلَوْ طَالَ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ طَالَ عُوقِبَ وَأَطْلَقَ إلَّا الْمُتَمَرِّدَ فَيُخَلَّدُ فِي الْحَبْسِ .
شب الْحَاصِلُ أَنَّ مُقِيمَ الشَّاهِدِ إنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ مَا ادَّعَاهُ فِي جَمِيعِهَا ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ فِي الْجَمِيعِ ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْجَمِيعَ إلَّا فِي جُرْحِ الْعَمْدِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطُولَ سِجْنُهُ فَيُعَاقَبُ وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا لَا قَسَامَةَ فِي الْجِرَاحِ ، وَلَكِنْ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى جُرْحٍ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ فَلْيَحْلِفْ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ ، وَيَأْخُذُ الْعَقْلَ فِي الْخَطَأِ ، قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ

الْعَمْدِ وَلَيْسَ بِمَالٍ ، قَالَ كَلَّمْتُهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : إنَّهُ لِشَيْءٍ اسْتَحْسَنْته وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ ، وَعَلَى الْحَلِفِ مَعَهُ إنْ نَكَلَ مَنْ قَامَ بِهِ حَلَفَ الْجَارِحُ ، فَإِنْ نَكَلَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَقِيلَ يُقْطَعُ وَتَقَدَّمَ نَقْلُ الْجَلَّابِ إنْ طَالَ الْحَبْسُ أُطْلِقَ .
وَفِيهَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي نَصْرَانِيٍّ قَامَ عَلَى قَتْلِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ مُسْلِمٌ عَدْلٌ يَحْلِفُ وَلِأَنَّهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى قَاتِلِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ نَصْرَانِيًّا ، وَمِثْلُهُ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْجِنَايَاتِ وَسَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الدِّيَاتِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَقِيلَ لَا يُسْتَحَقُّ دَمُ النَّصْرَانِيِّ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَظَاهِرُ سَمَاعِ يَحْيَى فِي الدِّيَاتِ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَوْلِيَاؤُهُ مَعَ شَاهِدِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَتَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ ، وَلِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَدَنِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى السَّبَائِيِّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ .

فَلَوْ قَالَتْ : دَمِي وَجَنِينِي عِنْدَ فُلَانٍ ، فَفِيهَا الْقَسَامَةُ ، وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ ، وَلَوْ اسْتَهَلَّ .
( فَلَوْ قَالَتْ ) امْرَأَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ مُسْقِطَةً جَنِينَهَا بِهَا أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ ( دَمِي وَ ) إسْقَاطُ ( جَنِينِي عِنْدَ فُلَانٍ ) وَمَاتَتْ ( فَفِيهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ ( الْقَسَامَةُ ) لِأَنَّ قَوْلَهَا لَوْثٌ ( وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ ) لِأَنَّهُ كَالْجُرْحِ لَا يَثْبُتُ بِاللَّوْثِ إنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ ، بَلْ ( وَلَوْ اسْتَهَلَّ ) أَيْ نَزَلَ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ ضَرَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَقَالَتْ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ ، فَفِي الْمَرْأَةِ الْقَسَامَةُ ، وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَثْبُتُ ، لِأَنَّهُ كَجُرْحٍ مِنْ جِرَاحِهَا وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجُرْحِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ شَاهِدٍ عَدْلٍ فَيَحْلِفُ وُلَاتُهُ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً ، وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَتَهُ .
الصِّقِلِّيُّ يُرِيدُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَرِثُ الْغُرَّةَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ .
وَفِيهَا إنْ قَالَتْ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَخَرَجَ جَنِينُهَا حَيًّا فَاسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ فَفِي الْأُمِّ الْقَسَامَةُ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ قَتَلَنِي وَقَتَلَ فُلَانًا مَعِي فَلَا يَكُونُ فِي فُلَانٍ قَسَامَةٌ .
الصِّقِلِّيُّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا لِنَفْسِهَا وَلَا لِزَوْجِهَا إنْ كَانَ أَبَاهُ وَلَا لِإِخْوَانِهِ إنْ كَانُوا أَوْلَادَهَا ، وَفِي الْقَسَامَةِ فِي فُلَانٍ بِقَوْلِهَا وَقَتَلَ فُلَانًا مَعِي قَوْلَا أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمَرْأَةِ لَوْثٌ أَمْ لَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( بَابٌ ) الْبَاغِيَةُ : فِرْقَةٌ خَالَفَتْ الْإِمَامَ : لِمَنْعِ حَقٍّ ، أَوْ لِخَلْعِهِ ، فَلِلْعَدْلِ

بَابٌ ) فِي بَيَانِ حَدِّ وَأَحْكَامِ الْبَاغِيَةِ ( الْبَاغِيَةُ ) أَيْ حَقِيقَتُهَا عُرْفًا ( فِرْقَةٌ ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ جَمَاعَةٌ مُسْلِمُونَ ، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ ، وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا جِنْسٌ فِي التَّعْرِيفِ شَمِلَ الْمُعَرَّفَ وَغَيْرَهُ ( خَالَفَتْ ) الْفِرْقَةُ ( الْإِمَامَ ) الْأَعْظَمَ الْمُسْتَخْلَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَيْ خَرَجَتْ عَنْ طَاعَتِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَصْلٌ مُخْرِجُ مَا عَدَا الْمُعَرَّفِ إذَا خَالَفَتْهُ ( لِمَنْعِ حَقٍّ ) عَلَيْهَا كَزَكَاةٍ وَدِيَّةٍ وَخَرَاجِ أَرْضٍ ( أَوْ لِخَلْعِهِ ) أَيْ عَزْلِهِ مِنْ الْخِلَافَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْبَغْيُ هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ بِمُغَالَبَةٍ ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُتَأَوَّلُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ حَقِّيَّتَهُ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ بِمُغَالَبَةٍ نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ ، وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُقَاتَلَةُ ، فَمَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ مُغَالَبَةٍ لَمْ يَكُنْ بَاغِيًا ، وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُ سَهَا فَلَمْ يُبَايِعْ الْخَلِيفَةَ ثُمَّ بَايَعَهُ ، اُنْظُرْ إذَا كَلَّفَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ قَوْمًا بِمَالٍ ظُلْمًا فَامْتَنَعُوا فَجَاءَ لِقِتَالِهِمْ ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُدَافِعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَإِنَّ تَعْرِيفَ ابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ بُغَاةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِمَعْصِيَةٍ وَإِنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ لِأَنَّهُ جَائِزٌ ، وَتَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَيْرُ بُغَاةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعُوا حَقًّا وَلَمْ يُرِيدُوا خَلْعَهُ ، وَإِذَا بَغَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ( فَا ) كَرَّتَهُمْ ( الْعَدْلِ ) سَحْنُونٌ إنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ ، فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ عَدْلٌ وَجَبَ الْخُرُوجُ مَعَهُ لِيَظْهَرَ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا وَسِعَك الْوُقُوفُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ نَفْسَك أَوْ مَالَكَ فَادْفَعْهُ عَنْهُمَا ، وَلَا يَجُوزُ

لَك دَفْعُهُ عَنْ الظَّالِمِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ قَامَ عَلَى الْإِمَامِ مَنْ أَرَادَ إزَالَةَ مَا بِيَدِهِ فَقَالَ الصِّقِلِّيُّ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ إنْ كَانَ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ الذَّبُّ عَنْهُ وَالْقِيَامُ مَعَهُ ، وَإِلَّا فَلَا وَدَعْهُ ، وَمَا يُرَادُ مِنْهُ يَنْتَقِمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ظَالِمٍ بِظَالِمٍ ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنْ كِلَيْهِمَا .

تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : الْبُنَانِيُّ تَثْبُتُ الْإِمَامَةُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا بِبَيْعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَإِمَّا بِعَهْدِ الْإِمَامِ الَّذِي قَبْلَهُ لَهُ بِهَا ، وَإِمَّا بِتَغَلُّبِهِ عَلَى النَّاسِ وَحِينَئِذٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطٌ لِأَنَّ مَنْ اشْتَدَّتْ وَطْأَتُهُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ وَأَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثُ صِفَاتٍ الْعَدَالَةُ وَالْعِلْمُ بِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ كَوْنُهُ مُسْتَجْمِعًا لِشُرُوطِ الْقَضَاءِ ، وَكَوْنُهُ قُرَشِيًّا وَكَوْنُهُ ذَا نَجْدَةٍ وَكِفَايَةِ الْمُعْضِلَاتِ وَنُزُولِ الدَّوَاهِي وَالْمُلِمَّاتِ ، وَانْظُرْ الْحَاشِيَةَ .
الثَّانِي : ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ تَقَوُّلٍ ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مَنْعُ إمَامَةِ غَيْرِ الْعَدْلِ مُطْلَقًا ، وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِسْقُ الْأَئِمَّةِ يَتَفَاوَتُ كَكَوْنِ فِسْقِ أَحَدِهِمْ بِالْقَتْلِ وَفِسْقِ الْآخَرِ بِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ وَفِسْقِ آخَرَ بِالتَّعَرُّضِ لِلْأَمْوَالِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَعَرِّضِ لِلدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قُدِّمَ الْمُتَعَرِّضُ لِلْأَبْضَاعِ عَلَى الْمُتَعَرِّضِ لِلدِّمَاءِ ، فَإِنْ قِيلَ أَيَجُوزُ الْقِتَالُ مَعَ أَحَدِ هَؤُلَاءِ لِإِقَامَةِ وِلَايَتِهِ وَإِدَامَةِ تَصَرُّفِهِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ ، قُلْنَا نَعَمْ دَفْعًا لِمَا بَيْنَ مَفْسَدَتِي الْفُسُوقَيْنِ .
وَفِي هَذَا وَقْفَةٌ وَإِشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ إعَانَةً فِي مَعْصِيَةٍ ، وَلَكِنَّ دَرْءَ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ يُجَوِّزُهُ .
قُلْت وَنَحْوُهُ خُرُوجُ فُقَهَاءِ الْقَيْرَوَانِ مَعَ أَبِي يَزِيدَ الْخَارِجِ عَلَى الثَّالِثِ مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ وَهُوَ إسْمَاعِيلُ لِكُفْرِهِ وَفِسْقِ أَبِي يَزِيدَ وَالْكُفْرُ أَشَدُّ .

قِتَالُهُمْ ، وَإِنْ تَأَوَّلُوا : كَالْكُفَّارِ ، وَلَا يُسْتَرَقُّوا ، وَلَا يُحْرَقُ شَجَرُهُمْ ، وَلَا تُرْفَعُ رُءُوسُهُمْ بِأَرْمَاحٍ

( قِتَالُهُمْ ) أَيْ الْبَاغِينَ إنْ لَمْ يَتَأَوَّلُوا ، بَلْ ( وَإِنْ تَأَوَّلُوا ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَمْزِ وَالْوَاوِ مُثَقَّلًا فِي خُرُوجِهِمْ عَلَيْهِ ، فَقَدْ قَاتَلَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَانِعِي الزَّكَاةِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ مُتَأَوِّلًا انْقِضَاءَ وُجُوبِهَا بِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ إمَامَتَهُ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَمْ تَثْبُتْ لِإِيصَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ الْبُغَاةُ قِسْمَانِ أَهْلُ تَأْوِيلٍ وَأَهْلُ عِنَادٍ ، وَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ فِي قِتَالِهِمْ خَاصَّةً جَمِيعًا مَا لَهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ بَعْدَ أَنْ يَدْعُوهُمْ إلَى الْحَقِّ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَأَوِّلُ مَنْ كَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ حَقِّيَّةَ قِتَالِهِ الْإِمَامَ وَاجِبٌ كَأَبِي بَكْرٍ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي أَهْلِ الشَّامِ .
الشَّيْخُ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ إذَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَلَوْ كَانُوا ذَوِي بَصَائِرَ وَتَأْوِيلٍ ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْعُوا لِلْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرُدُّوهُمْ إلَى الْحَقِّ ، وَحُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَأَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ فَلَيْسَ لَهُ قِتَالُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ خُرُوجَهُمْ لِجَوْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ ، وَانْظُرْ الْحَاشِيَةَ .
( كَ ) قِتَالِ ( الْكُفَّارِ ) الْمُحَارِبِينَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي كَوْنِهِ بِسَيْفٍ وَرَمْيِ بِنَبْلٍ وَمَنْجَنِيقٍ وَتَغْرِيقٍ وَتَحْرِيقٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُرِّيَّةٌ وَبَعْدَ دَعْوَتِهِمْ لِلدُّخُولِ تَحْتَ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَمُوَافَقَةِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَوَاهِرِ وَإِرْسَالِ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ لِيَغْرَقُوا ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَذُرِّيَّةٌ وَلَا يَرْمِيهِمْ بِنَارٍ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَلَا

ذُرِّيَّةٌ فَلَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَرَى رَأْيَهُمْ ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ ، وَكَذَا نَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْهَا .
( وَلَا يُسْتَرَقُّوا ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ ، أَيْ الْبُغَاةُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ ( وَلَا يُحْرَقُ شَجَرُهُمْ ) وَلَا مَسَاكِنُهُمْ لِأَنَّهَا أَمْوَالُ مُسْلِمِينَ ( وَلَا تُرْفَعُ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ ( رُءُوسُهُمْ ) أَيْ الْبُغَاةُ بَعْدَ قَطْعِهَا مِنْ أَجْسَامِهِمْ ( بِأَرْمَاحٍ ) لِأَنَّهُ تَمْثِيلٌ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مَنْعُهُ فِي رُءُوسِ الْكُفَّارِ لِبَلَدٍ أَوْ وَالٍ فَالْبِغَاءُ أَوْلَى بِهِ ، وَيُمْنَعُ رَفْعُ رُءُوسِ الْبُغَاةِ فِي بَلَدِ الْقِتَالِ لِغَيْرِ وَالٍ ، وَيَجُوزُ فِي رُءُوسِ الْكُفَّارِ أَفَادَهُ شب وعب .
الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ، إنَّمَا يُمْنَعُ رَفْعُ رُءُوسِهِمْ بِأَرْمَاحٍ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ لِبَلَدٍ أَوْ وَالٍ ، وَأَمَّا رَفْعُهَا عَلَى الْأَرْمَاحِ فِي مَحَلِّ الْقِتَالِ فَجَائِزٌ كَالْكُفَّارِ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ رُءُوسِ الْبُغَاةِ وَرُءُوسَ الْكُفَّارِ فِي هَذَا ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَمْتَازُ فِيهَا قِتَالُهُمْ عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ ، وَنَصُّهُ يَمْتَازُ قِتَالُ الْبُغَاةِ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا أَنْ يُقْصَدَ بِقِتَالِهِمْ رَدْعُهُمْ وَأَمْثَالُهُمْ وَأَنْ يُكَفَّ عَنْ مُدَبِّرِهِمْ وَلَا يُجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا تُقْتَلَ أَسَرَاهُمْ وَلَا تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَلَا يُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بِمُشْرِكٍ وَلَا يُوَادِعَهُمْ عَلَى مَالٍ وَلَا تُنْصَبَ الرَّعَّادَاتِ عَلَيْهِمْ وَلَا تُحْرَقَ مَسَاكِنُهُمْ وَلَا يُقْطَعَ شَجَرُهُمْ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ النَّوَادِرِ وَلَا يُبْعَثُ بِالرُّءُوسِ إلَى الْآفَاقِ لِأَنَّهُ تَمْثِيلٌ .
ا هـ .
فَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَعْثِ بِهَا لِلْآفَاقِ كَالْكُفَّارِ .
طفي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، وَيَكُونُ هَذَا دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ كَالْكُفَّارِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ

لِلتَّنْصِيصِ .

وَلَا يَدَعُوهُمْ بِمَالٍ ، وَاسْتُعِينَ بِمَالِهِمْ عَلَيْهِمْ ، إنْ اُحْتِيجَ لَهُ ؛ ثُمَّ رُدَّ : كَغَيْرِهِ
( وَلَا يَدَعُوهُمْ ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالدَّالِ أَيْ لَا يَتْرُكُ الْإِمَامُ وَجَمَاعَتُهُ قِتَالَ الْبُغَاةِ مُدَّةً سَأَلُوا تَأْخِيرَهُ إلَيْهَا كَأَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ لِيَتَرَوَّوْا فِي أَمْرِهِمْ ( بِمَالٍ ) يَدْفَعُونَهُ لِلْإِمَامِ قَرَّرَهُ " غ " أَوْ يَدْفَعُهُ لَهُمْ لِيَدْخُلُوا تَحْتَ طَاعَتِهِ قَرَّرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ ، بِنَاءً عَلَى سُكُونِ دَالِ يَدْعُوهُمْ مِنْ الدُّعَاءِ ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ قِتَالِهِمْ مُدَّةً بِالْمَصْلَحَةِ إذَا كُفُوًا عَنْ الْقِتَالِ وَطَلَبُوا الْأَمَانَ ، وَلَمْ يُخْشَ غَدَرُهُمْ .
ابْنُ شَاسٍ إذَا سَأَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ الْإِمَامَ الْعَدْلَ تَأْخِيرَهُمْ أَيَّامًا وَبَذَلُوا لَهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْهُمْ ، وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي سَأَلُوهَا .
( وَاسْتُعِينَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ ( بِمَالِهِمْ ) أَيْ خَيْلٍ وَسِلَاحِ الْبُغَاةِ ( عَلَيْهِمْ ) فِي قِتَالِهِمْ ( إنْ اُحْتِيجَ لَهُ ) أَيْ مَالِ الْبُغَاةِ فِي قِتَالِهِمْ ( ثُمَّ رُدَّ ) بِضَمِّ الرَّاءِ مَالُ الْبُغَاةِ ( إلَيْهِمْ ) بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ .
ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَا سِوَى الْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ يُوقَفُ حَتَّى يُرَدَّ إلَى أَهْلِهِ وَلَا يُسْتَعَانُ بِشَيْءٍ مِنْهُ هَكَذَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَالْجَوَاهِرِ وَالشَّارِحِ ، ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ وَاسْتُعِينَ بِمَالِهِمْ عَلَيْهِمْ ، ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سِلَاحًا وَلَا كُرَاعًا ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَقْلِ ابْنِ حَبِيبٍ ، وَنَسَبَهُ فِي الرَّدِّ إلَيْهِمْ فَقَالَ ( كَغَيْرِهِ ) أَيْ الْمُسْتَعَانِ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِمْ ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مَالٌ مُسْلِمٌ لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا ظَفِرَ بِمَالِهِمْ فَإِنَّهُ يُوقِفُهُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَيْهِمْ كَمَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَالْجَوَاهِرِ و " قِ " عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ .

وَإِنْ أُمِّنُوا : لَمْ يُتَّبَعْ مُنْهَزِمُهُمْ ، وَلَمْ يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحِهِمْ
( وَإِنْ أُمِّنُوا ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ، أَيْ الْبُغَاةُ ( لَمْ يُتَّبَعْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ( مُنْهَزِمُهُمْ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ ، فَإِنَّمَا يُقَاتَلُونَ مُقْبِلِينَ لَا مُدْبِرِينَ ( وَلَمْ يُذَفَّفْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْفَاءِ الْأُولَى مَفْتُوحَةً ، أَيْ يُجْهَزْ ( عَلَى جَرِيحِهِمْ ) وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُؤَمِّنُوا يُتَّبَعْ مُنْهَزِمُهُمْ وَيُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَوَقَعَ الْأَمْرَانِ لِلْإِمَامِ عَلِيٍّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ هَؤُلَاءِ لَهُمْ فِئَةٌ يَنْحَازُونَ إلَيْهَا دُونَ الْأَوَّلِينَ .
ابْنُ عَرَفَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أُسِرَ مِنْ الْخَوَارِجِ أَسِيرٌ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْحَرْبُ فَلَا يُقْتَلْ ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ ، وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً إذَا خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ ضَرَرٌ ، وَعَلَى هَذَا يَجْرِي حُكْمُ التَّذْفِيفِ عَلَى الْجَرِيحِ وَاتِّبَاعِ الْمُنْهَزِمِ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ .
ابْنُ حَبِيبٍ نَادَى مُنَادِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي بَعْضِ مَنْ حَارَبَهُ أَنْ لَا يُتَّبَعَ مُدْبِرٌ وَلَا يُجْهَزَ عَلَى جَرِيحٍ وَلَا يُقْتَلَ أَسِيرٌ ثُمَّ كَانَ مَوْطِنٌ آخَرُ فِي غَيْرِهِمْ فَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ الْمُدْبَرِ وَقَتْلِ الْأَسِيرِ وَالْإِجْهَازِ عَلَى الْجَرِيحِ فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ هَؤُلَاءِ لَهُمْ فِئَةٌ يَنْحَازُونَ إلَيْهَا وَالْأَوَّلُونَ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ .
قُلْت وَنَحْوُهُ مَا ذَكَرَهُ أَرْبَابُ سِيَرِ عَلِيٍّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، أَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ الْمُنْهَزِمَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَا ذَفَّفَ عَلَى الْجَرِيحِ لِأَنَّهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ وَلَا إمَامٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَاتَّبَعَ الْمُنْهَزِمِينَ يَوْمَ صِفِّينَ لِأَنَّ لَهُمْ إمَامًا وَفِئَةً .

وَكُرِهَ لِلرَّجُلِ : قَتْلُ أَبِيهِ ، وَوَرِثَهُ ، وَلَمْ يَضْمَنْ مُتَأَوِّلٌ أَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا ، وَمَضَى حُكْمُ قَاضِيهِ ، وَحَدٌّ أَقَامَهُ ، وَرُدَّ ذِمِّيٌّ مَعَهُ لِذِمَّتِهِ ،

( وَكُرِهَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( لِلرَّجُلِ ) الْمُعِينِ لِلْإِمَامِ عَلَى قِتَالِ الْبُغَاةِ ( قَتْلُ أَبِيهِ ) الْبَاغِي عَمْدًا مُبَارَزَةً أَوْ غَيْرِهَا وَفُهِمَ كَرَاهَةُ قَتْلِهِ أُمَّهُ بِالْأَوْلَى ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ قَتْلُ أَخِيهِ وَلَا عَمِّهِ وَلَا جَدِّهِ لِأَبِيهِ وَلَا لِأُمِّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ .
( وَ ) مَنْ قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ الْبَاغِي ( وَرِثَهُ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ عُدْوَانًا أَيْ الْوَلَدُ الْقَاتِلُ وَالِدَهُ الْمَقْتُولَ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ فِي قِتَالِهِمْ أَخَاهُ وَقَرَابَتَهُ مُبَارَزَةً وَغَيْرَ مُبَارَزَةٍ ، فَأَمَّا الْأَبُ وَحْدَهُ فَلَا أُحِبُّ قَتْلَهُ تَعَمُّدًا وَكَذَا الْأَبُ الْكَافِرُ مِثْلُ الْخَارِجِيِّ .
وَقَالَ أَصْبَغُ يَقْتُلُ فِيهَا أَبَاهُ وَأَخَاهُ ( وَلَمْ ) الْأَوْلَى لَا ( يَضْمَنْ ) بَاغٍ ( مُتَأَوِّلٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ مُعْتَقِدٌ حَقِّيَّةَ خُرُوجِهِ لِشُبْهَةٍ قَامَتْ عِنْدَهُ ( أَتْلَفَ ) حَالَ خُرُوجِهِ ( نَفْسًا ) مَعْصُومَةً ( أَوْ مَالًا ) كَذَلِكَ تَنَازَعَ فِيهِمَا يَضْمَنُ ، وَأَتْلَفَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " عَنْهُمْ أَهْدَرَتْ الدِّمَاءَ الَّتِي كَانَتْ فِي حُرُوبِهِمْ ، فَإِنْ بَقِيَ الْمَالُ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِمُسْتَحِقِّهِ وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ يَأْثَمُ وَيَضْمَنُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَالطَّرَفَ وَالْفَرْجَ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ وَيَغْرَمُ عِوَضَ الْمَالِ إنْ أَتْلَفَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ إذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ مِمَّنْ خَرَجَ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَالْخَوَارِجِ وُضِعَتْ عَنْهُمْ الدِّمَاءُ وَكُلُّ مَا أَصَابُوهُ إلَّا مَا وُجِدَ مِنْ مَالٍ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَيَأْخُذْهُ رَبُّهُ .
ابْنُ حَارِثٍ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ "

فِيمَا عَلِمْت إلَّا أَصْبَغَ ، فَإِنَّ ابْنَ حَبِيبٍ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَطْرَحُ عَنْهُمْ الْإِمَامُ فَقَطْ ، وَحَقُّ الْوَالِي فِي الْقِصَاصِ قَائِمٌ عَلَيْهِ يَقْتُلُ بِمَنْ قُتِلَ وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الشَّيْخُ عَمَّنْ ذَكَرَ أَوَّلًا .
وَأَمَّا أَهْلُ الْعَصَبِيَّةِ وَأَهْلُ الْخِلَافِ بِلَا تَأْوِيلٍ ، فَالْحُكْمُ فِيهِمْ الْقِصَاصُ وَرَدُّ الْمَالِ قَائِمًا كَانَ أَوْ فَائِتًا ، وَفِي آخِرِ جِهَادِهَا وَالْخَوَارِجُ إذَا خَرَجُوا فَأَصَابُوا الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ ثُمَّ تَابُوا وَرَجَعُوا وُضِعَتْ الدِّمَاءُ عَنْهُمْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا وُجِدَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالٍ بِعَيْنِهِ وَمَا اسْتَهْلَكُوهُ فَلَا يُتْبَعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانُوا أَمْلِيَاءَ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ بِخِلَافِ الْمُحَارِبِينَ فَلَا يُوضَعُ عَنْهُمْ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ شَيْءٌ .
( وَ ) إنْ وَلَّى الْمُتَأَوِّلُ قَاضِيًا وَحَكَمَ بِأَحْكَامٍ أَوْ أَقَامَ حَدًّا عَلَى مُسْتَحِقِّهِ نَحْوُ شَارِبٍ وَزَانٍ وَسَارِقٍ ثُمَّ رَجَعَ لِلْحَقِّ وَدَخَلَ تَحْتَ طَاعَةِ الْإِمَامِ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا ( مَضَى حُكْمُ قَاضِيهِ ) أَيْ الْمُتَأَوِّلِ الَّذِي وَلَّاهُ وَحَكَمَ بِهِ حَالَ خُرُوجِهِ ( وَ ) مَضَى ( حَدٌّ ) شَرْعِيٌّ نَحْوَ قَذْفٍ ( أَقَامَهُ ) أَيْ الْمُتَأَوِّلُ الْحَدِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لِلضَّرُورَةِ وَلِشُبْهَةِ التَّأْوِيلِ وَلِئَلَّا يَزْهَدَ النَّاسُ فِي قَبُولِ تَوْلِيَتِهِ فَتَضِيعُ الْحُقُوقُ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُرَدُّ أَحْكَامُهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ إنْ وَلَّى الْبُغَاةُ قَاضِيًا أَوْ أَخَذُوا الزَّكَاةَ أَوْ أَقَامُوا حَدًّا فَقَالَ الْأَخَوَانِ يُنَفَّذُ ذَلِكَ كُلُّهُ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِحَالٍ ، وَعَنْ أَصْبَغَ الْقَوْلَانِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إمْضَاءُ ذَلِكَ ، وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى إجْزَاءِ مَا أَخَذُوهُ مِنْ الزَّكَاةِ .
قُلْت لِلشَّيْخِ فِي تَرْجَمَةٍ عَزْلُ الْقُضَاةِ وَالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهِمْ .
ابْنُ حَبِيبٍ وَمُطَرَّفٌ فِي أَحْكَامِ

الْخَوَارِجِ لَا تَنْفُذُ حَتَّى يَثْبُتَ أَصْلُ الْحَقِّ بِبَيِّنَةٍ فَيُحْكَمُ بِهِ ، فَأَمَّا أَحْكَامٌ مَجْهُولَةٌ وَذَكَرُوا شَهَادَةَ أَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدَهُمْ ذَكَرُوا أَسْمَاءَهُمْ أَوْ لَمْ يَذْكُرُوهَا فَهِيَ مَرْدُودَةٌ .
وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ أَصْبَغُ أَرَى أَقْضِيَتَهُمْ كَقُضَاةِ السَّوْءِ .
ابْنُ حَبِيبٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ أَحَبُّ إلَيَّ .
وَقَالَ الْأَخَوَانِ الرَّجُلُ يُخَالِفُ عَلَى الْإِمَامِ وَيَغْلِبُ عَلَى بَعْضِ الْكُوَرُ وَيُوَلِّي قَاضِيًا فَيَقْضِي ثُمَّ يُظْهِرُ عَلَيْهِ أَقْضِيَتَهُ مَاضِيَةً إنْ كَانَ عَدْلًا إلَّا خَطَأً لَا اخْتِلَافَ فِيهِ .
( وَ ) إنْ خَرَجَ ذِمِّيٌّ مَعَ الْمُتَأَوِّلِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ ( رُدَّ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ كَافِرٌ ( ذِمِّيٌّ ) خَرَجَ ( مَعَهُ ) أَيْ الْمُتَأَوِّلِ ( لِذِمَّتِهِ ) الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ وَيُوضَعُ عَنْهُ مَا يُوضَعُ عَنْ الْمُتَأَوِّلِ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ إنْ قَاتَلَ مَعَ الْمُتَأَوِّلِينَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وُضِعَ عَنْهُمْ مَا وُضِعَ عَنْهُمْ وَرُدُّوا إلَى ذِمَّتِهِمْ ، وَإِنْ قَاتَلُوا مَعَ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ الْمُخَالِفِينَ لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ فَهُوَ نَقْضٌ لِعَهْدِهِمْ يُوجِبُ اسْتِحْلَالَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ غَيْرَ عَدْلٍ وَخَافُوا جَوْرَهُ وَاسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا مِنْهُمْ .
قُلْت هَذِهِ إنْ خَرَجُوا مَعَ الْعَصَبِيَّةِ طَائِعِينَ وَإِنْ أَكْرَهَهُمْ لَمْ يَكُنْ نَفْسُ خُرُوجِهِمْ نَقْضًا لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ الْإِكْرَاءِ بِهِ ، فَإِنْ قَاتَلُوا مَعَهُمْ كَانَ قِتَالُهُمْ نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ لِامْتِنَاعِ تَعَلُّقِ الْإِكْرَاءِ بِقِتَالِ مَنْ لَا يَحِلُّ قِتَالُهُ .

وَضَمِنَ الْمُعَانِدُ النَّفْسَ وَالْمَالَ ، وَالذِّمِّيُّ مَعَهُ نَاقِضٌ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُقَاتِلَةُ : كَالرَّجُلِ .
( وَضَمِنَ ) الْبَاغِي ( الْمُعَانِدُ ) أَيْ الْمُجْتَرِئُ عَلَى الْبَغْيِ بِلَا تَأْوِيلٍ ( النَّفْسَ ) الَّتِي قَتَلَهَا فَيُقْتَصُّ مِنْهُ إنْ لَمْ يُزَدْ بِإِسْلَامٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ ( وَ ) ضَمِنَ ( الْمَالَ ) الَّذِي أَتْلَفَهُ لِعَدَمِ عُذْرِهِ .
الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعَصَبِيَّةِ وَأَهْلُ الْخِلَافِ بِلَا تَأْوِيلٍ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ الْقِصَاصُ وَرَدُّ الْمَالِ قَائِمًا كَانَ أَوْ فَائِتًا ( وَ ) الْكَافِرُ ( الذِّمِّيُّ ) الْخَارِجُ مَعَهُ طَائِعًا وَالْمُقَاتِلُ ( مَعَهُ ) أَيْ الْمُعَانِدُ وَلَوْ مُكْرَهًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ ( نَاقِضٌ لِعَهْدِهِ ) فَيُبَاحُ دَمُهُ وَمَالُهُ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ عَدْلًا وَإِلَّا فَلَا كَمَا تَقَدَّمَ ( وَ الْمَرْأَةُ ) الْبَاغِيَةُ الْمُقَاتِلَةُ بِسِلَاحٍ وَخَيْلٍ ( كَالرَّجُلِ ) الْبَاغِي الْمُقَاتِلِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ .
ابْنُ شَاسٍ إذَا قَاتَلَ النِّسَاءُ بِالسِّلَاحِ مَعَ الْبُغَاةِ فَلِأَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُهُنَّ فِي الْقِتَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِتَالُهُنَّ إلَّا بِالتَّحْرِيضِ وَرَمْيِ الْحِجَارَةِ فَلَا يُقْتَلْنَ وَلَوْ أُسِرْنَ وَكُنَّ يُقَاتِلْنَ قِتَالَ الرِّجَالِ فَلَا يُقْتَلْنَ إلَّا أَنْ يَكُنَّ قَدْ قُتِلْنَ الشَّيْخُ هَذَا فِي غَيْرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابٌ ) الرِّدَّةُ : كُفْرُ الْمُسْلِمِ بِصَرِيحٍ ؛ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ ؛ أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ : كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذِرٍ ، وَشَدِّ زُنَّارٍ ، وَسِحْرٍ ، وَقَوْلٍ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ ، أَوْ شَكٍّ فِي ذَلِكَ أَوْ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ أَوْ فِي كُلِّ جِنْسٍ نَذِيرٌ أَوْ ادَّعَى شِرْكًا مَعَ نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ ، أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ ، أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ ، أَوْ اسْتَحَلَّ : كَالشُّرْبِ ، لَا بِأَمَاتَهُ اللَّهُ كَافِرًا عَلَى الْأَصَحِّ

بَابٌ ) فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا ( الرِّدَّةُ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ حَقِيقَتُهَا شَرْعًا ( كُفْرُ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جِنْسٌ شَمِلَ الرِّدَّةَ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الشَّخْصِ ( الْمُسْلِمِ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ ، أَيْ الَّذِي ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِبُنُوَّتِهِ لِمُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ بِنُطْقِهِ بِهِمَا عَالِمًا بِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ مُلْتَزِمًا لَهَا وَالْإِضَافَةُ فَصْلٌ مُخْرِجُ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الرِّدَّةُ كُفْرٌ بَعْدَ إسْلَامٍ قَرَّرَ الْمُتَيْطِيُّ إنْ نَطَقَ الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَوَقَفَ عَلَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحُدُودِهِ وَالْتَزَمَهَا تَمَّ إسْلَامُهُ ، وَإِنْ أَبَى الْتِزَامَهَا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إسْلَامُهُ ، وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْتِزَامِهَا وَيُتْرَكُ لِدِينِهِ وَلَا يُعَدُّ مُرْتَدًّا وَإِذَا لَمْ يُوقَفْ هَذَا الْإِسْلَامِيِّ عَلَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ وَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى إبَايَتِهِ تُرِكَ فِي لَعْنَةِ اللَّهِ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُمَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَبِهِ الْعَمَلُ وَالْقَضَاءُ .
وَقَالَ أَصْبَغُ إذَا شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ رَجَعَ قُتِلَ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَصُمْ .
الْحَطّ اُحْتُرِزَ بِكُفْرِ الْمُسْلِمِ مِنْ انْتِقَالِ كَافِرٍ مِنْ دِينِهِ لِدِينٍ آخَرَ غَيْرِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهِ ، وَقِيلَ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلَمَ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَافِرِ الَّذِي يَتَزَنْدَقُ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ لَا يُقْتَلُ لِخُرُوجِهِ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ دِينٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَلَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ وَسَوَاءٌ كَفَرَ ( بِ ) قَوْلٍ ( صَرِيحٍ ) فِي الْكُفْرِ كَقَوْلِهِ كُفْرٌ

بِاَللَّهِ أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ أَوْ بِالْقُرْآنِ أَوْ الْإِلَهُ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ أَوْ الْعَزِيزُ ابْنُ اللَّهِ ( أَوْ ) بِ ( لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ ) أَيْ يَسْتَلْزِمُ اللَّفْظُ الْكُفْرَ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا كَجَحْدِ مَشْرُوعِيَّةِ شَيْءٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ الْقُرْآنِ أَوْ الرَّسُولِ ، وَكَاعْتِقَادِ جِسْمِيَّةِ اللَّهِ وَتَحَيُّزِهِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ وَاحْتِيَاجَهُ لِمُحْدِثٍ وَنَفْيِ صِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْهُ جَلَّ جَلَالُهُ وَعَظُمَ شَأْنُهُ .
( أَوْ ) بِ ( فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ ) أَيْ يَسْتَلْزِمُ الْفِعْلُ الْكُفْرَ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا ( كَإِلْقَاءِ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ اللَّامِ فَقَافٍ مَمْدُودًا أَيْ رَمْيِ ( مُصْحَفٍ ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى النُّقُوشِ الدَّالَّةِ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ( بِ ) شَيْءٍ ( قَذِرٍ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ مُسْتَقْذَرٍ مُسْتَعَافٍ وَلَوْ طَاهِرًا كَبُصَاقٍ ، وَمِثْلُ إلْقَائِهِ تَلْطِيخُهُ بِهِ أَوْ تَرْكُهُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهِ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ وَكَالْمُصْحَفِ جُزْؤُهُ وَالْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ وَالنَّبَوِيُّ وَلَوْ لَمْ يَتَوَاتَرْ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
الْبُنَانِيُّ بَلَّ أُصْبُعُهُ بِرِيقِهِ وَوَضَعَهَا عَلَى وَرَقِهِ لِتَقْلِيبِهِ حَرَامٌ وَلَيْسَ رِدَّةً لِعَدَمِ قَصْدِهِ التَّحْقِيرَ الَّذِي هُوَ مُوجِبُ الْكُفْرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَمَنْ وَجَدَ وَرَقَةً مَثَلًا مَكْتُوبَةً مَرْمِيَّةً فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا فِيهَا حَرُمَ عَلَيْهِ تَرْكُهَا ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا آيَةً أَوْ حَدِيثًا أَوْ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْأَنْبِيَاءِ وَتَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ .
الْعَدَوِيُّ وَضْعُهُ عَلَى الْأَرْضِ اسْتِخْفَافًا بِهِ كَإِلْقَائِهِ بِقَذِرٍ ، ثُمَّ قَالَ لَا بُدَّ فِي الْإِلْقَاءِ مِنْ

كَوْنِهِ لِغَيْرِ خَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ ظُهُورُ الرِّدَّةِ إمَّا بِالتَّصْرِيحِ بِالْكُفْرِ أَوْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ أَوْ بِفِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ .
قُلْت قَوْلُهُ أَوْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ كَإِنْكَارِ غَيْرِ حَدِيثِ الْإِسْلَامِ وُجُوبُ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً ، وَقَوْلُهُ وَفِعْلٌ يَتَضَمَّنُهُ كَلُبْسِ الزِّنَا وَالِقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي صَرِيحِ النَّجَاسَةِ وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
( وَ ) كَ ( شَدِّ ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ رَبْطِ ( زُنَّارٍ ) بِضَمِّ الزَّايِ وَشَدِّ النُّونِ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ حِزَامٍ فِيهِ خُطُوطٌ مُلَوَّنَةٌ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ يَشُدُّ الْكَافِرُ وَسَطَهُ بِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ الْمُسْلِمِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَلْبُوسُ الْكَافِرِ الْخَاصِّ بِهِ إنْ شَدَّهُ مُسْلِمٌ مَحَبَّةً لِذَلِكَ الدِّينِ وَمَيْلًا لِأَهْلِهِ لَا هَزْلًا وَلَعْنًا وَإِنْ حَرُمَ ، وَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ كَأَسِيرٍ عِنْدَهُمْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ مَلْبُوسِهِمْ فَلَا يَحْرُمُ قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ .
شب ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُجَرَّدَ شَدِّهِ كُفْرٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَشْيٌ لِلْكَنِيسَةِ أَوْ نَحْوِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشِّفَاءِ فِي مَحَلٍّ وَمِثْلُ الزِّنَا وَمَا يَخْتَصُّ بِزِيِّ الْكُفْرِ وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ .
( وَ ) كَ ( سِحْرٍ ) الشَّارِحُ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ .
الْبِسَاطِيُّ هَذَا مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ .
ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ كَلَامٌ مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ .
ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ يَنْشَأُ عَنْ سَبَبٍ مُعْتَادٍ كَوْنُهُ عَنْهُ فَخَرَجَتْ الْمُعْجِزَةُ ، الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ " السَّاحِرُ كَافِرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، فَإِذَا سَحَرَ هُوَ بِنَفْسِهِ قُتِلَ وَلَا يُسْتَتَابُ .
مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ " هُوَ كَالزِّنْدِيقِ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ أَمَرَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " عَنْهُمَا بِقَتْلِ جَارَةٍ لَهَا سَحَرَتْهَا فَقُتِلَتْ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ هُوَ كَالزِّنْدِيقِ مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ مُظْهِرًا السِّحْرِ وَالزَّنْدَقَةِ اُسْتُتِيبَ ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَالُهُ فَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْبَاجِيَّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ قَالَ إنْ عَمِلَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ مُرْتَدٌّ .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَقْطَعُ أُذُنَ الرَّجُلِ أَوْ يُدْخِلُ السِّكِّينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ سِحْرًا قُتِلَ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ عُوقِبَ ا هـ .
أَبُو عُمَرَ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ فِي امْرَأَةٍ أَقَرَّتْ أَنَّهَا عَقَدَتْ زَوْجَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَوْ عَنْ غَيْرِهَا أَنَّهَا تَنْكُلُ وَلَا تُقْتَلُ ، وَلَوْ سَحَرَ نَفْسَهُ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ .
قُلْت الْأَظْهَرُ أَنَّ فِعْلَ الْمَرْأَةِ سِحْرٌ ، وَأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَنْشَأُ عَنْهُ حَادِثٌ فِي أَمْرٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ مَحَلِّ الْفِعْلِ أَنَّهُ سِحْرٍ .
الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ هُوَ كَالزِّنْدِيقِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ السِّحْرَ وَالزَّنْدَقَةَ يُسْتَتَابُ .
وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ كُفْرٌ فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ وَمُحَمَّدٍ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَتَأَوَّلُوا عَلَيْهِ خِلَافَ مَا تَأَوَّلَ عَبْدُ الْوَهَّابِ .
أَصْبَغُ لَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ فِعْلَهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَيُكْشَفُ عَنْ ذَلِكَ مِمَّنْ يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ .
الْبَاجِيَّ يُرِيدُ وَيُثْبِتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَا يَقْتُلُ السَّاحِرَ إلَّا الْإِمَامُ .
أَصْبَغُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ قَتْلُهُ وَإِنْ أَظْهَرَهُ وَتَابَ سَقَطَ

قَتْلُهُ وَإِنْ أَسَرَّهُ قُتِلَ ، وَلَوْ تَابَ هَلْ يَجُوزُ عَمَلُ مَا يُبْطِلُ السِّحْرَ الْحَسَنَ ، لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا سِحْرًا .
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَالُجِ .
اللَّخْمِيُّ عَمَلُ مَا يُبْطِلُ وَالْإِجَارَةُ عَلَيْهِ جَائِزَانِ .
الْآبِّي حَلَّ الْمَعْقُودَ بِالرُّقَى الْعَرَبِيَّةِ جَائِزٌ وَبِالْعَجَمِيَّةِ لَا يَجُوزُ ، وَفِيهِ خِلَافُ ابْنِ عَرَفَةَ إنْ تَكَرَّرَ نَفْعُهُ جَازَ .
الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السِّحْرَ رِدَّةٌ ، وَأَنَّهُ يُسْتَتَابُ إنْ أَظْهَرَهُ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ كَالزِّنْدِيقِ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا بِنَفْسِهِ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحِ .
( وَ ) كَ ( قَوْلٍ ) أَيْ جَزْمٍ وَتَصْدِيقٍ ( بِقِدَمِ ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ ، أَيْ عَدَمِ أَوَّلِيَّةِ ( الْعَالَمِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ، أَيْ مَا سِوَى اللَّهَ تَعَالَى مِنْ الْمَوْجُودَاتِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ وَصِفَاتِهِ ، لِأَنَّ قِدَمَهُ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْإِلَهِ الْخَالِقِ لَهُ وَهُوَ كُفْرٌ ، إذْ الْقَدِيمُ مَا لَا أَوَّلَ لَهُ ، وَيَسْتَلْزِمُ بَقَاءَهُ ، إذْ كُلُّ مَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ وَالْقَوْلُ بِبَقَائِهِ كُفْرٌ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ } الْقَصَصَ وقَوْله تَعَالَى { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } الرَّحْمَنَ ، وَمَحَلُّ الْكُفْرِ إذَا أَرَادَ بِالْقِدَمِ الْقِدَمَ بِالذَّاتِ وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْمُؤَثِّرِ أَوْ بِالزَّمَانِ وَهُوَ عَدَمُ الْأَوَّلِيَّةِ وَإِنْ احْتَاجَ لِمُؤَثِّرٍ ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ طُولُ الزَّمَانِ مَعَ الِاحْتِيَاجِ لِمُؤَثِّرٍ وَسَبْقِ الْعَدَمِ فَلَيْسَ كُفْرًا إذْ هُوَ الْوَاقِعُ .
( أَوْ ) قَوْلُ بِ ( بَقَائِهِ ) أَيْ عَدَمِ فَنَاءِ الْعَالَمِ وَعَدَمِ آخِرِيَّتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الشِّفَاءِ يُقْطَعُ بِكُفْرِ مَنْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ ( أَوْ ) كَ ( شَكٍّ ) أَيْ مُطْلَقِ تَرَدُّدٍ ( فِي ذَلِكَ ) أَيْ قِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ ، وَصَرَّحَ الشَّاذِلِيُّ عَلَى

الرِّسَالَةِ بِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلَا يُقَيَّدُ بِمَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ .
الْحَطّ قَوْلُ الشَّارِحِ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ ، يَعْنِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِصَرِيحٍ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ فَالْحَدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِجَامِعٍ ، فَخُرُوجُ هَذَا مِنْهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالشَّكِّ فِي ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي اللَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِي الْكُفْرَ .
وَأَمَّا الشَّكُّ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ ، لَكِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِكُفْرِهِ ظَاهِرًا إلَّا بَعْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ ، كَمَا أَنَّ اعْتِقَادَ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ كُفْرٌ ، وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْكُفْرِ إلَّا بَعْدَ تَلَفُّظِهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( أَوْ ) كَقَوْلٍ ( بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ ) الْحَطّ أَيْ انْتِقَالِهَا فِي الْأَشْخَاصِ الْآدَمِيِّينَ أَوْ غَيْرِهِمْ ، وَأَنَّ تَعْذِيبَهَا وَتَنْعِيمَهَا بِحَسَبِ زَكَائِهَا وَخُبْثِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ النَّفْسُ شِرِّيرَةً أُخْرِجَتْ مِنْ قَالِبِهَا الَّتِي هِيَ فِيهِ ، وَأُلْبِسَتْ قَالِبًا يُنَاسِبُ شَرَّهَا مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنْ أَخَذَتْ جَزَاءَ شَرِّهَا بَقِيَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالِبِ تَنْتَقِلُ مِنْ فَرْدٍ إلَى فَرْدٍ ، وَإِنْ لَمْ تَأْخُذْهُ انْتَقَلَتْ إلَى قَالِبٍ أَشَرِّ مِنْهُ ، وَهَكَذَا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ جَزَاءَ الشَّرِّ ، وَفِي الْخَيْرِ تَنْتَقِلُ إلَى أَعْلَى وَهَكَذَا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ جَزَاءَ خَيْرِهَا ، وَالْقَائِلُ بِهَذَا أَنْكَرَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَالنَّشْرَ وَالْحَشْرَ وَالصِّرَاطَ وَالْحِسَابَ ، وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِلْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ وَالْإِجْمَاعِ .
وَاخْتَارَ ابْنُ مَرْزُوقٍ قَتْلَهُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ .
( أَوْ ) كُفْرٌ ( بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ جِنْسٍ ) أَيْ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ ( نَذِيرٌ ) أَيْ رَسُولٌ يُنْذِرُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِالرِّسَالَةِ وَلِاسْتِلْزَامِهِ تَكْلِيفَهَا وَهُوَ جَحْدٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ أَنَّهُ

لَا مُكَلَّفَ إلَّا الْإِنْسَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ .
عِيَاضٌ وَيَكْفُرُ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَنَّ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْحَيَوَانِ نَذِيرًا أَوْ نَبِيًّا حَتَّى مِنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَالدَّوَابِّ وَالدُّودِ ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ وَصْفَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِصِفَاتِ الْبَهَائِمِ الذَّمِيمَةِ ، وَهَذَا يُوجِبُ الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ غَيْرُ الْبَيِّنِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ وقَوْله تَعَالَى { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ } فَاطِرَ ، فُسِّرَتْ الْأُمَّةُ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( أَوْ ) كُفْرٌ بِأَنْ ( ادَّعَى شِرْكًا ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ، أَيْ شَخْصًا مُشَارِكًا فِي النُّبُوَّةِ ( مَعَ نُبُوَّتِهِ ) أَيْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ( عَلَيْهِ ) الصَّلَاةُ وَ ( السَّلَامُ ) لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى { وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ } الْأَحْزَابَ .
عِيَاضٌ يَكْفُرُ مَنْ ادَّعَى نُبُوَّةَ أَحَدٍ مَعَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعْدَهُ كَالْعِيسَوِيَّةِ وَالْحُرْمِيَّةِ وَأَكْثَرِ الرَّافِضَةِ .
وَ ) كَفَرَ ( بِ ) دَعْوَى جَوَازِ ( مُحَارَبَةِ نَبِيٍّ ) مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْلَى مُحَارَبَتُهُ بِالْفِعْلِ .
عِيَاضٌ أَجْمَعُوا عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ اسْتَخَفَّ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ أَزْرَى عَلَيْهِمْ أَوْ آذَاهُمْ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ حَارَبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ .
( أَوْ ) كُفْرٍ بِأَنْ ( جَوَّزَ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْوَاوِ وَالزَّايِ مُثَقَّلًا ، أَيْ قَالَ بِجَوَازِ ( اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ ) بِتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ وَالْجَدِّ فِي الْعِبَادَةِ لِاسْتِلْزَامِهِ جَوَازَهَا بَعْدَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوْهِينِ مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ .

عِيَاضٌ أَجْمَعُوا عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ أَوْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِنَفْسِهِ أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَهَا وَالْبُلُوغَ بِتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ إلَى مَرْتَبَتِهَا كَالْفَلَاسِفَةِ وَعَامَّةِ الْمُتَصَوِّفَةِ .
( أَوْ ) كُفْرٌ بِأَنْ ( ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ يَرْقَى ( إلَى السَّمَاءِ ) عِيَاضٌ وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ أَوْ أَنَّهُ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ أَوْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَيُعَانِقُ الْحُورَ الْعِينِ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ مُكَذِّبُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَوْ ) أَنَّهُ ( يُعَانِقُ الْحُورَ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ جَمْعُ حَوْرَاءَ بِالْمَدِّ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالشِّفَاءِ مُكَفِّرَاتٌ كَثِيرَةٌ .
( أَوْ ) كُفْرٌ ( اسْتَحَلَّ ) مُحَرَّمًا مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ ( كَالشُّرْبِ ) لِلْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالرِّبَا وَأَنْكَرَ حِلَّ الْبَيْعِ وَأَكْلَ الثِّمَارِ وَوُجُوبَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَلَوْ عَلَى وَلِيٍّ مُكَلَّفٍ ، أَوْ وُجُودَ مَكَّةَ أَوْ الْبَيْتِ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ الْأَقْصَى أَوْ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ أَوْ صِفَةَ الْحَجِّ أَوْ الصَّلَوَاتِ أَوْ حَرْفًا مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ زَادَهُ أَوْ غَيَّرَهُ أَوْ إعْجَازَهُ أَوْ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ .
عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ اسْتَحَلَّ الْقَتْلَ أَوْ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ كَأَصْحَابِ الْإِبَاحَةِ مِنْ الْقَرَامِطَةِ وَبَعْضِ غُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَخَرَجَ مَا عُلِمَ ضَرُورَةً وَلَيْسَ مِنْ الدِّينِ وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ ، كَوُجُودِ بَغْدَادَ وَغَزْوَةِ تَبُوكَ .
طفي عِيَاضٌ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ فَشَمِلَ مَا عُلِمَ ضَرُورَةً وَغَيْرِهِ ، وَلِذَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ ، إذْ لَوْ كَانَ خَاصًّا بِالضَّرُورِيِّ مَا احْتَاجَ لِلْقَيْدِ

، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فَأَطْلَقَ ، لَكِنْ فَاتَهُ قَيْدُ الْعِلْمِ .
وَقَوْلُ عج لَوْ قَالَ أَوْ جَحَدَ حُكْمًا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً لَكَانَ أَحْسَنَ غَيْرَ حَسَنٍ ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ كَلَامَ عِيَاضٍ ، وَقَدْ شَرَحَ بِهِ " ق " .
ا هـ .
وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ .
( لَا ) يَكْفُرُ بِدُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ ( بِ ) قَوْلِهِ ( أَمَاتَهُ اللَّهُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( كَافِرًا ) قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ ، وَصَوَّبَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( عَلَى الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ قَصَدَ شِدَّةَ الضَّرَرِ بِالْخُلُودِ فِي سَقَرَ لَا الرِّضَا بِالْكُفْرِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فَتْوَى الْكَرْكِيِّ بِكُفْرِهِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى .
وَفِي الذَّخِيرَةِ عَاطِفًا عَلَى مَا يَكْفُرُ بِهِ وَمِنْهُ تَأْخِيرُ إسْلَامِ مَنْ أَتَى يُسْلِمُ وَلَا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ الدُّعَاءُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ لِلْعَدُوِّ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْكُفْرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، بَلْ إذَايَةِ الْمَدْعُوَّ عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْحَاشِيَةَ .

وَفُصِّلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ .
( وَ ) إنْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِكُفْرِ مُسْلِمٍ ( فُصِّلَتْ ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ بُيِّنَتْ ( الشَّهَادَةُ فِيهِ ) أَيْ كُفْرُ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَفْكُ دَمٍ وَقَطْعُ عِصْمَةٍ وَحَجْرُ مَالٍ وَمَنْعُ وَارِثٍ وَغَيْرِهَا فَلَا يَكْتَفِي الْقَاضِي بِقَوْلِ الْعَدْلِ أَشْهَدُ أَنَّهُ كَفَرَ أَوْ ارْتَدَّ حَتَّى يُبَيِّنَ وَجْهَهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يَكْفُرُ بِهِ ، وَقَدْ يَرَى الشَّاهِدُ تَكْفِيرَهُ بِمَا لَيْسَ كُفْرًا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ التَّفْصِيلِ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ .
ابْنُ شَاسٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَى الرِّدَّةِ دُونَ تَفْصِيلٍ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي التَّكْفِيرِ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا حَسَنٌ ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهَا فِي الشَّهَادَةِ فِي السَّرِقَةِ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلَانًا سَرَقَ مَا يُقْطَعُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ السَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ هِيَ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهَا وَإِلَى أَيْنَ ذَهَبَ بِهَا .

وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ وَمُعَاقَبَةٍ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا : قُتِلَ .

( وَاسْتُتِيبَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ الْأُولَى وَالْمُرْتَدُّ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وُجُوبًا عَلَى الْمَشْهُورِ ، أَيْ طُلِبَتْ مِنْهُ التَّوْبَةُ ( ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) مُتَوَالِيَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَّرَ قَوْمَ صَالِحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ وَلَوْ فِي يَوْمٍ ، وَلِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّةً ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ بِلَا تَأْخِيرٍ ( بِلَا ) مُعَاقَبَةٍ بِ ( جُوعٍ وَ ) لَا بِ ( عَطَشٍ وَ ) بِلَا ( مُعَاقَبَةٍ ) بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ .
ابْنُ شَاسٍ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَاجِبٌ وَ النَّصُّ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا عَلِمْت فِي اسْتِتَابَتِهِ تَجْوِيعًا وَلَا تَعْطِيشًا وَلَا عُقُوبَةً لَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَرَوَى ابْنُ الْقَصَّارِ يُسْتَتَابُ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلُ .
وَرَوَى أَشْهَبُ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ إنْ تَابَ وَلَيْسَ فِي اسْتِتَابَتِهِ تَخْوِيفٌ وَلَا تَعْطِيشٌ فِي قَوْلَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَالَ أَصْبَغُ يُخَوَّفُ بِالْقَتْلِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَيُذَكَّرُ بِالْإِسْلَامِ وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ فِي ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا فِي الْمُرْتَدِّ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .
فِي الْمُوَطَّإِ قَدِمَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلَهُ عَنْ النَّاسِ فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلْ كَانَ فِيكُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ خَيْرٍ ، فَقَالَ نَعَمْ كَفَرَ رَجُلٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ ، قَالَ فَمَا فَعَلْتُمْ بِهِ ، قَالَ قَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَفَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ

قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إذَا بَلَغَنِي .
الْبَاجِيَّ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِتَابَةِ بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَا مُخَالِفَ لَهُ ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ رُجُوعُ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ وَافَقَهُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
فَإِنْ تَابَ ) الْمُرْتَدُّ بِرُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ فَلَا يُقْتَلُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى تَمَّتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ بِغُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ ( قُتِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمُرْتَدُّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، حُرًّا كَانَ أَوْ رِقًّا ، فَلَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ بِجِزْيَةٍ .
وَلَوْ ارْتَدَّ أَهْلُ مَدِينَةٍ اُسْتُتِيبُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَيُقْتَلُونَ وَلَا يُسَبُّونَ وَلَا يُسْتَرَقُّونَ وَإِنْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَظَفَرْنَا بِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ .
فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَتُحْسَبُ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ مِنْ يَوْمِ ثُبُوتِ الرِّدَّةِ لَا مِنْ يَوْمِ وُقُوعِهَا وَلَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَ الثُّبُوتِ .

وَاسْتُبْرِئَتْ بِحَيْضَةٍ .
( وَ ) إنْ ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَاسْتُتِيبَتْ فَلَمْ تَتُبْ ( اُسْتُبْرِئَتْ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ( بِحَيْضَةٍ ) قَبْلَ قَتْلِهَا خَشْيَةَ حَمْلِهَا وَلَوْ حُرَّةً لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا تَعَبُّدٌ ، وَالْمُرْتَدَّةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ ، وَهَذِهِ إحْدَى ثَلَاثٍ مُسْتَثْنَاةٍ مِنْ كَوْنِ اسْتِبْرَاءِ الْحُرَّةِ كَعِدَّتِهَا .
الثَّانِيَةُ اللِّعَانُ .
وَالثَّالِثَةُ حَدُّ الزِّنَا ، وَتُؤَخَّرُ الْمُرْضِعَةُ إلَى وُجُودِ مُرْضِعَةٍ يَقْبَلُهَا الْوَلَدُ ، وَالْحَامِلُ إلَى وَضْعِهَا أَوْ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ ، وَوُجُودِ مُرْضِعٍ كَذَلِكَ ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ وَلَوْ مَرَّةً فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِينَ ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِمَرَضٍ أَوْ يَأْسٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، فَإِنْ تُوُقِّعَ حَمْلُهَا اُسْتُبْرِئَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَحِيضَ فِيهَا ، وَكُلُّ هَذَا فِيمَنْ لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ مُرْسَلٌ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا تُسْتَبْرَأُ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ حَمْلًا وَيُصَدِّقَهَا فِيهِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَلَوْ مُخْتَلِفِينَ أَوْ شَاكِّينَ ، وَالرَّجْعِيَّةُ كَالزَّوْجَةِ ، وَالْبَائِنُ إنْ كَانَتْ حَاضَتْ فَلَا تُؤَخَّرُ وَإِلَّا فَتُؤَخَّرُ لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا .

وَمَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ ، وَإِلَّا فَفَيْءٌ
( وَمَالُ الْعَبْدِ ) الْقِنِّ أَوْ ذِي الشَّائِبَةِ الْمَقْتُولِ بِرِدَّتِهِ ( لِسَيِّدِهِ ) بِالْمِلْكِ لَا بِالْمِيرَاثِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُوَرِّثُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُولُ بِرِدَّتِهِ رَقِيقًا بِأَنْ كَانَ حُرًّا ( فَ ) مَالُهُ ( فَيْءٌ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ فَهَمْزٌ ، أَيْ يُجْعَلُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ اتِّفَاقًا ، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ ، وَلَا الَّذِينَ ارْتَدَّ لِدِينِهِمْ لِعَدَمِ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ .

وَبَقِيَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا : كَأَنْ تُرِكَ وَأُخِذَ مِنْهُ مَا جَنَى عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ : أَوْ ذِمِّيٍّ لَا حُرٍّ مُسْلِمٍ ، كَأَنْ هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ إلَّا حَدَّ الْفِرْيَةِ ، وَالْخَطَأِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ : كَأَخْذِهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ ،

( وَ ) إذَا قُتِلَ الْمُرْتَدُّ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ ( بَقِيَ وَلَدُهُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مُسْلِمًا ) أَيْ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ وَلَا يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ لِعَدَمِ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إنْ تَدَيَّنَ بِغَيْرِهِ .
وَشَبَّهَ فِي الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَافُ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ ( تُرِكَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَلَدُ الْمُرْتَدِّ وَغُفِلَ عَنْ جَبْرِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى بَلَغَ وَأَظْهَرَ خِلَافَهُ ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ ، وَأَوْلَى إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خِلَافُهُ وَسَوَاءٌ وُلِدَ قَبْلَ ارْتِدَادِ أَبِيهِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، فَإِنْ أَظْهَرَ الْكُفْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ وُلِدَ حَالَ رِدَّةِ أَبِيهِ إنْ أَدْرَكَ قَبْلَ بُلُوغِهِ جُبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ حَتَّى بَلَغَ تُرِكَ عَلَى كُفْرِهِ لِوِلَادَتِهِ عَلَيْهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عَبْدَ الْمَلِكِ وَابْنَ الْقَاسِمِ صَغِيرُ وَلَدِ الْمُرْتَدِّ إنْ كَانَ وُلِدَ قَبْلَ رِدَّتِهِ جُبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَضُيِّقَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُبْلَغُ بِهِ الْمَوْتُ .
وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ جُبِرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَرُدُّوا إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكُوا حَتَّى بَلَغُوا تُرِكُوا وَأُقِرُّوا عَلَى دِينِهِمْ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَيْهِ وَلَيْسَ ارْتِدَادُ أَبِيهِمْ ارْتِدَادًا لَهُمْ ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ حَتَّى شَاخَ وَتَزَوَّجَ فَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا يُقْتَلُ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ فِيمَنْ وَلَدُهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ أَنَّهُمْ يُسْتَتَابُونَ ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا مَا لَمْ يَشِيخُوا عَلَى الْكُفْرِ وَيَتَزَوَّجُوا عَلَيْهِ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
قُلْت هَذَا فِيمَنْ أَبُوهُ مُرْتَدٌّ ، وَأَمَّا مَنْ ارْتَدَّ صَغِيرًا مُمَيَّزًا وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ فَفِي الْجَنَائِزِ مِنْهَا مَنْ ارْتَدَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَلَا

تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ .
الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ فِي ابْنِ الْمُسْلِمِ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَقَدْ عَقَلَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ جُبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالضَّرْبِ وَالْعَذَابِ ، فَإِنْ احْتَلَمَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ قُتِلَ بِخِلَافِ مَنْ يُسْلِمُ ثُمَّ يَرْتَدُّ ثُمَّ يَحْتَلِمُ عَلَى ذَلِكَ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْمُرْتَدِّ ، وَجَعَلَهُمْ أَشْهَبُ سَوَاءً ، وَقَالَ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَ أَنْ عَقَلَ وَقَارَبَ الْحُلُمَ ثُمَّ احْتَلَمَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الْإِسْلَامِ بِالسَّوْطِ وَالسَّجْنِ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ابْنُ الْقَاسِمِ يُقْتَلُ .
( وَأُخِذَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( مِنْهُ ) أَيْ مَالِ الْمُرْتَدِّ أَرْشُ ( مَا جَنَى ) قَبْلَ رِدَّتِهِ أَوْ بَعْدَهَا عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ ) لِغَيْرِهِ ( أَوْ ) عَلَى ( ذِمِّيٍّ ) لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِأَحَدِهِمَا لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِالْحُرِّيَّةِ وَعَلَى الذِّمِّيِّ بِالْإِسْلَامِ الْحُكْمِيِّ فَتَعَيَّنَ الْمَالُ لِتَرَتُّبِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِرِدَّتِهِ ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ( لَا ) يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ شَيْءٌ إنْ جَنَى عَمْدًا عَلَى ( حُرٍّ مُسْلِمٍ ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَالْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ يَأْتِي عَلَيْهِ ، فَإِنْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ وَسَقَطَ قَتْلُهُ بِالرِّدَّةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الْمُرْتَدِّ يُقْتَلُ فِي ارْتِدَادِهِ نَصْرَانِيًّا أَوْ بِجُرْحِهِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ فِي جُرْحٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ وَحَالُهُ فِي ارْتِدَادِهِ فِي الْقَتْلِ وَالْجُرْحِ إنْ أَسْلَمَ كَحَالِ الْمُسْلِمِ ، فَإِنْ جَرَحَ مُسْلِمًا اُقْتُصَّ مِنْهُ ، وَإِنْ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا فَلَا يُقْتَلُ بِهِ .
وَإِنْ جَرَحَهُ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ .
عِيسَى وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَقَتْلُهُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ .
ابْنُ رُشْدٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ

فَمَرَّةٌ نَظَرَ إلَى حَالِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ ، وَمَرَّةٌ نَظَرَ إلَى حَالِهِ فِيهِمَا يَوْمَ جِنَايَتِهِ ، وَمَرَّةٌ فَرَّقَ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ فَنَظَرَ فِي الْقَوَدِ إلَى يَوْمِ الْفِعْلِ ، وَفِي الدِّيَةِ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ ، فَعَلَى اعْتِبَارِ يَوْمِ الْحُكْمِ فِيهِمَا قَالَ إنْ قَتَلَ مُسْلِمًا قُتِلَ بِهِ ، وَإِنْ جَرَحَهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ ، وَإِنْ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا أَوْ جَرَحَهُ فَلَا يُقَادُ فِي قَتْلٍ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي جُرْحٍ وَدِيَةُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَوْمَ الْحُكْمِ لَهُ عَاقِلَةٌ تَعْقِلُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَعَلَى قَوْلِهِ بِالنَّظَرِ لِحَالِهِ يَوْمَ الْفِعْلِ فِيهِمَا يُقَادُ مِنْهُ إنْ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا لِأَنَّهُ كَافِرٌ يَوْمَ الْفِعْلِ ، وَإِنْ جَرَحَهُ عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ ، وَإِنْ جَرَحَ عَبْدًا مُسْلِمًا جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي النَّصْرَانِيِّ يَجْرَحُ عَبْدًا مُسْلِمًا ، وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ وَلَا عَاقِلَةَ لَهُ يَوْمَئِذٍ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمُ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَجْرِي حُكْمُ جِنَايَاتِهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ .
وَشَبَّهَ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ مِنْ مَالِهِ إنْ جَنَى عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَعَدَمِهِ إنْ جَنَى عَمْدًا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ جَنَى الْمُرْتَدُّ عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ حُرٍّ مُسْلِمٍ ثُمَّ ( هَرَبَ ) الْمُرْتَدُّ ( لِبِلَادِ الْحَرْبِ ) وَاسْتَمَرَّ بِهَا وَبَقِيَ مَالُهُ فِي بَيْتِ مَالِنَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ الذِّمِّيِّ ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ ، فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ

لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِ أَخْذُ دِيَتِهِ مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ إنْ شَاءُوا أَوْ عَفَوْا عَنْ الْقِصَاصِ ، وَإِنْ شَاءُوا صَبَرُوا حَتَّى يَقْتُلُوهُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ قَتَلَ أَيْ الْمُرْتَدُّ حُرًّا مُسْلِمًا وَهَرَبَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ لِلْأَوْلِيَاءِ فِي مَالِهِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَهُمْ إنْ عَفَوْا الدِّيَةُ .
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ خِلَافُهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَمْدِ هَلْ هُوَ الْقَوَدُ فَقَطْ أَوْ التَّخْيِيرُ ، لَكِنْ قَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى أَشْهَبَ بِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَالْقَاتِلُ هُنَا لَوْ حَضَرَ لَكَانَ مَحْبُوسًا بِحُكْمِ ارْتِدَادِهِ فَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ مَعَهُ كَلَامٌ .
ا هـ .
فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ .
أَمَّا عِنْدَ أَسْرِهِ فَلَا أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ زَادَ طفي وَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ لِإِفْرَادِهَا بِالذِّكْرِ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ السُّقُوطِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ لَا حُرٍّ مُسْلِمٍ فَقَالَ ( إلَّا حَدَّ الْفِرْيَةِ ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فَتَحْتِيَّةٍ ، أَيْ الْقَذْفِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُرْتَدِّ بِقَتْلِهِ لِرِدَّتِهِ فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُقْتَلُ لِلرِّدَّةِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ عَمْدًا فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَلَا يُقَامُ غَيْرُ الْفِرْيَةِ وَيُقْتَلُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي نِكَاحِهَا الثَّالِثُ وَنَحْوُهُ فِي الْقَذْفِ إنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى كُلِّ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلنَّاسِ إلَّا الْقَذْفَ فَيُحَدُّ لَهُ ثُمَّ يُقْتَلُ ، وَجَرَى لَنَا فِي التَّدْرِيسِ مُنَاقَضَةُ قَوْلِهَا فِي الْكِتَابَيْنِ لِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الْقَذْفِ إذَا قَذَفَ حَرْبِيٌّ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ أَوْ أُسِرَ فَلَا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَتْلَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ .
قُلْت فَإِسْقَاطُهُ حَدِّ الْقَذْفِ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ حَدِّ الْقَذْفِ فِي الْقَتْلِ وَالْمَنْصُوصُ لَهُ خِلَافُهُ .
(

وَ ) الْجُرْحُ أَوْ الْقَتْلُ ( الْخَطَأِ ) مِنْ الْمُرْتَدِّ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذَا قُتِلَ لِرِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ أَرْشُهُ ( عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ) لِأَنَّهُ الَّذِي يَأْخُذُ مَالَهُ ، وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ خَطَأٍ عَلَى عَبْدٍ فِي مَالِهِ لَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَيَخْرُجُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ قَالَهُ طفي .
وَشَبَّهَ فِي التَّعَلُّقِ بِبَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ ( كَأَخْذِهِ ) أَيْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْشِ ( جِنَايَةً عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُرْتَدِّ فِي نَفْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ .
الشَّيْخُ عَنْ أَصْبَغَ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَتَلَ مُرْتَدًّا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ عَمْدًا قِصَاصُ الشُّبْهَةِ ، وَلَا يَبْطُلُ دَمُهُ وَالْعَمْدُ فِيهِ كَالْخَطَأِ وَدِيَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ قَبْلَ رِدَّتِهِ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَعَقْلُهُ لِلْمُسْلِمِينَ

، وَإِنْ تَابَ فَمَالُهُ لَهُ وَقُدِّرَ كَالْمُسْلِمِ فِيهِمَا وَقُتِلَ الْمُسْتَسِرُّ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا ، وَمَالُهُ لِوَارِثِهِ

( وَ ) يَحْجُرُ الْإِمَامُ عَلَى الْمُرْتَدِّ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَيُطْعِمُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ زَمَنَ اسْتِتَابَتِهِ ، وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَلَا عَلَى أَوْلَادِهِ زَمَنَهَا لِعُسْرِهِ بِهَا ، فَإِنْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ فَفَيْءٌ وَ ( إنْ تَابَ ) الْمُرْتَدُّ بِرُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ ( فَمَالُهُ ) أَيْ الْمُرْتَدِّ الْمَوْقُوفِ ( لَهُ ) أَيْ الْمُرْتَدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ فَيُخْلَى بَيْنَهُمَا ، وَيُمَكَّنُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِيهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ ابْنِ الْقَاسِمِ يُوقِفُ الْإِمَامُ مَالَهُ ، أَيْ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ قَتْلِهِ ، وَالْمَعْرُوفُ إنْ تَابَ الْمُرْتَدُّ رَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ .
وَرَوَى ابْنُ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ وَهُوَ فَيْءٌ لِبَيْتِ الْمَالِ .
ابْنُ شَاسٍ وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ قُلْت وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ ، وَفِي رُجُوعِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ إلَيْهِ بِاسْتِلَامِهِ وَلُزُومِ عِتْقِهِنَّ عَلَيْهِ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَعَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَمَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ أَوْ لِأَرْبَابِ دُيُونِهِ ، وَفَائِدَةُ الْإِيقَافِ عَلَى أَنَّهُ فَيْءٌ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ إنْ تَابَ احْتِمَالُ ظُهُورِ دَيْنٍ عَلَيْهِ فَيُوَفَّى مِنْهُ وَتَوَهُّمُهُ أَنَّهُ وَقْفٌ لَهُ فَيَعُودُ لِلْإِسْلَامِ .
( وَ ) إنْ جَنَى الْمُرْتَدُّ عَلَى غَيْرِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ ( قُدِّرَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( كَالْمُسْلِمِ فِيهِمَا ) أَيْ الْجِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ تَابَ قُدِّرَ جَانِيًا مُسْلِمًا فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ .
وَقِيلَ قُدِّرَ جَانِيًا مِمَّنْ ارْتَدَّ إلَيْهِمْ .
فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ النَّظَرِ فِي الْجِنَايَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ أَوْ يَوْمَ وُقُوعِهَا ، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُ اعْتِبَارُ يَوْمِ الْجِنَايَةِ ، زَادَ فِي الْبَيَانِ ثَالِثًا بِاعْتِبَارِ

الْعَقْلِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَالْقَوَدِ يَوْمَ الْفِعْلِ ، فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ عَمْدًا فَفِيهَا الْقَوَدُ ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ خَطَأً .
فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَإِنْ جَنَى عَلَى ذِمِّيٍّ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ وَخَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَإِنْ جَنَى عَلَى عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَقِيمَتُهُ فِي مَالِهِ وَمَا مَرَّ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَفِيمَا إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا ، وَأَمَّا لَوْ جَنَى غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَا يُقَدَّرُ مُسْلِمًا وَفِيهِ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ رُجُوعِ ضَمِيرٍ فِيهِمَا لِلْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْجِنَايَةِ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ هُوَ الصَّوَابُ بِخِلَافِهِمَا مِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُقَدَّرُ مُسْلِمًا كَمَا مَرَّ ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ يَحْتَمِلُ الصَّادِرَتَيْنِ مِنْهُ أَوْ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ أَفَادَهُ عب .
طفي الصَّوَابُ قَصْرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْجِنَايَةِ مِنْهُ ، فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ تَابَ قُدِّرَ جَانِيًا مُسْلِمًا فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ .
ا هـ .
وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَلَا يَصِحُّ تَعْمِيمُهُ فِي الْجِنَايَةِ مِنْهُ ، وَعَلَيْهِ إذْ لَا يُقَدَّرُ مُسْلِمًا فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الضَّمَانِ وَقْتُ الْإِصَابَةِ وَالْمَوْتِ ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ تَقَدَّمَتْ .
وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ عَادَ لِلْإِسْلَامِ فَدِيَةُ يَدِهِ دِيَةُ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ كِتَابِيٍّ .
ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا جُرِحَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَقْلُ جِرَاحَاتِهِ لِلْمُسْلِمِينَ إنْ قُتِلَ ، وَلَهُ إنْ تَابَ ، وَعَمْدُ جَارِحِهِ كَخَطَئِهِ لَا يُقَادُ مِنْهُ وَلَوْ جَرَحَهُ عَبْدٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَلَا قَوَدَ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْعَقْلُ .
ا هـ .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ دِيَةِ يَدِهِ دِيَةَ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ هُوَ قَوْلُ

سَحْنُونٍ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُهُ ، وَهُوَ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ سَابِقًا ، وَقَدْ اعْتَمَدَ عج جَعْلَ ضَمِيرِ فِيهِمَا لِلْجِنَايَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَعَارَضَهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ دِيَةَ الْمُرْتَدِّ ثُلُثُ خُمُسٍ .
وَأَجَابَ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ وَمَا هُنَا فِيمَنْ تَابَ وَأَطَالَ فِيهِ وَكُلُّهُ خَبْطٌ قَدْ عَلِمْتَ عَدَمُ صِحَّتِهِ ، وَقَدْ اقْتَصَرَ " ق " عَلَى كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ ا هـ وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ .
( وَقُتِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الشَّخْصُ الْمُظْهِرُ لِلْإِسْلَامِ ( الْمُسْتَسِرُّ ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْأَخِيرَةِ أَيْ الْمُخْفِي الْكُفْرَ حَدًّا ( بِلَا اسْتِتَابَةٍ ) أَيْ بِلَا طَلَبِ تَوْبَتِهِ وَلَا تُقْبَلُ إنْ تَابَ ، إذْ لَا تُعْلَمُ تَوْبَتُهُ بَاطِنًا فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا ) قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ .
ابْنُ عَرَفَةَ الزِّنْدِيقُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُسِرُّ الْكُفْرَ إنْ ثَبَتَتْ زَنْدَقَتُهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَقَالَ أَتُوبُ ، فَفِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ طَرِيقَانِ ، الْأُولَى قَبُولُهَا اتِّفَاقًا .
وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ إنْ أَتَى تَائِبًا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ ، وَإِنْ أُخِذَ عَلَى دِينٍ أَخْفَاهُ قُتِلَ وَلَا يُسْتَتَابُ ، قُلْت هَذَا مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ لِسَحْنُونٍ فِي شَاهِدِ الزُّورِ أَنَّهُ إنْ أَتَى تَائِبًا لَا يُعَاقَبُ .
الثَّانِيَةُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَمَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ ، عَزَاهُ ابْنُ شَاسٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ وَهُوَ شَاذٌّ بَعِيدٌ .
قُلْت وَهُوَ دَلِيلُ مَا حَكَى الْبَاجِيَّ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ ظَهَرَ كُفْرُهُ مِنْ زَنْدَقَتِهِ أَوْ كُفْرٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْجَلَّابِ لَا يُسْتَتَابُ الزِّنْدِيقُ .
ابْنُ زَرْقُونٍ وَفِي الْمَبْسُوطَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا يُقْتَلُ مَنْ أَسَرَّ دِينًا حَتَّى يُسْتَتَابَ وَالْإِسْرَارُ فِي ذَلِكَ وَالْإِظْهَارُ سَوَاءٌ .
قُلْت وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ .
( وَ

) إذَا قُتِلَ الزِّنْدِيقُ فَ ( مَالُهُ لِوَارِثِهِ ) الْمُسْلِمِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَكَذَا إنْ مَاتَ بِلَا قَتْلٍ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ إذَا جَاءَ تَائِبًا عَلَى الْأَصَحِّ ، بِخِلَافِ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ .
ابْنُ شَاسٍ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَخْرُجْ بِمَا أَبْدَاهُ عَنْ عَادَتِهِ وَمَذْهَبِهِ ، فَإِنَّ التَّقِيَّةَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَيْنُ الزَّنْدَقَةِ وَيُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ ، وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَبَدَ شَمْسًا أَوْ قَمَرًا أَوْ حَجَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مُسْتَسِرًّا بِهِ مُظْهِرَ الْإِسْلَامِ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُقِرُّونَ بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ مَالَ الزِّنْدِيقِ لِوَارِثِهِ وَهَذَا إذَا تَابَ ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتُبْ فَلَا قَالَهُ ابْنُ بُكَيْر فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ .

وَقُبِلَ عُذْرُ مَنْ أَسْلَمَ ، وَقَالَ أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ إنْ ظَهَرَ : كَأَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ، وَأَعَادَ مَأْمُومُهُ ،

( وَقُبِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( عُذْرُ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ ، أَيْ اعْتَذَرَ ( مَنْ ) أَيْ الْكَافِرُ الَّذِي ( أَسْلَمَ ) ثُمَّ ارْتَدَّ ( وَقَالَ ) فِي اعْتِذَارِهِ ( أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ ) كَخَوْفِ قَتْلٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ ظُلْمًا ( إنْ ظَهَرَ ) مَا اعْتَذَرَ بِهِ بِقَرِينَةٍ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ زَوَالِ مَا اعْتَذَرَ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَوْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَلَا يُقْبَلْ وَيُسْتَتَبْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَمْ يَتُبْ فَيُقْتَلْ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِه عَلَى الرِّدَّةِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَسْلَمَ كُرْهًا بِأَنْ أُكْرِه عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ اضْطَرَّهُ إلَيْهِ جِزْيَةٌ أَوْ ضِيقٌ أَوْ ظُلْمٌ أَوْ جَوْرٌ أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ لَا يُقْتَلُ ، وَيُؤْمَرُ بِالْإِسْلَامِ وَيُحْبَسُ وَيُضْرَبُ .
ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا غَلَطٌ إذْ أَكْثَرُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَعْرَابِ وَغَيْرِهِمْ كَانَ إسْلَامُهُمْ كُرْهًا ، وَكَفَى بِالْأَسِيرِ الَّذِي يُقَرَّبُ لِضَرْبِ عُنُقَهُ فَيُسْلِمُ أَيُقَالُ مِنْ إسْلَامِهِ هَذَا ، وَكَذَا قَالَ الْأَخَوَانِ .
الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ وَقَالَ إنَّمَا أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ عَلَيَّ ، فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ ضِيقٍ نَالَهُ أَوْ خَوْفٍ أَوْ شَبَهِهِ فَعَسَى أَنْ يُعْذَرَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ .
أَشْهَبُ لَا عُذْرَ لَهُ وَيُقْتَلُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضِيقٍ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ قَوْلُ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَى أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَهَابِ خَوْفِهِ ، فَهَذَا يُقْتَلُ ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ .
وَشَبَّهَ فِي قَبُولِ الْعُذْرِ إنْ ظَهَرَ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ ( تَوَضَّأَ ) الْكَافِرُ وُضُوءًا شَرْعِيًّا ( وَصَلَّى ) صَلَاةً شَرْعِيَّةً مُنْفَرِدًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ إمَامًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَقَالَ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِضِيقٍ

فَإِنَّهُ يُقْبَلُ اعْتِذَارُهُ إنْ ظَهَرَ مَا اعْتَذَرَ بِهِ ( وَأَعَادَ مَأْمُومُهُ ) صَلَاتَهُ وُجُوبًا أَبَدًا ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ ، سَمِعَ يَحْيَى بْنُ الْقَاسِمِ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مَنْ صَحِبَ قَوْمًا يُصَلِّي بِهِمْ إمَامًا أَيَّامًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ أَعَادُوا مَا صَلَّوْا خَلْفَهُ أَبَدًا وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَخَافُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَتَسَتَّرَ بِذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَيُعِيدُونَ صَلَاتَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَلَا يُعِيدُ الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ وَأَعَادُوا .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُقْتَلُ ظَاهِرُهُ ، وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ لِأَنَّهُ رَأَى صَلَاتَهُ مُجُونًا وَعَبَثًا فَعَلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَدَبُ الْمُؤْلِمُ وَلِلْأَخَوَيْنِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِعَادَةِ أَبَدًا ، وَقَالَا ذَلِكَ مِنْهُ إسْلَامٌ ، وَسَوَاءٌ عَلَى قَوْلِهِمَا كَانَ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ أَمْ لَا مِثْلُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ وَتَفْرِقَةِ سَحْنُونٍ بَيْنَ كَوْنِهِ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ أَمْ لَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَتَفْرِقَتِهِ فِي الْإِعَادَةِ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ إذَا عُدَّتْ صَلَاتُهُ إسْلَامًا يُسْتَتَابُ عَلَيْهِ أَنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ أَجَابَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يَجِبْ .
الْمُتَيْطِيُّ إنْ اغْتَسَلَ لِلْإِسْلَامِ وَلَمْ يُصَلِّ إلَّا أَنَّهُ حَسُنَ إسْلَامُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إسْلَامِهِ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ ، فَإِنْ صَلَّى وَإِلَّا قُتِلَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَلَوْ رَكْعَةً وَاحِدَةً ، فَإِذَا صَلَّى ثُمَّ تَرَكَ أُدِبَّ ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ قُتِلَ .

وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ ، وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ : كَسَاحِرٍ ذِمِّيٍّ ؛ إنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمِ

( وَأُدِّبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( مَنْ ) أَيْ الْكَافِرُ الَّذِي ( تَشَهَّدَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثْقَلًا ، أَيْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ( وَلَمْ يُوقَفْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ ، أَيْ يَطَّلِعْ ( عَلَى ) بَقِيَّةِ ( الدَّعَائِمِ ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَإِهْمَالِ الْعَيْنِ وَالْهَمْزِ جَمْعُ دِعَامَةٌ بِكَسْرِ الدَّالِ ، أَيْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَلَمَّا أُوقِفَ عَلَيْهَا ارْتَدَّ ، وَهَذَا فِي الطَّارِئِ عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ بِهَا .
وَأَمَّا الْمَوْلُودُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالطَّارِئِ عَلَيْهَا الَّذِي طَالَتْ إقَامَتُهُ بِهَا حَتَّى عَلِمَهَا نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ فَهَذَا مُرْتَدٌّ لِأَنَّ نُطْقَهُ بِهِمَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالْأَرْكَانِ رِضَا بِهَا وَالْتِزَامٍ لَهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَابْنِ مَرْزُوقٍ النَّاصِرِ إنَّمَا كَانَ الْتِزَامُ الدَّعَائِمِ رُكْنًا لِأَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ ضَرُورَةً ، وَمِنْهُ أَقْوَالُ الْإِسْلَامِ وَأَعْمَالِهِ الْمَبْنِيِّ هُوَ عَلَيْهَا فَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا لَمْ يُصَدِّقْ بِهَا فَلَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا وَلَا مُسْلِمًا وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ كِفَايَةُ الْإِيمَانِ بِهَا إجْمَالًا بِأَنْ يُصَدِّقَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ التَّصْدِيقَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ إجْمَالًا ، وَذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْدِيقِ بِهَا تَفْصِيلًا أَفَادَهُ الْخَرَشِيُّ .
الْعَدَوِيُّ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مُرَادَ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ إذَا مَاتَ عَقِبَ تَشَهُّدِهِ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيُوَرَّثُ ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّعَائِمِ يُقْبَلُ عُذْرُهُ وَلَا يُقْتَلُ .
وَشَبَّهَ فِي التَّأْدِيبِ فَقَالَ ( كَ ) شَخْصٍ ( سَاحِرٍ ) بِالتَّنْوِينِ (

ذِمِّيٍّ ) نَعْتُ سَاحِرٍ فَيُؤَدَّبُ ( إنْ لَمْ يُدْخِلْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ السَّاحِرُ الذِّمِّيُّ بِسَحَرِهِ ( ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ ) وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَ بِسَحَرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ ، وَظَاهِرُهُ أَيُّ ضَرَرٍ ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ .
الْخَرَشِيُّ يُؤَدَّبُ السَّاحِرُ الذِّمِّيُّ إذَا سَحَرَ مُسْلِمًا وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا بِسِحْرِهِ ، فَإِنْ أَدْخَلَ ضَرَرًا بِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِنَقْضِ عَهْدِهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ كَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَاهِرُهُ أَيُّ ضَرَرٍ كَانَ .
الْبَاجِيَّ فَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِسِحْرِهِ فَيُقْتَلُ بِهِ ، وَبِعِبَارَةٍ يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ حُكْمُ مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ فَيُخَيِّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ قَتْلِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ وَإِنْ نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْبَاجِيَّ .
ابْنُ عَرَفَةَ إنْ كَانَ السَّاحِرُ ذِمِّيًّا فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ فَيَكُونَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ غَيْرَ إسْلَامِهِ ، وَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ ذِمَّتِهِ أُدِّبَ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا مِنْهُمْ فَيُقْتَلَ بِهِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ .
الْبَاجِيَّ ظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ خِلَافَ قَوْلِ مَالِكٍ لَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا أَوْ يَقْتُلَ ذِمِّيًّا وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ عَمَلَ السِّحْرِ وَجَعَلَ وَمَنْ يَعْمَلُهُ لَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُؤَدَّبُ أَدَبًا شَدِيدًا .

وَأَسْقَطَتْ : صَلَاةً ، وَصِيَامًا وَزَكَاةً ، وَحَجًّا تَقَدَّمَ ، وَنَذْرًا ، وَكَفَّارَةً ، وَيَمِينًا بِاَللَّهِ ، أَوْ بِعِتْقٍ ، أَوْ ظِهَارٍ ، وَإِحْصَانًا ، وَوَصِيَّةً

( وَأَسْقَطَتْ ) الرِّدَّةُ عَنْ الْمُكَلَّفِ ( صَلَاةً وَصِيَامًا وَزَكَاةً ) وَحَجًّا فَعَلَهَا قَبْلَ ارْتِدَادِهِ أَوْ فِي مُدَّتِهِ بِمَعْنَى أَبْطَلَتْ ثَوَابَهَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْهَا بِمَعْنَى أَسْقَطَتْ تَعَلُّقَهَا بِذِمَّتِهِ وَوُجُوبَ قَضَائِهَا إلَّا الْحَجِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ لِأَنَّ وَقْتَهُ الْعُمْرُ كُلُّهُ وَإِلَّا الصَّلَاةُ الَّتِي رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَيَلْزَمُهُ فِعْلُهَا وَلَوْ خَرَجَ وَقْتُهَا .
الْحَطّ أَيْ أُبْطِلَتْ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالزَّكَاةُ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِالْمُرْتَدِّ مِنْ حِينِ ارْتِدَادِهِ إلَى حِينِ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ ، سَوَاءٌ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ فَمَعْنَى الْإِسْقَاطِ الْإِبْطَالُ وَإِحْبَاطُ الثَّوَابِ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَفْعَلْهُ فَمَعْنَاهُ إبْطَالُ تَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ وَوُجُوبُ قَضَائِهِ ، وَسَوَاءٌ وَجَبَ ذَلِكَ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ أَوْ أَدْرَكَهُ وَقْتَ وُجُوبِهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ ، فَلَوْ صَلَّى صَلَاةً ثُمَّ ارْتَدَّ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ وَوَقْتِهَا بَاقٍ بِحَيْثُ يَسَعُ رَكْعَةً مِنْهَا لَزِمَتْهُ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَأَسْقَطَتْ حَجًّا تَقَدَّمَ قَبْلَهَا بِمَعْنَى إبْطَالِ ثَوَابِهِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهِ فِي حُجَّةِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ فَيَجِبُ فِعْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ وَقْتَهُ مُتَّسِعٌ لِآخَرِ الْعُمْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِخِطَابٍ مُبْتَدَأٍ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ .
وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْحَجِّ وَلَوْ ارْتَدَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ بَطَلَ إحْرَامُهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ لِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) أَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ ( نَذْرًا ) نَذَرَهُ عَلَى

نَفْسِهِ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَفَاؤُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ ( وَ ) أَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ ( يَمِينًا ) حَلَفَهَا قَبْلَ ارْتِدَادِهِ ( بِ ) اسْمِ ( اللَّهِ ) تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ غَيْرِ الْفِعْلِيَّةِ .
فَإِذَا حَنِثَ فِيهَا فَلَا يُكَفِّرُهَا ( أَوْ ) يَمِينًا ( بِ ) تَعْلِيقِ ( عِتْقٍ ) عَلَى فِعْلِ شَيْءِ أَوْ تَرْكِهِ ، فَإِنْ حَنِثَ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ .
الْحَطّ وَظَاهِرُهُ وَالْمُدَوَّنَةِ كَانَ الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ مُعَيَّنًا أَمْ لَا ، وَخَصَّهُ ابْنُ الْكَاتِبِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ قَالَ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ رِدَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَدْبِيرُهُ .
ابْنُ يُونُسَ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ تَدْبِيرَهُ كَعِتْقِهِ وَطَلَاقِهِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ أَيْمَانِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَلْزَمُهُ تَدْبِيرُهُ إذَا أَسْلَمَ وَلَا يَلْزَمُهُ يَمِينُهُ فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ .
أَبُو الْحَسَنِ كَانَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ بِعِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ .
ا هـ .
وَأَشَارَ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ عِيَاضٍ ، وَنَصُّهُ اخْتَلَفُوا فِي يَمِينِهِ بِالْعِتْقِ الَّتِي أَسْقَطَهَا ارْتِدَادُهُ هَلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَلْزَمُ كَالْمُدَبَّرِ وَقِيلَ الْمُعَيَّنُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ ا هـ .
( أَوْ ) بِتَعْلِيقِ ( ظِهَارٍ ) الْحَطّ وَكَذَا الظِّهَارُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْيَمِينِ .
أَبُو الْحَسَنِ يَتَحَصَّلُ فِي الظِّهَارِ الْمُجَرَّدِ وَالْيَمِينِ بِالظِّهَارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٌ ، أَحَدُهَا : أَنَّهُمَا لَا يَسْقُطَانِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْيَمِينِ بِالظِّهَارِ فَأَحْرَى الظِّهَارُ الْمُجَرَّدُ .
وَالثَّانِي : يَسْقُطَانِ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ .
وَالثَّالِثُ : يَلْزَمُ فِي الْمُجَرَّدِ وَلَا يَلْزَمُ فِي الْيَمِينِ ، أَهْوَ الَّذِي اخْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُدَوَّنَةُ ، فَإِذَا حَنِثَ فِي الظِّهَارِ الْمُجَرَّدِ بِالْوَطْءِ وَتَخَلَّدَتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ

فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ ، أَيْ فَيَسْقُطُ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي الظِّهَارِ هَلْ النَّظَرُ إلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيجِ فَيُشْبِهُ الطَّلَاقَ أَوْ إلَى مَا فِيهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِالطَّلَاقِ ا هـ .
اللَّخْمِيُّ لَيْسَ الظِّهَارُ كَالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْخِطَابَ فِي الطَّلَاقِ مُوَجَّهٌ إلَى الزَّوْجَيْنِ ، وَفِي الظِّهَارِ يَتَوَجَّهُ إلَى الزَّوْجِ خَاصَّةً .
ا هـ .
وَظَاهِرُ الْأُمِّ أَنَّ الظِّهَارَ الْمُجَرَّدَ يَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ ، وَنَصَّهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمُرْتَدُّ إذَا ارْتَدَّ وَعَلَيْهِ أَيْمَانٌ بِالْعِتْقِ أَوْ عَلَيْهِ ظِهَارٌ أَوْ عَلَيْهِ أَيْمَانٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَدْ حَلَفَ بِهَا أَنَّ الرِّدَّةَ تُسْقِطُ عَنْهُ ذَلِكَ .
ا هـ .
وَأَمَّا أَيْمَانُهُ بِالطَّلَاقِ فَلَمْ يَنُصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، لَكِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا السُّقُوطُ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا وَإِذَا ارْتَدَّ وَعَلَيْهِ يَمِينٌ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ ظِهَارٍ فَالرِّدَّةُ تُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ .
وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تَطْرَحُ رِدَّتُهُ إحْصَانَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا أَيْمَانَهُ بِالطَّلَاقِ ا هـ .
( وَ ) أَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ ( إحْصَانًا ) تَقَدَّمَ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي حَالِ إسْلَامِهِمَا ، فَمَنْ ارْتَدَّ مِنْهُمَا زَالَ إحْصَانُهُ ، وَلَا يَزُولُ إحْصَانُ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَرْتَدَّ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ وَالرِّدَّةُ تُزِيلُ إحْصَانَ الْمُرْتَدِّ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَيَأْتَنِفَانِ الْإِحْصَانَ إذَا ارْتَدَّا ، وَمَنْ زَنَى مِنْهُمَا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ وَقُبِلَ إحْصَانُهُ فَلَا يُرْجَمُ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ ارْتَدَّ قَاصِدًا إزَالَةَ إحْصَانِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَزَنَى فَإِنَّهُ يُرْجَمُ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ .
سَحْنُونٌ لَا تُسْقِطُ الرِّدَّةُ حَدَّ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَا يَشَاءُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَنْ يُسْقِطَهُ إلَّا أَسْقَطَهُ بِرِدَّتِهِ .
ابْنُ يُونُسَ ظَاهِرُ هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ ، وَأَنَا أَسْتَحْسِنُ أَنَّهُ إنْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا ارْتَدَّ لِيُسْقِطَ

الْحَدَّ قَاصِدًا لِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ، وَإِنْ ارْتَدَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ .
( وَ ) أَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ ( وَصِيَّةً ) تَقَدَّمَتْ فِي " ق " عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ بُطْلَانَهَا إنَّمَا هُوَ إذَا تَمَادَى عَلَى رِدَّتِهِ فَانْظُرْهُ .
الْحَطّ صَدَرَتْ مِنْهُ حَالَ رِدَّتِهِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ فَتَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، وَمَا أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْطَاهُ لِغَيْرِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَقْفَهُ لَا يَبْطُلُ كَعِتْقِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي ثَالِثِ نِكَاحِهَا إنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ وُضِعَ عَنْهُ مَا كَانَ لِلَّهِ تَرَكَهُ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَدٍّ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ بِعِتْقٍ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ بِظِهَارٍ وَيُؤْخَذُ بِمَا كَانَ لِلنَّاسِ مِنْ قَذْفٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ فِي كُفْرِهِ أُخِذَ بِهِ عِيَاضٌ كَذَا رِوَايَتُنَا أَوْ عَلَيْهِ ظِهَارٌ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِمُجَرَّدِ الظِّهَارِ أَوْ يَمِينٍ بِهِ وَعَلَيْهِ اخْتِصَارُهَا .
الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَتُسْقِطُ يَمِينًا بِالْعِتْقِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَهَا غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ أَيْمَانٌ بِعِتْقٍ أَوْ ظِهَارٍ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُ عَلَى لَفْظِ الْكِتَابِ لِاحْتِمَالِ الْوَجْهَيْنِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ بِالظِّهَارِ كَالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ ، ثُمَّ قَالَ وَفِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْهَا إنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ عَتَقَتْ أُمُّ وَلَدِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَمُدَبِّرُوهُ فِي الثُّلُثِ وَتَسْقُطُ وَصَايَاهُ .

لَا طَلَاقًا ، وَرِدَّةُ مُحَلِّلٍ ، بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ

( لَا ) تُسْقِطُ الرِّدَّةُ ( طَلَاقًا ) تَقَدَّمَهَا فَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَلَوْ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَأَكْثَرُهُمْ حَمَلُوا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُسْقِطُ طَلَاقَ الْبَنَاتِ ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ إنَّ الرِّدَّةَ تُسْقِطُ الطَّلَاقَ ، فَيَجُوزُ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا قَبْلَ رِدَّتِهِ نِكَاحَهَا قَبْلَ زَوْجٍ ، وَحَكَاهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ هَذَا الْأَشْهَرُ عَنْهُ ، وَحَكَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنْهُ خِلَافَهُ وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ قَبْلَ زَوْجٍ ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ ارْتَدَّا جَمِيعًا ثُمَّ أَسْلَمَا جَازَ أَنْ يَتَنَاكَحَا عِنْدَهُمْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ا هـ .
وَفِي الْحَطّ نَعَمْ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّا جَمِيعًا عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُمَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَبَهْرَامُ فِي الشَّامِلِ .
( وَ ) لَا تَسْقُطُ ( رِدَّةُ ) زَوْجٍ ( مُحَلِّلٍ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا تَحْلِيلُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ غَيْرِهِ ، أَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا ارْتَدَّ الْمُحَلِّلُ ، فَإِنَّ رِدَّتَهُ لَا تُبْطِلُ إحْلَالَهُ لَا يَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَلَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا ( بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ ) الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا الَّتِي تَزَوَّجَتْ غَيْرَ مُطَلَّقِهَا وَحَلَّتْ لَهُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ فَإِنَّ رِدَّتَهَا تُبْطِلُ حِلَّهَا لِمُطَلِّقِهَا ، فَإِذَا رَجَعَتْ لِلْإِسْلَامِ فَلَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا آخَرَ .
الشَّارِحُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ قَلَقٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَأَسْقَطَتْ صَلَاةً إلَخْ ، ثُمَّ قَالَ لَا طَلَاقًا ، أَيْ لَا تُسْقِطُهُ ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ وَرِدَّةُ مُحَلِّلٍ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَا

تَسْقُطُ الرِّدَّةُ رِدَّةَ مُحَلِّلٍ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُسْقِطُهَا فَهُوَ مُعَقَّدٌ وَمُرَادُهُ مَا تَقَدَّمَ .
الْبِسَاطِيُّ قَدْ يُجَابُ بِالْعِنَايَةِ .
أَنَّ فَاعِلَ " تُسْقِطُ رِدَّةَ " مُضَافًا ، أَيْ وَأَسْقَطَتْ رِدَّةَ مُكَلَّفٍ كَذَا وَكَذَا لَا طَلَاقًا وَرِدَّةَ مُحَلِّلٍ لَا تُسْقِطُ تَحْلِيلَهُ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ .

وَأُقِرَّ كَافِرٌ انْتَقَلَ لِكُفْرٍ آخَرَ
وَأُقِرَّ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ، أَيْ تُرِكَ شَخْصٌ ( كَافِرٌ اُنْتُقِلَ ) مِنْ كُفْرِهِ ( لِكُفْرٍ آخَرَ ) كَيَهُودِيٍّ تَنَصَّرَ وَنَصْرَانِيٍّ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ أَوْ عَكْسُهُ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } مَحْمُولٌ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
الْبَاجِيَّ مَنْ تَزَنْدَقَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ دِينٌ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ .
ابْنُ حَبِيبٍ لَمْ أَعْلَمْ مَنْ قَالَهُ غَيْرُهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالزَّنْدَقَةِ التَّعْطِيلَ ، وَمَذْهَبُ الدَّهْرِيَّةِ مِمَّا لَيْسَ شَرِيعَةً أَوْ يُرِيدُ الْإِسْرَارَ بِمَا خَرَجَ إلَيْهِ وَإِظْهَارَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَإِذَا أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ الَّذِي تَزَنْدَقَ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يُقْتَلُ كَمُسْلِمٍ تَزَنْدَقَ ثُمَّ تَابَ .

وَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ : كَأَنْ مَيَّزَ ، إلَّا الْمُرَاهِقَ ، وَالْمَتْرُوكَ لَهَا ، فَلَا يُجْبَرُ بِقَتْلٍ ، إنْ امْتَنَعَ

( وَ ) إنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ لَهُ أَوْلَادٌ ( حُكِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بِإِسْلَامِ مَنْ ) أَيْ وَلَدٍ ( لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ بِ ) سَبَبِ ( إسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ ) أَيْ لَا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ وَجَدِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي نِكَاحِهَا الثَّالِثِ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لِأَبِيهِ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّ إسْلَامَهُ إسْلَامٌ لِصَغِيرِ وَلَدِهِ مُطْلَقًا وَمِنْ لَفْظِهَا وَالنَّصْرَانِيُّ يُسْلِمُ وَوَلَدُهُ صِغَارُهُمْ مُسْلِمُونَ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِ أَبِيهِمْ .
عِيَاضٌ فَضْلُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ الرُّوَاةِ مَنْ قَالَ لَيْسَ إسْلَامُ أَبِيهِمْ إسْلَامًا لَهُمْ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا .
قُلْتُ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ إسْلَامُ الْأَبَوَيْنِ إسْلَامٌ لِأَوْلَادِهِمَا الصِّغَارِ ، وَأَمَّا مَنْ مَيَّزَ فَهَلْ يَكُونُ إسْلَامُهُمَا إسْلَامًا لَهُ قَوْلَانِ .
قُلْتُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي سِنِّ مَنْ لَا يُمَيِّزُ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ ، وَإِنْ عَقِلَ دِينَهُ فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ .
قُلْتُ فَفِي تَبَعِيَّةِ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ لِأَبِيهِ فِي إسْلَامِهِ وَكُفْرِهِ دُونَ أُمِّهِ وَتَبَعِيَّتِهِ لِأَوَّلِهِمَا إسْلَامًا مَعْرُوفَ الْمَذْهَبِ ، وَنَقَلَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ تَبَعِيَّتَهُ لِأُمِّهِ كَالْحُرِّيَّةِ لَا أَعْرِفُهُ فِي الْمَذْهَبِ .
وَفِي نِكَاحِهَا الثَّالِثِ مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ صِغَارٌ فَأَقَرَّهُمْ حَتَّى بَلَغُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَبَهِهَا فَأَبَوْا الْإِسْلَامَ فَلَا يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ بَعْضٌ يُجْبَرُونَ وَهُمْ مُسْلِمُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمَدَنِيِّينَ .
وَشَبَّهَ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ ( مَيَّزَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْوَلَدُ الَّذِي أَسْلَمَ أَبُوهُ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبِيهِ ، وَاسْتَثْنَى الْمُرَاهِقَ مِنْهُ فَقَالَ ( إلَّا ) الْمُمَيِّزَ ( الْمُرَاهِقَ ) بِضَمِّ الْمِيمِ

وَكَسْرِ الْهَاءِ ، أَيْ الْمُقَارِبِ لِلْبُلُوغِ حَالَ إسْلَامِ أَبِيهِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبِيهِ ( وَ ) إلَّا الْمُمَيِّزَ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ وَقْتَ إسْلَامِ أَبِيهِ ( الْمَتْرُوكُ ) جَبْرُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ( لَهَا ) أَيْ الْمُرَاهَقَةِ ( فَلَا يُجْبَرُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ ( بِقَتْلٍ إنْ امْتَنَعَ ) مِنْهُ .
وَمَفْهُومُ بِقَتْلٍ جَبَرَهُ بِغَيْرِهِ

وَوُقِفَ إرْثُهُ
( وَ ) إنْ مَاتَ أَبُوهُ الَّذِي أَسْلَمَ ( يُوقَفْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ بِيَدِ عَدْلٍ وَنَائِبُ فَاعِلِ يُوقَفْ ( إرْثُهُ ) أَيْ الْمُرَاهِقُ مِنْ أَبِيهِ وَلَوْ أَسْلَمَ حَتَّى يَبْلُغَ ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَخَذُوهُ وَإِلَّا رُدَّ لِوَرَثَةِ أَبِيهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إسْلَامُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ هُنَا لِعَدَمِ جَبْرِهِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ إذَا بَلَغَ وَرَجَعَ عَنْهُ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ مُرَاهِقٌ مِنْ أَبْنَاءِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً وَشَبَهَهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وُقِفَ مَالُهُ إلَى بُلُوغِ وَلَدِهِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَرِثَهُ وَإِلَّا فَلَا يَرِثُهُ وَكَانَ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْوَلَدُ قَبْلَ احْتِلَامِهِ فَلَا يَتَعَجَّلُ أَخْذُهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ ، وَلَوْ قَالَ الْوَلَدُ لَا أُسْلِمُ إذَا بَلَغْت فَلَا أَنْظُرُ لِذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ إيقَافِهِ إلَى احْتِلَامِهِ .
الصِّقِلِّيُّ وَقِيلَ إسْلَامُهُ إسْلَامٌ وَلَهُ الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يَمُوتَ أَفَادَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .

وَلِإِسْلَامِ سَابِيهِ ، إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ
( وَ ) إنْ سَبَى مُسْلِمٌ مَجُوسِيًّا صَغِيرًا ( حُكِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بِإِسْلَامِ ) مَجُوسِيٍّ صَغِيرٍ ( مَسْبِيٍّ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ ، أَيْ مَأْسُورٍ ( تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ) أَيْ الْمَسْبِيِّ ( أَبُوهُ ) أَيْ الْمَسْبِيِّ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَبِيهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالصَّغِيرُ الْمَسْبِيُّ لَا أَبَ مَعَهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ الْمُسْلِمَ أَوْ بِنِيَّتِهِ إسْلَامِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي الصَّغِيرِ الْمَسْبِيِّ وَلَيْسَ أَبُوهُ مَعَهُ فَقِيلَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِمِلْكِ سَيِّدِهِ إيَّاهُ قَالَهُ ابْنُ دِينَارٍ ، وَرَوَاهُ مَعْنٌ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
وَقِيلَ حَتَّى يَنْوِيَهُ بِهِ سَيِّدُهُ قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ .
وَقِيلَ حَتَّى يَرْتَفِعَ عَنْ حَدَاثَةِ الْمِلْكِ شَيْئًا وَيُزَيِّيَهُ سَيِّدُهُ بِزِيِّ الْإِسْلَامِ وَيُشَرِّعَهُ بِشَرَائِعِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ .
وَقِيلَ حَتَّى يُجِيبَ إلَيْهِ وَيَعْقِلَ الْإِجَابَةَ بِبُلُوغِهِ حَدَّ الْإِثْغَارِ .
وَقِيلَ حَتَّى يُجِيبَ إلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَالَهُ سَحْنُونٌ .

وَالْمُتَنَصِّرُ مِنْ : كَأَسِيرٍ عَلَى الطَّوْعِ ، إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ ؛
( وَ ) الْمُسْلِمُ ( الْمُتَنَصِّرُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ وَالنُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مُثَقَّلَةً أَيْ الْمُرْتَدُّ لِلنَّصْرَانِيَّةِ مَثَلًا ( مِنْ كَأَسِيرٍ ) وَتَاجِرٍ وَسَائِحٍ فِي أَرْضِ الْكُفَّارِ مَحْمُولٌ ( عَلَى الطَّوْعِ ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي فِعْلِ الْكُلْفِ فَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ مِنْ بَيْنُونَةِ زَوْجَتِهِ وَإِيقَافِ مَالِهِ وَمَنْعِهِ مِنْ إرْثِ مُسْلِمٍ قَرِيبٍ لَهُ أَوْ زَوْجٍ أَوْ مَوْلًى لَهُ ( إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ ) عَلَى التَّنَصُّرِ بِالشَّخْصِ وَلَا بِالْعُمُومِ بِأَنْ اشْتَهَرَ عَلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ جُبِرَ أَسِيرُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ إسَاءَتِهِ ، فَإِذَا دَخَلَ دِينَهُمْ تَرَكُوهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي نِكَاحِهَا الثَّالِثِ وَغَيْرِهِ مِنْهَا وَالْأَسِيرُ يُعْلَمُ تَنَصُّرُهُ وَلَا يُدْرَى طَوْعًا أَوْ كَرْهًا فَلْتَعْتَدَّ زَوْجَتُهُ وَيُوقَفُ مَالُهُ وَيُحْكَمُ فِيهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ ، وَإِنْ ثَبَتَ إكْرَاهُهُ بِبَيِّنَةٍ كَانَ بِحَالِ الْمُسْلِمِ فِي نِسَائِهِ وَمَالِهِ .
ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِه عَلَى الرِّدَّةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ .

وَإِنْ سَبَّ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا ، أَوْ عَرَّضَ ، أَوْ لَعَنَهُ ، أَوْ عَابَهُ ، أَوْ قَذَفَهُ ، أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ ، أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ ، أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا ، وَإِنْ فِي بَدَنِهِ ، أَوْ خَصْلَتِهِ ، أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ ، أَوْ وُفُورِ عِلْمِهِ ، أَوْ زُهْدِهِ ، أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ ، أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَوْ قِيلَ لَهُ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَلَعَنَ ؛ وَقَالَ أَرَدْت الْعَقْرَبَ ، قُتِلَ ، وَلَمْ يُسْتَتَبْ حَدًّا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ ، لِجَهْلٍ ، أَوْ سُكْرٍ ، أَوْ تَهَوُّرٍ ؛ وَفِيمَنْ قَالَ : لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ، جَوَابًا لِصَلِّ ؛ أَوْ قَالَ : الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ ، جَوَابًا لِتَتَّهِمَنِي ، أَوْ جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَوْلَانِ

( وَإِنْ سَبَّ ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ شَتَمَ الْمُكَلَّفُ ( نَبِيًّا ) أَيْ إنْسَانًا ذَكَرًا أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ أَمْ لَا مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ وَالرَّسُولُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمَأْمُورِ بِالتَّبْلِيغِ فَالنَّبِيُّ عَامٌّ وَالرَّسُولُ خَاصٌّ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ( أَوْ ) سَبَّ ( مَلَكًا ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ كَذَلِكَ ( أَوْ عَرَّضَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا مُعْجَمِ الضَّادِ يَسُبُّ مَنْ ذَكَرَ ( أَوْ لَعَنَهُ ) أَيْ الْمَذْكُورَ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ أَوْ تَمَنَّى ضَرَرَهُ ( أَوْ عَابَهُ ) أَيْ نَسَبَهُ لِلْعَيْبِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَحْسَنِ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا فِي خَلْقٍ أَوْ خُلُقٍ أَوْ دِينٍ ( أَوْ قَذَفَهُ ) بِنَفْيِ نَسَبِهِ أَوْ بِزِنَا ( أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ ) بِإِتْيَانِهِ بِمَا لَا يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ تَصْرِيحًا أَوْ تَلْوِيحًا ( أَوْ غَيَّرَ ) بِفَتْحِ الْغِينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ تَحْتَ مُثَقَّلًا ( صِفَتَهُ ) بِأَنْ قَالَ أَسْوَدَ أَوْ قَصِيرًا أَوْ مَاتَ بِلَا لِحْيَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قُرَشِيًّا لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ .
( أَوْ أَلْحَقَ ) بِقَطْعِ الْهَمْزِ ( بِهِ ) أَيْ الْمَذْكُورَ ( نَقْصًا ) فِي دِينِهِ أَوْ عِرْضِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ فِي بَدَنِهِ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ، وَفِي نُسْخَةٍ دِينُهُ وَمِثْلُهُ فِي الشِّفَاءِ ( أَوْ ) فِي ( خَصْلَتِهِ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، أَوْ عَادَتِهِ ( أَوْ غَضَّ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ مُثَقَّلًا ، أَيْ نَقَصَ ( مِنْ مَرْتَبَتِهِ أَوْ ) مِنْ ( وُفُورِ ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَالْفَاءِ أَيْ كَمَالِ ( عِلْمِهِ أَوْ ) مِنْ وُفُورِ ( زُهْدِهِ ) أَيْ إعْرَاضِهِ عَنْ الدُّنْيَا ( أَوْ أَضَافَ ) أَيْ نَسَبَ ( لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ ) مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي غَيْرِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ .
رَبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ الْقَرَوِيُّ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ

رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِيهِ نَقْصٌ يُقْتَلْ بِغَيْرِ اسْتِتَابَةٍ ، وَجَعَلَ مِنْ أَمْثِلَتِهِ مَيْلَهُ لِبَعْضِ نِسَائِهِ ( أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ ) أَيْ الْمَذْكُورَ ( مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ مَقَامِهِ ( الشَّرِيفِ ) كَمُدَاهَنَةٍ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَوْ فِي حُكْمٍ بَيْنَ النَّاسِ ( عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ ) لَهُ وَإِضَافَتِهِ لِلْبَيَانِ .
( أَوْ قِيلَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَلَعَنَ ) هـ أَوْ شَتَمَهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَقَالَ أَشَدُّ مِنْ الْأَوَّلِ ( وَقَالَ أَرَدْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ ) الَّذِي لَعَنْتُهُ ( الْعَقْرَبَ ) مَثَلًا وَجَوَابُ إنْ سَبَّ إلَخْ ( قُتِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( وَلَمْ ) الْأَوْلَى وَلَا ( يُسْتَتَبْ ) قَتْلًا ( حَدًّا ) طفي عِبَارَةُ عِيَاضٍ فِي الشِّفَاءِ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ ، وَهِيَ أَشَدُّ ، وَمَحَلُّ كَوْنِ قَتْلِهِ حَدًّا لَا كُفْرًا إذَا تَابَ أَوْ أَنْكَرَ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ سَبُّهُ كُفْرًا ، وَإِلَّا فَهُوَ كَافِرٌ كَذَا لِعِيَاضٍ فِي الشِّفَاءِ وَتَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ ، وَفَائِدَةُ كَوْنِ قَتْلِهِ حَدًّا وَتَغْسِيلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِرْثِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ .
الْبُنَانِيُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ سَبَّ إلَى آخِرِ الْبَابِ زِيَادَةً عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لَخَّصَهُ مِنْ الشِّفَاءِ ، وَلَوْ اخْتَصَرَهُ جُمْلَةً لَكَفَاهُ قَوْلُهُ وَإِنْ تَنَقَّصَ مَعْصُومًا وَإِنْ بِتَعْرِيضٍ أَوْ بِاسْتِخْفَافٍ بِحَقِّهِ قُتِلَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ قُتِلَ فِي كُلِّ حَالٍ فَقَالَ ( إلَّا أَنْ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ ( يُسْلِمَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ السَّابُّ ( الْكَافِرُ ) أَصَالَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ

لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } الْأَنْفَالَ .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ } وَيُقْتَلُ السَّابُّ الْمُسْلِمُ أَوْ الْكَافِرُ إنْ ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ أَرَادَ ذَمَّهُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ ، بَلْ ( وَإِنْ ظَهَرَ ) مِنْ حَالِهِ ( أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ يَقْصِدْ بِسَبِّهِ ( ذَمَّهُ ) وَسَبَّهُ إمَّا ( لِجَهْلٍ أَوْ سُكْرٍ ) بِحَرَامٍ ، وَأَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ بِقَتْلِ مَنْ شَتَمَ فِي سُكْرِهِ لِظَنٍّ بِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي صَحْوٍ وَلِأَنَّ قَتْلَهُ حَدٌّ وَالسُّكْرُ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ ( أَوْ ) سَبَّ لِ ( تَهَوُّرٍ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَاءِ وَضَمِّ الْوَاوِ مُثَقَّلَةً أَيْ تَوَسُّعٍ وَمُبَالَغَةٍ ( فِي ) كَثْرَةِ ( كَلَامِهِ ) وَقِلَّةِ مُرَاقَبَتِهِ وَعَدَمِ ضَبْطِهِ وَعَجْرَفَتِهِ فَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ .
عِيَاضٌ مَنْ أَضَافَ إلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَذِبَ فِيمَا بَلَّغَهُ أَوْ أَخْبَرَ بِهِ أَوْ سَبَّهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ آزَرَى عَلَيْهِمْ أَوْ آذَاهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ ، وَكَذَا يُكَفَّرُ مَنْ اعْتَرَفَ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ قَالَ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ أَوْ لَيْسَ كَانَ بِمَكَّةَ وَالْحِجَازِ أَوْ لَيْسَ بِقُرَشِيٍّ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ أَنْبِيَاءَهُ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِمْ أَوْ كَذَّبَهُمْ أَوْ أَنْكَرَهُمْ حُكْمُ مِنْ سَبَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَسَاقِ مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ حُقِّقَ كَوْنَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ كَجِبْرِيلَ وَرِضْوَانَ وَالزَّبَانِيَةِ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَثْبُتْ الْأَخْبَارُ بِتَعْيِينِهِ وَلَمْ يُجْمَعْ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ

الْأَنْبِيَاءِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ ، فَلَيْسَ حُكْمُ سَابِّهِمْ وَالْكَافِرُ بِهِمْ كَحُكْمِ مَنْ ذُكِرَ ، إذْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ ، لَكِنْ يُؤَدَّبُ مَنْ تَنَقَّصَهُم .
وَأَمَّا مُنْكِرُ نُبُوَّتِهِمْ أَوْ مِلْكِيَّتِهِمْ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَوَامّ زُجِرَ عَنْ الْخَوْضِ فِيهِ ، وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ الْكَلَامَ فِي مِثْلِ هَذَا ، ثُمَّ قَالَ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ خِصَالِهِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ سَبِّهِ وَالْإِزْرَاءِ عَلَيْهِ أَوْ التَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِ أَوْ الْغَضِّ مِنْهُ وَالْعَيْبِ فَهُوَ سَابٌّ لَهُ ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ السَّابِّ يُقْتَلُ لَا نَسْتَثْنِي فَصْلًا مِنْ فُصُولِ هَذَا الْبَابِ عَلَى هَذَا الْمَقْصِدِ ، وَلَا نَمْتَرِي فِيهِ تَصْرِيحًا كَانَ أَوْ تَلْوِيحًا ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ ، فَمَشْهُورُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي هَذَا كُلِّهِ قَتْلُهُ حَدًّا لَا كُفْرًا وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا تَنْفَعُهُ اسْتِقَالَتُهُ وَفَيْئَتُهُ ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مَعَ إنْكَارِهِ لِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَعَ إظْهَارِ التَّوْبَةِ مِنْهُ وَالْإِقْلَاعِ عَنْهُ .
وَأَمَّا مَنْ سَبَّهُ مُسْتَحِلًّا فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ ، وَكَذَا مَنْ كَانَ سَبَّهُ فِي نَفْسِهِ كُفْرًا كَتَكْذِيبِهِ أَوْ تَكْفِيرِهِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ التَّوْبَةَ وَاعْتَرَفَ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَصَمَّمَ فَهَذَا كَافِرٌ بِقَوْلِهِ وَبِاسْتِحْلَالِهِ هَتْكِ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقْتَلُ كُفْرًا بِلَا خِلَافٍ ، وَالذِّمِّيُّ إذَا صَرَّحَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ اسْتَخَفَّ بِقَدْرِهِ أَوْ وَصْفِهِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ فَلَا خِلَافَ

عِنْدَنَا فِي قَتْلِهِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ ، ثُمَّ قَالَ عِيَاضٌ إنْ كَانَ الْقَائِلُ لِمَا قَالَهُ فِي جِهَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ قَاصِدٍ السَّبِّ وَالِازْدِرَاءَ وَلَا مُعْتَقِدًا لَهُ وَتَكَلَّمَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مِنْ لَعْنِهِ أَوْ سَبِّهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ ، وَظَهَرَ بِدَلِيلِ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَمَّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ سَبَّهُ إمَّا لِجَهَالَةِ حَمْلَتِهِ عَلَى مَا قَالَهُ أَوْ ضَجَرٍ أَوْ سُكْرٍ اضْطَرَّهُ إلَيْهِ أَوْ قِلَّةِ مُرَاقَبَتِهِ وَضَبْطِهِ لِلِسَانِهِ وَعَجْرَفَتِهِ وَتَهَوُّرِهِ فِي كَلَامِهِ ، فَحُكْمُ هَذَا الْوَجْهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ الْقَتْلُ دُونَ تَوْقِيفٍ .
( وَفِي ) قَتْلِ ( مَنْ ) أَيْ الشَّخْصِ الْمُكَلَّفِ الَّذِي قَالَ ( لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( جَوَابًا لِ ) قَوْلِ مَنْ قَالَ لَهُ ( صَلِّ ) عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدُعَائِهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ وَغَيْرُهُ وَعَدَمُ قَتْلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الدُّعَاءَ عَلَى نَفْسِهِ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ قَوْلَانِ فِي الْغَضْبَانِ ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُقْتَلُ بِلَا خِلَافٍ .
عِيَاضٌ إنْ لَفَظَ مِنْ الْكَلَامِ بِمُشْكِلٍ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَهَاهُنَا مَظِنَّةُ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ ، فَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِيمَنْ أَغْضَبَهُ غَرِيمُهُ فَقَالَ صَلِّي عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فَذَا الْخِلَافُ فِي قَتْلِهِ بَيْنَ سَحْنُونٍ وَالْبَرْقِيِّ وَأَصْبَغَ ، وَبَيْنَ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَغَيْرِهِ .
مَوَّاقٌ وَنَصُّ الشِّفَاءِ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي رَجُلٍ أَغْضَبَهُ غَرِيمُهُ فَقَالَ لَهُ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فَقِيلَ لِسَحْنُونٍ

هَلْ هُوَ كَمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ شَتَمَ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : لَا إذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ الْغَضَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُضْمِرًا لِلشَّتْمِ .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْقِيُّ وَأَصْبَغُ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ سَحْنُونٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْذُرْهُ بِالْغَضَبِ فِي شَتْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ كَلَامُهُ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ شَتْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ شَتْمَ الْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا مُقَدِّمَةَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا كَلَامُهُ ، بَلْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ النَّاسُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ لِأَجْلِ قَوْلِ الْآخَرِ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمَلَ قَوْلَهُ وَسَبَّهُ لِمَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْآنَ لِأَجْلِ أَمْرِ الْآخَرِ لَهُ بِهَا عِنْدَ غَضَبِهِ ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِعِلَّةِ صَاحِبَيْهِ .
وَذَهَبَ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إلَى الْقَتْلِ فِي مِثْلِ هَذَا .
( أَوْ ) فِي قَتْلِ مَنْ ( قَالَ الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَالْهَاءِ ( جَوَابًا لِ ) قَوْلِ مَنْ قَالَ لَهُ ( تَتَّهِمُنِي ) وَعَدَمُهُ قَوْلَانِ فَقَدْ أَفْتَى فِيهَا قَاضِي قُرْطُبَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ بِعَدَمِ قَتْلِهِ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَنْصُورٍ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ إخْبَارًا عَمَّنْ اتَّهَمَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ ، وَشَدَّدَ فِي تَصْفِيدِهِ وَإِطَالَةِ سَجْنِهِ ، ثُمَّ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى تَكْذِيبِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ .
عِيَاضٌ اخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ جَعْفَرٍ يُقْتَلُ لِبَشَاعَةِ لَفْظِهِ .
( أَوْ ) قُتِلَ مَنْ ( قَالَ ) جَوَابًا لِمَنْ قَالَ لَهُ نَقَصْتنِي ( جَمِيعُ الْبَشَرِ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ النَّاسِ ( يَلْحَقُهُمْ ) بِفَتْحِ

التَّحْتِيَّةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ( النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) مِنْ اللَّهِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ وَعَدَمُهُ ( قَوْلَانِ ) فَقَدْ أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِطَالَةِ سَجْنِهِ وَإِيجَاعِ أَدَبِهِ ، إذْ لَمْ يَقْصِدْ السَّبَّ ، وَأَفْتَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِقَتْلِهِ .
عِيَاضٌ اسْتَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ شَيْخَنَا أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ مَنْصُورٍ فِيمَنْ تَنَقَّصَهُ آخَرُ بِشَيْءٍ فَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت نَقْصِي بِهِ وَأَنَا بَشَرٌ وَجَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْتَاهُ بِإِطَالَةِ سَجْنِهِ وَإِيجَاعِ أَدَبِهِ ، إذْ لَمْ يَقْصِدْ السَّبَّ ، وَأَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ بِقَتْلِهِ .
الشَّارِحُ وَالْقَوْلُ بِالْقَتْلِ أَظْهَرُ أَفَادَهُ شب .
الْعَدَوِيُّ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَوْلُهُ قَوْلَانِ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ وَحَذْفِهِ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ لِدَلَالَةِ الثَّالِثِ وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ حَقَّهُ إبْدَالُهُ فِي الثَّالِثِ بِتَرَدُّدٍ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ مِرَارًا بِأَنَّهُ قَالَ وَحَيْثُ قُلْت تَرَدُّدٌ وَلَمْ يَقُلْ وَحَيْثُ تَرَدَّدُوا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاسْتُتِيبَ فِي هُزِمَ ، أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ ؛ أَوْ تَنَبَّأَ ، إلَّا أَنْ يُسِرَّ عَلَى الْأَظْهَرِ ،

( وَاسْتُتِيبَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ الْأُولَى الْمُكَلَّفُ ( فِي ) قَوْلِهِ ( هُزِمَ ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ ، فَإِنْ تَابَ فَلَا يُقْتَلُ وَيُشَدَّدُ أَدَبُهُ وَيُطَالُ سَجْنُهُ وَإِلَّا فَيُقْتَلُ .
وَقَالَ رَبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ يُقْتَلُ دُونَ اسْتِتَابَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْمُرَابِطِ وَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ .
الْبِسَاطِيُّ إنْ كَانَ ابْنُ الْمُرَابِطِ قَالَ بِاسْتِتَابَةِ السَّابِّ كَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلِقَوْلِهِ بِالِاسْتِتَابَةِ فِي هُزِمَ وَجْهٌ ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ الْقُرْطُبِيُّ مَنْ قَالَ فَرَّ أَوْ هُزِمَ قُتِلَ وَلَا يُسْتَتَابُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ إنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ ضَخْمًا فَأَنْكَرَ مَا عُلِمَ مِنْ وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ كُفْرٌ بِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ أَضَافَ إلَيْهِ نَقْصًا وَعَيْبًا .
( أَوْ أَعْلَنَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْعِينِ ، أَيْ أَظْهَرَ وَجَهَرَ ( بِتَكْذِيبِهِ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّسَالَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَيُسْتَتَابُ .
طفي أَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ عِيَاضٍ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَقْصِدَ إلَى تَكْذِيبِهِ فِيمَا قَالَهُ أَوْ أَتَى بِهِ ، أَوْ يَنْفِيَ نُبُوَّتَهُ أَوْ رِسَالَتَهُ أَوْ وُجُودَهُ أَوْ يَكْفُرَ بِهِ فَهَذَا كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ وَلَيْسَ بِتَنْقِيصٍ ، وَإِذَا كَانَ عَدَمُ التَّصْدِيقِ بِمَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً كُفْرًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِلتَّكْذِيبِ فَأَحْرَى التَّصْرِيحُ بِهِ ( أَوْ تَنَبَّأَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا مَهْمُوزًا ، أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ فَيُسْتَتَابُ لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ ، وَنُبُوَّةُ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابِقَةٌ ، وَيُنَزَّلُ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَلَيْهِمَا .
عِيَاضٌ لَا خِلَافَ فِي تَكْفِيرِ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ تَنَبَّأَ وَزَعَمَ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ كَالْمُرْتَدِّ .
طفي فَقَوْلُ ابْنِ مَرْزُوقٍ عِنْدِي أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْمَسَائِلُ أَيْ قَوْلُهُ وَاسْتُتِيبَ إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ بَابِ السَّبِّ فَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ إخْرَاجِهَا مِنْ السَّبِّ ظَاهِرٌ فِي هُزِمَ كَمَا بَيَّنَّاهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ الْمُتَنَبِّي فَقَالَ يُسْتَتَابُ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ ( يُسِرَّ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ ، أَيْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ فَيُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ ( عَلَى الْأَظْهَرِ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ لِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ ، فَإِنْ أَتَى تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ .
وَفِي النَّوَادِرِ يُقْتَلُ سَوَاءٌ أَظْهَرَ ذَلِكَ أَمْ لَا .
طفي أَيْ يَقُولُ ذَلِكَ سِرًّا .
عِيَاضٌ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ مُصَرَّحًا بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ أَشْبَهَ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ تَنَبَّأَ ، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ أَعْلَنَ بِهِ ، فَلَوْ أَسَرَّهُ كَانَ حُكْمُهُ كَإِسْرَارِ التَّنَبِّي كَمَا فِي الشِّفَاءِ ، فَلَوْ حَذَفَ أَعْلَنَ لَعَادَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُسِرَّ لَهُمَا ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ اسْتِظْهَارُ ابْنِ رُشْدٍ فِي التَّنَبِّي فَقَطْ .

وَأُدِّبَ اجْتِهَادًا فِي : أَدِّ وَاشْكُ ، لِلنَّبِيِّ أَوْ لَوْ سَبَّنِي مَلَكَ لَسَبَبْتُهُ ، أَوْ يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ ، أَوْ خِنْزِيرٍ ، أَوْ عُيِّرَ بِالْفَقْرِ ، فَقَالَ : تُعَيِّرُنِي بِهِ وَالنَّبِيُّ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ ، أَوْ قَالَ لِغَضْبَانَ : كَأَنَّهُ وَجْهُ مُنْكِرٍ ، أَوْ مَالِكٍ ، أَوْ اسْتَشْهَدَ بِبَعْضِ جَائِزٍ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا : حُجَّةً لَهُ ، أَوْ لِغَيْرِهِ ، أَوْ شَبَّهَ لِنَقْصٍ لَحِقَهُ ، لَا عَلَى التَّأَسِّي ، كَإِنْ كُذِّبْت فَقَدْ كُذِّبُوا ، أَوْ لَعَنَ الْعَرَبَ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ ، وَقَالَ أَرَدْت الظَّالِمِينَ ، وَشَدَّدَ عَلَيْهِ فِي : كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانُ ، وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا ، وَفِي قَبِيحٍ لِأَحَدِ ذُرِّيَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ؛ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ : كَأَنْ انْتَسَبَ لَهُ ، أَوْ احْتَمَلَ قَوْلُهُ ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ ، أَوْ لَفِيفٌ فَعَاقَ عَنْ الْقَتْلِ ؛ أَوْ سَبَّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ ، أَوْ صَحَابِيًّا ؛ وَسَبَّ اللَّهَ كَذَلِكَ ، وَفِي اسْتِتَابَةِ الْمُسْلِمِ : خِلَافٌ : كَمَنْ قَالَ : لَقِيت فِي مَرَضِي ، مَا لَوْ قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ، لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ .

( وَأُدِّبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَدَبًا ( اجْتِهَادًا ) فِي نَوْعِهِ وَقَدْرِهِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَيُؤَدَّبُ ( فِي ) قَوْلِهِ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ مَالًا ظُلْمًا فَقَالَهُ أَشْكُوك لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَدِّ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ ، أَيْ أَعْطِنِي مَا طَلَبْته مِنْك ( وَاشْكِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) الشَّارِحُ وَقَعَ لِعَشَّارٍ طَلَبَ مِنْ شَخْصٍ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ أَشْكُوكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَفْتَى بَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِتَأْدِيبِهِ وَبَعْضُهُمْ بِقَتْلِهِ وَوَافَقَهُ ابْنُ عَتَّابٍ ، سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ عَشَّارٍ قَالَ لِرَجُلٍ اغْرَمْ وَاشْكِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَ الْعَشَّارُ الْقَائِلُ مَا ذُكِرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْأَدَبِ الْمُوجِعِ ، وَبِهَذَا أَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ أَيْضًا .
( وَ ) أُدِّبَ اجْتِهَادًا فِي قَوْلِهِ ( لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ( لَسَبَبْته ) لِإِظْهَارِهِ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِالْمَلَكِ وَلَمْ يُقْتَلْ لِعَدَمِ وُقُوعِ سَبِّهِ الْمَلَكَ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الِانْتِصَارَ لِنَفْسِهِ وَصِيَانَتِهَا مِنْ سَبِّ النَّاسِ ، وَيُؤَدَّبُ مَنْ يَقُولُ يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَقَعُ فِي كَلَامِ السُّفَهَاءِ ، وَإِنْ قَصَدَ دُخُولَ الْأَنْبِيَاءِ ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ ( أَوْ عُيِّرَ ) بِضَمِّ الْعِينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً ( بِالْفَقْرِ فَقَالَ ) لِمَنْ عَيَّرَهُ ( تُعَيِّرُنِي ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْعِينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً ( بِهِ ) أَيْ الْفَقْرِ ( وَالنَّبِيُّ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ ) الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَدْ عَرَّضَ بِذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، أَيْ لِأَنَّ رَعْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَمَ لَمْ يَكُنْ لِفَقْرِهِ بَلْ لِتَدْرِيبِهِ عَلَى سِيَاسَةِ أُمَّتِهِ أَرَى أَنْ

يُؤَدَّبَ ، أَيْ وَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَنْقِيصَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ رَفَعَ نَفْسَهُ وَدَفَعَ الْعَارَ عَنْهَا .
( أَوْ قَالَ ) الْمُكَلَّفُ ( لِغَضْبَانَ كَأَنَّهُ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَشَدِّ النُّونِ ، أَيْ وَجْهِ الْغَضْبَانِ ( وَجْهُ مُنْكَرٍ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ اسْمُ أَحَدِ الْمَلَكَيْنِ السَّائِلَيْنِ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ عَقِبَ دَفْنِهِ ( أَوْ ) وَجْهُ ( مَالِكٍ ) اسْمُ الْمَالِكِ الْمُوَكِّلُ بِالنَّارِ فَيُؤَدَّبُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَمَّ الْمَلَكِ وَإِلَّا فَيُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ ، سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ عَمَّنْ قَالَ لِشَخْصٍ قَبِيحِ الْوَجْهِ كَأَنَّهُ وَجْهُ مُنْكَرٍ وَلِإِنْسَانٍ عَبُوسٍ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ الْغَضْبَانِ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَرَادَ بِهَذَا وَنَكِيرُ أَحَدُ فَتَّانِي الْقَبْرِ وَهُمَا مَلَكَانِ ، فَمَا الَّذِي أَرَادَ أَرَوَعُ دَخَلَ عَلَيْهِ حِينَ رَآهُ مِنْ وَجْهِهِ أَمْ عَافَ النَّظَرَ إلَيْهِ لِدَمَامَةِ خَلْقِهِ ، فَإِنْ كَانَ هَذَا فَهُوَ شَدِيدٌ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى التَّحْقِيرِ وَالتَّهْوِينِ فَهُوَ أَشَدُّ عُقُوبَةً ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِسَبِّ الْمَلَكِ ، وَإِنَّمَا سَبُّ الْمُخَاطَبِ .
وَفِي الْأَدَبِ بِالسَّوْطِ وَالسَّجْنِ نَكَالٌ لِلسُّفَهَاءِ .
وَأَمَّا ذِكْرُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ فَقَدْ جَفَا الَّذِي ذَكَرَهُ عِنْدَمَا أَنْكَرَهُ مِنْ عُبُوس الْآخَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَبِّسُ لَهُ يَدٌ فَيَرْهَبُ بِعِبْسَتِهِ فَيُشْبِهُهُ الْقَائِلَ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ فِي فِعْلِهِ وَلُزُومِهِ فِي ظُلْمِهِ صِفَةَ مَالِكٍ الْمَلَكُ الْمُطِيعُ لِرَبِّهِ فِي فِعْلِهِ فَيَقُولُ كَأَنَّهُ لِلَّهِ يَغْضَبُ غَضَبَ مَالِكٍ فَيَكُونُ أَخَفَّ ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ التَّعَرُّضُ لِمِثْلِ هَذَا ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى عَلَى الْعُبُوسِ بِعِبْسَتِهِ وَاحْتَجَّ بِصِفَةِ مَالِكٍ كَانَ أَشَدَّ وَيُعَاقَبُ الْمُعَاقَبَةَ الشَّدِيدَةَ ، وَلَيْسَ فِي هَذَا ذَمُّ الْمَلَكِ وَلَوْ قَصَدَ ذَمَّهُ لَقُتِلَ شِفَاءً .
( أَوْ اسْتَشْهَدَ ) الْمُكَلَّفُ ( بِبَعْضِ ) شَيْءٍ ( جَائِزٍ عَلَيْهِ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي

الدُّنْيَا ) مِنْ حَيْثُ هُوَ بَشَرٌ عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ اسْتِشْهَادًا ( حُجَّةً لَهُ ) أَيْ الْمُسْتَشْهِدِ ( أَوْ ) حُجَّةً ( لِغَيْرِهِ ) فَيُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ ( أَوْ شَبَّهَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا نَفْسَهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لِ ) دَفْعِ نَقْصٍ عَنْ نَفْسِهِ ( لَحِقَهُ ) أَوْ لِتَخْفِيفِ مُصِيبَةٍ نَالَتْهُ ( لَا عَلَى ) وَجْهِ التَّأَسِّي بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَمْزِ وَكَسْرِ السِّينِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ التَّحْقِيرِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ بِقَصْدِ التَّرْفِيعِ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَنْقِيصًا وَلَا عَيْبًا وَلَا سَبًّا فَيُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ لِعَدَمِ تَوْقِيرِهِ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( كَ ) قَوْلِهِ ( إنْ ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ ( كُذِّبَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( فَقَدْ كُذِّبُوا ) كَذَلِكَ ، أَيْ الرُّسُلَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، أَوْ إنْ أُوذِيت فَقَدْ أُوذُوا أَوْ أَنَا أَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلُهُ فِي الشِّفَاءِ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا وَلَا سَبًّا ، لَكِنَّهُ يَنْزَعُ بِذِكْرِ بَعْضِ أَوْصَافِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَسْتَشْهِدُ بِبَعْضِ أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْجَائِزَةِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ أَوْ الْحُجَّةِ لِنَفْسِهِ أَوْ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِ أَوْ عِنْدَ هَضِيمَةٍ نَالَتْهُ أَوْ غَضَاضَةٍ لَحِقَتْهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ التَّأَسِّي وَطَرِيقِ التَّحْقِيقِ ، بَلْ عَلَى مَقْصِدِ التَّرْفِيعِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَعَدَمِ التَّوْفِيرِ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ قَصْدِ الْهَزْلِ وَالتَّنْدِيرِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ إنْ قِيلَ فِي السُّوءِ فَقَدْ قِيلَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إنْ كُذِّبْت فَقَدْ كُذِّبَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ

وَالسَّلَامُ ، أَوْ إنْ أُوذِيت فَقَدْ أُوذُوا أَوْ أَنَا أَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلُهُ ، أَوْ قَدْ صَبَرْت كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ أَوْ كَصَبْرِ أَيُّوبَ ، أَوْ قَدْ صَبَرَ نَبِيُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِدَاهُ وَحِلْمُ عَلِيٍّ أَكْثَرُ مِمَّا صَبَرْت ، وَكَقَوْلِ الْمُتَنَبِّي : أَنَا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَهَا اللَّهُ غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِ وَنَحْوُهُ مِنْ أَشْعَارِ الْمُتَعَجْرِفِينَ فِي الْقَوْلِ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي الْكَلَامِ ، كَقَوْلِ الْمَعَرِّيِّ : كُنْت مُوسَى وَافَتْهُ بِنْتُ شُعَيْبٍ غَيْرَ أَنْ لَيْسَ فِيكُمَا مِنْ فَقِيرٍ عَلَى أَنَّ آخِرَ الْبَيْتِ شَدِيدٌ وَدَاخِلٌ فِي بَابِ الْإِزْرَاءِ وَالتَّحْقِيرِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَفْضِيلِ حَالِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ ، وَكَقَوْلِهِ : لَوْلَا انْقِطَاعُ الْوَحْيِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ قُلْنَا مُحَمَّدٌ مِنْ أَبِيهِ بَدِيلُ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْفَضْلِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ بِرِسَالَةٍ جِبْرِيلُ وَصَدْرُ الْبَيْتِ الثَّانِي شَدِيدٌ لِتَشْبِيهِهِ غَيْرَ النَّبِيِّ بِهِ وَعَجْزُهُ مُحْتَمِلٌ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ نَقَّصَتْ الْمَمْدُوحَ وَالْآخَرُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْهَا ، وَهَذَا أَشَدُّ وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ : وَإِذَا مَا رُفِعَتْ رَايَاتُهُ صَفَّقَتْ بَيْنَ جَنَاحِي جَبْرَتَيْنِ وَقَوْلُ الْآخَرِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ : فَرَّ مِنْ الْخُلْدِ وَاسْتَجَارَ بِنَا فَصَبَّرَ اللَّهُ قَلْبَ رِضْوَانَ وَكَقَوْلِ حَسَّانَ الْمِصِّيصِيِّ مِنْ شُعَرَاءِ الْأَنْدَلُسِ فِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَعْرُوفِ بِالْمُعْتَمِدِ وَوَزِيرِهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ زَيْدُونَ : كَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَبُو بَكْرِ الرِّضَا وَحَسَّانَ حَسَّانُ وَأَنْتَ مُحَمَّدٌ إلَى أَمْثَالِ هَذَا ، وَإِنَّمَا أَكَثَرْنَا إنْشَادَ هَذِهِ مَعَ اسْتِثْقَالِنَا حِكَايَتَهَا لِتَعْرِيفِ أَمْثِلَتِهَا ، وَلِتَسَاهُلِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي وُلُوجِ هَذَا الْبَابِ الضَّنْكِ وَاسْتِخْفَافِهِمْ فَادِحَ هَذَا الْعِبْءِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ بِعَظِيمِ مَا فِيهِ مِنْ الْوِزْرِ وَكَلَامِهِمْ فِيهِ بِمَا لَيْسَ

لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ( وَيَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) لَا سِيَّمَا الشُّعَرَاءُ وَأَشَدُّهُمْ فِيهِ تَصْرِيحًا وَلِلِسَانِهِ تَسْرِيحًا ابْنُ هَانِئٍ الْأَنْدَلُسِيُّ وَابْنُ سُلَيْمَانَ الْمَعَرِّيُّ ، بَلْ قَدْ خَرَجَ كَثِيرٌ مِنْ كَلَامِهِمَا إلَى حَدِّ الِاسْتِخْفَافِ وَالنَّقْصِ وَصَرِيحِ الْكُفْرِ وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ ، وَغَرَضْنَا الْآنَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْفَصْلِ الَّذِي سُقْنَا أَمْثِلَتَهُ فَإِنَّهَا كُلَّهَا وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ سَبًّا وَلَا أَضَافَتْ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ نَقْصًا غَيْرِ عَجْزِي بَيْتَيْ الْمَعَرِّيِّ وَلَا قَصَدَ قَائِلُهَا إزْرَاءً وَغَضًّا فَمَا وَقَّرَ النُّبُوَّةَ وَلَا عَظَّمَ الرِّسَالَةَ وَلَا عَزَّرَ حُرْمَةَ الِاصْطِفَاءِ ، وَلَا عَزَّرَ حُظْوَةَ الْكَرَامَةِ حَتَّى شَبَّهَ مَنْ شَبَّهَ فِي كَرَامَةٍ نَالَهَا أَوْ مَعَرَّةٍ قَصَدَ الِانْتِفَاءَ مِنْهَا أَوْ ضَرَبَ مَثَلًا لِتَطْيِيبِ مَجْلِسِهِ أَوْ أَغْلَى فِي وَصْفٍ لِتَحْسِينِ كَلَامِهِ بِمَنْ عَظَّمَ اللَّهُ تَعَالَى خَطَرَهُ وَشَرَّفَ قَدْرَهُ ، وَأَلْزَمَ تَوْقِيرَهُ وَبِرَّهُ ، وَنَهَى عَنْ جَهْرِ الْقَوْلِ لَهُ وَرَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُ فَحَقُّ هَذَا إنْ دُرِئَ عَنْهُ الْقَتْلُ الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ وَقُوَّةُ تَعْزِيرِهِ بِحَسَبِ شُنْعَةِ مَقَالِهِ ، وَمُقْتَضَى قُبْحِ مَا نَطَقَ بِهِ وَمَأْلُوفِ عَادَتِهِ لِمِثْلِهِ أَوْ نُدُورِهِ وَلَمْ يَزَلْ الْمُتَقَدِّمُونَ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا مِمَّنْ جَاءَ بِهِ ، وَقَدْ أَنْكَرَ الرَّشِيدُ عَلَى أَبِي نُوَاسٍ قَوْلَهُ : فَإِنْ يَكُ بَاقٍ سِحْرُ فِرْعَوْنَ فِيكُمْ فَإِنَّ عَصَى مُوسَى بِكَفٍّ خَصِيبٍ وَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْخَنَا أَنْتَ مُسْتَهْزِئٌ بِعَصَى مُوسَى وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ عَسْكَرِهِ فِي لَيْلَتِهِ ، وَذَكَرَ الْعُتْبِيُّ إنَّ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَكُفِّرَ بِهِ أَوْ قَارَبَهُ قَوْلُهُ فِي مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ تَشْبِيهُهُ إيَّاهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : تَنَازَعَ الْأَحْمَدَانِ الشَّبَهَ فَاشْتَبَهَا خَلْقًا وَخُلُقًا كَمَا قَدْ الشَّرَّا كَانَ وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلَهُ : كَيْفَ لَا

يُدْنِيكَ مِنْ أَمَلٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ نَفَرِهْ لِأَنَّ حَقَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوجَبِ تَعْظِيمِهِ وَإِنَافَةِ مَنْزِلَتِهِ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَلَا يُضَافَ هُوَ إلَى غَيْرِهِ ، فَالْحُكْمُ فِي هَذَا مَا بَسَّطْنَاهُ فِي طَرِيقِ الْفُتْيَا ، وَعَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ جَاءَتْ فُتْيَا إمَامِ مَذْهَبِنَا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَصْحَابِهِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .
أَبُو الْحَسَنِ فِي شَابٍّ مَعْرُوفٍ بِالْخَيْرِ قَالَ لِرَجُلٍ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ اُسْكُتْ فَإِنَّك أُمِّيٌّ فَقَالَ الشَّابُّ أَلَيْسَ كَانَ النَّبِيُّ أُمِّيًّا فَشَنَّعَ عَلَيْهِ مَقَالَتَهُ وَكَفَّرَهُ النَّاسُ وَأَشْفَقَ الشَّابُّ مِمَّا قَالَ وَأَظْهَرَ النَّدَمَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَمَّا إطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ فِي ضَلَالَتِهِ فَخَطَأٌ ، لَكِنَّهُ مُخْطِئٌ فِي اسْتِشْهَادِهِ بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ إذَا اسْتَغْفَرَ وَتَابَ وَاعْتَرَفَ وَلَجَأَ إلَى ذَلِكَ فَيُتْرَكُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَنْتَهِي إلَى حَدِّ قَتْلِهِ وَمَا طَرِيقُهُ الْأَدَبُ فَطَوْعُ فَاعِلِهِ بِالنَّدَمِ عَلَيْهِ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُ .
أَوْ لَعَنَ الْعَرَبَ أَوْ ) لَعَنَ ( بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ ) أَيْ لَاعِنُ الْعَرَبِ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ ( أَرَدْت الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ ) فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ ، قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْعَرَبَ أَوْ لَعَنَ بَنِي إسْرَائِيلَ ، أَوْ لَعَنَ بَنِي آدَمَ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْأَنْبِيَاءَ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِ الْأَدَبَ بِاجْتِهَادِ السُّلْطَانِ .
عِيَاضٌ قَدْ يُضَيَّقُ الْقَوْلُ فِي مِثْلِ هَذَا لَوْ لَعَنَ بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ أَرَدْت الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ .
( وَشُدِّدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( فِي ) قَوْلِهِ ( كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالدَّالِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ قَافٌ ، أَيْ مَحَلٍّ جَامِعٍ لِبُيُوتٍ سُفْلَى وَعُلْيَا يَسْكُنُهُ الْغُرَبَاءُ وَالتُّجَّارُ لِلتِّجَارَةِ فِيهِ ( قَرْنَانُ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فَنُونَانِ

بَيْنَهُمَا أَلِفٌ ، أَيْ يَقْرُنُ رَجُلًا يَزْنِي بِزَوْجَتِهِ فِي الشِّفَاءِ تَوَقُّفٌ .
أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ فِي قَتْلِهِ وَأَمَرَ بِشَدِّهِ بِالْقُيُودِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ حَتَّى تُسْتَفْهَمَ الْبَيِّنَةُ عَنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِهِ وَمَا يَدُلَّ عَلَى مَقْصَدِهِ ، وَهَلْ أَرَادَ أَصْحَابَ الْفَنَادِقِ الْآنَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَيَكُونُ أَمْرُهُ أَخَفُّ ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ الْعُمُومُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَقَدْ كَانَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مَنْ اكْتَسَبَ الْمَالَ وَدَمُ الْمُسْلِمِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ ، وَمَا تُرَدُّ إلَيْهِ التَّأْوِيلَاتُ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْعَانِ النَّظَرِ فِيهِ .
( وَ ) شَدَّدَ ( فِي ) نِسْبَةِ شَيْءٍ ( قَبِيحٍ ) قَوْلًا أَوْ فِعْلًا ( لِأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ عَلَيْهِ ) الصَّلَاةُ وَ ( السَّلَامُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ ) أَيْ بِنَسَبِهِ فِي الشِّفَاءِ وَقَدْ يُضَيَّقُ الْقَوْلُ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا قَبِيحًا فِي آبَائِهِ أَوْ مِنْ نَسْلِهِ أَوْ مِنْ وَلَدِهِ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ فِي الْمَقَامِ تَقْتَضِي تَخْصِيصَ بَعْضِ آبَائِهِ ، وَإِخْرَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ سَبَّهُ مِنْهُمْ وَرَأَيْت لِأَبِي مُوسَى مِنْ مُنَاسٍ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ إلَّا آدَمَ إنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يُقْتَلْ ، وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ غَازِيٍّ وَفِي قَبِيحٍ لِأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آبَائِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ وَهِيَ الْمُطَابِقَةُ لِكَلَامِ عِيَاضٍ .
ابْنُ غَازِيٍّ سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ فِي آبَائِهِ .
شب هَذَا صَحِيحُ مُسْلِمٍ ، وَإِنْ قَالَ طفي هُوَ أَحَالَهُ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْ وَجْهِهَا ، وَنَظَرَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْأَدَبَ لَا يَخْتَصُّ بِنِسْبَةِ الْقَبِيحِ لِذُرِّيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ مَنْ نَسَبَ الْقَبِيحَ لِغَيْرِهِمْ يُؤَدَّبُ أَيْضًا .
وَأَجَابَ

بِأَنَّ الْقَبِيحَ الَّذِي لَا تُوجِبُ نِسْبَتُهُ لِغَيْرِهِمْ الْأَدَبَ تُوجَبُ نِسْبَتَهُ لَهُمْ الْأَدَبَ .
تت هَذَا يَحْتَاجُ لِنَقْلٍ .
قُلْت لَا يُرَدُّ هَذَا التَّنْظِيرُ ، فَإِنَّ الْمُخْتَصَّ بِهِمْ شِدَّةُ التَّأْدِيبِ لَا أَصْلِهِ وَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشِّفَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَشَبَّهَ فِي تَشْدِيدِ التَّأْدِيبِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ ( انْتَسَبَ ) شَخْصٌ مُكَلَّفٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَسَوَاءٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ ( أَوْ احْتَمَلَ ) كَلَامُهُ الِانْتِسَابَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ قَالَ لِمَنْ قَالَ أَنْتَ شَرِيفٌ مِنْ أَشْرَفِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَاءٌ كَانَ الِانْتِسَابُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَلُبْسِ عِمَامَةٍ خَضْرَاءَ لِعُمُومِ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ ادَّعَى الشَّرَفَ كَاذِبًا ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْهُ مَنْ انْتَسَبَ إلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضْرَبُ ضَرَبًا وَجِيعًا وَيُشْهَرُ وَيُحْبَسُ زَمَنًا طَوِيلًا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ قَوْلِهِ ذَلِكَ كَانَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يُعَظِّمُ مَنْ طَعَنَ النَّاسُ فِي شَرَفِهِ وَيَقُولُ لَعَلَّهُ شَرِيفٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا يُحَدُّ الْمُنْتَسِبُ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ انْتِسَابُهُ قَذْفَ أُمِّهِ بِغَيْرِ أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَذَا ، إنَّمَا قَصَدَ التَّشَرُّفَ وَلِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ مَذْهَبًا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنًا كَمَا هُنَا ، إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَدَّعِي شَرَفَ أَبِيهِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَجْدَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ عِنْدَ النَّاسِ .
تت وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ احْتَمَلَ ، أَيْ كَلَامُ الْمُكَلَّفِ فِي الْأَنْبِيَاءِ أَوْ الْمَلَكِ غَيْرُ السِّبِّ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي التَّأْدِيبِ وَلَا يُقْتَلُ .
( أَوْ شَهِدَ ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الْهَاءِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُكَلَّفِ بِالسَّبِّ ( عَدْلٌ ) وَاحِدٌ

فَقَطْ وَهُوَ مُنْكِرُهُ ( أَوْ ) شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ ( لَفِيفٌ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَفَاءَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ، أَيْ نَاسٌ غَيْرُ عُدُولٍ ( فَعَاقَ ) أَيْ مَنَعَ ( عَنْ الْقَتْلِ ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَدَمَ تَمَامِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ الْعَدْلِ وَعَدَمِ الْعَدَالَةِ فِي اللَّفِيفِ فَيُشَدَّدُ فِي تَأْدِيبِهِ رَدْعًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ مِثْلِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ .
فِي الشِّفَاءِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَتْلِ السَّابِّ فَصْلٌ : هَذَا حُكْمُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ عُدُولٍ لَمْ يَدْفَعْ فِيهِمْ ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ أَوْ لَفِيفٌ مِنْ النَّاسِ ، أَوْ ثَبَتَ قَوْلُهُ ، وَلَكِنْ اُحْتُمِلَ وَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا أَوْ تَابَ عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ فَهَذَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلُ وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ بِقَدْرِ شُهْرَةِ حَالِهِ وَقُوَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَضَعْفِهَا وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ وَضَرُورَةِ حَالِهِ مِنْ التُّهْمَةِ فِي الدِّينِ وَالتَّبَرُّزِ بِالسَّفَهِ وَالْمُجُونِ ، فَمَنْ قَوِيَ أَمْرُهُ أَذَاقَهُ مِنْ شَدِيدِ النَّكَالِ مِنْ التَّضْيِيقِ فِي السِّجْنِ وَالشَّدِّ فِي الْقُيُودِ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي هِيَ مُنْتَهَى طَاقَتِهِ مِمَّا لَا يَمْنَعُهُ الْقِيَامَ لِضَرُورَتِهِ ، وَلَا يُقْعِدُهُ عَنْ صَلَاتِهِ ، وَهَذَا حُكْمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ ، لَكِنْ وُقِفَ عَنْ قَتْلِهِ لِمَعْنَى أَوْجَبَهُ وَتَرَبَّصَ بِهِ لِأَشْكَالٍ وَعَائِقٍ اقْتَضَاهُ أَمْرُهُ وَحَالَاتُ الشِّدَّةِ فِي نُكُولِهِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِهِ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : فِي نُسْخَةِ " غ " أَوْ احْتَمَلَ قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ أَوْ لَفِيفٌ أَوْ عَاقَ عَائِقٌ عَنْ الْقَتْلِ ، قَالَ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ كُلُّهَا فِي الشِّفَاءِ ، وَنَقَلَ نَصَّهُ الْمُتَقَدِّمَ ، ثُمَّ قَالَ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ فَعَاقَ عَنْ الْقَتْلِ بِعِطْفِ عَاقَ بِالْفَاءِ وَإِضْمَارِ فَاعِلِهِ ، أَيْ فَعَاقَ الِاحْتِمَالُ أَوْ كَوْنِ الشَّاهِدِ وَاحِدًا أَوْ لَفِيفًا ، فَهَذِهِ

ثَلَاثُ مَسَائِلَ فَقَطْ .
الثَّانِي : اللَّفِيفُ أَخْلَاطُ النَّاسِ ، وَفِي الصَّحَاحِ مَا اجْتَمَعَ مِنْ النَّاسِ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى يُقَالُ جَاءُوا بِلَفِّهِمْ وَلَفِيفِهِمْ ، أَيْ أَخْلَاطِهِمْ وَ قَوْله تَعَالَى { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } الْإِسْرَاءَ أَيْ مُجْتَمِعِينَ مُخْتَلِطِينَ وَطَعَامٌ لَفِيفٌ إذَا كَانَ مَخْلُوطًا مِنْ جِنْسَيْنِ فَصَاعِدًا وَفُلَانٌ لَفِيفُ فُلَانٍ ، أَيْ صَدِيقُهُ وَبَابٌ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ لَهُ اللَّفِيفُ لِاجْتِمَاعِ حَرْفَيْنِ مُعْتَلَّيْنِ فِي ثُلَاثِيٍّ نَحْوُ ذَوَيْ وَحَيِي .
طفي رَدَّ فِي الْقَامُوسِ ، قَوْلَ الصِّحَاحِ فُلَانٌ لَفِيفُ فُلَانٍ فَقَالَ وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ لَفِيفُهُ صَدِيقُهُ وَهُمْ الصَّوَابُ لَغِيفُهُ بِالْغِينِ .
ا هـ .
وَذَوِي كَرَمْيِ وَرِضَا ذَبَلَ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ .
أَوْ سَبَّ مَنْ ) أَيْ إنْسَانًا ( لَمْ يُجْمَعْ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ ( عَلَى نُبُوَّتِهِ ) كَلُقْمَانَ وَالْخَضِرِ وَمَرْيَمَ وَآسِيَةَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فَيُشَدَّدُ تَأْدِيبُهُ ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى مَلَكِيَّتِهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ .
( أَوْ سَبَّ صَحَابِيًّا ) فَيُبَالَغُ فِي تَأْدِيبِهِ .
عِيَاضٌ سَبُّ آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَنْقِيصِهِمْ حَرَامٌ مَلْعُونٌ فَاعِلُهُ ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي هَذَا الِاجْتِهَادُ وَالْأَدَبُ الْمُوجِعِ .
الْحَطّ الْقُرْطُبِيُّ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ احْتِرَامِ الصَّحَابَةِ وَتَجْرِيمِ سَبِّهِمْ ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ كَانُوا عَلَى كُفْرٍ أَوْ ضَلَالٍ كَافِرٌ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ جَحَدَ مَعْلُومًا مِنْ الشَّرْعِ وَكَذَّبَ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا مَنْ كَفَّرَ أَحَدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ ضَلَّلَهُمْ ، وَهَلْ هُوَ كَالْمُرْتَدِّ فَيُسْتَتَابُ أَوْ الزِّنْدِيقِ فَلَا يُسْتَتَابُ ، وَيُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِيهِ خِلَافٌ .
وَأَمَّا مَنْ سَبَّهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنْ قَذَفَهُمْ حُدَّ حَدُّهُ وَنُكِّلَ تَنْكِيلًا شَدِيدًا وَخُلِّدَ فِي الْحَبْسِ وَالْإِهَانَةِ مَا خَلَا

عَائِشَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " ، فَإِنَّ قَاذِفَهَا يُقْتَلُ لِتَكْذِيبِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .
وَاخْتُلِفَ فِي قَاذِفِ بَقِيَّةِ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِنَّ فَقِيلَ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ آذَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ يُحَدُّ وَيُنَكَّلُ ، وَإِنْ سَبَّهُمْ بِغَيْرِ الْقَذْفِ فَيُجْلَدُ جَلْدًا مُوجِعًا وَيُنَكَّلُ نَكَالًا شَدِيدًا .
ابْنُ حَبِيبٍ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يَمُوتَ ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قُتِلَ مَنْ سَبَّ عَائِشَةَ مُطْلَقًا ، وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ قَذَفَهَا .
وَفِي الْإِكْمَالِ فِي حَدِيث الْإِفْكِ ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي عَائِشَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " قُتِلَ لِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ .
وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهِنَّ وَسَلَّمَ فَالْمَشْهُورُ حَدُّهُ لِلْقَذْفِ وَعِقَابُهُ لِغَيْرِهِ .
وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ : قَتْلَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَسَبُّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْقِيصُهُمْ أَوْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَقَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعِلَ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَنْ آذَاهُ وَآذَى اللَّهَ تَعَالَى ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَجِبُ بِهِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِيهِ الِاجْتِهَادُ بِقَدْرِ قَوْلِهِ وَالْمَقُولِ فِيهِ ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَيْءِ حَقٌّ ، وَمَنْ قَالَ كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ فَيُقْتَلْ .
وَعَنْ سَحْنُونٍ مِثْلُ هَذَا فِيمَنْ قَالَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، قَالَ وَيُنَكَّلُ فِي غَيْرِهِمْ ، وَعَنْهُ يُقْتَلُ فِي الْجَمِيعِ أَيْضًا كَقَوْلِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .
( وَسَبَّ اللَّهَ ) تَعَالَى ( كَذَلِكَ ) أَيْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إيجَابِ الْقَتْلِ ( وَفِي اسْتِتَابَةِ ) السَّابِّ ( الْمُسْلِمِ ) فِي الْأَصْلِ قَبْلَ سَبِّهِ ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَدَمُ اسْتِتَابَتِهِ ، وَعَلَيْهِ

الْأَكْثَرُ ( خِلَافٌ ) عِيَاضٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ شَتَمَ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كُفْرٌ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ .
ابْنُ أَبِي زَيْدٍ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ .
الْجَلَّابُ : مَنْ سَبَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ .
الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالسَّبِّ حَتَّى يُسْتَتَابَ ، وَكَذَا الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ .
شب الرَّاجِحُ الثَّانِي .
وَشَبَّهَ فِي الْخِلَافِ فِي الْقَتْلِ فَقَالَ ( كَ ) قَتْلِ ( مَنْ قَالَ لَقِيت ) بِكَسْرِ الْقَافِ ( فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ) " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَنْهُمَا ( لَمْ اسْتَوْجِبْهُ ) لِنِسْبَتِهِ اللَّهَ تَعَالَى إلَى الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَعَدَمُ قَتْلِهِ مَعَ التَّشْدِيدِ فِي تَأْدِيبِهِ خِلَافٌ بَيْنَ فُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ فِي هَارُونَ بْنِ حَبِيبٍ أَخِي عَبْدِ الْمَلِكِ الْفَقِيهِ ، فَأَفْتَى أَخُوهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ حَسَنِ بْنِ عَاصِمٍ وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْقَاضِي يُطْرَحُ الْقَتْلُ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ رَأَى عَلَيْهِ التَّثْقِيلَ بِالْحَبْسِ وَالشِّدَّةِ فِي الْأَدَبِ .
وَأَفْتَى إبْرَاهِيمُ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ بِقَتْلِهِ الْآنَ .
قَوْلُهُ تَضَمَّنَ تَجْوِيرَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَظَلُّمِهِ مِنْهُ وَالتَّعْوِيضِ فِيهِ كَالتَّصْرِيحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( بَابٌ ) الزِّنَا وَطْءُ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ فَرْجَ آدَمِيٍّ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ تَعَمُّدًا وَإِنْ لِوَاطًا ، أَوْ إتْيَانَ أَجْنَبِيَّةٍ بِدُبْرٍ ، أَوْ إتْيَانَ مَيِّتَةٍ غَيْرِ زَوْجٍ ، أَوْ صَغِيرَةٍ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا ، أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لِوَطْءٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ مَمْلُوكَةٍ تَعْتِقُ ، أَوْ يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهَا ، أَوْ مُحَرَّمَةٍ بِصِهْرٍ مُؤَبَّدٍ أَوْ خَامِسَةٍ ، أَوْ مَرْهُونَةٍ ، أَوْ ذَاتِ مَغْنَمٍ ، أَوْ حَرْبِيَّةٍ أَوْ مَبْتُوتَةٍ وَإِنْ بِعِدَّةٍ ، وَهَلْ وَإِنْ أَبَتَّ فِي مَرَّةٍ ؟ تَأْوِيلَانِ .
أَوْ مُطَلَّقَةٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ ؛ أَوْ مُعْتَقَةٍ بِلَا عَقْدٍ ؛ كَأَنْ يَطَأَهَا مَمْلُوكُهَا أَوْ مَجْنُونٌ ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ ، إلَّا أَنْ يَجْهَلَ الْعَيْنَ ، أَوْ الْحُكْمَ ، إنْ جَهِلَ مِثْلُهُ ، إلَّا الْوَاضِحَ ، لَا مُسَاحَقَةٍ ، وَأُدِّبَ اجْتِهَادًا كَبَهِيمَةٍ وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الذَّبْحِ ، وَالْأَكْلِ وَمَنْ حَرُمَ لِعَارِضٍ ، كَحَائِضٍ ، أَوْ مُشْتَرَكَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لَا تَعْتِقُ أَوْ مُعْتَدَّةٍ أَوْ بِنْتٍ عَلَى أُمٍّ ، لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، أَوْ أُخْتًا عَلَى أُخْتِهَا ، وَهَلْ إلَّا أُخْتَ النَّسَبِ لِتَحْرِيمِهَا بِالْكِتَابِ ؟ تَأْوِيلَانِ ، وَكَأَمَةٍ مُحَلَّلَةٍ ، وَقُوِّمَتْ وَإِنْ أَبَيَا أَوْ مُكْرَهَةٍ أَوْ مَبِيعَةٍ بِغَلَاءٍ وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ كَأَنْ ادَّعَى شِرَاءَ أَمَةٍ ، وَنَكَلَ الْبَائِعُ ، وَحَلَفَ الْوَاطِئُ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُكْرَهَ كَذَلِكَ ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ

بَاب ) فِي بَيَانِ حَدِّ الزِّنَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( الزِّنَا ) أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا ( وَطْءُ ) جِنْسٍ فِي حَدٍّ شَمَلَ الْمَحْدُودَ وَغَيْرَهُ وَخَرَجَ عَنْهُ مُقَدِّمَاتُهُ فَلَيْسَتْ زِنًا ، وَإِضَافَتُهُ إلَى شَخْصٍ ( مُكَلَّفٍ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ، أَيْ مُلْزَمٍ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ .
فَصْلٌ مُخْرِجٌ وَطْءَ غَيْرِهِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَنَائِمٍ وَسَكْرَانَ بِحَلَالٍ ( مُسْلِمٍ ) فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ وَطْءَ مُكَلَّفٍ كَافِرٍ كِتَابِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ ( فَرْجَ ) أَيْ قُبُلَ أَوْ دُبُرَ فَصْلٌ ثَالِثٌ مُخْرِجٌ وَطْءَ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ عُكَنَ أَوْ فَخِذَيْ ( آدَمِيٍّ ) مَنْسُوبٍ لِآدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، لِكَوْنِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَصْلٌ رَابِعٌ مُخْرِجٌ وَطْءَ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ فَرْجَ بَهِيمَةٍ ( لَا مِلْكَ لَهُ ) أَيْ الْوَاطِئِ ( فِيهِ ) أَيْ فَرْجِ الْآدَمِيِّ ، فَصْلٌ خَامِسٌ مُخْرِجٌ وَطْءَ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ فَرْجَ زَوْجَتِهِ أَوْ سُرِّيَّتِهِ ، وَدَخَلَ بِهِ وَطْءُ الْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ ، إذْ الْمُرَادُ بِالْمِلْكِ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ .
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ انْتِفَاءِ الْمِلْكِ ( بِاتِّفَاقٍ ) مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَذْهَبِ وَخَارِجِهِ فَصْلٌ سَادِسٌ مُخْرِجٌ وَطْءَ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ فَرْجَ آدَمِيٍّ لَا مِلْكَ فِيهِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَطْئًا ( تَعَمُّدًا ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً ، أَيْ قَصْدًا فَصْلٌ سَابِعٌ مُخْرِجٌ وَطْءَ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ فَرْجَ آدَمِيٍّ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ نِسْيَانًا أَوْ غَلَطًا وَجَهْلًا بِالْعَيْنِ أَوْ الْحُكْمِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : حَدُّ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِزِنَا الْمَرْأَةِ لِأَنَّ وَطْءَ الْفَرْجِ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيُنْسَبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُشْتَقُّ مِنْهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَصْفٌ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَفَادَهُ الْحَطّ .
الثَّانِي : الْحَطّ حَدُّ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا .
الْبُنَانِيُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الشُّرُوطَ فِي الْفَاعِلِ لَا تَتَنَاوَلُ الْمَفْعُولَ ،

وَقَدْ عَلِمْت خِلَافَهُ فَزِنَاهَا دَاخِلٌ إذْ يَصْدُقُ أَنَّهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطّ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ .
الثَّالِثُ : الْحَطّ حَدُّ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ وَطْءِ الْمُكَلَّفِ صَغِيرَةً لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فِيهِ ، وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الرَّابِعُ : الْحَطّ قَوْلُهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمُرَادُ بِالْمِلْكِ التَّسَلُّطُ الشَّرْعِيُّ أَوْ شِبْهُهُ ا هـ .
فَيَدْخُلُ فِي الْحَدِّ وَطْءُ فَرْجِ الْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى فَرْجِهِ فِي الشَّرْعِ ، وَيَخْرُجُ وَطْءُ الرَّجُلِ أَمَةَ ابْنِهِ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا شُبْهَةَ الْمِلْكِ .
الْخَامِسُ : ابْنُ عَرَفَةَ الزِّنَا الشَّامِلُ لِلِّوَاطِ مَغِيبُ حَشَفَةِ آدَمِيٍّ فِي فَرْجِ آخَرَ دُونَ شُبْهَةِ حِلِّهِ عَمْدًا فَتَخْرُجُ الْمُحَلَّلَةُ وَوَطْءُ الْأَبِ أَمَةَ ابْنِهِ لَا زَوْجَتَهُ .
السَّادِسُ : دَخَلَ فِي الْحَدِّ إدْخَالُ امْرَأَةٍ ذَكَرَ نَائِمٍ فِي قُبُلِهَا فَتُحَدُّ عِنْدَنَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُحَدُّ أَفَادَهُ الْحَطّ ، وَهَذَا يَرُدُّ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِيمَنْ مَكَّنَتْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا .
السَّابِعُ : خَرَجَ بِقَوْلِهِ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ وَطْءُ الزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ فِي دُبْرِهِمَا فَلَيْسَ زِنًا فَلَا يُحَدُّ فِيهِ لِلْقَوْلِ بِإِبَاحَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا وَيَجِبُ أَدَبُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ أَفَادَهُ الْحَطّ .
إنْ كَانَ الْوَطْءُ فِي قُبُلِ حَيَّةٍ بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( لِوَاطًا ) فِي دُبُرِ ذَكَرٍ وَلَوْ مَمْلُوكًا لِوَاطِئِهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ صَغِيرًا مُطِيقًا فَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَدِّ الْفَاعِلِ بُلُوغُ الْمَفْعُولِ فِيهِ ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي حَدِّ الْمَفْعُولِ فِيهِ تَكْلِيفُ الْفَاعِلِ فِيهِ ، وَقَصَدَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمُبَالَغَةِ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ الْمُوهِمِ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ مِثْلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَنْهُمَا لَا حَدَّ فِي اللِّوَاطِ ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَدَبُ .

وَقَالَ الْمِسْنَاوِيُّ الْأَوْلَى حَذْفُ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ فِي حَدِّ اللِّوَاطِ الَّذِي هُوَ الرَّجْمُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا يَأْتِي ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا مُبَالَغَةٌ فِيمَا قَبْلَ قَوْلِهِ مُسْلِمٌ بَعِيدٌ .
( أَوْ ) كَانَ الْوَطْءُ ( إتْيَانَ ) امْرَأَةٍ ( أَجْنَبِيَّةٍ ) أَيْ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَلَا أَمَتِهِ ( بِدُبُرٍ ) فَإِنَّهُ زِنًا عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ لِوَاطٌ ( أَوْ ) إتْيَانَ ( مَيِّتَةٍ غَيْرِ زَوْجٍ ) أَيْ وَغَيْرِ أَمَةٍ لِوَاطِئِهَا فَلَا يُحَدُّ مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَإِنْ حَرُمَ نَعَمْ يُؤَدَّبُ ( أَوْ ) إتْيَانَ ( صَغِيرَةٍ ) أَجْنَبِيَّةٍ ( يُمْكِنُ وَطْؤُهَا ) عَادَةً فِي قُبُلِهَا أَوْ دُبُرِهَا لِوَاطِئِهَا وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ لِغَيْرِهِ فَيُحَدُّ ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لَهُ فَلَا يُحَدُّ إذَا وَطِئَهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ زَنَى بِصَغِيرَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إنْ كَانَ مِثْلُهَا يُوطَأُ ، وَإِذَا عَنَّفَ عَلَى صَغِيرَةٍ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَلَا يُحَدُّ .
وَفِي مُدَوَّنَةِ أَشْهَبَ لَا يُحَدُّ إذَا زَنَى بِصَغِيرَةٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَلِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا حَتَّى يَتَزَوَّجَ مَنْ تُطِيقُ الْوَطْءَ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُحَدُّ وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ خَمْسٍ قُلْت وَهُوَ أَظْهَرُ .
( أَوْ ) إتْيَانَ امْرَأَةٍ ( مُسْتَأْجَرَةٍ لِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَخِدْمَةٍ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً فَيُحَدُّ وَاطِئُهَا .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَاطِئُ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْوَطْءِ أَوْ غَيْرِهِ يُحَدُّ ، وَفِيهَا مَنْ وَطِئَ جَارِيَةً عِنْدَهُ رَهْنًا أَوْ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً أَوْ بِإِجَارَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ( أَوْ ) إتْيَانَ ( مَمْلُوكَةٍ ) لِوَاطِئِهَا ( تَعْتِقُ ) عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهَا كَأُمِّهِ ، وَإِنْ عَلَتْ ، وَبِنْتِهِ وَإِنْ سَفْلَتَ وَأُخْتِهِ مُطْلَقًا أَوْ أَمَةً عَلَّقَ عِتْقَهَا عَلَى شِرَائِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا رَأَى تَوَقُّفَ الْعِتْقِ عَلَى الْحُكْمِ بِهِ أَوْ مُقَلِّدًا لِمَنْ رَأَى ذَلِكَ فَلَا يُحَدُّ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ

.
الْمُصَنِّفُ اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِذَلِكَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ مَرْزُوقٍ ، سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ كُلُّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِمِلْكِ يَمِينٍ مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالنَّسَبِ وَلَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ كَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ فَلَا يُحَدُّ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهُنَّ إلَّا أَنْ تَحْمِلَ فَيَلْحَقَهُ الْوَلَدُ وَيُعَجِّلَ الْعِتْقَ ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحُرْمَتِهِنَّ فَيُعَاقَبُ وَكُلُّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالْمِلْكِ مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالنَّسَبِ وَتَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ كَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ عَامِدًا عَالِمًا فَيُحَدُّ ، وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِالْجَهَالَةِ فَلَا يُحَدُّ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا لَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِي تَعْجِيلِ عِتْقِ مَنْ حَمَلَتْ مِنْهُ مِنْهُنَّ ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ يَسْتَخْدِمُهُنَّ وَلَا يَعْتِقْنَ عَلَيْهِ وَقَعَ هَذَا فِي سَمَاعِ عِيسَى مَرَّةً .
( أَوْ ) إتْيَانَ امْرَأَةٍ اشْتَرَاهَا ( يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهَا ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيُحَدُّ لِأَنَّهُ وَطِئَ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا أَمَةً لَهُ ( أَوْ ) إتْيَانَ امْرَأَةٍ ( مُحَرَّمَةٍ ) بِضَمٍّ فَفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا عَلَيْهِ ( بِصِهْرٍ ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ ، أَيْ قَرَابَةِ زَوْجَةٍ كَابْنَةِ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَأُمِّهَا مُطْلَقًا فَيُحَدُّ ، هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي النِّكَاحِ الثَّالِثِ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْحَدِّ وَأَطْلَقَ ، وَفَصَّلَ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ الْقَذْفِ فَقَالَ وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ أُمَّ امْرَأَتِهِ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْبِنْتِ حُدَّ وَإِلَّا فَلَا يُحَدُّ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي عَقْدِ الْبِنْتِ هَلْ يُحَرِّمُ أُمَّهَا أَمْ لَا ، وَأَطْلَقَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَالْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إطْلَاقُهُمْ خِلَافَ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ .

( أَوْ إتْيَانَ ) زَوْجَةٍ ( خَامِسَةٍ ) لِمَنْ فِي عِصْمَتِهِ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا فَيُحَدُّ .
اللَّخْمِيُّ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُتَزَوِّجِ الْخَامِسَةِ وَالْمَبْتُوتَةِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا يُحَدُّ .
وَقَالَ فِي مُتَزَوِّجِ الْمُعْتَدَّةِ كَذَلِكَ لَا يُحَدُّ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُنَّ أَوْ إتْيَانَ أَمَةٍ ( مَرْهُونَةٍ ) مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِلَا إذْنِ رَاهِنِهَا فَيُحَدُّ فَأَحْرَى الْمُودَعَةُ وَالْمُعَارَةُ لِعَدَمِ شُبْهَتِهِ فِيهِمَا وَلَا يُحَدُّ رَاهِنُهَا إنْ وَطِئَهَا لِأَنَّهَا مِلْكُهُ ( أَوْ ) إتْيَانَ أَمَةٍ ( ذَاتِ مَغْنَمٍ ) مِنْ أَحَدِ الْجَيْشِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيُحَدُّ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ أَذِنَ لَهُ الْأَمِيرُ أَمْ لَا .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا نَصِيبًا .
وَقَالَ أَيْضًا يُحَدُّ إنْ عَظُمَ الْجَيْشُ وَإِلَّا فَلَا يُحَدُّ .
ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَكَمْ تِلْكَ الْحِصَّةُ لَمَّا قِيلَ لَهُ أَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حِصَّةٌ ا هـ شب .
( أَوْ إتْيَانَ ) امْرَأَةٍ ( حَرْبِيَّةٍ ) بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِهَا بَلَدِنَا بِأَمَانٍ فَيُحَدُّ ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا لِبَلَدِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَتَاهَا فَلَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ سَبَاهَا وَمَلَكَهَا ، فِيهَا إنْ دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَزَنَى فِيهَا بِحَرْبِيَّةٍ حُدَّ ، وَانْظُرْ الْحَاشِيَةَ ( أَوْ إتْيَانَ مَبْتُوتَةٍ ) مِنْهُ ( قَبْلَ ) تَزَوُّجِهَا بِ ( زَوْجٍ ) غَيْرِهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فَيُحَدُّ .
( وَهَلْ ) يُحَدُّ إنْ أَبَتَّهَا فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ ، بَلْ ( وَإِنْ أَبَتَّ ) هَا أَيْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ( فِي مَرَّةٍ ) وَاحِدَةٍ بِأَنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَوْ ثَلَاثًا لِضَعْفِ الْقَوْلِ بِلُزُومِهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً جِدًّا : وَلَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ جَاءَ مُعْتَبَرًا إلَّا خِلَافٍ لَهُ حَظٌّ مِنْ النَّظَرِ وَإِنَّمَا يُحَدُّ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ أَبَتَّهَا فِي مَرَّةٍ فَلَا يُحَدُّ

وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَهَا مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ، فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) فِيهَا مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ امْرَأَةً طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَلْبَتَّةَ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ شَيْئًا مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ عَلَيْهِ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهَا سَوَاءٌ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي مَرَّةٍ أَوْ مُفْتَرِقَاتٍ ، وَقَالَ أَصْبَغُ مَنْ نَكَحَ مَبْتُوتَةً عَالِمًا فَلَا يُحَدُّ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا ، بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا .
( أَوْ ) إتْيَانَ امْرَأَةٍ ( مُطَلَّقَةٍ ) مِنْهُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ ( قَبْلَ الْبِنَاءِ ) مِنْهُ بِهَا فَيُحَدُّ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ( أَوْ ) إتْيَانَ أَمَةٍ ( مُعْتَقَةٍ ) بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْهُ ( بِلَا عَقْدٍ ) لِنِكَاحِهَا فَيُحَدُّ رَاجِعٌ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَيْضًا .
فِيهَا مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ طَلْقَةً ثُمَّ وَطِئَهَا ، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ لَا يُبْرِئُهَا مِنِّي إلَّا الثَّلَاثُ فَلَا يُحَدُّ إنْ عُذِرَ بِالْجَهَالَةِ .
مُحَمَّدٌ مَنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَصَابَهَا فِي اسْتِبْرَائِهَا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُحَدُّ .
مَوَّاقٌ وَانْظُرْ الْحَاشِيَةَ .
وَشَبَّهَ فِي إيجَابِ الْحَدِّ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ ( يَطَأَهَا ) أَيْ الْمَرْأَةَ ( مَمْلُوكُهَا ) فَيُحَدَّانِ اتِّفَاقًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ بَالِغًا وَلَمْ يَعْقِدَا نِكَاحًا إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُمَا فَإِنْ كَانَا عَقَدَاهُ فَلَا يُحَدَّانِ لِأَنَّهَا شُبْهَةٌ ، وَإِنْ فَسَدَ وقَوْله تَعَالَى { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } النِّسَاءَ ، فِي خُصُوصِ الرِّجَالِ إذَا مَلَكُوا الْإِمَاءَ .
وَفِي النَّوَادِرِ رُفِعَ لِعُمَرَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " امْرَأَةٌ اتَّخَذَتْ غُلَامَهَا لِوَطْئِهَا فَأَرَادَ رَجْمَهَا فَقَالَتْ قَرَأْت { أَوْ مَا مَلَكَتْ

أَيْمَانُكُمْ } النِّسَاءَ ، فَقَالَ تَأَوَّلْتِ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ وَتَرَكَهَا وَجَزَّ رَأْسَ الْغُلَامِ وَغَرَّبَهُ ، أَفَادَهُ شب .
( أَوْ ) مَكَّنَتْ امْرَأَةٌ ( عَاقِلَةٌ ) رَجُلًا ( مَجْنُونًا ) مِنْ نَفْسِهَا فَأَصَابَهَا ، فَتُحَدُّ ، وَإِنْ وَطِئَ عَاقِلٌ مَجْنُونَةً أَجْنَبِيَّةً فَيُحَدُّ فَقَطْ فِيهَا مَنْ زَنَتْ بِمَجْنُونٍ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ .
اللَّخْمِيُّ إنْ زَنَى مَجْنُونٌ بِعَاقِلَةٍ أَوْ عَاقِلٌ بِمَجْنُونَةٍ حُدَّ الْعَاقِلُ مِنْهُمَا ، وَعُوقِبَ الْمَجْنُونُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا وَكَانَ بِحَالَةٍ يَرُدُّهُ الزَّجْرُ وَالْأَدَبُ .
( بِخِلَافِ ) وَطْءِ الذَّكَرِ ( الصَّغِيرِ ) امْرَأَةً مُكَلَّفَةً فَلَا يُوجِبُ حَدَّهَا ، وَاسْتَثْنَى مِنْ جَمِيعِ مَسَائِلِ إيجَابِ الْحَدِّ السَّابِقَةِ فَقَالَ ( إلَّا أَنْ يَجْهَلَ ) الْوَاطِئُ الْمُكَلَّفُ فِي جَمِيعِهَا ( الْعَيْنَ ) أَيْ الْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَةَ بِأَنْ وَجَدَ امْرَأَةً نَائِمَةً فِي مَنْزِلِهِ فَظَنَّهَا حَلِيلَتَهُ فَعَلَاهَا فَلَا يُحَدُّ لِعُذْرِهِ بِالْجَهْلِ ( أَوْ ) يَجْهَلُ ( الْحُكْمَ ) مَعَ عِلْمِهِ عَيْنَ الْمَوْطُوءَةِ فَلَا يُحَدُّ ( بِأَنْ جَهِلَ مِثْلُهُ ) ذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ الْجَهْلِ فَقَالَ ( إلَّا ) الزِّنَا ( الْوَاضِحَ ) الَّذِي لَا يُجْهَلُ مِثْلُهُ غَالِبًا فَيُحَدُّ ، وَلَا يُعْذَرُ بِهِ كَكَوْنِ حَلِيلَتِهِ نَحِيفَةً وَوَطِئَ سَمِينَةً أَوْ عَكْسَهُ أَوْ بَيْضَاءَ وَوَطِئَ سَوْدَاءَ أَوْ عَكْسَهُ فِي نُورٍ ، وَعَطَفَ عَلَى وَطْءٍ مِنْ قَوْلِهِ الزِّنَا وَطْءُ مُكَلَّفٍ بِلَا فَقَالَ ( لَا مُسَاحَقَةٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مُحَاكَّةِ امْرَأَةٍ امْرَأَةً أُخْرَى حَتَّى يُنْزِلَا فَلَيْسَتْ زِنًا إذْ لَيْسَ فِيهَا إدْخَالُ حَشَفَةٍ فِي فَرْجٍ ( وَأُدِّبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا فَاعِلُ الْمُسَاحَقَةِ ( اجْتِهَادًا ) مِنْ الْإِمَامِ فِي نَوْعِ الْمُؤَدِّبَةِ وَقَدْرِهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِ عُقُوبَةِ المتساحقتين أَدَبًا بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ عَلَى مَا يَرَى مِنْ شُنْعَةِ ذَلِكَ وَخُبْثِهِمَا أَوْ بِخَمْسِينَ خَمْسِينَ وَنَحْوُهَا سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الشَّيْخِ عَنْ

أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَعَنْهُ وَنَقَلَهُ الْبَاجِيَّ بِدُونِ وَنَحْوُهَا .
وَشَبَّهَ فِي إيجَابِ التَّأْدِيبِ فَقَالَ ( كَ ) وَطْءِ ( بَهِيمَةٍ ) مِنْ النَّعَمِ أَوْ غَيْرِهَا فَيُوجِبُ التَّأْدِيبَ اجْتِهَادًا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا لَا يُحَدُّ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً وَيُعَاقَبُ .
اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ يُحَدُّ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ( وَهِيَ ) أَيْ الْبَهِيمَةُ الَّتِي وَطِئَهَا مُكَلَّفٌ ( كَغَيْرِهَا ) الَّذِي لَمْ يُوطَأْ ( فِي ) إبَاحَةِ ( الذَّبْحِ ) لَهَا ( وَالْأَكْلِ ) لِلَحْمِهَا الطُّرْطُوشِيُّ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا تُقْتَلُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ أُكِلَتْ ( وَلَا ) يُحَدُّ وَاطِئُ ( مَنْ ) أَيْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ ( حَرُمَ ) عَلَيْهِ وَطْؤُهَا ( لِعَارِضٍ كَحَيْضٍ ) وَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ وَصِيَامٍ وَظِهَارٍ وَإِيلَاءٍ وَيُؤَدَّبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ زَانِيًا ( أَوْ ) وَاطِئُ أَمَةٍ ( مُشْتَرَكَةٍ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَيُؤَدَّبُ لِلْحُرْمَةِ ( أَوْ ) وَاطِئُ أَمَةٍ ( مَمْلُوكَةٍ ) لَهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا لِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ ( لَا تَعْتِقُ ) عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهَا كَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ وَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ فَلَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَيُؤَدَّبُ لِلْحُرْمَةِ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ ، وَيُنَجَّزُ عِتْقُهَا وَتُبَاعُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَحْمِلْ خَشْيَةَ عَوْدِهِ لِوَطْئِهَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ .
( وَ ) وَاطِئُ أَمَةٍ أَوْ ( مُعْتَدَّةٍ ) مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتِ زَوْجِهَا فَلَا يُحَدُّ وَيُؤَدَّبُ وَكَذَا مُتَزَوِّجُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ( أَوْ ) وَاطِئُ ( بِنْتٍ ) لِزَوْجَتِهِ بِنِكَاحٍ ( عَلَى أُمٍّ ) لَهَا عَقَدَ عَلَيْهَا وَ ( لَمْ يَدْخُلْ ) وَاطِئُ الْبِنْتِ ( بِهَا ) أَيْ الْأُمِّ فَلَا يُحَدُّ ، وَإِنْ كَانَ عَقْدُهُ عَلَى الْبِنْتِ وَأُمُّهَا فِي عِصْمَتِهِ مُحَرَّمًا مَفْسُوخًا نَعَمْ يُؤَدَّبُ ( أَوْ ) وَاطِئُ ( أُخْتٍ ) بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ ( عَلَى أُخْتِهَا ) كَذَلِكَ فَلَا يُحَدُّ

وَيُؤَدَّبُ .
( وَهَلْ ) لَا يُحَدُّ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الْأُخُوَّةِ بِرَضَاعٍ ، وَهَذَا لِأَصْبَغَ وَالتُّونُسِيِّ ( أَوْ ) لَا يُحَدُّ ( إلَّا ) إذَا وَطِيءَ ( أُخْتَ النَّسَبِ ) فَيُحَدُّ ( لِتَحْرِيمِهَا ) أَيْ أُخْتِ النَّسَبِ ( بِالْكِتَابِ ) أَيْ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ ، وَأَمَّا أُخْتُ الرَّضَاعِ فَحُرِّمَتْ بِالْحَدِيثِ ، وَهَذَا لِبَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ لَيْسَ مَا حَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ كَمَا حَرَّمَهُ الْقُرْآنُ وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا عَالِمًا بِالنَّهْيِ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالسُّنَّةِ بِخِلَافِ مَنْ جَمَعَ امْرَأَةً وَأُخْتَهَا فَيُحَدُّ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْقُرْآنِ .
وَاعْتَرَضَ ابْنُ مَرْزُوقٍ ذِكْرَ التَّأْوِيلَيْنِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ عَلَى جَمْعِ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ الْحَدِّ لَا وُجُوبًا وَلَا سُقُوطًا ، فَمَا الَّذِي أُوِّلَ وَنَحْوُهُ لِلْمَوَّاقِ .
طفي وَهُوَ اعْتِرَاضٌ صَحِيحٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَوْضِيحِهِ ، إذْ لَمْ يُنْسَبْ فِيهِ ذَلِكَ لَهَا .
( أَوْ كَ ) وَاطِئٍ ( أَمَةً مُحَلَّلَةً ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ ، أَيْ مُعَارَةٍ لَهُ لِوَطْئِهَا مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبِهِ وَأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا فَلَا يُحَدُّ لِمُرَاعَاةِ قَوْلِ عَطَاءٍ بِإِبَاحَتِهَا وَوَلَدُهَا حُرٌّ لَاحِقٌ بِهِ لِذَلِكَ ( وَقُوِّمَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( عَلَيْهِ ) أَيْ وَاطِئِهَا سَوَاءٌ حَمَلَتْ أَمْ لَا لِتَتِمَّ لَهُ الشُّبْهَةُ وَتَنْتَفِي الْإِعَارَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ إنْ رَضِيَا بِتَقْوِيمِهَا عَلَيْهِ ، بَلْ ( وَإِنْ أَبَيَا ) أَيْ امْتَنَعَ سَيِّدُ الْأَمَةِ وَوَاطِئُهَا مِنْهُ إذْ يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِهِ تَمَامُ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهَا حَالَّةً إنْ كَانَ مَلِيًّا وَإِلَّا بِيعَتْ عَلَيْهِ .
فِيهَا إنْ لَمْ تَحْمِلْ فَإِنْ زَادَ ثَمَنُهَا عَلَى قِيمَتِهَا فَالزَّائِدَةُ لَهُ ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْهَا اُتُّبِعَ بِالنَّقْصِ ، وَإِنْ حَمَلَتْ

فَلَا تُبَاعُ وَيُتَّبَعُ بِقِيمَتِهَا فِي ذِمَّتِهِ .
أَبُو عِمْرَانَ إنْ أَفْلَسَ وَاطِئُهَا قَبْلَ دَفْعِ قِيمَتِهَا فَرَبُّهَا أَحَقُّ بِهَا وَتُبَاعُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَعُودَ لِتَحْلِيلِهَا ، وَإِنْ مَاتَ وَاطِئُهَا قَبْلَهُ فَرَبُّهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهَا كُلُّ مَنْ أُحِلَّتْ لَهُ جَارِيَةٌ أَحَلَّهَا لَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ أَوْ امْرَأَتُهُ رُدَّتْ إلَى سَيِّدِهَا إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَنْ أُحِلَّتْ لَهُ فَلَا يُحَدُّ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ وَلَيْسَ لِرَبِّهَا التَّمَسُّكُ بِهَا بِخِلَافِ وَطْءِ الشَّرِيكِ ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا وَحَمَلَتْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ بِيعَتْ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الْفَضْلُ عَنْ الْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ .
الصِّقِلِّيُّ الْأَبْهَرِيُّ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ حُدَّ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ زَانٍ ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ { عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رُفِعَ لَهُ رَجُلٌ وَطِئَ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ جَلَدْته ، وَإِنْ لَمْ تَحِلَّهَا لَهُ رَجَمْته فَوَجَدَهَا أَحَلَّتْهَا لَهُ فَجَلَدَهُ مِائَةً } نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .
( أَوْ ) وُطِئَتْ امْرَأَةٌ حَالَ كَوْنِهَا ( مُكْرَهَةً ) بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى وَطْئِهَا بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ فَلَا تُحَدُّ ، وَيُحَدُّ الزَّانِي بِهَا إنْ كَانَ طَائِعًا وَإِلَّا فَفِي حَدِّهِ خِلَافٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُكْرَهَةُ عَلَى التَّمْكِينِ لَا تُحَدُّ ( أَوْ ) وُطِئَتْ حُرَّةٌ حَالَ كَوْنِهَا ( مَبِيعَةً ) مِنْ زَوْجِهَا لِغَيْرِهِ ( بِ ) سَبَبِ ( الْغَلَاءِ ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودًا فَلَا تُحَدُّ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ وَزَوْجُهَا مَعْذُورَانِ .
ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ جَاعَ فَبَاعَ امْرَأَتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَأَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ فَوَطِئَهَا مُشْتَرِيهَا ثُمَّ عَثَرَ عَلَى ذَلِكَ وَجَدْت فِي مَسَائِلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا

عَنْ ، إمَامِنَا مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَهُوَ رَأْيِي أَنَّهُمَا يُعْذَرَانِ وَتَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِثَمَنِهَا .
قُلْت فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِمَا جُوعٌ قَالَ فَحَرِيٌّ أَنْ تُحَدَّ وَيُنَكَّلُ زَوْجُهَا ، وَلَكِنَّ دَرْءَ حَدِّهَا أَحَبُّ إلَيَّ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الرَّجُلِ يَسْرِقُ مِنْ جُوعٍ أَصَابَهُ إنَّهُ لَا يُقْطَعُ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا شُبْهَةَ أَقْوَى مِنْ الْجُوعِ .
قَوْلُهُ وَيَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ وَقِيلَ تَبِينُ مِنْهُ بِالْبَتَّةِ قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ .
قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمَا جُوعٌ أَحَبُّ إلَيَّ دَرْءُ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ ، وَجْهُهَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَمَلَّكَهَا بِشِرَائِهِ مِلْكَ الْأَمَةِ فَيَكُونُ فِي وَطْئِهَا كَالْمُكْرِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ طَائِعَةً ، إذْ لَوْ امْتَنَعَتْ لَقَدَرَ عَلَى إكْرَاهِهَا ، قُلْت كَوْنُ أَصْلِ فِعْلِهَا فِي الْبَيْعِ الطَّوْعَ يَنْفِي كَوْنَهَا مُكْرَهَةً .
ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ زَوَّجَ بِنْتَهُ رَجُلًا ثُمَّ حَبَسَهَا وَأَرْسَلَ إلَيْهِ أَمَتَهُ فَوَطِئَهَا فَتُحَدُّ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ أَنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّهَا زُوِّجَتْ مِنْهُ تُحَدُّ إنْ طَاعَتْ لِزَوْجِهَا بِبَيْعِهَا فَوَطِئَهَا مُشْتَرِيهَا إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ أَنَّهَا تُرْجَمُ إنْ أَطَاعَتْهُ فِي الْبَيْعِ وَأَقَرَّتْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَصَابَهَا طَائِعَةً ، وَإِنْ زَعَمَتْ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا فَلَا تُحَدُّ .
( وَالْأَظْهَرُ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُحَدُّ وَاطِئُ أَمَةٍ .
طفي فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ مَبِيعَةٍ بِغَلَاءٍ عَلَى الْأَظْهَرِ وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّ اخْتِيَارَ ابْنِ رُشْدٍ فِيهَا لَا فِيمَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الْمَبِيعَةَ بِغَلَاءٍ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي سَمَاعِ عِيسَى ، وَعَلَيْهَا

تَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ .
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ شِرَاءِ الْأَمَةِ فَمَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَعَزْوُ تت تَبَعًا لِلشَّارِحِ فِيهِ نَظَرٌ .
الْبُنَانِيُّ اعْتَرَضَ " ق " قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَظْهَرُ إلَخْ بِأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فَكَيْفَ يَعْزُوهُ لِابْنِ رُشْدٍ فَالصَّوَابُ نُسْخَةُ عَلَى الْأَظْهَرِ ، لِأَنَّ اخْتِيَارَ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَبِيعَةِ بِغَلَاءٍ لَا فِي شِرَاءِ الْأَمَةِ .
( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ فِي عَدَمِ الْحَدِّ صِلَتُهُ ( ادَّعَى ) الْوَاطِئُ ( شِرَاءَ أَمَةٍ ) مَوْطُوءَةٍ لَهُ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ بَيْعَهَا لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْوَاطِئِ عَلَى الشِّرَاءِ ( وَ ) طَلَبَ مِنْ الْبَائِعِ يَمِينًا عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ فَ ( نَكَلَ الْبَائِعُ ) عَنْ الْيَمِينِ ( وَ ) رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ فَ ( حَلَفَ الْوَاطِئُ ) أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ فَلَا يُحَدُّ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ وَطِئَ أَمَتَهُ .
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَدُّ الْوَاطِئِ إنْ حَلَفَ الْبَائِعُ أَوْ نَكَلَ الْوَاطِئُ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ فِيهِمَا ، فِيهَا مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ رَجُلٍ وَادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ سَيِّدُهَا فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ حُدَّ ، فَإِنْ طَلَبَ الْوَاطِئُ يَمِينَ السَّيِّدِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهَا لَهُ احْتَلَفْتُهُ لَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْوَاطِئُ وَقُضِيَ لَهُ بِهَا وَدُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ .
وَالْمُخْتَارُ ) لِلَّخْمِيِّ مِنْ الْخِلَافِ ( أَنَّ ) الرَّجُلَ ( الْمُكْرَهَ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى وَطْءِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ ، وَخَبَرُ أَنَّ الْمُكْرَهَ ( كَذَلِكَ ) أَيْ الْمَذْكُورَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي عَدَمِ حَدِّهِ ( وَالْأَكْثَرُ ) مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ( عَلَى خِلَافِهِ ) أَيْ كَوْنِ الْمُكْرَهِ كَذَلِكَ وَهُوَ حَدُّهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا .
ابْنُ الْعَرَبِيِّ لَا يُحَدُّ ، بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُحَدُّ ابْنُ الْقَصَّارِ إنْ انْتَشَرَ قَضِيبُهُ حِينَ إيلَاجِهِ يُحَدُّ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ ،

وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ فَلَا يُحَدُّ .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الرَّجُلِ الْمُكْرَهِ عَلَى الزِّنَا وَالِاحْتِجَاجُ عَلَى حَدِّهِ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَصِحُّ مَعَ إنْعَاظِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ ، قَدْ يُرِيدُ الرَّجُلُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَيَكُفُّ عَنْهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنْ أَكْرَهَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهَا فَلَا يُحَدُّ وَيَغْرَمُ لَهَا مَهْرَهَا .
قُلْت وَيَرْجِعُ هُوَ بِهِ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ .
أَبُو عُمَرَ فِي كَافِيهِ لَا يُحَدُّ الْمُكْرَهُ .
وَقِيلَ يُحَدُّ وَ الْأَوَّلُ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ إذَا صَحَّ الْإِكْرَاهُ .

وَيَثْبُتُ بِإِقْرَارٍ مَرَّةً ، إلَّا أَنْ يَرْجِعَ مُطْلَقًا ، أَوْ يَهْرُبَ ، وَإِنْ فِي الْحَدِّ ، وَبِالْبَيِّنَةِ ، فَلَا يَسْقُطُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِبَكَارَتِهَا

( وَثَبَتَ ) الزِّنَا عَلَى الْمُكَلَّفِ ( بِإِقْرَارٍ ) مِنْهُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ .
رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً ( مَرَّةً ) وَاحِدَةً اتِّفَاقًا فَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، وَاشْتَرَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحَةٌ يُحَدُّ الْمُقِرُّ بِالزِّنَا طَوْعًا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً .
اللَّخْمِيُّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قِيلَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الْإِمَامُ إذَا اعْتَرَفَ رَجُلٌ عِنْدَهُ بِالزِّنَا أَوَيُعْرِضُ عَنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ ، قَالَ مَا أَعْرِفُهُ إذَا اعْتَرَفَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ حُدَّ .
ا هـ .
وَيَدُلُّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْعَسِيفِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اُغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ، فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا بِاعْتِرَافِهَا مَرَّةً } .
وَأَجَابُوا عَنْ { مُعَاوَدَةِ مَاعِزٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّهَمَهُ فِي عَقْلِهِ وَأَرْسَلَ لِقَوْمِهِ وَسَأَلَهُمْ عَنْ عَقْلِهِ مَرَّتَيْنِ فَأَخْبَرُوهُ بِصِحَّتِهِ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ } .
وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِهِ أَنَّهُ سَأَلَهُ ، وَفِي بَعْضِهَا ثَلَاثًا ، وَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَبِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا ، قَالَ فَهَلْ أَحْصَنْت قَالَ نَعَمْ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ } ، وَفِي حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ أَنَّهَا أَقَرَّتْ مَرَّةً وَيُحَدُّ الْمُقِرُّ بِالزِّنَا فِي كُلِّ حَالٍ .
( إلَّا أَنْ يَرْجِعَ ) الْمُقِرُّ بِالزِّنَا عَنْ إقْرَارِهِ فَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَلَا يُحَدُّ رُجُوعًا ( مُطْلَقًا ) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ لِشُبْهَةٍ مِثَالُ رُجُوعِهِ لِشُبْهَةٍ قَوْلُهُ وَطِئْت حَلِيلَتِي حَائِضًا فَظَنَنْت أَنَّهُ زِنًا فَاعْتَرَفْت بِهِ فَلَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا ، وَرُجُوعُهُ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ تَكْذِيبُهُ نَفْسَهُ بِلَا اعْتِذَارٍ ، وَسَوَاءٌ رَجَعَ فِي الْحَدِّ

أَوْ قَبْلَهُ ، وَدَخَلَ فِيهِ إنْكَارُهُ إقْرَارَهُ بَعْدَ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُحَدُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ رَجَعَ إلَى مَا يُعْذَرُ بِهِ قُبِلَ ، وَفِي إكْذَابِ نَفْسِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي التَّوْضِيحِ ، يَعْنِي لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَلَمْ يُبْدِ عُذْرًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُحَدُّ ، وَرَأَوْا ذَلِكَ شُبْهَةً لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ ثَانِيًا ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُعْذَرُ إلَّا بِأَمْرٍ يُعْذَرُ بِهِ ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ لِوَجْهٍ وَسَبَبٍ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي قَبُولِ رُجُوعِهِ .
الْبَاجِيَّ إنْ رَجَعَ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ ، فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٌ أَنْ يُقَالَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَعَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا يُقْبَلُ مِنْهُ .
( أَوْ ) إلَّا أَنْ ( يَهْرُبَ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ ، أَيْ الْمُقِرُّ بِالزِّنَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي حَدِّهِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) هَرَبَ ( فِي ) أَثْنَاءِ ( الْحَدِّ ) فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَائِلِ الْحَدِّ أَوْ فِي نِصْفِهِ أَوْ بَعْدَ أَكْثَرِهِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَاعِزٍ لَمَّا أَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُ لَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ وَقَالَ رُدُّونِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكُوهُ بِالْحَرَّةِ وَرَجَمُوهُ إلَى أَنْ مَاتَ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .
عب لَوْ حَذَفَ وَإِنْ لَطَابَقَ مَا تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى ، أَوْ الْوَاوُ لِلْحَالِ كَمَا فِي د وَإِنْ زَائِدَةٌ ، إذْ هُرُوبُهُ قَبْلَ الْحَدِّ لَا يُسْقِطُهُ فَيُؤْتَى وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا فِي الشَّارِحِ .
وَفِي " د " يُؤْتَى وَيُسْتَخْبَرُ عَنْهُ بِخِلَافِ هُرُوبِهِ أَثْنَاءَهُ فَيُسْقِطُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ إذَاقَةِ الْعَذَابِ دَالٌّ عَلَى الرُّجُوعِ

وَنَحْوُهُ لِلْخَرَشِيِّ .
الْبُنَانِيُّ التَّفْرِقَةُ الْمَذْكُورَةُ لِلشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ ، وَتَبِعَهُ عَلَيْهَا أَحْمَدُ وعج وَتَلَامِذَتُهُ ، وَفِيهَا نَظَرٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مُبَالَغَةٌ عَلَى حَقِيقَتِهَا ، وَقَرَّرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ عَلَى ظَاهِرِهِ .
الْمِسْنَاوِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَإِنَّمَا بَالَغَ عَلَى الْهُرُوبِ بَعْدَ إذَاقَةِ الْعَذَابِ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلْأَلَمِ مِنْ الْهُرُوبِ قَبْلَ ذَلِكَ .
طفي أَوْ يَهْرُبُ وَإِنْ فِي الْحَدِّ .
الشَّارِحُ يُكَفُّ عَنْهُ إذَا هَرَبَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ ، وَقَدْ { هَرَبَ مَاعِزٌ لَمَّا رُجِمَ فَاتَّبَعُوهُ فَقَالَ رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدُّوهُ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ } ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الرَّاجِعِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ فَرُوِيَ أَنَّهُ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْحَدِّ كُمِّلَ عَلَيْهِ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ فِي الْحَدِّ ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةٌ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ لَا إلَى قَوْلِهِ أَوْ يَهْرُبَ لِأَنَّ الْهُرُوبَ الْمَقْبُولَ إنَّمَا يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ كَمَا وَرَدَ ، ا هـ .
وَاسْتَمَرَّ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّ الْهُرُوبَ إنَّمَا يُفِيدُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ ، وَتَبِعَهُ عج قَائِلًا لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَطَابَقَ مَا تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى إذْ هُرُوبُهُ قَبْلَ الْحَدِّ لَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ ، قَالَهُ أَحْمَدُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ .
طفي لَمْ أَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْهُرُوبِ لِغَيْرِ الشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ تت فِي كَبِيرِهِ ، بَلْ صَرَّحَ بِإِبْقَاءِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْبِسَاطِيِّ الْهُرُوبُ قَبْلَ الْحَدِّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَّا أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرُّجُوعِ خَفِيٌّ ، فَلِذَا

تِيهَ عَلَى مَا نَصَّهُ تَأَمَّلْ جَوَابَهُ ، فَإِنَّهُ لَا تَحْسُنُ مَعَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْهَرَبِ فِي الْحَدِّ ، وَإِنَّمَا الْمُبَالَغَةُ فِيمَا يَخْفَى وَهِيَ عَلَى جَوَابِهِ مَقْلُوبَةٌ ، وَقَدْ يُقَالُ الْهُرُوبُ قَبْلَ الْحَدِّ أَظْهَرُ فِي الرُّجُوعِ مِنْ الْهُرُوبِ فِي الْحَدِّ مِنْ الْأَلَمِ ، فَلِذَا بَالَغَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ .
وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ لَا إلَى قَوْلِهِ أَوْ يَهْرُبَ ا هـ ، ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا ابْنِ عَرَفَةَ وَلَا فِي التَّوْضِيحِ وَلَا ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حُكْمَ الْهَارِبِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَافِظٌ .
( وَ ) يَثْبُتُ الزِّنَا عَلَى الْمُكَلَّفِ ( بِالْبَيِّنَةِ ) وَتَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ شَرْطَهَا كَوْنُهَا أَرْبَعَةً بِرُؤْيَا اتَّحَدَتْ إلَخْ ، وَإِذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا وَادَّعَتْ الْبَكَارَةَ أَوْ الرَّتْقَ وَشَهِدَ بِذَلِكَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ( فَلَا يَسْقُطُ ) الْحَدُّ عَنْهَا ( بِ ) سَبَبِ ( شَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِ ) وُجُودِ ( بَكَارَتِهَا ) أَوْ رَتْقِهَا ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ .
الْبِسَاطِيُّ لِأَنَّ عُذْرَتَهَا قَدْ تَكُونُ لِدَاخِلٍ فَلَا تَمْنَعُ مِنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ دُونَهَا ، وَلَوْ قَامَ عَلَى بَقَاءِ الْعُذْرَةِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لَسَقَطَ الْحَدُّ ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ ، وَلِلرِّجَالِ النَّظَرُ لِذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَهُ عب وَالْخَرَشِيُّ .
الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ عَلَّلَ عَدَمَ السُّقُوطِ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِعَدَمِ مُنَافَاةِ شَهَادَتِهِنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا غَوْرَاءَ الْبَكَارَةِ قِيلَ عَلَيْهِ ، أَيْ فَرَّقَ بَيْنَ شَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِبَكَارَتِهَا وَأَرْبَعَةِ رِجَالٍ بِهَا ، وَإِنْ عَلَّلَ بِضَعْفِ شَهَادَتِهِنَّ ، فَلَا تُقَاوِمُ شَهَادَةَ الرِّجَالِ ، قِيلَ عَلَيْهِ شَهَادَتُهُنَّ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَقَلَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ ، وَكَلَامُهُ فِي هَذِهِ

الْمَسْأَلَةِ مُقَابِلٌ لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ ، وَالْحَدُّ عِنْدَهُ يَسْقُطُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ وَبِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ سُقُوطِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَبِحَمْلٍ فِي غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ ، وَذَاتِ سَيِّدٍ مُقِرٍّ بِهِ
( أَوْ ) يَثْبُتُ زِنَا الْمَرْأَةِ ( بِ ) ظُهُورِ ( حَمْلٍ ) بِهَا ( فِي ) امْرَأَةٍ ( غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ ) حُرَّةً أَوْ أَمَةً ( وَ ) فِي غَيْرِ ( ذَاتِ سَيِّدٍ مُقِرٍّ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بِهِ ) أَيْ الْوَطْءِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَيِّدٌ أَوْ كَانَ وَأَنْكَرَ وَطْأَهَا وَكَمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ مَنْ لَهَا زَوْجٌ لَا يَلْحَقُهُ حَمْلُهَا لِصِبَاهُ أَوْ جَبِّهِ أَوْ عَدَمِ مُضِيِّ أَقَلِّ الْحَمْلِ مِنْ يَوْمِ عَقْدِهِ .
الْحَطّ فِي الطُّرَرِ عَبْدُ الْغَفُورِ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ جَارِيَةٍ بِكْرٍ زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَابْتَنَى بِهَا زَوْجُهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لَهُمَا فَقَالَتْ إنِّي كُنْت نَائِمَةً فَانْتَبَهْت لِلْبَلَلِ بَيْنَ فَخْذَيَّ وَذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهَا عَذْرَاءَ ، فَأَجَابَ بِأَنَّهَا لَا تُحَدُّ إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْعَفَافِ وَحُسْنِ الْحَالِ ، وَيُفْسَخُ ، وَلَهَا مَهْرُهَا كَامِلًا ، إلَّا أَنْ تَكُونَ عَلِمَتْ بِحَمْلِهَا وَكَتَمَتْهُ فَلَهَا رُبُعُ دِينَارٍ .
ا هـ .
مِنْ الِاسْتِفْتَاءِ .
ا هـ .
كَلَامُ الطُّرَرِ .
عب هَذَا يُفِيدُ أَنَّ ظُهُورَ الْحَمْلِ فِي غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ قَدْ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِقَرِينَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَمْ يُقْبَلْ دَعْوَاهَا الْغَصْبَ بِلَا قَرِينَةٍ
( وَ ) إنْ ظَهَرَ حَمْلٌ بِغَيْرِ ذَاتِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ فَادَّعَتْ أَنَّهَا غُصِبَتْ فَ ( لَا تُقْبَلُ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ ( دَعْوَاهَا الْغَصْبَ ) عَلَى الزِّنَا بِهَا ( إلَّا بِقَرِينَةٍ ) دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهَا كَإِتْيَانِهَا تَدْمَى مُسْتَغِيثَةً عِنْدَ نُزُولِ الْأَمْرِ بِهَا ، وَتُقْبَلُ دَعْوَاهَا الِاشْتِبَاهَ أَوْ الْغَلَطَ أَوْ النَّوْمَ لِأَنَّ هَذِهِ تَقَعُ كَثِيرًا أَفَادَهُ شب

يُرْجَمُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ ، إنْ صَابَ بَعْدَهُنَّ بِنِكَاحٍ لَازِمٍ ، صَحَّ بِحِجَارَةٍ ، مُعْتَدِلَةٍ ، وَلَمْ يَعْرِفْ بُدَاءَةَ الْبَيِّنَةِ ، ثُمَّ الْإِمَامُ كَلَائِطٍ مُطْلَقًا ، وَإِنْ عَبْدَيْنِ كَافِرَيْنِ .

وَإِذَا ثَبَتَ الزِّنَا بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ ظُهُورِ حَمْلِ غَيْرِ ذَاتِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ مُقِرٍّ بِهِ فَ ( يُرْجَمُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ الشَّخْصُ الزَّانِي ( الْمُكَلَّفُ ) أَيْ الْمُلْزَمُ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَلَا يُرْجَمُ مَجْنُونٌ وَلَا صَبِيٌّ وَلَوْ مُرَاهِقًا عَلَى الْمَشْهُورِ ( الْحُرُّ ) فَلَا يُرْجَمُ الرِّقُّ وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ ( الْمُسْلِمُ ) فَلَا يُرْجَمُ الْكَافِرُ وَلَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ ( إنْ ) كَانَ ( أَصَابَ ) أَيْ وَطِئَ قَبْلَ الزِّنَا وَلَا يُشْتَرَطُ كَمَالُ الْوَطْءِ ، بَلْ يَكْفِي مَغِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا ( بَعْدَهُنَّ ) أَيْ اتِّصَافِهِ بِالتَّكْلِيفِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ( بِ ) عَقْدِ ( نِكَاحٍ ) لَا بِمِلْكٍ ( لَازِمٍ ) لَا بِنِكَاحٍ فِيهِ خِيَارٌ كَنِكَاحِ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَسَفِيهٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَمَعِيبٍ بِمُوجَبِ خِيَارٍ ( صَحَّ ) أَيْ جَازَ الْوَطْءُ لَا فِي نَحْوِ حَيْضٍ فَلَا يُحْصَنُ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَفَسَّرَ الشَّارِحَانِ فَاعِلَ صَحَّ النِّكَاحُ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اللُّزُومَ مُسْتَلْزِمٌ لِلصِّحَّةِ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَالْإِخْلَالُ بِشَرْطٍ وَهُوَ إبَاحَةُ الْوَطْءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَحَدُّ الْمُحْصَنِ رَجْمُهُ فَالْوَطْءُ الْمُبَاحُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا خِيَارَ فِيهِ مِنْ بَالِعٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ إحْصَانٌ اتِّفَاقًا .
فِي الْكَافِي الْفَاسِدُ الَّذِي لَا يُحْصِنُ مَا يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَشِغَارٍ ، وَاَلَّذِي لَا يُفْسَخُ بَعْدَهُ وَطْؤُهُ إحْصَانٌ .
اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ دِينَارٍ الْوَطْءُ الْفَاسِدُ كَوَطْءِ الْحَائِضِ وَالْمُحْرِمَةِ وَالْمُعْتَكِفَةِ وَالصَّائِمَةِ كَالصَّحِيحِ ، وَفِي كَوْنِهِ فِي نِكَاحِ ذِي خِيَارٍ أَمْضَى بَعْدَ الْوَطْءِ إحْصَانًا نَقْلًا اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ ، وَفِيهَا الْمَجْنُونَةُ تُحْصِنُ وَاطِئَهَا وَلَا يُحْصِنُهَا .
وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ يُحْصِنُهَا .
ابْنُ رُشْدٍ لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ

أَوْ أَحَدُهُمَا مَجْنُونًا فَفِي وُقُوعِ الْإِحْصَانِ مُطْلَقًا أَوْ فِي حَقِّ الْعَاقِلِ فَقَطْ ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَاقِلًا ثَبَتَ الْإِحْصَانُ فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا .
وَصِلَةُ يُرْجَمُ ( بِحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ ) أَيْ مُتَوَسِّطَةٍ بَيْنَ الْكِبَرِ الْفَاحِشِ وَالصِّغَرِ الدَّقِيقِ إذْ الْأَوَّلُ يُشَوِّهُ وَالثَّانِي يُطَوِّلُ .
ابْنُ عَرَفَةَ يُرْمَى بِالْحِجَارَةِ الَّتِي يُرْمَى بِمِثْلِهَا ، أَمَّا الصَّخْرُ الْعِظَامُ فَلَا يُسْتَطَاعُ الرَّمْيُ بِهَا اللَّخْمِيُّ لَا تَكُونُ صِغَارًا جِدًّا تُؤَدِّي إلَى عَذَابِهِ وَلَا تُجْهِزُ ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يُرْجَمُ بِأَكْبَرِ حَجَرٍ يَقْدِرُ الرَّامِي عَلَى حَمْلِهِ ، فَحَمَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مُرَادَهُ سُرْعَةُ الْإِجْهَازِ عَلَيْهِ .
وَلِذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ يُخَصُّ بِهِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي هِيَ مَقَاتِلُ الظَّهْرُ وَغَيْرُهُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى مَا فَوْقُ ، وَيُجْتَنَبُ الْوَجْهُ وَمَا لَيْسَ مَقْتَلًا كَالسَّاقَيْنِ .
( وَلَمْ يَعْرِفْ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا سُنَّةٍ مَعْمُولٍ بِهَا ( بُدَاءَةَ ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ بَدْءَ ( الْبَيِّنَةِ ) الشَّاهِدَةِ بِالزِّنَا بِالرَّجْمِ ( ثُمَّ ) تَثْنِيَةُ ( الْإِمَامِ ) الَّذِي حَكَمَ بِهِ ثُمَّ تَثْلِيثُ النَّاسِ وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، قَالَ أَقَامَتْ الْأَئِمَّةُ الْحُدُودَ ، وَلَمْ تَعْلَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ تَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ وَلَا أَلْزَمَ الْبَيِّنَةَ الْبُدَاءَةَ بِالرَّجْمِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُحْفَرُ لَهُ ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ أَشْهَبُ إنْ حُفِرَ لَهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُخَلَّى لَهُ يَدَاهُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يُحْفَرَ لَهُ .
ابْنُ وَهْبٍ يُفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ ، وَاسْتَحَبَّ أَصْبَغُ الْحَفْرَ مَعَ إرْسَالِ يَدَيْهِ .
ابْنُ شَعْبَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُحْفَرُ لِلْمُقِرِّ وَيُحْفَرُ

لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ يُجَرَّدُ أَعْلَى الرَّجُلِ وَلَا تُجَرَّدُ الْمَرْأَةُ .
وَشَبَّهَ فِي الرَّجْمِ فَقَالَ ( كَ ) رَجُلٍ ( لَائِطٍ ) أَيْ مَنْسُوبٍ لِلِّوَاطِ فَاعِلًا كَانَ أَوْ مَفْعُولًا فِيهِ فَيُرْجَمُ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ مُحْصَنًا إنْ كَانَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ ، بَلْ ( وَ ) إنْ كَانَا ( عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ ) بِشَرْطِ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالطَّوْعِ فَلَا يُرْجَمُ صَغِيرٌ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا مُكْرَهٌ وَلَا بَالِغٌ مَكَّنَ صَبِيًّا ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ الْمَفْعُولِ فِيهِ فِي رَجْمِ الْفَاعِلِ فِيهَا مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، فَعَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ الرَّجْمُ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا ، وَلَا صَدَاقَ فِي ذَلِكَ فِي طَوْعٍ وَلَا إكْرَاهٍ وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ بِهِ مُكْرَهًا أَوْ صَبِيًّا طَائِعًا فَلَا يُرْجَمُ وَيُرْجَمُ الْفَاعِلُ ، وَالشَّهَادَةُ فِيهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّائِطَانِ كَالْمُحْصَنَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُحْصِنَا .
أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا حَدُّ اللُّوطِيِّ أَنْ يُرْمَى مِنْ أَعْلَى بِنَاءٍ فِي الْقَرْيَةِ مُنَكَّسًا ثُمَّ يُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ .
الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنْ يُحَرَّقَ بِالنَّارِ فَفُعِلَ ، وَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي زَمَانِهِ وَهِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي زَمَانِهِ وَالْقَسْرِيُّ بِالْعِرَاقِ وَمَنْ أَخَذَ بِهَذَا لَمْ يَخُطَّ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الرَّجْمُ هِيَ الْعُقُوبَةُ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْمِ لُوطٍ ، وَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَقِيلَ يُرْجَمَانِ ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُحَدَّانِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ وَيُؤَدَّبُ الْكَافِرَانِ قُلْت قَوْلَ أَشْهَبَ مَيْلٌ لِاعْتِبَارِ الْإِحْصَانِ .

وَجُلِدَ الْبِكْرُ الْحُرُّ مِائَةً ، وَتَشَطَّرَ بِالرِّقِّ وَإِنْ قَلَّ ، وَتَحَصَّنَ كُلٌّ دُونَ صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ وَالْوَطْءِ بَعْدَهُ ، وَغُرِّبَ الْحُرُّ الذَّكَرُ فَقَطْ عَامًا ، وَأَجْرُهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ، فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَفَدَكَ وَخَيْبَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَيُسْجَنُ سَنَةً ، وَإِنْ عَادَ ، أُخْرِجَ ثَانِيَةً ، وَتُؤَخَّرُ الْمُتَزَوِّجَةُ لِحَيْضَةٍ ، وَبِالْجَلْدِ ، اعْتِدَالُ الْهَوَاءِ ؛ وَأَقَامَهُ الْحَاكِمُ وَالسَّيِّدُ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِغَيْرِ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ

وَجُلِدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الزَّانِي ( الْبِكْرُ ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُحْصَنْ ( الْحُرُّ ) الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً الْعَاقِلُ ( مِائَةً ) بِسَوْطٍ وَضُرِبَ مُعْتَدِلَيْنِ كَمَا يَأْتِي فِي حَدِّ الشُّرْبِ .
اللَّخْمِيُّ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ لَا جَدِيدٍ وَلَا بَالٍ بِالدِّرَّةِ وَدِرَّةُ عُمَرَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنَّمَا كَانَتْ لِلتَّأْدِيبِ وَضُرِبَ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ وَزَمَانٍ بَيْنَ زَمَانَيْنِ وَرَجُلٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لَا بِالْقَوِيِّ وَلَا بِالضَّعِيفِ ، وَلَا يَضَعُ سَوْطًا فَوْقَ سَوْطٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ حَدُّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْفِرْيَةِ عَلَى الظَّهْرِ .
ابْنُ عَرَفَةَ حَدُّ زِنَا الْبِكْرِ الْحُرِّ جَلْدُ مِائَةٍ ، فِيهَا الْبِكْرُ حَدُّهُ الْجَلْدُ دُونَ رَجْمٍ بِذَلِكَ مَضَتْ السُّنَّةُ .
( وَتَشَطَّرَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ سَقَطَ نِصْفُ الْجَلْدِ لِلْمِائَةِ ( لِلرِّقِّ ) فَيُجْلَدُ الزَّانِي الرَّقِيقُ خَمْسِينَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إنْ كَانَ قِنًّا أَوْ أَكْثَرُهُ رَقِيقٌ ، بَلْ ( وَإِنْ قَلَّ ) رِقُّهُ كَمُبَعَّضٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } وَقِيسَ الْعَبِيدُ عَلَى الْإِمَاءِ ، إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا حَدُّ الْعَبْدِ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ ، وَفِي الْخَمْرِ وَالْفِرْيَةِ أَرْبَعُونَ .
اللَّخْمِيُّ كَذَلِكَ الْأَمَةُ ، وَكُلُّ مَنْ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ لَمْ تَتِمَّ كَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُعْتَقٍ بَعْضُهُ وَمُعْتَقٍ إلَى أَجَلٍ .
( وَ ) إنْ كَانَ زَوْجَانِ رَقِيقَيْنِ وَأُعْتِقَ أَحَدُهُمَا وَوَطِئَ بَعْدَ إعْتَاقِهِ ( تَحَصَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ( كُلٌّ ) أَيْ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( دُونَ صَاحِبِهِ ) الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ ( بِ ) سَبَبِ ( الْعِتْقِ ) لَهُ ( وَالْوَطْءِ بَعْدَهُ ) أَيْ الْعِتْقِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا الْعَبْدُ لَا يُحْصِنُهُ ذَلِكَ حَتَّى يَطَأَ بَعْدَ عِتْقِهِ وَالْوَطْءُ بَعْدَ عِتْقِ أَحَدِهِمَا يُحْصِنُ الْمُعْتَقَ مِنْهُمَا وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالْحُرَّةُ الْكِتَابِيَّةُ لَا

تَكُونَانِ مُحْصَنَتَيْنِ حَتَّى تُوطَأَ هَذِهِ بَعْدَ إسْلَامِهَا ، وَهَذِهِ بَعْدَ عِتْقِهَا .
( وَغُرِّبَ ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُثَقَّلًا الزَّانِي الْبِكْرُ ( الذَّكَرُ ) بَعْدَ جَلْدِهِ مِائَةً لِيَنْقَطِعَ عَنْ أَهْلِهِ وَمَعَاشِهِ وَتَلْحَقَهُ ذِلَّةُ الْغُرْبَةِ فِي الْحَبْسِ فَلَا تُغَرَّبُ الْأُنْثَى إذْ فِي تَغْرِيبِهَا إعَانَةٌ عَلَى فَسَادِهَا وَتَعْرِيضُهَا لَهُ ، وَإِنْ غُرِّبَ مَعَهَا مَحْرَمُهَا أَوْ زَوْجُهَا غُرِّبَ مَنْ لَمْ يَزْنِ وَإِنْ غُرِّبَتْ وَحْدَهَا خُولِفَ حَدِيثُ { لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ } ( الْحُرُّ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الرَّقِيقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِهِ بِخِدْمَتِهِ ، وَيَمْكُثُ فِي بَلَدِ الْغُرْبَةِ ( عَامًا ) كَامِلًا مَسْجُونًا ، وَالسِّجْنُ تَابِعٌ لِلتَّغْرِيبِ فَلَا يُسْجَنُ مَنْ لَا يُغَرَّبُ كَالْمَرْأَةِ وَالرَّقِيقِ ، وَقِيلَ يُسْجَنُ ا هـ شب .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا لَا نَفْيَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا عَلَى الْعَبِيدِ وَلَا تَغْرِيبَ وَلَا يُنْفَى الرَّجُلُ الْحُرُّ إلَّا فِي الزِّنَا أَوْ فِي حِرَابَةٍ فَيُسْجَنَانِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْفَيَانِ إلَيْهِ يُسْجَنُ الزَّانِي سَنَةً وَالْمُحَارِبُ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُ ، وَقَدْ نَفَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مُحَارِبًا أُخِذَ بِمِصْرَ إلَى شِعْبٍ ، قَالَ وَكَانَ يُنْفَى عِنْدَنَا إلَى فَدَكَ وَخَيْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنَّ عُمَرَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " غَرَّبَ امْرَأَةً إلَى مِصْرَ .
وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ غَرَّبَ عَبْدًا ، وَرَوَى مُسْلِمٌ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ } ، وَلَا وَجْهَ لِلِاعْتِذَارِ بِالْوَلِيِّ ، وَعَلَى اعْتِبَارِهِ تُنْفَى إنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَوْ تُسَافِرُ مَعَ جَمَاعَةٍ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ كَخُرُوجِهَا لِلْحَجِّ ، فَإِنْ عُدِمَ جَمِيعُ ذَلِكَ سُجِنَتْ بِمَوْضِعِهَا عَامًا لِأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ التَّغْرِيبُ فَلَا يَسْقُطُ السَّجْنُ .
غ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ السَّجْنَ فَرْعُ التَّغْرِيبِ فَلَا يُسْجَنُ

الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ لِأَنَّهُمَا يُغَرَّبَانِ ، وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ إنْ تَعَذَّرَ تَغْرِيبُ الْمَرْأَةِ لِعَدَمِ وَلِيِّهَا وَرُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ فَلَا يَسْقُطُ سَجْنُهَا خِلَافٌ أَوْ إلْزَامٌ .
( وَأَجْرُهُ ) أَيْ أُجْرَةُ حَمْلِ الْمُغَرَّبِ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا لِلْبَلَدِ الَّذِي أُرِيدَ سَجْنُهُ بِهِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُغَرَّبِ مِنْ مَالِهِ .
( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَكِرَاؤُهُ فِي مَسِيرِهِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فِي الزِّنَا وَالْحِرَابَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ، فَفِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ ، وَلَا يُبْعَدُ تَغْرِيبُهُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ مَالِهِ وَعَوْدُهُ بَعْدَ الْعَامِ لِبَلَدِهِ ، بَلْ ( كَفَدَكَ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ .
عِيَاضٌ مَدِينَةٌ الْجَوْهَرِيُّ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى ( خَيْبَرَ وَ ) كَ ( خَيْبَرَ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ( مِنْ الْمَدِينَةِ ) الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلْ بَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْمَدِينَةُ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ خِلَافٌ ، { وَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ } وَعُمَرُ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مِنْهَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَلِيٌّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْبَصْرَةِ ، وَإِذَا غُرِّبَ ( فَيُسْجَنُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ بِمَوْضِعِ تَغْرِيبِهِ ( سَنَةً ) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تُحْسَبُ السَّنَةُ مِنْ يَوْمِ يُسْجَنُ ، وَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ ، بِخِلَافِ الْمُحَارِبِ فَيُسْجَنُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ .
( فَإِنْ عَادَ ) الْمُغَرَّبُ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي زَنَى بِهِ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ ( أُخْرِجَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ( ثَانِيًا ) وَسُجِنَ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَيُلْغَى مِمَّا بَيْنَ السِّجْنَيْنِ .
ابْنُ عَرَفَةَ

ابْنُ شَاسٍ فَإِنْ عَادَ أُخْرِجَ ثَانِيَةً ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى إنْ عَادَ إلَى الزِّنَا جُلِدَ مِائَةً وَغُرِّبَ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رَاشِدٍ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : فِي التَّوْضِيحِ اُنْظُرْ إذَا أُعِيدَ فَهَلْ يُبْنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، أَوْ يُسْتَأْنَفُ الْعَامُ وَالظَّاهِرُ الْبِنَاءُ .
تت سَبَقَهُ إلَى الْبِنَاءِ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي مُعْتَمَدِهِ ، وَحَكَى بَهْرَامُ فِيهِ تَرَدُّدًا .
الثَّانِي : ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ زَنَى فِي الْمَكَانِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ أَوْ زَنَى غَرِيبٌ بِغَيْرِ بَلَدِهِ فَهَلْ يُسْجَنُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي زَنَى فِيهِ ، أَوْ يُغَرَّبُ إلَى غَيْرِهِ .
بَعْضُهُمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَأَنَّسَ فِي السِّجْنِ مَعَ الْمَسْجُونِينَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَوْحِشُ ، بِهِ فَيُغَرَّبُ لِمَوْضِعٍ آخَرَ وَإِلَّا فَيَبْقَى فِي سِجْنِهِ الْأَوَّلِ وَالْغَرِيبُ إنْ زَنَى بِفَوْرِ نُزُولِهِ الْبَلَدَ الَّذِي زَنَى بِهِ يُسْجَنُ فِيهِ ، وَإِنْ زَنَى بِهِ بَعْدَ تَأَنُّسِهِ بِأَهْلِهِ يُغَرَّبُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ أَفَادَهُ شب وَالْخَرَشِيُّ .
الثَّالِثُ : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُخْرَجُ إنْ عَادَ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ قَلِيلٌ .
( وَتُؤَخَّرُ ) الْمَرْأَةُ الزَّانِيَةُ ( الْمُتَزَوِّجَةُ لِحَيْضَةِ ) اسْتِبْرَاءٍ وَلَا يُعَجَّلُ رَجْمُهَا خَوْفًا مِنْ حَمْلِهَا مِنْ زَوْجِهَا إنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ زِنَاهَا وَقَامَ الزَّوْجُ بِحَقِّهِ فِي مَالِهِ الَّذِي بِرَحِمِهَا ، وَإِلَّا فَلَا تُؤَخَّرُ ، وَهَذِهِ إحْدَى الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ كَوْنِ اسْتِبْرَاءِ الْحُرَّةِ كَعِدَّتِهَا .
طفي جَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِالْحَيْضَةِ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، اُنْظُرْ هَلْ هُوَ حَيْضَةٌ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَوْ ثَلَاثٌ ، وَقَالَ بِأَثَرِهِ خَلِيلٌ بْن الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُسْتَبْرَأُ إلَّا بِالثَّلَاثِ ا هـ ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ شَاسٍ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّهَا غَايَةُ مَا يَظْهَرُ فِيهِ الْحَمْلُ ، وَذَكَرَ نَصَّهُ الْآتِيَ قَرِيبًا ، ثُمَّ قَالَ

وَالظَّاهِرُ مِنْ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُمَا تَبِعَا اللَّخْمِيَّ ، وَعَلَى كَلَامِهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ ا هـ .
الْحَطّ نَقَلَ عِبَارَةَ التَّوْضِيحِ الْمُتَقَدِّمَةَ ، وَقَالَ عَقِبَهَا قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّدَّةِ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " نَصَّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ وَحُكْمُ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا جَزَمَ هُنَا بِحَيْضَةٍ ، لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَتُؤَخَّرُ الْحَامِلُ لِوَضْعِهَا وَوُجُودِ مُرْضِعٍ يَقْبَلُهَا وَلَدُهَا وَلَوْ مِنْ زِنًا .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ لَا تُحَدُّ حَامِلٌ لِأَنَّ رَجْمَهَا قَتْلٌ لِجَنِينِهَا وَالْجَلْدُ يُخْشَى مِنْهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهَا فَإِنْ وَضَعَتْ وَكَانَتْ بِكْرًا أُخِّرَتْ حَتَّى تُعَافَى مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رُجِمَتْ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ لِوَلَدِهَا مَنْ تَرْضِعُهُ فَتُؤَخَّرُ لِفِطَامِهِ ، فَإِنْ شُهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا مُنْذُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أُخِّرَتْ وَلَا تُضْرَبُ وَلَا تُرْجَمُ حَتَّى تَتِمَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينَ زَنَتْ فَيُنْظَرُ أَحَامِلٌ هِيَ أَمْ لَا ، وَلَا يُسْتَعْجَلُ بِرَجْمِهَا أَوْ جَلْدِهَا الْآنَ لِإِمْكَانِ حَمْلِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَمْضِ لَهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا جَازَ تَعْجِيلُ حَدِّهَا جَلْدًا كَانَ أَوْ رَجْمًا إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ فَيُسْأَلُ ، فَإِنْ قَالَ كُنْت اسْتَبْرَأْتهَا رُجِمَتْ ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَسْتَبْرِئْهَا خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ بِحَقِّهِ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَهُ فِيهَا فَتُؤَخَّرُ حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ تَحْمِلُ أَمْ لَا ، أَوْ يُسْقِطَ حَقَّهُ فِيهِ فَتُحَدُّ .
وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا زَنَتْ مُنْذُ شَهْرَيْنِ أَنْ تُرْجَمَ إذَا نَظَرَهَا النِّسَاءُ وَقُلْنَ لَا حَمْلَ بِهَا وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَكُونُ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَعَلَقَةً أَرْبَعِينَ وَمُضْغَةً أَرْبَعِينَ ، ثُمَّ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ } ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أُمِنَ أَنْ

يَكُونَ فِي الشَّهْرَيْنِ عَلَقَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ عَمَلٌ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَشْرَبَ مَا تَطْرَحُهُ بِهِ .
( وَ ) يُنْتَظَرُ ( بِالْجَلْدِ ) لِمَنْ هُوَ حَدُّهُ ( اعْتِدَالُ الْهَوَاءِ ) أَيْ تَوَسُّطُهُ بَيْنَ الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ فَلَا يُجْلَدُ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَلَا فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ خَوْفَ تَأْدِيَتِهِ إلَى الْمَوْتِ ، وَالتَّأْخِيرُ فِي الْبَرْدِ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَلْحَقَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحَرَّ الشَّدِيدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا وَكَذَا الْمَرِيضُ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ .
الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنْ خِيفَ عَلَى السَّارِقِ أَنْ يُقْطَعَ فِي الْبَرْدِ أُخِّرَ ، وَالْحَرُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَرْدِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ ضَعِيفَ الْجِسْمِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ سَقَطَ الْحَدُّ وَيُسْجَنُ ، وَإِنْ كَانَ قِصَاصًا رَجَعَ إلَى الدِّيَةِ ، وَفِي كَوْنِهَا فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَوْلَانِ ، وَإِنْ كَانَ حَدَّ قَذْفٍ فَمِنْ حَقِّ الْمَقْذُوفِ تَفْرِيقُهُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا حَدُّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ .
عِيَاضٌ قَوْلُهُ وَالْحَرُّ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْبَرْدِ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي السَّرِقَةِ إنْ كَانَ الْحَرُّ كَالْبَرْدِ فَهُوَ مِثْلُهُ ، وَكِلَاهُمَا خِلَافُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ بِخِلَافِ الْبَرْدِ .
( وَأَقَامَهُ ) أَيْ حَدَّ الزِّنَا رَجْمًا أَوْ جَلْدًا ( الْحَاكِمُ وَ ) أَقَامَهُ ( السَّيِّدُ ) عَلَى رَقِيقِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِخَبَرِ { أُقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } ( إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ ) الرَّقِيقُ ( بِغَيْرِ مِلْكِ سَيِّدِهِ ) بِأَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَصْلًا أَوْ تَزَوَّجَ بِمِلْكِ سَيِّدِهِ ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ مِلْكِ سَيِّدِهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لِغَيْرِ سَيِّدِهِ أَوْ تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا لِغَيْرِ سَيِّدِهَا فَلَا يُقِيمُهُ عَلَيْهِ إلَّا الْحَاكِمُ ، ثُبُوتُ زِنَا الرَّقِيقِ ( بِغَيْرِ عِلْمِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ، فَإِنْ كَانَ بِعِلْمِ السَّيِّدِ فَلَا يُقِيمُهُ عَلَيْهِ إلَّا

الْحَاكِمُ ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى يُقِيمُهُ بِعِلْمِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ أَمَّا مُسْتَوْفِي الْحَدِّ فَهُوَ الْإِمَامُ فِي حَقِّ الْأَحْرَارِ .
قُلْت هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهَا وَمَنْ زَنَتْ جَارِيَتُهُ وَلَهَا زَوْجٌ فَلَا يُقِيمُ سَيِّدُهَا عَلَيْهَا الْحَدَّ ، وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ سِوَاهُ ، ثُمَّ قَالَ وَفِيهَا مَعَ غَيْرِهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ السَّيِّدُ عَلَى مَمْلُوكِهِ حَدَّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ لَا السَّرِقَةِ ، وَلَوْ شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ عَدْلَانِ سِوَاهُ وَلَا يُقِيمُهَا عَلَى الْعَبْدِ إلَّا الْوَالِي ، فَإِنْ قَطَعَهُ السَّيِّدُ وَلَا بَيِّنَةَ عَادِلَةٌ وَأَصَابَ وَجْهَ الْقَطْعِ عُوقِبَ وَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُ فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةٍ سِوَاهُ ، فَإِنْ كَانَ أَحَدَهُمْ رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ .
الْبَاجِيَّ إنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ إلَّا بِعِلْمِ سَيِّدِهِ فَقِيلَ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ .
ابْنُ الْجَلَّابِ فِيهِ رِوَايَتَانِ جَوَازُهُ وَمَنْعُهُ ، ثُمَّ قَالَ وَفِيهَا مَنْ زَنَتْ جَارِيَتُهُ وَلَهَا زَوْجٌ فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ سِوَاهُ حَتَّى يَرْفَعَهَا إلَى السُّلْطَانِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدَهُ فَلَهُ إقَامَتُهُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا يُقِيمُهُ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَعِرُّ الزَّوْجَ وَيُفْسِدُ حَسَبَهُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الزَّوْجُ بِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ فَيُقِيمُهُ دُونَ الْإِمَامِ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَكَذَا الْعَبْدُ إنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْإِمَامُ .

وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْوَطْءَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَخَالَفَهَا الزَّوْجُ ، فَالْحَدُّ ، وَعَنْهُ فِي الرَّجُلِ يَسْقُطُ مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ أَوْ يُولَدْ لَهُ وَأُوِّلَا عَلَى الْخِلَافِ أَوْ لِخِلَافِ الزَّوْجِ فِي الْأُولَى فَقَطْ أَوْ لِأَنَّهُ يَسْكُتُ ، أَوْ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ تَبْلُغْ عِشْرِينَ : تَأْوِيلَاتٌ

( وَإِنْ ) زَنَتْ زَوْجَةٌ وَ ( أَنْكَرَتْ الْوَطْءَ ) مِنْ زَوْجِهَا لَهَا ( بَعْدَ ) إقَامَتِهَا مَعَهُ ( عِشْرِينَ سَنَةً ) سَاكِتَةً عَنْ ذِكْرِهَا تَرْكَهُ ( وَخَالَفَهَا الزَّوْجُ ) بِادِّعَائِهِ وَطْأَهَا فِيهَا ( فَالْحَدُّ ) أَيْ الرَّجْمُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا لِظُهُورِ كَذِبِهَا فِي إنْكَارِهَا الْوَطْءَ عِشْرِينَ سَنَةً ، إذْ شَأْنُ النِّسَاءِ عَدَمُ الصَّبْرِ عَلَى عَدَمِهِ خُصُوصًا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ جِدًّا ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي نِكَاحِ الْمُدَوَّنَةِ .
( وَ ) رُوِيَ ( عَنْهُ ) أَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي رَجْمِهَا ( فِي الرَّجُلِ ) يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَيَطُولُ مُكْثُهُ مَعَهَا بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا ثُمَّ تَشْهَدُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ بِالزِّنَا فَيَقُولُ لَمْ أَطَأْهَا مُنْذُ دَخَلْت بِهَا ( يَسْقُطُ ) عَنْهُ الرَّجْمُ وَيُجْلَدُ مِائَةً وَيُغَرَّبُ سَنَةً ( مَا لَمْ يُقِرَّ ) الرَّجُلُ ( بِهِ ) أَيْ الْوَطْءِ ( أَوْ يُولَدْ لَهُ ) وَلَدٌ فَيُرْجَمُ ( وَأُوِّلَا ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُثَقَّلًا ، أَيْ الْحُكْمَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابَيْنِ ( عَلَى الْخِلَافِ ) لِاخْتِلَافِ الْحُكْمَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ ، وَعَلَيْهِ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُؤْخَذُ بِمَا فِي الرَّجْمِ وَيُطْرَحُ مَا فِي النِّكَاحِ ، وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ لِقَوْلِهِ إنَّ مَسْأَلَةَ الرَّجْمِ خَيْرٌ مِمَّا فِي النِّكَاحِ أَوْ بِالْعَكْسِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَحْنُونٌ .
( أَوْ ) لَا خِلَافَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ ، بَلْ بَيْنَهُمَا وِفَاقٌ ( لِخِلَافِ ) أَيْ مُخَالَفَةِ ( الزَّوْجِ ) الزَّوْجَةَ ( فِي ) الْمَسْأَلَةِ ( الْأُولَى ) بِضَمِّ الْهَمْزِ ( فَقَطْ ) أَيْ وَعَدَمِ مُخَالَفَةِ الزَّوْجَةِ الزَّوْجَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ خَالَفَتْهُ لَرُجِمَ وَلَوْ لَمْ يُخَالِفْهَا فِي الْأُولَى لَمْ تُرْجَمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ ( أَوْ ) لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الزَّوْجَ ( يَسْكُتُ ) عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ وَلَا يَذْكُرُهُ غَالِبًا ، لِأَنَّهُ عَيْبٌ بِهِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَسْكُتُ عَلَيْهِ غَالِبًا ( أَوْ ) لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا ،

لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ( الثَّانِيَةَ لَمْ تَبْلُغْ ) إقَامَةَ الزَّوْجِ فِيهَا مَعَ زَوْجَتِهِ ( عِشْرِينَ ) سَنَةً وَلَوْ بَلَغَتْهَا لَرُجِمَ ( تَأْوِيلَاتٌ ) فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَتَقَادَمَ مُكْثُهُ مَعَهَا بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا فَشُهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فَقَالَ مَا جَامَعْتهَا مُنْذُ دَخَلْت عَلَيْهَا ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِوَلَدٍ يَظْهَرُ أَوْ بِإِقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا فَلَا يُرْجَمُ لِدَرْءِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ ، وَإِنْ عُلِمَ إقْرَارُهُ بِوَطْئِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَيُرْجَمُ ، وَفِيهَا أَيْضًا إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ زَنَتْ وَقَالَتْ لَمْ يُجَامِعْهَا زَوْجُهَا وَهُوَ مُقِرٌّ بِجِمَاعِهَا فَهِيَ مُحْصَنَةٌ يَحْيَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَوَهَّمَ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لَمْ تَدَّعِ الزَّوْجَةُ فِيهَا أَنَّهُ وَطِئَهَا ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الزَّوْجُ مُقِرٌّ بِجِمَاعِهَا .

وَإِنْ قَالَتْ : زَنَيْت مَعَهُ ، فَادَّعَى الْوَطْءَ وَالزَّوْجِيَّةَ ، أَوْ وُجِدَا بِبَيْتٍ وَأَقَرَّا بِهِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ أَوْ ادَّعَاهُ فَصَدَّقَتْهُ هِيَ وَوَلِيُّهَا وَقَالَا لَمْ نُشْهِدْ ، حُدَّا .

( وَإِنْ ) وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَعَ رَجُلٍ ( وَقَالَتْ ) الْمَرْأَةُ ( زَنَيْت مَعَهُ ) أَيْ الرَّجُلِ ( وَادَّعَى ) الرَّجُلُ ( الْوَطْءَ ) أَيْ أَقَرَّ بِهِ ( وَ ) ادَّعَى ( الزَّوْجِيَّةَ ) بَيْنَهُمَا ، أَيْ كَوْنَهَا زَوْجَتَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهَا حُدَّا حَدَّ الزِّنَا بِرَجْمٍ ، إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَوْ جُلِدَا إنْ كَانَا بِكْرَيْنِ أَوْ رُجِمَ الْمُحْصَنُ مِنْهُمَا وَجُلِدَ الْبِكْرُ مِنْهُمَا إنْ اخْتَلَفَا وَلَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ أَوْ حَصَلَ فَشْوٌ لِأَنَّهَا لَمْ تُوَافِقْهُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ ( أَوْ ' وُجِدَا ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ( بِبَيْتٍ ) لَا أَحَدَ فِيهِ سِوَاهُمَا ( وَأَقَرَّا ) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ( بِهِ ) أَيْ الْوَطْءِ ( وَادَّعَيَا ) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ( النِّكَاحَ ) أَيْ الزَّوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ بِهَا وَلَا فَشْوَ حُدَّا إلَّا أَنْ يَكُونَا طَارِئَيْنِ .
فِيهَا مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ وَطِئَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ مَا يَدْرُونَ مَا هِيَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ أَوْ يَكُونَا طَارِئَيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا قَالَ هِيَ امْرَأَتِي فَأَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ .
( أَوْ ادَّعَاهُ ) أَيْ الرَّجُلُ النِّكَاحَ ( فَصَدَّقَتْهُ ) أَيْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فِي دَعْوَاهُ النِّكَاحَ ( هِيَ ) فَصَلَ بِهِ لِيَصِحَّ عَطْفُ ( وَوَلِيُّهَا ) عَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُتَّصِلِ الْمُسْتَتِرِ فِي صَدَّقَ ( وَقَالَا ) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ( لَمْ نُشْهِدْ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ ( حُدَّا ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ حَدَّ الزِّنَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الدُّخُولِ بِلَا إشْهَادٍ .
فِيهَا إذَا قَالَتْ امْرَأَةٌ زَنَيْت مَعَ هَذَا الرَّجُلِ وَقَالَ الرَّجُلُ هِيَ زَوْجَتِي ، وَقَدْ وَطِئْتهَا أَوْ وُجِدَا فِي بَيْتٍ فَأَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِيَا بِبَيِّنَةٍ حُدَّا .
ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ النِّكَاحِ الْإِظْهَارُ وَالْإِعْلَانُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ

وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( بَابٌ ) قَذْفُ الْمُكَلَّفِ حُرًّا مُسْلِمًا ، بِنَفْيِ نَسَبٍ ؛ عَنْ أَبٍ ، أَوْ جَدٍّ ، لَا أُمٍّ وَلَا إنْ نُبِذَ ، أَوْ زِنًا ، إنْ كُلِّفَ ، وَعَفَّ عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ بِآلَةٍ ، وَبَلَغَ كَأَنْ بَلَغَتْ الْوَطْءَ ، أَوْ مَحْمُولًا ، وَإِنْ مُلَاعَنَةً وَابْنَهَا ، أَوْ عَرَّضَ غَيْرُ أَبٍ ، إنْ أَفْهَمَ يُوجِبُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ، وَإِنْ كَرَّرَ لِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ إلَّا بَعْدَهُ

( بَابٌ ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَذْفِ ( قَذْفُ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَفَاءٌ فِي التَّوْضِيحِ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الرَّمْيُ إلَى بُعْدٍ ، ثُمَّ نُقِلَ شَرْعًا إلَى مَا يَأْتِي لِأَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَبْعُدُ وَلَا يَصِحُّ ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَمْيًا فَقَالَ { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } .
وَيُسَمَّى فِرْيَةً أَيْضًا مِنْ الِافْتِرَاءِ أَيْ الْكَذِبِ وَهِيَ كَبِيرَةٌ إجْمَاعًا .
وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ سَبَّهُ بِهِ حُبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى جِسْرٍ مِنْ جُسُورِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَهُ } ، وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ أَخَصُّ مِنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْقَذْفُ الْأَعَمُّ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ غَيْرَهُ بِالزِّنَا أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ ، وَالْأَخَصُّ لِإِيجَابِ الْحَدِّ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ مُكَلَّفٍ غَيْرَهُ حُرًّا عَفِيفًا مُسْلِمًا بَالِغًا أَوْ صَغِيرَةً تُطِيقُ الْوَطْءَ لِزِنًا أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ ، فَيَخْرُجُ قَذْفُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ .
الْحَطّ حَدُّهُ الْأَخَصَّ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ قَذْفِ الْمَجْنُونِ فِيهِ ، وَفِي التَّوْضِيحِ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَجْنُونًا إذَا كَانَ جُنُونُهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ إلَى حِينِ قَذْفِهِ لَمْ تَتَخَلَّلْهُ إفَاقَةٌ .
اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهُ لَا مَعَرَّةَ عَلَيْهِ لَوْ صَحَّ فِعْلُهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا إنْ بَلَغَ صَحِيحًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ قَبْلَ بُلُوغِهِ ، لِأَنَّهُ يُعْلَمُ كَذِبُ قَاذِفِهِ فَلَا تَلْحَقُهُ مَعَرَّةٌ بِهِ ، وَإِنْ جُبَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ حُدَّ قَاذِفُهُ ، وَكَذَلِكَ الْحَصُورُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ آلَةُ النِّسَاءِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا فِي أَوَائِلِ الرَّجْمِ يُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ وَكَانَ يَجْرِي لَنَا مُنَاقَضَتُهَا فِي الْقَذْفِ كُلُّ مَا لَا يَقُومُ فِيهِ الْحَدُّ لَيْسَ عَلَى مَنْ رَمَى بِهِ رَجُلًا حَدُّ الْفِرْيَةِ ، وَيُجَابُ بِحَمْلِ قَوْلِهَا فِي الرَّجْمِ عَلَى الْمَجْنُونِ

الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانًا ا هـ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ يُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ مَعْنَاهُ إنْ بَلَغَ صَحِيحًا ثُمَّ جُنَّ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَذْفَ بِقَطْعِ النَّسَبِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ ا هـ .
قُلْت قَوْلُهُ يَقْتَضِي إلَخْ مَمْنُوعٌ ، إذْ قَوْلُهُ أَوْ قَطْعُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ نِسْبَةُ لَا عَلَى زِنًا .
وَإِضَافَةُ قَذْفِ ( الْمُكَلَّفِ ) أَيْ الْمُلْزَمِ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلَةِ فَلَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ الصَّبِيُّ وَلَا الْمَجْنُونُ .
طفي لَوْ قَالَ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ كَمَا قَالَ فِي الدِّمَاءِ لَوَافَقَ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ ، إذْ قَذْفُ حَرْبِيٍّ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا أَوْ أُسِرَ فَلَا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَتْلَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَأَمَّا وَإِنْ أَتَى حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يُحَدُّ .
وَشَرْطُ الْمَقْذُوفِ كَوْنُهُ ( حُرًّا ) فَلَا يُحَدُّ الْمُكَلَّفُ الَّذِي قَذَفَ رِقًّا .
الْحَطّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ " رَحِمَهُ اللَّهُ " أَنَّ مَنْ نَفَى نَسَبَ عَبْدٍ لَا يُحَدُّ وَلَوْ كَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَفِيهَا مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَسْت لِأَبِيك ضُرِبَ الْحَدَّ ، فَإِنْ كَانَ أَبَوَا الْعَبْدِ مَاتَا وَلَا وَارِثَ لَهُمَا فَلِلْعَبْدِ حَدُّ سَيِّدِهِ ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ اخْتِلَافٌ .
فِيهَا إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَسْت لِأَبِيك وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ وَأُمُّهُ كَافِرَةٌ أَوْ أَمَةٌ فَوَقَفَ فِيهَا الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَا أَرَى أَنْ يُحَدَّ لِحَمْلِ أَبِيهِ عَلَى غَيْرِ أُمِّهِ ، وَكَوْنُهُ ( مُسْلِمًا ) فَلَا يُحَدُّ الْمُكَلَّفُ الَّذِي قَذَفَ حُرًّا كَافِرًا سَوَاءٌ كَانَ كُفْرُهُ أَصْلِيًّا أَوْ بِارْتِدَادٍ ، فِيهَا مَنْ قَذَفَ رَجُلًا ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ أَوْ قَذَفَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَا

يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ .
الْحَطّ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ إذَا قَذَفَ حُرٌّ عَبْدًا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَطَلَبَ الْعَبْدُ تَعْزِيرَ قَاذِفِهِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي مِثْلِ هَذَا تَعْزِيرٌ ، وَنُهِيَ قَاذِفُهُ أَنْ يُؤْذِيَهُ ، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَاحِشًا مَعْرُوفًا بِالْأَذَى عُزِّرَ وَأُدِّبَ عَنْ أَذَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ ا هـ .
وَفِي النَّوَادِرِ يُؤَدَّبُ قَاذِفُ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ لِإِذَايَتِهِ لَهُ .
وَصِلَةُ قَذْفٍ ( بِنَفْيِ نَسَبٍ عَنْ أَبٍ أَوْ ) عَنْ ( جَدٍّ لِأَبٍ ) صَرِيحًا كَلَسْت ابْنَ أَبِيك أَوْ جَدِّك لِأَبِيك أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ، كَإِشَارَةِ أَخْرَسَ أَوْ قَوْلِهِ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ وَهُوَ غَيْرُ أَبِيهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُهُ فِي الْمَنْفِيِّ إسْلَامُهُ لِقَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ لَسْت لِأَبِيكَ وَأَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّانِ جُلِدَ الْحَدَّ ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ عَبْدًا مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهُ نَفَاهُ ، وَكَذَا إنْ قَالَ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ وَهُوَ جَدُّهُ وَهُوَ كَافِرٌ ، وَإِسْلَامُ أَبَوَيْهِ وَحُرِّيَّتُهُمَا لِقَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَسْت لِأَبِيك ضُرِبَ الْحَدَّ ، فَإِنْ كَانَ أَبَوَا الْعَبْدِ قَدْ مَاتَا وَلَا وَارِثَ لَهُمَا أَوْ لَهُمَا وَارِثٌ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَحُدَّ سَيِّدَهُ فِي ذَلِكَ ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَحُرِّيَّتِهِ دُونَ أُمِّهِ اخْتِلَافٌ .
فِيهَا إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَسْتَ لِأَبِيك وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ وَأُمُّهُ كَافِرَةٌ أَوْ أَمَةٌ فَوَقَفَ فِيهَا مَالِكٌ .
ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَا أَرَى أَنْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ حَمَلَ أَبَاهُ عَلَى غَيْرِ أُمِّهِ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَخْتَصُّ الْبُلُوغُ وَالْعَفَافُ بِغَيْرِ الْمَنْفِيِّ صَوَابٌ لِوُضُوحِ الْمَنْصُوصِ فِيهَا ، وَفِي غَيْرِهَا يُحَدُّ مَنْ قَطَعَ نَسَبَ مُسْلِمٍ مُطْلَقًا لَا يُقَيَّدُ بُلُوغُهُ وَلَا عَفَافُهُ ، كَقَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ لَيْسَ أَبُوك الْكَافِرُ ، ابْنَ أَبِيهِ فَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَقُولَ لِلْوَلَدِ الْمُسْلِمِ لَسْتَ مِنْ وَلَدِ فُلَانٍ وَنَحْوَهُ فِي غَيْرِهَا .
( لَا ) بِنَفْيٍ عَنْ ( أُمٍّ )

فِيهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَسْت ابْنَ فُلَانَةَ وَهِيَ أُمُّهُ فَلَا يُحَدُّ .
الْخَرَشِيُّ لِأَنَّ أُمُومَتَهَا لَهُ مُحَقَّقَةٌ مُشَاهَدَةٌ فَنَفْيُهَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ لَا تَلْحَقُهُ بِهِ مَعَرَّةٌ وَأُبُوَّةُ أَبِيهِ لَهُ مَظْنُونَةٌ خَفِيَّةٌ فَلَا يُعْلَمُ كَذِبُ نَافِيهَا فَتَلْحَقُ الْمَعَرَّةُ الْمَنْفِيَّ ( وَلَا ) يُحَدُّ الْمُكَلَّفُ الَّذِي قَذَفَ حُرًّا مُسْلِمًا بِنَفْيِ نَسَبٍ عَنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ مُعَيَّنٍ ( إنْ ) كَانَ الْمَقْذُوفُ قَدْ ( نُبِذَ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِعْجَامِ الذَّالِ ، أَيْ طُرِحَ عَقِبَ وِلَادَتِهِ مَا دَامَ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَحَدٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمْ نَعْلَمْ مَنْبُوذًا ، إلَّا وَلَدَ زِنًا فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ أَحَدٌ وَلَحِقَ بِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ مُكَلَّفٌ بِنَفْيِهِ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ .
الْبُنَانِيُّ فِي نَفْيِ الْمَنْبُوذِ صُورَتَانِ الْأُولَى نَفْيُهُ عَنْ أَبٍ مُعَيَّنٍ كَلَسْت ابْنَ فُلَانٍ وَلَا حَدَّ بِهَذَا اتِّفَاقًا ، وَالثَّانِيَةُ رَمْيُهُ بِأَنَّهُ ابْنُ زِنًا ، وَفِيهَا قَوْلَانِ اللَّخْمِيُّ لَا يُحَدُّ .
ابْنُ رُشْدٍ يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِرِشْدَةٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ خِلَافُ الزَّانِيَةِ ، أَيْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ وَالْأَمْرُ إذَا احْتَمَلَ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ يُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ ، وَمَعْلُومٌ تَقْدِيمُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ خِلَافُهُ ، فَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ مِنْ كَلَامِهِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِي أَوْ الزَّانِيَةِ فَهَذَا قَذْفٌ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ بِالزِّنَا لَا لَهُ بِنَفْيِ نَسَبٍ فَلَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَعَلَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِجَهْلِ أَبَوَيْهِ وَابْنُ عَاشِرٍ بِأَنَّ الْمَنْبُوذَ لَا يَكُونُ إلَّا ابْنَ زِنًا قَالَهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ جَهْلَ أَبَوَيْهِ لِأَنَّ اللَّقِيطَ كَذَلِكَ وَالنَّصُّ حَدُّ قَاذِفِهِ بِذَلِكَ ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ وَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، إذْ لَيْسَ فِيهَا قَذْفٌ بِنَفْيِ نَسَبٍ

وَكَلَامُهُ فِيهِ .
الْحَطّ فِي التَّنْبِيهَاتِ اللَّقِيطُ حَيْثُ وُجِدَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ وُجِدَ فِي صِغَرِهِ وَالْمَنْبُوذُ الَّذِي وُجِدَ مَنْبُوذًا أَوَّلَ مَا وُلِدَ ، وَقِيلَ اللَّقِيطُ مَا اُلْتُقِطَ مِنْ الصِّغَارِ فِي الشَّدَائِدِ وَالْجَلَاءِ ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ أَبٌ ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَذَفَ اللَّقِيطَ بِأَبِيهِ يُحَدُّ ، وَمَنْ قَذَفَ الْمَنْبُوذَ بِهِ فَلَا يُحَدُّ ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا نَعْلَمُ مَنْبُوذًا إلَّا وَلَدَ الزِّنَا ، وَعَلَى قَائِلِهَا لِغَيْرِهِ الْحَدُّ وَأَرَادَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يُخَرِّجَ خِلَافَ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي اسْتَلْحَقَ لَقِيطًا ، أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَعِشْ لَهُ وَلَدٌ وَسَمِعَ قَوْلَ النَّاسِ مَنْ يُطْرَحْ يَعِشْ ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي النَّادِرِ ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى الْمُعْتَادِ ، وَفِي هَذِهِ نَازِلَةٌ وَقَعَتْ شَاذَّةً لَهَا دَلَائِلُ وَإِلَّا فَالْغَالِبُ مَا قَالَهُ أَوَّلًا ا هـ .
قَوْلُهُ وَعَلَى قَائِلِهَا لِغَيْرِهِ الْحَدُّ يَعْنِي مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مَنْبُوذُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِبَعْضِ الْمَشَايِخِ لِلَّخْمِيِّ إذْ قَالَ فِي اللَّقِيطِ وَأَمَّا نَسَبُهُ فَإِنَّ مَحْمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ ، وَأَنَّهُ لِرِشْدَةٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفِ الْأَبِ ، فَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ لَا أَبَا لَهُ أَوْ يَا وَلَدَ الزِّنَا حُدَّ لَهُ .
وَاخْتُلِفَ إذَا اسْتَلْحَقَهُ رَجُلٌ ، فَفِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ ، ثُمَّ قَالَ حُكْمُ الْمَنْبُوذِ حُكْمُ اللَّقِيطِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالدِّينِ .
وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ فَجَعَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِلزَّانِيَةِ لَا نَسَبَ لَهُ ، وَقَالَ مَنْ قَذَفَ الْمَنْبُوذَ بِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَلَا يُحَدُّ ، وَقَدْ قِيلَ الْمَنْبُوذُ مَنْ نُبِذَ عِنْدَمَا وُلِدَ وَالشَّأْنُ إنَّمَا يُفْعَلُ هَذَا بِمَا وُلِدَ عَنْ زِنًا وَاللَّقِيطُ مَا طُرِحَ عِنْدَ شِدَّةٍ وَجَدْبٍ لَا عِنْدَ وِلَادَتِهِ

وَلِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمَبْسُوطَةِ مِثْلُ هَذَا فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا مَنْبُوذُ ، قَالَ لَمْ نَعْلَمْ مَنْبُوذًا إلَّا وَلَدَ الزِّنَا ، وَأَرَى عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْحَدُّ ، وَكُلُّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ اسْتَلْحَقَ لَقِيطًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَعِشْ لَهُ وَلَدٌ ، وَسَمِعَ قَوْلَ النَّاسِ إذَا طُرِحَ عَاشَ ، وَهَذَا إنَّمَا يُفْعَلُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ أَطْلَقَ ابْنُ شَعْبَانَ عَلَى اللَّقِيطِ لَفْظَ مَنْبُوذٍ ، وَتَرْجَمَ عَلَى أَحْكَامِهِ فِي الْمُوَطَّإِ بِالْقَضَاءِ فِي الْمَنْبُوذِ اللَّقِيطِ ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَنْبُوذَ هُوَ مَنْ طُرِحَ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَأَنَّ اللَّقِيطَ مَنْ طُرِحَ بَعْدَهَا لِشِدَّةٍ ، وَأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى اللَّقِيطِ اسْمُ الْمَنْبُوذِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ ، فَقَوْلُهُ وَلَا إنْ نُبِذَ الظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَاهُ ، وَأَنَّ مَنْ نَفَى مَنْبُوذًا عَنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ مُعَيَّنٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ إذْ لَا أَبَ لَهُ مُعَيَّنٌ وَلَا جَدَّ فَلَا نَسَبَ لَهُ ، هَذَا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ لَا أَبَا لَهُ أَوْ يَا وَلَدَ الزِّنَا فَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمَبْسُوطِ ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ ، وَمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَا فِي الْبَيَانِ ، وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ غَازِيٍّ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِح وَالْمُحَشِّي مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْبُوذٍ يَا ابْنَ الزَّانِي أَوْ الزَّانِيَةِ فَبَعِيدٌ ، لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي نَفْيِ النَّسَبِ لَا فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لِمَنْبُوذٍ يَا وَلَدَ الزَّانِي أَوْ الزَّانِيَةِ ، وَالْعِلَّةُ فِي هَذَا كَوْنُهُ وَلَدَ زَانِيَةٍ لَا كَوْنُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ غَيْرَ مَعْرُوفَيْنِ لِأَنَّ هَذَا فِي اللَّقِيطِ ، وَقَدْ

نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى حَدِّ مَنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ .
( أَوْ ) قَذَفَ الْمُكَلَّفُ حُرًّا مُسْلِمًا بِ ( زِنًا ) بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الشَّامِلِ لِلِّوَاطِ ( إنْ كُلِّفَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ أُلْزِمَ الْمَقْذُوفُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَهُوَ الْبَالِغُ فَلَا يُحَدُّ مَنْ قَذَفَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ بِزِنًا ( وَ ) إنْ ( عَفَّ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مُثَقَّلًا ، أَيْ صَانَ الْمَقْذُوفُ نَفْسَهُ عَنْ الزِّنَا فَلَا يُحَدُّ مَنْ قَذَفَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا ، وَلَوْ حُدَّ فِيهِ وَتَابَ مِنْهُ وَصِلَةُ عَفَّ ( عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ ) أَيْ الرَّجْمَ أَوْ الْجَلْدَ ، وَإِنْ لَمْ يَعِفَّ عَمَّا دُونَهُ كَمُقَدِّمَاتٍ وَإِتْيَانِ بَهِيمَةٍ .
الْبُنَانِيُّ الْعَفَافُ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ حُدَّ فِي الزِّنَا وَلَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا هَذَا ظَاهِرُ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفِ ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ الْأُسْتَاذِ : الْعَفَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِمَوَاضِعِ الزِّنَا ، فَفِي النَّوَادِرِ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ قَذَفَ مَنْ جُلِدَ فِي زِنًا فَلَا يُحَدُّ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُؤَدَّبُ بِإِذَايَةِ الْمُسْلِمِ ، وَقَالَ مَنْ قَذَفَ إنْسَانًا ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ حُدَّ فَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَذِيَّةٍ لِإِذَايَتِهِ لِلْمَقْذُوفِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ مُقْتَضَى مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مِنْ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ حُدَّ فِي الزِّنَا أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ فِيهِ .
الْمُوَضَّحُ لَا يَعُودُ الْعَفَافُ أَبَدًا وَلَوْ تَابَ وَحَسُنَ حَالُهُ وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَعَفَافُ الْمَقْذُوفِ الْمُوجِبُ حَدَّ قَاذِفِهِ مَسَائِلُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحَةٌ بِأَنَّهُ السَّلَامَةُ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا قَبْلَ قَذْفِهِ وَبَعْدَهُ .
وَمِنْ ثُبُوتِ حَدِّهِ لِاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ حَالَ كَوْنِهِ ( بِآلَةٍ ) لِلْوَطْءِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْبُوبِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَالْعِنِّينِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ فَلَا

مَعَرَّةَ عَلَى الْمَقْذُوفِ ( وَ ) إنْ ( بَلَغَ ) الْمَقْذُوفُ بِأَنَّهُ فَاعِلُ الْحُلُمَ وَصَرَّحَ بِهِ وَإِنْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كُلِّفَ لِيُشَبِّهَ بِهِ فِي قَوْلِهِ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ ( بَلَغَتْ ) الْأُنْثَى ( الْوَطْءَ ) أَيْ إطَاقَتَهُ وَلَمْ تَبْلُغْ الْحُلُمَ فَيُحَدُّ قَاذِفُهَا بِالزِّنَا لِلُحُوقِ الْمَعَرَّةِ لَهَا بِهِ وَمِثْلُهَا الذَّكَرُ الْمُطِيقُ الْمَقْذُوفُ بِاللِّوَاطِ فِيهِ ، فَفِي التَّوْضِيحِ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ فِي الْقَذْفِ بِاللِّوَاطِ إنَّمَا هُوَ فِي الْفَاعِلِ لَا الْمَفْعُولِ بِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْبِنْتِ بِذَلِكَ لِلُحُوقِ الْمَعَرَّةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ مُطِيقَةٌ لِوَطْءٍ كَالْبَالِغَةِ لِقَوْلِهَا مَنْ قَذَفَ صَبِيَّةً لَمْ تَبْلُغْ الْحَيْضَ وَمِثْلُهَا يُوطَأُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ يُجَامَعُ ، فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " يُحَدُّ لَهَا ، وَقَالَ ابْنُ الْجَهْمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُحَدُّ ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِلُحُوقِ الْمَعَرَّةِ لَهَا بِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ أَيْ حَدِّ الْقَذْفِ تَكْلِيفُ الْقَاذِفِ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِذَلِكَ ، وَشَرْطُ الْمَقْذُوفِ بِفِعْلِهِ بُلُوغُهُ وَإِسْلَامُهُ وَعَفَافُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَعَقْلُهُ حِينَ رَمْيِهِ بِالْفَاحِشَةِ لِقَوْلِهَا كُلُّ مَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَيْسَ عَلَى مَنْ رَمَى بِهِ رَجُلًا حَدُّ الْفِرْيَةِ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ مَنْ رَمَى امْرَأَةً بِبَهِيمَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ ، وَكَذَا مَنْ رَمَى بِهِ بَرِيئًا مِنْ الرِّجَالِ وَقَالَ رَبِيعَةُ فِيهِ النَّكَالُ .
( أَوْ مَحْمُولًا ) " غ " كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنْ نُبِذَ ، أَيْ أَوْ كَانَ مَحْمُولًا وَلَا يَخْفَاك مَا فِيهِ ، وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَأَنَّ صَوَابَهُ أَوْ مَفْعُولًا كَأَنَّهُ قَالَ كَأَنْ بَلَغَتْ الصَّبِيَّةُ الْوَطْءَ أَوْ سَمَّى الْقَاذِفَ الصَّبِيَّ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57