كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

وَتَعْلِيمُ صَبِيٍّ
( وَ ) كُرِهَ ( تَعْلِيمُ صَبِيٍّ ) بِمَسْجِدٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ أَمَّا تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ مَبْلَغَ الْأَدَبِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْتَى بِهِ الْمَسْجِدَ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَقِرُّ فِيهِ وَيَعْبَثُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ ، وَرَوَى سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُهُمْ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَحَفَّظُونَ مِنْ النَّجَاسَةِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ

وَبَيْعٌ وَشِرَاءٌ
( وَ ) كُرِهَ ( بَيْعٌ وَشِرَاءٌ ) بِمَسْجِدٍ .
رَوَى الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَنْشُدُ ضَالَّتَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ : لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك } ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الْمَسْجِدِ ذَهَبًا الْبَاجِيَّ لَعَلَّهُ يُرِيدُ قَضَاءَ الْيَسِيرِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُظْهِرَ سِلْعَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْبَيْعِ فَأَمَّا أَنْ يُسَاوِمَ رَجُلًا بِثَوْبٍ عَلَيْهِ أَوْ بِسِلْعَةٍ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ لَهَا فَيُوجِبُ بَيْعَهَا ، فَلَا بَأْسَ بِهِ .
الْجُزُولِيُّ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا الشِّرَاءُ ، وَاخْتُلِفَ إذَا رَأَى سِلْعَةً خَارِجَ الْمَسْجِدِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ بَيْعَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَمْ لَا قَوْلَانِ مِنْ غَيْرِ سِمْسَارٍ ، وَأَمَّا الْبَيْعُ بِالسِّمْسَارِ فِيهِ فَمَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ ، فَإِنْ بَاعَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ وَأَنَّهُ مَاضٍ .

وَسَلُّ سَيْفٍ
( وَ ) كُرِهَ ( سَلُّ سَيْفٍ ) بِمَسْجِدٍ .
ابْنِ رُشْدٍ لَا تُسَلُّ بِالْمَسْجِدِ سُيُوفٌ ، رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُمَرُّ فِي الْمَسْجِدِ بِلَحْمٍ وَلَا يُنْقَرُ فِيهِ النَّبْلُ وَتُمْنَعُ الْمُقَاتَلَةُ فِيهِ .
ابْنُ حَبِيبٍ يَعْنِي بِنَقْرِ النَّبْلِ إدَارَتَهَا عَلَى الظُّفْرِ لِيَعْلَمَ مُسْتَقِيمَهَا مِنْ مُعْوَجِّهَا ، وَأَنَا أَكْرَهُ الْفَرَّارَةَ الَّتِي أُحْدِثَتْ عِنْدَنَا بِمَسْجِدِ قُرْطُبَةَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً

وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ

( وَ ) كُرِهَ ( إنْشَادُ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ ، أَيْ تَعْرِيفُ وَطَلَبُ دَابَّةٍ ( ضَالَّةٍ ) بِمَسْجِدٍ لِحَدِيثِ { إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك } ، بَعْضُهُمْ وَنَشْدُهَا أَيْ طَلَبُ رَبِّهَا مَنْ وَجَدَهَا ، وَالنَّهْيُ مُقَيَّدٌ بِرَفْعِ الصَّوْتِ .
الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ الْبِدَعِ لَوْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ صَوْتَهُ وَسَأَلَ عَنْهَا جُلَسَاءَهُ غَيْرَ رَافِعٍ صَوْتَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُسْنِ الْمُحَادَثَةِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ ا هـ .
الْحَطّ أَرَادَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ مَرَّ عُمَرُ بِحَسَّانَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يُنْشِدُ شِعْرًا فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إلَيْهِ ، أَيْ أَوْمَأَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ أَنْ اُسْكُتْ ، هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " كَرِهَ إنْشَادَ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَبَنَى رَحْبَةً خَارِجَهُ ، وَقَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا فَلْيَخْرُجْ إلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَالْإِجَازَةِ مُطْلَقًا ، وَالْأَوَّلُ التَّفْصِيلُ ، فَمَا اشْتَمَلَ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُمَا كَشِعْرِ حَسَّانَ ، أَوْ تَضَمَّنَ حَثًّا عَلَى خَيْرٍ فَهُوَ حَسَنٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ الْكَذِبِ وَالْفَوَاحِشِ وَالتَّزَيُّنِ بِالْبَاطِلِ غَالِبًا ، وَلَوْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَأَقَلُّ مَا فِيهِ اللَّغْوُ وَالْهَذَرُ وَالْمَسَاجِدُ تُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هِيَ لِلذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ } .
ا هـ نَقَلَهُ الْحَطّ .
طفي فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ إنْشَادَ مَصْدَرُ أَنْشَدَ

الرُّبَاعِيِّ ، وَهُوَ تَعْرِيفُهَا وَنَشَدَ الثُّلَاثِيُّ ، وَهُوَ طَلَبُهَا ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ ، فَفِي الصِّحَاحِ نَشَدْت الضَّالَّةَ أَنْشُدُهَا نِشْدَةً وَنِشْدَانًا طَلَبْتهَا وَأَنْشَدْتهَا أَيْ عَرَّفْتهَا .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَأْلُوفُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لُقَطَةِ مَكَّةَ { لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ } ، أَيْ مُعَرِّفٍ .
{ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ طَلَبَ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ أَيُّهَا النَّاشِدُ غَيْرُك الْوَاجِدُ } تَأْدِيبًا لَهُ ، لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ إنَّ نَشَدَ وَأَنْشَدَ يُقَالَانِ لِلطَّلَبِ وَلِلتَّعْرِيفِ ، وَإِنَّهُمَا مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ ، وَنَصُّهُ نَشَدَ الضَّالَّةَ نَشْدًا وَنِشْدَانًا وَنِشْدَةً بِكَسْرِهِمَا طَلَبَهَا ، وَعَرَّفَهَا ثُمَّ قَالَ وَأَنْشَدَ الضَّالَّةَ عَرَّفَهَا وَاسْتَرْشَدَ عَمَّا ضَلَّ .
ا هـ .
وَعَلَيْهِ فَلَفْظُ الْمُصَنِّفِ صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ .

وَهَتْفٌ بِمَيِّتٍ ، وَرَفْعُ صَوْتٍ .
كَرَفْعِهِ بِعِلْمٍ

( وَ ) كُرِهَ ( هَتْفٌ ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ فَفَاءٍ ، أَيْ صِيَاحٌ فِي الْأَخْبَارِ ( بِ ) مَوْتِ ( مَيِّتٍ ) بِمَسْجِدٍ أَوْ بَابِهِ ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّذِيرُ بِمِصْرَ وَزَعَقَاتُ الْمُؤَذِّنِينَ فَمِنْ النَّعْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَالَهُ تت ( وَ ) كُرِهَ ( رَفْعُ صَوْتٍ ) بِعِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ بِمَسْجِدٍ إلَّا لِلتَّبْلِيغِ .
الْبَاجِيَّ ابْنُ مَسْلَمَةَ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ مَمْنُوعٌ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَالْخُصُومَةِ مِنْ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَجَهْرِ الْإِمَامِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْمُتَنَفِّلِ بِاللَّيْلِ وَحْدَهُ .
وَأَمَّا جَهْرُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَمَمْنُوعٌ .
ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى { لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ } كَرِهَ الْعُلَمَاءُ رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِحَضْرَةِ الْعَالِمِ وَفِي الْمَسَاجِدِ وَفِي هَذِهِ كُلِّهَا آثَارٌ ، وَفِي قَوْلِهِ { لَا تُقَدِّمُوا } ابْنُ أَبِي أَوْفَى أَيْ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ فِي الْمَشْيِ ، وَكَذَا بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ .
وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ ( كَرَفْعِهِ ) أَيْ الصَّوْتِ ( بِعِلْمٍ ) فَوْقَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْإِسْمَاعِ فَيُكْرَهُ فِي مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ فِي الْمَبْسُوطِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ رَأَيْت مَالِكًا " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَعِيبُ عَلَى أَصْحَابِهِ رَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ .
ابْنُ حَبِيبٍ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْمَسْجِدِ وَالْهَتْفُ بِالْمَيِّتِ بِهِ ، وَكُلُّ مَا يُرْفَعُ بِهِ الصَّوْتُ حَتَّى بِالْعِلْمِ فَقَدْ كُنْت رَأَيْت بِمَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيرَهَا ، يَقِفُ بِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي مَجْلِسِهِ إذَا اسْتَعْلَى كَلَامَهُ وَكَلَامَ أَهْلِ مَجْلِسِهِ فِي الْعِلْمِ ، فَيَقُولُ لَهُ : يَا أَبَا مَرْوَانَ اخْفِضْ مِنْ صَوْتِك ، وَأْمُرْ جُلَسَاءَك يَخْفِضُونَ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ

وَالْمَشْهُورُ كَرَاهَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْعِلْمِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَكْرُوهَاتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ هُنَا عَلَى الْمَنْعِ ، وَتَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ هُنَا فِي التَّعْبِيرِ بِالْكَرَاهَةِ فَيَنْبَغِي حَمْلَهَا عَلَى الْمَنْعِ كَمَا قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ .

وَوَقِيدُ نَارٍ
وَ ) كُرِهَ ( وَقِيدُ نَارٍ ) بِمَسْجِدٍ وَلَوْ بِالْقَنَادِيلِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ .
ابْنُ وَهْبٍ لَا تُوقَدُ نَارٌ فِي الْمَسْجِدِ

وَدُخُولُ كَخَيْلٍ لِنَقْلٍ
( وَ ) كُرِهَ ( دُخُولُ كَخَيْلٍ ) وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ مِمَّا فَضْلَتُهُ نَجِسَةٌ ( لِنَقْلِ ) الشَّيْءِ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ مِنْهُ وَلَمْ يَحْرُمْ لِلضَّرُورَةِ ، وَأَمَّا مَا فَضَلْتُهُ طَاهِرَةٌ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَدُخُولُهُ لِنَقْلٍ جَائِزٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى الشَّيْخُ أَكْرَهُ إدْخَالَ الْمَسْجِدِ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ لِنَقْلِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَصَالِحِهِ وَلْيُنْقَلْ عَلَى إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ .
وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَسَّعَ فِي دُخُولِ النَّصَارَى الْمَسْجِدَ لِيَبْنُوا بِهِ .
قَالَ وَلْيَدْخُلُوا مِنْ جِهَةِ عَمَلِهِمْ .

وَفَرْشٌ أَوْ مُتَّكَأٌ
( وَ ) كُرِهَ ( فَرْشٌ ) فِي الْمَسْجِدِ لِشَيْءٍ يَتَرَفَّهُ بِهِ كَبُسُطٍ وَسَجَّادَاتٍ يَجْلِسُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْخُشُوعَ الْمَطْلُوبَ فِيهَا وَمُخَالِفٌ لِسُنَّةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ تَرْتِيبِ الْمَسْجِدِ أَوْ تَحْصِيبِهِ ( وَ ) كُرِهَ ( مُتَّكَأٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ مُثَقَّلَةً مَهْمُوزًا مَقْصُورًا ، أَيْ شَيْءٌ يُتَّكَأُ عَلَيْهِ بِمَسْجِدٍ لِذَلِكَ كَوِسَادَةٍ .
رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُتَوَقَّى بَرْدُ الْأَرْضِ وَالْحَصَا بِالْحَصِيرِ وَالْمُصَلَّيَاتِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَكُرِهَ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ يُتَّكَأَ فِيهِ عَلَى وِسَادَةٍ .
الْبَاجِيَّ أَرَادَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي التَّوَاضُعَ الْمَشْرُوعَ فِي الْمَسَاجِدِ .

وَلِذِي مَأْجَلٍ ، وَبِئْرٍ ، وَمِرْسَالِ مَطَرٍ .
كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ

( وَلِذِي ) أَيْ صَاحِبِ ( مَأْجَلٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ وَقَلَّ كَسْرُهَا وَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ بَيْنَهُمَا هَمْزٌ سَاكِنٌ أَيْ مَخْزَنِ مَاءٍ كَصِهْرِيجٍ ( وَ ) لِذِي ( بِئْرٍ فِي مِلْكِهِ وَ ) لِذِي ( مِرْسَالِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ، أَيْ مَحَلِّ اجْتِمَاعِ ( مَطَرٍ ) وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ ( كَ ) بَيْعِ ( مَاءٍ يَمْلِكُهُ ) فِي إنَاءٍ وَمُبْتَدَأُ لِذِي مَأْجَلٍ إلَخْ ( مَنْعُهُ ) أَيْ مَاءَ الْمَأْجَلِ وَالْبِئْرِ وَالْمِرْسَالِ وَالْمَمْلُوكِ فِي آنِيَةٍ مِنْ غَيْرِهِ ( وَلَهُ بَيْعُهُ ) أَيْ مَاءِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَرْبَعٌ لَا تُمْنَعُ : الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْحَطَبُ وَالْكَلَأُ .
وَرُدَّ بِمَنْعِ بَيْعِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ .
ابْنُ فَرْحُونٍ قَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الْخِلَافَ بِمَا إذَا كَانَتْ فِي أَرْضِهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي دُخُولِهَا لِلِاسْتِقَاءِ .
وَأَمَّا الْبِئْرُ الَّتِي فِي حَائِطِ الرَّجُلِ أَوْ دَارِهِ قَدْ حَظَرَ عَلَيْهَا ، فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ إلَيْهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْحَطَبِ وَالْكَلَأِ الَّذِي فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ ، بَلْ فِي الْفَحْصِ .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ حَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُمْنَعُ نَقْعٌ وَلَا رَهْوُ مَاءٍ } عَلَى عُمُومِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ، وَتَأَوَّلَهُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَلَى مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ ا هـ وَرَهْوُ الْمَاءِ مُجْتَمَعُهُ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ رَبَّ الْمَاءِ الْمُسْتَخْرَجِ يَحْفِرُ فِي أَرْضِهِ أَحَقُّ بِهِ كَالْمَاءِ الَّذِي فِي آنِيَتِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ ، وَنَقَلَ الْبَاجِيَّ وَاللَّخْمِيُّ وَإِيَّاهُمْ تَبِعَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَأَخَذَ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافَهُ مِنْ قَوْلِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْمُتَقَدِّمِ وَأَتْبَاعِهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ يُرَدُّ بِاحْتِمَالِ حَمْلِهِ عَلَى الْمِيَاهِ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ

بِنُزُولِ مَطَرٍ أَوْ تَفَجُّرٍ فِيهَا دُونَ تَسَبُّبٍ فِيهِ بِحَفْرٍ وَنَحْوِهِ وَلِذَا قَارَنَهُ بِالنَّارِ وَالْحَطَبِ وَالْكَلَأِ .

إلَّا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ وَالْأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ

وَاسْتَثْنَى مِنْ مُتَعَلِّقِ قَوْلِهِ لَهُ مَنْعُهُ فَقَالَ ( إلَّا مَنْ ) أَيْ إنْسَانًا ( خِيفَ عَلَيْهِ ) الْهَلَاكُ أَوْ الْمَرَضُ الْخَطِرُ ( وَ ) الْحَالُ ( لَا ثَمَنَ ) لِلْمَاءِ الْمُحْتَاجِ لَهُ ( مَعَهُ ) أَيْ مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ فَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْمَاءِ مَنْعُهُ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْفَاضِلَ مِنْ الْمَاءِ مَجَّانًا لِوُجُوبِ مُوَاسَاتِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ مَا كَانَ مِنْ الْمَاءِ فِي أَرْضٍ مُتَمَلَّكَةٍ ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِثْلَ بِئْرٍ يَحْضُرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَسْتَخْرِجُهَا أَوْ غَيْرَ مُسْتَنْبَطٍ غَدِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، وَيَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ ، وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ إلَّا بِثَمَنٍ إلَّا أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ لَا ثَمَنَ مَعَهُمْ ، وَيُخَافَ عَلَيْهِمْ الْهَلَاكُ إنْ مَنَعَهُمْ فَحَقٌّ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَمْنَعَهُمْ ، فَإِنْ مَنَعَهُمْ فَعَلَيْهِمْ مُجَاهَدَتُهُ ، هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ نَهْيَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ مَنْعِ نَقْعِ الْبِئْرِ عَلَى عُمُومِهِ ، بَلْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَمْنَعَ الشُّرْبَ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الْغَدِيرِ يَكُونُ فِي أَرْضِهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ عَلَيْهِ بِهِ ، وَلَهُ فِي وَاجِبِ الْحُكْمِ أَنْ يَمْنَعَ مَاءَهُ إذَا شَاءَ وَيُبِيحَهُ إذَا شَاءَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَاءُ فِي إنَاءٍ لِرَبِّهِ يَخْتَصُّ بِهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْمُوَاسَاةِ .
( وَالْأَرْجَحُ ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْخِلَافِ أَخْذُهُ ( بِالثَّمَنِ ) " غ " يُرِيدُ إنْ كَانَ مَعَهُ ثَمَنٌ كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذِكْرَ الثَّمَنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ مَعَ وُجُودِهِ .
طفي ؛ لِأَنَّ تَرْجِيحَ ابْنِ يُونُسَ أَخْذُهُ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ مَعَهُ ، وَلَا يَتْبَعُ بِهِ دَيْنًا ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَلَهُ الثَّمَنُ إنْ وُجِدَ .
وَنَصُّ ابْنِ يُونُسَ : وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَافَ عَلَى مُسْلِمٍ الْمَوْتَ أَنْ يُحْيِيَهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، فَيَجِبُ عَلَى أَصْحَابِ الْمِيَاهِ بَيْعُهَا مِنْ الْمُسَافِرِينَ

بِمَا تُسَاوِي ، وَلَا يُشَطِّطُوا عَلَيْهِمْ فِي ثَمَنِهَا .
وَلَمْ يَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَأْخُذُوهَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ ، وَقَالَهُ فِي الَّذِي انْهَارَتْ بِئْرُهُ أَنَّهُ يَسْقِي بِمَاءِ جَارِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ .
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ .
ابْنُ يُونُسَ وَإِحْيَاءُ نَفْسِهِ أَعْظَمُ مِنْ إحْيَاءِ زَرْعِهِ ، وَالْأَوْلَى فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ كَمَا لَوْ مَاتَ جَمَلُهُ فِي الصَّحْرَاءِ لَكَانَ عَلَى بَقِيَّةِ الرُّفَقَاءِ أَنْ يُكْرُوا مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ لَا ثَمَنَ مَعَهُمْ وَجَبَتْ مُوَاسَاتُهُمْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتْبَعُوا بِالثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَمْوَالٌ بِبَلَدِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ الْيَوْمَ أَبْنَاءُ سَبِيلٍ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِوُجُوبِ مُوَاسَاتِهِمْ ا هـ .
" غ " زَادَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ فَضْلَ مَاءِ جَارِهِ لَا ثَمَنَ لَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ ، فَيَصِحُّ الْجَوَابُ ، وَيَكُونُ هَذَا الْمَاءُ الَّذِي بَاعَهُ لِلْمُسَافِرِينَ لَهُ ثَمَنٌ ، فَاخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى .
وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ مُخْتَارُونَ بِسَبَبِ السَّفَرِ ، وَاَلَّذِي انْهَارَتْ بِئْرُهُ لَيْسَ بِمُخْتَارٍ .

كَفَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ ، وَأَخَذَ يُصْلِحُ ، وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ :

وَشَبَّهَ فِي حُرْمَةِ الْمَنْعِ وَوُجُوبِ الْبَذْلِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْأَرْجَحِ فَقَالَ ( كَفَضْلِ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ زَائِدُ مَاءِ ( بِئْرِ زَرْعٍ ) عَنْ سَقْيِ زَرْعِ حَافِرِهِ وَ ( خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ ) أَيْ حَافِرِ الْبِئْرِ أَوْ نَخْلِهِ الْهَلَاكُ بِالْعَطَشِ ( بِ ) سَبَبِ ( هَدْمِ ) أَيْ انْهِدَامِ ( بِئْرِهِ ) أَيْ الْجَارِ أَوْ غَوْرِ مَائِهِ ( وَأَخَذَ ) أَيْ شَرَعَ الْجَارُ ( يُصْلِحُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ بِئْرَهُ ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ أَنَّهُ زَرَعَ عَلَى مَاءٍ فَيَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ تَمْكِينُ جَارِهِ مِنْ سَقْيِ زَرْعِهِ أَوْ شَجَرِهِ بِمَا فَضَلَ عَنْ سَقْيِ زَرْعِهِ ، وَاخْتَارَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ الثَّمَنَ يَلْزَمُ الْجَارَ إنْ وُجِدَ مَعَهُ .
( وَ ) إنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبِئْرِ مِنْ تَمْكِينِ جَارِهِ مِنْ ذَلِكَ ( أُجْبِرَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ صَاحِبُ الْبِئْرِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ تَمْكِينِ جَارِهِ مِنْ سَقْيِ زَرْعِهِ أَوْ نَخْلِهِ لِفَضْلِ مَاءِ بِئْرِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى زَرْعِ الْجَارِ أَوْ نَخْلِهِ أَوْ كَانَ زَرَعَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ أَوْ لَمْ تَنْهَدِمْ بِئْرُهُ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ فِي إصْلَاحِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ .
فِيهَا إذَا حَرَثَ جَارُكَ عَلَى غَيْرِ أَصْلِ مَاءٍ فَلَكَ مَنْعُهُ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِفَضْلِ مَاءِ بِئْرِك الَّتِي فِي أَرْضِك إلَّا بِثَمَنٍ إنْ شِئْت .
أَبُو الْحَسَنِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ لَهُ ثَمَنٌ .
ابْنُ يُونُسَ : أَمَّا إذَا كَانَ لَا ثَمَنَ لَهُ وَلَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُهُ بِفَضْلِهِ فَمَا الَّذِي يَمْنَعُ الْجَارَ أَنْ يَبْتَدِئَ الزَّرْعَ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ .
ابْنُ رُشْدٍ مِنْ حَقِّ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَاءِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا فَضَلَ مِنْهُ دُونَ ثَمَنٍ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ صَاحِبُهُ ثَمَنًا بِاتِّفَاقٍ ، وَإِنْ وَجَدَ فَعَلَى اخْتِلَافٍ .
وَأَمَّا إنْ حَرَثَ وَلِأَرْضِهِ بِئْرٌ فَانْهَارَتْ فَخَافَ عَلَى زَرْعِهِ ، فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ عَلَيْك بِفَضْلِ مَاءِ بِئْرِك بِغَيْرِ ثَمَنٍ

، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَائِكَ فَضْلٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إنْ تَرَكَ التَّشَاغُلَ بِإِصْلَاحِ بِئْرِهِ اتِّكَالًا عَلَى بِئْرِ جَارِهِ فَلَا يَلْزَمُ جَارَهُ بَذْلُ الْمَاءِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ زَرَعَ ابْتِدَاءً عَلَى غَيْرِ مَاءٍ .

كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ بِصَحْرَاءَ هَدَرًا إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ
وَشَبَّهَ فِي الْجَبْرِ فَقَالَ ( كَفَضْلِ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ زَائِدُ مَاءِ ( بِئْرِ ) سَقْيِ ( مَاشِيَةٍ ) حُفِرَتْ ( بِصَحْرَاءَ ) لَا اخْتِصَاصَ لِأَحَدٍ بِهَا فَيَجِبُ عَلَى حَافِرِهَا دَفْعُهُ لِوَارِدِهَا ( هَدَرًا ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ بِلَا عِوَضٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ فَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يَهَبُهُ وَلَا يُورَثُ إذَا مَاتَ ( إنْ لَمْ يُبَيِّنْ ) حِينَ حَفْرِهِ أَنَّهُ قَصَدَ ( الْمِلْكِيَّةَ ) لِلْبِئْرِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ ، فَإِنْ بَيَّنَهَا فَلَهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَتُورَثُ عَنْهُ إنْ مَاتَ ، وَمِنْ الْبَيَانِ أَنْ يُشْهِدَ حِينَ حَفْرِهَا أَنَّهَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَفَرَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِئْرَ الْمَاشِيَةِ أَوْ شَفَةً فَلَا يَمْنَعُ فَضْلَهَا مِنْ أَحَدٍ وَإِنْ مَنَعَهَا حَلَّ قِتَالُهُ وَيَغْرَمُ .
دِيَةَ مَنْ مَنَعَهُ وَمَاتَ عَطَشًا .
وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَرِينَانِ لِاتِّبَاعِ مِيَاهِ الْمَوَاشِي وَلَا تُمْنَعُ مِنْ أَحَدٍ وَلَا يَصْلُحُ فِيهَا عَطَاءٌ .
ابْنُ رُشْدٍ مِيَاهُ الْمَوَاشِي هِيَ الْآبَارُ وَالْمَوَاجِلُ وَالْجِبَابُ يَصْنَعُهَا الرَّجُلُ فِي الْبَرَارِي لِلْمَاشِيَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَحْتَاجُ لِمَاشِيَتِهِ وَيَدَعُ الْفَضْلَ لِلنَّاسِ وَالْبِئْرُ وَالْمَأْجَلُ وَالْجُبُّ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " سَوَاءٌ ، فَلَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ حَفْرِهَا أَنَّهُ يَحْفِرُهَا لِنَفْسِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ مَائِهَا وَاسْتَحَقَّهَا مَالِكُهَا بِالْإِحْيَاءِ .

وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ وَلَهُ عَارِيَّةُ آلَةٍ ، ثُمَّ حَاضِرٍ ، ثُمَّ دَابَّةِ رَبِّهَا بِجَمِيعِ الرَّيِّ ، وَإِلَّا بِنَفْسِ الْمَجْهُودِ

( وَ ) إذَا اجْتَمَعَ عَلَى فَضْلِ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ بِصَحْرَاءَ عَنْ سَقْيِ أَهْلِهِ وَرَيٍّ جَمِيعُهُمْ مُسْتَحِقُّونَ ، وَهُوَ يَكْفِيهِمْ ( بُدِئَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بِ ) سَقْيِ ذَاتِ ( مُسَافِرٍ ) عَلَى سَقْيِ حَاضِرٍ ، أَيْ مُقِيمٍ بِبَلَدِ الْمَاءِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُسَافِرِ عَلَى الْحَاضِرِ ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ الْمَاءِ أَوْ غَيْرَهُ ( عَارِيَّةٌ ) أَيْ إعَارَةُ ( آلَةٍ ) لِلْمَاءِ كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ وَحَوْضٍ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لِابْنِ السَّبِيلِ عَارِيَّةُ الدَّلْوِ وَالرِّشَاءِ وَالْحَوْضِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أَدَاةٌ يُعِينُهُ بِهَا وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّكِيَّةِ فَيَسْقِي .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ عَارِيَّةِ الْآلَةِ لِلْمَلِيءِ وَالْفَقِيرِ ، وَلَعَلَّهُ ؛ لِأَنَّ مَالِكَهَا لَمْ يَتَّخِذْهَا لِلْكِرَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَاهُ لَوْ اتَّخَذَهَا مَالِكُهَا لِلْكِرَاءِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ عَارِيَّتُهَا لِلْمُسَافِرِ ، وَمُقْتَضَى الرِّوَايَةِ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ وُجُوبِ عَارِيَّتِهَا بِاضْطِرَارِ الْمُسَافِرِ بِمَحَلٍّ هُوَ مَظِنَّةُ عَدَمِ اتِّخَاذِ الْآلَةِ لِلْكِرَاءِ ، فَلَا يُنْتَقَضُ ذَلِكَ بِنُدُورِ اتِّخَاذِهَا لَهُ فِيهِ حَسَبَ مَا تَقَرَّرَ فِي التَّعْلِيلِ بِالْمَظِنَّةِ .
( ثُمَّ ) يُبْدَأُ بَدْءًا إضَافِيًّا أَيْضًا بِشَخْصٍ ( حَاضِرٍ ) أَيْ مُقِيمٍ فِي بَلَدِ الْمَاءِ غَيْرِ صَاحِبِهِ ( ثُمَّ ) يُبْدَأُ بِسَقْيِ ( دَابَّةِ رَبِّهَا ) أَيْ الْبِئْرِ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا ثُمَّ دَابَّةِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ دَابَّةِ الْحَاضِرِ ثُمَّ مَاشِيَةِ رَبِّهَا ثُمَّ مَاشِيَةِ الْحَاضِرِ وَكُلِّ مَنْ قَدِمَ ( فَ ) يُقَدَّمُ ( بِجَمِيعِ الرَّيِّ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مَصْدَرُ رَوِيَ بِكَسْرِ الْوَاوِ لَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ وَجْهُ التَّبْدِئَةِ فِي الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْبِئْرِ وَالْمَارَّةُ وَسَائِرُ النَّاسِ إذَا كَانَ الْمَاءُ يَقُومُ بِالْجَمِيعِ أَنْ يُبْدَأَ أَوَّلًا بِأَهْلِ الْمَاءِ ، فَيَأْخُذُوا لِأَنْفُسِهِمْ حَتَّى

يَرْوُوا ، ثُمَّ الْمَارَّةِ حَتَّى يَرْوُوا ، ثُمَّ سَائِرِ النَّاسِ حَتَّى يَرْوُوا ، ثُمَّ دَوَابِّ أَهْلِ الْمَاءِ حَتَّى يَرْوُوا ، ثُمَّ دَوَابِّ الْمُسَافِرِينَ حَتَّى يَرْوُوا ، ثُمَّ دَوَابِّ سَائِرِ النَّاسِ حَتَّى يَرْوُوا ، ثُمَّ مَوَاشِي أَهْلِ الْمَاءِ حَتَّى يَرْوُوا ، ثُمَّ مَوَاشِي الْمُسَافِرِ حَتَّى يَرْوُوا ، ثُمَّ الْفَضْلُ لِسَائِرِ مَوَاشِي النَّاسِ .
الْخَرَشِيُّ ثُمَّ مَوَاشِي رَبِّهِ ، ثُمَّ مَوَاشِي الْمُسَافِرِ ، ثُمَّ مَوَاشِي الْحَاضِرِ ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَ فِي أَرْبَابِهَا وَسُكُوتُهُ فِيهَا عَنْ مَاشِيَةِ الْمُسَافِرِ ، اعْتَذَرُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا مَاشِيَةَ لَهُ ، وَأُخِّرَتْ مَوَاشِي الْمُسَافِرِ عَنْ دَابَّتِهِ لَعَلَّهُ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تُذَكَّى إذَا خِيفَ مَوْتُهَا بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ .
الْعَدَوِيُّ فِيهِ أَنَّهُ قُدِّمَتْ دَابَّةُ الْمُسَافِرِ عَلَى دَابَّةِ غَيْرِهِ لِاسْتِعْجَالِهِ فَيُفِيدُ أَنَّ مَاشِيَتَهُ تَكُونُ مَعَ دَابَّتِهِ وَلَا تُؤَخَّرُ عَنْهَا كَمَا هُوَ الْوَجْهُ ، فَمَا قَالَهُ الْخَرَشِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ تَأْخِيرِ مَوَاشِي الْمُسَافِرِ عَنْ دَابَّتِهِ ، وَأَنَّهَا بَعْدَ مَاشِيَةِ أَهْلِ الْمَاءِ فِيهِ نَظَرٌ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ كَافِيًا لِجَمِيعِ الْحَاضِرِينَ عِنْدَهُ ( فَ ) يُبْدَأُ ( بِنَفْسِ ) الشَّخْصِ ( الْمَجْهُودِ ) أَيْ الَّذِي اشْتَدَّ عَطَشُهُ وَخِيفَ هَلَاكُهُ آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ " غ " رَاجِعٌ لِفَضْلِ مَاءِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَضْلٌ بُدِئَ بِنَفْسِ الْمَجْهُودِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ فَيَجْمَعُ الرَّيَّ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْفَضْلِ رَيُّ الْجَمِيعِ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَاءِ فَضْلٌ وَتَبْدِئَةُ أَحَدِهِمْ تُجْهِدُ الْآخَرِينَ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِأَنْفُسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ مَنْ كَانَ الْجَهْدُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ بِتَبْدِئَةِ صَاحِبِهِ ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْجَهْدِ تَوَاسَوْا .
هَذَا مَذْهَبُ أَشْهَبَ .
وَذَهَبَ ابْنُ لُبَابَةَ أَنَّهُمْ

إذَا تَسَاوَوْا فِي الْجَهْدِ فَأَهْلُ الْمَاءِ أَحَقُّ بِالتَّبْدِئَةِ لِأَنْفُسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ ، وَأَمَّا إنْ قَلَّ الْمَاءُ وَخِيفَ عَلَى بَعْضِهِمْ بِتَبْدِئَةِ بَعْضٍ الْهَلَاكُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ أَهْلُ الْمَاءِ فَيَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِقَدْرِ مَا يُذْهِبُ عَنْهُمْ الْخَوْفَ ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ أَخَذَ الْمُسَافِرُ لِنَفْسِهِ بِقَدْرِ مَا يُذْهِبُ الْخَوْفَ عَنْهُ ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ أَخَذَ أَهْلُ الْمَاءِ لِدَوَابِّهِمْ بِقَدْرِ مَا يُذْهِبُ عَنْهَا الْخَوْفَ ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ أَخَذَ الْمُسَافِرُ لِدَوَابِّهِ بِقَدْرِ مَا يُذْهِبُ الْخَوْفَ عَنْهَا ، وَلَا اخْتِلَافَ عِنْدِي فِي هَذَا الْوَجْهِ .
طفي الِاحْتِمَالَانِ رَاجِعَانِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ أَمَسُّ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ الْكَلَامَ فِي الْفَضْلِ عَنْ أَهْلِ الْبِئْرِ ، وَلِذَا قَالَ وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ ، وَالْأَئِمَّةُ فَرَضُوا الْكَلَامَ فِيمَنْ يَقْدَمُ فِي الْمَاءِ ابْتِدَاءً ، ثُمَّ رَتَّبُوا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كِفَايَةٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَا حُفِرَ فِي الْفَيَافِي وَالطُّرُقِ مِنْ الْمَوَاجِلِ كَمُوَاجَلِ طُرُقِ الْمَغْرِبِ .
كَرِهَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " بَيْعَ مَائِهَا وَلَمْ يَرَهُ حَرَامًا بَيِّنًا ، وَهِيَ مِثْلُ آبَارِ الْمَاشِيَةِ فِي الْمَهَامِهِ ، وَكَرِهَ بَيْعَ أَصْلِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ أَوْ مَائِهَا أَوْ فَضْلَهَا حُفِرَتْ فِي جَاهِلِيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ قَرُبَتْ مِنْ الْعُمْرَانِ أَوْ بَعُدَتْ ، وَأَهْلُهَا أَحَقُّ بِمَائِهَا حَتَّى يَرْوُوا وَمَا فَضَلَ بَيْنَ النَّاسِ بِالسَّوَاءِ إلَّا مَنْ مَرَّ بِهِمْ لِسَقْيِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ فَلَا يُمْنَعُونَ وَلَمَّا ذَكَرَ الْبَاجِيَّ قَوْلَهَا فِي الْمَوَاجِلِ ، قَالَ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي جِبَابِ الْبَادِيَةِ الَّتِي لِلْمَاشِيَةِ نَحْوَهُ ، قِيلَ لَهُ فَالْجِبَابُ الَّتِي تُجْعَلُ لِمَاءِ السَّمَاءِ ، قَالَ : ذَلِكَ أَبْعَدُ ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ : لَهُ مَنْعُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَالْبِئْرِ ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ : لَا تُورَثُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُبَاعُ وَإِنْ احْتَاجَ .
أَرَادَ لَا تُورَثُ عَلَى مَعْنَى

الْمِلْكِ وَلَا حَظَّ فِيهَا لِزَوْجَةٍ وَلَا زَوْجٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ .
ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَرَوَوْا : حَافِرُهَا وَوَرَثَتُهُ أَحَقُّ بِحَاجَتِهِمْ مِنْ مَائِهَا .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا إرْثَ فِي بِئْرِ الْمَاشِيَةِ بِمَعْنَى الْمِلْكِ ، وَمَنْ اسْتَغْنَى مِنْهُمْ عَنْ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَحَدًا ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْبِئْرِ أَوْلَى مِنْهُ ، وَمِمَّنْ غَابَ وَسُئِلَ أَشْهَبُ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ بِمَعْنَى لَا تَنْفُذُ فِيهَا الْوَصِيَّةُ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ ، وَفِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ لَا أَرَى بَيْعَهَا حَرَامًا .
وَظَاهِرُ الْمَجْمُوعَةِ خِلَافُ ذَلِكَ ، لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي ، وَعَلَّلَهُ أَشْهَبُ بِأَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِي مِنْ مَائِهَا مَا يَرْوِيهِ ، وَهُوَ مَجْهُودٌ ، وَلَوْ كَانَ لِذَلِكَ لَجَازَ أَنْ تُورَثَ أَوْ تُوهَبَ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُهُمَا .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تُبَاعُ ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ فِيهَا مَنَافِعَ .
الْبَاجِيَّ وَعِنْدِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ إذَا حَفَرَهُ عَلَى مَعْنَى انْفِرَادِهِ بِهِ ، وَإِنْ حَفَرَهُ بِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ لِفَضْلِهِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ ، وَحُكْمِ التَّبْدِئَةِ فِيهِ .
قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَتْ لَهُمْ سُنَّةٌ بِتَقَدُّمِ الْمَالِ الْكَثِيرِ أَوْ قَوْمٍ عَلَى قَوْمٍ أَوْ كَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ خُلُّوا عَلَيْهَا وَإِلَّا اسْتَهَمُوا .
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَا يُمْنَعُ ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ ، وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى مَنْ احْتَفَرَ بِئْرًا : إنَّ أَوَّلَ مَنْ يَشْرَبُ مِنْهَا ابْنُ السَّبِيلِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا ابْنُ السَّبِيلِ بَعْدَ رَيِّ أَهْلِهَا ، فَإِنْ مَنَعُوهُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ دِيَةُ جِرَاحِهِمْ لِحَدِيثِ { لَا يُمْنَعُ نَفْعُ بِئْرٍ } ، وَلَوْ مَنَعُوا الْمُسَافِرِينَ حَتَّى مَاتُوا عَطَشًا فَدِيَاتُهُمْ عَلَى عَوَاقِلِ الْمَانِعِينَ

وَعَلَى كُلِّ رَجُلٍ كَفَّارَةٌ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ مَعَ وَجِيعِ الْأَدَبِ وَلِأَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ السَّبِيل أَنْ يَشْرَبَ وَيَسْقِيَ دَوَابَّهُ مِنْ فَضْلِ الْآبَارِ وَ الْمَوَاجِلِ ، إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ فَضْلٌ ، وَاضْطُرَّتْ دَوَابُّهُمْ إلَيْهِ وَمَسَافَةُ مَاءٍ آخَرَ بَعِيدَةٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ أُسْوَةً بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ تِلْكَ الْمِيَاهِ غَوْثٌ أَقْرَبُ مِنْ غَوْثِ السَّفَرِ ، فَيَكُونُ السَّفَرُ أَوْلَى بِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ .
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْآبَارِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ابْنُ السَّبِيلِ أَوَّلُ مَنْ يَشْرَبُ بِهَا ، وَهُوَ حَسَنٌ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَيَتَزَوَّدُ مِنْهُ ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ مِثْلُ تِلْكَ الضَّرُورَةِ لِقُرْبِ غَوْثِهِمْ وَجِمَامِ بِئْرِهِمْ ، وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ ، لَا تُبَاعُ مِيَاهُ الْمَوَاشِي إنَّمَا يَشْرَبُ بِهَا أَهْلُهَا وَيَشْرَبُ بِهَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ ، وَلَا تُمْنَعُ مِنْ أَحَدٍ وَلَا يَصْلُحُ فِيهَا عَطَاءٌ .
ابْنُ رُشْدٍ مِيَاهُ الْمَوَاشِي هِيَ الْآبَارُ وَالْمَوَاجِلُ وَالْجِبَابُ يَصْنَعُهَا الرَّجُلُ فِي الْبَرَارِي لِلْمَاشِيَةِ هُوَ أَحَقُّ بِمَا يَحْتَاجُ وَيَدَعُ الْفَضْلَ لِلنَّاسِ ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ فِي السَّمَاعِ تَسَاوِي أَهْلِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِيهِ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ يَشْرَبُ أَهْلُهَا ثُمَّ يَشْرَبُ ابْنُ السَّبِيلِ قَالُوا وَفِيهِ لِلتَّرْتِيبِ لَا لِلتَّشْرِيكِ فَإِنْ تَشَاحَّ أَهْلُ الْبِئْرِ فِي التَّبْدِئَةِ بُدِئَ الْأَقْرَبُ إلَى حَافِرِهَا ، فَالْأَقْرَبُ قُلْت مَاشِيَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ اسْتَهَمُوا هَذَا عِنْدِي إنْ اسْتَوَى فَعَدَدُهُمْ مِنْ حَافِرِهَا وَالْأَقْدَمُ الْأَقْرَبُ إلَيْهِ ، فَالْأَقْرَبُ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَرَى أَنْ يُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ ، فَإِنْ كَانَتْ غَنَمُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَغَنَمُ الْآخَرِ مِائَتَيْنِ وَالْمَاءُ إنَّمَا يَكْفِي مِائَةً قُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَكَذَا فِي الزَّرْعِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْبَيَانِ إذَا

اجْتَمَعَ أَهْلُ الْمَاءِ وَالْمَارَّةُ وَالْمَاءُ يَكْفِيهِمْ بُدِئَ بِأَنْفُسِ أَهْلِ الْمَاءِ ثُمَّ أَنْفُسِ الْمَارَّةِ ثُمَّ دَوَابِّهِمَا ثُمَّ مَوَاشِي أَهْلِ الْمَاءِ ثُمَّ مَوَاشِي النَّاسِ ، وَبَدَأَ أَشْهَبُ بِدَوَابّ الْمُسَافِرِ مِنْ قَبْلِ دَوَابِّ أَهْلِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَمِيعَهُمْ وَتَبْدِئَةُ أَحَدِهِمْ تُجْهِدُ الْآخَرِينَ بُدِئَ مَنْ الْجَهْدِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ بِتَبْدِئَةِ صَاحِبِهِ ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْجَهْدِ فَقِيلَ يَتَسَاوَوْنَ فِيهِ ، وَقِيلَ يَبْدَأُ أَهْلُ الْمَاءِ لِأَنْفُسِهِمْ بِقَدْرِ مَا يُذْهِبُ الْخَوْفَ عَنْهُمْ ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ أَخَذَ الْمُسَافِرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِقَدْرِ مَا يُذْهِبُ الْخَوْفَ عَنْهُمْ ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ أَخَذَ أَهْلُ الْمَاءِ لِدَوَابِّهِمْ بِقَدْرِ مَا يُذْهِبُ الْخَوْفَ عَنْهُمْ ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ أَخَذَ الْمُسَافِرُونَ لِدَوَابِّهِمْ بِقَدْرِ مَا يُذْهِبُ الْخَوْفَ عَنْهُمْ ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَالْبِئْرُ وَالْمَاجِلُ وَالْجُبُّ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " سَوَاءٌ .

وَإِنْ سَالَ مَطَرٌ بِمُبَاحٍ سُقِيَ الْأَعْلَى ، إنْ تَقَدَّمَ لِلْكَعْبِ ، وَأُمِرَ بِالتَّسْوِيَةِ ، وَإِلَّا : فَكَحَائِطَيْنِ ، وَقُسِمَ لِلْمُتَقَابَلَيْنِ .

وَإِنْ سَالَ ) أَيْ اجْتَمَعَ ( مَطَرٌ بِ ) مَكَان ( مُبَاحٍ ) الِانْتِفَاعُ بِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَبِقُرْبِهِ بَسَاتِينُ وَمَزَارِعُ ( سُقِيَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْبُسْتَانُ أَوْ الْمُزْرَعُ ( الْأَعْلَى ) أَيْ الْأَقْرَبُ لِلْمَاءِ قَبْلَ سَقْيِ غَيْرِهِ ( إنْ تَقَدَّمَ ) إحْيَاءُ الْأَعْلَى عَلَى إحْيَاءِ الْأَسْفَلِ أَوْ اسْتَوَيَا فِي الْإِحْيَاءِ ، فَإِنْ تَقَدَّمَ إحْيَاءُ الْأَسْفَلِ قُدِّمَ سَقْيُ الْأَسْفَلِ إنْ خِيفَ هَلَاكُهُ وَالْأَقْدَمِ إلَّا عَلَى الْمُتَأَخِّرِ إحْيَاؤُهُ ، فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ ، فَلَوْ قَالَ إنْ تَقَدَّمَ أَوْ سَاوَى كَانَ تَأَخُّرُ مَا لَمْ يُخَفْ هَلَاكُ الْأَسْفَلِ لَكَانَ أَحْسَنَ قَالَهُ عج ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَقْدِيمَ السَّابِقِ فِي الْإِحْيَاءِ مُطْلَقًا تَبَعًا لِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَاحْتُرِزَ بِمُبَاحٍ مِنْ سَيَلَانِهِ بِمَكَانٍ مَمْلُوكٍ فَلِصَاحِبِهِ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَسْتَحِقُّ الْمُقَدَّمُ فِي السَّقْيِ بُلُوغَ الْمَاءِ فِيهِ ( لِلْكَعْبِ ) مِنْ الرَّجُلِ الْوَاقِفِ فِيهِ ، ثُمَّ يُرْسَلُ لِلَّذِي يَلِيهِ جَمِيعُ الْمَاءِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ وَهْبٍ يُحْبَسُ مَا بَلَغَ الْكَعْبَ فِي الْأَعْلَى وَيُرْسَلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِلَّذِي يَلِيهِ .
ابْنُ رُشْدٍ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ .
( وَأُمِرَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ صَاحِبُ الْأَعْلَى ( بِالتَّسْوِيَةِ ) لِأَرْضِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَوِيَةً بِأَنْ كَانَ بَعْضُهَا عَالِيًا وَبَعْضُهَا وَاطِيًا إنْ أَمْكَنَتْهُ التَّسْوِيَةُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْهُ التَّسْوِيَةُ ، وَكَانَ الْمَاءُ لَا يَبْلُغُ الْكَعْبَ فِي الْأَعْلَى إلَّا وَقَدْ بَلَغَ أَكْثَرَ مِنْهُ جِدًّا فِي الْأَسْفَلِ ( فَ ) الْأَعْلَى الَّذِي لَمْ تَسْتَوِ أَرْضُهُ ( كَحَائِطَيْنِ ) حَائِطٍ أَعْلَى وَحَائِطٍ أَسْفَلَ فَيُسْقَى الْأَعْلَى وَحْدَهُ لِلْكَعْبِ ، ثُمَّ يُسْقَى الْأَسْفَلُ كَذَلِكَ رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِبٍ يُمْسِكُ الْأَعْلَى إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ } أَبُو عُمَرَ هُمَا وَادِيَانِ بِالْمَدِينَةِ يَسِيلَانِ بِالْمَطَرِ تَنَافَسَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي سَيْلِهِمَا .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَاءٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ يَجْرِي مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ دُونَهُمْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَاءُ أَرْضَهُ أَوَّلًا فَهُوَ أَحَقُّ بِالسَّقْيِ بِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ فِي أَرْضِهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ يُرْسَلُ جَمِيعُ الْمَاءِ إلَى الْأَسْفَلِ أَوْ لَا يُرْسَلُ عَلَيْهِ إلَّا مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ وَهْبٍ يُرْسَلُ عَلَى الْأَسْفَلِ مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَلْ يُرْسَلُ جَمِيعُ الْمَاءِ وَلَا يُحْبَسُ شَيْءٌ مِنْهُ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
وَكَانَ الْخَطِيبُ الْحَفَّارُ مِنْ أَشْيَاخِ أَشْيَاخِنَا يُفْتِي بِأَنَّ الْمَاءَ الْهَابِطَ كَكَنْزٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ .
وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ لُبٍّ مَاءُ الْأَوْدِيَةِ غَيْرُ مُتَمَلَّكٍ يُسْقَى بِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى ، وَاتِّفَاقُ مَنْ اتَّفَقَ مِمَّنْ دَرَجَ عَلَى مَا يُخَالِفُ هَذَا الْأَصْلَ لَا يَلْزَمُ مَنْ بَعْدَهُمْ ، وَلَهُ سَعَةٌ فِي فَتْوَى أُخْرَى ، لَكِنْ السَّوَاقِي الْقَدِيمَةُ تَتَعَلَّقُ بِهَا حُقُوقُ الْمُنْتَفِعِينَ بِمَائِهَا وَتَصِيرُ تِلْكَ الْحُقُوقُ مَمْلُوكَةً لَهُمْ بِطُولِ حِيَازَتِهِمْ فَلَا يُسْمَحُ لِقَوْمٍ أَنْ يَرْفَعُوا سَاقِيَةً فِي هَذِهِ .
السَّاقِيَةِ الْبَاجِيَّ إنْ كَانَ بَعْضُ الْحَائِطِ أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ فَقَالَ سَحْنُونٌ يُؤْمَرُ أَنْ يَعْدِلَ أَرْضَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى أَرْضِهِ كُلِّهَا الْمَاءَ إلَى الْكَعْبَيْنِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ تَسْوِيَتُهُ سُقِيَ كُلُّ مَكَان وَحْدَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ إنْ أَحْيَا رَجُلٌ بِمَاءِ سَيْلٍ ثُمَّ أَحْيَا فَوْقَهُ غَيْرُهُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْمَاءِ وَيَسْقِيَ قَبْلَ الْأَسْفَلِ الَّذِي أَحْيَا قَبْلَهُ ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ عَمَلَ الْأَسْفَلِ وَيُتْلِفُ زَرْعَهُ ، فَقَالَ سَحْنُونٌ الْقَدِيمُ أَوْلَى بِالْمَاءِ ،

وَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ إنْ أُحْدِثَ إحْيَاءُ الْأَعْلَى فَالْأَقْدَمُ أَحَقُّ ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ .
وَتُورِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي تَرْكِ قَيْدِ الْخَوْفِ لَكِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ ، وَقَالَ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَرَى سَحْنُونٌ الْأَقْدَمَ أَوْلَى إذَا فَقَدَ هَذَا الشَّرْطَ ، فَجَزْمُ عج بِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ .
وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي إبْقَاءَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَأَنَّهُ تَبِعَ ظَاهِرَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ ، ثُمَّ قَالَ فَفِي شَرْطِ تَقَدُّمِ الْأَسْفَلِ عَلَى الْأَعْلَى بِمُجَرَّدِ تَقَدُّمِ إحْيَائِهِ عَلَى الْأَعْلَى مَعَ خَوْفِ هَلَاكِ زَرْعِهِ ثَالِثُهَا مَعَ انْفِرَادِهِ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ ، لِنَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ ظَاهِرِ سَمَاعِ أَصْبَغَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ وَتَفْسِيرُ أَصْبَغَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ا هـ .
فَجُعِلَ قَوْلُ سَحْنُونٍ خِلَافًا لَا تَقْيِيدًا قَالَهُ طفي .
( وَقُسِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمَاءُ الْجَارِي مِنْ نَحْوِ الْمَطَرِ ( لِ ) حَائِطَيْنِ مَثَلًا ( الْمُتَقَابِلَيْنِ ) عَلَيْهِ بِأَنْ أَحَاطَا بِهِ مِنْ جَانِبَيْهِ .
سَحْنُونٌ فَإِنْ كَانَ الْجَانِبَانِ مُتَقَابِلَيْنِ فِيمَا حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْأَعْلَى فَالْأَعْلَى قُسِمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ الْأَسْفَلُ مُقَابِلًا لِبَعْضِ الْأَعْلَى حُكِمَ لِمَا كَانَ أَعْلَى بِحُكْمِ الْأَعْلَى ، وَلِمَا كَانَ مُقَابِلًا بِحُكْمِ الْمُقَابِلِ ، وَهَذَا اسْتَوَيَا فِي زَمَنِ الْإِحْيَاءِ وَالْأَقْدَمُ الْأَسْبَقُ فِيهِ بِالْأَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ الْأَسْفَلِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ أَفَادَ الْبُنَانِيُّ أَرَادَ بِهِ قَوْلَ الْخَرَشِيِّ وعب ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَوِيَا فِي زَمَنِ الْإِحْيَاءِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ ، وَهَلْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ مُطْلَقًا أَوْ بِحَسَبِ مِسَاحَتِهِمَا كَفَدَّانٍ وَالْآخَرُ نِصْفُ فَدَّانٍ ، فَلِلْأَوَّلِ الثُّلُثَانِ ، وَلِلثَّانِي الثُّلُثُ ، ثُمَّ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ سَالِمٌ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الشُّرَّاحِ .

كَالنِّيلِ ، وَإِنْ مُلِكَ أَوَّلًا قُسِمَ بِقِلْدٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ، وَأُقْرِعَ لِلتَّشَاحِّ فِي السَّبْقِ

وَشَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِمَا سَالَ مِنْ الْمَطَرِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ ( كَالنِّيلِ ) بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ نَهْرِ مِصْرَ الْبَاجِيَّ مَا لَا يُمْلَكُ كَالسُّيُولِ وَالْأَمْطَارِ إنْ كَانَ طَرِيقُهُ فِي أَرْضٍ لَا تُمْلَكُ كَشِعَابِ الْجِبَالِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مِثْلَ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِبٍ يَأْتِي حَتَّى يُحَاذِيَ مَجْرَى الْمَاءِ فِي جَانِبَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَزَارِعُ وَحَدَائِقُ يُسْقَوْنَ بِهَا فَحُكْمُهُ أَنْ نَسْقِيَ بِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى إذَا كَانَ إحْيَاؤُهُمْ مَعًا أَوْ إحْيَاءُ الْأَعْلَى قَبْلُ ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ابْنُ نَافِعٍ وَهَذَا حُكْمُ النِّيلِ .
( وَإِنْ مُلِكَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمَاءُ ( أَوَّلًا ) بِشَدِّ الْوَاوِ مُنَوَّنًا ، أَيْ ابْتِدَاءً لِأَصْحَابِ الْحَوَائِطِ وَالْمَزَارِعِ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى إجْرَائِهِ لِأَرْضِهِمْ ( قُسِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ حِصَصِهِمْ فِيهِ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ ، وَصِلَةُ قُسِمَ ( بِقِلْدٍ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ضَبَطَهُ عِيَاضٌ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ .
غَيْرَ وَاحِدٍ هِيَ الْقَدْرُ الَّتِي يُقْسَمُ بِهَا الْمَاءُ ، وَهُوَ أَكْثَرُ الْمُرَادِ هُنَا ، وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي ، بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ .
وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ هُوَ الْحَظُّ مِنْ الْمَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَهُوَ سَقْيُ الزَّرْعِ وَقْتَ حَاجَتِهِ .
قُلْت هُوَ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ الْآلَةِ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِهَا لِإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَظٍّ مِنْ الْمَاءِ حَظَّهُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ ، وَلِلْمُتَقَدِّمَيْنِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي حَقِيقَتِهِ أَقْوَالٌ وَتَعَقُّبَاتٌ بِاخْتِلَافِ جَرْيِ الْمَاءِ الَّذِي يُقْسَمُ بِمُدَّتِهِ لِقِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ وَسُرْعَةِ حَرَكَتِهِ بِاللَّيْلِ وَبُطْئِهَا بِالنَّهَارِ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ ، وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ غَيْرَ مُتَنَافَسٍ فِيهِ جِدًّا ، فَالتَّقَارُبُ فِيهِ كَافٍ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ

الْمَذْكُورَةِ فِيهِ ، وَإِنْ عَزَّ ثَمَنُهُ انْبَغَى تَحْقِيقُ مَا يُحَقَّقُ بِهِ بِأَنْ يُقْسَمَ مَاءُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ وَمَاءُ النَّهَارِ وَحْدَهُ بِالسَّاعَاتِ الرَّمْلِيَّةِ الْمُحَقِّقَةِ .
عِيَاضٌ إذَا جُعِلَ قَسْمُ اللَّيْلِ عَلَى حِدَةٍ وَالنَّهَارِ عَلَى حِدَةٍ سَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ إلَّا أَنْ يُقَالَ : الضَّرُورَةُ دَعَتْ إلَى هَذَا ، وَهُوَ غَايَةُ الْمَقْدُورِ كَقَسْمِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ وَبَعْضُهَا جَيِّدُ الْبِنَاءِ وَبَعْضُهَا وَاهٍ وَالْأَرْضِ الْوَاحِدَةِ ، وَبَعْضُهَا كَرِيمٌ وَبَعْضُهَا دَنِيءٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي ذَلِكَ وَابْتِدَاءُ زَمَنِ الْحَظِّ مِنْ الْمَاءِ مِنْ حِينِ ابْتِدَاءِ جَرْيِهِ لِأَرْضِ ذِي الْحَظِّ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَصْلُ أَرَاضِيِهِمْ شَرِكَةً ثُمَّ قُسِمَتْ بَعْدَ شَرِكَتِهِمْ فِي الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ عَلَى ذَلِكَ قُسِمَتْ الْأَرْضُ حِينَ قَسْمِهَا وَإِلَّا فَمِنْ وُصُولِهِ لِأَرْضِهِ ( أَوْ غَيْرِهِ ) أَيْ الْقِلْدِ مِنْ الْآلَاتِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا لِإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ ، ثُمَّ إنْ رَضِيَ الشُّرَكَاءُ بِتَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ .
( وَ ) إلَّا ( أُقْرِعَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَيْنَهُمْ ( لِ ) إزَالَةِ ( التَّشَاحِّ ) أَيْ التَّنَازُعِ الْحَاصِلِ بَيْنَهُمْ ( فِي السَّبْقِ ) السَّقْيِ الْبَاجِيَّ يَأْخُذُ كُلُّ أَحَدٍ مَاءَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ ، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فِي التَّبْدِئَةِ اسْتَهَمُوا عَلَيْهَا

وَلَا يُمْنَعُ صَيْدُ سَمَكٍ ، وَإِنْ مِنْ مِلْكِهِ وَهَلْ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَقَطْ ؟ أَوْ إلَّا أَنْ يَصِيدَ الْمَالِكُ ؟ تَأْوِيلَانِ

( وَلَا يُمْنَعُ ) بِضَمِّ الْيَاءِ أَحَدٌ ( صَيْدُ سَمَكٍ ) مِنْ مَاءِ الْأَوْدِيَةِ وَالْأَنْهَارِ وَالْأَرَاضِي الَّتِي لَمْ تُمْلَكْ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ وَالصَّيْدَ مُبَاحَانِ لِلسَّابِقِ إلَيْهِمَا ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ الْمَاءُ الَّذِي فِيهِ السَّمَكُ فِي أَرْضٍ ( مِنْ مِلْكِهِ ) أَيْ الْمَانِعِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لَا أَرَى لَهُ مَنْعَ أَحَدٍ يَصِيدُهُ فِيهَا إذَا كَانَ غَدِيرٌ أَوْ بِرْكَةٌ أَوْ بُحَيْرَةٌ فِي أَرْضِكَ ، وَفِيهَا سَمَكٌ فَلَا تَمْنَعُ مَنْ يَصِيدُ فِيهَا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ .
( وَهَلْ ) عَدَمُ الْمَنْعِ مِنْهُ ( فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ ) أَيْ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بِالْقَهْرِ وَالْقِتَالِ ( فَقَطْ ) أَيْ أَرْضِ الصُّلْحِ ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ وَقْفٌ فَلَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَلِمَالِكِهَا مَنْعُهُ ( أَوْ ) عَدَمُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ ، فَلَا يَمْنَعُهُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَصِيدَ الْمَالِكُ ) فِيهَا فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) أَيْ فَهْمَانِ لِشَارِحَيْهَا ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ تَوَالَدَ السَّمَكُ فِي الْمَاءِ أَوْ انْجَرَّ إلَيْهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ تَوَالَدَ فَلَهُ مَنْعُهُ ، وَإِنْ جَرَّهُ الْمَاءُ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَأَلْت الْإِمَامَ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ بُحَيْرَاتٍ تَكُونُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ لِأَهْلِ قُرًى أَرَادَ أَهْلُهَا بَيْعَ سَمَكِهَا لِمَنْ يَصِيدُهُ مِنْهَا ، فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ تُبَاعَ ؛ لِأَنَّهَا تَقِلُّ وَتَكْثُرُ ، وَلَا يُدْرَى كَيْفَ تَكُونُ وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ تِلْكَ الْبُحَيْرَةِ يَصِيدُ فِيهَا .
وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فَقَالَ ابْنُ

الْكَاتِبِ مُنِعَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ لَهُمْ ، إذْ أَرْضُ مِصْرَ وَقْفٌ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا لَهُمْ لَكَانَ لَهُمْ مَنْعُ النَّاسِ مِنْهَا .
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ إنَّمَا لَا يُمْنَعُ النَّاسُ مِنْهُ إذَا كَانَ هُوَ لَا يَصِيدُهُ ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَلَا يَمْنَعُ النَّاسَ هَذَا مُحَصَّلُ مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، وَنَصُّهُ إثْرَ قَوْلِهَا وَلَا يُمْنَعُ مَنْ يَصِيدُ فِيهَا وَلَا الشُّرْبُ مِنْهَا .
ابْنُ الْكَاتِبِ إنَّمَا قَالَ لَا يَمْنَعُ أَرْبَابُهَا النَّاسَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ لَهُمْ ، وَإِنَّمَا هُمْ مُتَوَلُّونَهَا ، وَإِنَّمَا هِيَ أَرْضُ مِصْرَ ، وَهِيَ أَرْضُ خَرَاجِ السُّلْطَانِ .
وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ أَرْضَ إنْسَانٍ وَمِلْكَهُ لَكَانَ لَهُ مَنْعُ النَّاسِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَوَابِهِ عَمَّا حَفَرَ فِي أَرْضِهِ أَنَّ لَهُ مَنْعَ مَائِهِ مِنْ النَّاسِ وَلَهُ بَيْعُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا الْقَرَوِيِّينَ إنَّمَا لَا يُمْنَعُ النَّاسُ مِنْهَا إذَا كَانَ لَا يَصِيدُهُ ، إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَلَا يُمْنَعُ النَّاسُ مِنْهُ ، كَمَا قَالَ فِي الْكَلَأِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ بِرَعْيٍ أَوْ بَيْعٍ فَلَهُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَلَا وَجَدَ لَهُ ثَمَنًا فَلْيُخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَكَذَلِكَ بِرَكُ الْحِيتَانِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .

وَكَلَإٍ بِفَحْصٍ ، وَعَفَا لَمْ يَكْتَنِفْهُ زَرْعَهُ بِخِلَافِ مَرْجِهِ وَحِمَاهُ .

( وَلَا ) يُمْنَعُ ( كَلَأٌ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ فَهَمْزٌ مَقْصُورٌ ، أَيْ الْخَلَاءُ النَّابِتُ بِنَفْسِهِ ( بِفَحْصٍ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ ، أَيْ أَرْضٍ لَمْ تُزْرَعْ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا ( وَعَفَا ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مَقْصُورًا ، أَيْ الدَّارِسِ الَّذِي لَا يَزْرَعُ جَمْعُ عَافٍ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ ( لَمْ يَكْتَنِفْهُ ) أَيْ الْكَلَأَ ( زَرْعُهُ ) أَيْ صَاحِبُ الْأَرْضِ ، فَإِنْ اكْتَنَفَهُ زَرْعُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي وُصُولِ النَّاسِ بِدَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ إلَيْهِ فَلَهُ مَنْعُهُ ( بِخِلَافِ ) الْكَلَإِ النَّابِتِ فِي ( مَرْجِهِ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ مَوْضِعِ رَعْيِ دَوَابِّهِ ( وَ ) فِي ( حِمَاهُ ) أَيْ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَوَّرَهُ لِنَبَاتِ الْكَلَأِ فِيهِ لِرَعْيِ دَوَابِّهِ فَلَهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى أَنَّ لَهُ مَنْعَ كَلَأِ أَرْضِهِ الَّتِي حَظَرَهَا بِحَائِطٍ أَوْ زَرْبٍ فِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ خِصْبًا فِي أَرْضِك مِمَّنْ يَرْعَاهُ عَامَهُ بَعْدَ نَبَاتِهِ وَحُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ الْخِصْبُ الَّذِي يَبِيعُهُ وَيَمْنَعُ النَّاسُ النَّاسَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ مَا فِي مَرْجِهِ وَحِمَاهُ ابْنُ رُشْدٍ مَا بِالْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ أَقْسَامٌ : الْمُحَظَّرَةُ بِالْحِيطَانِ ، كَالْحَوَائِطِ وَالْجَنَّاتِ رَبُّهَا أَحَقُّ بِمَا بِهَا مِنْ الْكَلَأِ ، وَلَهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ مِمَّنْ يُرِيدُ الرَّعْيَ وَالِاحْتِشَاشَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ .
وَأَمَّا الْعَفَاءُ وَالْمَسْرَحُ مِنْ أَرْضٍ قَرِيبَةٍ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ مَا بِهَا مِنْ كَلَأٍ وَلَا مَنْعُ أَحَدٍ مِنْ فَضْلِ حَاجَتِهِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَضُرَّهُ بِدَابَّةٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فِي زَرْعٍ يَكُونُ لَهُ حَوَالَيْهِ .
وَأَمَّا الْأَرْضُ الَّتِي بَوَّرَهَا لِلرَّعْيِ وَتَرَكَ زِرَاعَتَهَا لِذَلِكَ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا جَوَازُ مَنْعِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَوْ وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ وَإِلَّا جُبِرَ عَلَى تَرْكِهِ لِلنَّاسِ .
وَأَمَّا فُحُوصُ

أَرْضِهِ وَفَدَادِينُهُ الَّتِي لَمْ يُبَوِّرْهَا لِلرَّعْيِ فَفِيهَا أَقْوَالٌ .
ابْنُ يُونُسَ اُخْتُلِفَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي لَمْ يُوقِفْهَا لِلْكَلَأِ ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ .
وَأَمَّا إذَا أَوْقَفَ الْأَرْضَ لِلْكَلَأِ فَلَهُ مَنْعُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ أَفَادَهُ " ق " .
" غ " هَذَا التَّقْسِيمُ فِي الْأَرْضِ الْمُتَمَلَّكَةِ ، وَتُعْرَفُ بِالْوُقُوفِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَصَرَهُ هُنَا ، وَنَصُّهُ وَإِنْ كَانَ الْكَلَأُ فِي أَرْضٍ مُتَمَلَّكَةٍ فَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ ، أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُحَظَّرَةً قَدْ حَظَرَ عَلَيْهَا بِالْحِيطَانِ كَالْجَنَّاتِ وَالْحَوَائِطِ .
وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُحَظَّرَةٍ إلَّا أَنَّهَا حِمَاهُ وَمُرُوجُهُ الَّتِي قَدْ بَوَّرَهَا لِلرَّعْيِ وَتَرَكَ زِرَاعَتَهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ .
وَالثَّالِثُ : فَدَادِينُهُ وَفُحُوصُ أَرْضِهِ الَّتِي لَمْ يُبَوِّرْهَا لِلْمَرْعَى ، وَإِنَّمَا تَرَكَ زِرَاعَتَهَا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا أَوْ لِيَحْمِيَهَا لِلْحَرْثِ .
الرَّابِعُ الْعَفَاءُ وَالْمَرْجُ مِنْ أَرْضٍ قَرِيبَةٍ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَمْنَعُ النَّاسَ عَمَّا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي اخْتِلَافِ النَّاسِ إلَيْهِ بِدَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ ضَرَرٌ عَلَيْهِ مِنْ زَرْعٍ يَكُونُ حَوَالَيْهِ فَيَفْسُدُ عَلَيْهِ بِالْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ .
وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَاخْتُلِفَ فِيهِمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَرْعَى أَرْضِهِ كَأَنْ بَوَّرَهَا لِلْكِرَاءِ أَوْ لَمْ يُبَوِّرْهَا لَهُ .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِمِقْدَارِ حَاجَتِهِ وَيَتْرُكُ الْفَضْلَ لِلنَّاسِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ أَنْ يَبِيعَ إنْ أَوْقَفَهَا لِلرَّعْيِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا فِي فَدَادِينِهِ وَفُحُوصِهِ .
ا هـ .
وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِاَلَّتِي

حَظَرَ عَلَيْهَا إمَّا لِانْدِرَاجِهَا فِي حِمَاهُ ، أَوْ ؛ لِأَنَّهَا أَحْرَى مِنْهُ ، وَاَلَّذِي عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ الْعَفَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الدُّرُوسُ وَالْهَلَاكُ وَالْعَفْوُ الْأَرْضُ الْغُفْلِ لَمْ تُوطَأْ ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
طفي لَا تُدْرَكَ عَلَى الْمُصَنِّفِ ، إذْ قَدْ يُطْلَقُ الْعَفَاءُ عَلَى نَفْسِ الْأَرْضِ فَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ فِي حَدِيثِ أَقْطَعَ أَرْضَ الْمَدِينَةِ مَا كَانَ عَفَاءً ، أَيْ مَا لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ أَثَرٌ ، وَهُوَ مِنْ عَفَا الشَّيْءُ إذَا دَرَسَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ يُقَالُ عَفَتْ الدَّارُ عَفَاءً ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

بَاب ) صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ ، إنْ بِأُجْرَةٍ ، وَلَوْ حَيَوَانًا ، وَرَقِيقًا : كَعَبْدٍ عَلَى مَرْضَى لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرَهُ ،

بَابٌ ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( صَحَّ وَقْفٌ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْقَافِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْوَقْفُ مَصْدَرًا إعْطَاءُ مَنْفَعَةِ شَيْءٍ مُدَّةَ وُجُودِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيهَا وَلَوْ تَقْدِيرًا فَتَخْرُجُ عَطِيَّةُ الذَّاتِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْعُمْرَى وَالْعَبْدِ الْمُخَدَّمِ حَيَاتَهُ يَمُوتُ قَبْلَ مَوْتِ رَبِّهِ لِعَدَمِ لُزُومِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ ، لِجَوَازِ بَيْعِهِ بِرِضَاهُ مَعَ مُعْطَاهُ .
وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إعْطَاءُ مَنَافِعَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِالْمُخَدَّمِ حَيَاتَهُ وَلَا يُرَدُّ بِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ يَمْنَعُ انْدِرَاجَهُ تَحْتَ التَّأْبِيدِ ؛ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِعْطَاءِ ، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْمُخَدَّمِ الْمَذْكُورِ لَا فِي لُزُومِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ ، وَاسْمًا : مَا أُعْطِيت مَنْفَعَتُهُ مُدَّةً إلَخْ ، وَصَرَّحَ الْبَاجِيَّ بِبَقَاءِ مِلْكِ الْمُحَبِّسِ عَلَى مُحَبَّسِهِ ، وَهُوَ لَازِمُ تَزْكِيَةِ حَوَائِطِ الْأَحْبَاسِ عَلَى مِلْكِ مُحَبِّسِهَا .
وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ التَّحْبِيسُ يُسْقِطُ مِلْكَ الْمُحَبِّسِ غَلَطٌ الْحَطّ يَخْرُجُ مِنْ حَدِّهِ الْحَبْسُ غَيْرُ الْمُؤَبَّدِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ مُدَّةَ وُجُودِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَبْسَ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَبَّدًا ، وَإِطْلَاقُ الْحَبْسِ عَلَى غَيْرِ الْمُؤَبَّدِ مَجَازٌ عِنْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ، وَنَصَّهُ : الرِّوَايَاتُ وَارِدَةٌ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْحَبْسِ عَلَى مَا حُبِسَ مُدَّةً يَصِيرُ بَعْدَهَا مِلْكًا ، وَهُوَ مَجَازٌ .
ا هـ .
وَعَلَى مَا ذَهَبَ هُوَ إلَيْهِ يَنْبَنِي قَوْلُهُ أَيْضًا لَازِمًا بَقَاؤُهُ إلَخْ ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ : الْعَبْدَ الْمُخَدَّمَ حَيَاتَهُ يَمُوتُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ يَظْهَرُ قَوْلُهُ مُدَّةَ وُجُودِهِ .
وَأَمَّا إنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ أَخْذُ أُمِّهِ وَيَرْجِعُ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، فَهُوَ خَارِجٌ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ مُدَّةَ وُجُودِهِ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَقِيَ أَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكُ انْتِفَاعٍ لَا مَنْفَعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ عَرَفَةَ : وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ وَيَتَعَذَّرُ عُرُوضُ وُجُوبِهِ ، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ وَفِيهِ تَنَافٍ ظَاهِرٌ ، وَأَنَّهُ مِنْ الْمُوَاسَاةِ الَّتِي لِلْحِفْظِ مِنْ الْهَلَاكِ وَشَدِيدِ الْأَذَى ، وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ وَبِالْحِنْثِ وَبِأَمْرِ مَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ أَمْرًا جَازِمًا .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ التَّحْبِيسُ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ عَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ بَعْدِهِ .
وَفِي اللُّبَابِ حُكْمُهُ الْجَوَازُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَحَقِيقَتُهُ لُغَةً : الْحَبْسُ ، وَشَرْعًا : حَبْسُ عَيْنٍ لِمَنْ يَسْتَوْفِي مَنَافِعَهَا أَبَدًا .
النَّوَوِيُّ ، وَهُوَ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ .
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمْ تَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت دَارًا وَلَا أَرْضًا تَبَرُّرًا بِتَحْبِيسِهَا ، وَإِنَّمَا حَبَّسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ بِنَاءُ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ وَحَفْرَ بِئْرِ زَمْزَمَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَبَرُّرًا ، بَلْ فَخْرًا .
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ } وَرَوَى الْبُخَارِيُّ { عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ أَصَابَ أَبِي أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصَبْت أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا أَنْفَسَ مِنْهَا ، فَكَيْفَ تَأْمُرنِي بِهَا ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ شِئْت حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ } عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا ، وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْغُرَبَاءِ وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالضَّيْفِ وَابْنِ

السَّبِيلِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ .
تت عَبَّرَ بِالْوَقْفِ كَابْنِ الْحَاجِبِ دُونَ الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِقَرِينَةٍ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ ، وَهُمَا سَوَاءٌ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى .
ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ أَنَّهُ يُورَثُ مَالِكٌ ، تَكَلَّمَ شُرَيْحٌ بِبَلَدِهِ وَلَمْ يُرِدْ الْمَدِينَةَ فَيَرَى إحْبَاسَ الصَّحَابَةِ ، وَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ خُبْرًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ } وَإِضَافَةُ وَقْفُ شَيْءٍ ( مَمْلُوكٍ ) لِوَاقِفِهِ أَوْ مُوَكِّلِهِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ غَيْرِهَا ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ وَقْفِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْغَزَالِيِّ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُحَبَّسُ الْحَقِّيُّ الْأَرْضُ وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا كَالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْحَوَائِطِ وَالْآبَارِ وَالْمَقَابِرِ وَالطُّرُقِ ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَأَرَادَ بِالْمَقَابِرِ الْمُتَّخَذَةِ حَيْثُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا .
سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أُحْدِثَتْ قُبُورٌ بِفِنَاءِ قَوْمٍ كَانُوا يَرْمُونَ بِهِ فِي غَيْبَتهمْ ثُمَّ قَدِمُوا فَلَهُمْ تَسْوِيَةُ قَدِيمِهَا لِلرَّمْيِ عَلَيْهَا ، وَلَا أُحِبُّ تَسْوِيَةَ جَدِيدِهَا .
ابْنُ رُشْدٍ كَرِهَهُ فِي الْجَدِيدَةِ فِي الْأَفْنِيَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الْأَمْلَاكِ الْمَحْجُورَةِ لَمْ يَكْرَهْهُ ، وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَارُوا فِي بَطْنِهَا وَانْتَفِعُوا بِظَهْرِهَا .
ابْنُ رُشْدٍ لَوْ دَفَنَ فِي الْأَمْلَاكِ الْمَحْجُورَةِ بِلَا إذْنِ رَبِّهَا لَكَانَ عَلَيْهِ

تَحْوِيلُهُمْ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَفُعِلَ ذَلِكَ بِقَتْلَى أُحُدٍ لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إجْرَاءَ الْعَيْنِ الَّتِي بِجَانِبِ أُحُدٍ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ فَلْيُخْرِجْهُ وَلْيُحَوِّلْهُ ، قَالَ جَابِرٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ رِطَابًا يَنْتَقِعُونَ يَعْنِي شُهَدَاءَ أُحُدٍ .
قُلْت فِي اسْتِدْلَالِهِ بِفِعْلِ مُعَاوِيَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ قَتْلَى أُحُدٍ مَا أُقْبِرُوا إلَّا حَيْثُ جَازَ إقْبَارُهُمْ ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِإِخْرَاجِهِمْ يُوهِمُ كَوْنَ الْقَبْرِ غَيْرَ حَبْسٍ ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِتَحِلَّ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ حَاجِبَةٌ حَسْبَمَا يَأْتِي فِي بَيْعِ الْحَبْسِ لِتَوْسِعَةِ جَامِعِ الْخُطْبَةِ .
ابْنُ عَاتٍ سَأَلَ بَعْضُهُمْ أَيَجُوزُ حَرْثُ الْبَقِيعِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً دُونَ دَفْنٍ فِيهِ وَأَخْذِ تُرَابِهِ لِلْبِنَاءِ ، فَقَالَ : الْحَبْسُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَمَلَّكَ ابْنُ سَهْلٍ أَفْتَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِالْمَشْيِ عَلَى أَسْنِمَةِ الْقُبُورِ { وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشُقُّ الْمَقَابِرَ عَلَى أَسْنِمَتِهَا لَا يَثِبُهَا } ، وَقَالَ غَيْرُهُ : الْمَشْيُ عَلَى الْمَقَابِرِ إنْ كَانَ لَهُ قَبْرٌ ضَرُورَةٌ وَيُؤْمَرُ بِالتَّحَفُّظِ مِنْ الْمَشْيِ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَهْدِمَهَا وَلِلضَّرُورَةِ أَحْكَامٌ ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ سَهْلٍ ، وَأَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا بَعْضَ أَهْلِ الْخَيْرِ فِي بِنَاءِ دَارٍ لَهُ وَجَدَ فِي بُقْعَةٍ مِنْهَا عِظَامَ آدَمِيٍّ يَكُونُ مَحَلُّهُ حَبْسًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، وَلَا بِهَوَائِهِ فَتَرَكَهُ وَهَوَاءَهُ بَرَاحًا .
الْبَاجِيَّ تَحْبِيسُ الرِّبَاعِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا فَإِنْ مُلِّكَ بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) مُلِّكَتْ مَنْفَعَتُهُ ( بِأُجْرَةٍ ) فِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ ، فَإِذَا انْقَضَتْ كَانَ النِّقْضُ لِلَّذِي بَنَاهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَصِحُّ فِي الْعَقَارِ

الْمَمْلُوكِ لَا الْمُسْتَأْجَرِ اخْتِصَارٌ لِقَوْلِ ابْنِ شَاسٍ لَا يَجُوزُ وَقْفُ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ ، وَفِي كَوْنِ مُرَادِ ابْنِ شَاسٍ فَفِي وَقْفِ مَالِكٍ مَنْفَعَتَهَا أَوْ بَائِعَهَا نَظَرٌ ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالْأَوَّلِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِخُرُوجِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي ، وَفِي نَقْلِهِ الْحُكْمَ بِإِبْطَالِهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ إعْطَاءُ مَنْفَعَتِهِ دَائِمًا ، وَأَمَدُ الْإِجَارَةِ خَاصٌّ ، فَالزَّائِدُ عَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْبِيسُ لِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ .
ثُمَّ فِي لَغْوِ حَوْزِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْحَبْسِ فَيَفْتَقِرُ لِحَوْزِهِ بَعْدَ أَمَدِ الْإِجَارَةِ وَصِحَّتِهِ لَهُ فَيَتِمُّ مِنْ حِينِ عَقْدِهِ قَوْلَانِ مُخَرَّجَانِ عَلَى قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي لَغْوِ حَوْزِ مَا فِي إجَارَتِهِ لِمَنْ وَهَبَ لَهُ بَعْدَ إجَارَتِهِ وَصِحَّتِهِ لَهُ إنْ كَانَ الْمَمْلُوكُ الَّذِي أُرِيدَ وَقْفُهُ عَقَارًا ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( حَيَوَانًا وَرَقِيقًا ) فِيهَا مَنْ حَبَّسَ رَقِيقًا أَوْ دَوَابَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى اُسْتُعْمِلُوا فِي ذَلِكَ وَلَا يُبَاعُوا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُجَبِّسَ الرَّجُلُ الثِّيَابَ وَالسُّرُوجَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَا ضَعُفَ مِنْ الدَّوَابِّ الْمُحَبَّسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا قُوَّةُ عَمَلِ الْغَزْوِ بِيعَتْ وَاشْتُرِيَ مِثْلُهَا مِمَّا يُنْتَفَعُ فِيهِ مِنْ الْخَيْلِ فَتُجْعَلَ فِي السَّبِيلِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ فَرَسٍ أَوْ هَجِينٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ فَلْيُعِنْ بِذَلِكَ فِي ثَمَنِ فَرَسٍ .
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ يَكْلُبُ وَيَخْبُثُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ مَا بَلِيَ مِنْ الثِّيَابِ الْمُحَبَّسَةِ ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ بِيعَتْ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهَا ثِيَابٌ يُنْتَفَعُ بِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ فِي السَّبِيلِ .
وَشَبَّهَ فِي الصِّحَّةِ ( كَ ) وَقْفِ ( عَبْدٍ عَلَى ) أَشْخَاصٍ ( مَرْضَى ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ جَمْعُ مَرِيضٍ

لِيَخْدُمَهُمْ فَيَصِحُّ مَا ( لَمْ يَقْصِدْ ) سَيِّدُهُ بِوَقْفِهِ عَلَيْهِمْ ( ضَرَرَهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ، فَإِنْ كَانَ قَصْدَهُ فَلَا يَصِحُّ .
ابْنُ رُشْدٍ يُكْرَهُ تَحْبِيسُ الرَّقِيقِ لِرَجَاءِ عِتْقِهِ ، فَإِنْ نَزَلَ وَفَاتَ مَضَى ، وَمَا لَمْ يَفُتْ اُسْتُحِبَّ لِمُحَبِّسِهِ صَرْفُهُ لِمَا هُوَ أَفْضَلُ .
ابْنُ عَرَفَةَ أَرَادَ فَوْتَهُ بِالْحَوْزِ لَا بِالْمَوْتِ .

وَفِي وَقْفٍ : كَطَعَامٍ : تَرَدُّدٌ .
( وَفِي ) صِحَّةِ ( وَقْفِ ) مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ ( كَطَعَامٍ ) وَدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ لِيُسَلِّفَ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيَرُدَّ مِثْلَهُ وَقْفًا فِي مَحَلِّهِ ، وَهَكَذَا أَبَدًا ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَعَدَمُهَا ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ ( تَرَدُّدٌ ) تت فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ شِقَّيْهِ فِيهَا الشَّارِحُ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّك إنْ فَرَضَتْ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِوَقْفِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ بَقَاءَ عَيْنِهِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ تَحْجِيرٌ بِلَا مَنْفَعَةٍ تَعُودُ عَلَى أَحَدٍ وَيُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الطَّعَامِ الْمُؤَدِّي إلَى إضَاعَةِ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ وَقْفٌ لِلسَّلَفِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ مُحْتَاجٌ ثُمَّ يَرُدُّ مِثْلَهُ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا جَوَازُهُ ، وَالْقَوْلُ بِكَرَاهَتِهِ ضَعِيفٌ ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ بِمَنْعِهِ إنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( تَنْبِيهٌ ) ابْنُ عَرَفَةَ اسْتَدَلَّ اللَّخْمِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُتَيْطِيُّ لِجَوَازِ وَقْفِ الْحَيَوَانِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَبَّسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الِاسْتِدْلَال وَهْمٌ شَنِيعٌ فِي فَهْمِهِ إنْ ضَبَطَا بَاءَ حَبَسَ بِالتَّخْفِيفِ ، وَفِي رِوَايَتِهِ إنْ ضَبَطَاهَا بِالتَّشْدِيدِ .
وَفِي مِثْلِ هَذَا كَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ قَالَ بَعْضُ اسْتِدْلَالَاتِ بَعْضِ شُيُوخِ مَذْهَبِنَا لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهَا خَوْفَ اعْتِقَادِ سَامِعِهَا وَلَا سِيَّمَا مَنْ هُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ حَالَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كُلِّهِمْ أَوْ جُلِّهِمْ مِثْلُ حَالِ هَذَا الْمُسْتَدِلِّ ، وَلَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ مُتَقَدِّمِي الْمُتَكَلِّمِينَ رَدًّا عَلَى الْمُنَجِّمِينَ وَدِدْت أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ لِسَخَافَتِهِ وَرَأَيْتُ لِلْآمِدِيِّ رَدًّا عَلَيْهِمْ لَيْسَ مُنْصِفًا ا هـ .
الْحَطّ كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الرِّوَايَةِ فِي الْبُخَارِيِّ حَبَسَ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ عَلَى وَزْنِ نَصَرَ وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
ا هـ .
فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ احْتَبَسَ عَلَى وَزْنِ افْتَعَلَ ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ عَنْ الْبُخَارِيِّ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ حَبَسَ بِالتَّخْفِيفِ لَيْسَ مَعْنَاهُ وَقَفَ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ وَنَصُّهُ فِي بَابِ الْجَامِعِ الْبَاقُونَ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّهُ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ أَيْ وَقَفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ

حَبَّسَ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُقَالُ حَبَسَ مُخَفَّفًا وَحَبَّسَ مُشَدَّدًا .
ا هـ .
فَدَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ حَبَسَ بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى حَبَّسَ بِالتَّشْدِيدِ ، وَهُوَ الْوَقْفُ ، فَصَحَّ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ هَذَا إنْ كَانَا نَقَلَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ حَبَسَ ، وَإِنْ كَانَا نَقَلَاهُ بِلَفْظِ احْتَبَسَ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَحَرَّفَهُ النُّسَّاخُ ، فَمَعْنَى احْتَبَسَ أَوْقَفَ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَصَحَّ مَا قَالَاهُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ أَصْلٌ فِي تَحْبِيسِ مَا سِوَى الْأَرْضِ ، وَكَذَا حَدِيثُ خَالِدٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ، وَبَقِيَ النَّظَرُ فِيمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ حَبَسَ ، فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

عَلَى أَهْلٍ لِلتَّمَلُّكِ : كَمَنْ سَيُولَدُ ، وَذِمِّيٍّ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ أَوْ يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ غَلَّتِهِ مِنْ نَاظِرِهِ لِيَصْرِفَهَا ، أَوْ كَكِتَابٍ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ صَرْفِهِ فِي مَصْرِفِهِ .

وَصَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ ( عَلَى أَهْلٍ ) أَيْ قَابِلٍ وَصَالِحٍ ( لِلتَّمَلُّكِ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمِيمِ وَضَمِّ اللَّامِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ لَأَنْ يَمْلِكَ مَنْفَعَةَ الْمَوْقُوفِ ، فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مُصْحَفٍ أَوْ رَقِيقٍ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ الْحَطّ هَذَا الضَّابِطُ لَيْسَ بِشَامِلٍ لِخُرُوجِ نَحْوِ الْمَسْجِدِ وَالْقَنْطَرَةِ مِنْهُ ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَا جَازَ صَرْفُهُ مَنْفَعَةَ الْمُحَبَّسِ لَهُ أَوْ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا رَدَّهُ اعْتَبَرَ قَبُولَهُ ابْنُ شَاسٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ ، قَبُولُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَهْلًا لِلرَّدِّ وَالْقَبُولِ ، وَفِي كَوْنِ قَبُولِهِ شَرْطًا فِي اخْتِصَاصِهِ بِهِ أَوْ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ خِلَافٌ .
وَمَثَّلَ لِأَهْلِ التَّمَلُّكِ فَقَالَ ( كَمَنْ سَيُولَدُ ) بِفَتْحِ اللَّامِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ الْمَشْهُورُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ عَلَى الْحَمْلِ .
ابْنُ الْهِنْدِيِّ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْحَمْلِ ، وَالرِّوَايَاتُ وَاضِحَةٌ بِصِحَّتِهِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ ، وَبِهَا احْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى صِحَّتِهِ عَلَى الْحَمْلِ وَفِي لُزُومِهِ بِعَقْدِهِ عَلَى مَنْ يُولَدُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا لِنَقْلِ الشَّيْخِ .
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ لِمَنْ حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ بَيْعُ مَا حَبَّسَهُ مَا لَمْ يُولَدْ لَهُ ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَائِلًا : لَوْ جَازَ لَجَازَ بَعْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَمَوْتِهِ ، قُلْت يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ بِوُجُودِهِ اسْتَمَرَّ ثُبُوتُهُ لِوُجُودِ مُتَعَلَّقِهِ وَقَبْلَهُ لَا وُجُودَ لِمُتَعَلَّقِهِ حُكْمًا ، وَالْأَوْلَى احْتِجَاجُ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ حَبْسٌ قَدْ صَارَ عَلَى مَجْهُولِ مَنْ يَأْتِي ، فَصَارَ مَوْقُوفًا أَبَدًا ، وَمَرْجِعُهُ لِأَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ ، وَلَهُمْ فِيهِ مُتَكَلَّمٌ ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَلَا وَلَدَ لَهُ ، فَفِي

جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ إيَاسِهِ قَوْلَانِ .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُحْكَمُ بِحَبْسِهِ وَيُخْرَجُ إلَى ثِقَةٍ لِيَصِحَّ الْحَوْزُ ، وَتُوقَفُ ثَمَرَتُهُ ، فَإِنْ وُلِدَ لَهُ فَلَهُمْ وَإِلَّا فَلِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ ، فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ثَالِثُ رَأْيٍ أَنَّ الْحَبْسَ قَدْ تَمَّ وَإِنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ لِلْمُحَبِّسِ ، وَقَوْلُهُ إنْ وُلِدَ لَهُ فَلَهُمْ ، أَيْ الْحَبْسُ ، وَثَمَرَتُهُ وَإِذَا بَقِيَ وَقْفًا عَلَيْهِمْ رُدَّ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ حَوْزُهُ قَالَهُ الْبَاجِيَّ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ صَارَ مِيرَاثًا .
( وَ ) كَ ( ذِمِّيٍّ ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ مُشَدَّدَةً ، أَيْ كَافِرٍ مُلْتَزِمِ الْجِزْيَةِ وَأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَيَجُوزُ وَقْفُ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ إنْ ظَهَرَتْ فِيهِ قُرْبَةٌ بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ قَرِيبًا لِلْوَاقِفِ ، بَلْ ( وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ ) فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا غَنِيًّا .
ابْنُ عَرَفَةَ تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنُ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الذِّمِّيِّ ، وَقَبِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَمْ أَعْرِفْهُ نَصًّا وَإِلَّا ظَهَرَ جَرْيُهُ عَلَى حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَهُ .
وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَنْ حَبَّسَ عَلَى مَسَاكِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَازَ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ } إلَى قَوْلِهِ { وَأَسِيرًا } ، وَلَا يَكُونُ الْأَسِيرُ إلَّا كَافِرًا ، وَإِنْ حَبَّسَ عَلَى كَنَائِسِهِمْ رُدَّ وَفُسِخَ .
وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ إنْ أَوْصَى أُتِيَ بِمَالِهِ لِلْكَنِيسَةِ وَلَا وَارِثَ لَهُ دُفِعَ ثُلُثُهُ إلَى الْأُسْقُفِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ وَالثُّلُثَانِ لِلْمُسْلِمِينَ .
وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ فَقَالَ ( أَوْ ) أَنْ ( يَشْتَرِطَ ) وَاقِفُهُ ( تَسْلِيمَ غَلَّتِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ( مِنْ نَاظِرِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ الَّذِي أَقَامَهُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ لِلْوَاقِفِ ( لِيَصْرِفَهَا ) أَيْ الْوَاقِفُ الْغَلَّةَ فِي مَصْرِفِهَا ، فَهَذِهِ مُبَالَغَةٌ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ أَيْضًا .
ابْنُ عَبْدِ

الْحَكَمِ الْإِمَامُ مَالِكٌ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) إنْ جَعَلَ الْحَبْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ يَحُوزُهُ وَيَجْمَعُ غَلَّتَهُ وَيَدْفَعُهَا لِلَّذِي حَبَّسَ يَلِي تَفْرِيقَهَا ، وَعَلَى ذَلِكَ حَبَّسَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَأَبَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ ( أَوْ ) كَانَ الْمَوْقُوفُ ( كَكِتَابٍ ) مُشْتَمِلٍ عَلَى قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَسِلَاحٍ حِيزَ عَنْهُ ( ثُمَّ عَادَ ) أَيْ لِلْكِتَابِ وَنَحْوِهِ ( إلَيْهِ ) أَيْ وَاقِفِهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ كَغَيْرِهِ أَوْ لِيَحْفَظَهُ حَتَّى يَسْتَعِيرَهُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ وَهَكَذَا ( بَعْدَ صَرْفِهِ ) أَيْ الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ وَنَحْوِهِ ( فِي مَصْرِفِهِ ) ؛ لِأَنَّ صَرْفَهُ فِي مَصْرِفِهِ حَوْزٌ لَهُ وَعَوْدُهُ لَهُ بَعْدَ صِحَّةِ الْحَوْزِ لَا يُبْطِلُ حَوْزَهُ .
فِيهَا مَنْ حَبَّسَ فِي صِحَّتِهِ مَا لَا غَلَّةَ لَهُ كَالسِّلَاحِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَشِبْهِهَا ، فَلَمْ يُنَفِّذْهَا وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهُ فِي وُجُوهِهِ وَرَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَمَا أَخْرَجَهُ فَهُوَ نَافِذٌ ، وَمَا لَمْ يُخْرِجْهُ فَهُوَ مِيرَاثٌ .
أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعٌ لِلْآخَرِ .
طفي لَيْسَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ حِيزَ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ ، بَلْ تَصْوِيرُهَا أَنَّهُ حَبَّسَهُ وَأَبْقَاهُ تَحْتَ يَدِهِ ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِهِ فَيُخْرِجُهُ فِي مَصْرِفِهِ ، ثُمَّ يَرُدُّهُ لِحَوْزِهِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ نَصِّهَا السَّابِقِ ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَشَرْطُهُ خُرُوجُهُ عَنْ يَدِ وَاقِفِهِ وَتَرْكُهُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَإِنْ حَبَّسَ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ أَبْقَاهُ فِي يَدِهِ حَيَاتَهُ بَطَلَ إذَا لَمْ تَكُنْ غَلَّتُهُ تُصْرَفُ فِي مَصَارِفِهَا ، فَإِنْ كَانَ يَصْرِفُهَا فِيهِ فِي صِحَّتِهِ فَفِي بُطْلَانِهِ وَصِحَّتِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فَرَّقَ فِي الثَّالِثَةِ ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا يُخْرِجُ غَلَّتَهُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ حَائِطًا

أَوْ أَرْضًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُمَا فَيَصْرِفُ غَلَّتَهُ فَيَكُونُ بَاطِلًا ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا يُخْرِجُ أَصْلَ الْحَبْسِ كَفَرَسٍ أَوْ سِلَاحٍ وَمَا أَشْبَهَهُ فَيَكُونُ صَحِيحًا ا هـ .
وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا أَعَادَهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ ؛ وَلِذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ إذَا عَادَ إلَيْهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ قَالَ وَقِرَاءَةُ الْكِتَابِ إذَا عَادَ إلَيْهِ خَفِيفٌ .
ا هـ .
وَالْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مَفْرُوضَةٌ فِيمَا حُبِسَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَمَا قَرَّرَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ ، وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَالْخَيْلِ يُغْزَى عَلَيْهَا وَالسِّلَاحِ يُقَاتَلُ بِهِ وَالْكُتُبِ يُقْرَأُ فِيهَا ، فَيَصِحُّ أَنْ تَعُودَ لِيَدِ مُحَبِّسِهَا بَعْدَ قَبْضِهَا .
وَاخْتُلِفَ إنْ لَمْ يَأْتِ وَقْتُ إنْفَاذِهَا لِلْجِهَادِ أَوْ لَمْ تُطْلَبْ لِلْقِرَاءَةِ حَتَّى مَاتَ الْمُحَبِّسُ ، فَهَلْ يَبْطُلُ تَحْبِيسُهَا ، وَلَوْ كَانَ يَرْكَبُ الدَّابَّةَ فِي عَوْدِهَا إلَيْهِ لِرِيَاضَتِهَا لَمْ يَبْطُلْ ، وَإِنْ كَانَ يَرْكَبُهَا حَسْبَمَا يَفْعَلُ الْمَالِكُ بَطَلَ وَقِرَاءَةُ الْكِتَابِ إنْ عَادَتْ إلَيْهِ خَفِيفٌ .
قُلْت وَتَكُونُ فِيهَا لِحِفْظِهَا مِنْ السَّوْسِ فَتَكُونُ كَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ .
وَالصَّقَلِّيُّ لِأَشْهَبَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ مَا كَانَ يُرَدُّ إلَيْهِ بَعْدَ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَعْلِفُ الْخَيْلَ مِنْ عِنْدِهِ وَيَرْمِ السِّلَاحَ وَيَنْتَفِعُ بِهِ فِي حَوَائِجِهِ ، وَيُعِيرُ ذَلِكَ لِإِخْوَانِهِ فَيَمُوتُ فَهُوَ مِيرَاثٌ ا هـ .
كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فَافْهَمْ هَذَا الْمَحَلُّ ، فَإِنَّهُ مَزِلَّةُ أَقْدَامِ جَمْعٍ مِنْ الشَّارِحِينَ الْمُحَقِّقِينَ لِفَرْضِهِمْ الْمَسْأَلَةَ فِي عَوْدِهِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَقَدْ عَلِمْت بُطْلَانَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
الْبُنَانِيُّ ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَقِبَ

قَوْلِهَا وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُهُ فِي وُجُوهِهِ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَهُوَ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَنَصَّهُ ابْنُ يُونُسَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ احْتَاجَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَعَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَفَادَ أَنَّ عَوْدَهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ كَعَوْدِهِ لِحِفْظِهِ .
وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ حَبَّسَ شَيْئًا فِي السَّبِيلِ وَأَنْفَذَهُ فِيهِ زَمَانًا فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ النَّاسِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا .
ابْنُ رُشْدٍ يَنْتَفِعُ بِهِ فِيمَا حَبَّسَهُ فِيهِ لَا فِيمَا سِوَاهُ مِنْ مَنَافِعِهِ ، نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَبَانَ أَنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ ، فَإِنَّ الَّذِي مَنَعَهُ اللَّخْمِيُّ هُوَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي حَبَّسَهُ فِيهِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَهِيَ مَفْرُوضَةٌ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ فِي الْحَبْسِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ اللَّخْمِيُّ الْحَبْسُ أَصْنَافٌ : صِنْفٌ لَا يَصِحُّ بَقَاءُ يَدِ الْمُحَبِّسِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَائِزٍ مَخْصُوصٍ كَالْمَسَاجِدِ وَصِنْفٌ لَا يَصِحُّ بَقَاءُ يَدِ الْمُحَبِّسِ عَلَيْهِ ، وَيَتَعَيَّنُ حَائِزُهُ ، وَهُوَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنٍ ، وَصِنْفٌ يَصِحُّ بَقَاءُ يَدِهِ عَلَيْهِ إذَا أَنْفَذَهُ فِيمَا حَبَّسَهُ عَلَيْهِ كَالْخَيْلِ يُغْزَى عَلَيْهَا وَالْكُتُبِ يُقْرَأُ فِيهَا .
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مُعَيَّنٍ صَحَّ أَنْ يَعُودَ إلَى يَدِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ .
وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُ إنْفَاذِهِ لِلْجِهَادِ أَوْ لَمْ تُطْلَبْ الْكُتُبُ لِلْقِرَاءَةِ حَتَّى مَاتَ مُحَبِّسُهُ فَقِيلَ يَبْطُلُ حَبْسُهُ ، وَلَوْ كَانَ يَرْكَبُهَا حَسْبَمَا كَانَ يَفْعَلُ الْمَالِكُ بَطَلَ حَبْسُهُ وَقِرَاءَةُ الْكُتُبِ إذَا عَادَتْ إلَيْهِ خَفِيفٌ نَقَلَهُ .
أَبُو الْحَسَنِ فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ أَصْلًا حَتَّى مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِ إنْفَاذِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهُ وَظَاهِرُهُ ، وَلَوْ مَرَّةً كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ صَحَّ وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ .
أَقُولُ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ : كَلَامُ اللَّخْمِيِّ نَصٌّ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ طفي ، فَإِنَّهُ جَعَلَ رُكُوبَهَا لِرِيَاضَتِهَا مُغْتَفِرًا وَرُكُوبَهَا لِلِانْتِفَاعِ مُبْطِلًا ، وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَهُوَ لَا يُفِيدُ أَنَّ رَدَّهَا لِلِانْتِفَاعِ كَرَدِّهَا لِحِفْظِهَا إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّهَا إنْ عَادَتْ إلَيْهِ لِحِفْظِهَا فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إنْ احْتَاجَ لَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَهَذَا يُخَالِفُ فِيهِ طفي .

وَبَطَلَ عَلَى مَعْصِيَةٍ
( وَبَطَلَ ) الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ ( عَلَى مَعْصِيَةٍ ) كَجَعْلِ رِيعِهِ فِي ثَمَنِ خَمْرٍ .
الْبِسَاطِيُّ لَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِكُفْرِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ .
الْبَاجِيَّ لَوْ حَبَّسَ مُسْلِمٌ عَلَى كَنِيسَةٍ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي رَدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ كَمَا لَوْ صَرَفَهَا إلَى أَهْلِ الْفِسْقِ .
ابْنُ عَرَفَةَ عِبَارَةُ الشُّيُوخِ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ إلَّا فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ مَا لَا فِي الْأَمْرِ الضَّرُورِيِّ ، وَرَدُّ هَذَا الْحَبْسِ ضَرُورِيٌّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ ، وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ أَوْصَى أَنْ يُقَامَ لَهُ مَنْهِيٌّ فِي عُرْسٍ أَوْ مَنَاحَةِ مَيِّتٍ لَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ وَقَوْلُهُ بَاطِلٌ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ فِي رَدِّهَا بِنِيَاحَةِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ الْحَطّ وَانْظُرْ الْوَقْفَ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَإِنْ يَمْضِي ، وَإِنْ اتَّفَقَ عَلَى كَرَاهَتِهِ فَلَا يُصْرَفُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ ، وَيَتَوَقَّفُ فِي بُطْلَانِهِ أَوْ صَرْفِهِ إلَى جِهَةِ قُرْبِهِ .
وَفِي الْمَدْخَلِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ أَنَّ الْأَذَانَ جَمَاعَةً عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ قَالَ : فِعْلُهُمْ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الثَّوَابِ فَالثَّوَابُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِاتِّبَاعِ أَوْ لِأَجْلِ الْجَامِكِيَّةِ وَالْجَامَكِيَّةُ لَا تُصْرَفُ فِي بِدْعَةٍ ، كَمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً .
أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَقْفُ كَافِرٍ عَلَى عُبَّادِ كَنِيسَةٍ إمَّا عَلَى مَوْتَاهَا أَوْ الْجَرْحَى أَوْ الْمَرْضَى فَصَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ الْأُسْقُفُ بَيْعَهُ وَصَرْفَ ثَمَنِهِ فِي ذَلِكَ ، وَنُوزِعَ فِيهِ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا رَاضِينَ بِحُكْمِنَا ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ مِنْ إمْضَاءِ الْحَبْسِ وَعَدَمِ بَيْعِهِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ .

وَحَرْبِيٍّ .
وَكَافِرٍ لِكَمَسْجِدٍ ، أَوْ عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ

( وَ ) بَطَلَ وَقْفُ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ ( حَرْبِيٍّ ) لِلْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ لَهُ عَلَيْهِمْ ( وَ ) بَطَلَ وَقْفُ شَخْصٍ ( كَافِرٍ لِكَمَسْجِدٍ ) وَرِبَاطٍ وَجِهَادٍ وَحَجٍّ وَأَذَانٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ .
الْبَاجِيَّ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ حَبَّسَ ذِمِّيٌّ دَارًا عَلَى مَسْجِدٍ رُدَّ وَرَوَاهُ مَعْنٌ فِي نَصْرَانِيَّةٍ بَعَثَتْ بِدِينَارٍ لِلْكَعْبَةِ ، فَرَدَّهُ عَلَيْهَا مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ابْنُ عَرَفَةَ لَا يَصِحُّ وَقْفُ كَافِرٍ فِي قُرْبَةٍ دِينِيَّةٍ وَلَوْ كَانَ فِي مَنْفَعَةٍ عَامَّةٍ دُنْيَوِيَّةٍ كَبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ ، فَفِي رَدِّهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ رَدُّهُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ .
أَوْ ) وَقْفُهُ ( عَلَى بَنِيهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ ( دُونَ بَنَاتِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ الْإِنَاثِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ وَأَخْرَجَ الْبَنَاتَ مِنْهُ إنْ تَزَوَّجْنَ ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا فَاتَ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى مَا حَبَّسَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا وَلَمْ يُحَزْ عَنْهُ الْحَبْسُ فَلْيَرُدَّهُ وَيُدْخِلْ فِيهِ الْبَنَاتِ وَإِنْ حِيزَ عَنْهُ أَوْ مَاتَ مَضَى عَلَى شَرْطِهِ وَلَا يَفْسَخُهُ الْقَاضِي .
الْحَطّ حَصَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ ، وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ الْعُتْبِيَّةِ وَكَلَامَهُ بِرُمَّتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَوَائِدِ ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : مَنْ حَبَّسَ حَبْسًا عَلَى ذُكُورِ وَلَدِهِ وَأَخْرَجَ الْبَنَاتِ مِنْهُ إذَا تَزَوَّجْنَ فَإِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ قُلْت لِمَالِكٍ أَتَرَى أَنْ يُبْطِلَ وَيُسَجِّلَ الْحَبْسَ ؟ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ وَجْهُ الشَّأْنِ فِيهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَكِنْ إذَا فَاتَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا حَبَّسَ ، فَإِنْ كَانَ الْمُحَبِّسُ حَيًّا وَلَمْ يُجَزْ الْحَبْسُ فَأَرَى أَنْ يَفْسَخَهُ وَيُدْخِلُ فِيهِ الْإِنَاثُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حِيزَ أَوْ مَاتَ فَهُوَ كَفَوْتٍ وَيَكُونُ عَلَى مَا

جُعِلَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا أَنَّ الْحَبْسَ لَا يَجُوزُ ، وَيَبْطُلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ يَمْضِي إذَا فَاتَ وَلَا يَنْقَضِ ، وَفَوْتُ الْحَبْسِ عِنْدَهُ أَنْ يُحَازَ عَنْ الْمُحَبِّسِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَوْ يَمُوتُ ، أَرَادَ بَعْدَ حَوْزِهِ عَنْهُ ، وَرَأَى أَنَّ الْحَبْسَ إذَا لَمْ يُحَزْ عَنْ مُحَبِّسِهِ يَبْطُلُ وَتَدْخُلُ الْإِنَاثُ ، فِيهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : وَإِنْ كَرِهَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ وَالْحَبْسَ لَا تَلْزَمُ وَلَا يُحْكَمُ بِهَا حَتَّى تُقْبَضَ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ، فَعَلَى هَذَا لَا يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِمْ الرُّشَدَاءَ .
وَذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ اخْتِلَافَ قَوْلٍ ، قَالَ إنَّمَا يُفْسَخُ وَيُسَجَّلُ إذَا لَمْ يَأْبَهُ مَنْ حُبِّسَ عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ أَبَوْهُ فَلَا يَجُوزُ فَسْخُهُ ، وَيُقَرُّ عَلَى مَا حُبِّسَ ، وَإِنْ كَانَ الْمُحَبِّسُ حَيًّا إلَّا أَنْ يَرْضَوْا لَهُ بِرَدِّهِ ، وَهُمْ رُشَدَاءُ .
مَالِكٌ إنْ لَمْ يُخَاصِمْ فَلْيُرَدَّ الْحَبْسُ حَتَّى يَجْعَلَهُ عَلَى صَوَابٍ إنْ كَانَ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ وَإِنْ خُوصِمَ فَلْيُقِرَّهُ عَلَى حَالِهِ ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَ قَدْ حِيزَ عَنْهُ ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ مِنْ التَّأْوِيلِ فِيهَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ فَرَّقَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي فَسْخِهِ بَيْنَ حَوْزِهِ عَنْهُ وَعَدَمِهِ ، وَقَدْ تُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ وَإِنْ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ إلَّا بِرِضَا الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ تُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِأَنَّ لَهُ فَسْخَهُ وَإِنْ حِيزَ عَنْهُ وَأَبَى الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِمْ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ رَأَى عَدَمَ إعْمَالِ الْحَبْسِ جُمْلَةً ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ شَكَّ وَفِي رَسْمِ نَذْرَ ، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ

وَإِنْ مَاتَ الْمُحَبِّسُ بَعْدَ حِيَازَةِ الْحَبْسِ عَنْهُ فَتَحَصَّلَ عَلَى هَذَا فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يُفْسَخُ الْحَبْسُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ مَاتَ مُحَبِّسُهُ بَعْدَ حَوْزِهِ عَنْهُ وَيَرْجِعُ لِمِلْكِهِ .
ثَانِيهَا : أَنَّ الْمُحَبِّسَ يَفْسَخُهُ وَيُدْخِلُ فِيهِ الْبَنَاتِ وَإِنْ حِيزَ عَنْهُ .
ثَالِثُهَا : يَفْسَخُهُ وَيُدْخِلُ فِيهِ الْبَنَاتِ مَا لَمْ يُحَزْ عَنْهُ ، فَإِنْ حِيزَ عَنْهُ فَلَا يَفْسَخْهُ إلَّا بِرِضَا الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ .
رَابِعُهَا : أَنَّهُ لَا يَفْسَخُهُ وَيُدْخِلُ الْإِنَاثَ وَإِنْ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ إلَّا بِرِضَا الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ ا هـ .
اللَّخْمِيُّ إخْرَاجُ الْبَنَاتِ مِنْ الْحَبْسِ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ .
مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمَجْمُوعَةِ أَكْرَهُ ذَلِكَ .
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ أَخْرَجَ الْبَنَاتِ إنْ تَزَوَّجْنَ فَالْحَبْسُ بَاطِلٌ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْمُحَبِّسُ حَيًّا فَأَرَى أَنْ يَفْسَخَهُ وَيُدْخِلَ فِيهِ الْبَنَاتِ وَإِنْ حِيزَ أَوْ مَاتَ فَاتَ وَكَانَ عَلَى مَا حَبَّسَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَيْضًا إنْ كَانَ الْمُحَبِّسُ حَيًّا فَلْيَفْسَخْهُ وَيَجْعَلْهُ مُسَجَّلًا ، وَإِنْ مَاتَ فَلَا يُفْسَخُ فَجَعَلَ لَهُ رَدَّهُ بَعْدَ حَوْزِهِ وَيَجْعَلُهُ مُسَجَّلًا مَا لَمْ يَمُتْ .
وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ مَنْ أَخْرَجَ الْبَنَاتِ أَبْطَلَ وَقْفَهُ ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ ، فَإِنْ نَزَلَ مَضَى ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَبْطُلُ إنْ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِيهِ ، وَعَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ مَا لَمْ يُحَزْ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُفْسَخُ ، وَإِنْ حِيزَ مَا لَمْ يَمُتْ .

ابْنُ عَرَفَةَ فَفِي الْحَبْسِ عَلَى الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ تَزَوَّجْنَ سَبْعَةُ أَرْبَعَةٍ .
ابْنُ رُشْدٍ وَخَامِسُهَا جَوَازُهُ ، وَسَادِسُهَا كَرَاهَتُهُ ، وَسَابِعُهَا فَوْتُهُ بِحَوْزِهِ وَإِلَّا فَسَخَهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ الْبَنَاتِ ا هـ .
الْحَطّ فَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ امْتِنَاعِ إخْرَاجِهِنَّ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ بَعْدَ تَزَوُّجِهِنَّ ، أَوْ وَلَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْنَ يَتَحَصَّلُ فِيهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ ، الْأَوَّلُ : فَسْخُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ حِيزَ عَنْهُ وَمَاتَ بَعْدَ حَوْزِهِ وَيَرْجِعُ لِمِلْكِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ .
الثَّانِي : فَسْخُهُ وَرُجُوعُهُ لِمِلْكِهِ مَا لَمْ يُحَزْ عَنْهُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى نَقْلِ اللَّخْمِيِّ الثَّالِثُ : فَسْخُهُ وَدُخُولُ الْبَنَاتِ وَإِنْ حِيزَ عَنْهُ ، وَهُوَ مُتَأَوَّلٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ .
الرَّابِعُ : فَسْخُهُ وَدُخُولُ الْبَنَاتِ فِيهِ مَا لَمْ يُحَزْ عَنْهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا السَّمَاعِ وَالْخَامِسُ : لَا يَفْسَخُ وَلَا يُدْخِلُ فِيهِ الْبَنَاتِ وَإِنْ لَمْ يُحَزْ إلَّا بِرِضَا الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ يُكْرَهُ لِمَنْ حَبَّسَ إخْرَاجُ الْبَنَاتِ مِنْ تَحْبِيسِهِ .
ا هـ .
وَشَهَرَهَا عِيَاضٌ .
أَبُو الْحَسَنِ قَالَ هُنَا يُكْرَهُ فَإِنْ نَزَلَ مَضَى .
ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لَا يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِمْ بِفَسْخِهِ وَهُمْ رُشَدَاءُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ إذَا وَقَعَ يَمْضِي وَلَا يُفْسَخُ ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّتِي مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا فَلَيْسَتْ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي تَرْكِهِ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي شَهَرَهُ عِيَاضٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

الْحَطّ اُنْظُرْ لَوْ حَبَّسَ عَلَى الْبَنَاتِ دُونَ الْبَنِينَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ صَحِيحٌ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ صِفَةَ مَا يُكْتَبُ فِي اشْتِرَاطِ الْمُحَبِّسِ كَوْنُهُ لِبَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ عَقِبَهُ بِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ ، ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةَ مَا يُكْتَبُ فِي اشْتِرَاطِ الْمُحَبِّسِ كَوْنُهُ لِبَنَاتِهِ دُونَ بَنِيهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهَا ، وَنَصُّ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى بَنَاتِهِ بِصَدَقَةٍ حَبْسًا ، فَإِذَا انْقَرَضَ بَنَاتُهُ فَهِيَ لِذُكُورِ وَلَدِهِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، فَبَتَلَ ذَلِكَ لَهُنَّ فَيَكُونُ لِلْإِنَاثِ حَتَّى يَهْلِكَ جَمِيعُهُنَّ وَلِلرَّجُلِ يَوْمَ هَلَكْنَ كُلُّهُنَّ ابْنٌ وَلَهُ وَلَدٌ ذُكُورٌ ، فَقَالَ وَلَدُ الْوَلَدِ نَحْنُ مِنْ أَوْلَادِهِ نَدْخُلُ فِي صَدَقَةِ جَدِّنَا ، وَقَالَ وَلَدُهُ لِصُلْبِهِ نَحْنُ آثَرُ وَأَوْلَى فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَرَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ وَلَدُ الْوَلَدِ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَلَدُ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ فَهِيَ لِذُكُورِ وَلَدِهِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ الذَّكَرَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فِي الْمِيرَاثِ ، فَلَمَّا كَانَ لَهُ حُكْمُ الْوَلَدِ فِي الْمِيرَاثِ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْحَبْسِ ، وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ مَعَ بَنَاتِهِ لِصُلْبِهِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى بَنَاتِهِ بِصَدَقَةٍ حَبَّسَ بَنَاتِ بَنِيهِ ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الْبِنْتِ فِي الْمِيرَاثِ إذَا لَمْ يَكُنْ ابْنٌ فَلَا شَيْءَ لِذُكُورِ وَلَدِ الْمُحَبِّسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى تَنْقَرِضَ بَنَاتُهُ وَبَنَاتُ بَنِيهِ .
ا هـ .
فَقَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ لِذُكُورِ وَلَدِ الْمُحَبِّسِ إلَخْ ، مَعَ جَوَابِ الْإِمَامِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ ،

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ قَبْلَ عَامٍ .

( أَوْ ) أَيْ وَبَطَلَ إنْ وَقَفَ دَارَ سُكْنَاهُ عَلَى مَحْجُورِهِ وَخَرَجَ مِنْهَا وَحَوَّزَهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ ( عَادَ ) الْوَاقِفُ ( لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ ) الَّذِي أَوْقَفَهُ عَلَى مَحْجُورِهِ ، وَصِلَةُ عَادَ ( قَبْلَ ) تَمَامِ ( عَامٍ ) مِنْ يَوْمِ خُرُوجِهِ مِنْهُ وَتَحْوِيزِهِ لِغَيْرِهِ ، وَمَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَلَّسَ ، وَهُوَ سَاكِنٌ فِيهِ فَقَدْ بَطَلَ تَحْبِيسُهُ لِضَعْفِ حَوْزِهِ عَنْهُ بِاكْتِنَافِهِ سُكْنَاهُ ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ عَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْكُنْهَا أَوَّلًا وَحِيزَتْ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ لِسُكْنَاهَا قَبْلَ عَامٍ فَلَا يَبْطُلُ تَحْبِيسُهُ ، وَكَذَا عَوْدُهُ لِسُكْنَاهُ بَعْدَ تَمَامِ عَامٍ قَالَهُ تت .
طفي فِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ يَبْطُلُ فَلَا مَفْهُومَ لِعَادَ وَلَا لِسُكْنَى وَلَا لِمَسْكَنِهِ ، إذْ الِانْتِفَاعُ بِغَيْرِ السُّكْنَى كَالِانْتِفَاعِ بِهَا وَغَيْرُ الْمَسْكَنِ كَالْمَسْكَنِ كَذَا النَّقْلُ وَبِهِ شَرَحَ الشُّرَّاحُ الْمُعْتَمَدُونَ .
ابْنُ يُونُسَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ حَبَّسَ حَبْسًا وَسَكَنَهُ زَمَانًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ أَفْسَدَ حَبْسَهُ ، وَهُوَ مِيرَاثٌ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ حِيزَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ نَافِذٌ ، فَإِنْ رَجَعَ فَسَكَنَ فِيهِ بِكِرَاءٍ بَعْدَ مَا حِيزَ عَنْهُ ، فَإِنْ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ بَيِّنٌ مِنْ الْحِيَازَةِ فَذَلِكَ نَافِذٌ قَالَهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
مُحَمَّدٌ هَذَا إذَا حَازَ ذَلِكَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ صَغِيرٌ وَلَا مَنْ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ ، فَأَمَّا مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ بِيَدِ مَنْ يُحَوِّزُهُ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْدَمَ أَوْ يَكْبَرَ أَوْ يُولَدَ أَوْ كَانَ بِيَدِهِ هُوَ يَحُوزُهُ لِمَنْ يَجُوزُ حَوْزُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ سَكَنَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الصَّغِيرُ نَفْسَهُ ، وَقَبْلَ أَنْ يَحُوزَ مَنْ ذَكَرْنَا مِمَّنْ حَبَّسَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ يُبْطِلُهُ .
قُلْت ، وَكَمْ حَدَّ تِلْكَ الْحِيَازَةِ ؟ قَالَ السَّنَةُ أَقَلُّهَا ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .

ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِحِيَازَةِ الْعَامِ فِي الْمَالِكِينَ أُمُورَهُمْ ، فَقَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ بِعُمْرَى أَوْ كِرَاءٍ أَوْ إرْفَاقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ سَنَةً أَنَّ الْوَقْفَ نَافِذٌ .
ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الصِّغَارُ فَمَتَى سَكَنَ أَوْ عَمَّرَ ، وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ بَطَلَ .
ا هـ .
وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَاتٍ وَابْنُ سَلْمُونٍ .
وَأَفْتَى ابْنُ لُبٍّ بِأَنَّهُ إنْ أَخْلَى مَا حَبَّسَهُ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ عَامًا كَامِلًا ثُمَّ رَجَعَ لَهُ فَلَا يُبْطِلُ رُجُوعُهُ تَحْبِيسَهُ .
الْمُتَيْطِيُّ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي نُفُوذِ السُّكْنَى إذَا أَخْلَاهُ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُكْرِيَهُ فِي هَذَا الْعَامِ بِاسْمِ مَحْجُورِهِ ، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِالْكِرَاءِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَنَحْوِهِ لِابْنِ الْعَطَّارِ ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَحْجُورَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ أَفَادَهُ " ق " الْحَطّ وَأَمَّا إنْ عَادَ لِلسُّكْنَى بَعْدَ عَامٍ فَلَا يَبْطُلُ ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ يَحُوزُ لِنَفْسِهِ .
وَأَمَّا مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْوَاقِفُ فَإِنْ عَادَ لِسُكْنَاهُ بَطَلَ الْحَبْسُ وَالْهِبَةُ ، اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَابْنِ عَرَفَةَ .
الْبُنَانِيُّ هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَطَرِيقَةُ الْمُتَيْطِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَحْجُورِ وَغَيْرِهِ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِعَوْدِهِ لِلسُّكْنَى بَعْدَ عَامٍ وَعَلَيْهَا الْعَمَلُ ، وَقَدْ نَظَّمَ هَذَا سَيِّدِي حَمْدُونُ الْمِزْوَارُ فَقَالَ : رُجُوعُ وَاقِفٍ لِمَا قَدْ وَقَفَا بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ قَدْ خُفِّفَا عَلَى صَبِيٍّ كَانَ أَوْ ذِي رُشْدِ وَاعْتَرَضَتْ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدِ

أَوْ جُهِلَ سَبْقُهُ لِدَيْنٍ : إنْ كَانَ عَلَى مَحْجُورِهِ .

( أَوْ ) أَيْ وَبَطَلَ الْوَقْفُ إنْ وَقَفَ شَيْئًا ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ عَلَيْهِ مُسْتَغْرِقٌ مَا بِيَدِهِ وَ ( جُهِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( سَبْقُهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ( لِدَيْنٍ ) ظَهَرَ عَلَى الْوَاقِفِ مُسْتَغْرِقُ مَا وَقَفَهُ وَعَدَمُ سَبْقِهِ إيَّاهُ فَيَبْطُلُ الْوَقْفُ ( إنْ كَانَ ) الْوَقْفُ ( عَلَى مَحْجُورِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ احْتِيَاطًا لِلْوَاجِبِ ، وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَحْجُورِهِ فَلَا يَبْطُلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .
فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَمَنْ حَبَّسَ حَبْسًا عَلَى وَلَدٍ لَهُ صِغَارٌ فَمَاتَ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُدْرَى الدَّيْنُ كَانَ قَبْلُ أَمْ الْحَبْسُ ، وَقَامَ الْغُرَمَاءُ فَعَلَى الْوَلَدِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْحَبْسَ كَانَ قَبْلَ الدَّيْنِ وَإِلَّا بَطَلَ الْحَبْسُ ، وَنَحْوُهُ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى ابْنٍ مَالِكٍ لِأَمْرِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَحَازَ وَقَبَضَ كَانَتْ الصَّدَقَةُ أَوْلَى .
الْمُتَيْطِيُّ إنْ تَحَقَّقَ سَبْقُ الدَّيْنِ بَطَلَ الْحَبْسُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مُطْلَقًا ، وَإِنْ تَحَقَّقَ سَبْقُ الْعَطَايَا نَفَذَتْ وَبَقِيَتْ الدُّيُونُ عَلَى الْغَرِيمِ ، وَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَمَا كَانَ مِنْ تَحْبِيسٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ عَلَى كَبِيرٍ حَازَ لِنَفْسِهِ أَوْ عَلَى صَغِيرٍ حَازَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ بِأَمْرِ أَبِيهِ فَهُوَ مَاضٍ عَلَى حَسَبِ مَا عُقِدَ وَتَبْقَى الدُّيُونُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى صَغِيرٍ حَازَ لَهُ أَبُوهُ فَالدُّيُونُ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ " غ " الشَّرْطُ قَاصِرٌ عَلَى هَذِهِ دُونَ مَا قَبْلَهَا ، فَفِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً مِنْ غَيْرِ ثَوَابٍ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ وَاهِبِهَا وَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ فَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ يُرِيدُ قَبْضَهَا فَالْمُبْتَاعُ أَحَقُّ بِهَا ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ

مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الَّذِي حَبَّسَ عَلَى وَلَدٍ لَهُ صِغَارٍ حَبْسًا وَمَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُدْرَى قَبْلَ الْحَبْسِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَقَالَ الْبَنُونَ قَدْ حُزْنَاهُ بِحَوْزِ الْأَبِ عَلَيْنَا ، فَإِنْ أَقَامُوا بَيِّنَةً أَنَّ الْحَبْسَ كَانَ قَبْلَ الدَّيْنِ فَالْحَبْسُ لَهُمْ وَإِلَّا بِيعَ لِلْغُرَمَاءِ ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ ، وَقَدْ اسْتَوْعَبَهَا الْمُتَيْطِيُّ .
طفي لَا مَعْنَى لِرُجُوعِ الْقَيْدِ لِلَّتِي قَبْلَهَا ، الْآنَ عَوْدُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ السَّنَةِ يُبْطِلُ الْحَوْزَ إنْ كَانَ الْحَائِزُ مِمَّنْ يَحُوزُ لِنَفْسِهِ ، وَهُوَ مُحَبَّسٌ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا إنْ حَبَّسَ عَلَى صَغِيرِهِ وَحَازَهُ لَهُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ يَبْطُلُ مَتَى رَجَعَ إلَيْهِ ، وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي نُفُوذِ مَسْكَنِ السُّكْنَى إذَا أَخْلَاهُ عَامًا بِشَرْطِ أَنْ يُكْرِيَهُ فِي هَذَا الْعَامِ بِاسْمِ مَحْجُورِهِ وَيَرْجِعَ إلَيْهِ بِالْكِرَاءِ ، وَيُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ رُجُوعُ الْقَيْدِ إلَيْهَا ، إذْ لَوْ رَجَعَ إلَيْهَا لَكَانَ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ : إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَحْجُورِهِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ وَعَلَيْهِ دَرَج الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ تَكُنْ دَارُ سُكْنَاهُ ، وَتَبِعَ تت الشَّارِحَ فِي قَوْلِهِ قَيَّدَ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَالْعَجَبُ كَيْفَ سَلَّمَهُ ، وَهُوَ وَاضِحُ الْفَسَادِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ " غ " مُعَرِّضًا بِالشَّارِحِ بِقَوْلِهِ : الشَّرْطُ قَاصِرٌ عَلَى هَذِهِ دُونَ مَا قَبْلَهَا وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ الدَّالَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ ، وَلَمْ يَهْتَدِ لَهُ ، لَكِنَّ الْكَمَالَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَاطِلَ فِي قَوْلِهِ أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ الْحَوْزُ فَقَطْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ بِخِلَافِ

مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ الْحَبْسُ .
ا هـ .
أَيْ إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَانِعٌ ، وَهُوَ سَاكِنٌ بِهِ وَإِلَّا بَطَلَ الْحَبْسُ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

أَوْ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ بِشَرِيكٍ ، أَوْ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَهُ ، أَوْ لَمْ يَحُزْهُ كَبِئْرٍ وُقِفَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ سَفِيهًا ، أَوْ وَلِيِّ صَغِيرٍ .

( أَوْ ) أَيْ وَبَطَلَ الْوَقْفُ إنْ وَقَفَ الْمَالِكُ مِلْكَهُ ( عَلَى نَفْسِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ فَهُوَ بَاطِلٌ إنْ كَانَ عَلَى نَفْسِهِ وَحْدَهُ ، بَلْ ( وَلَوْ ) وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ( بِشَرِيكٍ ) أَيْ مَعَ غَيْرِهِ كَوَقَفْتُ عَلَى نَفْسِي وَعَلَى فُلَانٍ فَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَصِحُّ عَلَيْهِمَا ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِ وَلَوْ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْحَبْسُ عَلَى نَفْسِ الْمُحَبِّسِ وَحْدَهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا ، وَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ كُلِّ حَبْسِ مَنْ حَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ إنْ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ ، فَإِنْ حِيزَ عَنْهُ صَحَّ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ .
( أَوْ ) أَيْ وَبَطَلَ إنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ وَشَرَطَ ( أَنَّ النَّظَرَ ) عَلَى وَقْفِهِ ( لَهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ فَهُوَ بَاطِلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَحْجُورًا لَهُ ، وَإِلَّا فَلَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحُوزُ لِمَحْجُورِهِ ، وَيَتَصَرَّفُ لَهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا .
ابْنُ شَاسٍ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْبِسَ ، وَيَكُونَ هُوَ وَلِيَّ الْحَبْسِ .
مُحَمَّدٌ فِيمَنْ حَبَّسَ غَلَّةَ دَارِهِ فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَتَوَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ ، وَهِيَ بِيَدِهِ أَنَّهَا مِيرَاثٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ فِي حَبْسِهِ أَنَّهُ يَلِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ .
طفي ذَكَرَهُ فِي مُبْطِلَاتِ الْحَبْسِ جَازَ مَا بِهِ مَعَ قَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَلَوْ شَرَطَهُ لَمْ يَجُزْ ، أَيْ الشَّرْطُ وَيُحْتَمَلُ أَيْ الْوَقْفُ وَيَبْطُلُ وَلَوْ كَانَ حَيًّا ا هـ .
وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ قَائِلًا وَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ إلَى نَاظِرٍ آخَرَ يَنْظُرُ فِيهِ وَلَا يُوَفِّي لَهُ بِشَرْطِهِ وَتَرَدَّدَ أَيْضًا فِي تَوْضِيحِهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَنْ حَبَّسَ غَلَّةَ دَارِهِ فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَكَانَ يَلِيهَا حَتَّى مَاتَ وَهِيَ بِيَدِهِ أَنَّهَا مِيرَاثٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ فِي حَبْسِهِ أَنَّهُ يَلِي ذَلِكَ لَمْ يُجِزْهُ لَهُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ

وَأَشْهَبُ فَقَالَ اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَبْسُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ أَوْ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يُجِزْهُ لَهُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ أَيْ لَمْ يُجِيزَا لَهُ الشَّرْطَ فَيَصِحُّ الْحَبْسُ وَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ إلَى غَيْرِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الْمُحَبِّسَ مَاتَ وَلَمْ يُحَزْ عَنْهُ وَلَا إشْكَالَ فِي الْبُطْلَانِ مَعَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ حَيًّا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَخْرُجُ إلَى يَدِ ثِقَةٍ لِيَتِمَّ حَوْزُهُ ، وَكَذَا فَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ .
ا هـ .
كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَجَزَمَ هُنَا بِخِلَافِ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى بُطْلَانِ الْحَوْزِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ " غ " وَاسْتَبْعَدَ .
تت فِي كَبِيرِهِ حَمْلُهُ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ وَلَا بُعْدَ فِيهِ .
( أَوْ ) أَيْ وَبَطَلَ إنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ وَلَيْسَ فِي حِجْرِهِ وَ ( لَمْ يَحُزْهُ ) أَيْ الْوَقْفُ شَخْصٌ ( كَبِيرٌ ) أَيْ بَالِغٌ ( وُقِفَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْكَبِيرِ فَيَبْطُلُ بِحُصُولِ مَانِعٍ لِلْوَاقِفِ قَبْلَ حَوْزِهِ عَنْهُ ، فَإِنْ حَازَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْكَبِيرُ قَبْلَهُ فَلَا يَبْطُلُ بِحُصُولِهِ لَهُ بَعْدَهُ إنْ كَانَ الْكَبِيرُ رَشِيدًا ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( سَفِيهًا ) لَا يَحْفَظُ الْمَالَ وَلَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَحَوْزُهُ لِنَفْسِهِ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْتَبَرُ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِ وَلَوْ ( أَوْ ) وُقِفَ عَلَى صَغِيرٍ مَحْجُورٍ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَحُزْهُ ( وَلِيُّ صَغِيرٌ ) حَتَّى حَصَلَ لِلْوَاقِفِ مَانِعٌ فَيَبْطُلُ وَقْفُهُ ، فَإِنْ حَازَهُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْحَوْزِ رَفْعُ يَدِ وَاقِفِهِ عَنْهُ وَتَسْلِيمُهُ لِغَيْرِهِ .

أَوْ لَمْ يُخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ ، وَبَيْنَ كَمَسْجِدٍ قَبْلَ فَلَسِهِ ، وَمَوْتِهِ ، وَمَرَضِهِ .
( أَوْ ) أَيْ وَبَطَلَ إنْ وَقَفَ مَسْجِدًا أَوْ قَنْطَرَةً أَوْ رِبَاطًا أَوْ نَحْوَهَا وَ ( لَمْ يُخَلِّ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ اللَّامِ الْوَاقِفُ ( بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ كَمَسْجِدِ ) وَرِبَاطٍ وَقَنْطَرَةٍ وَنَحْوِهَا وَتَنَازَعَ يَحُزْ وَيُخَلِّ ( قَبْلَ فَلَسِهِ ) أَيْ وَالْوَاقِفُ الْأَعَمُّ أَوْ الْأَخَصُّ ( وَ ) قَبْلَ ( مَرَضِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ الْمُتَّصِلِ بِمَوْتِهِ وَقَبْلَ جُنُونِهِ كَذَلِكَ ( وَقَبْلَ مَوْتِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ بِأَنْ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ أَصْلًا أَوْ حِيزَ عَنْهُ بَعْدَ مَرَضِهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ فَلَسِهِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نَخْلَةٍ أَوْ عُمْرَى أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ لِغَيْرِ ثَوَابٍ فِي الصِّحَّةِ يَمُوتُ الْمُعْطِي أَوْ يُفْلِسُ أَوْ يَمْرَضُ قَبْلَ حَوْزِهَا عَنْهُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ فَتُحَازُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَيَقْضِي لِلْمُعْطِي بِالْقَبْضِ إنْ مَنَعَهُ الْمُعْطِي ، وَمَنْ وَهَبَ عَبْدًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْأَجْنَبِيُّ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ ، فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ ، كَقَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَنْ حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَلَمْ يَقْبِضْ الْكِبَارُ الْحَبْسَ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ لَمْ يَقْبِضُوا الْحَبْسَ .

إلَّا لِمَحْجُورِهِ إذَا أَشْهَدَ ، وَصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ ، وَلَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ ، أَوْ عَلَى وَارِثٍ بِمَرَضِ مَوْتِهِ إلَّا مُعَقَّبًا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ ؛ فَكَمِيرَاثٍ لِلْوَارِثِ : كَثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ ، وَأَرْبَعَةِ أَوْلَادِ أَوْلَادٍ وَعَقَبَهُ .
وَتَرَكَ أُمًّا وَزَوْجَةً ، فَيَدْخُلَانِ فِيمَا لِلْأَوْلَادِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ : وَقْفٌ ، وَانْتَقَضَ الْقَسْمُ بِحُدُوثِ وَلَدٍ لَهُمَا : كَمَوْتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ .

قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يُعْرَفُ إنْفَاذُ الْحَبْسِ لِلصِّغَارِ هَاهُنَا إلَّا بِحِيَازَةِ الْكِبَارِ ، بِخِلَافِ مَنْ حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ وَهُمْ صِغَارٌ كُلُّهُمْ ، فَإِنْ مَاتَ كَانَ الْحَبْسُ لَهُمْ جَائِزًا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي لَغْوِ قَبْضِ السَّفِيهِ لِنَفْسِهِ مَا حَبَّسَ عَلَيْهِ وَصِحَّتُهُ نَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ الْبُطْلَانَ عَنْ وَثَائِقِ الْبَاجِيَّ وَالصِّحَّةَ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ الْأَخَوَيْنِ ، قَالَ وَنَزَلْت أَيَّامَ الْقَاضِي مُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ فَشَاوَرَ فِيهَا الْعُلَمَاءَ فَأَجْمَعَ فُقَهَاءُ بَلَدِهِ عَلَى صِحَّتِهِ إلَّا إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيَّ فَأَفْتَى بِبُطْلَانِهِ فَحَكَمَ بِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ ، وَفِيهَا مَنْ وَهَبَ لِصَغِيرٍ هِبَةً وَجَعَلَ مَنْ يَحُوزُهَا لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ وَتُرْضَى حَالُهُ فَتُدْفَعُ إلَيْهِ وَيُشْهِدُ لَهُ بِذَلِكَ فَذَلِكَ حَوْزٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ حَاضِرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ .
مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ لَا تَحُوزُ الْأُمُّ وَلَا غَيْرُهَا صَدَقَةً عَلَى ابْنٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ ، وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
اللَّخْمِيُّ الْحَبْسُ أَصْنَافٌ : صِنْفٌ لَا يَصِحُّ بَقَاءُ يَدِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَائِزٍ مَخْصُوصٍ وَهِيَ الْمَسَاجِدُ وَالْقَنَاطِرُ وَالْمَوَاجِلُ وَالْآبَارُ .
فَإِذَا خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ صَحَّ حَبْسُهُ ( إلَّا ) وَقْفُهُ ( لِمَحْجُورِهِ ) أَيْ عَلَى مَنْ هُوَ فِي حِجْرِ الْوَاقِفِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ أَوْ السَّفِيهِ أَوْ مُوصِي أَوْ مُقَدَّمٍ عَلَيْهِ مِنْهُمْ ، فَلَا يَبْطُلُ بِبَقَاءِ يَدِ وَاقِفِهِ عَلَيْهِ ( إذَا أَشْهَدَ ) الْوَاقِفُ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى مَحْجُورِهِ بِأَنْ قَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي حَبَسْت هَذَا عَلَى مَحْجُورِي ( وَ ) إذَا ( صَرَفَ الْغَلَّةَ ) لِلْحَبْسِ ( لَهُ ) أَيْ فِي مَصَالِحِ مَحْجُورِهِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَحْوِهَا ( وَ ) إذَا ( لَمْ تَكُنْ ) الذَّاتُ الْمَوْقُوفَةُ دَارَ ( سُكْنَاهُ ) أَيْ

الْوَاقِفِ الَّتِي اسْتَمَرَّ سَاكِنًا بِهَا إلَى مَوْتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْوَقْفِ أَوْ لَمْ يَصْرِفْ الْغَلَّةَ لَهُ أَوْ كَانَتْ دَارُ سُكْنَاهُ إلَى مَوْتِهِ لَمْ يَصِحَّ حَوْزُهُ لَهُ .
طفي مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ الَّتِي لَمْ يُخَلِّهَا إلَى أَنْ مَاتَ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِدَارِ السُّكْنَى ، بَلْ كَذَلِكَ غَيْرُهَا إذَا سَكَنَهَا بَعْدَ تَحْبِيسِهَا أَوْ ثَوْبًا لَبِسَهُ أَوْ دَابَّةً رَكِبَهَا ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا حُبِسَ عَلَى مَحْجُورِهِ مَهْمَا انْتَفَعَ بِهِ بَطَلَ ، وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْحَاجِبِ الشَّرْطَ الثَّالِثَ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا تَكُونُ الْأُمُّ حَائِزَةً لِمَا تَصَدَّقَتْ أَوْ وَهَبَتْ لِصِغَارِ وَلَدِهَا وَإِنْ أَشْهَدَتْ ، بِخِلَافِ الْأَبِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً لَهُ أَوْ وَصِيَّةَ وَصِيِّهِ فَيَتِمُّ حَوْزَهَا لَهُمْ ، وَيَحُوزُ الْأَبُ لِصِغَارِ بَنِيهِ وَبَالِغَاتِ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ مَا وَهَبَهُمْ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَزُولُ حَتَّى يُؤْنَسَ رُشْدُهُمْ الْمُتَيْطِيُّ إنْ عَمَّرَ الْمُحَبِّسُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْحَبْسَ لِنَفْسِهِ وَأَدْخَلَ غَلَّتَهُ فِي مَصَالِحِهِ ، فَإِنَّ مَوْتَهُ يُبْطِلُ تَحْبِيسَهُ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَإِذَا حَبَّسَ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ دَارًا أَوْ وَهَبَهَا لَهُمْ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ حَوَّزَهُ لَهُمْ حَوَّزَ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا فِيهَا كُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا حَتَّى مَاتَ فَيَبْطُلُ جَمِيعُهَا وَأَمَّا الدَّارُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي سَكَنَ أَقَلَّهَا وَأَكْرَى لَهُمْ بَقِيَّتَهَا فَذَلِكَ نَافِذٌ فِيمَا سَكَنَ وَفِيمَا لَمْ يَسْكُنْ .
( أَوْ ) أَيْ وَبُطْلَانُ وَقْفٍ ( عَلَى ) شَخْصٍ ( وَارِثٍ ) لِلْوَاقِفِ ( بِمَرَضِ مَوْتِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ الْمَخُوفِ الْمُوجِبِ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فَيَبْطُلُ وَيَرْجِعُ مِيرَاثًا ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْحَبْسُ عَلَى وَارِثٍ وَحْدَهُ فِي الْمَرَضِ مَرْدُودٌ كَهِبَتِهِ لَهُ فِيهِ .
وَاسْتَثْنَى

مَنْ وَقَفَهُ عَلَى وَارِثِهِ بِمَرَضِ مَوْتِهِ مَسْأَلَةً مَعْرُوفَةً بِمَسْأَلَةِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ سَحْنُونٌ وَهِيَ مِنْ حِسَانِ الْمَسَائِلِ قَلَّ مَنْ يَعْرِفُهَا فَقَالَ ( إلَّا ) وَقْفًا ( مُعَقَّبًا ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا أَيْ وَقْفًا عَلَى الْعَقِبِ وَالنَّسْلِ بِأَنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي وَعَقِبِهِمْ ( خَرَجَ ) الْحَبْسُ الْمُعَقَّبُ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ ( مِنْ ثُلُثِ ) مَالِ ( هـ ) أَيْ الْوَاقِفِ بِمَرَضِ مَوْتِهِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ الثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ .
فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ فَيُعْمَلُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ مِنْهُ مَا يُعْمَلُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَيُقْسَمُ الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ وَأَوْلَادِهِمْ فَمَا يَنُوبُ أَوْلَادُهُ ( فَ ) هُوَ ( كَمِيرَاثٍ لِلْوَارِثِ ) لِلْوَاقِفِ ، سَوَاءٌ كَانَ أَوْلَادُهُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِمْ أَوْ غَيْرُهُمْ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ كَبَاقِي التَّرِكَةِ ، وَمَثَّلَ لَهَا فَقَالَ ( كَ ) وَقْفِهِ عَقَارًا بِمَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى ( ثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ ) لِلْوَاقِفِ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ ( وَ ) عَلَى ( أَرْبَعَةِ أَوْلَادِ أَوْلَادٍ ) لَهُ ( وَعَقَّبَهُ ) بِفَتْحِ الْقَافِ مُشَدَّدَةً ، أَيْ جَعَلَ الْوَاقِفُ الْوَقْفَ عَلَى عَقِبِهِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ وَعَقِبِهِمْ وَمَاتَ الْوَاقِفُ عَنْ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورِينَ ( وَتَرَكَ ) الْوَاقِفُ ( أُمًّا ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَشَدِّ الْمِيمِ لَهُ ( وَزَوْجَةً ) لَهُ ( فَيَدْخُلَانِ ) أَيْ أُمِّ الْوَاقِفِ وَزَوْجَتِهِ ( فِيهَا ) أَيْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَنُوبُ أَوْلَادُ الْوَاقِفِ مِنْ قِسْمَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى سَبْعَةٍ عَدَدِ رُءُوسِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ ، فَلِلْأُمِّ سُدُسُهَا ، وَلِلزَّوْجَةِ ثُمُنُهَا ، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى الْأَوْلَادِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، فَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِاتِّفَاقِ مُخْرِجِي السُّدُسِ وَالثُّمُنِ بِالنِّصْفِ فَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ وَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ ، وَالْبَاقِي سَبْعَةَ عَشْرَ مُنْكَسِرَةً عَلَى الْأَوْلَادِ مُبَايِنَةً لَهُمْ

، فَتُضْرَبُ الثَّلَاثَةُ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ بِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ ، وَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ ، وَلِلْأَوْلَادِ سَبْعَةَ عَشَرَ فِي ثَلَاثَةٍ بِأَحَدٍ وَخَمْسِينَ .
( وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ أَخْذِ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ حِصَّتَهُمْ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَخَبَرُ أَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهِ ( لِوَلَدِ الْوَلَدِ ) الْأَرْبَعَةِ ( وَقْفٌ ) ابْنُ الْقَاسِمِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي قَسْمِ الْوَقْفِ عَلَى السَّبْعَةِ سَوَاءٌ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ وَمُحَمَّدٌ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَلَوْ حَبَّسَ عَلَى وَارِثٍ وَغَيْرِهِ مَعَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَهِيَ كَالْمَشْهُورَةِ بِوَلَدِ الْأَعْيَانِ وَهِيَ ذُو دَارٍ حَبَّسَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَعَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَحَمَّلَهَا ثُلُثَهُ وَتَرَكَ مَعَهُمْ أُمًّا وَزَوْجَةً ، فَصَوَّرَهَا الشَّيْخُ وَالصَّقَلِّيُّ بِأَنَّ الْوَلَدَ ثَلَاثَةٌ ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ فَتُقْسَمُ غَلَّتُهَا عَلَى عَدَدِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ ، سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ وَالذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ، وَصَوَّرَهَا ابْنُ شَاسٍ بِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ أَرْبَعَةٌ .
مُحَمَّدٌ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَّسِعُ فِيهَا الْمَقَالُ ، وَيَتَفَرَّغُ فِيهَا السُّؤَالُ ، وَيَدِقُّ فِيهَا الْفِقْهُ سَحْنُونٌ هِيَ مِنْ حِسَانِ الْمَسَائِلِ ، وَقَلَّ مَنْ يَعْرِفُهَا ، أَوْ هِيَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ صَوَابٌ ، وَفِي بَعْضِهَا خَطَأٌ لِدِقَّةِ مَعَانِيهَا وَغَامِضِ تَفْرِيعِهَا ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَحَمَّلَهُ الثُّلُثَ كَانَ حَبْسًا عَلَى غَيْرِ وَارِثٍ ، وَهُوَ وَلَدُ وَلَدِهِ وَعَلَى وَارِثٍ ، وَهُوَ وَلَدُهُ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى إبْطَالِ مَا لِلْوَلَدِ إنْ شَاءَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِغَيْرِ الْوَارِثِ ، وَهُوَ وَلَدُ الْوَلَدِ وَمَا يَتَنَاسَلُ مِنْ الْأَعْقَابِ ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إيقَافِ ذَلِكَ عَلَى مَعَانِي الْإِحْبَاسِ إلَّا أَنَّ مَا صَارَ مِنْهُ بِيَدِ

وَلَدِ الْأَعْيَانِ يُقَاسَمُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ مِنْ أُمٍّ وَزَوْجَةٍ وَغَيْرِهِمْ إنْ لَمْ يُجِيزُوا فَيَدْخُلُونَ فِي تِلْكَ الْمَنَافِعِ ، إذْ { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } .
ابْنُ شَاسٍ وَمَا صَارَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ نَفَذَ لَهُمْ بِالْحَبْسِ .
ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ يُقْسَمُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بِالسَّوِيَّةِ إذَا كَانَتْ حَالَتُهُمْ وَاحِدَةً ، وَإِلَّا فَعَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ .
فِي الْبَيَانِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ .
طفي أَيْ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَمُحَمَّدٍ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى يُقْسَمُ بَيْنَ أَعْيَانِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظَّيْ الْأُنْثَى ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ : يُقْسَمُ الْحَبْسُ بَيْنَهُمْ أَسْبَاعًا إنْ اسْتَوَتْ حَالَتُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، أَوْ اسْتَوَتْ أَوْ لَمْ تَسْتَوِ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ هُوَ الصَّوَابُ أَنْ يُنْظَرَ كَمْ وَلَدَهُ وَكَمْ وَلَدَ وَلَدِهِ ، فَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ ثَلَاثَةً وَوَلَدُ وَلَدِهِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا وَحَالُهُمْ وَاحِدٌ قُسِمَ الْحَبْسُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ فَقِيلَ إنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقِيلَ إنَّهُ خِلَافٌ لَهُ إذْ قَالَ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِهِمْ وَلَمْ يُشْتَرَطُ تَسَاوِي أَحْوَالِهِمْ ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ فَرَّقَ فِي التَّحْبِيسِ فِي الْمَرَضِ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ ، فَرَأَى أَنْ لَا يُفَضَّلَ فَقِيرُهُمْ عَلَى غَنِيِّهِمْ ، بِخِلَافِ مَنْ حَبَّسَ فِي صِحَّتِهِ .
وَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ عَلَى أَنْ لَا يُفَضَّلَ الْوَلَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَسْمِهِ بِالسَّوِيَّةِ مُطْلَقًا وَإِنْ اسْتَوَتْ حَالَتُهُمْ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ

ظَاهِرِ سَمَاعِ عِيسَى .
ابْنُ الْقَاسِمِ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَشْهُورِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ا هـ .
هَذَا تَحْرِيرُ النَّقْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
( وَانْتَقَضَ الْقَسْمُ ) لِلْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ السَّبْعَةِ ( بِ ) سَبَبِ ( حُدُوثِ وَلَدٍ لَهُمَا ) أَيْ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ اتِّفَاقًا ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جَانِبٍ أَوْ مِنْ جَانِبَيْنِ ، وَتَصِيرُ الْقِسْمَةُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ ، وَفِي الثَّانِي عَلَى تِسْعَةٍ ، وَكَذَا إنْ حَدَثَ أَكْثَرُ .
وَشَبَّهَ فِي النَّقْضِ فَقَالَ ( كَمَوْتِهِ ) أَيْ وَاحِدٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَأَكْثَرَ فَيَنْتَقِضُ الْقَسْمُ وَيُقْسَمُ عَلَى سِتَّةٍ ( عَلَى الْأَصَحِّ ) مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ قَدَّمَهُمْ الْمُصَنِّفُ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ أَخَذَ وَلَدُ الْوَلَدِ ثُلُثَيْ السِّتَّةِ وَالْبَاقِيَانِ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ الثُّلُثَ وَقُسِمَا عَلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ ، فَتَأْخُذُ أُمُّهُ سُدُسَهُمَا وَزَوْجَتُهُ ثُمُنَهُمَا ، وَيُقْسَمُ بَاقِي السَّهْمَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلْوَلَدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ سَهْمَانِ وَيَحْيَا الْمَيِّتُ بِالذَّكَرِ ، وَمَا نَابَهُ فَلِوَرَثَتِهِ أَيًّا كَانُوا عَلَى الْفَرَائِضِ مَوْقُوفًا بِأَيْدِيهِمْ وَتَدْخُلُ فِيهِ زَوْجَةُ الْوَاقِفِ إنْ كَانَتْ أُمَّهُ .
ابْنُ يُونُسَ فَيَصِيرُ بِيَدِ وَلَدِ الْوَلَدِ نَصِيبٌ بِمَعْنَى الْوَقْفِ مِنْ جَدِّهِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَنَصِيبٌ بِمَعْنَى الْمِيرَاثِ مِنْ أَبِيهِ ، وَكَذَا يَنْتَقِضُ الْقَسْمُ لَوْ مَاتَ ثَانٍ فَيُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةٍ .
وَإِنْ مَاتَ الثَّالِثُ صَارَ الْجَمِيعُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ حَبْسًا وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ صَارَ لِوَلَدِ الْأَعْيَانِ النِّصْفُ ، وَلِوَلَدِ الْوَلَدِ النِّصْفُ .
ابْنُ يُونُسَ اُخْتُلِفَ إنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ يَنْتَقِضُ الْقَسْمُ كَمَا يَنْتَقِضُ لِحُدُوثِ وَلَدٍ لِوَلَدِ الْأَعْيَانِ أَوْ لِوَلَدِ الْوَلَدِ ، وَيُقْسَمُ

جَمِيعُ الْحَبْسِ عَلَى عَدَدِ بَقِيَّةِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ ، فَمَا صَارَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ نَفَذَ لَهُمْ بِالْحَبْسِ ، وَمَا صَارَ لِوَلَدِ الْأَعْيَانِ فَيَأْخُذُ الْحَيَّانِ سَهْمَيْهِمَا وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ سَهْمَهُ تَدْخُلُ فِيهِ أُمُّهُ وَزَوْجَتُهُ إنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ وَوَلَدُهُ ، وَهُوَ أَحَدُ وَلَدِ الْوَلَدِ ، فَيَصِيرُ لِوَلَدِ هَذَا الْمَيِّتِ نَصِيبٌ بِمَعْنَى الْحَبْسِ مِنْ جَدِّهِ فِي الْقَسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَنَصِيبٌ بِمَعْنَى الْمِيرَاثِ ، وَعَلَى مَا رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَنْتَقِضُ الْقَسْمُ .

مَاتَ أَحَد وَلَد الْأَعْيَان تَعَلَّقَ بِحَظِّهِ حَقّ وَلَد الْوَلَد لَا الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ ، فَيَدْخُلَانِ ، وَ دَخَلَا فِيمَا زِيدَ لِلْوَلَدِ .

ابْنُ عَرَفَةَ وَدَخَلَتْ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ عَلَى وَلَدِ الْأَعْيَانِ فِيمَا صَارَ لَهُمْ بِحَظَّيْهِمَا إرْثًا ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ وَلَدِ الْأَعْيَانِ تَعَلَّقَ بِحَظِّهِ حَقُّ وَلَدِ الْوَلَدِ لِوُجُوبِ صَرْفِ كُلِّ حَبْسٍ عَلَى عَدَدٍ عِنْدَ مَوْتِ بَعْضِهِ عَلَى مَنْ بَقِيَ ، وَفِي صَرْفِهِ لَهُمْ بِنَقْضِ الْقَسْمِ الْأَوَّلِ وَقَسْمِهِ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ لِيُقْسَمَ حَظُّهُمْ بِمُقْتَضَى إرْثِهِمْ ، وَالْمَيِّتُ مَعَهُمْ مُقَدَّرَةٌ حَيَاتُهُ يَسْتَحِقُّ وَارِثُهُ حَظَّهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَتَدْخُلُ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ عَلَيْهِمْ بِحَظَّيْهِمَا كَمَا مَرَّ أَوْ بِلِقَائِهِ وَيُقْسَمُ حَظُّ الْمَيِّتِ مَرْدُودًا إلَيْهِ سُدُسُهُ وَثُمُنُهُ كَذَلِكَ نَقَلَ الصِّقِلِّيِّ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ مُحَمَّدٍ وَيَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُ سَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ وَبِهِ فَسَّرَ الشَّيْخُ الصِّقِلِّيُّ .
وَقَوْل سَحْنُونٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ بِضَمِّ وَلَدِ الْأَعْيَانِ مَا صَارَ لَهُمَا مِنْ قَسْمِ سَهْمِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا مَعَ وَلَدِ الْوَلَدِ لِلسُّدُسَيْنِ اللَّذَيْنِ بِأَيْدِيهِمَا مَرْدُودٌ إلَيْهِمَا مَا أَخَذَهُ الْأُمُّ مِنْهُمَا ، وَالزَّوْجَةُ يَخْرُجُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ لَهُمَا سُدُسُهَا وَثُمُنُهَا ، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَيْهِمَا مَعَ الْمَيِّتِ مُقَدَّرَةٌ حَيَاتُهُ ، وَحَظُّهُ لِوَارِثِهِ عَائِدٌ إلَى نَقْضِ الْقَسْمِ .
الشَّيْخُ وَلَا يَخْتَلِفُ مَعْنَى نَقْضِ الْقَسْمِ مِنْ بَقَائِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ إنَّمَا يَخْتَلِفَانِ بِالنِّسْبَةِ لِوَلَدِ الْأَعْيَانِ وَوَلَدِ الْمَيِّتِ ، وَبَيَانُهُ يُقْسَمُ الْحَبْسُ بِمَوْتِ الْجَدِّ عَلَى أَنَّهُ فَرِيضَةٌ صَحَّتْ مِنْ الْقَسْمَيْنِ وَمِائَةً وَسِتِّينَ لِكُلٍّ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ سُدُسُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ لِلزَّوْجَةِ ثُمُنُ مَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدِ جَمِيعُهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ ، وَلِلْأُمِّ سُدُسُ مَا بِيَدِ كُلٍّ مِنْ الْوَلَدِ جَمِيعُهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ رَدَّتْ إلَيْهِ الزَّوْجَةُ مَا

أَخَذَتْ مِنْهُ ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَتَرُدُّ الْأُمُّ إلَيْهِ سِتِّينَ فَيَعُودُ السُّدُسُ عَلَى مَا كَانَ فَيُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةٍ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْأَعْيَانِ ، فَتَأْخُذُ الْأُمُّ سُدُسَ مَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدَيْ الْأَعْيَانِ ، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ وَالزَّوْجَةُ ثُمُنُهُ تِسْعَةٌ يَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِائَةٌ وَسَهْمَانِ يَأْخُذُ كُلٌّ ثُلُثَهُ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ ، وَلِوَارِثِ الْمَيِّتِ مِثْلُ ذَلِكَ ، فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَتَانِ وَتِسْعَةٌ وَثَمَانُونَ وَلِلزَّوْجَةِ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ ، وَلِلْأُمِّ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ، هَذَا عَلَى بَقَاءِ الْقَسْمِ وَعَلَى نَقْضِهِ يُقْسَمُ ذَلِكَ عَلَى خَمْسَةٍ خُمُسُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ، وَكَذَلِكَ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْقَسْمِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ تَأْخُذُ الزَّوْجَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ ثُمُنَ مَا بِيَدِهِ ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَجْتَمِعُ لَهَا مِائَةٌ وَثَمَانِيَةُ ، وَهُوَ مَا كَانَ لَهَا فِي الْقَسْمِ الْأَوَّلِ ، وَلِلْأُمِّ سُدُسُ مَا بِأَيْدِيهِمَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ ، وَهُوَ مَا كَانَ لَهَا فِي الْقَسْمِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ الْبَاقِي بِيَدِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ سِتُّمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ ثُلُثُهَا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِائَتَانِ وَأَرْبَعَةٌ فَزَادَهُمْ نَقْضُ الْقَسْمِ عَلَى بَقَائِهِ مِائَةً وَسَبْعِينَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لَهُمْ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ ، هَذِهِ الزِّيَادَةُ كَانَتْ عِنْدَ عَمَّيْهِمَا وَنَقَصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةً وَثَمَانِينَ عَمَّا كَانَ بِيَدِهِ فِي الْقَسْمِ الْأَوَّلِ ، فَاَلَّذِي نَقَصَهُمَا هُوَ مَا زَادَ وَرَثَةُ أَخِيهِمَا ، وَهَذَا أَشْبَهُ لِوُجُوبِ مُسَاوَاةِ حَقِّ الْمَيِّتِ لِحَقَّيْهِمَا فِيمَا يَسْتَحِقَّانِهِ بِالْإِرْثِ .
قُلْت هَذَا الْكَلَامُ بِطُولِهِ الْمَطْلُوبُ بِهِ بَيَانُ اخْتِلَافِ قَدْرِ مَا يَجِبُ لِوَرَثَةِ

الْمَيِّتِ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ ، وَالْبَاقِي مِنْهُمْ عَلَى نَقْضِ الْقَسْمِ وَبَقَائِهِ وَإِدْرَاكِهِ بِأَخْصَرَ مِنْ هَذَا وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ عَلَى نَقْضِ الْقَسْمِ ثُلُثُ خُمُسَيْ الْمَالِ ، وَعَلَى بَقَائِهِ ثُلُثُ خُمُسَيْ سُدُسِهِ وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ سُدُسِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْكُلَّ أَعْظَمُ مِنْ جُزْئِهِ ، وَأَنَّ جُزْءَ الْأَصْغَرِ مِنْ قَدْرِ السَّمِيِّ لِجُزْءِ الْأَكْبَرِ أَصْغَرُ مِنْ جُزْءِ الْأَكْبَرِ ، وَاخْتِلَافُ حَالِ الْوَارِثِ مَلْزُومٌ لِاخْتِلَافِ حَالِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ لِاتِّحَادِ حَالِ مَنْ سِوَاهُمْ ، فِيهِمَا ضَرُورَةُ مُسَاوَاةِ الْجُزْءِ الْمَأْخُوذِ مِنْ كُلٍّ لِمَجْمُوعِ الْأَجْزَاءِ السَّمِيَّةِ لَهُ مِنْ كُلِّ أَجْزَائِهِ كَثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ ثُمُنُهَا وَسُدُسُهَا كَثُمُنَيْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَسُدُسَيْهَا .
ابْنُ دَحُونٍ قَوْلُهُ إنْ مَاتَ أَحَدُ وَلَدِ الْأَعْيَانِ قُسِمَ حَظُّهُ فَذَكَرَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَسْمِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ نَقْضِ الْقَسْمِ الْأَوَّلِ ، هَذَا غَلَطٌ ، وَالْوَاجِبُ رَدُّ الْوَرَثَةِ كُلَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ فِي مَعْنَى نَقْضِ الْقَسْمِ .
ابْنُ رُشْدٍ قَالَ ابْنُ دَحُونٍ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى رَدِّ جَمِيعِ مَا بِيَدِ الْمَيِّتِ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ ، وَيُضَافُ لَهُ ثُلُثُ سُدُسِ الْأُمِّ وَثُلُثُ ثُمُنِ الزَّوْجَةِ فَيَصِيرُ سُبْعًا تَامًّا ، وَيُقْسَمُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي السَّمَاعِ ، وَلِذَا قَالَ قَوْلُهُ يُقْسَمُ الْجُزْءَانِ غَلَطٌ ، بَلْ يَرُدُّ الْوَرَثَةُ كُلَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ إلَى الْجُزْأَيْنِ ، وَيُقْسَمُ ذَلِكَ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَأَوَّلَهُ التُّونُسِيُّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ غَلَطٌ تَفْسُدُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ .
وَاَلَّذِي يَصِحُّ حَمْلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَيِّتِ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ كُلُّ مَا بِيَدِهِ إنَّمَا يُؤْخَذُ سَهْمُهُ الَّذِي صَارَ مِنْ السَّبْعَةِ الْأَجْزَاءِ حِين قُسِمَ الْحَبْسُ عَلَى وَلَدِ الْأَعْيَانِ ، وَعَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ مِمَّا بِيَدِهِ وَمِمَّا بِيَدِ

الْبَاقِينَ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ ، وَمِمَّا بِيَدِ الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا دَاخِلَتَيْنِ عَلَى وَلَدِ الْأَعْيَانِ ، فَيُؤْخَذُ مِمَّا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْأَعْيَانِ ثَلَاثَةٌ فَيَكْمُلُ السُّبُعُ عَلَى هَذَا ، فَيُقْسَمُ عَلَى الْبَاقِينَ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ ، وَمَنَابُ وَلَدِ الْأَعْيَانِ مِنْهُ يُقْسَمُ عَلَيْهِمَا مَعَ الْمَيِّتِ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ وَعَلَى الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَتَسَاوَوْا عَلَى هَذَا فِي قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ كَتَسَاوِيهِمْ فِي نَقْضِ الْقَسْمِ .
قُلْت قَوْلُهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ سَهْمُهُ الصَّائِرُ لَهُ مِنْ السَّبْعَةِ الْأَجْزَاءِ إلَى آخِرِهِ ، كَذَا وَجَدْتُهُ فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ وَظَاهِرُ أَخْذِ كُلِّ مَا بِيَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ الصَّائِرُ لَهُ مِنْ قَسْمِ السَّبْعَةِ الْأَجْزَاءِ ، وَهُوَ ضَافٍ لِلْمَعْنَى الَّذِي صَوَّبَهُ ، وَلِنَصِّ قَوْلِهِ بَعْدُ : فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ إلَخْ ، ، وَلَوْ قَالَ : إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّائِرُ لَهُ مِنْ السَّهْمِ السَّابِعِ مِنْ السَّبْعَةِ الْأَجْزَاءِ إلَخْ لَكَانَ وَاضِحًا .
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ مَيِّتِهِمْ وَحَيِّهِمْ وَالْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ الْجُزْءُ السَّمِيُّ لِعَدَدِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ ؛ لِأَنَّهُ الصَّائِرُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ السَّهْمِ الَّذِي بَانَ بِمَوْتِ أَحَدِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ اسْتِحْقَاقُ وَلَدِ الْوَلَدِ فِيهِ حَقًّا مَعَ الْبَاقِينَ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ بِمُقْتَضَى التَّحْبِيسِ عَلَى عَدَدِهِمْ .
الصِّقِلِّيُّ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنَّمَا هَذَا فِي الثِّمَارِ وَشَبَهِهَا مِنْ الْغَلَّاتِ يُقْسَمُ عِنْدَ كُلِّ غَلَّةٍ عَلَى مَنْ وُجِدَ حِينَئِذٍ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ ، ثُمَّ يُقْسَمُ حَظُّ وَلَدِ الْأَعْيَانِ عَلَى الْفَرَائِضِ ، فَمَا يَسْكُنُ مِنْ دَارٍ أَوْ يَزْرَعُ مِنْ أَرْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ قَسْمِهِ .
الصِّقِلِّيُّ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى نَقْضَ الْقَسْمِ .
الصِّقِلِّيُّ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ

كَنَقْضِ الْقَسْمِ سَوَاءٌ فَانْظُرْهُ .
قُلْت قَوْلُهُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى نَقْضَ الْقَسْمِ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ قَوْلِ سَحْنُونٍ الَّذِي قَرَّرَهُ فِي الثِّمَارِ هُوَ نَفْسُ نَقْضِ الْقَسْمِ ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ صِحَّتُهُ عَلَى عَدَمِهِ ، وَيُمْكِنُ تَقْرِيرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ عَلَى الصَّوَابِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ يُرِيدُ بِهِ بَقَاءَ الرُّبُعِ الْمُحَبَّسِ بَيْنَهُمْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ بَيْنَهُمْ غَلَبَةَ الرُّبُعِ كَدَارٍ وَشَبَهِهِ ، يُرِيدُ كَكِرَاءِ الدُّورِ وَنَحْوِهَا .
أَمَّا إنْ كَانَ الْمَقْسُومُ بَيْنَهُمْ نَفْسَ الرُّبُعِ كَدَارِ السُّكْنَى لَهُمْ وَأَرْضِ الزَّرْعِ لَهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ قَسْمِهِ ، يُرِيدُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْوِيلِهِ عَنْ حَالَتِهِ فِي قَسْمِهِ بَيْنَهُمْ يَمُوتُ أَحَدُ وَلَدِ الْأَعْيَانِ ، فَلَا يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ الصَّائِرَ لِكُلِّ أَحَدٍ حَيْثُ الْمَقْسُومُ بَيْنَهُمْ الْغَلَّةُ لَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهِ لِتَعَدُّدِ قَسْمِهِ ، فَوَجَبَ بَقَاءُ الرُّبُعِ الْمُحَبَّسِ عَلَى حَالِهِ وَالصَّائِرُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حَيْثُ الْمَقْسُومُ بَيْنَهُمْ الرُّبُعُ نَفْسُهُ تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهِ فِي تَعَدُّدِ قَسْمِهِ ، فَوَجَبَ نَقْضُهُ عَنْ بَقَاءِ حَالَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ أَحَدِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ فِي هَذَا السَّمَاعِ : إنَّ الْقَسْمَ لَا يَنْتَقِضُ بِمَوْتِ مَنْ مَاتَ وَإِنَّمَا يُقْسَمُ حَظُّهُ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ يَنْقَسِمُ خِلَافُ ظَاهِرِ سَمَاعِ يَحْيَى .
ابْنُ الْقَاسِمِ يَنْتَقِضُ كُلُّهُ كَمَا إذَا زَادَ وَلَدُ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ حَظُّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الْوَلَدِ انْتَقَضَ كُلُّ الْقَسْمِ مِنْ أَصْلِهِ اتِّفَاقًا ، كَمَا يَنْتَقِضُ كَذَلِكَ إذَا زَادَ وَلَدُ الْوَلَدِ ، وَسَمَاعُ يَحْيَى لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِسَمَاعِ عِيسَى فِيمَا يُخْرِجُهُ الْقَسْمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْعَمَلِ ، وَسَمَاعُ يَحْيَى أَوْلَى لِمَا فِي تَرْكِ

الْقَسْمِ مِنْ التَّشَعُّبِ وَالْعَنَاءِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى الْمَذْكُورِ مَا صَارَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ يَسْتَمْتِعُونَ بِهِ مَا عَاشَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ .
ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ نَظَرٌ ، إذَا لَا يَسْتَمْتِعُونَ بِجَمِيعِهِ مَا عَاشَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ أَعْيَانِ الْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَرُدُّوا مِمَّا صَارَ لَهُمْ مَا يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَلَدِ ، وَإِنَّمَا يَسْتَمِعُ كُلُّ مَنْ صَارَ بِيَدِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحَبْسِ بِجَمِيعِ مَا صَارَ لَهُ مَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ إنْ مَاتَ جَمِيعُ وَلَدِ الْوَلَدِ فَرَجَعَ جَمِيعُ الْحَبْسِ لِلْوَلَدِ ، وَفِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ سُئِلَ عَنْهَا سَحْنُونٌ فَقَالَ هَذِهِ مِنْ حِسَانِ الْمَسَائِلِ قَلَّ مَنْ يَعْرِفُهَا ، وَهِيَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، فَهِيَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ خَطَأٌ ، وَفِي بَعْضِهَا صَوَابٌ وَالصَّوَابُ فِيهَا أَكْثَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( لَا ) يَنْتَقِضُ الْقَسْمُ بِمَوْتِ ( الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ ) وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ، وَيَكُونُ بِيَدِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا وَقْفًا لِوَرَثَتِهِمَا وَكَذَا مَوْتُ وَارِثِهِمَا مَا دَامَ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ أَوْ أَحَدِهِمْ ، فَإِنْ مَاتُوا جَمِيعًا رَجَعَ مَا بِيَدِ الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ أَوْ وَارِثِهِمَا لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَقْفًا فِيهَا لَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَوْ الزَّوْجَةُ صَارَ مَا بِيَدِهَا لِوَرَثَتِهَا مَوْقُوفًا ، وَكَذَلِكَ يُورَثُ ذَلِكَ عَنْ وَارِثِهَا أَبَدًا مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ ( وَدَخَلَا ) أَيْ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ ( فِيمَا زِيدَ لِ ) جِنْسِ ( الْوَلَدِ ) لِلْوَاقِفِ بِسَبَبِ مَوْتِ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ وَانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ وَصَيْرُورَةِ النِّصْفِ لِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ فَيَنْقَسِمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ بِحَسَبِ الْفَرَائِضِ ، وَكَذَا إنْ مَاتَ أَكْثَرُ ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ انْتَفَعَ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ بِالْوَقْفِ انْتِفَاعَ الْمِلْكِ ، وَيَدْخُلُ

مَعَهُمْ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ .
ابْنُ يُونُسَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ .
التُّونُسِيُّ هُوَ الصَّوَابُ ، قَوْلُهُ انْتِفَاعُ الْمِلْكِ ، أَيْ يُشْبِهُهُ وَلَيْسَ مِلْكًا حَقِيقَةً .

بِحَبَسْتُ وَوَقَفْت ، وَتَصَدَّقْت ، إنْ قَارَنَهُ قَيْدٌ أَوْ جِهَةٌ لَا تَنْقَطِعُ ، أَوْ لِمَجْهُولٍ وَإِنْ حُصِرَ .

وَأَشَارَ لِلصِّيغَةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْوَقْفِ فَقَالَ مُعَلِّقًا لَهَا بِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ صَحَّ وَقْفٌ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَقْتَضِيهِ إلَّا بِهَا ( وَ ) بِ ( وَقَفْت ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْقَافِ مُخَفَّفًا وَهَذَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ بِلَا قَرِينَةِ مَمْلُوكٍ ( بِحَبَسْتُ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُخَفَّفَةً وَمُثَقَّلَةً ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ بِلَا قَرِينَةٍ اتِّفَاقًا عِنْدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَأَجْرَى غَيْرُهُ فِيهِ الْخِلَافَ مِنْ حَبَسْت ( أَوْ ) بِ ( تَصَدَّقْت ) وَهَذَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ ( وَإِنْ قَارَنَهُ ) أَيْ تَصَدَّقْت ( قُيِّدَ ) كَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ ( أَوْ ) قَارَنَهُ ( جِهَةٌ لَا تَنْقَطِعُ ) كَتَصَدَّقْتُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَوْ الْمَسَاجِدِ ( أَوْ ) وَقَفَ بِتَصَدَّقْتُ ( لِ ) فَرِيقٍ ( مَجْهُولٍ ، وَإِنْ حُصِرَ ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَيْنِ وَاوُهُ لِلْحَالِ ، وَإِنْ صِلَةٌ مُؤَكِّدَةٌ كَفُلَانٍ وَعَقِبِهِ ، فَإِنْ تَجَرَّدَ تَصَدَّقْت عَمَّا ذُكِرَ فَلَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ .
ابْنُ رُشْدٍ لِلتَّحْبِيسِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ حَبَّسَ وَوَقَفَ وَتَصَدَّقَ ، فَأَمَّا الْحَبْسُ وَالْوَقْفُ فَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ لَا يَفْتَرِقَانِ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ .
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ فِي السَّبِيلِ أَوْ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ أَوْ بَنِي تَمِيمٍ ، فَإِنَّهَا تُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى مَنْ ذَكَرَ بِالِاجْتِهَادِ إلَّا إذَا قَالَ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَسْكُنُونَهَا أَوْ يَسْتَغِلُّونَهَا فَتَكُونُ حَبْسًا عَلَيْهِمْ لِلسُّكْنَى أَوْ الِاسْتِغْلَالِ ، وَلَا تُبَاعُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَفْظُ تَصَدَّقْت إنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ مِنْ قَيْدٍ أَوْ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ تَأَبَّدَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ .
وَفِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ تَصَدَّقَ بِدَارٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ وَوَلَدِهِ مَا عَاشُوا وَلَمْ

يَذْكُرْ لَهَا مَرْجِعًا إلَّا صَدَقَةً هَكَذَا إلَّا شَرَطَ فِيهَا فَهَلَكَ الرَّجُلُ وَوَلَدُهُ ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ حَبْسًا عَلَى فُقَرَاءِ أَقَارِبِ الَّذِي حُبِّسَ وَلَا تُورَثُ .
عِيَاضٌ إنْ قَالَ مَكَانَ حَبَّسَ أَوْ وَقَفَ صَدَقَةً ، فَإِنْ عَيَّنَهَا لِمَجْهُولِينَ مَحْصُورِينَ مِمَّا يُتَوَقَّعُ انْقِطَاعُهُ كَعَلَى وَلَدِ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ وَوَلَدِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ، فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هُوَ حَبْسٌ مُؤَبَّدٌ يَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ ، سَوَاءٌ قَالَ مَا عَاشُوا أَمْ لَا وَنَحَا لَهُ فِي الْكِتَابِ ، وَإِنْ جَعَلَهَا لِمَجْهُولِينَ غَيْرَ مَحْصُورِينَ كَالْمَسَاكِينِ ، فَهِيَ مِلْكٌ لَهُمْ تُقْسَمُ عَلَيْهِمْ إنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْقَسِمُ أَوْ بِيعَتْ وَقُسِمَ ثَمَنُهَا عَلَيْهِمْ أَوْ أُنْفِقَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ذَلِكَ الْوَجْهُ الْمَجْهُولُ ، وَيَتَعَيَّنُ الْمَجْهُولُ هُنَا بِاجْتِهَادِ النَّاظِرِ فِي الْحُكْمِ وَوَقْتِهِ فَلَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ ، إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ مَقْصِدُ الْمُحَبِّسِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَبْسَ ا هـ " ق " فَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا وَاوَ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ حُصِرَ .
طفي اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَرَيَا عَلَى مَا لِعَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّ لَفْظَ وَقَفْت يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ بِمُجَرَّدِهِ دُونَ حَبَسْت وَتَصَدَّقْت .
ابْنُ شَاسٍ لَفْظُ وَقَفْت يُفِيدُ بِمُجَرَّدِهِ التَّحْرِيمَ ، وَأَمَّا الْحَبْسُ وَالصَّدَقَةُ فَفِيهِمَا رِوَايَتَانِ ، وَكَذَلِكَ ضَمُّ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالصَّدَقَةِ هِبَةَ الرَّقَبَةِ ، فَيَخْرُجُ عَنْ هَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ لَفْظَ وَقَفْت يُفِيدُ التَّأْبِيدَ وَحَبَسْت وَتَصَدَّقْت إنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَيْدٍ أَوْ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ تَأَبَّدَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ حَبَسْت عَلَى وَقَفْت وَذَلِكَ عُدُولٌ مِنْهُ عَمَّا قَالَاهُ وَمَيْلٌ مِنْهُ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ ، فَلَا بُدَّ مِنْ رُجُوعِ الْقَيْدِ لِلثَّلَاثَةِ كَمَا قَالَ

الْحَطّ ، إذْ لَوْ أَرَادَ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ لَأَخَّرَهُمَا عَنْ لَفْظِ وَقَفَ .
وَأَمَّا تَقْرِيرُ تت بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِتَصَدَّقْتُ فَفِيهِ نَظَرٌ ، وَإِنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَصَدَّقْت وَحَبَسْت كَمَا عَلِمْت .
ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ لَفْظُ الصَّدَقَةِ إنْ أَرَادَ بِهِ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ فَهِيَ هِبَةٌ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَعْنَى الْحَبْسِ فَهُوَ كَلَفْظِهِ .
قُلْت بَقِيَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَحَدَهُمَا ا هـ .
قُلْت : تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحَبْسِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا هِبَةَ الرَّقَبَةِ ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَجْرِي فِي الصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ وَالْوَقْفِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَصَدَقَةٌ لِفُلَانٍ فَلَهُ لِحَمْلِهِ عَلَى إرَادَةِ تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ ، وَمَا هُنَا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ ذَلِكَ ، أَوْ قَالَ يَسْتَغِلُّونَهَا مَثَلًا .
ابْنُ رُشْدٍ وَالصَّدَقَةُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَدَارِي صَدَقَةٌ ، وَلَا مَحْصُورِينَ كَهَذِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَسْكُنُونَهَا أَوْ يَسْتَغِلُّونَهَا حَبْسٌ لَا تُبَاعُ ، وَلَا تُوهَبُ وَعَلَى مَحْصُورِينَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَدَارِي صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ ، وَعَقِبُهُ فِي رُجُوعِهَا بِانْقِرَاضِهِمْ كَالْمُحَبِّسِ أَوْ لِآخِرِ الْعَقِبِ مِلْكًا ثَالِثُهَا هِيَ عُمْرَى تُورَثُ بِذَلِكَ عَلَى مِلْكِ مُعْطِيهَا .
ا هـ .
فَافْهَمْ هَذَا الْمَحَلَّ فَإِنَّهُ مَزِلَّةُ أَقْدَامٍ .
الْبُنَانِيُّ رُجُوعُ الْقَيْدِ لِلثَّالِثِ فَقَطْ هُوَ الرَّاجِحُ عَلَى مَا أَفَادَهُ فِي ضَيْح ، وَذَكَرَهُ الْحَطّ ، وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ فِي ضَيْح أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْمَذْهَبِ إنْ حَبَسْت وَوَقَفْت يُفِيدُ أَنَّ التَّأْبِيدَ سَوَاءٌ أُطْلِقَا أَوْ قُيِّدَا بِجِهَةٍ لَا تَنْحَصِرُ أَوْ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ ، وَذَلِكَ إذَا ضَرَبَ لِلْوَقْفِ أَجَلًا فَقَالَ : حُبِّسَ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ خَمْسًا وَنَحْوَ ذَلِكَ ، أَوْ قَيَّدَهُ بِحَيَاةِ شَخْصٍ كَحُبِّسَ عَلَى فُلَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ عَلَى

جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ لِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا ، نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ ، قَالَا : وَلَا خِلَافَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ .
وَأَمَّا لَفْظُ الصَّدَقَةِ فَلَا يُفِيدُ التَّأْبِيدَ إلَّا إذَا قَارَنَهُ قَيْدٌ .
ا هـ .
وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ الْحَطّ أَوَّلَ تَقْرِيرِهِ مِنْ أَنَّ الْقَيْدَ يَرْجِعُ لِلثَّلَاثَةِ ، وَخِلَافُ مَا لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ رُجُوعِهِ لَحَبَسْت وَتَصَدَّقْت فَقَطْ ، وَقَدْ جَزَمَ طفي بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا فِي أَوَّلِ كَلَامِ الْحَطّ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ضَيْح يَرُدُّهُ ، وَلَيْسَ فِيمَا نَقَلَهُ طفي عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَا يَدُلُّ لِمَا زَعَمَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَرَجَعَ ، إنْ انْقَطَعَ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ ، وَامْرَأَةٌ لَوْ رُجِّلَتْ عَصَّبَ ، فَإِنْ ضَاقَ : قُدِّمَ الْبَنَاتُ ، وَعَلَى اثْنَيْنِ ، وَبَعْدَهُمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لَهُمْ إلَّا كَعَلَى عَشْرَةٍ حَيَاتِهِمْ ، فَيُمْلَكُ بَعْدَهُمْ .

( وَرَجَعَ ) الْحَبْسُ الْمُؤَبَّدُ ( إنْ انْقَطَعَ ) مَا حُبِّسَ عَلَيْهِ ( لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ ) يَوْمَ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَلَا يُشَارِكُهُمْ أَغْنِيَاؤُهُمْ ، وَلَوْ أَخَذَ فُقَرَاؤُهُمْ مِنْهُ مَا صَارُوا بِهِ أَغْنِيَاءً وَفَضَلَ فَهُوَ لَهُمْ .
وَقِيلَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ ( وَ ) لِ ( امْرَأَةٍ ) فَقِيرَةٍ قَرِيبَةٍ لِلْوَاقِفِ ( لَوْ رُجِّلَتْ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ فُرِضَتْ رَجُلًا ( عَصَّبَ ) بِفَتَحَاتِ مُثَقَّلًا ، أَيْ كَانَ عَاصِبًا كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْمُعْتِقِ لَا الْخَالَةِ وَبِنْتِ الْبِنْتِ وَالْجَدَّةِ لِأُمٍّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ رَجَعَ لِلْفُقَرَاءِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ إذَا لَمْ يَتَأَبَّدْ رَجَعَ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ جِهَتَهُ مِلْكًا لِمَالِكِهِ أَوْ وَارِثِهِ ، وَإِذَا تَأَبَّدَ رَجَعَ إلَى عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ مِنْ الْفُقَرَاءِ ، ثُمَّ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ حَبَّسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِ انْقِرَاضِ جَمِيعِهِمْ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَظُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لِأَوْلَادِهِ لَا لِإِخْوَتِهِ ، بِخِلَافِ لَوْ حَبَّسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ ثُمَّ عَلَى غَيْرِ أَوْلَادِهِمْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ قَالَ حَبْسٌ عَلَيْك وَعَلَى عَقِبِك قَالَ مَعَ ذَلِكَ صَدَقَةٌ أَمْ لَا ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ لِأَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَصَبَةٍ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ ، سَوَاءٌ يَدْخُلُونَ فِي ذَلِكَ حَبْسًا ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَتْ لَهَا حَبْسًا لَا يَرْجِعُ إلَى الْمُحَبِّسِ ، ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَهِيَ لِذَوِي الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَرْجِعِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ ، فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ فَهِيَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ .
وَنَصُّهَا عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى

وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ ، أَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا مَوْضِعًا فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَتَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ عَلَى أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُحَبِّسُ حَيًّا قِيلَ لِابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَقْرَبُ النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ الَّذِينَ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ الْحَبْسُ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ حَبَّسَ عَلَيْهِمْ ، قَالَ قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " : عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ الْعَصَبَةِ وَمِنْ النِّسَاءِ مَنْ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا كَانَتْ عَصَبَةً لِلْمُحَبِّسِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَبْسًا .
قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَا بَنُو الْأَخَوَاتِ وَلَا زَوْجٌ وَلَا زَوْجَةٌ .
ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ النِّسَاءِ مِثْلُ الْعَمَّاتِ وَالْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْأَخَوَاتِ أَنْفُسِهِنَّ شَقَائِقَ كُنَّ أَوْ لِأَبٍ ، وَلَا يَدْخُلُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأُمٍّ .
مُحَمَّدٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْأُمِّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَدْخُلُ فِي مَرْجِعِ الْحَبْسِ .
قُلْت : فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ سُمِّيَتْ مِنْ النِّسَاءِ وَثَمَّ عَصَبَةٌ مَعَهُنَّ وَالنِّسَاءُ أَقْرَبُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَدْخُلُونَ كُلُّهُمْ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ سَعَةً فَلْيُبْدَأْ بِإِنَاثِ وَذُكُورِ وَلَدِهِ عَلَى الْعَصَبَةِ ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِمَّنْ سُمِّيَتْ ، وَكَذَلِكَ الْعَصَبَةُ الرِّجَالُ يُبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا النِّسَاءُ كَانَ كُلُّهُ لَهُنَّ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْهُنَّ .
مُحَمَّدٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت أَنْ يَنْظُرَ إلَى حَبْسِهِ أَوَّلَ مَا حُبِّسَ ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَرَادَ الْمَسْكَنَةَ وَأَهْلَ الْحَاجَةِ جَعَلَ مَرْجِعَهُ لِذَلِكَ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ ، فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَرَادَ مَعَ ذَلِكَ الْقَرَابَةَ وَأَثَرَتَهُمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ ، وَأُوثِرَ أَهْلُ الْحَاجَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَغْنِيَاءُ قَالَهُ مَالِكٌ (

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ فَهِيَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ بِهَؤُلَاءِ الْأَغْنِيَاءِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ .
مُحَمَّدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ فَقِيرٌ رُدَّتْ إلَيْهِمْ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْغِنَى ، وَكَانَ أُولَاهُمْ فِيهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ فِي الْمَرْجِعِ ، فَإِنْ اشْتَرَطَ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَا شَرْطَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ عَلَيْهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَقْعَدَ بِهِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ إلَّا أُخْتٌ أَوْ ابْنَةٌ لَكَانَ لَهَا وَحْدَهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهَا ذَكَرٌ كَانَ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ .
( فَإِنْ ضَاقَ ) الْحَبْسُ الرَّاجِعُ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ وَلِامْرَأَةٍ رُجِّلَتْ عَصَّبَ عَنْ الْعَصَبَةِ وَالْبَنَاتِ ( قُدِّمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( الْبَنَاتُ ) عَلَى الْعَصَبَةِ .
مُحَمَّدٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ سُمِّيَتْ مِنْ النِّسَاءِ وَهُنَّ أَقْرَبُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَدْخُلُونَ كُلُّهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَعَةٌ فَلْيُبْدَأْ بِإِنَاثِ وَلَدِهِ عَلَى عَصَبَتِهِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى ) شَخْصَيْنِ ( اثْنَيْنِ ) مُعَيَّنَيْنِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو أَوْ هَذَيْنِ ( وَبَعْدَهُمَا ) أَيْ الِاثْنَيْنِ يَكُونُ وَقْفًا ( عَلَى الْفُقَرَاءِ ) يَكُونُ ( نَصِيبُ مَنْ مَاتَ ) مِنْ الِاثْنَيْنِ ( لَهُمْ ) أَيْ الْفُقَرَاءِ لَا لِرَفِيقِهِ ، هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ حُبِّسَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَحِصَّتُهُ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَتْ غَلَّةً ، وَإِنْ كَانَتْ كَرُكُوبِ دَابَّةٍ وَشَبَهِهِ فَرِوَايَتَانِ .
ابْنُ عَرَفَةَ تُؤْخَذَانِ مِنْ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِيهَا مَنْ حَبَّسَ حَائِطًا عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَكَانُوا يَلُونَهُ وَيَسْقُونَهُ وَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ فَجَمِيعُهَا لِبَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَلُوا عَمَلَهَا ، وَإِنَّمَا تُقْسَمُ الْغَلَّةُ عَلَيْهِمْ فَنَصِيبُ الْمَيِّتِ لِرَبِّ النَّخْلِ ، ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ رَضِيَ

اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَى رَدِّ ذَلِكَ لِمَنْ بَقِيَ ، وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ .
قُلْت فَفِي نَقْلِ حَظٍّ مُعَيَّنٍ مِنْ طَبَقَةٍ بِمَوْتِهِ لِمَنْ بَقِيَ فِيهَا أَوْ لِمَنْ بَعْدَهَا الْقَوْلَانِ بِالْأَوَّلِ أَفْتَى ابْنُ الْحَاجِّ ، وَبِالثَّانِي أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ وَأَلَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ .
تت الْبِسَاطِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ ، وَهُوَ الْحَقُّ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَبَعْدَهُمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَعْدَهُمَا مَعًا وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا احْتِيَاجُ الثَّانِي إلَى مُقَدَّرٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ ، أَيْ مَجْمُوعُهُمَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي أَنَّ بُعْدِيَّةَ الْمَيِّتِ أَوَّلًا لَمْ تُفِدْ شَيْئًا فَلَا حَاجَةَ إلَى جَمْعِهِمَا فِي الضَّمِيرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَانَ الْحَبْسُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ بِالْقِسْمَةِ كَغَلَّةِ الْحَائِطِ أَوْ لَا كَرُكُوبِ دَابَّةٍ وَسُكْنَى دَارٍ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى أَنْ تُجَزَّأَ صَرْفًا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَجَزَّأْ فَلِرَفِيقِهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ كَثُرَ فِيهَا اضْطِرَابُ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَكَذَا بَيْنَ فَقِيهَيْنِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِّ وَأَلَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ حَبَّسَ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ عَلَى عَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَعَقِبِ عَقِبِهِ ، فَفِي دُخُولِ عَقِبِ الْعَقِبِ مَعَ الْعَقِبِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ وَكَوْنِهِ بَعْدَهُ عَلَى التَّرْتِيبِ لِأَجْلِ تَقْدِيمِ الْعَطْفِ يَتِمُّ فَتْوَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَابْنِ الْحَاجِّ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ .
وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ قَالَ هُوَ وَقْفٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ أَوْ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ ، فَإِنَّهُ إنْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَلَهُ الْجَمِيعُ .
عج يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى ، مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ أَصْلٍ يَحْجُبُ فَرْعَهُ فَقَطْ دُونَ فَرْعِ غَيْرِهِ ، وَيَجْرِي هَذَا أَيْضًا فِي التَّرْتِيبِ بَيْنَ

الْأُصُولِ وَفُرُوعِهِمْ نَحْوَ عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِخِلَافِهِ وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِ تُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ .
الْبُنَانِيُّ بِهَذَا أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ ، وَخَالَفَهُ عَصْرَيْهِ ابْنُ الْحَاجِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا عَنْ أَوْلَادٍ ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَكُونُ حَظُّهُ لِأَوْلَادِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْوَقْفِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ ، أَيْ عَلَى فُلَانٍ ، ثُمَّ وَلَدِهِ وَعَلَى فُلَانٍ ثُمَّ وَلَدِهِ وَهَكَذَا ، فَكُلُّ مَنْ مَاتَ انْتَقَلَ حَظُّهُ لِوَلَدِهِ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا إنَّمَا يَجِبُ فَرْعُهُ دُونَ فَرْعِ غَيْرِهِ ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ بَلْ يَكُونُ حَظُّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْعُلْيَا لِبَقِيَّةِ إخْوَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ ، أَيْ لَا يَنْتَقِلُ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَ اللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَرَجَعَ إنْ انْقَطَعَ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ فَقَالَ ( إلَّا ) إذَا وَقَفَ عَلَى عَدَدٍ مَحْصُورٍ ، وَحَدُّ وَقْفِهِ عَلَيْهِمْ بِمُدَّةٍ صَرِيحًا أَوْ تَلْوِيحًا ( كَ ) وَقْفٍ ( عَلَى ) أَشْخَاصٍ ( عَشْرَةٍ ) مَثَلًا عَيَّنَهُمْ وَسَمَّاهُمْ أَوْ قَالَ هَؤُلَاءِ ( حَيَاتَهُمْ ) أَوْ مَا عَاشُوا ، فَلَا يَكُونُ مُؤَبَّدًا .
وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِبَاقِيهِمْ ، وَلَوْ وَاحِدًا وَإِنْ مَاتُوا جَمِيعًا ( فَيُمْلَكُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْوَقْفُ ، أَيْ يَمْلِكُهُ الْوَاقِفُ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ وَارِثُهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا ( بَعْدَهُمْ ) أَيْ الْعَشَرَةِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ حَبْسٌ عَلَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ وَضَرَبَ أَجَلًا أَوْ قَالَ حَيَاتَهُمْ رَجَعَ مِلْكًا اتِّفَاقًا ، وَاخْتُلِفَ إنْ لَمْ يُسَمِّ أَجَلًا وَلَا حَيَاةً .
أَبُو عُمَرَ مَنْ حَبَّسَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا جَعَلَ لَهُ مَرْجِعًا ،

فَاخْتَلَفَ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَصْحَابُهُ الْمَدَنِيُّونَ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى رَبِّهِ مِلْكًا وَالْمِصْرِيُّونَ بِرُجُوعِهِ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَتِهِ حَبْسًا .

وَفِي كَقَنْطَرَةٍ ، وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا فِي مِثْلِهَا ، وَإِلَّا وُقِفَ لَهَا .
( وَ ) إلَّا أَنْ يَقِفَ ( فِي ) مَصَالِحَ ( كَقَنْطَرَةٍ ) وَرِبَاطٍ وَمَسْجِدٍ وَسَبِيلِ مَاءٍ فَانْهَدَمَتْ وَ ( لَمْ يُرْجَ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ ( عَوْدُهَا ) أَيْ رُجُوعُ الْقَنْطَرَةِ فَيُصْرَفُ الْوَقْفُ عَلَى مَصَالِحِهَا ( فِي ) مَصَالِحِ ( مِثْلِهَا ) يُحْتَمَلُ إلَى مِثْلِهَا فِي النَّوْعِ ، أَيْ قَنْطَرَةٍ ، وَيُحْتَمَلُ فِي الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ النَّفْعُ الْعَامُّ كَمَسْجِدٍ وَرِبَاطٍ وَسَبِيلٍ وَهُمَا قَوْلَانِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ رُجِيَ عَوْدُهَا ( وُقِفَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ أَخَّرَ الْوَقْفَ ( لَهَا ) أَيْ الْقَنْطَرَةَ ، وَلَا يَرْجِعُ إلَى فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْوَاقِفِ .
عِيَاضٌ إنْ جَعَلَ حَبْسَهُ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَقَوْلِهِ حَبْسٌ فِي السَّبِيلِ أَوْفَى ، وَقَيَّدَ مَسْجِدَ كَذَا أَوْ إصْلَاحَ قَنْطَرَةِ كَذَا ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَبْسِ الْمُبْهَمِ يُوقَفُ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَلَا يَرْجِعُ مِلْكًا ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ الْوَجْهُ لِجَلَاءِ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ فَسَادِ مَوْضِعِ الْقَنْطَرَةِ حَتَّى عُلِمَ أَنَّهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تُبْنَى وُقِفَ إنْ طُمِعَ بِعَوْدِهِ إلَى حَالِهِ أَوْ صُرِفَ فِي مِثْلِهِ .

وَسُئِلَ ابْنُ عِلَاقٍ عَنْ حَبْسٍ عَلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ الْغُرَبَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ غُرَبَاءُ ، فَقَالَ إنْ لَمْ يُوجَدْ غُرَبَاءُ يُدْفَعُ لِغَيْرِ الْغُرَبَاءِ ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَسَائِلُ الْمَذْهَبِ مِنْهَا فُتْيَا سَحْنُونٍ فِي فَضْلِ زَيْتِ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ يُوقَدُ مِنْهُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ ، وَفُتْيَا ابْنِ دَحُونٍ فِي حَبْسِ حِصْنٍ يَغْلِبُ الْعَدُوُّ عَلَيْهِ يُدْفَعُ فِي حِصْنٍ آخَرَ ، قَالَ وَمَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَجُوزُ جَعْلُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ مِمَّا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ فِي فَضْلِ غَلَّاتِ مَسْجِدٍ زَائِدَةٍ عَلَى حَاجَتِهِ أَنْ يُبْنَى مِنْهَا مَسْجِدٌ تَهَدَّمَ ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ شَبِيهُ الْمَصْرِفِ مِثْلُهُ إنْ تَعَطَّلَ .
ابْنُ الْمَكْوِيُّ يَجْتَهِدُ الْقَاضِي فِيهِ .

وَصَدَقَةٌ لِفُلَانٍ فَلَهُ ، أَوْ لِلْمَسَاكِينِ فُرِّقَ ثَمَنُهَا بِالِاجْتِهَادِ .
( وَ ) مَنْ قَالَ دَارِي مَثَلًا ( صَدَقَةٌ لِفُلَانٍ ) وَلَمْ يَذْكُرْ قَرِينَةَ التَّأْبِيدِ ( فَ ) هِيَ مِلْكٌ ( لَهُ ) أَيْ فُلَانٍ ( أَوْ ) قَالَ صَدَقَةٌ ( لِلْمَسَاكِينِ ) مَثَلًا كَذَلِكَ ، فَهِيَ مِلْكٌ لَهُمْ فَتُبَاعُ وَ ( فُرِّقَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( ثَمَنُهَا ) أَيْ الذَّاتِ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا عَلَيْهِمْ ( بِالِاجْتِهَادِ ) مِنْ الْوَصِيِّ وَلَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ لِتَعَذُّرِهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ الْمُتَصَدِّقُ .
عِيَاضٌ إنْ قَالَ مَكَانَ كَذَا حَبْسٌ أَوْ وَقْفٌ صَدَقَةً ، فَإِنْ عَيَّنَهَا لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَهِيَ مِلْكٌ لَهُ ، وَإِنْ قَالَ صَدَقَةً وَجَعَلَهَا لِمَجْهُولِينَ كَالْمَسَاكِينِ فَهِيَ مِلْكٌ لَهُمْ ، وَيَجْتَهِدُ النَّاظِرُ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْمِيمِهِمْ .

وَلَا يُشْتَرَطُ التَّنْجِيزُ .
وَحُمِلَ فِي الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ : كَتَسْوِيَةِ أُنْثَى بِذَكَرٍ .
( وَلَا يُشْتَرَطُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ ( التَّنْجِيزُ ) أَيْ عَدَمُ التَّعْلِيقِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ كَهَذَا وَقْفٌ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ عَامٍ أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ .
ابْنُ شَاسٍ لَا يُشْتَرَطُ التَّنْجِيزُ كَقَوْلِهِ إنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَهُوَ وَقْفٌ ( وَ ) إنْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِتَنْجِيزٍ وَلَا تَعْلِيقٍ ( حُمِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْوَقْفُ ( فِي ) صُورَةِ ( الْإِطْلَاقِ ) لِصِيغَتِهِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالتَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ التَّنْجِيزِ ، إذْ الْأَصْلُ فِي الْإِنْشَاءِ مُقَارَنَةُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَحُكْمُ مُطْلَقِهِ التَّنْجِيزُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِاسْتِقْبَالٍ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ حَبَّسَ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ .
أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ إنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ اتِّفَاقًا وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بِاخْتِلَافٍ .
وَشَبَّهَ فِي الْحَمْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَقَالَ ( كَتَسْوِيَةِ ذَكَرٍ بِأُنْثَى ) فِي قِسْمَةِ رِيعِهِ عَنْ الْإِطْلَاقِ كَهَذَا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ ، إذْ الْخُرُوجُ عَنْهَا يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ كَالْإِرْثِ ، فَإِنْ قُيِّدَ بِشَيْءِ اُتُّبِعَ .

وَلَا التَّأْبِيدُ .
( وَ ) لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ ( التَّأْبِيدُ ) أَيْ كَوْنُهُ مُؤَبَّدًا دَائِمًا بِدَوَامِ الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً ، ثُمَّ تُرْفَعُ وَقْفِيَّتُهُ ، وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ بِهِ فِي غَيْرِ الْمَوْقُوفِ ، فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ مَنْ قَالَ دَارِي حَبْسٌ عَلَى عَقِبِي وَهِيَ لِآخِرِهِمْ مِلْكًا ، فَهِيَ لِآخِرِهِمْ كَذَلِكَ .
ابْنُ شَاسٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ فَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ مَنْ احْتَاجَ مِنْهُمْ بَاعَ أَوْ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُحَبَّسَةَ تَصِيرُ لِآخِرِهِمْ مِلْكًا صَحَّ وَاتُّبِعَ الشَّرْطُ .
مُحَمَّدٌ إذَا قَالَ دَارِي حَبْسٌ عَلَى عَقِبِي وَهِيَ لِلْآخَرِ مِنْهُمْ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْآخَرِ مِنْهُمْ مِلْكًا وَهِيَ قَبْلَ ذَلِكَ مُحَبَّسَةٌ ، فَإِنْ كَانَ آخِرُهُمْ رَجُلًا يُرْجَى لَهُ عَقِبٌ وُقِفَتْ عَلَيْهِ ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْقُبْ وَرِثَهَا عَنْهُ وَرَثَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِمَوْتِهِ أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ لَهُ .

وَلَا تَعْيِينُ مَصْرِفِهِ وَصُرِفَ فِي غَالِبٍ وَإِلَّا فَالْفُقَرَاءُ .
( وَلَا ) يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ ( تَعْيِينُ مَصْرِفِهِ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ مَا يُصْرَفُ رِيعُهُ فِيهِ مِنْ الْخَيْرَاتِ ، فَإِنْ وَقَفَ وَقْفًا وَلَمْ يُعَيِّنْ مَصْرِفَهُ صَحَّ ( وَصُرِفَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ رِيعُهُ ( فِي ) نَوْعٍ ( غَالِبٍ ) الصَّرْفُ فِيهِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ وَاقِفِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبَ ( فَالْفُقَرَاءُ ) أَيْ الْمُحْتَاجُونَ يُصْرَفُ لَهُمْ رِيعُهُ .
عِيَاضٌ أَمَّا لَفْظُ الْحَبْسِ الْمُبْهَمِ كَقَوْلِهِ دَارِي حَبْسٌ ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ وَقْفٌ مُؤَبَّدٌ لَا يَرْجِعُ مِلْكًا ، وَيُصْرَفُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ عُرْفٌ لِلْوُجُوهِ الَّتِي تُوضَعُ فِيهَا الْأَحْبَاسُ ، وَتُجْعَلُ لَهَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ .

وَلَا قَبُولُ مُسْتَحِقِّهِ ، إلَّا الْمُعَيَّنَ الْأَهْلَ .
( وَلَا ) يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ ( قَبُولُ مُسْتَحِقِّ ) رِيعِ ( هـ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ غَلَّةَ الْوَقْفِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا كَمَنْ سَيُولَدُ أَوْ يَكُونُ مَجْنُونًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ قَبُولُهُ كَمَسْجِدٍ وَقَنْطَرَةٍ وَرِبَاطٍ ( إلَّا ) الشَّخْصُ ( الْمُعَيَّنُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً ( الْأَهْلَ ) أَيْ الصَّالِحَ لِلْقَبُولِ ، وَهُوَ الرَّشِيدُ ، فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ .

ابْنُ شَاسٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ قَبُولُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَهْلًا لِلرَّدِّ وَالْقَبُولِ ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ قَبُولُهُ شَرْطٌ فِي اخْتِصَاصِهِ بِهِ خَاصَّةً أَوْ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ ، فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَنْ قَالَ أَعْطُوا فَرَسِي فُلَانًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ ، فَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنْ كَانَ حَبْسًا أُعْطِيَ لِغَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَبْسًا رُدَّ إلَى وَرَثَتِهِ .

فَإِنْ رَدَّ فَكَمُنْقَطِعٍ ، وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ ، إنْ جَازَ كَتَخْصِيصِ مَذْهَبٍ أَوْ نَاظِرٍ أَوْ تَبْدِئَةِ فُلَانٍ بِكَذَا ، وَإِنْ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ ، إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ .

وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ حَبَّسَ فَرَسًا عَلَى رَجُلٍ يُجَاهِدُ بِهِ الْعَدُوَّ عَلَى مَنْ يَكُونُ عَلَفُهُ ، فَقَالَ لَا يَلْزَمُ الْمُحَبِّسُ عَلَفُ الْفَرَسِ الَّذِي حَبَّسَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَإِنْ أَبَى الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلِفَهُ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ مِلْكًا إنْ كَانَ حَبَّسَهُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُبَتِّلْهُ فِي السَّبِيلِ ، وَإِنْ كَانَ بَتَّلَهُ فِي السَّبِيلِ أَخَذَ مِنْهُ إنْ أَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَدُفِعَ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَلْتَزِمُ عَلَفَهُ وَيُجَاهِدُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ مَنْ أَمَرَ بِشَيْءٍ لِسَائِلٍ فَلَمْ يَقْبَلْهُ دُفِعَ إلَى غَيْرِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَا جَازَ صَرْفُ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ لَهُ أَوْ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا يَصِحُّ رَدُّهُ اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ .
( فَإِنْ رَدَّ ) الْمُعَيَّنُ الْأَهْلَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ ( فَ ) هُوَ ( كَ ) وَقْفٍ ( مُنْقَطِعٍ ) مُسْتَحَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ حَبْسًا ، لَكِنْ لَا لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ وَامْرَأَةٍ لَوْ رُجِّلَتْ عَصَّبَ عَلَى الْمَشْهُورِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِذَا رُدَّ فَقِيلَ يَرْجِعُ مِلْكًا ، وَقِيلَ يَكُونُ كَغَيْرِهِ وَلِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ جُمِعَ لَهُ ثَمَنُ كَفَنٍ ثُمَّ كَفَّنَهُ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِهِ رُدَّ مَا جَمَعَ لِأَهْلِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ فِي رَدِّ فَضْلَةِ مَا أُعِينَ بِهِ مُكَاتَبٌ عَلَى الَّذِينَ أَعَانُوهُ .
طفي مَا ذَكَرَهُ تت مِنْ رُجُوعِهِ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِي مَذْكُورًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مَشْهُورًا ، فَفِي عَزْوِهِ لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَتَشْهِيرِهِ نَظَرٌ ، وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ يَكُونُ حَبْسًا عَلَى غَيْرِ مَنْ رَدَّهُ وَالْآخَرُ لِمُطَرِّفٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ مِلْكًا لِمُحَبِّسِهِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَلَمَّا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ عَلَى ظَاهِرِهِ اعْتَرَضَهُ بِقَوْلِهِ هَذَا الْقَوْلُ وَقَعَ لِمَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ

إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : إنَّهُ يَرْجِعُ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ ، وَإِنَّمَا قَالَ يَرْجِعُ حَبْسًا لِغَيْرِ مَنْ حَبَّسَ ا هـ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ قَوْلُ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَلِذَا قَالَ فَكَمُنْقَطِعٍ فَالتَّشْبِيهُ فِي كَوْنِهِ لَا يَرْجِعُ لِلْمُحَبِّسِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَكُونُ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ كَمَا قَالَ " ز " ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لَا مَا قَالَهُ الْخَرَشِيُّ مِنْ كَوْنِهِ حَبْسًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ .
( وَاتُّبِعَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ( شَرْطُهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ وُجُوبًا ( إنْ جَازَ ) الشَّرْطُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ فَيُصْرَفَ فِي مِثْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَنْطَرَةِ وَنَحْوِهَا ، وَمَثَّلَ لِلْجَائِزِ فَقَالَ ( كَتَخْصِيصِ ) أَهْلِ ( مَذْهَبٍ ) مُعَيَّنٍ بِصَرْفِ غَلَّةِ وَقْفِهِ لَهُمْ أَوْ بِسُكْنَاهُ ( أَوْ ) تَخْصِيصِ ( نَاظِرٍ ) عَلَيْهِ بِشَخْصِهِ أَوْ بِوَصْفِهِ ( أَوْ تَبْدِئَةِ فُلَانٍ بِكَذَا ) كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِهِ فَيَبْدَأُ بِهَا مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ ، بَلْ ( وَإِنْ مِنْ غَلَّةِ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ اللَّامِ ( ثَانِي عَامٍ ) عِوَضًا عَمَّا رَتَّبَ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الَّذِي قَبْلَهُ لِعَدَمِهَا ( إنْ لَمْ يَقُلْ ) الْوَاقِفُ ابْدَءُوا بِإِعْطَائِهِ ( مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ ) كَذَا فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ وَمَضَى عَامٌ لَا غَلَّةَ لَهُ فَلَا يُعْطِي مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ الْعَامِ الَّذِي بَعْدَهُ شَيْئًا عِوَضًا عَمَّا رَتَّبَ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الَّذِي لَا غَلَّةَ لَهُ ، كَذَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَالْمُتَيْطِيَّةِ وَمُخْتَصَرِهَا لِابْنِ هَارُونَ .
وَنَصُّهَا وَإِنْ قَالَ يَجْرِي مِنْ غَلَّتِهِ عَلَى فُلَانٍ كُلَّ عَامٍ كَذَا ، وَحَصَلَ لَهُ فِي سَنَةٍ غَلَّةٌ كَثِيرَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي سَنَةٍ

أُخْرَى غَلَّةٌ ، فَإِنَّهُ يُعْطِي تِلْكَ الْجِرَايَةَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَإِنْ قَالَ يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ كَذَا ، فَلَا يُعْطِي مِنْ غَلَّةِ عَامٍ لِغَيْرِهِ ، وَفِي وَصَايَا الْمُدَوَّنَةِ لِلْمُوصَى لَهُ أَخَذَ وَصِيَّتَهُ كُلَّ عَامٍ مَا بَقِيَ مِنْ غَلَّةِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِذَا أَغَلَّ ذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُ لِكُلِّ عَامٍ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ لَهُ شَيْئًا ا هـ .
وَهَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى فَرْضِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَفَرْضِ الْمُصَنِّفُ ، وَاَلَّذِي يُوَافِقُ فَرْضَ الْمُصَنِّفِ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ سَنَةٍ حَيَاتَهُمَا مِنْ ثَمَرِ حَائِطٍ لَهُ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْأَوَّلُ أَصَابَ الْمَارُّ مَا أَصَابَهَا ، فَلَمْ تَبْلُغْ الثِّمَارُ مَا أَوْصَى لَهُمَا بِهِ ، وَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الثَّانِي جَاءَ الثِّمَارُ بِفَضْلٍ كَثِيرٍ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الثَّانِي مَا نَقَصَ مِنْ وَصِيَّتِهِمَا فِي غَلَّةِ الْعَامِ الْأَوَّلِ أَفَذَلِكَ لَهُمَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ذَلِكَ لَهُمَا .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَفَادَهُ طفي .
ابْنُ الْحَاجِبِ مَهْمَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مَا يَجُوزُ لَهُ اُتُّبِعَ كَتَخْصِيصِ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ أَصْحَابِ مَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ .
الزَّاهِي لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ غَلَّتِهِ بِمَنَافِعِ أَهْلِهِ ، وَيَتْرُكَ إصْلَاحَ مَا يَنْخَرِمُ مِنْهُ بَطَلَ شَرْطُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إلَيْهِ مُحَبِّسُهُ .
الْمُتَيْطِيُّ يَجْعَلُهُ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ ، فَإِنْ غَفَلَ الْمُحَبِّسُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْقَاضِي يُقَدِّمُ عَلَيْهِ مَنْ يَرْتَضِيهِ ، وَيَجْعَلُ لَهُ مِنْ كِرَائِهِ مَا يَرَاهُ سَدَادًا بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ ، فَلَوْ قَدَّمَ الْمُحَبِّسُ مَنْ رَآهُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَلَهُ عَزْلُهُ وَاسْتِبْدَالُهُ .
الْحَطّ قَوْلُهُ فَإِنْ غَفَلَ الْمُحَبِّسُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْحَاكِمِ

هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُحَبِّسُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا مَالِكًا أَمَرَ نَفْسَهُ ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعَيَّنًا مَالِكًا أَمْرَ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوَلِّ الْمُحَبِّسُ عَلَى حَبْسِهِ أَحَدًا فَهُوَ الَّذِي يَجُوزُ الْحَبْسُ الَّذِي حُبِّسَ عَلَيْهِ وَيَتَوَلَّاهُ دَلَّ عَلَى هَذَا غَالِبُ عِبَارَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ وَكِتَابِ الصَّدَقَةِ وَكِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَشَرْطُ الْوَقْفِ حَوْزُهُ صَرِيحٌ فِي هَذَا .

أَوْ أَنَّ مَنْ احْتَاجَ مِنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ بَاعَ .
( أَوْ ) كَشَرْطِ الْوَاقِفِ ( أَنَّ مَنْ احْتَاجَ مِنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ إلَى بَيْعِ الْوَقْفِ ( بَاعَ ) فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ حَبَّسَ دَارِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَقَالَ فِي حَبْسِهِ إنْ احْتَاجُوا أَوْ اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ عَلَى بَيْعِهَا بَاعُوا وَاقْتَسَمُوا ثَمَنَهَا بِالسَّوَاءِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ فَهَلَكُوا جَمِيعًا إلَّا وَاحِدًا ، فَأَرَادَ بَيْعَهَا فَقَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ذَلِكَ لَهُ وَلَا حَقَّ فِيهَا لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ بَنَاتِ الْمُحَبِّسِ إنْ طَلَبُوا مِيرَاثَهُمْ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ؛ لِأَنَّهُ بَتَلَهَا لِبَنِيهِ خَاصَّةً فِي صِحَّتِهِ فَلَيْسَ لِسِوَاهُمْ مِنْ وَرَثَةِ أَبِيهِمْ فِيهَا حَقٌّ .
وَفِي التَّوْضِيحِ قَالُوا : إذَا شَرَطَ أَنَّ مَنْ احْتَاجَ مِنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ بَاعَ الْحَبْسَ أَنَّهُ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطَ وَيَلْزَمُ الْمُحَبَّسَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ حَاجَتِهِ ، وَالْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُحَبِّسُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فَلَهُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتٍ ، وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إذَا لَمْ يَقُلْ يَصْدُقُ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُ الْحَاجَةِ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ بَاطِنٌ كَتَمَهُ وَلَا ظَاهِرٌ عَلِمَهُ ، فَحِينَئِذٍ يَبِيعُهُ .

الْمُتَيْطِيُّ إنْ شَرَطَ الْمُحَبِّسُ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ حَاجَةً فَهُوَ مُصَدَّقٌ فَيُصَدَّقُ وَيَنْفُذُ الشَّرْطُ ، وَمَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ حَاجَةً وَلَمْ يَثْبُتْ غِنَاهُ انْطَلَقَ يَدُهُ عَلَى بَيْعِهِ .
وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَنْ رَجُلٍ جَعَلَ دَارًا لَهُ حَبْسًا صَدَقَةً عَلَى وَلَدِهِ لَا تُبَاعُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجُوا إلَى بَيْعِهَا ، فَإِنْ احْتَاجُوا إلَى بَيْعِهَا وَاجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ عَلَيْهِ بَاعُوا وَاقْتَسَمُوا ثَمَنَهَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ، سَوَاءٌ فِيهِ فَهَلَكُوا جَمِيعًا إلَّا رَجُلًا فَأَرَادَ بَيْعَهَا أَذَلِكَ لَهُ ؟ وَقَدْ احْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا قَالَ نَعَمْ ، فَقِيلَ لَهُ : إنْ امْرَأَةٌ ثَمَّ وَهِيَ بِنْتُ أُخْتِ الْبَاقِي الَّذِي أَرَادَ الْبَيْعَ وَهِيَ مِنْ بَنَاتِ الْمُحَبِّسِ ، قَالَ إنْ بِعْت فَأَنَا آخُذُ مِيرَاثِي مِنْ أُمِّي قَالَ لَا أَرَى لَهَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا .
ابْنُ الْقَاسِمِ ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ حَازُوهَا وَلَيْسَتْ تَرْجِعُ بِمَا تَرْجِعُ الْمَوَارِيثُ إلَى عَصَبَةِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجُوا إلَى بَيْعِهَا يُرِيدُ أَوْ يَحْتَاجَ أَحَدُهُمْ إلَى بَيْعِ حَظِّهِ مِنْهَا قَلَّ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ أَوْ كَثُرَ لِقِلَّتِهِمْ ، فَذَلِكَ لَهُ ، وَيَبْطُلُ تَحْبِيسُهُ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ مَالًا مِنْ مَالِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ احْتَاجُوا كُلُّهُمْ فَبَاعُوا فَالثَّمَنُ لَهُمْ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمْ فِي الْحَبْسِ كَثُرُوا أَوْ قَلُّوا ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا وَاحِدٌ فَلَهُ الثَّمَنُ كُلُّهُ ، وَبَطَلَ التَّحْبِيسُ فِي الْجَمِيعِ بِشَرْطِ الْمُحَبِّسِ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْتَاجَ سَقَطَ حَقُّهُ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ حَبْسٍ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَيَرْجِعُ حَظُّهُ إلَى مَنْ مَعَهُ فِي الْحَبْسِ ، وَلَا يُورَثُ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ مُحَبِّسٍ عَلَيْهِ .

أَوْ إنْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ رَجَعَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ : كَعَلَى وَلَدِي ، وَلَا وَلَدَ لَهُ .

( أَوْ ) كَشَرْطِ الْوَاقِفِ أَنَّهُ ( إنْ تَسَوَّرَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ تَعَدَّى ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْوَقْفُ ( قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ ) مِنْ الظَّلَمَةِ مُرِيدًا أَكْلَهُ ( رَجَعَ ) الْوَقْفُ مِلْكًا ( لَهُ ) أَيْ وَاقِفِهِ إنْ كَانَ حَيًّا ( أَوْ لِوَرَثَتِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ إنْ كَانَ مَيِّتًا .
الْمُتَيْطِيُّ إنْ شَرَطَ الْمُحَبِّسُ فِي حَبْسِهِ أَنَّهُ إنْ تَطَرَّقَ قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ إلَى التَّسَوُّرِ فِي حَبْسِهِ هَذَا وَالنَّظَرِ فِيهِ ، فَجَمِيعُهُ رَاجِعٌ إلَيْهِ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا ، أَوْ صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ فَلَهُ شَرْطُهُ ، وَشَبَّهَ فِي الرُّجُوعِ لِلْوَاقِفِ مِلْكًا فَقَالَ ( كَ ) وَقْفٍ ( عَلَى وَلَدِي وَ ) الْحَالُ ( لَا وَلَدَ لَهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ فَهُوَ مِلْكٌ لِوَاقِفِهِ لَهُ بَيْعُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَا لَمْ يُولَدْ لَهُ ، فَإِنْ وُلِدَ لَهُ تَنَجَّزَ تَحْبِيسُهُ فَلَا يَبِعْهُ .
ابْنُ الْمَوَّازِ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ فَلَهُ بَيْعُهُ ، فَإِنْ وُلِدَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ يَيْأَسُ مِنْ الْوَلَدِ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَلِدَ فَلَا حَبْسَ وَيُورَثُ .
طفي الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِيمَنْ حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَهُ بَيْعُهُ وَيَرْجِعُ لَهُ حَبْسُهُ ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْمُصَنِّفُ ، فَهُوَ مُشَبَّهٌ فِي قَوْلِهِ وَرَجَعَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ ، وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ بَلَغَ سِنَّ مَنْ لَا يُولَدُ لَهُ أَمْ لَا ، أَيِسَ مِنْ الْوِلَادَةِ أَمْ لَا فَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يُولَدْ لَهُ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ إلَّا عِنْدَ يَأْسِهِ مِنْ الْوَلَدِ ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَحْكُمُ بِحَبْسِهِ وَيُخْرَجُ إلَى يَدِ ثِقَةٍ لِيَصِحَّ حَوْزُهُ وَتُوقَفُ ثَمَرَتُهُ ، فَإِنْ وُلِدَ لَهُ فَلَهُمْ وَإِلَّا فَلِأَقْرَبِ النَّاسِ ، هَذَا تَحْصِيلُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ ، وَلَمْ

يَزِدْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى هَذَا ، وَكَذَا الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ .

لَا بِشَرْطِ إصْلَاحِهِ عَلَى مُسْتَحَقِّهِ : كَأَرْضٍ مُوَظَّفَةٍ ، إلَّا مِنْ غَلَّتِهَا عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ عَدَمِ بَدْءٍ بِإِصْلَاحِهِ ، أَوْ بِنَفَقَتِهِ .

( لَا ) يَتَّبِعُ ( شَرْطَ إصْلَاحِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ( عَلَى مُسْتَحِقِّهِ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُسْتَحِقِّ لِمَنْفَعَةِ الْوَقْفِ فَيُلْغَى الشَّرْطُ لِاسْتِلْزَامِهِ الْإِجَارَةَ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ .
فِيهَا لِ ابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ حَبَّسَ دَارًا عَلَى رَجُلٍ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَاشْتَرَطَ عَلَى الَّذِي حَبَّسَ عَلَيْهِ إصْلَاحَ مَا رَثَّ مِنْهَا مِنْ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَهُوَ كِرَاءٌ مَجْهُولٌ ، وَلَكِنْ يَمْضِي ذَلِكَ وَتَكُونُ حَبْسًا وَلَا مَرَمَّةَ عَلَيْهِ ، وَتَكُونُ مَرَمَّتُهَا مِنْ غَلَّتِهَا ؛ لِأَنَّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُشْبِهُ الْبُيُوعُ ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنْ حَبَّسَ عَلَى رَجُلٍ فَرَسًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ، ثُمَّ هُوَ مِلْكٌ لَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ إذْ قَدْ يَهْلِكُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَتَيْنِ فَيَذْهَبُ عَلَفُهُ بَاطِلًا .
وَشَبَّهَ فِي إلْغَاءِ الشَّرْطِ فَقَالَ ( كَ ) شَرْطِ تَوْظِيفِ ( أَرْضِ مُوَظَّفَةٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ مَجْعُولٌ عَلَيْهَا مَالٌ يُؤْخَذُ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ عَامٍّ عَلَى مَنْ وَقَفْت عَلَيْهِ ، فَيَصِحُّ وَقْفُهَا ، وَيُلْغَى شَرْطُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْكِرَاءُ بِمَجْهُولٍ فِي حَالٍ ( إلَّا ) أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ دَفْعُ تَوْظِيفِهَا ( مِنْ غَلَّتِهَا ) فَيَتَّبِعُ ( عَلَى الْأَصَحِّ ) عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ .
وَقِيلَ لَا يَتَّبِعُ ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ .
الْبُنَانِيُّ لَمَّا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ اشْتَرَطَ عَلَى الَّذِي حُبِّسَ عَلَيْهِ إصْلَاحَ مَا رَثَّ مِنْهَا مِنْ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ .
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ مِنْ مَالِهِ ، فَلَوْ كَانَ مِنْ غَلَّتِهَا لَجَازَ ، قَالَ إنَّهُ يَقُومُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَحْبِيسُ الْأَرْضِ الْمُوَظَّفَةِ ، وَحَكَى ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ ، قَالَ : وَلَوْ كَانَ عَلَى أَنْ تُرَمَّ مِنْ غَلَّتِهَا وَيَخْرُجُ الْوَظِيفُ مِنْ غَلَّةِ

الْأَرْضِ لَجَازَ تَحْبِيسُهَا ، وَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ .
ابْنُ كَوْثَرٍ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ .
( أَوْ ) شَرْطُ ( عَدَمِ بَدْءٍ ) مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ ( بِإِصْلَاحِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ( وَ ) شَرَطَ عَدَمَ بَدْءٍ بِ ( نَفَقَتِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ فَيُلْغَى الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِإِبْطَالِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فِي الزَّاهِي لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ غَلَّتِهِ بِمَنَافِعِ أَهْلِهِ وَيَتْرُكَ إصْلَاحَ مَا يَنْخَرِمُ مِنْهُ بَطَلَ شَرْطُهُ .

وَأُخْرِجَ السَّاكِنُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى ، إنْ لَمْ يُصْلِحْ لِتُكْرَى لَهُ ، وَأُنْفِقَ فِي فَرَسٍ لِكَغَزْوٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَإِنْ عُدِمَ : بِيعَ وَعُوِّضَ بِهِ سِلَاحٌ : كَمَا لَوْ كَلَبَ .

( وَ ) إنْ احْتَاجَ الْعَقَارُ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ لِسُكْنَاهُ لِإِصْلَاحِهِ وَلَمْ يُصْلِحْهُ مِنْ مَالِهِ ( أُخْرِجَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الشَّخْصُ ( السَّاكِنُ ) فِي الرُّبُعِ الْوَقْفِ ( الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى ) إنْ اخْتَلَّ الرُّبُعُ وَ ( لَمْ يُصْلِحْ ) هـ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ( لِيُكْرَى ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الرُّبُعُ مُدَّةً مُسْتَقْبَلَةً بِشَرْطِ تَعْجِيلِ كِرَائِهَا وَإِصْلَاحِهِ بِهِ ، وَيُسْكِنُهُ مُكْتَرِيهِ تِلْكَ الْمُدَّةَ ، فَإِذَا تَمَّتْ أُخْرِجَ الْمُكْتَرِي ( لَهُ ) أَيْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِيَسْكُنَهُ أَوْ الْإِصْلَاحُ عَلَى أَنَّهُ صِلَةُ يُكْرِي .
اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَتْ الدِّيَارُ لِلسُّكْنَى خُيِّرَ الْمُحَبَّسُ ، عَلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يُصْلِحَ أَوْ يَخْرُجَ فَتُكْرَى بِمَا تُصْلَحُ بِهِ ثُمَّ يَعُودُ ( وَأُنْفِقَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْفَاءِ ( فِي ) أَيْ عَلَى ( فَرَسٍ ) وُقِفَ ( لِكَغَزْوٍ ) وَرِبَاطٍ ، وَصِلَةُ أُنْفِقَ ( مِنْ ) مَالِ ( بَيْتِ الْمَالِ ) فَلَا تَلْزَمُ نَفَقَتُهُ الْمُحَبِّسَ وَلَا الْمُحَبَّس عَلَيْهِ .
( فَإِنْ عُدِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ أَوْ لَمْ يُوصَلْ إلَيْهِ ( بِيعَ ) الْفَرَسُ ( وَعُوِّضَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( بِ ) ثَمَنِ ( هـ سِلَاحٌ ) وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ إذْ هُوَ أَقْرَبُ لِلْخَيْلِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِغَرَضِ الْوَاقِفِ اللَّخْمِيُّ وَقِسْمٌ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ مَجْهُولٍ وَذَلِكَ الْخَيْلُ فَلَا تُؤَاجِرُ فِي النَّفَقَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ حَبْسًا فِي السَّبِيلِ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيعَتْ وَيَشْتَرِي بِالثَّمَنِ مَا لَا يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ كَالسِّلَاحِ وَالدُّرُوعِ ، وَإِنْ كَانَتْ حَبْسًا عَلَى مُعَيَّنٍ أَنْفَقَ عَلَيْهَا إنْ قِبَلهَا عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَشَبَّهَ فِي الْبَيْعِ وَالتَّعْوِيضِ فَقَالَ ( كَمَا لَوْ كَلِبَ ) الْفَرَسُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ ، أَيْ أَصَابَ الْفَرَسُ الْمُحَبَّسُ لِكَالْغَزْوِ الْكَلَبُ بِفَتْحِ الْكَافِ

وَاللَّامِ دَاءٌ يَعْتَرِي الْخَيْلَ شَبِيهٌ بِالْجُنُونِ ، فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي نَحْوِ الْغَزْوِ ، وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي نَحْوِ الطَّحْنِ فَيُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِهِ سِلَاحٌ .
فِيهَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَا ضَعُفَ مِنْ الدَّوَابِّ الْمُحَبَّسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ، حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى الْغَزْوِ بِيعَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ مَا مُنْتَفَعٌ بِهِ مِنْ الْخَيْلِ وَيُجْعَلُ فِي السَّبِيلِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ فَرَسٍ أَوْ هَجِينٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ فَلْيُعَنْ بِذَلِكَ فِي فَرَسٍ .
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ كَذَلِكَ يَكْلُبُ وَيَخْبُثُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَا بَلِيَ مِنْ الثِّيَابِ الْمُحَبَّسَةِ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ تُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهَا ثِيَابٌ يُنْتَقَعُ بِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ تَصَدَّقَ بِهِ فِي السَّبِيلِ .

وَبِيعَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ عَقَارٍ فِي مِثْلِهِ ، أَوْ شِقْصِهِ .
كَأَنْ أَتْلَفَ
( وَبِيعَ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ( مَا ) أَيْ شَيْءٌ مَوْقُوفٌ صَارَ ( لَا يُنْتَفَعُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ ( بِهِ ) فِيمَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِهِ كَفَرَسٍ يَهْرَمُ وَعَبْدٍ كَذَلِكَ وَثَوْبٍ يَخْلُقُ حَالَ كَوْنِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ( غَيْرُ عَقَارٍ ) صَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيمَا حُبِّسَ عَلَيْهِ فَلَا يُبَاعُ كَمَا سَيَأْتِي ، وَإِذَا بِيعَ غَيْرُ الْعَقَارِ صُرِفَ ثَمَنُهُ ( فِي مِثْلِهِ ) مِنْ فَرَسٍ ، أَوْ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ كِتَابٍ مَثَلًا ( أَوْ ) شُورِكَ بِهِ فِي ( شِقْصِهِ ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ ، وَإِهْمَالِ الصَّادِ ، أَيْ بَعْضِهِ إنْ لَمْ يَبْلُغْ ثُمُنَ كَامِلٍ إتْبَاعًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُشَارِكُ تَصَدَّقَ بِهِ .
ابْنُ شَاسٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَا سِوَى الْعَقَارِ إذَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ الَّتِي وُقِفَ لَهَا كَالْفَرَسِ يَكْلُبُ أَوْ أَوْ يَهْرَمُ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيمَا وُقِفَ لَهُ أَوْ الثَّوْبُ يَخْلُقُ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ وَشَبَّهَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ .
وَشَبَّهَ فِي الصَّرْفِ فِي مِثْلِهِ أَوْ شِقْصِهِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ تَشْبِيهٍ صِلَتُهُ ( أُتْلِفَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْحَبْسُ بِجِنَايَةٍ فَتُصْرَفُ قِيمَتُهُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ الْجَانِي فِي مِثْلِهِ أَوْ شِقْصِهِ .
ابْنُ شَاسٍ مَنْ هَدَمَ حَبْسًا مِنْ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْبُنْيَانَ كَمَا كَانَ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ ، وَإِنْ قَتَلَ حَيَوَانًا أَوْ فَقَأَ كَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَاشْتُرِيَ بِهَا مِثْلُهُ وَجُعِلَ وَقْفًا مَكَانَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فَشِقْصٌ مِنْ مِثْلِهِ .

وَفَضْلُ الذُّكُورِ وَمَا كَبِرَ مِنْ الْإِنَاثِ فِي إنَاثٍ .
( وَ ) يُبَاعُ ( فَضْلُ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ مَا زَادَ مِنْ ( الذُّكُورِ ) عَنْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِي النُّزُوِّ مِنْ نَسْلِ الْإِنَاثِ الْمَوْقُوفَةِ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ إنَاثٌ ( وَ ) يُبَاعُ ( مَا كَبِرَ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ( مِنْ الْإِنَاثِ ) الْمَوْقُوفَةِ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ ( فِي ) شِرَاءِ ( إنَاثٍ ) وَتُجْعَلُ وَقْفًا عِوَضًا عَمَّا بِيعَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَلَدُ الْحَيَوَانِ الْحَبْسِ مِثْلُهُ ، سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا وَلَدَتْ بَقَرَاتٍ حُبِّسَتْ يُقْسَمُ لَبَنُهَا فِي الْمَسَاكِينِ مِنْ أُنْثَى حُبِّسَتْ مَعَهَا وَيُحَبَّسُ وَلَدُهَا الذَّكَرُ لِيَنْزُوَهَا وَمَا فَضَلَ مِنْ ذُكُورِهَا عَنْهُ وَمَا كَبِرَتْ مِنْ أُنْثَى فَذَهَبَ لَبَنُهَا بِيعَا وَرُدَّ ثَمَنُهُمَا فِي عُلُوفَتِهَا .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَقَوْلِهَا مَا ضَعُفَ مِنْ دَوَابِّ حَبْسِ السَّبِيلِ أَوْ بَلِيَ مِنْ ثِيَابِهِ وَذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ بِيعَ وَرُدَّ بِثَمَنِ الدَّوَابِّ خَيْلٌ ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ فَرَسٍ أَوْ هَجِينٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ أُعِينَ بِهِ فِي ثَمَنِ فَرَسٍ وَرُدَّ ثَمَنُ الثِّيَابِ فِي ثِيَابٍ ، فَإِنْ قُصِرَ عَنْ ثَمَنِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فُرِّقَ فِي السَّبِيلِ خِلَافُ رِوَايَةِ مَنْ مَنَعَ بَيْعَ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ لَوْ بِيعَ لَبِيعَ الرَّجُلُ الْمُحَبَّسُ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَنْ حَبَّسَ غُلَامًا فَكَبِرَ أَوْ تَخَلَّفَ أَوْ كَثُرَتْ سَرِقَتُهُ وَإِبَاقُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ مَكَانَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحَبَّسُ شَرَطَ ذَلِكَ فِي حَبْسِهِ ، وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِهِ لِيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ يَكُونُ مَكَانَهُ .
وَأَمَّا بَيْعُهُ فِيمَا يَلْزَمُ مِنْ عَلَفِهَا وَرَعْيِهَا فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا ، فَمَنْ قُطِعَتْ مَنْفَعَتُهَا إنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا وَأَضَرَّ بَقَاؤُهُ لِلْمَنْفَعَةِ وَعَلَيْهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .

لَا عَقَارٌ وَإِنْ خَرِبَ
وَمِنْهُ الرَّبْعُ الْخَرِبُ ( لَا ) يُبَاعُ ( عَقَارٌ ) حُبِّسَ إنْ لَمْ يَخْرَبُ ، بَلْ ( وَإِنْ خَرِبَ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَصَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيمَا حُبِّسَ عَلَيْهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مَنَعَ بَيْعَ مَا خَرِبَ مِنْ رَبْعٍ حُبِّسَ مُطْلَقًا .
ابْنُ الْجَهْمِ إنَّمَا لَمْ يَبِعْ الرَّبْعَ الْمُحَبَّسَ إذَا خَرِبَ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ بِإِجَارَتِهِ سِنِينَ فَيَعُودُ كَمَا كَانَ ، وَفِيهَا لِرَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا رَأَى ذَلِكَ لِخَرَابِهِ وَهِيَ إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي جَوَازِ الْمُنَاقَلَةِ بِهِ بِرَبْعٍ غَيْرِ خَرِبٍ .
قَوْلُ الشَّيْخِ فِي رِسَالَتِهِ وَابْنُ شَعْبَانَ وَابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْقِطْعَةُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُحَبَّسَةِ انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهَا جُمْلَةً وَعَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهَا وَكِرَائِهَا فَلَا بَأْسَ بِالْمُعَاوَضَةِ فِيهَا بِمَكَانٍ يَكُونُ حَبْسَا مَكَانَهَا ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمٍ مِنْ الْقَاضِي بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ السَّبَبِ وَالْغِبْطَةِ فِي الْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَيُسَجَّلُ ذَلِكَ وَيُشْهَدُ بِهِ .

وَنَقْضٌ وَلَوْ بِغَيْرِ خَرِبٍ إلَّا لِتَوْسِيعٍ .
كَمَسْجِدٍ ، وَلَوْ جَبْرًا ، وَأُمِرُوا بِجَعْلِ ثَمَنِهِ لِغَيْرِهِ .

( وَ ) لَا يُبَاعُ ( نِقْضٌ ) بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا كَذِبْحٍ وَذُخْرٍ ، أَيْ مَنْقُوضٍ مِنْ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ .
فِي الزَّاهِي لَا يُبَاعُ نِقْضُ الْحَبْسِ ، وَأَجَازَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَيْعَهُ ، وَلَا أَقُولُهُ وَلِابْنِ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ جَوَازُ بَيْعِهِ وَأَجَازَهُ ابْنُ زَرْبٍ لِبِنَاءِ بَاقِيهِ بِثَمَنِ مَا بِيعَ ، وَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ بِعَدَمِ نَقْلِ نِقْضِ مَسْجِدٍ خَرِبٍ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَبِعَدَمِ بَيْعِهِ ، وَيُتْرَكُ حَتَّى يَفْنَى .
ابْنُ عَاتٍ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ نِقْضِ الْمَسَاجِدِ إنْ خِيفَ فَسَادُهُ وَوَقْفُهُ إنْ رُجِيَ عِمَارَتُهُ أَمْثَلُ .
وَبَالَغَ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْعَقَارِ فَقَالَ ( وَلَوْ بِ ) عَقَارٍ ( غَيْرِ خَرِبٍ ) " غ " ظَاهِرُهُ رُجُوعِ الْإِغْيَاءِ لِلرَّبْعِ الْخَرِبِ وَالنِّقْضِ ، وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا إلَّا فِي الرَّبْعِ الْخَرِبِ .
ابْنُ رُشْدٍ رَوَى رَبِيعَةُ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا رَأَى ذَلِكَ لِخَرَابِهِ كَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ ، وَقَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ عَنْهُ .
وَاسْتَثْنَى مَنْ مَنَعَ بَيْعَ الْعَقَارِ فَقَالَ ( إلَّا ) بَيْعُ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ ( لِتَوْسِيعٍ كَمَسْجِدٍ ) وَطَرِيقٍ وَمَقْبَرَةٍ فَيَحُوزُ اخْتِيَارًا ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( جَبْرًا بِالْقَضَاءِ ) عَلَى مُسْتَحِقِّهِ أَوْ نَاظِرِهِ فَغَيْرُ الْمَوْقُوفِ أَحْرَى ( وَأُمِرُوا ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ، أَيْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ لَهُمْ وِلَايَتُهُ وَنَظَرِهِ ( بِجَعْلِ ثَمَنِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ الَّذِي بِيعَ بِهِ ( لِغَيْرِهِ ) بِأَنْ يُشْتَرَى بِهِ عَقَارٌ وَيَجْعَلَ حَبْسًا عِوَضًا عَنْهُ .
سَحْنُونٌ لَمْ يُجِزْ أَصْحَابُنَا بَيْعَ الْحَبْسِ بِحَالٍ إلَّا دَارًا بِجِوَارِ مَسْجِدٍ اُحْتِيجَ أَنْ تُضَافَ إلَيْهِ لِيُتَوَسَّعَ بِهَا فَأَجَازُوا بَيْعَهَا لَهُ ، وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهَا دَارًا تَكُونُ حَبْسًا ، وَقَدْ أُدْخِلَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُورٌ مُحَبَّسَةٌ كَانَتْ تَلِيهِ .
ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ

ذَلِكَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ، كَقَوْلِ سَحْنُونٍ .
وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَخَوَيْنِ وَأَصْبَغَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ فِي مَسَاجِدِ الْجَوَامِعِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ ، إذْ لَيْسَتْ الضَّرُورَةُ فِيهَا كَالْجَوَامِعِ .
ابْنُ عَاتٍ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الدَّارِ الْمُحَبَّسَةِ وَغَيْرِهَا ، وَيُكْرِهُ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَى بَيْعِهَا إذَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهَا لِتَوْسِعَةِ جَامِعِهِمْ الَّذِي فِيهِ الْخُطْبَةُ ، وَكَذَا الطَّرِيقُ إلَيْهَا لَا إلَى الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا خُطْبَةَ فِيهَا ، وَالطُّرُقُ الَّتِي فِي الْقَبَائِلِ لِأَقْوَامٍ مُطَرِّفٌ إذَا كَانَ النَّهْرُ بِجَانِبِ طَرِيقٍ عُظْمَى مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَسْلُكُهَا الْعَامَّةُ فَحَفَرَهَا النَّهْرُ حَتَّى قَطَعَهَا ، فَإِنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي حَوْلَهَا يُجْبَرُونَ عَلَى بَيْعِ مَا يُوَسَّعُ بِهِ الطَّرِيقُ ، فَإِنْ لَمْ يَنْظُرْ السُّلْطَانُ فِيهَا فَلَا تُسْلَكُ الْأَرْضُ إلَّا بِإِذْنِ أَرْبَابِهَا .
ابْنُ رُشْدٍ اخْتَلَفَ مُتَأَخِّرُو الشُّيُوخِ إنْ امْتَنَعُوا مِنْ الْبَيْعِ لِلْمَسْجِدِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ : يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِالْقِيمَةِ جَبْرًا ، وَهُوَ الْآتِي عَلَى سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِجَعْلِ الثَّمَنِ فِي دَارٍ أُخْرَى .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا نَظَرٌ اُنْظُرْهُ فِيهِ .
ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ قَوْمٍ كَانَتْ لَهُمْ دَارٌ حَبْسٌ فَبَاعُوهَا وَأُدْخِلَتْ فِي الْمَسْجِدِ ، قَالَ أَرَى أَنْ يَشْتَرُوا بِالذَّهَبِ دَارًا أُخْرَى يَجْعَلُونَهَا فِي صَدَقَةِ أَبِيهِمْ ، قِيلَ لَهُ : أَفَيُقْضَى عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ؟ قَالَ لَا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا .
ابْنُ رُشْدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَ الْحَقَّ أَخَذَهَا مِنْهُمْ جَبْرًا صَارَ كَالِاسْتِحْقَاقِ الَّذِي يُبْطِلُ الْحَبْسَ لَا يَجِبُ صَرْفُ الثَّمَنِ الْمَأْخُوذِ فِي حَبْسِ مِثْلِهِ الْبُنَانِيُّ الْمِسْنَاوِيُّ فِي جَوَابِهِ أَنَّ مَا وُسِّعَ بِهِ الْمَسْجِدُ مِنْ

الرِّبَاعِ لَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّضَ مِنْهُ إلَّا مَا كَانَ مِلْكًا أَوْ حَبْسًا عَلَى مُعَيَّنٍ ، وَأَمَّا مَا كَانَ حَبْسًا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا يَلْزَمُ تَعْوِيضُهُ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى نَحْوِ الْفُقَرَاءِ عَلَى مَا أَفَادَهُ جَوَابُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ فِي نَوَازِلِ أَحْبَاسِ الْمِعْيَارِ وَوَجْهُهُ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِمُعَيَّنٍ ، وَالْأَجْرُ الَّذِي يَحْصُلُ لِوَاقِفِهِ بِإِدْخَالِهِ فِي الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ مِمَّا حَبَّسَهُ لَهُ ، وَإِنَّ الْخَلَوَاتِ الْمُدْخَلَةِ فِي الْمَسْجِدِ لَا حَقَّ لِأَرْبَابِهَا فِي عِوَضِهَا ؛ لِأَنَّهَا مَحْضُ كِرَاءٍ عَلَى التَّبْقِيَةِ وَالْكِرَاءُ يَنْفَسِخُ بِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْمُكْتَرِي الْمُعَيَّنِ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا وَلَا حَقَّ لِأَرْبَابِهَا فِي الْأَرْضِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ هَدَمَ وَقْفًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ .
( وَمَنْ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ اسْمُ شَرْطٍ ( هَدَمَ وَقْفًا ) أَيْ عَقَارًا مَوْقُوفًا تَعَدِّيًا ( فَعَلَيْهِ ) أَيْ الْهَادِمِ وُجُوبًا ( إعَادَتُهُ ) بِبِنَائِهِ كَمَا كَانَ لَا قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعِهِ .
( غ ) كَذَا لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَبُولُهُمَا إيَّاهُ فُهِمَ أَنَّهُ كُلُّ الْمَذْهَبِ أَوْ مَشْهُورُهُ وَلَمْ أَعْرِفْهُ ، بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْهَدْمِ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا .
وَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ جُرَيْجٍ { مَنْ هَدَمَ حَائِطًا } فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ الْقِيمَةَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَيْهِ بِنَاءُ مِثْلِهِ .
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِثْلُهُ .
وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ النَّوَادِرِ عَزْوُ مَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ لِابْنِ كِنَانَةَ فَقَالَ عَنْهُ لَا يُنْقَضُ بُنْيَانُ الْحَبْسِ ، وَتُبْنَى فِيهِ حَوَانِيتُ الْغَلَّةِ ، وَهُوَ ذَرِيعَةٌ إلَى تَغْيِيرِ الْحَبْسِ وَمَنْ كَسَرَ حَبْسًا مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ أَوْ غَيْرِهِمْ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْبُنْيَانَ كَمَا كَانَ .

وَتَنَاوَلَ الذُّرِّيَّةُ ، وَوَلَدُ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ .

( وَتَنَاوَلَ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْوَاوِ أَيْ شَمِلَ ( الذُّرِّيَّةَ ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُثَقَّلَةً هِيَ وَالتَّحْتِيَّةُ ، أَيْ هَذَا اللَّفْظُ فِي قَوْلِهِ : وَقْفٌ عَلَى ذُرِّيَّتِي أَوْ ذُرِّيَّةِ فُلَانٍ الْحَافِدِ ، أَيْ وَلَدِ بِنْتِ الْوَاقِفِ أَوْ فُلَانٍ .
ابْنُ الْعَطَّارِ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى } ، وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ قَوْلًا بِعَدَمِ شُمُولِ الذُّرِّيَّةِ الْحَافِدِ ، وَهُوَ يَنْقُضُ الِاتِّفَاقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيقَةً قَالَهُ تت .
ابْنُ رُشْدٍ اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ فَقِيلَ إنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْعَقِبِ وَالْوَلَدِ فِي عَدَمِ دُخُولِ وَلَدِ الْبَنَاتِ فِيهِمَا .
الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ النَّسْلُ كَالْوَلَدِ وَالذُّرِّيَّةُ تَشْمَلُ وَلَدَ الْبَنَاتِ اتِّفَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُد } إلَى قَوْلِهِ وَعِيسَى ، وَهُوَ وَلَدُ بِنْتٍ .
ابْنُ رُشْدٍ هُوَ اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ فِي أَنَّ وَلَدَ بِنْتِ الرَّجُلِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ ، وَكَذَا نَقُولُ فِي نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ كَمَا إنَّهُ مِنْ وَلَدٍ خِلَافُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ، أَفَادَهُ " ق " .
ابْنُ عَرَفَةَ يَرُدُّ اسْتِدْلَالَ ابْنِ الْعَطَّارِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ فِي عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثُبُوتُهُ فِي مَسْأَلَةِ النِّزَاعِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ فِي عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدَمِ أَبٍ لَهُ يَحُوزُهُ ، وَلِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ كَانَ الْمَذْهَبُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ الْمُعْتَقَةِ جَرَّهَا وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمُعْتِقِهَا مَا دَامَ غَيْرَ مُسْتَلْحَقٍ ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ أَبٌ بَطَلَ جَرُّهَا .
وَشَاعَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْقَرْنِ عَلَى مَا بَلَغَنِي الْخِلَافُ فِي شَرِيفِ الْأُمِّ فَقَطْ وَأَبُوهُ لَيْسَ بِشَرِيفٍ هَلْ هُوَ شَرِيفٌ أَمْ لَا ،

فَأَفْتَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ الْمَدْعُوُّ بِنَاصِرِ الدِّينِ مِنْ فُقَهَاءِ بِجَايَةَ بِثُبُوتِ شَرَفِهِ وَتَبِعَهُ جُلُّ أَهْلِ بَلَدِهِ .
وَأَفْتَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ قَاضِي بَلَدِنَا تُونُسَ بِعَدَمِهِ ، وَسَمِعْت شَيْخَنَا ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ يُصَرِّحُ بِتَخْطِئَةِ مُثَبِّتِهِ مُتَمَسِّكًا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ هُوَ لِأَبِيهِ لَا لِأُمِّهِ ، وَقَالَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِيته مِنْ الْفَاسِقِينَ ، وَقَالَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ بَعْدَ عِتْقِهِ وَإِسْلَامِهِ شَرِيفَةً أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ مِنْهَا شَرِيفًا ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُنْصِفٌ أَوْ مُسْلِمٌ أَنَا أَشُكُّ وَأَلَّفَ الْفَرِيقَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَأَقْوَى مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ تَمَسُّكُهُمْ بِمَا تَمَسَّكَ بِهِ ابْنُ الْعَطَّارِ ، وَبِأَنَّ أَصْلَ الشَّرَفِ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، وَهَذَا بِنِسْبَةِ الْأُمُومَةِ لَا بِنِسْبَةِ الْأُبُوَّةِ .
قُلْت : وَالْحَقُّ أَنَّ ابْنَ الشَّرِيفَةِ لَهُ شَرَفٌ مَا عَنْ مَنْزِلَةٍ مَنْ أُمُّهُ لَيْسَتْ بِشَرِيفَةٍ لَا الشَّرَفُ الْعُرْفِيُّ ، وَتَمَسُّكُهُمْ بِمَا تَمَسَّكَ بِهِ ابْنُ الْعَطَّارِ يُرَدُّ بِمَا تَقَدَّمَ ، وَتَمَسُّكُهُمْ بِالْقِيَاسِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ إلَى فَاطِمَةَ بِجَامِعِ أَنَّهُ شَرَفٌ ثَبَتَ لِوِلَادَةِ الْأُمِّ يُرَدُّ بِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ فِيمَنْ ثَبَتَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهَا بِنِسْبَةِ الْأُبُوَّةِ ، فَكَانَ هَذَا الشَّرَفُ الثَّابِتُ فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ ثَابِتًا بِالنِّسْبَةِ إلَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا الثَّابِتَةِ النِّسْبَةِ إلَيْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ ، فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ فِي الْمَقِيسِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِيهِ ؛ بِالنِّسْبَةِ إلَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ لَا إلَى الْأَبِ ، وَهَذِهِ النِّسْبَةُ الثَّابِتَةُ فِي الْمَقِيسِ أَضْعَفُ مِنْ النِّسْبَةِ الثَّابِتَةِ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ وَهِيَ فَاطِمَةُ رَضِيَ

اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ ، وَهُوَ أَبُو الْوَلَدِ الْمُتَكَلَّمِ فِي شَرَفِهِ .
الثَّابِتُ نَسَبُ أَبِيهِ لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ وَهِيَ فِي الْمَقِيسِ ثَابِتَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ ، وَهِيَ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ أَيْضًا ، وَهِيَ أُمُّ الْوَالِدِ الْمُتَكَلَّمِ فِي شَرَفِهِ فَهِيَ فِي الْأَصْلِ أَقْوَى ، وَفِي الْمَقِيسِ أَضْعَفُ وَذَلِكَ فَرْقٌ وَاضِحٌ يَقْدَحُ فِي الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ ، وَيُؤَكِّدُ صِحَّةَ هَذَا الْفَرْقِ اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا عَلِمْت فِي بَابِ التَّرْجِيحِ عَلَى أَنَّ نَتِيجَةَ الدَّلِيلِ الَّذِي إحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ ظَنِّيَّةٌ وَالْأُخْرَى قَطْعِيَّةٌ أَرْجَحُ مِنْ نَتِيجَةِ الدَّلِيلِ الَّذِي مُقَدِّمَتَاهُ مَعًا ظَنِّيَّتَانِ .
ا هـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ .
( وَ ) تَنَاوَلَ ( وَلَدَ فُلَانٍ ) أَيْ زَيْدٍ مَثَلًا ( وَفُلَانَةَ ) أَيْ هِنْدٍ مَثَلًا ، فَسَمَّى الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ ، ثُمَّ قَالَ : وَأَوْلَادُهُمْ فَيَتَنَاوَلُ الْحَافِدَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ لِعَوْدِ ضَمِيرِ أَوْلَادِهِمْ إلَى الْأَوْلَادِ ، وَالْحَافِدُ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَخَطَّأَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ ابْنِ زَرْبٍ لَا يَدْخُلُ الْحَافِدُ فِيمَا ذُكِرَ .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ حَبَّسَتْ عَلَى أَوْلَادِي وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ فَإِنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ زَرْبٍ فَهُوَ خَطَأٌ " غ " فَأَوْلَادُهُمْ مُقَدَّرَةٌ فِي هَذِهِ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ فِيمَا يَلِيهَا .

أَوْ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَأَوْلَادُهُمْ الْحَافِدَ ، لَا نَسْلِي وَعَقِبِي ، وَوَلَدِي ، وَوَلَدِ وَلَدِي ، وَأَوْلَادِي ، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي ، وَبَنِي وَبَنِي بَنِيَّ ، وَفِي عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِهِمْ ، قَوْلَانِ وَالْإِخْوَةُ الْأُنْثَى ، وَرِجَالُ إخْوَتِي ، وَنِسَاؤُهُمْ الصَّغِيرَ وَبَنِي أَبِي إخْوَتَهُ الذُّكُورَ ، وَأَوْلَادَهُمْ ، وَآلِي ؛ وَأَهْلِي الْعَصَبَةَ ، وَمَنْ لَوْ رُجِّلَتْ عَصَّبَتْ وَأَقَارِبِي أَقَارِبَ جِهَتَيْهِ مُطْلَقًا ؛ وَإِنْ نَصْرَى ، وَمَوَالِيهِ الْمُعْتَقَ ، وَوَلَدَهُ وَمُعْتَقَ أَبِيهِ وَابْنِهِ ؛ وَقَوْمُهُ عَصَبَتُهُ فَقَطْ ، وَطِفْلٌ وَصَبِيٌّ ، وَصَغِيرٌ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ ، وَشَابٌّ ، وَحَدَثٌ لِلْأَرْبَعَيْنِ ، وَإِلَّا ، فَكَهْلٌ لِلسِّتِّينَ ، وَإِلَّا فَشَيْخٌ وَشَمِلَ الْأُنْثَى كَالْأَرْمَلِ .

( أَوْ ) وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِي ( الذُّكُورُ وَ الْإِنَاثُ ) بِدُونِ ذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ ( وَأَوْلَادُهُمْ ) يَتَنَاوَلُ ( الْحَافِدَ ) بِإِهْمَالِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ ، أَيْ وَلَدِ الْبِنْتِ مَفْعُولُ تَنَاوَلَ حَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ قَالَ حَبَّسَتْ عَلَى أَوْلَادِي ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ ، وَعَلَى أَعْقَابِهِمْ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ فِي هَذَا كَمَا لَوْ سَمَّى .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لَوْ كَرَّرَ التَّعْقِيبَ لَدَخَلَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي انْتَهَى إلَيْهَا الْمُحَبِّسُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشُّيُوخُ ، ثُمَّ اسْتَظْهَرَهُ وَقَالَ : إنَّهُ الْمَعْمُولُ بِهِ ، وَتَبِعَهُ أَبُو الْحَسَنِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَهُ فِي الْمِعْيَارِ فِي جَوَابِ ابْنِ عِلَالٍ بَعْضُهُمْ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ بِدُخُولِهِ وَإِنْ سَفُلَ ، لَكِنْ فِي جَوَابِ الْوَانْغِيلِيِّ فِي الْمِعْيَارِ حِكَايَةَ قَوْلِ بِدُخُولِ وَلَدِ الْبَنَاتِ وَإِنْ سَفَلُوا ، وَبَعْدِ قَعَدِهِمْ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَالَ حَبَّسَتْ عَلَى أَوْلَادِي ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَوَلَدُهُ بِمَنْزِلَتِهِ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا أَرَى لِوَلَدِ الْبَنَاتِ شَيْئًا ، لَكِنْ فِي الْمِعْيَارِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ اعْتِرَاضُ مَا لِابْنِ الْمَوَّازِ فَانْظُرْهُ .
( لَا ) يَتَنَاوَلُ ( نَسْلِي ) فِي قَوْلِهِ وَقَفْت عَلَى نَسْلِي الْحَافِدِ ، وَيَتَنَاوَلُ أَوْلَادَهُ الذُّكُورَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يَنْتَسِبُ لِلْوَاقِفِ بِامْرَأَةٍ ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِنْتَهُ أَوْ بِنْتَ ابْنِهِ ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحَبَّسِ أُنْثَى فَلَا يَشْمَلُهُ لَفْظُ

النَّسْلِ وَلَا الْعَقِبِ وَلَا الْوَلَدِ " ق " ابْنُ الْعَطَّارِ النَّسْلُ كَالْوَلَدِ ، وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَفِي الذُّرِّيَّةِ وَاحِدًا ( وَ ) لَا يَتَنَاوَلُ ( عَقِبِي ) الْحَافِدِ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ لَفْظِ الْعَقِبِ وَالْوَلَدِ فِي الْمَعْنَى ( وَ ) لَا يَتَنَاوَلُ ( وَلَدِي ) الْحَافِدَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ الْمُحَبِّسُ : حَبَّسَتْ عَلَى وَلَدِي أَوْ عَلَى أَوْلَادِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْحَبْسُ عَلَى أَوْلَادِ بَنِيهِ الذُّكْرَانِ وَالْإِنَاثِ ، وَعَلَى أَوْلَادِ بَنِيهِ الذُّكْرَانِ دُونَ الْإِنَاثِ ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ لَا مِيرَاثَ لَهُمْ ( وَ ) لَا يَتَنَاوَلُ ( وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي ) الْحَافِدِ .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ حَبَّسَتْ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي أَوْ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الشُّيُوخِ إلَى أَنَّ وَلَدَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ فِيهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى .
وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ وَلَدِ الْوَلَدِ لَا يَتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ وَلَدَ الْبَنَاتِ ، وَلِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمَسْمُوعَةَ إنَّمَا هِيَ عِبَارَةٌ عَمَّا فِي النُّفُوسِ فَإِذَا عَبَّرَ الْمُحَبِّسُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ مِنْ إرَادَتِهِ بِلَفْظٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ نَصَّ عَلَى إدْخَالِ وَلَدِ بَنَاتِهِ فِي حَبْسِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْهُ وَقَفَتَا عِنْدَهُ ، وَلَمْ يَصِحَّ لَنَا مُخَالَفَةُ نَصِّهِ ، وَإِذَا عَبَّرَ عَمَّا فِي نَفْسِهِ بِعِبَارَةٍ مُحْتَمِلَةٍ لِلْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَجَبَ أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا أَنَّهُ أَرَادَهُ مِنْ مُحْتَمِلَاتِ لَفْظِهِ بِمَا يُعْلَمُ مِنْ قَصْدِهِ ؛ لِأَنَّ عُمُومَ أَلْفَاظِ النَّاسِ لَا تُحْمَلُ إلَّا عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ قَصْدِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ ، إذْ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى الْعِلْمِ بِإِرَادَةِ

الْمُحَبِّسِ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ ، فَإِذَا صَحَّ هَذَا الْأَصْلُ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ بِإِطْلَاقِهِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى ، فَوَجَبَ أَنْ يُخَصَّصَ بِهَذَا عُمُومُ لَفْظِ الْمُحَبِّسِ ، كَمَا يُخَصَّصُ عُمُومُ لَفْظِ الْحَالِفِ بِمَا يُعْلَمُ مِنْ مَقَاصِدِ النَّاسِ فِي أَيْمَانِهِمْ وَعُرْفِ كَلَامِهِمْ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ عَدَمُ دُخُولِ الْحَافِدِ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَرَجَّحَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ ، لَكِنْ اُنْظُرْهُ مَعَ مَا لِأَبِي الْحَسَنِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ لِلْإِجْمَاعِ أَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي قَوْله تَعَالَى { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } .
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَا نَصُّهُ : قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ وَمَنْ قَالَ حَبَّسَ عَلَى وَلَدِي وَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي .
الشَّيْخُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي ، فَإِنَّ وَلَدَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ ، وَكَذَلِكَ كُلَّمَا زَادَ دَرَجَةً يَدْخُلُونَ إلَى حَيْثُ انْتَهَى الْمُحَبِّسُ ا هـ .
وَنَقَلَهُ " غ فِي تَكْمِيلِهِ ، وَقَالَ عَقِبَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا .
ا هـ .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا رَجَّحَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ .
( وَ ) لَا يَتَنَاوَلُ ( أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي ) الْحَافِدَ تت لَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى بَيَانِ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ ، وَهَذَا اللَّفْظُ غَيْرَ الَّذِي قَبْلَهُ ( وَ ) لَا يَتَنَاوَلُ ( بَنِيَّ وَبَنِي بَنِيَّ ) الْحَافِدَ .
الْبَاجِيَّ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا لَفْظُ الْبَنِينَ فِي قَوْلِهِ حَبَّسَتْ عَلَى بَنِيَّ أَوْ عَلَى بَنِيَّ

وَبَنِيهِمْ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي لَفْظِ الْوَلَدِ وَالْعَقِبِ .
( وَفِي ) تَنَاوُلِ ( وَلَدِي وَوَلَدِهِمْ ) الْحَافِدَ ، وَبِهِ أَفْتَى أَهْلُ قُرْطُبَةَ وَقَضَى بِهِ ابْنُ السَّلِيمِ وَعَدَمُ تَنَاوُلِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ( قَوْلَانِ ) " غ " هَذَا تَصْرِيحٌ بِالْخِلَافِ الَّذِي لَوَّحَ لَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَوَلَدِي وَوَلَدِهِمْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَعَلَيْك بِالْمُقَدِّمَاتِ قِ " ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ حَبَّسَتْ عَلَى وَلَدِي وَأَوْلَادِهِمْ فَرَوَى ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ لَا يَدْخُلُ الْبَنَاتُ فِي الْحَبْسِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَدُخُولُهُمْ أَبْيَنُ .
بَعْضُهُمْ لَعَلَّهُمْ اعْتَمَدُوا فِي هَذَا عَلَى عُرْفٍ تَقَرَّرَ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا لِابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ ، وَلِذَا يَصْعُبُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا .
( وَ ) تَنَاوَلَ ( الْإِخْوَةَ ) فِي قَوْلِهِ وَقْفٌ عَلَى إخْوَتِي ( الْأُنْثَى ) مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانُوا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } ، وَقَدْ أَجْرَى الْإِنَاثَ فِي الْحَجْبِ مَجْرَى الذُّكُورِ وَابْنُ شَعْبَانَ لَفْظُ إخْوَتِي يَشْمَلُ إخْوَتَهُ ، وَلَوْ لِأُمٍّ فَقَطْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ ( وَ ) تَنَاوَلَ ( رِجَالُ إخْوَتِي وَنِسَاؤُهُمْ الصَّغِيرَ ) وَالصَّغِيرَةَ ، قَالَ اللَّهُ { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } ابْنُ شَعْبَانَ وَلَفْظُ رِجَالُ إخْوَتِي وَنِسَاؤُهُمْ يَشْمَلُ أَطْفَالَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ ( وَ ) تَنَاوَلَ ( بَنُو أَبِي إخْوَتِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ أَشِقَّاءً أَوْ لِأَبٍ ( وَأَوْلَادُهُمْ ) أَيْ الذُّكُورِ خَاصَّةً .
ابْنُ شَعْبَانَ لَفْظُ بَنِي أَبِي يَشْمَلُ إخْوَتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَتَهُ لِأَبِيهِ فَقَطْ وَمَنْ كَانَ ذَكَرًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ خَاصَّةً مَعَ ذُكُورِ وَلَدِهِ .
ابْنُ شَاسٍ هَذَا يُشْعِرُ أَنَّهُ لَا يَرَى دُخُولَ الْإِنَاثِ تَحْتَ بَنِيَّ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ فِي لَفْظِ الْبَنِينَ .
الْحَطّ قَوْلُهُ وَأَوْلَادُهُمْ أَيْ الذُّكُورُ

كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَوْ قَالَ عَلَى بَنِي أَبِي دَخَلَ فِيهِ إخْوَتُهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَتُهُ لِأَبِيهِ وَمَنْ كَانَ ذَكَرًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ خَاصَّةً مَعَ ذُكُورِ وَلَدِهِ ( وَ ) تَنَاوَلَ ( آلِي ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ مَمْدُودًا وَكَسْرِ اللَّامِ ( وَ ) تَنَاوَلَ ( أَهْلِي الْعَصَبَةَ ) فَيَدْخُلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ ، وَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا ، وَالْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا وَالْأَعْمَامُ وَبَنُوهُمْ ( وَمَنْ ) أَيْ امْرَأَةٌ ( لَوْ رُجِّلَتْ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُثَقَّلَةً أَيْ فُرِضَتْ رَجُلًا ( عَصَّبَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ كَانَ عَاصِبًا كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُمٍّ وَجَدَّةِ أَبٍ وَعَمَّةٍ وَبِنْتِ أَخٍ وَبِنْتِ عَمٍّ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظُ آلِي وَأَهْلِي .
الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْآلُ وَالْأَهْلُ سَوَاءٌ هُمْ الْعَصَبَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْعَمَّاتُ لَا الْخَالَاتُ .
الْبَاجِيَّ أَرَادَ الْعَصَبَةَ وَمَنْ فِي قَعَدِهِمْ مِنْ النِّسَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَتَدْخُلُ بَنَاتُ الْعَمِّ ( وَ ) تَنَاوَلَ ( أَقَارِبِي أَقَارِبَ جِهَتَيْهِ ) أَيْ جِهَةِ أَبِيهِ وَجِهَةِ أُمِّهِ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِذُكُورَةٍ أَوْ أُنُوثَةٍ فَيَتَنَاوَلُ الْعَمَّاتِ وَبَنَاتِهِنَّ وَالْخَالَاتِ وَبَنَاتِهِنَّ وَالْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِهِنَّ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ إنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانُوا ( نَصْرَى ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ، أَيْ نَصَارَى أَوْ يَهُودًا أَوْ مَجُوسًا ذِمِّيِّينَ .
فِي نُسْخَةٍ " غ " وَإِنْ قَصَوْا بِفَتْحِ الْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ بَعُدُوا ، قَالَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ نَصَارَى أَيْ ذِمِّيِّينَ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ هُنَا ، وَهُوَ سَفَرٌ .
" ع " عَلَى جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ ، إذْ قَالَ كَمَنْ سَيُولَدُ وَذِمِّيٌّ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَعْرِفْ فِيهَا نَصًّا لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْأَظْهَرُ جَرْيُهَا عَلَى حُكْمِ

الْوَصِيَّةِ لَهُ ، فَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَرَاهَةُ الْوَصِيَّةِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُجِيزُهَا .
ا هـ .
وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَنْ حَبَّسَ عَلَى مَسَاكِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَازَ .
" ق " رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ قُسِمَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِالِاجْتِهَادِ .
مُحَمَّدٌ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ وَقَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى ، وَيُنْظَرُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى وَيَتْرُكُ ، فَرُبَّمَا لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَ وَلَدِ الْبَنَاتِ وَوَلَدِ الْخَالَاتِ ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ فَيُعْطَوْا حِينَئِذٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَدْخُلُ الْخَالُ وَالْخَالَةُ وَلَا قَرَابَتُهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ .
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ اُخْتُلِفَ إذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ أَوْ وَلَدِ قَرَابَتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ قَرَابَتُهُ لِأُمِّهِ بِحَالٍ ، وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ بِكُلِّ حَالٍ .
ابْنُ حَبِيبٍ ، وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَجْمَعِينَ .
وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يَدْخُلُونَ فِي عَدَمِ قَرَابَتِهِ مِنْ الرِّجَالِ .
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَ أَوْصَى قُرَابَةٌ إلَّا مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَكُونُ لَهُمْ .
ا هـ .
وَنَقَلَهَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُعِينِ ، وَظَاهِرُ الْعَزْوِ تَرْجِيحُ الثَّانِي الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَسَقَطَ تَوَرُّكُ " ق " عَلَيْهِ ، لَكِنْ دَرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، إذْ قَالَ وَفِي الْأَقَارِبِ أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ لِأَبٍ .
تت لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ أَيْ نَصْرَى وَاَلَّذِي فِي الصِّحَاحِ وَالنَّصَارَى جَمْعُ نَصْرَانَ وَنَصْرَانَةَ

كَالنَّدَامَى جَمْعُ نَدْمَانَ وَنَدْمَانَةَ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَكِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ نَصْرَانُ إلَّا بِيَاءِ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ وَامْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ .
ا هـ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ نَصْرَى لُغَةٌ فِي النَّصَارَى وَإِنْ كَانَتْ رَدِيئَةً .
( وَ ) تَنَاوَلَ ( مَوَالِيَهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مَوْلًى ( الْمُعْتَقَ ) بِفَتْحِ التَّاءِ الَّذِي بَاشَرَ الْوَاقِفُ عِتْقَهُ ( وَوَلَدَهُ ) أَيْ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ ( وَمُعْتَقَ ) بِفَتْحِ التَّاءِ ( أَبِيهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ ( وَ ) مُعْتَقَ ( ابْنِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ ، فِيهَا مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِمَوَالِي فُلَانٍ وَلَهُ مَوَالٍ أَنْعَمُوا عَلَيْهِ وَمَوَالٍ أَنْعَمَ هُوَ عَلَيْهِ كَانَ لِمَوَالِيهِ الْأَسْفَلِينَ دُونَ الْأَعْلَيْنَ .
الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَمَوَالٍ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَمَوَالٍ مِنْ قَبْلِ قَرَابَتِهِ يُوَارِثُونَه فَلْيَبْدَأْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ، وَفِيهِ وَيُعْطَى الْآخَرِينَ مِنْهُ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ سَعَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْأَبْعَدِ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْ الْأَقْرَبِ فَيُؤْثِرُونَ عَلَيْهِ وَيَبْدَأُ بِأَهْلِ الْحَاجَةِ أَبَاعِدَ أَوْ غَيْرَهُمْ ، وَمَا فِي ذَلِكَ أَمْرٌ بَيِّنٌ غَيْرُ مَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ وَيَرَى أَنَّهُ رَآهُ .
ابْنُ شَاسٍ : لَفْظُ الْمَوَالِي يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثِ ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي الْحَبْسِ فَرُوِيَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُمْ مَوَالِي أَبِيهِ وَمَوَالِي ابْنِهِ وَمَوَالِي الْمَوَالِي ( وَ ) تَنَاوَلَ ( قَوْمُهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ ( عَصَبَتَهُ فَقَطْ ) أَيْ لَا مَنْ لَوْ رُجِّلَتْ عَصَّبَ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظُ الْقَوْمِ قَبِلَ الْبَاجِيَّ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ هُوَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ الْعَصَبَةِ دُونَ النِّسَاءِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ } { وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ } وَقَوْلُ زُهَيْرٍ .
أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ ( وَ ) تَنَاوَلَ ( طِفْلٌ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ ( وَصَبِيٌّ وَصَغِيرٌ مَنْ ) أَيْ شَخْصًا (

لَمْ يَبْلُغْ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ الْحُلُمَ وَلَا الْمَحِيضَ .
ابْنُ شَعْبَانَ لَوْ قَالَ أَطْفَالُ أَهْلِي تَنَاوَلَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَلَا الْمَحِيضَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَى صِبْيَانِهِمْ أَوْ صِغَارِهِمْ .
( وَ ) تَنَاوَلَ ( شَابٌّ وَحَدَثٌ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَيْنِ فَمُثَلَّثَةٌ مَنْ بَلَغَ مُنْتَهِيًا ( لِلْأَرْبَعَيْنِ ) سَنَةً ، وَهَلْ بِدُخُولِهِ فِيهَا أَوْ بِكَمَالِهَا تَقْرِيرَانِ لِابْنِ عَرَفَةَ وَالْمُتَيْطِيِّ .
ابْنُ شَعْبَانَ لَوْ قَالَ عَلَى شَبَابِهِمْ أَوْ عَلَى أَحْدَاثِهِمْ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَكْمُلَ أَرْبَعِينَ عَامًا ( وَإِلَّا ) يَكُنْ فِي سِنٍّ مِمَّا سَبَقَ بِأَنْ تَجَاوَزَ سِنُّهُ الْأَرْبَعِينَ ( فَ ) هُوَ ( كَهْلٌ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْهَاءِ ( لِلسِّتِّينَ ) عَامًا ( وَإِلَّا ) يَكُنْ ابْنَ سِتِّينَ بِأَنْ تَجَاوَزَهَا ( فَ ) هُوَ ( شَيْخٌ ) إلَى مُنْتَهَى عُمُرِهِ ( وَشَمِلَ ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ طِفْلٍ وَمَا بَعْدَهُ ( الْأُنْثَى ) وَشَبَّهَ فِي شُمُولِ الْأُنْثَى فَقَالَ ( كَ ) لَفْظِ ( الْأَرْمَلِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ آخِرُهُ لَامٌ .
ابْنُ شَعْبَانَ لَوْ قَالَ عَلَى كُهُولِهِمْ كَانَ لِمَنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ إلَى أَنْ يَكْمُلُ السِّتِّينَ ، وَلَوْ قَالَ عَلَى شُيُوخِهِمْ كَانَ لِمَنْ جَاوَزَ السِّتِّينَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ، وَلَوْ قَالَ لِأَرَامِلِهِمْ لَكَانَ لِلرَّجُلِ الْأَرْمَلِ كَالْمَرْأَةِ الْأَرْمَلَةِ ، لِقَوْلِ الْحُطَيْئَةِ فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّاهِدُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ لِجَرِيرٍ .

وَالْمِلْكُ لِلْوَاقِفِ ، لَا الْغَلَّةُ ، فَلَهُ وَلِوَارِثِهِ ؛ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ إصْلَاحَهُ

( وَالْمِلْكُ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ بَاقٍ ( لِلْوَاقِفِ ) ابْنُ عَرَفَةَ صَرَّحَ الْبَاجِيَّ بِبَقَاءِ مِلْكِ الْمُحَبِّسِ عَلَى حَبْسِهِ ، وَهُوَ لَازِمُ تَزْكِيَةِ حَوَائِطِ الْأَحْبَاسِ عَلَى مِلْكِ مُحَبِّسِهَا .
وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ آخِرُ الشُّفْعَةِ التَّحْبِيسُ بِسَقْطِ الْمِلْكِ غَلَطٌ .
ا هـ .
وَفِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَبَّسَ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَوَكَّلَ عَلَيْهِ مَنْ حَازَهُ لَهُمْ وَأَكْرَاهُ فَقَالَ الْكِبَارُ : نَحْنُ نَحُوزُهُ لِأَنْفُسِنَا ، فَقَالَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ ، وَهُوَ عَلَى مَا وَضَعَهُ عَلَيْهِ .
ابْنُ رُشْدٍ .
هَذَا كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ الَّتِي هِيَ مِلْكٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يَصِحُّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ كَبِيرًا ، وَإِنَّمَا يَغْتَلُّهُ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ عَلَى مِلْكِ مُحَبِّسِهِ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَيْهِ مَنْ يَحُوزُهُ لِلْكَبِيرِ وَيُجْرِي عَلَيْهِ غَلَّتَهُ ، وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَلَا كَلَامَ لِلْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ فِيهِ .
ا هـ .
وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ ، وَأَمَّا هِيَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ مِلْكَ مُحَبِّسِهَا قَدْ ارْتَفَعَ عَنْهَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي حَبْسِ الذَّخِيرَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالسَّبْعِينَ مِنْ قَوَاعِدِهِ ، وَنَصُّهُ هَلْ يَفْتَقِرُ الْوَقْفُ إلَى الْقَبُولِ أَمْ لَا ؟ فِيهِ خِلَافٌ ، وَمَنْشَؤُهُ هَلْ أَسْقَطَ الْوَاقِفُ حَقَّهُ مِنْ مَنَافِعِ الْمَوْقُوفِ كَالْعِتْقِ فَلَا يَفْتَقِرُ لِلْقَبُولِ أَوْ مِلْكِ مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَيَفْتَقِرُ لِلْقَبُولِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا .
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لِتَعَذُّرِهِ هَذَا فِي مَنَافِعِ الْمَوْقُوفِ أَمَّا مِلْكُهُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَسْقُطُ أَوْ هُوَ بَاقٍ لِلْوَاقِفِ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا " رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ " أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي ثَمَرِ الْحَائِطِ الْمَوْقُوفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ نَحْوَ الْفُقَرَاءِ إذَا كَانَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ، ثُمَّ يُفَرَّقُ الْبَاقِي عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِالِاجْتِهَادِ ، وَأَمَّا ثَمَرُ الْحَائِطِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَيُفَرَّقُ عَلَيْهِمْ مَنْ نَابَهُ نِصَابُ زَكَاةٍ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسَاجِدِ أَنَّ وَقْفَهَا إسْقَاطُ مِلْكٍ كَالْعِتْقِ فَلَا مِلْكَ لِمَخْلُوقٍ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ) وَلِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا وَهِيَ لَا تُقَامُ فِي مَمْلُوكٍ لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مِنْ أَنَّهَا لَا يُصَلِّيهَا أَرْبَابُ الْحَوَانِيتِ فِيهَا لِمِلْكِهَا وَحَجْرِهَا ، فَلَا يَجْرِي فِي الْمَسَاجِدِ الْقَوْلَانِ ا هـ .
وَقَبِلَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ السِّبْتِيُّ جَمِيعَهُ ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَسْجِدٍ بَيْنَ قَوْمٍ فَتَنَازَعُوا فِيهِ وَقَسَّمُوهُ بَيْنَهُمْ بِحَائِطٍ وَسَطَهُ أَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنُهُمْ وَاحِدًا ، وَكَذَا إمَامُهُمْ فَقَالَ : لَيْسَ لَهُمْ قِسْمَةٌ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانُوا بَنُوهُ جَمِيعًا وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلَهُ وَلَا يَجْزِيهِمْ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ وَلَا إمَامٌ وَاحِدٌ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ قَدْ ارْتَفَعَ عَنْهُ حِينَ سَلَبُوهُ ، فَإِنْ قَسَّمُوهُ ، فَلَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِمَامِ إنْ فَصَلُوا بَيْنَهُمَا بِحَاجِزٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ .
وَفِي قَوَاعِدِ الْمُقِرِّي وَقْفُ الْمَسَاجِدِ إسْقَاطُ مِلْكٍ إجْمَاعًا ، وَفِي وَقْفِ غَيْرِهَا قَوْلَانِ بِنَقْلٍ وَإِسْقَاطٍ أَفَادَهُ " غ " .
الْحَطّ هَذَا خِلَافُ مَا حَكَاهُ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَبْسِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مُحَبِّسِهَا أَيْضًا ، وَنَصُّهُ فِي أَثْنَاءِ التَّرْجَمَةِ الْأُولَى فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى جَوَازِ التَّحْبِيسِ وَالرَّدِّ عَلَى شُرَيْحٍ : الْقَاتِلُ لَا

حَبْسَ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَبَقَاءُ إحْبَاسِ السَّلَفِ دَائِرَةٌ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا وَمِيرَاثِهَا ، وَالْمَسَاجِدُ وَالْأَحْبَاسُ لَمْ يُخْرِجْهَا مَالِكُهَا إلَى مِلْكِ أَحَدٍ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ ، وَأَوْجَبَ تَسْبِيلَ مَنَافِعِهَا إلَى مَنْ حُبِّسَتْ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا يَعْقِدُ فِي الْعَبْدِ الْكِتَابَةَ وَالْإِجَارَةَ وَالْإِسْكَانَ ، وَأَصْلُ الْمِلْكِ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَلُّ شَيْءٍ مِمَّا أَوْجَبَ فِي الْمَرَافِقِ ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ بَاقِيًا عَلَيْهِ .
ا هـ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( لَا ) عَاطِفَةٌ عَلَى الْمِلْكِ وَمَعْطُوفُهَا ( الْغَلَّةُ ) النَّاشِئَةُ مِنْ الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ فَلَيْسَتْ لِوَاقِفِهِ ، بَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ .
ابْنُ شَاسٍ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْغَلَّةَ وَالثَّمَرَةَ وَاللَّبَنَ وَالصُّوفَ وَالْوَبَرَ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَوْقُوفِ ، وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِ الْمِلْكِ لِلْوَاقِفِ فَقَالَ ( فَلَهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ ( وَلِوَارِثِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ الَّذِي انْتَقَلَ لَهُ مِلْكُ الْوَقْفِ دُونَ مَنَافِعِهِ ( مَنْعُ مَنْ ) أَيْ شَخْصٍ ( يُرِيدُ إصْلَاحَهُ ) أَيْ الْوَقْفَ الْمُحْتَاجَ لِلْإِصْلَاحِ .
" غ " بِهَذَا قَطَعَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَعْبَانَ ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْحَبْسَ مَمْلُوكٌ لِمُحَبِّسِهِ وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ مَالِكِهِ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِدُونِ إذْنِ مَالِكِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْجَارِي عِنْدِي فِي هَذَا عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ التَّفْصِيلُ بِأَنَّ خَرَابَهُ إنْ كَانَ لِحَادِثٍ نَزَلَ بِهِ دَفْعَةً كَوَابِلِ مَطَرٍ أَوْ شِدَّةِ رِيحٍ أَوْ صَاعِقَةٍ ، فَالْحُكْمُ كَمَا قَالُوا ، وَإِنْ كَانَ يَتَوَالَى عَدَمَ إصْلَاحِ مَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ انْهِدَامِ شَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ يَسْتَعْلِ بَاقِيهِ كَحَالِ بَعْضِ أَهْلِ وَقْتِنَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ يَأْخُذُونَ غَلَّتَهَا وَيَدَّعُونَ إصْلَاحَهَا حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهَا غَلَّتَهَا وَيَدَّعُونَ إصْلَاحَهَا حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهَا الْخَرَابُ الَّذِي يُذْهِبُ كُلَّ مَنْفَعَتِهَا أَوْ جُلَّهَا ، فَهَذَا

الْوَاجِبُ فِيهِ تَمْكِينُ مَنْ تَطَوَّعَ بِإِصْلَاحِهِ مِنْهُ ، وَلَا يُقَالُ بِمَنْعِهِ لِمُحَبِّسِهِ وَلَا لِوَارِثِهِ ؛ لِأَنَّ مُصْلِحَهُ قَامَ بِأَدَاءِ حَقٍّ عَنْهُ لِعَجْزِهِ عَنْ أَدَائِهِ أَوْ لَدَدِهِ .

وَلَا يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ لِزِيَادَةٍ
( وَ ) إنْ أَكْرَى الْوَقْفَ نَاظِرُهُ بِكِرَاءٍ لَا غَبْنَ فِيهِ عَلَى الْوَقْفِ ثُمَّ وُجِدَ مَنْ يَزِيدُ فِي كِرَائِهِ فَ ( لَا يُفْسَخُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ ( كِرَاؤُهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ( لِزِيَادَةٍ ) أَرَادَهَا غَيْرُ مُكْتَرِيهِ .
" غ " أَرَادَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الْغَبْنُ .
ابْنُ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ إنْ أَكْرَى نَاظِرُ الْحَبْسِ عَلَى يَدِ الْقَاضِي رُبُعَ الْحَبْسِ بَعْدَ النِّدَاءِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِقْصَاءِ جَاءَتْ زِيَادَةٌ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْكِرَاءِ وَلَا قَبُولُ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ فِي الْكِرَاءِ غَبْنًا عَلَى الْحَبْسِ فَتُقْبَلُ الزِّيَادَةُ وَلَوْ مِمَّنْ كَانَ حَاضِرًا ، وَكَذَا الْوَصِيُّ فِي مُؤَاجَرَةِ يَتِيمِهِ وَكِرَاءِ رَبْعِهِ ، ثُمَّ يَجِدُ زِيَادَةً فَلَا تُنْقَضُ الْإِجَارَةُ بِلَا ثُبُوتِ غَبْنٍ إنْ فَاتَ وَقْتُ كِرَائِهَا ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ نُقِضَ الْكِرَاءُ وَأُخِذَتْ الزِّيَادَةُ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ أَوَّلِ كَلَامِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ ، وَلَوْ لَمْ يَفُتْ الْإِبَّانُ ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَالثَّانِي أَحْوَطُ .

وَلَا يُقْسَمُ إلَّا مَاضٍ زَمَنُهُ .
( وَلَا يُقْسَمُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ مِنْ كِرَاءِ الْوَقْفِ ( إلَّا ) كِرَاءٍ ( مَاضٍ زَمَنُهُ ) ؛ لِأَنَّ قَسْمَ مَا لَا يَمْضِ زَمَنُهُ يُؤَدِّي إلَى إعْطَاءِ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مَجِيءِ زَمَانِهِ وَحِرْمَانِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِوِلَادَتِهِ أَوْ قُدُومِهِ بَعْدَ قَسْمِهِ فِي زَمَنِهِ .
ابْنُ شَاسٍ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّدَقَةِ أَنْ يُكْرِيَهَا بِنَقْدٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَضَعُ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ لَا يُقْسَمُ الْكِرَاءُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ كَمَالِ سُكْنَى الْمُكْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْسَمُ عَلَى مَنْ حَضَرَ يَوْمَ الْقِسْمَةِ ، فَمَنْ وُلِدَ قَبْلَهَا ثَبَتَ حَقُّهُ ، وَمَنْ مَاتَ بَعْدَهَا ، وَقَبْلَ تَمَامِ أَمَدِ السُّكْنَى سَقَطَ حَقُّهُ ، فَإِذَا أَقْسَمَهُ قَبْلَ كَمَالِ أَمَدِ السُّكْنَى فَقَدْ يَمُوتُ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُ وَيُحْرَمُ مَنْ يُولَدُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَيَسْتَمِرُّ حَيًّا إلَى تَمَامِ أَمَدِ السُّكْنَى .
وَنَصُّ ابْنُ عَرَفَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْأَحْبَاسِ لِيُنَفِّذَهَا فِي أَهْلِهَا وَهِيَ مُعَقِّبَةٌ إنَّمَا يُكْرِيهَا السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ الْكِرَاءُ وَلِحَائِزِهَا لِنَفْسِهِ كِرَاؤُهَا الْخَمْسَ وَالسِّتَّ بِالنَّقْدِ وَغَيْرِهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْمُقَدَّمِ فِي كِرَاءِ النَّقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَضَعُ مِنْ الْكِرَاءِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَسْمِهِ قَبْلَ تَمَامِ أَمَدِ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّ الْعَقِبَ مَجْهُولٌ ، وَلَا يَكُونُ الْقَسْمُ إلَّا عَلَى مَنْ حَضَرَ يَوْمَهُ .
فَإِنْ قَسَمَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَعْطَى مِنْ الْغَلَّةِ مَنْ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ وُجُوبِ ذَلِكَ لَهُ .

وَأَكْرَى نَاظِرُهُ ، إنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ ، كَالسَّنَتَيْنِ ، وَلِمَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ كَالْعَشْرِ .

( وَأَكْرَى ) الْوَقْفَ جَوَازًا ( نَاظِرُهُ ) أَيْ الْوَقْفَ لِغَيْرِ مَنْ مَرْجِعُهُ لَهُ ( إنْ كَانَ ) الْوَقْفُ ( عَلَى مُعَيَّنِينَ ) وَمَفْعُولُ أَكْرَى ( كَالسَّنَتَيْنِ ) ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ يَجُوزُ كِرَاءُ مَنْ حُبِّسَ عَلَيْهِ رَبْعٌ مِنْ الْأَعْيَانِ أَوْ الْأَعْقَابِ لِعَامَيْنِ لَا أَكْثَرَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ إجَازَتُهُ لِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، وَبِالرِّوَايَةِ الْأُولَى الْقَضَاءُ .
قُلْت الَّذِي فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عِشْرُونَ ، قَالَ وَالْحَبْسُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَرْضَى وَالْمَسَاكِينِ أَوْ مَسْجِدِ وَقَنْطَرَةٍ يَجُوزُ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ ، وَاسْتَحْسَنَ قَضَاءُ قُرْطُبَةَ كَوْنَهُ لِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ خَوْفَ انْدِرَاسِهِ بِطُولِ مُكْثِهِ بِيَدِ مُكْرِيهِ .
عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْأَحْبَاسِ لِيُنَفِّذَهَا فِي أَهْلِهَا وَهِيَ مُعَقَّبَةٌ إنَّمَا يُكْرِيهَا السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ الْكِرَاءُ وَلِحَائِزِهَا لِنَفْسِهِ كِرَاؤُهَا الْخَمْسَ وَالسِّتَّ ، وَحَدَّثَنِي مَنْ وَثِقْت بِهِ أَنَّ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَكَارَى مَسْكَنَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ، وَهُوَ صَدَقَةٌ عَشْرَ سِنِينَ وَاسْتَكْثَرَهُ الْمُغِيرَةُ وَغَيْرُهُ ، وَلِهَذَا أَنْ يُكْرِيَ بِالنَّقْدِ وَغَيْرِهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْمُقَدَّمِ فِي كِرَاءِ النَّقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَضَعُ مِنْ الْكِرَاءِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قِسْمَةٍ قَبْلَ أَمَدِ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّ الْعَقِبَ مَجْهُولٌ وَلَا يَكُونُ الْقَسْمُ إلَّا عَلَى مَنْ حَضَرَ يَوْمَهُ ، فَإِنْ قَسَمَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَعْطَى مِنْ الْغَلَّةِ مَنْ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ وُجُوبِ ذَلِكَ لَهُ .
( وَ ) أَكْرَاهُ ( لِمَنْ ) أَيْ شَخْصٍ ( مَرْجِعُهُ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٌ ، أَيْ رُجُوعِ الْوَقْفِ ( لَهُ ) عب ، وَلَوْ مِلْكًا فِيمَا يَظْهَرُ ( كَالْعَشْرِ ) سِنِينَ .
ابْنُ شَاسٍ عَبْدُ الْمَلِكِ يُكْرِي مِنْ مَرْجِعِ الرَّقَبَةِ لِآخَرَ بَعْدَهُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ كِرَاءً مِثْلَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ وَالْخَمْسِ ، قَالَ وَقَدْ أَكْرَى مَالِكٌ مَنْزِلَهُ عَشْرَ سِنِينَ ،

وَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَى هَذَا الْحَالِ ، فَإِذَا حَبَّسَ دَارًا عَلَى زَيْدٍ حَيَاتَهُ ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو ، أَيْ ثُمَّ تَكُونُ هِبَةً لِعَمْرٍو فَيَجُوزُ لِزَيْدٍ كِرَاؤُهَا لِعَمْرٍو عَشْرَةَ أَعْوَامٍ ، وَقَيَّدَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ مُدَّةً وَإِلَّا عَمِلَ بِهَا ، وَبِمَا إذَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ لِكِرَائِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ وَإِلَّا جَازَ مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ لَهُ كَمَا وَقَعَ فِي زَمَنِ الْقَاضِي ابْنِ بَادِيسَ بِالْقَيْرَوَانِ أَنَّ دَارًا حَبْسًا عَلَى الْفُقَرَاءِ خَرِبَتْ وَلَمْ يُوجَدْ مَا تُصْلَحُ بِهِ ، فَأَفْتَى بِأَنَّهَا تُكْرَى السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ كَيْفَ تَتَيَسَّرُ بِشَرْطِ إصْلَاحِهَا مِنْ كِرَائِهَا ، وَلَمْ يَسْمَحْ بِبَيْعِهَا ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِنَاظِرِهِ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ أَفَادَهُ الْخَرَشِيُّ وعب .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُقَرِّبِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ مَنْ حُبِّسَتْ عَلَيْهِ دَارٌ وَعَلَى عَقِبِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ جُعِلَ لَهُمْ السُّكْنَى فِيهَا حَيَاتَهُمْ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا بِالنَّقْدِ إلَّا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَهَا سِنِينَ كَثِيرَةً بِكِرَاءٍ مُنَجَّمٍ كُلَّمَا انْقَضَى نَجْمٌ دَفَعَ كِرَاءَهُ ، أَوْ كُلَّمَا دَخَلَ نَجْمٌ قَدَّمَ كِرَاءَهُ إنْ كَانَ النَّجْمُ يَسِيرًا ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَرِوَايَتُهُمَا .
ابْنُ الْعَطَّارِ اسْتَحْسَنَ الِاحْتِيَاطَ فِي الْحَبْسِ بِأَنْ لَا يُكْرَى مِمَّنْ يُجَاوِرُهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُنْقَصُ مِنْهُ وَلَا مِنْ نَائِي قُدْرَةٍ لِغَيْرِ مَا وَجْهٍ .

وَإِنْ بَنَى مُحَبَّسٌ عَلَيْهِ فَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَ وَقْفٌ .
( وَإِنْ بَنَى ) شَخْصٌ ( مُحَبَّسٌ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُثَقَّلَةً ( عَلَيْهِ ) فِي الْحَبْسِ ( فَإِنْ مَاتَ ) الْبَانِي ( وَلَمْ يُبَيِّنْ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا .
الْبَانِي كَوْنَ مَا بَنَاهُ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا ( فَهُوَ ) أَيْ الْمَبْنِيُّ ( وَقْفٌ ) قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، فَلَا شَيْءَ لِوَارِثِهِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ ، وَصَوَّبَهُ أَكْثَرُهُمْ قَالَهُ تت .
" قِ " فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ حَبَّسَ دَارًا عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَبَنَى فِيهَا أَحَدُ الْبَنِينَ وَأَدْخَلَ خَشَبَةً أَوْ أَصْلَحَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَذْكُرْ لِمَا أَدْخَلَ فِي ذَلِكَ ذِكْرًا فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ قَدْ أَوْصَى أَوْ قَالَ هُوَ لِوَرَثَتِي فَذَلِكَ لَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ فِيهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ .
الْمُغِيرَةُ لَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ إلَّا فِيمَا لَهُ بَالَ مِنْ الْمَيَازِبِ وَالسُّتُرِ وَمَا خَطَرَ يُورَثُ عَنْهُ وَيَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ .
عب وَمَفْهُومُ مُحَبَّسٍ أَنَّهُ إنْ بَنَى أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ مُحَبَّسٍ عَلَيْهِ كَانَ مِلْكًا لَهُ كَمَا فِي النَّوَادِر فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ الْمُتَقَدِّمُ إلَّا الْمُحَبَّسَةُ فَالنَّقْضُ وَهَذَا إنْ لَمْ يَحْتَجْ لَهُ الْوَقْفُ وَالْأَوْفَى مِنْ غَلَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ بِنَاءِ النَّاظِرِ وَالْغَرْسِ كَالْبِنَاءِ الْبُنَانِيُّ إنْ بَنَى الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِنَاءِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ إلَّا قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا أَوْ الْإِنْقَاضُ قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ .

وَعَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ ، أَوْ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ ؛ أَوْ عَلَى كَوَلَدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ ، فَضَلَ الْمُوَلِّي أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْعِيَالِ فِي غَلَّةٍ وَسُكْنَى .
( وَ ) إذَا وَقَفَ عَقَارَ الِاغْتِلَالِ أَوْ السُّكْنَى ( عَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِ ) كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُرَابِطِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ ( أَوْ ) عَلَى ( قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ أَوْ ) وَقَفَ ( عَلَى كَوَلَدِهِ ) وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ إخْوَتِهِ أَوْ بَنِي عَمِّهِ ( وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ ) أَيْ الْوَاقِفُ أَوْلَادَهُ ( فَضَّلَ ) فَتْحُ الْفَاءِ وَالضَّادُ الْمُعْجَمَةِ مُثَقَّلَةٌ النَّاظِرُ ( الْمُوَلَّى ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ ، وَاللَّامُ مُثَقَّلَةٌ عَلَى الْوَقْفِ وَمَفْعُولُ فَضَّلَ ( أَهْلَ الْحَاجَةِ ) الشَّدِيدَةِ ( وَ ) أَهْلَ ( الْعِيَالِ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى خَفِيفِ الْحَاجَةِ وَمَنْ لَا عِيَالَ لَهُ أَوْ قَلِيلِهِ ، وَصِلَةُ فَضَّلَ ( فِي غَلَّةٍ وَسُكْنَى ) عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُفَضَّلُ إلَّا بِشَرْطٍ مِنْ الْوَاقِفِ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَسَّمَ مَا عَلَى غَيْرِ مُنْحَصِرٍ بِالِاجْتِهَادِ اتِّفَاقًا وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ مَنْ حَبَّسَ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ فَهُوَ كَالصَّدَقَةِ يُوصِي أَنْ تُفَرَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِمَنْ وَلِيَهَا أَنْ يُفَضِّلَ ذَا الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْمُؤْنَةِ وَالْعِيَالِ وَالزَّمَانَةِ ، وَكَذَا غَلَّةُ الْحَبْسِ .

ابْنُ رُشْدٍ الْمَشْهُورُ أَنَّ قَسْمَ الْحَبْسِ الْمُعَقَّبِ بَيْنَ آحَادِهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَمَا عَلَى مُعَيِّنِينَ هُمْ فِيهِ بِالسَّوَاءِ ، وَمَعْلُومٌ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ أَنَّ الْآبَاءَ يُؤْثَرُونَ عَلَى الْأَبْنَاءِ وَلَا يَكُونُ لِلْأَبْنَاءِ مَعَهُمْ فِي السُّكْنَى إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُمْ ، وَسَوَاءٌ قَالَ حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي ، وَلَمْ يَزِدْ فَدَخَلَ مَعَهُمْ الْأَبْنَاءُ بِالْمَعْنَى أَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي فَدَخَلُوا مَعَهُمْ بِالنَّصِّ ، وَمَفْهُومُ لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ كَوَلَدِي : زَيْدٍ وَبَكْرٍ وَهِنْدٍ أَنَّ الْمُوَلَّى يُسَوِّي بَيْنَهُمْ .

وَلَمْ يُخْرَجْ سَاكِنٌ لِغَيْرِهِ ، إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ سَفَرِ انْقِطَاعٍ أَوْ بَعِيدٍ .

( وَ ) إنْ فَضَّلَ الْمُوَلَّى عَلَى الْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ كَبَنِي زُهْرَةَ أَوْ قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ بَعْضُهُمْ بِالسُّكْنَى لِشِدَّةِ فَقْرِهِ ثُمَّ اسْتَغْنَى فَ ( لَا يُخْرَجْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ شَخْصٌ سَاكِنٌ ) فَقِيرٌ فَضَّلَهُ الْمُتَوَلَّى بِالسُّكْنَى فِي الْحَبْسِ عَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ كَبَنِي زُهْرَةَ أَوْ قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ ثُمَّ اسْتَغْنَى ، وَأَمَّا الْحَبْسُ عَلَى الْفُقَرَاءِ إذَا سَكَنَهُ فَقِيرٌ ثُمَّ اسْتَغْنَى فَإِنَّهُ يُخْرِجُ لِفَقِيرٍ آخَرَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، لِزَوَالِ الْوَصْفِ الَّذِي قَصَدَهُ الْوَاقِفُ بِالتَّحْبِيسِ ( لِ ) أَجْلِ سُكْنَى فَقِيرٍ ( غَيْرِهِ إلَّا لِشَرْطٍ ) مِنْ الْمُحَبِّسِ أَنَّ مَنْ اسْتَغْنَى يُخْرِجُ لِغَيْرِهِ فَيُخْرِجُ عَمَلًا بِشَرْطِهِ فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ حَبَّسَ دَارًا عَلَى وَلَدٍ فَسَكَنَهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَجِدْ بَعْضُهُمْ فِيهَا مَسْكَنًا ، فَقَالَ الَّذِي لَمْ يَجِدْ أَعْطَوْنِي مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ حَقِّي فَلَا كِرَاءَ لَهُ وَلَا أَرَى أَنْ يُخْرَجَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ ، وَلَكِنْ مَنْ مَاتَ أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً يُرِيدُ الْمُقَامَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ اسْتَحَقَّ الْحَاضِرُ مَكَانَهُ .
وَأَمَّا إنْ أَرَادَ السَّفَرَ إلَى مَوْضِعٍ ثُمَّ يَرْجِعُ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ ، قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَ مَنْزِلَهُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ حَبَّسَ عَلَى قَوْمٍ مُتَفَاوِتِينَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ يُسْكِنُ فِيهَا مَنْ يَرَى أَوْ يُكْرِيَهَا ، فَيُقْسِمُ كِرَاءَهَا بَيْنَهُمْ ، وَمَنْ سَبَقَ فَسَكَنَ فَهُوَ أَوْلَى وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ كَتَحْبِيسِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ مُسَمَّيْنَ فَلَا يَسْتَحِقُّ السُّكْنَى مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ وَهُمْ فِيهِ بِالسَّوِيَّةِ حَاضِرُهُمْ وَغَائِبُهُمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مُحَمَّدٌ وَغَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ سَوَاءٌ .
( أَوْ ) لِ ( سَفَرِ انْقِطَاعٍ ) بِبَلَدٍ آخَرَ

فَيَخْرُجُ ، وَمَفْهُومُ انْقِطَاعٍ أَنَّهُ سَافَرَ لِيَعُودَ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَهُ كِرَاؤُهُ حَتَّى يَعُودَ ( أَوْ ) لِحُصُولِ سَفَرٍ ( بَعِيدٍ ) ابْنُ رُشْدٍ إنْ سَافَرَ لِيَعُودَ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَافَرَ لِمَحَلٍّ بَعِيدٍ يُشْبِهُ الِانْقِطَاعَ أَوْ يُرِيدُ الْمُقَامَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : فِي التَّوْضِيحِ مَنْ سَكَنَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ مَعَ أَبِيهِ فَبَلَغَ ، فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا يُمْكِنُهُ الِانْفِرَادَ فَلَهُ مَسْكَنُهُ مِنْ الْحَبْسِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ إذَا ضَاقَ عَلَيْهِ مَسْكَنُ أَبِيهِ وَأَمَّا مَنْ ضَعُفَ عَنْ الِانْفِرَادِ فَلَا مَسْكَنَ لَهُ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَ فَلَهُ حَقُّهُ فِي الْمَسْكَنِ .
وَأَمَّا الْإِنَاثُ فَلَا مَسْكَنَ لَهُنَّ فِي كَفَالَةِ الْأَبِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ .
الثَّانِي : طفي جَمَعَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ إلَخْ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ فِي الْحُكْمِ ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ وَلَا يُخْرَجُ سَاكِنٌ إذَا اسْتَغْنَى ، وَلَا يَأْتِي تَفْرِيعُهُ عَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَبْسًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَسَكَنَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ اسْتَغْنَى أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ اسْتَحَقَّ مَسْكَنًا مِنْ حَبْسٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِفَقْرِهِ أُخْرِجَ مِنْهُ إنْ اسْتَغْنَى .
ا هـ .
وَإِنْ جُعِلَ قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ سَاكِنٌ مُسْتَأْنَفًا غَيْرَ مُفَرَّعٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أُطْلِقَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ ، وَصَنِيعُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَحْسَنُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَسْأَلَةَ تَفْضِيلِ الْمُتَوَلِّي فِي الْحَبْسِ الْمُعَقَّبِ ، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْخِلَافَ فِي الْحَبْسِ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ هَلْ هُوَ كَالْمُعَقَّبِ ، أَوْ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ سَوَاءٌ ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُخْرِجْ سَاكِنٌ

لِغَيْرِهِ وَإِنْ غَنِيًّا ، ثُمَّ قَالَ وَمَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ فَقَدْ عُلِمَ حَمْلُهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ .
ا هـ .
أَيْ الْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ ، إذْ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ وَخِلَافُهُمْ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ اعْتِرَاضَ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُخْرَجُ سَاكِنٌ لِغَيْرِهِ بِشُمُولِهِ لِلْفُقَرَاءِ غَيْرُ وَارِدٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فَصَّلَ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يُخْرَجُ إلَخْ مُسْتَأْنَفٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ التَّفْرِيعُ عَلَى الثَّلَاثِ فَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ صَوَابٌ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ كَالْمَدْرَسَةِ وَكَالْحَبْسِ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ مَثَلًا إذَا فَضَّلَ الْمُتَوَلِّي أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ بِالسُّكْنَى فَلَا يُخْرَجُ لِغَيْرِهِ ، وَإِنْ اسْتَغْنَى مِثْلُ الْمُعَقَّبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ يُخْرَجُ لِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا زَالَ الْوَصْفُ الَّذِي قَصَدَهُ الْمُحَبِّسُ كَالْفَقْرِ فِي الْحَبْسِ عَلَى الْفُقَرَاءِ ، وَكَطَلَبِ الْعِلْمِ فِي التَّحْبِيسِ عَلَى الطَّلَبَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابٌ ) الْهِبَةُ ؛ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ ، صَدَقَةٌ

( بَابٌ ) فِي بَيَانِ الْهِبَةِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ( الْهِبَةُ ) أَيْ حَقِيقَتُهَا شَرْعًا ( تَمْلِيكٌ ) أَيْ لِذَاتِ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْهِبَةَ وَالْبَيْعَ وَنَحْوَهُ ( بِلَا عِوَضٍ ) فَصْلٌ مُخْرِجٌ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ ، أَيْ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ فَقَطْ أَوْ لَهُ وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ مَعًا بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ فَصْلٌ مُخْرِجٌ الصَّدَقَةَ ( وَ ) التَّمْلِيكُ لِذَاتٍ بِلَا عِوَضٍ ( لِثَوَابِ ) اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ ( الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ ) ابْنُ عَرَفَةَ الْهِبَةُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَطِيَّةِ وَهِيَ تَمْلِيكُ مُتَمَوِّلٍ بِغَيْرِ عِوَضِ إنْشَاءٍ فَيَخْرُجُ الْإِنْكَاحُ وَالْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِ وَارِثِ إرْثِهِ ، وَيَدْخُلُ الْعَارِيَّةُ وَالْحَبْسُ وَالْعُمْرَى وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ ، وَالْعَارِيَّةُ وَالْحَبْسُ تَقَدَّمَا ثُمَّ قَالَ وَالْهِبَةُ لَا لِلثَّوَابِ تَمْلِيكُ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى بَدَلَ الْمُعْطَى .
وَفِي كَوْنِ الْهِبَةِ مَعَ كَوْنِهَا كَذَلِكَ مَعَ إرَادَةِ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى صَدَقَةً أَوْ قَوْلَا الْأَكْثَرِ وَمُطَرِّفٍ حَسْبَمَا يَذْكُرُ فِي الِاعْتِصَارِ فَتَخْرُجُ الْعَارِيَّةُ وَالْبَيْعُ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : طفي قَوْلُهُ وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ الْحُكْمُ عَلَى الْهِبَةِ إذَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهَا صَدَقَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَالتَّقْدِيرُ وَالْهِبَةُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى وَالْهِبَةُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ لَا مَا أُرِيدَ بِهِ الْآخِرَةُ ، وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ وَالصَّدَقَةُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّانِي : نَصَّ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ مَنْدُوبَةٌ ، وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ وَقَدْ قِيلَ لَا ثَوَابَ فِيهَا وَمَنْ لَازَمَ الْمَنْدُوبَ أَنَّهُ يُثَابُ

عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُهْدِيَ إنْ قَصَدَ الرِّيَاءَ وَالْمَدْحَ فَلَا ثَوَابَ لَهُ ، وَإِنْ قَصَدَ التَّوَدُّدَ لِلْمُعْطَى غَافِلًا عَنْ حَدِيثِ { تَهَادَوْا تَحَابُّوا } فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ اسْتَحْضَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُثَابُ قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ ، أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
الثَّالِثُ : الْهِبَةُ أَحَدُ مَصَادِرِ وَهَبَ يُقَالُ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا وَهْبًا وَوَهَبًا بِالتَّحْرِيكِ وَهِبَةً وَالِاسْمُ الْمَوْهِبُ وَالْمَوْهِبَةُ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ، وَلَا يُقَالُ وَهَبْته بَلْ وَهَبْت لَهُ ، وَحَكَى السِّيرَافِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ انْطَلِقْ مَعِي أَهَبْك نَبْلًا .
الرَّابِعُ : سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ حَدِيثِ { دَاوُوا مَرَضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ } ، فَأَجَابَ بِأَنِّي لَسْت أَذْكُرُهُ فِي نَصٍّ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ الصَّحِيحَةِ وَلَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ الْحَثُّ عَلَى عِيَادَةِ الْمَرْضَى ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ فَيَحْصُلُ لَهُ السُّرُورُ وَالدُّعَاءُ لَهُ وَلَا شَكَّ فِي رَجَاءِ الْإِجَابَةِ لَهُ وَالشِّفَاءِ فَيَنْفَعُهُ فِي الدَّوَاءِ .
الْبُرْزُلِيُّ حَمَلَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ عَنْهُ وَطَلَبَ لَهُ الدُّعَاءَ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ يُرْجَى لَهُ الشِّفَاءُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْإِحْيَاءِ حَدِيثُ : الصَّدَقَةُ تَسُدُّ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ السُّوءِ رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الْبِرِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ { إنَّ اللَّهَ لَيَرُدُّ بِالصَّدَقَةِ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ مَيْتَةِ السُّوءِ } ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْخَامِسُ فِيهَا مَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ مَا دَامَ كَذَلِكَ فَيَجُوزُ ، وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ رُشْدِهِ فَلَا يَجُوزُ كَانَ الْوَاهِبُ وَالِدًا أَوْ أَجْنَبِيًّا .
أَبُو عِمْرَانَ اُنْظُرْ مَا مَعْنَى سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا وَهُمَا لَا يَجُوزُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57