كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَارَ أَعْلَمُ الْمُقَلِّدِينَ مِمَّنْ لَهُ فِقْهٌ نَفِيسٌ إلَخْ .
الْبَاجِيَّ لَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْقَاضِي عَالِمًا مَعَ وُجُودِهِ وَاَلَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا .
عِيَاضٌ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ شَرْطُهُ كَوْنُهُ عَالِمًا مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا إنْ فُقِدَ الْمُجْتَهِدُ كَشَرْطِ كَوْنِهِ حُرًّا مُسْلِمًا .
الْمَازِرِيُّ زَمَانُنَا عَارٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي إقْلِيمِ الْمَغْرِبِ فَضْلًا عَنْ قُضَاتِهِ .
الْحَطّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُهُ عَالِمًا ، وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْعِلْمَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ، وَعَدَّهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَالْقَرَافِيُّ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، وَعَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْجَاهِلِ وَيَجِبُ عَزْلُهُ وَأَحْكَامُهُ مَرْدُودَةٌ مَا لَمْ يُوَافِقْ الْحَقَّ مِنْهَا وَمَا وَافَقَهُ ، وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهَا مَرْدُودَةٌ مَا لَمْ يُشَاوِرْ الْعُلَمَاءَ ثُمَّ إنَّهُ إذَا وُجِدَ مُجْتَهِدٌ وَجَبَتْ تَوْلِيَتُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى غَيْرُهُ .
ابْنُ الْعَرَبِيِّ إنْ تَوَلَّى الْمُقَلِّدُ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ جَائِرٌ ، نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الِاجْتِهَادَ إنْ وُجِدَ لَيْسَ شَرْطًا خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ شَرْطٌ ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْعِلْمُ ، وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فَوَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ جَعَلَ ابْنَ زَرْقُونٍ كَوْنَهُ عَالِمًا مِنْ الْقِسْمِ الْمُسْتَحَبِّ ، وَكَذَا ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ عَالِمًا يُسَوَّغُ لَهُ الِاجْتِهَادُ .
وَقَالَ عِيَاضٌ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْمَازِرِيُّ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَالِمًا مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا إنْ فُقِدَ الْمُجْتَهِدُ كَشَرْطِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا حُرًّا ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَبُولُ الْمُقَلِّدِ الْوِلَايَةَ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ جَوْرٌ

وَتَعَدٍّ ، وَمَعَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ جَائِزٌ ، ثُمَّ قَالَ فَفِي صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ قَوْلَانِ لِابْنِ زَرْقُونٍ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ مَعَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْمَازِرِيِّ قَائِلًا هُوَ مَحْكِيُّ أَئِمَّتِنَا عَنْ الْمَذْهَبِ ، وَمَعَ فَقْدِهِ جَائِزٌ ، وَمَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ أَوْلَى اتِّفَاقًا فِيهِمَا .
ا هـ .
فَانْظُرْ كَيْفَ عَزَا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ عَدَمَ صِحَّةِ وِلَايَةِ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ مَعَ نَقْلِهِ قَبْلَ هَذَا قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَبُولُ الْمُقَلِّدِ الْوِلَايَةَ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ جَوْرٌ وَتَعَدٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ جَوْرٌ وَتَعَدٍّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فَيَصِحُّ كَلَامُهُ ، إلَّا أَنَّ الَّذِي يَتَبَادَرُ لِلْفَهْمِ مِنْ قَوْلِهِ جَوْرٌ وَتَعَدٍّ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ التَّعَدِّي وَالْجَوْرِ ، وَعَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ عَرَفَةَ يَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ عَنْ الْمُصَنِّفِ ، إذْ لَعَلَّهُ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْهُ ، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَاشٍ عَلَى مَا عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِعِيَاضٍ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ أَمْثَلُ مُقَلِّدٍ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ فَمُقَلِّدٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَارَ أَعْلَمُ الْمُقَلِّدِينَ مِمَّنْ لَهُ فِقْهٌ نَفِيسٌ وَقُدْرَةٌ عَلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، وَيَعْلَمُ مَا هُوَ يَجْرِي عَلَى أَصْلِ إمَامِهِ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشُّيُوخِ اخْتِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ تَوْلِيَتِهِ الْقَضَاءَ .
ابْنُ عَرَفَةَ إنْ أَرَادَ مَعَ وُجُودِ ذِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى فَصَحِيحٌ ، وَإِنْ أَرَادَ مَعَ فَقْدِهِ فَظَاهِرُ أَقْوَالِهِمْ صِحَّةُ تَوْلِيَتِهِ خَوْفَ تَعْطِيلِ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : الْبِسَاطِيُّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي إمْكَانَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ ، فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِي مَذْهَبِ

مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ مُمْكِنٌ ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُجْتَهِدَ فِي الْأَدِلَّةِ فَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ الْمَازِرِيُّ وَصَلَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ كَلَامٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ مَبْدَؤُهُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّقْلِيدِ ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ مُمْكِنٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ أَيْضًا .
الْحَطّ تَأَمَّلْ هَذَا مَعَ اخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ فِي إمْكَانِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا أَظُنُّهُ انْقَطَعَ بِالْمَشْرِقِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنْ نُسِبَ إلَى الِاجْتِهَادِ فِي حَيَاةِ أَشْيَاخِنَا ، وَمَوَادُّ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِنَا أَيْسَرُ مِنْهَا فِي زَمَانِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِنَا الْهِدَايَةَ ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِلْمِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ دُوِّنَتْ ، وَكَذَا تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ ، وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِي سَمَاعِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ شَهْرًا .
فَإِنْ قِيلَ يَحْتَاجُ الْمُجْتَهِدُ إلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِمَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ فِي زَمَنِنَا لِكَثْرَةِ الْمَذَاهِبِ وَتَشَعُّبِهَا .
قِيلَ يَكْفِيهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا ، إذْ الْمَقْصُودُ الِاحْتِرَازُ مِنْ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا مُتَيَسِّرٌ ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ يُسْرُ الِاجْتِهَادِ سَمِعْت ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ يَحْكِيهِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ ، إذْ قِرَاءَةُ مِثْلِ الْجُزُولِيَّةِ وَالْمَعَالِمِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الْكُبْرَى لِعَبْدِ الْحَقِّ وَنَحْوِهَا يَكْفِي فِي تَحْصِيلِ آلَةِ الِاجْتِهَادِ مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى فَهْمِ مُشْكِلِ اللُّغَةِ بِمُخْتَصَرِ الْعَيْنِ ، وَنَحْوِ صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ نَظَرِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَتَحْقِيقِ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ وَبُلُوغِ دَرَجَةِ الْإِمَامَةِ أَوْ مُقَارَبَتِهَا فِي الْعُلُومِ

الْمَذْكُورَةِ لَا تُشْتَرَطُ فِي الِاجْتِهَادِ إجْمَاعًا الْفَخْرُ فِي مَحْصُولِهِ وَالسَّرَّاجُ فِي تَحْصِيلِهِ وَالتَّاجُ فِي حَاصِلِهِ لَوْ بَقِيَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَاحِدٌ لَكَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً ، فَاسْتِعَاذَتُهُمْ تَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الِاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِمْ ، وَالْفَخْرُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ ، وَلَكِنْ فِي الِاسْتِغْنَاءِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَنِنَا عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ ، إذْ لَا مُجْتَهَدَ فِيهِ ، وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْلِيدِ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ إنْ سَلِمَ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، أَفَادَهُ الْحَطّ .
( فَائِدَةٌ ) فِي آخِرِ خُطْبَةِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا جَمَعَ الطَّالِبُ الْمُقَدِّمَاتِ إلَى هَذَا الْكِتَابِ عَنَى بِهِ الْبَيَانَ وَالتَّحْصِيلَ حَصَلَ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ ، وَعَرَفَ الْعِلْمَ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ بَابِهِ وَسَبِيلِهِ وَأَحْكَمَ رَدَّ الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ ، وَاسْتَغْنَى بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ الشُّيُوخِ فِي الْمُشْكِلَاتِ ، وَحَصَلَ فِي دَرَجَةِ مَنْ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ فِي النَّوَازِلِ الْمُعْضِلَاتِ ، وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْآيَاتِ وَوَعَدَهُمْ فِيهَا بِتَرْفِيعِ الدَّرَجَاتِ .
الثَّانِي : بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ شَرْطٌ وَهُوَ كَوْنُهُ وَاحِدًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَتَقَدَّمَ نَصُّهَا ، وَنَقَلَهَا ابْنُ شَاسٍ وَالْقَرَافِيُّ ، وَاسْتَوْفَى " غ " الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَجَازَ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ .

الثَّالِثُ : فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَجِبُ أَنْ لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ مَنْ طَلَبَهُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُهُ مَخَافَةَ أَنْ يُوكَلَ إلَيْهِ فَلَا يَقُومُ بِهِ ا هـ ، أَرَادَ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ طَلَبُهُ ، وَهَذَا فِي طَلَبِهِ بِغَيْرِ بَذْلِ مَالٍ فَكَيْفَ مَعَ بَذْلِ الْمَالِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا طَلَبَهُ فَوَلِيَ وَهُوَ جَامِعٌ لِشُرُوطِهِ فَلَا يَجِبُ عَزْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْقُرْطُبِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ } ، نَهْيٌ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ { إنَّا لَا نُوَلِّي عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ } ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

الرَّابِعُ : السُّيُورِيُّ إذَا تَحَرَّجَ النَّاسُ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَهْلُهُ فَجَمَاعَتُهُمْ يَكْفُونَ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْته وَفِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَيَقُومُونَ مَقَامَ الْقَاضِي مَعَ فَقْدِهِ فِي ضَرْبِ الْآجَالِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
الْحَطّ تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْقَاضِي مَعَ فَقْدِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْهَا .
الْخَامِسُ : فِي النَّوَادِرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي جِهَةٍ إلَّا غَيْرُ الْعُدُولِ فَأَصْلَحَهُمْ وَأَقَلُّهُمْ فُجُورًا يُرَتِّبُ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ ، وَيَلْزَمُ مِثْلُ هَذَا فِي الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا تَضِيعَ الْمَصَالِحُ ، وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي هَذَا ، إذْ التَّكْلِيفُ مَشْرُوطٌ بِالْإِمْكَانِ ، وَإِذَا جَازَ نَصْبُ الْفَسَقَةِ شُهُودًا لِعُمُومِ الْفَسَادِ جَازَ التَّوَسُّعُ فِي الْحُكَّامِ لِمَنْعِ الْمَظَالِمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

وَزِيدَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ : قُرَشِيٌّ

( وَزِيدَ ) بِكَسْرِ الزَّايِ عَلَى الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِلْقَضَاءِ ( لِ ) جَوَازِ تَوْلِيَةِ ( الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ) الْخَلِيفَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إمَامَةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَحِفْظِ الْإِسْلَامِ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ وَجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْفِطْنَةُ وَالْعِلْمُ ، وَنَائِبُ فَاعِلِ زِيدَ ( قُرَشِيٌّ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِعْجَامِ الشَّيْنِ وَشَدِّ الْيَاءِ ، أَيْ كَوْنُهُ مَنْسُوبًا لِقُرَيْشٍ لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا } ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } .
فِي الصِّحَاحِ قُرَيْشٌ قَبِيلَةٌ وَأَبُوهُمْ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرَكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ دُونَ وَلَدِ كِنَانَةَ وَمَنْ فَوْقَهُ ، رُبَّمَا قَالُوا قُرَيْشِيٌّ وَهُوَ الْقِيَاسُ .
ا هـ .
وَبِعِبَارَةٍ قُرَيْشٌ لَقَبُ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ ، وَقِيلَ لَقَبُ النَّضْرِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْعِرَاقِيُّ : أَمَّا قُرَيْشٌ فَالْأَصَحُّ فِهْرٌ جِمَاعُهَا وَالْأَكْثَرُونَ النَّضْرُ وَلَا يُنْدَبُ كَوْنُهُ عَبَّاسِيًّا خِلَافًا لِلشَّارِحِ وتت وعج وَمَنْ تَبِعَهُمْ ، وَلَا عَلَوِيًّا بِالْإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " عَلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَعَلَى خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَيْضًا ، وَعَلَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَيْضًا ، وَعَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الضَّحِيَّةِ وَهَلْ

هُوَ الْعَبَّاسِيُّ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَدْبَ كَوْنِهِ عَبَّاسِيًّا وَإِنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْهُ الشَّارِحُ وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَإِنَّمَا اخْتَصَرَ فِيهِ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَهَلْ الْإِمَامُ الْمُعْتَبَرُ سَبْقُهُ الْخَلِيفَةَ كَالْعَبَّاسِيِّ الْيَوْمَ ا هـ ، وَقَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ بَنِي الْعَبَّاسِ أَفَادَهُ طفي .
أَبُو مُحَمَّدٍ مَنْ وَلِيَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ رِضًا أَوْ عَنْ غَلَبَةٍ وَاشْتَدَّتْ وَطْأَتُهُ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَلَا يُخْرَجُ عَلَيْهِ عَدْلٌ أَوْ جَارٍ ، وَيُغْزَى مَعَهُ الْعَدُوُّ وَيُحَجُّ الْبَيْتُ وَتُدْفَعُ إلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَتُجْزِئُ إذَا طَلَبَهَا وَتُصَلَّى الْجُمُعَةُ خَلْفَهُ .

فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلِّدِهِ

( وَحَكَمَ ) الْقَاضِي الْمُقَلِّدِ ( بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً .
ابْنُ الْحَاجِبِ يَلْزَمُهُ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ .
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَلْ يَلْزَمُ الْمُقَلِّدَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِ إمَامِهِ أَمْ لَا الْأَصْلُ عَدَمُ اللُّزُومِ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَكُونُوا يَحْجُرُونَ عَلَى الْعَوَامّ اتِّبَاعَ عَالِمٍ وَاحِدٍ وَلَا يَأْمُرُونَ مَنْ سَأَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَنْ لَا يَسْأَلَ غَيْرَهُ ، لَكِنَّ الْأَوْلَى فِي حَقِّ الْقَاضِي لُزُومُ طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّهُ إنْ قَلَّدَ إمَامًا لَا يَعْدِلُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي لِتُهْمَتِهِ بِالْمَيْلِ ، وَلَمَّا جَاءَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْحُكْمِ فِي قَضِيَّةٍ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ .
ابْنُ فَرْحُونٍ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ الْمُقَلِّدَ إذَا وَجَدَ الْمَشْهُورَ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهُ ، وَقَدْ بَلَغَ الْمَازِرِيُّ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يُفْتِ قَطُّ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ ، وَعَاشَ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَةً وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً ، فَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الرِّوَايَتَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ التَّشَهِّي وَالْحُكْمُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَتَرْجِيحٍ ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتَى مَنْ يُكْتَفَى بِكَوْنِ فَتْوَاهُ أَوْ عِلْمِهِ مُوَافِقًا لِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ .
وَيَعْمَلُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْوُجُوهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ ، فَقَدْ جَهِلَ وَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ ، فَإِذَا وَجَدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ وَالتَّرْجِيحِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْزَعَ فِي التَّرْجِيحِ إلَى صِفَاتِهِمْ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِآرَائِهِمْ ، فَيَعْمَلَ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ وَالْأَوْرَعِ وَالْأَعْلَمِ ، فَإِنْ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِصِفَةٍ قُدِّمَ مَنْ هُوَ أَحْرَى بِالْإِصَابَةِ فَالْأَعْلَمُ الْوَرِعُ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَوْرَعِ وَالْعَالِمِ ،

وَإِذَا وَجَدَ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بَيَانُ الْأَصَحِّ مِنْهُمَا اعْتَبَرَ أَوْصَافَ نَاقِلِيهِمَا أَوْ قَائِلِيهِمَا .
ابْنُ فَرْحُونٍ وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَمُقَلِّدَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ وَأَنْوَاعُ التَّرْجِيحِ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ إنَّ كِتَابَهُ النَّوَادِرَ اشْتَمَلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَالِكِيِّينَ ، قَالَ وَلَا يَنْبَغِي الِاخْتِيَارُ مِنْ الْخِلَافِ لِلْمُتَعَلِّمِ وَلَا لِلْمُقَصِّرِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَحَلٌّ لِاخْتِيَارِ الْقَوْلِ فَلَهُ اخْتِيَارُ الْمُعْتَنِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِذَلِكَ مِثْلِ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدُوسٍ وَابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ أَكْثَرُهُمْ تَكَلُّفًا لِلِاخْتِيَارَاتِ وَابْنُ حَبِيبٍ لَمْ يَبْلُغْ فِي اخْتِيَارَاتِهِ وَقُوَّةِ رِوَايَاتِهِ مَبْلَغَ مَنْ ذَكَرْنَا ، ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي تَمْيِيزِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَحْكَامِ لِلْقَرَافِيِّ مَا نَصُّهُ الْحَاكِمُ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ أَوْ يُفْتِيَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِهِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ مُقَلِّدًا فِي رُجْحَانِ الْقَوْلِ الْمَحْكُومِ بِهِ إمَامُهُ .
وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا فَحَرَامٌ إجْمَاعًا .
نَعَمْ اُخْتُلِفَ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ وَتَسَاوَتْ وَعَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ فَهَلْ يَتَسَاقَطَانِ أَوْ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا ؟ يُفْتِي بِهِ قَوْلَانِ ، فَعَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ لِلْفُتْيَا فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا يَحْكُمُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَاجِحٍ عِنْدَهُ ، وَهَذَا مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَالْقَوَاعِدِ وَلَيْسَ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى .
وَأَمَّا الْفُتْيَا وَالْحُكْمُ بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، وَقَالَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ

الْقَوْلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَلَا مَعْرِفَةٍ بِأَدِلَّتِهِمَا إجْمَاعًا ، فَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ وَالْعَجْزِ عَنْ التَّرْجِيحِ .
ا هـ .
كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ .
الْحَطّ فَتَحَصَّلَ مِنْهُ إذَا تَسَاوَى الْقَوْلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَعَجَزَ عَنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَوْجُهِ التَّرْجِيحِ فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ أَوْ يُفْتِيَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .
ابْنُ فَرْحُونٍ لَا يَجُوزُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى وَمَنْ عُرِفَ بِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِفْتَاؤُهُ ، وَالتَّسَاهُلُ يَكُونُ بِأَنْ لَا يُثْبِتَ وَيُسْرِعَ بِالْفَتْوَى أَوْ الْحُكْمِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ ، وَقَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَوَهُّمُهُ أَنَّ الْإِسْرَاعَ بَرَاعَةٌ وَالْإِبْطَاءَ عَجْزٌ ، وَلَا يُبْطِئُ وَلَا يُخْطِئُ أَجْمَلَ بِهِ أَنْ يُعَجِّلَ فَيَضِلَّ وَيُضِلَّ ، وَقَدْ يَكُونُ تَسَاهُلُهُ بِأَنْ تَحْمِلَهُ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِيَلِ الْمَحْذُورَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ بِالتَّمَسُّكِ بِالشُّبْهَةِ طَلَبًا لِلتَّرْخِيصِ عَلَى مَنْ يَرُومُ نَفْعَهُ أَوْ التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ يَرُومُ ضَرَرَهُ .
ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ ، وَأَمَّا إذَا صَحَّ قَصْدُ الْمُفْتِي وَاحْتَسَبَ فِي طَلَبِ حِيلَةٍ لَا شُبْهَةَ فِيهَا وَلَا تَجُرُّ إلَى مَفْسَدَةٍ لِيُخَلِّصَ بِهَا الْمُسْتَفْتِيَ مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ أَوْ نَحْوِهَا فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ .
الْقَرَافِيُّ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا تَشْدِيدٌ وَالْآخَرُ تَخْفِيفٌ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ الْعَامَّةَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْخَوَاصَّ وَوُلَاةَ الْأُمُورِ بِالتَّخْفِيفِ فَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْفُسُوقِ وَالْخِيَانَةِ فِي الدِّينِ وَالتَّلَاعُبِ بِالْمُسْلِمِينَ ، وَدَلِيلٌ عَلَى فَرَاغِ الْقَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ وَتَقْوَاهُ وَعِمَارَتِهِ بِاللَّعِبِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى الْخَلْقِ دُونَ الْخَالِقِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِ الْغَافِلِينَ .
وَالْحَاكِمُ كَالْمُفْتِي فِي هَذَا .
( فَرْعٌ ) إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي

النَّازِلَةِ نَصٌّ فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إنْ قَاسَ عَلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ ، أَوْ قَالَ يَجِيءُ مِنْ كَذَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ .
خَلِيلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ جَوَازُهُ عَلَى مَدَارِك إمَامِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ .
قُلْت يُرَدُّ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ الْمُجْتَهِدِ لِامْتِنَاعِ تَوْلِيَةِ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِهِ ، فَإِذَا كَانَ حُكْمُ النَّازِلَةِ غَيْرَ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ لِلْمُقَلِّدِ الْمُوَلَّى الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ فِي نَازِلَةٍ أُخْرَى تَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ ، وَبِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي قِيَاسِهِ عَلَى أَقْوَالِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُتَأَخِّرِيهِمْ كَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَالتُّونُسِيِّ وَالْبَاجِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَجَدَهُ بَعْدَ اخْتِيَارَاتِهِ وَتَخْرِيجَاتِهِ فِي تَحْصِيلِهِ أَقْوَالًا ، وَقَدْ عَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ فَتْوَى ابْنِ عَبْدِ الرَّءُوف وَابْنِ السَّبَّاقِ وَابْنِ دَحُونٍ وَنَحْوِهِمْ أَقْوَالًا ، وَنَقَلَ لِابْنِ الطَّلَّاعِ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ وَجَعَلَهُ مُقَابِلًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ .
الْحَطّ وَكَأَنَّ خَلِيلًا وَابْنَ عَرَفَةَ لَمْ يَقِفَا عَلَى كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي الذَّخِيرَةِ وَبَحَثَهُ مَعَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ ، وَنَصُّهُ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَوْلُهُ فَإِنْ قَاسَ عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُقَلِّدُ قِسْمَانِ مُحِيطٌ بِأُصُولِ مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ وَقَوَاعِدِهِ بِحَيْثُ تَكُونُ نِسْبَتُهُ إلَى مَذْهَبِهِ كَنِسْبَةِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ إلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِهَا ، فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّخْرِيجُ وَالْقِيَاسُ بِشَرَائِطِهِ ، كَمَا جَازَ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَغَيْرِ مُحِيطٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّخْرِيجُ لِأَنَّهُ كَالْعَامِّيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي فَيُتَّجَهُ وَإِلَّا فَهُوَ

مُشْكِلٌ ا هـ .

وَنَفَذَ حُكْمُ : أَعْمَى ، وَأَبْكَمَ ، وَأَصَمَّ ، وَوَجَبَ عَزْلُهُ
( وَنَفَذَ ) بِفَتَحَاتٍ مُعْجَمِ الدَّالِ ، أَيْ مَضَى ( حُكْمُ ) قَاضٍ ( أَعْمَى وَأَبْكَمَ وَأَصَمَّ ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فِيهِمَا ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ وَلِيَ كَذَلِكَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا ( وَوَجَبَ ) عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ( عَزْلُهُ ) أَيْ الْأَعْمَى أَوْ الْأَبْكَمِ أَوْ الْأَصَمِّ عَنْ الْقَضَاءِ .
ابْنُ رُشْدٍ الْخِصَالُ الَّتِي لَيْسَتْ مُشْتَرَطَةً فِي صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ إلَّا أَنَّ عَدَمَهَا يُوجِبُ فَسْخَ تَوْلِيَتِهِ أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا ، فَإِنْ وَلِيَ مَنْ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ وَجَبَ عَزْلُهُ مَتَى عَثَرَ عَلَيْهِ ، وَيَكُونُ مَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِ جَائِزًا وَفِي التَّوْضِيحِ الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ لَا تُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ ، وَلَكِنَّهُ يَجِبُ كَوْنُهُ مُتَّصِفًا بِهَا وَعَدَمُهَا مُوجِبٌ لِعَزْلِهِ ، وَيَنْفُذُ مَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِ .

وَلَزِمَ الْمُتَعَيِّنَ أَوْ الْخَائِفَ فِتْنَةً : إنْ لَمْ يَتَوَلَّ ، أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ : الْقَبُولُ ، وَالطَّلَبُ ، وَأُجْبِرَ وَإِنْ بِضَرْبٍ ، وَإِلَّا فَلَهُ الْهَرَبُ وَإِنْ عُيِّنَ

( وَلَزِمَ ) الْقَضَاءُ الشَّخْصَ ( الْمُتَعَيِّنَ ) لَهُ لِانْفِرَادِهِ بِشُرُوطِهِ فَيَلْزَمُهُ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ ، وَوَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ تَوْلِيَتُهُ وَإِعَانَتُهُ عَلَى الْحَقِّ ( أَوْ ) الشَّخْصَ ( الْخَائِفَ فِتْنَةً ) بِعَدَمِ تَوَلِّيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عِيَالِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِشُرُوطِهِ ( أَوْ ) الْخَائِفَ ( ضَيَاعَ الْحَقِّ ) عَلَى مُسْتَحِقِّهِ بِتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُهُ ( الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ ) لِتَوْلِيَتِهِ ( وَ ) إنْ امْتَنَعَ الْمُتَعَيِّنُ مِنْ الْقَبُولِ ( أُجْبِرَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْقَبُولِ بِغَيْرِ ضَرْبٍ ، بَلْ ( وَإِنْ بِضَرْبٍ ) قِيلَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيُجْبَرُ بِالسِّجْنِ الضَّرْبُ ، قَالَ نَعَمْ أَبُو عُمَرَ إنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَضَاءِ مَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ يُجْبَرُ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَبُولُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إنْ كَانَ بِالْبَلَدِ عَدَدٌ يَصْلُحُونَ لِذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ، وَأُجْبِرَ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ .
الْمَازِرِيُّ يَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ السَّعْيُ فِي طَلَبِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَلِهِ ضَاعَتْ الْحُقُوقُ أَوْ تَوْلِيَةُ مَنْ لَا يَحِلُّ أَنْ يُوَلَّى ، وَكَذَا إنْ وَلِيَ مَنْ لَا تَحِلُّ تَوْلِيَتُهُ وَلَا سَبِيلَ لِعَزْلِهِ إلَّا بِطَلَبِهِ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَلَا ضَيَاعَ الْحَقِّ ( فَلَهُ ) أَيْ مَنْ فِيهِ شُرُوطُهُ ( الْهَرَبُ ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ مِنْ تَوْلِيَتِهِ إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ الْإِمَامُ ، بَلْ ( وَإِنْ عُيِّنَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا مِنْ الْإِمَامِ لِتَوَلِّيَةِ الْقَضَاءِ .
ابْنُ رُشْدٍ الْهُرُوبُ عَنْ الْقَضَاءِ وَاجِبٌ وَطَلَبُ السَّلَامَةِ مِنْهُ لَازِمٌ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ ، فَرَوْضُ الْكِفَايَةِ كُلُّهَا تَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ إلَّا الْقَضَاءَ لِشِدَّةِ خَطَرِهِ فِي الدِّينِ .
ابْنُ مَرْزُوقٍ

هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وِلَايَتَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمِحَنِ حَيْثُ جَازَتْ لَهُ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ هُنَا ، وَلَمْ تَجُزْ لَهُ فِي الْجِهَادِ الْمُؤَدِّي لِلْمَوْتِ .
ابْنُ شَاسٍ لِلْإِمَامِ إجْبَارُهُ وَلَهُ هُوَ أَنْ يَهْرُبَ بِنَفْسِهِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ تَعَيُّنَهُ لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ .

( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : إذَا لَزِمَهُ طَلَبُ الْقَضَاءِ فَطَلَبَهُ فَمُنِعَ مِنْهُ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِمْ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يُعَانُ عَلَى الْحَقِّ ، وَبَذْلُ الْمَالِ فِي الْقَضَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يُعَنْ عَلَى إبْطَالِهِ ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَهُ الْحَطّ .
الثَّانِي : رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَتَكُونُ حَسْرَةً وَنَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتْ الْفَاطِمَةُ } ، فَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَأَرَادَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهِ وُكِّلَ إلَيْهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ فِيهِ الْهَلَاكُ ، وَمَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَامْتُحِنَ بِهِ وَهُوَ كَارِهٌ لَهُ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ أَعَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِّلَ إلَيْهِ ، وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَلَا اسْتَعَانَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ } ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ تُؤْتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ تُعَنْ عَلَيْهَا وَإِنْ تُؤْتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ تُوَكَّلْ إلَيْهَا } .

الثَّالِثُ : فِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ الْقَضَاءُ مِحْنَةٌ وَبَلِيَّةٌ وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ لِأَنَّ التَّخَلُّصَ مِنْهُ عُسْرٌ ، فَالْهَرَبُ مِنْهُ وَاجِبٌ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ وَطَلَبُهُ نُوكٌ ، وَإِنْ كَانَ حِسْبَةً قَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إذَا خَلَصَتْ النِّيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ وَلِيَهُ مَنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّا لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ } .
ا هـ .
فِي الصِّحَاحِ النُّوكُ بِالضَّمِّ الْحُمْقُ ، قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ : وَدَاءُ النُّوكِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ وَالنَّوَاكَةُ الْحَمَاقَةُ .

الرَّابِعُ : ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَمَّا تَحْصِيلُ الْقَضَاءِ بِالرِّشْوَةِ فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي كِتَابِهِ آدَابُ الْقَضَاءِ مَنْ قَبِلَ الْقَضَاءَ بِقُبَالَةٍ وَأَعْطَى عَلَيْهِ رِشْوَةً فَوِلَايَتُهُ بَاطِلَةٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَمَ بِحَقٍّ وَإِنْ أَعْطَى رِشْوَةً عَلَى عَزْلِ قَاضٍ لِيُوَلَّى مَكَانَهُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا ، وَإِنْ أَعْطَاهَا عَلَى عَزْلِهِ دُونَ وِلَايَةٍ فَعُزِلَ الْأَوَّلُ بِرِشْوَةٍ ثُمَّ اسْتَقْضَى هُوَ مَكَانَهُ بِغَيْرِ رِشْوَةٍ نُظِرَ فِي الْمَعْزُولِ ، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَأَعْطَاهُ الرِّشْوَةَ عَلَى عَزْلٍ حَرَامٌ وَلَا يَنْعَزِلُ وَيَبْقَى عَلَى وِلَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ عَزَلَهُ تَابَ وَرَدَّ الرِّشْوَةَ قَبْلَ عَزْلِهِ ، وَقَضَاءُ الْمُسْتَخْلِفِ أَيْضًا بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَيَصِحُّ قَضَاؤُهُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَعْزُولُ جَائِرًا فَلَا يَبْطُلُ قَضَاءُ الْمُسْتَخْلِفِ ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ قُلْت هَذَا تَخْرِيجًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ .

الْخَامِسُ : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْوِلَايَةُ ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّحْرِيرِ لِانْعِقَادِ الْوِلَايَةِ شُرُوطُ الْعِلْمِ بِشَرَائِطِ الْوِلَايَةِ فِي الْمُوَلَّى ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا إلَّا بَعْدَ التَّقْلِيدِ اسْتَأْنَفَهُ .
الثَّانِي ذِكْرُ الْمُوَلَّى لَهُ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الْإِمَارَةِ فَإِنْ جُهِلَ فَسَدَتْ ، الثَّالِثُ ذِكْرُ الْبَلَدِ الَّذِي عُقِدَتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِيَمْتَازَ عَنْ غَيْرِهِ .

السَّادِسُ : الْقُرْطُبِيُّ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْوِلَايَةُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ هِيَ وَلَّيْتُك وَقَلَّدْتُك وَاسْتَخْلَفْتُك وَاسْتَتَبْتُك ، وَالْكِنَايَةُ ثَمَانِيَةُ أَلْفَاظٍ وَهِيَ اعْتَمَدْت عَلَيْك وَعَوَّلْت عَلَيْك وَرَدَدْت إلَيْك وَجَعَلْت إلَيْك وَفَوَّضْت إلَيْك وَوَكَّلْت إلَيْك وَاسْتَنَدْت إلَيْك وَعَهِدْت إلَيْك ، وَتَحْتَاجُ الْكِنَايَةُ إلَى أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ مِثْلُ اُحْكُمْ فِيمَا اعْتَمَدْت عَلَيْك فِيهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ .

السَّابِعُ : ابْنُ عَرَفَةَ تَثْبُتُ تَوْلِيَةُ الْإِمَامِ قَاضِيهِ بِإِشْهَادِهِ بِهَا نَصًّا وَالْأَصَحُّ ثُبُوتُهَا بِالِاسْتِفَاضَةِ الدَّالَّةِ بِتَوَاتُرِهَا وَالْقَرَائِنِ عَلَى عِلْمِ ذَلِكَ وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ ثُبُوتَهَا بِكِتَابٍ يُقْرَأُ عَلَى الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَنْظُرْ الشُّهُودُ فِي الْكِتَابِ الْمَقْرُوءِ لِجَوَازِ أَنْ يَقْرَأَ الْقَارِئُ مَا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ ، وَلَوْ قَرَأَهُ الْإِمَامُ صَحَّتْ ، قُلْت سَمَاعُ الْإِمَامِ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِ مَعَ سَمَاعِهِ وَسُكُوتِهِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ ضَرُورَةً بِتَوْلِيَتِهِ إيَّاهُ ، وَنَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمَذْهَبِ ثُبُوتَ وِلَايَتِهِ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ .
ا هـ .
قَوْلُهُ يَقْرَأُ عَلَى الْإِمَامِ كَذَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْت مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ بَحْثُهُ وَاَلَّذِي فِي تَبْصِرَةِ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

الثَّامِنُ : ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا كَانَ الْمُوَلَّى غَائِبًا وَقْتَ تَوْلِيَتِهِ جَازَ قَبُولُهُ عَلَى التَّرَاخِي عِنْدَ بُلُوغِ التَّوْلِيَةِ إلَيْهِ ، وَعَلَامَةُ قَبُولِهِ شُرُوعُهُ فِي الْعَمَلِ وَبِهَذَا جَرَى عَمَلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى وَقْتِنَا هَذَا .

التَّاسِعُ : فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ انْعِقَادُ وِلَايَةِ الْقَاضِي بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ كَالْوَكَالَةِ وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ ، قَالُوا فَإِنْ كَانَتْ التَّوْلِيَةُ بِاللَّفْظِ مُشَافَهَةً فَالْقَبُولُ عَلَى الْفَوْرِ لَفْظًا كَالْإِيجَابِ ، وَفِي الْمُرَاسَلَةِ يَجُوزُ التَّرَاخِي بِالْقَبُولِ ، قَالُوا وَفِي الْقَبُول بِالشُّرُوعِ فِي النَّظَرِ خِلَافٌ ، وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِي الْجَوَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا فِي النَّفْسِ .

الْعَاشِرُ : فِي الذَّخِيرَةِ الشَّافِعِيَّةِ إذَا انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُتَوَلِّي النَّظَرُ حَتَّى تَشِيعَ وِلَايَتُهُ فِي عَمَلِهِ لِيُذْعِنُوا لَهُ وَهُوَ شَرْطٌ أَيْضًا فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ ، وَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَقْتَضِي مَا قَالُوهُ ، فَإِنَّ التَّمَكُّنَ وَالْعِلْمَ شَرْطَانِ فِي التَّكْلِيفِ فَالشُّيُوعُ يُوجِبُ لَهُ الْمُكْنَةَ وَلَهُمْ الْعِلْمَ .
الْحَادِيَ عَشَرَ : ابْنُ الْحَاجِبِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يَرَى غَيْرَ رَأْيِهِ فِي الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ بَطَلَ الشَّرْطُ ، وَصَحَّتْ التَّوْلِيَةُ .
خَلِيلٌ كَالْمَالِكِيِّ يُوَلِّي شَافِعِيًّا أَوْ حَنَفِيًّا وَلَوْ شَرَطَ أَيْ الْإِمَامُ عَلَى الْقَاضِي الْحُكْمَ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ اجْتِهَادٍ لَهُ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ .
وَقَالَ غَيْرُهُ الْعَقْدُ غَيْرُ جَائِزٍ يَنْبَغِي فَسْخُهُ وَرَدُّهُ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا وَفَرَضَ الْمَازِرِيُّ فِيهِ الْمَسْأَلَةَ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقَلِّدًا وَكَانَ مُتَّبِعًا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَاضْطُرَّ إلَى وِلَايَةِ قَاضٍ مُقَلِّدٍ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَنْ لَا يَتَعَدَّى فِي قَضَائِهِ مَذْهَبَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِقْلِيمِ وَالْبَلَدِ هَذَا الَّذِي الْقَاضِي وَلَّى عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ وَلَّى سَحْنُونٌ رَجُلًا سَمِعَ بَعْضَ كَلَامِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمَ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْبَاجِيَّ فِي سِجِلَّاتِ قُرْطُبَةَ لَا يَخْرُجُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا وَجَدَ الطُّرْطُوشِيُّ هَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ أَرَادَ أَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ فِي قَوْلٍ مُعَيَّنٍ .

وَحَرُمَ لِجَاهِلٍ ، وَطَالِبِ دُنْيَا
( وَحَرُمَ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْقَضَاءُ ( لِ ) شَخْصٍ ( جَاهِلٍ ) الْأَوْلَى لِفَاقِدِ أَهْلِيَّتِهِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً .
الْمَازِرِيُّ يَحْرُمُ طَلَبُ الْقَضَاءِ عَلَى فَاقِدِ أَهْلِيَّتِهِ ( وَ ) حَرُمَ أَيْضًا عَلَى ( طَالِبِ دُنْيَا ) يَجْمَعُهَا بِهِ لِجَوْرِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ .
ابْنُ رُشْدٍ يَجِبُ أَنْ لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ مَنْ أَرَادَهُ .
ابْنُ فَرْحُونٍ يَحْرُمُ طَلَبُهُ عَلَى مَنْ قَصَدَ بِهِ الِانْتِقَامَ مِنْ أَعْدَائِهِ .

وَنُدِبَ لِيُشْهِرَ عِلْمَهُ : كَوَرِعٍ ، غَنِيٍّ ، حَلِيمٍ ، نَزِهٍ ، نَسِيبٍ ، مُسْتَشِيرٍ : بِلَا دَيْنٍ وَحَدٍّ ، وَزَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ

( وَنُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ طَلَبُ وَقَبُولُ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ لِصَاحِبِ عِلْمٍ خَفِيٍّ ( لِيُشْهِرَ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ ( عِلْمَهُ ) لِلنَّاسِ فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ لِأَنَّ الْخَامِلَ لَا يُعْبَأُ بِهِ وَلَا يُلْقَى إلَيْهِ ، سَمِعَ فِي الْمَازِرِيِّ " ق " عَنْ بَعْضِهِمْ يُسْتَحَبُّ طَلَبُهُ لِمُجْتَهِدٍ خَفِيَ عِلْمُهُ وَأَرَادَ إظْهَارَهُ بِوِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ وَلِعَاجِزٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ إلَّا بِرِزْقِ الْقَضَاءِ .
الْمَازِرِيُّ وَلَا يُقْتَصَرُ بِالِاسْتِحْبَابِ عَلَى هَذَيْنِ إذْ يُسْتَحَبُّ لِلْأَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ .
ابْنُ فَرْحُونٍ الْمَازِرِيُّ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ أَنْهَضُ وَأَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ آخَرَ يُوَلَّاهُ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُ .
وَلَكِنَّهُ دُونَ هَذَا .
ا هـ .
وَإِنْ قَصَدَ بِهِ دَفْعَ ضَرَرٍ عَنْ نَفْسِهِ فَعَدَّهُ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ الْمُبَاحِ وَعَكْسُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَ عَدْلًا مَشْهُورًا يَنْفَعُ النَّاسَ بِعِلْمِهِ وَخَافَ إنْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ ، فَيُكْرَهُ لَهُ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ فِي كَوْنِهِ فِي حَقِّ الْمَشْهُورِ عِلْمُهُ الْغَنِيِّ مَكْرُوهًا أَوْ مُبَاحًا نَظَرٌ ، وَأُصُولُ الشَّرْعِ تَدُلُّ عَلَى الْإِبْعَادِ مِنْهُ ا هـ .
ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ الْمَكْرُوهِ أَنْ يَطْلُبَ الْقَضَاءَ لِتَحْصِيلِ الْجَاهِ وَالِاسْتِعْلَاءِ عَلَى النَّاسِ ، فَهَذَا سَعْيُهُ مَكْرُوهٌ ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ حَرَامٌ كَانَ وَجْهُهُ ظَاهِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَكُنْ تَوْلِيَتُهُ مَلْزُومَةً لِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ تَكْلِيفِهِ تَقْدِيمَ مَنْ لَا يَحِلُّ تَقْدِيمُهُ لِلشَّهَادَةِ ، وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ ، وَلَا فَائِدَةَ فِي كَتْبِهِ هُنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَشَبَّهَ فِي النَّدْبِ فَقَالَ ( كَ ) تَوْلِيَةِ ( وَرِعٍ )

بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ تَارِكِ الشُّبُهَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ ، وَالنَّزِهِ هُوَ الَّذِي لَا يَطْمَعُ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ .
فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ذَا نَزَاهَةٍ عَنْ الطَّمَعِ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ ابْنُ مُحْرِزٍ لَا يَأْتِي بِمَا نُصِبَ لَهُ حَتَّى يَكُونَ ذَا نَزَاهَةٍ وَنَصِيحَةٍ وَرَحْمَةٍ وَصَلَابَةٍ لِيُفَارِقَ بِالنَّزَاهَةِ التَّشَوُّفَ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَبِالنَّصِيحَةِ يُفَارِقُ حَالَ مَنْ يُرِيدُ الظُّلْمَ ، وَلَا يُبَالِي بِوُقُوعِ الْغِشِّ وَالْغَلَطِ وَالْخَطَأِ ، وَبِالرَّحْمَةِ حَالَ الْقَاسِي الَّذِي لَا يَرْحَمُ الصَّغِيرَ وَالْيَتِيمَ وَالْمَظْلُومَ بِالصَّلَابَةِ حَالُ مَنْ يَضْعُفُ عَنْ اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ ( غَنِيٍّ ) سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ فَقِيرًا وَهُوَ أَعْلَمُ فِي الْبَلَدِ وَأَرْضَاهُمْ اسْتَحَقَّ الْقَضَاءَ ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْلِسَ لَهُ حَتَّى يَغْنَى وَيُقْضَى دَيْنُهُ .
الْمَازِرِيُّ وَهَذِهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَعَاهُ فَقْرُهُ إلَى اسْتِمَالَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَالضَّرَاعَةِ لَهُمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِالْإِكْبَارِ إذَا تَخَاصَمُوا مَعَ الْفُقَرَاءِ ، فَإِذَا كَانَ غَنِيًّا بَعُدَ ذَلِكَ .
ا هـ .
زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَوْنَهُ بَلَدِيًّا وَلَا يَخَافُ فِي اللَّهِ تَعَالَى لَوْمَةَ لَائِمٍ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْوُلَاةَ الْيَوْمَ يُرَجِّحُونَ غَيْرَ الْبَلَدِيِّ عَلَى الْبَلَدِيِّ ، وَالثَّانِي لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى النَّوْعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْ لَوْمَةِ لَائِمٍ رَاجِعٌ إلَى الْفِسْقِ .
( حَلِيمٍ ) حَسَنِ الْخُلُقِ يَتَحَمَّلُ مَا يَقَعُ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الْخُصُومِ مِنْ غَيْرِ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَسْتَفِزُّهُ الْغَضَبُ وَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى تَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ مَا لَمْ تُنْتَهَكْ حُرْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى ( نَزِهٍ ) بِفَتْحِ النُّونِ

وَكَسْرِ الزَّايِ ، أَيْ قَنُوعٍ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَطَلَّعُ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ فَيَسْتَوِي عِنْدَهُ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ .
" غ " أَيْ كَامِلِ الْمُرُوءَةِ .
ابْنُ مَرْزُوقٍ أَيْ مُتَرَفِّعٍ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الرَّذَائِلِ وَالطَّمَعِ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ .
الْجَوْهَرِيُّ النَّزَاهَةُ الْبُعْدُ عَنْ السُّوءِ ( نَسِيبٍ ) أَيْ مَعْرُوفِ النَّسَبِ لِئَلَّا يَتَسَارَعَ إلَى الطَّعْنِ فِيهِ حَسَدًا عَلَى مَنْصِبِ الْقَضَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ سَحْنُونٌ لَا بَأْسَ بِوِلَايَةِ وَلَدِ الزِّنَا وَلَا يُحْكَمُ فِي حَدِّهِ .
الْبَاجِيَّ الْأَظْهَرُ مَنْعُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ فَلَا يَلِيهِ وَلَدُ الزِّنَا كَالْإِمَامَةِ .
أَصْبَغُ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَفْتَى مَنْ حُدَّ فِي الزِّنَا إذَا تَابَ وَرُضِيَتْ حَالَتُهُ وَكَانَ عَالِمًا ، وَيَجُوزُ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ فِيهِ لِأَنَّ الْمَسْخُوطَ يَجُوزُ حُكْمُهُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِجَوْرٍ أَوْ خَطَأٍ ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ، وَعَزَاهُ الْبَاجِيَّ لِأَصْبَغَ وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ .
( مُسْتَشِيرٍ ) لِلْعُلَمَاءِ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِرَأْيِهِ أَيْ شَأْنِهِ ذَلِكَ خَوْفَ خَطَئِهِ ( بِلَا دَيْنٍ ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ ذُلٌّ بِالنَّهَارِ وَهَمٌّ بِاللَّيْلِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِشَرْطِ الْغِنَى عَنْ شَرْطِ عَدَمِ الدَّيْنِ ، فَإِنَّ وُجُودَ الدَّيْنِ مَعَ الْغِنَى بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهِ لَا أَثَرَ لَهُ خَلِيلٌ ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ( وَ ) بِلَا ( حَدٍّ ) فِي قَذْفٍ أَوْ غَيْرِهِ ، سَوَاءٌ قَضَى فِيمَا حُدَّ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ ، وَيُقْبَلُ فِي غَيْرِهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَضَاءَ وَصْفٌ زَائِدٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّاهِدِ ، وَإِذَا تَابَ الْقَاضِي مِمَّا حُدَّ فِيهِ فَلَهُ الْحُكْمُ فِيهِ ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَلَوْ تَابَ ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِاسْتِنَادِ حُكْمِ الْقَاضِي

لِلْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ ، فَضَعُفَتْ تُهْمَتُهُ ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ .
وَعَطَفَ عَلَى دَيْنٍ فَقَالَ ( وَ ) بِلَا زَائِدٍ ( فِي الدَّهَاءِ ) بِفَتْحِ الدَّالِ مَمْدُودًا كَذَا ضَبَطَهُ .
ابْنُ قُتَيْبَةَ كَالذَّكَاءِ وَالْعَطَاءِ ، وَكَذَا فِي ضِيَاءِ الْعُلُومِ ، أَيْ الْفَطَانَةِ لِئَلَّا يَحْمِلَهُ عَلَى حُكْمِهِ بِالْفِرَاسَةِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ وَلِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ أَحْوَالِ الْخُصُومِ مَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ ، وَقَدْ عَزَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ زِيَادًا لِذَلِكَ .
الطُّرْطُوشِيُّ لَيْسَ يَحْسُنُ الزِّيَادَةُ فِي عَقْلِهِ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى الدَّهَاءِ وَالْمَكْرِ ، فَإِنَّ هَذَا مَذْمُومٌ ، وَقَدْ عَزَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ زِيَادَ بْنَ سُمَيَّةَ وَقَالَ كَرِهْت أَنْ أَحْمِلَ عَلَى فَضْلِ عَقْلِك وَكَانَ مِنْ الدُّهَاةِ .
الْبِسَاطِيُّ وَقَعَ لِي مَعَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ قَرَّرَ فَرْقًا بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ بِشَيْءٍ لَا يَفْهَمُهُ الْخَوَاصُّ إلَّا بِجَهْدٍ ، فَقُلْت لَهُ هَذَا لَا يَقَعُ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ الَّذِينَ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِمْ فَهْمُ هَذَا وَلَوْ قُرِّرَ لَهُ طُولُ عُمْرِهِ فَتُؤَاخِذُهُ بِمَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَصَوُّرِهِ فَسَكَتَ .

وَبِطَانَةِ سُوءٍ
( وَ ) بِلَا ( بِطَانَةِ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ خُلَطَاءِ ( سُوءٍ ) مِثْلُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الَّذِي فِي الْمَعُونَةِ أَخَصُّ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ يَسْتَبْطِنُ أَهْلَ الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعَدَالَةِ وَالنَّزَاهَةِ فَيَسْتَعِينُ بِهِمْ ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ كَوْنِهِ سَلِيمًا مِنْ بِطَانَةِ السُّوءِ .
وَأَمَّا نَفْسُ السَّلَامَةِ مِنْ بِطَانَةِ السُّوءِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهَا مِنْ الشُّرُوطِ الْوَاجِبَةِ .
الشَّيْخُ عَنْهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ مِنْ قُضَاتِهِ مَنْ يَخْشَى عَلَيْهِ الضَّعْفَ وَالْوَهَنَ وَبِطَانَةَ السُّوءِ وَإِنْ أَمِنَ عَلَيْهِ الْجَوْرَ .

وَمَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ ، وَالْمُصَاحِبِينَ لَهُ
( وَ ) نُدِبَ لِلْقَاضِي ( مَنْعُ ) الْأَشْخَاصِ ( الرَّاكِبِينَ ) أَيْ الَّذِينَ يَرْكَبُونَ ( مَعَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( وَ ) الْأَشْخَاصِ ( الْمُصَاحِبِينَ لَهُ ) أَيْ الْقَاضِي لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ، إذْ بِكَثْرَتِهِمْ تَعْظُمُ نَفْسُهُ وَيَهَابُهُ ذُو الْحَاجَةِ وَالضَّعِيفُ وَالْفَقِيرُ فَلَا يَصِلُونَ إلَيْهِ ، وَلِاعْتِقَادِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي الْحَقَّ مِنْهُمْ وَلِتَوَصُّلِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُبْطِلِينَ بِهِمَا إلَى تَنْفِيذِ أَغْرَاضِهِمْ الْفَاسِدَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْأَخَوَيْنِ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُكْثِرَ الدِّخَالَ عَلَيْهِ وَلَا الرِّكَابَ مَعَهُ وَلَا الْمُسْتَخْلِينَ مَعَهُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ كَانَتْ مِنْهُ بِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ أَمَانَةٍ وَنَصِيحَةٍ وَفَضْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِمْ ، وَيَمْنَعُ أَهْلَ الرُّكُوبِ مَعَهُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا رَفْعِ مَظْلَمَةٌ وَلَا خُصُومَةٍ .

وَتَخْفِيفُ الْأَعْوَانِ
( وَ ) نُدِبَ ( تَخْفِيفُ الْأَعْوَانِ ) لِذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْوَانٌ وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
وَفِي سَمَاعِ الْأَخَوَيْنِ يَتَقَدَّمُ إلَى أَعْوَانِهِ ، وَلَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُمْ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ أَعْوَانٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَطُوفُ وَحْدَهُ .
إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الْأَعْوَانِ فَلْيُخَفِّفْ مَا اسْتَطَاعَ وَيُقَامُ مِنْ مَجْلِسِهِ مَنْ جَلَسَ فِيهِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كَيْفِيَّةَ الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ لِأَنَّهُ مِنْ حِيَلِ مُشَاكِلِي النَّاسِ إلَّا مَنْ كَانَ مَأْمُونًا مَرَضِيًّا .

وَاِتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ وَحُكْمِهِ وَشُهُودِهِ
( وَ ) نُدِبَ ( اتِّخَاذُ مَنْ ) أَيْ عَدْلٍ ( يُخْبِرُهُ ) أَيْ الْعَدْلُ الْقَاضِيَ ( بِمَا ) أَيْ الْقَوْلِ الَّذِي ( يُقَالُ ) مِنْ النَّاسِ ( فِي سِيرَتِهِ ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ حَالَةِ الْقَاضِي ( وَحُكْمِهِ ) فَإِنْ كَانَ خَيْرًا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَدَامَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا تَابَ مِنْهُ إنْ وَقَعَ وَإِلَّا بَيَّنَ وَجْهَهُ وَأَبْعَدَ تُهْمَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُنْدَبُ أَنْ يَجْعَلَ رِجَالًا عُدُولًا يَثِقُ بِهِمْ يَنْقُلُونَ إلَيْهِ مَا يَنْقِمُ النَّاسُ عَلَيْهِ مِنْ خُلُقٍ أَوْ حُكْمٍ أَوْ قَبُولِ شَاهِدٍ أَوْ رَدِّهِ وَيَفْحَصُ عَنْ ذَلِكَ وَيَرْجِعُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْهُ ، فَإِنَّ لَهُ فِي الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ مَنْفَعَةً لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ .
( وَ ) فِي ( شُهُودِهِ ) أَيْ الْقَاضِي الْمُرَتَّبِينَ لِسَمَاعِ الدَّعَاوَى وَتَسْجِيلِهَا لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِيهِمْ فَيُبْقِي عُدُولَهُمْ وَأَخْيَارَهُمْ وَصُلَحَاءَهُمْ وَيَطْرُدُ خِلَافَهُمْ .
أَشْهَبُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي اتِّخَاذُ رَجُلٍ صَالِحٍ مَأْمُونٍ مُتَنَبِّهٍ أَوْ رَجُلَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ فِي السِّرِّ فِي مَسَاكِنِهِمْ .
وَأَعْمَالِهِمْ .
سَحْنُونٌ يَتَّخِذُ لِذَلِكَ مَنْ هُوَ مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُسْنِ نَظَرِهِ فِي دِينِهِ وَإِنْ كَانَا رَجُلَيْنِ فَهُوَ أَحْسَنُ .
اللَّخْمِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْرَفَ مُكْشِفُ الْقَاضِي لِأَنَّ فِيهِ فَسَادًا .
أَشْهَبُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُكْشِفِ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ ، وَلْيَسْأَلْ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ إنْ قَدَرَ ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ أَشْهَبَ خَوْفَ أَنْ يُزَكِّيَهُ أَهْلُ وُدِّهِ أَوْ يُجَرِّحُهُ عَدُوُّهُ .
ابْنُ شَعْبَانَ يَتَفَقَّدُ مَنْ يَرْكَبُ خَلْفَهُ لِئَلَّا يُدَلِّسَ بِهِمْ عَلَى النَّاسِ أَوْ يُدَلِّسُوا وَلَا يَقْبَلُ الْأَسْرَارَ إلَّا مِنْ الْأَخْيَارِ ، وَلَا يُطْرَقْ لَهُ إذَا رَكِبَ وَلَا يُسْرِعُ الْمَسِيرَ ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ بَهَاءِ الْوَجْه .

وَتَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ ، إلَّا فِي مِثْلِ : اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي : فَلْيَرْفُقْ بِهِ وَعَلَى خَصْمِهِ

( وَ ) نُدِبَ ( تَأْدِيبُ مَنْ ) أَيْ الشَّخْصِ الَّذِي ( أَسَاءَ ) أَيْ تَعَدَّى ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْقَاضِي بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ لَهُ ظَلَمْتنِي أَوْ جُرْت عَلَيَّ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ ، وَيَسْتَنِدُ فِيهِ لِعِلْمِهِ فَيُؤَدِّبُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ .
أَمَّا مَنْ أَسَاءَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَأَرَادَ تَأْدِيبَهُ فَلَا يُؤَدِّبُهُ بِنَفْسِهِ ، وَلْيَرْفَعْهُ لِقَاضٍ آخَرَ ، وَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ إنْ أَنْكَرَهَا سَمِعَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَأَيْت مَنْ قَالَ لِلْقَاضِي ظَلَمْتنِي قَالَ إنَّهُ يَخْتَلِفْ وَلَمْ نَجِدْ فِيهِ تَفْسِيرًا إلَّا أَنَّ وَجْهَ مَا قَالَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَذَاهُ وَالْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ عَاقَبَهُ وَمَا نَزَلَ ذَلِكَ حَتَّى خَاصَمَ أَهْلَ الشَّرَفِ فِي الْعُقُوبَةِ فِي الْإِلْدَادِ .
ابْنُ رُشْدٍ لِلْقَاضِي الْفَاضِلِ الْعَدْلِ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَالْعُقُوبَةُ عَلَى مَنْ تَنَاوَلَهُ بِالْقَوْلِ وَآذَاهُ بِأَنْ نَسَبَهُ لِلظُّلْمِ وَالْجَوْرِ مُوَاجَهَةً بِحَضْرَةِ أَهْلِ مَجْلِسِهِ ، بِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ آذَاهُ وَهُوَ غَائِبٌ بِلَا مُوَاجِهَةٍ لِأَنَّ مُوَاجِهَتَهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ لَهُ ، وَلَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ انْتَهَكَ مَالَهُ ، وَإِذَا كَانَ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ فِيمَا لَهُ الْحُكْمُ لِغَيْرِهِ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ فِي عِرْضِهِ كَمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي عِرْضِ غَيْرِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الِاجْتِرَاءَ عَلَى الْحُكَّامِ بِمِثْلِ هَذَا تَوْهِينٌ لَهُمْ ، فَالْمُعَاقَبَةُ فِيهِ أَوْلَى مِنْ التَّجَافِي وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ وَمَا نَزَلَ ذَلِكَ حَتَّى خَاصَمَ أَهْلُ الشَّرَفِ فِي الْعُقُوبَةِ فِي الْإِلْدَادِ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعُقُوبَةُ فِي هَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَفْوِ .
( إلَّا فِي مِثْلِ ) قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَحَاكِمِينَ لِلْقَاضِي ( اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي ) أَوْ اُذْكُرْ وُقُوفَك بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْقَضَاءِ بَيْنَك وَبَيْنَ النَّاسِ

مِمَّا فِيهِ إشَارَةٌ لِلْإِسَاءَةِ فَلَا يُؤَدِّبُهُ ( وَلْيَرْفُقْ ) الْقَاضِي وُجُوبًا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْفَاءِ ( بِهِ ) أَيْ مَنْ قَالَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي ، وَيَقُلْ لَهُ رَزَقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ تَقْوَاهُ ، وَذَكَّرَنَا الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعَالَى لِفَصْلِ الْقَضَاءِ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ قِيلَ لِلْقَاضِي اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَضِيقَ صَدْرُهُ لِهَذَا وَلَا يُكْثِرُ عَلَيْهِ وَلْيَتَثَبَّتْ ، وَيُجِيبُهُ جَوَابًا لَيِّنًا بِقَوْلِهِ رَزَقَنِي اللَّهُ تَعَالَى تَقْوَاهُ وَمَا أَمَرْتنِي إلَّا بِخَيْرٍ ، وَمِنْ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ آخُذَ مِنْك الْحَقَّ إذَا بَانَ عِنْدَك وَلَا يُظْهِرُ لَهُ غَضَبًا .
( وَ ) يُؤَدَّبُ مَنْ أَسَاءَ ( عَلَى خَصْمِهِ ) فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ بِقَوْلِهِ لَهُ يَا ظَالِمُ أَوْ يَا فَاجِرُ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ إنْ شَتَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ أَسْرَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ بِقَوْلِهِ لَهُ يَا ظَالِمُ أَوْ يَا فَاجِرُ فَعَلَيْهِ زَجْرُهُ وَضَرْبُهُ إلَّا ذَا مُرُوءَةٍ فِي فِلْتَةٍ فَلَا يَضْرِبْهُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُنْصِفْ النَّاسَ فِي أَعْرَاضِهِمْ لَمْ يُنْصِفْهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ .
قُلْت ظَاهِرُهُ انْحِصَارُ الْحَقِّ لِلْخَصْمِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا إهَانَةٌ لِمَجْلِسِ الشَّرْعِ ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَلَدَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِصَاحِبِهِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ وَنَهَاهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعَاقِبَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ إلْدَادَهُ إذَايَةٌ وَإِضْرَارٌ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي كَفُّهُ عَنْهُ وَعِقَابُهُ عَلَيْهِ بِمَا يَرَاهُ ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ .
قُلْت فِي حِفْظِي عَنْ بَعْضِهِمْ إنْ قَالَ لِخَصْمِهِ ظَلَمْتنِي أَوْ غَصَبْتنِي وَنَحْوَهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ يَا ظَالِمُ وَنَحْوُهُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ أُدِّبَ إنْ لَمْ يَنْزَجِرْ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ لِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ إنْ قَالَ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَهِدْت عَلَيَّ بِزُورٍ أَوْ بِمَا يَسْأَلُك اللَّهُ

تَعَالَى عَنْهُ أَوْ مَا أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَاكَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ ، وَيُؤَدَّبُ الْمَعْرُوفُ بِالْإِذَايَةِ بِقَدْرِ جُرْمِهِ وَقَدْرِ الرَّجُلِ الْمُنْتَهِكِ مِنْهُ وَبِقَدْرِ الشَّاتِمِ فِي إيذَائِهِ لِلنَّاسِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةً تَجَافَى عَنْهُ وَلِابْنِ كِنَانَةَ إنْ قَالَ شَهِدْت عَلَيَّ بِزُورٍ فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ فَلَا يُعَاقَبُ ، وَإِنْ قَصَدَ أَذَاهُ وَالشُّهْرَةَ بِهِ نَكَلَ بِقَدْرِ حَالِ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .

وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ ، إلَّا لِوُسْعِ عَمَلِهِ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ مَنْ عَلِمَ مَا اسْتَخْلَفَ فِيهِ ، وَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ ، لَا هُوَ بِمَوْتِ الْأَمِيرِ ، وَلَوْ الْخَلِيفَةَ .

( وَ ) إذَا وَلَّى الْإِمَامُ قَاضِيًا فِي بَلَدٍ مَخْصُوصٍ وَلَمْ يَأْذَن لَهُ فِي اسْتِخْلَافِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ ( لَمْ يَسْتَخْلِفْ ) الْقَاضِي قَاضِيًا آخَرَ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ ( إلَّا لِوُسْعِ ) بِضَمِّ الْوَاوِ ، أَيْ اتِّسَاعِ ( عَمَلِهِ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ ، أَيْ الْبِلَادِ الَّتِي وُلِّيَ لِلْقَضَاءِ فِيهَا فَيَسْتَخْلِفُ قَاضِيًا يَقْضِي نِيَابَةً عَنْهُ ( فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ ) عَنْ بَلَدِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ .
" ق " الْمُتَيْطِيُّ إذَا كَانَ نَظَرُ الْقَاضِي وَاسِعًا وَأَقْطَارُ مِصْرِهِ مُتَنَائِيَةً فَلَا يَرْفَعُ الْخُصُومَ إلَى مِصْرِهِ إلَّا فِيمَا مَنْ قَرُبَ مِنْ الْأَمْيَالِ الْقَرِيبَةِ لِأَنَّ مَا بَعُدَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ وَيُقَدِّمُ فِي الْجِهَاتِ الْبَعِيدَةِ حُكَّامًا يَنْظُرُونَ لِلنَّاسِ فِي أَحْكَامِهِمْ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُبَارِزَ الْعَدُوَّ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلْيُبَارِزْ وَلْيُقَاتِلْ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ إنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا يَلْزَمُ اسْتِئْذَانُهُ فِي مُبَارَزَةٍ وَلَا قِتَالٍ ، قَالَ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْعَدْلُ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي الِاسْتِئْذَانِ لَهُ لَا فِي طَاعَتِهِ إذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ أَوْ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ وَاجِبٌ عَلَى الرَّجُلِ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا نَهَى الْإِمَامُ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ فَيُتَّفَقُ عَلَى مَنْعِهِ ، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ فَيُتَّفَقُ عَلَى جَوَازِهِ .
وَفِي النَّوَادِرِ إذَا كَانَ الِاسْتِخْلَافُ بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ فَلَا نُبَالِي ، كَانَ الْقَاضِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَكَانَ الْإِمَامُ وَلَّى قَاضِيَيْنِ أَحَدُهُمَا فَوْقَ صَاحِبِهِ وَإِنْ تَجَرَّدَ الْعَقْدُ عَنْ الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ ، فَقَالَ سَحْنُونٌ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ وَإِنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ .
وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَهُ ذَلِكَ

إذَا مَرِضَ أَوْ سَافَرَ .
خَلِيلٌ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ ، أَيْ لِكَوْنِهِ صَدَّرَ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ هُنَا ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى مَنْعِهِ إذَا عَدِمَ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ هَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَمَّا إنْ كَانَ عَمَلُهُ وَاسِعًا فَأَرَادَ أَنْ يُقَدِّمَ فِي الْجِهَاتِ الْبَعِيدَةِ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ .
الْمَازِرِيُّ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ إنْ اُسْتُخْلِفَ فَقَضَى الْمُسْتَخْلِفُ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا أَنْ يُنْفِذَهُ الْقَاضِي الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ وَيَسْتَخْلِفَ فِي الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ .
( مَنْ ) أَيْ الَّذِي ( عَلِمَ مَا اسْتَخْلَفَ فِيهِ ) مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ إلَّا إذَا اسْتَخْلَفَ فِي جَمِيعِهَا .
ابْنُ شَاسٍ يُشْتَرَطُ فِي خَلِيفَتِهِ صِفَاتُ الْقُضَاةِ إلَّا إذْ لَمْ يُفَوَّضْ لَهُ إلَّا سَمَاعُ الشَّهَادَةِ وَالنَّقْلُ فَلَا يُشْتَرَطُ مِنْ الْعِلْمِ إلَّا مَعْرِفَةُ ذَلِكَ الْقَدْرِ ابْنُ الْحَاجِبِ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِمَا يُسْتَخْلَفُ فِيهِ ( وَانْعَزَلَ ) الْمُسْتَخْلَفُ بِفَتْحِ اللَّامِ ( بِمَوْتِهِ ) أَيْ مُسْتَخْلِفِهِ بِكَسْرِهَا ، لِأَنَّهُ كَوَكِيلِهِ .
ابْنُ شَاسٍ لَوْ مَاتَ الْقَاضِي وَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَكَانَهُ رَجُلًا وَقَالَ لَهُ سُدَّ مَكَانِي وَنَفِّذْ مَا كُنْت صُدِّرْت فِيهِ لِلْقَضَاءِ وَاقْضِ فَلَا قَضَاءَ لَهُ وَلَا سُلْطَانَ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ بَعْدَ مَوْتِهِ ( لَا ) يَنْعَزِلُ ( هُوَ ) أَيْ الْقَاضِي ( بِمَوْتِ الْأَمِيرِ ) الَّذِي قَدَّمَ الْقَاضِيَ إنْ كَانَ الْأَمِيرُ غَيْرَ الْخَلِيفَةِ ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( الْخَلِيفَةَ ) .
الْمُتَيْطِيُّ إذَا مَاتَ الْإِمَامُ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ وَقَدْ قَدَّمَ قُضَاةً وَحُكَّامًا وَوَلَّى الْأَمْرَ غَيْرَهُ وَقَضَى الْحُكَّامُ الَّذِينَ قَدَّمَهُمْ الْمَيِّتُ أَوْ الْقُضَاةُ بِقَضَايَا بَيْنَ مَوْتِ

الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَقِيَامِ الثَّانِي وَبَعْدَ قِيَامِهِ وَقَبْلَ تَنْفِيذِهِ إلَيْهِمْ الْوِلَايَةَ وَتَمْضِيَتِهِ لَهُمْ الْحُكُومَةَ فِيمَا قَضَوْا فِي الْفَتْرَةِ وَحَكَمُوا فِيهِ فَأَقْضِيَتُهُمْ نَافِذَةٌ وَأَحْكَامُهُمْ جَائِزَةٌ وَسِجِلَّاتُهُمْ مَاضِيَةٌ ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ وُلَاةِ الْأَيْتَامِ يُقَدِّمُهُمْ الْقَاضِي عَلَى النَّظَرِ لِلْأَيْتَامِ ، ثُمَّ يَمُوتُ الْقَاضِي أَوْ يُعْزَلُ فَتَقْدِيمُهُ لَهُمْ مَاضٍ وَفِعْلُهُمْ جَائِزٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُمْضِيَهُ الْقَاضِي الَّذِي وَلِيَ بَعْدَهُ .
أَصْبَغُ لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِمَوْتِ مُوَلِّيهِ كَانَ الْإِمَامَ أَوْ أَمِيرَهُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ إذَا مَاتَ الْمُسْتَخْلِفُ خَلِيلٌ بِكَسْرِ اللَّامِ ، لَمْ يَنْعَزِلْ مُسْتَخْلَفُهُ خَلِيلٌ بِفَتْحِهَا ، وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ فَيَتَنَاوَلُ الْإِمَامَ وَالْأَمِيرَ وَالْقَاضِيَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا عَدَا الْقَاضِي وَنَائِبَهُ ، فَإِنَّ نَائِبَ الْقَاضِي يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي نَصَّ عَلَيْهِ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ .
ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ أَعْلَمْهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعِنْدِي أَنَّ مَا قَالُوهُ مِنْ انْعِزَالِ نَائِبِ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْقَاضِي صَحِيحٌ إنْ كَانَ الْقَاضِي اسْتَنَابَهُ بِمُقْتَضَى الْوِلَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَهُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إنْ اسْتَنَابَ رَجُلًا مُعَيَّنًا بِإِذْنِ الْأَمِيرِ أَوْ الْخَلِيفَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَزِلَ ذَلِكَ النَّائِبُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَلَوْ أَذِنَ فِي النِّيَابَةِ إذْنًا مُطْلَقًا فَاخْتَارَ الْقَاضِي رَجُلًا ، فَفِي انْعِزَالِهِ بِمَوْتِ الْقَاضِي نَظَرٌ .
خَلِيلٌ اُنْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ نَائِبِ الْقَاضِي فِي انْعِزَالِهِ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَبَيْنَ نَائِبِ الْأَمِيرِ فِي عَدَمِ انْعِزَالِهِ بِمَوْتِ الْأَمِيرِ ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ فَضْلٌ وَغَيْرُهُ ا هـ .
ابْنُ مَرْزُوقٍ لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى هَذَا النَّقْلِ ، وَذَكَرَ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَنْ وَلَّاهُ الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَلَا بِعَزْلِهِ ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ شَاسٍ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ تَرْجِيحُهُ وَهُوَ

الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ أَصْبَغَ ، وَنَصَّهُ الْمَازِرِيُّ ، ذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ وَلَّى الْقَاضِي رَجُلًا عَلَى أَمْرٍ مُعَيَّنٍ كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ انْعَزَلَ عَنْ ذَلِكَ بِانْعِزَالِ الْقَاضِي ، وَإِنْ وَلَّاهُ حُكُومَةً مُسْتَقِلَّةً فَفِي انْعِزَالِهِ بِانْعِزَالِهِ ، ثَالِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ مَنْ وَلَّاهُ قُلْت لَمْ يَعْزُ شَيْئًا مِنْهَا لِلْمَذْهَبِ ، وَمَفْهُومُ مَا تَقَدَّمَ لِأَصْبَغَ انْعِزَالُ نَائِبِ الْقَاضِي فِي حُكْمٍ بِمَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ .
الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَمِيرِ مَدِينَةٍ كَتَبَ إلَى الْأَمِيرِ الْأَعْلَى فِي تَقْدِيمِ قَاضٍ وَعَنَى رَجُلًا فَكَتَبَ إلَيْهِ بِتَوْلِيَتِهِ فَفَعَلَ وَكَتَبَ لَهُ صَكًّا بِتَقْدِيمِهِ عَلَى أَمْرِ الْأَمِيرِ الْأَعْلَى ، فَحَكَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ وَلَّى صَاحِبَ مُنَاكِحَ فَحَكَمَ بِطُولِ حَيَاةِ الْقَاضِي وَهُوَ بِعِلْمِ الْأَمِيرِ فَمَاتَ الْقَاضِي وَبَقِيَ صَاحِبُ الْمُنَاكِحِ عَلَى خُطَّتِهِ وَطَرِيقِهِ مِنْ شَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ عِنْدَهُ وَالْإِعْلَامِ بِذَلِكَ فِيمَا يَرْجِعُ لِلنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فَهَلْ تَمْضِي أَحْكَامُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْقَاضِي أَوْ تُفْسَخُ فَأَجَابَ لَا تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَى خُطَّتِهِ حَتَّى يَعْزِلَهُ مَنْ يُوَلَّى بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ وَفِعْلُهُ جَائِزٌ صَحِيحٌ .

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَهُ : أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا .
( وَ ) إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ عُزِلَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ فَرَفَعَ أَحَدُهُمَا لِلْقَاضِي الْجَدِيدِ ، وَأَنْكَرَ حُكْمَ الْمَعْزُولِ فَ ( لَا تُقْبَلُ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ( شَهَادَتُهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ عَزْلِهِ ( أَنَّهُ قَضَى ) بَيْنَهُمَا ( بِكَذَا ) قَبْلَ عَزْلِهِ وَلَوْ شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ قَالَ بَعْدَ الْعَزْلِ قَضَيْت بِكَذَا أَوْ أَشْهَدُ بِأَنَّهُ قَضَى فَلَا يُقْبَلُ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ أَنَّهُ قَبْلَ الْعَزْلِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ شَهَادَةَ الْقَاضِي بِقَضَاءٍ قَضَى بِهِ وَهُوَ مَعْزُولٌ أَوْ غَيْرُ مَعْزُولٍ لَا تُقْبَلُ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْنًى خَفِيَ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي قَبْلَ عَزْلِهِ قَضَيْت بِكَذَا لَا يُقْبَلُ إنْ كَانَ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ كَتَخَاصُمِ رَجُلَيْنِ عِنْدَ قَاضٍ فَيَحْتَجُّ أَحَدُهُمَا بِأَنَّ قَاضِي بَلَدِ كَذَا قَضَى لِي بِكَذَا ، أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ كَذَا فَيَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْتِيهِ بِكِتَابَةٍ مَنْ عِنْدَهُ أَنِّي حَكَمْت لِفُلَانٍ أَوْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي لِفُلَانٍ كَذَا ، فَهَذِهِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَلَوْ أَتَى الرَّجُلُ ابْتِدَاءً لِلْقَاضِي فَقَالَ لَهُ خَاطِبْ لِي قَاضِي بَلَدِ كَذَا بِمَا ثَبَتَ لِي عِنْدَك عَلَى فُلَانٍ أَوْ بِمَا حَكَمْت لِي بِهِ عَلَيْهِ فَخَاطَبَهُ بِذَلِكَ قُبِلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ لَا شَاهِدٌ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَنْفُذُ فِيمَا يُسَجِّلُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَيَشْهَدُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا دَامَ فِي قَضَائِهِ .

وَجَازَ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ أَوْ خَاصٍّ بِنَاحِيَةٍ ، أَوْ نَوْعٍ

( وَجَازَ تَعَدُّدُ ) قَاضٍ ( مُسْتَقِلٍّ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ ( عَامٍّ ) أَيْ مُنْفَرِدٍ كُلُّ قَاضٍ بِالْحُكْمِ فِي جَمِيعِ مَمْلَكَةِ الْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمُعَامَلَاتِ ( أَوْ ) تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ ( خَاصٍّ بِنَاحِيَةٍ ) أَيِّ جِهَةٍ مِنْ مَمْلَكَةِ مَنْ وَلَّاهُ ( أَوْ ) تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ خَاصٍّ بِ ( نَوْعٍ ) مِنْ أَنْوَاعِ الْفِقْهِ كَالنِّكَاحِ أَوْ الْبَيْعِ وَمَفْهُومُ مُسْتَقِلٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ مُتَعَدِّدٍ مُشْتَرَكٍ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ اتِّحَادُ الْمُوَلَّى .
ابْنُ عَرَفَةَ تَجُوزُ تَوْلِيَةُ قَاضِيَيْنِ بِبَلَدٍ عَلَى أَنْ يَخُصَّ مِنْهُمَا بِنَاحِيَةٍ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ نَوْعٍ مِنْ الْمَحْكُومِ فِيهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ يَصِحُّ التَّخْصِيصُ فِيهَا وَالتَّحْجِيرُ .
فَلَوْ اسْتَثْنَى فِي وِلَايَتِهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ عَلَى رَجُلٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ ذَلِكَ .
ابْنُ فَتْحُونٍ وَيَنْفَرِدُ الْقُضَاةُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ بِخُطَّةِ الْمُنَاكِحِ فَيُوَلَّاهَا عَلَى حِدَةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا فِي بِلَادِ تُونُسَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِالنِّكَاحِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ ، وَالْآخَرِ بِمَا سِوَى ذَلِكَ ، قَالَ وَكَذَا عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ مَعَ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنُفُوذِ حُكْمِهِ وَمَنَعَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِمُقْتَضَى السِّيَاسَةِ خَوْفَ تَنَازُعِ الْخُصُومِ فِيمَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ، وَمُقْتَضَى أُصُولِ الشَّرْعِ جَوَازُهُ لِأَنَّ لِذِي الْحَقِّ اسْتِنَابَةَ مَنْ شَاءَ عَلَى حَقِّهِ وَلَوْ تَعَدَّدَ ، وَالتَّنَازُعُ يَرْتَفِعُ شَغَبُهُ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ الطَّالِبِ ، وَإِنْ تَطَالَبَا قُضِيَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا هُوَ فِيهِ طَالِبٌ بِمَنْ يُرِيدُهُ ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي التَّبْدِئَةِ بُدِئَ الْأَوَّلُ ، فَإِنْ اقْتَرَنَا فَفِي الْقُرْعَةِ وَتَرْجِيحِ مَنْ دُعِيَ إلَى الْأَقْرَبِ خِلَافٌ .
وَاسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ التَّعَدُّدِ بِالْقِيَاسِ عَلَى جَوَازِ تَوْلِيَةِ الْوَاحِدِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْإِمَامِ مَعَهُ ، وَفُرِّقَ بِيُسْرِ رَفْعِ التَّنَازُعِ عِنْدَ اخْتِلَافِ

حُكْمِهِمَا بِعَزْلِ الْإِمَامِ قَاضِيَهُ وَتَعَذُّرِ عَزْلِ أَحَدِ الْقَاضِيَيْنِ الْآخَرَ .
وَتَعَدُّدُهُمَا بِشَرْطِ وَقْفِ نُفُوذِ حُكْمِهِمَا عَلَى اتِّفَاقِهِمَا مَنَعَهُ ابْنُ شَعْبَانَ ، وَقَالَ لَا يَكُونُ الْحَاكِمُ نِصْفَ حَاكِمٍ وَغَلَا فِيهِ الْبَاجِيَّ فَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِهِ ، وَأَجَابَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ بِتَعَدُّدِ حُكْمَيْ الصَّيْدِ وَالزَّوْجَيْنِ بِأَنَّهُمَا إنْ اخْتَلَفَا انْتَقَلَ لِغَيْرِهِمَا وَالْقَاضِيَانِ هُمَا بِوِلَايَةٍ لَا يَصِحُّ التَّنَقُّلُ فِيهَا بَعْدَ انْعِقَادِهَا ، وَاخْتِلَافُهُمَا يُؤَدِّي لِتَضْيِيعِ الْأَحْكَامِ ، وَالْغَالِبُ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ وَإِنْ كَانَا مُقَلَّدَيْنِ فَوِلَايَةُ الْمُقَلِّدِ مَمْنُوعَةٌ الْمَازِرِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَقُومُ عَلَى الْمَنْعِ إنْ اقْتَضَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً وَدَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ فِي نَازِلَةٍ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ وَالرِّيبَةُ إلَّا بِقَضَاءِ رَجُلَيْنِ فِيهَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَ نَظَرُهُمَا فِيهَا اسْتَظْهَرَ بِغَيْرِهِمَا .
قُلْت مَنَعَ الْبَاجِيَّ وَابْنُ شَعْبَانَ إنَّمَا هُوَ فِي تَوْلِيَةِ قَاضِيَيْنِ وِلَايَةً مُطْلَقَةً لَا فِي مَسْأَلَةٍ جُزْئِيَّةٍ كَمَا فَرَضَهُ الْمَازِرِيُّ ، قَالَ وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ أَنَّهُ وَلِيَ فِي بَعْضِ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ ثَلَاثَةُ قُضَاةٍ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهَا مَنْ كَانَ بِذَلِكَ الْبَلَدِ مِنْ فُقَهَائِهِ ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ ، وَكَوْنُهُ وَاحِدًا عَدَّهُ عِيَاضٌ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ مَانِعَ التَّعَدُّدِ دَائِمًا هُوَ خَوْفُ تَنَاقُضِهِمَا وَلَا يُتَصَوَّرُ إضَافَةُ الْحُكْمِ لَهُمَا إلَّا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ إمْضَاؤُهُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْمَنْعِ ، وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّانِيَةِ إلَّا هَذَا .
وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْعَ تَعَدُّدِهِمَا إنَّمَا هُوَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِاخْتِلَافِهِمَا لَا بِعَيْنِ اخْتِلَافِهِمَا ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَبْطُلُ بِانْتِقَاءِ مَظْنُونِهِمَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى مَا

ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ ، وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ اسْتِثْنَاءِ جِلْدِ الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ فِي السَّفَرِ إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ وَغَيْرُهَا مِنْ الْمَسَائِلِ .
وَاسْتَدَلَّ الْبَاجِيَّ عَلَى مَنْعِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَبِتَأْدِيَتِهِ إلَى تَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ وَغَالِبِ الْآرَاءِ ، قَالَ وَلَا يُعْتَرَضُ هَذَا بِحُكْمَيْ الصَّيْدِ وَالزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُمَا إنْ اخْتَلَفَا تَيَسَّرَ الِانْتِقَالُ عَنْهُمَا لِغَيْرِهِمَا ، وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ مُتَعَذِّرٌ .
الْمَازِرِيُّ لَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِهِمَا فِي نَازِلَةٍ مُعَيَّنَةٍ إنْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ وَيَسْتَظْهِرُ بِغَيْرِهِمَا ، وَذَكَرَ الْبَاجِيَّ أَنَّهُ وَلَّوْا فِي بَعْضِ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ ثَلَاثَةَ قُضَاةٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ فُقَهَاءُ ذَلِكَ الْبَلَدِ الْمَازِرِيُّ قَدْ يَظْهَرُ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ فِي قِصَصٍ خَاصَّةٍ ، وَأَمَّا فِي قِصَصٍ عَامَّةٍ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ .
قُلْت إنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْقَضَاءِ الْعَامِّ ، وَأَمَّا فِي نَازِلَةٍ مُعَيَّنَةٍ يُوقَفُ نُفُوذُ الْحُكْمِ فِيهَا عَلَى اتِّفَاقِهِمَا ، فَمَا أَظُنُّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا ، وَهَذِهِ نَوْعُ قَضِيَّةِ تَحْكِيمِ رَجُلَيْنِ ، وَقَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ فِي تَحْكِيمِهِمَا أَبَا مُوسَى وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ا هـ .

وَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ ، ثُمَّ مَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ ؛ وَإِلَّا أُقْرِعَ كَالِادِّعَاءِ
( وَ ) إنْ تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ الْمُسْتَقِلُّونَ وَتَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي الرَّفْعِ ، وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّفْعَ إلَى قَاضٍ وَالْآخَرُ الرَّفْعَ إلَى غَيْرِهِ فَ ( الْقَوْلُ لِلطَّالِبِ ) ابْنُ عَرَفَةَ وَتَعَدُّدُهُمَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلٌّ بِالْقَضَاءِ فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ نَوْعٍ خَاصٍّ فَذَلِكَ جَائِزٌ .
الْمَازِرِيُّ فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ لِغَيْرِ مَنْ ادَّعَى إلَيْهِ الْآخَرُ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ ، فَإِنْ تَسَاوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مَسَافَةً لِمَنْ دُعِيَ إلَى الْحُكْمِ عِنْدَهُ ( ثُمَّ ) إنْ تَطَالَبَا فَالْقَوْلُ لِ ( مَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ ) الْمَازِرِيُّ لَوْ فَرَضْنَا الْخَصْمَيْنِ جَمِيعًا طَالِبَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَطْلُبُ صَاحِبَهُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ عِنْدَ مَنْ شَاءَ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْتَدِئُ بِالطَّلَبِ وَفِيمَنْ يَذْهَبَانِ إلَيْهِ مِنْ الْقَاضِيَيْنِ حَيْثُ لَا سَابِقَ مِنْ رُسُلِ الْقَاضِيَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ بِسَبْقِ الطَّلَبِ عَلَى الْآخَرِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ إنْ تَطَالَبَا قُضِيَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا هُوَ فِيهِ طَالِبٌ بِمَنْ يُرِيدُهُ ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي التَّبْدِئَةِ بُدِئَ الْأَوَّلُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ رَسُولُ أَحَدِهِمَا بِأَنْ اسْتَوَيَا فِي الْمَجِيءِ ( أَقُرِعَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ( بَيْنَهُمَا ) ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنْ اقْتَرَنَا فَفِي الْقُرْعَةِ وَتَرْجِيحِ مَنْ دُعِيَ إلَى الْأَقْرَبِ خِلَافٌ ، وَشَبَّهَ فِي تَقْدِيمِ الطَّالِبِ ثُمَّ الْقُرْعَةُ فَقَالَ ( كَالِادِّعَاءِ ) أَيْ ذَكَرَ الدَّعْوَى لِلْقَاضِي فَيُقَدَّمُ الطَّالِبُ بِالْكَلَامِ ، فَإِنْ تَطَالَبَا فَالْقُرْعَةُ أَيُّهُمَا يَتَكَلَّمُ أَوَّلًا .

وَتَحْكِيمُ غَيْرِ خَصْمٍ وَجَاهِلٍ ، وَكَافِرٍ ، وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ : فِي مَالٍ ، وَجُرْحٍ .
لَا حَدٍّ ، وَلِعَانٍ ، وَقَتْلٍ ، وَوَلَاءٍ وَنَسَبٍ وَطَلَاقٍ ، وَعِتْقٍ

( وَ ) جَازَ ( تَحْكِيمُ ) رَجُلٍ ( غَيْرِ خَصْمٍ ) أَيْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ وَلَا عَلَيْهَا .
" ق " فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا أَمْضَاهُ الْقَاضِي وَلَا يَرُدُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا عِنْدَ الْقَاضِي .
ابْنُ حَارِثٍ عَنْ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ إنْ خَالَفَ رَأْيَهُ .
الْمَازِرِيُّ تَحْكِيمُ الْخَصْمَيْنِ غَيْرَهُمَا جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَفْتِيَا فَقِيهًا يَعْمَلَانِ بِفَتْوَاهُ فِي قَضِيَّتِهِمَا ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا جَوَازُهُ ابْتِدَاءً ، وَلَفْظُ الرِّوَايَاتِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ حَكَمَ خَصْمُهُ فَثَالِثُهَا يَمْضِي مَا لَمْ يَكُنْ الْمُحَكِّمُ الْقَاضِيَ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ صَحِيحَةٌ حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ أَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ مَاضٍ ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَمْضِي لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ الْخِلَافِ ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَجَزَمَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ بِالْجَوَازِ ، فَقَالَ مَسْأَلَةٌ إذَا حَكَّمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ فَحَكَمَ لِنَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا جَازَ ، وَمَضَى مَا لَمْ يَكُنْ جَوْرًا بَيِّنًا ، وَلَيْسَ تَحْكِيمُ الشَّخْصِ خَصْمَهُ كَتَحْكِيمِ خَصْمِ الْقَاضِي .
أَصْبَغُ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى وَلْيَذْكُرْ فِي تَسْجِيلِهِ رِضَاهُ بِالتَّحَاكُمِ إلَيْهِ .
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ ا هـ .
الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ ، وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ ابْتِدَاءً ، وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ فَرْحُونٍ جَازَ وَمَضَى هَلْ مَعْنَاهُ جَازَ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ الْوُقُوعِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي جَوَازِ تَحْكِيمِ الْخَصْمِ خَصْمَهُ مُطْلَقًا وَكَرَاهَتِهِ إنْ كَانَ الْقَاضِيَ .
ثَالِثُهَا لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إنْ كَانَ الْقَاضِيَ لِنَقْلِ الْمَازِرِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالشَّيْخِ عَنْ أَصْبَغَ ،

وَظَاهِرُ قَوْلِ الْأَخَوَيْنِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ فَرْحُونٍ تَرْجِيحُ جَوَازِهِ ابْتِدَاءً .
الْبُنَانِيُّ وَعَلَى كُلٍّ فَعَلَى الْمُصَنِّفِ دَرَكٌ فِي التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ خَصْمٍ لِأَنَّ تَحْكِيمَ الْخَصْمِ عَلَى جَوَازِهِ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ وُقُوعِهِ مُسَاوٍ لِتَحْكِيمِ غَيْرِهِ .
( وَغَيْرِ جَاهِلٍ ) اللَّخْمِيُّ إنَّمَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ لِعَدْلٍ مُجْتَهِدٍ أَوْ عَامِّيٍّ يَحْكُمُ بِاسْتِرْشَادِ الْعُلَمَاءِ ( وَ ) غَيْرِ ( كَافِرٍ ) اللَّخْمِيُّ اتَّفَقَتْ أَقْوَالُ مَنْ يُذْكَرُ بَعْدُ عَلَى أَنْ لَا يَحْكُمَ جَاهِلٌ بِالْحُكْمِ لِأَنَّهُ تَخَاطُرٌ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُوَسْوَسٍ اتِّفَاقًا .
ابْنُ رُشْدٍ أَشَارَ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ إلَى أَنَّ الْجَاهِلَ يُتَّفَقُ عَلَى بُطْلَانِ حُكْمِهِ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُ خَطَرٌ وَغَرَرٌ ( وَ ) لَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ شَخْصٍ ( غَيْرِ مُمَيِّزٍ ) لِجُنُونٍ أَوْ وَسْوَسَةٍ أَوْ إغْمَاءٍ .
الْبُنَانِيُّ وَهَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَجَاهِلٍ .
قُلْت وَكَذَا قَوْلُهُ كَافِرٍ وَيَجُوزُ التَّحْكِيمُ لِلْعَدْلِ الْعَالِمِ ( فِي مَالٍ وَجُرْحٍ ) ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيمَا يَصِحُّ لِأَحَدِهِمَا تَرْكُ حَقِّهِ فِيهِ .
اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا ( لَا ) يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي ( حَدٍّ ) لِقَذْفٍ أَوْ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ سُكْرٍ ( وَ ) لَا فِي ( قَتْلٍ ) لِقَاتِلٍ أَوْ تَارِكِ صَلَاةٍ ( وَ ) لَا فِي ( لِعَانٍ ) سَحْنُونٌ وَلَا يَنْبَغِي فِي لِعَانٍ وَلَا حَدٍّ إنَّمَا هُمَا لِقُضَاةِ الْأَمْصَارِ الْعِظَامِ .
أَصْبَغُ وَلَا فِي قِصَاصٍ وَلَا حَدِّ قَذْفٍ وَلَا طَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا نَسَبٍ وَلَا وَلَاءٍ لِأَنَّهَا لِلْإِمَامِ ( وَ ) لَا فِي ( وَلَاءٍ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودًا عَلَى عَتِيقٍ ( وَ ) لَا فِي ( نَسَبٍ ) لِأَبٍ ( وَ ) لَا فِي ( طَلَاقٍ ) ( وَ ) لَا فِي عِتْقٍ ) لِخَطَرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ بِهَا إمَّا لِلَّهِ تَعَالَى كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ ، وَإِمَّا لِآدَمِيٍّ كَحَقِّ

الْوَلَدِ فِي اللِّعَانِ وَالنَّسَبِ وَالْعَصَبَةِ فِي الْوَلَاءِ .

وَمَضَى ، إنْ حَكَمَ صَوَابًا ، وَأُدِّبَ ، وَصَبِيٍّ ، وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ ، وَفَاسِقٍ .
ثَالِثُهَا ، إلَّا الصَّبِيَّ ، وَرَابِعُهَا : إلَّا وَفَاسِقٍ ؛

( وَمَضَى ) حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي حَدٍّ أَوْ قَتْلٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَلَا يَنْقُضُهُ الْإِمَامُ وَلَا الْقَاضِي ( إنْ حَكَمَ ) الْمُحَكَّمُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُكْمًا ( صَوَابًا وَأُدِّبَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُثَقَّلَةً الْمُحَكَّمُ إنْ أَنْفَذَ حُكْمَهُ بِأَنْ قَتَلَ أَوْ ضَرَبَ الْحَدَّ .
أَصْبَغُ إنْ حَكَّمَاهُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يُحَكَّمُ فِيهِ أَنْفَذَ السُّلْطَانُ حُكْمَهُ فِي الْقَوَدِ وَالْحَدِّ وَنَهَاهُ عَنْ الْعَوْدِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَقَامَ ذَلِكَ فَقَتَلَ وَاقْتَصَّ وَضَرَبَ الْحَدَّ زَجَرَهُ الْإِمَامُ وَأَدَّبَهُ وَأَمْضَى صَوَابَ حُكْمِهِ .
الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ سَوَاءٌ أَنْفَذَ الْحُكْمَ أَوْ لَمْ يُنْفِذْهُ بِنَفْسِهِ ، وَحَكَمَ بِهِ وَرَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لِيُنْفِذَهُ ، وَاَلَّذِي فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالذَّخِيرَةِ وَابْنِ يُونُسَ وَابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّ الْأَدَبَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا أَنْفَذَ مَا حَكَمَ بِهِ بِنَفْسِهِ ، أَمَّا لَوْ حَكَمَ وَلَمْ يُنْفِذْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُمْضِي حُكْمَهُ وَيَنْهَاهُ عَنْ الْعَوْدِ وَلَا يُؤَدِّبُهُ وَنَصُّ التَّوْضِيحِ أَصْبَغُ إذَا حَكَمَ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُمْضِي حُكْمَهُ وَيَنْهَاهُ عَنْ الْعَوْدَةِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُقِيمُ الْحَدَّ وَغَيْرَهُ ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ أَوْ اقْتَصَّ أَوْ حُدَّ ثُمَّ رَفَعَ إلَى الْإِمَامِ أَدَّبَهُ السُّلْطَانُ وَزَجَرَهُ وَأَمْضَى مَا كَانَ صَوَابًا مِنْ حُكْمِهِ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَحْنُونٍ .
( وَفِي ) صِحَّةِ حُكْمِ ( صَبِيٍّ ) مُمَيَّزٍ مُحَكَّمٍ ( وَعَبْدٍ وَفَاسِقٍ وَامْرَأَةٍ ) لِأَصْبَغَ وَعَدَمُهَا لِمُطَرِّفٍ ( ثَالِثُهَا ) أَيْ الْأَقْوَالِ صِحَّتُهُ مِنْهُمْ ( إلَّا الصَّبِيَّ ) فَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ لِأَشْهَبَ ( وَرَابِعُهَا ) أَيْ الْأَقْوَالِ صِحَّتُهُ مِنْهُمْ إلَّا الصَّبِيَّ ( وَفَاسِقًا ) فَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُمَا لِعَبْدِ الْمَلِكِ "

ق " أَشْهَبُ إنْ حَكَّمَا امْرَأَةً فَحُكْمُهَا مَاضٍ إذَا كَانَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ .
ابْنُ حَبِيبٍ وَبِهِ أَخَذَ أَصْبَغُ وَكَذَلِكَ الْمَسْخُوطُ إذَا أَصَابَ وَالْمَحْدُودُ وَالصَّبِيُّ إذَا عَقَلَ وَعَلِمَ رَبُّ غُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ عَلِمَ بِالسُّنَّةِ وَالْقَضَاءِ .
سَحْنُونٌ لَوْ حَكَّمَا مَسْخُوطًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ وَفِي الْوَاضِحَةِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ أَشْهَبُ تَحْكِيمُ الصَّبِيِّ وَالْمَسْخُوطِ لَغْوٌ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ .

وَضَرْبُ خَصْمٍ لَدَّ
( وَ ) جَازَ لِلْقَاضِي ( ضَرْبُ خَصْمٍ لَدَّ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالدَّالِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ تَبَيَّنَ لَدَدُهُ بِتَأْخِيرِ مَا عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهِ .
ابْنُ نَاجِي يَأْمُرُ أَعْوَانَهُ بِهِ وَلَوْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ جَازَ ، سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ لَدَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِصَاحِبِهِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعَاقِبَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ لَدَدَهُ إذَايَةٌ وَإِضْرَارٌ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ كَفُّهُ وَعِقَابُهُ عَلَيْهِ بِمَا يَرَاهُ فِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ يَضْرِبَ الْخَصْمَ إذَا تَبَيَّنَ لَدَدُهُ .
أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ إذَا ثَبَتَ بَيِّنَةٌ ، إذْ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ .
ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَنْبَغِي لِلْقَاضِي مَعَ الْخُصُومِ ، مِنْهَا أَنَّ الْغَرِيمَ دَعَا غَرِيمَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ أَدَّبَهُ وَجَرَّحَهُ إنْ كَانَ عَدْلًا ، فَإِنْ تَغَيَّبَ شَدَّ الْقَاضِي عَلَيْهِ فِي الطَّلَبِ وَأُجْرَةُ الرَّسُولِ عَلَى الطَّالِبِ ، فَإِنْ تَغَيَّبَ الْمَطْلُوبُ وَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ .
وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ مَنْ اسْتَهَانَ بِدَعْوَةِ الْقَاضِي أَوْ الْحَاكِمِ وَلَمْ يُجِبْ يُضْرَبُ أَرْبَعِينَ .
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ رَفَعَ الصَّوْتَ عِنْدَهُ ، فَإِنَّهُ يُبْرِمُهُ وَيُضْجِرُهُ وَيُحَيِّرُهُ .

وَعَزْلُهُ لِمَصْلَحَةٍ ، وَلَمْ يَنْبَغِ ، إنْ شُهِرَ عَدْلًا بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ وَلْيُبَرَّأْ عَنْ غَيْرِ سُخْطٍ وَخَفِيفِ تَعْزِيرٍ بِمَسْجِدٍ لَا حَدٍّ

( وَ ) لِلْخَلِيفَةِ أَوْ الْأَمِيرِ ( عَزْلُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( لِمَصْلَحَةٍ ) كَكَوْنِ غَيْرِهِ أَقْوَى أَوْ أَحْكَمَ أَوْ لِنَقْلِهِ لِبَلَدٍ آخَرَ مَثَلًا ( وَلَمْ ) الْأَوْلَى لَا ( يَنْبَغِي ) عَزْلُهُ ( إنْ شُهِرَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْقَاضِي حَالَ كَوْنِهِ ( عَدْلًا ) أَيْ إنْ اُشْتُهِرَتْ عَدَالَتُهُ ( بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ ) أَيْ بِشَكِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ عَنْ الثُّبُوتِ وَلَوْ وَجَدَ بَدَلًا مِنْهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إفْسَادًا لِقَضَايَا النَّاسِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ .
الْمُتَيْطِيُّ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ قُضَاتِهِ وَأُمُورَ حُكَّامِهِ وَوُلَاتِهِ ، وَيَتَتَبَّعَ أَحْكَامَهُمْ وَيَتَفَقَّدَ قَضَايَاهُمْ ، فَإِنَّهُمْ سَنَامُ أُمُورِهِ وَرَأْسُ سُلْطَانِهِ ، وَيَسْأَلَ عَنْهُمْ أَهْلَ الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ ، فَإِنْ كَانُوا عَلَى مَا يَجِبُ أَقَرَّهُمْ ، وَإِنْ تَشَكَّى بِهِمْ عَزَلَهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا مَشْهُورِينَ بِالْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ وَقَدْ عَزَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاَللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي قَوْمٌ عَزْلَ أَمِيرِهِمْ وَيَشْكُونَهُ إلَّا عَزَلْته عَنْهُمْ مَعَ عِلْمِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُطَرِّفٌ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَ قَاضِيهِ بِالشَّكِيَّةِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَإِنْ وَجَدَ مِنْهُ بَدَلًا .
ابْنُ عَرَفَةَ يَجِبُ تَفَقُّدُ الْإِمَامِ حَالَ قُضَاتِهِ فَيَعْزِلُ مَنْ فِي بَقَائِهِ مَفْسَدَةٌ وُجُوبًا فَوْرًا وَمَنْ يُخْشَى مِنْهُ مَفْسَدَةٌ اسْتِحْبَابًا وَمَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ عَزْلُهُ رَاجِحٌ .
( وَلْيُبْرِئْ ) الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ مَنْ عَزَلَهُ ( عَنْ غَيْرِ سُخْطٍ ) أَصْبَغُ لَا بَأْسَ إذَا عَزَلَهُ أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِبَرَاءَتِهِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِشُرَحْبِيلَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ لَهُ أَعَنْ سُخْطٍ عَزَلْتنِي ؟ قَالَ لَا ، وَلَكِنْ وَجَدْت مَنْ هُوَ مِثْلُك فِي الصَّلَاحِ وَأَقْوَى عَلَى عَمَلِنَا مِنْك فَلَمْ أَرَ يَحِلُّ لِي إلَّا ذَلِكَ ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ عُزُلَتَك عَيْبٌ فَأَخْبِرْ النَّاسَ

بِأَمْرِي فَفَعَلَ ، فَإِنْ عَمَّ التَّشَكِّي بِالْقَاضِي عَزَلَهُ وَأَوْقَفَهُ لِلنَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَأْتِي كُلُّ أَحَدٍ بِمَظْلِمَتِهِ وَشَكْوَاهُ .
الْحَطّ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ شُهِرَ عَدْلًا أَنَّ غَيْرَ الْمَشْهُورِ عَدَالَتُهُ يُعْزَلُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِيَّةِ ، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ ، وَنَصُّهُ وَعَزْلُهُ بِالشِّكَايَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ فِي وُجُوبِهِ بِهَا أَوْ الْكَتْبِ إلَى صَالِحِي بَلَدِهِ لِيَكْشِفُوا عَنْ حَالِهِ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَا يَجِبُ وَإِلَّا عُزِلَ .
ثَالِثُهَا إنْ وَجَدَ بَدَلَهُ وَإِلَّا فَالثَّانِي لِلشَّيْخِ عَنْ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ وَمُطَرِّفٍ .
( وَ ) جَازَ ( خَفِيفُ تَعْزِيرٍ ) مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَخَمْسَةِ وَعَشْرَةِ الْأَسْوَاطِ ( بِمَسْجِدٍ ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ السَّلَامَةِ مِنْ خُرُوجِ نَجَسٍ ( لَا ) يَجُوزُ ( حَدٌّ ) وَتَعْزِيرٌ شَدِيدٌ بِهِ .
فِيهَا لَا بَأْسَ بِيَسِيرِ الْأَسْوَاطِ أَدَبًا فِي الْمَسْجِدِ ، وَأَمَّا الْحُدُودُ وَشِبْهُهَا فَلَا .
أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إهَانَةً لَهُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ } وَقَوْلُهُ وَشِبْهُهَا يَعْنِي التَّعْزِيرَاتِ الْكَثِيرَةَ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ فِي التَّوْضِيحِ مُحْتَمِلٌ لِلْمَنْعِ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ مَا يُنَجِّسُ الْمَسْجِدَ وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهًا لَهُ .

وَجَلَسَ بِهِ بِغَيْرِ عِيدٍ ، وَقُدُومِ حَاجٍّ ، وَخُرُوجِهِ ، وَمَطَرٍ وَنَحْوَهُ

( وَجَلَسَ ) الْقَاضِي ( بِهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ لِلْقَضَاءِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَقِّ وَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ يُرْضَى فَلَهُ بِالدُّونِ مِنْ الْمَجْلِسِ ، وَتَصِلُ إلَيْهِ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ ، وَإِنْ احْتَجَبَ فَلَا يَصِلُ إلَيْهِ النَّاسُ .
وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ يَجْلِسُ بِرِحَابِ الْمَسْجِدِ خَارِجَةً عَنْهُ .
اللَّخْمِيُّ هَذَا أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ رَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ } .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي اسْتِحْبَابِ جُلُوسِهِ بِالْمَسْجِدِ أَوْ بِرِحَابِهِ خَارِجَةً عَنْهُ .
ثَالِثُهَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي مَنْزِلِهِ وَحَيْثُ أَحَبَّ لَهَا وَرِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ قَائِلًا كَانَ مَنْ مَضَى يَجْلِسُ إمَّا عِنْدَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ أَوْ فِي رَحْبَتِهِ .
مَرْوَانُ وَمَا كَانَتْ تُسَمَّى إلَّا رَحْبَةَ الْقَضَاءِ وَلِأَشْهَبَ .
اللَّخْمِيُّ وَالثَّانِي أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ رَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ } ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِاللِّعَانِ لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ يُرَادُ بِهَا التَّرْهِيبُ .
ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ الْعَدْلِ كَوْنُ مَنْزِلِ الْقَاضِي بِوَسَطِ مِصْرِهِ لِأَنَّهُ بِطَرَفِ الْمِصْرِ يَضُرُّ بِغَالِبِ النَّاسِ ، وَهَذَا فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ ، وَذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ خَفِيفٌ وَنُدِبَ اسْتِقْبَالُهُ الْقِبْلَةَ .
وَفِي النَّوَادِرِ يُجْعَلُ لِلذِّمِّيِّينَ يَوْمًا أَوْ وَقْتًا يَجْلِسُ لَهُمْ فِيهِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَيَجْلِسُ ( بِغَيْرِ ) يَوْمِ ( عِيدِ ) فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى وَيُكْرَهُ جُلُوسُهُ فِي يَوْمِ عِيدٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ وَمُصَافَاةٍ لَا يَوْمُ مُخَاصَمَةٍ ( وَ ) بِغَيْرِ يَوْمِ ( قُدُومِ ) رَكْبِ ( حَاجٍّ ) لِاشْتِغَالِ النَّاسِ فِيهِ بِتَهْنِئَةِ الْقَادِمِينَ ( وَخُرُوجِهِ ) أَيْ رَكْبِ الْحَاجِّ لِاشْتِغَالِ النَّاسِ فِيهِ بِتَشْيِيعِ الْمُسَافِرِينَ .
تت يَنْبَغِي لَهُ الْجُلُوسُ أَيَّامَ خُرُوجِ الْحَاجِّ وَقُدُومِهِ وَسَفَرِ الْقَوَافِلِ لِلشَّامِ وَغَيْرِهَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ

الْأَكْرِيَاءِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَإِذَا غَفَلَ عَنْهُمْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ هَرَبُوا ( وَ ) بِغَيْرِ يَوْمِ ( مَطَرٍ وَنَحْوِهِ ) كَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ كَسْرِ النِّيلِ بِمِصْرَ وَيَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ وَقُدُومِ السُّلْطَانِ مِنْ غَزْوٍ .
اللَّخْمِيُّ يَلْتَزِمُ وَقْتًا مِنْ النَّهَارِ لِيَعْلَمَهُ أَهْلُ الْخُصُومَاتِ لِأَنَّهُ إنْ اخْتَلَفَ وَقْتُ جُلُوسِهِ أَضَرَّ بِالنَّاسِ ، وَلَا يَجْلِسُ أَيَّامَ الْأَعْيَادِ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَا قَبْلَهَا كَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَعَرَفَةَ ، يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي حَجٍّ وَلَا يَوْمِ خُرُوجِ الْحَاجِّ مِنْ مِصْرٍ لِكَثْرَةِ مَنْ يَشْتَغِلُ يَوْمَئِذٍ بِمَنْ يُسَافِرُ ، وَكَذَا فِي الطِّينِ وَالْوَحْلِ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ بِمَنْ نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ ، وَلَا يَجْلِسُ عَقِبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ وَقْتُ عِبَادَةٍ وَلَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِأَنَّهُ وَقْتُ عَشَاءٍ .

وَاِتِّخَاذُ حَاجِبٍ وَبَوَّابٍ
( وَ ) جَازَ ( اتِّخَاذُ حَاجِبٍ ) لِلْقَاضِي عَمَّنْ لَا حَاجَةَ لَهُ عِنْدَهُ ، وَيُرَتِّبُ أَصْحَابَ الْخُصُومَاتِ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ التَّزَاحُمِ عَلَيْهِ ( وَ ) اتِّخَاذُ ( بَوَّابٍ ) لِلْبَيْتِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ لِلْحُكْمِ يَمْنَعُ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ دُخُولِهِ .
أَصْبَغُ حَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى الْقَاضِي فِي رِزْقِهِ وَيَجْعَلَ قَوْمَهُ يَقُومُونَ بِأَمْرِهِ وَيَدْفَعُونَ النَّاسَ عَنْهُ ، إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْأَعْوَانِ يَكُونُونَ حَوْلَهُ يَزْجُرُونَ مَنْ يَنْبَغِي زَجْرُهُ مِنْ الْمُتَخَاصِمِينَ ، فَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ يُنْكِرُ عَلَى الْقُضَاةِ اتِّخَاذَ الْأَعْوَانِ ، فَلَمَّا وَلِيَ الْقَضَاءَ قَالَ لَا بُدَّ لِلسُّلْطَانِ مِنْ وَزَعَةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْ يَصْرِفُهُ الْقَاضِي فِي أُمُورِ قَضَائِهِ مَأْمُونًا عَلَى مَا يَصْرِفُهُ فِيهِ ثِقَةً عَدْلًا كَالْحَاجِبِ وَالْعَوْنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَيُنْهَى عَنْ اتِّخَاذِ مَنْ يَحْجُبُ النَّاسَ عَنْهُ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ ، وَيُسَوَّغُ لَهُ اتِّخَاذُ مَنْ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِصَرْفِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَزَجْرِهِ وَكَفِّ أَذَى النَّاسِ عَنْهُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَلَا يَتَّخِذُ لِذَلِكَ إلَّا ثِقَةً مَأْمُونًا قَدْ يَطَّلِعُ مِنْ أَمْرِ الْخُصُومِ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ ، وَقَدْ يُرْشَى عَلَى الْمَنْعِ وَالْأَذَى وَأَمِينًا عَلَى النِّسَاءِ إنْ احْتَجْنَ إلَى خِصَامٍ ثُمَّ قَالَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ الْأَخَوَيْنِ لَا يَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلَا بِالْأَسْحَارِ مَا عَلِمْنَا مَنْ فَعَلَهُ مِنْ الْقُضَاةِ إلَّا لِأَمْرٍ يَحْدُثُ بِتِلْكَ الْأَوْقَاتِ ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ فِيهَا وَيَنْهَى وَيَسْجُنَ وَيُرْسِلَ الْأَمِينَ وَالشُّرَطَ ، أَمَّا الْحُكْمُ فَلَا .

وَبَدَأَ بِمَحْبُوسٍ ، ثُمَّ وَصِيٍّ ، وَمَالِ طِفْلٍ ، وَمُقَامٍ ثُمَّ ضَالٍّ
( وَبَدَأَ ) الْقَاضِي نَدْبًا أَوَّلَ وِلَايَتِهِ ( بِ ) النَّظَرِ فِي شَأْنِ شَخْصٍ ( مَحْبُوسٍ ) لِأَنَّهُ فِي عَذَابٍ ، فَإِنْ رَآهُ مُسْتَحَقًّا لِلْإِخْرَاجِ أَخْرَجَهُ وَإِنْ رَآهُ مُسْتَحَقًّا لِلْإِبْقَاءِ أَبْقَاهُ .
الْخَرَشِيُّ هَذَا بَعْدَ الْكَشْفِ عَنْ الشُّهُودِ الْمُوثَقِينَ ، فَيَبْقَى مَنْ كَانَ عَدْلًا وَيَسْقُطُ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ مَدَارَ أَمْرِهِ كُلِّهِ عَلَيْهِمْ ( ثُمَّ ) يَنْظُرُ فِي أَمْرِ ( وَصِيٍّ ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ عَلَى أَيْتَامٍ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيِّهِ ( وَ ) فِي ( مَالِ طِفْلٍ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ صَغِيرٍ مُهْمَلٍ ( وَ ) فِي حَالِ ( مُقَامٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ قَاضٍ قِبَلَهُ عَلَى يَتِيمٍ مُهْمَلٍ ( وَ ) فِي حَالِ حَيَوَانٍ ( ضَالٍّ ) وَلَقِيطٍ وَآبِقٍ .
ابْنُ شَاسٍ يَبْدَأُ بِمَحْبُوسٍ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْأَوْصِيَاءِ وَأَمْوَالِ الْأَطْفَالِ .
الْمَازِرِيُّ يَبْدَأُ بِالْمَحْبُوسِ ثُمَّ وَصِيٍّ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْمُهْمَلِينَ ثُمَّ ضَالٍّ وَعِبَارَتُهُ .
قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ الْقَاضِي بِالنَّظَرِ فِي الْمَحْبُوسِينَ لِيَعْلَمَ مَنْ يَجِبُ إخْرَاجُهُ وَمَنْ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْمَالِ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْأَوْصِيَاءِ ثُمَّ فِي الْمُهْمَلِينَ لِكَوْنِ مَنْ تَكُونُ لَهُ مُطَالَبَةٌ عَلَيْهِمْ لَا يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ اللَّقِيطِ وَالضَّوَالِّ ثُمَّ بَيْنَ الْخُصُومِ .

وَنَادَى بِمَنْعِ مُعَامَلَةِ يَتِيمٍ وَسَفِيهٍ ، وَرَفْعِ أَمْرَهُمَا إلَيْهِ ، ثُمَّ فِي الْخُصُومِ وَرَتَّبَ كَاتِبًا عَدْلًا شَرْطًا : كَمُزَكٍّ ، وَاخْتَارَهُمَا وَالْمُتَرْجِمُ : مُخْبِرٌ : كَالْمُحَلِّفِ ، وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ ، أَوْ شَاوَرَهُمْ

( وَنَادَى ) أَيْ يَأْمُرُ الْقَاضِي بِالنِّدَاءِ عَلَى النَّاسِ ( بِمَنْعِ مُعَامَلَةِ ) شَخْصٍ ( يَتِيمٍ ) مُهْمَلٍ لَا وَصِيَّ لَهُ وَلَا مُقَدِّمَ ( وَ ) مَنْعِ مُعَامَلَةِ شَخْصٍ ( سَفِيهٍ ) بَالِغٍ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مُهْمَلٍ مِنْ وَصِيٍّ وَمُقَدَّمٍ ( وَرَفْعِ أَمْرِهِمَا ) أَيْ الْيَتِيمِ وَالسَّفِيهِ إلَيْهِ لِيَنْظُرَ فِي حَالِهِمَا .
أَصْبَغُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا قَعَدَ أَنْ يَأْمُرَ بِالنِّدَاءِ فِي النَّاسِ أَنَّ كُلَّ يَتِيمٍ لَا وَصِيَّ لَهُ وَلَا وَكِيلَ ، فَقَدْ حَجَرْت عَلَيْهِ ، وَ كُلَّ سَفِيهٍ مُسْتَوْجِبٍ لِلْوِلَايَةِ فَقَدْ مَنَعْت النَّاسَ مِنْ مُدَايَنَتِهِ وَمُتَاجَرَتِهِ وَمَنْ عَلِمَ مَكَانَ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَلْيَرْفَعْهُ إلَيْنَا لِنُوَلِّيَ عَلَيْهِ فَمَنْ دَايَنَهُ بَعْدُ أَوْ بَاعَ أَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ ( ثُمَّ ) يَنْظُرُ فِي أَحْوَالِ ( الْخُصُومِ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خَصْمٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ النَّظَرَ فِيهِمْ مُؤَخَّرٌ عَمَّا تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ فِيهَا مُسَافِرٌ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ أَحْمَدُ .
( وَرَتَّبَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْقَاضِي ( كَاتِبًا عَدْلًا ) يَكْتُبُ الْوَقَائِعَ وَالْأَحْكَامَ تَرْتِيبًا وَاجِبًا ( شَرْطًا ) قَالَهُ أَحْمَدُ وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْبِيرِهِ بِالْفِعْلِ .
وَقَالَ الْحَطّ تَرْتِيبُ الْكَاتِبِ وَالْمُزَكِّي وَالْمُتَرْجِمِ أَوْلَوِيٌّ هَذَا ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ ، فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ وَالْقَرَافِيَّ جَعَلَاهُ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ ، وَقَوْلُهُ عَدْلًا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي صِفَاتِهِ أَرْبَعَةً : الْعَدَالَةَ وَالْعَقْلَ وَالرَّأْيَ وَالْعِفَّةَ ، وَقَوْلُهُ شَرْطًا كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَفِي بَعْضِهَا مَرَضِيًّا وَهِيَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا .
ابْنُ فَرْحُونٍ ابْنُ شَاسٍ لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْكَاتِبِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقِفُ عَلَى مَا يَكْتُبُ .
ا هـ .
إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ فِي الْجَوَاهِرِ مَا عَزَاهُ ابْنُ فَرْحُونٍ لِابْنِ شَاسٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ أَنَّهُ لَا يَسْتَعِينُ مَعَ الْقُدْرَةِ إلَّا بِالْعُدُولِ ،

فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ جَازَ الِاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا لَا يَسْتَكْتِبُ الْقَاضِي أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا يَتَّخِذُ قَاسِمًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَبْدًا وَلَا مُكَاتَبًا ، وَلَا يَسْتَكْتِبُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْعُدُولَ الْمَرَضِيِّينَ ، فَلَعَلَّ هَذَا مَعَ الِاخْتِيَارِ ا هـ .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا إذَا وُجِدَ وَإِلَّا الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ .
خَلِيلٌ ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ عَدَالَةَ الْكَاتِبِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى ، لَكِنْ قَالَ اللَّخْمِيُّ لَا يَبْعُدُ حَمْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى الْوُجُوبِ الْمَازِرِيُّ إنْ كَانَ الْكَاتِبُ غَيْرَ ثِقَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اطِّلَاعِ الْقَاضِي عَلَى مَا يَكْتُبُهُ فَيُجْلِسُهُ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُ مَا يَكْتُبُهُ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَكْتُبُ ، وَقَدْ رَجَّحَ بَعْضُ أَشْيَاخِي وُجُوبَهُ ، لِأَنَّهُ إذَا شَاهَدَ مَا يَكْتُبُ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا تَيَقَّنَهُ ، وَإِذَا عَوَّلَ عَلَى الْكَاتِبِ الْعَدْلِ اقْتَصَرَ عَلَى أَمْرٍ مَظْنُونٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ ، وَوَظِيفَةُ الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ مَا يَقَعُ مِنْ الْخُصُومِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي .
الْأَقْفَهْسِيُّ إذَا وَجَدَ الْقَاضِي عَقْدًا أَوْ وَثِيقَةً عَلَّقَ خَطَّهُ فَلْيَقْطَعْهُ وَيُؤَدِّبْ كَاتِبَهُ .
زَرُّوقٌ الْقِمْطَرُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الزِّمَامُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ التَّذْكَارُ ، وَيُسَمَّى زِمَامَ الْقَاضِي .
وَشَبَّهَ فِي التَّرْتِيبِ وَعَدَالَةِ الْمُرَتَّبِ شَرْطًا فَقَالَ ( كَمُزَكٍّ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَشَدِّ الْكَافِ ، فَيُرَتِّبُهُ الْقَاضِي عَدْلًا ثِقَةً لِيُخْبِرَهُ بِأَحْوَالِ الشُّهُودِ سِرًّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُمْ فِي مَسَاكِنِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَسُؤَالِهِ عَنْهُمْ عُدُولًا ثِقَاتٍ مَأْمُونِينَ ، وَلَا يَكْتَفِي بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ خِيفَةَ مُصَادَفَتِهِ حَبِيبًا أَوْ عَدُوًّا ( وَاخْتَارَهُمَا ) أَيْ

الْقَاضِي الْكَاتِبَ وَالْمُزَكِّيَ .
الْحَطّ أَيْ وَكَذَا يُرَتِّبُ مُزَكِّيًا عَدْلًا وَلَا كَلَامَ فِي اشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الْمُزَكِّي .
الْبِسَاطِيُّ إنْ قُلْت إنَّ حَمْلَ كَلَامِهِ فِي الْكَاتِبِ وَالْمُزَكِّي عَلَى الْجِنْسِ حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ الْعَدَدُ خَالَفَ الْأَكْثَرَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الْكَاتِبِ ، فَإِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي الْوَاحِدُ ، وَإِنْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى الْإِفْرَادِ خَالَفَ الْأَكْثَرَ فِي الْمُزَكِّي فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْعَدَدِ عِنْدَ هُمْ .
قُلْت يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَالْجِنْسُ يَحْتَمِلُ الْإِفْرَادَ وَالتَّعَدُّدَ وَغَايَتُهُ الْإِجْمَالُ وَهُوَ قَرِيبٌ .
الْحَطّ يُعَيِّنُ حَمْلَهُ عَلَى هَذَا عِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ ، إذْ فِيهَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي الْمُزَكِّي وَالْمُتَرْجِمِ دُونَ الْكَاتِبِ .
وَفِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاخْتَارَ الْكَاتِبُ وَالْمُزَكِّي ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ .
أَشْهَبُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ رَجُلًا صَالِحًا مَأْمُونًا مُنْتَبِهًا ، أَوْ رَجُلَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَسْأَلَانِ لَهُ عَنْ النَّاسِ إلَى آخِرِ كَلَامِ أَشْهَبَ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ كُلُّ مَا يَبْتَدِئُ الْقَاضِي السُّؤَالَ عَنْهُ وَالْكَشْفَ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ وَمَا لَمْ يَبْتَدِهِ هُوَ ، وَإِنَّمَا يُبْتَدَأُ بِهِ فِي ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ فِيهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ ابْنُ رُشْدٍ تَعْدِيلُ السِّرِّ يَفْتَرِقُ مِنْ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ فِي وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا أَعْذَارَ فِي تَعْدِيلِ السِّرِّ ، وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ يَجْتَزِئُ فِيهِ بِوَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ الِاثْنَيْنِ ، بِخِلَافِ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا شَاهِدَانِ ، وَيَلْزَمُ الْأَعْذَارُ فِيهِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، هَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ صَحَّ مِنْ الْبَيَانِ فَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ أَصْلًا ، لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي مُزَكِّي السِّرِّ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
( وَ ) الشَّخْصُ ( الْمُتَرْجِمُ )

بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ ، أَيْ الَّذِي يُبَدِّلُ لُغَةً أَعْجَمِيَّةً بِلُغَةٍ عَرَبِيَّةٍ وَعَكْسُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إذَا كَانَ عَرَبِيًّا لَا يَعْرِفُ الْعَجَمِيَّةَ وَالْخُصُومُ عَجَمٌ لَا يَعْرِفُونَ الْعَرَبِيَّةَ وَعَكْسُهُ وَخَبَرُ الْمُتَرْجِمِ ( مُخْبِرٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ، فَيَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ .
وَقِيلَ شَاهِدٌ فَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ وَلَا يُتَرْجِمُ كَافِرٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مَسْخُوطٌ .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَى تَرْجَمَتِهِمْ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ .
ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ الْقَرِينَانِ إنْ احْتَكَمَ خُصُومٌ يَتَكَلَّمُونَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْقَاضِي عَرَبِيٌّ لَا يَفْقَهُ كَلَامَهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَرْجِمَ عَنْهُمْ رَجُلٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ مُسْلِمٌ وَاثْنَانِ أَحَبُّ إلَيَّ ، وَيُجْزِئُ الْوَاحِدُ وَلَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ كَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَسْخُوطٍ .
وَلَا بَأْسَ بِتَرْجَمَةِ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ وَالْحَقُّ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَامْرَأَتَانِ وَرَجُلٌ أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ شَهَادَةٍ .
ابْنُ رُشْدٍ هُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ مَا يَبْتَدِئُ الْقَاضِي فِيهِ بِالْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ كَقِيَاسِ الْجِرَاحَاتِ وَالنَّظَرِ لِلْعُيُوبِ وَالِاسْتِخْلَافِ وَالْقَسَمِ وَاسْتِنْكَاهِ مَنْ اسْتَنْكَرَ سُكْرَهُ ، وَشِبْهُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ يَجُوزُ فِيهِ الْوَاحِدُ ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يُحَلِّفُ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ رَسُولٌ وَاحِدٌ وَسَمِعَهُ أَصْبَغُ فِي الِاسْتِنْكَاهِ وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ ، وَالِاخْتِيَارُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ عَدْلَانِ وَيُجْزِئُ فِيهَا الْوَاحِدُ الْعَدْلُ .
وَقَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ كَافِرٍ إلَخْ مَعْنَاهُ مَعَ وُجُودِ عُدُولِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ اُضْطُرَّ لِتَرْجَمَةِ كَافِرٍ أَوْ مَسْخُوطٍ لَقُبِلَ قَوْلُهُ وَحُكِمَ بِهِ كَمَا يُحْكَمُ بِقَوْلِ الطَّبِيبِ الْكَافِرِ ، وَغَيْرِ الْعَدْلِ فِيمَا اُضْطُرَّ فِيهِ لِقَوْلِهِ لِمَعْرِفَتِهِ بِالطِّبِّ دُونَ غَيْرِهِ ، وَقَدْ حَكَى فَضْلٌ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ

قَالَ لَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ الْوَاحِدِ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْقَاضِي إذَا لَمْ يَفْقَهْ لِسَانَهُمْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِتَرْجَمَةِ الْوَاحِدِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ إنْ فَعَلَ لَمْ يَجُزْ وَيُرَدُّ هَذَا لَا يَصِحُّ أَنَّهُ أَرَادَهُ .
قُلْت ظَاهِرُ السَّمَاعِ صِحَّةُ تَرْجَمَةِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ وُجِدَ مُتَرْجِمٌ مِنْ الرِّجَالِ وَسَاقَ الشَّيْخُ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ بِعِبَارَةٍ لَا بَأْسَ بِتَرْجَمَةِ الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ يُتَرْجِمُ لَهُ ، فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الرَّاجِحَ الِاكْتِفَاءُ بِتَرْجَمَةِ الْوَاحِدِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ نَقَلَ الْحَطّ عَنْ الْعُمْدَةِ مَا نَصُّهُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ يُشْتَرَطُ تَعَدُّدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَاهِدٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ .
الْبُنَانِيُّ كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ مَحَلُّهُ فِيمَنْ جَاءَ بِهِ الْخَصْمُ لِيُتَرْجِمَ عَنْهُ ، فَهَذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعَدُّدِ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مَنْ يَتَّخِذُهُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ مُتَرْجِمًا ، وَهَذَا يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَشَبَّهَ فِي الْكَوْنِ مُخْبِرًا فَقَالَ ( كَ ) الْعَدْلِ ( الْمُحَلِّفِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُثَقَّلَةً ، لِمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَقَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَامْرَأَةٍ مُخَدَّرَةٍ وَمَرِيضٍ وَمَحْبُوسٍ ، فَيَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ ( وَأَحْضَرَ ) الْقَاضِي ( الْعُلَمَاءَ ) مَجْلِسَ الْقَضَاءِ فِي مُعْضِلَةٍ ( أَوْ شَاوَرَهُمْ ) أَيْ الْعُلَمَاءَ فِيهَا اللَّخْمِيُّ وَالْجَلَّابِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ لَا بِعِلْمِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَأَخْذُهُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَحْسَنُ ، وَاخْتُلِفَ فِي جُلُوسِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعَهُ فَقَالَ أَشْهَبُ وَمُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا بِحَضْرَتِهِمْ

وَمَشُورَتِهِمْ ، وَمَنَعَهُ الْأَخَوَانِ .
مُحَمَّدٌ لَا يَدَعُ مُشَاوَرَةَ أَهْلِ الْفِقْهِ الْمَازِرِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَشِيرَ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا وَإِنْ كَانَ حُضُورُهُمْ يُوجِبُ حَصْرَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي عَدَمِهِ وَإِنْ كَانَ بَلِيدًا بَلَادَةً لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا ضَبْطُ قَوْلِ الْخَصْمَيْنِ وَتَصَوُّرُ حَقِيقَةِ دَعْوَاهُمَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي حُضُورِهِمْ إيَّاهُ وَكَانَ عِنْدَنَا قَاضٍ اُشْتُهِرَتْ بِالْأَمْصَارِ نَزَاهَتُهُ فَرَفَعَ إلَى مُحَاضِرٍ بَيْنَ خَصْمَيْنِ طَالَ فِيهَا النِّزَاعُ وَالْإِثْبَاتُ وَالتَّجْرِيحُ ، فَتَأَمَّلْت الْمُحَاضَرَاتِ فَوَجَدْتهَا تَتَضَمَّنُ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ مُتَّفِقَانِ فِي الْمَعْنَى مُخْتَلِفَانِ فِي الْعِبَارَةِ ، وَلَمْ يَتَفَطَّنْ الْقَاضِي لِذَلِكَ حَتَّى نَبَّهَتْهُ لَهُ فَجَعَلَ مِنْهُ وَارْتَفَعَ الْخِصَامُ ، فَمِثْلُ هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَحْضُرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَوْ كَاتِبٌ يُؤْمَنُ مَعَهُ مِثْلُ هَذَا .
ابْنُ عَرَفَةَ قَبُولُ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ الْقَضَاءُ جُرْحَةٌ الْحَطّ عُطِفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ، فَإِنَّ أَشْهَبَ وَمُحَمَّدًا قَالَا يُحْضِرُهُمْ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْضِرَهُمْ وَلَكِنْ يُشَاوِرُهُمْ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ .
خَلِيلٌ قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ مُطَرِّفٍ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا فَلَا يَسَعُهُ الْقَضَاءُ إلَّا بِمَحْضَرِهِمْ .
الْمَازِرِيُّ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ فَكَّرَ الْقَاضِي فِي حَالِ حُضُورِهِمْ كَحَالِهِ فِي عَدَمِ حُضُورِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ حُضُورُهُمْ يُكْسِبُهُ ضَجَرًا حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ التَّأَمُّلُ لِمَا هُوَ فِيهِ ، فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ الْبَلَادَةِ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ ضَبْطُ قَوْلِ الْخَصْمَيْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ مَقَاصِدُهُمَا حَتَّى يُسْتَفْتَى عَنْهُ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ أَيْضًا ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِي وُجُوبِ حُضُورِهِمْ ا هـ .
ابْنُ مَرْزُوقٍ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ نَقْلٌ ثَالِثٌ ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ غَيْرُهُ أَنَّ فِي

الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ ، قِيلَ يُحْضِرُهُمْ كَفِعْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ كَانَ إذَا جَلَسَ لِلْقَضَاءِ أَحْضَرَ أَرْبَعَةً مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَاسْتَشَارَهُمْ ، وَقِيلَ يُرْسِلُ إلَيْهِمْ يَسْتَشِيرُهُمْ مِنْ غَيْرِ إحْضَارٍ ، كَفِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَوَّازِ ، وَالثَّانِي قَوْلُ الْأَخَوَيْنِ .
وَأُجِيبَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ أَوْ فِي كَلَامِهِ لِتَنْوِيعِ الْخِلَافِ .

( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ الْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْمُشَاوَرَةِ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا لِأَنَّ مَا تَذَاكَرَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ وَبَحَثُوا فِيهِ تَثِقُ بِهِ النَّفْسُ مَا لَا تَثِقُ بِوَاحِدٍ إذَا اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُمْ مُقَلِّدِينَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْفَتْوَى فِيمَا لَيْسَ بِمَسْطُورٍ بِحَسَبِ مَا يَظُنُّ وَاحِدٌ مِنْهُ أَنَّهُ مُقْتَضَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ .
ابْنُ عَطِيَّةَ مَنْ لَمْ يَسْتَشِرْ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَعَزْلُهُ وَاجِبٌ ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ أَقْوَالَ الْفُقَهَاءِ دَلَّتْ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْمُشَاوَرَةِ لَا سِيَّمَا فِي الْمُشْكِلَاتِ .
الثَّانِي : ابْنُ فَرْحُونٍ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الْمُشَاوَرَةَ ، سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ أَمْ لَا ، وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُشَاوِرَ فِيمَا يَحْكُمُ فِيهِ إذَا كَانَ جَاهِلًا لَا يُمَيِّزُ حَقًّا مِنْ بَاطِلٍ ، لِأَنَّهُ إذَا أُشِيرَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ أَيَحْكُمُ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْحَقُّ ، وَلَا يَحْكُمُ بِقَوْلِ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ تَقْلِيدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ مِنْ حَيْثُ تَبَيَّنَ لِلَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِ ا هـ .
الثَّالِثُ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ أَوْ شَاوَرَهُمْ هَلْ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ ، ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي وُجُوبِ حُضُورِهِمْ ، وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْقُرْطُبِيُّ وَمَا تَقَدَّمَ لِلْمَازِرِيِّ أَنَّهُ وَاجِبٌ ، وَكَذَا ابْنُ فَرْحُونٍ ، فَإِنَّهُ عَدَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَلْزَمُ الْقَاضِي فِي سِيرَتِهِ فِي الْأَحْكَامِ وَاللُّزُومِ أَنَّهَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْغَالِبِ فِي الْوُجُوبِ ، وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَثِقَ بِرَأْيِهِ وَيَتْرُكَ الْمُشَاوَرَةَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ نَصًّا يَشْفِي الْغَلِيلَ .

وَشُهُودًا
( وَ ) أَحْضَرَ ( شُهُودًا ) حَالَ الْقَضَاءِ لِيَشْهَدُوا عَلَى مَنْ أَقَرَّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ خَشْيَةَ إنْكَارِهِ إقْرَارَهُ .
الْحَطّ فِي التَّوْضِيحِ إذَا كَانَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا سَمِعَ إقْرَارَ الْخَصْمِ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِإِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ لَزِمَ أَنَّ إحْضَارَ الشُّهُودِ وَاجِبٌ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي جُلُوسِهِ .
وَفِيهَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَحَدَ الْمُقِرُّ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ سَوَاءٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ شَهِدَ هُوَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَنْ فَوْقَهُ فَأَجَازَهُ ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ قَضَى بِشَهَادَتِهِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ .
ا هـ .
وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ إقْرَارَ الْخَصْمِ حَكَمَ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ شَاهِدَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ .
وَفِي النَّوَادِرِ أَمَّا مَا أَقَرَّ بِهِ الْخُصُومُ عِنْدَهُ فِي خُصُومَتِهِمْ فَلْيَقْضِ بِهِ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَاحْتَاجَ أَنْ يُحْضِرَ مَعَهُ شَاهِدَيْنِ أَبَدًا يَشْهَدَانِ عَلَى النَّاسِ وَفِي التَّوْضِيحِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا سَمِعَ إقْرَارَ الْخَصْمِ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِإِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ يَرْفَعَانِ شَهَادَتَهُمَا إلَيْهِ ، وَذَهَبَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ إلَى أَنَّهُ يَحْكُمُ بِمَا سَمِعَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ قُضَاةُ الْمَدِينَةِ وَلَمْ أَعْلَمْ مَالِكًا قَالَ غَيْرَهُ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ وَأَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ ، وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْخَصْمَيْنِ لَمَّا جَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِلْخُصُومَةِ رَضِيَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا يُقِرَّانِ بِهِ ، وَلِذَلِكَ قَعَدَا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ .

وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ ، وَلَمْ يَشْتَرِ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ :

( وَلَمْ ) الْأَوْلَى لَا ( يُفْتِ ) بِضَمِّ الْيَاءِ ، أَيْ لَا يُخْبِرُ الْقَاضِي بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ سُئِلَ عَنْهُ ( فِي خُصُومَةٍ ) أَيْ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي شَأْنُهَا ، أَنْ يُتَخَاصَمَ فِيهَا لِئَلَّا يُعْلَمَ مَذْهَبُهُ فَيُتَحَيَّلَ عَلَى مُوَافَقَتِهِ .
ابْنُ شَاسٍ لَا يُجِيبُ الْحَاكِمُ مَنْ سَأَلَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخُصُومَاتِ وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُجِيبَ بِالْفُتْيَا فِي كُلِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ بِمَا عِنْدَهُ فِيهِ ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ كَانُوا يُفْتُونَ النَّاسَ فِي نَوَازِلِهِمْ .
ابْنُ عَرَفَةَ عَزَا ابْنُ الْمُنَاصِفِ الْأُولَى لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَابْنُ الْحَارِثِ إلَى سَحْنُونٍ .
وَفِي الْوَاضِحَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ لَا وَحْدَهُ وَلَا فِي جَمَاعَةٍ .
الْحَطّ قَوْلُهُ لَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ ، اُنْظُرْ هَلْ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى الْمَنْعِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا يُفْتِ الْحَاكِمُ فِي الْخُصُومَاتِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِهِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ ، أَرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا فِيمَا عَدَا مَسَائِلَ الْخِصَامِ ، وَهَلْ لَهُ الْفُتْيَا فِي مَسَائِلِ الْخِصَامِ قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ إعَانَةِ الْخُصُومِ عَلَى الْفُجُورِ ، وَالثَّانِي إجَازَةُ فَتْوَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِصَامِ .
وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقَاضِي الْعِلْمَ وَتَعَلُّمُهُ لَهُ فَجَائِزٌ .
ا هـ .
فَقُوَّةُ عِبَارَتِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَعَدَّهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ فِي سِيرَةِ الْحُكْمِ .
ابْنُ الْمُنْذِرِ تُكْرَهُ لِلْقَاضِي الْفُتْيَا فِي الْأَحْكَامِ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ أَنَا أَقْضِي وَلَا أُفْتِي .
الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ إذَا كَانَتْ الْفُتْيَا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ تُعْرَضَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ جَاءَتْهُ مِنْ خَارِجِ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْكُوَرِ أَوْ عَلَى يَدِ عُمَّالِهِ فَلْيُجِبْهُمْ عَنْهَا .
ابْنُ الْمُنَاصِفِ

الْأَوَّلُ النَّهْيُ فِيهِ عَنْ فَتْوَى الْقَاضِي فِي الْخُصُومَاتِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي فَتْوَاهُ لَا فِي خُصُومَةٍ بِعَيْنِهَا .
ا هـ .
وَمَحَلُّ النَّهْيِ أَيْضًا حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَذْهَبٍ إلَّا مِنْ إفْتَائِهِ ، وَذَلِكَ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُتَسَاوِيَانِ مَثَلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِفْتَاءِ الْوُكَلَاءِ لِأَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ فِي الْوَقَائِعِ بَيْنَ مُوَكِّلَيْهِمْ ، فَإِذَا وَجَدَ الْوَكِيلُ مَذْهَبًا يُوَافِقُ كَوْنَ مُوَكِّلِهِ غَالِبًا حَمَلَهُ عَلَى الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي الْمُوَافِقِ لَهَا .
وَلَوْ كَانَ مُوَكِّلُهُ غَيْرَ مُحِقٍّ ( وَلَمْ ) الْأَوْلَى وَلَا ( يَشْتَرِ ) الْقَاضِي شَيْئًا ( بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ ) لِأَنَّهُ يَشْغَلُ بَالَهُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ ، وَ لِأَنَّ الْبَائِعَ رُبَّمَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ حَيَاءً مِنْهُ وَمِنْ جُلَسَائِهِ .
وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ ، وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَشْتَرِ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ .
الصِّقِلِّيُّ عَنْ الْأَخَوَيْنِ لَا يَشْتَغِلُ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ بِبَيْعٍ وَلَا بِابْتِيَاعٍ لِنَفْسِهِ .
أَشْهَبُ وَلَا لِغَيْرِهِ إلَّا مَا خَفَّ شَأْنُهُ وَقَلَّ شُغْلُهُ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ .
سَحْنُونٌ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ ، قَالُوا وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَمَا بَاعَ أَوْ ابْتَاعَ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ لَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إكْرَاهٌ أَوْ هَضِيمَةٌ فَلْيَرُدَّ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ .
أَشْهَبُ إذَا اشْتَرَى الْإِمَامُ الْعَدْلُ أَوْ بَاعَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا ثُمَّ عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ يُخَيَّرُ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ أَوْ التَّرْكِ ، كَذَا وَجَدْته فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْمُتَيْطِيِّ ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي النَّوَادِرِ ، بَلْ فِيهَا إنْ عُزِلَ السُّلْطَانُ أَوْ مَاتَ

وَالْبَائِعُ أَوْ الْمُبْتَاعُ مُقِيمٌ بِالْبَلَدِ لَا يُخَاصِمُ وَلَا يَذْكُرُ مُخَاصَمَتَهُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ وَالْبَيْعُ مَاضٍ .
الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تِجَارَةُ الْوُلَاةِ لَهُمْ مَفْسَدَةٌ وَلِلرَّعِيَّةِ مَهْلَكَةٌ .
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يُقَالُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ تِجَارَةُ السُّلْطَانِ .
ابْنُ شَاسٍ الْأَدَبُ السَّابِعُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلٍ مَعْرُوفٍ حَتَّى لَا يُسَامَحَ فِي الْبَيْعِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ شِرَائِهِ لِنَفْسِهِ وَبَيْنَ تَوْكِيلِهِ لِذَلِكَ ، وَلَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ يُؤْمَنُ عَلَى دِينِهِ لِئَلَّا يَسْتَرْخِصَ لَهُ بِسَبَبِ الْحُكْمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ أَقْوَالِ الْمَذْهَبِ وَرِوَايَاتِهِ جَوَازُ شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ بِغَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ لَمْ أَعْرِفْهُ .
وَذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ .

كَسَلَفٍ ، وَقِرَاضٍ ، وَإِبْضَاعٍ ، وَحُضُورِ وَلِيمَةٍ ، إلَّا النِّكَاحَ ، وَقَبُولِ هَدِيَّةٍ وَلَوْ كَافَأَ عَلَيْهَا ، إلَّا مِنْ قَرِيبٍ ، وَهَدِيَّةِ مَنْ اعْتَادَهَا قَبْلَ الْوِلَايَةِ

وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ ( كَسَلَفٍ ) أَيْ تَسَلُّفِ الْقَاضِي بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ مِنْ غَيْرِهِ ( وَ ) دَفْعِ مَالَ ( قِرَاضٍ ) أَيْ تِجَارَةٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لِغَيْرِهِ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ ( وَإِبْضَاعٍ ) أَيْ دَفْعِ مَالٍ لِمَنْ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ بِضَاعَةً مِنْ بَلَدٍ آخَرَ يَأْتِيهِ بِهَا أَوْ يُرْسِلُهَا لَهُ مَعَ غَيْرِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لِلشَّيْخِ عَنْ الْأَخَوَيْنِ وَلْيَسْتَنْزِهْ عَنْ طَلَبِ الْحَوَائِجِ وَالْعَوَارِيِّ مِنْ مَاعُونٍ وَدَابَّةٍ وَسَلَفٍ وَأَنْ يُقَارِضَ وَيُبْضِعَ مَعَ أَحَدٍ أَوْ يُبَايِعَهُ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَالْأَمْرُ الْخَفِيفُ مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُخَاصَمُ عِنْدَهُ أَوْ مِمَّنْ يَجُرُّ إلَى مَنْ يُخَاصَمُ عِنْدَهُ وَقَالَهُ أَصْبَغُ .
ابْنُ مَرْزُوقٍ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ تَسَلُّفُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا إعْطَاؤُهُ سَلَفًا لِغَيْرِهِ .
الْبُنَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْعَدَوِيِّ ارْتَضَاهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ لِأَنَّ تَسْلِيفَهُ غَيْرَهُ مَعْرُوفٌ لَا يُنْهَى عَنْهُ .
( وَ ) كَ ( حُضُورِ ) الْقَاضِي لِ ( وَلِيمَةٍ ) أَيْ طَعَامٍ يَجْتَمِعُ لَهُ النَّاسُ فَيُنْهَى عَنْهُ ( إلَّا النِّكَاحَ ) فَلَا يُنْهَى عَنْ حُضُورِ وَلِيمَتِهِ الْمُسْتَوْفِيَةِ شُرُوطَهَا الشَّرْعِيَّةَ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْأَخَوَيْنِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ كَانَتْ وَلِيمَةً أَوْ صَنِيعًا عَامًّا لِفَرَحٍ ، فَأَمَّا لِغَيْرِ فَرَحٍ فَلَا وَكَأَنَّهُ دُعِيَ خَاصَّةً أَوْ وَسِيلَةً لَهُ يُجِيبُ لِلْعَامَّةِ لَا الْخَاصَّةِ ، وَالتَّنَزُّهُ أَحْسَنُ .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ أَحَدًا أَوْ هُوَ فِي الْخَاصَّةِ أَشَدُّ مِنْ دَعْوَةِ الْعُرْسِ ، وَكَرِهَ مَالِكٌ لِأَهْلِ الْفَضْلِ أَنْ يُجِيبُوا كُلَّ مَنْ دَعَاهُمْ .
الْخَرَشِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ وَلِيمَةِ النِّكَاحِ كَغَيْرِهِ بِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ فِيهَا .
الْعَدَوِيُّ الَّذِي عِنْدَ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حُضُورُ وَلِيمَةِ النِّكَاحِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ زِيَادَةُ التَّنَزُّهِ عَمَّا بِأَيْدِي النَّاسِي لِتَقْوَى كَلِمَتُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا

يُفْهَمُ مِنْ عج .
الْمُتَيْطِيُّ لَا بَأْسَ لِلْقَاضِي بِحُضُورِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَسْلِيمِهِ عَلَى أَهْلِ الْمَجَالِسِ وَرَدِّهِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ إلَّا ذَلِكَ ، وَلَا يُجِيبُ الصَّنِيعَ إلَّا فِي الْوَلِيمَةِ .
( وَمُنِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( قَبُولُ ) الْقَاضِي لِ ( هَدِيَّةٍ ) لَهُ مِنْ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يُكَافِئْهُ عَلَيْهَا ، بَلْ ( وَلَوْ كَافَأَ ) الْقَاضِي مَنْ أَهْدَى لَهُ ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْهَدِيَّةَ بِمِثْلِهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا لِرُكُونِ النُّفُوسِ لِمَنْ أَهْدَى إلَيْهَا ، وَ لِأَنَّ قَبُولَهَا يُطْفِئُ نُورَ الْحِكْمَةِ ( إلَّا ) هَدِيَّةً ( مِنْ ) شَخْصٍ قَرِيبٍ ) لِلْقَاضِي نَسَبًا كَوَالِدِهِ وَوَلَدِهِ أَوْ خَالِهِ وَعَمِّهِ ، فَلَا يُنْهَى عَنْ قَبُولِهَا .
الْعَدَوِيُّ ظَاهِرُ النَّقْلِ كَرَاهَةُ قَبُولِهَا مِنْ غَيْرِ قَرِيبِهِ لَا حُرْمَتُهُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَمَحَلُّهَا إنْ كَانَ لِرَجَاءِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ ، أَمَّا الْهَدِيَّةُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُطْفِئُ قَبُولَهَا نُورُ الْحِكْمَةِ ، وَقَدْ قَبِلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ { تَهَادَوْا تَحَابُّوا } ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُلَائِمَتِهِ مَا قَدَّمَهُ فِي حُضُورِ الْوَلِيمَةِ .
الْبُنَانِيُّ فِي ضَيْح ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً الْمَنْعُ ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهَةِ قَبُولِ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ وَقَاضِيهِ وَجُبَاةِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الْهَدَايَا ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَهْلِ السُّنَّةِ ، وَبِالْمَنْعِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْقَرْضِ .
الْمُتَيْطِيُّ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ أَحَدٍ وَلَا مِمَّنْ كَانَتْ عَادَتُهُ بِهَا مَعَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ وَلَا مِنْ قَرِيبٍ وَلَا مِنْ صَدِيقٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمَا وَإِنْ كَافَأَ عَلَيْهَا بِأَضْعَافِهَا إلَّا مِثْلَ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَأَشْبَاهِهِمَا مِنْ خَاصَّةِ قَرَابَتِهِ الَّتِي يَجْمَعُ مِنْ حُرْمَةِ الْخَاصَّةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ حُرْمَةِ

الْهَدِيَّةِ .
رَبِيعَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إيَّاكَ وَالْهَدِيَّةَ فَإِنَّهَا ذَرِيعَةُ الرِّشْوَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً مِنْ خَصْمٍ وَلَوْ قَرِيبَهُ وَغَيْرُ الْخَصْمِ ، قَالَ سَحْنُونٌ تَجُوزُ مِنْ ذِي رَحِمٍ كَأَبَوَيْهِ وَابْنِهِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ وَابْنَةِ أَخِيهِ وَمَنْ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِهِ ظِنَّةٌ ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ .
( وَفِي ) جَوَازِ قَبُولِ ( هَدِيَّةٍ مِنْ ) أَيْ الشَّخْصِ الَّذِي ( اعْتَادَ ) إهْدَاءَ مِثْلِ ( هَا ) أَيْ الْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي ( قَبْلَ الْوِلَايَةِ ) لِلْقَضَاءِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَعَدَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ قَالَا لَا يَنْبَغِي قَبُولُهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْكَرَاهَةِ قَوْلَانِ ، فَإِنْ أَهْدَى بَعْدَ وِلَايَتِهِ مِمَّنْ اعْتَادَهَا قَبْلَهَا أَزْيَدَ قَدْرًا أَوْ أَحْسَنَ جِنْسًا أَوْ صِفَةً امْتَنَعَ قَبُولهَا اتِّفَاقًا .

وَكَرَاهَةِ حُكْمِهِ فِي مَشْيِهِ أَوْ مُتَّكِئًا ، وَإِلْزَامِ يَهُودِيٍّ حُكْمًا بِسَبْتِهِ ، وَتَحْدِيثِهِ بِمَجْلِسِهِ لِضَجَرٍ ، وَدَوَامِ الرِّضَا فِي التَّحْكِيمِ لِلْحُكْمِ قَوْلَانِ

( وَ ) فِي ( كَرَاهَةِ حُكْمِهِ ) أَيْ الْقَاضِي ( فِي ) حَالِ ( مَشْيِهِ ) عَلَى قَدَمَيْهِ أَوْ رَاكِبًا وَهِيَ لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَطَائِفَةٍ ، وَعَدَمِهَا وَهُوَ لِأَشْهَبَ أَيْضًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَشْغَلَهُ السَّيْرُ وَزَحْمَةُ النَّاسِ وَالنَّظَرُ إلَيْهِمْ قَوْلَانِ .
الصِّقِلِّيُّ اُخْتُلِفَ هَلْ يَقْضِي فِي الطَّرِيقِ ؟ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِقَضَائِهِ وَهُوَ مَاشٍ إنْ لَمْ يَشْغَلْهُ السَّيْرُ وَزَحْمَةُ النَّاسِ وَالنَّظَرُ إلَيْهِمْ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَقْضِي وَهُوَ مَاشٍ وَلَا يُكَلِّمُ أَحَدًا مِنْ الْخُصُومِ وَلَا يَقِفُ مَعَهُ .
اللَّخْمِيُّ لَا بَأْسَ بِحُكْمِهِ مَاشِيًا فِي مَسْأَلَةِ نَصٍّ وَمَا خَفَّ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا يَحْتَاجُ لِرَوِيَّةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَفِي جَوَازِهِ مَاشِيًا .
ثَالِثُهَا فِي مَسْأَلَةِ نَصٍّ أَوْ خَفِيفِ اجْتِهَادٍ لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَاللَّخْمِيِّ .
( وَ ) فِي كَرَاهَةِ حُكْمِهِ حَالَ كَوْنِهِ ( مُتَّكِئًا ) أَيْ رَاقِدًا عَلَى أَحَدِ جَنْبَيْهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ لِلَّخْمِيِّ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِالْحَاضِرِينَ وَلِلْعِلْمِ حُرْمَةٌ وَعَدَمُهَا وَهُوَ لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٌ قَوْلَانِ .
الْمُتَيْطِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُحْتَبِيًا ، قِيلَ لِإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي هَلَّا أَلَّفْت كِتَابًا فِي آدَابِ الْقَاضِي ، قَالَ إذَا قَضَى بِالْحَقِّ فَلْيَقْعُدْ فِي مَجْلِسِهِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ .
( وَ ) فِي جَوَازِ ( إلْزَامِ يَهُودِيٍّ ) أَنْ يَأْتِيَ الْقَاضِيَ لِيُوقِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ ( حُكْمًا بِسَبْتِهِ ) أَيْ الْيَهُودِيِّ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ لِلْقَرَوِيِّينَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ فِي تَمْكِينِ الْمُسْلِمِ مِنْ اسْتِحْلَافِهِ يَهُودِيًّا يَوْمَ السَّبْتِ قَوْلَا الْقَابِسِيِّ وَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، فَخَصَّ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ بِالْيَهُودِيِّ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَا يُعَظِّمُ يَوْمًا ، وَعَمَّمَهُ ابْنُ عَاتٍ فِيهِمَا لِأَنَّ يَوْمَ الْأَحَدِ لَهُ وَالسَّبْتَ لِلْيَهُودِ .
( وَ ) فِي جَوَازِ ( تَحْدِيثِهِ ) أَيْ الْقَاضِي الْحَاضِرِينَ بِكَلَامٍ مُبَاحٍ

كَحِكَايَةٍ عَنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ ( بِمَجْلِسِهِ ) لِلْقَضَاءِ ( لِضَجَرٍ ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ ، أَيْ تَعَبٍ وَمَلَلٍ وَسَآمَةٍ حَصَلَ لَهُ مِنْ كَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ لِيُرَوِّحَ قَلْبَهُ وَيَرْجِعَ إلَيْهِ فَهْمُهُ نَزَلَ بِهِ أَوْ هَمٌّ ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمَنَعَهُ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمَهَابَتِهِ وَيُصَغِّرُهُ فِي عُيُونِ النَّاسِ لِمُطَرِّفٍ وَمَنْ مَعَهُ قَوْلَانِ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إنْ دَخَلَهُ ضَجَرٌ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَدِّثَ جُلَسَاءَهُ إذَا مَلَّ يُرَوِّحُ قَلْبَهُ ثُمَّ يَعُودُ لِلْحُكْمِ .
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقُومُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ قِيَامِهِ وَصَرْفِ النَّاسِ .
قُلْت هَذَا إنْ نَالَهُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ مَجْلِسِهِ ، وَإِنْ مَضَى مَا لَهُ بَالٌ فَالثَّانِي أَصْوَبُ ، وَعَزَا الصِّقِلِّيُّ الْأَوَّلَ لِأَشْهَبَ وَالثَّانِيَ لِلْأَخَوَيْنِ .
( وَ ) فِي اشْتِرَاطِ ( دَوَامِ الرِّضَا ) بِحُكْمِ الْمُحَكَّمِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ ( فِي التَّحْكِيمِ لِلْحُكْمِ ) مِنْ الْمُحَكَّمِ فَلِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ عَنْ التَّحْكِيمِ قَبْلَ حُكْمِهِ ، قَالَهُ سَحْنُونٌ ، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ دَوَامِهِ إلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ ( قَوْلَانِ ) فِي كُلٍّ مِنْ الْفُرُوعِ السَّابِقَةِ حَذَفَهُ مِمَّا عَدَا الْأَخِيرَ لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ .
الْبَاجِيَّ لَوْ حَكَّمَا رَجُلًا بَيْنَهُمَا فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَهُ ثُمَّ بَدَا لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَرَى أَنْ يَقْضِيَ ، وَيَجُوزُ حُكْمُهُ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ وَالْأَقْوَالُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ اُنْظُرْهَا فِيهِ .

يَحْكُمُ مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنْ الْفِكْرِ ، وَمَضَى ، وَعَزَّرَ شَاهِدَ زُورٍ فِي الْمَلَإِ بِنِدَاءٍ ، وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ ، وَلَا يُسَخِّمُهُ

( وَلَا يَحْكُمُ ) الْقَاضِي ( مَعَ ) حُصُولِ ( مَا ) أَيْ شَيْءٍ ( يُدْهِشُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَكَسْرِ الْهَاءِ ، أَيْ يُضْعِفُ ( الْفِكْرَ ) بِكَسْرِ الْفَاءِ ، أَيْ الْعَقْلَ عَنْ تَمَامِ إدْرَاكِهِ مِنْ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَحُزْنٍ وَغَلَبَةِ نَوْمٍ وَحَقْنٍ وَلَقْسٍ ، أَيْ ضِيقِ نَفَسٍ أَوْ غَثَيَانِ نَفَسٍ وَأَكْلٍ فَوْقَ كِفَايَةٍ ، وَقَدْ قِيلَ الْبِطْنَةُ تُذْهِبُ الْفَطِنَةَ ، وَالنَّهْيُ تَحْرِيمٌ عِنْدَ الْبِسَاطِيِّ وَالْحَطّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ، وَكَرَاهَةٌ عِنْدَ تت ، وَأَمَّا مَا يَمْنَعُ الْعَقْلَ عَنْ أَصْلِ الْإِدْرَاكِ فَمَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا ، وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي لَا يُفْتِي مَعَ مَا يُدْهِشُ الْفِكْرَ نَصَّ عَلَيْهِ عِيَاضٌ ، وَتَبِعَهُ الْآبِي وَمِنْهُ كَثْرَةُ الزِّحَامِ ، وَكَانَ سَحْنُونٌ يَحْكُمُ فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ عَلَيْهِ بَوَّابٌ لَا يُدْخِلُ عَلَيْهِ إلَّا اثْنَيْنِ فَاثْنَيْنِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْمَجِيءِ إلَيْهِ ، وَفِي هَذَا فَائِدَتَانِ السَّتْرُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ وَاسْتِجْمَاعُ الْفِكْرِ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ لَا يَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ وَهُوَ عَلَى صِفَةٍ يُخَافُ فِيهَا أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالْقَضِيَّةِ صَوَابًا إنْ نَزَلَ بِهِ فِي قَضَائِهِ تَرَكَهُ كَالْغَضَبِ وَالضَّجَرِ وَالْهَمِّ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْحَقْنِ وَأَخْذِهِ مِنْ الطَّعَامِ فَوْقَ كِفَايَتِهِ .
قُلْت أَرَادَ إنْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ تَغَيُّرًا ، وَأَصْلُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحْكُمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانٌ } ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إنَاطَةِ الْحُكْمِ بِأَعَمَّ مِنْ الْغَضَبِ وَهُوَ الْأَمْرُ الشَّاغِلُ وَإِلْغَاءُ خُصُوصِ الْغَضَبِ ، وَسَمَّوْا هَذَا الْإِلْغَاءَ وَالِاعْتِبَارَ بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ .
( وَ ) إنْ حَكَمَ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ ( مَضَى ) حُكْمُهُ .
الْمُتَيْطِيُّ فِي كِتَابِ الْقَزْوِينِيِّ إنْ حَكَمَ وَهُوَ غَضْبَانُ جَازَ حُكْمُهُ خِلَافًا لِدَاوُدَ ، وَفَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ الْغَضَبِ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ ( وَعَزَّرَ ) بِفَتَحَاتٍ

مُثَقَّلًا أَيْ أَدَّبَ الْقَاضِي شَخْصًا ( شَاهِدًا بِزُورٍ ) أَيْ مَا لَمْ يَعْلَمْ عَمْدًا وَإِنْ صَادَفَ الْوَاقِعَ بِأَنْ شَهِدَ بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَتَلَهُ ، وَقَدْ كَانَ قَتَلَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ زَوْرِ الصَّدْرِ أَيْ اعْوِجَاجِهِ لَا مِنْ تَزْوِيرِ الْكَلَامِ أَيْ تَحْسِينِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ زَوَّرْت فِي نَفْسِي كَلَامًا أَوْ مَقَالَةً وَيَجْتَهِدُ فِيمَا يُعَزِّرُ بِهِ شَاهِدَ الزُّورِ مِمَّا يَرَاهُ زَاجِرًا لَهُ عَنْ عَوْدِهِ لِمِثْلِ شَهَادَةِ الزُّورِ ، وَلِمِثْلِهِ عَنْ ارْتِكَابِهَا ( بِ ) حَضْرَةِ ( مَلَأٍ ) بِالْقَصْرِ وَالْهَمْزِ ، أَيْ جَمْعٍ مِنْ النَّاسِ ( بِنِدَاءٍ ) بِكَسْرِ النُّونِ مَمْدُودًا ، أَيْ صِيَاحٍ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ وَطَوَافٍ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْجَمَاعَاتِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى شَاهِدِ الزُّورِ ضَرَبَهُ بِقَدْرِ رَأْيِهِ وَيُطَافُ يه فِي الْمَجَالِسِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَادَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ .
ابْنُ وَهْبٍ كَتَبَ عُمَرُ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إلَى عُمَّالِهِ بِالشَّامِ إنْ أَخَذْتُمْ شَاهِدَ زُورٍ فَاجْلِدُوهُ أَرْبَعِينَ وَسَخِّمُوا وَجْهَهُ وَطُوفُوا بِهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ النَّاسُ وَيُطَالُ حَبْسُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي إتْيَانِ سَحْنُونٍ بِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَيْلٌ مِنْهُ إلَيْهَا .
( وَلَا يَحْلِقُ ) أَيْ لَا يَأْمُرُ الْقَاضِي أَنْ يَحْلِقَ ( رَأْسَهُ ) أَيْ شَاهِدَ الزُّورِ ( أَوْ لِحْيَتَهُ وَلَا يُسَخِّمُهُ ) أَيْ لَا يَأْمُرُ بِدَهْنِ وَجْهِ شَاهِدِ الزُّورِ بِالسُّخَامِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِأَسْفَلِ الْقِدْرِ وَمُحِيطِهِ مِنْ كَثْرَةِ الدُّخَانِ ، رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا أَرَى الْحَلْقَ وَالتَّسْخِيمَ .
ابْنُ مَرْزُوقٍ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُسَخِّمُ وَجْهَهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ عَادَتُهُمْ عَدَمُ الْحَلْقِ وَيَجْعَلُونَ الْحَلْقَ مِثْلَهُ .

ثُمَّ فِي قَبُولِهِ : تَرَدُّدٌ ، وَإِنْ أُدِّبَ التَّائِبُ : فَأَهْلٌ

( ثُمَّ ) إذَا ظَهَرَتْ تَوْبَةُ شَاهِدِ الزُّورِ وَشَهِدَ شَهَادَةً أُخْرَى فَ ( فِي قَبُولِ ) شَهَادَةِ ( هـ ) وَعَدَمِهِ ( تَرَدُّدٌ ) ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ إنْ تَابَ عِبَارَاتُ ابْنِ رُشْدٍ ظَاهِرُ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ عُرِفَتْ تَوْبَتُهُ وَإِقْبَالُهُ وَتَزَيُّدُهُ فِي الْخَيْرِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، خِلَافُ قَوْلِهَا لَا تَجُوزُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَ حَالُهُ ، وَقِيلَ مَعْنَى السَّمَاعِ إنْ أَتَى تَائِبًا مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ ، وَمَعْنَى مَا فِيهَا إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ إنْ أَتَى تَائِبًا ثُمَّ انْتَقَلَ حَالُهُ لِخَيْرٍ وَصَلَاحٍ قُبِلَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرِفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ فَلَا يُقْبَلُ .
وَلِأَصْبَغَ لَا تُقْبَلُ أَبَدًا إنْ أَقَرَّ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ، وَاخْتُلِفَ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَابَ وَانْتَقَلَ لِخَيْرٍ وَصَلَاحٍ فَقَالَ مُحَمَّدٌ آخِرُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُقْبَلُ ، رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا تُقْبَلُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ تُقْبَلُ إنْ تَابَ ، وَأَظُنُّهُ لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
الْمُتَيْطِيُّ لَمْ يَصْحَبْ سَمَاعُ أَبِي زَيْدٍ عَمَلٌ .
قُلْت فَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ بِتَوْبَتِهِ بِتَزَيُّدِهِ صَلَاحًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَالِثُهَا إنْ أَتَى تَائِبًا لَا إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ إنَّا قُلْنَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ بِالصَّلَاحِ وَالتَّزَيُّدِ فِي الْخَيْرِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ .
قُلْت فِي اخْتِصَارِ الْوَاضِحَةِ عَنْهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا ، وَإِنْ ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ وَازْدَادَ صَلَاحًا وَفَضْلًا لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ يَوْمَ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذَا الْحَالِ وَلَمْ يُعْرَفْ بِالْفَضْلِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ إنْ ظَهَرَتْ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَالصَّلَاحُ الْبَيِّنُ وَالْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ .
( وَإِنْ أَدَّبَ )

الْقَاضِي شَاهِدَ الزُّورِ ( التَّائِبِ ) عَنْ زُورِهِ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ ( فَ ) هُوَ ( أَهْلٌ ) أَيْ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّأْدِيبِ لَكِنَّ الْأَوْلَى الْعَفْوُ عَنْهُ لِئَلَّا يَنْفِرَ النَّاسُ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِالزُّورِ فَيُصِرُّونَ عَلَيْهَا إنْ وَقَعَتْ مِنْهُمْ وَكَمَنْ أَتَى تَائِبًا مِنْ حِرَابَتِهِ أَوْ رِدَّتِهِ أَوْ فِطْرِهِ عَمْدًا فِي رَمَضَانَ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ أَدَّبَهُ لَكَانَ أَهْلًا ، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُؤَدِّبُهُ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ الْعَمَلُ الْمَازِرِيُّ هُوَ الْمَشْهُورُ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ أَدَّبَ مَنْ جَاءَ تَائِبًا عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ لَكَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا .
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُعَاقَبُ لَوْ عُوقِبَ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدٌ عَنْ شَهَادَتِهِ زُورًا خَوْفَ عُقُوبَتِهِ كَالْمُرْتَدِّ إنْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ .
وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ سَأَلَ عَنْ إصَابَتِهِ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ فَلَا يُعَاقَبُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَاقِبْهُ

وَمَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ أَوْ مُفْتٍ ، أَوْ شَاهِدٍ ، لَا بِشَهِدْتَ بِبَاطِلٍ : كَلِخَصْمِهِ : كَذَبْتَ ، وَلْيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ ، وَإِنْ مُسْلِمًا ، وَكَافِرًا .

( وَ ) عَزَّرَ الْقَاضِي ( مَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ ) ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ إنْ شَتَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ أَسْرَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ ، كَقَوْلِهِ يَا ظَالِمُ يَا فَاجِرُ فَعَلَيْهِ زَجْرُهُ وَضَرْبُهُ إلَّا ذَا مُرُوءَةٍ فِي فَلْتَةٍ مِنْهُ فَلَا يَضْرِبُهُ ( أَوْ ) أَسَاءَ عَلَى ( مُفْتٍ أَوْ ) عَلَى ( شَاهِدٍ ) أَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ وَابْنُ وَلِيدٍ وَابْنُ غَالِبٍ بِأَدَبِ مَنْ قَالَ لِلشُّهُودِ وَأَهْلِ الْفُتْيَا تَشْهَدُونَ عَلَيَّ وَتُفْتُونَ لَا أَدْرِي مَنْ أُكَلِّمُ مِنْكُمْ .
سَحْنُونٌ إنْ قَالَ الْخَصْمُ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَهِدْت عَلَيَّ بِزُورٍ أَوْ بِمَا يَسْأَلُك اللَّهُ عَنْهُ أَوْ مَا أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ ، وَيُؤَدَّبُ الْمَعْرُوفُ بِالْإِذَايَةِ بِقَدْرِ جُرْمِهِ وَقَدْرِ الرَّجُلِ الْمُنْتَهَكِ حُرْمَتُهُ وَقَدْرِ الشَّاتِمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةٌ تَجَافَى عَنْهُ ( لَا ) يُؤَدَّبُ بِقَوْلِهِ ( شَهِدْت بِبَاطِلٍ ) ابْنُ كِنَانَةَ إنْ قَالَ شَهِدْت عَلَيَّ بِزُورٍ فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ فَلَا يُؤَدَّبُ ، وَإِنْ قَصَدَ أَذَاهُ وَالشُّهْرَةَ بِهِ نُكِّلَ بِقَدْرِ حَالِ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَالْبَاطِلُ أَعَمُّ مِنْ الزُّورِ .
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ التَّأْدِيبِ فَقَالَ ( كَ ) مَنْ قَالَ ( لِخَصْمِهِ كَذَبْت عَلَيَّ ) بِشَدِّ الْيَاءِ فِيمَا ادَّعَيْت بِهِ عَلَيَّ أَوْ فِيمَا أَنْكَرْتنِي فِيهِ ، إذْ هَذِهِ مُجَاوَبَةٌ لَا إيذَاءٌ ( وَلْيُسَوِّ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْوَاوِ مَكْسُورَةً الْقَاضِي وُجُوبًا ( بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ ) فِي الْقِيَامِ أَوْ الْجُلُوسِ وَالْقُرْبِ أَوْ الْبُعْدِ وَالْكَلَامِ وَالِاسْتِمَاعِ لِكَلَامِهِمَا وَرَفْعِ صَوْتِهِمَا وَالنَّظَرِ إلَيْهِمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَا ( مُسْلِمًا وَكَافِرًا ) ابْنُ عَرَفَةَ رِوَايَةُ الْأُمَّهَاتِ وَاضِحَةٌ بِوُجُوبِ تَسْوِيَةِ الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِهِمَا

بَيْنَ يَدَيْهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالسَّمَاعِ مِنْهُمَا وَرَفْعِ صَوْتِهِ عَلَيْهِمَا .
الْمَازِرِيُّ لَوْ كَانَ الْخَصْمَانِ مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا فَفِي تَسْوِيَتِهِمَا فِي مَجْلِسِهِمَا كَمُسْلِمَيْنِ وَجَعْلِ الْمُسْلِمِ أَرْفَعَ قَوْلَانِ .
ابْنُ عَرَفَةَ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى الْأَوَّلِ مَعْزُوًّا لِأَصْبَغَ .
عُمَرُ لِأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَسَوِّ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِك وَعَدْلِك وَوَجْهِك حَتَّى لَا يَطْمَعَ الشَّرِيفُ فِي حَيْفِك وَلَا يَيْأَسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِك .

وَقُدِّمَ الْمُسَافِرُ وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ ، ثُمَّ السَّابِقُ ، قَالَ : وَإِنْ بِحَقَّيْنِ بِلَا طُولٍ ، ثُمَّ أَقْرَعَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْرِدَ وَقْتًا أَوْ يَوْمًا لِلنِّسَاءِ : كَالْمُفْتِي ، وَالْمُدَرِّسِ

( وَ ) إنْ تَعَدَّدَتْ الْخُصُومَاتُ عِنْدَ الْقَاضِي ( قَدَّمَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْقَاضِي وُجُوبًا ( الْمُسَافِرَ ) بِالنَّظَرِ فِي خُصُومَتِهِ مَعَ مُسَافِرٍ أَوْ مَعَ مُقِيمٍ ، لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ يُفَوِّتُهُ الرُّفْقَةَ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ وَحْدَهُ ( وَ ) قَدَّمَ ( مَا يَخْشَى فَوَاتَهُ ) بِتَأْخِيرِهِ كَنِكَاحٍ اسْتَوْجَبَ فَسْخَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَخِيفَ إذَا أَخَّرَ النَّظَرَ فِيهِ أَنْ يَدْخُلَ الزَّوْجُ بِهَا وَطَعَامٍ إذَا أُخِّرَ فَسَدَ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُسَافِرُ وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ قَدَّمَ أَشَدَّهُمَا ضَرَرًا بِتَأْخِيرِهِ ، وَهَذَا أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَكْثُرْ الْمُسَافِرُونَ جِدًّا ، فَإِنْ كَثُرُوا جِدًّا بِحَيْثُ يَحْصُلُ الضَّرَرُ لِلْمُقِيمِينَ بِتَأْخِيرِهِمْ عَنْ الْمُسَافِرِينَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ إنْ اسْتَوَى ضَرَرُهُمْ بِالتَّأْخِيرِ وَإِلَّا قَدَّمَ أَشَدَّهُمَا ضَرَرًا ، نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمَازِرِيِّ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ يُقَدِّمُ الْقَاضِي فِي الْخُصُومَةِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ إلَّا الْمُسَافِرَ وَمَا يُخْشَى فَوْتُهُ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الْأَوَّلِ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي بِطَاقٍ وَخُلِطَتْ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا بَدَأَ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ سَحْنُونٍ الْغُرَبَاءُ وَأَهْلُ الْمِصْرِ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْغُرَبَاءَ بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا لَا يُدْخِلُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ ضَرَرًا وَقَالَهُ أَشْهَبُ ، وَزَادَ وَأَرَى أَنْ يَبْدَأَ بِالْغُرَبَاءِ كُلَّ يَوْمٍ مَا لَمْ يَكْثُرُوا فَلَا يَبْدَأُ بِهِمْ .
ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ مِنْ شَأْنِ الْقُضَاةِ تَقْدِيمُ الْغُرَبَاءِ وَتَعْجِيلُ سُرَاهُمْ .
سَحْنُونٌ لَا يُقَدِّمُ رَجُلًا لِفَضْلِهِ وَسُلْطَانِهِ .
( ثُمَّ ) يُقَدِّمُ ( السَّابِقَ ) إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي إنْ كَانَ بِحَقٍّ وَاحِدٍ ( قَالَ ) الْمَازِرِيُّ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ ( وَإِنْ بِحَقَّيْنِ بِلَا طَوْلٍ ) وَنَصُّهُ إذَا وَجَبَ تَقْدِيمُ الْأَسْبَقِ ، فَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا يُقَدِّمُ الْأَسْبَقَ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ لَا فِي سَائِرِ مَطَالِبِهِ ، وَهَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ إنْ

سَبَقَ بِخَصْمَيْنِ قَدَّمَ فِيهِمَا مِمَّا لَا يَطُولُ وَلَا يَضُرُّ بِالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ بَعْدَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ لِأَصْحَابِنَا .
وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَصْبَغَ إذَا قَضَى بَيْنَ خَصْمَيْنِ فِي أَمْرٍ اخْتَصَمَا فِيهِ ثُمَّ أَخَذَا فِي حُجَّةٍ أُخْرَى فِي خُصُومَةٍ أُخْرَى ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ غَيْرُهُمَا فَلَا يَسْمَعُ مِنْهُمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّنْ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ بِمَنْ حَضَرَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا .
( ثُمَّ ) إنْ اسْتَوَوْا فِي الْمَجِيءِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ ( أَقْرَعَ ) بَيْنَهُمْ بِأَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ فِي أَوْرَاقٍ وَيَخْلِطَهَا وَيُخْرِجَ مِنْهَا وَرَقَةً فَمَنْ وَجَدَ اسْمَهُ فِيهَا قَدَّمَهُ ( وَيَنْبَغِي ) لِلْقَاضِي ( أَنْ يُفْرِدَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ( يَوْمًا ) مُعَيَّنًا مِنْ الْأُسْبُوعِ ( أَوْ وَقْتًا ) مُعَيَّنًا مِنْ الْيَوْمِ ( لِ ) قَضَاءٍ بَيْنَ ( ا النِّسَاءِ ) سَتْرًا لَهُنَّ وَحِفْظًا مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ فِي مَجْلِسِهِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُنَّ خَاصَّةً أَوْ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ ، وَهَذَا فِي نِسَاءٍ يَخْرُجْنَ وَلَا يُخْشَى مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهِنَّ الْفِتْنَةُ بِهِنَّ ، وَأَمَّا الْمُخَدَّرَاتُ وَاَللَّاتِي يُخْشَى مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهِنَّ الْفِتْنَةُ بِهِنَّ فَيُوَكِّلْنَ مِنْ يُخَاصِمُ عَنْهُنَّ أَوْ يَبْعَثُ لَهُنَّ فِي مَنَازِلِهِنَّ ثِقَةً مَأْمُونًا .
ابْنُ عَرَفَةَ سَحْنُونٌ يَعْزِلُ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ وَالرِّجَالَ عَلَى حِدَةٍ .
أَشْهَبُ أَرَى أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّسَاءِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بِالرِّجَالِ فَذَلِكَ لَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ صَحِيحٌ إمَّا لِكَثْرَةِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَوْ لِكَثْرَتِهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ ، وَلَا يُقَدِّمُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ مُخْتَلِطِينَ ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا مَعْلُومًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَلَ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِدَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا ، وَإِنْ احْتَاجَ لِكَشْفِ وَجْهِ امْرَأَةٍ لِيَعْرِفَ بِهَا أَوْ لِيَشْهَدَ

شُهُودُهَا عَلَى عَيْنِهَا كَشَفَهُ بَيْنَ أَيْدِي الْعُدُولِ وَيَأْمُرُ بِتَنْحِيَةِ غَيْرِهِمْ ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْمَجَالِسِ وَيَجْعَلُ لِلنَّصَارَى يَوْمًا أَوْ وَقْتًا مِنْ الْأَيَّامِ بِقَدْرِ قِلَّتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ ، وَيَجْلِسُ لَهُمْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ ، الْمَازِرِيُّ إنْ كَانَ الْحُكْمُ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَبْعَدَ عَنْهَا مَنْ لَا خِصَامَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مِنْ الرِّجَالِ .
قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعُدَ عَنْهَا خَصْمُهَا أَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْمَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُجَّةَ خَصْمِهِ أَوْ أَقْصَى مَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ مِنْهُمَا وَيَذْكُرُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلَ صَاحِبِهِ ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِسُرْعَةِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً لَهَا جَمَالٌ وَيَخَافُ إنْ تَكَلَّمَتْ افْتَتَنَ بِهَا مَنْ يَسْمَعُ كَلَامَهَا أَمَرَهَا أَنْ تُوَكِّلَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهَا فِي الْكَلَامِ ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهَا فِي دَارِهَا مَنْ تُؤْمَنُ نَاحِيَتُهُ لِسِنِّهِ وَدِينِهِ وَوَرَعِهِ مِمَّنْ يُكَلِّفُهُ الْحُكُومَةُ فِي أَمْرِهَا فَعَلَ ، وَقَدْ حَضَرَتْ الْغَامِدِيَّةُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقَرَّتْ بِالزِّنَا فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ الْأُخْرَى اُغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ، فَلَمْ يَأْمُرْ بِإِحْضَارِهَا .
الشَّيْخُ عَنْ أَصْبَغَ إنْ كَانَ فِي أَعْوَانِ الْقَاضِي ثِقَةٌ قَدَّمَهُ لِلْخُصُومَةِ بَيْنَهُنَّ فِي مَنَازِلِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ نَفْسُهُ .
وَشَبَّهَ فِي تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِ وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ ثُمَّ السَّابِقِ ثُمَّ الْإِقْرَاعِ وَإِفْرَادِ النِّسَاءِ بِزَمَنٍ فَقَالَ ( كَالْمُفْتِي ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ ( وَالْمُدَرِّسِ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ وَكَذَا الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسُ عِنْدَ التَّزَاحُمِ .
قُلْت لَمْ أَعْرِفْ هَذَا نَصًّا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ إنَّمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ وَتَخْرِيجُهُمَا عَلَى حُكْمِ تَزَاحُمِ الْخُصُومِ وَاضِحٌ ، وَكَذَا عَلَى سَمَاعِ عِيسَى ابْنَ

الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الصَّانِعِ الْخَيَّاطِ يَدْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ ثِيَابَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ ، وَلَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا إنْ كَانَ الشَّيْءُ الْخَفِيفُ الرُّقْعَةَ وَنَحْوَهَا .
ابْنُ رُشْدٍ جَعَلَ الِاخْتِيَارَ تَقْدِيمَ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ دُونَ إيجَابٍ عَلَيْهِ ، إذْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عَمَلُهُ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ، وَكَذَا قَالَ الْأَخَوَانِ لَا بَأْسَ أَنْ يُقَدِّمَ الصَّانِعُ مَنْ أَحَبَّ مَا لَمْ يَقْصِدْ مَطْلًا ، وَكَذَا قَالَ فِي الرَّحَى وَلِسَحْنُونٍ لَا يُقَدِّمُ صَاحِبُ الرَّحَى أَحَدًا عَلَى مَنْ أَتَى قَبْلَهُ إنْ كَانَتْ سُنَّةُ الْبَلَدِ الطَّحْنَ عَلَى الدَّوْلَةِ ، فَإِنْ تَحَاكَمُوا قَضَى بَيْنَهُمْ بِسُنَّتِهِمْ وَلَيْسَ قَوْلُ سَحْنُونٍ خِلَافًا لِقَوْلِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ .
قُلْت وَجَرَتْ عَادَةُ مُدَرِّسِي تُونُسَ فِي الْأَكْثَرِ بِتَقْدِيمِ قِرَاءَةِ التَّفْسِيرِ عَلَى الْحَدِيثِ ، وَتَقْدِيمِ الْحَدِيثِ عَلَى الْفِقْهِ .
الْبُرْزُلِيُّ وَعَلَى هَذَا يَأْتِي التَّقْدِيمُ فِي طَبْخِ الْخُبْزِ وَالْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ الصَّنَائِعِ إنْ كَانَ عُرْفٌ عَمِلَ بِهِ وَالْأَقْدَمُ الْآكَدُ فَالْآكَدُ ، وَيُقَدِّمُ فِي الْقِرَاءَةِ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ لِتَحْصِيلِ كَثْرَةِ الْمَنَافِعِ عَلَى قِلَّتِهَا ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ الطَّالِبُ الَّذِي لَا قَابِلِيَّةَ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ .
وَفِي الْحَطّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْأَحَبَّ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ وَلَا عُرْفٌ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ .

وَأُمِرَ مُدَّعٍ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلَامِ ، وَإِلَّا فَالْجَالِبُ ؛ وَإِلَّا أَقُرِعَ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ ، قَالَ : وَكَذَا شَيْءٌ ، وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ : كَأَظُنُّ ، وَكَفَاهُ بِعْت ، وَتَزَوَّجْت ؛ وَحُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَإِلَّا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْ السَّبَبِ

( وَأُمِرَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( مُدَّعٍ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ أَمَرَهُ الْقَاضِي وَنَعَتَهُ بِنَعْتٍ كَاشِفٍ حَقِيقَتَهُ فَقَالَ ( تَجَرَّدَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ خَلَا ( قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ، وَصِلَةُ أُمِرَ ( بِالْكَلَامِ ) وَيَأْمُرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالسُّكُوتِ حَتَّى يَتِمَّ كَلَامُ الْمُدَّعِي .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمُدَّعِي مَنْ عَرِيَتْ دَعْوَاهُ عَنْ مُرَجِّحٍ غَيْرِ شَهَادَةٍ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ اقْتَرَنَتْ دَعْوَاهُ بِهِ ، فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُدَّعِي مَنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ يَبْطُلُ عَكْسُهُ بِالْمُدَّعِي وَمَعَهُ بَيِّنَتُهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ ، وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ الْمُدَّعِي مَنْ قَالَ قَدْ كَانَ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ ، وَمَنْ عَرَفَهُمَا لَا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ .
ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ، إنَّمَا يَصِحُّ إذَا تَجَرَّدَتْ دَعْوَى الْمُدَّعِي فِي قَوْلِهِ قَدْ كَانَ مِنْ سَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى تَصْدِيقِ دَعْوَاهُ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَائِلُ لَمْ يَكُنْ كَمَنْ حَازَ شَيْئًا عَنْ غَيْرِ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ .
فِي وَجْهٍ مُدَّعِي الشَّرِكَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ يَقُولُ قَدْ كَانَ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ ، وَكَذَا الْمُودِعُ يَدَّعِي فِي الْوَدِيعَةِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهُوَ يَقُولُ قَدْ كَانَ الْمُودِعُ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْقَاضِي الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ مُدَّعٍ وَالْآخَرَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ( فَالْجَالِبُ ) صَاحِبَهُ لِلْقَاضِي هُوَ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالْكَلَامِ أَوَّلًا لِدَلَالَةِ جَلْبِهِ عَلَى أَنَّهُ الْمُدَّعِي ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْجَالِبُ وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمُدَّعِي ( أَقْرَعَ ) الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ، قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَلِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُقَدِّمُ

أَيَّهمَا شَاءَ .
الشَّيْخُ لِأَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ جَلَسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ مَالَكُمَا أَوْ مَا خُصُومَتُكُمَا أَوْ يَسْكُتَ لِيَبْتَدِيَاهُ ، فَإِنْ تَكَلَّمَ الْمُدَّعِي أَسْكَتَ الْآخَرَ حَتَّى يَسْمَعَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي ، ثُمَّ يُسْكِتُهُ وَيَسْتَنْطِقُ الْآخَرَ لِيَفْهَمَ حُجَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلَا يَبْتَدِئُ أَحَدَهُمَا فَيَقُولُ مَا تَقُولُ أَوْ مَالَك إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ الْمُدَّعِي ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي ، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا وَسَكَتَ الْآخَرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ دَعْوَاهُ ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ حَتَّى يُقِرَّ خَصْمُهُ بِذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ هَذَا الْمُدَّعِي أَقَامَهُمَا عَنْهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَحَدُهُمَا فَيَكُونَ هُوَ الطَّالِبَ ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمُدَّعِي ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَلَبَ الْآخَرَ فَالْجَالِبُ الْمُدَّعِي ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ الْجَالِبَ بَدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْآخَرِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ صَرَفَهُمَا لِدَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الطَّالِبُ فَأَبَى أَحَدُهُمَا الِانْصِرَافَ بَدَأَ بِهِ ، وَإِنْ بَقِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقًا بِالْآخَرِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ طَلَبٌ وَتَشَاحَّا فِي الِابْتِدَاءِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ الْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ ، وَاسْتَحَبَّ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالنَّظَرِ لِأَضْعَفِهِمَا .
وَإِذَا أَمَرَ الْمُدَّعِي بِالْكَلَامِ ( فَيَدَّعِي ) الْمُدَّعِي ( ب ) شَيْءٍ ( مَعْلُومٍ ) قَدْرُهُ وَجِنْسُهُ وَصِفَتُهُ لَا مَجْهُولٍ ( مُحَقَّقٍ ) بِضَمٍّ فَفَتْحَتَيْنِ مُثَقَّلًا لَا مَظْنُونٍ وَلَا مَشْكُوكٍ وَلَا مَوْهُومٍ ( قَالَ ) الْمَازِرِيُّ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ ( وَكَذَا ) أَيْ الْمَعْلُومُ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى بِهِ ( شَيْءٌ ) أَوْ حَقٌّ أَوْ مَالٌ تَرَتَّبَ لِي فِي ذِمَّتِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ ، وَجَهِلْت قَدْرَهُ لِنِسْيَانِهِ

بِطُولِ مُدَّتِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا ، بَلْ مَجْهُولًا كَشَيْءٍ أَوْ مَظْنُونًا ( لَمْ تُسْمَعْ كَأَظُنُّ ) أَنَّ لِي عِنْدَهُ كَذَا ، أَوْ فِي ظَنِّي وَأَحْرَى أَشُكُّ .
ابْنُ شَاسٍ الدَّعْوَى الْمَسْمُوعَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً صَحِيحَةً ، فَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ قَالَ وَعِنْدِي لَوْ قَالَ الطَّالِبُ أَتَيَقَّنُ عِمَارَةَ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ بِشَيْءٍ أَجْهَلُ مَبْلَغَهُ وَأُرِيدُ جَوَابَهُ يَذْكُرُهُ مُفَصَّلًا أَوْ إنْكَارُهُ جُمْلَةً لَزِمَهُ الْجَوَابُ .
ابْنُ شَاسٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْك شَيْئًا فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَيْضًا .
ابْنُ عَرَفَةَ فَاخْتَصَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَشَرَطَ الْمُدَّعَى بِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مُحَقَّقًا فَقَبِلَهُ شَارِحَاهُ وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ خِلَافًا ، وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ مَنْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَطَلَبَتْ صَدَاقَهَا حَلَفَ الْوَرَثَةُ مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ صَدَاقٌ .
ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ صَدَاقَهَا وَاسْتَوْجَبَتْهُ لَا عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ عَلِمُوا أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْهُ فَرَجَعَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ عَلَى غَيْرِ مَا نَكَلَ عَلَيْهِ الْوَرَثَةُ ، وَلَهَا نَظَائِرُ .
الْحَطّ ابْنُ فَرْحُونٍ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً ، فَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ ، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ وَامْتَنَعَ مِنْ بَيَانِهِ ، وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الطَّالِبَ لَوْ أَيْقَنَ بِعِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ بِشَيْءٍ وَجَهِلَ مَبْلَغَهُ وَأَرَادَ مِنْ خَصْمِهِ أَنْ يُجَاوِبَهُ عَنْ ذَلِكَ بِإِقْرَارٍ بِمَا ادَّعَى بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ وَذَكَرَ الْمَبْلَغَ وَالْجِنْسَ لَزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ .
أَمَّا لَوْ قَالَ لِي عَلَيْهِ

شَيْءٌ مِنْ فَضْلَةِ حِسَابٍ لَا أَعْلَمُ قَدْرَهُ وَقَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمَا تَحَاسَبَا وَبَقِيَتْ لَهُ عِنْدَهُ بَقِيَّةٌ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِقَدْرِهَا فَدَعْوَاهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَسْمُوعَةٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى حَقًّا لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ وَقَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا لَا يَعْلَمُونَ قَدْرَهُ ، فَهِيَ دَعْوَى مَسْمُوعَةٌ وَسَيَأْتِي كَثِيرٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ النَّاقِصَةِ ا هـ .
فَقَوْلُهُ أَمَّا إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا يُسْمَعُ بِلَا خِلَافٍ ، فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ مَعْلُومٍ وَقَوْلُهُ بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ ، فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ تَوْجِيهَ يَمِينَ التُّهْمَةِ بِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَمَسَائِلُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ ، فَفِي آخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ بِيَدِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ مِنْهُ ، فَإِنْ جَهِلَاهُ جَمِيعًا جَازَ ذَلِكَ ، وَإِنْ عَرَفَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ مِنْهَا فَلْيُسَمِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ا هـ .
وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ لِلْقَائِمِ فِي الدَّارِ الْمُقَوَّمِ فِيهَا بِحِصَّةٍ لَا يَعْرِفُونَ مَبْلَغَهَا ، فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنْ يُقَالَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ سَمِّ مَا شِئْت وَاحْلِفْ عَلَيْهِ وَخُذْهُ ، فَإِنْ أَبَى أُخْرِجَتْ الدَّارُ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَوُقِفَتْ حَتَّى يُقِرَّ بِشَيْءٍ ، قَالَ مُطَرِّفٌ وَقَدْ كُنَّا نَقُولُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إنَّهُ إذَا لَمْ تَعْرِفْ الشُّهُودُ الْحِصَّةَ فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ وَلَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ شَيْءٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَجَعْنَا إلَى قَوْلِهِ وَاسْتَمَرَّتْ الْأَحْكَامُ عَلَى ذَلِكَ .
( وَكَفَاهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي فِي بَيَانِ سَبَبِ الْمُدَّعَى بِهِ قَوْلُهُ ( بِعْت ) شَيْئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ

بِدِينَارٍ مَثَلًا وَلَمْ أَقْبِضْهُ مِنْهُ ( وَ ) كَفَى قَوْلُ امْرَأَةٍ مُدَّعِيَةٍ عَلَى رَجُلٍ بِصَدَاقٍ وَأَنْكَرَهُ ( تَزَوَّجْت ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَلَمْ أَقْبِضْهَا مِنْهُ ، قَالُوا وَبِمَعْنَى أَوْ ( وَحُمِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْبَيْعُ أَوْ التَّزَوُّجُ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُدَّعِي ( عَلَى ) الْبَيْعِ أَوْ التَّزَوُّجِ ( الصَّحِيحِ ) بِاسْتِيفَاءِ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ فِي عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ .
ابْنُ شَاسٍ إذَا ادَّعَى فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا تَزَوُّجًا صَحِيحًا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُومَ بِوَلِيٍّ وَبِرِضَاهَا ، بَلْ لَوْ أَطْلَقَ سُمِعَ أَيْضًا ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ ، بَلْ لَوْ قَالَ هِيَ زَوْجَتِي لَكَفَاهُ الْإِطْلَاقُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّعِي سَبَبَ مَا ادَّعَى بِهِ ( فَلْيَسْأَلْهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( الْحَاكِمُ عَنْ السَّبَبِ ) لِلْمُدَّعَى بِهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ إيجَابِهِ شَيْئًا أَصْلًا كَبَيْعِ مُسْلِمٍ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ إيجَابِهِ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ كَرِبًا .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : الْحَطّ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَذْكُرَ السَّبَبَ .
يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا ذِكْرُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا وَهُوَ وَاضِحٌ ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِيمَا يَنْبَغِي لَهُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
طفي فِيهِ نَظَرٌ ، إذْ صِحَّتُهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ إنْ أَبَى الْمُدَّعِي أَنْ يَذْكُرَ السَّبَبَ وَلَمْ يَدَّعِ نِسْيَانَهُ فَلَا يُسْأَلُ الْمَطْلُوبُ عَنْ شَيْءٍ وَنَحْوِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ .
الشَّارِحُ وَوَجْهُهُ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُدَّعِي قَدْ يَكُونُ فَاسِدًا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ غَرَامَةٌ .
ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ

وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ تَوَجُّهُ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِإِيجَابِ جَوَابِهِ خَصْمَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لِي عِنْدَ هَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا بِهِ تَقَرَّرَتْ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ سَلَفٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ بَتِّ عَطِيَّةٍ أَوْ عِدَّةٍ .
ا هـ .
وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِهِ وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ الْحَاكِمُ ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ لَهُ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى ، فَإِنْ غَفَلَ الْحَاكِمُ عَنْهُ قَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَقَامَهُ ، هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ كَالْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّارِحِ ، فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ ابْنِ حَارِثٍ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ لَك مَا ادَّعَيْت بِهِ وَعَلَى هَذَا شَرْحُ عج وَغَيْرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ بَلْ الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْحَطّ ، إذْ لَوْ أَنَّ ذِكْرَهُ مِنْ تَمَامِ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَا قُبِلَ نِسْيَانُهُ وَلَبَطَلَتْ الدَّعْوَى إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي كَلَامِ الْمَجْمُوعَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمَّا قَوِيَتْ التُّهْمَةُ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ ذِكْرِهِ بَعْدَ السُّؤَالِ عَنْهُ لَمْ يُكَلَّفْ الْمَطْلُوبَ بِالْجَوَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّانِي : ابْنُ فَرْحُونٍ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الْمُدَّعَى بِهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَزِمَهُ ، كَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِهِبَةٍ وَقُلْنَا إنَّهَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ فَيَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ ، وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْمُخَالِفِ وَالشَّاذِّ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ ، وَكَذَا الْعِدَّةُ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهَا وَالْوَصِيَّةُ .
الثَّالِثُ : ابْنُ فَرْحُونٍ فَصْلٌ فِي تَصْحِيحِ الدَّعْوَى وَالْمُدَّعَى بِهِ أَنْوَاعٌ ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَهُوَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَصْحِيحُ الدَّعْوَى أَنْ يُبَيِّنَ مَا يَدَّعِي بِهِ ، وَيَذْكُرَ أَنَّهُ فِي يَدِ

الْمَطْلُوبِ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ الْعَدَاءِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُدَّعِي أَنْ يَسْأَلَ الْحَاكِمَ النَّظَرَ بَيْنَهُمَا بِمَا يُوجِبُ الشَّرْعَ .
الْحَطّ قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ قَوْلُهُ ضَاعَ أَوْ سُرِقَ مِنِّي وَلَا أَدْرِي بِمَاذَا وَصَلَ إلَى هَذَا الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ ، وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ .
الرَّابِعُ : الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ زَادَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةً يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ لَا تُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ ، وَتَكُونُ مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَلْزَمُهُ ، وَاحْتَرَزَ بِمُعْتَبَرَةٍ مِنْ دَعْوَى نَحْوِ الْقَمْحَةِ وَالشَّعِيرَةِ وَبِغَرَضٍ صَحِيحٍ مِنْ دَعْوَى أُجْرَةٍ عَلَى مُحَرَّمٍ وَبِقَوْلِهِ لَا تُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ مِنْ دَعْوَى دَارٍ بِيَدِ حَائِزٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا عَشْرَ سِنِينَ وَالْمُدَّعِي حَاضِرٌ سَاكِتٌ ، وَبِالْأَخِيرِ مِنْ دَعْوَى الْهِبَةِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهَا بِالْقَوْلِ وَالْوَعْدُ كَذَلِكَ وَالْوَصِيَّةُ .
الْخَامِسُ : اقْتَضَى كَلَامُ تت أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا يَكْفِيهِ فِي بَيَانِ سَبَبِهِ بِعْت وَتَزَوَّجْت فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ فَرْضُهَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى بَيْعَ شَيْءٍ أَوْ اشْتِرَاءَهُ كَفَاهُ بِعْت أَوْ اشْتَرَيْت ، وَكَذَا مَنْ ادَّعَى تَزَوُّجَ امْرَأَةٍ فَيَكْفِيهِ تَزَوَّجْتهَا ، فَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا ادَّعَى فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا تَزَوُّجًا صَحِيحًا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ بِوَلِيٍّ وَبِرِضَاهَا ، بَلْ لَوْ أَطْلَقَ تُسْمَعُ أَيْضًا .
وَكَذَا فِي الْبَيْعِ ، بَلْ لَوْ قَالَ هِيَ زَوْجَتِي لَكَفَاهُ الْإِطْلَاقُ .
ا هـ .
وَبِهِ شَرَحَ " ق " كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ، وَهَكَذَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ الشَّارِحُ ، لَكِنْ فِي الْمُتَيْطِيِّ عَنْ ابْنِ حَارِثٍ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ لَك مَا ادَّعَيْت بِهِ ، فَإِنْ قَالَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَفٍ أَوْ

ضَمَانٍ أَوْ تَعَدٍّ أَوْ شُبْهَةٍ فَلَا يُكَلَّفُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .
ا هـ .
فَعَلَيْهِ يَأْتِي تَقْرِيرُ تت ، وَيُلَائِمُ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلْيَسْأَلْهُ إلَخْ .
تت وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ إلَخْ ، وَقَالَ الشَّارِحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَشْيَاخُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ عَنْ السَّبَبِ ، وَإِلَّا يُحْمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ وَإِنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِذَلِكَ ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَقُومُ مَقَامَهُ .

ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ ، أَوْ أَصْلٍ بِجَوَابِهِ ، إنْ خَالَطَهُ بِدَيْنٍ ، أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ ، وَإِنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ ، لَا بَيِّنَةٍ جُرِّحَتْ

( ثُمَّ ) أَمَرَ الْقَاضِي شَخْصًا ( مُدَّعًى عَلَيْهِ ) وَكَشَفَ حَقِيقَتَهُ بِنَعْتِهِ بِقَوْلِهِ ( تَرَجَّحَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا .
أَيْ تَقَوَّى ( قَوْلُهُ بِ ) مُوَافَقَةِ شَيْءٍ ( مَعْهُودٍ ) أَيْ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ .
ابْنُ فَرْحُونٍ الْمَعْهُودُ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ ( أَوْ ) تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمُوَافَقَةِ ( أَصْلٍ ) ابْنُ فَرْحُونٍ أَيْ حَالٍ مُسْتَصْحَبٍ .
الْحَطّ الْمَعْهُودُ هُوَ شَهَادَةُ الْعُرْفِ وَنَحْوِهِ وَالْأَصْلُ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَصِلَةُ أَمَرَ ( بِجَوَابِهِ ) أَيْ الْمُدَّعِي .
ابْنُ عَرَفَةَ إذَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَمَرَ الْقَاضِي الْخَصْمَ بِجَوَابِهِ إذَا اسْتَحَقَّتْ الدَّعْوَى جَوَابًا ، وَإِلَّا فَلَا ، كَقَوْلِ الْمُدَّعِي هَذَا أَخْبَرَنِي الْبَارِحَةَ أَنَّهُ رَأَى هِلَالَ الشَّهْرِ أَوْ سَمِعَ مَنْ يُعَرِّفُ بِلُقَطَةٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ أَمْرُهُ بِالْجَوَابِ عَلَى طَلَبِ الْمُدَّعِي ذَلِكَ لِوُضُوحِ دَلَالَةِ حَالِ التَّدَاعِي عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ مِنْ الدَّعْوَى كَأَنْ يَقُولَ لِلْقَاضِي لِي عِنْدَ هَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي طَلَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجَوَابٍ لِعَدَمِ تَصْرِيحِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ ، وَذَكَرَ أَنَّ أَخَوَيْنِ بِالْبَصْرَةِ كَانَا يَتَوَكَّلَانِ عَلَى أَبْوَابِ الْقُضَاةِ ، وَكَانَ لَهُمَا فِقْهٌ ، فَلَمَّا وَلِيَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَهُوَ مِمَّنْ عَاصَرَ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ الْأَخَوَانِ أَنْ يُعْلِمَاهُ مَكَانَهُمَا مِنْ الْعِلْمِ فَأَتَيَاهُ ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا لِي عِنْدَ هَذَا كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ عِيسَى لِلْآخَرِ أَجِبْهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَنْ أَذِنَ لَك أَنْ تَسْتَدْعِيَ جَوَابِي وَقَالَ الْمُدَّعِي لَمْ آذَنْ لَك فِي ذَلِكَ فَوَجَمَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَقَالَا لَهُ إنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نُعَلِّمَك مَكَانَنَا مِنْ الْعِلْمِ وَعَرَّفَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا وَهِيَ مُنَاقَشَةٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا لِأَنَّ الْحَالَ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ

وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَظَاهِرُهُ إيجَابُ جَوَابِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لِي عِنْدَهُ كَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ مِنْ سَلَفٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ بَتِّ عَطِيَّةٍ مِنْ مَالٍ أَجْنَبِيٍّ .
وَذَكَرَ شَرْطَ أَمْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ فَقَالَ ( إنْ خَالَطَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِدَيْنٍ ) مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَلَوْ مَرَّةً ( أَوْ ) خَالَطَهُ بِ ( تَكَرُّرِ بَيْعٍ ) بِثَمَنٍ حَالٍّ .
" ق " اللَّخْمِيُّ مَنْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ دَعْوَى فَأَنْكَرَهُ فَلَا يُحَلِّفُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى إلَّا بِمَا يَنْضَافُ إلَيْهَا مِنْ خُلْطَةٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ دَلِيلٍ ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُدَّعَى فِيهِ .
الْبَاجِيَّ الدَّعَاوَى الَّتِي تُعْتَبَرُ فِيهَا الْخُلْطَةُ هِيَ الْمُدَايَنَةُ ، فَمَنْ ادَّعَى ثَوْبًا بِيَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ لَهُ فَأَنْكَرَهُ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
ابْنُ زَرْقُونٍ لِأَنَّهَا فِي دَعْوَى مُعَيَّنٍ .
وَقِيلَ لَا يَحْلِفُ فِي دَعْوَى الْمُعَيَّنِ إلَّا بِلَطْخٍ أَوْ شُبْهَةٍ .
الْمَازِرِيُّ قَالَ الْمُتَقَدِّمُونَ كَابْنِ الْقَاسِمِ الْخُلْطَةُ أَنْ يُبَايِعَ إنْسَانٌ إنْسَانًا بِالدَّيْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ بِالنَّقْدِ مِرَارًا .
تت هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَهُوَ مَنْصُوصٌ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَشْيَاخُ أَنَّ الْخُلْطَةَ فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ لَا فِي الدَّعْوَى وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ .
ا هـ .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطٌ فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ جَمَاعَةً .
وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ لَا تُعْتَبَرُ الْخُلْطَةُ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ بِمِصْرَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ عِنْدَنَا .
" غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ خَالَطَهُ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ ، وَفِي بَعْضِهَا وَخَالَطَهُ بِالْعَطْفِ عَلَى تَرَجُّحٍ وَلَا يَخْفَاك مَا فِيهِمَا مَعًا مِنْ الْقَلَقِ ، فَإِنَّ الْخَلْطَ شَرْطٌ فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ لَا فِي الْأَمْرِ بِالْجَوَابِ ، وَلَا فِي

سَمَاعِ الدَّعْوَى ، وَتَكْلِيفِ الْبَيِّنَةِ كَمَا تُعْطِيهِ عِبَارَتَاهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَطَعَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَافَّةِ أَصْحَابِهِ الْحُكْمُ بِالْخُلْطَةِ ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ حَارِثٍ وَنَقَلَ ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ لَا تُعْتَبَرُ الْخُلْطَةُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَمَضَى عَمَلُ الْقُضَاةِ عِنْدَنَا عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ لِي شَيْخُنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْكُمُ بِهَا إلَّا إنْ طَلَبَهَا مِنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ حَيْثُ أَغْفَلَ تَمَامَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ ، وَنَصُّهُ وَفِي الْمَبْسُوطَةِ لِابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ لَا أَدْرِي مَا الْخُلْطَةُ وَلَا أَرَاهَا وَلَا أَقُولُ بِهَا وَأَرَى الْأَيْمَانَ وَاجِبَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } ، وَأَغْفَلَ أَيْضًا قَوْلَ الْمُتَيْطِيِّ آخِرَ الْحَمَالَةِ وَالرُّهُونِ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ خُلْطَةٍ ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ لُبَابَةَ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ إنَّ بَعْضَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَتَوَسَّطُ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا ادَّعَى قَوْمٌ عَلَى أَشْكَالِهِمْ بِمَا يُوجِبُ الْيَمِينَ أَوْجَبَهَا دُونَ إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى الرَّجُلِ الْعَدْلِ مَنْ لَيْسَ مِنْ شَكْلِهِ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينَ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخُلْطَةِ .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا الْأَنْدَلُسِيُّونَ مَذْهَبَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ خُلْطَةً ، وَيُوجِبُونَ الْيَمِينَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ .
ا هـ .
وَقَبِلَهُ الْعَبْدُوسِيُّ الْبُنَانِيُّ صَوَابُ هَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ قَوْلِهِ فَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ إلَخْ ، وَلَعَلَّ تَقْدِيمَهُ مِنْ مَخْرَجِ مُبَيَّضَتِهِ وَالْعَمَلُ

جَرَى بِثُبُوتِ الْيَمِينِ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ خُلْطَةٌ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا .
( وَ ) تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، بَلْ وَ ( إنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ ) وَاحِدَةٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا بِالْخُلْطَةِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تُوجِبُ الْيَمِينَ أَنَّهُ خَالَطَهُ .
وَفِي الْمُفِيدِ لَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ، وَلَا تَثْبُتُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ .
الْبُنَانِيُّ لَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ مَسْأَلَةٌ يُحْكَمُ فِيهَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ إلَّا هَذِهِ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ ( لَا ) تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ ( بِ ) شَهَادَةِ ( بَيِّنَةٍ ) بِحَقٍّ مُدَّعًى بِهِ أَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( جُرِّحَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ شَهَادَتِهَا عَلَيْهِ وَالْإِعْذَارِ لَهُ فِيهَا بِعَدَاوَةٍ لَهُ أَوْ غَيْرِهَا ، فَلَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ بَيْنَهُمَا بِشَهَادَتِهَا الَّتِي سَقَطَتْ بِالتَّجْرِيحِ ، فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَقٍّ آخَرَ فَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ بَيْنَهُمَا الْمُوجِبَةُ لِتَحْلِيفِهِ بِالشَّهَادَةِ الْأُولَى الَّتِي سَقَطَتْ بِالتَّجْرِيحِ .
" ق " رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ أَقَامَ شُهُودًا عُدُولًا عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَأَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً أَنَّهُمْ مُعَادُونَ لَهُ فَسَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ فَهُمْ كَمَنْ لَمْ يَشْهَدُوا وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنْ لَا يَحْلِفَ ، وَكَذَلِكَ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ .
" غ " هُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالدَّيْنِ فَسَقَطَتْ بِوَجْهٍ مِمَّا تَسْقُطُ بِهِ الشَّهَادَةُ أَوْ جَرَّحَهَا الْمَطْلُوبُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِخُلْطَةٍ تُوجِبُ الْيَمِينَ عَلَيْهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ ذَلِكَ خُلْطَةٌ تُوجِبُ الْيَمِينَ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَافَعَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَقٍّ آخَرَ فَقَضَى بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِخُلْطَةٍ .

إلَّا الصَّانِعَ ، وَالْمُتَّهَمَ ، وَالضَّيْفَ وَفِي مُعَيَّنٍ ، وَالْوَدِيعَةَ عَلَى أَهْلِهَا ، وَالْمُسَافِرَ عَلَى رُفْقَتِهِ ، وَدَعْوَى مَرِيضٍ أَوْ بَائِعٍ عَلَى حَاضِرِ الْمُزَايَدَةِ ، فَإِنْ أَقَرَّ ، فَلَهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ ، وَلِلْحَاكِمِ : تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ

وَاسْتَثْنَى ثَمَانِ مَسَائِلَ تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى وَتَتَوَجَّهُ فِيهَا الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، بِدُونِ ثُبُوتِ خُلْطَةٍ فَقَالَ ( إلَّا ) الشَّخْصَ ( الصَّانِعَ ) كَالْخَيَّاطِ وَالْحَيَّاكِ وَالصَّوَّاغِ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَتَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي ، لِأَنَّ تَنْصِيبَ نَفْسِهِ لِلنَّاسِ بِمَنْزِلَةِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ بَيْنَهُمَا .
" غ " الْأَوَّلُ الصَّانِعُ وَانْدَرَجَ فِيهِ التَّاجِرُ ( وَ ) إلَّا لِشَخْصِ ( الْمُتَّهَمِ ) بِفَتْحِ الْهَاءِ بِسَرِقَةٍ أَوْ تَعَدٍّ أَوْ ظُلْمٍ فَكَذَلِكَ " غ " الثَّانِي الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ وَالْعَدَاءِ وَالظُّلْمِ ابْنُ يُونُسَ أَصْبَغُ خَمْسَةٌ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ بِلَا خُلْطَةٍ الصَّانِعُ وَالْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ وَالرَّجُلُ يَقُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ إنَّ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دَيْنًا وَالرَّجُلُ يَمْرَضُ فِي الرُّفْقَةِ ، فَيَدَّعِي أَنَّهُ دَفَعَ مَالَهُ لِرَجُلٍ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ نَزَلَ فِي مَدِينَةٍ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ مَالًا .
ابْنُ عَرَفَةَ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْخَمْسَةَ غَيْرَ مَعْزُوَّةٍ كَأَنَّهَا الْمَذْهَبُ .
الْبَاجِيَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الصُّنَّاعُ تَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ فِي صِنَاعَتِهِمْ دُونَ خُلْطَةٍ لِأَنَّهُمْ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلنَّاسِ وَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي تُجَّارِ السُّوقِ .
( وَ ) إلَّا الشَّخْصَ ( الضَّيْفَ ) " غ " وَالثَّالِثُ الْغَرِيبُ يَنْزِلُ بِمَدِينَةٍ فَيَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ مِنْهَا أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ مَالًا ، فَكَأَنَّهُ عَبَّرَ بِالضَّيْفِ عَنْ الْغَرِيبِ الطَّارِئِ عَلَى الْبَلَدِ ، سَوَاءٌ ضَيَّفَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يُضَيِّفْهُ ، وَهَذَا يُسَاعِدُ ظَاهِرَ نَصِّ الْمُتَيْطِيِّ ، وَيَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ هَذَا ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمُوا عَلَى الْغَرِيبِ إذَا

أَوْدَعَ وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَأَنْكَرَهُ فِيهَا فَتَتَوَجَّهُ لَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ .
ا هـ .
وَنَقَلَ الْحَطّ عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّ مِنْ هَذِهِ النَّظَائِرِ الرَّجُلُ يُضَيِّفُ الرَّجُلَ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ .
ا هـ .
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ ابْنَ فَرْحُونٍ أَخَذَهُ مِنْ يَدِ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) إلَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( فِي ) شَيْءٍ ( مُعَيَّنٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلًا .
" غ " وَالرَّابِعُ الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ .
عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ إنَّمَا تُرَاعَى الْخُلْطَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَفِيمَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ ، وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْمُعَيَّنَةُ فَالْيَمِينُ وَاجِبَةٌ فِيهَا مِنْ غَيْرِ خُلْطَةٍ .
وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا لَا تَجِبُ الْيَمِينُ إلَّا بِالْخُلْطَةِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا مِثْلَ أَنْ يَعْرِضَ رَجُلٌ سِلْعَةً فِي السُّوقِ لِلْبَيْعِ ، فَيَأْتِي رَجُلٌ فَيَقُولُ قَدْ بِعْتهَا مِنِّي ، فَمِثْلُ هَذَا تَجِبُ فِيهِ الْيَمِينُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ خُلْطَةٌ وَهَذَا الْقَوْلُ أَبْيَنُ عِنْدِي وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ ، قَالَ لِأَنَّهُ عَرَضَهَا لِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ فَصَارَ تُهْمَةً تُوجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينَ ، وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ لِلْأَثَرِ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ .
( وَ ) إلَّا مَنْ ادَّعَى ( الْوَدِيعَةَ عَلَى أَهْلِهَا ) وَهُوَ مِمَّنْ يُودَعُ عِنْدَهُ مِثْلُهَا ، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ : كَوْنُ الْمُدَّعِي يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ ، وَكَوْنُ الْمُودِعَ مِمَّنْ يُودَعُ مِثْلُ ذَلِكَ وَحُصُولُ أَمْرٍ يُوجِبُ الْإِيدَاعَ ، وَمِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ هَذِهِ الْقُيُودَ .
" غ " الْخَامِسُ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَأَنْ يُودَعَ عِنْدَهُ مِثْلُ هَذَا الْمَالِ .
قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ وَقَيَّدَهُ أَصْبَغُ وَغَيْرُهُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ غَرِيبًا ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَالِ

فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يُودَعُ عِنْدَهُ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يُوجِبُ الْإِيدَاعَ .
الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ ابْنُ عَاشِرٍ أَنَّ هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا يَحْلِفُ فِيهَا إلَّا الْمُتَّهَمُ وَأَهْلُ الْوَدِيعَةِ لَيْسُوا بِمُتَّهَمِينَ .
قُلْت لَا وُرُودَ لِهَذَا لِتَفْسِيرِهِمْ أَهْلَهَا بِمَا يَعُمُّ الْمُتَّهَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) إلَّا الشَّخْصَ ( الْمُسَافِرَ ) الْمُدَّعِيَ ( عَلَى رُفْقَتِهِ ) أَنَّهُ دَفَعَ لَهُمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ مَالًا وَدِيعَةً .
" غ " السَّادِسُ ، الْمُسَافِرُ يَدَّعِي أَنَّهُ دَفَعَ مَالًا لِبَعْضِ أَهْلِ رُفْقَتِهِ ( وَ ) إلَّا ( دَعْوَى ) شَخْصٍ ( مَرِيضٍ ) أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ ، كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ أَصْبَغُ .
" غ " السَّابِعُ الرَّجُلُ يُوصِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا .
( أَوْ ) دَعْوَى شَخْصٍ ( بَائِعٍ ) أَيْ مُعْرِضٍ سِلْعَةً لِبَيْعِهَا ( عَلَى ) شَخْصٍ ( حَاضِرِ الْمُزَايَدَةِ ) فِي ثَمَنِهَا مِنْ الَّذِينَ يُرِيدُونَ شِرَاءَهَا أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْهُ " غ " الثَّامِنُ عَبَّرَ عَنْهُ الْمُتَيْطِيُّ بِقَوْلِهِ الرَّجُلُ يَحْضُرُ الْمُزَايَدَةَ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك بِكَذَا وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ بَلْ بِكَذَا وَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ مُدَّعًى عَلَيْهِ كَالصَّانِعِ وَالْمُتَّهَمِ وَبَعْضُهُمْ مُدَّعٍ كَالضَّيْفِ وَالْمَرِيضِ ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ جَمِيعَهَا فِي الْحَمَالَةِ وَالرُّهُونِ إلَّا السِّلْعَةَ الْمُعَيَّنَةَ ، فَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي النَّظَائِرِ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُسَ وَإِلَّا الْوَدِيعَةَ عَلَى أَهْلِهَا ، فَلَمْ يَذْكُرْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْأَعَمِّ ، وَذَكَرَهَا اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَإِذَا أَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ ( فَإِنْ أَقَرَّ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَى بِهِ الْمُدَّعِي ( فَلَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( الْإِشْهَادُ ) لِلْعُدُولِ الْحَاضِرِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ خَوْفَ رُجُوعِهِ عَنْهُ وَإِنْكَارِهِ (

وَلِلْحَاكِمِ تَنْبِيهُهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْإِشْهَادِ إنْ غَفَلَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْخِصَامِ وَقَطْعِ النِّزَاعِ وَتَحْصِينِ الْحَقِّ ، وَلَيْسَ مِنْ تَلْقِينِ الْخَصْمِ حُجَّةً .
" ق " ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ حِينَ يَفْرُغُ الْمُدَّعِي مِنْ كَلَامِهِ ثُمَّ يَسْأَلُهُ أَيُقِرُّ أَمْ يُنْكِرُ ، فَإِنْ أَقَرَّ قَالَ لِلطَّالِبِ اشْهَدْ عَلَى إقْرَارِهِ إنْ شِئْت لِئَلَّا يَرْجِعَ عَنْهُ .
أَشْهَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يَشُدَّ عَضُدَ أَحَدِهِمَا إنْ رَأَى ضَعْفَهُ عَنْ صَاحِبِهِ وَخَوْفَهُ مِنْهُ لِيَبْسُطَ أَمَلَهُ وَرَجَاءَهُ فِي الْعَدْلِ ، وَيُلَقِّنَهُ حُجَّةً عَمِيَ عَنْهَا إنَّمَا يَمْنَعُ تَلْقِينَ أَحَدِهِمَا الْفُجُورَ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشُدَّ عَضُدَ أَحَدِهِمَا وَلَا يُلَقِّنَهُ حُجَّةً ، وَكَانَ سَحْنُونٌ إذَا سَمِعَ الدَّعَاوَى وَالْإِنْكَارَ أَمَرَ كَاتِبَهُ فَكَتَبَهُمَا ثُمَّ عَرَضَ مَا كَتَبَهُ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ وَافَقَا عَلَيْهِ أَقَرَّهُ وَلِأَصْبَغَ إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِمَا فِيهِ لِلْآخَرِ نَفْعٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُنَبِّهَهُ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ هَذَا لَك فِيهِ نَفْعٌ هَاتِ قِرْطَاسَك أَكْتُبُ لَك فِيهِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ .

وَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ : أَلَك بَيِّنَةٌ ، فَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ ، فَلَا بَيِّنَةَ ؛ إلَّا بِعُذْرٍ : كَنِسْيَانٍ ؛ أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا ، أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ

( وَإِنْ أَنْكَرَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( قَالَ ) الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي ( أَلَك بَيِّنَةٌ ) فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَمَرَهُ بِإِحْضَارِهَا ، فَإِنْ حَضَرَتْ سَمِعَ شَهَادَتَهَا فَإِنْ وَجَدَهَا مُوَافِقَةً لِدَعْوَى الْمُدَّعِي أَعْذَرَ فِيهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ قَبِلَ شَهَادَتَهَا حَكَمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ ادَّعَى حُجَّةً أَمْهَلَهُ لِإِثْبَاتِهَا ، فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهَا حَكَمَ عَلَيْهِ .
( وَإِنْ نَفَاهَا ) أَيْ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بِأَنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي ( وَاسْتَحْلَفَهُ ) أَيْ طَلَبَ الْمُدَّعِي حَلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَلَّفَهُ الْقَاضِي وَأَرَادَ الْمُدَّعِي بَعْدَ حَلِفِهِ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِدَعْوَاهُ ( فَلَا بَيِّنَةَ لَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي مَقْبُولَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْأَشْهَرِ .
وَعَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تُقْبَلُ .
وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُحَلِّفُ الْمَطْلُوبَ إلَّا بِطَلَبِ الْمُدَّعِي .
وَاسْتَثْنَى مِنْ نَفْيِ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ حَلِفِ الْمَطْلُوبِ فَقَالَ ( إلَّا لِعُذْرٍ ) مِنْ الطَّالِبِ فِي عَدَمِ إقَامَتِهَا أَوَّلًا ( كَنِسْيَانٍ ) مِنْهُ لَهَا وَعَدَمُ تَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِهَا ثُمَّ تَذَّكَّرهَا أَوْ عَلِمَ بِهَا فَتُقْبَلُ إنْ أَقَامَهَا وَشَهِدَتْ بِطِبْقِ دَعْوَاهُ .
" ق " فِيهَا إنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ وَجَدَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا قَضَى لَهُ بِهَا .
وَفِي الْوَاضِحَةِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا ، وَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِبَيِّنَتِهِ تَارِكًا لَهَا وَهِيَ حَاضِرَةٌ أَوْ غَائِبَةٌ فَلَا حَقَّ لَهُ ، وَإِنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ .
وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى بِهَا لِيَهُودِيٍّ ، وَقَالَ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ .
طفي قَوْلُهُ إلَّا لِعُذْرٍ إلَخْ ، فَلَهُ الْقِيَامُ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ وَجَدَ شَاهِدًا وَاحِدًا فَقَالَ الْأَخَوَانِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ وَلَا يَقْضِي إلَّا

بِشَاهِدَيْنِ .
( أَوْ وَجَدَ ) الْمُدَّعِي شَاهِدًا ( ثَانِيًا ) كَانَ نَاسِيهِ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ كَمَا فِي الْبَيِّنَةِ وَكَانَتْ الدَّعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ ، وَرُفِعَتْ عِنْدَ مَالِكِيٍّ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ وَيُضَمِّنَهُ لِلْأَوَّلِ ، وَيَعْمَلَ بِشَهَادَتِهِمَا ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ لِانْفِرَادِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ اسْتِحْلَافُ الْحَاكِمِ مُبْطِلًا شَهَادَةَ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِإِبْطَالِهَا ، وَإِنَّمَا أَعْرَضَ عَنْهَا وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِمَا كَمَا فِي " د " قَالَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ تَقْرِيرُ " ز " هُنَا صَوَابٌ ، وَأَصْلُهُ لِلشَّارِحِ وَبِهِ قَرَّرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ وطلي وَغَيْرُهُمَا وَنَصُّ طفى لَا يَخْفَى نُبُوُّ تَقْرِيرِ تت عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ فَرْضَهُ فِيمَنْ حُجَّتُهُ وَاسْتَحْلَفَ خَصْمَهُ فَحَلَفَ لَهُ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ ، أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا يَعْنِي بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهُوَ إشَارَةٌ لِقَوْلِهَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا تُقْبَلُ مِنْ الطَّالِبِ حُجَّةٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَهُ وَجْهٌ مِثْلِ بَيِّنَةٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا ، أَوْ يَكُونَ أَتَى بِشَاهِدٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدَ شَاهِدًا آخَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِهِ فَلْيَقْضِ بِهَذَا الْآخَرِ .
عِيَاضٌ قِيلَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي الْأَوَّلُ وَغَيْرُهُ .
وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هَذَا لِلْقَاضِي نَفْسِهِ ، وَلَا يَسْمَعُ مِنْهُ غَيْرُهُ وَلِسَحْنُونٍ خِلَافُ هَذَا كُلِّهِ لَا يَسْمَعُ مِنْهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ .
قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ فَوَجْهُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ اسْتَدَلَّ مِنْهُ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ تَعْجِيزُ الْمُدَّعِي وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ .
قَالَ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي عِيَاضًا لَا دَلِيلَ فِيهِ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ فَحَكَمَ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْيَمِينِ عَلَى إنْكَارِهِ الدَّعْوَى .
وَفِي قَوْلِهِ هَذَا إنْ تَرَكَ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ

الشَّاهِدِ لَا يَضُرُّهُ إذَا أَصَابَ شَاهِدًا آخَرَ ، وَلَا يُخْتَلَفُ فِي هَذَا كَمَا اُخْتُلِفَ إذَا أَبَى مِنْ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدِهِ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
ثُمَّ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ لِأَنَّ هَذَا قَدْ تَرَكَهُ ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَتْرُكْهُ ا هـ كَلَامُ عِيَاضٍ وَهَكَذَا قَرَّرَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَمَا أَدْرِي مَا الْحَامِلُ لتت عَلَى مُخَالَفَتِهِ ، وَأَيْضًا تَقْرِيرُهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلَا ضَمَّ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ ) فَقَدْ أَغْفُلهُ الشَّارِحُ ، وَظَاهِرُ تَقْرِيرِهِ أَنَّهُ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا صُورَةً وَاحِدَةً ، لَكِنَّ عَطْفَهُ بِأَوْ يُنَافِي ذَلِكَ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَشَارَ بِهَا لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ .
ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ لَا يَحْكُمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ثُمَّ وَلِيَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ حُكْمُ الثَّانِي فَسْخًا لِحُكْمِ الْأَوَّلِ ، يُرِيدُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ بَابِ التَّرْكِ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَقَدْ ظَهَرَ لَك مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا يَنْبَغِي ، وَكَأَنَّ " غ " لَمْ يَسْتَحْضِرْ كَلَامَ ابْنِ الْمَوَّازِ هَذَا فَقَالَ لَمْ أَفْهَمْ آخِرَ هَذَا التَّرْكِيبِ عَلَى مَا أُحِبُّ ، فَلَعَلَّ الْكَاتِبَ غَيَّرَ فِيهِ شَيْئًا يَعْنِي قَوْلَهُ أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَكَلَامِ ابْنِ مُحْرِزٍ عَلَيْهَا وَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا تَغْيِيرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَحُكْمُ قِيَاسِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ فِيمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ حُكْمُ مَنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الضَّمِّ ، فَيَشْمَلُهُ قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا .
وَأَمَّا تَقْرِيرُ تت قَوْلَهُ أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ ، فَفِيهِ تَخْلِيطٌ لَا يَشْتَغِلُ بِهِ مُحَصِّلٌ لِأَنَّ كَلَامَ مُحَمَّدٍ الَّذِي

قُرِّرَ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي ضَمِّ الشَّاهِدِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ ، وَأَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَأَيْضًا كَيْفَ يَلْتَئِمُ مَا حَكَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلَ ، فَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ .
وَأَمَّا تَقْرِيرُ عج وَمَنْ مَعَهُ قَوْلُهُ أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ بِمَا إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْقَاضِي لِلْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَهُ الْحُكْمُ فَيَنْبُو عَنْهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، إذْ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُقْرَأَ الْأَوَّلُ بِالنَّصْبِ ، أَيْ لَمْ يَرَهُ الزَّمَنَ الْأَوَّلَ ، وَفِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ مَا لَا يَخْفَى ، وَقَدْ أَغْنَانَا عَنْهُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ مُطَابِقًا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
الْبُنَانِيُّ فَرْعُ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يُطَابِقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ، وَلِمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَاشِرٍ قَالَ مَا نَصُّهُ رَأَيْت فِي شَرْحِ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّ فَرْعَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِحَلِفِ الْمَطْلُوبِ ، وَإِنَّمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي تَرْكِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا .
ا هـ .
يَعْنِي وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَهُ بَعْدُ وَاسْتَحْلَفَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَهُمَا ، فَانْظُرْ مَا يَشْهَدُ لَهُ لِاقْتِضَائِهِ فَسْخَ الْحُكْمِ وَبِهِ يَبْطُلُ تَوَرُّكُ طفي عَلَى " غ " .
قُلْت قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَيْسَ حُكْمُ الثَّانِي فَسْخًا لِحُكْمِ الْأَوَّلِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ إتْيَانَهُ بِالشَّاهِدِ بَعْدَ حُكْمِ الْأَوَّلِ ، وَالْأَوَّلُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَكَلَامُهُ مُطَابِقٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَيْضًا فَقَدْ نَقَلَ " ق " عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يُطَابِقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ، وَنَصُّهُ قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ .
وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَجْهُ الْحُكْمِ فِي الْقَضَاءِ إذَا أَدْلَى الْخَصْمَانِ بِحُجَّتَيْهِمَا فَفَهِمَ الْقَاضِي عَنْهُمَا وَأَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ

بَيْنَهُمَا أَنْ يَقُولَ لَهُمَا أَبْقَيْت لَكُمَا حُجَّةً ، فَإِنْ قَالَا لَا حُكْمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمَا حُجَّةً بَعْدَ إنْفَاذِ حُكْمِهِ .
وَلَوْ قَالَ بَقِيَتْ لِي حُجَّةٌ أَمْهَلَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ حَكَمَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَتَيَا بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدَانِ نَقْضَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَا بِأَمْرٍ يَرَى فِيهِ أَنَّ لِذَلِكَ وَجْهًا .
ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَقْضِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَقَالَ الْخَصْمُ لَا أَعْلَمُ شَاهِدًا آخَرَ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي ثُمَّ وَجَدَ شَاهِدًا آخَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلْيَقْضِ بِهَذَا الْآخَرِ ، وَمِثْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ا هـ .
وَنَقَلَهُ " غ " أَيْضًا وَأَعْقَبَهُ بِقَوْلِ ابْنِ مُحْرِزٍ ضَمُّ ابْنُ الْقَاسِمِ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ الَّذِي قَامَ بِهِ الْآنَ إلَى شَهَادَةِ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ ، وَلَيْسَ يُخْتَلَفُ فِيهِ كَمَا اُخْتُلِفَ فِيمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ بَعْدَ حَلِفِ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدِهِ فَيَكُونُ مُسْقِطًا لَهُ بِنُكُولِهِ وَرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ، وَهُوَ كَمَنْ قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَحَلَفَ عَلَى تَكْذِيبِهِ ، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ آخَرُ بِهِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ لِلشَّاهِدِ الْأَوَّلِ ، وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ الْحَقِّ فِيهِ لَوْ كَانَ مُمَكَّنًا مِنْ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَجْزُهُ عَنْ شَاهِدٍ آخَرَ مَانِعًا لَهُ مِنْ الْقِيَامِ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ آخَرَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوْ عَلِمَ بِهِ وَتَرَكَهُ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ قَامَ بِهِ غَيْرُهُ .
وَأَمَّا الَّذِي أَقَامَ شَاهِدًا لِحَقٍّ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدٍ فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَرَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ فَإِنَّمَا قِيلَ لَا تُلَفَّقُ شَهَادَةُ هَذَا إلَى شَهَادَةِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ مَعَهُ

فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ وَتَرَكَ لِلْقِيَامِ بِشَهَادَتِهِ ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ لَهُ بِيَمِينِهِ مَعَ شَهَادَةِ هَذَا الشَّاهِدِ الْآخَرِ أَمْ لَا .
ا هـ .
مُرَادُنَا مِنْهُ وَبِهِ يَتَّضِحُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلَا ضَمَّ ، وَفِي حَلِفِهِ مَعَهُ وَتَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلًا ؛ قَالَ : وَكَذَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ ؛

( وَ ) إنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاسْتَحْلَفَهُ الْمُدَّعِي فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ادَّعَيْت عَلَيَّ بِهَذَا وَحَلَّفْتنِي فِيهِ سَابِقًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي فَ ( لَهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( يَمِينُهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( لَمْ يُحَلِّفْهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَوَّلًا ) بِشَدِّ الْوَاوِ مُنَوَّنًا ، أَيْ فِي الْمَاضِي فِي هَذِهِ الدَّعْوَى .
الْمَازِرِيُّ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَالْفُتْيَا عِنْدَنَا وَلِلْمُدَّعِي رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ حَلَّفَهُ أَوَّلًا عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى ، ثُمَّ لَا يَحْلِفُ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى .
( قَالَ ) الْمَازِرِيُّ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ ( وَكَذَا ) أَيْ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّكَ حَلَّفْتنِي أَوَّلًا فِي إيجَابِهِ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي قَوْلُهُ عَلِمْت ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ ) أَيْ الْمُدَّعِي الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَيَّ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي عِلْمَهُ بِفِسْقِهِمْ فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفُهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فِسْقَهُمْ .
" ق " وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ قَدْ كُنْت اسْتَحْلَفْتنِي فَاحْلِفْ لِي عَلَى أَنَّك لَمْ تُحَلِّفْنِي فَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ أَوْجَبَ أَنْ يَحْلِفَ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عُدُولٍ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ تَفْسِيقَهُمْ وَلَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ إذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّك عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِك ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ احْلِفْ لِي عَلَى أَنَّك لَمْ تَسْتَحْلِفْنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا مَضَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا ثَانِيَةً حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ فِيمَا مَضَى ، وَبِهَذَا مَضَى الْقَضَاءُ وَالْفُتْيَا عِنْدَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُدَّعِي يَمِينٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا اسْتَحْلَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى ثُمَّ لَا يُحَلِّفُهُ مَرَّةً أُخْرَى .
تت ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ خِلَافًا ، وَاخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ

عَنْهُ الْمُصَنِّفُ ، وَعَلَى هَذَا فَلَا تَنْبَغِي صِيغَةُ الْفِعْلِ هُنَا .

وَأَعْذَرَ إلَيْهِ : بِأَبْقَيْت لَك حُجَّةٌ ؟ وَنُدِبَ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ فِيهِ ، إلَّا الشَّاهِدَ بِمَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَمُوَجِّهَهُ ، وَمُزَكَّى السِّرِّ ، وَالْمُبَرِّزَ بِغَيْرِ عَدَاوَةٍ وَمَنْ يُخْشَى مِنْهُ

( وَأَعْذَرَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ سَأَلَ الْقَاضِي الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ عَنْ عُذْرِهِ وَحُجَّتِهِ فِي الْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ حُكْمِهِ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى شَهَادَتِهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ الْإِعْذَارُ سُؤَالُ الْحَاكِمِ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْحُكْمِ هَلْ لَهُ مَا يُسْقِطُهُ أَعْذَارًا مُصَوِّرًا ( بِ ) قَوْلِهِ لَهُ ( أَبَقِيَتْ ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ ( لَك حُجَّةٌ ) بِضَمِّ الْحَاءِ ، أَيْ عُذْرٌ فِي الْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ عَلَيْك .
الْمُتَيْطِيُّ لَا يُنْفِذُ الْقَاضِي حُكْمَهُ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَعْذُرَ إلَيْهِ بِرَجُلَيْنِ وَإِنْ أَعْذَرَ بِوَاحِدٍ أَجْزَأَهُ عَلَى مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَيْسٍ ، إذْ قَالَ لَهُ اُغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا .
الْحَطّ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْإِعْذَارِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ، فَقِيلَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ ، وَقِيلَ بَعْدَ الْحُكْمِ ذَكَرَهُ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ .
وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ زَرْبٍ وَلَا تَتِمُّ قَضِيَّةُ الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ .
ا هـ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ .
( وَنُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ ) أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ( فِيهِ ) أَيْ الْإِعْذَارِ لِغَائِبٍ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ كَمُخَدَّرَةٍ وَمَرِيضٍ .
تت عَبَّرَ الْمُتَيْطِيُّ وَصَاحِبُ الْمُعِينِ عَنْ ذَلِكَ بِيَنْبَغِي ، قَالَا وَإِنْ أَعْذَرَ إلَيْهِ بِوَاحِدٍ أَجْزَأَهُ ، وَاسْتَثْنَى مِمَّنْ يُعْذَرُ فِيهِ خَمْسَةً لَا إعْذَارَ فِيهِمْ فَقَالَ ( إلَّا الشَّاهِدَ بِمَا ) حَصَلَ ( فِي الْمَجْلِسِ ) لِلْقَضَاءِ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لِمُشَارَكَةِ الْقَاضِي لَهُ فِي الْعِلْمِ ، فَلَوْ أَعْذَرَ فِيهِ لَا عُذْرَ فِي نَفْسِهِ وَبِهِ مَضَى أَهْلُ الْعَمَلِ .
ابْنُ سَهْلٍ مَا حَصَلَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي

مِنْ الْإِقْرَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا إعْذَارَ فِي الشَّاهِدِ بِهِ ، وَقَدْ أَسْقَطَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْإِعْذَارَ فِيمَنْ عَدَلَ عِنْدَ الْقَاضِي فَكَيْفَ بِهِ فِيمَنْ عَدَلَ عِنْدَهُ ، وَشَهِدَ عِنْدَهُ بِمَا سَمِعَهُ فِي مَجْلِسِهِ .
( وَ ) إلَّا ( مُوَجَّهَهُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالْجِيمِ مُثَقَّلًا ، أَيْ الشَّاهِدَ الَّذِي وَجَّهَهُ وَأَرْسَلَهُ الْقَاضِي لِسَمَاعِ دَعْوًى أَوْ جَوَابِ مُخَدَّرَةٍ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ حِيَازَةِ عَقَارٍ .
الْمُتَيْطِيُّ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا إعْذَارَ فِيمَنْ أَعْذَرَ بِهِ إلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ لَا تَخْرُجُ أَوْ مَرِيضٍ ، كَذَلِكَ ابْنُ سَهْلٍ سَأَلْت ابْنَ عَتَّابٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا إعْذَارَ فِيمَنْ وَجَّهَ لِلْإِعْذَارِ ( وَ ) إلَّا ( مُزَكَّى ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَ الْكَافِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ الشَّاهِدَ الَّذِي زَكَّاهُ عِنْدَ الْقَاضِي الْعُدُولُ فِي ( السِّرِّ ) فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ .
وَتَقْرِيرُ الْبِسَاطِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ الْعَدْلَ الَّذِي اتَّخَذَهُ الْقَاضِي لِلتَّزْكِيَةِ فِي لِلسِّرِّ .
ابْنُ رُشْدٍ تَعْدِيلُ السِّرِّ يَفْتَرِقُ مِنْ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ فِي أَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِ .
فِي الْخَرَشِيِّ وعب أَنَّ كَسْرَ الْكَافِ أَوْلَى مِنْ فَتْحِهَا لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْكَسْرِ عَدَمُ الْإِعْذَارِ فِي مُزَكَّاهُ ، بِخِلَافِ الْفَتْحِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِعْذَارِ فِي الْمُزَكِّي بِالْكَسْرِ .
الْمِسْنَاوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ الْعَكْسُ فَالْفَتْحُ أَوْلَى لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُزَكِّي بِالْكَسْرِ هِيَ بِعِلْمِ الْقَاضِي وَعَدَالَةَ مُزَكَّاهُ بِالْفَتْحِ هِيَ بِعِلْمِ الْمُزَكِّي لَا بِعِلْمِ الْقَاضِي ، فَعَدَالَةُ الْمُزَكِّي بِالْكَسْرِ أَقْوَى ، فَإِذَا لَمْ يُعْذَرْ فِي الْأَضْعَفِ فَلَا يُعْذَرُ فِي الْأَقْوَى بِالْأَوْلَى .
( وَ ) إلَّا الشَّاهِدَ ( الْمُبَرِّزَ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ، أَيْ الزَّائِدَ عَلَى أَقْرَانِهِ فِي الْعَدَالَةِ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ ( بِغَيْرِ عَدَاوَةٍ ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقَرَابَةٍ لِلْمَشْهُودِ لَهُ ،

وَمَفْهُومُهُ الْإِعْذَارُ فِي الْمُبَرِّزِ بِالْعَدَاوَةِ وَالْعَرَابَةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ .
اللَّخْمِيُّ يُسْمَعُ الْجُرْحُ فِي الْمُتَوَسِّطِ فِي الْعَدَالَةِ مُطْلَقًا .
وَفِي الْمُبَرِّزِ تَجْرِيحُ الْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ وَشَبَهِهِمَا ( وَ ) إلَّا الشَّاهِدَ عَلَى ( مَنْ ) أَيْ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ ( يُخْشَى ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ ( مِنْهُ ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ لِلشَّاهِدِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْذَرُ لَهُ فِيهِ وَلَا يَذْكُرُ لَهُ اسْمَهُ .
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ بَشِيرٍ لَمَّا سَأَلَهُ الْوَزِيرُ عَمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِ مِثْلُك لَا يُخْبِرُ بِذَلِكَ .
اللَّخْمِيُّ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ التَّجْرِيحِ سِرًّا إلَّا إنْ كَانَ الشَّاهِدُ أَوْ الْمَشْهُودُ لَهُ مِمَّنْ يُتَّقَى شَرُّهُ .
طفي لَمَّا تَكَلَّمَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا إعْذَارَ فِيهَا قَالَ وَتُزَادُ سَادِسَةٌ ، نُقِلَتْ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ الْقَاضِي وَذَكَرَ حِكَايَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُخْبِرُهُ بِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَبِالشَّهَادَةِ فَلَعَلَّ عِنْدَهُ حُجَّةٌ وَإِلَّا حَكَمَ عَلَيْهِ .
ا هـ .
فَقَدْ اعْتَرَفَ كَمَا تَرَى أَنَّ قَضِيَّةَ ابْنِ بَشِيرٍ الْقَاضِي خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِهَا جَمْعًا لِلنَّظَائِرِ فَقَطْ ، فَالدَّرَكُ عَلَيْهِ حَيْثُ اعْتَمَدَ فِي مُخْتَصَرِهِ الَّذِي جَعَلَهُ مُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى خِلَافَ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَابْنُ بَشِيرٍ الْقَاضِي أَدْرَكَ مَالِكًا فَلَيْسَ هُوَ ابْنَ بَشِيرٍ تِلْمِيذَ الْمَازِرِيِّ .
الْبُنَانِيُّ وَلَفْظُ ابْنِ يُونُسَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُ مَا لِابْنِ بَشِيرٍ ، وَنَصُّهُ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَلَا يَشْهَدُ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي سِرًّا وَإِنْ خَافُوا مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُمْ ، إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَهُ الْقَاضِي بِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَيَعْذُرَ إلَيْهِ فِيهِ .
قَالَ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي بَعَثَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُمْ سِرًّا يُعْذَرُ فِيمَنْ عَدَّلَهُمْ .

وَأَنْظَرَهُ لَهَا بِاجْتِهَادِهِ ، ثُمَّ حَكَمَ : كَنَفَيْهَا ، وَلْيُجِبْ عَنْ الْمُجَرِّحِ ، وَيُعَجِّزُهُ

( وَ ) إذَا قَالَ الْقَاضِي لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ فَقَالَ نَعَمْ ( أَنْظَرَهُ ) أَيْ أَمْهَلَ الْقَاضِي الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ ( لَهَا ) أَيْ لِإِثْبَاتِ الْحُجَّةِ الَّتِي ادَّعَاهَا وَضَرَبَ لَهُ أَجَلًا ( بِاجْتِهَادِهِ ) مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ لَدَدُهُ .
تت ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّلَوُّمَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ ، وَاَلَّذِي فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ أَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ ثَمَانِيَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً تَلَوُّمًا ، هَذَا فِي الْأَمْوَالِ ، وَفِي غَيْرِهَا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ سِتَّةٌ ثُمَّ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ ثَلَاثَةٌ .
ا هـ .
وَفِي وَثَائِقِ أَبِي الْقَاسِمِ فِي الْأُصُولِ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ، وَفِي الدُّيُونِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَفِي الْبَيِّنَاتِ وَحَلِّ الْعُقُودِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا ، وَفِي غَيْرِ الْأُصُولِ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ سِتَّةٌ ثُمَّ سِتَّةٌ ثُمَّ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ ثَلَاثَةٌ فَهِيَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ، وَلِلْقَاضِي جَمْعُهَا وَتَفْرِيقُهَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ .
طفي عِبَارَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي وَثَائِقِهِ وَفِي إثْبَاتِ الدُّيُونِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا ، وَفِي الْإِعْذَارِ فِي الْبَيِّنَاتِ وَحَلِّ الْعُقُودِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا ، وَلِلْقَاضِي جَمْعُهَا وَبِتَفْرِيقِهَا جَرَى الْعَمَلُ ا هـ .
ثُمَّ حَكَمَ ) أَيْ يَحْكُمُ الْقَاضِي بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ وَلَمْ يُثْبِتْ الْحُجَّةَ الَّتِي ادَّعَاهَا بِمَا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ، وَشَبَّهَ فِي الْحُكْمِ فَقَالَ ( كَنَفَيْهَا ) أَيْ لِلْحُجَّةِ بِأَنْ قَالَ فِي جَوَابِ قَوْلِ الْقَاضِي لَهُ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ لَا حُجَّةَ لِي فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِلَا إنْظَارٍ .
ابْنُ رُشْدٍ ضَرْبُ الْأَجَلِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ بَيِّنَتِهِ مَصْرُوفٌ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُ .
( وَ ) إنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَأَعْذَرَ فِيهَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَأَتَى بِبَيِّنَةٍ تُجَرِّحُهَا وَسُئِلَ الْقَاضِي عَمَّنْ جَرَّحَهَا فَ ( لْيُجِبْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ ، الْقَاضِي مَنْ سَأَلَهُ عَمَّنْ

جَرَّحَ بَيِّنَتَهُ ، وَصِلَةُ يُجِبْ ( عَنْ الْمُجَرِّحِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُثَقَّلَةً .
اللَّخْمِيُّ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ التَّجْرِيحِ سِرًّا لِأَنَّ فِي إعْلَانِهِ أَذًى لِلشَّاهِدِ ، وَمِنْ حَقِّ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَعْلَمَا بِالْمُجَرِّحِ ، إذْ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَرَابَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ التَّجْرِيحَ ، وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ مِمَّنْ يُتَّقَى شَرُّهُ ( وَيُعَجِّزُهُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ الْقَاضِي الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يُثْبِتْ حُجَّتَهُ .
طفي أَيْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ فَلَيْسَ التَّعْجِيزُ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ تَلَفُّظُهُ بِمَادَّةِ التَّعْجِيزِ ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ التَّعْجِيزَ لِمَنْ يَسْأَلُ تَأْكِيدًا لِلْحُكْمِ ، لَا لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ الْحُجَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ، فَفِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ انْتَظَرَهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدُهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ أَنَّ لَهُ حُجَّةً وَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ يَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ هُوَ التَّعْجِيزُ ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فَحَكَمَ عَلَيْهِ عَلَى تَعْجِيزِ الطَّالِبِ ، وَجَوَابُهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ عَزَا ابْنُ رُشْدٍ لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ الَّتِي أَتَى بِهَا بَعْدَ التَّعْجِيزِ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا إذَا كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ قَائِلًا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ تَعْجِيزِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ ، وَهُوَ الَّذِي عَنَى الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِي فَصْلِ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ ، وَظَاهِرُهَا الْقَبُولُ إلَخْ .
وَالْمُدَوَّنَةُ لَمْ تُصَرِّحْ بِعُنْوَانِ التَّعْجِيزِ كَمَا عَلِمْت نَصَّهَا آنِفًا مِنْ قَوْلِهَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمَطْلُوبِ حُجَّةٌ إلَخْ ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مُجَرَّدَ الْحُكْمِ هُوَ

التَّعْجِيزُ ، وَقَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ فِي وَثَائِقِهِ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ إنْ كَانَ الْحَاكِمُ قَدْ قَضَى عَلَى الْقَائِمِ بِإِسْقَاطِ دَعْوَاهُ حِينَ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَتَهُ مِنْ غَيْرِ صُدُورِ تَعْجِيزٍ ، ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَتَهُ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا ، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّعْجِيزَ غَيْرُ الْقَضَاءِ ، وَأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ الْحُجَّةِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ التَّعْجِيزِ لَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ قَضَى عَلَيْهِ قَبْلَ إثْبَاتِ عَجْزِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ صُدُورِ تَعْجِيزٍ إذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَقَوْلُهُ إلَّا فِي دَمٍ إلَخْ ، لَا يَأْتِي عَلَى مَا دَرَجَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ إلَخْ مِنْ قَبُولِ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ التَّعْجِيزِ إنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ نِسْيَانٍ وَعَدَمِ عِلْمٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ ، وَأَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُمَا فِي كُلِّ شَيْءٍ لَا خُصُوصِيَّةَ لِهَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ ، وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ التَّعْجِيزِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ .
ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالتَّعْجِيزِ هَلْ تُقْبَلُ مِنْهُ أَمْ لَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : لَا تُقْبَلُ مِنْهُ كَانَ الطَّالِبَ أَوْ الْمَطْلُوبَ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَعْجِيزِ الطَّالِبِ ، وَإِذَا قَالَهُ فِي الطَّالِبِ فَأَحْرَى أَنْ يَقُولَهُ فِي الْمَطْلُوبِ .
الثَّانِي : قَبُولُهَا مِنْهُ كَانَ الطَّالِبَ أَوْ الْمَطْلُوبَ إذَا كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ تَعْجِيزِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ .
الثَّالِثُ : تُقْبَلُ مِنْ الطَّالِبِ وَلَا تُقْبَلُ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ فِي الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبُ بِخِلَافِهِ ، إذْ الْمَشْهُورُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ وَقَضَى عَلَيْهِ مَضَى الْحُكْمُ وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ

مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا عَجَّزَهُ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ ، أَمَّا إذَا عَجَّزَهُ بَعْدَ التَّلَوُّمِ وَالْإِعْذَارِ وَهُوَ يَدَّعِي حُجَّةً فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ .
وَسَمَاعُ أَصْبَغَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ هُوَ قَوْلُهُ سَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ ادَّعَى عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ أَنْكَرَتْهُ بِبَيِّنَةٍ بَعِيدَةٍ فَلَا يَنْتَظِرُ إلَّا فِي بَيِّنَةٍ قَرِيبَةٍ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ ، وَيَرَى الْإِمَامُ لِمَا ادَّعَاهُ وَجْهًا ، فَإِنْ عَجَّزَهُ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ نُكِحَتْ الْمَرْأَةُ أَمْ لَا ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ خِلَافُ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ تَعْجِيزِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ .
ا هـ .
وَسَمَاعُ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ .
سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ وَرَثَةٍ قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَادَّعَى صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ أَبِيهِمْ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحَوْزِ فَأَتَى بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَأَوْقَفَ الْقَاضِي لَهُ صَدَقَتَهُ زَمَنًا حَتَّى يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ آخَرَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ ، ثُمَّ أَمَرَ الْقَاضِي بِقَسْمِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَكَانَتْ رَقِيقًا وَمَنَازِلَ وَأَرْضًا فَقُسِمَتْ وَاُتُّخِذَتْ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ وَأُعْتِقَ مَا أُعْتِقَ وَغُرِسَتْ الْأَرْضُ شَجَرًا ، ثُمَّ ظَفِرَ مُدَّعِي الصَّدَقَةِ بِشَاهِدٍ آخَرَ كَانَ صَبِيًّا فَبَلَغَ أَوْ غَائِبًا فَقَدِمَ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَمَّا مَا اُتُّخِذَتْ مِنْهَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ وَمَا أُعْتِقَ مِنْهُمْ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِمْ وَيَتْبَعُ الْوَرَثَةَ بِالثَّمَنِ ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُحْمَلْ وَلَمْ يُعْتَقْ فَيَأْخُذُهُ وَأَطَالَ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالشَّاهِدِ الَّذِي أَتَى بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَدْ عَجَّزَهُ وَقَضَى بِقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ فَقَسَمَ وَفَوَّتَ خِلَافُ مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ

مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ ، وَمِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، إذْ لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ تَعْجِيزِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ ، وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إذَا قَضَى الْقَاضِي لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ وَسَجَّلَ لَهُ وَأَشْهَدَ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِتَجْرِيحِ بَعْضِ مَنْ حَكَمَ بِهِ قُبِلَ مِنْهُ إنْ رَأَى لَهُ وَجْهًا ، كَقَوْلِهِ جَهِلْت سُوءَ حَالِهِمْ حَتَّى ذُكِرَ لِي وَظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُلِدٍّ وَمَنْ وَلِيَ بَعْدَ الْقَاضِي مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ .
ابْنُ رُشْدٍ تَمْكِينُهُ مِنْ التَّجْرِيحِ بَعْدَ التَّسْجِيلِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ كَقَوْلِهَا ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذِهِ الْأَسْمِعَةِ وَغَيْرِهَا مَا قُلْنَاهُ إنَّ التَّلَفُّظَ بِالتَّعْجِيزِ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ لِلْقِيَامِ بَعْدَهُ لِلطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ إنْ كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ وَهُوَ مَا دَرَجَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ إلَّا لِعُذْرٍ .
وَفِي تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ بِقَوْلِهِ وَظَاهِرُهَا الْقَبُولُ فَلَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ ، إذْ الْقَبُولُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ ، وَلِذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَيْهِ وَعَجَزَ عَنْ تَزْكِيَةِ بَيِّنَتِهِ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَعْجِيزَهُ لِئَلَّا يَقُومَ عَلَيْهِ بِهَا مَرَّةً أُخْرَى ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ إذَا أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَنْ يُزَكِّيهَا أَوْ بَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ ، فَأَصْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا تُقْبَلُ .
وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ ا هـ .
وَإِنَّمَا أَطَلْنَا بِذِكْرِ النُّقُولِ الْمُتَدَاخِلَةِ إيضَاحًا لِلْحَقِّ ، إذْ لَمْ أَرَ مَنْ شَفَى الْغَلِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ شُرَّاحِهِ مَعَ وُقُوعِ الِاضْطِرَابِ فِي كَلَامِهِ مِنْ جَرْيِهِ مَرَّةً عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَرَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي فَصْلِ تَنَازُعِ

الزَّوْجَيْنِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
عب يُعَجِّزُهُ أَيْ يَحْكُمُ بِعَدَمِ قَبُولِ بَيِّنَتِهِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى الْحُكْمِ بِالْحَقِّ ، وَيَكْتُبُ ذَلِكَ فِي سِجِلٍّ بِأَنْ يَقُولَ ادَّعَى فُلَانٌ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً وَلَمْ يَأْتِ بِهَا وَقَدْ عَجَّزْته كَمَا يَأْتِي خَوْفًا مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمَ التَّعْجِيزِ ، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ دَفْعًا لِلنِّزَاعِ لِأَنَّ هُنَاكَ مَنْ قَالَ بِالْقَبُولِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّعْجِيزِ الْحُكْمَ بَعْدَ تَبَيُّنِ اللَّدَدِ لِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ بَقَائِهِ عَلَى حُجَّتِهِ ، فَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ ثُمَّ إذَا عَجَّزَهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلَهُ إقَامَةُ بَيِّنَةٍ لَمْ يَعْلَمْهَا أَوْ ادَّعَى نِسْيَانَهَا وَحَلَفَ عَلَيْهِ إنْ عَجَّزَهُ مَعَ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا مَعَ ادِّعَائِهِ حُجَّةً فَلَا يُقِيمُهَا وَلَوْ مَعَ ادِّعَاءِ نِسْيَانِهَا وَحَلِفِهِ عَلَيْهِ .
الْبُنَانِيُّ مَا ذَكَرَهُ " ز " مِنْ أَنَّ التَّعْجِيزَ هُوَ الْحُكْمُ بِعَدَمِ قَبُولِ بَيِّنَتِهِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا وَأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الْحُكْمِ بِالْحَقِّ هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُعَجِّزُهُ إلَّا فِي دَمٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّعْجِيزِ مُجَرَّدُ الْحُكْمِ لَمْ يَفْتَرِقْ الدَّمُ وَمَا مَعَهُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَهُ اللَّقَانِيُّ ، ثُمَّ قَالَ الْبُنَانِيُّ الظَّاهِرُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ وَيُعَجِّزُهُ عَلَى صُورَةِ الِاتِّفَاقِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَهِيَ إذَا عَجَّزَهُ مُدَّعِيًا أَنَّ لَهُ حُجَّةً وَعَلَيْهَا يَتَنَزَّلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَبِهَذَا يَسْلَمُ مِنْ الِاضْطِرَابِ الَّذِي ادَّعَاهُ طفي ، وَيَسْقُطُ بِهِ أَيْضًا قَوْلُ اللَّقَانِيِّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَيُعَجِّزُهُ إلَّا فِي دَمٍ إلَخْ ، هَذَا مُوَافِقٌ لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ ، وَمُخَالِفٌ لِمَا فِي

الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا فِي التَّوْضِيحِ .
ا هـ .
نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ ، وَقَالَ بَعْدَهُ التَّقْرِيرُ حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

إلَّا فِي دَمٍ وَحَبْسٍ وَعِتْقٍ وَنَسَبٍ ، وَطَلَاقٍ وَكَتَبَهُ

وَاسْتَثْنَى مِمَّا يُعَجِّزُ فِيهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ خَمْسَ مَسَائِلَ لَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعْجِيزُ فِيهَا ، وَضَابِطُهَا كُلُّ حَقٍّ لَيْسَ لِمُدَّعِيهِ إسْقَاطُهُ بَعْدَ ثُبُوتَةِ فَقَالَ ( إلَّا فِي ) شَأْنِ ( دَمٍ ) أَيْ قَتْلٍ إثْبَاتًا كَادِّعَاءِ شَخْصٍ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ عَمْدًا عُدْوَانًا وَأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً فَأَنْظَرَهُ الْقَاضِي لِإِحْضَارِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَدَدُهُ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَعْجِيزُهُ ، فَمَتَى أَقَامَ بَيِّنَتَهُ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهَا أَوْ نَفْيًا كَادِّعَاءِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً تُجَرِّحُ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ عَلَيْهِ بِهِ فَأَنْظَرَهُ الْقَاضِي لِإِتْيَانِهِ بِهَا وَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ فَلَا يُعَجِّزُهُ الْقَاضِي ، فَمَتَى أَتَى بِالْبَيِّنَةِ الْمُجَرِّحَةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهَا لِعِظَمِ الْقَتْلِ أَفَادَهُ عب ، وَكَتَبَ عَلَى حَاشِيَتِهِ مَعْزُوًّا لَهُ مَا نَصُّهُ قَالَ عب هَذَا الضَّابِطُ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الدَّمِ ، وَأَمَّا الدَّمُ فَلِلْوَلِيِّ إسْقَاطُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَتْلِ الْغِيلَةِ ، إذْ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إسْقَاطُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ا هـ .
طفي هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتُ إنَّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي تَعْجِيزِ الطَّالِبِ ، وَفِيهِ تَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ .
أَمَّا الْمَطْلُوبُ فَيُعَجَّزُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ إثْبَاتًا إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ صُورَةَ الْإِثْبَاتِ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إذَا ثَبَتَ فَلِمُدَّعِيهِ إسْقَاطُهُ ، وَاَلَّذِي صَوَّرَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ إذَا أَرَادَ تَجْرِيحَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ فَعَجَزَ فَحَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِهِ ، ثُمَّ وَجَدَ مَنْ يُجَرِّحُ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ عَلَيْهِ بِهِ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ وَلَا يُعْمَلُ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهِ لِخَطَرِ الدَّمِ ، وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قَالَهُ طفي ، فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ أَقَامَ وَارِثُهُ

بَيِّنَةَ التَّجْرِيحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ .
( وَ ) إلَّا فِي دَعْوَى ( حُبُسٍ ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ تَحْبِيسِ شَيْءٍ ، وَذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِهِ وَأَمْهَلَهُ الْقَاضِي لِإِتْيَانِهِ بِهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا فَلَا يُعَجِّزُهُ ، فَمَتَى أَتَى بِهَا عَمِلَ بِهَا .
الْبُنَانِيُّ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْحَبْسُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَلَا سَبِيلَ إلَى تَعْجِيزِ الطَّالِبِ لِحَقِّ الْغَائِبِ لَا مَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي الْحَبْسِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا اُنْظُرْ ابْنَ مَرْزُوقٍ ( وَ ) إلَّا فِي دَعْوَى ( عِتْقٍ ) بِبَيِّنَةٍ فَأَنْظَرَ الْمُدَّعِيَ لَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا فَلَا يُعَجَّزُ ، فَمَتَى أَتَى بِهَا فَتُسْمَعُ وَيُعْمَلُ بِهَا ( وَ ) إلَّا فِي دَعْوَى ( نَسَبٍ ) لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا بَعْدَ التَّلَوُّمِ فَلَا يُعَجَّزُ فَمَتَى أَقَامَهَا حُكِمَ بِهَا ( وَ ) إلَّا فِي دَعْوَى ( طَلَاقٍ ) بِبَيِّنَةٍ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَتِهَا فَلَا يُعَجَّزُ ، فَمَتَى أَتَى بِهَا قُضِيَ بِهَا .
ابْنُ سَهْلٍ وَالْمُتَيْطِيُّ وَيُشْبِهُ الْحَبْسُ الطَّرِيقَ الْعَامَّ نَفْعُهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يُعَجَّزُ مُدَّعِيهَا .
وَنَصُّ ابْنُ سَهْلٍ وَمِمَّا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ وَالنَّسَبَ وَالْإِعْتَاقَ الْحَبْسُ وَطَرِيقُ الْعَامَّةِ وَشَبَهُهَا مِنْ مَنَافِعِهِمْ لَيْسَ عَجْزُ طَالِبِهِ وَالْقَائِمِ عَنْهُمْ فِيهِ يُوجِبُ مَنْعَهُ أَوْ مَنْعَ غَيْرِهِ مِنْ النَّظَرِ لَهُ إنْ أَتَى بِوَجْهٍ .
الْجَزِيرِيُّ إنْ انْصَرَمَتْ الْآجَالُ وَعَجَزَ الطَّالِبُ عَجَّزَهُ الْقَاضِي ، وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ وَيَصِحُّ التَّعْجِيزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُدَّعَى فِيهِ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ الدِّمَاءِ وَالْأَحْبَاسِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ ، وَفِيهِ خِلَافٌ ، فَإِنْ قَامَتْ لِلْمُعَجِّزِ بَيِّنَةٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِهَا .
وَقِيلَ لَا يُقْضَى لَهُ بِهَا وَبِهِ الْعَمَلُ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قُضِيَ عَلَى الْقَائِمِ بِإِسْقَاطِ دَعْوَاهُ

حِينَ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَتَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْجِيزِهِ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَتَهُ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَيَجِبُ الْقَضَاءُ لَهُ بِهَا .
( وَكَتَبَهُ ) أَيْ الْقَاضِي التَّعْجِيزَ الْمَفْهُومُ مَنْ يُعَجِّزُهُ فِي الْمُفِيدِ حَقٌّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ التَّعْجِيزَ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لَا يَنْظُرُ هُوَ وَلَا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ إنْ جَاءَ بَيِّنَةٌ تُثْبِتُ مَا عَجَزَ عَنْهُ إلَّا فِي الْعِتْقِ وَالنَّسَبِ وَالطَّلَاقِ وَالْحَبْسِ وَالدَّمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ .

وَإِنْ لَمْ يُجِبْ : حُبِسَ ، وَأُدِّبَ ، ثُمَّ حَكَمَ بِلَا يَمِينٍ .
( وَإِنْ لَمْ يُجِبْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ وَلَا إنْكَارٍ بِأَنْ سَكَتَ أَوْ قَالَ لَا أُجِيبُ وَلَا أُخَاصِمُ ( حُبِسَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يُجِيبَ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ رَوَاهُ أَشْهَبُ .
ابْنُ رُشْدٍ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُدَّعِي ( وَ ) إنْ تَمَادَى عَلَى عَدَمِ الْجَوَابِ ( أُدِّبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا بِالضَّرْبِ حَتَّى يُجِيبَ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ ، وَبِهِ أَفْتَى فُقَهَاءُ قُرْطُبَةَ ( ثُمَّ ) إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْجَوَابِ ( حَكَمَ ) الْقَاضِي عَلَيْهِ ( بِلَا يَمِينٍ ) مِنْ الْمُدَّعِي قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ لِعَدَمِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْجَوَابِ إقْرَارًا بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ دَعْوًى فَلَمْ يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ دَارٌ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَوْ لِجَدِّهِ فَسُئِلَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ .
مُحَمَّدٌ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَيُقِرُّ أَوْ يُنْكِرُ حَكَمْت عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي بِلَا يَمِينٍ .

وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ ، وَقُبِلَ نِسْيَانُهُ بِلَا يَمِينٍ ، وَإِنْ أَنْكَرَ مَطْلُوبٌ الْمُعَامَلَةَ ، فَالْبَيِّنَةُ ، ثُمَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ ، بِخِلَافِ : لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ

( وَ ) إنْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَهَا وَلَمْ يَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ فَ ( لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ ) الَّذِي تَرَتَّبَتْ بِهِ الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ فِي ذِمَّتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَبَيْعِ مُسْلِمٍ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ حُرًّا ، أَوْ يُوجِبُ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ كَرِبًا .
أَشْهَبُ إنْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ طَالِبَهُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ يَدَّعِي عَلَيْهِ هَذَا الْمَالَ ، فَقَدْ تَقَدَّمَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُخَالَطَةٌ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَيْءٍ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يُسَمِّ الْمُدَّعِي السَّبَبَ الَّذِي كَانَ لَهُ بِهِ الْحَقُّ ، وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ ، وَزَادَ إنْ أَبَى الطَّالِبُ أَنْ يُبَيِّنَ السَّبَبَ ، فَإِنْ قَالَ لِأَنِّي لَمْ أَذْكُرْ وَجْهَ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلَا يُقْضَى عَلَى دَعْوَاهُ ، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيَّ بِلَفْظِ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ دَعْوَاهُ ، وَإِنْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ قُبِلَ مِنْهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَأُلْزِمَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا نَظَرٌ .
( وَإِنْ أَنْكَرَ ) شَخْصٌ ( مَطْلُوبٌ ) أَيْ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِمَالٍ ( الْمُعَامَلَةَ ) مَعَ الطَّالِبِ الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ لَمْ تَقَعْ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اشْتِغَالُ ذَمَّنِي بِشَيْءٍ لَك ( فَالْبَيِّنَةُ ) عَلَى الْمُدَّعِي ( ثُمَّ ) إنْ أَقَامَهَا وَشَهِدَتْ لَهُ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ قَضَيْتُك مَا شَهِدْت بِهِ عَلَيَّ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالْقَضَاءِ فَ ( لَا تُقْبَلُ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ( بَيِّنَتُهُ ) أَيْ الْمَطْلُوبِ الشَّاهِدَةُ لَهُ ( بِالْقَضَاءِ ) لِأَنَّهُ أَكْذَبَهَا بِإِنْكَارِهِ الْمُعَامَلَةَ .
( بِخِلَافِ ) قَوْلِ الْمَطْلُوبِ ( لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ ) بِشَدِّ الْيَاءِ ، فَأَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَتَهُ بِالْحَقِّ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ قَضَيْتُكَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالْقَضَاءِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ ، إذْ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ لَا حَقَّ لَك

عَلَيَّ مَا يُكَذِّبُ بَيِّنَةَ الْقَضَاءِ .
عب وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الثَّانِي .
الْبُنَانِيُّ يَعْنِي غَيْرَ الْعَامِّيِّ ، وَأَمَّا الْعَامِّيُّ فَقَدْ نَقَلَ الْحَطّ عَنْ الرُّعَيْنِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّهِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْقَضَاءِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا .
الْعَدَوِيُّ هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا بَدِيهِيَّةٌ لَا تَخْفَى عَلَى الْعَامِّيِّ فَلَا وَجْهَ لِقَبُولِ بَيِّنَتِهِ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُعَامَلَةِ .

وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ ، فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا ، وَلَا تُرَدُّ : كَنِكَاحٍ

( وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ ) كَالْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالْكِتَابَةِ ( فَلَا يَمِينَ ) عَلَى مُنْكِرِهَا ( بِمُجَرَّدِهَا ) أَيْ الدَّعْوَى عَنْ الْبَيِّنَةِ ، وَمَفْهُومُ بِمُجَرَّدِهَا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَتَجَرَّدْ وَشَهِدَ بِهَا شَاهِدٌ فَالْيَمِينُ عَلَى مُنْكِرِهَا لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ ( وَلَا تُرَدُّ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَشَدِّ الدَّالِ مُثَقَّلَةً ، هَذِهِ الْيَمِينُ الْمُتَوَجِّهَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي إذْ لَا فَائِدَةَ فِي رَدِّهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ حَلَفَهَا لَا يَثْبُتُ الْمُدَّعَى بِهِ لِتَوَقُّفِ ثُبُوتِهِ عَلَى عَدْلَيْنِ ، وَمَثَّلَ لِمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَقَالَ ( كَنِكَاحٍ ) وَرَجْعَةٍ وَطَلَاقٍ وَإِعْتَاقٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ .
" غ " هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ قُلْت قَوْلُهُ لَا تُرَدُّ زِيَادَةٌ مُسْتَغْنًى عَنْهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَتَوَجَّهْ لَا تُرَدُّ لِأَنَّ رَدَّهَا فَرْعُ تَوَجُّهِهَا .
قُلْت الرَّدُّ الَّذِي يُسْتَغْنَى عَنْ نَفْيِهِ بِنَفْيِ التَّوَجُّهِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّدُّ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَعْنِي كَمَا قَالَ بَعْدُ وَحَلَفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ .
وَأَجَابَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ قَوْلِهِ لَا تُرَدُّ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُ إلَّا أَنَّهَا لَا تَتَوَجَّهُ عِنْدَ التَّجَرُّدِ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا تَوَجَّهَتْ لِرَدِّ شَاهِدٍ فَنَكَلَ عَنْهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي .
وَمَفْهُومُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ أَنَّ مَا تَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَيَمِينٍ فَالْيَمِينُ بِمُجَرَّدِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ .
شب يُسْتَثْنَى مِنْ الْقَاعِدَةِ دَعْوَى الْقَاتِلِ عَفْوَ الْوَلِيِّ عَنْهُ ، فَيَحْلِفُ بِمُجَرَّدِهَا وَالْعَفْوُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ ، وَقَوْلُهُ وَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ وَحَلَفَ الطَّالِبُ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمَطْلُوبُ عِلْمَهُ بِعَدَمِهِ ، وَالْمُتَّهَمُ

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَصْبٌ أَوْ سَرِقَةٌ وَدَعْوَى الْقَذْفِ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِتَنَازُعِهِمَا وَتَشَاجُرِهِمَا .

وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ : ذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ : كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ

( وَأَمَرَ ) الْقَاضِي ( بِالصُّلْحِ ذَوِي ) أَيْ أَصْحَابَ ( الْفَضْلِ ) الْمُتَخَاصِمِينَ عِنْدَهُ لِلطَّالِبِينَ قَضَاءَهُ بَيْنَهُمْ ( وَ ) ذَوِي ( الرَّحِمِ ) أَيْ لِلْقَرَابَةِ إذَا تَشَاجَرُوا وَتَرَافَعُوا إلَيْهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فَلَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِالصُّلْحِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِتَأْلِيفِ النُّفُوسِ وَيُذْهِبُ غِلَّ الصُّدُورِ ، وَفَصْلُ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ يُؤَكِّدُ عَدَاوَتَهُمْ وَغِلَّ صُدُورِهِمْ .
وَشَبَّهَ فِي الْأَمْرِ بِالصُّلْحِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ ( خَشِيَ ) الْقَاضِي ( تَفَاقُمَ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْفَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ ، أَيْ تَعَاظُمَ ( الْأَمْرِ ) أَيْ التَّنَازُعَ وَالتَّخَاصُمَ بِسَبَبِ الْحُكْمِ فَلَا يَحْكُمُ وَيَأْمُرُهُمْ بِالصُّلْحِ .
اللَّخْمِيُّ لَا يَدْعُو الْقَاضِي إلَى الصُّلْحِ إذَا تَبَيَّنَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَرَى لَهُ وَجْهًا ، وَأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الْحُكْمُ تَفَاقَمَ مَا بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَعَظُمَ وَخُشِيَتْ الْفِتْنَةُ ، وَيُنْدَبُ أَهْلُ الْفَضْلِ إلَى تَرْكِ الْخُصُومَاتِ .
ابْنُ سَحْنُونٍ كَانَ أَبِي رُبَّمَا رَدَّ الْخَصْمَيْنِ إلَى مَنْ عَرَفَهُ بِالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ ، فَيَقُولُ لَهُمَا اذْهَبَا إلَى فُلَانٍ يُصْلِحْ بَيْنَكُمَا ، فَإِنْ اصْطَلَحْتُمَا وَإِلَّا رَجَعْتُمَا .
وَتَرَافَعَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَبَى أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا وَقَالَ لَهُمَا اُسْتُرَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا وَلَا تُطْلِعَانِي مِنْ أَمْرِكُمَا عَلَى مَا قَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمَا .
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَدِّدُوا الْحُكْمَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَام حَتَّى يَصْطَلِحَا ، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ .
اللَّخْمِيُّ وَهَذَا بَيْنَ الْأَقَارِبِ حَسَنٌ ، وَإِنْ تَبَيَّنَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا سَحْنُونٌ إذَا كَانَتْ شُبْهَةٌ وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالصُّلْحِ .
مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لَوْ اصْطَلَحَا كَانَ أَحْمَدُ وَكَانَ

ابْنُ بَقِيٍّ يُطَوِّلُ فِي الْحُكْمِ الْمُلْبِسِ رَجَاءَ أَنْ يَصْطَلِحَ أَهْلُهُ وَيَقُولُ إذَا طَوَّلَ عَلَى صَاحِبِ الْبَاطِلِ تَرَكَ طَلَبَهُ وَرَضِيَ بِالْيَسِيرِ .

وَلَا يَحْكُمُ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ ؛
( وَلَا يَحْكُمُ ) الْحَاكِمُ ( لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ ) ابْنُهُ وَأَبِيهِ وَيَتِيمُهُ وَزَوْجَتُهُ ( عَلَى الْمُخْتَارِ ) اللَّخْمِيُّ مِنْ الْخِلَافِ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي صِحَّةِ حُكْمِهِ لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ وَنَحْوُهُ لِمُطَرِّفٍ .
اللَّخْمِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ لِأَنَّ الظِّنَّةَ تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ ، وَانْظُرْ هَلْ يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ .
أَشْهَبُ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَهُ وَيُعَاقِبُهُ لِقَطْعِ أَبِي بَكْرٍ يَدَ الْأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدَ زَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ لَمَّا اعْتَرَفَ بِسَرِقَتِهِ

وَنُبِذَ حُكْمُ جَائِرٍ ، وَجَاهِلٍ لَمْ يُشَاوِرْ ، وَإِلَّا تُعُقِّبَ ، وَمَضَى غَيْرُ الْجَوْرِ

( وَنُبِذَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ طُرِحَ وَأُلْغِيَ ( حُكْمُ ) قَاضٍ ( جَائِرٍ ) أَيْ خَارِجٍ فِي حُكْمِهِ عَنْ الْحَقِّ عَامِدًا .
ابْنُ رُشْدٍ الْقَاضِي الْجَائِرُ تُرَدُّ أَحْكَامُهُ دُونَ تَصَفُّحٍ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَقِيمَةً فِي ظَاهِرِهَا إلَّا أَنْ تَثْبُتَ صِحَّةُ بَاطِنِهَا .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ فِسْقٌ يُرَدُّ وَإِنْ صَادَفَهُ الْحَقُّ فَالْمَشْهُورُ فَسْخُهُ .
الْبُرْزُلِيُّ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ .
( وَ ) نُبِذَ أَيْضًا حُكْمُ عَدْلٍ ( جَاهِلٍ لَمْ يُشَاوِرْ ) أَهْلَ الْعِلْمِ ، ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ صَوَابًا لِكَوْنِهِ بِالْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ وَالْقَضَاءُ بِهِمَا بَاطِلٌ .
ابْنُ رُشْدٍ الْقَاضِي الْعَدْلُ الْجَاهِلُ تُتَصَفَّحُ أَحْكَامُهُ فَمَا هُوَ صَوَابٌ أَوْ خَطَأٌ فِيهِ خِلَافٌ أُنْفِذَ ، وَمَا هُوَ خَطَأٌ لَا خِلَافَ فِيهِ رُدَّ .
الْمُتَيْطِيُّ الْقَاضِي الْعَدْلُ الْجَاهِلُ الَّذِي عُرِفَ أَنَّهُ لَا يُشَاوِرُ فَلِلْقَاضِي الْوَالِي بَعْدَهُ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَحْكَامَهُ ، فَمَا أَلْفَى مِنْهَا مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ أَنْفَذَهُ ، وَمَا أَلْفَى مِنْهَا مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي بَلَدِهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَافَقَ قَوْلَ قَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ لَا يُعْمَلُ بِهِ فَإِنَّهُ يُنْفِذُهُ وَلَا يَفْسَخُهُ وَمَا لَمْ يُصَادِفْ فِيهِ قَوْلَ قَائِلٍ نَقَضَهُ وَلَا يُنْفِذُهُ .
ابْنُ مُحْرِزٍ إنْ حَكَمَ بِالظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْأَدِلَّةِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّخْمِينِ فِسْقٌ وَظُلْمٌ وَخِلَافُ الْحَقِّ وَيُفْسَخُ هَذَا الْحُكْمُ هُوَ وَغَيْرُهُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَ غَيْرِهِ أَنَّهُ عَلَى هَذَا حَكَمَ .
اللَّخْمِيُّ الْغَرَرُ فِي الْحُكْمِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ .
ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي أَحْكَامِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ لَا تُرْضَى أَحْوَالُهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِالْجَوْرِ فِي أَحْكَامِهِمْ وَفِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْبِدَعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ هِيَ كَأَحْكَامِ الْجَائِرِ لَا يَمْضِي مِنْهَا إلَّا مَا عُلِمَ صِحَّةُ بَاطِنِهِ .
وَقَالَ أَصْبَغُ كَأَحْكَامِ الْعَدْلِ

الْجَاهِلِ يَمْضِي مِنْهَا مَا كَانَ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ أَفَادَهُ " ق " .
الْحَطّ قَوْلُهُ وَنُبِذَ حُكْمُ جَائِرٍ إلَخْ ، هَذَا كَمَا قَالَ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ ، الْأَوَّلُ الْجَائِرُ فَتُنْبَذُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا ، أَيْ تُطْرَحُ وَتُرَدُّ ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ حَقٌّ ، وَالثَّانِي الْجَاهِلُ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُشَاوِرْ الْعُلَمَاءَ نُبِذَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا أَيْضًا لِأَنَّ أَحْكَامَهُ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا بِالتَّخْمِينِ وَإِنْ كَانَ يُشَاوِرُ الْعُلَمَاءَ تُعُقِّبَتْ أَحْكَامُهُ وَأُمْضِيَ مِنْهَا مَا لَيْسَ جَوْرًا وَنُبِذَ الْجَوْرُ ، وَالثَّالِثُ الْعَدْلُ الْعَالِمُ فَلَا تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ وَلَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَرْفَعَ أَحَدٌ قَضِيَّةً وَيَذْكُرَ أَنَّهُ حَكَمَ فِيهَا بِغَيْرِ الصَّوَابِ ، فَيُنْظَرُ فِيهَا وَتُنْقَضُ إنْ خَالَفَتْ نَصًّا قَاطِعًا أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ ا هـ .
طفي لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِالنَّقْضِ فِي الْجَاهِلِ مُطْلَقًا ، وَإِنْ كَانَ صَوَابًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِأَنَّ الْجَاهِلَ غَيْرُ الْمُشَاوِرِ ، غَايَتُهُ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْجَائِرِ وَالْجَائِرُ لَا يُنْقَضُ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا عُلِمَ صِحَّةُ بَاطِنِهِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ .
وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي الْجَاهِلِ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الصَّوَابَ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْحَطّ فِي الْجَائِرِ ظَاهِرُهُ النَّقْضُ ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ حَقٌّ أَيْ عُلِمَ أَنَّ ظَاهِرَهُ حَقٌّ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ جَائِرًا فِي أَحْكَامِهِ فَلَا تَجُوزُ أَقْضِيَتُهُ كُلُّهَا ، وَعَلَى مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ أَنْ يَرُدَّهَا صَوَابًا كَانَتْ أَوْ خَطَأً لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُظْهِرَ الْعَدْلَ وَالصَّوَابَ وَبَاطِنُ أَمْرِهِ الْجَوْرُ إلَّا مَا عُلِمَ أَنَّ بَاطِنَ أَمْرِهِ كَانَ صَحِيحًا .
زَادَ الْبُنَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَاهِلِ الْعَدْلُ الْمُقَلِّدُ كَمَا فَسَّرَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَيُفِيدُهُ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ

التَّفْصِيلِ فِي الْجَاهِلِ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فَفِي التَّوْضِيحِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْجَاهِلِ فَيَتَعَقَّبُهَا وَيُمْضِي مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ جَوْرًا مَا نَصُّهُ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّ الْجَاهِلَ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الصَّوَابَ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَيَّدَ بَعْضُهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا كَانَ يُشَاوِرُ أَهْلَ الْعِلْمِ فِي أَحْكَامِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يُشَاوِرُهُمْ فَتُنْقَضُ كُلُّهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَكَمَ بِالْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ .
ا هـ .
فَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ ، وَقَدْ تَعَقَّبَ ذَلِكَ الشَّيْخُ ابْنُ سَعِيدٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذَا الْمُخْتَصَرِ ، فَقَالَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَاهِلَ غَيْرُ الْمُشَاوِرِ أَحْكَامُهُ مَنْقُوضَةٌ مُطْلَقًا ، وَالْمُشَاوِرُ تُتَصَفَّحُ أَحْكَامُهُ فَيُرَدُّ الْجَوْرُ وَيُمْضَى غَيْرُهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ التَّصَفُّحَ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْمُشَاوِرِ ، وَلِذَا قَالَ فِي ضَيْح حَكَى الْمَازِرِيُّ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّ الْجَاهِلَ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا .
لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهَا صَوَابًا إنَّمَا هُوَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَتِمُّ فِي الْمُشَاوِرِ .
ا هـ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
ابْنُ رُشْدٍ الْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ ، الْأَوَّلُ عَدْلٌ عَالِمٌ فَأَحْكَامُهُ عَلَى الْجَوَازِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا الْخَطَأُ الَّذِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ .
الثَّانِي : عَدْلٌ جَاهِلٌ يَحْكُمُ بِرَأْيِهِ وَلَا يُشَاوِرُ الْعُلَمَاءَ فَتُتَصَفَّحُ أَحْكَامُهُ وَلَا يُرَدُّ مِنْهَا إلَّا الْخَطَأُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ .
الثَّالِثُ : مَعْرُوفٌ بِالْجَوْرِ فَأَحْكَامُهُ تُنْقَضُ كُلُّهَا ، وَحَكَى فَضْلٌ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا تُتَصَفَّحُ كَأَحْكَامِ الْجَاهِلِ وَهُوَ شُذُوذٌ .
الرَّابِعُ : فَاسِقٌ لَمْ يَعْلَمْ بِالْجَوْرِ فِي أَحْكَامِهِ أَوْ مُبْتَدِعٌ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ، فَهَذَا

حُكْمٌ لَهُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَحْكُمُ الْجَائِرُ وَحَكَمَ لَهُ أَصْبَغُ بِحُكْمِ الْجَاهِلِ .
ا هـ .
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي خِلَافِ مَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ .
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ إذَا كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا كُشِفَتْ أَقْضِيَتُهُ فَأُنْفِذَ صَوَابُهَا وَرُدَّ خَطَؤُهَا الَّذِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ إذَا كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا كُشِفَتْ أَقْضِيَتُهُ فَأُنْفِذَ صَوَابُهَا وَرُدَّ خَطَؤُهَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْأَخَوَانِ يُرِيدُ أَنَّهَا تُتَعَقَّبُ مِنْ وَجْهِ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ إلَّا بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْعُلَمَاءِ فَلَا تُتَعَقَّبُ ، وَرَأَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ حَكَمَ بِرَأْيِهِ أَنْ يُرَدَّ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَخْمِينٌ وَحَدْسٌ وَالْقَضَاءُ بِذَلِكَ بَاطِلٌ ا هـ .
الْمُتَيْطِيُّ أَحْكَامُ الْقُضَاةِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : عَدْلٍ عَالِمٍ ، وَعَدْلٍ مُقَلِّدٍ ، ثُمَّ قَالَ الْوَجْهُ الثَّانِي الْعَدْلُ الْجَاهِلُ الَّذِي عُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشَاوِرُ الْعُلَمَاءَ ، فَلِلْقَاضِي أَنْ يَتَصَفَّحَ أَحْكَامَهُ ، فَمَا أَلْفَى مِنْهَا مُوَافِقًا لِلْحَقِّ أَوْ مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي بَلَدِهِ إلَّا أَنَّهُ وَافَقَ قَوْلَ قَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يُنْفِذُهُ ، وَمَا لَمْ يُصَادِفْ قَوْلَ قَائِلٍ وَكَانَ خَطَأً نَقَضَهُ .
ا هـ .
وَقَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْقَاضِي الْعَدْلُ الْجَاهِلُ تُتَصَفَّحُ أَحْكَامُهُ فَمَا هُوَ صَوَابٌ أَوْ خَطَأٌ فِيهِ خِلَافٌ يَنْفُذُ ، وَمَا هُوَ خَطَأٌ لَا خِلَافَ فِيهِ يُرَدُّ وَنَحْوُهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ ، فَهَذِهِ النُّقُولُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَاهِلِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ شَاوَرَ الْعُلَمَاءَ ( تُعُقِّبَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَالْعَيْنِ

الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ حُكْمُهُ ( وَمَضَى غَيْرُ الْجَوْرِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَنُقِضَ الْجَوْرُ مِنْهُ ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَعَقَّبُ حُكْمُهُ الْمُرَتَّبُ عَلَى إشَارَةِ الْعُلَمَاءِ .
قِيلَ الْقَضَاءُ صِنَاعَةٌ دَقِيقَةٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ كَيْفِيَّةُ إيقَاعِهِ ، فَقَدْ يَعْرِفُ الْحُكْمَ وَلَا يَعْرِفُ كَيْفِيَّةَ إيقَاعِهِ فَيُوقِعُهُ فِي غَيْرِ مَوْقِعِهِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ أَحْكَامَ الْجَاهِلِ الْعَدْلِ الْمُشَاوِرِ لَا تُتَعَقَّبُ .

وَلَا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ وَنُقِضَ ، وَبَيَّنَ السَّبَبَ مُطْلَقًا مَا خَالَفَ قَاطِعًا ، أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ :

( وَلَا يُتَعَقَّبُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِهَا ( حُكْمُ ) الْقَاضِي ( الْعَدْلِ الْعَالِمِ ) فَلَا يَنْظُرُ فِيهِ مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِلتَّسَلْسُلِ وَكَثْرَةِ الْخِصَامِ ابْنُ رُشْدٍ الْقَاضِي الْعَدْلُ الْعَالِمُ لَا تُتَصَفَّحُ أَحْكَامُهُ وَلَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيرِ لَهَا إنْ اُحْتِيجَ لِلنَّظَرِ فِيهَا لِعَارِضِ خُصُومَةٍ .
أَوْ اخْتِلَافٍ فِي حَدٍّ لَا عَلَى الْكَشْفِ وَالتَّعَقُّبِ لَهَا إنْ سَأَلَ ذَلِكَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ ، فَتَنْفُذُ كُلُّهَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ النَّظَرِ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ أَنَّهُ خَطَأٌ ظَاهِرٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ فَيُنْقَضُ ذَلِكَ ( وَنَقَضَ ) الْعَدْلُ الْعَالِمُ وُجُوبًا ( وَبَيَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ أَظْهَرَ الْعَدْلُ الْعَالِمُ وُجُوبًا ( السَّبَبَ ) الْمُوجِبَ لِنَقْضِهِ حُكْمَ الْعَدْلِ الْعَالِمِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ الْمَنْقُوضُ حُكْمَ النَّاقِضِ أَوْ حُكْمَ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا فِي الثَّانِي ، عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْأَوَّلِ .
مُطَرِّفٌ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِفَسْخِ قَضِيَّةِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُفَسِّرْ فَسْخَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِفَسْخٍ .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ إشْهَادُهُ عَلَى الْفَسْخِ يَكْفِيهِ .
أَصْبَغُ الْفَسْخُ الَّذِي لَا يَكُونُ شَيْئًا حَتَّى يُلَخَّصَ مَا خَالَفَ ( جَلِيَّ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ الْيَاءِ ، أَيْ ظَاهِرَ ( قِيَاسٍ ) أَيْ إلْحَاقَ أَمْرٍ بِأَمْرٍ فِي حُكْمِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عِلَّتِهِ وَجَلِيُّهُ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ، زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ أَوْ خَالَفَ قَاعِدَةً قَطْعِيَّةً مَعَ سَلَامَةِ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ .
تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ مَا خَالَفَ قَاطِعًا ابْنَ الْحَاجِبِ التَّابِعَ لِابْنِ شَاسٍ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ النَّصُّ غَيْرَ مُتَوَاتِرٍ يُفِيدُ الْقَطْعَ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يُنْقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا خَالَفَهُ وَنَقَلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَأَقَرَّهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ تَعْلِيقُ ابْنِ

الْحَاجِبِ النَّقْضَ عَلَى مَا خَالَفَ الْقَاطِعَ لَا أَعْرِفُهُ ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامًا عَنْ الْمَازِرِيِّ وَقَالَ عَقِبَهُ فَلَمْ يَقْصُرْ الْمَازِرِيُّ النَّقْضَ عَلَى الْقَطْعِ ، فَقَصْرُ ابْنِ الْحَاجِبِ النَّقْضَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ لِنَصِّ رِوَايَةٍ تَابِعًا .
ابْنُ شَاسٍ مُتَعَقَّبٌ أَفَادَهُ طفي .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ مَا خَالَفَ قَاطِعًا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالْخَطَأُ الْمُوجِبُ لِرَدِّ حُكْمِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ فَسَّرَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا خَالَفَ نَصَّ آيَةٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ .
قُلْت أَوْ مَا ثَبَتَ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَزَادَ الْمَازِرِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ قِيَاسًا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِي صِحَّتِهِ .
وَفِي التَّوْضِيحِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا يُنْقَضُ مِنْهَا إلَّا مَا خَالَفَ الْقَطْعَ نَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ ، وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مَا خَالَفَ الظَّنَّ الْجَلِيَّ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ ، بَلْ قَالُوا إنَّهُ إذَا خَالَفَ نَصَّ السُّنَّةِ غَيْرِ الْمُتَوَاتِرَةِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ ، وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِهِمْ ، فَيَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ هُنَا مَا أَوْرَدَهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ .
الثَّانِي : فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَسْتَقِرُّ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ وَيُنْقَضُ ، وَذَلِكَ إذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقَوَاعِدِ أَوْ النَّصِّ الْجَلِيِّ أَوْ الْقِيَاسِ .
وَمِثَالُ ذَلِكَ كَالْحُكْمِ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْأَخِ دُونَ الْجَدِّ ، فَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأُمَّةَ عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ وَمُقَاسَمَةُ الْأَخِ ، أَمَّا حِرْمَانُ الْجَدِّ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ ، وَمِثَالُ مُخَالِفِ الْقَوَاعِدِ الْمَسْأَلَةُ السُّرَيْجِيَّةُ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بِتَقْرِيرِ النِّكَاحِ فِيمَنْ قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك

طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ فَالصَّحِيحُ لُزُومُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَهُ ، فَإِذَا مَاتَتْ أَوْ مَاتَ فَحَكَمَ حَاكِمٌ بِإِرْثِ حَيِّهِمَا نَقَضْنَا حُكْمَهُ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ صِحَّةُ اجْتِمَاعِ الشَّرْطِ مَعَ الْمَشْرُوطِ لِأَنَّ حِكْمَتَهُ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيهِ ، فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُ مَعَ مَشْرُوطِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّرْعِ شَرْطًا ، فَلِذَلِكَ يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ ، وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ التَّمْثِيلُ بِهَا .
وَمِثَالُ مُخَالِفِ النَّصِّ الْحُكْمُ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَرَدَ بِاخْتِصَاصِهَا بِالشَّرِيكِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ ، وَمِثَالُ مُخَالِفِ الْقِيَاسِ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ فَيُنْقَضُ قِيَاسًا عَلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ الْفَاسِقِ بِالْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ أَشَدُّ مِنْهُ فُسُوقًا وَأَبْعَدُ مِنْ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ .

الثَّالِثُ : فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ مَا عُلِمَ فِيهِ نَفْيُ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَطْعًا كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ كَالتَّقْوِيمِ عَلَى مُعْتَقِ بَعْضِهِ فَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ فِيهِمَا مِمَّا لَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّارِعُ فِيهَا وَالْقِيَاسُ الْخَفِيُّ مَا يُظَنُّ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ بَيْنَهُمَا كَقِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ لِخُصُوصِيَّتِهَا لَا لِإِسْكَارِهَا ، وَلِذَا اُخْتُلِفَ فِي قَلِيلِهِ .
وَفِي التَّنْقِيحِ لِلْقَرَافِيِّ اُخْتُلِفَ فِي الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ فَقِيلَ الْجَلِيُّ قِيَاسُ الْمَعْنَى ، وَالْخَفِيُّ قِيَاسُ الشَّبَهِ .
وَقِيلَ الْجَلِيُّ مَا تُفْهَمُ عِلَّتُهُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانٌ } .
وَفِي شَرْحِهِ قِيَاسُ الْمَعْنَى كَقِيَاسِ الْأُرْزِ عَلَى اللَّبَنِ فِي حُرْمَةِ الرِّبَا بِجَامِعِ الطَّعْمِ وَالنَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ السُّكْرِ .
وَقِيَاسُ الشَّبَهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا فِي ذَاتِهِ وَيَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لِلْمُنَاسِبِ كَقَوْلِنَا فِي الْخَلِّ إنَّهُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ لِأَنَّهُ مَائِعٌ وَلَا تُبْنَى الْقَنْطَرَةُ عَلَى جِنْسِهِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزِيلَ النَّجَاسَةَ كَالدُّهْنِ ، فَقَوْلُنَا لَا تُبْنَى الْقَنْطَرَةُ عَلَى جِنْسِهِ لَيْسَ مُنَاسِبًا ، لَكِنَّهُ يُشْعِرُ بِالْقِلَّةِ ، فَإِنَّ عَدَمَ بِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى قِلَّتِهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ أَنَّ الْقَنْطَرَةَ لَا تُبْنَى إلَّا عَلَى الْمَائِعِ الْكَثِيرِ فَمَا لَا تُبْنَى عَلَيْهِ الْقَنْطَرَةُ مِنْ الْمَائِعِ فَهُوَ غَيْرُ كَثِيرٍ ، وَالطَّهَارَةُ عَلَى مُقْتَضَى اللُّطْفِ بِالْمُكَلَّفِ لَا تُشْرَعُ إلَّا بِمَا هُوَ كَثِيرٌ مُتَيَسِّرٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَكُلِّ مَكَان ، فَالْقِلَّةُ حِينَئِذٍ تُنَاسِبُ الْمَنْعَ ، فَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ الَّذِي اسْتَلْزَمَهُ ذَلِكَ الْوَصْفُ الطَّرْدِيُّ ، وَقِيلَ الْجَلِيُّ مَا كَانَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ

فِي الْفَرْعِ أَوْلَى مِنْ ثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ كَقِيَاسِ الْعَمْيَاءِ عَلَى الْعَوْرَاءِ فِي امْتِنَاعِ التَّضْحِيَةِ وَالضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ فِي الْحُرْمَةِ .
الرَّابِعُ : لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إذَا وَافَقَ مُعَارِضًا رَاجِحًا كَالْقَضَاءِ بِصِحَّةِ الْقِرَاضِ وَالْقَرْضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْحَوَالَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ وَلِلنُّصُوصِ الْعَامَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الْجَلِيَّةِ ، وَلَكِنْ وَرَدَ فِي التَّرْخِيصِ فِيهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَالنُّصُوصِ الْعَامَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الْجَلِيَّةِ وَخَصَّصَتْهَا .

كَاسْتِسْعَاءِ مُعْتَقٍ ، وَشُفْعَةِ جَارٍ ، وَحُكْمٍ عَلَى عَدُوٍّ ، أَوْ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ ، أَوْ مِيرَاثِ ذِي رَحِمٍ ، أَوْ مَوْلًى أَسْفَلَ ، أَوْ بِعِلْمٍ سَبَقَ مَجْلِسَهُ

وَشَبَّهَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي النَّقْضِ فَقَالَ ( كَ ) حُكْمٍ بِ ( اسْتِسْعَاءِ ) أَيْ سَعْيِ رَقِيقٍ ( مُعْتَقٍ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ بَعْضُهُ مِنْ أَحَدِ الْمُشْتَرِكِينَ فِيهِ وَلَا مَالَ لَهُ يُقَوَّمُ فِيهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ ، وَامْتَنَعَ شَرِيكُهُ مِنْ إعْتَاقِ نَصِيبِهِ فَحُكِمَ عَلَى الرَّقِيقِ بِالسَّعْيِ فِي اكْتِسَابِ مَالٍ يَشْتَرِي بِهِ بَعْضَهُ الرَّقِيقَ مِنْ مَالِكِهِ لِتَتْمِيمِ حُرِّيَّتِهِ فَيُنْقَصُ هَذَا الْحُكْمُ لِضَعْفِ دَلِيلِهِ .
طفي جَعَلَهُ تت مُشَبَّهًا بِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مِثَالًا لِمَا قَبْلَهُ إذْ لَيْسَ مُخَالِفًا قَاطِعًا وَلَا جَلِيَّ قِيَاسٍ وَلَا سُنَّةً لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمُخَالِفِ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ الْحُكْمُ مُسْتَنِدًا سُنَّةً أَصْلًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ هُنَا ، لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُ كُلِّهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ } ، وَرُوِيَ فِيهِ { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ } فَأَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَالْجُمْهُورُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالثَّانِيَةِ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهَا لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ قَتَادَةَ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ الِاسْتِسْعَاءَ وَهُمَا أَثْبَتُ وَوَافَقَهُمَا هَمَّامٌ فَفَصَلَ الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ رَأْيِ قَتَادَةَ .
عِيَاضٌ الْأَصِيلِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ الَّذِينَ أَسْقَطُوا السِّعَايَةَ أَوْلَى مِنْ الَّذِينَ ذَكَرُوهَا ، وَإِذًا لَيْسَتْ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ .
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مُسْقِطُهَا أَثْبَتُ مِنْ الَّذِينَ ذَكَرُوهَا ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ فَمَرَّةً ذَكَرَهَا وَمَرَّةً أَسْقَطَهَا ، فَدَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ ، أَفَادَهُ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ جَعَلَ " ز "

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57