كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

وَالثَّلَاثَةَ ، وَهَذَا مِمَّا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهُ ، فَلَوْ اسْتَدَلَّا عَلَى تَعَقُّبِهَا بِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ كَمَا فَعَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ لَأَجَادَا .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ لَيْسَ هُوَ الْمَذْهَبَ ، وَلِذَا لَمْ يُدْرِجْ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ ، وَقَدْ أَقَرَّ كَلَامَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى تَعَقُّبِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِحَالٍ ، وَقَدْ نَازَعَ الْبِسَاطِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ بِمَا قُلْنَاهُ ، قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى بَابِهَا ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يُنَافِيهَا ا هـ .
فَانْظُرْ كَيْفَ يَلْتَئِمُ هَذَا الْكَلَامُ مَعَ التَّعَقُّبِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ فَرْضَ ابْنِ الْحَاجِبِ خِلَافُ فَرْضِهَا فَكَيْفَ لَا يُنَافِيهَا .
وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَقَدْ حَمَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمَنْعِ قَائِلًا لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فَسْخٌ فَكُلُّ مَا يُفْسَخُ إذَا وَقَعَ تَكُونُ الْكَرَاهَةُ فِيهِ الْمَنْعَ ا هـ كَلَامُ طفي .
الْبُنَانِيُّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ صَوَابٌ ، إذْ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهَا وَمَا ابْتَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِنْ بَيْعٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لَزِمَ الْآخَرَ وَيَتْبَعُ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي فَوْتِ الْفَاسِدِ أَيَّهُمَا شَاءَ .
ا هـ .
وَهُوَ يَشْمَلُ الشِّرَاءَ بِالنَّقْدِ وَبِالدَّيْنِ ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِالْجَوَازِ ، وَنَصُّ السَّمَاعِ أَصْبَغُ ابْنُ الْقَاسِمِ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا عَلَى أَخْذِ مَتَاعٍ بِدَيْنٍ يَكُونُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا وَلَهُمَا مَالٌ أَوْ لَا مَالَ لَهُمَا ، قَالَ إنْ كَانَا يَشْتَرِكَانِ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا يَشْتَرِيَانِهَا بِدَيْنٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَانَ لَهُمَا رَأْسُ مَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَإِنْ كَانَا إنَّمَا يَشْتَرِكَانِ عَلَى مَا يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولَانِ مَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِدَيْنٍ وَلَا مَالَ لَهُمَا فَنَحْنُ فِيهِ شُرَكَاءُ فَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ .
أَصْبَغُ فَإِنْ وَقَعَ نَفَذَ

عَلَى سُنَّةِ الشَّرِكَةِ وَضَمِنَاهُ جَمِيعًا وَفُسِخَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ وَمِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ إنَّهُمَا إنْ اشْتَرَكَا فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا بِدَيْنٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُمَا شَرِيكَانِ فِيهَا كَانَ لَهُمَا مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَيْهِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا حِصَّةُ حَقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ النِّصْفُ إنْ كَانَتْ شَرِكَتُهُمَا عَلَى النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثُ أَوْ الثُّلُثَانِ إنْ كَانَتْ شَرِكَتُهُمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَلِلْآخِرِ الثُّلُثَانِ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَا شُرَكَاءَ عَقْدٍ قَدْ اشْتَرَكَا شَرِكَةً صَحِيحَةً عَلَى مَالٍ لَهُمَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ بِدَيْنٍ اجْتَمَعَا فِي أَخْذِ الْمَتَاعِ بِالدَّيْنِ أَوْ افْتَرَقَا .
وَأَمَّا إنْ اشْتَرَكَا وَلَا مَالَ لَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالدَّيْنِ وَيَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي ذَلِكَ يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ بِالذِّمَمِ وَلَا تَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ الشَّرِكَةُ بِالذِّمَمِ لِأَنَّهَا غَرَرٌ ا هـ .
فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا شُرَكَاءَ عَقْدٍ نُصَّ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا ابْنُ رُشْدٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْبَيَانَ ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ هَارُونَ وَابْنُ سَلْمُونٍ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا لِلَّخْمِيِّ ، وَرَدُّ مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ ، وَإِنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كَكِتَابَةٍ ، وَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَقَالَ : ( كَكِتَابَةٍ ) لِرَقِيقٍ مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ فَلَا تَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ ( وَعِتْقٍ ) الرَّقِيقَ مِنْهُ ( عَلَى مَالٍ ) مُعَجَّلٍ مِنْ الرَّقِيقِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَهُ بِلَا عِتْقٍ وَأَمَّا مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِثْلِ قِيمَتِهِ فَيَجُوزُ كَبَيْعِهِ

وَإِذْنٍ لِعَبْدٍ فِي تِجَارَةٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ
( وَ ) كَ ( إذْنٍ لِعَبْدٍ ) مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ ( فِي تِجَارَةٍ ) فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ ( أَوْ ) شَرِكَةٍ ( مُفَاوَضَةٍ ) فِي مَالِ الْمُفَاوَضَةِ لِثَالِثٍ تَجُولُ يَدُهُ فِيهِ مَعَهُمَا فَلَا تَجُوزُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ

وَاسْتَبَدَّ آخِذُ قِرَاضٍ
( وَاسْتَبَدَّ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ اسْتَقَلَّ وَاخْتَصَّ شَرِيكُ مُفَاوَضَةٍ ( آخِذُ ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ( قِرَاضٍ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ مَالٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ يَتَّجِرُ فِيهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ بِالرِّبْحِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ فِي أَخْذِهِ لِأَنَّهُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ فِيهِ الْخَارِجِ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ فَلَا شَيْءَ لِشَرِيكِهِ فِيهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ

وَمُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ بِلَا إذْنٍ ، وَإِنْ لِلشَّرِكَةِ

( وَ ) اسْتَبَدَّ شَرِيكٌ مُفَاوَضٌ ( مُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ ) لِحَمْلِ أَمْتِعَةِ الْمُفَاوَضَةِ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ شَرِيكِهِ ( وَإِنْ ) اسْتَعَارَهَا ( لِ ) حَمْلِ سِلَعِ ( الشَّرِكَةِ ) وَاوُهُ لِلْحَالِ وَإِنْ صِلَةٌ فَيَخْتَصُّ بِالرِّبْحِ أَيْ أُجْرَةِ الْحَمْلِ وَالْخُسْرِ ، أَيْ ضَمَانُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مَعَهَا كَلِجَامٍ وَإِكَافٍ .
الْحَطّ أَشَارَ إلَى قَوْلِهَا وَإِنْ اسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا مَا حَمَلَ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ أَوْ مَالَ الشَّرِكَةِ فَتَلَفَ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى شَرِيكِهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ كُنْت اسْتَأْجَرْت فَلَا تَضَمُّنٌ ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ إلَّا بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا .
أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّابَّةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ أَصْلِهِ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْإِعَارَةِ إلَّا بِالتَّعَدِّي ، فَذَهَبَ حَمْدِيسٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا يُغْلَبُ عَلَيْهِ كَالْإِكَافِ .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ بَعْدَ تَبَيُّنِ كَذِبِهِ فِي الْحَيَوَانِ فَقَوْلُ غَيْرِهِ تَفْسِيرٌ .
وَقَالَ الْقَابِسِيُّ إنَّهُ يَضْمَنُ الْحَيَوَانَ إذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ وَهُوَ رَأْيُ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، وَكَانَ قَاضِي مِصْرَ يَوْمَئِذٍ رَأَى ذَلِكَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى اسْتِبْدَادِهِ بِالْخُسْرِ هُنَا تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ بِتَعَدِّيهِ أَوْ ظُهُورِ كَذِبِهِ أَوْ بِحُكْمِ مَنْ رَآهُ ، وَأَمَّا اسْتِبْدَادُهُ بِالرِّبْحِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَانْظُرْ هَلْ مَعْنَاهُ طَلَبُ شَرِيكِهِ بِمَا يَنْوِيهِ مِنْ كِرَائِهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِيهِ ا هـ .
طفي فَرَضَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِعَارَةَ فِي دَابَّةٍ تَبَعًا لِلَفْظِ التَّهْذِيبِ وَلَفْظِ الْأُمَّهَاتِ .
وَإِنْ اسْتَعَارَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهَلَكَ فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ إلَّا بِالتَّعَدِّي ، ثُمَّ قَالَ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ الْأُمَّهَاتِ الْقَابِلِ لِلتَّأْوِيلَاتِ .

وَمُتَّجِرٌ بِوَدِيعَةٍ بِالرِّبْحِ وَالْخُسُرِ ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ فِي الْوَدِيعَةِ ؛
( وَ ) اسْتَبَدَّ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ ( مُتَّجِرٌ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( بِوَدِيعَةٍ ) عِنْدَهُ وَصِلَةُ اسْتَبَدَّ ( بِالرِّبْحِ وَالْخُسْرِ ) فِيهَا .
طفي الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَجْمَلَ فِي قَوْلِهِ بِالرِّبْحِ وَالْخُسْرِ اتِّكَالًا عَلَى ذِهْنِ السَّمِيعِ اللَّبِيبِ فِي رَدِّ كُلِّ مَا يَلِيقُ بِهِ ، إذْ الْعَارِيَّةُ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِبْدَادُهُ بِالرِّبْحِ فِيهَا ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُمَا فِيهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الضَّمَانِ وَذَكَرَهُمَا مَعًا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ .
وَأَمَّا تَصْوِيرُ عج فَمَعَ كَوْنِهِ لَا نَقْلٌ يُعَضِّدُهُ فَهُوَ بَعِيدٌ لَا يَكَادُ أَنْ يُقَالَ بِهِ ، وَيَخْتَصُّ الْمُتَّجِرُ بِوَدِيعَةٍ بِالرِّبْحِ وَالْخُسْرِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ ) بِالتَّجْرِ ( فِي الْوَدِيعَةِ ) وَيَرْضَى بِتَجْرِهِ فِيهَا فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَالْخُسْرُ عَلَيْهِمَا .
وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ لِأَحَدِهِمَا وَدِيعَةً فَعَمَل فِيهَا تَعَدِّيًا فَرَبِحَ ، فَإِنْ عَلِمَ شَرِيكُهُ بِالْعَدَاءِ وَرَضِيَ بِالتِّجَارَةِ بِهَا بَيْنَهُمَا فَالرِّبْحُ لَهُمَا وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالرِّبْحُ لِلْمُتَعَدِّي وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ خَاصَّةً ا هـ .

وَكُلٌّ وَكِيلٌ ، فَيُرَدُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ ، كَالْغَائِبِ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ ، وَإِلَّا اُنْتُظِرَ

( وَكُلٌّ ) مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ ( وَكِيلٌ ) أَيْ كَوَكِيلٍ عَنْ الْآخَرِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالِاكْتِرَاءِ وَالْإِكْرَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْقِيَامِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَضَمَانِ الْعَيْبِ ، وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ( فَيُرَدُّ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ مَا بَاعَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ غَابَ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ ظَهَرَ لِمُشْتَرِيهِ بَعْدَ شِرَائِهِ فَلَهُ رَدُّهُ بِهِ ( عَلَى شَرِيكٍ حَاضِرٍ ) لِبَائِعِهِ ( لَمْ يَتَوَلَّ ) أَيْ الشَّرِيكُ بَيْعَهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَمَّنْ تَوَلَّاهُ ، فَإِنْ حَضَرَ الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ عَلَى غَيْرِهِ حَالَ كَوْنِ الرَّدِّ عَلَى الشَّرِيكِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّي ( كَ ) الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ ( الْغَائِبِ ) الَّذِي ظَهَرَ فِي مَبِيعِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ لِمُشْتَرِيهِ بَعْدَ شِرَائِهِ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى إثْبَاتِ شِرَائِهِ بِعُهْدَةٍ وَتَارِيخُ الشِّرَاءِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ فِي مَبْحَثِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ثُمَّ قَضَى إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً مُؤَرَّخَةً وَصِحَّةَ الشِّرَاءِ إلَخْ .
وَأَفَادَ شَرْطُ الرَّدِّ عَلَى الشَّرِيكِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّي بِقَوْلِهِ ( إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ ) أَيْ الشَّرِيكِ الْغَائِبِ الَّذِي تَوَلَّى بَيْعَ الْمَعِيبِ كَعَشَرَةِ الْأَيَّامِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَالْيَوْمَيْنِ مَعَ خَوْفِهِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ غَيْبَتُهُ فَلَيْسَ ضَمِيرُ غَيْبَتِهِ لِلْغَائِبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } فَاطِرٌ أَيْ مُعَمَّرٍ آخَرَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَبْعُدْ غَيْبَةُ الشَّرِيكِ الَّذِي تَوَلَّى الْبَيْعَ ( اُنْتُظِرَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ أَخَّرَ الرَّدَّ إلَى قُدُومِهِ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِأَمْرِ الْمَبِيعِ وَلِئَلَّا تَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ .
طفي قَوْلُهُ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَيَرُدُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ وَالضَّمِيرُ لِلْغَائِبِ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ ، فَهُوَ مِنْ بَابِ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ ، وَلَا يَرْجِعُ

لِقَوْلِهِ كَالْغَائِبِ ، لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ قُرْبِ الْغَيْبَةِ وَبَعْدَهَا إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْبَةِ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ .
وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالْغَائِبِ مَا قَدَّمَهُ فِي الْعُيُوبِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ قُضِيَ إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً مُؤَرَّخَةً وَصِحَّةَ الشِّرَاءِ إلَخْ ، وَهَذَا حَاصِلُ تَقْرِيرِ " غ " ، وَنَصُّهُ أَصْلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِي آخِرَ كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا مِنْ أَحَدِهِمَا فَظَهَرَ عَيْبُهُ فَلَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا ، أَوْ إنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ فَلْيَنْتَظِرْ لَعَلَّ لَهُ حُجَّةً .
وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْتَاعَ عَلَى بَيْعِ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ نَظَرَ فِي الْعَيْبِ ، فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بَعْدَ شِرَائِهِ رَدَّ الْعَبْدَ عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِلَّا حَلَفَ الشَّرِيكُ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَنَا وَبَرِئَ ؛ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ .
ا هـ .
فَبِسَبَبِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَكِيلٌ لِلْآخَرِ يَرُدُّ وَاجِدُ الْعَيْبِ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ الْبَيْعَ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ الْغَائِبِ الَّذِي تَوَلَّاهُ حَالَ كَوْنِ هَذَا الرَّدِّ كَالرَّدِّ عَلَى كُلِّ غَائِبٍ فِي افْتِقَارِ الْمُشْتَرِي الرَّادِّ إلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ ابْتَاعَ بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتَهُ ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْحَاضِرِ الَّذِي لَمْ يَتَوَلَّ إنَّمَا هُوَ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَةُ شَرِيكِهِ الْغَائِبِ وَإِلَّا انْتَظَرَ ، فَالشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلْمُشَبَّهِ لَا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ ، وَبِهَذِهِ التَّمْشِيَةِ يَكُونُ كَلَامُهُ مُطَابِقًا لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مُتَضَمِّنًا لِفُصُوصٍ نَصُّهَا ، فَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَلْطَفَ إشَارَتَهُ .
فَإِنْ قُلْت وَأَيْنَ تَقَدَّمَ لَهُ الْغَائِبُ الَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ .

قُلْت قَوْلُهُ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ ثُمَّ قَضَى إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً مُؤَرَّخَةً وَصِحَّةَ الشِّرَاءِ .
فَإِنْ قُلْت عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الْغَائِبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ يُغَيِّرُ فِي وَجْهِ هَذِهِ التَّمْشِيَةِ .
قُلْت سَلَّمْنَا عَوْدَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرُدُّهُ لِلْغَائِبِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ ، فَقُصَارَاهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ ، وَقَدْ قِيلَ بِنَحْوِ هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى { اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ
( وَالرِّبْحُ ) فِي مَالِ الشَّرِكَةِ ( وَالْخُسْرُ ) فِيهِ يُقْسَمُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ ( بِقَدْرِ ) أَصْلِ ( الْمَالَيْنِ ) الْمُشْتَرَكِ بِهِمَا وُجُوبًا تَسَاوَيَا أَوْ لَا

وَتَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ ، وَلِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلْآخَرِ .
( وَتَفْسُدُ ) الشَّرِكَةُ ( بِشَرْطِ ) أَيْ اشْتِرَاطِ ( التَّفَاوُتِ ) أَيْ قِسْمَةِ الرِّبْحِ وَالْخُسْرِ بِغَيْرِ قَدْرِ الْمَالَيْنِ فِي عَقْدِهَا كَكَوْنِ مِائَةٍ لِأَحَدِهِمَا وَخَمْسِينَ لِلْآخَرِ وَشَرَطَا قَسْمَ الرِّبْحِ بِالنِّصْفِ و كَوْنِ الْمَالَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ وَشَرَطَا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ ، وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَإِنْ عَمَلَا قُسِمَ الرِّبْحُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ .
( وَلِكُلٍّ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ( أَجْرُ عَمَلِهِ لِلْآخَرِ ) " غ " كَأَنَّهُ أَطْلَقَ أَجْرَ الْعَمَلِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَحَقِيقَتُهُ الْأُجْرَةُ التَّابِعَةُ لِلْعَمَلِ وَمَجَازُهُ الرِّبْحُ التَّابِعُ لِلْمَالِ ، وَسَهَّلَ لَهُ هَذَا قَرِينَةُ قَوْلِهِ وَلِكُلٍّ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْجَانِبَيْنِ وَزِيَادَةُ الْعَمَلِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا ، وَكَذَا زِيَادَةُ الرِّبْحِ .
فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ وَلِلْآخِرِ الثُّلُثَانِ وَشَرَطَا الْمُنَاصَفَةَ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ بِسُدُسِ الرِّبْحِ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ بِأُجْرَةِ سُدُسِ الْعَمَلِ .

وَلَهُ التَّبَرُّعُ ، وَالسَّلَفُ ، وَالْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ
( وَلَهُ ) أَوْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ( التَّبَرُّعُ ) لِشَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ الْعَمَلِ ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِشَرْطٍ ( وَ ) لَهُ ( السَّلَفُ ) لِشَرِيكِهِ ( وَ ) لَهُ ( الْهِبَةُ ) لِشَرِيكِهِ وَتَنَازُعُ التَّبَرُّعِ وَالسَّلَفِ وَالْهِبَةِ ( بَعْدَ الْعَقْدِ ) لِلشَّرِكَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ لِلْعَقْدِ لَيْسَ كَالْوَاقِعِ فِيهِ فَهُوَ مَعْرُوفٌ ، وَلَا تَجُوزُ قَبْلَهُ لِتَوَافُقِهِمَا عَلَى الْفَسَادِ .
الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ غَازِيٍّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بَعْدَ الْعَقْدِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهَا بَعْدَهُ فِي كِتَابِ شَرِكَةِ الْمُدَوَّنَةِ ، قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا إذَا عَقَدَاهَا عَلَى شَرْطِ التَّفَاوُتِ تَفْسُدُ مَا نَصُّهُ ، وَلَوْ صَحَّ عَقْدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فِي الْمَالِ ثُمَّ تَطَوَّعَ الَّذِي لَهُ الْأَقَلُّ فَعَمَلَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ وَلَا أَجْرَ لَهُ ا هـ .

وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّلَفِ وَالْخُسْرِ
( وَإِنْ ) ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ تَلَفَ بَعْضِ مَالِ الشَّرِكَةِ الَّذِي بِيَدِهِ أَوْ خُسْرَهُ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ فَ ( الْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّلَفِ ) بِلَا تَجْرٍ ، بَلْ بِنَحْوِ سَرِقَةٍ ( وَالْخُسْرِ ) بِالتَّجْرِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهِ .
وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ ظُهُورِ كَذِبِهِ ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ شَرِيكُهُ حَلَّفَهُ وَإِنْ ظَهَرَ كَذِبُهُ ضَمِنَ

وَلِآخِذٍ لَائِقٍ لَهُ ، وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ
( وَ ) إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءَ شَيْءٍ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً وَالْآخَرُ اشْتَرَاهُ لِلشَّرِكَةِ فَالْقَوْلُ ( لِآخِذِ ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ شَيْءٍ ( لَائِقٍ ) أَيْ مُشْبِهٍ وَمُنَاسِبٍ ( لَهُ ) مِنْ طَعَامٍ وَلِبَاسٍ لَا عُرُوضٍ وَعَقَارٍ وَحَيَوَانٍ غَيْرِ عَاقِلٍ أَوْ عَاقِلٍ وَلَوْ لَائِقًا بِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِأَجِيرٍ فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلِشَرِيكِهِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ اللَّائِقِ .
( وَ ) إنْ قَالَ أَحَدُهُمَا الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَنَا بِالنِّصْفِ وَالْآخَرُ بِالثُّلُثَيْنِ لَهُ وَالثُّلُثِ لِلْآخَرِ فَالْقَوْلُ ( لِمُدَّعِي النِّصْفِ ) بِيَمِينٍ

وَحُمِلَ عَلَيْهِ فِي تَنَازُعِهِمَا

( وَحُمِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الِاشْتِرَاكُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ النِّصْفِ ( فِي ) حَالِ ( تَنَازُعِهِمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ فِي كَوْنِ شَرِكَتِهِمَا بِالنِّصْفِ أَوْ غَيْرِهِ " غ " ، لَعَلَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ لِقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ وَإِذَا أَشْرَكَ مِنْ مَالِهِ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُشْرِكَهُ ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ أَشْرَكْتُك بِالرُّبْعِ وَالْآخَرُ بِالنِّصْفِ ، وَقَالَا نَطَقْنَا بِهِ أَوْ أَضْمَرْنَاهُ بِغَيْرِ نُطْقٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمَا النِّصْفَ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ أَحَدُهُمَا رُدَّ إلَيْهِ أَصْلُ شَرِكَتِهِمَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً ، فَعَلَى عَدَدِهِمْ ، وَهَكَذَا مَا كَانُوا ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا إنْ أَشْرَكَ رَجُلًا فِي سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُشْرِكَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا هَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا نَوَيَا وَلَمْ يَنْطِقَا بِهِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ فَعَلَى عَدَدِهِمْ ، وَقَالَ قَبْلَ هَذَا وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ شَرِيكُهُ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ شَرِيكُهُ بِالرُّبْعِ أَوْ إنَّمَا هُوَ شَرِيكُهُ فِي مِائَةِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ شَرِيكُهُ بِالنِّصْفِ .
ا هـ .
مَا قُصِدَ نَقْلُهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ .
فَإِنْ قُلْت يَصِيرُ عَلَى هَذَا تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ آخِرَ فَصْلِ الْخِيَارِ وَإِنْ أَشْرَكَهُ حُمِلَ إنْ أَطْلَقَ عَلَى النِّصْفِ .
قُلْت تَكْرَارُهُ مَعَ مَا طَالَ وَتُنُوسِيَ أَهْوَنُ مِنْ تَكْرَارِهِ مَعَ مَا يَلِيهِ وَحَمْلِهِ عَلَى تَنَازُعِهِمَا .
عب وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا مَنْ سَلِمَ لَهُ شَيْءٌ أَخَذَهُ ، وَيُقْسَمُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بَيْنَهُمَا وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّدَاقِ حَيْثُ قَالَ لَا إنْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَجَهِلَتْ وَدَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا وَلَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا الصَّدَاقُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ ، وَلِغَيْرِهَا رُبْعُهُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الصَّدَاقِ ، وَقَالَ

غَيْرُهُمَا يُقْسَمُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى الدَّعْوَى إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا كَالْعَوْلِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَاتِ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُ ابْنِ زَمَنِينَ إلَخْ هَذَا مِنْ تَمَامِ قَوْلِ أَشْهَبَ وَقَدْ تَرَكَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ كَالْمُصَنِّفِ ، فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ أَشْهَبَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ، وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ أَوْلَى وَنَصُّهَا وَلَوْ ادَّعَى الثُّلُثَيْنِ وَالْآخَرُ النِّصْفَ دُفِعَ لِكُلٍّ مَا سَلِمَ لَهُ وَقُسِمَ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا .
وَقِيلَ يَحْلِفَانِ وَيُنَصَّفُ .
ا هـ .
وَكَانَ الْمُصَنِّفُ أَسْقَطَ الْيَمِينَ لِاسْتِشْكَالِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَهَا بِأَنْ حَلَفَ مَنْ ادَّعَى الثُّلُثَيْنِ لَهُ ثُمَّ يَأْخُذُ النِّصْفَ لَا يَحْتَمِلُهُ الْأُصُولُ ، وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ ، وَانْفَصَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَشْهَبَ لَمْ يَبْنِ عَلَى رَعْيِ دَعْوَاهُمَا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَإِنَّمَا بَنَى عَلَى رَعْيِ تَسَاوِيهِمَا فِي الْحَوْزِ وَالْقَضَاءِ بِالْحَوْزِ لَا يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِهِ دُونَ يَمِينِ الْحَائِزِ .
ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ، إذْ النِّصْفُ يُسَلِّمُهُ الْخَصْمُ .

وَلِلِاشْتِرَاكِ فِيمَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا ، إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى : كَإِرْثِهِ ، وَإِنْ قَالَتْ لَا نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ لَهَا إنْ شَهِدَ بِالْمُفَاوَضَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِالْإِقْرَارِ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ .

( وَ ) إنْ حَازَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا وَادَّعَى اخْتِصَاصَهُ بِهِ وَقَالَ شَرِيكُهُ هُوَ مِنْ مَالٍ الْمُفَاوَضَةِ فَالْقَوْلُ ( ل ) مُدَّعِي ( الِاشْتِرَاكِ فِيمَا ) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي ( بِيَدِ ) أَيْ حَوْزِ ( أَحَدِهِمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ دُونَ قَوْلِ مُدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ فِي كُلِّ حَالٍّ ( إلَّا لِ ) شَهَادَةِ ( بَيِّنَةٍ عَلَى كَارِثَةٍ ) أَيْ مُدَّعِي الِاخْتِصَاصِ الشَّيْءِ الَّذِي ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ إنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ نَعْلَمُ تَأَخُّرَ إرْثِهِ عَنْ اشْتِرَاكِهِمَا ، بَلْ ( وَإِنْ قَالَتْ ) الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِإِرْثِهِ ( لَا نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ ) أَيْ الْإِرْثِ وَلَا تَأَخُّرَهُ ( لَهَا ) أَيْ عَنْ الشَّرِكَةِ ، وَأَمَّا إنْ قَالَتْ نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الِاشْتِرَاكِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِعَدَمِ إدْخَالِهِ فِيهَا فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ ، وَذَكَرَ شَرْطَ كَوْنِ الْقَوْلِ الْمُدَّعِي الِاشْتِرَاكَ فِيمَا قَبْلُ إلَّا فَقَالَ ( إنْ شُهِدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بِالْمُفَاوَضَةِ ) بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ ، أَيْ بِتَصَرُّفِهِمَا تَصَرُّفَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَالْإِقْرَارِ مِنْهُمَا بِهَا وَأَوْلَى إنْ شُهِدَ بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا ، بَلْ ( وَلَوْ لَمْ يُشْهَدْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ ( بِالْإِقْرَارِ ) مِنْهُمَا ( بِهَا ) أَيْ الْمُفَاوَضَةِ ( عَلَى الْأَصَحِّ ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْخِلَافِ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَهْلٍ ، فَأَشَارَ بِالْأَصَحِّ لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ .
وَأَشَارَ بِوَ لِخِلَافِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَابْنِ دَحُونٍ وَابْنُ الشَّقَّاقِ بِقَوْلِهِمْ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ أَقَرَّا عِنْدَنَا بِالْمُفَاوَضَةِ وَأَشْهَدَانَا بِهَا .
وَنَصُّ ابْنِ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ : أَفْتَى ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ الشُّهُودَ إذَا قَالُوا نَعْرِفُ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ مُتَفَاوِضَانِ فِي جَمِيعِ أَمْوَالِهِمَا إلَى آخِرِ الْعَقْدِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ نَاقِصَةٌ لَا يَجِبُ بِهَا قَضَاءٌ بِشَرِكَةٍ بَيْنَهُمَا إذْ لَمْ يُفَسِّرُوا مَعْرِفَتَهُمْ بِهَا إنْ

كَانَتْ بِإِشْهَارٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ بِإِقْرَارٍ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ بِسَمَاعٍ يُذْكَرُ ، وَهَذَا غَيْرُ عَامِلٍ ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الشُّهُودُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَهِدْت الشُّورَى فِيهَا وَقَدْ نَزَلَتْ .
وَقَالَ ابْنُ الشَّقَّاقِ وَابْنُ دَحُونٍ بِهَذَا وَنَفَذَ الْحُكْمُ بِهِ .
وَأَفْتَى ابْنُ مَالِكٍ بِأَنَّهُ يَحْسُنَ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عُدُولُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي قُيِّدَتْ بِهَا الشَّهَادَةُ عَنْ وَجْهِ مَعْرِفَتِهَا الْمُفَاوَضَةِ الْمَذْكُورَةِ ، فَإِنْ فَسَّرُوا أَنَّهُمَا عَلِمَاهَا بِإِعْلَامِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إيَّاهُمَا بِذَلِكَ أُعْمِلَتْ الشَّهَادَةُ وَنَابَ الْحَاضِرُ مِنْهُمَا عَنْ الْغَائِبِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَرِيبٌ فَهُوَ أَتَمُّ وَأَطْيَبُ لِلنَّفْسِ وَأَوْلَى .
أَبُو الْأَصْبَغِ قَوْلُهُ أَتَمُّ هُوَ نَصُّ ابْنِ الْقَطَّانِ فِي وَثَائِقِهِ .
قَالَ فِي بَعْضِ عُقُودِهَا لِلْأَوْصِيَاءِ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْإِيصَاءَ الْمَذْكُورَ .
ثُمَّ قَالَ إنْ قُلْت مِمَّنْ يَعْرِفُهُ بِإِشْهَادِهِ إيَّاهُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَتَمُّ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ تَامَّةٌ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الشَّاهِدُ الْوَجْهَ الَّذِي عَلِمَ بِهِ ذَلِكَ .
وَذَكَرَ هُوَ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِهِمْ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْإِيصَاءَ ، وَمِمَّنْ يَعْرِفُ لِلتَّوْكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَتَّابٍ عَنْ أَبِي عُمَرَ الْإِشْبِيلِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ تَامَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا ، وَنَحْوُهُ فِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَلَمْ تَشْتَرِطْ تَعْيِينًا فَالتَّعْوِيلُ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِنْ التَّعْوِيلِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الشَّقَّاقِ وَابْنِ دَحُونٍ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي جَوَابِهِ عَنْهُمَا ا هـ .
كَلَامُ ابْنِ سَهْلٍ .

وَلِمُقِيمِ بَيِّنَةٍ بِأَخْذِ مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ ، إنْ أَشْهَدَ بِهَا عِنْدَ الْآخِذِ ، أَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ :

( وَ ) إنْ أَخَذَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِائَةً مَثَلًا مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ وَادَّعَى رَدَّهَا لَهُ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ فِي رَدِّهَا لَهُ وَادَّعَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عِنْدَ أَخْذِهَا فَالْقَوْلُ ( لِ ) شَرِيكٍ ( مُقِيمٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مُشْهِدِ ( بَيِّنَةٍ ) عَلَى شَرِيكِهِ ( بِأَخْذِ مِائَةٍ ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ادَّعَى الْآخِذُ أَنَّهُ رَدَّهَا لَهُ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي ( أَنَّهَا ) أَيْ الْمِائَةَ ( بَاقِيَةٌ ) عِنْدَ أَخْذِهَا ( إنْ شُهِدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بِهَا ) أَيْ الْمِائَةِ ( عِنْدَ الْآخِذِ ) لَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ، سَوَاءٌ طَالَتْ الْمُدَّةُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَنَازُعِهِمَا أَمْ لَا فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِإِشْهَادٍ عَلَى رَدِّهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ ( أَوْ ) لَمْ يُشْهِدْ بِهَا عِنْدَ أَخْذِهَا و ( قَصُرَتْ الْمُدَّةُ ) بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَنَازُعِهِمَا فِي رَدِّهَا ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ بِهَا عِنْدَهُ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ فَالْقَوْلُ لِلْآخِذِ أَنَّهُ رَدَّهَا لَهُ .
الْمُصَنِّفُ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْأَخْذِ قَصْدُهُ لِلتَّوَثُّقِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ عِنْدَ الْإِيدَاعِ ، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الرَّدِّ مَعَهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ، فَالْأَوْلَى إنْ أَشْهَدَ بِهَا عِنْدَهُ رُبَاعِيًّا فِيهَا ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَأَقَامَ صَاحِبُهُ بَيِّنَةً أَنَّ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ الشَّرِكَةِ عِنْدَ الْمَيِّتِ فَلَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يُعْلَمْ مَسْقَطُهَا ، فَإِنْ قَرُبَ مَوْتُهُ مِنْ أَخْذِهَا فِيمَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَمْ يَشْغَلْهَا فِي تِجَارَةٍ فَهِيَ فِي حِصَّتِهِ وَمَا تَطَاوَلَ وَقْتُهُ لَا يَلْزَمُهُ ، أَرَأَيْت لَوْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَبَضَهَا مُنْذُ سَنَةٍ وَهُمَا يَتَّجِرَانِ أَيَلْزَمُهُ ا هـ .
وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ هَذَا وَبِأَنَّ مُحَمَّدًا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ إنْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِهَا شَاهِدَيْنِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ رَدَّهَا وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إقْرَارُهُ بِلَا تَعَمُّدِ إشْهَادٍ وَلَا كِتَابٍ فَكَمَا

قَالَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ اُنْظُرْ قَوْلَهُ وَلَا كِتَابٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِكِتَابٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا بِكِتَابٍ فَقَدْ وُثِّقَ آخِذُهَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى الْبَرَاءَةِ ا هـ .
فِي التَّوْضِيحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ ، وَأَمَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِهَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِشْهَادٍ بِأَنَّهُ رَدَّهَا طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ أَشْهَدَ كَوْنُ الْبَيِّنَةِ قُصِدَتْ لِلتَّوَثُّقِ كَالْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا تُقْبَلُ مَعَهَا دَعْوَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ قَالُوا هِيَ الَّتِي تُشُهِّدَ عَلَى دَفْعِهَا لِلْمُودِعِ .
وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّوَثُّقَ بِشَهَادَتِهِمْ فَلَا ، وَهَذَا الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ إقْرَارُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ إشْهَادٍ فَكَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ بِهَمْزَةٍ فِي أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ رُبَاعِيٌّ ، أَيْ أَشْهَدُ بِهَا قَاصِدًا التَّوَثُّقَ كَمَسْأَلَةِ الْمُودِعِ وَقَدْ نُبِّهَ عَلَى هَذَا " غ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الْحَطّ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ هُوَ الْإِشْهَادُ بِأَخْذِهَا لِقَصْدِ التَّوَثُّقِ ، وَلَا يَسْقُطُ بِطُولٍ لِزَمَانٍ وَلَوْ زَادَ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ ، فَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا فِي قَوْلِهِ إلَّا كَعَشْرٍ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ مَقْصُودٍ بِهِ التَّوَثُّقُ .
وَأَمَّا مَعَهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَفْعِهَا بِإِشْهَادٍ ، فَإِنْ مَاتَ الشَّرِيكُ وَلَمْ يُوصِي بِمَا أَشْهَدَ أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ أَوْ بِإِشْهَادٍ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّوَثُّقُ فَيَكْفِي فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِهَا مُضِيُّ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ كَمَا سَيَأْتِي .
وَفَرَّقَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الشَّرِيكَ

مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا بِخِلَافِ الْمُودِعِ .
الثَّانِي : عُلِمَ مِنْ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ حَيْثُ كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ تَحْتَ يَدِ الْآخِذِ وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّ الْبَعْضَ الَّذِي أَخَذَهُ .
وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِائَةِ وَجَمِيعِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ حَبَسَهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْإِشْهَادُ قُصِدَ لِلتَّوَثُّقِ بِهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ وَإِلَّا فَلَا .
الثَّالِثُ : ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ أَقَرَّ الشَّرِيكُ أَنَّ بِيَدِهِ مِائَةً مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ طُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا ، وَلَوْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ أَنَّهُ رَدَّهَا .
ا هـ .
فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْآخِذِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كَدَفْعِ صَدَاقٍ عَنْهُ فِي أَنَّهُ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ إلَّا أَنْ يَطُولَ كَسَنَةٍ ، وَإِلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى : كَإِرْثِهِ ، وَإِنْ قَالَتْ : لَا نَعْلَمُ

وَشَبَّهَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الضَّمَانَ لِلْمُفَاوَضَةِ فَقَالَ ( كَدَفْعِ صَدَاقٍ ) مِنْ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ ( عَنْهُ ) أَيْ الْآخَرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَوْنَهُ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ أَوْ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ أَوْ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ، ثُمَّ ادَّعَى الدَّافِعُ أَوْ وَارِثُهُ إنْ مَاتَ أَنَّهُ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ وَادَّعَى الْمَدْفُوعُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ ، وَأَنَّهُ رَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ عَكْسُهُ ، أَيْ ادَّعَى الْمَدْفُوعُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْخَاصِّ بِهِ وَالدَّافِعُ أَوْ وَارِثُهُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ ، فَالْقَوْلُ لِلْمَدْفُوعِ عَنْهُ ( فِي أَنَّهُ ) أَيْ الصَّدَاقَ الْمَدْفُوعَ ( مِنْ ) مَالِ ( الْمُفَاوَضَةِ ) وَيُطَالَبُ بِهِ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَطُولَ ) الزَّمَنُ بَيْنَ دَفْعِهِ وَالتَّنَازُعِ ( كَسَنَةٍ ) فَيُصَدَّقُ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ فِي رَدِّهِ لَهَا ، وَيَبْرَأُ مِنْهُ ، وَهَذَا فِي صُورَةِ الْأَصْلِ وَلِلدَّافِعِ أَوْ وَارِثِهِ فِي أَنَّهُ مِنْهَا فِي صُورَةِ الْعَكْسِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا لِ ) شَهَادَةِ ( بَيِّنَةٍ ) بِأَنَّ الصَّدَاقَ الْمَدْفُوعَ حَصَلَ لِلْمَدْفُوعِ عَنْهُ ( عَلَى كَإِرْثٍ ) أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ أَرْش جِنَايَةٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ نَحْوَهَا ، فَيُقْضَى لِلْمَدْفُوعِ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ مَالِهِ وَيَبْرَأُ مِنْهُ إنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ عَلِمْنَا تَأَخُّرَهُ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ ، بَلْ ( وَإِنْ قَالَتْ ) الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِأَنَّهُ مِنْ كَإِرْثٍ ( لَا نَعْلَمُ ) تَأَخُّرَهُ عَنْهَا .
" غ " فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ عَنْ أَخِيهِ وَهُوَ شَرِيكُهُ مُفَاوَضَةَ صَدَاقِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ أَخِيهِ أَوْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ حَتَّى مَاتَ الدَّافِعُ فَقَامَ فِي ذَلِكَ وَرَثَتُهُ ، وَقَالُوا هُوَ مِنْ مَالِ وَلِيِّنَا ، فَأَجَابَ إذَا دَفَعَ وَهُمَا مُتَفَاوِضَانِ ثُمَّ أَقَامَا سِنِينَ كَثِيرَةً فِي تَفَاوُضِهِمَا لَا يَطْلُبُ أَخَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَهَذَا ضَعِيفٌ إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ ، فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا

شَطْرَيْنِ وَيُحَاسَبُ بِهِ الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ .
ا هـ .
فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّ الصَّدَاقَ الْمَدْفُوعَ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ إلَّا فِي وَجْهَيْنِ ، أَحَدِهِمَا ، أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَطُولَ كَسَنَةٍ ، وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي التَّحْدِيدِ بِالسَّنَةِ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا ، وَرَأَى أَنَّ مَا عَارَضَ هَذَا الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ فِي مُقَابَلَةِ سِنِينَ كَثِيرَةٍ غَيْرَ مَقْصُودٍ .
وَثَانِيهِمَا : أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لِبَيِّنَةٍ بِكَإِرْثِهِ ، وَإِنْ قَالَتْ لَا نَعْلَمُ وَهَكَذَا هُوَ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ قَبْلَ إلَّا ، وَهُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَاقِي حُجَّةٌ ، فَإِنَّ الْبَاقِي مِنْ الْأَخَوَيْنِ إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ الصَّدَاقَ الْمَدْفُوعَ كَانَ مِنْ إرْثٍ مَثَلًا كَانَ ذَلِكَ حُجَّةً لَهُ ، وَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ لَا نَعْلَمُ تَأَخُّرَ هَذَا الْإِرْثِ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ فَهَذَا أَمْثَلُ مَا انْقَدَحَ لَنَا فِي تَشْقِيقِ كَلَامِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

وَإِنْ أَقَرَّ وَاحِدٌ بَعْدَ تَفَرُّقٍ أَوْ مَوْتٍ : فَهُوَ شَاهِدٌ فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ
( وَإِنْ أَقَرَّ وَاحِدٌ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِدَيْنٍ مَثَلًا تَدَايَنَاهُ حَالَ شَرِكَتِهِمَا ، وَأَنَّهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِمَا ، وَصِلَةُ أَقَرَّ ( بَعْدَ تَفَرُّقٍ ) بَيْنَمَا مِنْ الشَّرِكَةِ ( أَوْ ) أَقَرَّ بِهِ ( بَعْدَ مَوْتٍ ) لِشَرِيكِهِ وَأَنْكَرَهُ شَرِيكُهُ أَوْ وَارِثُهُ ( فَ ) الْمُقِرُّ ( شَاهِدٌ فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ ) أَيْ الْمُقِرُّ ، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَلِلْمُقَرِّ لَهُ إقَامَةُ آخَرَ مَعَهُ أَوْ الْحَلِفُ ، وَيَسْتَحِقُّ نَصِيبَ غَيْرِهِ وَلَزِمَ الْمُقِرَّ نَصِيبُهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ .

وَأُلْغِيَتْ نَفَقَتُهُمَا وَكِسْوَتُهُمَا ، وَإِنْ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ :
وَ ) إنْ أَنْفَقَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ اكْتَسَى مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ ( أُلْغِيَتْ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُرِكَتْ وَلَمْ تُحْسَبْ ( نَفَقَتُهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا ( وَ ) أُلْغِيَتْ ( كِسْوَتُهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا إنْ كَانَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِبَلَدَيْنِ مُتَّفِقَيْ السِّعْرِ لِلْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَا ( بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ ) لِذَلِكَ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَدُخُولِهِمَا عَلَيْهِ مِنْ قِلَّةِ مُؤْنَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ، فَاسْتُسْهِلَ اخْتِلَافُ السِّعْرَيْنِ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا أَقَامَ لِلتَّجْرِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ .

كَعِيَالِهِمَا إنْ تَقَارَبَا

وَشَبَّهَ فِي الْإِلْغَاءِ فَقَالَ ( كَ ) نَفَقَةِ وَكِسْوَةِ ( عِيَالِهِمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ فَتُلْغَيْ أَيْضًا ( إنْ تَقَارَبَا ) أَيْ الْعِيَالَانِ عَدَدًا وَسِنًّا بِالْعُرْفِ وَلَوْ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لِمَالِكٍ لَغْوُ نَفَقَتِهِمَا إنْ كَانَا ذَوَيْ عِيَالٍ وَلَوْ كَانَا بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ .
الصِّقِلِّيُّ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ لِابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا إذَا تَقَارَبَا فِي الْعِيَالِ ، ثُمَّ قَالَ التُّونُسِيُّ يَنْبَغِي لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عِيَالٌ وَاخْتَلَفَ سِعْرُ بَلَدَيْهِمَا اخْتِلَافًا بَيِّنًا أَنْ تُحْسَبَ النَّفَقَةُ إذْ نَفَقَةُ الْعِيَالِ لَيْسَتْ مِنْ التَّجْرِ .
اللَّخْمِيُّ الْقِيَاسُ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي قَرَارِهِ وَسِعْرِهِ أَغْلَى يُحَاسَبُ بِمَا بَيْنَ السِّعْرَيْنِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ لِتَجْرٍ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَغْلَاهُمَا فَلَا يُحَاسَبُ بِالْفَضْلِ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ فِي قَرَارِهِ وَكَانَ أَغْلَاهُمَا سِعْرًا مَنْ هُوَ فِي قَرَارِهِ دُونَ مَنْ خَرَجَ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ كَانَ لِأَقَلِّهِمَا سِعْرًا أَنْ يُحَاسِبَ الْآخَرَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ لِلْعَادَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِنْفَاقُ مِنْ الْوَسَطِ جَازَ عَلَى مَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْإِنْفَاقِ ، وَفِيهَا لِمَالِكٍ تُلْغَى النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا إنَّمَا أَنْفَقَا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَالْكِسْوَةُ لَهُمَا وَلِعِيَالِهِمَا تُلْغَى لِأَنَّ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ تُلْغَيْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ مِنْ النَّفَقَةِ .
قُلْت وَهَذَا نَصٌّ فِي لُزُومِ كِسْوَةِ مَنْ الْتَزَمَتْ نَفَقَتُهُ ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا فِي النَّفَقَةِ ، وَفِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كِسْوَةً لَيْسَتْ مِمَّا يَبْتَذِلُهُ الْعِيَالُ مِثْلَ الْقَسِّيِّ وَالشَّوْكِيِّ وَالْوَشْيِ ، فَهَذِهِ لَا تُلْغَيْ ، وَأَسْقَطَ شَرْطًا وَهُوَ كَوْنُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً فَقَطْ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كُلُّ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ

إلْغَاءِ النَّفَقَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى النِّصْفِ ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَتُحْسَبُ نَفَقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
اللَّخْمِيُّ وَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَتَسَاوَيَا فِي الْعِيَالِ فَلَا يُنْفِقُ صَاحِبُ الثُّلُثِ إلَّا بِقَدْرِ جُزْئِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ عِيَالِهِ لِيُحَاسَبَ بِذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا إنْ عَقَدَا الشَّرِكَةَ عَلَى ذَلِكَ ، لَوْ كَانَ تَطَوُّعًا بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ كَانَ كَالسَّلَفِ .

وَإِلَّا حَسَبَا كَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهِ
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَقَارَبْ الْعَيَّالَانِ بِأَنْ اخْتَلَفَا عَدَدًا أَوْ سِنًّا اخْتِلَافًا غَيْرَ مُتَقَارِبٍ ( حَسَبَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ مَا أَنْفَقَاهُ عَلَى عِيَالِهِمَا مَا لَمْ يَسْتَوِيَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ اكْتَفَى أَحَدُهُمَا بِجَرِيشِ الطَّعَامِ وَغَلِيظِ اللِّبَاسِ وَالْآخَرُ بِضِدِّهِمَا حُسِبَ كُلُّ مَا أَنْفَقَهُ .
وَشَبَّهَ فِي الْحَسَبِ فَقَالَ ( كَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ( بِهِ ) أَيْ الْعِيَالِ أَوْ الْإِنْفَاقِ فَيُحْسَبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى عِيَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عِيَالٌ وَوَلَدٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عِيَالٌ وَلَا وَلَدٌ حَسَبُ كُلُّ مَا أُنْفِقَ .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الشَّارِحِ و " ق " وَغَيْرِهِمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا وَمَا اشْتَرَى مِنْ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ لِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ فَلِبَائِعِهِ أَخْذُ ثَمَنِهِ مِمَّنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا لِأَنَّ مَالِكًا " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ إنَّهُ يُلْغَى .
اللَّخْمِيُّ إنْ تُسَاوَى الْعِيَالَانِ فِي الْعَدَدِ وَتَبَايَنَا فِي السِّنِّ تَحَاسَبَا بِالْفَضْلِ كَتَبَايُنِ الْعَدَدِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُبْتَذَلُ وَاشْتُرِيَتْ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَرِبْحُهَا لِلشَّرِكَةِ وَخَسَارَتُهَا عَلَى مُشْتَرِيهَا وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ وَزْنِ الثَّمَنِ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ إلَّا عَلَى الْمُفَاضَلَةِ فِيهِ .

وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِنَفْسِهِ ، فَلِلْآخَرِ رَدُّهَا ؛ إلَّا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ
( وَإِنْ اشْتَرَى ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ( جَارِيَةً لِنَفْسِهِ ) لِاسْتِخْدَامِهَا أَوْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَطَأْهَا وَدَفَعَ ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ( فَلِلْآخَرِ رَدُّهَا ) أَيْ الْجَارِيَةِ لِلشَّرِكَةِ وَلَهُ تَرْكُهَا لِمُشْتَرِيهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا ) إذَا كَانَ اشْتَرَاهَا ( لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْآخَرِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا لِلشَّرِكَةِ فَيَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِهَا فَلَهُ رِبْحُهَا وَعَلَيْهِ خُسْرُهَا لِأَنَّ شَرِيكَهُ أَسْلَفَهُ نِصْفَ ثَمَنِهَا ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا بِإِذْنِهِ لِلْخِدْمَةِ ، نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ ، وَنَصُّ الْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهَا إنْ هَلَكَتْ فَلَهُ رِبْحُهَا وَعَلَيْهِ خَسَارَتُهَا ، فَهَذَا قَدْ أَسْلَفَهُ شَرِيكُهُ نِصْفَ ثَمَنِهَا فَلَهُ النَّمَاءُ وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ .
وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِيَطَأهَا عَلَى أَنَّهَا لِلشَّرِكَةِ بِمَعْنَى أَنَّ الرِّبْحَ لَهُمَا وَالْخَسَارَةَ عَلَيْهِمَا فَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَالْمُحَلَّلَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَطَأَهَا رُدَّتْ لِلشَّرِكَةِ ، وَإِنْ وَطِئَهَا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا جَبْرًا عَلَيْهِمَا فَاشْتَرَكَ هَذَا ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ وَافْتَرَقَا مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَاهَا بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ " غ " مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا بِالْوَطْءِ أَوْ بِإِذْنِهِ بِجَرِّ اللَّفْظَيْنِ بِالْبَاءِ ، وَعَطْفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَوْ بَدَلَ قَوْلِهِ إلَّا لِلْوَطْءِ .
أَتَمُّ فَائِدَةٍ حَسْبَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ النُّسْخَةَ تُفِيدُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ ، لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ .
وَفِي الثَّانِي بِإِذْنِهِ ، وَتُفِيدُ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْوَجْهِ مَحِلُّهُ مَا لَمْ يَطَأْ .

وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِلشَّرِكَةِ بِإِذْنِهِ ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ ، وَإِلَّا فَلِلْآخَرِ إبْقَاؤُهَا ، أَوْ مُقَاوَاتُهَا

( وَإِنْ وَطِئَ ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ( جَارِيَةً ) اشْتَرَاهَا ( لِلشَّرِكَةِ ) وَصِلَةُ وَطِئَ ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فِي وَطْئِهَا قُوِّمَتْ عَلَى وَاطِئِهَا جَبْرًا عَلَيْهِمَا ، وَسَوَاءٌ حَمَلَتْ مِنْ وَطْئِهِ أَمْ لَا رَدًّا لِإِعَارَةِ الْفَرْجِ ( أَوْ ) وَطِئَهَا ( بِغَيْرِ إذْنِهِ ) أَيْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ ( وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً عَلَى وَاطِئِهَا وُجُوبًا إنْ كَانَ مَلِيًّا .
الْحَطّ تَنْبِيهٌ هَذَا أَنَّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ لِأَنَّهُ إنْ أُعْدِمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَحَمَلَتْ الْأَمَةُ مِنْهُ فَلَا تُبَاعَ وَيُتْبَعُ بِقِيمَتِهَا فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَتُبَاعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْهَا فِي الْمُحَلَّلَةِ ، وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ شَرِيكَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّمَسُّكِ بِنَصِيبِهِ وَإِتْبَاعِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَاتِّبَاعِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمْلِهَا فَيُبَاعُ نِصْفُهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا فَيَأْخُذُهُ إنْ كَانَ كَفَافًا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا وَتَبِعَهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ دَيْنًا ، وَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُ نِصْفِهَا عَنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا اتَّبَعَهُ بِبَاقِيهِ وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ ، وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْحُكْمِ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ .
وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ مِنْ وَطْئِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ( خُيِّرَ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ( فِي إبْقَائِهَا ) أَيْ الْأَمَةِ لِلشَّرِكَةِ ( وَتَقْوِيمِهَا ) أَيْ الْأَمَةِ عَلَى وَاطِئِهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَمُقَاوَمَتِهَا بِصِيغَةِ

الْمُفَاعَلَةِ وَيُرْجَعُ لِلْأَوَّلِ بِتَكَلُّفٍ ، وَفِي بَعْضِهَا وَمُقَاوَاتُهَا أَيْ الْمُزَايَدَةِ فِيهَا حَتَّى تَقِفَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ شِرَائِهَا لِلشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ وَطْئِهَا ثُمَّ وَطْئِهَا وَشِرَائِهَا لَوَطِئَهَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لَهُمَا وَالْخَسَارَةَ عَلَيْهِمَا ، وَمِثْلُهُمَا شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَوَطْئِهَا .
الثَّانِي : إذَا تَمَسَّكَ الشَّرِيكُ بِنَصِيبِهِ وَلَمْ يُقَوِّمْهَا مَنَعَ وَاطِئَهَا مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا لِئَلَّا يَعُودَ لِوَطْئِهَا وَيُعَاقَبَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ وَلَكِنْ عُقُوبَتُهُ أَخَفُّ مِنْ عُقُوبَةِ الْعَالِمِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ .
الْحَطّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهَا فِي كِتَابِ الْقَذْفِ إنْ وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَمَةً بَيْنَهُمَا وَهُوَ عَالَمٌ بِتَحْرِيمِهِ فَلَا يُحَدُّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَيُؤَدَّبُ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ .
الثَّالِثُ : ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ حَمَلَتْ قُوِّمَتْ عَلَى وَاطِئِهَا يَوْمَ وَطْئِهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَلَحِقَ الْوَلَدُ بِهِ فَهِيَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ وَلَا يَتَمَاسَكُ شَرِيكُهُ بِنَصِيبِهِ مِنْهَا .
اللَّخْمِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَيْضًا تُقَوَّمُ يَوْمَ حَمَلَتْ .
وَقِيلَ يَوْمَ الْحُكْمِ .
وَعَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنْ شَاءَ يَوْمَ الْوَطْءِ ، وَإِنْ شَاءَ يَوْمَ الْحُكْمِ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مُعَسِّرًا فَقَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَرَّةً هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِوَاطِئِهَا وَيَتْبَعُ بِقِيمَتِهَا دَيْنًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى تَخْيِيرِ شَرِيكِهِ فِي تَمَاسُكِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْهَا مَعَ اتِّبَاعِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهَا ، وَفِي تَقْوِيمِهِ نِصْفُهَا وَنِصْفُ قِيمَةِ وَلَدِهَا وَيُبَاع لَهُ نِصْفُهَا فَقَطْ فِيمَا لَزِمَ لَهُ .

وَإِنْ اشْتَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ فَعِنَانٌ
( وَإِنْ شَرَطَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ ( نَفْيَ ) أَيْ عَدَمِ ( الِاسْتِبْدَادِ ) بِالتَّصَرُّفِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَ ) الشَّرِكَةُ ( عِنَانٌ ) أَيْ تُسَمَّى بِهَذَا .
ابْنُ عَرَفَةَ عِيَاضٌ ضَبَطْنَاهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ ، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ فَتْحُهَا وَلَمْ أَرَهُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِفَتْحِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِكَسْرِهَا وَهِيَ جَائِزَةٌ وَلَازِمَةٌ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ شَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ لَزِمَ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْعِنَانِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ شَرِيكِهِ فِي حَضْرَتِهِ وَمَعَ غَيْبَتِهِ ، فَلَوْ شَرَطَا أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَمُوَافَقَتِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى نَفْيِ الِاسْتِبْدَادِ لَزِمَ الشَّرْطُ ، وَتُسَمَّى شَرِكَةَ عِنَانٍ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي تَسْمِيَتِهَا بِهَذَا الِاسْمِ حُصُولُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي نَوْعٍ مِنْ الْمَتْجَرِ أَوْ لَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي نَوْعٍ مَخْصُوصٍ سَوَاءٌ شُرِطَ ذَلِكَ الشَّرْطُ أَمْ لَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ .
وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهِ مِنْ مَاذَا هُوَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَلَا نَعْرِفُهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَعْرِفُهَا ، قِيلَ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ بِبَلَدِهِمْ .
قُلْت وَقَدْ عَلَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحُكْمَ عَلَى شَرِكَةِ الْعِنَانِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْهَا .

وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ وَذِي طَيْرَةٍ : أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْفِرَاخِ

( وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ ) ذَكَرٍ ( وَذِي طَيْرَةٍ ) أُنْثَى ( أَنْ يَتَّفِقَا ) أَيْ ذُو الطَّيْرِ وَذُو الطَّيْرَةِ عَلَى جَمِيعِ الطَّيْرِ وَالطَّيْرَةِ ( عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْفِرَاخِ ) الْحَاصِلَةِ مِنْهُمَا ، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْحَمَامِ لِتَعَاوُنِهِمَا فِي الْحَضْنِ .
ابْنُ سَلْمُونٍ سُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى عَنْ الرَّجُلِ يَجْعَلُ دِيكًا وَيَجْعَلُ الْآخَرُ دَجَاجَةً وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْفَلَالِيسِ ، فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الدِّيكَ لَا يَحْضُنُ .
قَالَ فَإِنْ جَعَلَ أَحَدُهُمَا حَمَامَةً أُنْثَى وَالْآخَرُ ذَكَرًا ، قَالَ جَازَتْ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ الذَّكَرَ يَحْضُنُ كَالْأُنْثَى ، فَفِي شَرِكَةِ الْعُتْبِيَّةِ سَحْنُونٌ أَخْبَرْنَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الرَّجُلِ يَأْتِي بِحَمَامَةٍ أُنْثَى وَيَأْتِي الْآخَرُ بِحَمَامَةٍ ذَكَرٍ ، عَلَى أَنْ تَكُونَ الْفِرَاخُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِرَاخَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا يَتَعَاوَنَانِ جَمِيعًا عَلَى الْحَضَانَةِ .
" غ " ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالْفَوَاتِ لِأَنَّهُ قَالَ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي أَنَّ الزَّرْعَ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ لِصَاحِبَيْ الْعَمَلِ وَالْأَرْضِ يُرِيدُ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْأُنْثَى عَلَى صَاحِبِ الذَّكَرِ بِمِثْلِ نِصْفِ بَيْضِ حَمَامَتِهِ ، وَيَأْتِي عَلَى قِيَاسِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الزَّرْعَ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ لِصَاحِبِ الْبَزْرِ أَنَّ الْفِرَاخَ لِصَاحِبِ الْأُنْثَى لِأَنَّ الْبَيْضَ لَهُ وَلِصَاحِبِ الذَّكَرِ قِيمَةُ حَضَانَتِهِ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ إلَخْ ، ظَاهِرُهُ الْجَوَازُ ابْتِدَاءً وَهُوَ صَرِيحُ ابْنِ يُونُسَ ، وَظَاهِرُ النَّوَادِرِ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَنَقَلَ " غ " أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالْفَوَاتِ فَانْظُرْهُ .
تت تَنْبِيهٌ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِذَوَيْ رَقِيقَيْنِ أَنْ يُزَوِّجَاهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْأَوْلَادِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَبِأَنَّ مِنْ جَاءَ لِشَخْصٍ بِبَيْضٍ ، وَقَالَ لَهُ اجْعَلْهُ تَحْتَ دَجَاجَتِكَ

وَالْفِرَاخُ بَيْنَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ كَمَا أَشْعَرَ لَكِنَّهُ لَمْ يُفِدْ الْحُكْمَ بَعْدَ الْوُقُوعِ ، وَهُوَ أَنَّ الْفِرَاخَ لِصَاحِبِ الدَّجَاجَةِ وَلِصَاحِبِ الْبَيْضِ مِثْلُ بَيْضِهِ .
زَادَ " غ " وَهُوَ مِثْلُ مَنْ جَاءَ بِقَمْحٍ لِرَجُلٍ وَقَالَ ازْرَعْهُ بِأَرْضِك وَمَا يَخْرُجُ بَيْنَنَا فَإِنَّمَا لَهُ مِثْلُهُ وَالزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ .

وَاشْتَرِ لِي وَلَك ، فَوَكَالَةٌ .
وَجَازَ : وَانْقُدْ عَنِّي ، إنْ لَمْ يَقُلْ وَأَبِيعُهَا لَك ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا

( وَ ) إنْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ ( اشْتَرِ ) سِلْعَةَ كَذَا بِكَذَا ( لِي وَلَك فَ ) هِيَ ( وَكَالَةٌ ) عَلَى الشِّرَاءِ خَاصَّةً فَلَا تَتَعَدَّاهُ إلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ الْخَاصَّةَ لَا يَتَعَدَّى الْوَكِيلُ فِيهَا لِغَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَهُوَ الْفَاءُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهَا قَالَ تت ( وَ ) إنْ قَالَ اشْتَرِ لِي وَلَك ( جَازَ ) أَنْ يَقُولَ ( وَانْقُدْ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ ، أَيْ ادْفَعْ ثَمَنَ نَصِيبِي مِمَّا تَشْتَرِيهِ نِيَابَةً ( عَنِّي ) لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ يَصْنَعُهُ الْمَأْمُورُ مَعَ آمِرِهِ بِتَسْلِيفِهِ وَنِيَابَتِهِ عَنْهُ فِي الشِّرَاءِ ( إنْ لَمْ يَقُلْ ) الْآمِرُ ( وَ ) أَنَا ( أَبِيعُهَا ) أَيْ السِّلْعَةَ الَّتِي تَشْتَرِيهَا لِي وَلَك أَيْ أَتَوَلَّى بَيْعَهَا ( لَك ) أَيْ نِيَابَةً عَنْك فِي نَصِيبِك ، فَإِنْ قَالَهُ امْتَنَعَ لِلسَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ وَهِيَ تَوَلِّي الْآمِرُ بَيْعَ نَصِيبِ الْمَأْمُورِ .
الْبَاجِيَّ فَإِنْ وَقَعَ فَالسِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ بَيْعُ نَصِيبِ الْمَأْمُورِ إلَّا تَطَوُّعًا أَوْ بِإِجَازَةٍ صَحِيحَةٍ ، وَيَلْزَمُهُ مَا دَفَعَهُ الْمَأْمُورُ عَنْهُ نَقْدًا ، فَإِنْ كَانَ بَاعَ فَلَهُ جَعْلُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ بَيْعَ نَصِيبِ الْمَأْمُورِ وَلَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ النَّقْدِ لَأَمْسَكَ الْمَأْمُورُ وَلَا يُنْقَدُ وَهُمَا شَرِيكَانِ فِي السِّلْعَةِ فَيَبِيعُ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهَا أَوْ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءٍ .
( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ ( حَبْسُهَا ) أَيْ مَنْعُ الْآمِرِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ السِّلْعَةِ لِلتَّوَثُّقِ فِيمَا دَفَعَهُ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ نَصِيبِهِ .
الْبِسَاطِيُّ إنْ قُلْت لِلْبَائِعِ حَبَسَهَا حَتَّى يَقْبِضَ فَمَا الْفَرْقُ .
قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ عِوَضُ الثَّمَنِ ، وَالْخَارِجَ مِنْ يَدِ الْمُسَلِّفِ لَيْسَ عِوَضَهُ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا وَفِي كُلِّ حَالٍ

إلَّا أَنْ يَقُولَ : وَاحْبِسْهَا ، فَكَالرَّهْنِ ،
( إلَّا أَنْ يَقُولَ ) الْآمِرُ اشْتَرِ لِي وَلَك وَانْقُدْ عَنِّي ( وَاحْبِسْهَا ) حَتَّى أَدْفَعَ لَك نَصِيبِي مِنْ ثَمَنِهَا ( فَ ) يَصِيرُ نَصِيبُ الْآمِرِ مِنْ السِّلْعَةِ ( كَالرَّهْنِ ) عِنْدَ الْمَأْمُورِ فِيمَا يَدْفَعُهُ عَنْهُ أَيْ إذَا اشْتَرَيْتهَا وَصَارَتْ فِي مِلْكِي صَيَّرْتهَا رَهْنًا عِنْدَك فِيمَا تَدْفَعُهُ عَنِّي فَهُوَ عَقْدُ رَهْنٍ مُعَلَّقٌ عَلَى الْمِلْكِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَالرَّهْنِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ ، وَبَيْنَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى تَلَفِهِ وَعَدَمِهِ ، وَلَعَلَّهُ قَالَ كَالرَّهْنِ لِاحْتِيَاطِهِ لِلَفْظٍ صَرِيحٍ مِنْ مَادَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ .

وَإِنْ أَسْلَفَ غَيْرَ الْمُشْتَرِي جَازَ ، إلَّا لِكَبَصِيرَةِ الْمُشْتَرِي

( وَإِنْ أَسْلَفَ غَيْرَ الْمُشْتَرِي ) أَيْ الْآمِرُ الْمُشْتَرِي ثَمَنَ نَصِيبِهِ مِمَّا يَشْتَرِيهِ لَهُمَا ، بِأَنْ قَالَ لَهُ خُذْ هَذَيْنِ الدِّينَارَيْنِ اشْتَرِ بِهِمَا سِلْعَةَ كَذَا لِي وَلَك وَانْقُدْهُمَا عَنِّي وَعَنْك ، وَتَرُدَّ لِي عِوَضَ مَا تَدْفَعُهُ عَنْك إذَا تَيَسَّرَتْ ( جَازَ ) إسْلَافُ الْآمِرِ الْمَأْمُورَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا ) إذَا كَانَ دَفْعُ الْآمِرِ عَنْ الْمَأْمُورِ ( لِكَبَصِيرَةِ ) أَيْ خِبْرَةِ وَمَعْرِفَةِ ( الْمُشْتَرِي ) بِالشِّرَاءِ أَوْ جَاهِهِ أَوْ حَظِّهِ ، فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا .
وَفِي الْبَيَانِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ وَمَنْعُهُ إذَا قَصَدَ نَفْعَ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ .
فِي الْعُتْبِيَّةِ سَحْنُونٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ دَعَا أَخَاهُ إلَى أَنْ أَسُلَفَهُ ذَهَبًا وَيُخْرِجُ مِثْلَهُ وَيُشَارِكُهُ بِهِ وَيَتَّجِرَانِ جَمِيعًا بِهِمَا فِي مَوْضِعِهِمَا أَوْ يُسَافِرَانِ فِي ذَلِكَ ، قَالَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ مِنْهُ لِأَخِيهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ إلَّا الرِّفْقُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَصِيرَةٍ فِي الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ وَإِنْقَاذِ التِّجَارَةِ وَتَعْلِيمِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " بَعْدَ هَذَا الْأَخِيرِ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَتَفْصِيلُهُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ إلَّا الرِّفْقُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ بِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَانَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً ، وَقَدْ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا } ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا قَصَدَ بِهِ نَفْعَ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا

لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا فَرَأَى الْإِمَامُ مَرَّةً النِّيَّةَ فِيهِ مُحْتَمَلَةً فَسَأَلَ عَنْهَا وَصَدَّقَهُ فِيهَا وَمَرَّةً رَآهَا بَعِيدَةً ، وَإِلَّا ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ نَفْعَ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ سُؤَالِهِ إيَّاهُ الشَّرِكَةَ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يُسَلِّفَهُ وَيُشَارِكَهُ لَوَجَبَ أَنْ يَسْأَلَ فِي ذَلِكَ نِيَّتَهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا يُؤْمَرُ بِهِ ابْتِدَاءً وَيُنْهَى عَنْهُ ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ وَادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ نَفْعَ نَفْسِهِ لِيَأْخُذَ سَلَفَهُ مُعَجَّلًا ، إنْ كَانَ أَجَلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ عَرْضًا وَفَاتَ ، فَعَلَى الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ ابْتِدَاءً لَا يُصَدَّقُ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَيُنْهَى عَنْهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ وَيَأْخُذُ سَلَفَهُ مُعَجَّلًا ا هـ .
أَفَادَهُ الْحَطّ ، وَانْظُرْ الْحُكْمَ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَمَلِ .

وَأُجْبِرَ عَلَيْهَا ، إنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِسُوقِهِ ، لَا لِكَسَفَرٍ وَقِنْيَةٍ ، وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ تُجَّارِهِ

( وَأُجْبِرَ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْمُشْتَرِي ( عَلَيْهَا ) أَيْ شَرِكَةٍ غَيْرُهُ مَعَهُ فِيمَا اشْتَرَاهُ ( إنْ اشْتَرَى ) الْمُشْتَرِي الَّذِي تَضَمَّنَهُ اشْتَرَى ( شَيْئًا ) طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ ، وَخَصَّهُ أَشْهَبُ بِالطَّعَامِ بِشَرْطِ كَوْنِ الشِّرَاءِ ( بِسُوقِهِ ) أَيْ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى بِالْفَتْحِ ، وَكَوْنِ شِرَائِهِ لِلتِّجَارَةِ بِهِ فِي بَلَدِ الشِّرَاءِ ( لَا ) إنْ اشْتَرَاهُ ( لِكَسَفَرٍ ) بِهِ لِلتِّجَارَةِ بِبَلَدٍ آخَرَ ( وَ ) لَا إنْ اشْتَرَاهُ ( لِقِنْيَةٍ ) أَوْ عَاقِبَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ فِدَاءِ أَسِيرٍ ، وَإِذَا نُوزِعَ فِي نِيَّتِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ بِقَرِينَةٍ كَكَثْرَةِ مَا اشْتَرَاهُ جِدًّا وَمِنْ الشُّرُوطِ شِرَاؤُهُ ( وَغَيْرُهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي وَاوُهُ لِلْحَالِ ( حَاضِرٌ ) الشِّرَاءَ ( لَمْ يَتَكَلَّمْ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مِنْ تُجَّارِهِ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَشَدِّ الْجِيمِ جَمْعِ تَاجِرٍ ، أَيْ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى .
فَلَوْ غَابَ غَيْرُهُ حِينَ شِرَائِهِ أَوْ حَضَرَ وَزَادَ فِي السَّوْمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ تُجَّارِهِ فَلَا يُجْبَرُ .
الْحَطّ بَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يُبَيِّنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ بَيَّنَ ذَلِكَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَشْرِيكِ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ، وَالْمُرَادُ تَبْيِينُهُ لِتُجَّارِ السِّلْعَةِ الَّذِينَ أَرَادُوا مُشَارَكَتَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مُتَوَلِّي الشِّرَاءِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ أَحَدًا مِنْهُمْ وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ زَادَ ، فَإِذَا بَيَّنَ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ حَضَرَ دُخُولُهُ مَعَهُ ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَتَكَلَّمْ أَنَّهُمْ لَوْ تَكَلَّمُوا حِينَ الشِّرَاءِ وَقَالُوا أَشْرَكْنَا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ سَكَتَ لِجَبْرٍ بِالْأُولَى ، وَلَهُ جَبْرُهُمْ عَلَى مُشَارَكَتِهِ إنْ امْتَنَعُوا مِنْهَا لِظُهُورِ خَسَارَةٍ ، وَلَوْ قَالَ لَا لَا يُجْبَرُ لَهُمْ وَلَا يُجْبَرُونَ لَهُ ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ اشْتَرَى أَنَّهُمْ لَوْ حَضَرُوا السَّوْمَ

فَقَطْ وَاشْتَرَى بَعْدَ ذَهَابِهِمْ فَلَا يُجْبَرُ وَلَوْ قَالُوا لَهُ أَشْرِكْنَا وَلَكِنَّهُ يَحْلِفُ مَا اشْتَرَى لَهُ وَلَهُمْ وَلَوْ أَرَادَهُ هُوَ لَزِمَهُمْ لِسُؤَالِهِمْ ، كَذَا فِي التَّوْضِيحِ .

لَا بِبَيْتِهِ وَهَلْ وَفِي الزُّقَاقِ لَا كَبَيْتِهِ ؟ قَوْلَانِ .
وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ بِسُوقِهِ فَقَالَ ( لَا ) يُجْبَرُ عَلَيْهَا إنْ اشْتَرَاهَا ( بِبَيْتِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ مَجْلِسِهِ أَوْ حَانُوتِهِ بِغَيْرِ سُوقِهِمَا اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ ( وَهَلْ ) يُجْبَرُ إنْ اشْتَرَى بِسُوقِهِ ( وَفِي الزُّقَاقِ ) بِزَايٍ وَقَافَيْنِ ، أَيْ طَرِيقٍ غَيْرِ مُعَدٍّ لِلشِّرَاءِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ ( لَا ) الشِّرَاءُ فِي الزُّقَاقِ ( كَ ) الشِّرَاءِ فِي ( بَيْتِهِ ) فِي عَدَمِ الْجَبْرِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ ، الْجَوَابُ ( قَوْلَانِ ) مُسْتَوِيَانِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ حَكَاهُمَا فِي تَوْضِيحِهِ وَالشَّارِحُ ، وَفِي الشَّامِلِ كَذَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا تت ، وَفِي نُسْخَةٍ وَهَلْ وَفِي الزُّقَاقِ لَا كَبَيْتِهِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْخَرَشِيِّ وعب .

وَجَازَتْ بِالْعَمَلِ ، إنْ اتَّحَدَ ، أَوْ تَلَازَمَ ، وَتَسَاوَيَا فِيهِ ، أَوْ تَقَارَبَا ، وَحَصَلَ التَّعَاوُنُ ، وَإِنْ بِمَكَانَيْنِ

( وَجَازَتْ ) الشَّرِكَةُ ( بِالْعَمَلِ ) اتِّفَاقًا ( إنْ اتَّحَدَ ) الْعَمَلُ كَخَيَّاطَيْنِ ( أَوْ ) اخْتَلَفَ و ( تَلَازَمَ ) بِأَنْ يَلْزَمَ مِنْ رَوَاجِ أَحَدِهِمَا رَوَاجُ الْآخَرِ كَنَسْجٍ وَإِصْلَاحِ غَزْلٍ بِتَهْيِئَتِهِ لِلنَّسْجِ لَا إنْ اخْتَلَفَ وَلَمْ يَتَلَازَمْ ، إذْ قَدْ تَرُوجُ صَنْعَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ صَنْعَةِ الْآخَرِ فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا غَلَّةَ الْآخَرِ بَاطِلًا ( وَتَسَاوَيَا ) أَيْ الْعَامِلَانِ ( فِيهِ ) أَيْ الْعَمَلِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَلَّةِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي الْمُتَّحَدِ ، وَقَدْرِ قِيمَتِهِ فِي الْمُتَلَازِمِ ، فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ فَلِلْأَوَّلِ ثُلُثُ الْغَلَّةِ وَلِلثَّانِي ثُلُثَاهَا ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ اسْتِوَاءِ الْعَمَلَيْنِ أَوْ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَفِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ بِأَنْ يُقَالَ إنْ لَمْ يَسْتَوِيَا فِي الْعَمَلِ ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْغَلَّةِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا .
( أَوْ ) لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ و ( تَقَارَبَا ) فِيهِ عُرْفًا كَعَمَلِ أَحَدِهِمَا زِيَادَةً عَنْ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ يَسِيرًا وَالْآخَرِ النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ ، فَإِنْ احْتَاجَا مَعَ الصَّنْعَةِ لِمَالٍ أَخْرَجَ كُلٌّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ ( وَ ) إنْ ( حَصَلَ التَّعَاوُنُ ) مِنْهُمَا فِي الْعَمَلِ ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَلَا تَجُوزُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ عَنْ صَيَّادِينَ مَعَهُمْ شِبَاكٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَتَعَاوَنُ وَمَا أَصَبْنَا بَيْنَنَا فَنَصَبَ أَحَدُهُمْ شَبَكَتَهُ فَأَخَذَ صَيْدًا وَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرِينَ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا أَصَابَ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ لَا تَحِلُّ .
ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ لَا تَجُوزُ إلَّا فِيمَا يَحْتَاجُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ إلَى التَّعَاوُنِ لِأَنَّهُمْ مَتَى اشْتَرَكُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ كُلٌّ عَلَى حِدَتِهِ كَانَ مِنْ الْغَرَرِ الْبَيِّنِ ، وَتَصِحُّ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ إنْ كَانَ بِمَكَانٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَا ( بِمَكَانَيْنِ ) إنْ اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ .
وَشَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ

اتِّحَادَ صَنْعَتِهِمَا وَمَكَانِهِمَا ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ ابْنُ الْحَاجِبِ .
ابْنُ نَاجِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَاخْتُلِفَ هَلْ مَا بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ خِلَافٌ ، وَهُوَ رَأْيُ اللَّخْمِيِّ أَوْ وِفَاقٌ بِحَمْلِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا بِسُوقٍ وَاحِدٍ أَوْ سُوقَيْنِ نَفَاقُهُمَا وَاحِدٌ وَتَجُولُ أَيْدِيهِمَا بِعَمَلِهِمَا أَوْ يَجْتَمِعَانِ بِمَكَانٍ لِأَخْذِ الْمَصْنُوعَاتِ ، ثُمَّ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَهَا يَذْهَبُ بِهَا لِحَانُوتِهِ بِعَمَلِهِ فِيهِ لِرِفْقِهِ بِهِ لِسَعَتِهِ أَوْ قُرْبِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .

وَفِي جَوَازِ إخْرَاجِ كُلِّ آلَةٍ
( وَفِي جَوَازِ إخْرَاجِ كُلِّ ) مِنْ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ ( آلَةٍ ) لَهَا قَدْرٌ كَآلَةِ النِّجَارَةِ وَالصِّيَاغَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مُخْرِجِهَا ذَاتًا وَمَنْفَعَةً ، هَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاكِهِمَا فِيهَا بِمِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ مِنْ غَيْرِهِمَا ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ ، وَتَأَوَّلَهَا بَعْضٌ آخَرُ عَلَيْهِ تَأْوِيلَانِ وَقَوْلَانِ .

وَاسْتِئْجَارِهِ مِنْ الْآخَرِ ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ ؟ تَأْوِيلَانِ :

وَ ) فِي جَوَازِ ( اسْتِئْجَارِهِ ) لِلْآلَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَيْ اسْتِئْجَارِ غَيْرِ الْمَالِكِ ( مِنْ ) الشَّرِيكِ ( الْآخَرِ ) الْمَالِكِ الْآلَةَ قَدْرُ نَصِيبِهِ مِنْهَا عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ( أَوْ لَا بُدَّ ) فِي صِحَّةِ الشَّرِكَةِ فِي الْعَمَلِ الْمُحْتَاجِ لِآلَةٍ لَهَا بَالٌ ( مِنْ ) اشْتِرَاكِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْآلَةِ ب ( مِلْكٍ ) لَهُمَا ( أَوْ ) ب ( كِرَاءٍ ) لَهَا مِنْ غَيْرِهِمَا ، وَهَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ ، وَتُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا ( تَأْوِيلَانِ ) وَقَوْلَانِ فَقَدْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ تَأْوِيلَانِ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا عَلَيْهِ .
الْحَطّ ذَكَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَسْأَلَتَيْنِ ، أُولَاهُمَا هَلْ يَكْفِي فِي الشَّرِكَةِ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمَا آلَةً مُسَاوِيَةً لِآلَةِ الْآخَرِ ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ ، وَتُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِ أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْآلَةِ بِمِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ وَلَوْ بِأَنْ يَكْتَرِيَ مِنْ شَرِيكِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ، بَلْ صَرِيحُهَا كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الرَّحَى وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ لَكِنَّهُ قَالَ فِيهَا إنْ وَقَعَ مَضَى وَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ .
الثَّانِيَةُ : هَلْ يَكْفِي فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْآلَةِ كَوْنُهَا لِأَحَدِهِمَا وَاسْتِئْجَارُ الْآخَرِ نِصْفَهَا مِنْهُ .
عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ أَوْ الْكِرَاءِ مِنْ غَيْرِهِمَا ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ .
قُلْت كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي تَطَوُّعِ أَحَدِهِمَا بِكَثِيرِ الْآلَةِ ، وَمَسْأَلَةُ الْبَيْتِ وَالرَّحَى صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ ، فَفِي تَسْوِيَةِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي هَذِهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
طفي قَوْلُهُ وَفِي جَوَازِ إخْرَاجِ كُلِّ آلَةٍ تُسَاوِي آلَةَ صَاحِبِهِ وَسَكَتَا عَنْ الْكِرَاءِ ، هَذِهِ ذَاتُ

التَّأْوِيلَيْنِ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ الْجَوَازُ ، وَتَأَوَّلَ عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّلَاثَةِ لِأَحَدِهِمْ الْبَيْتُ وَلِلْآخَرِ الدَّابَّةُ وَلِلْآخَرِ الرَّحَى قَائِلًا إنَّمَا يُمْنَعُ إذَا كَانَ كِرَاءُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَخْتَلِفُ ، وَقَالَ عِيَاضٌ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّلَاثَةِ ظَاهِرُ هَذَا ، أَنَّ مَذْهَبَ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ ، وَصَرَّحَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ مَضَى ، هَذَا تَحْصِيلُ مَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ .
فَقَوْلُ تت تَأْوِيلَانِ وَقَوْلَانِ غَيْرُ ظَاهِرٍ ، إذْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ إلَّا مَا فَهِمَهُ عِيَاضٌ مِنْ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَعَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَاسْتِئْجَارُهُ مِنْ الْآخَرِ فَقَرَّرَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْآلَةَ لِأَحَدِهِمَا وَأَجْرَ نِصْفِهَا لِصَاحِبِهِ وَتَبِعَهُ تت وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ قَائِلًا ، قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْجَوَازُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ عِيَاضًا لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي تَصْوِيرِهِ وَإِنَّمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا أَخْرَجَ كُلٌّ آلَةً وَآجَرَ نِصْفَ آلَةِ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ آلَتِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَأْوِيلَيْنِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا فِي الْمُقَدِّمَةِ .
وَنَصُّهُ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ آلَةِ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ آلَتِهِ هُوَ وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ ، ظَاهِرُ الْكِتَابِ الْجَوَازُ .
وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ الْمَنْعُ إلَّا بِالتَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ وَالْكِرَاءِ مِنْ غَيْرِهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إكْرَاءً وَاسْتَوَيَتَا فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ ، وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ .
ا هـ .
وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ ، فَظَهَرَ أَنَّ كَلَامَهُ اشْتَمَلَ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ آلَةً مُسَاوِيَةً لِآلَةِ صَاحِبِهِ

بِنِصْفِ آلَتِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَأْوِيلَيْنِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهَا الْجَوَازَ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالْمَنْعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ .
الثَّانِيَةِ : أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ آلَةً مُسَاوِيَةً لِآلَةِ صَاحِبِهِ وَيَسْكُتَا عَنْ الْكِرَاءِ وَهِيَ ذَاتُ التَّأْوِيلَيْنِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ نِسْبَةِ الْمُصَنِّفِ لِعِيَاضٍ ، ظَاهِرُ الْكِتَابِ الْجَوَازُ فِي تَصْوِيرِهِ ، وَجَعَلَ فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ وَتَبِعُوهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ نَقَلَ الْحَطَّابُ كَلَامَهُ وَقِبَلَهُ تَقْلِيدًا وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ تت تَأْوِيلَانِ وَقَوْلَانِ فِي هَذَا أَيْضًا ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ذَلِكَ كُلُّهُ ، وَعَلَى فَرْضِ عِيَاضٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ بِالْمَنْعِ ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ بِالْجَوَازِ .
فَإِنْ قُلْت مَا الْحُكْمُ فِيمَا فَرَضُوهُ ، قُلْت صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِجَوَازِهِ ، فَفِيهَا وَأَمَّا إنْ تَطَاوَلَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاةٍ لَا يُلْغَى مِثْلُهَا لِكَثْرَتِهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَشْتَرِكَا فِي مِلْكِهَا أَوْ يَكْتَرِي مِنْ الْآخَرِ نِصْفَهَا ا هـ .
وَلَا شَكَّ فِي مَنْعِهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْمِلْكِ أَوْ الْكِرَاءِ ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِالْخِلَافِ فِيهَا وَأَنَّ جَوَازَهَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَوْلُ بِمَنْعِهَا لِلْعُتْبِيَّةِ فَهِيَ ذَاتُ خِلَافٍ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا نَقَمْنَا عَلَى الْمُصَنِّفِ نِسْبَتَهُمَا لِعِيَاضٍ وَذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ فِيهَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ فِيهَا جَوَازُهَا ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْحَطّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَهَا كَمَا فَرَضُوا قَائِلًا كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَطَوُّعِ أَحَدِهِمَا بِكَثِيرِ الْآلَةِ ، وَفِي مَسْأَلَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالرَّحَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِهَا فَفِي تَسْوِيَةِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ نَظَرٌ ا هـ .
إلَّا أَنَّهُ سَلَّمَ التَّأْوِيلَيْنِ تَقْلِيدًا لِلْمُصَنِّفِ ،

وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا غَيْرُ مُسَلَّمَيْنِ فِيهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ، وَشُدَّ يَدَك عَلَيْهِ ، فَلَعَلَّك لَا تَجِدُ تَحْقِيقَهُ فِي غَيْرِ هَذَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُ عِيَاضٍ وَاخْتَلَفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ إلَخْ ، يُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا تَكُونُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَأْوِيلَانِ ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَاسْتِئْجَارُهُ مِنْ الْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا ، أَيْ وَاسْتِئْجَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ إلَخْ ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ الِاعْتِرَاضُ فِي الْمَتْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) هَذَا فِيمَا يَحْتَاجُ لِآلَةٍ لَهَا قِيمَةٌ ، وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى آلَةٍ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى آلَةٍ لَا قَدْرَ لَهَا كَالْخَيَّاطَةِ ، فَلَا كَلَامَ فِيهِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ قَالَهُ الْحَطّ .
وَمَثَّلَ لِشَرِيكَيْ الْعَمَلِ فَقَالَ كَطَبِيبَيْنِ اتَّحَدَ طِبُّهُمَا كَكَحَّالَيْنِ أَوْ تَلَازَمَ ( اشْتَرَكَا ) أَيْ الطَّبِيبَانِ ( فِي الدَّوَاءِ ) بِشِرَاءٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ أَحَدُهُمَا يَعْمَلُ وَيَشْتَرِي الْآخَرُ ، فَإِنْ اخْتَلَفَ طِبُّهُمَا وَلَمْ يَتَلَازَمْ فَلَا تَصِحُّ شَرِكَتُهُمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ

وَصَائِدَيْنِ فِي الْبَازَيْنِ .
وَهَلْ وَإِنْ افْتَرَقَا ؟ رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا

( وَ ) كَصَائِدَيْنِ اشْتَرَكَا ( فِي ) مِلْكِ أَوْ كِرَاءِ ( الْبَازَيْنِ ) أَوْ الْكَلْبَيْنِ أَوْ أَخْرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا جَارِحًا وَاسْتَأْجَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ جَارِحِ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ جَارِحِهِ أَوْ سَكَتَا أَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا جَارِحًا وَأَكْرَى نِصْفَهُ لِلْآخَرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وِفَاقًا وَخِلَافًا إذَا كَانَ طَلَبُهُمَا وَأَخْذُهُمَا وَاحِدًا لَا يَفْتَرِقَانِ كَمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ .
( وَهَلْ ) يَجُوزُ اشْتِرَاكُهُمَا إنْ اشْتَرَكَا فِي الْجَارِحَيْنِ بِمُلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ مِنْ غَيْرِهِمَا ( إنْ افْتَرَقَا ) أَيْ الصَّائِدَانِ فِي الْمَكَانِ أَوْ الِاصْطِيَادِ أَوْ لَا يَجُوزُ ( رُوِيَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمُدَوَّنَةُ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ إنْ افْتَرَقَا .
الْبُنَانِيُّ لَفْظُهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَصِيدَا بِبَازَيْهِمَا أَوْ كَلْبَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَمْلِكَا رِقَابَهُمَا أَوْ يَكُونَ الْكَلْبَانِ أَوْ الْبَازَانِ طَلَبُهُمَا وَاحِدًا لَا يَفْتَرِقَانِ فَجَائِزٌ .
عِيَاضٌ رُوِيَتْ بِالْوَاوِ وَبِأَوْ وَعَزَا الرِّوَايَةَ بِأَوْ لِأَكْثَرِ النُّسَخِ وَلِرِوَايَتِهِ عَنْ شُيُوخِهِ .
" ق " عَلَى مَعْنَى أَوْ حَمَلَهَا .
ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ عَتَّابٍ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ فَالظَّاهِرُ وَهَلْ إنْ اتَّفَقَا فِي الْمِلْكِ وَالطَّلَبِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَافٍ اُنْظُرْ الْحَطّ ، وَنَصُّهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي شَرِكَةِ الصَّائِدَيْنِ مِنْ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْبَازَيْنِ ، ثُمَّ هَلْ يَجُوزُ وَإِنْ افْتَرَقَا أَوْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ رُوِيَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِمَا ، وَقَدْ يَتَبَادَرُ هَذَا الْفَهْمُ مِنْ كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ لَكِنْ إذَا تَأَمَّلْته وَجَدْته يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا رُوِيَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْبَازَيْنِ وَأَنْ لَا يَفْتَرِقَا بِأَنْ يَكُونَ طَلَبُهُمَا وَاحِدًا ، وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْبَازَيْنِ فَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَإِنْ افْتَرَقَا أَوْ يَجْتَمِعَا فِي الطَّلَبِ فَتَجُوزُ ،

وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي رِقَابِ الْبَازَيْنِ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَصِيدَا بِبَازَيْهِمَا أَوْ كَلْبَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَمْلِكَا رِقَابَهُمَا أَوْ يَكُونَ الْبَازَانِ أَوْ الْكَلْبَانِ طَلَبُهُمَا وَأَخْذُهُمَا وَاحِدٌ لَا يَفْتَرِقَانِ .
عِيَاضٌ كَذَا فِي رِوَايَتِي عَنْ شُيُوخِي ، يَعْنِي بِأَوْ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَيَكُونُ الْبَازَانِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَفْتَرِقُ الصَّائِدَانِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِيهِمَا كَالصَّانِعَيْنِ وَنَحْوِهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَوْ فَاسْتَدَلَّ مِنْهُ الْأَشْيَاخُ عَلَى أَنَّ الِاشْتِرَاكَ إذَا حَصَلَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُهَا وَيَجُوزُ الْإِفْرَاقُ ، وَيُسْتَدَلُّ مِنْهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ التَّسَاوِي فِي الْآلَةِ يَجُوزُ مَعَ الِاشْتِرَاكِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِيهَا .
ا هـ .
فَآخِرُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَافٍ .
وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ الْبُزَاةُ أَوْ الْكِلَابُ مُشْتَرَكَةً جَازَ وَإِنْ افْتَرَقَا فِي الِاصْطِيَادِ .
وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي الْبُزَاةِ وَالْكِلَابِ جَازَتْ الشَّرِكَةُ إنْ كَانَ الصَّيْدُ بِهِمَا مَعًا يَتَعَاوَنَانِ وَلَا يَفْتَرِقَانِ ، فَيَكُونُ مَضْمُونُ الشَّرِكَةِ عَمَلًا بِعَمَلٍ وَلَا يَجُوزُ إذَا افْتَرَقَا ا هـ .
فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَائِدَيْنِ وَهَلْ إنْ اشْتَرَكَا فِي الْبَازَيْنِ وَلَمْ يَفْتَرِقَا أَوْ أَحَدُهُمَا كَافٍ رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا لَكَانَ مُوفِيًا بِالرِّوَايَتَيْنِ ، وَعَلَى رِوَايَةٍ أَوْ اخْتَصَرَهَا .
ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ قَوْلًا كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى .
التُّونُسِيُّ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَازٌ وَلِلْآخَرِ كَلْبٌ وَكَانَا يَتَعَاوَنَانِ فِي الصَّيْدِ فَيَجُوزُ .

وَحَافِرَيْنِ بِكَرِكَازٍ ، وَمَعْدِنٍ ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ ، وَأَقْطَعَهُ الْإِمَامُ ، وَقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ

( وَ ) كَ ( حَافِرَيْنِ ) اشْتَرَكَا ( بِ ) حَفْرٍ عَلَى كَ ( رِكَازٍ ) أَيْ مَدْفُونٍ جَاهِلِيٍّ ( وَمَعْدِنٍ ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَبِئْرٍ وَعَيْنٍ وَقَبْرٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَوْضِعُ : الْمُتَيْطِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ هَذَا فِي غَارٍ مِنْ مَعْدِنٍ ، وَهَذَا فِي غَارٍ سِوَاهُ ( وَ ) إنْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِشَخْصٍ فِي الْعَمَلِ فِي مَعْدِنٍ وَأَخَذَ خَارِجَهُ لِنَفْسِهِ وَمَاتَ الْمَأْذُونُ لَهُ قَبْلَ تَمَامِهِ ( لَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ ) أَيْ الْمَأْذُونِ لَهُ ( بَقِيَّتَهُ ) أَيْ الْمَعْدِنِ ( وَ ) رَجَعَ حُكْمُهُ لِلْإِمَامِ فَ ( أَقْطَعَهُ ) أَيْ أَعْطَى الْمَعْدِنَ ( الْإِمَامُ ) لِمَنْ شَاءَ مِنْ وَارِثِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ .
( وَقُيِّدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ وَارِثِهِ بَقِيَّةَ الْمَعْدِنِ ( بِمَا ) إذَا ( لَمْ يَبْدُ ) أَيْ يَظْهَرُ النَّيْلُ بِعَمَلِ مُوَرِّثِهِ أَوْ يُقَارِبُ الْبُدُوَّ ، فَإِنْ بَدَا أَوْ قَارَبَ بُدُوَّهُ بِعَمَلِهِ وَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا أَوْ أَخَرَجَ بَعْضَهُ وَإِنْ زَادَ الْعُرْفُ عَلَى مُقَابِلِ عَمَلِهِ فِيمَا يَظْهَرُ اسْتَحَقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ النَّيْلُ الَّذِي بَدَا أَوْ قَارَبَ ، وَإِنْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ كُلَّهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ وَارِثُهُ بَقِيَّةَ الْعَمَلِ .
الْحَطّ وَالْمُقَيِّدُ بِذَلِكَ الْقَابِسِيُّ ، وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ النَّيْلَ فَلَا يُوَرَّثُ حَظُّهُ مِنْ الْمَعْدِنِ ، وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهُ لِمَنْ يَرَى وَيَنْظُرَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ ا هـ .
فِي النُّكَتِ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَدْرَكَا نَيْلًا أَنَّهُمَا أَخْرَجَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ التَّمَادِي عَلَى الْعَمَلِ فِي الْمَعْدِنِ إلَّا بِإِقْطَاعٍ مِنْ الْإِمَامِ لَهُمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَا شَيْئًا ا هـ ، فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَسْتَحِقُّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ

يُرِيدُ بِهِ فِي الْأَنْيَالِ الَّتِي لَمْ تَبْدُ .
وَأَمَّا النَّيْلُ الَّذِي بَدَا وَعَمَلَ فِيهِ أَوْ قَارَبَ أَنْ يَبْدُو فَلِوَرَثَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ لَفْظُ التَّهْذِيبِ قُلْت فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ النَّيْلَ قَالَ قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمَعَادِنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا إذَا مَاتَ صَاحِبُهَا الَّذِي عَمِلَهَا أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ غَيْرَهُ فَأَرَى الْمَعَادِنَ لَا تُورَثُ ا هـ .
عِيَاضٌ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ إذْ لَمْ يُجِبْ عَنْ مَسْأَلَتِهِ ، وَإِنَّمَا أَجَابَ عَنْ حُكْمِ الْمَعْدِنِ فِي الْجُمْلَةِ ، فَإِنْ أَدْرَكَ النَّيْلَ كَانَ لِوَرَثَتِهِ ا هـ .
طفي وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهَا مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ النَّيْلَ يُنَافِي الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ ، حَمَلَهُ الْقَابِسِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ أَخْرَجَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ فَلَوْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ مَا صَحَّ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ .

وَلَزِمَهُ مَا يَقْبَلُهُ صَاحِبُهُ وَضَمَانُهُ وَإِنْ تَفَاصَلَا

( وَ ) إنْ اُسْتُؤْجِرَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الشَّرِيكَ الَّذِي كَانَ غَائِبًا حِينَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ الْعَمَلُ فِي ( مَا يَقْبَلُهُ ) أَيْ يَسْتَأْجِرُ عَلَى عَمَلِهِ صَاحِبَهُ ، أَيْ شَرِيكَهُ فِي الْعَمَلِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا عَقْدُهُمَا مَعًا ( وَ ) لَزِمَهُ أَيْضًا ( ضَمَانُهُ ) أَيْ مَا يَقْبَلُهُ ( صَاحِبُهُ ) إنْ اسْتَمَرَّا عَلَى الشَّرِكَةِ ، بَلْ وَلَوْ ( تَفَاصَلَا ) مِنْ الشَّرِكَةِ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا يَقْبَلُهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلصَّنْعَةِ لَزِمَ الْآخَرَ عَمَلُهُ وَضَمَانُهُ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَإِنْ افْتَرَقَا .
اللَّخْمِيُّ إنْ عَقَدَ الشَّرِيكَانِ الْإِجَارَةَ عَلَى عَمَلٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَ فَعَلَى الْآخَرِ أَنْ يُوَفِّيَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ الْعَمَلِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَلَى أَعْيَانِهِمَا لِأَنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ اشْتَرَكَا .
أَحْمَدُ بَابَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَلِفَ قَبْلَ الْمَقَالَةِ فَالْمُبَالَغَةُ ضَائِعَةٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَهَا فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِمَّنْ هَلَكَ بِيَدِهِ .
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَلَفُهُ بَعْدَهَا وَضَمِنَاهُ كَضَمَانِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا اقْتَسَمَا الْمَالَ وَضَاعَ مَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَضَمَانُهُ عَلَيْهِمَا لِتَعَدِّي وَاضِعِ الْيَدِ بِاسْتِقْلَالِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَالْآخَرِ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ .
ا هـ .
وَقَرَّرَهُ الْحَطّ بِتَلَفِهِ قَبْلَهَا وَتَأَخُّرِ الطَّلَبِ بِهِ بَعْدَهَا ، وَنَصُّهُ يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ إذَا قَبِلَ شَيْئًا لِيَعْمَلَا فِيهِ لَزِمَ شَرِيكَهُ الْآخَرَ أَنْ يَعْمَلَهُ مَعَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْقِدَا مَعًا ، وَيَلْزَمُ أَحَدَهُمَا الضَّمَانُ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ وَإِنْ افْتَرَقَا ، كَمَا إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا لِيَعْمَلَا فِيهِ فَتَلِفَ ثُمَّ تَفَارَقَا فَجَاءَ صَاحِبُهُ يَطْلُبُ بِهِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ ، فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَيْهِمَا مَعًا .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا يَقْبَلُ أَحَدُ

الشَّرِيكَيْنِ إلَى آخَرِ مَا تَقَدَّمَ .
الْبُنَانِيُّ فَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ الْمُدَوَّنَةَ فِي الْمُبَالَغَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأُلْغِيَ مَرَضُ كَيَوْمَيْنِ وَغَيْبَتُهُمَا ، لَا إنْ كَثُرَ

وَأُلْغِيَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يُعْتَبَرُ ( مَرَضُ ) أَحَدِ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ ( كَيَوْمَيْنِ وَ ) أُلْغِيَتْ ( غَيْبَتُهُمَا ) أَيْ الْيَوْمَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا فَمَا عَمَلَهُ أَحَدُهُمَا فِي مُدَّةِ مَرَضِ الْآخَرِ أَوْ غَيْبَتِهِ فَأُجْرَتُهُ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا ( لَا ) يُلْغَى مَرَضُ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْبَتُهُ ( إنْ كَثُرَ ) أَيْ طَالَ زَمَنُ الْمَرَضِ أَوْ الْغَيْبَةِ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ أَوْ غَابَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ ، فَإِنَّ الْعَامِلَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَعْقِدَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمَا أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمِلَ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا .
( تَنْبِيهَاتٌ ) : الْأَوَّلُ قَوْلُهُ كَيَوْمَيْنِ يُفِيدُ أَنَّ مَا قَارَبَهُمَا لَهُ حُكْمُهُمَا ، وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْيَوْمَيْنِ ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ ، وَكَأَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى الْعُرْفِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَا بَاعَهُ الْآخَرُ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ أَنَّ الْقَرِيبَ الثَّلَاثَةُ وَالْبَعِيدَ الْعَشَرَةُ ، وَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا يَلْحَقُ بِمَا قَارَبَهُ ا هـ ، وَيَنْبَغِي مِثْلُهُ فِيمَا يُشْبِهُهُ مِنْ الْأَبْوَابِ .
الثَّانِي : ضَمِيرُ غَيْبَتِهِمَا رَاجِعٌ إلَى الْيَوْمَيْنِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ .
الثَّالِثُ : هَلْ يُلْغَى مِنْ الْكَثِيرَةِ يَوْمَانِ .
الْبِسَاطِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُلْغَى مِنْهَا شَيْءٌ .
الْحَطّ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَهُ .
الرَّابِعُ : عُلِمَ مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَ أَنَّ الْمَوْتَ كَالْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ ،

عَلَيْهِ فَيَنْغِي أَنْ يُقَالَ إنْ عَمِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ يَوْمَيْنِ أُلْغِيَ وَإِنْ كَثُرَ فَلَا يُلْغَى .
الْخَامِسُ : عُلِمَ مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا إلَخْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِ الشَّيْءِ الَّذِي يَعْمَلَانِ فِيهِ فِي صِحَّتِهِمَا أَوْ مَرَضِ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
السَّادِسُ : ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا فِي شَرِكَةِ الْعَمَلِ ، وَأَمَّا فِي شَرِكَةِ الْمَالِ فَلِلَّذِي عَمِلَ نِصْفُ أُجْرَةِ عَمَلِهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَالْفَضْلُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَالَ جَرَّهُ .
وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إنْ مَرِضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ، فَإِنْ كَانَتْ مَالِيَّةٌ بَيْنَهُمَا فَالرِّبْحُ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ لِأَنَّ سَبَبَ الرِّبْحِ الْمَالُ .
وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ مِمَّا الْغَالِبُ التَّسَامُحُ فِيهِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ لِلْمُعَافَى عَلَى الْمَؤُوفِ ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهَلْ يَكُونُ الْمُعَافَى مُتَطَوِّعًا لِلْمَؤُوفِ قَوْلَانِ .
أَشْهَبُ مُتَطَوِّعٌ لَهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ مُتَطَوِّعًا لَهُ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ، وَيَخْتَصُّ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ .
ا هـ .
وَالْمَؤُوفُ هُوَ الْمَرِيضُ .
السَّابِعُ : اللَّخْمِيُّ إنْ عَقَدَ أَحَدُهَا إجَارَةً بَعْدَ طُولِ الْمَرَضِ أَوْ الْغَيْبَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ لِانْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ وَضَمَانِ مَا هَلَكَ إنْ لَمْ تَنْقَطِعْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ انْقَطَعَتْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضٍ وَأَقَرَّهُ .
الثَّامِنُ : لَمْ يُفْهَمْ مِنْ قَوْلِهِ لَا إنْ كَثُرَ كَيْفَ يَعْمَلُ ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْعَامِلِ بِأُجْرَةِ مَا عَمِلَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ عَقَدَ الشَّرِيكَانِ الْإِجَارَةَ عَلَى عَمَلٍ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ فَعَلَى الْآخَرِ أَنْ يُوفِيَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ الْعَمَلِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي أَعْيَانِهِمَا

لِاشْتِرَاكِهِمَا عَلَى ذَلِكَ وَلِدُخُولِ مُسْتَأْجَرِهِمَا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُمَا مُتَضَامِنَانِ فَيَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مَا يَلْزَمُ الْآخَرَ .
وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا مَرَضًا خَفِيفًا أَوْ طَوِيلًا أَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ فَعَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَاضِرِ الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ ، وَكَذَا إذَا عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَى شَيْءٍ فِي أَوَّلِ الْمَرَضِ ثُمَّ بَرَأَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ ، أَوْ فِي سَفَرِ أَحَدِهِمَا إلَى مَكَان قَرِيبٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي أَنَّ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَاضِرِ الْقِيَامَ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ ، هَذَا فِي حَقِّ الَّذِي لَهُ الْعَمَلُ ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُسَمَّى الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ، وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي رُجُوعِ الَّذِي عَمِلَ عَلَى صَاحِبِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا وَالسَّفَرُ قَرِيبًا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْعَفْوُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَوْلَاهَا لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ .
إنْ طَالَ الْمَرَضُ أَوْ السَّفَرُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ .
ا هـ .
وَالْأُجْرَةُ الَّتِي آجَرَا بِهَا بَيْنَهُمَا وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَأَبُو الْحَسَنِ وَالرَّجْرَاجِيُّ وَتَقَدَّمَ فِي السَّادِسِ نَصُّهُ أَفَادَهُ الْحَطّ .
طفي فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ ، الْأَوَّلِ : رَدُّهُ عَلَى الشَّارِحِ وَكَلَامُهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَإِذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ أَوْ غَابَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ ، فَإِنَّ الْعَامِلَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ ذَلِكَ .
أَبُو الْحَسَنِ وَإِنْ لَمْ يُحِبَّ فَلَا يُعْطِيهِ .
ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إذَا تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا بَعْدَ طُولِ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ أَوْ مَرَضِهِ فَهُوَ لَهُ ، وَإِذَا تَقَبَّلَا جَمِيمًا ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا غَيْبَةً

طَوِيلَةً كَانَتْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا ، وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى شَرِيكِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ حَمِيلًا لِصَاحِبِهِ بِالْعَمَلِ .
ا هـ .
وَنَحْوِهِ اللَّخْمِيُّ .
الثَّانِي : قَوْلُهُ وَكَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ ، مَعَ أَنَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِالْمُرَادِ .
الثَّالِثِ : جَزْمُهُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا ، وَإِطْلَاقُهُ فِي ذَلِكَ وَاسْتِدْلَالُهُ بِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ مَعَ تَفْصِيلِهِ كَبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ ، وَقَدْ نَقَلَ هُوَ كَلَامَهُ ، وَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ .
وَأَمَّا نَقْلُهُ عَنْ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا وَيُطَالِبُهُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَخِلَافُ تَفْصِيلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَاللَّخْمِيِّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ تَبِعَهُ عج وَمَنْ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ كَلَامِهِ فِيمَا قَبِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ وَالْمَرَضِ الطَّوِيلِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ التَّنْبِيهَاتِ قَالَ التَّنْبِيهُ الثَّامِنُ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَوْ عَقَدَ أَحَدُهُمَا إجَارَةً بَعْدَ طُولِ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ حِينَئِذٍ قَدْ انْقَطَعَتْ .
ا هـ .
فَهَذَا يُقَيِّدُ إطْلَاقَهُ أَوَّلًا ، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لِأَنَّ اللَّخْمِيَّ فَرَضَ الْكَلَامَ أَوَّلًا فِيمَا عَقَدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ أَوْ الْمَرَضِ الطَّوِيلِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَيَرْجِعُ بِأُجْرَةِ نِصْفِ الْعَمَلِ ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ مَا قَبِلَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ الطَّوِيلِ ، وَلِكَوْنِ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَهُ بَعِيدًا جَزَمَ عج وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ أُجْرَةِ الْعَمَلِ وَلَمْ يُفَصِّلْ .

وَفَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِهِ
( وَفَسَدَتْ ) شَرِكَةُ الْعَمَلِ ( بِ ) سَبَبِ ( اشْتِرَاطِهِ ) أَيْ لَغْوِ كَثِيرِ الْمَرَضِ أَوْ الْغَيْبَةِ ، وَمَفْهُومُ اشْتِرَاطِهِ أَنَّهُمَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ وَأَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نَصِيبَهُ مِمَّا عَمِلَهُ جَازَ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَفِيهَا وَإِذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ أَوْ غَابَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ ، فَإِنَّ الْعَامِلَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ إنْ لَمْ يَعْقِدَا أَصْلَ الشَّرِكَةِ ، عَلَى أَنَّ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمَا أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمِلَ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَقَدَا عَلَى هَذَا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ كَانَ مَا اجْتَمَعَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا وَمَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً .
ا هـ .
زَادَ الْقَرَافِيُّ عَقِبَ قَوْلِهِ لَمْ تَجُزْ لِلْغَرَرِ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ كَلَامَهَا الْمَذْكُورَ يُرِيدُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ إنْ لَمْ يَعْقِدَا عَلَى هَذَا لَا نَبْغِي أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الَّذِي لَوْ صَحَّ هَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا ، وَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ وَيُتَسَامَحُ فِي الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ التَّفَاضُلِ الْيَسِيرِ .
وَأَمَّا إذَا فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ فَلَا يُسْمَحُ فِي ذَلِكَ ا هـ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْقَدْرُ لَهُ ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ جُزْءَ الْجُمْلَةِ هَلْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا كَمَنْ يَسْجُدُ عَلَى أَنْفِهِ وَهُوَ يُومِئُ ، وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ فِي التَّنْبِيهُ الثَّالِثِ مِنْ الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ .

كَكَثِيرِ الْآلَةِ ،
وَشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ فَقَالَ ( كَ ) انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِ ( كَثِيرِ الْآلَةِ ) لِعَمَلِهِمَا فَيُفْسِدُ الشَّرِكَةَ .
الْحَطّ وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَاحْتُرِزَ بِكَثِيرِهَا مِنْ يَسِيرِهَا فَتَطَوُّعُ أَحَدِهِمَا بِهِ لَا يُفْسِدُهَا ، هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَبِهِ قَرَّرَ الشَّارِحُ ، وَقَيَّدَهُ الْبِسَاطِيُّ بِالِاشْتِرَاطِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهَا فَفِيهَا وَإِنْ تَطَاوَلَ أَحَدُ الْقَصَّارَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ تَافِهٍ مِنْ الْمَاعُونِ لَا قَدْرَ لَهُ فِي الْكِرَاءِ كَالْقَصْرِيَّةِ وَالْمِدَقَّةِ جَازَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إنْ تَطَاوَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِأَدَاةٍ لَا يُلْغَى مِثْلُهَا لِكَثْرَتِهَا فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَرِكَا فِي مِلْكِهَا ، أَوْ يَكْتَرِي مِنْ الْآخَرِ نِصْفَهُ ا هـ الْحَطّ .
وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ إذَا تَطَوَّعَ أَحَدُهُمَا بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
طفي أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى تَطَاوَلَ تَفَضَّلَ ، ثُمَّ قَالَ قَوْلُهَا لَا يَجُوزُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا تُلْزِمُ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا تُلْزِمُ بِالْعَقْدِ فَتَجُوزُ .
ا هـ .
فَحَمَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ عَلَى التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَخَّرَهُ أَبُو الْحَسَنِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ .
وَفَهِمَهَا الْحَطّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَطَوَّلَ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ ، وَبِهِ قَرَّرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَتْرُوكًا عَلَى الْبِسَاطِيِّ ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ وَتَبِعَهُ عج ، وَنَقَلَ كَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ قَبْلَ هَذَا وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ .
الْبُنَانِيُّ مَا لِابْنِ رُشْدٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي شَرِكَةِ الْمَالِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ ، وَجَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى لُزُومِهَا بِهِ ، وَكَلَامُ الْحَطّ جَارٍ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ

( وَهَلْ يُلْغَى ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ( الْيَوْمَانِ ) أَيْ مَرَضُهُمَا وَغَيْبُهُمَا فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ بِسَبَبِ اشْتِرَاطِ إلْغَاءِ الْكَثِيرِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي أُجْرَةِ عَمَلِ الْيَوْمَيْنِ ، وَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِأُجْرَةِ الْعَمَلِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا ( كَ ) إلْغَائِهِمَا فِي الشَّرِكَةِ ( الصَّحِيحَةِ ) وَهَذَا لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَوْ لَا يُلْغَيَانِ فَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِيهِمَا أَيْضًا ، وَهَذَا لِابْنِ يُونُسَ ، فِي الْجَوَابِ ( تَرَدُّدٌ ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَهُ تت .
الْحَطّ وَجَعَلَ الشَّارِحَانِ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَاللَّخْمِيِّ ، مَعْنَى قَوْلِهِ وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ .
قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ يُلْغَى ذَلِكَ وَيَخْتَصُّ بِمَا زَادَ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا يُلْغَى ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ وَنَحْوِهِ فِي الصَّغِيرِ وَفِي الشَّامِلِ فَإِنْ شُرِطَ عَدَمُهُ فِي الْعَقْدِ أَوْ كَثِيرُ آلَةٍ فَسَدَتْ وَلَا يُلْغَى الْيَوْمَانِ فِيهِمَا عَلَى الْأَظْهَرِ ا هـ .
الْحَطّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَلَا يُسَامَحُ بِالْيَسِيرِ فِي الْفَاسِدَةِ ، وَإِنَّمَا يُسَامَحُ فِيهِ فِي الصَّحِيحَةِ فَكَلَامُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ كَلَامِهِ عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَلَوْ اشْتَرَكَا عَلَى الْعَفْوِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ كَانَتْ شَرِكَةً فَاسِدَةً وَلَوْ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ ، لَكَانَ التَّرَاجُعُ بَيْنَهُمَا فِي قَرِيبِ ذَلِكَ وَبَعِيدِهِ ا هـ .
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ بِلَغْوِ الْيَوْمَيْنِ فِي الْفَاسِدَةِ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ وَالرَّجْرَاجِيِّ وَالذَّخِيرَةِ وَابْنِ عَرَفَةَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ وَهَلْ يُلْغَى

الْيَوْمَانِ كَالْقَصِيرَةِ تَرَدُّدٌ ، وَيَكُونُ مُرَادُهُ وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ مِنْ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ كَمَا يُلْغَيَانِ فِي الْقَصِيرَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ أَوْ لَا يُلْغِيَانِ ، وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ أَبُو الْحَسَنِ لِلَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَبِاشْتِرَاكِهِمَا بِالذِّمَمِ أَنْ يَشْتَرِيَا بِلَا مَالٍ وَهُوَ بَيْنَهُمَا

وَذَكَرَ شَرِكَةَ الذِّمَمِ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْوُجُوهِ أَيْضًا فَقَالَ ( وَ ) فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ ( بِاشْتِرَاكِهِمَا ) أَيْ الشَّخْصَيْنِ ( بِالذِّمَمِ ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ ذِمَّةٍ بِكَسْرِهَا وَشَدِّ الْمِيمِ وَهِيَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ( أَنْ يَشْتَرِيَا ) مَا تَيَسَّرَ لَهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ( بِلَا مَالٍ ) مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا يَدْفَعَانِ مِنْهُ ثَمَنَ مَا يَشْتَرِيَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا ، وَيَكُونُ ثَمَنُهُ دَيْنًا بِذِمَّتِهِمَا ، وَبَيَّنَ الْحُكْمَ بَعْدَ الْوُقُوعِ فَقَالَ ( وَهُوَ ) أَيْ مَا اشْتَرَيَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا مُشْتَرَكٌ ( بَيْنَهُمَا ) عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُهَا يَخْتَصُّ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ أَوْ بِعَمَلِ الْأَبْدَانِ إنْ كَانَ صَنْعَةً وَاحِدَةً فَأَمَّا بِالذِّمَمِ بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ابْتَاعَ الْآخَرُ فَلَا تَجُورُ كَانَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِبَلَدَيْنِ يُجَهِّزُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي الرَّقِيقِ أَوْ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ أَوْ بَعْضِهَا ، وَكَذَا اشْتِرَاكُهُمَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَالَ لِصَاحِبِهِ تَحْمِلُ عَنِّي بِنِصْفِ مَا أَشْتَرِي وَأَتَحَمَّلُ عَنْك بِنِصْفِ مَا تَشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِكَا فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ حَاضِرَةٍ أَوْ غَائِبَةٍ فَيَبْتَاعَانِهَا بِدَيْنٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ا هـ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، قَالَ فِيمَا يَأْتِي وَأَكْرَهُ أَنْ يُخْرِجَا مَالًا عَلَى أَنْ يَتَّجِرَا بِهِ وَبِالدَّيْنِ مُفَاوَضَةً ، فَإِنْ فَعَلَا فَمَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَبَيْنَهُمَا وَإِنْ جَاوَزَ رَأْسَ مَالَيْهِمَا .
ا هـ .
وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْمَنْعُ قَالَ فِيهَا فَإِذَا وَقَعَ بِالذِّمَمِ فَمَا اشْتَرَيَا فَبَيْنَهُمَا عَلَى مَا عَقَدَا وَتُفْسَخُ الشَّرِكَةُ مِنْ الْآنِ .
أَبُو الْحَسَنِ الْفَسْخُ

دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ الْمَنْعُ ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي الرَّجُلِ قَالَ لِصَاحِبِهِ اُقْعُدْ فِي هَذَا الْحَانُوتِ تَبِيعُ فِيهِ ، وَأَنَا آخُذُ الْمَتَاعَ بِوَجْهِي وَالضَّمَانُ عَلَيَّ وَعَلَيْك ، قَالَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَعَامَلَا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ أُجْرَةَ مَا يَفْضُلُهُ بِهِ فِي الْعَمَلِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلضَّمَانِ إذَا عَمِلَا بِمَا تَدَايَنَا بِهِ كَمَا يَتْبَعُ الْمَالُ إذَا عَمِلَا بِمَا أَخْرَجَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمَالِ .
ا هـ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَقْعَدْت صَانِعًا فِي حَانُوتٍ عَلَى أَنْ تَنْقُلَ إلَيْهِ الْمَتَاعُ وَيَعْمَلُ هُوَ فِيمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَكُمَا نِصْفَيْنِ فَلَا يَجُوزُ .
ا هـ .
وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي رَجُلٍ قَالَ اُقْعُدْ فِي حَانُوتٍ وَأَنَا آخُذُ لَك مَتَاعًا تَبِيعُهُ وَلَك نِصْفُ رِبْحِهِ أَوْ ثُلُثُهُ ، فَلَا يَصْلُحُ ، فَإِنْ عَمِلَا عَلَيْهِ فَلِلَّذِي فِي الْحَانُوتِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلَّذِي أَجْلَسَهُ فِي الْحَانُوتِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلضَّمَانِ ، فَإِنْ كَانَ ضَمَانُ السِّلَعِ مِنْ الَّذِي أَجْلَسَهُ وَجَبَ كَوْنُ جَمِيعِ الرِّبْحِ لَهُ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ أَفَادَهُ الْحَطّ .

وَكَبَيْعِ وَجِيهٍ مَالٍ خَامِلٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ
وَذَكَرُ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرًا ثَانِيًا لِشَرِكَةِ الْوُجُوهِ فَقَالَ ( وَكَبَيْعِ ) شَخْصٍ تَاجِرٍ ( وَجِيهٍ ) أَيْ مَرْغُوبٍ فِي الشِّرَاءِ مِنْهُ مَشْهُورٍ بَيْنَ النَّاسِ ( مَالَ ) أَيْ عَرْضَ تَاجِرٍ ( خَامِلٍ ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ، أَيْ خَفِيٍّ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَرْغَبُونَ فِي شِرَاءِ عُرُوضِهِ ، وَصِلَةُ بَيْعٍ ( بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ ) أَيْ مَالِ الْخَامِلِ كَثُلُثِهِ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ ، وَإِنْ نَزَلَ فَلِلْوَجِيهِ جَعْلُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَلِلْمُشْتَرِي رَدُّ السِّلْعَةِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً ، وَإِنْ فَاتَتْ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ قِيمَتِهَا لِأَنَّ الْوَجِيهَ غَشَّهُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ ، وَفُسِّرَتْ بِأَنَّ بَيْعَ الْوَجِيهِ مَالَ الْخَامِلِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ .
وَقِيلَ هِيَ شَرِكَةُ الذِّمَمِ يَشْتَرِيَانِ وَيَبِيعَانِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَكِلْتَاهُمَا فَاسِدَةٌ وَتُفْسَخُ ، وَمَا اشْتَرَيَاهُ فَبَيْنَهُمَا عَلَى الْأَشْهَرِ ا هـ وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ ، وَنُسِبَ الْأَوَّلُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَالثَّانِي لِعَبْدِ الْوَهَّابِ .

وَكَذِي رَحًى وَذِي بَيْتٍ ، وَذِي دَابَّةٍ لِيَعْمَلُوا إنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْكِرَاءُ وَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ ، وَتَرَادُّوا الْأَكْرِيَةَ

وَعَطَفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي الْفَسَادِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ ( وَ كَ ) شَرِكَةِ ( ذِي ) أَيْ صَاحِبِ ( رَحًى ) أَيْ آلَةِ طَحْنِ الْحَبِّ ( وَذِي بَيْتٍ ) تُنْصَبُ الرَّحَى فِيهِ ( وَذِي دَابَّةٍ ) أَيْ بَعِيرٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ بَقَرَةٍ تَدُورُ بِالرَّحَى ( لِيَعْلَمُوا ) أَيْ الثَّلَاثَةُ فِي طَحْنِ الْحُبُوبِ الَّتِي تَأْتِيهِمْ بِأَجْرٍ يَقْسِمُونَهَا بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهَا فَهِيَ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ ( إنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْكِرَاءُ لِلرَّحَى وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ ) بِأَنْ كَانَ كِرَاءُ الرَّحَى اثْنَيْنِ وَالْبَيْتُ وَاحِدًا وَالدَّابَّةُ ثَلَاثَةً ، وَبَيَّنَ حُكْمَهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا فَقَالَ ( وَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ ) النَّاشِئَةِ مِنْ عَمَلِهِمْ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِمْ عَمَلُ أَيْدِيهِمْ وَقَدْ تَكَافَئُوا فِيهِ ( وَتَرَادُّوا ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّ الدَّالِ مُشَدَّدَةً ( الْأَكْرِيَةَ ) لِلرَّحَى وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ ، أَيْ يَتَسَاوَوْنَ فِيهَا بِأَنْ يَدْفَعَ مَنْ نَقَصَ كِرَاءُ شَيْئِهِ عَنْ شَيْءِ صَاحِبِهِ نِصْفَ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا فَيَدْفَعُ ذُو الْبَيْتِ وَاحِدًا لِذِي الدَّابَّةِ فِي الْمِثَالِ .
وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمْ بِرَحًى وَالْآخَرُ بِدَابَّةٍ وَالْآخَرُ بِبَيْتٍ عَلَى الْعَمَلِ بِأَيْدِيهِمْ وَالْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ ، فَعَمِلُوا عَلَى ذَلِكَ ، وَجَهِلُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَيُقْسَمُ مَا أَصَابُوهُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إنْ كَانَ كِرَاءُ الْبَيْتِ وَالرَّحَى وَالدَّابَّةِ مُعْتَدِلًا ، وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْرَى مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّحَى وَالْبَيْتَ وَالدَّابَّةَ لَوْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمْ فَأَكْرَى ثُلُثَيْ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبَيْهِ وَعَمِلُوا جَازَتْ الشَّرِكَةُ ، وَإِنْ كَانَ مَا أَخْرَجُوهُ مُخْتَلِفًا قُسِمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِأَنَّ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ إعْمَالُ أَيْدِيهِمْ وَقَدْ تَكَافَئُوا فِيهَا ، وَرَجَعَ مَنْ لَهُ فَضْلُ كِرَاءٍ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَتَرَادُّونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا شَيْئًا لِأَنَّ مَا أَخْرَجُوهُ

مِمَّا يُكْرَى قَدْ أُكْرِيَ كِرَاءً فَاسِدًا ، وَلَا يَتَرَاجَعُونَ فِي إعْمَالِ أَيْدِيهِمْ لِتُسَاوِيهِمْ فِيهَا ا هـ .
وَظَاهِرُهَا أَنَّهَا لَا تَجُورُ ابْتِدَاءً حَتَّى يُكْرِيَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ ، لَكِنَّهَا إنْ وَقَعَتْ صَحَّتْ إنْ تَسَاوَتْ الْأَكْرِيَةُ وَعَلَيْهِ حَمَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ ، وَتَأَوَّلَهَا سَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تَمْتَنِعُ إذَا كَانَ كِرَاءُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُخْتَلِفًا ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْرَى مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَعْنَى تَصِحُّ أَنَّهَا تَئُولُ إلَى الصِّحَّةِ لَا أَنَّهَا تَجُوزُ ابْتِدَاءً ، وَعَلَى تَأْوِيلِ سَحْنُونٍ مَشَى الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ أَعْنِي قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْكِرَاءُ أَنَّهُ إذَا تَسَاوَى الْكِرَاءُ جَازَتْ ، وَقَوْلُهُ وَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ قَابِلٌ لَأَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ ، وَلَأَنْ يَكُونَ تَقْرِيرًا لِحُكْمِهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ ، وَصِفَةُ التَّرَادِّ ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ ، وَنَقَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ وَالشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ قَالَهُ الْحَطّ .
تت وَكَيْفِيَّةُ الرُّجُوعِ أَنْ تُجْمَعَ الْأَكْرِيَةُ وَتُفْضِي عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ وَيَسْقُطُ مَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيُرَدُّ مَنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمُسْتَحِقِّهِ ، فَإِنْ كَانَ كِرَاءُ الرَّحَى ثَلَاثَةً وَالْبَيْتُ اثْنَيْنِ وَالدَّابَّةُ وَاحِدًا مَثَلًا ، فَالْمَجْمُوعُ سِتَّةٌ تُفَضُّ عَلَى الثَّلَاثَةِ بِالسَّوِيَّةِ ، فَيَكُونُ عَلَى كُلٍّ اثْنَانِ فَلِصَاحِبِ الْبَيْتِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِ فَلَا يَدْفَعُ شَيْئًا وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا ، وَصَاحِبُ الرَّحَى عَلَيْهِ اثْنَانِ وَلَهُ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ بِوَاحِدٍ .

وَإِنْ اُشْتُرِطَ عَمَلُ رَبِّ الدَّابَّةِ : فَالْغَلَّةُ لَهُ ، وَعَلَيْهِ كِرَاؤُهُمَا
( وَإِنْ اُشْتُرِطَ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ فِي عَقْدِ شَرِكَةِ ذِي الرَّحَى وَذِي الْبَيْتِ وَذِي الدَّابَّةِ ، وَنَائِبُ فَاعِلِ اُشْتُرِطَ ( عَمَلُ رَبِّ الدَّابَّةِ ) وَحْدَهُ وَعَمِلَ وَحْدَهُ ( فَالْغَلَّةُ ) النَّاشِئَةُ مِنْ عَمَلِهِ ( لَهُ ) أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ وَحْدَهُ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ ( كِرَاؤُهُمَا ) أَيْ الرَّحَى وَالْبَيْتِ .
الْحَطّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِذِكْرِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ و كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَامِلُ صَاحِبَ الرَّحَى ، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَكُونُ مَا أَصَابَ لَهُ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْآخَرَيْنِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْبَيِّنِ ، وَأَرَى أَنْ يَكُونَ مَا أَصَابَ مَفْضُوضًا عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ الرَّحَى وَالدَّابَّةِ فَمَا نَابَ الرَّحَى مِنْ الْعَمَلِ رَجَعَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ فِيهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّ صَاحِبَ الرَّحَى لَمْ يَبِعْ مَنَافِعَهَا مِنْ الْعَامِلِ ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ وَأَجِّرْهَا وَلَك بَعْدُ مَا تُؤَاجِرُهَا بِهِ ، فَإِنَّمَا يُؤَاجِرُهَا عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا ثُمَّ يَغْرَمَانِ جَمِيعًا أُجْرَةَ الْبَيْتِ .
ا هـ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَامِلُ رَبَّ الْبَيْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، لَا الْغَلَّةُ تَابِعَةٌ لِلْعَمَلِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقُضِيَ عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ أَوْ يَبِيعَ :

( وَقُضِيَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ حُكِمَ ( عَلَى ) شَخْصٍ ( شَرِيكٍ ) امْتَنَعَ مِنْ الْعِمَارَةِ ( فِيمَا ) أَيْ عَقَارٍ ( لَا يَنْقَسِمُ ) كَحَمَّامٍ وَبُرْجٍ احْتَاجَ لِلْعِمَارَةِ ، وَصِلَةُ قُضِيَ ب ( أَنْ يُعَمِّرَ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا مَعَ شَرِيكِهِ الدَّاعِي لِلْعِمَارَةِ ( أَوْ ) بِأَنْ ( يَبِيعَ ) نَصِيبَهُ مِنْهُ لِمَنْ يُعَمِّرُ .
عب وَالْمَعْنَى يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالتَّعْمِيرِ بِلَا حُكْمٍ عَلَيْهِ بِهَا ، فَإِنْ أَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ فَالْقَضَاءُ إنَّمَا هُوَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْبَيْعُ ، فَاسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْمِيرِ ، وَبِمَعْنَى الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ ، فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَلَا يَتَوَلَّى الْقَاضِي الْبَيْعَ .
طفي ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِأَحَدِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ الْأَمْرُ ، أَيْ يُؤْمَرُ بِأَحَدِهِمَا فَيَكُونُ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُشْتَرَكُ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ يَلْزَمُ أَنْ يُعَمِّرَ أَوْ يَبِيعَ وَإِلَّا بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يُعَمِّرُ ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُ شَرِيكَيْنِ مَا لَا يَنْقَسِمُ لِإِصْلَاحِهِ أُمِرَ الْآبِي بِهِ ، فَإِنْ أَبَى فَفِي جَبْرِهِ عَلَى بَيْعِهِ لِمَنْ يُصْلِحُهُ أَوْ يَبِيعُ الْقَاضِي عَلَيْهِ مِنْ حَظِّهِ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعَمَلِ فِيمَا يَبْقَى مِنْ حَقِّهِ بَعْدَمَا يُبَاعُ عَلَيْهِ مِنْهُ ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مَلِيًّا جُبِرَ عَلَى الْإِصْلَاحِ ، وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ وَسَحْنُونٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِبَيْعِ بَعْضِ حَظِّهِ إنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مُرَتَّبًا عَلَى إبَايَتِهِ مِنْ الْإِصْلَاحِ فَقَطْ لَا عَلَيْهَا مَعَ إبَايَتِهِ عَنْ بَيْعِهِ مِمَّنْ يُصْلِحُ ، وَهُوَ فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِمَا مَعًا ، فَهُوَ إنْ صَحَّ قَوْلٌ رَابِعٌ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ وَالظَّاهِرُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ أَنَّ مَا

قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ ، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا لَمْ يُصْلِحْ وَأَرَادَ الْبَيْعَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ ، لَكِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي بَحْثِهِ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْحَطّ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْبِئْرُ الْمُشْتَرَكَانِ ، وَقَدْ قُسِمَتْ أَرْضُهُمَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا زَرْعٌ وَلَا شَجَرٌ مُثْمِرٌ يُخَافُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْآبِيَ مِنْ الْعَمَلِ لَا يُلْزَمُ بِهِ ، وَيُقَالُ لِصَاحِبِهِ أَصْلِحْ وَلَك الْمَاءُ كُلُّهُ أَوْ مَا زَادَ بِعَمَلِك إلَى أَنْ يَأْتِيَك صَاحِبُك بِمَا عَلَيْهِ مِمَّا أَنْفَقْته ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ .
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ ظَاهِرُ كَلَامِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَعْمَلُ وَإِنْ كَانَ مَقْسُومًا ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَيْهَا شَجَرٌ أَوْ زَرْعٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ .
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَالْمَخْزُومِيُّ إنَّ الشَّرِيكَ فِي الْعَيْنِ وَالْبِئْرِ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعَمِّرَ مَعَهُ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مِمَّنْ يُعَمِّرُ كَالْعُلْوِ لِرَجُلٍ وَالسُّفْلِ لِآخَرَ فَيَنْهَدِمُ وَهُوَ نَظِيرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ ، إذْ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عُلْوَهُ حَتَّى يَبْنِيَ صَاحِبُ السُّفْلِ سُفْلَهُ ، وَيَقْدِرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّقْيَ مِنْ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا إذَا انْهَدَمَتْ أَنْ يَصِلَ إلَى مَا يُرِيدُ مِنْ السَّقْيِ بِأَنْ يُصْلِحَ الْبِئْرَ ، وَيَكُونَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَائِهَا إلَى أَنْ يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ النَّفَقَةِ ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ وَالْمَخْزُومِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فُرُوعٌ ) : الْأَوَّلُ : إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ غَائِبًا ، فَإِنَّ الْقَاضِي يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيْعِ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا يُعَمِّرُ بِهِ نَصِيبَهُ نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ .
الثَّانِي : إذَا كَانَ الْمُشْتَرَكُ

لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ كَفُرْنٍ ثُمَّ خَرِبَ وَصَارَ أَرْضًا تُقْبَلُ الْقِسْمَةُ ، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ إسْكَنْدَرِيَّةَ .
الثَّالِثُ : فِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ سَحْنُونٌ فِي رَجُلَيْنِ لَهُمَا سَفِينَةٌ ، فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَحْمِلَ فِي نَصِيبِهِ مِنْهَا مَتَاعًا وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ شَيْءٌ يَحْمِلُهُ فِي نَصِيبِهِ ، فَقَالَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ لَا أَدَعُكَ تَحْمِلُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا بِكِرَاءٍ .
وَقَالَ الْأَوَّلُ إنَّمَا أَحْمِلُ فِي نَصِيبِي ، قَالَ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ بِكِرَاءٍ ، فَأَمَّا أَنْ يَحْمِلَ فِي نَصِيبِهِ مِثْلَ مَا يَحْمِلُ صَاحِبُهُ مِنْ الشَّحْنِ وَالْمَتَاعِ ، وَإِلَّا بِيعَ الْمَرْكَبُ عَلَيْهِمَا .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ ، وَزَادَ وَلَوْ أَوْسَقَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَا يُوسِقُ لَكَانَ لِهَذَا أَنْ يُسَفِّرَ الْمَرْكَبَ وَلَا مَقَالَ لِشَرِيكِهِ فِي كِرَاءٍ وَلَا بَيْعٍ ، لِأَنَّهُ وَسَقَهُ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ ، وَذَلِكَ إذْنٌ بِتَسْفِيرِهِ تِلْكَ الطَّرِيقَ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا حِينَ أَوَسْقَ وَلَمَّا حَضَرَ أَنْكَرَ وَلَمْ يَجِدْ كِرَاءً لَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْعُوهُ إلَى بَيْعِهِ ، فَإِنْ صَارَ لِمَنْ أَوَسْقَهُ أَقَرَّ وَسْقَهُ ، وَإِنْ صَارَ لِلْغَائِبِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ أَمَرَ أَنْ يَحُطَّ وَسْقَهُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى كِرَاءٍ فَيَتْرُكَ وَهَذَا إذَا كَانَ يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ حَالِ الْمَرْكَبِ تَحْتَ الْمَاءِ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .
وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مَا يَحْمِلُهُ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَرِيكِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْكِرَاءِ ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ حَتَّى يُعَامِلَهُ عَلَيْهِ أَوْ يَنْفَصِلَا بِبَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ .
الْبُرْزُلِيُّ وَالدَّوَابُّ وَالْعَبِيدُ كَالْمَرْكَبِ .
الْحَطّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ ، لِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْضِي الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مَا يَحْمِلُهُ بِكِرَاءٍ عَلَى الْآخَرِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ

مُطْلَقًا ، وَلَا يَقْضِي لِلْآخَرِ بِالسَّفَرِ بِهِ مُطْلَقًا ، بَلْ إمَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى كِرَاءٍ أَوْ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الرَّابِعُ : إذَا زَرَعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي بَعْضِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، فَفِي سَمَاعِ عِيسَى إذَا كَانَ الشَّرِيكُ حَاضِرًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا تَرَكَهُ رَاضِيًا بِزَرْعِهِ ، وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ .
الْخَامِسُ : ابْنُ يُونُسَ فِي مَرْكَبٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ نِصْفَيْنِ خَرِبَ أَسْفَلُهُ حَتَّى صَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَأَصْلَحَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، قَالَ فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إمَّا أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ وَيَكُونَ الْمَرْكَبُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَأْخُذَ مِنْ شَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ خَرِبًا إنْ شَاءَ شَرِيكُهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ أَبَيَا فَلِلَّذِي أَنْفَقَ بِقَدْرِ مَا زَادَتْ نَفَقَتُهُ مَعَ حِصَّتِهِ الْأُولَى ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَرِبًا مِائَةً وَمَصْلُوحًا مِائَتَيْنِ فَلِلَّذِي أَنْفَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ .
ابْنُ يُونُسَ وَاَلَّذِي أَرَى أَنَّ شَرِيكَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ أَوْ نِصْفَ مَا زَادَ فِي الْمَرْكَبِ ، وَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا زَادَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْ الْآنَ وَخُذْ مَا زَادَ .

كَذِي سُفْلٍ ، وَإِنْ وَهِيَ وَعَلَيْهِ التَّعْلِيقُ وَالسَّقْفُ

وَشَبَّهَ فِي الْأَمْرِ بِالتَّعْمِيرِ وَالْقَضَاءِ بِالْبَيْعِ إنْ أَبَى فَقَالَ ( كَذِي ) بِنَاءٍ ( سُفْلٍ ) أَيْ مُنْخَفِضٍ وَعَلَيْهِ بِنَاءٌ لِآخَرَ فَيُؤْمَرُ ذُو السُّفْلِ بِتَعْمِيرِهِ ، فَإِنْ أَبَى قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَيْعِهِ ( إنْ وَهَى ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْهَاءِ أَيْ ضَعُفَ وَأَشْرَفَ عَلَى السُّقُوطِ وَخِيفَ سُقُوطُ الَّذِي عَلَيْهِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَنْزِلِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا الْعُلْوُ وَلِلْآخَرِ السُّفْلُ فَيَنْكَسِرُ سَقْفُ الْبَيْتِ الْأَسْفَلِ ، فَعَلَى صَاحِبِهِ إصْلَاحُهُ ، وَكَذَا لَوْ انْهَدَمَ جِدَارُ الْأَسْفَلِ فَعَلَيْهِ بِنَاؤُهُ وَتَسْقِيفُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِيهَا .
وَدَلِيلُ صِحَّتِهَا قَوْله تَعَالَى { وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ } فَلَمَّا أَضَافَ السَّقْفَ لِلْبَيْتِ وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِالسَّقْفِ لِحَاجِبِ الْبَيْتِ الْأَسْفَلِ إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ مَعَ صَاحِب الْأَعْلَى فَادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ وَأَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَهُ فَيَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ إنْ نَفَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ لِيُوجِبَ عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ .
( فَرْعٌ ) إذَا كَانَ سَبَبُ انْهِدَامِ السُّفْلِ وَهَاءَ الْعُلْوِ ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ السُّفْلِ حَاضِرًا عَالِمًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَلَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْعُلْوِ .
وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ غَائِبًا ، فَإِنْ كَانَ وَهَاءُ الْعُلْوِ مِمَّا لَا يَخْفَى سُقُوطُهُ ، فَهَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ اللَّخْمِيُّ ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَمْ يُصْلِحْ ضَمِنَ اتِّفَاقًا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ سَبَبُ انْهِدَامِ الْعُلْوِ وَهَاءَ السُّفْلِ ا هـ مِنْ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ .
( وَعَلَيْهِ ) أَيْ ذِي السُّفْلِ ( التَّعْلِيقُ ) لِلْأَعْلَى أَيْ حَمْلُهُ عَلَى خَشَبٍ وَنَحْوَهُ حَتَّى يَبْنِيَ ( وَ ) عَلَيْهِ ( السَّقْفُ ) السَّاتِرُ لِسُفْلِهِ ، إذْ لَا يُسَمَّى

السُّفْلُ بَيْتًا إلَّا بِهِ .

وَكَنْسُ مِرْحَاضٍ

( تَتْمِيمٌ ) سَمِعَ أَشْهَبُ بَابُ الدَّارِ عَلَى رَبِّ السُّفْلِ ( وَ ) عَلَيْهِ ( كَنْسُ ) فَضَلَاتِ ( مِرْحَاضٍ ) سَقَطَتْ فِيهِ مِنْ ذِي الْأَعْلَى وَذِي الْأَسْفَلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لِأَنَّهُ لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ كَالسَّقْفِ .
وَقِيلَ عَلَيْهِمَا مَعًا فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ رَقَبَةٌ لِلْأَعْلَى أَمْ لَا .
ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَخَذَ بَعْضُ مُتَوَلِّي الْحُكْمِ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا بِالْأَوَّلِ إنْ كَانَ فِي الدَّارِ رَقَبَةٌ وَبِالثَّانِي إنْ كَانَ فِي الْفِنَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ كَنْسِ مِرْحَاضٍ بِالسُّفْلِ يُلْقِي فِيهِ رَبُّ الْعُلْوِ فَضْلَتَهُ عَلَى رَبِّ السُّفْلِ أَوْ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْجَمَاجِمِ نَقْلًا ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ لِأَشْهَبَ ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ مَعَ ابْنِ وَهْبٍ وَعَلَيْهِمَا الْخِلَافُ فِي كَنْسِ كَنِيفِ الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ .
أَشْهَبُ عَلَى رَبِّهَا ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَسَمِعَ أَبُو زَيْدِ بْنُ الْقَاسِمِ عَلَى الْمُكْتَرِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَصْبَغَ وَابْنِ وَهْبٍ وَفِيهَا دَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ .
قُلْت وَزَادَ الشَّيْخُ وَقَالَ لَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ رَقَبَةُ الْبِئْرِ لِرَبِّ أَسْفَلَ فَالْكَنْسُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ لِرَبِّ الْعُلْوِ رَقَبَةٌ فَرَقَبَةُ الْبِئْرِ مِلْكٌ فَالْكَنْسُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْجَمَاجِمِ .
الشَّيْخُ خَرَّجَ عَلَى قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ كَانَ لِرَبِّ الْعُلْوِ مِلْكٌ فِي الْبِئْرِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ وَابْنُ وَهْبٍ لَا يَسْأَلُهُ عَنْ الرَّقَبَةِ الْكَنْسَ عَلَى كُلِّ مَنْ انْتَفَعَ وَأَخَذَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا مِمَّنْ وَلِيَ الْحُكْمَ فَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ إنْ كَانَتْ مَحْفُورَةً فِي الْفِنَاءِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَحْفُورَةً فِي الدَّارِ فَالْكَنْسُ عَلَى مَنْ مَلَكَ رَقَبَةَ الْبِئْرِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ وَالْقَوْلُ فِي مِرْحَاضٍ بَيْنَ

دَارَيْنِ كَالْقَوْلِ فِي الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ فِيمَنْ لَهُ رَقَبَةُ الْبِئْرِ أَوْ لَيْسَتْ لَهُ .

لَا سُلَّمٌ
( لَا ) يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْأَسْفَلِ ( سُلَّمٌ ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ مُشَدَّدًا يَرْقَى عَلَيْهِ رَبُّ الْأَعْلَى فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ ، وَكَذَا الْبَلَاطُ عَلَى السَّقْفِ .
وَشَمِلَ كَلَامَهُ عَلْوَانَ عَلَى سُفْلٍ فَلَيْسَ عَلَى ذِي السُّفْلِ شَيْءٌ مِنْهُ ، وَلَيْسَ عَلَى الْوَسَطِ سُلَّمٌ لِلْأَعْلَى مِنْهُ ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ سُلَّمٌ مِنْ الْأَسْفَلِ إلَى مَحِلِّهِ الْوَسَطِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّوْضِيحُ لِتَوَقُّفِ انْتِفَاعِهِ بِالْوَسَطِ عَلَيْهِ وَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ الْأَعْلَى أَيْضًا وَعَلَى ذِي الْأَعْلَى سُلَّمٌ مِنْ الْوَسَطِ إلَى أَعْلَاهُ .

وَبِعَدَمِ زِيَادَةِ الْعُلْوِ ، وَإِلَّا الْخَفِيفَ وَبِالسَّقْفِ لِلْأَسْفَلِ
( وَ ) قُضِيَ عَلَى ذِي عُلْوٍ ( بِعَدَمِ زِيَادَةِ ) بِنَاءِ ( الْعُلْوِ ) الْمَدْخُولِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَضُرُّ السُّفْلَ ( إلَّا ) الشَّيْءَ ( الْخَفِيفَ ) الَّذِي لَا يَضُرُّ السُّفْلَ حَالًا وَمَآلًا ( وَ ) قُضِيَ ( بِالسَّقْفِ ) الْحَامِلِ لِلْأَعْلَى الْمُتَنَازَعِ فِي أَخْذِ نَقْضِهِ بَعْدَ هَدْمِهِ ( لِ ) رَبِّ ( الْأَسْفَلِ ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَسْفَلَ لَا يُسَمَّى بَيْتًا إلَّا بِهِ ، وَلِلْقَضَاءِ عَلَى ذِي الْأَسْفَلِ بِوَضْعِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهِ

وَبِالدَّابَّةِ لِلرَّاكِبِ لَا مُتَعَلِّقٍ بِلِجَامٍ
( و ) قُضِيَ ( بِالدَّابَّةِ ) الْمُتَنَازَعِ فِي مِلْكِهَا رَاكِبُهَا وَالْقَائِدُ لَهَا بِزِمَامِهَا أَوْ السَّائِقُ لَهَا ( لِلرَّاكِبِ ) عَلَيْهَا إلَّا لِعُرْفٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَأَوْلَى بَيِّنَةٍ ، فَإِنْ تَنَازَعَ فِيهَا رَاكِبَانِ عَلَى ظَهْرِهَا قُضِيَ بِهَا لِلْمُقَدَّمِ ، فَإِنْ رَكِبَاهَا بِجَنْبَيْهَا قُضِيَ بِهَا لَهُمَا ، فَإِنْ سَاقَاهَا تَابِعَيْنِ لَهَا أَوْ سَاقَهَا أَحَدُهُمَا وَقَادَهَا الْآخَرُ فَهِيَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ رَكِبَهَا وَاحِدٌ عَلَى ظَهْرِهَا وَاثْنَانِ عَلَى جَنْبَيْهَا قُضِيَ بِهَا لِمَنْ عَلَى ظَهْرِهَا إلَّا لِعُرْفٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَأَوْلَى بَيِّنَةٍ ( لَا ) يُقْضَى بِالدَّابَّةِ لِشَخْصٍ ( مُتَعَلِّقٍ ) بِكَسْرِ اللَّامِ ( بِلِجَامٍ ) لِلدَّابَّةِ الْمُتَنَازَعِ فِي مِلْكِهَا إلَّا لِعُرْفٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَأَوْلَى بَيِّنَةٍ .

وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ رَحًى إذْ أَبَيَا ، فَالْغَلَّةُ لَهُمْ ، وَيَسْتَوْفِي مِنْهَا : مَا أَنْفَقَ

( وَإِنْ ) اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي رَحًى وَخَرِبَتْ فَ ( أَقَامَ ) أَيْ أَصْلَحَ ( أَحَدُهُمْ ) أَيْ الشُّرَكَاءِ ( رَحًى ) مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ ( إذْ ) بِسُكُونِ الذَّالِ أَيْ حِينَ ( أَبَيَا ) أَيْ امْتَنَعَ شَرِيكَاهُ فِيهَا مِنْ إصْلَاحِهَا مَعَهُ ( فَالْغَلَّةُ ) لِلرَّحَى بَعْدَ إصْلَاحِهَا ( لَهُمْ ) أَيْ الشُّرَكَاءِ بِحَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِيهَا ( وَيَسْتَوْفِي ) مُقِيمُهَا ( مِنْهَا ) أَيْ الْغَلَّةِ ( مَا ) أَيْ الْمَالَ الَّذِي ( أَنْفَقَ ) هـ مُقِيمُهَا فِي إقَامَتِهَا أَوَّلًا ، ثُمَّ تُقْسَمُ غَلَّتُهَا بَيْنَهُمْ .
الْحَطّ هَذَا خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَإِذَا انْهَدَمَتْ الرَّحَى الْمُشْتَرَكَةُ فَأَقَامَهَا أَحَدُهُمْ إذْ أَبَى الْبَاقِي فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِمُقِيمِهَا ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ نَصِيبِهِمْ خَرَابًا ، وَعَنْهُ أَيْضًا يَكُونُ شَرِيكًا فِي الْغَلَّةِ بِمَا زَادَ بِعِمَارَتِهِ ؛ فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا عَشَرَةً وَبَعْدَ عِمَارَتِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَهُ ثُلُثُ غَلَّتِهَا بِعِمَارَتِهِ وَبَاقِيهَا بَيْنَهُمْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ يَدْفَعُ لَهُ مَا يَنُوبُهُ مِنْ قِيمَتِهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ ، وَقِيلَ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَوْفِي مِنْهَا مَا أَنْفَقَ ا هـ .
وَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ فَتَحَصَّلَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، أَحَدُهَا : أَنَّهُ يُحَاصِصُ بِالنَّفَقَةِ فِي الْغَلَّةِ انْهَدَمَتْ الرَّحَى أَوْ انْخَرَقَ سَدُّهَا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُحَاصِصُ بِهَا فِيهَا فِي الْوَجْهَيْنِ .
وَالثَّالِثُ : الْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّهَا مَرْوِيَّةٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُحَاصِصُ بِهَا فِيهَا فِي الْغَلَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، أَحَدُهَا : كُلُّهَا لِلْعَامِلِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ شَرِيكُهُ الدُّخُولَ مَعَهُ ، وَيَأْتِيهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ مِنْ الرَّحَى فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ بِئْرٍ غَارَ مَاؤُهَا أَوْ انْهَدَمَتْ نَاحِيَةٌ مِنْهَا فَأَرَادَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْعَمَلَ وَأَبَى صَاحِبُهُ

فَقِيلَ لِمَنْ أَبَى اعْمَلْ مَعَهُ أَوْ بِعْ مِمَّنْ يَعْمَلُ فَأَبَى وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَمَلِ وَحْدَهُ فَالْمَاءُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ حَتَّى يَدْفَعَ لَهُ نَصِيبَهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَكَذَلِكَ الرَّحَى ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ لَحَظِّ شَرِيكِهِ مِنْ الرَّحَى أَنَّهَا لَا كِرَاءَ لَهَا مَا دَامَتْ مَهْدُومَةً ، وَإِنَّمَا صَارَ لَهَا الْكِرَاءُ بِإِصْلَاحِهَا .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ الرَّحَى وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا تُكْرَى لِمَنْ يُعَمِّرُهَا وَقَدْ عَمَّرَهَا الْعَامِلُ وَانْتَفَعَ بِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ كِرَائِهَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ قَوْلِ عِيسَى وَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا فِيمَا ذَكَرَ مِنْ كِرَاءِ نَصِيبِ الْآبِي .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْغَلَّةَ بَيْنَهُمَا وَلِغَيْرِ الْعَامِلِ يُقَدَّرُ حَظُّهُ مِنْ الرَّحَى خَرِبَةً وَلِلْعَامِلِ بِقَدْرِ حَظِّهِ مِنْهَا أَيْضًا وَيُقَدَّرُ عَمَلُهُ إلَى أَنْ يُرِيدَ شَرِيكُهُ الدُّخُولَ مَعَهُ وَيَأْتِيهِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَقَالَ بَعْدَهُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ فَهِمَ هَذَا التَّحْصِيلَ إجْمَالُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ .
الْحَطّ وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ نَاقِلًا عَنْ أَنَّ عَبْدَ السَّلَامِ أَثَرَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، وَبِالثَّانِي قَالَ ابْنُ دِينَارٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالثَّالِثُ أَقْوَاهَا عِنْدِي .
وَفِي الثَّانِي إلْزَامُهُمْ الشِّرَاءَ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ أَوْ انْفِرَادُهُ بِأَكْثَرَ الْغَلَّةِ عَنْهُمْ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ لِاسْتِلْزَامِهِ حَجْرُ مِلْكِهِمْ عَنْهُمْ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَّا أُجْرَةَ الْخَرَابِ .
فَإِنْ قِيلَ الثَّالِثُ ضَعِيفٌ أَيْضًا لِأَنَّ مُتَوَلِّي النَّفَقَةَ أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ مَا أَنْفَقَ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَيَأْخُذُهُ مِنْ الْغَلَّةِ مُقَطَّعًا

، قِيلَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ اخْتِيَارًا ، وَلَوْ شَاءَ لَرَفَعَهُمْ إلَى الْقَاضِي فَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِمَا قَالَهُ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ إمَّا أَنْ يُسَلِّمُوا أَوْ يَبِيعُوا مِمَّنْ يُصَلَّحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَبِالْإِذْنِ فِي دُخُولِ جَارِهِ لِإِصْلَاحِ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ

( وَ ) قَضَى عَلَى جَارٍ ( بِالْإِذْنِ فِي دُخُولِ جَارِهِ ) دَارِهِ ( لِإِصْلَاحِ جِدَارٍ وَنَحْوَهُ ) أَيْ الْجِدَارِ كَخَشَبٍ وَنَحْوِهِ أَوْ الْإِصْلَاحِ كَإِخْرَاجِ ثَوْبِهِ الْوَاقِعِ فِي الدَّارِ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ لَهُ ، لَكِنْ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْجَارِ ، بَلْ كُلُّ مَنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ فِي دَارِ غَيْرِهِ حُكْمُهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ وَلَوْ قَلَعَ الرِّيحُ ثَوْبَ رَجُلٍ فَأَلْقَتْهُ فِي دَارِ آخَرَ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دُخُولِهَا لِأَخْذِهِ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ لَهُ ا هـ .
الْبِسَاطِيُّ مِثْلُهُ دُخُولُ دَابَّةٍ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ إخْرَاجَهَا مِنْهَا إلَّا مَالِكُهَا .
الْحَطّ وَهُوَ وَاضِحٌ ، فَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْإِصْلَاحِ أَحْسَنُ لِشُمُولِهِ مَا ذَكَرَ أَيْضًا وَتَفَقُّدُ الْجِدَارِ مِنْ بَيْتِ الْجَارِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوَرِ لِمَنْ لَهُ حَائِطٌ بِدَارِ رَجُلٍ بِالدُّخُولِ إلَيْهِ لِافْتِقَادِهِ كَمَنْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي دَارِ رَجُلٍ .
ابْنُ فَتُّوحٍ مَنْ ذَهَبَ إلَى طَرِّ حَائِطٍ مِنْ نَاحِيَةِ جَارِ دَارِهِ فَمَنَعَهُ مِنْهُ نُظِرَ ، فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَاجُ إلَى الطَّرِّ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلِجَارِهِ مَنْعُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا كَالْمُخَالِفِ لِقَوْلِ الْمُشَاوِرِ لَهُ الدُّخُولُ لِافْتِقَادِهِ .
الْحَطّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَتُّوحٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ كَلَامَ الْمُشَاوِرِ لِأَنَّهُ فِي الْجِدَارِ الَّذِي فِي دَارِ الرَّجُلِ وَلَا يُمْكِنُهُ النَّظَرُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ دَارِ جَارِهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ تَشْبِيهُهُ بِالشَّجَرَةِ وَكَلَامُ ابْنِ فَتُّوحٍ فِي الْجِدَارِ الْمُجَاوِرِ ، وَهَذَا يُمْكِنُهُ نَظَرُهُ مِنْ دَارِ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي النَّوَادِرِ لِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ فِي جَوَابِهِ حَبِيبًا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُطِرَّ حَائِطَهُ مِنْ دَارِ جَارِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دُخُولِهَا لِطَرِّهِ .
ابْنُ حَارِثٍ لَيْسَ لَهُ الطَّرُّ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي هَوَاءِ جَارِهِ إلَّا أَنْ يَنْحِتَ مِنْ حَائِطٍ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّرُّ .
ا هـ .
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَطُرَّ

دَاخِلَ دَارِهِ وَلِجَارِهِ حَائِطٌ فِيهَا فَيَمْنَعُهُ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لَهُ وَلَا يَضُرُّ جَارَهُ .
ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ الدُّخُولَ لِطَرِّ جِدَارِهِ ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ إدْخَالِ الْجَصِّ وَالطِّينِ وَيَفْتَحُ فِي حَائِطِهِ كُوَّةً لِأَخْذِ ذَلِكَ .
ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ طَرَّ حَائِطِهِ فَذَهَبَ جَارُهُ إلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْبِنَاءِ وَالْأُجَرَاءِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ صِفْ لَهُمْ مَا تُرِيدُ وَأَمَّا أَنْتَ فَلَا تَدْخُلْ دَارِهِ لِكَرَاهَةِ جَارِك دُخُولَك فِيهَا ، فَإِنْ مَنَعَ إدْخَالَ الطِّينِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبَابِ أُمِرَ صَاحِبُ الْحَائِطِ بِفَتْحِ مَوْضِعٍ فِي حَائِطِهِ لِيُدْخِلَ مِنْهُ الطِّينَ وَالطُّوبَ وَالصَّخْرَ وَسَائِرَ مَا يَحْتَاجُ الْحَائِطُ إلَيْهِ وَيَعْجِنُ الطِّينَ فِي دَارِهِ وَيُدْخِلُهُ إلَى دَارِ جَارِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي فَتَحَهُ ، فَإِذَا أَتَمَّ الْعَمَلَ بَنَى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَحَصَّنَهُ .

وَبِقِسْمَتِهِ ، إنْ طُلِبَتْ لَا بِطُولِهِ عَرْضًا

( وَ ) إذَا كَانَ حَائِطٌ مُشْتَرَكًا وَطَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ قِسْمَتَهُ قُضِيَ ( بِقِسْمَتِهِ ) أَيْ الْحَائِطِ ( إنْ طُلِبَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ قِسْمَتُهُ ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ قِيلَ لَهُ إنْ كَانَ لِكُلٍّ جُذُوعٌ عَلَيْهِ ، قَالَ إنْ كَانَ جُذُوعُ هَذَا مِنْ هُنَا وَهَذَا مِنْ هُنَا فَلَا تُسْتَطَاعُ قِسْمَتُهُ وَيَتَقَاوَيَانِهِ كَمَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الْعَرْضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ ، وَصِفَةُ قَسْمِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُقْسَمَ ( طُولًا ) أَيْ بِاعْتِبَارِ امْتِدَادِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ لِجِهَةِ الْمَغْرِبِ أَوْ جِهَةِ الْجَنُوبِ إلَى جِهَةِ الشِّمَالِ لَا بِاعْتِبَارِ ارْتِفَاعِهِ مِنْ الْأَرْضِ إلَى جِهَةِ السَّمَاءِ ، فَإِذَا كَانَ طُولُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَشَرَةً بِعَرْضِهَا بِالْقُرْعَةِ .
و ( لَا ) يَصِحُّ قِسْمَةٌ ( بِطُولِهِ ) أَيْ امْتِدَادِ الْحَائِطِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَمِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ إلَى جِهَةِ الْجَنُوبِ ( عَرْضًا ) أَيْ بِاعْتِبَارِ عَرْضِهِ بِأَنْ يَصِيرَ نِصْفُ عَرْضِهِ مِنْ أَوَّلِهِ لِآخِرِهِ لِأَحَدِهِمَا وَنِصْفُ الْآخَرِ لِلْآخَرِ بِالْقُرْعَةِ لِاحْتِمَالِ إخْرَاجِهَا قَسْمَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي جِهَةٍ لِآخَرَ ، فَيَتَعَذَّرُ الِانْتِفَاعُ بِمَا تُخْرِجُهُ لَهُ الْقُرْعَةُ " غ " أَيْ وَلَا بِقِسْمَةِ طُولِهِ عَرْضًا ، فَإِذَا كَانَ الْجِدَارُ جَارِيًا مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَثَلًا عَلَى صُورَةِ سُورٍ لَهُ شُرُفَاتٌ وَمَمْشًى ، فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِمَا بِقَسْمِهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا جِهَةَ الشُّرَّافَاتِ وَالْآخَرُ جِهَةَ الْمَمْشَى ، وَلَكِنْ يُقْسَمُ عَلَى أَخْذِ أَحَدِهِمَا الْجِهَةَ الشَّرْقِيَّةَ بِشُرُفَاتِهَا وَمَمْشَاهَا وَالْآخَرِ الْجِهَةَ الْغَرْبِيَّةَ كَذَلِكَ ، فَلَفْظُ عَرْضًا عَلَى هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِالْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ أَيْ قِسْمَةٍ وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِلَفْظِ قِسْمَةِ الظَّاهِرِ .
وَفِي نُسْخَةٍ بِقِسْمَتِهِ إنْ طُلِبَتْ عَرْضًا لَا بِطُولِهِ وَيَرْجِعُ فِي الْمَعْنَى لِلْأَوَّلِ وَهُوَ يُحَرَّمُ عَلَى إثْبَاتِ الصِّفَةِ الَّتِي قَالَهَا

اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ ، وَحَكَاهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَفْيُ الصِّفَةِ الَّتِي تَأَوَّلَهَا أَبُو إبْرَاهِيمَ الْفَاسِيُّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ ، وَحَكَاهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَيَتِمُّ هَذَا بِالْوُقُوفِ عَلَى نُصُوصِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُقْسَمُ الْجِدَارُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ .
أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي بِالْقُرْعَةِ .
وَأَمَّا بِالتَّرَاضِي فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ وَيَأْتِي الِاعْتِرَاضُ الَّذِي فِي قَسْمِ السَّاحَةِ بَعْدَ قَسْمِ الْبُيُوتِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْجِهَةُ الَّتِي تَلِي الْآخَرَ إلَّا أَنْ يَقْتَسِمَا عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَ لَهُ جِهَةُ الْآخَرِ يَكُونُ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ الْحَمْلُ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ صِفَةُ الْقَسْمِ فِيهِ إذَا كَانَ جَارِيًا مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَالْآخَرُ مِمَّا يَلِي الْجَوْفَ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِقِسْمَةٍ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَضَعُهُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا مِنْ خَشَبٍ وَبِنَاءٍ فَثَقْلُهُ وَمَضَرَّتُهُ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ ، وَلَا يَخْتَصُّ النَّوْلُ وَالضَّرَرُ بِمَا يَلِيهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْسِمَا الْأَعْلَى مِثْلَ كَوْنِ عَرْضِهِ شِبْرَيْنِ فَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أَعْلَاهُ يَسِيرًا مِمَّا يَلِيهِ لِنَفْسِهِ ، وَيَكُونُ هَذَا انْضِمَامًا لِلْأَعْلَى وَجُمْلَةُ الْحَائِطِ عَلَى الشَّرِكَةِ الْأُولَى ، فَإِذَا انْهَدَمَ اقْتَسَمَا أَرْضَهُ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَهُ مِمَّا يَلِيهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَصِفَةُ قَسْمِهِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ أَنْ يُقْسَمَ طُولًا لَا عَرْضًا .
وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قِسْمَتُهُ عَرْضًا لِقَوْلِهِ وَكَانَ يَنْقَسِمُ ، قَالَ وَأَمَّا طُولًا فَيَنْقَسِمُ وَإِنْ قَلَّ ، وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ سُنَّةُ قَسْمِ الْحَائِطِ أَنْ يُقْسَمَ بِخَيْطٍ مِنْ أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ فَيَقَعُ جَمِيعُ الشَّطْرِ لِوَاحِدٍ ، وَجَمِيعُ الشَّطْرِ الْآخَرِ لِوَاحِدٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يُتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ عَرْضِهِ عَلَى طُولِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ

يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَرْضًا بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ مِمَّا يَلِيهِ ، فَإِنْ كَانَ عَرْضُهُ شِبْرَيْنِ أَخَذَ هَذَا شِبْرًا مِمَّا يَلِي دَارِهِ ، وَهَذَا شِبْرًا مِمَّا يَلِي دَارِهِ وَلَا تَصْلُحُ الْقُرْعَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ .
ابْنُ الْعَطَّارِ وَابْنُ فَتُّوحٍ وَالْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُمَدُّ الْحَبْلُ بَيْنَهُمَا فِيهِ طُولًا ارْتِفَاعًا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ ، وَيُرْسَمُ مَوْقِفُ نِصْفِ الْحَبْلِ ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ، وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَانِبُ الَّذِي تَقَعُ عَلَيْهِ قُرْعَتُهُ .
زَادَ ابْنُ فَتُّوحٍ إلَى نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ فِيهِ إلَّا هَكَذَا .
ا هـ .
وَإِذَا طُوِيَ الْحَبْلُ الْمَذْكُورُ حَقَّقَ نِصْفَهُ .
وَإِذَا عَرَفْت أَنَّ الطُّولَ وَالْعَرْضَ يُعْقَلَانِ نِسْبَةً وَإِضَافَةً أَمْكَنَك الْجَمْعَ بَيْنَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا ، وَظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ الْهِنْدِيِّ رَاجِعٌ لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَطَّارِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَأَنَّ تَأْوِيلَ أَبِي إبْرَاهِيمَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ رَاجِعٌ لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَطَّارِ عَنْ عِيسَى وَهُوَ الَّذِي نَفَاهُ الْمُصَنِّفُ .
( تَكْمِيلٌ ) فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَلَا يُقْسَمُ وَيَتَقَاوَيَاهُ .
اللَّخْمِيُّ لَيْسَ هَذَا بِالْبَيِّنِ لِأَنَّ الْحَمْلَ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الْقَسْمَ كَمَا لَا يَمْنَعُ قَسْمَ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ وَحَمْلَ الْعُلْوِ عَلَى السُّفْلِ وَأَرَى أَنْ يُقْسَمَ طَائِفَتَيْنِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَتْ لَهُ طَائِفَةٌ كَانَتْ لَهُ وَلِلْآخَرِ الْحَمْلُ عَلَيْهَا ، فَإِذَا جَازَتْ الْمُقَاوَاةُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ جَازَتْ الْقِسْمَةُ بِالْأَوْلَى .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَقَاوَيَاهُ كَمَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ عَرْضٍ وَحَيَوَانٍ أَنَّهُ لَا حَمْلَ فِيهِ عَلَى مَنْ صَارَ لَهُ .
ا هـ .
كَلَامُ " غ " .
الْحَطّ مَا ذَكَرَهُ " غ " فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَافٍ فِي بَيَانِهَا .

وَبِإِعَادَةِ السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ ، إنْ هَدَمَهُ ضَرَرًا ، لَا لِإِصْلَاحٍ أَوْ هَدْمٍ

( وَ ) إنْ هَدَمَ شَخْصٌ حَائِطَهُ السَّاتِرَ لِجَارِهِ قُضِيَ عَلَيْهِ ( بِإِعَادَةِ ) جِدَارِهِ ( السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ ) عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ( إنْ هَدَمَهُ ) أَيْ الْمَالِكُ الْجِدَارَ السَّاتِرَ لِجَارِهِ ( ضَرَرًا ) أَيْ لِقَصْدِ ضَرَرِ جَارِهِ بِانْكِشَافِهِ ( لَا ) يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِعَادَتِهِ إنْ هَدَمَهُ ( لِإِصْلَاحٍ ) أَيْ لِمَصْلَحَةٍ ، كَخَوْفِ سُقُوطِهِ أَوْ لِيُعِيدَهُ أَوْثَقَ أَوْ لِإِخْرَاجِ مَا تَحْتَهُ ( أَوْ ) أَيٍّ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِعَادَتِهِ لِ ( هَدْمٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ، أَيْ انْهِدَامٍ لِلْجِدَارِ بِلَا فِعْلِ مَخْلُوقٍ .
الْحَطّ فُرُوعٌ أَوَّلُ : فِي الْمَسَائِلِ ، الْمَلْقُوطَةِ إذَا كَانَ حَائِطٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَانْهَدَمَ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إعَادَتَهُ مَعَ صَاحِبِهِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ ، فَعَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " رِوَايَتَانِ فِيهِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْآبِي مِنْهُمَا عَلَى الْإِعَادَةِ ، وَيُقَالُ لِطَالِبِهَا اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك وَابْنِ إنْ شِئْت ، وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُ عَرْضَ الْجِدَارِ وَيَبْنِي لِنَفْسِهِ .
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى إنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ مَعَ شَرِيكِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا ا هـ .
الثَّانِي فِي عُمْدَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ حَائِطًا بَيْنَ دَارَيْنِ وَلَا بَيِّنَةَ حُكِمَ بِهِ لِمَنْ إلَيْهِ وُجُوهُ الْآخَرِ وَاللَّبِنُ وَالطَّاقَاتُ وَمَعَاقِدُ الْقُمُطِ ، فَإِنْ لَمْ تَدُلَّ إمَارَةٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ كُوَّةٍ وَنَحْوِهَا إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ، فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ سُتْرَةً بَيْنَهُمَا فَانْهَدَمَ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إصْلَاحَهُ وَأَبَاهُ الْآخَرُ فَهَلْ يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَيْهِ رِوَايَتَانِ ، وَعَلَى عَدَمِ جَبْرِهِ تُقْسَمُ الْعَرْصَةُ لِيَبْنِيَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَلَوْ هَدَمَهُ أَحَدُهُمَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ كَمَا كَانَ ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ تَنْهَارُ ا هـ .
الثَّالِثُ : ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ

غَيْرِهَا مَنْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي شَيْءٍ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِيهِ دُونَ إذْنِ شَرِيكِهِ لِمَلْزُومِيَّتِهِ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
إلَّا خِوَانٌ لَيْسَ لِأَحَدِ مَالِكَيْ جِدَارٍ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ حَمْلِ مِثْلِهِ عَلَيْهِ إنْ احْتَاجَ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ كَحَمْلِ سَقْفِ بَيْتٍ أَوْ غَرْزِ خَشَبَةٍ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ .

وَبِهَدْمِ بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ ، وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ

وَ ) قُضِيَ ( بِهَدْمِ بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ ) عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ إنْ أَضَرَّ الْمَارِّينَ اتِّفَاقًا ، بَلْ ( وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ ) الْبِنَاءُ الْمَارِّينَ لِاتِّسَاعِ الطَّرِيقِ جِدًّا عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ هَدْمِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّ ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ .
وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ .
فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ زُونَانَ سَأَلَتْهُ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَيَّدُ فِي دَارِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ذِرَاعًا أَوْ ذِرَاعَيْنِ فَيَبْنِي بِهِ جِدَارًا وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيَجْعَلُهُ بَيْتًا فَيَقُومُ عَلَيْهِ جَارُهُ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُهُ مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ الْآخَرِ ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ وَرَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ ، وَأَرَادَ أَنْ يَهْدِمَ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ وَزَعَمَ أَنَّ سَعَةَ الطَّرِيقِ كَانَ رِفْقًا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِنَاءً لَهُ وَمَرْبِطًا لِدَابَّتِهِ وَفِي بَقِيَّةِ الطَّرِيقِ مَمَرٌّ لِلنَّاسِ ، وَكَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ سَعَةِ الطَّرِيقِ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ أَوْ تِسْعَةٌ فَهَلْ لِذَلِكَ الْقَائِمِ إلَى هَدْمِ بُنْيَانِ جَارِهِ سَبِيلٌ ؟ أَوْ رَفَعَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يَسْلُكُ تِلْكَ الطَّرِيقَ وَفِي بَقِيَّةِ سَعَتِهِ مَا قَدْ أَعْلَمْتُكَ ؟ فَقَالَ يُهْدَمُ مَا بُنِيَ كَانَ فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ أَوْ تِسْعَةٌ ، إذْ لَا يَنْبَغِي التَّزَيُّدُ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ إلَى النَّاسِ وَيَسْتَنْهِي إلَيْهِمْ أَنْ لَا يُحْدِثَ أَحَدٌ بُنْيَانًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ .
وَذَكَرَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ الْحَكَمِ الْحِذَامِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ حَدَّادًا ابْتَنَى كِيرًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فَرَآهُ فَقَالَ لَقَدْ اسْتَنْقَصْتُمْ السُّوقَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَهَدَمَهُ .
أَشْهَبُ يَأْمُرُ السُّلْطَانُ بِهَدْمِهِ رَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ مَنْ يَسْلُكُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ جِيرَانِهِ ، إذْ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ التَّزَيُّدُ مِنْ طَرِيقِ

الْمُسْلِمِينَ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الطَّرِيقِ سَعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ مُضِرًّا لَهُ مَا تَزَيَّدَ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَتَزَيَّدَ أَحَدٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ .
ابْنُ رُشْدٍ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَطِعَ أَحَدٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَيَزِيدُهُ فِي دَارِهِ وَيُدْخِلُهُ فِي بُنْيَانِهِ ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا جِدًّا لَا يَضُرُّهُ مَا اقْتَطَعَ مِنْهُ ، وَاخْتَلَفُوا إنْ تَزَيَّدَ فِي دَارِهِ مِنْ الطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ مَا لَا يَضُرُّ بِهَا وَلَا يُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ ، وَتُعَادُ إلَى حَالِهَا ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ .
وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْأَبْرِحَةِ يَبْنِيهَا الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ مُلْصَقَةً بِجِدَارِهِ اخْتِيَارًا .
ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى ظَاهِرِ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْكِيرِ الَّذِي اُبْتُنِيَ بِالسُّوقِ فَأَمَرَ بِهِ فَهُدِمَ ، وَوَجْهُ هَذَا قَوْلُ أَنَّ الطَّرِيقَ حَقٌّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَالْحَبْسِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُهْدَمَ عَلَى الرَّجُلِ مَا تَزَيَّدَهُ فِي دَارِهِ مِنْهَا كَمَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ بِمَا تَزَيَّدَ مِنْ أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ مِلْكٍ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ .
وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِهَا لِسَعَتِهَا لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِيهِ ، إذْ هُوَ فِنَاؤُهُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَكِرَاؤُهُ .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَضَى بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ وَأَفْنِيَتُهَا مَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهَا ، فَلَمَّا كَانَ مُخْتَصًّا بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إلَّا إذَا اسْتَغْنَى هُوَ عَنْهُ وَجَبَ أَنْ لَا يُهْدَمَ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ

فَيَذْهَبُ مَالُهُ هَدَرًا ، وَهُوَ أَعْظَمُ النَّاسِ حَقًّا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، بَلْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ ، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُصَلْ إلَى أَخْذِهِ مِنْهُ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ إلَّا بِهَدْمِ بُنْيَانِهِ وَتَلَفِ مَالِهِ ، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا سِيَّمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً .
فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا فِي الطَّرِيقِ أَرَادَ أَهْلُهَا بُنْيَانَ عَرْصَتِهَا أَنَّ الْأَقْرَبِينَ إلَيْهَا يَقْتَطِعُونَهَا عَلَى قَدْرِ مَا شُرِعَ فِيهَا مِنْ رُبَاعِهِمْ بِالْحِصَصِ ، فَيُعْطَى صَاحِبُ الرُّبْعِ الْوَاسِعِ بِقَدْرِهِ ، وَصَاحِبُ الصَّغِيرِ بِقَدْرِهِ ، وَيَتْرُكُونَ لِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ثَمَانِيَةَ أَذْرُعٍ احْتِيَاطًا لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى زِيَادَةِ الذِّرَاعِ وَنُقْصَانِهِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَظْهَرُ ، وَالْقَائِلُونَ بِهِ أَكْثَرُ ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ ، وَقَدْ نَزَلَتْ بِقُرْطُبَةَ قَدِيمًا فَأَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ وَأَبُو صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَلِيدٍ بِأَنَّهُ لَا يُهْدَمُ مَا تَزَيَّدَهُ مِنْ الطَّرِيقِ إذْ لَمْ يَضُرَّ بِهَا ، وَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُطَيَّرٍ بِهَدْمِ مَا تَزَيَّدَ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
وَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يُضَرُّ بِهِ ، أَفْتَى بِهِ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِ ، وَرَجَّحَهُ فِي سُؤَالٍ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ عِيَاضٌ عَمَّنْ بَنَى حَائِطًا فِي بَطْنِ وَادٍ وَقَدْ كَانَ حَائِطٌ دُونَ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ إنْ كَانَ الْحَائِطُ الَّذِي بَنَاهُ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ أَوْ بِجَارِهِ فَيُهْدَمُ وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ وَلَا بِجَارِهِ فَلَا يُهْدَمُ .
وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ تَزَيَّدَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يُهْدَمُ بُنْيَانُهُ ، وَاَلَّذِي

يَتَرَجَّحُ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِيهِ ، وَهُوَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، لَا سِيَّمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً .
أَصْبَغُ وَسَأَلْت أَشْهَبَ عَنْ رَجُلٍ تَهَدَّمَ دَارُهُ وَلَهُ فِنَاءٌ وَاسِعٌ فَيَزِيدُ فِيهَا مِنْهُ يُدْخِلُهُ بُنْيَانَهُ ثُمَّ يُعْلَمُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا يُعْرَضُ لَهُ إذَا كَانَ الْفِنَاءُ وَاسِعًا رَحْرَاحًا لَا يَضُرُّ الطَّرِيقَ ، وَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَنَا أَكْرَهُهُ وَلَا آمُرُهُ بِهِ وَلَا أَقْضِي عَلَيْهِ بِهَدْمِهِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا رَحْرَاحًا لَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يُقَارِبُهُ الْمَشْيُ ، ثُمَّ قَالَ الْحَطَّابُ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ يَحْصُلُ مِنْ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ ابْتِدَاءً أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الطَّرِيقِ شَيْئًا وَيُدْخِلَهُ فِي بُنْيَانِهِ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا جِدًّا لَا يَضُرُّهُ مَا اقْتَطَعَ مِنْهُ ، فَإِنْ اقْتَطَعَ شَيْئًا مِنْهُ وَأَدْخَلَهُ فِي بُنْيَانِهِ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَضُرُّ بِهَا وَيُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فَيُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْهَا وَتُعَادُ لِحَالِهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِهَا وَلَا يُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ ، الْأَوَّلُ : يُهْدَمُ مَا تَزَيَّدَ مِنْهَا وَتُعَادُ لِحَالِهَا وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي : لَا يُهْدَمُ ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ ، وَرَجَّحَهُ فِي نَوَازِلِهِ ، وَأَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِوَلَوْ لَمْ يَضُرَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ لَهُ ابْتِدَاءً لَا يُنَافِي قَوْلَهُ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْخَارِجِينَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَبِجُلُوسِ بَاعَةٍ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ لِلْبَيْعِ إنْ خَفَّ

( وَ ) قُضِيَ ( بِجُلُوسِ بَاعَةٍ ) جَمْعِ بَائِعٍ كَحَاكَةٍ جَمْعِ حَائِكٍ وَصَاغَةٍ جَمْعِ صَائِغٍ ( بِأَفْنِيَةٍ ) جَمْعِ فِنَاءٍ كَأَبْنِيَةٍ جَمْعِ بِنَاءٍ ، أَيْ فُسُحَاتِ ( الدُّورِ ) بِضَمِّ الدَّالِ جَمْعِ دَارٍ ، وَصِلَةُ جُلُوسٍ ( لِلْبَيْعِ ) لَا لِلْحَدِيثِ أَوْ اللَّعِبِ ( إنْ خَفَّ ) الْجُلُوسُ لِلْبَيْعِ وَظَاهِرُهُ لِأَرْبَابِ الدُّورِ وَغَيْرِهِمْ وَ قَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ ، وَاَلَّذِي فِي ابْنِ الْحَاجِبِ قَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِأَرْبَابِ الدُّورِ ، وَبِهِ قَرَّرَ الْبِسَاطِيُّ وَبَعْضُ مَشَايِخِي قَالَهُ تت .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : ابْنُ عَرَفَةَ فِنَاءُ الدَّارِ مَا بَيْنَ يَدَيْ بِنَائِهَا فَاضِلًا عَنْ مَمَرِّ الطَّرِيقِ الْمُعَدِّ لِلْمُرُورِ غَالِبًا كَانَ بَيْنَ يَدَيْ بَابِهَا أَوْ غَيْرِهِ ، وَكَانَ بَعْضٌ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ مَا بَيْنَ يَدَيْ بَابِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، لِقَوْلِهَا وَإِنْ قَسَمَا دَارًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ طَائِفَةً ، فَمَنْ صَارَتْ لَهُ الْأَجْنِحَةُ فِي حَظِّهِ فَهِيَ لَهُ وَلَا تُعَدُّ مِنْ الْفِنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ فِي هَوَاءِ الْأَفْنِيَةِ وَفِنَاءُ الدَّارِ لَهُمْ أَجْمَعِينَ الِانْتِفَاعُ بِهِ .
الْحَطّ كَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي تَفْسِيرِ الْفِنَاءِ إلَّا مَا أَخَذَ عَنْ نَصِّهَا ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ فَقَالَ الْأَفْنِيَةُ دُونَ الدُّورِ كُلِّهَا مُقْبِلِهَا وَمُدْبِرِهَا .
الثَّانِي : مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْأَفْنِيَةُ الَّتِي فِي الطَّرِيقِ يُكْرِيهَا أَهْلُهَا أَذَلِكَ لَهُمْ وَهُوَ طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ أَمَّا كُلُّ فِنَاءٍ ضَيِّقٍ إذَا وُضِعَ فِيهِ شَيْءٌ أَضَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ فِي طَرِيقِهِمْ فَلَا أَرَى أَنْ يُمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِقَاعِ بِهِ وَأَنْ يُمْنَعُوا وَأَمَّا كُلُّ فِنَاءٍ إنْ انْتَفَعَ بِهِ أَهْلُهُ فَلَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مُرُورِهِمْ لِسَعَتِهِ فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لِأَرْبَابِ الْأَفْنِيَةِ أَنْ يَكْرُوهَا مِمَّنْ يَصْنَعُ بِهَا مَا لَا يُضَيِّقُ بِهِ الطَّرِيقَ عَلَى

الْمَارَّةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ، وَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُكْرُوهَا لِأَنَّ مَا كَانَ لِلرَّجُلِ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَانَ لَهُ كِرَاؤُهُ ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْكُلِّيَّةُ غَيْرُ مُسَلَّمَةٌ ، لِأَنَّ بَعْضَ مَا لِلرَّجُلِ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ كِرَاؤُهُ كَجِلْدِ أُضْحِيَّةٍ وَبَيْتٍ وَمَدْرَسَةٍ لِطَالِبٍ وَنَحْوِهِمَا .
الثَّالِثُ : سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَمَّنْ لَهُ دَارَانِ بَيْنَهُمَا رَحْبَةٌ ، وَأَهْلُ الطَّرِيقِ رُبَّمَا ارْتَفَقُوا بِهِ إذَا ضَاقَ الطَّرِيقُ عَنْ الْأَحْمَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَدَخَلُوهُ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ نِجَافًا وَبَابًا حَتَّى تَكُونَ الرَّحْبَةُ فِنَاءً لَهُ .
وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بَابٌ وَلَا نِجَافٌ فَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الرَّحْبَةِ نِجَافًا وَلَا بَابًا لِيَخْتَصَّ بِمَنْفَعَتِهَا وَيَقْطَعُ حَقَّ النَّاسِ مِنْهَا فِي الِارْتِفَاقِ بِهَا لِأَنَّ الْأَفْنِيَةَ لَا تُحْجَرُ إنَّمَا لِأَرْبَابِهَا الِانْتِفَاعُ بِهَا وَكِرَاؤُهَا فِيمَا لَا يُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فِيهَا مِنْ النَّاسِ .
الرَّابِعُ : مَفْهُومُ إنْ خَفَّ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِجُلُوسِهِمْ لَمَّا كَثُرَ وَطَالَ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُمْنَعُ فِيمَا خَفَّ الْبَاعَةُ وَلَا غَيْرُهُمْ .
التَّوْضِيحُ اُحْتُرِزَ بِمَا خَفَّ مِمَّا يُسْتَدَامُ .
خَلِيلٌ وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْرِزُونَ الْخَشَبَ فِي الشَّوَارِعِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُمْ غُصَّابٌ لِلطَّرِيقِ ، وَقَالَهُ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
الْخَامِسُ : رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ اقْتَطَعَ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَفْنِيَتِهِمْ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ } وَقَضَى عُمَرُ بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ .
ابْنُ حَبِيبٍ أَيْ بِالِانْتِفَاعِ

بِالْمَجَالِسِ وَالْمَرَابِطِ وَالْمَسَاطِبِ وَجُلُوسِ الْبَاعَةِ لِلْبَيْعِ الْخَفِيفِ .
وَمَرَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِكِيرِ حَدَّادٍ فِي السُّوقِ فَأَمَرَ بِهِ فَهُدِمَ ، وَقَالَ يُضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ السُّوقَ ا هـ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَسَاطِبِ الدِّكَكُ الَّتِي تُبْنَى إلَى جَانِبِ الْأَبْوَابِ ، وَأَمَامَ الْحَوَانِيتِ .
السَّادِسُ : ابْنُ رُشْدٍ أَفْنِيَةُ الدُّورِ الْمُتَّصِلَةُ بِالطَّرِيقِ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لِأَرْبَابِ الدُّورِ كَالْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ ، فَإِذَا كَانَ لِقَوْمٍ فِنَاءٌ وَغَابُوا فَاتُّخِذَ مَقْبَرَةً ، فَمِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَعُودُوا إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلرَّمْيِ فِيهَا إذَا قَدِمُوا إلَّا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ لَهُمْ دَرْسَهَا إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً مُسَنَّمَةً لَمْ تَنْدَرِسْ وَلَمْ تَعْفُ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَأَنْ يَمْشِيَ أَحَدُكُمْ عَلَى الرَّضْفِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ } ، وَقَوْلِهِ { الْمَيِّتُ يُؤْذِيهِ فِي قَبْرِهِ مَا يُؤْذِيهِ فِي بَيْتِهِ } ، فَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ وَدُفِنَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ كَانَ مِنْ حَقِّهِمْ نَبْشُهَا وَتَحْوِيلُهُمْ إلَى مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ .

وَلِلسَّابِقِ
( وَ ) قُضِيَ بِفِنَاءِ الدُّورِ ( لِلسَّابِقِ ) إلَيْهِ مِنْ الْبَاعَةِ لِلْبَيْعِ الْخَفِيفِ إنْ نَازَعَهُ لَا حَقَّ لَهُ ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَقَامَ مِنْهُ نَاوِيًا الْعُودَ إلَيْهِ فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَيْهِ فَقِيلَ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَقْضِيَ غَرَضَهُ .
وَقِيلَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ .
وَفِي الشَّامِلِ وَلِلْبَاعَةِ وَغَيْرِهِمْ الْجُلُوسُ فِيمَا خَفَّ ، وَالسَّابِقُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ كَمَسْجِدٍ ، وَيَسْقُطُ حَقُّهُ إنْ قَامَ لَا بِنِيَّةِ عَوْدِهِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَ " غ " قَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَامَ مِنْ الْبَاعَةِ مِنْ الْمَجْلِسِ نَاوِيًا الرُّجُوعَ إلَيْهِ فِي غَدٍ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُتِمَّ غَرَضَهُ .
وَقِيلَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ ، فَلِمَنْ سَبَقَ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ وَقَضَى لِلسَّابِقِ

كَمَسْجِدٍ

وَشَبَّهَ فِي الْقَضَاءِ لِلسَّابِقِ فَقَالَ ( كَمَسْجِدٍ ) فَيُقْضَى بِهِ لِمَنْ سَبَقَ بِالْجُلُوسِ بِهِ .
( فُرُوعٌ ) الْأَوَّلُ : الْعَوْفِيُّ مَنْ وَضَعَ بِمَسْجِدٍ شَيْئًا لِحَجْرِهِ بِهِ كَفَرْوَةٍ حَتَّى يَأْتِيَ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ بِهِ ، يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ التَّحْجِيرَ يُعَدُّ إحْيَاءً .
الْحَطّ سَيَأْتِي فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْإِحْيَاءِ ، وَنَصَّ فِي الْمَدْخَلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّابِقُ إلَى الْمَسْجِدِ بِإِرْسَالِ سَجَّادَتِهِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ غَاصِبٌ لِذَلِكَ الْمَحِلِّ .
قَالَ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ فِي ذَمِّ الطُّولِ وَالتَّوْسِيعِ فِيهِ أَنَّ أَحَدَهُمْ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ ضَمَّ ثَوْبَهُ وَقَعَ فِي النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّهُ أُفْرِشَ عَلَى الْأَرْض وَأَمْسَكَ بِهِ مَكَانًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا مَوْضِعُ قِيَامِهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِذَا بَسَطَ شَيْئًا يُصَلِّي عَلَيْهِ احْتَاجَ أَنْ يَبْسُطَ شَيْئًا كَبِيرَ السَّعَةِ كَثَوْبِهِ فَيُمْسِكُ بِهِ مَوْضِعَ رَجُلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ، فَإِنْ هَابَهُ النَّاسُ لِكِبَرِ كُمِّهِ وَثَوْبِهِ وَتَبَاعَدُوا مِنْهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ فَيُمْسِكُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ بَعَثَ سَجَّادَتَهُ إلَى الْمَسْجِدِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ فَفُرِشَتْ فِيهِ وَتَأَخَّرَ إلَى أَنْ يَمْتَلِئَ الْمَسْجِدُ بِالنَّاسِ ، ثُمَّ يَأْتِي يَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ فَيَقَعُ فِي مَحْذُورَاتٍ جُمْلَةً مِنْهَا غَصْبُهُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي فُرِشَتْ بِهِ السَّجَّادَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَجْرُهُ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ إلَّا مَوْضِعَ صَلَاتِهِ ، وَمَنْ سَبَقَ فَهُوَ أَوْلَى ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ إنَّ السَّبْقَ لِلسَّجَّادَاتِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِبَنِي آدَمَ فَوَقَعَ فِي الْغَصْبِ لِمَنْعِهِ السَّابِقَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَمِنْهَا تَخْطِي رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا

إلَى جَهَنَّمَ } ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ تَخَطَّى رَقَبَةَ أَخِيهِ جَعَلَهُ اللَّهُ جِسْرًا } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السَّبَقَ بِذَلِكَ ، فَإِنَّهُ قَالَ إذَا أُمِرَ إنْسَانٌ أَنْ يُبَكِّرَ إلَى الْجَامِعِ فَيَأْخُذَ لَهُ مَكَانًا يَقْعُدَ فِيهِ ، فَإِذَا جَاءَ الْآمِرُ يَقُومُ لَهُ مِنْهُ الْمَأْمُورُ وَيَقْعُدُ الْآمِرُ فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ ، لِمَا رُوِيَ أَنْ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ يُرْسِلُ غُلَامَهُ إلَى مَجْلِسٍ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَجْلِسُ فِيهِ ، فَإِذَا جَاءَ قَامَ لَهُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا مَنْ أَرْسَلَ بِسَاطًا أَوْ سَجَّادَةً لِتُبْسَطَ لَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ مُحْتَجًّا بِهِ .
الْحَطّ وَتَخْرِيجُهُ إرْسَالَ سَجَّادَةٍ عَلَى إرْسَالِ الْغُلَامِ غَيْرُ ظَاهِرٍ ، فَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ مِنْ أَنَّ السَّبَقَ بِالْفُرُشِ لَا يُعْتَبَرُ .
الثَّانِي الْقُرْطُبِيُّ إذَا قَعَدَ إنْسَانٌ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُقِيمَهُ وَيَجْلِسَ فِي مَكَانِهِ .
الثَّالِثُ : الْقُرْطُبِيُّ إذَا قَامَ الْقَاعِدُ فِي مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ لِيَجْلِسَ غَيْرُهُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي قَامَ إلَيْهِ مِثْلَ الْأَوَّلِ فِي الْفَضِيلَةِ لَمْ يُكْرَهْ قِيَامُهُ ، وَإِلَّا كُرِهَ لِإِيثَارِهِ غَيْرَهُ فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ .
الرَّابِعُ : ابْنُ فَرْحُونٍ يُنْدَبُ لِلْقَاضِي وَالْعَالَمِ وَالْمُفْتِي اتِّخَاذُ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلْجُلُوسِ فِيهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَيْهِمْ مَنْ أَرَادَهُمْ ، وَفِي الْمَدَارِك أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يَجْلِسُ فِيهِ مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَكَانُ الْإِمَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانَ يُوضَعُ فِيهِ فِرَاشُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اعْتَكَفَ .
الْخَامِسُ : فِي

إقْلِيدِ ، التَّقْلِيدِ لِابْنِ أَبِي جَمْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ اتِّخَاذَ الْعُلَمَاءِ الْمَسَاطِبَ وَالْمَنَابِرَ فِي الْمَسْجِدِ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّذْكِيرِ جَائِزٌ ، وَهُمْ أَحَقُّ بِهِ ، وَإِقْرَارُ الْعُلَمَاءِ مَا فِي جَوَامِعِ مِصْرَ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ ، وَأَمَّا الْمَوْضِعُ لِطَلَبِ الْأُجْرَةِ كَمُعَلِّمِي الْقُرْآنِ فَلَا حَقَّ ، فَيَنْبَغِي إزَالَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
السَّادِسُ : إذَا جَلَسَ إنْسَانٌ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } .
السَّابِعُ : إذَا عُرِفَ مَوْضِعٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بِجُلُوسِ إنْسَانٍ فِيهِ لِتَعْلِيمِ عِلْمٍ أَوْ فُتْيَا وَسَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ عُرِفَ بِالْمَوْضِعِ أَحَقُّ بِهِ ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ هُوَ أَحَقُّ بِهِ اسْتِحْسَانًا لَا وُجُوبًا ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .

وَبِسَدِّ كُوَّةٍ فُتِحَتْ أُرِيدَ سَدٌّ خَلْفَهَا

( وَ ) قُضِيَ عَلَى جَارٍ ( بِسَدِّ كُوَّةٍ ) بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْأَشْهَرِ وَضَمِّهَا وَشَدِّ الْوَاوِ ، أَيْ طَاقَةٍ ( فُتِحَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ أَحْدَثَ فَتْحَهَا وَيُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ و ( أُرِيدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( سَدٌّ ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ كَذَلِكَ مُنَوَّنًا ( خَلْفَهَا ) أَيْ دَاخِلَهَا مِنْ نَاحِيَةِ مَنْ فَتَحَهَا وَإِبْقَاؤُهَا مَفْتُوحَةً مِنْ نَاحِيَةِ جَارِهِ وَلَمْ يَرْضَهُ ، إذْ لَا يَكْفِي ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، إذْ ذَاكَ زَرِيعَةٌ إلَى ادِّعَاءِ فَاتِحِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَدِمَهَا وَاسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِ بِفَتْحِهَا مِنْ جِهَةِ جَارِهِ ، وَمَفْهُومُ فُتِحَتْ أَنَّ الْقَدِيمَةَ لَا يُقْضَى بِسَدِّهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَمَنْ فَتَحَ فِي جِدَارِهِ كُوَّةً أَوْ بَابًا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي الْإِشْرَافِ عَلَيْهِ مِنْهُ مُنِعَ ، فَأَمَّا كُوَّةٌ قَدِيمَةٌ أَوْ بَابٌ قَدِيمٌ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ ، وَفِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى جَارِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْكُوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّاقِ .
ابْنُ يُونُسَ رَأَيْت بَعْضَ فُقَهَائِنَا يُفْتِي وَيَسْتَحْسِنُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ عَنْ التَّكَشُّفِ وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً ، وَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ فَلَا يُتْرَكَا لِرِضَاهُمَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ ، وَالصَّوَابُ جَبْرُ الْمُحْدِثِ عَلَى السَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ مُحْدِثِ الْبُنْيَانِ أَبُو الْحَسَنِ الْقِدَمُ طُولُ الْمُدَّةِ لَا إنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ جَارِهِ ، وَفِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ الْقِدَمَ إمَّا سُكُوتُ الثَّانِي مُدَّةَ حِيَازَةِ الضَّرَرِ أَوْ التَّقَدُّمُ عَلَى بِنَائِهِ ، وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ بِسَدِّ الْكُوَّةِ الْقَدِيمَةِ وَقَوَّى ابْنُ عَبْدِ النُّورِ فِي حَاوِيهِ سَدَّهَا ، وَلَكِنْ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِسَدِّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَرَرٌ عَلَى الْجَارِ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ كُوَّةٌ

قَدِيمَةٌ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ فَلَا قِيَامَ لِلْجَارِ فِيهَا وَيَجِبُ فِي التَّحَفُّظِ بِالدِّينِ التَّطَوُّعُ بِغَلْقِهَا مِنْ جِهَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَالتَّحَفُّظُ بِالدِّينِ أَوْكَدُ مِنْ حُكْمِ السُّلْطَانِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) : الْأَوَّلُ : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْقَضَاءَ بِسَدِّهَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقُرْبِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ التَّطَلُّعُ مِنْهَا بِلَا تَكَلُّفٍ ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ رَفَعَ بِنَاءَهُ وَفَتَحَ كُوًى يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ مُنِعَ وَكَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذَا أَنْ يُوقَفُ عَلَى سَرِيرٍ ، فَإِنْ نَظَرَ إلَى مَا فِي دَارِ جَارِهِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا يُمْنَعُ ، وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ ، وَأَمَّا لَا يَنَالُ النَّظَرُ مِنْهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ فَلَا يُمْنَعُ عِيَاضٌ الْمُرَادُ بِالسَّرِيرِ السَّرِيرُ الْمَعْلُومُ ، وَمِثْلُهُ الْكُرْسِيُّ وَشَبَهَهُ لَا السُّلَّمُ لِأَنَّ فِي وَضْعِهِ إيذَاءٌ وَالصُّعُودُ عَلَيْهِ تَكَلُّفٌ لَا يُفْعَلُ إلَّا لِمُهِمٍّ وَلَا يَسْهُلُ صُعُودُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ نَظَرَ إلَخْ أَيْ اطَّلَعَ مِنْ الْكُوَّةِ وَاسْتَبَانَ مِنْهَا مِنْ دَارِ الْآخَرِ الْوُجُوهَ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ الْوُجُوهَ فَلَيْسَ ذَلِكَ ضَرَرًا أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُ مَالِكٍ مَا فِيهِ ضَرَرٌ ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِسَرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ .
الثَّانِي : ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فَلَا يَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ وَمَنْ فَتَحَ كُوَّةً قَرِيبَةً يَكْشِفُ جَارَهُ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى بُسْتَانِ جَارِهِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ ، وَهُوَ أَحَدُ نَقْلَيْ ابْنِ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ .
قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى الْمَزَارِعِ .
الثَّالِثُ : الْمُسْتَنَدُ إلَى مَا يُسَدُّ بِالْحُكْمِ تُزَالُ شَوَاهِدُهُ فَتُقْلَعُ عَتَبَةُ الْبَابِ لِأَنَّهَا إنْ تُرِكَتْ وَطَالَ الزَّمَانُ وَنُسِيَ الْأَمْرُ كَانَتْ حُجَّةً لِلْمُحْدِثِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا غَلَقَهُ لِيُعِيدَهُ مَتَى شَاءَ .
وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي كَيْفِيَّةِ قَطْعِ ضَرَرِ الِاطِّلَاعِ

قَوْلَيْنِ ، أَحَدَهُمَا وُجُوبُ الْحُكْمِ بِسَدِّهِ وَإِزَالَةِ أَثَرِهِ خَوْفَ دَعْوَى قِدَمِهِ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ .
الثَّانِي عَدَمُ وُجُوبِ سَدِّهِ وَالِاكْتِفَاءُ بِجَعْلِ مَا يَسْتُرُهُ أَمَامَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْمُتَيْطِيُّ إذَا حُكِمَ بِسَدِّ الْبَابِ أُزِيلَتْ أَعْتَابُهُ وَعَضَائِدُهُ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ قَالَهُ سَحْنُونٌ .
الرَّابِعُ : ابْنُ فَرْحُونٍ مَنْ أَحْدَثَ ضَرَرًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ اطِّلَاعٍ أَوْ خُرُوجِ مَاءِ مِرْحَاضٍ قُرْبَ جِدَارِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ الْمُضِرَّةِ وَعَلِمَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ ، وَلَمْ يُعَارِضْ فِيهِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا ، بِلَا عُذْرٍ مَانِعٍ مِنْ الْقِيَامِ فَلَا قِيَامَ لَهُ بَعْدَهَا ، وَهُوَ كَالِاسْتِحْقَاقِ ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَنْقَطِعُ الْقِيَامُ فِي إحْدَاثِ الضَّرَرِ إلَّا بَعْدَ سُكُوتٍ عِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ .
ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي حِيَازَةِ الضَّرَرِ الْمُحْدَثِ فَقِيلَ لَا يُحَازُ أَصْلًا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ ، وَقِيلَ يُحَازُ بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَمْلَاكُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا ، قَالَهُ أَصْبَغُ ، وَقَالَ أَيْضًا لَا يُحَازُ إلَّا بِعِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوِهِمَا .
وَكَانَ ابْنُ زَرْبٍ يَسْتَحْسِنُ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُحَازُ بِأَرْبَعِ سِنِينَ لِأَنَّ الْجَارَ قَدْ يَتَغَافَلُ عَنْ جَارِهِ فِي نَحْوِ السَّنَتَيْنِ .
وَقِيلَ إنْ كَانَ ضَرَرُهُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ فَهُوَ الَّذِي يُحَازُ بِالسُّكُوتِ ، وَإِنْ كَانَ يَتَزَايَدُ كَالْمَطْمُورِ إلَى جَانِبِ الْحَائِطِ فَلَا يُحَازُ .
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
الْخَامِسُ : مَنْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي مِلْكِهِ فَبَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ فَهَلْ يَنْتَقِلُ لِلْمُشْتَرَى مَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَمْ لَا ، قَوْلَانِ وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ بَيْعِهِ بَعْدَ خِصَامِهِ فَلِلْمُشْتَرِي الْقِيَامُ وَكَوْنِهِ قَبْلَهُ فَلَا قِيَامَ لَهُ ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ وَحَلَّ مُبْتَاعٌ مَحَلَّ بَائِعٍ خَاصَمَ ، وَبَاعَ قَبْلَ

الْحُكْمِ لَا قَبْلَ قِيَامِهِ .

وَبِمَنْعِ دُخَانٍ : كَحَمَّامٍ ، وَرَائِحَةٍ : كَدِبَاغٍ ، وَأَنْدَرٍ قِبَلَ بَيْتٍ
( وَ ) قُضِيَ ( بِمَنْعِ ) إحْدَاثِ ذِي ( دُخَانٍ كَحَمَّامِ ) بِشَدِّ الْمِيمِ وَفُرْنٍ وَمَطْبَخٍ وَمُجَيِّرَةٍ وَمُجَيِّسَةٍ ( وَ ) قُضِيَ بِمَنْعِ إحْدَاثِ ذِي ( رَائِحَةٍ ) كَرِيهَةٍ ( كَدِبَاغٍ ) وَمَذْبَحٍ وَمَسْمَطٍ وَمِرْحَاضٍ الْبِسَاطِيُّ إنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّائِحَةِ وَالدُّخَانِ وَالْكُلُّ دُخَانٌ وَمَشْمُومٌ ، قُلْت الْفَرْقُ أَنَّهُ عُنِيَ بِالدُّخَانِ الْمَحْسُوسِ بِالْبَصَرِ وَبِالرَّائِحَةِ الْمَحْسُوسِ بِالشَّمِّ ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ دُخَانًا وَالدُّخَانُ يَضُرُّ غَيْرَ الشَّمِّ ، كَتَسْوِيدِ الثِّيَابِ وَالْحِيطَانِ وَشَبَهِهَا ( وَ ) قُضِيَ بِمَنْعِ إحْدَاثِ ( أَنْدَرُ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ أَيْ مَوْضِعُ لِدَرْسِ الزَّرْعِ وَتَذْرِيَتِهِ ( قِبَلَ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مُقَابِلَ بَابِ ( بَيْتٍ ) الْحَطّ لَا مَفْهُومَ لِقِبَلِ ، وَكَذَا إحْدَاثُهُ جَنْبَ بَيْتٍ مِنْ أَيْ جِهَةٍ ، وَالْجِنَانُ كَالْبَيْتِ نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ .
( تَنْبِيهٌ ) ابْنُ الْهِنْدِيِّ إنْ قَامَ رَجُلٌ عَلَى جَارِهِ فِي شَيْءٍ أَرَادَ إحْدَاثَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ يَضُرُّهُ ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ يَضُرُّهُ بِاطِّلَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَمْنَعُ جَارُهُ مِنْ عَمَلِ مَا أَرَادَهُ ، وَإِذَا تَمَّ عَمَلُهُ وَثَبَتَ الضَّرَرُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهَدْمِهِ إذَا طَلَبَهُ جَارُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْفَعٌ .

وَمُضِرٍّ بِجِدَارٍ
( وَ ) قَضَى بِمَنْعِ إحْدَاثِ كُلِّ شَيْءٍ ( مُضِرٍّ بِجِدَارٍ ) لِجَارِهِ خَوْفَ سُقُوطِهِ أَوْ وَهَنِهِ أَوْ تَسْخِيمِهِ كَطَاحُونٍ وَمِرْحَاضٍ وَمِدَقٍّ

وَإِصْطَبْلٍ
( وَ ) يُمْنَعُ إحْدَاثُ ( إصْطَبْلٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ كَذَلِكَ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَعْجَمِيٌّ مُعْرَبٌ ، مَعْنَاهُ بَيْتُ الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا صَاحِبُ الْمُفِيدِ تَابِعًا لِابْنِ فَتُّوحٍ يُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ إصْطَبْلٍ عِنْدَ بَيْتِ جَارِهِ لِضَرَرِهِ بِبَوْلِ الدَّوَابِّ وَزِبْلِهَا وَحَرَكَتِهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الْمَانِعَةِ مِنْ النَّوْمِ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مُسْتَغْنَى عَنْهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَنَعَهُ لِلرَّائِحَةِ فَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَرَائِحَةٍ كَدِبَاغٍ وَإِنْ كَانَ لِإِضْرَارِهِ بِالْحِيطَانِ فَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَمُضِرٍّ بِجِدَارٍ وَإِنْ كَانَ لِلتَّضَرُّرِ بِالصَّوْتِ فَسَيَأْتِي مَا يُغْنِي عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ وَصَوْتٍ كَكَمْدٍ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ النَّصَّ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ .

أَوْ حَانُوتٍ قِبَالَةَ بَابٍ

( أَوْ ) إحْدَاثُ ( حَانُوتٍ ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ النُّونِ آخِرَهُ مُثَنَّاةٌ فَوْقَ أَيْ مَحَلٍّ مُعَدٍّ لِإِدَامَةِ الْجُلُوسِ بِهِ لِبَيْعٍ أَوْ صَنْعَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ ( قِبَالَةَ ) بِكَسْرِ الْقَافِ فَمُوَحَّدَةٍ أَيْ مُقَابِلَ ( بَابٍ ) لِدَارٍ " غ " كَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ مَعْطُوفًا بِأَوْ ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي إحْدَاثِ إصْطَبْلٍ فِي قِبَالَةِ الْبَابِ .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَحَانُوتٍ بِالْوَاوِ مَعْطُوفًا عَلَى دُخَانٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَكَلَامُهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى السِّكَّةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ لِقَوْلِهِ فِي مُقَابِلِهِ وَبَابٌ بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا مُسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ آخِرًا إلَّا بَابًا نَكَبَ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ ، وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي آخَرِ كِتَابِ الْقَسْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ رُشْدٍ يَتَحَصَّلُ فِي فَتْحِ الرَّجُلِ بَابًا أَوْ حَانُوتًا فِي مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ .
ثَانِيًا : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ جُمْلَةً إلَّا إنْ نَكَبَهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ .
ثَالِثُهَا : لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً ، قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاسِعَةُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ .
وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ رَجُلَيْنِ مُتَجَاوِرِينَ بَيْنَهُمَا زُقَاقٌ نَافِذٌ فَأَحْدَثَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِهِ بَابًا وَحَانُوتَيْنِ يُقَابِلُ بَابَ دَارِ جَارِهِ وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ دَارِهِ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا عَلَى نَظَرٍ مِنْ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ فِي الْحَانُوتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِعَمَلِ صِنَاعَتِهِمْ ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ يُثْبِتُهُ صَاحِبُ الدَّارِ وَكَشَقَّةٍ لِعِيَالِهِ فَأَجَابَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْت فَيُؤْمَرُ أَنْ يَنْكُبَ بَابَهُ وَحَانُوتَيْهِ عَنْ مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا تُرِكَ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِغَلْقِهَا .
ا هـ .
وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .
الْحَطّ

هَذَا اقْتَضَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْحَانُوتِ وَالْبَابِ ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ السُّلْطَانِ ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ .
الْبُرْزُلِيُّ فِي الرِّوَايَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَانُوتِ وَالْبَابِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ ، حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ السُّلْطَانِ ، وَرَأَيْت فِي التَّعْلِيقَةِ الْمَنْسُوبَةِ لِلْمَازِرِيِّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ السُّيُورِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الْحَانُوتَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ الْبَابِ لِلَازِمَةِ الْجُلُوسِ فِيهِ ، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ بِكُلِّ حَالٍ وَوَقَعَتْ بِتُونُسَ ، وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ بِالتَّسْوِيَةِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ .

وَبِقَطْعِ مَا أَضَرَّ مِنْ شَجَرَةٍ بِجِدَارٍ ، إنْ تَجَدَّدَتْ ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ
( وَ ) قَضَى ( بِقَطْعِ مَا أَضَرَّ مِنْ ) أَغْصَانِ ( شَجَرَةٍ بِجِدَارٍ ) لِجَارٍ ( إنْ تَجَدَّدَتْ ) أَيْ حَدَثَتْ الشَّجَرَةُ بَعْدَ الْجِدَارِ اتِّفَاقًا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَجَدَّدْ بِأَنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى بِنَاءِ الْجِدَارِ ( فَ ) فِي الْقَضَاءِ بِقَطْعِ أَغْصَانِهَا الَّتِي أَضَرَّتْ بِالْجِدَارِ الْحَادِثِ عَلَيْهَا وَعَدَمِهِ ( قَوْلَانِ ) مُطَرِّفٌ يَقْضِي بِهِ ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَيَانِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَا يُقْضَى بِهِ لِأَنَّ بَانِي الْجِدَارِ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ وَتَعَدَّى عَلَى حَرِيمِهَا ، وَأَمَّا أَصْلُهَا فَقَالَ مُطَرِّفٌ إنْ كَانَ عَلَى حَالِ مَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ مِنْ انْبِسَاطِهِ فَلَا يُقْطَعُ قَالَهُ تت ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ قَدِيمَةً قَبْلَ الْجِدَارِ فَلَيْسَ لِلْجَارِ قَلْعُهَا وَلَوْ أَضَرَّتْ بِجِدَارِهِ ، وَفِي قَطْعِهِ مَا أَضَرَّ بِهِ مِنْ أَغْصَانِهَا قَوْلَا أَصْبَغَ مَعَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ حَالِ الشَّجَرَةِ ، فَقَدْ حَازَ ذَلِكَ مِنْ حَرِيمِهَا ، الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ .

لَا مَانِعَ : ضَوْءٍ ، وَشَمْسٍ ، وَرِيحٍ
وَإِنْ أَحْدَثَ الْجَارُ مَا مَنَعَ الضَّوْءَ أَوْ الشَّمْسَ أَوْ الرِّيحَ عَنْ جَارِهِ فَ ( لَا ) يُقْضَى بِإِزَالَةِ شَيْءٍ ( مَانِعِ ضَوْءٍ ) عَنْ جَارٍ ( وَ ) لَا بِإِزَالَةِ مَانِعِ شُعَاعِ ( شَمْسٍ ) عَنْهُ ( وَ ) لَا مَانِعِ ( رِيحٍ ) عَنْهُ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَنَعَ الثَّلَاثَةَ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ فَسَدَّ عَلَى دَارِ جَارِهِ كُوَاهَا وَأَظْلَمَتْ عَلَيْهِ أَبْوَابُ غُرَفِهِ وَكُوَاهَا وَمَنَعَ الشَّمْسَ أَنْ تَقَعَ فِي حُجْرَتِهِ ، وَمَنَعَ الْهَوَاءَ أَنْ يَدْخُلَ لَهُ فَلَا يُمْنَعُ ، وَظَاهِرُهَا كَالْمُصَنِّفِ ، وَإِنْ قَصَدَ ضَرَرَ جَارِهِ .
وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ يُمْنَعُ مِنْ رَفْعِهِ الْمُضِرِّ دُونَ مَنْفَعَةٍ يُحْتَمَلُ الْخِلَافُ وَالتَّقْيِيدُ قَالَهُ تت .
طفي قَوْلُهُ ابْنُ نَافِعٍ لَعَلَّهُ ابْنُ كِنَانَةَ إذْ هُوَ الْمُفَصِّلُ ، وَأَمَّا ابْنُ نَافِعٍ فَالْمَنْعُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا ، كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ .
الْحَطّ هَذَا الْمَشْهُورُ ، وَأَمَّا إحْدَاثُ مَا يُنْقِصُ الْغَلَّةَ فَلَا يُمْنَعُ اتِّفَاقًا كَإِحْدَاثِ فُرْنٍ قُرْبَ فُرْنٍ وَحَمَّامٍ قُرْبَ حَمَّامٍ قَالَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَالتَّبْصِرَةِ

إلَّا لِأَنْدَرِ
( إلَّا ) مَانِعَ .
شَمْسٍ وَرِيحٍ ( لِأَنْدَرِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالدَّالِ أَيْ عَنْهُ فَيُقْضَى بِمَنْعِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ .
الْبَاجِيَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ مُلَاصِقَةُ أَنْدَرِ غَيْرِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الرِّيحَ عَنْ الْأَنْدَرِ وَيَقْطَعُ مَنْفَعَتَهُ ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُمْنَعُ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي قَطْعِ مَرَافِقِ الْأَنْدَرِ الَّذِي تَقَادَمَ ابْنُ يُونُسَ وَالْأَنَادِرُ كَالْأَفْنِيَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّضْيِيقُ فِيهَا وَلَا قَطْعُ مَنَافِعِهَا وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ .
الْعُتْبِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى مَوَّاقٌ .

وَعُلُوِّ بِنَاءٍ وَصَوْتٍ كَكَمْدٍ

وَعَطَفَ بِالْجَرِّ عَلَى مَانِعٍ فَقَالَ ( وَ ) لَا يُقْضَى بِمَنْعِ زِيَادَةِ ( عُلُوِّ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ وَشَدِّ الْوَاوِ أَيْ رَفْعٍ وَإِطَالَةِ ( بِنَاءٍ ) عَلَى جَارِهِ وَإِنْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ نَعَمْ يُمْنَعُ مِنْ التَّطَلُّعِ عَلَيْهِ وَالْإِضْرَارِ بِهِ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ ذُو الْعُلْوِ ذِمِّيًّا .
ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ يُمْنَعُونَ مِنْ إعْلَاءِ بِنَائِهِمْ أَيْ الذِّمِّيِّينَ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَفِي الْمُسَاوَاةِ قَوْلَانِ وَلَوْ اشْتَرَوْهَا عَالِيَةً أُقِرُّوا ، إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ كَالْمُصَوِّبِ لَهُ ( وَ ) لَا يُمْنَعُ مِنْ ( صَوْتٍ كَكَمْدٍ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ .
الْمِيمِ أَيْ دَقِّ الْقُمَاشِ لِيُحَسَّنَ ، وَأَدْخَلْت الْكَافُ الْقَصْرَ وَالنَّدْفَ وَصُنْعَ الْحَدِيدِ وَنَجْرَ الْخَشَبِ وَتَجْرِبَةَ الْآلَاتِ الْمُبَاحَةِ وَتَعْلِيمَ الْأَنْغَامِ وَالصَّبِيَّانِ وَاِتِّخَاذِ السُّمَّانِ وَالْعَصَافِيرِ وَالْحَمَامِ الْهَدَّارِ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ اشْتَدَّ وَدَامَ .
وَفِي " ق " خِلَافُهُ قَالَهُ عب ، وَنَصَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ضَرَرِ صَوْتِ الْحَرَكَاتِ طُرِقَ فِي الْمَجْمُوعَةِ ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ أَحْدَثَ رَحًى تَضُرُّ بِجَارِهِ مُنِعَ .
الْبَاجِيَّ أَمَّا الرَّحَى فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا تَضُرُّ بِجُدْرَانِ الْجَارِ مُنِعَ مِنْهَا ، وَأَمَّا صَوْتُهَا فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْغَسَّالِ وَالضَّرَّابِ يُؤْذِي جَارَهُ وَقْعُ صَوْتِهِ إنَّهُ لَا يُمْنَعُ ، وَتَحْتَمِلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخِلَافَ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الضَّرَرِ الَّذِي يُمْنَعُ مِنْهُ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ إنَّمَا ذَاكَ فِي الصَّوْتِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ أَوْ مَا لَا يُسْتَدَامُ .
وَأَمَّا مَا كَانَ صَوْتًا شَدِيدًا مُسْتَدَامًا كَالْكَمَّادِينَ وَالْقَصَّارِينَ وَالرَّحَى ذَاتِ الصَّوْتِ الشَّدِيدِ ، فَإِنَّهُ ضَرَرٌ يُمْنَعُ مِنْهُ كَالرَّائِحَةِ ، وَلَمْ يَحْكِ الصِّقِلِّيُّ غَيْرَ نَقْلِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ .
ابْنُ رُشْدٍ ضَرَرُ الْأَصْوَاتِ كَالْحَدَّادِ وَالْكَمَّادِ

وَالنَّدَّافِ ، حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ ، وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى مَنْعِ ضَرَرِ الصَّوْتِ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِبُرْدٍ اُطْرُدْ هَذَا الْقَارِئَ عَنِّي فَقَدْ آذَانِي .
ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ أَشْهَبَ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَسَنَ الصَّوْتِ وَيَخْرُجُ فِي آخَرِ اللَّيْلِ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَرَأَ جَهْرًا فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لِبُرْدٍ اُطْرُدْ هَذَا الْقَارِئَ عَنِّي فَقَدْ آذَانِي ، فَسَكَتَ بُرْدٌ ، فَقَالَ سَعِيدٌ وَيْحَك .
يَا بُرْدُ اُطْرُدْ هَذَا الْقَارِئَ عَنِّي فَقَدْ آذَانِي ، فَقَالَ لَهُ إنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ لَنَا خَاصَّةً ، إنَّمَا هُوَ لِلنَّاسِ ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ وَتَنَحَّى ابْنُ رُشْدٍ أَمْرُ سَعِيدٍ بِطَرْدِ الْقَارِئِ عَنْهُ يُرِيدُ بِهِ مِنْ جِوَارِهِ لَا مِنْ الْمَسْجِدِ جُمْلَةً ، وَلَمْ يَنْتَهِ لِمَكَانِهِ مِنْ الْخِلَافَةِ لِجَزَالَتِهِ وَقُوَّتِهِ فِي الْحَقِّ وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالْأَئِمَّةِ ، وَلَمْ يَأْنَفْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ لِفَضْلِهِ وَانْقِيَادِهِ لِلْحَقِّ .
ابْنُ عَرَفَةَ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ مَالِكٍ كَانَ النَّاسُ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يَتَوَاعَدُونَ لِقِيَامِهِمْ لِأَسْفَارِهِمْ بِقِيَامِ الْقُرَّاءِ بِالْمَسْجِدِ بِالْأَسْحَارِ تُسْمَعُ أَصْوَاتُهُمْ مِنْ كُلِّ مَنْزِلٍ ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَاتٍ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ فِي الْمَسَاجِدِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِهَذِهِ الْحِكَايَةِ عَلَى أَنَّ الْأَصْوَاتَ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَجِبُ الْحُكْمُ بِإِزَالَتِهِ عَلَى الْجَارِ بِقَطْعِهِ عَنْ جَارِهِ كَالْحَدَّادِينَ وَالْكَمَّادِينَ وَالنَّدَّافِينَ ، وَشِبْهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ بَيِّنٍ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ فِي دَارِهِ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ جَارُهُ بِخِلَافِهِ مَا يَفْعَلُهُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِ لِتَسَاوِي النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ رَفَعَ رَجُلٌ فِي دَارِهِ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ لَمَا وَجَبَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ ، وَالرِّوَايَةُ مَنْصُوصَةٌ

فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ مَنْعُ جَارِهِ الْحَدَّادِ مِنْ ضَرْبِ الْحَدِيدِ فِي دَارِهِ وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ .
قُلْت وَقَالَ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى رَأَيْت لِابْنِ دَحُونٍ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْكَمَّادِ وَالطَّحَّانِ أَنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا يَضُرُّ بِأَسْمَاعِ الْجِيرَانِ ، فَإِنْ أَضَرَّ بِالْبِنَاءِ مَنَعَ الْمُتَيْطِيُّ فِي ثَمَانِيَةٍ .
أَبِي زَيْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ سَأَلَتْ مَالِكًا " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الْحَدَّادُ جَارُ الرَّجُلِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا إلَّا حَائِطٌ يَضْرِبُ الْحَدِيدَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَيُؤْذِي جَارَهُ فَيَقُولُ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَنَامَ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ لَا ، هَذَا رَجُلٌ يَعْمَلُ لِمَعَاشِهِ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الضَّرَرَ .
ابْنُ عَتَّابٍ تَنَازَعَ شُيُوخُنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِيمَنْ يَجْعَلُ بِدَارِهِ رَحًى وَشَبَهَهُ مِمَّا لَهُ دَوِيٌّ أَوْ صَوْتٌ يَضُرُّ بِهِ جَارَهُ كَالْحَدَّادِ وَشَبَهِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُمْنَعُ إذَا عَمِلَهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ .
وَقَالَ طَائِفَةٌ لَا يُمْنَعُ .
وَقَالَ أَصْبَغُ اتَّفَقَ شُيُوخُنَا عَلَى مَنْعِهِ اللَّيْلَ لِمَنْ أَضَرَّ بِجَارِهِ وَلَا يُمْنَعُ بِالنَّهَارِ ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنْ اجْتَمَعَ ضَرَرَانِ أُسْقِطَ الْأَكْثَرُ وَمُنِعَ الرَّجُلُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ .
وَصَنْعَتُهُ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ التَّأَذِّي بِدَوِيِّ مَا يُمْنَعُ .
ابْنُ عَتَّابٍ الَّذِي أَقُولُهُ وَأَتَقَلَّدُهُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ جَمِيعَ مَا يَضُرُّ الْجَارَ يَجِبُ قَطْعُهُ إلَّا رَفْعَ الْبِنَاءِ الْمَانِعِ مِنْ الرِّيحِ وَضَوْءَ الشَّمْسِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا ، فَلَا يُقْطَعُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ قَصْدَ مُحْدِثِهِ ضَرَرَ جَارِهِ ، وَكَذَا كُلُّ ضَرَرٍ يَئُولُ لِلْفَسَادِ كَالْكَمَّادِ وَالنَّدَّافِ ، ثُمَّ قَالَ وَفِي الْمَجَالِسِ قَضَى شُيُوخُ الْفُتْيَا بِطُلَيْطُلَةَ بِمَنْعِ الْكَمَّادِينَ إذَا اسْتَضَرَّ بِهِمْ الْجِيرَانُ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ

قُلْت فَفِي لَغْوِ إحْدَاثِ صَوْتِ الْحَرَكَةِ وَمَنْعِهِ مُطْلَقًا ، ثَالِثُهَا إنْ عَمِلَ نَهَارًا لَا لَيْلًا ، وَرَابِعُهَا إنْ خَفَّ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ .

وَبَابٍ بِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ
( وَ ) لَا يُمْنَعُ الْجَارُ مِنْ إحْدَاثِ ( بَابٍ ) لِدَارِهِ ( بِسِكَّةٍ ) بِكَسْرِ السِّينِ وَشَدِّ الْكَافِ ، أَيْ طَرِيقٍ ( نَافِذَةٍ ) أَيْ يَخْرُجُ مِنْهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى ، ظَاهِرُهُ وَاسِعَةً كَانَتْ أَوْ ضَيِّقَةً وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ .
وَمَفْهُومُ نَافِذَةٍ إنْ أَحْدَثَ بَابًا بِسِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ لِجَارٍ مَنْعُهُ مِنْهُ إنْ قَابَلَ بَابَهُ لَا إنْ لَمْ يُقَابِلْهُ ، وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِيهَا .
وَأَمَّا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ فَلَكَ أَنْ تَفْتَحَ مَا شِئْت أَوْ تُحَوِّلَ بَابَك حَيْثُ شِئْت مِنْهَا .
ا هـ .
وَكَذَا فِي الْعُتْبِيَّةِ .

وَرَوْشَنٍ
( وَ ) لَا يُمْنَعُ مَنْ لَهُ جَانِبٌ وَاحِدٌ عَلَى سِكَّةٍ نَافِذَةٍ مِنْ إحْدَاثِ ( رَوْشَنٍ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ آخِرَهُ نُونٌ ، أَيْ جَنَاحٌ فِي أَعْلَى الْحَائِطِ لِتَوْسِعَةِ الدَّارِ وَالتَّطَلُّعِ عَلَى السِّكَّةِ بِشَرْطِ رَفْعِهِ عَنْ رُءُوسِ الْمَارِّينَ رَفْعًا بَيِّنًا الْجَوْهَرِيِّ الرَّوْشَنُ الْكُوَّةُ الْمُحْكَمُ ، الرَّوْشَنُ الرَّفُّ .
الْبَاجِيَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْعَسَاكِرِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ .
رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَنَاحُ بِأَسْفَلِ الْجِدَارِ حَيْثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَيُمْنَعُ .

وَسَابَاطٍ لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ ، بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ ، وَإِلَّا ، فَكَالْمِلْكِ لِجَمِيعِهِمْ
( وَ ) لَا يُمْنَعُ ( مِنْ سَابَاطٍ ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ سَقْفٍ عَلَى حَائِطَيْنِ مُتَقَابِلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا سِكَّةٌ بِالنِّسْبَةِ ( لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ ) لِلسِّكَّةِ الْمُتَقَابِلَانِ الْأَيْمَنُ وَالْأَيْسَرُ مِنْ دَارَيْنِ مَثَلًا وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْعَسَاكِرِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهِيَ بِالْمَدِينَةِ فَلَا يُنْكِرُونَهَا ، وَاشْتَرَى مَالِكٌ دَارًا لَهَا عَسْكَرٌ .
ا هـ .
نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَالْجَوَاهِرِ وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمَنْ لَهُ دَارَانِ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جِدَارَيْهِمَا غُرْفَةً فَوْقَ الطَّرِيقِ ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا إنْ رَفَعَ بِنَاءً رَفْعًا يُجَاوِزُ رَأْسَ الْمَارِّ رَاكِبًا وَنَحْوِهِ فِي الزَّاهِي وَكَذَا الْأَجْنِحَةُ ا هـ .
مَوَّاقٌ إنْ كَانَ الرَّوْشَنُ وَالسَّابَاطُ مُحْدَثَيْنِ ( بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ ) إلَى جِهَةٍ أُخْرَى ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ السِّكَّةُ الَّتِي أُحْدِثَ فِيهَا الْبَابُ أَوْ الرَّوْشَنُ أَوْ السَّابَاطُ نَافِذَةً بِأَنْ سُدَّ آخِرُهَا ( فَ ) السِّكَّةُ ( كَالْمِلْكِ لِجَمِيعِهِمْ ) أَيْ الْجِيرَانِ ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إحْدَاثُ رَوْشَنٍ أَوْ سَابَاطٍ بِهَا إلَّا بِإِذْنِ بَاقِيهِمْ وَقَالَ كَالْمِلْكِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُمْ ، وَإِلَّا لَكَانَ لَهُمْ تَحْجِيرُهَا بِغَلْقٍ وَنَحْوِهِ .
( فَائِدَةٌ ) فِي الذَّخِيرَةِ هَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ وَهَوَاءُ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكٌ .

إلَّا بَابًا ، إنْ نُكِّبَ

( إلَّا بَابًا ) أُحْدِثَ بِسِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ إنْ ( نُكِّبَ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْكَافِ مُشَدَّدَةً ، أَيْ أُمِيلَ عَنْ مُقَابَلَةِ بَابِ الْجَارِ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَإِنْ فَتَحَ مُقَابِلًا لَهُ فَلَهُ مَنْعُهُ .
ابْنُ عَاتٍ حَصَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي فَتْحِ الرَّجُلِ بَابًا أَوْ تَحْوِيلِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ ، أَحَدِهَا : إنَّهُ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِ بَاقِيهِمْ ، ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ زَرْبٍ وَأَقَامَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ بِقُرْطُبَةَ .
ثَانِيهَا : إنَّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا مَا يُقَابِلُ بَابَ جَارِهِ أَوْ يَقْرُبُ مِنْهُ بِحَيْثُ يَقْطَعُ مِرْفَقًا عَنْهُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ وَهْبٍ .
ثَالِثُهَا : لَهُ تَحْوِيلُ بَابِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إذَا سَدَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا بَابًا لَمْ يَكُنْ قَبْلُ بِحَالٍ ، وَهَذَا دَلِيلُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي سَمَاعِ زُونَانَ .
وَيَتَحَصَّلُ فِي فَتْحِ الرَّجُلِ بَابًا أَوْ حَانُوتًا فِي مُقَابَلَةِ بَاب جَارِهِ فِي زُقَاقٍ نَافِذٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، أَحَدِهَا : أَنَّ ذَلِكَ لَهُ جُمْلَةً مِنْ غَيْر تَفْصِيلٍ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَشْهَبَ هَاهُنَا .
وَالثَّانِي : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَّا أَنْ يَنْكُبَهُ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ .
وَالثَّالِثِ : إنَّ ذَلِكَ لَهُ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ هَاهُنَا ، وَالسِّكَّةُ الْوَاسِعَةُ مَا فِيهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّرِيقُ الْمِيتَاءِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ } ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، فِيهَا لَيْسَ لَك أَنْ تَفْتَحَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ بَابًا يُقَابِلُ بَابَ جَارِك أَوْ يُسَاوِيهِ وَلَا تُحَوِّلُ بَابًا هُنَاكَ إذَا مَنَعَك لِأَنَّهُ يَقُولُ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَفْتَحَ فِيهِ بَابَك لِي فِيهِ مِرْفَقٌ أَفْتَحُ فِيهِ بَابِي فِي سُتْرَةٍ وَلَا أَدَعُكَ أَنْ

تَفْتَحَ قُبَالَةَ بَابِي أَوْ قُرْبَهُ فَتَتَّخِذَ عَلَيَّ ، فِيهِ الْمَجَالِسَ وَشِبْهَ هَذَا مِنْ الضَّرَرِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى جَارِهِ مَا يَضُرُّ بِهِ .
وَأَمَّا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ فَلَكَ أَنْ تَفْتَحَ مَا شِئْت أَوْ تُحَوِّلَ بَابَك حَيْثُمَا شِئْت وَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّهُ يُمْنَعُ فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ مِنْ أَنْ يَضُرَّ بِجَارِهِ فِي أَنْ يَفْتَحَ قُبَالَتَهُ أَوْ بِقُرْبٍ مِنْ بَابِهِ وَلَا يُمْنَعُ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ .
وَأَمَّا النَّافِذَةُ فَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنْ الْأَبْوَابِ أَوْ يُقَدِّمَهَا ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي تَحْدِيدِ الطَّرِيقِ قَالَ الْمِيتَاءُ الْوَاسِعَةُ ا هـ .
الْحَطّ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ بَلْ ذُكِرَتْ فِي هَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْهَا تَأَمَّلْ الْمِيتَاءُ مَا هِيَ ، وَتَفْسِيرُ الْمِيتَاءِ الْوَاسِعَةُ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الْهَمْزَةِ مِنْ بَاب الْمُعْتَلِّ وَالْمِيتَاءُ الطَّرِيقُ الْعَامِرَةُ وَمُجْتَمَعُ الطَّرِيقِ أَيْضًا مِيتَاءٌ وَمِبْدَادٌ انْتَهَى .
وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ وَطَرِيقٌ مِيتَاءٌ تَأْتِيهِ النَّاسُ كَثِيرًا ، وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنْ الْإِتْيَانِ ، وَنَظِيرُهُ دَارٌ مِحْلَالٌ لِلَّتِي تُحَلُّ كَثِيرًا .
وَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْمِيمِ مَعَ الْيَاءِ ، وَفِي حَدِيثِ اللُّقَطَةِ مَا وَجَدْتَ فِي طَرِيقٍ مِيتَاءٍ فَعَرِّفْهُ سَنَةً أَيْ طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنْ الْإِتْيَانِ ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ ، وَبَابُهُ الْهَمْزَةُ انْتَهَى ، يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمِيمِ تَسْهِيلًا عَلَى الطَّالِبِ عَلَى عَادَتِهِ .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي بَابِ الْمِيمِ وَفِي الْحَدِيثِ طَرِيقٍ مِيتَاءٍ بِكَسْرِ الْمِيم وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَالْمَدُّ وَتَسَهُّلٌ فَيُقَالُ مِيتَاءٌ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ مَعْنَاهُ كَثِيرُ

السُّلُوكِ عَلَيْهِ مِفْعَالٌ مِنْ الْإِتْيَانِ ا هـ .
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي الْمِيتَاءُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمَدِّ بِوَزْنِ مِفْعَالٍ مِنْ الْإِتْيَانِ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ .
أَبُو عُمَرَ وَالشَّيْبَانِيُّ الْمِيتَاءُ أَعْظَمُ الطُّرُقِ ، وَهِيَ الَّتِي يَكْثُرُ مُرُورُ النَّاسِ بِهَا .
وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعَةُ وَقِيلَ الْعَامِرَةُ .
ا هـ .
وَرَأَيْت فِي الْبَيَانِ وَالْمُتَيْطِيَّةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ عَرَفَةَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَفِي الصِّحَاحِ الْمِيْتَاءُ الْأَرْضُ السَّهْلَةُ ، وَالْجَمْعُ مِيَتٌ مِثْلُ هَيْفَاءَ وَهِيفٌ وَنَحْوِهِ فِي الْقَامُوسِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادٍ هُنَا .

وَصُعُودِ نَخْلَةٍ ، وَأَنْذَرَ ، بِطُلُوعِهِ

( وَ ) إلَّا ( صُعُودِ ) بِضَمِّ الصَّادِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَيْنِ أَيْ رُقِيِّ ( نَخْلَةٍ ) أَوْ شَجَرَةٍ غَيْرِهَا فِي دَارِهِ يُشْرِفُ الصَّاعِدُ عَلَيْهَا عَلَى دُورِ الْجِيرَانِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ إذَا كَانَ لِإِصْلَاحِهَا أَوْ جَنْيِ ثَمَرِهَا وَيُحْتَمَلُ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى مَانِعٍ ( وَأَنْذَرَ ) أَيْ أَعْلَمَ الصَّاعِدُ عَلَى النَّخْلَةِ الْمُشْرِفَةِ الْجِيرَانَ ( بِطُلُوعِهِ ) عَلَيْهَا وُجُوبًا لِيَسْتُرُوا مَا يَكْرَهُونَ اطِّلَاعَ صَاعِدِهَا عَلَيْهِ .
ابْنُ يُونُسَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ صَعِدَ إلَى شَجَرَةٍ لِيَجْنِيَهَا فَيَرَى مِنْهَا مَا فِي دَارِ جَارِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ ، وَلَكِنْ يُؤْذَنُ جَارُهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ وَهْبٍ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ .
الْحَطّ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ أُحِبُّ أَنْ يُعْلِمَهُمْ لِمَوْضِعِ حَقِّ الْجِوَارِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ فَتَاوَى ابْنِ زَرْبٍ .
" غ " فِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ عِيَاضًا سَأَلَهُ عَنْ صَوْمَعَةٍ أُحْدِثَتْ فِي مَسْجِدٍ فَشَكَا مِنْهَا بَعْضُ الْجِيرَانِ الْكَشْفَ عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ فِيهَا مَقَالٌ وَقَدْ أَبَاحَ أَئِمَّتُنَا لِمَنْ فِي دَارِهِ شَجَرَةٌ صُعُودُهَا لِجَمْعِ ثَمَرَتِهَا مَعَ الْإِنْذَارِ بِطُلُوعِهِ وَأَوْقَاتُ الطُّلُوعِ لِلْأَذَانِ مَعْلُومَةٌ وَفِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ ، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّاهَا غَالِبًا أَهْلُ الصَّلَاحِ وَمَنْ لَا يَقْصِدُ مُضِرَّةً ؟ فَأَجَابَ لَيْسَتْ الصَّوْمَعَةُ فِي الْمَسْجِدِ كَالشَّجَرَةِ فِي دَارِ الرَّجُلِ لِأَنَّ الطُّلُوعَ لِجَنْيِ الثَّمَرَةِ نَادِرٌ ، وَالصُّعُودَ فِي الصَّوْمَعَةِ لِلْأَذَانِ يَتَكَرَّرُ مِرَارًا فِي كُلِّ يَوْمٍ ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِالْمَنْعِ مِنْ الصُّعُودِ فِيهَا وَالرُّقِيِّ عَلَيْهَا مَنْصُوصَةٌ عَلَى عِلْمِك ، وَالْمَعْنَى فِيهَا صَحِيحٌ فِيمَا أَقُولُ ، وَإِنْ كَانَ يَطَّلِعُ مِنْهَا عَلَى الدُّورِ مِنْ بَعْضِ نَوَاحِيهَا دُونَ بَعْضٍ فَيُمْنَعُ مِنْ الْوُصُولِ مِنْهَا إلَى الْجِهَةِ إلَتِي يَطْلُعُ مِنْهَا إلَّا بِحَاجِزٍ يُبْنَى بَيْنَ تِلْكَ الْجِهَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ

الْجِهَاتِ ا هـ .
وَالرِّوَايَةُ عَنْ سَحْنُونٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ يُمْنَعُ الصُّعُودُ فِيهَا ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي أَنَّ الِاطِّلَاعَ مِنْ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ الَّذِي يَجِبُ الْقَضَاءُ بِقَطْعِهِ ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عِنْدَ مَنْ رَأَى مِنْ أَصْحَابِهِ إنْ أَحْدَثَ فِي مِلْكِهِ اطِّلَاعًا عَلَى جَارِهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِسَدِّهِ ، وَيُقَالُ لِجَارِهِ اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك فِي مِلْكِك ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّ الْمَنَارَ لَيْسَ مِلْكًا لِلْوَزْنِ ، وَإِنَّمَا يُصْعَدُ فِيهِ ابْتِغَاءَ الْخَيْرِ وَالثَّوَابِ وَاطِّلَاعُهُ عَلَى حَرَمِ النَّاسِ مَحْظُورٌ ، وَلَا يَحِلُّ الدُّخُولُ فِي نَافِلَةٍ مِنْ الْخَيْرِ بِمَعْصِيَةٍ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدُّورُ عَلَى الْقُرْبِ أَوْ الْبُعْدِ إلَّا لِبُعْدٍ كَثِيرٍ لَا تَبِينُ مَعَهُ الْأَشْخَاصُ وَلَا الْهَيْئَاتُ وَلَا الذُّكُورُ مِنْ الْإِنَاثِ فَلَا يُعْتَبَرُ الِاطِّلَاعُ مَعَهُ ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَسْتَدِلُّ عَلَى هَذَا بِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا إنْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ لَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ } وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

وَنُدِبَ : إعَارَةُ جِدَارِهِ لِغَرْزِ خَشَبَةٍ

( وَنُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ لِلْجَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَنَائِبُ فَاعِلِ نُدِبَ ( إعَارَةُ جِدَارِهِ ) أَيْ الْجَارِ لِجَارِهِ ( لِ ) أَجْلِ ( غَرْزِ ) أَيْ إدْخَالِ خَشَبَةٍ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالسِّينِ الْمُعْجَمَيْنِ وَبِالتَّاءِ مُفْرَدًا أَوْ بِضَمِّهَا ، وَالْإِضَافَةُ لِلْهَاءِ جَمْعًا فِي الْجِدَارِ الْمُعَارِ لِاسْتِنَادٍ إلَيْهِ أَوْ جَعْلِ سَقْفٍ عَلَيْهِ لِخَبَرِ الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ } ، رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ .
أَبُو هُرَيْرَةَ لَمَّا نَكَّسُوا رُءُوسَهُمْ عِنْدَ رِوَايَتِهِ مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ ، رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقَ جَمْعُ كَتِفٍ بِكَسْرِهَا ، وَبِالنُّونِ جَمْعُ كَنَفٍ بِفَتْحِهَا حَمَلَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى النَّدْبِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ لِصَاحِبِ الْجِدَارِ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا رُوِيَ ، وَمَا كَانَ يُوجِبُ عَلَيْهِمْ غَيْرَ وَاجِبٍ وَبِأَنَّهُ قَضَاءٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَرْفَاقِ ، وَقَوْلُهُ لَا يَحِلُّ مَالُ إلَخْ فِي التَّمَلُّكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ لَا فِي الْإِرْفَاقِ وَبِقَضَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِهِ ، وَقَوْلُهُ لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَاَللَّهِ لَيَرْمُنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِك ، وَلَمْ تَمْنَعْ أَخَاك مَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّك وَبِقَضَاءِ عُمَرَ بِهِ لِابْنِ عَوْفٍ عَلَى ابْنِ زَيْدٍ أَيْضًا .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَنْبَغِي لَهُ مَنْعُهُ وَإِنْ مَنَعَهُ فَلَا يُقْضَى

عَلَيْهِ بِهِ أَفَادَهُ الْمَوَّاقُ .
الْحَطّ فِي التَّوْضِيحِ هَلْ لِجَارِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ لِلشُّيُوخِ قَوْلَانِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ سَهْلٍ أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ بِجَوَازِ التَّعْلِيقِ لِلْمَسَاجِدِ الْمُتَّصِلَةِ بِالدُّورِ وَلَمْ يَضُرَّهَا ، وَجَوَازُ غَرْزِ جَارِهَا خَشَبَةً بِحَائِطِهَا وَنَقَلَهُ عَنْ الشُّيُوخِ ، قَالَ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الدُّورِ بِهِ وَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ جَازَ عِنْدِي ، وَافَتَى ابْنُ الْقَطَّانِ بِمَنْعِ الْغَرْزِ وَابْنُ مَالِكٍ بِمَنْعِهِ وَمَنْعِ التَّعْلِيقِ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ الْجَارِي عَلَى حَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ ، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ يُمْنَعُ فَتْحُ بَابٍ فِي الْمَسْجِدِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِرْفَاقٌ بِمَاءٍ وَفَتْحُ بَابٍ .
( وَ ) نُدِبَ لِلْجَارِ ( إرْفَاقٌ ) أَيْ إعَانَةٌ وَمُسَاعَدَةٌ لِجَارِهِ ( بِ ) دَفْعِ ( مَاءٍ ) بِالْمَدِّ حُلْوٍ أَوْ مِلْحٍ ( وَ ) بِ ( فَتْحِ بَابٍ ) لِلْمُرُورِ مِنْهُ فِي ذَاتِ الْبَابَيْنِ .
الْبَاجِيَّ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ كُلُّ مَا يَطْلُبُهُ جَارُهُ مِنْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ إرْفَاقٍ بِمَاءٍ أَوْ طَرِيقٍ وَشَبَهِهِ فَهُوَ مِثْلُهُ ، أَيْ غَرْزُ الْخَشَبِ فِي الْجِدَارِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِمَّا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ مَنْعُهُ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهِ

وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ، وَفِيهَا : إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ ، وَفِي مُوَافَقَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ : تَرَدُّدٌ .

( وَ ) إنْ أَعَارَ جَارٌ أَرْضًا لِجَارِهِ فَبَنَى أَوْ غَرَسَ فِيهَا فَ ( لَهُ ) أَيْ الْمُعِيرِ ( أَنْ يَرْجِعَ ) فِيمَا أَعَارَهُ ( إنْ دَفَعَ ) الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ ( مَا ) أَيْ مِثْلَ الْمَالِ الَّذِي ( أَنْفَقَهُ ) الْمُسْتَعِيرُ فِي الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ وَفِيهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ ( أَوْ قِيمَتَهُ ) أَيْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ قَائِمًا .
( وَفِي مُوَافَقَتِهِ ) أَيْ الْمَوْضِعِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ بِحَمْلِ مَا أَنْفَقَ عَلَى شِرَائِهِ مَا عَمَّرَ بِهِ وَقِيمَتُهُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ عِنْدِهِ ، أَوْ حُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى رُجُوعِهِ بِالْقُرْبِ وَالثَّانِي عَلَى رُجُوعِهِ بَعْدَ طُولٍ أَوْ الْأَوَّلُ إذَا لَمْ يَكُنْ غَبْنٌ فِي شِرَاءِ مَا عَمَّرَ بِهِ ، وَالثَّانِي عَلَى مَا فِيهِ غَبْنٌ ( وَمُخَالَفَتِهِ ) أَيْ الثَّانِي الْأَوَّلَ ( تَرَدُّدٌ ) حَكَاهُ صَاحِبُ النُّكَتِ وَالْمُنَاسِبُ لِاصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ تَأْوِيلَاتٌ .
" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَذِنْت لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي أَرْضِك أَوْ يَغْرِسَ فَلَمَّا فَعَلَ أَرَدْت إخْرَاجَهُ فَإِمَّا بِقُرْبِ إذْنِك لَهُ مِمَّا لَا يُشْبِهُ أَنْ تُعِيرَهُ إلَى مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الْقَرِيبَةِ فَلَيْسَ لَك إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ تُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ .
وَقَالَ فِي بَابٍ بَعْدَ هَذَا قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ وَإِلَّا تَرَكْته إلَى مِثْلِ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّك أَعَرْته إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْأَمَدِ .
أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَنْ أَعَارَ جَارَهُ خَشَبَةً يَغْرِزُهَا فِي جِدَارِهِ ثُمَّ أَغْضَبَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لِأَمْرٍ نَزَلَ بِهِ فَذَلِكَ لَهُ ، وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَ دَارِهِ فَقَالَ انْزَعْ خَشَبَك فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
الْبَاجِيَّ رَوَى مَرْوَانُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذَا أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَهَا وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَاحْتَاجَ إلَى جِدَارِهِ مَاتَ أَوْ عَاشَ أَوْ بَاعَ .
وَقَالَ أَصْبَغُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَتَى عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ

مَا يُعَارُ مِثْلُهُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَهُ مَنْعُهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيهَا يُعْطِيهِ قِيمَتَهُ إذَا أَخْرَجَ مَنْ عِنْدِهِ آجُرًّا أَوْ جِيرًا وَخَشَبًا وَنَحْوَهَا ، وَقَوْلُهُ مَا أَنْفَقَ إذَا أَخْرَجَ ثَمَنًا فَاشْتَرَى بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يَكُونُ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ رَأَى مَرَّةً أَنْ يُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَغَابُنٌ أَوْ فِيهِ تَغَابُنٌ يَسِيرٌ ، وَمَرَّةً رَأَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَعْدَلُ إذْ قَدْ يَتَسَامَحُ مَرَّةً فِيمَا يَشْتَرِيهِ ، وَمَرَّةً يُغْبَنُ فِيهِ ، فَإِذَا أَعْطَى قِيمَةَ ذَلِكَ يَوْمَ بِنَائِهِ لَمْ يَظْلِمْ .
ابْنُ يُونُسَ فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُوَضِّحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ ، وَحَمَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ تَأْوِيلَ وِفَاقٍ ، وَنَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ .
وَقِيلَ لَيْسَ اخْتِلَافًا فَلَهُ النَّفَقَةُ إذَا كَانَ لَمْ يُغْبَنْ فِيهَا وَقِيمَتُهَا إذَا كَانَ غَبْنٌ فَيَرْجِعُ إلَى أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ قِيمَتِهَا .
ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ يُونُسَ وَالتَّأْوِيلَانِ مُحْتَمَلَانِ ، وَقِيلَ الثَّانِي خَطَأٌ .
عب قَوْلُهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ إلَخْ ، إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ لَا فِيمَنْ أَعَارَ جِدَارًا لِغَرْزِ خَشَبَةٍ فِيهِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وتت ، إذْ لَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَمَا تَبَيَّنَّ مِمَّا تَقَدَّمَ الْحَطّ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَرْصَةِ الْمُعَارَةِ لِبِنَاءٍ ، لَكِنْ جَمَعَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ مَسْأَلَةَ الْجِدَارِ وَمَسْأَلَةَ الْعَرْصَةِ ، وَحَكَيَا الْخِلَافَ فِيهِمَا وَتَبَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ وَفِيهَا إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا أَيْضًا .
فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرْصَةِ الْمُعَارَةِ لِبِنَائِهَا ، وَلَكِنْ

جَمَعَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ مَسْأَلَتَيْ الْجِدَارِ وَالْعَرْصَةِ ، وَحَكَيَا الْخِلَافَ فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَتَبَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ هُنَا وَفِي الْعَارِيَّةِ الْبُنَانِيُّ لَكِنْ قَوْلُهُ فِيهَا إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَا قَصَدَ إلَّا مَسْأَلَةَ الْعَرْصَةِ لِأَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إلَّا فِيهَا وَابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ لَمْ يَنْسُبَا الْخِلَافَ فِي الْجِدَارِ لِلْمُدَوَّنَةِ ، فَاعْتِذَارُ الْحَطّ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

فَصْلٌ ) لِكُلٍّ ، فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ إنْ لَمْ يُبْذَرْ

( فَصْلٌ ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الشَّرِكَةِ فِي الزَّرْعِ ( لِكُلٍّ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الزَّرْعِ ( فَسْخُ ) عَقْدِ ( الْمُزَارَعَةِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُزَارَعَةُ شَرِكَةٌ فِي الْحَرْثِ ، وَبِالثَّانِي عَبَّرَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَعَبَّرَ بِالْأَوَّلِ كَثِيرٌ ، سَمَعُ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا عَلَى مُزَارَعَةٍ وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقُولَن أَحَدُكُمْ زَرَعْت وَلْيَقُلْ حَرَثْت } وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ مُسْلِمٌ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ } .
الْبُرْزُلِيُّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ { لَا يَقُولَن أَحَدُكُمْ زَرَعَتْ وَلْيَقُلْ حَرَثْت فَإِنَّ الزَّارِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى } .
أَبُو هُرَيْرَةَ لِقَوْلِهِ { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْله تَعَالَى { كَمَثَلِ حَبَّةٍ } الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَ الْحَرْثِ مِنْ أَعْلَى الْحِرَفِ الْمُتَّخَذَةِ لِلْمَكَاسِبِ ، وَيَشْتَغِلُ بِهَا الْعُمَّالُ ، وَلِهَذَا ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَثَلَ بِهَا قَالَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْتَمِسُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الْأَرْضِ } يَعْنِي الزَّرْعَ وَفِي حَدِيثِ مَدْحِ النَّخْلِ { هُنَّ الرَّاسِخَاتُ فِي الْوَحْلِ وَالْمُطْعِمَاتُ فِي الْمَحْلِ } .
قَالَ وَالْمُزَارَعَةُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ ، فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ غَرْسِ الشَّجَرِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَقِيَ ابْنَ شِهَابٍ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى مَالٍ أُعَالِجُهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ : أَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ

لَقِيتُهُ وَقَدْ شَدَّ أَحْلَاسَ الْمَطِيِّ مُشَرِّقَا اتْبَعْ خَبَايَا الْأَرْضِ وَادْعُ مَلِيكَهَا لَعَلَّك يَوْمًا أَنْ تُجَابَ فَتُرْزَقَا الْقُرْطُبِيُّ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَرْمِي الْبَذْرَ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ الِاسْتِعَاذَةِ { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الزَّارِعُ الْمُنْبِتُ الْمُبَلِّغُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَارْزُقْنَا خَيْرَهُ وَجَنِّبْنَا ضَرَرَهُ ، وَاجْعَلْنَا لِأَنْعُمِكَ مِنْ الشَّاكِرِينَ ا هـ .
قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَمَانٌ لِلزَّرْعِ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ الدُّودِ وَالْجَرَادِ وَغَيْرِهِمَا ، سَمِعْته مِنْ ثِقَةٍ وَجُرِّبَ فَوُجِدَ كَذَلِكَ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْأَفْضَلُ الزِّرَاعَةُ لِكَثْرَةِ التَّنَاوُلِ مِنْهَا أَوْ الْغِرَاسَةُ لِدَوَامِهَا الْبُرْزُلِيُّ وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ زَرْعِهِ أَوْ غَرْسِهِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهُ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَى أُصُولِهِ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ .
وَلَا تَلْزَمُ الْمُزَارَعَةُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا فَلِكُلٍّ فَسْخُهَا ( إنْ لَمْ يُبْذَرْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْوَحْدَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَمْ يُجْعَلْ الْبَذْرُ بِالْأَرْضِ ، فَإِنْ بُذِرَ لَزِمَتْ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ بَذْرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، وَبِهِ جَرَتْ الْفَتْوَى بِقُرْطُبَةَ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ وَإِجَارَةٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُقْتَضِيَةٌ لِلْأُخْرَى بِكُلِّيَّتِهَا لَا فَضْلَ فِيهَا عَنْهَا ، فَاخْتُلِفَ أَيُّهُمَا تُغَلَّبُ ، فَمَنْ غَلَّبَ الشَّرِكَةَ لَمْ يَرَهَا لَازِمَةً بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُجِزْهَا إلَّا عَلَى التَّكَافُؤِ وَالِاعْتِدَالِ ، إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ

بِمَا لَا فَضْلَ لِكِرَائِهِ .
وَمِنْ غَلَّبَ الْإِجَارَةَ أَلْزَمَهَا بِالْعَقْدِ وَأَجَازَ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُرَاعِ التَّكَافُؤَ غَيْرَ ابْنِ حَبِيبٍ ، قَالَ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ الْأَمْرُ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فِي الْبُيُوعِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ تَفَاحَشَ الْفَضْلُ فِي قِيمَةِ الْكِرَاءِ مَا لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ لَهُ بَالٌ لَمْ يُخْرِجْ صَاحِبُهُ عِوَضًا عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَغَلُّبِ الْإِجَارَةِ وَإِلْزَامِ الْعَقْدِ أَنْ يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بِكُلِّ حَالٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ خَلِيلٌ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ دَوَرَانُهَا بَيْنَ الشَّرِكَةِ وَالْإِجَارَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهَا شَرِكَةٌ حَقِيقِيَّةٌ إلَّا أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْمَالِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ أَوْ الشُّرُوعِ ثَالِثُهَا بِالْأَبْذَارِ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمَبْسُوطَةِ وَبِهِ جَرَتْ الْفُتْيَا بِقُرْطُبَةَ .
وَهُوَ عَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ عَلَى لُزُومِ الْجُعْلِ بِالشُّرُوعِ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ سَمَاعِهِ أَصْبَغَ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ غَيْرَ الْأَوَّلِ ، وَقَالَ اتَّفَقُوا عَلَى انْعِقَادِهَا بِالْعَمَلِ أَفَادَهُ الْحَطّ .

وَصَحَّتْ ، إنْ سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ ، وَقَابَلَهَا مُسَاوٍ ، وَتَسَاوَيَا إلَّا لِتَبَرُّعٍ بَعْدَ الْعَقْدِ

( وَصَحَّتْ ) الْمُزَارَعَةُ ( إنْ سَلِمَا ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمُتَزَارِعَانِ أَيْ عَقْدُهُمَا الشَّرِكَةَ فِي الزَّرْعِ ( مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِ ) شَيْءٍ ( مَمْنُوعٍ ) كِرَاؤُهَا بِهِ ، وَهُوَ الطَّعَامُ ، وَلَوْ لَمْ تُنْبِتْهُ الْأَرْضُ كَالسَّمْنِ وَعَسَلِ النَّحْلِ وَمَا تُنْبِتُهُ وَلَا تَطُولُ إقَامَتُهُ بِهَا وَلَوْ غَيْرَ طَعَامٍ ، كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ ( وَ ) إنْ ( قَابَلَهَا ) أَيْ الْأَرْضَ شَيْءٌ ( مُسَاوٍ ) لِكِرَائِهَا مِنْ عَمَلِ يَدٍ أَوْ بَقَرٍ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ .
سَحْنُونٌ وَهُوَ صَوَابٌ .
فَالْمُسَاوَاةُ شَرْطٌ ، وَعَدَمُهَا مَانِعٌ ، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ الشَّرْطَ عَلَى عَدَمِ الْمَانِعِ ، وَمَفْهُومُ مُسَاوٍ فِيهِ تَفْصِيلٌ ، فَإِنْ قَابَلَهَا أَكْثَرُ مِنْ كِرَائِهَا بِكَثِيرٍ فَسَدَتْ وَبِيَسِيرٍ اُغْتُفِرَ أَفَادَهُ تت .
( وَ ) إنْ ( تَسَاوَيَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ فِيمَا يُخْرِجَانِهِ وَالْأَرْضُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا أَوْ مُبَاحَةٌ لِعُمُومِ النَّاسِ ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَكِرَاؤُهَا يَسِيرٌ لَا خَطْبَ لَهُ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ تُلْغَى الْأَرْضُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كِرَاءٌ " ق " فِيهَا لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَا الْبَذْرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَتَسَاوَيَا فِي قِيمَةِ أَكْرِيَةِ مَا يُخْرِجَانِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا الْأَرْضُ وَلِلْآخِرِ الْبَقَرُ ، وَالْعَمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ عَلَيْهِمَا إذَا تَسَاوَيَا وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْبَذْرَ وَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَقِيمَةُ الْبَذْرِ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَكْرَى نِصْفَ أَرْضِهِ بِطَعَامٍ ، وَلَوْ اكْتَرَيَا الْأَرْضَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ كَانَتْ لَهُمَا جَازَ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا الْبَذْرَ كُلَّهُ وَالْآخَرُ الْبَقَرَ وَالْعَمَلَ وَكِرَاءُ ذَلِكَ وَقِيمَةُ الْبَذْرِ سَوَاءٌ .
وَإِذَا سَلِمَ الْمُتَزَارِعَانِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْأَرْضَ

لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ جَازَتْ الشَّرِكَةُ إنْ تَسَاوَيَا وَلَمْ يَفْضُلْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِشَيْءٍ فِي عَمَلٍ وَلَا نَفَقَةٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ .
سَحْنُونٌ أَنْ تَفَاضَلَا فِي الْعَمَلِ تَفَاضُلًا كَثِيرًا لَهُ بَالٌ ، فَالشَّرِكَةُ تَفْسُدُ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ التَّفَاضُلُ يَسِيرًا لَمْ تَفْسُدْ الشَّرِكَةُ كَمَا أَجَازَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ تُلْغَى الْأَرْضُ الَّتِي لَا كِرَاءَ لَهَا ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمْ الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ فَهَذِهِ إجَارَةٌ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَأَجَازَ سَحْنُونٌ أَنْ يَكُونَ كِرَاءُ الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَمَلِ لِأَنَّ ذَلِكَ إجَارَةٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى التَّسَاوِي ، وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يَبْذُرَ مَعَ صَاحِبِهِ لِلُزُومِ الشَّرِكَةِ .
وَنَقَلَ أَهْلُ كُتُبِ الْأَحْكَامِ أَنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْمُتَزَارِعَيْنِ إذَا سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ ، وَفِيهَا لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الزَّرْعِ فَيُخْرِجُ أَحَدُهُمَا أَرْضًا لَهَا قَدْرٌ مِنْ الْكِرَاءِ فَيُلْغِيهَا لِصَاحِبِهِ وَيَعْتَدِلَانِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَمَلِ وَالْبَذْرِ ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبُهُ نِصْفَ كِرَاءِ الْأَرْضِ ، وَيَكُونُ جَمِيعُ الْعَمَلِ وَالْبَذْرِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ تَكُونُ أَرْضًا لَا خَطْبَ لَهَا فِي الْكِرَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يُلْغِيَ كِرَاءَهَا لِصَاحِبِهِ وَيُخْرِجَانِ مَا عَدَاهَا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا .
سَحْنُونٌ إنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ وَقِيمَتُهُ مُسَاوِيَةٌ قِيمَةُ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ جَازَ ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا .
بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ قَوْلُ سَحْنُونٍ هُوَ الْأَشْبَهُ ، وَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ بِبَيِّنٍ وَإِذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ فَهَذِهِ إجَارَةٌ تَلْزَمُ بِعَقْدِهَا " غ " قَوْلُهُ وَتَسَاوَيَا أَعَمُّ مِنْ

قَوْلِهِ قَبْلُ وَقَابَلَهَا مُسَاوٍ فَهُوَ مُغْنٍ عَنْهُ " ح " قَوْلُهُ تَسَاوَيَا لَا شَكَّ فِي إغْنَائِهِ عَنْ قَوْلِهِ ، وَقَابَلَهَا مُسَاوٍ فَشَرْطُهَا شَيْئَانِ كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ .
وَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَسْلَمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَأَنْ يَعْتَدِلَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ عب الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَابَلَهَا مُسَاوٍ شَرْطُهُمَا قَسْمُ الرِّبْحِ عَلَى قَدْرِ مَا أَخْرَجَاهُ كَأَنْ تَكُونَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مِائَةً وَالْبَقَرِ وَالْعَمَلِ خَمْسِينَ ، وَدَخَلَا عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَيْنِ وَلِرَبِّ الْبَقَرِ وَالْعَمَلِ الثُّلُثُ ، فَتَجُوزُ ، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى النِّصْفِ لَمْ تَجُزْ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ مَا ذُكِرَ بِعَكْسِ مَا مَرَّ جَازَ إنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْبَقَرِ وَالْعَمَلِ الثُّلُثَيْنِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ وَإِنْ دَخَلَا عَلَى النِّصْفِ فَسَدَتْ لِدُخُولِهِمَا عَلَى التَّفَاوُتِ ، وَإِنْ كَانَتْ أُجْرَةُ الْأَرْضِ خَمْسِينَ وَالْبَقَرِ وَالْعَمَلِ كَذَلِكَ جَازَ إنْ دَخَلَا عَلَى النِّصْفِ فَإِنْ دَخَلَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَسَدَتْ فَالْمُرَادُ .
بِالتَّسَاوِي أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُطَابِقًا لِلْمُخْرَجِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْخَارِجِ وَالْمُخْرَجِ جَمِيعًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا النِّصْفُ ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَتَسَاوَيَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَلِكَ .
طفي لَيْسَ الْمُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ إلَّا شَرْطَيْنِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَابَلَهَا مُسَاوٍ فَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي قَوْلِهِ وَتَسَاوَيَا ، فَيُغْنِي عَنْهُ كَمَا قَالَ " غ " وَغَيْرُهُ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَخَلْطُ بَذْرٍ فَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا لِأَنَّ شَرْطَهَا مَا كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا ، وَهَذَا خَاصٌّ بِبَعْضِ الصُّوَرِ ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إنْ كَانَ ، وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَهَا شَرْطَانِ : الْأَوَّلُ السَّلَامَةُ مِنْ مُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ بَعْضِهَا بِمَا لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِهِ ، الثَّانِي : التَّعَادُلُ بَيْنَ الْإِشْرَاكِ فِي

قِسْمَةِ الْمُخْرَجِ أَوْ قِيمَتِهِ بِحَسَبِ حِصَصِ الْإِشْرَاكِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ أَوْ الرُّبْعُ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَجْزَاءِ ، عَلَى أَنَّ لَهُ مِمَّا يَخْرُجُ مَالًا يَكُونُ قَدْرَ ذَلِكَ الْجُزْءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا لَا يُؤْبَهُ لَهُ فَلَا تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ .
وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ وَقَابَلَهَا صَارَ فَإِنَّهُ ، قَالَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُقَابِلُهَا مُعَادِلًا لِكِرَائِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يُغْنِي عَنْهُ وَهُوَ التَّسَاوِي فِي الْمُخْرَجِ ، فَجَاءَ كَلَامُهُ حَسَنًا ا هـ .
قُلْت شَاعَ أَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ بِإِغْنَاءِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِ لِوُقُوعِ الْأَوَّلِ فِي مَرْكَزِهِ .
وَلَا يُغْنِي عَنْ الْمُتَأَخِّرِ فَاحْتِيجَ لِلثَّانِي ، فَصَنِيعُ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ مِنْ صَنِيعِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِإِخْلَالِهِ بِشَرْطِ التَّسَاوِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ وَمُتَسَاوِيًا فَقَالَ ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ عَدَمُ التَّسَاوِي ( لِتَبَرُّعٍ ) مِنْ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْمُزَارَعَةِ بِزِيَادَةِ عَمَلٍ أَوْ قَدْرٍ مِمَّا يَخْرُجُ لِلْآخَرِ ( بَعْدَ الْعَقْدِ ) فَلَا تَفْسُدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْبَذْرِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِلُزُومِهَا بِالْعَقْدِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ق " ابْنُ حَبِيبٍ إنْ تَفَاضَلَا فِيمَا أَخْرَجَهُ الْمُتَزَارِعَانِ فَإِنْ كَانَا عَقَدَا عَلَى الِاعْتِدَالِ جَازَ مَا فَضَلَ بِهِ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ طَوْعًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ إنْ اعْتَدَلَا فِي الزَّرِيعَةِ سَحْنُونٌ إنْ صَحَّ الْعَقْدُ جَازَ أَنْ يَتَفَاضَلَا ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ زَرِيعَةٍ وَغَيْرِهَا ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ وَأْيٍ وَلِإِعَادَةِ الشَّيْخِ يُرِيدُ سَحْنُونٌ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ بِعَقْدِهَا كَالْبَيْعِ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى إنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى غَيْرِ شَرْطِ سَلَفٍ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُسْلِفَهُ الزَّرِيعَةَ فَفَعَلَ فَلَا بَأْسَ بِهِ نَظَرٌ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ

الْمُزَارَعَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَفْسُدْ الْمُزَارَعَةُ إذَا كَانَ السَّلَفُ بَعْدَ الْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ غَيْرَ لَازِمَةٍ بِهِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ رَآهَا لَازِمَةً بِهِ وَلَعَلَّهُمَا ظَنَّا لُزُومَهَا بِهِ فَبَعُدَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُمَا فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ " غ " قَوْلُهُ إلَّا لِتَبَرُّعٍ بَعْدَ الْعَقْدِ أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ اللَّازِمِ بِالْبَذْرِ ، فَأَلْ عَهْدِيَّةٌ .
الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا قَصَدَ بِهَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَبَحَثَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ وَأَجَابَ عَنْهُ وَهُوَ لَا شَكَّ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَنَصُّ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي حَرْثٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ أَسْلِفْنِي بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ لِلسَّلَفِ الَّذِي أَسْلَفَهُ مِنْ الزَّرِيعَةِ إنْ كَانَا اشْتَرَكَا عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى غَيْرِ سَلَفٍ ثُمَّ سَأَلَهُ ذَلِكَ فَفَعَلَ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، وَالشَّرِكَةُ حَلَالٌ جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَمَلِ مُكَافِئَةً لِقِيمَةِ الْأَرْضِ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ نَظَرٌ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَجُوزَ السَّلَفُ بَعْدَ الْعَقْدِ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُ الْعَقْدَ عِنْدَهُ ، وَلَا دَلِيلَ مِنْ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى ذَلِكَ ، إذْ قَدْ ذَكَرَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالشَّرِكَةُ حَلَالٌ جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَمَلِ مُكَافِئَةً لَقِيمَةِ الْأَرْضِ لِأَنَّ مَنْ يَرَاهَا لَازِمَةً بِالْعَقْدِ يُجِيزُ التَّفَاضُلَ فِيهَا وَلَا يَشْتَرِطُ جَوَازُهَا التَّكَافُؤَ فِيمَا يُخْرِجَانِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَفْسُدْ إذَا كَانَ السَّلَفُ بَعْدَ الْعَقْدِ

وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ غَيْرَ لَازِمَةٍ بِهِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ رَآهَا لَازِمَةً بِهِ .
ا هـ .
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ بِعَدَمِ لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ وَيَجُوزُ التَّبَرُّعُ بَعْدَهُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَارٍ عَلَيْهِ فَلَا وَجْهَ لِتَأْوِيلِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَبِهِ يَسْقُطُ بَحْثُ اللَّقَانِيِّ ، وَأَمَّا بَحْثُ طفي مَعَ " غ " بِأَنْ حَمَلَ الْعَقْدَ عَلَى اللَّازِمِ بِالْبَذْرِ ، رَأَى تَمَامَهُ نَقَلَ مَعَهُ فَائِدَةَ التَّبَرُّعِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ ، فَفِيهِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ التَّبَرُّعِ بَعْدَ تَمَامِ الْبَذْرِ بِالسَّقْيِ أَوْ التَّنْقِيَةِ أَوْ الْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ فِي حِصَّتِهِ أَوْ نَحْوِهَا .

وَخَلْطُ بَذْرٍ إنْ كَانَ ، وَلَوْ بِإِخْرَاجِهِمَا

( وَخَلْطُ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَصْدَرُ خَلَطَ بِفَتْحِهَا فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى سَلِمَ شَرْطُ أَنْ أَيْ وَحَصَلَ خَلْطُ ( بَذْرٍ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ زَرِيعَةٌ فَشَمِلَ الزَّرِيعَةَ الْخُضَرَ الَّتِي تُنْقَلُ كَالْبَصَلِ وَالْقَصَبِ ، هَذَا هُوَ الشَّائِعُ فِي قِرَاءَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ عَطْفٌ عَلَى سَلِمَ ( إنْ كَانَ ) الْبَذْرُ مِنْهُمَا ، وَيَكْفِي الْخَلْطُ ( وَلَوْ ) كَانَ ( بِإِخْرَاجِهِمَا ) أَيْ شَرِيكَيْ الْمُزَارَعَةِ بَذْرَيْهِمَا وَزَرْعِهِمَا فِي نَاحِيَتَيْنِ مُتَمَيِّزٌ كُلٌّ بَذْرُهُ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ قَوْلُهُ الْآتِي ، فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بَذْرُ أَحَدِهِمَا .
.
.
إلَخْ .
وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ لَا يَكْفِي هَذَا وَلَا بُدَّ مِنْ خَلْطِهِمَا فِي الزِّرَاعَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَذْرُ الْمُشْتَرَكُ شَرْطُهُ الْخَلْطُ كَالْمَالِ الْمُوَضِّحُ لَمَّا كَانَ الْخَلْطُ ظَاهِرًا فِي عَدَمِ تَمَيُّزِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَالْمَالِ مُشِيرًا إلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ كِفَايَةِ كَوْنِهِ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا اللَّخْمِيُّ وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ سَحْنُونٍ فَقَالَ مَرَّةً بِقَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَقَالَ مَرَّةً إنَّمَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إذَا خَلَطَا الزَّرِيعَةَ أَوْ جَمَعَاهَا فِي بَيْتٍ أَوْ حَمَلَاهَا إلَى فَدَّانٍ وَنَصُّ هَذَا الثَّانِي عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ ، وَإِذَا صَحَّتْ الشَّرِكَةُ فِي الزِّرَاعَةِ وَأَخْرَجَا الْبَذْرَ جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَخْلِطَا فَزَرَعَ هَذَا فِي فَدَّانٍ أَوْ فِي بَعْضِهِ ، وَزَرَعَ الْآخَرَ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى وَلَمْ يَعْمَلَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ ،

وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا أَثْبَتَ حَبُّهُ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي فَضْلِ الْأَكْرِيَةِ ، وَيَتَقَاصَّانِ ، وَإِنَّمَا تَتِمُّ الشَّرِكَةُ إذَا خَلَطَا مَا أَخْرَجَاهُ مِنْ الزَّرِيعَةِ أَوْ جَمَعَاهَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ حَمَلَاهَا جَمِيعًا إلَى الْفَدَّانِ وَبَذَرَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَرَفِهِ فَزَرَعَا وَاحِدَةً ثُمَّ زَرَعَا الْأُخْرَى فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا لَوْ جَمَعَا فِي بَيْتِ ، بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ الشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ خَلَطَا أَوْ لَمْ يَخْلِطَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إمَّا سَكَتَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِشَرِكَةٍ جَائِزَةٍ خَلَطَا أَمْ لَمْ يَخْلِطَا لِاحْتِمَالِهِ جَوَازَ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ أَوْ لَا لَكِنَّهُ إنْ وَقَعَ مَضَى وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَفْرِيعِهِ ا هـ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فَصْلٌ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِمَا هَلْ مِنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ أَنْ يَخْلِطَاهُ قَبْلَ الْحَرْثِ فَأَجَازَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا الشَّرِكَةَ إذَا أَخْرَجَا قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا ، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا وَهُوَ أَيْضًا أَصْلُهُمَا فِي الشَّرِكَةِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، وَاخْتُلِفَ عَنْ سَحْنُونٍ فَذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ .
ا هـ .
فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْخَلْطَ يَكْفِي فِيهِ إخْرَاجُهُمَا الْبَذْرَ وَلَوْ لَمْ يَخْلِطَا كَمَا عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَحَدِ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ ، وَلَا يَتَأَتَّى عَلَيْهِ مَا فَرَّعَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
طفي قَوْلُهُ وَخَلْطُ بَذْرٍ إنْ كَانَ إلَخْ ، هَذَا الشَّرْطُ إنَّمَا يُعْرَفُ لِسَحْنُونٍ وَإِلَيْهِ عَزَاهُ فِي الْجَوَاهِرِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ لَا حِسًّا وَلَا حُكْمًا عَلَى أَصْلِهِمَا فِي شَرِكَةِ الْمَالِ وَسَحْنُونٌ عَلَى أَصْلِهِ فِي اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ فِيهَا ، فَكُلُّ

طَرْدٍ أَصْلُهُ ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَذْرُ الْمُشْتَرَكُ شَرْطُهُ الْخَلْطُ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ خَلَطَا أَوْ لَمْ يَخْلِطَا عَلَى مَا حَكَاهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ .
ا هـ .
وَمَا عَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ هُوَ كَذَلِكَ فِي ابْنِ يُونُسَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ سَحْنُونٍ شَرْطَهَا خَلْطُ الْبَذْرِ أَوْ جَمْعُهُ فِي بَيْتٍ أَوْ حَمْلُهُ جَمِيعًا إلَى الْفَدَّانِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَلْطَ لَا حِسًّا وَلَا حُكْمًا وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إلَخْ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا فَفِي شَرْطِهَا بِخَلْطِهِ قَوْلَا سَحْنُونٍ وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ .
سَحْنُونٌ جَمَعَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ حَمَلَهُ جَمِيعًا لِلْفَدَّانِ زَرِيعَةُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ظَرْفِهِ زَرْعًا وَاحِدًا ثُمَّ الْآخَرُ كَخَلْطِهِمَا .
ا هـ .
فَظَهَرَ لَك مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ شَرْطَ الْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ عِنْدَ سَحْنُونٍ فَقَطْ .
وَوَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ مَا يُخَالِفُ هَذَا ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَذْرُ الْمُشْتَرَكُ شَرْطُهُ الْخَلْطُ كَالْمَالِ مَا نَصُّهُ : وَلَمَّا كَانَ الْخَلْطُ ظَاهِرًا فِي عَدَمِ تَمَيُّزِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَالْمَالِ ، فَأَشَارَ إلَى مَا قَدَّمَهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا ، وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ عَنْ سَحْنُونٍ فَقَالَ مَرَّةً إلَخْ مَا تَقَدَّمَ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَا بِشَرْطِ الْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ هُنَا وَفِي شَرِكَةِ الْمَالِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الصِّحَّةِ عِنْدَهُمَا فِيهِمَا كَمَا عَلِمْت .
وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي شَرِكَةِ الْمَالِ فَفِي شَرْطِهَا بِالْخَلْطِ الْحِسِّيِّ الْمُفِيدِ عَدَمَ تَمِزْ أَحَدِهِمَا

عَنْ الْآخَرِ ، أَوْ بِمُجَرَّدِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي حَوْزٍ وَاحِدٍ ثَالِثُهَا هَذَا ، أَوْ شِرَاءُ كُلٍّ بِمَالِهِ عَلَى الشَّرِكَةِ ، أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فِي ثُبُوتِهَا فِيهِ لِلَّخْمِيِّ عَنْ الْغَيْرِ وَعَنْ سَحْنُونٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا .
ا هـ .
فَأَفَادَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخَلْطِ لِسَحْنُونٍ فَقَطْ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا عَدَمُهُ وَكُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ فِي شَرِكَةِ الْمَالِ وَفِي شَرِكَةِ الزَّرْعِ ، فَمَا نَسَبَهُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي يَتْبَعُهُ الْمُصَنِّفُ غَالِبًا ، وَعَلَى مَا قَالَ لَا يَصِحُّ كَلَامُهُ إذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ قَوْلِ سَحْنُونٍ الَّذِي وَافَقَ فِيهِ مَالِكًا وَابْنَ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَقَوْلِهِ الْآخِرِ لِشَرْطِ الْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ فِيهِمَا .
وَقَدْ اغْتَرَّ " ح " بِكَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ بَعْدَهُ وَبَعْدَ شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْخَلْطَ يَكْفِي فِيهِ إخْرَاجُهُمَا الْبَذْرَ وَلَوْ لَمْ يَخْلِطَاهُ كَمَا هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَحَدِ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَأَشَارَ إلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ بِلَوْ ، وَحَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ .
ا هـ .
فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ الْقَاسِمِ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا " شَرَطَا الْخَلْطَ الْحُكْمِيَّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت ، وَظَهَرَ لَك أَنَّ الصَّوَابَ حَمْلُ الشَّارِحِ ، وَقَدْ نَقَلَ الْحَطّ صَدْرَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الدَّالِّ عَلَى الْمُرَادِ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ وَلَا لِمَا فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ مِنْ اتِّحَادِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَلَوْ بِإِخْرَاجِهِمَا الْمُرَادُ بِإِخْرَاجِهِمَا كَمَا فِي " ح " إنْ خَرَجَا مَعًا بِالْبَذْرِ وَلَوْ زَرَعَ هَذَا بَذْرَهُ فِي نَاحِيَةٍ ، وَهَذَا فِي نَاحِيَةٍ ، وَزَرْعُ أَحَدِهِمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْآخَرِ ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ

، وَالْمُرَادُ بِلَوْ قَوْلُهُ الْآخَرُ إنَّهُ لَا يَكْفِي إخْرَاجُهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَصِيرَ الْبَذْرَانِ بَعْدَ زَرْعِهِمَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهَا عَنْ الْآخَرِ ، هَكَذَا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ شَاسٍ ، فَحَمْلُ " ز " الْإِخْرَاجَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي غَيْرُ صَوَابٍ .
وَقَوْلُهُ وَرَدُّ الْمُصَنِّفِ بِلَوْ الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِ الْخَلْطِ الْحِسِّيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ اشْتِرَاطُ الْخَلْطِ الْحِسِّيِّ ، ثُمَّ قَالَ الْبُنَانِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ طفي الْمُتَقَدِّمِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ فِي التَّوْضِيحِ حَمْلَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ ، وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ وَأَنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْخَلْطِ فِي كَلَامِهِ تَسَامُحٌ بِقَرِينَةِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ كَالْمَالِ ، فَتَبِعَهُ " ح " ، عَلَى ذَلِكَ فِي حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِرَارًا مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ الْقَاسِمِ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا " قَالَا بِشَرْطِ الْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ اتِّحَادُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ ، لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْقَوْلِ بِالْخَلْطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَلْطِهِمَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إذْ قَالَ لَوْ بَذَرَ كُلٌّ بَذْرَهُ فِي نَاحِيَةٍ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا وَلِكُلٍّ مَا أَنْبَتَهُ بَذْرُهُ ، وَيَتَرَاجَعَانِ فِي فَضْلِ الْأَكْرِيَةِ .
ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ هِيَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ صَحِيحَةٌ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَمِثْلُهُ فِي " ح " ، وَأَرَادَ طفي حَمْلَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ ، وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ، فَإِنْ لَمْ

يَنْبُتْ بَذْرُ أَحَدِهِمَا إلَخْ ، فَإِنَّهُ لَا يَتَفَرَّعُ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَلَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ عَلَى شَرْطِ الْخَلْطِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ عِنْدَهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الشَّرِكَةِ مُطْلَقًا أَنْبَتَ بَذْرُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَمْ لَا .
وَبَقِيَ شَرْطٌ وَهُوَ تَمَاثُلُ الْبَذْرَيْنِ جِنْسًا ، فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا قَمْحًا وَالْآخَرُ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا أَوْ صِنْفَيْنِ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ ، فَقَالَ سَحْنُونٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا أَنْبَتَهُ بَذْرُهُ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الْأَكْرِيَةِ ، ثُمَّ قَالَ تَجُوزُ إذَا اعْتَدَلَتْ الْقِيمَةُ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ وَالْمَكِيلَةُ ذَكَرَهُ " ح " .
عج وَالْخِلَافُ جَارٍ أَيْضًا إذَا كَانَ بَدَلُ الشَّعِيرِ فُولًا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ تَمْتَنِعُ الشَّرِكَةُ بِالْقَمْحِ وَالْفُولِ اتِّفَاقًا أَفَادَهُ عب ، وَتَمَامُ عِبَارَةِ ح ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَزَادَ بَعْدَهُ .
قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ مَنْ لَمْ يُجِزْ الشَّرِكَةَ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَمْ يُجِزْ الْمُزَارَعَةَ بِطَعَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَوْ اعْتَدَلَتْ قِيمَتُهُمَا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمُنَاجَزَةِ لِبَقَاءِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى طَعَامِهِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا أَنْبَتَهُ طَعَامُهُ ، وَلَا يَكُونُ التَّمْكِينُ قَبْضًا كَالشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْعُرُوضِ لَا يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ سِلْعَةَ صَاحِبِهِ ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ بِأَثْمَانِ السِّلَعِ الَّتِي وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِيهَا فَاسِدَةً ا هـ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بَذْرُ أَحَدِهِمَا وَعُلِمَ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ ، وَإِنْ غَرَّ ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ النَّابِتِ ، وَإِلَّا فَعَلَى كُلٍّ : نِصْفُ بَذْرِ الْآخَرِ ، وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا : كَأَنْ تَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ أَوْ قَابَلَ بَذْرَ أَحَدِهِمَا : عَمَلٌ ، أَوْ أَرْضُهُ وَبَذْرُهُ ، أَوْ بَعْضُهُ ، إنْ لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ ، وَإِلَّا الْعَمَلَ ، إنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ ، لَا الْإِجَارَةِ ، أَوْ مُطْلَقًا كَإِلْغَاءِ أَرْضٍ ، وَتَسَاوَيَا غَيْرَهَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَرْضٌ رَخِيصٌ وَعَمَلٌ عَلَى الْأَصَحِّ

( فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بَذْرُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ شَرِيكَيْ الْمُزَارَعَةِ ( وَعُلِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ صَاحِبُ الْبَذْرِ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ بِأَنْ بَذَرَ كُلٌّ بَذْرَهُ فِي نَاحِيَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ عَنْ النَّاحِيَةِ الَّتِي بَذَرَ الْآخَرُ فِيهَا وَعُلِمَتْ النَّاحِيَتَانِ ( لَمْ يُحْتَسَبْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ ( بِهِ ) أَيْ الْبَذْرِ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ فِيمَا أُخْرِجَ لِلشَّرِكَةِ وَيَضِيعُ عَلَى صَاحِبِهِ ( إنْ غَرَّ ) صَاحِبُ الْبَذْرِ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ شَرِيكَهُ بِأَنْ كَانَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْبُتُ لِإِصَابَتِهِ الدُّخَّانَ مَثَلًا كَبِزْرِ الْكَتَّانِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْغَارِّ لِشَرِيكِهِ ( مِثْلُ نِصْفِ ) الْبَذْرِ ( النَّابِتِ ) وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ عَلَى الْغَارِّ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَمَلِ الْمُصَنِّفُ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ كِرَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي غُرَّ فِيهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَغُرَّ صَاحِبُ الْبَذْرِ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ شَرِيكَهُ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ عِلَّتَهُ ( فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ مِثْلُ ( نِصْفِ بَذْرِ الْآخَرِ ) فَعَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ الَّذِي نَبَتَ مِثْلُ نِصْفِ الْبَذْرِ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ وَعَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ مِثْلُ نِصْفِ الْبَذْرِ الَّذِي نَبَتَ ( وَالزَّرْعُ ) مُشْتَرَكٌ ( لَهُمَا ) فِي الصُّورَتَيْنِ .
" غ " أَصْلُ هَذَا مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، وَنَصَّهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ .
وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خَلَطَا أَوْ لَمْ يَخْلِطَا الشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ ، وَإِذَا صَحَّتْ الشَّرِكَةُ فِي هَذَا فَنَبَتَ زَرْعُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَنْبُتْ زَرْعُ الْآخَرِ فَإِنْ غُرَّ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْبُتُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ بَذْرِ صَاحِبِهِ لِصَاحِبِهِ ، وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا عِوَضَ لَهُ فِي بَذْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَنْبُتُ وَلَمْ يَغُرَّهُ ، فَعَلَى الَّذِي نَبَتَ بَذْرُهُ أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِهِ مِثْلَ نِصْفِ بَذْرِهِ عَلَى أَنْ يَنْبُتَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ مِثْلَ نِصْفِ بَذْرِهِ الَّذِي نَبَتَ ، وَالزَّرْعُ

بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ ، غَرَّهُ أَوْ لَمْ يَغُرَّهُ ، وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي إبَّانِ الزِّرَاعَةِ وَقَدْ غَرَّ صَاحِبَهُ فَأَخْرَجَ زَرِيعَةً يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْبُتُ فَلَمْ تَنْبُتْ فَضَمَانُهَا مِنْهُ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِثْلَ مَكِيلَتِهَا مِنْ زَرِيعَةٍ تَنْبُتُ فَيَزْرَعُهَا فِي ذَلِكَ الْقَلِيبِ ، وَهُمَا عَلَى شَرِكَتِهَا وَلَا غُرْمَ عَلَى الْآخَرِ الْغَارِّ ، وَإِنْ لَمْ يَغُرَّ وَلَمْ يَعْلَمْ فَلْيُخْرِجَا جَمِيعًا قَفِيزًا آخَرَ فَيَزْرَعَاهُ فِي الْقَلِيبِ إنْ أَحَبَّا وَهُمَا عَلَى شَرِكَتِهِمَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ سَكَتَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ رُجُوعِ الْمَغْرُورِ عَلَى الْغَارِّ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَمَلِ فِيمَا لَمْ يَنْبُتْ إنْ كَانَ الْعَمَلُ عَلَى الْمَغْرُورِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ غُرُورٌ بِالْفِعْلِ ، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ، وَزَادَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ كِرَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي غَرَّهُ فِيهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ وَنَصَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَوْ زَارَعَ بِمَا لَا يَنْبُتُ فَنَبَتَ شَعِيرُ صَاحِبِهِ دُونَ شَعِيرِهِ ، فَإِنْ دَاسَ رَجَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنِصْفِ مَكِيلَتِهِ مِنْ شَعِيرٍ صَحِيحٍ وَنِصْفِ كِرَاءِ الْأَرْضِ الَّذِي أَبْطَلَهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ .
وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ مِثْلَهُ إلَّا الْكِرَاءَ ، فَلَمْ يَذْكُرْهُ ، فَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ سَحْنُونٍ سُقُوطُ الْكِرَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ غَرَّ فِي إنْكَاحِ غَيْرِهِ أَمَةً أَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ الصَّدَاقَ ، وَلَا يَغْرَمُ لَهُ مَا يَغْرَمُهُ الزَّوْجُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِ .
قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مَنْ بَاعَ عَبْدًا سَارِقًا دَلَّسَ فِيهِ فَسَرَقَ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَرَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِعَيْبِهِ فَذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ يَوْمًا مَا ، وَأَظُنُّ فِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ مَنْ بَاعَ مَطْمُورَةً دَلَّسَ فِيهَا بِعَيْبِ السُّوسِ فَخَزَنَ الْمُبْتَاعُ فِيهَا طَعَامًا فَاسْتَاسَ فِيهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى بَائِعِهَا بِمَا اسْتَاسَ

فِيهَا .
قَالَ وَلَوْ أَكْرَاهَا لَرَجَعَ عَلَيْهِ ، وَنَحْوُ الْمَوَّاقِ وَالْحَطّ .
وَشَبَّهَ فِي الصِّحَّةِ مَسَائِلَ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ ( تَسَاوَيَا ) أَيْ الْمُتَزَارِعَانِ ( فِي الْجَمِيعِ ) أَيْ الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ وَالْبَقَرِ وَالْبَذْرِ وَجَوَّزَ الشَّارِحُ كَوْنَ التَّشْبِيهِ فِي كَوْنِ الزَّرْعِ بَيْنَهُمَا قَالَهُ تت .
" غ " تَمْثِيلٌ لِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ " ق " الْمُتَيْطِيُّ سُنَّةُ الْمُزَارَعَةِ الِاعْتِدَالُ وَالتَّسَاوِي فِي الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَالْبَقَرِ وَالْأَدَاةِ وَالْعَمَلِ كُلِّهِ حَتَّى يَصِيرُ مَا هَلَكَ مِنْ ذَلِكَ فِي ضَمَانِهِمَا مَعًا ، وَهَذِهِ غَايَةُ الْكَمَالِ فِيهَا .
الْبَرْقِيُّ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُمَا إنْ اشْتَرَكَا فِي زَرْعٍ فِي بَلَدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ يَحْرُثُ فِي بَلَدِهِ وَيُشَارِكُهُ صَاحِبُهُ فِي حَرْثِهِ وَتَكَافَآ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ جَائِزَةٌ كَمَا فِيهَا فِي مُسَاقَاةِ حَائِطَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ ، وَبِهَذَا أَفْتَى ابْنُ حَيْدَرَةَ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ .
( أَوْ ) لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ وَ ( قَابَلَ بَذْرُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُتَزَارِعَيْنِ ( عَمَلٌ ) مِنْ الْآخَرِ وَالْأَرْضُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا بِمِلْكٍ أَوْ اكْتِرَاءٍ فِيهَا إنْ اكْتَرَيَا الْأَرْضَ أَوْ كَانَتْ لَهُمَا جَازَ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا الْبَذْرَ كُلَّهُ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ ( أَوْ ) قَابَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ عِنْدِ شَرِيكِهِ ( أَرْضَهُ وَبَذْرَهُ ) أَيْ شَرِيكُ الْعَامِلِ سَحْنُونٌ إنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ وَأَخْرَجَ الْآخَرُ الْعَمَلَ جَازَ .
( أَوْ ) قَابَلَ الْأَرْضَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَبَعْضَ الْبَذْرِ عَمَلٌ مِنْ الْآخَرِ ( وَبَعْضُهُ ) أَيْ الْبَذْرِ ، فَالْمَعْنَى أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَبَعْضَ الْبَذْرِ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ وَبَعْضَ الْبَذْرِ فَتَصِحُّ شَرِكَتُهُمَا ( إنْ لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ ) أَيْ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الزَّرْعِ ( عَنْ نِسْبَةِ ) قَدْرِ ( بَذْرِهِ ) لِمَجْمُوعِ بَذْرِهِمَا بِأَنْ زَادَ مَا يَأْخُذُهُ

مِنْهُ عَنْ نِسْبَةٍ بَذْرِهِ أَوْ سِوَاهَا فَالثَّانِي كَمَا لَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْعَمَلَ وَثُلُثَ الْبَذْرِ ، وَالْآخَرُ الْأَرْضَ وَثُلُثَيْ الْبَذْرِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْعَامِلُ ثُلُثَ الزَّرْعِ ، وَالْأَوَّلُ كَذَلِكَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْعَامِلُ ثُلُثَيْ الزَّرْعِ .
وَمَفْهُومُ إنْ لَمْ يَنْقُصْ إلَخْ أَنَّهُ إنْ نَقَصَ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ كَإِخْرَاجِهِ ثُلُثَيْ الْبَذْرِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ ثُلُثَهُ فَلَا تَجُوزُ لِمُقَابَلَةِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْبَذْرِ .
" ق " سَحْنُونٌ وَابْنُ حَبِيبٍ إذَا اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ وَالْآخَرُ ثُلُثَ الزَّرِيعَةِ وَالْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
ابْنُ حَبِيبٍ أَوْ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ إذَا سَاوَى الْعَمَلُ وَمَا فَضَلَهُ بِهِ مِنْ الزَّرِيعَةِ كِرَاءَ الْأَرْضِ ، لِأَنَّ زِيَادَةَ الزَّرِيعَةِ بِإِزَاءِ عَمَلِ الْعَامِلِ .
سَحْنُونٌ وَابْنُ حَبِيبٍ إنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْ الْأَرْضِ وَثُلُثَ الْبَذْرِ وَأَخْرَجَ الْآخَرُ ثُلُثَ الْأَرْضِ وَثُلُثَيْ الْبَذْرِ وَالْعَمَلِ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ تَجُزْ وَكَأَنَّهُ أَكْرَى سُدُسَ أَرْضِهِ بِسُدُسِ بَذْرِ صَاحِبِهِ ، فَإِنْ نَزَلَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْ الْبَذْرِ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي فَضْلِ الْأَكْرِيَةِ ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا يَنْبَغِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
( أَوْ لِأَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُتَزَارِعَيْنِ ( الْجَمِيعُ ) أَيْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ وَالْبَذْرُ الْأَدَاةُ ( إلَّا الْعَمَلَ ) بِالْيَدِ ، فَإِنَّهُ عَلَى الْآخَرِ وَلَهُ الرُّبْعُ مَثَلًا فَتَصِحُّ شَرِكَتُهُمَا ( إنْ عَقَدَا ) هَا ( بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ لَا ) بِلَفْظِ ( الْإِجَارَةِ أَوْ ) إنْ ( أَطْلَقَا ) أَيْ لَلْعَاقِدَانِ الشَّرِكَةُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا شَرِكَةً أَوْ إجَارَةً فَلَا تَصِحُّ فِيهِمَا " ق " سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ مَا تَقُولُ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الزِّرَاعَةِ عَلَى أَنْ جَعَلَ أَحَدُهُمَا ، الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ وَالْبَقَرَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57