كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ الْعُذْرُ بِالنِّسْيَانِ أَبْيَنُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ مُفْرِطًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ أَيْ فِي الضَّمَانِ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ بِالضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ مَا نَصُّهُ لَوْ أَوْدَعَهُ بِالطَّرِيقِ فَمَضَى لِحَاجَةٍ قَبْلَ إحْرَازِهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ ، وَلَوْ جَعَلَهَا فِي كُمِّهِ مُلْقَاةً لَمْ يَكُنْ حِرْزًا ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ فِي سُقُوطِهَا مِنْ كُمِّهِ لَا يَضْمَنُهَا خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الزَّاهِيِّ ، وَبِهِ يُفَسَّرُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ ا هـ .
وَفِي الشَّامِلِ وَلَوْ نَسِيَهَا فِي مَحَلِّ إيدَاعِهَا ضَمِنَهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ ، ثُمَّ قَالَ لَا إنْ نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ فَسَقَطَتْ عَلَى الْأَصَحِّ .
ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ هَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ نِسْيَانَهُ جِنَايَةً مِنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَذَرَهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
.

وَلَا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ
( وَلَا ) تُضْمَنُ ( إنْ شَرَطَ ) الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( الضَّمَانَ ) بِلَا سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهَا

وَبِإِيدَاعِهَا وَإِنْ بِسَفَرٍ لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ اُعْتِيدَا بِذَلِكَ .

( وَ ) تُضْمَنُ ( بِ ) سَبَبِ ( إيدَاعِهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَتَلِفَتْ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَمِينًا إذْ لَمْ يَرْضَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ إلَّا بِأَمَانَةِ الْأَوَّلِ إنْ أُودِعَتْ عِنْدَهُ بِحَضَرٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) أُودِعَتْ عِنْدَهُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ ( بِسَفَرٍ ) فَلَيْسَ إيدَاعُهَا عِنْدَهُ وَهُوَ مُسَافِرٌ عُذْرًا مُبِيحًا لِإِيدَاعِهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَمَحَلُّ ضَمَانِهِ إنْ أَوْدَعَهَا ( لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ ) ، فَإِنْ أَوْدَعَهَا لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَضَاعَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ .
زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ( إنْ اُعْتِيدَا ) أَيْ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ بِالْإِيدَاعِ عِنْدَهُمَا مِنْ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَحِفْظُهُمَا لَهُ مَا أَوْدَعَهُمَا إيَّاهُ ، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى التَّفْسِيرِ وَالتَّقْيِيدِ لِقَوْلِ الْإِمَامِ وَأَقَلُّهُمْ عَلَى خِلَافِهِ .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ الضَّمَانُ إنْ أَوْدَعَ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً لَمْ يُعْتَدْ إيدَاعُهُ عِنْدَهَا فَضَاعَتْ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عَقِبَ تَزَوُّجِهَا أَوْ تَمَلُّكِهَا أَوْ لَمْ يَأْتَمِنْهَا عَلَى مَالِهِ ، وَشَمِلَ غَيْرَ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ أَجِيرَ الْخِدْمَةِ وَالْعَبْدَ اللَّذَيْنِ فِي عِيَالِهِ وَجَعَلَهُمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ صَاحِبُ الشَّامِلِ ، وَهَلْ حُكْمُ إيدَاعِ الزَّوْجَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا كَحُكْمِ إيدَاعِهِ عِنْدَهُمَا أَوْ لَا قَوْلَانِ ، وَأَسْقَطَتْ تَاءُ التَّأْنِيثِ مِنْ اُعْتِيدَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا شَخْصَيْنِ وَإِلَّا فَهِيَ لَازِمَةٌ أَفَادَهُ تت .
" ق " ابْنُ عَرَفَةَ مُوجِبُ ضَمَانِهِ الْوَدِيعَةَ تَصَرُّفُهُ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنٍ عَادِيٍّ أَوْ جَحَدَهَا فَمَا فَوْقَهُمَا فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا إيدَاعُهُ إيَّاهَا لَا لِعُذْرٍ فِي غَيْبَةِ رَبِّهَا يُوجِبُ ضَمَانَهُ إيَّاهَا ، وَفِيهَا إنْ أَوْدَعْتَ لِمُسَافِرٍ مَالًا فَأَوْدَعَهُ فِي سَفَرِهِ فَضَاعَ ضَمِنَ وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ مَالًا فَدَفَعَهُ إلَى زَوْجَتِهِ أَوْ خَادِمِهِ لِتَرْفَعَهُ لَهُ فِي بَيْتِهِ ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَدْفَعَ

إلَيْهَا فَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ مِنْهُ ، وَهَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ ، كَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ أَوْ رَفَعَهُ فِي صُنْدُوقِهِ أَوْ بَيْتِهِ وَنَحْوَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ ، وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ وَأَنَّهُ أَوْدَعَهُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ .
ابْنُ يُونُسَ وَكَانَ الْمُودِعُ أَوْدَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَالْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلِمَ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تَرْفَعَ لَهُ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَثِقُ بِمَالِهِ إلَيْهِمْ وَدَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ يُؤَيِّدُ هَذَا .
مُحَمَّدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَرَفَعَهَا عِنْدَ غَيْرِ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ مَالُهُ وَالْقِيَامُ لَهُ يَضْمَنُهَا .
.

إلَّا لِعَوْرَةٍ حَدَّثَتْ ، أَوْ لِسَفَرٍ عِنْدَ عَجْزِ الرَّدِّ

وَاسْتَثْنَى مِنْ إيدَاعِهَا لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ مُعْتَادِينَ بِهِ فَقَالَ ( إلَّا ) إيدَاعُهَا ( لِعَوْرَةٍ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ، وَأَيُّ صِفَةٍ وَحَالَةٍ يُخْشَى ضَيَاعُ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبِهَا إنْ بَقِيَتْ فِي مَحَلِّهَا كَانْهِدَامِ الدَّارِ أَوْ زِيَادَتِهِ وَمُجَاوَرَةِ مَنْ يُخْشَى شَرُّهُ ( حَدَثَتْ ) أَيْ تَجَدَّدَتْ الْعَوْرَةُ بَعْدَ الْإِيدَاعِ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهَا ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْإِيدَاعِ وَعَمِلَهَا الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ فَلَيْسَ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ إيدَاعُهَا ، فَإِنْ أَوْدَعَهَا فَيَضْمَنُهَا .
" ق " اللَّخْمِيُّ إذَا خَافَ الْمُودَعُ عَوْرَةَ مَنْزِلِهِ أَوْ جَارٍ سُوءٍ وَكَأَنَّ ذَلِكَ أَمْرًا حَدَثَ بَعْدَ الْإِيدَاعِ جَازَ لَهُ أَنْ يُودِعَهَا وَلَا يَضْمَنَهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُتَقَدِّمًا قَبْلَ الْإِيدَاعِ وَالْمُودِعُ عَالِمٌ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إيدَاعُهَا ، فَإِنْ أَوْدَعَهَا فَيَضْمَنْهَا .
( أَوْ ) أَيْ وَإِلَّا إيدَاعُهَا ( لِ ) إرَادَةِ ( سَفَرٍ ) مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( عِنْدَ ) عَجْزِهِ عَنْ ( الرَّدِّ ) أَيْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ لِمُودَعِهَا لِغَيْبَتِهِ وَلَا وَكِيلَ لَهُ فَلَا يُوجِبُ ضَمَانَهَا .
" ق " فِيهَا إنْ أَرَادَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ سَفَرًا أَوْ خَافَ عَوْرَةَ مَنْزِلِهِ وَرَبُّهَا غَائِبٌ فَلْيُودِعْهَا ثِقَةً .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ دُونَهُ فِي ثِقَتِهِ فَسَفَرُهُ وَخَوْفُ عَوْرَةِ مَنْزِلِهِ عُذْرٌ .
أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَا يَضْمَنُهَا وَلَوْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ .
ابْنُ يُونُسَ كَدَفْعِهِ لِزَوْجَتِهِ وَخَادِمِهِ .
وَيَنْبَغِي عَلَى أُصُولِهِمْ ضَمَانُهُ إنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ لِدَفْعِهِ لِغَيْرِ مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُضَمِّنُوهُ لِعُذْرِهِ .
وَمَفْهُومُ الطَّرَفِ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا ، وَتَرَدَّدَ الْبِسَاطِيُّ فِي جَعْلِ الْعَجْزِ عَنْ الرَّدِّ قَيْدًا فِي هَذِهِ فَقَطْ أَوْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَيْضًا .
الْبُنَانِيُّ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِي رُجُوعِهِ لَهُمَا كَمَا فِي " ق " وطفى ، قَالَ هَذَا

التَّرَدُّدُ وَمَا ذَكَرَهُ الْبِسَاطِيُّ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ فِي السَّفَرِ فَقَطْ وَقَبُولُ ذَلِكَ قُصُورٌ مَعَ قَوْلِهَا ، وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا أَوْ خَافَ عَوْرَةَ مَنْزِلِهِ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا حَاضِرًا فَيَرُدُّهَا إلَيْهِ فَلْيُودِعْهَا ثِقَةً وَلَا يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ ثُمَّ لَا يَضْمَنُ .
ا هـ .
وَبَالَغَ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْإِيدَاعِ لِعُذْرٍ حَدَثَ فَقَالَ هَذَا إنْ أَوْدَعَهَا بِحَضَرٍ ، بَلْ .

وَإِنْ أَوْدَعَ بِسَفَرٍ ، وَوَجَبَ الْإِشْهَادُ بِالْعُذْرِ
( وَإِنْ أَوْدَعَ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ لِغَيْرِهِ ( بِسَفَرٍ ) ابْنِ عَاشِرٍ الظَّاهِرُ إنْ أَوْدَعَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ إلَّا لِعَوْرَةٍ حَدَثَتْ ، وَأَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا أَوْدَعْت مُسَافِرًا فِي سَفَرِهِ مَالًا فَأَوْدَعَهُ فَضَاعَ ضَمِنَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّهُ اللُّصُوصُ فَيُسَلِّمُهُ لِمَنْ يَنْجُو بِهِ .
ا هـ .
وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً تَحْتَ يَدِهِ لِعُذْرٍ فَلَا يَضْمَنُهَا وَلَوْ أَوْدَعَهَا لِغَيْرِهِ فِي السَّفَرِ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ وَبِهِ يَنْتَفِي التَّكْرَارُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ .
( وَوَجَبَ ) عَلَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ إذَا خَافَ عَلَى الْوَدِيعَةِ مِنْ عَوْرَةِ مَنْزِلِهِ الَّتِي حَدَثَتْ أَوْ أَرَادَ السَّفَرَ وَإِيدَاعَ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ( الْإِشْهَادُ ) لِعَدْلَيْنِ ( بِ ) مُعَايَنَةِ ( الْعُذْرِ ) الَّذِي حَدَثَ ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ اشْهَدُوا أَنِّي أُودِعُهَا لِعُذْرٍ .
" ق " فِيهَا لَا يُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ السَّفَرِ أَوْ خَوْفِ عَوْرَةِ الْمَنْزِلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
اللَّخْمِيُّ إنْ ثَبَتَ الْإِيدَاعُ وَالْوَجْهُ الَّذِي أَوْجَبَهُ وَهُوَ خَوْفُ مَوْضِعِهِ أَوْ لِلسَّفَرِ بَرِئَ الْمُودَعُ .

وَبَرِئَ ، إنْ رَجَعَتْ سَالِمَةً
( وَ ) إنْ أَوْدَعَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ لِعُذْرٍ ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ الْمُوجِبُ إيدَاعَهَا بِأَنْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ بَنَى بَيْتَهُ أَوْ انْتَقَلَ عَنْهُ جَارُ السَّوْءِ وَرَدَّ الْوَدِيعَةَ لِمَحَلِّ إيدَاعِهَا ، ثُمَّ تَلِفَتْ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ رَدَّهَا مِمَّنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ لِمَحَلِّ إيدَاعِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ تَلِفَتْ مِنْهُ ( بَرِئَ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ مِنْ ضَمَانِهَا ( إنْ رَجَعَتْ ) الْوَدِيعَةُ مِنْ الْمُودَعِ الثَّانِي لِلْمُودَعِ الْأَوَّلِ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا حَالَ كَوْنِهَا ( سَالِمَةً ) مِنْ التَّلَفِ وَالْعُيُوبِ ثُمَّ تَلِفَتْ بَعْدَ رُجُوعِهَا .
" ق " فِيهَا مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا مِنْهُ فَضَاعَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا ، كَقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنْ أَنْفَقَ مِنْهَا ثُمَّ رَدَّ مَا أَنْفَقَ فَلَا يَضْمَنُهُ .

وَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا إنْ نَوَى الْإِيَابَ

( وَ ) إنْ أَوْدَعَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِهِ لِإِرَادَتِهِ السَّفَرَ وَسَافَرَ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ فَ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( اسْتِرْجَاعُهَا ) أَيْ أَخْذُ الْوَدِيعَةِ مِمَّنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ وَرَدَّهَا إلَى مَحَلِّ إيدَاعِهَا الَّذِي كَانَتْ بِهِ ( إنْ ) كَانَ ( نَوَى ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ ( الْإِيَابَ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ ، أَيْ الرُّجُوعَ مِنْ السَّفَرِ الَّذِي أَوْدَعَهَا حِينَ إرَادَتِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ لِأَجَلِهِ لِالْتِزَامِهِ حِفْظَهَا لِرَبِّهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا إلَّا زَمَنَ عُذْرِهِ بِالسَّفَرِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ الْإِيَابَ عِنْدَ سَفَرِهِ بِأَنْ كَانَ يَنْوِي عَدَمَهُ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ ثُمَّ عَادَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا .
الْبِسَاطِيُّ وَالْمَنْصُوصُ نَدْبُهُ .
" ق " اللَّخْمِيُّ إنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ حُدُوثِ سَفَرٍ ثُمَّ عَادَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ سَافَرَ لِيَعُودَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَحْفَظَهَا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَهَا حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي سَافَرَهُ ، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَالِ ثُمَّ عَادَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : إنْ أَوْدَعَهَا لِعَوْرَةٍ حَدَثَتْ ثُمَّ زَالَتْ فَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ إنْ نَوَى الْإِيَابَ أَوْ زَالَتْ الْعَوْرَةُ لَشَمِلَ هَذَا .
الثَّانِي : إنْ أَوْدَعَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا .
الثَّالِثُ : إنْ تَرَكَ اسْتِرْجَاعَهَا الْوَاجِبَ فَتَلِفَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهَا بِلَا عُذْرٍ .
الرَّابِعُ : إذَا طَلَبَهَا مِمَّنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ فَمَنَعَهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِرَدِّهَا لَهُ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ ، فَفِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَا وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ وَدِيعَةً ثُمَّ أَقْرَرْتَ أَنَّهَا لِزَيْدٍ الْغَائِبِ ثُمَّ طَلَبْتَ قَبْضَهَا فَلَكَ ذَلِكَ بِالْحُكْمِ ، وَلَيْسَ إقْرَارُكَ أَنَّهَا لِزَيْدٍ

يَمْنَعُكَ مِنْ قَبْضِهَا فِي غَيْبَةِ زَيْدٍ لِأَنَّكَ الَّذِي أَوْدَعْتَهَا .

وَبِبَعْثِهِ بِهَا

( و ) تُضْمَنُ بِسَبَبِ ( بَعْثٍ ) أَيْ إرْسَالٍ مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( بِهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ لِرَبِّهَا بِغَيْرِ إذْنٍ فَتَتْلَفُ ، وَلَوْ ادَّعَى إذْنَهُ وَأَنْكَرَهُ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ .
" ق " فِيهَا لَوْ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ قَدْ رَدَدْتُ ذَلِكَ مَعَ رَسُولِي إلَى رَبِّهِ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ .
أَشْهَبُ سَوَاءٌ أَوْدَعْتَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَا .
ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُودَعِ يَأْتِيهِ رَجُلٌ زَعَمَ أَنَّ رَبَّهَا أَمَرَهُ بِأَخْذِهَا فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ وَدَفَعَهَا لَهُ فَضَاعَتْ مِنْهُ وَأَنْكَرَ رَبُّهَا أَمْرَهُ فَيَضْمَنُهَا الدَّافِعُ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى قَابِضِهَا .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : إذَا سَافَرَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةِ إلَى رَبِّهَا فَتَلِفَتْ مِنْهُ قَبْلَ رَدِّهَا لَهُ فَضَمِنَهَا ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَكَتَبَ وَصِيُّهَا إلَى وَرَثَتِهَا بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدُّوا لَهُ جَوَابًا ، فَسَافَرَ بِتَرِكَتِهَا إلَيْهِمْ فَهَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا لِسَفَرِهِ بِهَا بِغَيْرِ أَمْرِ أَرْبَابِهَا .
ا هـ .
وَأَقَرَّهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَاَلَّذِي فِي الْخَرَشِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا ، وَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهِ وَنَقَلَ عَنْ الْمِسْنَاوِيِّ أَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ ، وَهُوَ إنْ أَغَرَّ بِهَا بِسَفَرِهِ بِهَا فِي وَقْتٍ مَخُوفٍ فَيَضْمَنُهَا وَإِلَّا فَلَا .
ا هـ .
الْبُنَانِيُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّوْضِيحِ هُوَ الضَّمَانُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ .
الثَّانِي : ابْنُ رُشْدٍ مَنْ أَوْدَعْتَ مَعَهُ وَدِيعَةً لِبَلَدٍ فَعَرَضَتْ لَهُ إقَامَةٌ فِي الطَّرِيقِ قَصِيرَةٌ كَالْأَيَّامِ أَوْ طَوِيلَةٌ كَالسَّنَةِ أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ كَالشَّهْرَيْنِ فَإِنْ بَعَثَهَا فِي الْقَصِيرَةِ فَضَاعَتْ فَيَضْمَنُهَا وَإِنْ حَبَسَهَا فِي الطَّوِيلَةِ فَضَاعَتْ فَيَضْمَنُهَا ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْمُتَوَسِّطَةِ ا هـ .
الْحَطُّ هَذَا هُوَ

الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَجَمَعَ بِهِ بَيْنَ أَقْوَالِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
الثَّالِثُ : مَنْ أُرْسِلَ بِمَالٍ إلَى شَخْصٍ فَلَمْ يَجِدْهُ فَرَجَعَ بِهِ فَضَاعَ مِنْهُ حَالَ رُجُوعِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي رُجُوعِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْهُ إيدَاعُهُ عِنْدَ ثِقَةٍ .
الرَّابِعُ : فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَبْضَعَ مَعَهُ بِبِضَاعَةٍ فَلَيْسَ لَهُ إيدَاعُهَا غَيْرَهُ وَلَا بَعْثُهَا مَعَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَحْدُثَ لَهُ إقَامَةٌ فِي بَلْدَةٍ وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا وَوَجَدَ مَنْ يَخْرُجُ إلَى حَيْثُ أَمَرَهُ صَاحِبُهَا فَلَهُ تَوْجِيهُهَا ، ثُمَّ قَالَ قَالَ مُطَرِّفٌ لَوْ قَالَ الْآمِرُ قَدْ أَمَرْتُك أَنْ لَا تُخْرِجَهَا مِنْ يَدِك وَلَا تَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِكَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ فَالْمَأْمُورُ مُصَدَّقٌ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ فِيهِ لَوْ اجْتَهَدَ فِي أَنَّهُ أَمِينٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُ أَمِينٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ا هـ .
.

وَبِإِنْزَائِهِ عَلَيْهَا فَمِتْنَ ، وَإِنْ مِنْ الْوِلَادَةِ كَأَمَةٍ زَوَّجَهَا فَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ
( وَ ) تُضْمَنُ ( بِ ) سَبَبِ ( إنْزَائِهِ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالزَّايِ آخِرَهُ هَمْزٌ أَيْ إرْسَالُ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ الْفَحْلَ عَلَيْهَا لِتَحْمِلَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا ( فَمُتْنَ ) أَيْ الْإِنَاثُ الْمُودَعَاتُ مِنْ الْإِنْزَاءِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) مُتْنَ ( مِنْ الْوِلَادَةِ ) قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَضْمَنُهَا إنْ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَضْمَنُهَا وَلَوْ مَاتَتْ مِنْ الْإِنْزَاءِ قَالَهُ تت .
وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ ( كَأَمَةٍ ) مُودَعَةٍ بِالْفَتْحِ ( زَوَّجَهَا ) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْأَمَةَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا ( فَمَاتَتْ ) الْأَمَةُ ( مِنْ الْوِلَادَةِ ) تت وَكَذَا مَوْتُهَا مِنْ وَطْئِهَا .
ابْنُ نَاجِي عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَمَاتَتْ لَكَانَ أَحْسَنَ لِشُمُولِهِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَمَفْهُومُ أَمَةٍ إنَّ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُخَيِّرُهُ سَيِّدُهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ ، فَفِي النَّوَادِرِ وَلَوْ كَانُوا ذُكُورًا فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجِيزَهُ فَلَا يَضْمَنُ ، وَقَدْ أَجَازَ فِعْلَهُ ، وَإِنْ فَسَخَهُ رَجَعَ الْعَبْدُ لِحَالِهِ بِلَا نَقْصٍ ا هـ .
وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ " ق " فِيهَا وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ بَقَرًا أَوْ نُوقًا أَوْ أُتُنًا فَأَنْزَى عَلَيْهِنَّ فَحَمَلْنَ فَمُتْنَ مِنْ الْوِلَادَةِ أَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فَزَوَّجَهَا فَحَمَلَتْ فَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَذَلِكَ لَوْ عَطِبَتْ تَحْتَ الْفَحْلِ .

وَبِجَحْدِهَا ثُمَّ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الرَّدِّ خِلَافٌ وَبِمَوْتِهِ وَلَمْ يُوصِ ، وَلَمْ تُوجَدْ ؛ إلَّا لِكَعَشْرِ سِنِينَ

( وَ ) تُضْمَنُ ( بِ ) سَبَبِ ( جَحْدِ ) إيدَاعِ ( هَا ) ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ وَادَّعَى رَدَّهَا أَوْ تَلَفَهَا ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى جَحْدِهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلَا يَضْمَنُهَا وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ الْإِيدَاعَ ، وَإِنَّمَا قَالَ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْكَ ثُمَّ قَامَتْ لِلْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِالْإِيدَاعِ فَادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الضَّيَاعَ لَقُبِلَ قَوْلُهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ ( ثُمَّ ) إنْ أَقَامَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بَيِّنَةً بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ لِرَبِّهَا بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهِ أَوْ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِهِ وَكَانَ جَحْدُهُ أَوَّلًا فَ ( فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ ) الْمُودِعِ الشَّاهِدَةِ لَهُ بِ ( الرَّدِّ ) أَيْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ لِمُوَدِّعِهَا لِأَنَّهُ أَمِينٌ ، وَلَا يُنْظَرُ لِتَضَمُّنِ جَحْدِهِ تَكْذِيبَهَا ، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ وَعَدَمُهُ لِتَكْذِيبِهَا بِجَحْدِهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمَشْهُورُ ( خِلَافٌ ) أَيْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ .
" ق " اللَّخْمِيُّ اخْتَلَفَ إذَا أَنْكَرَ الْإِيدَاعَ ، فَلَمَّا شَهِدَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِهِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِالرَّدِّ فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا بِقَوْلِهِ مَا أَوْدَعْتَنِي ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَا اشْتَرَيْت مِنْك فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالشِّرَاءِ أَقَامَ هُوَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالدَّفْعِ وَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْوَضْعَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَرَدْت أَنْ لَا أَتَكَلَّفَ بَيِّنَةً .
ابْنُ حَبِيبٍ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ مَنْ اسْتَوْدَعَ وَدِيعَةً بِبَيِّنَةٍ فَجَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ رَدَّهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِرَدِّهَا فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ أَكْذَبَهَا إنْ قَالَ لَمْ أَجِدْهَا ، يُرِيدُ أَوْ قَالَ مَا أَوْدَعَتْنِي شَيْئًا ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ فَالْبَيِّنَةُ بِالْبَرَاءَةِ تَنْفَعُهُ ، وَكَذَلِكَ فِي الْغِرَاضِ وَالْبِضَاعَةِ ا هـ .
ابْنُ زَرْقُونٍ تَحَصَّلَ فِيمَنْ أَنْكَرَ أَمَانَةً ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهَا

أَوْ رَدَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا .
الثَّانِي لِمَالِكٍ أَيْضًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا .
الثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الضَّيَاعِ دُونَ الرَّدِّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى ضَيَاعِهِ أَوْ رَدِّهِ فَإِنَّهَا تَنْفَعُهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ .
ابْنُ شَاسٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِتَنَاقُضِ كَلَامَيْهِ .
( وَ ) تُضْمَنُ ( بِمَوْتِهِ ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( وَ ) الْحَالُ أَنَّهُ ( لَمْ يُوصِ ) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بِهَا ( وَ ) الْحَالُ أَنَّهَا ( لَمْ تُوجَدْ ) الْوَدِيعَةُ بِعَيْنِهَا فِي تَرِكَتِهِ فَيُؤْخَذُ عِوَضُهَا مِنْهَا وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ تَسَلَّفَهَا أَوْ أَتْلَفَهَا قَالَهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ ) يَطُولَ الزَّمَانُ ( لِ ) مُرُورِ ( كَعِشْرِينَ سَنَةً ) مِنْ يَوْمِ إيدَاعِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى رَدِّهَا لِرَبِّهَا .
وَمَفْهُومُ لَمْ يُوصِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِهَا وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا يَضْمَنُهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ هِيَ بِمَوْضِعِ كَذَا وَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا سُرِقَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ حَالَ مَرَضِهِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كَابْنِ الْحَاجِبِ سَوَاءٌ ثَبَتَ الْإِيدَاعُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافِ الْمُودَعِ ، وَقَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ ، وَتَبِعَهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَتَعَقَّبَهُمْ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَنَصُّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَتَى مَاتَ وَلَمْ يُوصِ بِهَا وَلَمْ تُوجَدْ ضَمِنَ ، قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا لَمْ تَتَقَادَمْ كَعَشْرِ سِنِينَ فَقَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ بِإِطْلَاقِهِ ، وَكَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَأَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ بِإِطْلَاقِ لَفْظِهِ ، فَقَالَ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا قَبَضَ عَلَى الْأَمَانَةِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى ذَلِكَ ، وَقُصَارَى هَذِهِ الْقَرِينَةِ أَنْ تُوجِبَ شَكًّا وَالذَّمُّ لَا تُعَمَّرُ بِالشَّكِّ .
وَلِأَجْلِ هَذَا اسْتَثْنَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ

تَتَقَادَمْ لِضَعْفِ مُوجِبِ الضَّمَانِ فِي الْأَصْلِ ، وَلَوْ وَجَبَ مُحَقَّقًا مَا سَقَطَ بِهَذَا الطُّولِ وَرَأَى أَنَّ هَذَا الطُّولَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَبَّهَا أَخَذَهَا وَمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُنْضَمَّةِ إلَى الْأَصْلِ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ تَأَمُّلِهِ عَلَى فَهْمِهِ وَحَمْلِهِ لَفْظَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْوَدِيعَةُ ثَابِتَةً بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْمُودَعِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ ذَلِكَ ، وَهُوَ ثُبُوتُ كَوْنِهَا فِي ذِمَّتِهِ مُطْلَقًا كَانَتْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ ، لَكِنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ يُقَيِّدُهُ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، سُئِلَ عَنْ الْوَدِيعَةِ يُقِرُّ بِهَا الَّذِي هِيَ عِنْدَهُ دُونَ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ وُجُوهٌ أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَّ عَلَيْهَا عِشْرُونَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ فَقَامَ رَبُّهَا يَطْلُبُهَا مَا رَأَيْتُ لَهُ شَيْئًا ، وَكَأَنِّي رَأَيْتُهُ يَرَى إنْ كَانَ قَرِيبًا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ رَأْيِي لَوْ كَانَ إنَّمَا لِذَلِكَ السَّنَةِ وَشَبَهِهَا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ طَلَبَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ لَرَأَيْتُهُ فِي مَالِهِ ا هـ .
ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ دُونَ أَنْ يُشْهَدَ بِهَا عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تُوجَدْ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا وَادَّعَى رَدَّهَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا لَمْ تَتَقَادَمْ دُونَ تَقْيِيدِ ثُبُوتِ الْوَدِيعَةِ بِإِقْرَارِ الْمُودَعِ غَفْلَةً أَوْ غَلْطَةً وَالتَّعْقِيبُ عَلَى شَارِحِيهِ أَشَدُّ .
.

وَأَخَذَهَا إنْ ثَبَتَ بِكِتَابَةٍ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَهُ ، أَنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ ، أَوْ خَطُّ الْمَيِّتِ
( وَ ) إنْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ لَهُ وَدِيعَةً عِنْدَ مَيِّتٍ وَوُجِدَتْ فِي تَرِكَتِهِ مَكْتُوبًا عَلَيْهَا أَنَّهَا لِلْمُدَّعِي ( أَخَذَهَا ) أَيْ اسْتَحَقَّ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ أَنْ يَأْخُذَ وَدِيعَتَهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( إنْ ثَبَتَ بِكِتَابَةٍ عَلَيْهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ ( أَنَّهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةُ ( لَهُ ) أَيْ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ وَقَدْ تَنَازَعَ فِي أَنَّهَا لَهُ ثَبَتَ وَكِتَابَةُ ( إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْكِتَابَةِ ( خَطُّهُ ) أَيْ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ ( أَوْ ) ثَبَتَ أَنَّهُ ( خَطُّ ) الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ ( الْمَيِّتِ ) قَالَهُ أَصْبَغُ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَأْخُذُهَا إنْ وُجِدَ عَلَيْهَا خَطُّ الْمَيِّتِ لَا خَطُّ الْمُودِعِ .
ابْنُ دَحُونٍ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَخْرَجَهَا لَهُ فَكَتَبَ عَلَيْهَا اسْمَهُ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ انْفَرَدَتْ هَذِهِ الْوَدِيعَةُ بِالْكِتَابَةِ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا .
( ق ) سَمِعَ أَبُو زَيْدِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ وَدَائِعَ وَلَمْ يُوصِ فَتُوجَدُ صُرَرٌ فِيهَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ ، وَفِيهَا كَذَا وَكَذَا دِينَارٌ ، وَلَا بَيِّنَةَ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهَا إيَّاهُ إلَّا بِقَوْلِهِ ، وَوَجَدُوهَا عِنْدَ الْهَلَاكِ كَمَا ادَّعَى لَا شَيْءَ لَهُ مِنْهَا ابْنُ رُشْدٍ لَا يَقْضِي لِمَنْ وَجَدَ عَلَيْهَا اسْمَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ بِخَطِّهِ وَلَا بِخَطِّ الْمُودَعِ ، فَإِنْ كَانَتْ بِخَطِّ الْمُتَوَفَّى الَّذِي وُجِدَتْ عِنْدَهُ فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَ اسْمَهُ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ لَا يَرَى الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ ، وَإِنْ كَانَ بِخَطِّ مُدَّعِي الْوَدِيعَةَ فَقَالَ أَصْبَغُ أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِهَا مَعَ كَوْنِهَا فِي حَوْزِ الْمُسْتَوْدَعِ اسْمُهُ وَأَخَذَ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا .

وَبِسَعْيِهِ بِهَا لِمُصَادِرٍ
( وَ ) تُضْمَنُ ( بِسَعْيِهِ ) أَيْ مَشْيِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( بِهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ ( لِمُصَادِرٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ أَيْ ظَالِمٍ أَوْ فَتْحِهَا أَيْ لِلْمُودَعِ الَّذِي صَادَرَهُ ظَالِمٌ لِيَأْخُذَ مَالَهُ ظُلْمًا وَدَفَعَهَا لَهُ بِحَضْرَتِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ لَوْ سَعَى بِهَا إلَى مُصَادِرٍ ضَمِنَهَا وَاضِحٌ لِتَسَبُّبِهِ فِي تَلَفِهَا وَلَمْ أَعْلَمْ نَصَّ الْمَسْأَلَةِ إلَّا لِلْغَزَالِيِّ ، وَنَصَّ الْوَجِيزِ السَّادِسِ مِنْ مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ التَّضْيِيعُ وَذَلِكَ أَنْ يُلْقِيَهُ فِي مَضْيَعَةٍ ، أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ سَارِقًا ، أَوْ يَسْعَى بِهِ إلَى مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ فَيَضْمَنُ .

وَبِمَوْتِ الْمُرْسَلِ مَعَهُ لِبَلَدٍ ، إنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ

( وَ ) إنْ أُرْسِلَ شَخْصٌ بِمَالٍ إلَى بَلَدٍ فَمَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَالُ فِي تَرِكَتِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ( بِمَوْتِ ) الشَّخْصِ ( الْمُرْسَلِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمَالُ مَعَهُ ( لِبَلَدٍ ) يُعْطِيه لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ يُفَرِّقَهُ عَلَى فُقَرَائِهِ ( إنْ لَمْ يَصِلْ ) الْمُرْسَلُ مَعَهُ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْبَلَدِ بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَالُ فِي تَرِكَتِهِ فَيُؤْخَذُ عِوَضُهُ مِنْهَا حَمْلًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَلَفَهُ وَأَنْفَقَهُ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ وَصَلَهُ وَمَاتَ بَعْدَ وُصُولِهِ بِمُدَّةٍ يُمْكِنُهُ فِيهَا دَفْعُ الْمَالِ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ .
" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِنْ بَعَثْت بِمَالٍ إلَى رَجُلٍ بِبَلَدٍ فَقَدَمَهَا الرَّسُولُ ثُمَّ مَاتَ بِهَا وَزَعَمَ الرَّجُلُ أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لَك فِي تَرِكَةِ الرَّسُولِ وَلَك الْيَمِينُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ لَكَ شَيْئًا وَلَوْ مَاتَ الرَّسُولُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْبَلَدَ وَلَمْ يُوجَدْ لِلْمَالِ أَثَرٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ .
اللَّخْمِيُّ وَجْهُ هَذَا أَنَّهُ فِي الطَّرِيقِ مُودَعٌ وَبِوُصُولِهِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ امْتَثَلَ مَا وَكَّلَ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى وَرَثَتِهِ مَنْ كَانَ أَشْهَدَهُ عَلَى دَفْعِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ بَعَثَ مَعَهُ بِمَالٍ لِرَجُلٍ بِبَلَدٍ فَمَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ وَأَنْكَرَ الْمَبْعُوثُ لَهُ قَبْضَهُ فَفِي ضَمَانِهِ الْمَبْعُوثَ مَعَهُ مُطْلَقًا ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ الْبَلَدَ ، ثَالِثُهَا عَكْسُهُ لِلصَّقَلِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ مَعَ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ قَائِلًا فِي رِوَايَتِهَا هِيَ رِوَايَةُ سُوءٍ ، وَلَهَا لِلْمَوَّازِيَّةِ وَفِيهَا إنْ مَاتَ بَعْدَ وُصُولِهِ حَلَفَ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرًا مَا يَعْلَمُ لَك شَيْئًا .
اللَّخْمِيُّ

يَحْسُنُ تَضْمِينُهُ بِمَوْتِهِ بِالطَّرِيقِ إنْ أَقَامَ بَعْدَ قَبْضِهَا وَهِيَ عَيْنٌ ، وَمِثْلُهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْوَدِيعَةِ .
عِيَاضٌ حَمَلَ الْأَكْثَرُ قَوْلَ أَشْهَبَ عَلَى الْخِلَافِ وَتَأَوَّلَ حَمْدِيسٌ قَوْلَهَا عَلَى أَنَّهُ فِيمَا تَطَاوَلَ ، وَأَنَّ الَّذِي عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقُرْبِ أَنْ يَضْمَنَ ، وَكَذَا ضَمِنَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ .
قُلْتُ فَعَلِيٌّ عَدَّ التَّأْوِيلَ قَوْلًا وَهُوَ فِعْلُ ابْنِ رُشْدٍ الْأَقْوَالُ خَمْسَةٌ الثَّلَاثَةُ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ وَتَأْوِيلُ حَمْدِيسٍ .
.

وَبِكَلُبْسِ الثَّوْبِ ، وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ ، وَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ رَدَّهَا سَالِمَةً إنْ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ
وَ ) تُضْمَنُ ( بِ ) سَبَبِ انْتِفَاعِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ بِهَا ( كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ ) إذَا تَلِفَتْ الشَّارِحَانِ ، هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَبِانْتِفَاعِهِ بِهَا .
تت قَدْ يُقَالُ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ( وَالْقَوْلُ لَهُ ) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بِيَمِينِهِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( رَدَّهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةَ لِمَحَلِّهَا بَعْدَ انْتِفَاعِهِ بِهَا حَالَ كَوْنِهَا ( سَالِمَةً ) مِنْ التَّلَفِ وَالْعَيْبِ ، ثُمَّ تَلِفَتْ بَعْدَ رَدِّهَا فَلَا يَضْمَنُهَا ( إنْ ) كَانَ ( أَقَرَّ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ ( بِالْفِعْلِ ) أَيْ لُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ مَثَلًا .
فَإِنْ أَنْكَرَهُ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا سَالِمَةً فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ .
مُحَمَّدٌ أَقَرَّ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْفَتْحِ بِرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَقَالَ هَلَكَ بَعْدَ أَنْ رَدَدْت فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ هَلَكَ مَا لَبِسَهُ الْمُودَعُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ رَكِبَهُ مِنْ دَابَّةٍ فَفِي تَصْدِيقِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ رَدِّهِ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ضَمِنَ تَضْمِينُهُ مُطْلَقًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ نَزَلَ عَنْهَا وَهِيَ سَلِيمَةٌ .
ثَالِثُهَا يَضْمَنُ حَتَّى يَرُدَّهَا لِمُحَمَّدٍ قَائِلًا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَكِتَابُ ابْنِ سَحْنُونٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ يُونُسَ .

وَإِنْ أَكْرَاهَا لِمَكَّةَ وَرَجَعَتْ بِحَالِهَا ، إلَّا أَنَّهُ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا ، فَلَكَ قِيمَتُهَا يَوْمَ كِرَائِهِ ، وَلَا كِرَاءَ أَوْ أَخْذُهُ وَأَخْذُهَا ، وَبِدَفْعِهَا مُدَّعِيًا أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِهِ ، وَحَلَفْت وَإِلَّا حَلَفَ ، وَبَرِئَ ، إلَّا بِبَيِّنَةِ عَلَى الْآمِرِ ، وَرَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ

( وَإِنْ كَرَاهَا ) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنِ مُودِعِهَا بِالْكَسْرِ لِشَخْصٍ يَرْكَبُهَا أَوْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَتَاعًا ( لِمَكَّةَ ) الْمُشَرَّفَةِ مَثَلًا فَانْتَفَعَ بِهَا الْمُكْتَرِي ( وَرَجَعَتْ ) الْوَدِيعَةُ ( بِحَالِهَا ) الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ سَالِمَةً ( إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ إكْرَاءَهَا ( حَبَسَهَا ) أَيْ أَخَّرَ الْوَدِيعَةَ ( عَنْ ) بَيْعِهَا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً فِي ( أَسْوَاقِهَا ) الَّتِي ارْتَفَعَتْ قِيمَتُهَا فِيهَا ( فَلَكُ ) يَا مُودِعُ بِالْكَسْرِ ( قِيمَتُهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ مُعْتَبَرَةً ( يَوْمَ ) عَقْدِ ( كِرَائِهِ ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ إذْ هُوَ يَوْمُ التَّعَدِّي عَلَيْهَا ( وَ ) إذَا أَخَذْت قِيمَتَهَا يَوْمَ كِرَائِهَا فَ ( لَا كِرَاءَ ) لَك فَهُوَ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ مِلْكُهُ الْوَدِيعَةَ يَوْمَ إكْرَائِهَا ( أَوْ ) لَك ( أَخْذُهُ ) أَيْ كِرَاءِ الْوَدِيعَةِ الَّذِي أَكْرَاهَا بِهِ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ ( وَ ) لَك ( أَخْذُهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ مَعَ كِرَائِهَا .
ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ أَوْدَعْته إبِلًا فَأَكْرَاهَا إلَى مَكَّةَ وَرَجَعَتْ بِحَالِهَا إلَّا أَنَّهُ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا وَمَنَافِعِك بِهَا فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي تَضْمِينِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَعَدِّيهِ وَلَا كِرَاءَ لَكَ ، أَوْ تَأْخُذَهَا وَتَأْخُذَ كِرَاءَهَا وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ يَزِيدُ فِي الْمَسَافَةِ أَوْ الْمُكْتَرِي .
( وَ ) تُضْمَنُ ( بِ ) سَبَبِ ( دَفْعِهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ مِنْ مُودَعِهَا بِالْفَتْحِ لِشَخْصٍ غَيْرِكَ حَالَ كَوْنِهِ ( مُدَّعِيًا أَنَّكَ ) يَا مُودِعُ بِالْكَسْرِ ( أَمَرْتَهُ ) أَيْ مُودَعَهَا بِالْفَتْحِ ( بِهِ ) أَيْ دَفْعِ الْوَدِيعَةِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَأَنْكَرْتَ ذَلِكَ ( وَحَلَفْتَ ) يَا مُودِعُ أَنَّك لَمْ تَأْمُرْ بِهِ ( وَإِلَّا ) وَأَيْ إنْ لَمْ تَحْلِفْ عَلَى عَدَمِ أَمْرِك ( حَلَفَ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ أَنَّك أَمَرْتَهُ بِهِ ( وَ ) إنْ حَلَفَ ( بَرِئَ ) مِنْ ضَمَانِهَا وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ ضَمِنَهَا فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا بِ ) شَهَادَةٍ ( بَيِّنَةٍ عَلَى الْأَمْرِ ) مِنْك بِدَفْعِهَا لِذَلِكَ الشَّخْصِ ، هَذَا

عَلَى ضَبْطِهِ بِالْقَصْرِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ، وَيُحْتَمَلُ الْمَدُّ وَكَسْرِ الْمِيمِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُودَعُ ، وَإِذَا غَرِمَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ عِوَضَ الْوَدِيعَةِ ( رَجَعَ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ ( عَلَى الْقَابِضِ ) بِعِوَضِ مَا غَرِمَهُ إنْ شَاءَ .
" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ أَوْدَعْته وَدِيعَةً فَادَّعَى أَنَّك أَمَرْته بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ فَفَعَلَ وَأَنْكَرْت أَنْتَ أَنْ تَكُونَ أَمَرْتَهُ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِهِ .
أَشْهَبُ وَسَوَاءٌ أَوْدَعْتَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ .
سَحْنُونٌ وَيَحْلِفُ رَبُّهَا ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُودَعُ وَبَرِئَ وَإِنْ غَرِمَهَا الدَّافِعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا فَيَأْخُذَهَا مِنْهُ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : لَوْ مَاتَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ وَادَّعَى الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ وَدَفَعَهَا لَهُ فَيَضْمَنُهَا ، وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِأَمْرِهِ بِهِ .
الثَّانِي : فِي كِتَابِ صَدَقَاتِهَا لَوْ دَفَعْت فِي حَالِ صِحَّتِك مَالًا لِمَنْ يُفَرِّقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي الْفُقَرَاءِ ، ثُمَّ مِتّ أَنْتَ قَبْلَ إنْفَاذِهِ ، فَإِنْ كُنْتَ أَشْهَدْتَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْفِذُ مَا فَاتَ وَمَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ تُشْهِدْ فَالْبَاقِي لِوَرَثَتِكَ وَلَوْ فَرَّقَ بَاقِيَهُ بَعْدَ مَوْتِكَ ضَمِنَهُ لِوَارِثِكَ .
عِيَاضٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَرَثَةَ مُقِرُّونَ بِذَلِكَ وَلَوْ نَازَعُوهُ لَضَمِنَ مَا فَرَّقَ ، وَمَا بَقِيَ إنْ لَمْ يُشْهِدْ أَنْ يَحْلِفَ مِنْهُمْ مِنْ يَدَّعِي عِلْمَهُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَظُنُّ بِهِ عِلْمَهُ بِذَلِكَ .
أَبُو الْحَسَنِ أَيْ نَازَعُوهُ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ بِهِ .
الثَّالِثُ : اللَّخْمِيُّ لَيْسَ عَلَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَدِيعَةَ بِأَمَارَةِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ وَلَا بِكِتَابَةٍ وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُودِعُ أَنَّهُ خَطُّهُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الرَّسُولُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ خَطُّ الْمُودِعِ .
مُحَمَّدٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا لَمْ يَأْخُذْهَا

حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ بِمَا يَبْرَأُ بِهِ ، يُرِيدُ أَنَّ مِنْ حَقِّهِ الْإِبْرَاءُ وَإِشْهَادُهُ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إذَا جَحَدَ الْمُودِعُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْمُودِعُ أَنَّهُ رَضِيَ لِصَاحِبِهَا بِتَسْلِيمِهَا بِذَلِكَ أَوْ رَضِيَ الْآنَ بِتَسْلِيمِهَا بِذَلِكَ ، فَيَلْزَمُهُ مَا رَضِيَ بِهِ .
وَإِنْ رَضِيَ أَنْ يَدْفَعَهَا لِلرَّسُولِ بِغَيْرِ أَمَارَةٍ وَلَا كِتَابٍ الْوَدِيعَةُ عَيْنٌ وَالْمُودِعُ مُوسِرٌ جَازَ بِرِضَاهُ وَلَزِمَهُ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ .
فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُودِعُ أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ قَامَ الْمُودَعُ بِالْمِثْلِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنًا أَوْ الْمُودِعُ مُعْسِرٌ لَمْ يَجُزْ وَرَدَّ رِضَاهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى صَاحِبِهَا إنْ قَالَ لَمْ أَبْعَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ ثِقَةً مَأْمُونًا مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فَيُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهَا ، وَيَلْزَمُ الْآخَرَ مَا رَضِيَ بِهِ .
الرَّابِعُ : إذَا رَفَعَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ لِغَيْرِ الْمُودِعِ بِأَمَارَةٍ أَوْ كِتَابٍ بِلَا ثُبُوتٍ أَوْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الرَّسُولِ ، ثُمَّ قَدَمَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ بَعْثَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْهُ وَلَمْ يَكْتُبْهُ ثُمَّ يَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ الرَّسُولُ أَوْ الْمُودَعُ .
فَإِنْ أَغْرَمَ الرَّسُولَ فَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُودِعِ .
وَاخْتَلَفَ إذَا أَغْرَمَهَا الْمُودَعَ هَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الرَّسُولِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا صَدَّقَ الرَّسُولَ وَدَفَعَ إلَيْهِ ثُمَّ قَدَمَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ وَأَغْرَمَ الْمُودَعَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الرَّسُولِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ لَا يَرْجِعُ بِهَا .
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا دَفَعَ بِالْكِتَابِ أَوْ بِإِمَارَةٍ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُودِعُ وَحَلَفَ ثُمَّ أَغْرَمَ الْمُودِعَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ قَالَ الْمُودَعُ أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ صَدَّقَهُ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِي إخْرَاجِهَا

مِنْ يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُغَرِّمَهَا أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ رَجَعَ عَلَى مُتْلِفِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الرَّسُولِ ، وَاخْتَلَفَ إذَا رَجَعَ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى الرَّسُولِ هَلْ يَرْجِعُ الرَّسُولُ عَلَى مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ ، فَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَرْجِعُ وَأَرَى الرُّجُوعَ فِي هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ الْأَرْبَعَةِ مُفْتَرِقًا فَيَسْقُطُ رُجُوعُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَعْتَرِفُ فِيهِ الْمُودَعُ بِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ صَحِيحًا بِأَنْ دَفَعَ لَهُ بِخَطِّ الْمُودِعِ أَوْ أَمَارَتِهِ ، أَوْ بِقَوْلِهِ لَهُ ادْفَعْهَا لَهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا لَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَرْسَلَنِي إلَيْك فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ حَمَلْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُودِعَ مُصَدِّقٌ لَهُ ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يُخَالِفُك مَا دَفَعْتُهَا إلَيْكَ .
الْخَامِسُ : فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَا يَجُوزُ لِلْمُودَعِ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ بِأَمَارَةٍ أَوْ بِكِتَابٍ ، فَإِنْ فَعَلَ وَجَاءَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ حَلَفَ مَا أَمَرَهُ وَلَا كَتَبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَغَرَّمَهُ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُودَعُ عَلَى الْقَابِضِ مِنْهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا أَتَى بِهِ وَلَا مَعْرِفَتُهُ بِصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ وَشَهَادَتُهُ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ .
ا هـ .
وَذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، ثُمَّ قَالَ وَكَذَا الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْوَكِيلُ وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى الدَّفْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْمُرْسَلِ .
السَّادِسُ : يَجِبُ عَلَى الْمُودَعِ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ مِنْ التَّلَفِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّهَا فِيهِ وَيَضْمَنُهَا إنْ أَتْلَفَهَا .
ابْنُ سَلْمُونٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ إنْ قَالَ رَبُّهَا لِلْمُودَعِ أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ أَوْ فِي النَّارِ فَفَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي أَوْ وَلَدِي وَلَا شَكَّ فِي الْحُرْمَةِ .
وَأَمَّا الضَّمَانُ فَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ دُخُولُ الْخِلَافِ فِيهِ لِإِذْنِ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ

كَمَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فِي قَطْعِ يَدِهِ .
.

وَإِنْ بَعَثْت إلَيْهِ بِمَالٍ ، فَقَالَ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيَّ وَأَنْكَرْت : فَالرَّسُولُ شَاهِدٌ ، وَهَلْ مُطْلَقًا ؟ أَوْ إنْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ ؟ تَأْوِيلَانِ

( وَإِنْ بَعَثْتَ إلَيْهِ ) أَيْ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ الْمَفْهُومِ مِنْ بَعَثْتَ ( بِمَالٍ ) وَقَبَضَهُ مِنْ الرَّسُولِ ثُمَّ اخْتَلَفْتُمَا ( فَقَالَ ) الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ الْمَالُ ( تَصَدَّقْتَ ) يَا بَاعِثُ ( بِهِ ) أَيْ الْمَالِ ( عَلَيَّ ) بِشَدِّ الْيَاءِ ( وَأَنْكَرْتَ ) يَا بَاعِثُ التَّصَدُّقَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَقُلْتَ بَلْ هِيَ وَدِيعَةٌ تَحْفَظُهَا لِي وَآخُذُهَا مِنْك مَتَى شِئْتَ ( فَالرَّسُولُ ) الْمَبْعُوثُ مَعَهُ الْمَالَ ( شَاهِدٌ ) بَيْنَكُمَا إمَّا بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ ، فَإِنْ شَهِدَ بِالصَّدَقَةِ حَلَفَ عَلَيْهَا الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ وَتَمَّتْ لَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ فَالْقَوْلُ لِلْبَاعِثِ بِلَا يَمِينٍ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَنُكُولِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ ، وَإِنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ أَخَذَهُ الْبَاعِثُ بِلَا يَمِينٍ لِشَهَادَةِ الرَّسُولِ لَهُ وَتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ ، وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْمَالِكِ فِي إخْرَاجِ مَالِهِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ وَعَدَمِ الصَّدَقَةِ ، وَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ لَا أَدْرِي فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ أَيْضًا لَكِنْ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَشَاهِدٍ وَاحِدٍ .
( وَ ) إنْ شَهِدَ الرَّسُولُ بِأَنَّهَا صَدَقَةٌ فَ ( هَلْ ) تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبُولًا ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِبَقَاءِ الْمَالِ بِيَدِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ بِإِقْرَارِ رَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِهِ بِدَفْعِهِ لِلْمَبْعُوثِ إلَيْهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ( أَوْ ) إنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالصَّدَقَةِ ( إنْ كَانَ الْمَالُ ) بَاقِيًا ( بِيَدِهِ ) أَيْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ وَأَوْلَى بِيَدِ الرَّسُولِ لِعَدَمِ إتْمَامِهِ حِينَئِذٍ بِخَوْفِ الْغُرْمِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ الْمَالُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالصَّدَقَةِ لِاتِّهَامِهِ بِخَوْفِ غُرْمِهِ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) فَمَحَلُّهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ بِيَدِهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَى دَفْعِهِ بَيِّنَةٌ وَالْمَبْعُوثُ إلَيْهِ مُعْدِمٌ ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ أَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الدَّفْعِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِهَا اتِّفَاقًا

لِانْتِفَاءِ اتِّهَامِهِ .
" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَإِنْ بَعَثْتَ إلَى رَجُلٍ بِمَالٍ فَقَالَ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَيَّ وَصَدَّقَهُ الرَّسُولُ وَأَنْتَ مُنْكِرٌ لِلصَّدَقَةِ وَتَقُولُ بَلْ هُوَ إيدَاعٌ فَالرَّسُولُ شَاهِدٌ لَهُ يَحْلِفُ مَعَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْمَالُ صَدَقَةً عَلَيْهِ .
قِيلَ لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " كَيْفَ يَحْلِفُ وَلَمْ يَحْضُرْ ، قَالَ كَمَا يَحْلِفُ الصَّبِيُّ مَعَ شَاهِدِهِ فِي دَيْنِ أَبِيهِ .
ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الضَّمَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَرَادَ إذَا كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ عَدِيمًا قَدْ أَتْلَفَ الْمَالَ وَلَا بَيِّنَةَ لِلرَّسُولِ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ ، فَأَمَّا وَهُوَ مَلِيٌّ حَاضِرٌ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ مَعَ يَمِينِ الْمَشْهُودِ لَهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَامَتْ لِلرَّسُولِ بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ فِي عَدَمِ الْمَشْهُودِ لَهُ .
ابْنُ يُونُسَ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَقَوْلُ أَشْهَبَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَكَذَلِكَ عَلَّلَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَّلَ غَيْرَهُ قَوْلُ أَشْهَبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ دَفَعَ دَفْعًا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْآمِرَ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَلَى جِهَةِ إيدَاعِهِ فَدَفَعَ هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يُؤْخَذُ الْآمِرُ بِغَيْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الدَّفْعِ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ ، قَالَ وَابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا أَجَازَ شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الدَّفْعِ فَدَفَعَ وَالْمَالُ حَاضِرٌ لَمْ يُسْتَهْلَكْ بِدَفْعِهِ عَلَى حُجَّةِ التَّمْلِيكِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : تت هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ لَيْسَا كَعَادَتِهِ ، بَلْ عَادَتُهُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَقُولَ وَهَلْ خِلَافٌ أَوْ وِفَاقٌ تَأْوِيلَانِ .
الثَّانِي : عِيَاضٌ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ شَهَادَتِهِ بِكُلِّ حَالٍ ، وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهَا الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ لِإِقْرَارِ رَبِّهَا أَنَّهُ أَمَرَهُ

بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ ذُكِرَ .
وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الرَّسُولِ بَعْدُ لَمْ يَدْفَعْهُ ، أَوْ أَنَّهُمَا حَاضِرَانِ وَالْمَالُ حَاضِرٌ ، وَلَوْ أَنْفَقَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الضَّمَانَ .
وَتَأَوَّلَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلَ أَشْهَبَ بِقَرِيبٍ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ بِأَنَّ الْمُصَدَّقَ عَلَيْهِ عَدِيمٌ وَقَدْ أَتْلَفَ الْمَالَ وَلَا بَيِّنَةَ لِلرَّسُولِ عَلَى الدَّفْعِ .
وَأَمَّا وَهُوَ مَلِيٌّ أَوْ قَامَتْ لِلرَّسُولِ بَيِّنَةٌ عَلَى الدَّفْعِ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وِفَاقًا عَلَى نَحْوِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ مَفْهُومُ كِتَابِ مُحَمَّدٍ .
الثَّالِثُ : أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ جَعَلَهُ يَحْلِفُ هُنَا ، وَهَلْ هِيَ يَمِينٌ غَمُوسٌ ، أَوْ إنَّمَا يَحْلِفُ إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ، وَاخْتَلَفَ فِي الْحَلِفِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ .
الرَّابِعُ : فِيهَا مَنْ أَوْدَعَك مَالًا وَقَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى فُلَانٍ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ حَلَفَ فُلَانٌ مَعَ شَهَادَتِك وَاسْتَحَقَّهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا ، أَوْ إنْ كَانَ غَائِبًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُك لَهُ إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ تَنْتَفِعُ أَنْتَ فِي مِثْلِهَا .
أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ لَا تَنْتَفِعُ فِي مِثْلِهَا فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ .
عَبْدُ الْحَقِّ سَأَلْتُ بَعْضَ شُيُوخِنَا فَقُلْتُ أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ لِلسُّلْطَانِ خُذْهَا مِنْ يَدِي لَا أُرِيدُ إمْسَاكَهَا ، فَقَالَ إنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ حِينَ أَتَى يَشْهَدُ بِأَنْ قَالَ لِلْحَاكِمِ أَوْدَعَنِي فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا ، وَقَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ ، وَإِنْ شَهِدَ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَى بِقَوْلِهِ هَذَا فَيُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ

لِيَنْفِيَ الظِّنَّةَ عَنْهُ الَّتِي قَدْ أَبْطَلَتْ شَهَادَتُهُ .
أَبُو الْحَسَنِ فَلَوْ قَدَمَ الْغَائِبُ وَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ بِشَهَادَتِهِ .
قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا قَدْ رُدَّتْ .
.

وَبِدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِك ، أَوْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُنْكِرِ : كَعَلَيْك ، إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِهِ مَقْصُودَةٌ

( وَ ) تُضْمَنُ ( بِدَعْوَى الرَّدِّ ) مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ لِلْوَدِيعَةِ ( عَلَى وَارِثِك ) يَا مُودَعُ إلَيْهِ تَنَازَعَ فِيهِ دَعْوَى وَالرَّدُّ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَدْفَعْهَا لِلْمُودَعِ وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهَا .
ابْنُ شَاسٍ أَمَّا دَعْوَاهُ الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى وَارِثِ الْمُودِعِ رَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ تَفْتَقِرُ إلَى الْبَيِّنَةِ أَيْضًا ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَبْضُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ بَيِّنَةٌ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَالَ الْمُودَعُ أَوْ الْعَامِلُ رَدَدْتُ الْمَالَ لِوَصِيِّ الْوَارِثِ لِمَوْتِ رَبِّهِ فَلَا يُصَدَّقَانِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الْوَصِيِّ ، وَلَوْ كَانَ قَبَضَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُمَا دَفَعَهَا إلَى غَيْرِ مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الْوَارِثِ فَلَا يُقْبَلُ ، وَكَذَا دَعْوَى وَارِثِ الْمُودَعِ الرَّدَّ أَوْ عَلَى الْمُودِعِ أَوْ عَلَى وَارِثِهِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَأْتَمِنَاهُ كَالْيَتِيمِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَأَحْرَى إذَا مَاتَ الْمُودَعُ وَالْمُودِعُ وَادَّعَى وَارِثُ الْمُودَعِ رَدَّهَا إلَى وَارِثِ الْمُودِعِ .
( أَوْ ) أَيْ وَتُضْمَنُ بِدَعْوَى الدَّفْعِ إلَى ( الْمُرْسِلِ إلَيْهِ الْمُنْكِرِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا وَكَسْرِ سِينِ الْأَوَّلِ وَكَافِ الثَّانِي فِيهَا إنْ دَفَعْتَ إلَيْهِ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الدَّافِعُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ ضَمِنَ ذَلِكَ ، سَوَاءٌ قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ .
وَلَوْ شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَمَرْتُهُ بِدَفْعِهِ لَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ إذَا ثَبَتَ هَذَا الشَّرْطُ .
أَبُو الْحَسَنِ مَفْهُومُ الْمُنْكِرِ لَوْ أَقَرَّ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ لَبَرِئَ الدَّافِعُ ، وَفِيهَا أَيْضًا مَنْ بَعَثَ مَعَهُ بِمَالٍ لِيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ صَدَقَةً

أَوْ صِلَةً أَوْ سَلَفًا أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ لِيَبْتَاعَ لَك بِهِ سِلْعَةً فَقَالَ دَفَعْته لَهُ وَكَذَّبَهُ الرَّجُلُ فَلَا يَبْرَأُ الرَّسُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
أَبُو الْحَسَنِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ كَذَّبَهُ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ لَبَرِئَ وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الصُّوَرِ وَذَكَرَ فِيهَا السَّلَفَ ، وَفِيهِ انْتِقَالٌ مِنْ أَمَانَةٍ إلَى ذِمَّةٍ ، فَإِنْ كَانَ قَائِمَ الذِّمَّةِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ كَانَ خَرِبَ الذِّمَّةِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ .
وَأَمَّا الصِّلَةُ أَوْ ثَمَنُ السِّلْعَةِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِهِ .
وَفِي الْمُقَدَّمَاتِ مَنْ دَفَعَ الْأَمَانَةَ إلَى غَيْرِ الْيَدِ الَّتِي دَفَعَتْهَا إلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْإِشْهَادُ الَّذِي عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ إذَا أَنْكَرَهُ الْقَابِضُ وَلَمْ أَحْفَظْ فِي هَذَا الْوَجْهِ نَصَّ خِلَافِ الْأَقْوَالِ .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ بَعَثَ بِبِضَاعَةٍ مَعَ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ ، وَيُصَدَّقُ ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْقَابِضُ كَانَ دَيْنًا أَوْ صِلَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ بِالْمَعْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ اللُّؤْلُؤِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَادَّعَى التَّلَفَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْضٌ إلَى ذِمَّةٍ أَوْ إلَى أَمَانَةٍ ، فَإِنْ كَانَ قَبْضًا إلَى أَمَانَةٍ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يَبْرَأُ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ وَالْمُصِيبَةُ مِنْ الْآمِرِ ، وَقَالَ مَرَّةً لَا يَبْرَأُ الدَّافِعُ إلَّا بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى الدَّفْعِ ، أَوْ إتْيَانِ الْقَابِضِ بِالْمَالِ ، وَقَالَهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ قَبْضٌ إلَى ذِمَّةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ لَهُ ادْفَعْ الْوَدِيعَةَ الَّتِي عِنْدَك إلَى فُلَانٍ سَلَفًا أَوْ تَسْلِيفًا فِي سِلْعَةٍ أَوْ إلَى صَانِعٍ يَعْمَلُ فِيهَا عَمَلًا ، فَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ خَرِبَةً فَاخْتَلَفَ فِيهِ فَقِيلَ يَبْرَأُ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ

ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُ لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ .
وَأَمَّا إنْ دَفَعَ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى أَمَانَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ أَوْ إتْيَانِ قَابِضِ الْمَالِ بِهِ ، هَذَا نَصُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَلَمْ أَعْرِفْ فِيهِ خِلَافًا إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ الْخِلَافُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَانَةِ ، وَإِنْ دَفَعَ إلَى ذِمَّةٍ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَتْ خَرِبَةً فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الدَّفْعِ ، هَذَا الَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي عَلَى مَذَاهِبِهِمْ ، وَلَمْ أَعْرِفْ فِيهَا نَصَّ خِلَافٍ إلَّا أَنْ يَدْخُلَهَا الْخِلَافُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَانَةِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ دَفْعٌ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ ، وَمِنْ أَمَانَةٍ إلَى أَمَانَةٍ ، وَمِنْ أَمَانَةٍ إلَى ذِمَّةٍ ، وَمِنْ ذِمَّةٍ إلَى أَمَانَةٍ ا هـ .
وَقَوْلُهُ إذَا دَفَعَ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أَمَانَةٍ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إنْ ادَّعَى التَّلَفَ ، أَرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي غَيْرِ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَمُتْ وَأَكْذَبَهُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَرَادَ لَوْ لَمْ يَمُتْ الرَّسُولُ وَدَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ رَبُّهَا بِدَفْعِهَا إلَيْهِ وَضَاعَتْ وَأَنْكَرَ رَبُّهَا دَفْعَهَا فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا ضَمِنَ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فِي قَبْضِهَا مِنْهُ ا هـ .
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمُنْكِرُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُنْكِرْ لَا يَضْمَنُ ، وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا نَسَبَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَتَرَكَ مَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لِقُوَّةِ الْأَوَّلِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ :

فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الرَّدَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْإِيصَالِ مُسَامَحَةً ، وَإِنَّمَا فِيهَا دَعْوَى الْإِيصَالِ .
الثَّانِي : عَبْدُ الْحَقِّ إذَا شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَى الدَّفْعِ يَنْفَعُهُ ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا حِينَ وُجُوبِ تَوَجُّهِهَا فَكَأَنَّهُ شَرَطَ سُقُوطَ أَمْرٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ ، بِخِلَافِ شَرْطِهِ تَرْكَ الْإِشْهَادِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا أَرَاهُ .
الثَّالِثُ : إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ هُنَا الضَّمَانَ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَمُقَابِلُهُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ عَدَمَهُ صُدِّقَ الْمُودَعُ .
الرَّابِعُ : تَصْدِيقُ رَبِّ الْمَالِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ .
الْخَامِسُ : فِيمَا إنْ أَمَرْته بِصَدَقَةٍ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَصَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ ضَمِنَ حِصَّةَ مَنْ كَذَّبَهُ وَلَوْ أَمَرْته بِصَدَقَةٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ إذَا كَانَ مُتَّهَمًا ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ .
وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ ( كَ ) دَعْوَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ ( عَلَيْك ) يَا مُودِعُ فَلَا تُقْبَلُ وَيَضْمَنُهَا ( إنْ كَانَتْ لَهُ ) أَيْ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ ( بِبَيِّنَةٍ ) شَاهِدَةٍ عَلَى الدَّفْعِ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( مَقْصُودَةً ) لِلتَّوَثُّقِ عَلَى الْمُودَعِ خَوْفًا مِنْ دَعْوَاهُ رَدَّهَا ، فَلَمْ يَأْتَمِنْهُ فِيهِ ، فَإِنْ ادَّعَى ضَيَاعَهَا صُدِّقَ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ لِائْتِمَانِهِ عَلَى حِفْظِهَا .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ قَبَضَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ أَوْ مَقْصُودَةٍ لِغَيْرِ التَّوَثُّقِ وَادَّعَى رَدَّهَا فَيُصَدَّقُ فِيهِ .
" ق " فِيهَا وَمَنْ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ أَوْ أَقْرَاضٌ لِلرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ رَدَدْته إلَيْك فَهُوَ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَلَوْ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ ضَاعَ مِنِّي أَوْ سُرِقَ

صَدَّقَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ الْأَمَانَاتُ الَّتِي بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّقْوَى فِيهَا وَالْأَدَاءِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ، كَمَا أَمَرَ الْوَصِيَّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ فِي الرَّدِّ إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُمْ دُونَ إشْهَادٍ فَوَجَبَ أَنْ يُصَدَّقَ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْفَتْحِ فِي دَعْوَاهُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ بِيَمِينِهِ إنْ أَكْذَبَهُ الْمُودِعُ كَمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِيمَا ائْتَمَنَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِمَّا خُلِقَ فِي رَحِمِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ وَالْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِإِشْهَادٍ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ إنَّمَا ائْتَمَنَهُ عَلَى حِفْظِهَا وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَى رَدِّهَا فَيُصَدَّقُ فِي الضَّيَاعِ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ الَّذِي اسْتَوْثَقَ مِنْهُ وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَالصَّقَلِّيُّ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهَا قُصِدَ بِهَا التَّوَثُّقُ .
عَبْدُ الْحَقِّ مَنْ أَخَذَ وَدِيعَةً بِحَضْرَةِ قَوْمٍ لَمْ يَقْصِدْ إشْهَادَهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الرَّدِّ ، وَلَيْسَ كَمَنْ أَخَذَهَا بِبَيِّنَةٍ قَصَدَ إشْهَادَهَا عَلَيْهِ ، وَكَذَا إنْ أَقَرَّ الْمُودَعُ عِنْدَ بَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَبَضَ وَدِيعَةً مِنْ فُلَانٍ ، وَفِي الْحُكَّامِ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ بِبَيِّنَةٍ فَادَّعَى الْمُودَعُ رَدَّهَا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا ضَمِنَ بَعْدَ يَمِينِ رَبِّهَا وَلِرَبِّهَا رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُودَعِ .
وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إنْ زَعَمَ الْمُسْتَوْدَعُ عِنْدَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ رَدَّهَا لِرَبِّهَا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَلَا يُبَرِّئُهُ قَوْلُهُ وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى رَبِّهَا ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا غَرِمَهَا الْمُودَعُ عِنْدَهُ ، وَإِنْ نَكَلَ رَبُّهَا عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُودَعِ ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ .
( تَنْبِيهٌ ) يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُودَعِ

بِالْفَتْحِ بِقَصْدِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ بِالْبَيِّنَةِ التَّوَثُّقُ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ ظَاهِرَةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الِاسْتِرْعَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي حَرَّرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي رِسَالَتِهِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ .
ابْنِ يُونُسَ مَنْ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ بِمَحْضَرِ قَوْمٍ وَلَمْ يَقْصِدْ إشْهَادَهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ كَقَبْضِهَا بِلَا بَيِّنَةٍ حَتَّى يَقْصِدَ الْإِشْهَادَ عَلَى نَفْسِهِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الْقَبْضُ بِبَيِّنَةٍ لِيَكُونَ الرَّدُّ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنْ كَانَ الْإِشْهَادُ خَوْفَ الْمَوْتِ لِيَأْخُذَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ قَالَ الْمُودَعُ أَخَافُ أَنْ تَقُولَ هِيَ سَلَفٌ فَاشْهَدْ لِي أَنَّهَا وَدِيعَةٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّوَثُّقَ مِنْ الْقَابِضِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهَا بِلَا بَيِّنَةٍ ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْمُودِعُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِشْهَادٍ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ حُكْمَ الْإِشْهَادِ ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ مُصَدَّقٌ .

لَا بِدَعْوَى التَّلَفِ : أَوْ عَدَمِ التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ
( لَا ) تُضْمَنُ ( بِدَعْوَى ) الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( التَّلَفَ ) لِلْوَدِيعَةِ وَلَوْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ ( أَوْ ) دَعْوَى ( عَدَمِ الْعِلْمِ ) مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( بِ ) مَا حَصَلَ لِلْوَدِيعَةِ مِنْ ( التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ ) أَيْ لَا يَضْمَنُهَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ لِكِفَايَةِ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ ، وَحَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَالَ لَا أَدْرِي أَتَلِفَتْ أَمْ رَدَدْتهَا أَوْ لَا أَدْرِي أَضَاعَتْ أَمْ رَدَدْتهَا .
وَاحْتَاجَ لِتَقْيِيدِهِ عَدَمَ ضَمَانِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ ، وَقَرَّرَهُ الْبِسَاطِيُّ بِالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ ، وَقَيَّدَ عَدَمَ الضَّمَانِ فِي الثَّانِي بِعَدَمِ بَيِّنَةِ التَّوَثُّقِ أَفَادَهُ تت .
" ق " فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ لَوْ قَالَ لِمُودِعِهَا مَا أَدْرِي أَرَدَدْتُهَا إلَيْك أَمْ تَلِفَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَوْدَعَهُ إيَّاهَا بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِهَا .
ابْنُ رُشْدٍ وَيَحْلِفُ مَا هِيَ عِنْدَهُ وَلَقَدْ دَفَعَهَا إلَيْهِ أَوْ تَلِفَتْ .
طفى مَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ إذْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ كَذَلِكَ ، وَلِذَا قَالَ " ح " الصَّوَابُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالرَّدِّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ .

وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ ، وَلَمْ يُفِدْهُ شَرْطُ نَفْيِهَا ، فَإِنْ نَكَلَ : حَلَفْت

( وَحَلَفَ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ ( الْمُتَّهَمُ ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ بِالتَّسَاهُلِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ إذَا ادَّعَى رَدَّهَا حَيْثُ تُقْبَلُ مِنْهُ ، أَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالرَّدِّ أَوْ الضَّيَاعِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَّهَمِ لَا يَحْلِفُ وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ بِلَا نِزَاعٍ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَفِي دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ مَشْهُورُهَا يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لِتَعَيُّبِهِ بِهِ ، لَكِنَّهُ عَلَى هَذَا يَفُوتُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ .
تت فِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ حَلِفُ الْمُتَّهَمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ ، وَفِي دَعْوَى التَّلَفِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْوَسَطِ دَعْوَى الرَّدِّ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَالتَّلَفُ مَوْضُوعُ الِاتِّفَاقِ سَبْقُ قَلَمٍ ، وَلِذَا أُصْلِحَ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ .
طفى لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ شَأْنِهِ التَّسَاهُلُ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ ، بَلْ الَّذِي لَمْ تُحَقَّقْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى ، وَلَيْسَ إلَّا مُجَرَّدُ التُّهْمَةِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ ، وَقَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ حَلِفُ الْمُتَّهَمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ هُوَ الصَّوَابُ لِحِكَايَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا الِاتِّفَاقَ عَلَى الْحَلِفِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ ، وَأَطْلَقُوا سَوَاءٌ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا ، وَاعْتَرَضَتْ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَبَيَّنَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَوْ قَبَضَهُ أَيْ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْقِرَاضَ بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ ضَاعَ مِنِّي صُدِّقَ أَرَادَ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَيَحْلِفَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَإِنْ نَكَلَ الْمُتَّهَمُ عَنْ الْيَمِينِ ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هَاهُنَا .
ابْنُ يُونُسَ الْفَرْقُ بَيْنَ دَعْوَى الرَّدِّ وَدَعْوَاهُ الضَّيَاعَ عَلَى أَحَدِ

الْقَوْلَيْنِ أَنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ يَدَّعِي يَقِينًا أَنَّهُ كَاذِبٌ فَيَحْلِفُ مُتَّهَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ .
وَفِي دَعْوَى الضَّيَاعِ لَا عِلْمَ لَهُ بِحَقِيقَةِ دَعْوَاهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودَعِ فَلَا يَحْلِفُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَّهَمًا ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ .
" ح " هَذَا إذَا ادَّعَى التَّلَفَ وَلَمْ يُحَقِّقْ رَبُّهَا عَلَيْهِ الدَّعْوَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ ، وَأَمَّا فِي دَعْوَى الرَّدِّ فَيَحْلِفُ بِاتِّفَاقٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَحَيْثُ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ بِيَمِينٍ ، وَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَبِاشْتِمَالِ كِتَابِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا كَانَ مُحَقِّقُو شُيُوخِنَا يُنْكِرُونَ كِتَابَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْفِقْهِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) إنْ شَرَطَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ حِينَ الْإِيدَاعِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ بِلَا يَمِينٍ ( لَمْ يُفِدْهُ ) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ ( شَرْطُ نَفْيِهَا ) أَيْ الْيَمِينُ .
" ق " فِيهَا مَنْ دَفَعْت لَهُ مَالًا لِيَدْفَعَهُ لِرَجُلٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
عَبْدِ الْحَقِّ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا حِينَ تَوَجُّهِهَا فَكَأَنَّهُ شَرَطَ إسْقَاطَ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ ، بِخِلَافِ شَرْطِهِ دَفْعَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ ، فَلَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِالْوَفَاءِ بِشَرْطِ التَّصْدِيقِ فِي دَعْوَى عَدَمِ الْقَضَاءِ .
" ق " وَعَلَى هَذَا فَرَبُّ الْوَدِيعَةِ يَدَّعِي يَقِينًا كَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يُفِدْهُ شَرْطُ نَفْيِهَا لَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ ، وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ لِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُنْكِرُ وَتَلْزَمُهُ فَإِنْ حَلَفَ صُدِّقَ فَ ( إنْ نَكَلَ ) الْمُتَّهَمُ عَنْ الْيَمِينِ ( حَلَفْت ) يَا مُودِعُ بِالْكَسْرِ

أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ وَيَغْرَمُهَا لَك الْمُتَّهَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ تت .
ق " هَذَا مُخَالِفٌ لِنَقْلِ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ نَكَلَ الْمُتَّهَمُ فَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ وَمَا نَقَلَ غَيْرُهُ .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَظْهَرُ أَنْ تَلْحَقَ الْيَمِينُ إذَا قَوِيَتْ التُّهْمَةُ وَتَسْقُطَ إذَا ضَعُفَتْ وَأَنْ لَا تَرْجِعَ إذَا لَحِقَتْ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ ، وَنَصُّهُ وَفِيهَا مَعَ غَيْرِهَا دَعْوَى قَابِضِيهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةِ رَدِّهَا مَقْبُولَةً مَعَ يَمِينِهِ .
اللَّخْمِيُّ يَحْلِفُ وَلَوْ مَأْمُونًا لِدَعْوَى رَبِّهَا عَلَيْهِ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا إلَّا أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُودَعَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا فِيهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ قِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ أَوْ تَمُرُّ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ فَتَضْعُفُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ الْمُودَعُ عَدْلًا ، وَنَقْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَدَمَ حَلِفِهِ مُطْلَقًا لَا أَعْرِفُهُ ، وَلَوْ صَحَّ كَانَتْ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةً هُوَ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ وَمَنْصُوصُ الْمَذْهَبِ وَدَعْوَاهُ ضَيَاعَهَا فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا مَقْبُولَةٌ وَلَوْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ وَفِي لُزُومِ حَلِفِهِ ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مُتَّهَمًا ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَّهَمُ يَحْلِفُ بِاتِّفَاقٍ خِلَافُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَدَمَ حَلِفِهِ مُطْلَقًا ، قَالَ لِأَنَّهُ أَمَّنَهُ ، وَلَمَّا حَكَى الْأَوَّلَ قَالَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ رَجُلٌ بِالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ .
وَعَبَّرَ عَنْ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا .
الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا عَلَى رَبِّهَا وَلِابْنِ زَرْقُونٍ اخْتَلَفَ فِي تَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ ، فَفِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَالشَّرِكَةِ تَعَلُّقَهَا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِهَا .
أَشْهَبُ لَا تَتَعَلَّقُ .
قُلْتُ فِي آخِرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَجْوِبَتِهِ الْأَظْهَرُ أَنْ تَلْحَقَ إذَا قَوِيَتْ التُّهْمَةُ وَتَسْقُطَ إذَا ضَعُفَتْ وَأَنْ لَا تَرْجِعَ إذَا لَحِقَتْ .
وَفِي سَمَاعِ عِيسَى أَنَّ

الْيَمِينَ تُرَدُّ فِي التُّهْمَةِ ، وَالْخِلَافُ فِي رَدِّهَا وَفِي لُحُوقِهَا ابْتِدَاءً مَشْهُورُ .
ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي يَمِينِهِ ثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ يَحْلِفُ الْمُودَعُ وَقَرَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَلَا يَغْرَمُ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَغْرَمُ بِنُكُولِهِ دُونَ حَلِفِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ حَتَّى رَبِّ الْوَدِيعَةِ .
قُلْتُ وُجُودُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَاضِحٌ ، الْأَوَّلُ بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ تَوَجُّهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ وَالثَّانِي عَلَى تَوَجُّهِهَا وَعَدَمِ انْقِلَابِهَا ، وَالثَّالِثُ عَلَى انْقِلَابِهَا .
وَأَمَّا فِي دَعْوَى الرَّدِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ ، وَحَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَا خِلَافًا أَنَّهُ بِيَمِينٍ وَلَا فِي انْقِلَابِهَا إنْ نَكَلَ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فِي حَلِفِهِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ قَوْلَيْنِ أَشْهُرُهُمَا حَلِفُهُ ، وَأَنَّهُ إنْ نَكَلَ فَفِي غُرْمِهِ دُونَ حَلِفِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ قَوْلَانِ .
وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ الْعِبَارَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَوْجُودٌ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ ، ظَاهِرُهُ قَبُولُهَا وَقَوْلُ ابْنِ هَارُونَ فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا الْخِلَافُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ أَصْوَبُ ، وَبِاشْتِمَالِ كِتَابِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا كَانَ مُحَقِّقُو شُيُوخِنَا يُنْكِرُونَ كِتَابَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْفِقْهِيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَا إنْ شَرَطَ الدَّفْعَ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ ، وَبِقَوْلِهِ : تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي بَعْدَ مَنْعِهِ دَفْعَهَا كَقَوْلِهِ بَعْدَهُ بِلَا عُذْرٍ ، لَا إنْ قَالَ : لَا أَدْرِي مَتَى تَلِفَتْ

( وَ ) إنْ أُرْسِلَ رَجُلٌ بِمَالٍ إلَى آخَرَ وَسَلَّمَهُ لَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَأَنْكَرَ اسْتِلَامَهُ مِنْهُ فَ ( لَا ) ضَمَانَ عَلَى الرَّسُولِ ( إنْ ) كَانَ ( شَرَطَ ) الرَّسُولُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ بِالْمَالِ حِينَ إرْسَالِهِ ( الدَّفْعَ لِ ) شَخْصِ ( الْمُرْسَلِ ) بِفَتْحِ السِّينِ ( إلَيْهِ بِلَا ) إشْهَادِ ( بَيِّنَةٍ ) عَلَيْهِ إذَا ثَبَتَ الشَّرْطُ بِإِقْرَارِ الْمُرْسَلِ أَوْ بَيِّنَةٍ .
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَوْ شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَلَا يَضْمَنُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } .
( وَ ) تُضْمَنُ ( بِقَوْلِهِ ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ لِلْمُودِعِ بِالْكَسْرِ ( تَلِفَتْ ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْوَدِيعَةُ ( قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ قَبْلَ لُقِيِّك إيَّايَ بِالْأَمْسِ مَثَلًا ، وَصِلَةُ قَوْلِهِ ( بَعْدَ مَنْعِهِ ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( دَفَعَهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ بِالْكَسْرِ لِعُذْرٍ أَبْدَاهُ لِرَبِّهَا وَأَوْلَى بِلَا عُذْرٍ .
رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مَالٌ وَدِيعَةٌ فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَاعْتَذَرَ بِشُغْلٍ وَأَنَّهُ يَرْكَبُ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُ فَتَصَايَحَا فَحَلَفَ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي غَدٍ قَالَ ذَهَبْتَ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا .
وَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي مَتَى ذَهَبْت حَلَفَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
أَصْبَغُ وَيَحْلِفُ مَا عَلِمَ بِذَهَابِهَا حِينَ مَنَعَهُ .
وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ ( كَقَوْلِهِ ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ تَلِفَتْ ( بَعْدَهُ ) أَيْ لُقِيِّك إيَّايَ فَيَضْمَنُهَا إنْ كَانَ مَنَعَهَا ( بِلَا عُذْرٍ ) فَإِنْ كَانَ مَنَعَهَا لِعُذْرٍ فَتَلِفَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا .
ابْنُ يُونُسَ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ ذَهَبْت بَعْدَمَا حَلَفْت وَفَارَقْتُك ضَمِنَهَا لِأَنَّهُ مَنَعَهَا إيَّاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَانَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَسْتَطِيعُ فِيهِ الرُّجُوعَ وَفِيهِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فَلَا يَضْمَنُهَا .
ابْنُ عَبْدِ الْحُكْمِ

إذَا قَالَ أَنَا مَشْغُولٌ إلَى عُذْرٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ تَلِفَتْ قَبْلَ مَجِيئِك الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَا أَدْفَعُهَا إلَّا بِالسُّلْطَانِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ عُذْرًا يَقُولُ خِفْتُ شَغَبَهُ وَأَذَاهُ ( لَا ) يَضْمَنُ ( إنْ قَالَ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بَعْدَ مَنْعِهَا ( لَا أَدْرِي ) جَوَابُ ( مَتَى تَلِفَتْ ) الْوَدِيعَةُ قَبْلَ لُقِيِّك أَوْ بَعْدَهُ وَحَلَفَ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ ضَمَانِهَا .
.

وَيَمْنَعُهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمَ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ

( وَ ) تُضْمَنُ ( بِ ) سَبَبِ ( مَنْعِ ) الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ دَفْعَ ( هَا ) لِمُودِعِهَا عِنْدَ طَلَبِهَا ( حَتَّى يَأْتِيَ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ ( الْحَاكِمَ ) أَوْ هُوَ فَاعِلُ يَأْتِي إذَا كَانَ عِنْدَ طَلَبِهَا غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ ، وَتَلِفَتْ قَبْلَ إتْيَانِهِ فَيَضْمَنُهَا ( إنْ لَمْ تَكُنْ ) الْوَدِيعَةُ مَقْبُوضَةً ( بِبَيِّنَةٍ ) شَاهِدَةٍ بِقَبْضِهَا لِلتَّوَثُّقِ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي رَدِّهَا حِينَئِذٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ ، وَمَنَعَهَا بَعْدَ طَلَبِهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ فَتَلِفَتْ قَبْلَ إتْيَانِهِ فَلَا يَضْمَنُهَا لِعُذْرِهِ بِعَدَمِ تَصْدِيقِهِ فِي رَدِّهَا بِلَا بَيِّنَةٍ .
الْبِسَاطِيُّ هَلْ الْحَاكِمُ خُصُوصِيَّةٌ حَتَّى لَوْ وَجَدَ بَيِّنَةٌ يُشْهِدُهَا بِالرَّدِّ وَامْتَنَعَ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ فَيُعْذَرُ أَوْ الْمَقْصُودُ مَا يُبْرِيهِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحَاكِمِ ، فَإِنْ مَنَعَهَا مَعَ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ فَتَلِفَتْ قَبْلَ إتْيَانِ الْحُكْمِ فَيَضْمَنُهَا .
تت فِي تَعْلِيلِ بَعْضِ الْأَقْوَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِيَّةِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَخَافُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ سَفَهٌ أَوْ نَحْوُهُ .
" ق " ابْنُ رُشْدٍ لَوْ أَبَى مِنْ دَفْعِهَا إلَّا بِالسُّلْطَانِ فَهَلَكَتْ فِي زَمَنِ تَرَافُعِهِمَا ، فَفِي ضَمَانِهِ فِيهَا ، وَفِي الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ وَنَفَيَا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهَا .
ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِابْنِ دَحُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ وَنَصُّهُ سَمِعَ أَبُو زَيْدِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَبِّ الْوَدِيعَةِ يَطْلُبُهَا وَالرَّاهِنُ يَطْلُبُ فِكَاكَهُ فَيَأْبَى الَّذِي ذَلِكَ فِي يَدِهِ أَنْ يَدْفَعَهُ حَتَّى يَأْتِيَ السُّلْطَانُ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ فَهَلَكَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضِيَّةِ ، وَبَعْدَ طَلَبِ أَرْبَابِهِ قَالَ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ فَهُوَ ضَامِنٌ .
ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا إذَا طَلَبَهُ وَدِيعَةً لَهُ عِنْدَهُ وَهِيَ بِحَيْثُ يَمُدُّ يَدَهُ إلَيْهَا بِلَا

مُؤْنَةٍ فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا أَنَّهُ يَضْمَنُهَا إنْ هَلَكَتْ .
وَاخْتَلَفَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ فَوْقَ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ وَعَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي رُجُوعِهِ مَعَهُ فَلَا ضَمَانَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ ضَمِنَهَا .
وَقَالَ أَصْبَغُ قَدْ يَعُوقُ الرَّجُلُ الْعَائِقَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ وَلِلنَّاسِ أَعْذَارٌ بَاطِنَةٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَيَحْلِفُ وَيَبْرَأُ .
.

لَا إنْ قَالَ ضَاعَتْ مُنْذُ سِنِينَ ، وَكُنْت أَرْجُوهَا ، وَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهَا كَالْقِرَاضِ
( لَا ) تُضْمَنُ ( إنْ قَالَ ) لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ عِنْدَ طَلَبِهَا مِنْهُ ( ضَاعَتْ مِنْ ) مُدَّةِ ( سِنِينَ ) مَضَتْ ( وَكُنْتُ أَرْجُو ) عَوْدَ ( هَا ) فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ لَمْ يَضْمَنْهَا صَاحِبُهَا ، بَلْ ( وَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهَا ) وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِضَيَاعِهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ طُلِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ فَقَالَ ضَاعَتْ مُنْذُ سِنِينَ وَكُنْت أَرْجُوهَا وَأَطْلُبُهَا وَشِبْهُهُ ، وَلَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ وَرَبُّهَا حَاضِرٌ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَهُ فَلَا يَضْمَنُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَبَهَا مِنْهُ فَأَقَرَّ بِهَا ثُمَّ قَالَ ضَاعَتْ مُنْذُ سِنِينَ فَيَضْمَنُهَا وَالْقِرَاضُ مِثْلُهَا .
أَصْبَغُ إنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ طَلَبٌ وَلَا ذَكَرَ لِرَبِّهَا وَلَا لِغَيْرِهِ وَلَا مُصِيبَةَ تَطْرُقُ فَهُوَ ضَامِنٌ إذَا طَالَ جِدًّا وَادَّعَى أَمْرًا قَرِيبًا لَا ذِكْرَ لَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ .
وَقَالَ أَصْحَابُنَا قَالُوا إنْ سُمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي طُلِبَتْ فِيهِ قُبِلَ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ .
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فَقَالَ ( كَ ) دَعْوَى عَامِلِ ( الْقِرَاضِ ) ضَيَاعَهُ مُنْذُ سِنِينَ فَلَا يَضْمَنُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهُ وَلَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ طَلَبِهِ مِنْهُ

وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا ، وَلَا أُجْرَةُ حِفْظِهَا ، بِخِلَافِ مَحَلِّهَا ، وَلِكُلٍّ تَرْكُهَا

( وَ ) مَنْ ظَلَمَهُ إنْسَانٌ فِي مَالٍ ثُمَّ أَوْدَعَ الظَّالِمُ عِنْدَهُ مَالًا قَدْرَ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَ ( لَيْسَ لَهُ ) أَيْ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ ( الْأَخْذُ مِنْهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ حَالَ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً ( لِمَنْ ظَلَمَهُ ) أَيْ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ فِي بَيْعٍ أَوْ إيدَاعٍ أَوْ غَصْبٍ ( بِمِثْلِهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
فِي الْمُدَوَّنَةِ لِحَدِيثِ { أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } .
ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ ظَفِرَ بِمَالٍ لِمَنْ جَحَدَهُ مِثْلُهُ فَفِيهِ اضْطِرَابٌ ، وَقَالَ فِي فَصْلِ الدَّعْوَى فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ .
الْمَازِرِيُّ مَنْ غُصِبَ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَدَرَ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ مَعَ الْأَمْنِ مِنْ تَحْرِيكِ فِتْنَةٍ وَسُوءِ عَاقِبَةٍ بِأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا وَنَحْوَهُ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ الْمَالِيِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ ، فَفِيهِ طُرُقٌ .
ابْنُ رُشْدٍ مَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً فَجَحَدَهُ إيَّاهَا ثُمَّ اسْتَوْدَعَهُ وَدِيعَةً أَوْ ائْتَمَنَهُ عَلَى شَيْءٍ ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجْحَدُهُ .
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَهُ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَإِنْ كَانَ فَبِقَدْرِ حِصَاصِهِ مِنْهُ .
الْمَازِرِيُّ هُوَ الْمَشْهُورُ .
وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغُرَمَاءَ عَالِمِينَ بِفَلَسِهِ أَوْ شَاكِّينَ وَتَرَكُوهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي جَازَ لَهُ حَبْسُ جَمِيعِهَا ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ عِنْدَهُمْ الْيُسْرُ ، وَلَوْ عَلِمُوا ضَرَبُوا عَلَى يَدَيْهِ جَازَ لَهُ أَخْذُ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَرْضًا فَلَهُ بَيْعُهَا وَيُحْبَسُ مِنْ ثَمَنِهَا مَالَهُ عَلَيْهِ .
الْمَازِرِيُّ لَا يَأْخُذُ الْعَرْضَ يَتَمَلَّكُهُ عِوَضَ حَقِّهِ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِلْبَائِعِ

الْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ أَنْ يُعَوِّضَ عَنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، وَسَامَحَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا لِلضَّرُورَةِ .
قَالَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهُ فَهَلْ لَهُ بَيْعُهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ إنْ رَفَعَهُ لِلْقَاضِي كَلَّفَهُ إثْبَاتُ دَيْنِهِ اخْتَارَ بَعْضُ أَشْيَاخِي هَذَا ، وَيَبِيعُ بِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي نَبَّهْنَا عَلَيْهَا .
ابْنُ يُونُسَ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ مَا يَنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ ، لَوْ أَظْهَرَ ذَلِكَ فَمَتَى لَمْ يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ ، وَأَخَذَ مَا يَنُوبُهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ .
وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا فَإِنْ حَلَفَ فَحَلَفَ مَا ضَرَّهُ ذَلِكَ كَالْمُكْرَهِ عَلَى الْيَمِينِ فِي أَخْذِ مَالِهِ فَيَحْلِفُ وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ .
اللَّخْمِيُّ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْحَدَهُ إذَا أَمِنَ أَنْ يُحَلِّفَهُ كَاذِبًا يُرِيدُ أَنَّ الْمُودِعَ يَقُولُ لَهُ احْلِفْ لِي أَنِّي مَا أَوْدَعْتُك .
وَقِيلَ يَحْلِفُ مَا أَوْدَعْتَنِي شَيْئًا يَلْزَمُنِي رَدُّهُ .
وَقِيلَ يَنْوِي مِثْلَهُ أَوْ يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْحَدَ مَا أَوْدَعَهُ مَكَانَ حَقِّهِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } وَلِحَدِيثِ هِنْدَ .
وَقِيلَ مَعْنَى { لَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } لَا تَأْخُذْ فَوْقَ حَقِّك ا هـ .
وَحَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَكَلَامِ الْمَازِرِيِّ تَرْشِيحُ جَوَازِ الْأَخْذِ .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ إبَاحَةُ الْأَخْذِ .
ابْنُ يُونُسَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي مَيِّتٍ أَوْصَى لِصَغِيرٍ بِدَنَانِيرَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا إلَّا الْوَصِيُّ ، فَإِنْ خَفِيَ لَهُ دَفْعُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُتَّبَعَ بِهِ فَلَهُ دَفْعُهُ دُونَ السُّلْطَانِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَفَعَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ السُّلْطَانُ ، ثُمَّ خَفِيَ لَهُ دَفْعُ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ .
( وَلَا ) أَيْ وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( أُجْرَةُ حِفْظِهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ

سُنَّتِهَا وَلِخُرُوجِهَا يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ عَنْ اسْمِهَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَمَّا أُجْرَةُ الْحِفْظِ فَقَدْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِإِطْرَاحِهَا وَأَنَّ الْمُودِعَ لَا يَطْلُبُ أُجْرَتَهُ ، وَبِهَذَا سَقَطَتْ ، وَإِلَّا فَالْحِفْظُ يَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحِرَاسَةِ .
( بِخِلَافِ ) أُجْرَةِ ( مَحَلِّهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ فَلِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ أَخْذُهَا ابْنُ الْحَاجِبِ لَهُ أُجْرَةُ مَوْضِعِهَا دُونَ حِفْظِهَا ، أَيْ إذَا كَانَتْ مِمَّا يَشْغَلُ مَنْزِلًا فَطَلَبَ أُجْرَةَ مَوْضِعِهَا فَذَلِكَ لَهُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هَذَا ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يُقَيَّدُ بِمَنْ يَقْتَضِي حَالُهُ طَلَبَ الْأُجْرَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي رَبِّ الدَّابَّةِ يَأْذَنُ لِرَجُلٍ فِي رُكُوبِهَا فَيَقُولُ رَاكِبُهَا إنَّمَا رَكِبْتُهَا عَارِيَّةً وَيَقُولُ رَبُّهَا إنَّمَا هُوَ بِإِجَارَةٍ فَالْقَوْلُ لِرَبِّهَا إنْ كَانَ مِثْلُهُ يُكْرِي الدَّوَابَّ ، وَلَمْ يَعْتَدَّ الْمُصَنِّفُ بِهِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَأَقَرَّهُ قَالَهُ تت ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ وَالْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( تَرْكُ ) إيدَاعِ ( هَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا ، وَلِلْأَمِينِ رَدُّهَا .
ابْنُ شَاسٍ الْإِيدَاعُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مُبَاحٌ لِلْفَاعِلِ وَالْقَابِلِ ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ .

وَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا ، أَوْ سَفِيهًا أَوْ أَقْرَضَهُ ، بَاعَهُ فَأَتْلَفَ : لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِنْ بِإِذْنِ أَهْلِهِ
( وَإِنْ أَوْدَعَ ) ذُو مَالٍ ( صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا أَوْ أَقْرَضَهُ ) أَيْ الصَّبِيُّ أَوْ السَّفِيهُ ( أَوْ بَاعَهُ ) أَيْ الصَّبِيُّ أَوْ السَّفِيهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ أَسْلَمَهُ فِي مُؤَجَّلٍ ( فَتَلِفَ ) الْمَالُ الْمُودَعُ أَوْ الْمُقْرَضُ أَوْ الْمَبِيعُ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ السَّفِيهِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) الصَّبِيُّ أَوْ السَّفِيهُ شَيْئًا مِنْهُ إنْ قَبِلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) قَبِلَهُ ( بِإِذْنِ أَهْلِهِ ) وَهَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ ، وَيُكْرَهُ لَهُمْ إذْنُهُمْ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ بِإِتْلَافِ الْمَالِ .
" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا وَدِيعَةً بِإِذْنِ أَهْلِهِ أَوْ بِدُونِهِ فَضَاعَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا ، أَرَادَ وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ لِأَنَّ أَصْحَابَ ذَلِكَ سَلَّطُوا يَدَهُ عَلَى إتْلَافِهِ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَمَنْ بَاعَ مِنْهُ سِلْعَةً فَأَتْلَفَهَا فَلَيْسَ لَهُ اتِّبَاعُهُ بِثَمَنِهَا ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الصَّبِيُّ سِلْعَةً وَقَبَضَ ثَمَنَهَا وَأَتْلَفَهُ فَالْمُبْتَاعُ ضَامِنٌ السِّلْعَةَ وَلَيْسَ لَهُ قِبَلَ الصَّبِيِّ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهَا .
اللَّخْمِيُّ لَا تَبَاعَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا عَلَى سَفِيهٍ ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُمَا أَنْفَقَا ذَلِكَ فِيمَا لَا غِنَى لَهُمَا عَنْهُ فَيُتْبَعَانِ فِي الْمَالِ الَّذِي صُوِّنَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبَ وَأَفَادَا غَيْرَهُ فَلَا يُتَّبَعَانِ فِيهِ .
ابْنُ شَاسٍ مَنْ أَوْدَعَ عِنْدَ صَبِيٍّ شَيْئًا بِإِذْنِ أَهْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَأَتْلَفَهُ الصَّبِيُّ أَوْ ضَيَّعَهُ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ .

وَتَعَلَّقَتْ بِذِمَّةِ الْمَأْذُونِ عَاجِلًا ، وَبِذِمَّةِ غَيْرِهِ إذَا عَتَقَ ؛ إنْ لَمْ يُسْقِطْهُ السَّيِّدُ
( وَ ) إنْ أَوْدَعَ مَالًا عِنْدَ رَقِيقٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَتْلَفَهُ ( تَعَلَّقَتْ ) الْوَدِيعَةُ أَيْ قِيمَتُهَا أَوْ مِثْلُهَا ( بِذِمَّةِ ) الرَّقِيقِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ ( الْمَأْذُونِ ) لَهُ مِنْ مَالِكِهِ الرَّشِيدِ فِي التِّجَارَةِ تَعَلُّقًا ( عَاجِلًا ) أَيْ حَالًّا فَتُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ الْآنَ كَالْحُرِّ وَلَا يَسْتَأْنِي بِهِ عِتْقُهُ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَلَا بِمَالِ سَيِّدِهِ الَّذِي بِيَدِهِ ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إسْقَاطُهَا عَنْهُ .
" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَا أَتْلَفَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ وَدِيعَةٍ بِيَدِهِ فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّ الَّذِي أَوْدَعَهُ تَطَوَّعَ بِالْإِيدَاعِ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ عَنْهُ .
( وَ ) إنْ أَوْدَعَ رَقِيقًا غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهَا وَأَتْلَفَهَا تَعَلَّقْت ( بِذِمَّةِ غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا عَاجِلًا ، بَلْ ( إذَا عَتَقَ إنْ لَمْ يُسْقِطْهُ ) أَيْ مَا تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ ( لِلسَّيِّدِ ) عَنْهُ ، فَإِنْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ قَبْلَ عِتْقِهِ سَقَطَ لِأَنَّهُ يَعِيبُهُ فَلَا يُتَّبَعُ بِهِ " ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَإِنْ أَوْدَعْت عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَدِيعَةً فَأَتْلَفَهَا فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ يَوْمًا إلَّا أَنْ يَفْسَخَهُ عَنْهُ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ فِي الرِّقِّ فَذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعِيبُهُ فَيُسْقِطُهُ عَنْ الْعَبْدِ فِي رَقِّهِ وَلَا يُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ .

وَإِنْ قَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَنَسِيتُهُ : تَحَالَفَا ، وَقُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا
( وَإِنْ ) كَانَتْ وَدِيعَةً بِيَدِ شَخْصٍ وَادَّعَاهَا اثْنَانِ مَثَلًا ، وَ ( قَالَ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ ( هِيَ ) أَيْ الْوَدِيعَةُ ( لِأَحَدِكُمَا ) خَاصَّةً ( وَنَسِيتُهُ ) فَلَا أَعْلَمُهُ الْآنَ ( تَحَالَفَا ) أَيْ يَحْلِفُ الْمُتَنَازِعَانِ فِيهَا كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ وَتَحْقِيقِ دَعْوَاهُ ( وَقُسِمَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْوَدِيعَةُ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهَا نِصْفَيْنِ وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا ، وَيَأْخُذُهَا الْحَالِفُ وَحْدَهُ .
" ق " ابْنُ يُونُسَ سَمِعَ عِيسَى بْنَ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ مِائَةُ دِينَارٍ فَأَتَاهُ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِيه لِنَفْسِهِ خَاصَّةً ، وَلَمْ يَدْرِ لِمَنْ هِيَ مِنْهُمَا ، قَالَ تَكُونُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا ، فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَهِيَ كُلُّهَا لِمَنْ حَلَفَ .
مُحَمَّدٌ لَوْ قَالَ دَفَعْتهَا لِأَحَدِكُمَا وَنَسِيتُهُ وَأَنْكَرَا قَبْضَهَا حَلَفَا وَغَرِمَ لِكُلٍّ مِائَةٌ وَمَنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، فَإِنْ نَكَلَا مَعًا فَلَيْسَ عَلَى الْمُقِرِّ إلَّا مِائَةٌ يَقْتَسِمَانِهَا دُونَ يَمِينٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ أَبَى الْيَمِينَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُودَعُ وَقَالَ أَحْلِفُ أَنَّهَا لِهَذَا فَلَهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ قَالَ أَحْلِفُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ غُرْمِهِ مِائَةً يَقْتَسِمَانِهَا ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْمِائَةُ عَلَيْهِ دَيْنًا فِيمَا ذَكَرْنَا أَفَادَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .
وَلَوْ قَالَ فِي مِائَةِ دِينَارٍ دَيْنٍ عَلَيْهِ لَا أَدْرِي أَلِفُلَانٍ هِيَ أَمْ لِفُلَانٍ الْآخَرَ فَادَّعَاهَا كِلَاهُمَا وَحَلَفَا غَرِمَ مِائَتَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةً لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ فِي أَمَانَتِهِ وَالدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كَوْنِ الدَّيْنِ كَالْوَدِيعَةِ أَوْ عَكْسُهُ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ الْمَذْكُورَةُ .

وَإِنْ أَوْدَعَ اثْنَيْنِ : جُعِلَتْ بِيَدِ الْأَعْدَلِ .
( وَإِنْ أَوْدَعَ ) ذُو مَالٍ عِنْدَ ( اثْنَيْنِ ) وَدِيعَةً وَتَنَازَعَا فِي حِيَازَتِهَا لِحِفْظِهَا لَهُ وَغَابَ ( جُعِلَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْوَدِيعَةُ ( بِيَدِ ) أَيْ فِي حِيَازَةِ الشَّخْصِ ( الْأَعْدَلِ ) مِنْهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعَدَالَةِ جُعِلَتْ بِيَدِهِمَا مَعًا يَجْعَلُهَا فِي مَحَلٍّ بِقُفْلَيْنِ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِفْتَاحًا .
" ق " فِيهَا قُلْت فَالرَّجُلُ يَسْتَوْدِعُ الرَّجُلَيْنِ بِبَعْضِهِمَا عِنْدَ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمَا ، فَقَالَ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْوَصِيِّينَ يُجْعَلُ الْمَالُ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا .
مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ وَضَعَهُ السُّلْطَانُ عِنْدَ غَيْرِهِمَا وَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُمَا إذَا لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ شَيْئًا وَأَرَاهُ .
مِثْلَهُ .
سَحْنُونٌ إنْ اقْتَسَمَ الْمُودَعَانِ وَالْعَامِلَانِ الْمَالَ وَالْقِرَاضَ فَلَا يَضْمَنَانِ .
يَحْيَى وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيَّانِ إذَا اقْتَسَمَاهُ وَقَالَهُ أَشْهَبُ .
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مَا سَلَّمَ وَمَا صَارَ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِتَسْلِيمِ مَا سَلَّمَ وَبِالِاسْتِقْلَالِ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا بَقِيَ بِيَدِهِ .
فِي التَّنْبِيهَاتِ الْخَلْعُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَدَالَةِ مُخْتَصٌّ بِالْوَصِيَّيْنِ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَلَا يُوصَى الْفَاجِرُ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ هُمَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَلَا يُنْزَعُ مِنْهُمَا وَلَا يَقْتَسِمَانِهِ وَيَجْعَلَانِهِ حَيْثُ يَثِقَانِ بِهِ وَأَيْدِيهِمَا فِيهِ وَاحِدَةٌ ا هـ .

بَابٌ ) أَحْكَام الْعَارِيَّة صَحَّ وَنُدِبَ : إعَارَةُ مَالِكِ مَنْفَعَةٍ بِلَا حَجْرٍ : وَإِنْ مُسْتَعِيرًا

( بَابٌ ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْعَارِيَّةُ ابْنُ عَرَفَةَ الْجَوْهَرِيُّ الْعَارِيَّةُ بِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ ، لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَالْعَارَّةُ مِثْلُ الْعَارِيَّةُ ، يُقَالُ هُمْ يَتَعَيَّرُونَ الْعَوَارِيَّ بَيْنَهُمْ ، وَقِيلَ مُسْتَعَارٌ بِمَعْنَى مُتَعَاوَرٌ ، أَيْ مُتَدَاوَلٌ .
وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي الصِّحَاحِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْعَارِ وَإِنْ كَانَ قِيلَ فَلَيْسَ هُوَ الْوَجْهُ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ التَّعَاوُرِ الَّذِي هُوَ التَّدَاوُلُ وَزْنُهَا فَعْلِيَّةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إذَا قَصَدَهُ ، فَوَزْنُهَا فَاعُولَةٌ أَوْ فَلْعِيَّةٌ عَلَى الْقَلْبِ .
وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ الْجَوْهَرِيِّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ كَوْنَهَا مَنْسُوبَةً إلَى الْعَارِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالُوا يَتَعَيَّرُونَ ، لِأَنَّ الْعَارَ عَيْنُهُ يَاءٌ .
قُلْتُ فِي الْمُخَصَّصِ لِابْنِ سِيدَهْ مَا نَصُّهُ وَتَعَوَّرْنَا الْعَوَارِيَّ وَتَعَوَّرْنَا الشَّيْءَ تَدَاوَلْنَاهُ .
وَقِيلَ الْعَارِيَّةُ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ لِأَنَّهَا عَارٌ عَلَى صَاحِبِهَا ، وَقَدْ تَعَيَّرُوهَا بَيْنَهُمْ .
قُلْت وَهَذَا نَصٌّ بِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ ، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ وَالْعَارِيَّةُ الْمِنْحَةُ .
قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا مِنْ الْعَارِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ غَرَّهُ قَوْلُهُمْ يَتَعَيَّرُونَ الْعَوَارِيَّ وَلَيْسَ عَلَى وَضْعِهِ إنَّمَا هِيَ مُعَاقِبَةٌ مِنْ الْوَاوِ إلَى الْيَاءِ .
قُلْتُ وَقَدْ يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُعَاقَبَةِ ا هـ ، وَفِي رَدِّهِ عَلَى ابْنِ سِيدَهْ بِمِثْلِ هَذَا نَظَرٌ .
وَفِي الْقَامُوسِ وَالْعَارِيَّةُ مُشَدَّدَةٌ وَقَدْ تُخَفَّفُ ، وَالْعَارَةُ مَا تَدَاوَلُوهُ بَيْنَهُمْ وَالْجَمْعُ عَوَارِي مُشَدَّدَةً وَمُخَفَّفَةً ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ مَصْدَرًا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ فَتَدْخُلُ الْعُمْرَى وَالْإِخْدَامُ لَا الْحَبْسُ وَاسْمًا مَالُ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِكَتْ بِلَا عِوَضٍ ، وَنُقِضَ طَرْدُهُمَا بِإِرْثِ مَنْفَعَةٍ مِمَّنْ حَصَّلَهَا بِعِوَضٍ لِحُصُولِهَا لِلْوَارِثِ بِلَا عِوَضٍ مِنْهُ .

وَيُجَابُ بِأَنَّ عُمُومَ نَفْيِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يُخْرِجُهَا لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ لِمَالِكِ الْعَيْنِ مِنْ الْمَيِّتِ ، وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ تَمْلِيكُ مَنَافِعِ الْعَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِالْحَبْسِ ، وَعَكْسُهُ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهَا إلَّا مَصْدَرًا .
وَالْعُرْفُ إنَّمَا هُوَ اسْتِعْمَالُهَا اسْمًا لِلشَّيْءِ الْمُعَارِ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَأُورِدَ عَلَى التَّعْرِيفِ أَنَّهُ صَادِقٌ إلَخْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّمْلِيكِ لَا يَشْمَلُهَا إذْ الْإِرْثُ مِلْكٌ لَا تَمْلِيكٌ ، وَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ أَخْرَجَ ابْنُ عَرَفَةَ الْحَبْسَ ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ لَفْظِ مَنْفَعَةٍ كَمَا فَهِمَهُ الرَّصَّاعُ قَائِلًا لِأَنَّ فِيهِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ لَا الْمَنْفَعَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا مَا فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤَاجِرُ لِغَيْرِهِ .
ثَانِيهِمَا أَنَّ حَمْلَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ الْمَعْنَى الْأَخَصِّ يُخْرِجُ الْعَارِيَّةَ الَّتِي اشْتَرَطَ رَبُّهَا عَلَى مُسْتَعِيرِهَا انْتِفَاعَهُ بِهَا بِنَفْسِهِ فَقَطْ ، فَيَصِيرُ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ مُؤَقَّتَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَبْسَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُؤَقَّتَ مِنْ إفْرَادِ الْعَارِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( صَحَّ وَنُدِبَ إعَارَةُ ) شَخْصٍ رَشِيدٍ ( مَالِكِ مَنْفَعَةٍ ) تَبَعًا لِمِلْكِ الذَّاتِ أَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مِلْكُ الذَّاتِ ، فَفِي وَصَايَا الْمُدَوَّنَةِ الثَّانِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَاجِرَ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ حَالَ كَوْنِ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ ( بِلَا حَجْرٍ عَلَيْهِ ) إنْ كَانَ مَالِكًا لِلذَّاتِ وَالْمَنْفَعَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ بِإِجَارَةٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( مُسْتَعِيرًا ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ دَيْنٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ مَرَضٍ ، أَوْ مِنْ مُسْتَعِيرٍ

حَجَرَ عَلَيْهِ الْمُعِيرُ .
ابْنُ يُونُسَ الْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ } ، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ } .
ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِأَنَّهَا إحْسَانٌ { وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ، وَيَعْرِضُ وُجُوبُهَا كَغِنًى عَنْهَا لِمَنْ يُخْشَى هَلَاكُهُ بِعَدَمِهَا وَحُرْمَتُهَا لِكَوْنِهَا مُعِينَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ ، وَكَرَاهَتُهَا لِكَوْنِهَا مُعِينَةً عَلَى مَكْرُوهٍ وَتُبَاحُ لِغَنِيٍّ عَنْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَرَاهَتِهَا فِي حَقِّهِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : الْقُرْطُبِيُّ مِنْ الْغُلُوِّ مَنْعُ الْكُتُبِ عَنْ أَهْلِهَا ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا .
الثَّانِي : الْحَطُّ مُرَادُهُ هُنَا بِالْحَجْرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَجْرِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِهِ لِيَشْمَلَ حَجْرَ الْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْإِعَارَةِ ، فَلَا تَصِحُّ إعَارَتُهُ .
ابْنُ سَلْمُونٍ الْعَارِيَّةُ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا ، وَتَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ ، وَإِنْ مَلَكَهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ مَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِمُدَّةٍ أَوْ اكْتَرَاهُ فَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ لِمِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ .
الثَّالِثُ : عب قَوْلُهُ بِلَا حَجْرٍ مُتَعَلِّقٌ يَصِحُّ لَا يُنْدَبُ لِإِبْهَامِهِ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ تَصِحُّ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
الرَّابِعُ : عب قَوْلُهُ وَإِنْ مُسْتَعِيرًا مُبَالَغَةً فِي الصِّحَّةِ لَا فِي النَّدْبِ إذْ إعَارَةُ الْمُسْتَعِيرِ مَكْرُوهَةٌ إنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ .
الْخَامِسُ : مِثْلُ الْحَجْرِ الصَّرِيحِ الْحَجْرُ الضِّمْنِيُّ نَحْوُ لَوْلَا أُخُوَّتُك ، أَوْ لَوْلَا صَدَاقَتُك مَا أَعَرْتُك أَفَادَهُ عب .

؛ لَا مِلْكَ انْتِفَاعٍ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ عَيْنًا لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ

( لَا ) تَصِحُّ إعَارَةُ شَخْصٍ ( مَالِكِ انْتِفَاعٍ ) بِنَفْسِهِ فَقَطْ كَمُحْبَسٍ عَلَيْهِ لِسُكْنَاهُ وَمُسْتَعِيرٍ شَرَطَ عَلَيْهِ مُعِيرُهُ أَنْ لَا يُعِيرَ لِغَيْرِهِ وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ أَيْضًا ، وَمِنْ هَذَا النُّزُولُ عَنْ الْوَظِيفَةِ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْوَظِيفَةُ مَالِكُ انْتِفَاعٍ .
وَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ قَسْمِ الزَّوْجَاتِ مِنْ الْجَوَازِ فَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ أَفَادَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ إلَخْ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ ، لَكِنْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ جَوَازَ الْأَخْذِ عَلَى رَفْعِ الْأَيْدِي فِي الْمَعَادِنِ مَا نَصُّهُ هَذَا وَنَحْوُهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ فِي الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْ بَيْعِ وَظِيفَةٍ فِي حَبْسٍ وَنَحْوِهِ مِنْ مُرَتَّبَاتِ الْأَجْنَادِ ، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ يَدَهُ خَاصَّةً ، وَقَدْ مَضَى لَنَا عَنْ أَشْيَاخِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُسْقِطَ لَا يَمْلِكُ إلَّا الِانْتِفَاعَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ بَيْعٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا إعَارَةٌ .
الثَّانِي عَلَى تَسْلِيمِ جَوَازِ بَيْعِهَا فَهِيَ مَجْهُولَةٌ لَا يَدْرِي مَا فِيهَا وَلَا قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا وَتَقَدَّمَ فِي الْجَعَائِلِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ حَقِيقَةً .
وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ جَيْشِهِ وَدِيوَانِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا وَقَعَ لَهُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ .
" غ " أَصْلُ هَذَا التَّحْرِيرِ فِي الْفَرْقِ الثَّلَاثِينَ مِنْ قَوَاعِدِ الْقَرَافِيِّ ، وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِي الْإِجَارَاتِ مِنْ قَوَاعِدِ الْمُقْرِي مَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةً فَلَهُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا وَأَخْذُ عِوَضِهَا ، وَمَنْ مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ فَلَيْسَ الْمُعَاوَضَةُ كَسُكْنَى الْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ .
الْقَرَافِيُّ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَجُزْ قَبَالَةُ الْمَدَارِسِ إذَا عُدِمَ السَّاكِنُ لِأَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ لِلسُّكْنَى لَا لِلْغَلَّةِ ، كَجَعْلِ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ .
تت وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا

جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ إنْزَالِ الضَّيْفِ الْمَدَارِسَ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ فَلَا يَجُوزُ إسْكَانُ بَيْتِ الْمَدْرَسَةِ دَائِمًا وَلَا إيجَارُهُ إنْ عُدِمَ السَّاكِنُ وَلَا الْحُزْنُ فِيهِ وَلَا بَيْعُ مَاءِ الصَّهَارِيجِ ، وَلَا اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ ، وَلَا يُبَاعُ زَيْتُ الِاسْتِصْبَاحِ ، وَلَا يَتَغَطَّى بِبُسُطِ الْوَقْفِ ، وَلَيْسَ لِلضَّيْفِ بَيْعُ الطَّعَامِ وَلَا إطْعَامُهُ وَلَا إطْعَامُ الْهِرِّ وَالسَّائِلِ .
عب وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْفَعَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهُ وَيَأْخُذُهُ الْغَيْرُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا وَقَعَ لِلْبَرْزَلِيِّ فِي سُكْنَى خَلْوَةِ النَّاصِرِيَّةِ مِمَّنْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا وَالْخُلُوُّ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لَا مِنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا دَافِعُ الدَّرَاهِمِ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَحْتَاجَ الْمَسْجِدُ لِإِصْلَاحٍ وَلَهُ عَقَارٌ مُحْبَسٌ عَلَيْهِ يُكْرَى بِثَلَاثِينَ فَيَأْخُذُ النَّاظِرُ مَالًا مَعْلُومًا مِمَّنْ يَسْكُنُهُ لِإِصْلَاحِ الْمَسْجِدِ وَيَجْعَلَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَتَصِيرُ مَنْفَعَةُ الْوَقْفِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَدَافِعِ الدَّرَاهِمِ ، وَيُسَمَّى نَصِيبُهُ خُلُوًّا فَيُقَالُ أُجْرَةُ الْوَقْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا وَأُجْرَةُ الْخُلُوِّ كَذَلِكَ مَثَلًا ، وَمَا يَقَعُ بِمِصْرَ مِنْ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ مِمَّنْ هُوَ مُسْتَأْجِرُهَا كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إنَّهُ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ نَظَرًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُ الْخُلُوِّ ، وَيُورَثُ عَنْهُ .
وَأَمَّا إجَارَتُهُ لِغَيْرِهِ إجَارَةً لَازِمَةً فَلَا نِزَاعَ فِيهَا ، وَقَدْ أَفْتَى شَمْسُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ وَأَخُوهُ نَاصِرُ الدِّينِ بِأَنَّ الْخُلُوَّ الْمَذْكُورَ مُعْتَدٌّ بِهِ لِكَوْنِ الْعُرْفِ جَرَى بِهِ قَالَهُ " د " .
عج الْمُسْتَأْجِرُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ فَمَا مَعْنَى الْخُلُوِّ وَمَا فَائِدَتُهُ ؟ يُقَالُ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَنْفَعَةِ الَّتِي

اسْتَأْجَرَهَا ، سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا أَوْ نَاظِرًا أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةَ مُشَاهَرَةً وَنَصُّ مَا رَأَيْتُ ، سُئِلَ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ مَا تَقُولُ فِي خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ الَّذِي صَارَ عُرْفًا بَيْنَ النَّاسِ فِي مِصْرَ وَغَيْرِهَا وَتَغَالَتْ النَّاسُ فِيهِ حَتَّى وَصَلَ الْحَانُوتُ فِي بَعْضِ الْأَسْوَاقِ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ ذَهَبًا جَدِيدًا ، فَهَلْ إذَا مَاتَ شَخْصٌ وَلَهُ وَارِثٌ يَسْتَحِقُّ خُلُوَّ حَانُوتِ مُوَرِّثِهِ ؟ وَهَلْ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُوَفَّى مِنْ خُلُوِّ حَانُوتِهِ ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ ، إذَا مَاتَ وَلَهُ وَارِثٌ ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ خُلُوَّ حَانُوتِ مُوَرِّثِهِ عَمَلًا بِعُرْفِ النَّاسِ ، وَإِذَا مَاتَ مِنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بَيْتُ الْمَالِ ، وَإِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُوَفَّى مِنْهُ ا هـ .
وَسُئِلَ " س " السَّنْهُورِيُّ عَمَّنْ لَهُ خُلُوٌّ فَتَعَدَّى آخَرُ عَلَى الْمَحَلِّ وَاسْتَأْجَرَهُ مِنْ نَاظِرِ الْوَقْفِ وَسَكَنَهُ مُدَّةً فَهَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَتُفَضُّ عَلَى الْخُلُوِّ وَالْوَقْفِ .
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ الَّذِي سَكَنَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَتُقْسَمُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْخُلُوِّ بِحَسَبِ مَالِهِمَا .
ا هـ .
وَكَذَا أَفْتَى مُعْظَمُ شُيُوخِنَا أَنَّ مَنْفَعَةَ مَا فِيهِ الْخُلُوُّ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ صَاحِبِ الْخُلُوِّ وَالْوَقْفِ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ صَاحِبُ الْخُلُوِّ وَالنَّاظِرُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ فَتْوَى النَّاصِرِ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ بِمِثْلِ الْفَتَاوَى الْمَذْكُورَةِ وَقَعَتْ الْفَتْوَى مِنْ شُيُوخِ فَاسَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالشَّيْخِ الْقَصَّارِ وَابْنِ عَاشِرٍ وَأَبِي زَيْدٍ الْفَاسِيِّ وَعَبْدِ الْقَادِرِ الْفَاسِيِّ وَأَضْرَابِهِمْ ، وَيُعَبِّرُونَ عَنْ الْخُلُوِّ الْمَذْكُورِ بِالْجِلْسَةِ ، وَجَرَى الْعُرْفُ بِهَا لِمَا رَأَوْهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا فَهِيَ عِنْدَهُمْ كِرَاءٌ عَلَى التَّبْقِيَةِ ، وَقَدْ أَشَارَ لَهَا فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ .
وَصِلَةُ إعَارَةٍ ( مِنْ ) أَيْ لِ ( لِأَهْلِ ) أَيْ مُسْتَحِقِّ ( التَّبَرُّعِ

عَلَيْهِ ) بِالشَّيْءِ الْمُعَارِ ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمُسْتَعِيرُ قَابِلٌ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يُعَارُ كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا وَلَا وَلَدٌ وَالِدَهُ .
وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ قَاصِرٌ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْوَلَدَ أَهْلُ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ .
وَجَوَابُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُسْتَعَارِ بِخُصُوصِيَّتِهِ يُرَدُّ بِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَا يَصِحُّ كَذَلِكَ لِصِحَّةِ تَغَيُّرِهِ بِمَا بِهِ يَصِحُّ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ إنَّمَا يُقَالُ هَذَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى الْقَيْدِ ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ ، وَهُوَ تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ لَا كَذِمِّيٍّ مُسْلِمًا ، وَمَفْعُولُ إعَارَةُ الْمُضَافُ لِفَاعِلَةِ قَوْلُهُ ( عَيْنًا ) أَيْ ذَاتًا ( لِ ) اسْتِيفَاءِ ( مَنْفَعَةٍ ) مِنْهَا مَعَ بَقَاءِ الذَّاتِ ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ ، وَنُعِتَ مَنْفَعَةٌ بِ ( مُبَاحَةٍ ) .
اللَّخْمِيُّ الْإِعَارَةُ هِبَةُ الْمَنَافِعِ دُونَ الرِّقَابِ .
ابْنُ شَاسٍ فَلَا تُعَارُ الْمَكِيلَاتُ وَلَا الْمَوْزُونَاتُ وَإِنَّمَا يَكُونُ قَرْضُهَا لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَّا لِاسْتِهْلَاكِ أَعْيَانِهَا إلَّا أَنْ يَسْتَعِيرَهَا ، كَالصَّيْرَفِيِّ يَجْعَلُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَرَى أَنَّهُ ذُو مَالٍ فَيَقْصِدَهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ، فَهَذِهِ تُضْمَنُ إذَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى تَلَفِهَا وَلَا تُضْمَنُ مَعَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ، وَمِنْ شُرُوطِ الْمُسْتَعَارِ كَوْنُ الِانْتِفَاعِ بِهِ مُبَاحًا فَلَا تُعَارُ الْجَوَارِي لِلتَّمَتُّعِ بِهِنَّ ، وَيُكْرَهُ إخْدَامُ الْأَمَةِ إلَّا لِمَحْرَمٍ أَوْ مَرْأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ .
.

لَا كَذِمِّيٍّ مُسْلِمًا
وَذَكَرَ بَعْضَ مَفْهُومِ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ فَقَالَ ( لَا ) تَصِحُّ إعَارَةُ ( كَذِمِّيٍّ ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمُ مُشَدَّدَةٌ رَقِيقًا ( مُسْلِمًا ) لِإِذْلَالِ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } .
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } وَأَوْلَى لِحَرْبِيٍّ وَدَخَلَ بِالْكَافِ الْمُصْحَفُ وَالسِّلَاحُ لِقَتْلِ مُسْلِمٍ وَالْإِنَاءُ لِشُرْبِ نَحْوِ خَمْرٍ .

وَجَارِيَةٍ لِوَطْءٍ ، أَوْ خِدْمَةٍ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ ؛ أَوْ لِمَنْ لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَهِيَ لَهَا

( وَ ) لَا تَصِحُّ إعَارَةُ ( جَارِيَةٍ لِوَطْءٍ ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمِلْكٍ تَامٍّ أَوْ نِكَاحٍ ، وَالْأَحْسَنُ إبْدَالُ وَطْءٍ بِتَمَتُّعٍ وَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَفْهُومُ مُبَاحَةٍ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِ ( خِدْمَةٍ لِ ) رَجُلٍ ( غَيْرِ مَحْرَمٍ ) لَهَا لِتَأْدِيَتِهَا لِاخْتِلَائِهِ بِهَا ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَأْمُونًا أَوْ لَهُ أَهْلٌ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُتَجَالَّةً ، أَوْ كَانَ الرَّجُلُ شَيْخًا فَانِيًا وَلِلَّخْمِيِّ جَوَازُهَا لِلْمَأْمُونِ ذِي الْأَهْلِ .
وَمَفْهُومُ غَيْرِ مَحْرَمٍ جَوَازُ إعَارَتِهَا لِمَحْرَمِهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ .
اللَّخْمِيُّ شَرْطُ عَارِيَّةِ خِدْمَةِ الْإِمَاءِ كَوْنُهَا لِمَنْ لَا تُخْشَى مُتْعَتُهُ بِهِنَّ كَمَرْأَةٍ وَصَبِيٍّ وَذِي مَحْرَمٍ كَابْنٍ وَأَبٍ وَأَخٍ وَابْنِ أَخٍ وَجَدٍّ وَعَمٍّ ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْخِدْمَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَصِحُّ مِنْهُ مِلْكُ رَقَبَةِ الْمُخْدِمِ جَازَ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ ، وَمَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ مِلْكُ رَقَبَتِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ تِلْكَ الْمُدَّةَ ، وَتَكُونُ مَنَافِعُ ذَلِكَ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ لَهُمَا دُونَ مَنْ وُهِبَتْ لَهُ .
وَإِعَارَةُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ ، فَإِنْ كَانَ عَزَبًا فَلَا تَجُوزُ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ وَهُوَ مَأْمُونٌ جَازَتْ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَلَهُ أَهْلٌ فَلَا تَجُوزُ ، وَإِذَا كَانَتْ مُتَجَالَّةً لَا إرْبَ فِيهَا جَازَتْ ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ شَابَّةً وَهُوَ شَيْخٌ فَإِنْ .
( أَوْ ) أَيْ وَلَا تَصِحُّ إعَارَتُهَا ( لِ ) خِدْمَةٍ ( مَنْ ) أَيْ شَخْصٍ ( تَعْتِقُ ) الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ كَأَصْلِهَا وَفَرْعِهَا وَحَاشِيَتِهَا الْقَرِيبَةِ ( وَ ) إنْ أُعِيرَتْ لِخِدْمَةِ مَنْ تَعْتِقُ عَلَيْهِ فَ ( هِيَ ) أَيْ الْخِدْمَةُ ( لَهَا ) أَيْ الْجَارِيَةِ زَمَنَ إعَارَتِهَا لَهُ لَا لِلْمُعِيرِ وَلَا لِلْمُعَارِ لَهُ .
( تَنْبِيهٌ ) تَخْصِيصُ الْأَمَةِ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ظَاهِرٌ إذْ لَا يُعَارُ الْعَبْدُ لِلِاسْتِمْتَاعِ

وَلَا لِخِدْمَةِ غَيْرِ مَحْرَمٍ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا قَالَهُ تت .

وَالْأَطْعِمَةُ وَالنُّقُودُ : قَرْضٌ بِمَا يَدُلُّ ، وَجَازَ : أَعِنِّي بِغُلَامِكَ لِأُعِينَكَ إجَارَةً وَضَمِنَ الْمَعِيبَ عَلَيْهِ ؛ إلَّا لِبَيِّنَةٍ

( وَالْأَطْعِمَةُ ) جَمْعُ طَعَامٍ رِبَوِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( وَالنُّقُودُ ) أَيْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ الْإِرْفَاقُ بِهَا ( قَرْضٌ ) أَيْ تَسْلِيفٌ لَا عَارِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا إلَّا بِإِهْلَاكِ عَيْنِهَا .
وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الرَّابِعِ لِلْإِعَارَةِ فَقَالَ ( بِمَا يَدُلُّ ) عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضٍ قَوْلًا كَانَ كَأَعَرْتُك وَنَعَمْ جَوَابًا لِأَعِرْنِي أَوْ فِعْلًا كَمُنَاوَلَةٍ مَعَ تَقَدُّمِ طَلَبِهَا أَوْ إيمَاءً بِرَأْسِهِ ( وَجَازَ ) قَوْلُهُ ( أَعِنِّي ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونُ مُشَدَّدَةٌ ( بِغُلَامِك ) مَثَلًا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مَثَلًا ( لِأُعِينَك ) بِضَمِّ الْهَمْزِ بِغُلَامِي كَذَلِكَ ، حَكَاهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ ( إجَارَةً ) أَوْ وَيَكُونُ إجَارَةً .
وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْعَمَلِ الْمُتَعَاوَنِ فِيهِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ .
ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا قَرُبَ لِئَلَّا يَلْزَمَ النَّقْدُ فِي مَنَافِعَ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا .
" ق " أَشْهَبُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ عَبْدَ الْآخَرِ النَّجَّارَ يَعْمَلُ لَهُ الْيَوْمَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ عَبْدَهُ الْخَيَّاطَ يَخِيطُ لَهُ غَدًا ، وَإِنْ قَالَ اُحْرُثْ لِي فِي الصَّيْفِ وَأَحْرُثُ لَك فِي الشِّتَاءِ ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ انْسِجِي لِي الْيَوْمَ وَأَنْسِجُ لَك غَدًا لَا بَأْسَ بِهِ ، وَكَذَلِكَ اغْزِلِي لِي الْيَوْمَ وَأَغْزِلُ لَكِ غَدًا إذَا وَصَفَتْ الْغَزْلَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَجْرِي مَسْأَلَةُ دُولَةِ النِّسَاءِ الْوَاقِعَةِ فِي عَصْرِنَا فِي اجْتِمَاعِهِنَّ فِي الْغَزْلِ لِبَعْضِهِنَّ حَتَّى يَسْتَوْفِينَ ، فَإِنْ قَرُبَتْ مُدَّةُ اسْتِيفَائِهَا مِنْ الْغَزْلِ لِجَمِيعِهِنَّ كَعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَنَحْوِهَا وَعَيَّنَتْ الْمَبْدَأَ لَهَا وَمَنْ يَلِيهَا إلَى آخِرِهِنَّ وَصِفَةَ الْغَزْلِ جَازَ وَإِلَّا فَسَدَتْ ا هـ .
ابْنُ سِرَاجٍ قَوْلُهُ كَعَشَرَةِ الْأَيَّامِ تَضْيِيقٌ فَقَدْ يَفْسَخُ كَوْنُ الْمُدَّةِ أَكْثَرَ مِنْهَا لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ

إنَّهُ جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ ، وَلِمُقْتَضَى نَصِّ أَشْهَبَ أَنَّ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ قَوْلُهُ اُحْرُثْ لِي فِي الصَّيْفِ أَحْرُثْ لَك فِي الشِّتَاءِ .
( وَ ) إنْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ تَلَفَ الشَّيْءِ الْمُعَارُ لَهُ ( ضَمِنَ ) الْمُسْتَعِيرُ الشَّيْءَ الْمُعَارَ لَهُ ( الْمَغِيبَ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الَّذِي يُغَابُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ مَعَ وُجُودِهِ كَالثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا لِ ) شَهَادَةِ ( بَيِّنَةٍ ) بِتَلَفِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ وَلَمْ يُضَيِّعْ .
" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُرُوضِ ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ أَنَّ ذَلِكَ هَلَكَ أَوْ سُرِقَ أَوْ تَحَرَّقَ أَوْ انْكَسَرَ فَهُوَ ضَامِنٌ ، وَعَلَيْهِ فِيمَا أَفْسَدَ فَسَادًا يَسِيرًا مَا نَقَصَهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ كُلَّهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّ ذَلِكَ هَلَكَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ تَضْيِيعٌ أَوْ تَفْرِيطٌ فَيَضْمَنُ .
.

وَهَلْ ، وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَهُ ؟ تَرَدُّدٌ

( وَهَلْ ) يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ الْمَغِيبَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ نَفْيَهُ ، بَلْ ( وَإِنْ شَرَطَ ) الْمُسْتَعِيرُ ( نَفْيَهُ ) أَيْ الضَّمَانَ فَشَرْطُهُ لَغْوٌ ، وَعَزَاهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَلَهُ وَلِأَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، أَوْ إنْ شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بَعْدَ مَعْرُوفِ الْإِعَارَةِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ ، فِي الْجَوَابِ ( تَرَدُّدٌ ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ .
" ق " ابْنُ رُشْدٍ إنْ اشْتَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَفِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ اللَّخْمِيِّ ابْنُ الْقَاسِمِ وَ أَشْهَبَ إنْ شَرَطَ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي تَلَفِ الثِّيَابِ وَشَبَهِهَا فَلَهُ شَرْطٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهِ ، فَفِي لَغْوِهِ وَإِعْمَالِهِ نَقَلَ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ مَعَ سَمَاعِهِ أَصْبَغَ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ ، وَتَخْرِيجِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ نَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ أَشْهَبَ عَدَمَ إعْمَالِهِ فِي شَرْطِ الصَّانِعِ بِأَنَّهُ لَوْ أُعْمِلَ لَمَا عَمِلَ عَامِلٌ إلَّا بِشَرْطِهِ فَيَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ الضَّرَرُ .
قُلْتُ وَفِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ اللَّخْمِيِّ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إنْ شَرَطَ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي تَلَفِ الثِّيَابِ وَشَبَهِهَا فَلَهُ شَرْطُهُ ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ قُلْتُ مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ خِلَافُ نَقْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْهُمَا ، وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ رُشْدٍ وَشَارِحِي ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَدَمِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ .
الثَّانِي : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَقْتَ ضَمَانِهِ وَلَا مَنْ يَضْمَنُهُ ، وَفِي

الْمُقَدِّمَاتِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانُ الْعَارِيَّةِ ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ يَوْمَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْعَارِيَّةِ عَلَى مَا يُنْقِصُهَا الِاسْتِعْمَالُ الْمَأْذُونُ فِيهِ بَعْدَ يَمِينِهِ لَقَدْ ضَاعَتْ ضَيَاعًا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا لِأَنَّهُ يَتَّهِمُ عَلَى أَخْذِهَا بِقِيمَتِهَا بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهَا .
وَفِي الشَّامِلِ وَحَيْثُ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُعَارَ فَإِنْ رَأَتْهُ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ فَلِآخَرَ رُؤْيَةٌ وَإِلَّا فَلِرَبِّهِ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ أَوْ تَلَفِهِ ، وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ غَرِمَ قَدْرَ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَدْرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي مُدَّةِ الْإِعَارَةِ أَيْ أَنْ لَوْ اسْتَعْمَلَهُ وَلَوْ بَاعَهُ فَشَرِيكٌ بِقَدْرِهِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ الْمُعِيرُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْتَعِيرِ وَقَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فَهَلْ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَيَسْتَأْجِرُ لِلْمُسْتَعِيرِ مِنْهَا مِثْلَهُ أَوْ يَشْتَرِي لَهُ مِثْلَهُ أَوْ يَغْرَمُ قِيمَةَ تِلْكَ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ ، وَقَالَ إذَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْوَاهِبِ يَبِيعُ الثَّوْبَ قَبْلَ قَبْضِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِ ضَمَانِ مَا يَضْمَنُ مِنْهَا يَوْمَ الْعَارِيَّةِ أَوْ يَوْمَ ضَاعَتْ قِيَاسُهَا اللَّخْمِيُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الرَّهْنِ فَإِنْ رَأَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَارِيَّةَ عِنْدَهُ بِالْأَمْسِ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمئِذٍ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ فَإِنْ لَمْ تَرَ مِنْ يَوْمِ أُعِيرَتْ وَقِيمَتُهَا يَوْمَ إعَارَتِهَا عَشَرَةٌ وَيَوْمَ ضَاعَتْ ثَمَانِيَةٌ غَرِمَ عَشَرَةً لِأَنَّ الْمُعِيرَ يُكَذِّبُهُ فِي بَقَائِهَا لِيَوْمِ ضَيَاعِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْيَوْمَيْنِ عَلَى الْعَكْسِ أَخَذَهُ بِعَشَرَةٍ لِأَنَّهُ يُصَدِّقُهُ فِي دَعْوَى بَقَائِهَا وَالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهَا جَمِيعِهَا أَنْ لَمْ يُنْقِصْهَا اسْتِعْمَالُهَا بِحَسَبِ ذَاتِهَا أَوْ قِصَرِ مُدَّتِهَا وَمَا يُنْقِصُهَا اسْتِعْمَالُهَا يَضْمَنُ بَاقِيَهَا بَعْدَ نَقْصِهَا ذَلِكَ ، وَلَوْ ثَبَتَ اسْتِهْلَاكُهُ إيَّاهَا قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا لِأَنَّهُ صَارَ بِهِ فِيهَا كَشَرِيكٍ .
قُلْتُ

الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا كَامِلَةً إنْ كَانَتْ لَا يُنْقِصُهَا الِاسْتِعْمَالُ كَالْعَبْدِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي اسْتِهْلَاكِهَا أَجْنَبِيٌّ ، قَالَ وَإِنْ أَهْلَكَهَا الْمُعِيرُ بَعْدَ قَبْضِهَا الْمُسْتَعِيرَ فَفِي غُرْمِهِ قِيمَتَهَا يَسْتَأْجِرُ مِنْهَا لِلْمُسْتَعِيرِ مِثْلَ الْأُولَى ، أَوْ يَشْتَرِي لَهُ مِنْهَا مِثْلَهَا ، ثَالِثُهَا يَغْرَمُ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ قِيَاسًا عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِيمَنْ أَوْلَدَ أَمَةً بَعْدَ أَنْ أَخَدَمَهَا رَجُلًا وَلَوْ أَهْلَكَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا مُسْتَعِيرَهَا ، فَفِي كَوْنِهِ كَإِهْلَاكِهَا بَعْدَ قَبْضِهَا أَوْ لَا يَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا قَوْلَانِ عَلَى قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِيمَنْ بَاعَ مَا وَهَبَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ الْمَوْهُوبَ لَهُ .

لَا غَيْرَهُ وَلَوْ بِشَرْطٍ
( لَا ) يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ الْمُعَارَ ( غَيْرَهُ ) أَيْ الْمَغِيبِ عَلَيْهِ أَيْ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ مَعَ وُجُودِهِ كَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ ، وَلَوْ كَطَيْرٍ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْمُعِيرُ ضَمَانَةَ ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَتْ إعَارَتُهُ مُتَلَبِّسَةً ( بِشَرْطٍ ) مِنْ الْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَشَرْطُهُ لَغْوٌ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ شَرَطَهُ لِأَمْرٍ خَافَهُ كَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَتَعْدِيَةِ نَهْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ ، فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي تَلَفِهِ ، وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِمَّا أَصَابَهُ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِتَعَدِّيهِ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَقَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ حَاشَا مُطَرِّفًا ، وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ الْحَيَوَانَ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَضْمَنُ سَرْجَهُ وَلِجَامَهُ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ الْعَبْدُ الْعَبْدَ وَلَا كِسْوَتَهُ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لَهَا .

وَحَلَفَ فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ بِلَا سَبَبِهِ ، كَسُوسٍ : أَنَّهُ مَا فَرَّطَ
( وَحَلَفَ ) الْمُسْتَعِيرُ ( فِيمَا ) أَيْ التَّلَفُ الَّذِي عَرَضَ لِلْمُعَارِ وَ ( عُلِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( أَنَّهُ ) أَيْ التَّلَفُ حَصَلَ لِلْمُعَارِ ( بِلَا سَبَبِهِ ) أَيْ الْمُعِيرِ ( كَسُوسٍ ) فِي ثَوْبٍ أَوْ حَبٍّ وَقَرْضِ فَأْرٍ وَحَرْقِ نَارٍ وَصِيغَةُ يَمِينِهِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ ( مَا فَرَّطَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا فِي حِفْظِ الْمُعَارِ وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ وَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مَا عَلِمَ أَنَّهُ بِغَيْرِ سَبَبِهِ كَالسُّوسِ فِي الثَّوْبِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ فَسَادًا وَيَبْرَأُ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَضْمَنُ مَا بِهِ مِنْ حَرْقٍ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَيَضْمَنُ السُّوسَ وَالْفَأْرَ لِأَنَّهُمَا مَا لَا يَحْدُثَانِ إلَّا عَنْ غَفْلَةِ لِبَاسِهِ أَوْ عَمَلِ طَعَامٍ فِيهِ .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا ثَبَتَ فِي ثَوْبٍ بِيَدِ صَانِعٍ أَنَّهُ قَرْضُ فَأْرٍ دُونَ تَضْيِيعٍ فَهُوَ مِنْ رَبِّهِ وَإِنْ جَهِلَ تَضْيِيعَهُ وَأَنْكَرَهُ ، فَفِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَثْبُتَ عَدَمُ تَضْيِيعِهِ قَوْلَانِ لِلصَّقَلِّيِّ عَنْ ظَاهِرِهَا ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِيهِ مَعَ لَحْسِ السُّوسِ مَعَ التُّونُسِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ عَنْ قَوْلِهَا إنْ أَفْسَدَ السُّوسُ الرَّهْنَ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ مَا ضَيَّعْتُ وَلَا أَرَدْتُ فَسَادًا قَائِلِينَ ، وَكَذَا يَنْبَغِي فِي قَرْضِ الْفَأْرِ التُّونُسِيِّ وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي النَّارِ أَوْ يُقَالُ النَّارُ هُوَ قَادِرٌ عَلَى عَمَلِهَا فَيَجِبُ ضَمَانُهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ زَادَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا شَبَهَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ قُلْتُ وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي الرُّهُونِ وَنَحْوُهُ فِي تَضْمِينِ الصَّانِعِ وَيَجْرِي كُلُّهُ فِي الْعَارِيَّةِ الْمَضْمُونَةِ .

وَبَرِئَ فِي كَسْرِ : كَسَيْفٍ ، إنْ شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ ، أَوْ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَ مِثْلِهِ

( وَبَرِئَ ) الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الضَّمَانِ ( فِي ) تَلَفِ الْمُعَارِ بِسَبَبِهِ مِثْلُ ( كَسْرِ ) آلَةِ حَرْبٍ كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ ( إنْ شُهِدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( لَهُ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ ( أَنَّهُ ) أَيْ السَّيْفَ مَثَلًا كَانَ ( مَعَهُ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ ( فِي ) حَالِ ( اللِّقَاءِ ) لِلْأَعْدَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ بِالتَّفْرِيطِ فِيهِ أَوْ التَّعَدِّي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِتَوَقُّفِ حَيَاتِهِ وَصِيَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ ( أَوْ ) شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ ( ضَرَبَ بِهِ ) أَيْ لِلسَّيْفِ مَثَلًا ( ضَرْبَ مِثْلَهُ ) فَانْكَسَرَ بِأَنْ ضَرَبَ بِهِ الْعَدُوَّ ضَرْبًا قَوِيًّا ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَ غَيْرِ مِثْلِهِ بِأَنْ ضَرَبَ بِهِ حَجَرًا أَوْ شَجَرًا فَانْكَسَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَنَصُّهَا ، وَإِنْ اسْتَعَارَ سَيْفًا لِيُقَاتِلَ بِهِ فَضَرَبَ بِهِ فَانْكَسَرَ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِهِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بَيِّنَةٌ أَوْ عُرْفٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُهُ ، زَادَ سَحْنُونٌ أَوْ شَهِدَ أَنَّهُ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَ مِثْلِهِ وَلَا يَأْبَاهُ مَا فِيهَا إذْ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ ضَرَبَ بِهِ خَشَبَةً أَوْ حَجَرًا فَانْكَسَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَقَوْلُهُ أَوْ عُرْفٌ أَعَمُّ مِنْ الْبَيِّنَةِ فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَبِالثَّانِيَةِ قَوْلَ سَحْنُونٍ وَمَعْنَى أَوْ عُرْفٌ أَيْ اشْتَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ بِهِ ، وَبِالثَّانِيَةِ قَوْلُ سَحْنُونٍ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ ضَرَبَ مِثْلَهُ أَفَادَهُ تت .
الْقَرَافِيُّ إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَ أَوْ هَلَكَ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَعَارِ لَهُ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ وَلَا مُجَاوَزَةٍ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَارِيَّةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي أَعَارَهُ أَذِنَ لَهُ فِيمَا حَصَلَ بِهِ الْهَلَاكُ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ شَيْءٌ

عَلَيْهَا ضَمَانٌ لِعَدَمِ إذْنِ صَاحِبِ الْعَارِيَّةِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ الْخَاصِّ ، إنَّمَا وُجِدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا أَتَى بِهِ مُسْتَعِيرُهُ مِنْ فَاسَ وَنَحْوِهِ مَكْسُورًا فِي ضَمَانِهِ إيَّاهُ حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ انْكَسَرَ فِيمَا اسْتَعَارَهُ لَهُ وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا يُشْبِهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ ابْنِ وَهْبٍ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ مَعَ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ قَائِلًا مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ إصْلَاحُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ وَثَالِثُهَا قَوْلُهَا فِي السَّيْفِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ وَرَابِعُهَا قَوْلُ سَحْنُونٍ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ ضَرَبَ بِهِ فِي اللِّقَاءِ ضَرْبًا يَجُوزُ لَهُ ، وَهَذَا أَبْعَدُهَا وَأَصْوَبُهَا قَوْلُ عِيسَى مَعَ يَمِينِهِ .
اللَّخْمِيُّ وَكَذَا الرُّمْحُ أَوْ الْقَوْسُ ، وَأَمَّا الرَّحَى يَسْتَعِيرُهَا لِلطَّحْنِ فَيَأْتِي بِهَا وَقَدْ حَفِيَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا .

وَفَعَلَ الْمَأْذُونَ ، وَمِثْلَهُ وَدُونَهُ ، لَا أَضَرَّ

( وَفِعْلُ ) الْمُسْتَعِيرِ الشَّيْءَ ( الْمَأْذُونَ ) لَهُ فِي فِعْلِهِ مِنْ الْمُعِيرِ كَاسْتِعَارَتِهِ دَابَّةً لِحَمْلِ إرْدَبِّ بُرٍّ عَلَيْهَا مِنْ مِصْرَ لِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ ( وَ ) فَعَلَ ( مِثْلَهُ ) أَيْ الْمَأْذُونَ كَحَمْلِ إرْدَبِّ عَدَسٍ بَدَلَ إرْدَبِّ قَمْحٍ ( وَ ) فَعَلَ ( دُونَهُ ) أَيْ أَخَفَّ مِنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَحَمْلِ إرْدَبِّ شَعِيرٍ بَدَلَ إرْدَبِّ قَمْحٍ ( لَا ) يَفْعَلُ ( أَضَرَّ ) مِنْهُ كَإِرْدَبِّ فُولٍ بَدَلَ إرْدَبِّ قَمْحٍ .
" ق " فِيهَا مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِجَارَةً فَكُلُّ مَا حَمَلَ مِمَّا هُوَ أَضَرُّ بِهَا مِمَّا اسْتَعَارَهَا لَهُ فَعَطِبَتْ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي الضَّرَرِ فَلَا يَضْمَنُ كَحَمْلِهِ عَدَسًا فِي مَكَانِ حِنْطَةٍ أَوْ كَتَّانًا أَوْ قُطْنًا فِي مَكَانِ بَزٍّ ، وَكَذَلِكَ مَنْ اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ ، فَأَكْرَاهَا مِنْ غَيْرِهِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَاهَا لَهُ فَعَطِبَتْ فَلَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ حِنْطَةٍ فَرَكِبَهَا فَعَطِبَتْ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَضَرَّ وَأَثْقَلَ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ اسْتَأْجَرْتَ ثَوْبًا تَلْبَسُهُ إلَى اللَّيْلِ فَلَا تُعْطِيهِ غَيْرَكَ لِيَلْبَسَهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ وَالْأَمَانَةِ ، وَكَرِهَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِمُكْتَرِي دَابَّةٍ لِرُكُوبِهِ كِرَاءَهَا لِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ أَخَفَّ مِنْهُ وَمَا مُنِعَ فِي الْإِجَارَةِ فَأَحْرَى فِي الْعَارِيَّةِ .
ابْنُ شَعْبَانَ مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَلَا يُرْكِبُهَا غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي الْخِفَّةِ وَالْحَالِ .
طفى قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ هَذَا فِي الْحَمْلِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا وَغَيْرُهَا فَلَا يَشْمَلُ الْمِثْلَ فِي الْمَسَافَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ أَوْ يَنْتَقِلُ لِبَلَدٍ وَإِنْ سَاوَتْ إلَّا بِإِذْنِهِ لِيَجْرِيَ كَلَامُهُ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَ فِي الْإِجَارَةِ فَأَحْرَى هُنَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ رَوَى عَلِيٌّ مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى بَلَدٍ فَرَكِبَهَا إلَى غَيْرِهِ

فَعَطِبَتْ ، فَإِنْ كَانَ مَا رَكِبَهَا إلَيْهِ مِثْلَ الْأَوَّلِ فِي السُّهُولَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِرُكُوبِهَا لِغَيْرِ مَا اسْتَعَارَهَا لَهُ وَهُوَ الْآتِي عَلَى قَوْلِهَا فِي الرَّوَاحِلِ مَنْ أَكْرَى دَابَّةً إلَى بَلَدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى غَيْرِهِ ، وَلَهُ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ اخْتَلَفَ فِيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِمَوْضِعٍ فَرَكِبَهَا إلَى مِثْلِهِ فِي الْحُزُونَةِ وَالسُّهُولَةِ وَالْبُعْدِ فَهَلَكَتْ فَرَوَى عَلِيٌّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَقَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمَبْسُوطَةِ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا يَضْمَنُ .
ا هـ .
فَأَنْتَ تَرَى الضَّمَانَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ ، فَجَعَلَ عج وَمَنْ تَبِعَهُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ شَامِلًا لِلْمَسَافَةِ وَأَنَّهُ الرَّاجِحُ غَيْرُ ظَاهِرٍ .
ا هـ .
وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ .
.

وَإِنْ زَادَ مَا تَعْطَبُ بِهِ ، فَلَهُ قِيمَتُهَا ، أَوْ كِرَاؤُهُ : كَرَدِيفٍ ، وَاتُّبِعَ إنْ أَعْدَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِعَارَةِ ، وَإِلَّا فَكِرَاؤُهُ

( وَإِنْ زَادَ ) الْمُسْتَعِيرُ عَلَى مَا اسْتَعَارَهَا لَهُ ( مَا ) أَيْ شَيْئًا ( تَعْطَبُ ) الْعَارِيَّةُ ( بِ ) سَبَبِ ( هـ ) فَعَطِبَتْ ( فَلَهُ ) أَيْ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ( قِيمَتُهَا ) أَيْ الْعَارِيَّةِ فَقَطْ يَوْمَ إعَارَتِهَا أَوْ ( كِرَاؤُهُ ) أَيْ الزَّائِدُ الْمُتَعَدِّي بِهِ فَقَطْ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِالتَّخْيِيرِ .
" ق " ابْنُ يُونُسَ وَإِذَا اسْتَعَارَهَا لِحَمْلِ شَيْءٍ فَحَمَلَ غَيْرَهُ أَضَرَّ ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي زَادَهُ مِمَّا تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ فَعَطِبَتْ خُيِّرَ رَبُّهَا فِي تَضْمِينِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَعَدِّيهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا أَوْ أَخَذَ كِرَاءَ الزَّائِدِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَمَعْرِفَتُهُ أَنْ يُقَالَ كَمْ كِرَاؤُهَا فِيمَا اسْتَعَارَهَا لَهُ ، فَإِنْ قِيلَ عَشَرَةٌ ، قِيلَ وَكَمْ كِرَاؤُهَا فِيمَا حَمَلَ عَلَيْهَا ، فَإِنْ قِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ دَفَعَ لَهُ الْخَمْسَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى كِرَاءِ مَا اسْتَعَارَهَا لَهُ .
وَشَبَّهَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَأَخْذِ كِرَاءِ الزَّائِدِ فَقَالَ ( كَ ) مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا مَسَافَةً مَعْلُومَةً وَتَعَدَّى بِإِرْدَافِ ( رَدِيفٍ ) خَلْفَهُ عَلَيْهَا تَعْطَبُ بِهِ وَعَطِبَتْ فَيُخَيَّرُ رَبُّهَا بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ إرْدَافِهِ وَأَخْذِ كِرَاءِ الرَّدِيفِ .
" ق " فِيهَا إنْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَرَكِبَهَا وَأَرْدَفَ رَدِيفًا خَلْفَهُ تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ وَعَطِبَتْ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ كِرَاءِ الرَّدِيفِ فَقَطْ وَأَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ إرْدَافِهِ ( وَاتُّبِعَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ مُشَدَّدَةً وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الرَّدِيفُ ، وَصِلَةُ اُتُّبِعَ ( بِهِ ) أَيْ كِرَاءِ الرَّدِيفِ ( إنْ أَعْدَمَ ) أَيْ افْتَقَرَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُرْدِفُ وَالرَّدِيفُ مَلِيٌّ ( وَ ) الْحَالُ أَنَّ الْمُرْدِفَ ( لَمْ يُعْلِمْ ) الرَّدِيفَةَ ( بِالْإِعَارَةِ ) بِأَنْ ظَنَّ أَنَّ مُرْدِفَهُ مَالِكُهَا ، لِأَنَّ الْخَطَأَ كَالْعَمْدِ فِي الْأَمْوَالِ ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مَلِيًّا وَالرَّدِيفُ غَيْرُ عَالِمٍ بِهَا فَلَا يُتَّبَعُ الرَّدِيفُ وَهُوَ

كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الرَّدِيفُ عَالِمًا بِالْإِعَارَةِ اتَّبَعَ الْمُعِيرُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ، وَكَذَا إنْ أَعْدَمَ الْمُسْتَعِيرُ وَعَلِمَ الرَّدِيفُ الْإِعَارَةَ .
" ق " أَشْهَبُ وَلَا يُلْزَمُ الرَّدِيفُ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ عَدِيمًا .
ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ شُيُوخِنَا هَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ فِي عَدَمِ الْمُسْتَعِيرِ كَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَوَهَبَهُ وَهَلَكَ بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَضْمَنُ فِي عَدَمِ الْغَاصِبِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الرَّدِيفُ أَنَّهَا مُسْتَعَارَةٌ ، فَإِنْ عَلِمَ فَهُوَ كَالْمُسْتَعِيرِ فَلَهُ بِهِمَا تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّائِدُ مِمَّا تَعْطَبُ بِهِ ، سَوَاءٌ عَطِبَتْ أَوْ سَلِمَتْ أَوْ كَانَ مِمَّا تَعْطَبُ بِهِ وَسَلِمَتْ ( فَ ) لِلْمُعِيرِ ( كِرَاؤُهُ ) أَيْ الزَّائِدُ فَقَطْ .
ابْنُ يُونُسَ وَإِنْ كَانَ مَا حَمَلَهَا بِهِ لَا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا كِرَاءُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ عَطَبَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ الزِّيَادَةِ .

وَلَزِمَتْ الْمُقَيَّدَةُ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ لِانْقِضَائِهِ ، وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ
( وَلَزِمَتْ ) الْإِعَارَةُ ( الْمُقَيَّدَةُ بِعَمَلٍ ) كَحَرْثِ فَدَّانٍ أَوْ زَرْعِهِ كَذَا أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ رُكُوبٍ مِنْ مِصْرَ لِمَكَّةَ ( أَوْ ) الْمُقَيَّدَةُ ( بِأَجَلٍ ) مَعْلُومٍ كَسُكْنَى دَارٍ شَهْرًا الْمُعِيرِ ( لِانْقِضَائِهِ ) أَيْ الْعَمَلِ أَوْ الْأَجَلِ .
" ق " ابْنُ عَرَفَةَ الْوَفَاءُ بِالْإِعَارَةِ لَازِمٌ فَفِيهَا مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَعْرُوفًا لَزِمَهُ ، وَيَدْخُلُهَا الشَّاذُّ فِي عَدَمِ لُزُومِ الْهِبَةِ بِالْقَوْلِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ أُجِّلَتْ الْإِعَارَةُ بِزَمَنٍ أَوْ انْقِضَاءِ عَمَلٍ لَزِمَتْ إلَيْهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُقَيَّدْ الْإِعَارَةُ بِعَمَلٍ وَلَا بِزَمَنٍ كَأَعَرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ الدَّابَّةَ ( فَ ) الْعَمَلُ أَوْ الزَّمَانُ ( الْمُعْتَادُ ) فِي مِثْلِهَا لَازِمٌ لِمُعِيرِهَا لِأَنَّ الْعَادَةَ كَالشَّرْطِ ، وَظَاهِرُهُ لُزُومُهَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَهَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ .
وَرَوَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ لِيَبْنِيَ أَوْ يَسْكُنَ وَلَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُعَارُ لِمِثْلِهِ مِنْ الْأَجَلِ .
ابْنُ يُونُسَ صَوَابٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ لَمْ تُؤَجَّلْ كَأَعَرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ الدَّارَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الثَّوْبَ فَفِي صِحَّةِ رَدِّهَا وَلَوْ بِفَوْرِ قَبْضِهَا وَلُزُومِ قَدْرِ مَا تُعَارُ لَهُ .
ثَالِثُهَا إنْ أَعَارَهُ لِيَسْكُنَ أَوْ يَبْنِيَ فَالثَّانِي وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مَعَ أَشْهَبَ وَالثَّانِي لِغَيْرِهِمَا وَالثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ .

وَلَهُ الْإِخْرَاجُ فِي : كَبِنَاءٍ ، إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ ، وَفِيهَا أَيْضًا قِيمَتُهُ ، وَهَلْ خِلَافٌ ، أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِهِ ، أَوْ إنْ طَالَ أَوْ إنْ اشْتَرَاهُ بِغَبْنٍ كَثِيرٍ ؟ تَأْوِيلَاتٌ .

( وَ ) إنْ أَعَارَ شَخْصٌ شَخْصًا أَرْضًا بَرَاحًا لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ فِيهَا بِلَا ذِكْرِ أَجَلٍ وَبَنَى أَوْ غَرَسَ فِيهَا فَ ( لَهُ ) أَيْ الْمُعِيرُ الَّذِي لَمْ يُقَيِّدْ بِعَمَلٍ وَلَا أَجَلٍ ( الْإِخْرَاجُ ) أَيْ إخْرَاجُ الْمُسْتَعِيرِ مِمَّا أَعَارَهُ لَهُ ( فِي ) إعَارَتِهِ لِ ( كَبِنَاءٍ ) وَغَرْسٍ ( إنْ دَفَعَ ) الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ مِثْلَ ( مَا أَنْفَقَ ) الْمُسْتَعِيرُ فِي الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُ مَا لَا غَايَةَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يُقَيِّدُهُ فَلَيْسَ هُوَ كَتَقْيِيدِ الشَّرْطِ فِيهَا مَنْ أَذِنْتُ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي أَرْضِك أَوْ يَغْرِسَ ، فَلَمَّا فَعَلَ أَرَدْتَ إخْرَاجَهُ بِقُرْبِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُشْبِهُ أَنْ يُعِيرَهُ إلَى مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الْقَرِيبَةِ ، فَلَيْسَ لَك إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ تُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ كَذَا فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ ( وَفِيهَا ) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا فِي كِتَابٍ آخَرَ بَعْدَهُ ( قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ ) وَإِلَّا تَرَكَهُ إلَى مِثْلِ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّك أَعَرْتَهُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْأَمَدِ .
( وَ ) اخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ ( هَلْ ) مَا فِي الْوَضْعَيْنِ ( خِلَافٌ ) وَهُوَ تَأْوِيلٌ غَيْرُ وَاحِدٍ ( أَوْ وِفَاقٌ ) بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ، الْأَوَّلُ ( قِيمَتُهُ ) أَيْ مَا أَنْفَقَ ( إنْ لَمْ يَشْتَرِهِ ) بِأَنْ كَانَ مَا بَنَى بِهِ أَوْ غَرَسَهُ مِنْ عِنْدِهِ ، وَمَا أَنْفَقَ إنْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ .
وَالثَّانِي قَوْلُهُ ( أَوْ ) قِيمَتُهُ ( إنْ طَالَ ) الزَّمَانُ عَلَى الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ لِتَغَيُّرِهِ وَمَا أَنْفَقَ إذَا كَانَ بِالْقُرْبِ جِدًّا .
وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ ( أَوْ ) قِيمَتُهُ ( إنْ اشْتَرَاهُ ) أَيْ مَا بَنَى بِهِ أَوْ غَرَسَ ( بِغَبْنٍ كَثِيرٍ ) فَيُعْطِي قِيمَتَهُ بِالْعَدْلِ وَمَا أَنْفَقَ إنْ اشْتَرَاهُ بِلَا غَبْنٍ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ .
الْبُنَانِيُّ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ الثَّالِثَ تَأْوِيلٌ بِالْوِفَاقِ كَاَلَّذِينَ قَبْلَهُ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَاَلَّذِي لِعَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُ تَأْوِيلُ خِلَافٍ وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ ، وَنَصُّهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا

فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ ، وَذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَقَالَ فَعَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لَا يَكُونُ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ الثَّالِثِ لَهُ مَا أَنْفَقَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغَابُنٌ أَوْ كَانَ فِيهِ تَغَابُنٌ يَسِيرٌ وَمَرَّةٌ رَأَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَعْدَلُ إذْ قَدْ يُسَامِحُ مَرَّةً فِيمَا يَشْتَرِيه وَمَرَّةً يُغْبَنُ فِيهِ ، فَإِذَا أَعْطَى قِيمَةَ ذَلِكَ يَوْمَ بِنَائِهِ لَمْ يُظْلَمْ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا خِلَافٌ مِنْ قَوْلِهِ .
ا هـ .
نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ .
طفى وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا كَلَامٌ عَلَى ذَلِكَ آخِرَ الشَّرِكَةِ فَرَاجِعْهُ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَاتٌ ) .
( تَنْبِيهَاتٌ ) : الْأَوَّلُ : ظَاهِرُ قَوْلِهِ مَا أَنْفَقَ أَنَّهُ لَا يُعْطِيه أُجْرَةَ قِيَامِهِ عَلَى الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ .
وَفِي تَوْضِيحِهِ عَنْ حَمْدِيسٍ إذَا أَعْطَاهُ مَا أَنْفَقَ يُعْطِيه أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي قِيَامِهِ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ قَدْ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ وَيَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَشَاءَ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَنْ يُعَبِّرَ أَرْضَهُ ، فَإِذَا اسْتَوَى الْبِنَاءُ أَوْ الْغَرْسُ أَخْرَجَهُ وَقَالَ هَذِهِ نَفَقَتُكَ .
الثَّانِي : أَبُو الْحَسَنِ إذَا أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا فَمَعْنَاهُ عَلَى التَّأْبِيدِ ، بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا فَإِنَّمَا هِيَ لِتَمَامِ الْمُدَّةِ .
طفى عِبَارَةُ التَّوْضِيحِ وَقَالُوا إذَا أَعْطَى قِيمَتَهُ قَائِمًا فَمَعْنَاهُ عَلَى التَّأْبِيدِ ، بِخِلَافِ أَوَّلِ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ ، فَإِنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا لِتَمَامِ الْمُدَّةِ ، قَالُوا وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَهُنَا الْإِذْنُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ا هـ .
وَمَسْأَلَةُ الِاسْتِحْقَاقِ هِيَ قَوْلُهَا أَوْ كِتَابُ الِاسْتِحْقَاقِ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ مِنْ مُبْتَاعِهَا وَاسْتُحِقَّتْ بَعْدَهُمَا فَلِرَبِّهَا إمْضَاءُ كِرَاءِ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ ، فَإِنْ أَمْضَاهُ كَانَ لَهُ مَنَابُ كِرَاءِ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ

وَأَمَرَهُ بِقَلْعِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَوْ أَخَذَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا مَقْلُوعَيْنِ وَلَهُ فَسْخُ كِرَاءِ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ وَأَمَرَهُ بِقَلْعِهِمَا أَوْ أَخَذَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا قَائِمَيْنِ ، فَإِنْ أَبَى أَخَذَهُمَا قِيلَ لِلْمُكْتَرِي أَعْطِهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ ، فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكَانِ .
ا هـ .
فَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ قِيمَتَهُمَا قَائِمَيْنِ إنَّمَا هِيَ عَلَى أَنْ يُقْلَعَا إلَى غَايَةِ وَقْتِ الْكِرَاءِ ، وَكَذَا إذَا وَجَبَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٌ مِنْ شُيُوخِنَا .
ا هـ .
وَبَحَثَ فِيهِ الصِّقِلِّيُّ فَقَالَ اُنْظُرْ كَيْفَ تَقْوِيمُ الْبِنَاءِ عَلَى قَلْعَةٍ إلَى عَشْرِ سِنِينَ .
فَإِنْ قُلْتَ بِكَمْ يَبْنِي مِثْلَهُ عَلَى أَنْ يُقْلَعَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ فَالْقِيمَةُ لَا تَخْتَلِفُ ، سَوَاءٌ قَالَ إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَدْفَعُ إلَيْهِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ قَائِمًا وَلَمْ يُحِدَّهُ بِوَقْتٍ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ مَعْنَى ذَلِكَ قَائِمًا هُوَ مَا زَادَ الْبِنَاءُ فِي قِيمَةِ الْأَرْضِ ، يُقَالُ عَلَيْهِ كَمْ قِيمَةُ الْأَرْضِ بَرَاحًا ، فَإِنْ كَانَتْ مِائَةً قِيلَ كَمْ قِيمَتُهَا بِهَذَا الْبِنَاءِ عَلَى أَنْ يُقْلَعَ لِعَشْرِ سِنِينَ ، فَيُقَالُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَيُعْلَمُ أَنَّ قِيمَةَ الْبِنَاءِ خَمْسُونَ .
وَعَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِكَمْ يَبْنِي مِثْلَ هَذَا الْبِنَاءِ ، فَيُقَالُ خَمْسُونَ أَوْ مِائَةٌ ، فَهَذِهِ قِيمَةُ الْبِنَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ هَذَا صَوَابٌ جَارٍ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ فِي تَفْسِيرِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ قَائِمًا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ .
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ نَقَلَهُ عَنْ التُّونُسِيِّ حَاصِلُهُ أَنَّهُ فَسَّرَ قِيمَتَهُ قَائِمًا بِأَنَّهَا عَلَى بَقَائِهِ فِي الْأَرْضِ إلَى الْأَمَدِ الْمَذْكُورِ لَا بِمَا يَبْنِي بِهِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِلصَّقَلِّيِّ ، وَقَوْلُ الصِّقِلِّيِّ هُوَ الصَّوَابُ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ .
وَقَالَ بَعْدَ كَلَامٍ نَقَلَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ .
وَالصَّوَابُ مَا

تَقَدَّمَ لِلصَّقَلِّيِّ حَسْبَمَا قَرَّرْنَاهُ ، وَالْمَعْرُوفُ فِي بِنَاءِ الْمُشْتَرِي وَغَرْسِهِ قِيمَتُهُ قَائِمًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْعَارِيَّةِ وَاَلَّذِي فِي الْعَارِيَّةِ هُوَ قِيمَةُ مَا يُبْنَى بِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَأْتِي تَقْيِيدُ عَبْدِ الْحَقِّ الْمَذْكُورِ إذْ لَا تَخْتَلِفُ حَسْبَمَا أَشَارَ لَهُ الصِّقِلِّيُّ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَعْنَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ قَائِمًا قِيمَةُ مَا يَبْنِي بِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ مُكْتَرٍ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَتَأَتَّى التَّقْيِيدُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ ، وَلَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَمَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ إذْ الْكَلَامُ سَوَاءٌ ، وَلَا تَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ كَمَا عَلِمْتَ وَأَطَلْتُ لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ الشُّرَّاحِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
الثَّالِثُ : الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ مُخَالَفَةٌ بِظَاهِرِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ صَوَّبَهُ ، وَقَوْلُهُ وَلَهُ الْإِخْرَاجُ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ ، فَكَلَامُهُ مُتَنَاقِضٌ ، فَلَوْ قَالَ وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ عَلَى الْأَرْجَحِ وَفِيهَا لَهُ الْإِخْرَاجُ فِي كَبِنَاءٍ لَا جَادٍّ قَالَهُ " غ " " ح " ، وَكَلَامُ " غ " صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ ، وَتَأَوَّلَ عج تَبَعًا لِلْبِسَاطِيِّ ، تَقْرِيرَهُ بِمَا ذَكَرَهُ " ز " لِيُوَافِقَ الْمُدَوَّنَةَ وَلَمْ يَرْتَضِهِ " ح " لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَقْدِيرِ كَثِيرٍ .

وَإِنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ : فَكَالْغَصْبِ
( وَإِنْ ) أَعَارَ أَرْضًا لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَفَعَلَ وَ ( انْقَضَتْ مُدَّةُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي عَقْدِ الْإِعَارَةِ أَوْ الْمُعْتَادَةِ إنْ أُطْلِقَتْ ( فَ ) حُكْمُ بِنَاءِ الْمُسْتَعِيرِ وَغَرْسِهِ ( كَ ) حُكْمِ بِنَاءِ وَغَرْسِ ذِي ( الْغَصْبِ ) لِلْأَرْضِ فِي تَخْيِيرِ مَالِكِهَا فِي تَكْلِيفِ الْبَانِي وَالْغَارِسِ بِقَلْعِ بِنَائِهِ وَغَرْسِهِ وَنَقْلِ نَقْضِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ وَدَفْعِ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا لِبَانِيهِ وَغَارِسِهِ مَطْرُوحًا مِنْهَا أُجْرَةُ الْقَلْعِ وَالتَّسْوِيَةِ إنْ كَانَ الْبَانِي وَالْغَارِسُ لَا يَتَوَلَّاهُمَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِخَدَمِهِ .
" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَرَدْتَ إخْرَاجَهُ بَعْدَ أَمَدٍ يُشْبِهُ أَنَّك أَعَرْتَهُ إلَى مِثْلِهِ فَلَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا .
مُحَمَّدٌ بَعْدَ طَرْحِ أَجْرِ الْقَلْعِ وَإِلَّا أَمَرْتُهُ بِقَلْعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا نَفْعَ فِيهِ إذَا قَلَعَ مِثْلَ الْجِصِّ فَلَا شَيْءَ لِلِبَانِي فِيهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبْتَ لِعَارِيَّتِهِ أَجَلًا فَبَلَغَهُ فَلَيْسَ لَك هَاهُنَا إخْرَاجُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ ، وَإِنْ أَعْطَيْته قِيمَةَ ذَلِكَ قَائِمًا .

وَإِنْ ادَّعَاهَا الْآخِذُ وَالْمَالِكُ : الْكِرَاءَ ؛ فَالْقَوْلُ لَهُ ، إلَّا أَنْ يَأْنَفَ مِثْلُهُ

( وَإِنْ ادَّعَاهَا ) أَيْ الْإِعَارَةَ ( الْآخِذُ ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لِأَرْضِ غَيْرِهِ الْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ أَوْ الزَّارِعِ أَوْ السَّاكِنِ فِيهَا أَوْ غَيْرِهَا كَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ ( وَادَّعَى الْمَالِكُ ) لِلْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا ( الْكِرَاءَ ) وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى دَعْوَاهُ ( فَالْقَوْلُ ) الْمُعْتَبَرُ الْمَحْكُومُ بِهِ ( لَهُ ) أَيْ الْمَالِكِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُعَاوَضَةُ ( بِيَمِينٍ ) مِنْ الْمَالِكِ أَنَّهُ لَمْ يُعِرْهُ وَآجَرَهُ لِدَفْعِ دَعْوَى الْأَخْذِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَأْنَفَ ) أَيْ يَتَحَاشَى وَيَتَعَالَى ( مِثْلُهُ ) أَيْ الْمَالِكُ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْعَظَمَةِ ( عَنْهُ ) أَيْ الْكِرَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْآخِذِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مَا أَكْرَاهُ ، وَلَقَدْ أَعَارَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَالِكُ وَأَخَذَ الْكِرَاءَ الَّذِي ادَّعَاهُ ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ أَفَادَهُ تت .
" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ رَكِبَ دَابَّةَ رَجُلٍ إلَى بَلَدٍ وَادَّعَى أَنَّهُ أَعَارَهُ إيَّاهَا وَقَالَ رَبُّهَا بَلْ أَكْرَيْتُهَا مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا .
ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا .
ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يُكْرِي الدَّوَابَّ لِشَرَفِهِ وَقَدْرِهِ ا هـ .
ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْعُرْفُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنْ لَا تَكُونَ عَادَةُ الْمَالِكِ أَنْ يُكْرِي مَا تَنَازَعَا فِيهِ ، بَلْ مُرَادُهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شَرَفُهُ يَأْبَى الْكِرَاءَ لِغَيْرِهِ وَيَأْنَفُ مِنْ مِثْلِهِ ، وَتَبِعَهُ التَّوْضِيحِ وَالْمُخْتَصَرُ .
قُلْتُ وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ .
طفى قَوْلُ تت فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ كِرَاءَ مِثْلِهِ تَبِعَ فِيهِ الشَّارِحُ ، وَعَزَاهُ لِأَشْهَبَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ ، وَنَصُّهَا وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ لِلشَّرِيفِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَأْنَفُ مِثْلُهُ مِنْ كِرَاءِ دَابَّتِهِ صُدِّقَ الرَّاكِبُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ رَبُّهَا وَأَخَذَ الْكِرَاءَ الَّذِي زَعَمَ ، فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ كِرَاءَ مِثْلِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ .

ا هـ .
وَانْظُرْ هَلْ هُوَ وِفَاقٌ أَوْ خِلَافٌ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ الْبُنَانِيُّ .

كَزَائِدِ الْمَسَافَةِ إنْ لَمْ يَزِدْ ، وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَعِيرِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ وَالْكِرَاءِ ، وَإِنْ بِرَسُولٍ مُخَالِفٍ

وَشَبَّهَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَالِكِ فَقَالَ ( كَ ) تَنَازُعِ الْمَالِكِ وَالْمُسْتَعِيرِ فِي ( زَائِدِ الْمَسَافَةِ ) بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ أَعَرْتُك الدَّابَّةَ لِتَرْكَبَهَا مِنْ مِصْرَ إلَى الْعَقَبَةِ ، وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ بَلْ إلَى الْأَزْلَمِ مَثَلًا فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ ( إنْ لَمْ يَزِدْ ) أَيْ لَمْ يَرْكَبْ الْمُسْتَعِيرُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى الْمَسَافَةِ الَّتِي وَافَقَهُ عَلَيْهَا الْمَالِكُ بِأَنْ تَنَازَعَا عِنْدَ الْعَقَبَةِ أَوْ قَبْلَهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ زَادَ الْمُسْتَعِيرُ أَيْ رَكِبَ الْمَسَافَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى مَا قَالَ الْمَالِكُ بِأَنْ تَنَازَعَا بَعْدَ بُلُوغِ الْأَزْلَمِ وَالْمُسْتَعِيرُ أَيْ رَاكِبٌ عَلَيْهَا ( فَ ) الْقَوْلُ ( لِلْمُسْتَعِيرِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ ) إذَا تَعَيَّبَتْ الدَّابَّةُ فِي الْمَسَافَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا قَالَ الْمَالِكُ ( وَ ) نَفْيُ ( الْكِرَاءِ ) لِلْمَسَافَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا قَالَ الْمَالِكُ إنْ بَلَغَتْ الْأَزْلَمَ سَالِمَةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
" ق " ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَدْت فِي مَسَائِلِ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَّ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ فِيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَكِبَهَا إلَى مَوْضِعٍ ، فَلَمَّا بَلَغَهُ زَعَمَ رَبُّهَا أَنَّهُ أَعَارَهُ إيَّاهَا إلَى دُونِهِ أَوْ إلَى بَلَدٍ آخَرَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَكَذَلِكَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَصًّا ، سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ وَذَلِكَ إذَا رَكِبَ وَرَجَعَ ، وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ بَعْدُ فَالْمُعِيرُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ ، وَكَمَنْ أَسْكَنْتَهُ دَارَك أَوْ أَخْدَمْتَهُ عَبْدًا فَبَعْدَ سَنَةٍ قَالَ هِيَ الْمُدَّةُ سَنَةٌ ، وَقُلْتَ أَنْتَ شَهْرٌ فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْك مَا لَا يُشْبِهُ ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَسْكَنَ وَلَا الْعَبْدَ فَأَنْتَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِك .
ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ وَالْكِرَاءِ لِأَنَّ مُسْتَعِيرَ الدَّارِ وَلَوْ ثَبَتَ عَدَاؤُهُ لِمُجَاوَزَةِ الْمُدَّةِ الَّتِي اسْتَعَارَ إلَيْهَا

فَانْهَدَمَتْ الدَّارُ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَدَّى عَلَى السُّكْنَى فَلَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ غَاصِبِ السُّكْنَى ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَدَاؤُهُ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا فَلَا يَبْقَى إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي السُّكْنَى وَرَفْعِ الْكِرَاءِ .
طفى فِي نَفْيِ الضَّمَانِ وَالْكِرَاءِ صَرَّحَ بِهِ لِرَدِّ قَوْلِ أَشْهَبَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ فَقَطْ لَا فِي نَفْيِ الْكِرَاءِ .
الْبُنَانِيُّ فِي ضَيْحٍ أَيْ وَإِنْ رَكِبَ إلَى الْغَايَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَهَذَا الْحُكْمُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ بِهِ ، بَلْ قَالَ وَجَدْت فِي مَسَائِلَ عَبْدِ الرَّحِيمِ ذَلِكَ نَعَمْ ظَاهِرُ الْحَالِ أَنَّهُ قَائِلٌ بِذَلِكَ .
وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ وَالْكِرَاءِ ، وَأَنَّ سَحْنُونًا وَأَشْهَبَ قَالَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ فَقَطْ ، وَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ فِي الْكِرَاءِ يَحْلِفُ الْمُسْتَعِيرُ لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ وَالْمُعِيرُ لِأَخْذِ الْكِرَاءِ .
وَبَالَغَ عَلَى كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمَالِكِ إذَا تَنَازَعَا فِي زَائِدِ الْمَسَافَةِ قَبْلَ رُكُوبِهَا ، وَكَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَهُ إنْ كَانَ قَبَضَهَا الْمُسْتَعِيرُ بِنَفْسِهِ مِنْ مَالِكِهَا الْمُعِيرِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ قَبَضَهَا ( بِرَسُولٍ ) مِنْ الْمُسْتَعِيرِ لِلْمُعِيرِ ( مُخَالِفٍ ) لِلْمُعِيرِ إذَا تَنَازَعَا قَبْلَ الزِّيَادَةِ ، وَلِلْمُسْتَعِيرِ إنْ تَنَازَعَا بَعْدَهَا فَتُلْغَى شَهَادَتُهُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ .
" ق " أَشْهَبُ مَنْ بَعَثَ رَسُولًا إلَى رَجُلٍ يُعِيرُهُ دَابَّةً إلَى بَرْقَةَ فَأَعَارَهُ فَرَكِبَهَا الْمُسْتَعِيرُ إلَى بَرْقَةَ فَعَطِبَتْ فَقَالَ الْمُعِيرُ إنَّمَا أَعَرْته إلَى فِلَسْطِينَ ، وَقَالَ الرَّسُولُ إلَى بَرْقَةَ فَشَهَادَةُ الرَّسُولِ

هُنَا لَا تَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ وَلَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَيَحْلِفُ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّهُ مَا اسْتَعَارَهَا إلَّا لِبَرْقَةَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ .
فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِرَسُولٍ مُوَافِقٍ أَوْ مُخَالِفٍ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَسَاوِي الْحُكْمِ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَشْهَبَ صَحِيحٌ ، وَأَمَّا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ بَعَثَ رَسُولًا إلَى رَجُلٍ لِيُعِيرَهُ دَابَّتَهُ إلَى بَرْقَةَ فَقَالَ الرَّسُولُ إلَى فِلِسْطِينَ فَعَطِبَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ وَاعْتَرَفَ الرَّسُولُ بِالْكَذِبِ ضَمِنَهَا ، وَإِنْ قَالَ بِذَلِكَ أَمَرْتَنِي وَأَكْذَبَهُ الْمُعِيرُ فَلَا يَكُونُ الرَّسُولُ شَاهِدًا .
لِأَنَّهُ خَصْمٌ ، وَتَمَّتْ الْمَسْأَلَةُ هُنَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْبَرَادِعِيُّ ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْمُسْتَعِيرُ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا زَعَمَ ، وَصَحَّتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عَمْرٍو عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَلَيْسَ الْحُكْمُ مُتَسَاوِيًا ا هـ كَلَامُ ضَيْحٍ وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، لَكِنْ لَا يَتَأَتَّى جَرْيُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَيَكُونُ دَرَجَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ فِي عَدَمِ زِيَادَةِ الضَّمَانِ ، إذْ الْمُخَالَفَةُ لِأَشْهَبَ إنَّمَا تَأْتِي عَلَيْهَا .
وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلَ أَشْهَبَ قَالَ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَ أَشْهَبَ وَلَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ ، وَذَكَرَ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فَقَالَ فَأَوْرَثَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ إشْكَالًا عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ وَافَقَ أَشْهَبَ عَلَى سُقُوطِ الضَّمَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَخَالَفَهُ فِي هَذِهِ .
ا هـ .
فَظَهَرَ لَك أَنْ لَا حَاجَةَ لِجَرْيِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ ، وَأَنَّ قَوْلَ تت وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْمُصَنِّفُ لَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ ، وَغَرَّهُ

فِيهِ نَقْلُهُ الْمُدَوَّنَةُ عَلَى ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ عَلَى سُقُوطِهَا هُوَ كَذَلِكَ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَضَيْحٍ .
وَعِبَارَةُ عِيَاضٍ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا زَعَمَ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي كُتُبِنَا وَأُصُولِ شُيُوخِنَا فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَالْقَرَوِيِّينَ ، وَلَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَالِمٍ وَلَا يَزِيدَ بْنِ أَيُّوبَ ، وَصَحَّتْ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّبِيدِيُّ وَهِيَ مَطْرُوحَةٌ مِنْ رِوَايَةِ جَبَلَةَ بْنِ حَمُّودٍ ، وَأَدْخَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُخْتَصِرِينَ وَأَسْقَطَهَا الْبَرَادِعِيُّ ، وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَمَرَهُ إلَّا إلَى بَرْقَةَ ، قَالَ بَعْضُهُمْ وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ ابْنُ الْقَاسِمِ .
.

كَدَعْوَاهُ رَدَّ مَا لَمْ يَضْمَنْ
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فَقَالَ ( كَدَعْوَاهُ ) فِي الْمُسْتَعِيرِ ( رَدَّ مَا ) أَيْ الْمُعَارِ الَّذِي ( لَمْ يَضْمَنْ ) هـ الرَّسُولُ وَهُوَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ لِمُعِيرِهِ ، وَأَنْكَرَهُ مُعِيرُهُ فَيُصَدَّقُ الْمُسْتَعِيرُ بِيَمِينِهِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ كُلُّ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ فَهُوَ مَقْبُولٌ فِي الرَّدِّ ، وَلَوْ رَدَّهَا مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ فَعَطِبَتْ أَوْ ضَلَّتْ فَلَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ شَأْنُ النَّاسِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ضَيَاعَهَا إلَّا بِقَوْلِ الرَّسُولِ وَهُوَ مَأْمُونٌ أَوْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ رَدٌّ مَا لَمْ يَضْمَنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى رَدَّ مَا يَضْمَنُ وَهُوَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ تت .
" ق " مُطَرِّفٌ يُصَدَّقُ الْمُسْتَعِيرُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا ادَّعَى رَدَّ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يُصَدَّقُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمُعِيرِ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِلَا إشْهَادٍ ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ الْوَدِيعَةُ لَا تُضْمَنُ .
اللَّخْمِيُّ إنْ اخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعِيرِ بِيَمِينِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كُلِّ مَا لَا يُصَدَّقُ فِي ضَيَاعِهِ .
مُحَمَّدٌ سَوَاءٌ أَخَذَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ .

وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِاسْتِعَارَةِ حُلِيٍّ وَتَلِفَ ضَمِنَهُ مُرْسِلُهُ ، إنْ صَدَّقَهُ ، وَإِلَّا حَلَفَ وَبَرِئَ ، ثُمَّ حَلَفَ الرَّسُولُ وَبَرِئَ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْعَدَاءِ ، ضَمِنَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ذِمَّتِهِ ، إنْ عَتَقَ ، وَإِنْ قَالَ أَوْصَلْتُهُ لَهُمْ ، فَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الْيَمِينُ

( وَإِنْ ) أَتَى شَخْصٌ شَخْصًا وَ ( زَعَمَ ) أَيْ قَالَ الشَّخْصُ الْحُرُّ أَوْ الْعَبْدُ الْآتِي ( إنَّهُ مُرْسَلٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ ( لِاسْتِعَارَةِ حَلْيٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَوْ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَدَفَعَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ لِلرَّسُولِ ( وَتَلِفَ ) الْحَلْيُ مِنْ الرَّسُولِ ( ضُمَّنهُ ) أَيْ الْحَلْيَ ( مُرْسِلُهُ ) أَيْ الرَّسُولِ بِكَسْرِ السِّينِ ( إنْ صَدَّقَهُ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ الْمُرْسِلُ الرَّسُولَ فِي أَنَّهُ أَرْسَلَهُ وَلَا يَضْمَنُهُ الرَّسُولُ لِائْتِمَانِهِ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي إخْبَارِهِ بِإِرْسَالِهِ ( حَلَفَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِرْسَالَ أَنَّهُ مَا أَرْسَلَهُ ( وَبَرِئَ ) مِنْ الضَّمَانِ ( ثُمَّ حَلَفَ الرَّسُولُ ) أَنَّهُ أَرْسَلَهُ وَبَرِئَ أَيْضًا .
" ق " سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ تَأْتِي قَوْمًا تَسْتَعِيرُ مِنْهُمْ حُلِيًّا لِأَهْلِهَا وَتَقُولُ هُمْ بَعَثُونِي فَيَتْلَفُ ، فَإِنْ صَدَّقَهَا أَهْلُهَا فَهُمْ ضَامِنُونَ وَبَرِئَتْ ، وَإِنْ جَحَدُوا حَلَفُوا وَبَرِئُوا وَحَلَفَتْ لَقَدْ بَعَثُوهَا وَبَرِئَتْ ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ صَدَّقُوهَا أَنَّهَا أُرْسِلَتْ إلَيْهِمْ .
( وَإِنْ اعْتَرَفَ ) أَيْ أَقَرَّ الرَّسُولُ ( بِالْعَدَاءِ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْلَةِ مَمْدُودًا ، أَيْ التَّعَدِّي وَالْكَذِبِ فِي الْإِخْبَارِ بِالْإِرْسَالِ ( ضَمِنَ الْحُرُّ ) لِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ فِي ذِمَّتِهِ ( وَ ) ضَمِنَ ( الْعَبْدُ فِي ذِمَّتِهِ ) لَا فِي رَقَبَتِهِ ، وَيُتَّبَعُ ( إنْ عَتَقَ ) سَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ أَقَرَّ الرَّسُولُ أَنَّهُ تَعَدَّى وَهُوَ حُرٌّ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ يَوْمًا ، وَلَا يُلْزَمُ رَقَبَتُهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَلَوْ قَالَ الرَّسُولُ أَوْصَلْتُ ذَلِكَ إلَى مَنْ بَعَثَنِي لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ إلَّا الْيَمِينُ .
( وَإِنْ قَالَ ) أَيْ الرَّسُولُ ( أَوْصَلْتُهُ ) أَيْ الْمُسْتَعَارَ ( لَهُمْ ) أَيْ الْبَاعِثِينَ وَأَنْكَرُوا أَيْضًا ( فَعَلَيْهِ ) أَيْ الرَّسُولِ الْيَمِينُ أَنَّهُ أَوْصَلَهُمْ (

وَعَلَيْهِمْ ) أَيْ الْبَاعِثِينَ ( الْيَمِينُ ) أَنَّهُ لَمْ يُوصِلْهُمْ وَبَرِئُوا .
الْبُنَانِيُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلُّهُ نَصُّ سَمَاعِ عِيسَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ إذَا قَالَ الْعَبْدُ سَيِّدِي أَرْسَلَنِي وَأَوْصَلْت الْعَارِيَّةَ إلَيْهِ أَوْ تَلِفَتْ وَسَيِّدُهُ مُنْكِرٌ فَذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ ، كَجِنَايَتِهِ وَلَوْ كَانَ حُرًّا كَانَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَسَأَلْت عَنْهَا ابْنَ الْقَاسِمِ فَقَالَ إنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِإِرْسَالِهِ غَرِمَ ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ فَذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ خَدَعَ الْقَوْمَ .
أَبُو عِمْرَانَ أَرَادَ إنْ ثَبَتَ أَخْذُهُ الْمُعَارَ بِبَيِّنَةٍ .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ هُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْهَا .
ا هـ .
فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مُخَالِفٌ لَهَا وَلِمَا قَدَّمَهُ فِي الْوَدِيعَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ بِدَفْعِهَا مُدَّعِيًا أَنَّك أَمَرْته بِهَا ، إلَى قَوْلِهِ وَرَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ .
طفى وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الْيَمِينُ إلَخْ طفى لَا يَأْتِي عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ أَنْكَرَ الْإِرْسَالَ أَمْ لَا .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَمَا تَقَدَّمَ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الرَّسُولَ دَفَعَ لِغَيْرِ الْيَدِ الَّتِي دَفَعَتْ إلَيْهِ بِغَيْرِ إشْهَادٍ فَيَغْرَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ ، صَرَّحَ بِهِ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ ، وَقَوْلُ الْحَطّ وَالزَّرْقَانِيِّ إنْ أَقَرُّوا بِالْإِرْسَالِ ضَمِنُوا غَيْرُ ظَاهِرٍ .
.

وَمُؤْنَةُ أَخْذِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ : كَرَدِّهَا عَلَى الْأَظْهَرِ
وَمَؤُنَةُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ ، أَيْ مَا يُصْرَفُ فِي ( أَخْذِهَا ) أَيْ الْعَارِيَّةِ أَيْ حَمْلُهَا لِمَكَانِ مُسْتَعِيرِهَا ( عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ) قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ .
" ق " ابْنُ رُشْدٍ أُجْرَةُ حَمْلِ الْعَارِيَّةُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَشَبَّهَ فِي كَوْنِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَقَالَ ( كَ ) مُؤْنَةِ ( رَدِّهَا ) أَيْ الْعَارِيَّةِ لِمَكَانِ مُعِيرِهَا فَإِنَّهَا عَلَى مُسْتَعِيرِهَا أَيْضًا ( عَلَى الْأَظْهَرِ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ .
" ق " ابْنُ رُشْدٍ اخْتَلَفَ فِي أُجْرَةِ رَدِّ الْعَارِيَّةِ فَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ الْمُعِيرَ فَعَلَ مَعْرُوفًا فَلَا يَغْرَمُ أُجْرَةَ مَعْرُوفٍ صَنَعَهُ .

وَفِي عَلَفِ الدَّابَّةِ قَوْلَانِ
( وَفِي ) كَوْنِ ( عَلَفِ الدَّابَّةِ ) الْمُسْتَعَارَةِ وَهِيَ عِنْدَ مُسْتَعِيرِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مُعِيرِهَا ، إذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَكَانَ كِرَاءً ، وَرُبَّمَا يَكُونُ عَلَفُهَا أَكْثَرَ مِنْ كِرَائِهَا فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ ، فَيَنْتَفِي الْمَعْرُوفُ وَتَصِيرُ كِرَاءً ( قَوْلَانِ ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَكَاهُمَا أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ طَالَتْ مَدُّهُ الْعَارِيَّةِ ، أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ هُوَ عَلَى الْمُعِيرِ فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ ، وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا قَالَهُ تت .
" ق " فِي الِاسْتِغْنَاءِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ شَيْئًا لَهُ نَفَقَةٌ فَذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهَا ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَكَانَ كِرَاءً وَيَكُونُ الْعَلَفُ فِي الْغَلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْكِرَاءِ ، وَيَخْرُجُ مِنْ عَارِيَّةٍ إلَى كِرَاءٍ وَلِبَعْضِ الْمُفْتِينَ إلَّا فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ ، فَذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ .
وَقِيلَ أَيْضًا فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ عَلَى رَبِّهَا ، وَأَمَّا فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَالسَّفَرِ الْبَعِيدِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُخْدَمِ ، وَكَأَنَّهُ أَقْيَسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ اللَّائِقُ بِاصْطِلَاحِهِ التَّعْبِيرُ بِالتَّرَدُّدِ ، وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ مِرَارًا بِأَنَّ مُرَادَهُ إنْ وُجِدَ فِي كَلَامِي فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى كَذَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( بَابٌ ) الْغَصْبُ ، أَخْذُ مَالٍ ، قَهْرًا ، تَعَدِّيًا ، بِلَا حِرَابَةٍ

( بَابٌ ) فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْغَصْبِ وَأَحْكَامِهِ الْغَصْبُ ) أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا ، وَأَمَّا لُغَةً فَهُوَ أَخْذُ شَيْءٍ ظُلْمًا .
الْجَوْهَرِيُّ غَصَبَ الشَّيْءَ أَخَذَهُ ظُلْمًا وَالِاغْتِصَابُ مِثْلُهُ ( أَخْذُ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٌ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ ، جِنْسٌ شَمِلَ الْمُعَرَّفَ وَغَيْرَهُ ، وَإِضَافَتُهُ لِ ( مَالٍ ) فَصْلٌ مُخْرِجٌ أَخْذَ غَيْرِهِ أَخْذًا ( قَهْرًا ) فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ أَخْذَ مَالٍ بِلَا قَهْرٍ بِاشْتِرَاءٍ أَوْ قَبُولِ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَعَارِيَّةٍ الْوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ ، أَوْ بِسَرِقَةٍ أَوْ اخْتِلَاسٍ ( تَعَدِّيًا ) أَيْ ظُلْمًا ، فَصْلٌ ثَالِثٌ مُخْرِجٌ أَخْذَ مَالٍ قَهْرًا بِحَقٍّ كَأَخْذِ دَيْنٍ الْوَدِيعَةٍ وَدِيَةٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَعِوَضِ مُتْلَفٍ وَمَسْرُوقٍ وَمَغْصُوبٍ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ قَهْرًا ( بِلَا حِرَابَةٍ ) أَيْ مُقَاتَلَةٍ ، فَصْلٌ رَابِعٌ مُخْرِجٌ الْحِرَابَةَ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ ظُلْمًا قَهْرًا لَا بِخَوْفِ قِتَالٍ فَيَخْرُجُ أَخْذُهُ غِيلَةً ، إذْ لَا قَهْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ مَالِكِهِ وَحِرَابَةً ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ مُخْتَصَرًا كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ أَخْذُ الْمَالِ عُدْوَانًا قَهْرًا مِنْ غَيْرِ حِرَابَةٍ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِأَخْذِ الْمَنَافِعِ كَذَلِكَ ، كَسُكْنَى رَبْعٍ وَخَرِبَةٍ وَلَيْسَ غَصْبًا ، بَلْ تَعَدِّيًا ، وَتَعَقَّبَ بِتَرْكِيبِهِ وَهُوَ وَقْفُ مَعْرِفَتِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ أَعَمَّ مِنْهُ وَلَا أَخَصَّ مِنْ أَعَمِّهِ .
وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ذِكْرُ الْقُيُودِ فِي الرَّسْمِ بِحَرْفِ السَّلْبِ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَمْيِيزٌ ، بَلْ يُوجِبُ إجْمَالًا ، فَإِنَّك لَا تَشَاءُ تَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي حَدٍّ أَوْ رَسْمٍ إلَّا قُلْته يُرَدُّ بِأَنَّ الْعَدَمَ الْإِضَافِيَّ يُفِيدُ نَفْيَ مَا كَانَ مُحْتَمِلًا الثُّبُوتَ ، إفَادَةً ظَاهِرَةً ، وَلِذَا صَحَّ وُرُودُهُ فِي النُّعُوتِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْقُرْآنِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } ، وَالْخَاصِّيَّةُ مِنْ الْمَاهِيَّاتِ الْجَعْلِيَّةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ يَصِحُّ كَوْنُهَا عَدَمِيَّةً ،

وَلِذَا لَمْ يَتَعَقَّبْ الْأَشْيَاخُ حَدَّ الْقَاضِي الْقِيَاسَ بِقَوْلِهِ حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهَا بِاشْتِمَالِهِ عَلَى قَيْدَيْنِ عَدَمِيَّيْنِ ، مَعَ كَثْرَةِ إيرَادِ الْأَسْئِلَةِ عَلَيْهِ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ عَرَّفَ بَعْضُهُمْ الْغَصْبَ بِأَنَّهُ رَفْعُ الْيَدِ الْمُسْتَحِقَّةِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ قَهْرًا .
وَقِيلَ وَضْعُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ قَهْرًا ، وَيَنْبَغِي عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ أَنَّ الْغَاصِبَ مِنْ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ عَلَى الثَّانِي ، لَا عَلَى الْأَوَّلِ ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْفَعْ الْيَدَ الْمُسْتَحِقَّةَ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ بِالْأَخْذِ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَالِ وَإِنْ يُجِزْهُ الْغَاصِبُ لِنَفْسِهِ بِالْفِعْلِ ، فَإِذَا اسْتَوْلَى الظَّالِمُ عَلَى مَالِ شَخْصٍ قَهْرًا تَعَدِّيًا فَاسْتِيلَاؤُهُ غَصْبٌ ، وَلَوْ أَبْقَاهُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ رَبُّهُ فِيهِ .
الثَّانِي : فِي الْمُقَدِّمَاتِ التَّعَدِّي عَلَى رِقَابِ الْأَمْوَالِ سَبْعَةُ أَقْسَامٍ لِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا حُكْمٌ يَخُصُّهُ ، وَهِيَ كُلُّهَا مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا ، وَهِيَ الْحِرَابَةُ وَالْغَصْبُ ، وَالِاخْتِلَاسُ وَالسَّرِقَةُ وَالْخِيَانَةُ وَالْإِدْلَالُ وَالْجَحْدُ .
الثَّالِثُ : فِي التَّنْبِيهَاتِ الْغَصْبُ يُطْلَقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى أَخْذِ كُلِّ مِلْكٍ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ مِنْ ذَوَاتٍ أَوْ مَنَافِعَ ، وَكَذَلِكَ التَّعَدِّي سِرًّا أَوْ جَهْرًا أَوْ اخْتِلَاسًا أَوْ سَرِقَةً أَوْ خِيَانَةً أَوْ قَهْرًا ، غَيْرَ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي أَخْذِ أَعْيَانِ الْمُتَمَلَّكَاتِ بِغَيْرِ رِضَا أَرْبَابِهَا وَغَيْرِ مَا يَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مِنْ غَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ ، وَاسْتُعْمِلَ التَّعَدِّي عُرْفًا فِي التَّعَدِّي عَلَى عَيْنِهَا أَوْ مَنَافِعِهَا ، سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُتَعَدِّي فِي ذَلِكَ يَدٌ بِإِذْنِ أَرْبَابِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْقِرَاضِ وَالْوَدَائِعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّنَّاعِ وَالْبَضَائِعِ وَالْعَوَارِيِّ وَفَرَّقَ

الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ الْمَغْصُوبَ يَوْمَ غَصْبِهِ لِأَنَّهُ يَوْمُ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَالْمُتَعَدِّيَ يَوْمَ التَّعَدِّي وَأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ الْفَسَادَ الْيَسِيرَ وَالْمُتَعَدِّيَ لَا يَضْمَنُ إلَّا الْكَثِيرَ ، وَأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ يَضْمَنُ كِرَاءَ مَا تَعَدَّى عَلَيْهِ وَأُجْرَتَهُ بِكُلِّ حَالٍ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ فِي الْغَاصِبِ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ ، وَفِي هَذِهِ الْأُصُولِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا مَعْلُومٌ .
الرَّابِعُ : ابْنُ عَرَفَةَ مَعْرِفَةُ حُرْمَتِهِ فِي الدِّينِ ضَرُورِيَّةٌ لِأَنَّ حِفْظَ الْأَمْوَالِ إحْدَى الْكُلِّيَّاتِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ الْمِلَلُ عَلَيْهَا .

وَأُدِّبَ مُمَيِّزٌ كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ

وَأُدِّبَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً ( غَاصِبٌ مُمَيِّزٌ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا وَلَوْ صَبِيًّا بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ بَيْنَ الْعِبَادِ كَتَأْدِيبِهِ عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا تَحْقِيقًا لِلْإِصْلَاحِ وَتَهْذِيبًا لِلْأَخْلَاقِ ، وَتُضْرَبُ الْبَهَائِمُ لِلِاسْتِصْلَاحِ وَالتَّهْذِيبِ ، وَمَفْهُومُ مُمَيِّزٍ عَدَمُ تَأْدِيبِ غَيْرِهِ .
" ق " ابْنُ رُشْدٍ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ عَنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، إلَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ ، فَإِنَّ الْأَدَبَ يَسْقُطُ عَنْهُ لِحَدِيثِ { رُفِعَ الْقَلَمُ } .
الْحَدِيثَ .
وَقِيلَ إنَّ الْإِمَامَ يُؤَدِّبُهُ كَمَا يُؤَدَّبُ الصَّغِيرُ فِي الْمَكْتَبِ وَيُؤْخَذُ بِحَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ .
وَقِيلَ إنَّ مَا أَصَابَهُ هَدَرٌ كَالْبَهِيمَةِ الْعَجْمَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ .
ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ شَعْبَانَ وَغَيْرُهُمْ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ .
فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ السِّنَّ فَفِي سُقُوطُ أَدَبِهِ لِرَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُ وَثُبُوتُهُ كَمَا يُؤَدَّبُ فِي الْمَكْتَبِ قَوْلَانِ وَالْغَصْبُ بَيْنَ الْكَافِرِينَ كَالْغَصْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ .
ابْنُ شَعْبَانَ وَكَذَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ ، وَفِي اغْتِصَابِ الْوَالِدِ مِنْ وَلَدِهِ خِلَافٌ ، وَبِهَذَا أَقُولُ وَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِمَالِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي حَمَالَتِهَا ، وَيَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ مَا كَسَرَهُ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ اخْتَلَسَهُ وَمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ ، وَفِيهَا مَنْ أَوْدَعْته حِنْطَةً فَخَلَطَهَا صَبِيٌّ أَجْنَبِيٌّ بِشَعِيرٍ لِلْمُودَعِ ضَمِنَ الصَّبِيُّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَفِي ذِمَّتِهِ وَفِي دِيَاتِهَا وَإِذَا جَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ

عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِسَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ كُلُّهُ خَطَأٌ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ إنْ بَلَغَ الثُّلُثَ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ فَفِي مَالِهِ يُتَّبَعُ بِهَا دَيْنًا فِي عُدْمِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ فَفِي إهْدَارِ جِنَايَتِهِ فِي الدَّمِ وَالْمَالِ كَالْعَجْمَاءِ أَوْ كَالْمُمَيِّزِ ، ثَالِثُهَا إهْدَارُ مَا أَصَابَ مِنْ مَالٍ وَاعْتِبَارُ مَا أَصَابَ مِنْ الدَّمِ .
وَشَبَّهَ فِي التَّأْدِيبِ فَقَالَ ( كَ ) شَخْصٍ ( مُدَّعِيهِ ) أَيْ الْغَصْبَ ( عَلَى ) شَخْصٍ ، ( صَالِحٍ ) أَيْ عَدْلٍ لَا يُتَّهَمُ بِالْغَصْبِ فَيُؤَدَّبُ لَهُ لِجِنَايَتِهِ عَلَى عِرْضِهِ ، فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْهَا ، وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ غَصْبًا وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ بِهِ عُوقِبَ الْمُدَّعِي .
ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ آخِرَ سَرِقَتَهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَمِمَّنْ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِهَذَا أُدِّبَ الَّذِي ادَّعَى ذَلِكَ .
قُلْت ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ .
وَفِي النَّوَادِرِ إنَّمَا يُؤَدَّبُ الْمُدَّعِي عَلَى غَيْرِ مُتَّهَمٍ بِالسَّرِقَةِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ ، أَمَّا عَلَى وَجْهِ الشَّكْوَى فَلَا أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .

وَفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ : قَوْلَانِ .

( وَفِي حَلِفِ ) الشَّخْصِ ( الْمَجْهُولِ ) حَالُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَغَرِمَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَعَدَمُ حَلِفِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ وَاسْتُظْهِرَ ( قَوْلَانِ ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا فِيهَا عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهَا ، وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِذَلِكَ نَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ وَأَحْلَفَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ا هـ .
أَبُو الْحَسَنِ ابْنُ يُونُسَ النَّاسُ فِي هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ هُدِّدَ وَسُجِنَ ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا حَلَفَ وَفَائِدَةُ تَهْدِيدِهِ لَعَلَّهُ يُخْرِجُ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ إذَا كَانَ تُعْرَفُ عَيْنُهُ .
وَأَمَّا مَا لَا تُعْرَفُ فَلَا فَائِدَةَ لِتَهْدِيدِهِ إذْ لَوْ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَلَا يُؤْخَذُ حَتَّى يُقِرَّ آمِنًا ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَسَطِ النَّاسِ لَا يَلِيقُ بِهِ غَصْبٌ فَلَا تَلْزَمُهُ يَمِينٌ وَلَا يَلْزَمُ رَامِيهِ بِهِ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ لَزِمَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ الْأَدَبُ ا هـ .
وَفِي آخِرِ كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ النُّكَتِ بَعْضُ شُيُوخِنَا مَنْ اُتُّهِمَ بِالسَّرِقَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ، مُبَرَّزٌ بِالْعَدَالَةِ وَالْفَضْلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَيُؤَدَّبُ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَمُتَّهَمٌ مَعْرُوفٌ بِمِثْلِ هَذَا فَيَحْلِفُ وَيُهَدَّدُ وَيُسْجَنُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِيهِ ، وَرَجُلٌ مُتَوَسِّطُ الْحَالِ بَيْنَ هَذَيْنِ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ا هـ .
اللَّخْمِيُّ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ فَالْحُكْمُ فِي تَعْلِيقِ الْيَمِينِ بِهِ وَعُقُوبَتُهُ يَرْجِعُ إلَى حَالِهِ ، فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ عُوقِبَ الْمُدَّعِي ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ وَأَشْكَلَ حَالُهُ فَلَا يُعَاقَبُ الْمُدَّعِي وَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشْبِهُهُ ذَلِكَ وَيُسَاءُ بِهِ الظَّنُّ يَحْلِفُ وَلَا

يُعَاقَبُ الْمُدَّعِي .
فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالتَّعَدِّي وَالْغَصْبِ يَحْلِفُ وَيُضْرَبُ وَيُسْجَنُ ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْجُحُودِ تُرِكَ وَاخْتُلِفَ إذَا اعْتَرَفَ بَعْدَ التَّهْدِيدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ، قِيلَ لَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ .
وَقِيلَ إنْ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أُخِذَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا .
وَقَالَ سَحْنُونٌ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَمْ لَمْ يُعَيِّنْهُ ، قَالَ وَلَا يَعْرِفُ هَذَا إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ ، أَيْ الْقَضَاءِ وَمَا شَابَهَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ كَانَ بِوَجْهٍ جَائِرٍ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ الْحَقِّ عُقُوبَتُهُ وَسَجْنُهُ إذَا عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنَّمَا الْإِكْرَاهُ الَّذِي لَا يُؤَاخَذُ بِهِ مَا كَانَ ظُلْمًا أَنْ يُضْرَبَ وَيُهَدَّدَ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ بِهِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْقِتَالِ وَالسَّيْفِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ كَالطَّائِعِ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ بِحَقٍّ ، وَلَوْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ إسْلَامُهُ إسْلَامًا إنْ رَجَعَ عَنْهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ لِلْإِكْرَاهِ لِأَنَّ الذِّمَّةَ الَّتِي عُقِدَتْ لَهُمْ تَمْنَعُ إكْرَاهَهُمْ فَإِكْرَاهُهُمْ ظُلْمٌ .
ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ فَلَا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا ، وَاخْتُلِفَ فِي عُقُوبَةِ مُتَّهِمِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ ، ثُمَّ قَالَ قَالَ الْبَاجِيَّ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَجْهُولَ الْحَالِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا أَدَبَ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ، وَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ دُونَ يَمِينٍ أَفَادَهُ الْحَطّ .

وَضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ ، وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ : كَأَنْ مَاتَ ، أَوْ قُتِلَ عَبْدٌ قِصَاصًا ، أَوْ رَكِبَ ، أَوْ ذَبَحَ

( وَضَمِنَ ) الْغَاصِبُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ ( بِ ) مُجَرَّدِ ( الِاسْتِيلَاءِ ) عَلَيْهِ وَحَوْزِهِ وَلَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ } لِأَنَّ عَلَى لِلْوُجُوبِ وَقَدْ رَتَّبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَصْفِ الْأَخْذِ فَأَفَادَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ .
" ق " ابْنُ عَرَفَةَ مُجَرَّدُ حُصُولِ الْمَغْصُوبِ فِي حَوْزِ الْغَاصِبِ يُوجِبُ ضَمَانَهُ ، وَلَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ .
ابْنُ يُونُسَ يَضْمَنُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ وَإِنْ هَلَكَ مِنْ سَاعَتِهِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ دَارًا فَانْهَدَمَتْ .
ابْنُ عَرَفَةَ مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ هُوَ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ .
رَوَى ابْنُ وَهْبٍ مَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ ضَمِنَهُ ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ غَصَبَ دَارًا فَلَمْ يَسْكُنْهَا حَتَّى انْهَدَمَتْ غَرِمَ قِيمَتَهَا ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَمُجَرَّدُ حُصُولِ الْمَغْصُوبِ فِي حَوْزِ الْغَاصِبِ يُوجِبُ ضَمَانَهُ وَلَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَفِيهَا مَا مَاتَ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ انْهَدَمَ مِنْ رَبْعٍ بِيَدِ غَاصِبِهِ بِقُرْبِ غَصْبِهِ أَوْ بِغَيْرِ قُرْبِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ ، وَإِنْ تَعَيَّبَ يَضْمَنُ تَمَامَ قِيمَتِهِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَكُونُ بِالتَّفْوِيتِ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ ، فَالْمُبَاشَرَةُ كَالْقَتْلِ ، وَالْأَكْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ ، وَفِي الْعَقَارِ بِالِاسْتِيلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ .
قُلْت قَالُوا ضَمِيرُ يَكُونُ عَائِدٌ عَلَى الضَّمَانِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُهُ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ وَجْهَيْ إثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ سَبَبٌ اتِّفَاقًا ، وَهُوَ نَقْلُ مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ

يَنْقُلُهَا الْغَاصِبُ فَتَهْلِكُ تَحْتَ يَدِهِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَوْلُهُ فِي الْعَقَارِ بِالِاسْتِيلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا خِلَافُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
قُلْت فَحَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِيهِ أَنَّ غَيْرَ الْعَقَارِ لَا يَتَقَرَّرُ فِيهِ الضَّمَانُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ ، وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ كَذَلِكَ ، بَلْ مُجَرَّدُهُ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ يُوجِبُهُ ، فَلَوْ غَصَبْتَهُ أَمَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمُتَمَلَّكَاتِ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا دُونَ رَبِّهَا ضَمِنَهَا رِوَايَاتُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهَذَا لِمَنْ تَأَمَّلَهَا ، مِنْهَا قَوْلُ الْبَاجِيَّ ، رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ ضَمِنَهُ ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ غَصَبَ دَارًا فَلَمْ يَسْكُنْهَا حَتَّى انْهَدَمَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا .
قُلْت كَذَا فِي النَّوَادِرِ ، قَالَ وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ .
ابْنُ عَبْدُوسٍ وَقَالَهُ أَشْهَبُ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا .
ا هـ .
" غ " تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ وَعِبَارَتُهُمَا مَنْسُوجَةٌ عَلَى مِنْوَالِ وَجِيزِ الْغَزَالِيِّ فِي هَذَا الْمَحِلِّ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا أَوْ رَكِبَ يَحْتَمِلُ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْغَاصِبِ اسْتِيلَاءٌ عَلَى الْمَغْصُوبِ ( فَتَرَدُّدٌ ) فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ ، وَقَدْ يُمَثَّلُ لِهَذَا بِمَنْ فَتَحَ بَابَ دَارٍ فِيهَا دَوَابُّ وَأَهْلُهَا فِيهَا فَذَهَبَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِوُجُودِ الْحَافِظِ ، وَيَضْمَنُ عِنْدَ أَشْهَبَ إنْ كَانَتْ مُسَرَّحَةً لِتَيَسُّرِ خُرُوجِهَا قَبْلَ عِلْمِ أَهْلِ الدَّارِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَالَهُ الشَّارِحُ وَتَبِعَهُ تت ، وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ لَا يُنَاسِبُ تَعْبِيرَهُ بِتَرَدُّدٍ .
وَقَالَ " غ " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ

الْغَاصِبُ مُمَيِّزًا ، بَلْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَقَدْ تَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَلْ الْخِلَافُ فِي تَضْمِينِهِ كَمَا فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ فِي الْمُخْرِجِ لَهُ إلَى التَّمْيِيزِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَقِيلَ الْمَالُ فِي مَالِهِ وَالدَّمُ عَلَى عَاقِلَتِهِ .
وَقِيلَ الْمَالُ هَدَرٌ كَالْمَجْنُونِ .
وَقِيلَ كِلَاهُمَا هَدَرٌ ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ جَعَلَ مَوْرِدَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمَ التَّمْيِيزِ وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْفِقْهِ ، غَيْرَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ لَا تُسَاعِدُهُ ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضُوا لِلتَّحْدِيدِ فِيهَا بِالسِّنِينَ ، فَقِيلَ ابْنُ سَنَتَيْنِ ، وَقِيلَ ابْنُ سَنَةٍ وَنِصْفٍ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَبِلَهُ الْمُوَضِّحُ وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا .
وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ قَوْلُهُ وَالرِّوَايَاتُ لَا تُسَاعِدُهُ يُرَدُّ بِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ ، إذْ قَالَ لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ حُكْمَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ابْنِ سَنَةٍ وَنِصْفٍ وَنَحْوِهِ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَالِ وَالدَّمِ وَحُكْمَ الْمَجْنُونِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ سَوَاءٌ .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ، أَحَدُهَا : أَنَّ جِنَايَتَهُمْ عَلَى الْمَالِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَعَلَى الدَّمِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَفِي أَمْوَالِهِمْ .
وَالثَّانِي أَنَّهَا هَدَرٌ فِي الْمَالِ وَالدَّمِ .
وَالثَّالِثُ : تَفْرِقَتُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَالدَّمِ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي ضَمَانِهِ مَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَإِنَّ عَمْدَهُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الدَّمِ خَطَأٌ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةِ ذَلِكَ فِي مَالِهِ مَا نَقَصَ عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ .
وَأَمَّا الْكَبِيرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ فِي جِنَايَتِهِ فِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ حُكْمُ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ فَيَضْمَنُ مَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِيمَا جَنَاهُ عَمْدًا مِنْ الدِّمَاءِ .

( تَنْبِيهٌ ) قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَفِي الْمَجْنُونِ عَلَى حَدِّ سَوَاءٍ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهَا فِي الْمَجْنُونِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ ، وَفِي رَسْمٍ مُرْضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا قَبْلَهُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَقِيلَ الْمَالُ هَدَرٌ كَالْمَجْنُونِ الْمُقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَجْرِي فِي الْمَجْنُونِ ، وَلَمْ يَتَنَازَلْ ابْنُ عَرَفَةَ لِهَذَا الْبَحْثِ ، وَإِنَّهُ لِمَنْ وَظِيفَتِهِ وَلَا مِرْيَةَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ اخْتَصَرَ هُنَا كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ الْمُخْتَصِرِ لِكَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ ، وَنَصُّهُ اُخْتُلِفَ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ ، فَقِيلَ مَا أَصَابَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ هَدَرٌ كَالْبَهِيمَةِ الْعَجْمَاءِ الَّتِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُرْحَهَا جُبَارًا .
وَقِيلَ مَا أَصَابَ مِنْ الْأَمْوَالِ فِي مَالِهِ وَمَا أَصَابَ مِنْ الدِّمَاءِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ إنْ بَلَغَ الثُّلُثَ ، وَحُكْمُ هَذَا حُكْمُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ .
ا هـ .
وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَا فِي الْبَيَانِ ، لِأَنَّ الْمَعْنَى وَحُكْمُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ فِي جَرَيَانِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ ، وَاخْتِصَارُ ابْنِ شَاسٍ لَا يَأْبَى هَذَا التَّأْوِيلَ لِأَنَّهُ نَقَلَ مَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى تَرْتِيبِهِ ، وَخَتَمَهُ بِقَوْلِهِ كَالْمَجْنُونِ فَلَا يَمْتَنِعُ انْطِبَاقُ هَذَا التَّشْبِيهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا حَتَّى يَرْجِعُ لِمَا فِي الْبَيَانِ .
وَلَمَّا فَهِمَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ التَّشْبِيهَ قَاصِرٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَلِيهِ وَقَدَّمَ وَأَخَّرَ تَحَوَّلَ الْمَعْنَى فَلْيَتَأَمَّلْهُ مَنْ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَالتَّحْقِيقِ ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ طفي إلَّا أَنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَى " غ " أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي اخْتِلَافِ الطَّرِيقِ يَكُونُ مَوْضُوعُهُ وَاحِدًا وَتَخْتَلِفُ الطُّرُقُ فِيهِ ، وَالْمَوْضُوعُ هُنَا مُتَعَدِّدٌ ، إذْ مِنْهُمْ مَنْ

حَكَى الْخِلَافَ فِي السِّنِّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَمَنْ حَكَاهُ فِي مَحِلٍّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَحِلِّ الْآخَرِ عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُعَدُّ طَرِيقَةً لِرَدِّهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ ( مَاتَ ) عَبْدٌ مَغْصُوبٌ بِيَدِ غَاصِبِهِ سَاعَةَ غَصْبِهِ فَيَضْمَنُهُ غَاصِبُهُ ( أَوْ قُتِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( عَبْدٌ ) تَنَازَعَ فِيهِ مَاتَ وَقُتِلَ قِصَاصًا فِي قَتِيلِهِ عَمْدًا بَعْدَ غَصْبِهِ فَيَضْمَنُهُ غَاصِبُهُ .
طفي كَذَا قَرَّرَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَوْ جَنَى قَبْلَ غَصْبِهِ وَقُتِلَ قِصَاصًا بَعْدَهُ فَلَا وَجْهَ لِضَمَانِهِ الْغَاصِبَ ، فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ جَنَى الْعَبْدُ قَبْلَ غَصْبِهِ جِنَايَةً وَبَعْدَهُ أُخْرَى عَلَى رَجُلَيْنِ فَقَالَ أَشْهَبُ يُخَيَّرُ رَبُّهُ ، فَإِنْ أَسْلَمَهُ لَهُمَا تَبِعَ الْغَاصِبَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الثَّانِي ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالْأَرْشَيْنِ وَتَبِعَ غَاصِبَهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ الثَّانِيَةِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ السَّابِقَةَ عَلَى غَصْبِهِ لَا يَضْمَنُهَا الْغَاصِبُ .
" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا مَاتَ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ انْهَدَمَ مِنْ الرَّبْعِ بِيَدِ غَاصِبِهِ بِقُرْبِ غَصْبِهِ أَوْ بِغَيْرِ قُرْبِهِ بِغَيْرِ سَبَبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَوْتُ الْمَغْصُوبِ بِحَقِّ قِصَاصٍ أَوْ حِرَابَةٍ كَمَوْتِهِ .
( أَوْ رَكِبَ ) الْغَاصِبُ الدَّابَّةَ الْمَغْصُوبَةَ فَهَلَكَتْ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا ، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ سَابِقِهِ بِالْأَوْلَى .
ابْنُ شَاسٍ مِنْ مُوجَبِ الضَّمَانِ إثْبَاتُ الْيَدِ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ إلَّا فِي الدَّابَّةِ فَيَكْفِي فِيهَا الرُّكُوبُ وَيَثْبُتُ

الْغَصْبُ فِي الْعَقَارِ بِالدُّخُولِ وَإِزْعَاجِ الْمَالِكِ وَبِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهُ ( أَوْ ذَبَحَ ) الْغَاصِبُ الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ إنْ شَاءَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مَذْبُوحًا وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ .
تت فِي قَوْلِهِ أَوْ رَكِبَ أَوْ ذَبَحَ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ مُضَمَّنٌ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْجَلَّابُ مَنْ غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَكَانَ لَهُ أَكْلُهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مَذْبُوحَةً وَحَيَّةً ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّ ذَبْحَهَا فَوْتٌ يُوجِبُ قِيمَتَهَا لَمْ أَعْرِفْهُ فِي الذَّبْحِ نَصًّا ، بَلْ تَخْرِيجًا مِمَّا حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ فِي طَحْنِ الْقَمْحِ ، ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ رَبَّهَا مُخَيَّرٌ ، هَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الصُّبْرَةِ ، وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَا ذَكَرَ فِي أَنَّ لِرَبِّهَا أَخْذَهَا مَذْبُوحَةً خِلَافًا .
طفي لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ كَأَنْ مَاتَ إلَخْ مِثَالٌ لِلْمُفَوِّتِ الَّذِي يُوجِبُ الضَّمَانَ عِنْدَهُ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُفَوِّتٍ ، فَقَوْلُهُ أَوْ رَكِبَ دَابَّةً إنْ عَنَى بِهِ مُجَرَّدَ الرُّكُوبِ فَقَدْ أَوْقَعَهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ مَعَ مُنَاقَضَتِهِ لِقَوْلِهِ وَضَمِنَهُ بِالِاسْتِيلَاءِ ، وَعَلَى هَذَا يَأْتِي إشْكَالُ تت ، وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَ التَّوْضِيحِ .
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَائِلًا مَا حَكَاهُ مِنْ أَنَّ ذَبْحَهَا مُفِيتٌ يُوجِبُ قِيمَتَهَا لَمْ أَعْرِفْهُ نَصًّا ، فَقَوْلُ تت فِيهِمَا إشْكَالٌ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي هَذِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى عَلَى وَجْهٍ كَمَا سَبَقَ ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ إنْكَارِ ابْنِ عَرَفَةَ لَا مِمَّا قَالَهُ ، فَقَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ ، ثُمَّ إنْ

جَمْعًا مِنْ شَارِحِيهِ قَرَّرُوهُ عَلَى أَنَّهُ فِي الذَّبْحِ بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِهَا مَذْبُوحَةً ، وَمَا نَقَصَهَا الذَّبْحُ أَوْ إلْزَامِهِ قِيمَتَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ أَخْذَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا نَقَصَهَا ، وَإِنَّمَا الْقَائِلُ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَطْ .
اللَّخْمِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مَذْبُوحَةً وَلَا شَيْءَ لَهُ أَوْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا ، قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَخَذَ بِهِ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَهُ أَخْذُهُ وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا وَحَيًّا .
ا هـ .
وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ ، وَلَمْ يَعْزِ ابْنُ شَاسٍ وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ أَخْذَهَا وَمَا نَقَصَهَا إلَّا لِابْنِ مَسْلَمَةَ ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي .

أَوْ جَحَدَ وَدِيعَةً ، أَوْ أَكَلَ بِلَا عِلْمٍ

( أَوْ جَحَدَ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ ( وَدِيعَةً ) ثُمَّ تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ فَيَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا لَهَا يَجْحَدُهَا ابْنُ شَاسٍ جَحْدُهَا مِنْ مَالِكِهَا بَعْدَ طَلَبِهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهَا مُوجِبٌ لِضَمَانِهَا ، بِخِلَافِ جَحْدِهَا مِنْ غَيْرِهِ ( أَوْ أَكَلَ ) مِنْ شَخْصٍ الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ حَالَ كَوْنِهِ مُتَلَبِّسًا ( بِلَا عِلْمٍ ) بِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ عَدِيمًا أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَغْرِيمِهِ ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْآكِلُ عَلَى الْغَاصِبِ لِمُبَاشَرَتِهِ إتْلَافَهُ ، فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا ضَمِنَهُ غَاصِبُهُ لِتَسَبُّبِهِ فِي إتْلَافِهِ .
" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ غَصَبَ طَعَامًا أَوْ إدَامًا أَوْ ثِيَابًا ثُمَّ وَهَبَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ فَأَكَلَ الطَّعَامَ وَالْإِدَامَ وَلَبِسَ الثِّيَابَ حَتَّى أَبْلَاهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ رَجُلٌ فَلْيَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى الْوَاهِبِ إنْ كَانَ مَلِيًّا ، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ .
ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ أَشْهَبُ يَتَّبِعُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمُشْتَرِي يَأْكُلُ الطَّعَامَ أَوْ يَلْبَسُ الثِّيَابَ أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَتَّبِعَ أَيَّهُمَا وَيَبْتَدِئَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ غَيْرَ غَاصِبٍ فَلَا يَتَّبِعُ إلَّا الْمَوْهُوبَ الْمُنْتَفِعَ .
ابْنُ يُونُسَ هَذَا خِلَافٌ فِي مُكْرِي الْأَرْضِ يُحَابِي فِي كِرَائِهَا ثُمَّ يَطْرَأُ لَهُ أَخٌ يُشْرِكُهُ ، وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالْمُحَابَاةِ عَلَى أَخِيهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ رَجَعَ عَلَى الْمُكْتَرِي فَقَدْ سَاوَى فِي هَذَا بَيْنَ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرِهِ ، وَهَذَا أَصْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ أَوَّلًا عَلَى الْوَاهِبِ إلَّا أَنْ يَعْدَمَ فَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ عَالِمًا بِالْغَاصِبِ

فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ ، وَيَرْجِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ .
ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَقْيَسُ وَلَا يَكُونُ الْمَوْهُوبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَبِهِ أَقُولُ .

أَوْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا تَعَدِّيًا ، وَقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي ، إلَّا لِمُعَيِّنٍ فَسِيَّانِ ،

( أَوْ أَكْرَهَ ) شَخْصٌ شَخْصًا ( غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ ) أَيْ إتْلَافِ شَيْءٍ لِغَيْرِ الْمُكْرَهِ فَيَضْمَنُهُ الْمُكْرِهُ بِالْكَسْرِ إنْ كَانَ الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ عَدِيمًا ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَغْرِيمِهِ ، وَإِلَّا فَيَضْمَنُهُ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشِرِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ .
" ق " سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْعُمَّالِ أَكْرَهَ رَجُلًا أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ رَجُلٍ لِيُخْرِجَ مِنْهُ مَتَاعًا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ عُزِلَ ذَلِكَ الْعَامِلُ الْغَاصِبُ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ طَلَبُ مَالِهِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمَا ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُبَاشِرِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ ، وَلِلْمُبَاشِرِ طَلَبُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَائِبًا لِأَنَّهُ يَقُولُ أَنَا الْمَأْخُوذُ بِهِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذَا نَظَرٌ ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ يُوقَفُ لِصَاحِبِهِ عِنْدَ أَمِينٍ ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ الْمُبَاشِرُ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ تَمْكِينُهُ مِنْهُ وَلِسَحْنُونٍ أَيْضًا مَنْ أَكْرَهَ عَلَى رَمْيِ مَالِ غَيْرِهِ فِي مَهْلَكَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ رَبِّهِ بِلَا إكْرَاهٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ ، وَإِنْ أَكْرَهَ رَبَّهُ عَلَى الْإِذْنِ فَالْفَاعِلُ ضَامِنٌ ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْفَاعِلِ إذَا أَيْسَرَ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ عَدِيمًا أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَى الْآمِرِ الْمُكْرِهِ هُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي نَوَازِلِهِ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَالَ الْمُكْرَهَ عَلَى أَخْذِهِ قَبَضَهُ الْآمِرُ الْمُكْرِهُ فِي مَسْأَلَةِ نَوَازِلِهِ فَنَاسَبَ كَوْنَهُ أَحَدَ الْغَرِيمَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ .
اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ وَالْمَالُ الْمُكْرَهُ عَلَى أَخْذِهِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَيْسَ مَآلُهُ لِانْتِفَاعِ الْآمِرِ بِهِ ، فَنَاسَبَ كَوْنَ غُرْمِهِ مَشْرُوطًا بِفَلَسِ الْفَاعِلِ .
فَإِنْ قُلْت فِي ضَمَانِ الْفَاعِلِ مَعَ اسْتِنَادِهِ لِإِذْنِ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ عَلَى إذْنِهِ نَظَرٌ

لِأَنَّ كُلًّا مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ وَإِذْنِ الْمَالِكِ سَبَبٌ عَنْ إكْرَاهِ الْآمِرِ لَهُمَا ، فَإِنْ كَانَ فِعْلُ الْمُكْرَهِ لَغْوًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا كَانَ إذْنُ الْمَالِكِ مُعْتَبَرًا ، وَمَتَى كَانَ مُعْتَبَرًا لَمْ يَكُنْ الْفَاعِلُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ .
قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَوْلًا كَانَ لَغْوًا ، وَإِنْ كَانَ فِعْلًا كَانَ مُعْتَبَرًا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الزِّنَا وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْفَاعِلِ فِعْلٌ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ ، وَفِي حَقِّ الْمَالِكِ قَوْلٌ يُوجِبُ لَغْوَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ ا هـ .
الْحَطّ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَالْإِكْرَاهُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ يُوجِبُ ضَمَانَهَا وَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّكْلِيفُ وَالْعِلْمُ ، فَلَا فَرْقَ فِي الْإِتْلَافِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ وَالْمُكْرَهِ وَالطَّائِعِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِلضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّهْدِيدِ وَالْإِكْرَاهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ يَنْفَعُهُ الرُّجُوعُ فِيهِ ا هـ .
وَفِي النَّوَادِرِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ ظَالِمٌ يَطْلُبُ إنْسَانًا مُخْتَفِيًا لِيَقْتُلَهُ أَوْ يَطْلُبُ وَدِيعَةَ إنْسَانٍ لِيَأْخُذَهَا غَصْبًا ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ إخْفَاؤُهُ وَإِنْكَارُ الْعِلْمِ بِهِ ا هـ .
ابْنُ نَاجِي يَجِبُ الْكَذِبُ لِإِنْقَاذِ مُسْلِمٍ أَوْ مَالِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ قَوْلُهُمْ الْكُفْرُ وَالْقَذْفُ لَا يُبَاحُ فِي الضَّرُورَةِ كَمَا أُبِيحَتْ الْمَيْتَةُ أَفْسَدُوهُ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ بِتَهْدِيدٍ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ يَخَافُ مِنْهُ تَلَفَهُ عَلَى أَخْذِ مَالِ فُلَانٍ يَدْفَعُهُ لِمَنْ أَمَرَهُ وَأَكْرَهَهُ أَنَّهُ فِي سَعَةٍ مِنْ أَخْذِ مَالِ الرَّجُلِ وَدَفْعِهِ إلَيْهِ وَيَضْمَنُ الْآمِرُ وَلَا يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ .
قَالَ مَنْ حَالَفْنَا وَإِنَّمَا يَسَعُهُ هَذَا مَا دَامَ

حَاضِرًا عِنْدَ الْآمِرِ ، فَلَوْ أَرْسَلَهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ فَخَافَ إنْ ظَفِرَ بِهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ فَلَا يَسَعُهُ فِعْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ رَسُولُ الْآمِرِ فَخَافَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَيَكُونُ كَالْحَاضِرِ .
مُحَمَّدٌ إنْ رَجَا الْمُكْرَهُ الْخَلَاصَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَسَعُهُ الْفِعْلُ كَانَ مَعَهُ رَسُولٌ أَمْ لَا ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ نُزُولَ الْفِعْلِ بِهِ وَسِعَهُ كَانَ مَعَهُ رَسُولٌ أَمْ لَا ، وَإِنْ هَدَّدَهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَالَ مُسْلِمٍ بِدَفْعِهِ لَهُ فَأَبَى فَقَتَلَهُ كَانَ عِنْدَنَا فِي سَعَةٍ وَإِنْ أَخَذَهُ كَانَ فِي سَعَةٍ .
( أَوْ حَفَرَ بِئْرًا تَعَدِّيًا ) بِأَنْ حَفَرَهَا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَتَلِفَ فِيهَا آدَمِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ فَيَضْمَنُهُ حَافِرُهَا لِتَسَبُّبِهِ فِي تَلَفِهِ ، وَمَفْهُومُ تَعَدِّيًا أَنَّهُ لَوْ حَفَرَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا يَهْلِكُ فِيهَا وَهُوَ كَذَلِكَ .
وَ ) إنْ حَفَرَ بِئْرًا تَعَدِّيًا وَأَرْدَى غَيْرُهُ فِيهَا آدَمِيًّا أَوْ حَيَوَانًا ( قُدِّمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا فِي الضَّمَانِ الشَّخْصُ ( الْمُرْدِي ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ ، أَيْ الْمُسْقِطُ عَلَى الْحَافِرِ ، لِأَنَّ الْمُرْدِيَ مُبَاشِرٌ وَالْحَافِرَ مُتَسَبِّبٌ ، وَالْأَوَّلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّانِي فِيهِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا ) الْحَافِرَ تَعَدِّيًا ( لِ ) قَصْدِ إتْلَافِ شَخْصٍ ( مُعَيَّنٍ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا وَأَرْدَاهُ غَيْرُهُ فِيهَا فَمَاتَ ( فَ ) الْحَافِرُ وَالْمُرْدِي ( سِيَّانِ ) بِكَسْرِ السِّينِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ فِي الْقِصَاصِ مِنْهُمَا إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ آدَمِيًّا وَضَمَانِ الْقِيمَةِ إنْ كَانَ غَيْرَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا مَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ غَيْرَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ ، أَوْ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ لِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ ضَمِنَ مَا هَلَكَ بِذَلِكَ .
" ق " وَنَصَّهَا مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ حَفَرَ حَفِيرًا فِي دَارِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَطِبَ فِيهِ إنْسَانٌ

ضَمِنَهُ الْحَافِرُ ، وَإِذَا حَفَرَ حَفِيرًا فِي دَارِهِ أَوْ جَعَلَ حِبَالَةً لِيُعْطِبَ بِهَا سَارِقًا فَعَطِبَ بِهِ السَّارِقُ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ .
أَشْهَبُ لِأَنَّهُ احْتَفَرَ لِمَا لَا يَحِلُّ .
مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِنْ جَعَلَ فِي حَائِطِهِ حَفِيرًا لِلسِّبَاعِ أَوْ حِبَالَةً فَلَا يَضْمَنُ مَا يَعْطَبُ بِهِ مِنْ سَارِقٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ جَعَلَ بِبَابِ جِنَانِهِ نُصُبًا تَدْخُلُ فِي رِجْلِ مَنْ يَدْخُلُهُ أَوْ اتَّخَذَ تَحْتَ عَتَبَتِهِ مَسَامِيرَ لِمَنْ يَدْخُلُ أَوْ رَشَّ مَاءً يُرِيدُ بِهِ زَلْقَ مَنْ يَسْلُكُهُ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ إنْسَانٍ أَوْ اتَّخَذَ فِيهِ كَلْبًا عَقُورًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أُصِيبَ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَوْ رَشَّهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ مَا يَعْطَبُ بِهِ كَحَافِرِ بِئْرٍ فِي دَارِهِ لِحَاجَتِهِ لَا لِإِرْصَادِ سَارِقٍ فَهُوَ مُفْتَرِقٌ .
ابْنُ شَاسٍ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَحِلٍّ عُدْوَانًا فَتَرَدَّتْ فِيهِ بَهِيمَةٌ أَوْ إنْسَانٌ فَإِنْ رَدَاهُ غَيْرُهُ فَعَلَى الْمُرْدِي تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشِرِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ .
ابْنُ عَرَفَةَ كَذَا نَقَلَهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي مَسْأَلَةِ حَلِّ الْقَفَصِ الْآتِيَةِ وَعَارَضَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِتَسْوِيَةِ سَحْنُونٍ بَيْنَ الْمُكْرِهِ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ لَهُ مَالَ رَجُلٍ مِنْ بَيْتِهِ وَيَدْفَعَهُ لَهُ مَعَ أَنَّ الْمُكْرِهَ مُتَسَبِّبٌ وَالْمَأْمُورَ مُبَاشِرٌ .
وَأَجَابَ بِأَنَّ التَّسَبُّبَ بِالْإِكْرَاهِ أَشَدُّ مِنْ التَّسَبُّبِ بِالْحَفْرِ .
قُلْت الْحَقُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي مَسْأَلَةِ سَحْنُونٍ مُبَاشِرَانِ مَعًا ضَرُورَةَ مُبَاشَرَةِ الْآمِرِ الْمُكْرِهِ أَخْذَ الْمَالِ مِنْ مُخْرِجِهِ وَاسْتِقْرَارُهُ بِيَدِهِ وَالْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ الْعَالِمِ بِالْغَصْبِ غَاصِبٌ .
" ق " قَوْلُهُ إلَّا لِمُعَيَّنٍ فَسِيَّانِ هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ ابْنِ شَاسٍ .
وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ يُقْتَلُ الْمُرْدِي دُونَ الْحَافِرِ تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْتَلُ الْمُرْدِي إلَّا أَنْ عُلِمَ بِتَقَدُّمِ فِعْلِ الْحَافِرِ

وَقَصْدِهِ فَيَقْتُلَانِ مَعًا كَبَيِّنَةِ الزُّورِ مَعَ الْقَاضِي الْعَالِمِ بِزُورِهَا .
.

أَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ لِئَلَّا يَأْبَقَ أَوْ عَلَى غَيْرِ عَاقِلٍ ، إلَّا بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ ، أَوْ حِرْزًا لِمِثْلِيٍّ ، وَلَوْ بِغَلَاءٍ بِمِثْلِهِ

( أَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ ) قُيِّدَ ( لِئَلَّا يَأْبَقَ ) فَأَبَقَ فَيَضْمَنُهُ الْفَاتِحُ سَوَاءٌ أَبَقَ عَقِبَ فَتْحِهِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَمَفْهُومُ لِئَلَّا يَأْبَقَ أَنَّهُ لَوْ قُيِّدَ نَكَالًا فَلَا يَضْمَنُهُ مَنْ فَتَحَ قَيْدَهُ " ق " فِي لُقَطَتِهَا مَنْ حَلَّ عَبْدًا مِنْ قَيْدٍ قُيِّدَ بِهِ لِخَوْفِ إبَاقِهِ فَذَهَبَ الْعَبْدُ ضَمِنَ ( أَوْ ) فَتَحَ بَابًا ( عَلَى ) حَيَوَانٍ ( غَيْرِ عَاقِلٍ ) مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ طَيْرٍ فَذَهَبَ فَيَضْمَنُهُ الْفَاتِحُ لِتَسَبُّبِهِ فِي ضَيَاعِهِ " ق " فِي لُقَطَتِهَا مَنْ فَتَحَ بَابَ قَفَصٍ فِيهِ طَيْرٌ فَذَهَبَ الطَّيْرُ ضَمِنَ وَمَنْ حَلَّ دَوَابَّ مِنْ مَرَابِطِهَا فَذَهَبَتْ ضَمِنَهَا كَالسَّارِقِ يَدَعُ بَابَ الْحَانُوتِ مَفْتُوحًا وَلَيْسَ فِيهِ رَبُّهُ فَيَذْهَبُ مَا فِي الْحَانُوتِ فَالسَّارِقُ يَضْمَنُهُ ( إلَّا ) فَتْحَهُ ( بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ ) فَيَذْهَبُ مَا فِيهِ فَلَا يَضْمَنُهُ الْفَاتِحُ إلَّا الطَّيْرَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ عَادَةً " ق " فِي لُقَطَتِهَا مَنْ فَتَحَ بَابَ دَارٍ فِيهَا دَوَابُّ فَذَهَبَتْ ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مَسْكُونَةً فِيهَا أَهْلُهَا فَلَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَرْبَابُهَا فَيَضْمَنُ وَلَوْ كَانَ فِيهَا رَبُّهَا نَائِمًا فَلَا يَضْمَنُ ، وَكَذَلِكَ السَّارِقُ يَدَعُ الْبَابَ مَفْتُوحًا وَأَهْلُ الدَّارِ فِيهَا نِيَامٌ أَوْ غَيْرُ نِيَامٍ فَلَا يَضْمَنُ مَا ذَهَبَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا تَرَكَ الْبَابَ مَفْتُوحًا وَلَيْسَ أَرْبَابُ الْبَيْتِ فِيهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ فِي حَلِّ رِبَاطِ زِقٍّ مَمْلُوءٍ زَيْتًا لِرَجُلٍ أَبْقَاهُ مُسْتَنِدًا كَمَا وَجَدَهُ فَأَسْقَطَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ حَلَّهُ سَقَطَ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ أَوْ رِيحٍ وَضَمَّنُوا مَنْ أَسْقَطَهُ غَيْرَ قَاصِدٍ إتْلَافَ مَا فِيهِ ، لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ إتْلَافَهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَالْأَوْلَى اشْتِرَاكُهُمَا فِي ضَمَانِهِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ مَرْبُوطًا لَا يَذْهَبُ مَا فِيهِ ، وَلَوْ بَقِيَ مَحْلُولًا لَا يُسْقِطُهُ أَحَدٌ لَا يَذْهَبُ مَا فِيهِ لِأَنَّ التَّلَفَ إنَّمَا

حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَحْصُلْ فَهُمَا كَرَجُلَيْنِ أَخْرَجَا شَيْئًا ثَقِيلًا مِنْ حِرْزٍ لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِهِ مَعًا .
الصِّقِلِّيُّ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ مَنْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ رَجُلٍ فِي الصَّلَاةِ فَقَامَ رَبُّهُ وَهُوَ تَحْتَ الْجَالِسِ فَتَقَطَّعَ لَا ضَمَانَ عَلَى الْجَالِسِ إذْ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْ هَذَا بُدًّا فِي صَلَاتِهِمْ .
قُلْت وَالْأَظْهَرُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا كَمُحْرِمٍ جَلَسَ عَلَى صَيْدٍ مُحَرَّمٍ فَقَتَلَهُ ، وَفِي لُقَطَتِهَا مَنْ فَتَحَ بَابَ قَفَصٍ فِيهِ طَيْرٌ فَذَهَبَ الطَّيْرُ ضَمِنَ .
( أَوْ فَتَحَ حِرْزًا ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ بَيْتًا أَوْ حَانُوتًا أَوْ مَطْمُورًا أَوْ قَبْرًا مَثَلًا فِيهِ مَالٌ وَتَرَكَهُ مَفْتُوحًا فَذَهَبَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَضْمَنُهُ فَاتِحُهُ .
قَالَ الشَّارِحُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ فَقَالَ ( وَ ) يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الشَّيْءَ ( الْمِثْلِيَّ ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ إذَا عَيَّبَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ إذَا سَاوَى سِعْرُهُ وَقْتَ تَضْمِينِهِ سِعْرَهُ وَقْتَ غَصْبِهِ ، بَلْ ( وَلَوْ ) غَصَبَهُ ( بِغَلَاءٍ ) وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ وَقْتَ رَخَاءٍ فَيَضْمَنُهُ ( بِمِثْلِهِ ) أَيْ الْمِثْلِيِّ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا وَصِفَةً وَكَذَا عَكْسُهُ .
" ق " ابْنُ رُشْدٍ الْمِثْلِيُّ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ الَّذِي لَا تَخْتَلِفُ أَعْيَانُ عَدَدِهِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فِيهَا لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ غَصَبَ لِرَجُلٍ طَعَامًا أَوْ إدَامًا فَاسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ بِمَوْضِعِ غَصْبِهِ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هُنَاكَ مِثْلَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَمْرٍ جَائِزٍ .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إنْ غَصَبَهُ طَعَامًا مَا فِي شِدَّةٍ ثُمَّ صَارَ إلَى رَخَاءٍ هَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ وَعَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ فَيَغْرَمُ أَعْلَى الْقِيمَةِ .
الْمَازِرِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّ

الْحُكْمَ لَا يَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ وَيُقْضَى بِمِثْلِهِ ا هـ .
الْحَطّ هَذَا إذَا فَاتَ الْمَغْصُوبُ ، أَمَّا إذَا كَانَ مَوْجُودًا بِيَدِ الْغَاصِبِ وَأَرَادَ بِهِ أَخْذَهُ وَالْغَاصِبُ إعْطَاءَ مِثْلِهِ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا كَانَ الْحَرَامُ قَائِمًا عِنْدَ آخِذِهِ لَمْ يَفُتْ رُدَّ بِعَيْنِهِ إلَى رَبِّهِ وَمَالِكِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَيْ الْغَاصِبِ مَالٌ حَلَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ عَرْضًا وَلَا يُبَايِعُهُ فِيهِ إنْ كَانَ عَيْنًا وَلَا يَأْكُلُهُ إنْ كَانَ طَعَامًا وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ شَيْئًا هِبَةً وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ فِي حَقٍّ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عَالِمٌ كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْغَاصِبِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ تَخْيِيرَ صَاحِبِهِ فِي أَخْذِهِ ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ أَفَاتَهُ الْغَاصِبُ إفَاتَةً لَا تَقْطَعُ تَخْيِيرَ صَاحِبِهِ فِي أَخْذِهِ ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ شَاةً فَيَذْبَحَهَا أَوْ بُقْعَةً فَيَبْنِيَهَا دَارًا أَوْ ثَوْبًا فَيَخِيطَهُ أَوْ يَصْبُغَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
وَلَوْ أَفَاتَهُ إفَاتَةً يَلْزَمُهُ بِهَا الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَسَقَطَ خِيَارُ رَبِّهِ فِي أَخْذِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَفِضَّةٍ صَاغَهَا حُلِيًّا وَصُفْرٍ صَنَعَهُ قَدَحًا وَخَشَبٍ صَنَعَهُ تَوَابِيتَ أَوْ أَبْوَابًا وَصُوفٍ وَحَرِيرٍ وَكَتَّانٍ عَمِلَهُ ثِيَابًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمَا جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِخِلَافِ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِرَبِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَخْذُ فِضَّتِهِ مَصُوغَةً وَصُفْرِهِ مَصْنُوعًا وَخَشَبِهِ مَعْمُولًا وَصُوفِهِ وَحَرِيرِهِ وَكَتَّانِهِ مَنْسُوجًا دُونَ شَيْءٍ يَكُونُ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ } ، رُوِيَ بِتَنْوِينِ عِرْقٍ عَلَى أَنَّ ظَالِمًا نَعْتُهُ ، وَبِعَدَمِهِ لِإِضَافَتِهِ لَهُ ، وَفِي النُّكَتِ عِرْقُ الظَّالِمِ مَا يَحْدُثُ فِي الْمَغْصُوبِ .
ابْنُ شَعْبَانَ الْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ ظَاهِرَانِ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ ، وَبَاطِنَانِ الْآبَارُ وَالْعُيُونُ ابْنُ

بَشِيرٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ كَانَ مَالُهُ حَرَامًا أَوْ فِيهِ شُبْهَةٌ ، فَإِذَا أَرَادَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ أَخْذَ عَيْنِ دَنَانِيرِهِ وَدَرَاهِمِهِ مِنْ الْغَاصِبِ الَّذِي مَالُهُ حَرَامٌ أَوْ فِيهِ شُبْهَةٌ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ .
وَفِي الْجَلَّابِ وَمَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ فَوَجَدَهَا رَبُّهَا بِعَيْنِهَا وَأَرَادَ أَخْذَهَا وَأَبَى الْغَاصِبُ أَنْ يَرُدَّهَا وَأَرَادَ رَدَّ مِثْلَهَا فَذَلِكَ لِلْغَاصِبِ دُونَ رَبِّهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ ذَلِكَ لِرَبِّهَا دُونَ غَاصِبِهَا .
وَقَالَ غَيْرُهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا تُؤُوِّلَ عَلَيْهِ هَذَا فِي الْبَيْعِ وَلَا شُبْهَةَ ، وَهُوَ مَا فِي كِتَابِ السَّلَمِ فِيمَنْ أَسْلَمْته فِي طَعَامٍ ثُمَّ أَقَالَك قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَدَرَاهِمُك فِي يَدِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَك غَيْرَهَا فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كُنْت شَرَطْت عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعَهَا بِعَيْنِهَا سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ مَا فِي الْجَلَّابِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ .
التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَالْقَرَافِيِّ عَنْهَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِرَبِّهَا أَخْذَهَا فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَ الْمِثْلِيَّ وَيَدْفَعَ مِثْلَهُ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مُفَوِّتٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
.

وَصَبَرَ لِوُجُودِهِ ، وَلِبَلَدِهِ وَلَوْ صَاحَبَهُ ، وَمُنِعَ مِنْهُ لِلتَّوَثُّقِ ، وَلَا رَدَّ لَهُ : كَإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ مَعِيبًا زَالَ ، وَقَالَ أَجَزْت لِظَنِّ بَقَائِهِ : كَنُقْرَةٍ صِيغَتْ ، وَطِينٍ لُبِّنَ ، وَقَمْحٍ طُحِنَ ، وَبَذْرٍ زُرِعَ

( وَ ) إذَا غَصَبَ مِثْلِيًّا فِي إبَّانِهِ وَفَاتَ وَانْعَدَمَ الْمِثْلِيُّ بِفَوَاتِ إبَّانِهِ ( صَبَرَ ) الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ( لِوُجُودِهِ ) أَيْ الْمِثْلِيِّ فِي إبَّانِهِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْغَاصِبِ بِمِثْلِهِ قَبْلَ إبَّانِهِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَهُ ذَلِكَ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ فُقِدَ الْمِثْلِيُّ حِينَ طَلَبِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُهُ اللَّخْمِيُّ أَرَادَ أَنَّهُ يَصْبِرُ حَتَّى يُوجَدَ أَشْهَبُ يُخَيَّرُ الطَّالِبُ فِي الصَّبْرِ أَوْ الْقِيمَةِ ( وَ ) إذَا غَصَبَ مِثْلِيًّا فِي بَلَدٍ وَانْتَقَلَ الْغَاصِبُ لِبَلَدٍ آخَرَ وَلَقِيَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِيهِ صَبَرَ وُجُوبًا حَتَّى يَرْجِعَ الْغَاصِبُ ( لِبَلَدِهِ ) أَيْ الْغَصْبِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَغْصُوبُ مَعَ الْغَاصِبِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ ، بَلْ ( وَلَوْ صَاحَبَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبُ الْغَاصِبَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ فِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِثْلُهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ .
وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يُخَيَّرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْنَ أَخْذِهِ فِيهِ أَوْ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ قَرِيبًا مِنْ بَلَدِ الْغَصْبِ أَوْ بَعِيدًا مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ .
" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِنْ لَقِيَهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ هُنَاكَ بِمِثْلِهِ وَلَا قِيمَتِهِ ، وَإِنَّمَا لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ بِمَوْضِعِ غَصْبِهِ فِيهِ فِي الذَّخِيرَةِ نَقْلُ الْمَغْصُوبِ تَشَعَّبَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ وَاضْطَرَبَتْ فِيهِ الْآرَاءُ وَتَبَايَنَتْ بِنَاءً عَلَى مُلَاحَظَةِ أُصُولٍ وَقَوَاعِدَ ، مِنْهَا أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ كُلْفَةَ النَّقْلِ ، لِأَنَّ مَالَهُ مَعْصُومٌ كَمَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الطَّعَامِ يُسْرَقُ فَيَجِدُهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ بَلَدٍ

فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْغَاصِبَ أَوْ السَّارِقَ بِمِثْلِهِ فِي مَوْضِعِ سَرِقَتِهِ أَوْ غَصْبِهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ بِعَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ بِمَوْضِعِ نَقْلِهِ أَوْ يَأْخُذُ فِيهِ ثَمَنًا جَازَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ طَعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الطَّعَامُ مَعَهُ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَصْبِرُ لِقُدُومِهِ بَلَدَ الْغَصْبِ لِيُغَرِّمَهُ مِثْلَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي غَيْرِ الطَّعَامِ طَرِيقَانِ .
ابْنِ رُشْدٍ سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ نَقْلُهُ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ فَوْتٌ فِي الرَّقِيقِ وَالْعَرْضِ لَا الْحَيَوَانِ .
( وَ ) إذَا لَقِيَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ بِغَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ وَمَعَهُ الْمَغْصُوبُ ( مُنِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْغَاصِبُ ( مِنْ ) أَنْ يَتَصَرَّفَ بِنَحْوِ بَيْعِ الـ ( هـ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ الْمِثْلِيِّ ( لِلتَّوَثُّقِ ) عَلَى الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِرَهْنٍ أَوْ ضَامِنٍ اتِّفَاقًا " ق " أَصْبَغُ إنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَيُتَوَثَّقُ لِرَبِّ الطَّعَامِ بِحَقِّهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ لَقِيَ مَنْ غَصَبَهُ بِغَيْرِ بَلَدِ غَصْبِهِ وَالطَّعَامُ مَعَهُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْغَاصِبَ يُمْنَعُ مِنْهُ حَتَّى يُتَوَثَّقَ مِنْهُ .
( وَ ) إنْ طَلَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ الْغَاصِبِ رَدَّ الْمِثْلِيِّ لِبَلَدِ غَصْبِهِ لِيَأْخُذَهُ بِعَيْنِهِ فَ ( لَا رَدَّ لَهُ ) ابْنُ عَرَفَةَ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّهِ جَبْرُ الْغَاصِبِ عَلَى رَدِّهِ لِبَلَدِهِ ، وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ أَكْرَى مَلَّاحًا عَلَى حَمْلٍ تِينٍ مِنْ إشْبِيلِيَّةَ إلَى سَبْتَةَ فَحَمَلَهُ إلَى سَلَا يَغْرَمُ الْمَلَّاحُ مِثْلَ التِّينِ بِإِشْبِيلِيَّةَ ، وَحَمْلَهُ إلَى سَبْتَةَ فَقِيلَ لَهُ أَفْتَى غَيْرُك بِوُجُوبِ رَدِّ الْمَلَّاحِ إلَى سَبْتَةَ وَهُوَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهَا فَقَالَ ذَكَرَ هَذَا ابْنُ حَبِيبٍ ، وَمَا قُلْته هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : تت قَوْلُهُ وَلَا رَدَّ لَهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَصَبَرَ لِبَلَدِهِ .

الثَّانِي : الشَّارِحُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَا رَدَّ لَهُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ مِثْلِيٌّ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ وَحُكِمَ لَهُ بِقِيمَتِهِ ثُمَّ وُجِدَ الْمِثْلُ فَلَا يُرَدُّ لَهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَضَى ، قَالَ وَإِنَّمَا يَأْتِي هَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ مَنْ غَصَبَ خَشَبَةً مِنْ عَدَنَ وَأَوْصَلَهَا لِجُدَّةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلِرَبِّهَا تَكْلِيفُهُ رَدَّهَا أَوْ أَخَذَهَا بِعَيْنِهَا ا هـ تت فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْخَشَبَةُ مِنْ الْمُقَوَّمِ .
طفي الشَّارِحُ صَدَّرَ بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْمِثْلِ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ ثُمَّ وُجِدَ الْمِثْلُ فَإِنَّهُ لَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَضَى ، ثُمَّ ذَكَرَ الِاحْتِمَالَ الَّذِي قَرَّرَ بِهِ تت ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ مَنْ غَصَبَ خَشَبَةً مِنْ عَدَنَ وَأَوْصَلَهَا لِجُدَّةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلِرَبِّهَا أَنْ يُكَلِّفَهُ بِرَدِّهَا أَوْ أَخَذَهَا بِعَيْنِهَا .
فَقَالَ تت وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمِثْلِيِّ وَالْخَشَبَةُ مِنْ الْمُقَوَّمِ .
ا هـ .
وَتَنْظِيرُهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ قَرَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالْمِثْلِيِّ كَمَا قَرَّرَهُ تت ، وَنَصُّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْغَاصِبَ أَنْ يَرُدَّ الْمِثْلِيَّ إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ ا هـ .
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافَ الْمُغِيرَةِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ فِي الْمُقَوَّمِ ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ تت وَمَثَّلَ لَهُ بِمِثَالٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَثِّلْ لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ .
وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّارِحُ الِاحْتِمَالَيْنِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ الْأَئِمَّةِ تَأَمُّلَ تَحْقِيقٍ ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا رَدَّ لَهُ هُنَا ، وَإِنَّمَا مَحِلُّهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُقَوَّمِ ، إذْ لَا مَعْنَى لَهُ هُنَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ لَهُ أَنْ

يُلْزِمَهُ بِرَدِّهِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى نَفْيِهِ ، وَكَيْفَ يُخَالِفُ الْمُغِيرَةُ فِيهِ ، وَلِذَا صَرَّحَ تت بِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَصَبَرَ لِبَلَدِهِ .
وَفِي الْمُقَوَّمِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّهِ جَبْرُ الْغَاصِبِ عَلَى رَدِّهِ لِبَلَدِ الْغَصْبِ وَلِلْمُغِيرَةِ لِمَنْ نَقَلَ خَشَبَةً مِنْ عَدَنَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ .
وَهَكَذَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَعْرِضِ الْمِثْلِيِّ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُخْتَصَرِهِ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يُصَرِّحَا بِفَرْضِهَا فِي الْمِثْلِيِّ ، فَلَعَلَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ذَكَرَهَا فِي مَعْرِضِ الْكَلَامِ عَلَى الْمِثْلِيِّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ ، بِخِلَافِ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمِثْلِيِّ قَالَ فَرْعٌ فَلَوْ أَرَادَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَكْلِيفَ الْغَاصِبِ بِرَدِّ شَيْئِهِ إلَى مَكَان الْغَصْبِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ .
ا هـ .
فَلَفْظُ فَرْعٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمِثْلِيِّ ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ خِلَافَ الْمُغِيرَةِ فِي الْخَشَبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّ تَقْرِيرَ الشُّرَّاحِ بِالْمِثْلِيِّ لَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهِ ، بَلْ مُجَرَّدُ اغْتِرَارٍ بِظَاهِرِ كَلَامِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ، وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ .
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الرَّدِّ فَقَالَ ( كَإِجَازَتِهِ ) بِالزَّايِ ، أَيْ إمْضَاءِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ قَوْلُهُ ( بَيْعَهُ ) أَيْ الْغَاصِبِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ أَيْضًا ، وَمَفْعُولُهُ قَوْلُهُ مَغْصُوبًا ( مَعِيبًا ) بِعَيْبٍ قَدِيمٍ سَابِقٍ عَلَى غَصْبِهِ ( زَالَ ) عَيْبُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِزَوَالِهِ حِينَ إجَازَتِهِ بَيْعَهُ ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ وَأَرَادَ رَدَّ بَيْعِ الْغَاصِبِ ( وَقَالَ )

الْمَغْصُوبُ مِنْهُ إنَّمَا ( أَجَزْت ) بَيْعَهُ ( لِظَنِّ ) يَ بِ ( بَقَائِهِ ) أَيْ الْعَيْبِ فَلَا رَدَّ لَهُ لِتَفْرِيطِهِ فِي عَدَمِ الْبَحْثِ عَنْهُ قَبْلَ إجَازَةِ بَيْعِهِ .
" ق " فِيهَا مَنْ غَصَبَ أَمَةً بِعَيْنِهَا بَيَاضٌ فَبَاعَهَا ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ وَأَجَازَ رَبُّهَا بَيْعَهَا ، ثُمَّ عَلِمَ بِذَهَابِ الْبَيَاضِ فَقَالَ إنَّمَا أَجَزْت الْبَيْعَ وَلَمْ أَعْلَمْ بِذَهَابِهِ وَأَمَّا الْآنَ فَلَا أُجِيزُهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمُكْتَرِي يَتَعَدَّى الْمَسَافَةَ فَتَضِلُّ الدَّابَّةُ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا ثُمَّ تُوجَدُ فَهِيَ لِلْمُكْتَرِي وَلَا شَيْءَ لِرَبِّهَا فِيهَا .
أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لَوْ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَمَفْهُومُهُ لَوْ ذَهَبَ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَكَانَ الْحُكْمُ خِلَافَ هَذَا ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لَوْ ذَهَبَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَأَجَازَ الْبَيْعَ لَانْبَغَى أَنَّ لَهُ التَّكَلُّمَ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا فَيَقُولُ إنَّمَا أَجَزْت الْبَيْعَ عَلَى مَا كُنْت أَعْرِفُ .
ابْنُ يُونُسَ يَقُولُ إنَّمَا أَجَزْت بَيْعَ جَارِيَةٍ عَوْرَاءَ بِهَذَا الثَّمَنِ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّ بَيَاضَهَا قَدْ زَالَ قَبْلَ بَيْعِهَا مَا بِعْتهَا بِهَذَا الثَّمَنِ .
وَأَمَّا الَّتِي بِيعَتْ عَوْرَاءَ فَقَدْ بِيعَتْ عَلَى مَا كَانَ يَعْرِفُ فَقَدْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِهَا عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ .
ابْنُ يُونُسَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا حُجَّةَ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اسْتَثْبَتَ وَلَمْ يُعَجِّلْ وَهُوَ حُجَّةُ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْأُولَى .
عَبْدُ الْحَقِّ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَقَوْلُ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَوْ شَاءَ لَمْ يُعَجِّلْ يَعُمُّ الْوَجْهَيْنِ .
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ تَسَلُّطِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى أَخْذِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَلِبَلَدِهِ فَقَالَ ( كَنُقْرَةٍ ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ ، أَيْ قِطْعَةٍ مَسْبُوكَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَقَبْلَ

سَبْكِهَا تُسَمَّى تِبْرًا ( صِيغَتْ ) حُلِيًّا بَعْدَ غَصْبِهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَخْذُهَا مَصُوغَةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِفَوَاتِهَا بِالصِّيَاغَةِ ، وَإِنَّمَا لَهُ مِثْلُهَا وَزْنًا وَصِفَةً .
" ق " ابْنُ يُونُسَ لَوْ غَصَبَهُ سَوِيقًا فَلَتَّهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مِثْلُهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُعْطِيَهُ مِثْلَ مَا لَتَّهُ بِهِ مِنْ سَمْنٍ وَعَسَلٍ لِأَنَّهُ تَفَاضُلٌ بَيْنَ الطَّعَامَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ الْفِضَّةَ دَرَاهِمَ أَوْ صَاغَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا وَيُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ لِلتَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا .
( وَ ) كَ ( طِينٍ لُبِّنَ ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُشَدَّدَةً أَيْ ضُرِبَ لَبِنًا بَعْدَ غَصْبِهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ لِفَوَاتِهِ ، وَإِنَّمَا لَهُ مِثْلُ طِينِهِ إنْ عُلِمَ قَدْرُهُ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ ( وَ ) كَ ( قَمْحٍ ) غُصِبَ وَ ( طُحِنَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ لِفَوَاتِهِ بِطَحْنِهِ إنَّمَا لَهُ مِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا ( وَ ) كَ ( بَذْرٍ ) بِفَتْحِ فَسُكُونٍ مُنَوَّنًا ( زُرِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ طُرِحَ عَلَى الْأَرْضِ لِلنَّبَاتِ بَعْدَ غَصْبِهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا مِثْلُهُ ، فِيهَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنْ عَمِلَ الْغَاصِبُ مِنْ الْخَشَبَةِ بَابًا أَوْ غَصَبَ تُرَابًا فَعَمِلَ مِنْهُ بَلَاطًا أَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا وَحَصَلَ مِنْهَا حَبٌّ كَثِيرٌ أَوْ غَصَبَ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ غَصَبَ فِضَّةً فَصَاغَهَا حُلِيًّا أَوْ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ فِي هَذَا كُلِّهِ مِثْلُ مَا غَصَبَ فِي صِفَتِهِ وَوَزْنِهِ وَكَيْلِهِ أَوْ الْقِيمَةُ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ ، وَكَذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ غَصَبَ قَمْحًا فَطَحَنَهُ ضَمِنَ مِثْلَهُ وَلَا يُمَكَّنُ رَبُّ الْقَمْحِ مِنْ أَخْذِ الدَّقِيقِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَهُ أَخْذُهُ وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ إنْ طَحَنَ الْقَمْحَ سَوِيقًا وَلَتَّهُ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ .

وَبَيْضٍ أُفْرِخَ ، إلَّا مَا بَاضَ ، إنْ حَضَنَ ، وَعَصِيرٍ تَخَمَّرَ ، وَإِنْ تَخَلَّلَ : خُيِّرَ : كَتَخَلُّلِهَا لِذِمِّيٍّ ، وَتَعَيَّنَ لِغَيْرِهِ

( وَ ) كَ ( بَيْضٍ ) لِدَجَاجٍ أَوْ حَمَامٍ أَوْ إوَزٍّ غُصِبَ وَحُضِنَ حَتَّى ( أَفْرَخَ ) أَيْ صَارَ فِرَاخًا فَلَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا مِثْلُهُ وَالْفِرَاخُ لِلْغَاصِبِ ( إلَّا ) فِرَاخَ ( مَا ) أَيْ الطَّيْرَ الَّذِي ( بَاضَ ) فَهِيَ لِرَبِّهِ ( إنْ حَضَنَ ) الطَّيْرُ بَيْضَهُ كَدَجَاجِ وَحَمَامٍ وَإِوَزٍّ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الذَّكَرُ لِلْغَاصِبِ وَهُوَ كَذَلِكَ .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ حَضَنَهُ تَحْتَ غَيْرِهِ أَوْ غَصَبَ الطَّيْرَ وَحَضَنَهُ بَيْضَ غَيْرِهِ لَكَانَتْ الْفِرَاخُ لِلْغَاصِبِ ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْحَضْنِ ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ .
" ق " أَشْهَبُ مَنْ غَصَبَ بَيْضَةً فَحَضَنَهَا تَحْتَ دَجَاجَتِهِ فَخَرَجَ مِنْهَا دَجَاجَةٌ فَعَلَيْهِ بَيْضَةُ مِثْلِهَا كَغَاصِبِ الْقَمْحِ يَزْرَعُهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُ الْقَمْحِ وَالزَّرْعُ لَهُ ، وَلَوْ غَصَبَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ فَحَضَنَتْ بَيْضَهَا فَفِرَاخُهَا لِرَبِّهَا كَالْوِلَادَةِ ، وَلَوْ حَضَنَ بَيْضَ الْمَغْصُوبَةِ تَحْتَ دَجَاجَةٍ لِلْغَاصِبِ وَبَيْضَ دَجَاجَتِهِ تَحْتَ الْمَغْصُوبَةِ فَمَا خَرَجَ مِنْ الْفَرَارِيجِ لِلْغَاصِبِ وَالدَّجَاجَةُ لِرَبِّهَا ، وَلَهُ مِثْلُ بَيْضِهَا وَفِيمَا حَضَنَتْ كِرَاءُ مِثْلِهَا .
ابْنُ الْمَوَّازِ مَعَ مَا نَقَصَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نُقْصَانًا بَيِّنًا فَلِرَبِّهَا قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصْبِهَا ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ بَيْضِهَا وَلَا مِنْ فَرَارِيجِهَا .
وَلَوْ غَصَبَ حَمَامَةً فَزَوَّجَهَا ذَكَرًا لَهُ فَبَاضَتْ وَأَفْرَخَتْ فَالْحَمَامَةُ وَفَرَاخُهَا لِرَبِّهَا وَلَا شَيْءَ لِغَاصِبِهَا فِيمَا أَعَانَهَا ذَكَرُهُ مِنْ حَضَانَتِهِ ، وَلِرَبِّهَا فِيمَا حَضَنَتْ مِنْ بَيْضِ غَيْرِهَا قِيمَةُ حَضَانَتِهَا ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا حَضَنَهُ غَيْرُهَا مِنْ بَيْضِهَا وَإِنَّمَا لَهُ بَيْضٌ مِثْلُ بَيْضِ حَمَامَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي أَخْذِ مِثْلِ بَيْضِهَا ضَرَرٌ فِي تَكَلُّفِ حَمَامَةٍ تَحْضُنُهُ فَلَهُ أَنْ يُغَرِّمَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ الْبَيْضِ .
( وَ ) كَ ( عَصِيرٍ ) غُصِبَ وَ ( تَخَمَّرَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ صَارَ خَمْرًا بَعْدَ غَصْبِهِ فَلِرَبِّهِ عَصِيرُ مِثْلِهِ لِفَوَاتِهِ

بِانْقِلَابِهِ لِمَا لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ .
الْمَازِرِيُّ إنْ غَصَبَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَأَرَاقَهَا فَلَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ مِنْ إرَاقَتِهَا الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ ، وَلَوْ أَمْسَكَهَا حَتَّى تَخَلَّلَتْ لَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِمَنْ غَصَبَهَا مِنْهُ ، وَقَدْ خَرَّجَ حُذَّاقُ شُيُوخِنَا فِي هَذَا خِلَافًا ، لِأَنَّهُ كَمَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى طَائِرٍ لَا يَحُوزُهُ أَحَدٌ .
اللَّخْمِيُّ مَنْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهُ ، وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ أُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ وَغَرِمَ مِثْلَهُ .
( وَإِنْ تَخَلَّلَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ صَارَ الْعَصِيرُ الْمَغْصُوبُ خَلًّا ( خُيِّرَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا مَالِكُهُ بَيْنَ أَخْذِ عَصِيرٍ مِثْلِهِ أَوْ أَخْذِهِ خَلًّا .
اللَّخْمِيُّ مَنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَلَّلَ خُيِّرَ رَبُّهُ فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ مِثْلِهِ .
وَشَبَّهَ فِي التَّخْيِيرِ فَقَالَ ( كَتَخَلُّلِهَا ) أَيْ صَيْرُورَةِ الْخَمْرِ خَلًّا بَعْدَ غَصْبِهَا حَالَ كَوْنِهَا ( لِذِمِّيٍّ ) فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ الْخَلِّ وَتَرْكِهِ وَأَخْذِ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَشْهَرِ لَا فِي أَخْذِهِ مِثْلَ الْخَمْرِ .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَتَعَيَّنُ أَخْذُ الْخَلِّ ( وَتَعَيَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَخْذُ الْخَلِّ الَّذِي تَحَوَّلَتْ الْخَمْرَةُ الْمَغْصُوبَةُ إلَيْهِ حَالَ كَوْنِهَا ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ الذِّمِّيِّ وَهُوَ الْمُسْلِمُ فَقَطْ ، هَذَا مُرَادُهُ ، وَإِنْ تَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّ غَيْرَ الذِّمِّيِّ يَشْمَلُ الْحَرْبِيَّ وَالْمُعَاهَدَ وَنَحْوَهُمَا مَعَ أَنَّهُمْ كَالذِّمِّيِّ فِي التَّخْيِيرِ ، فَلَوْ قَالَ كَتَخَلُّلِهَا لِكَافِرٍ لَكَانَ أَحْسَنَ .
أَشْهَبُ إنْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ فَتَخَلَّلَهَا خُيِّرَ الذِّمِّيُّ فِي أَخْذِهَا خَلًّا وَقِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا ، وَفِيهَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَوْ اسْتَهْلَكَ مُسْلِمٌ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ أُغْرِمَ قِيمَتَهَا الْمَازِرِيُّ إنْ غَصَبَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا وَأَمْسَكَهَا حَتَّى تَخَلَّلَتْ لَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِمَنْ غَصَبَهَا مِنْهُ .

ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ غَصَبَ خَمْرًا فَفِي كَوْنِهَا يَتَخَلَّلُهَا عِنْدَ غَاصِبِهَا لَهُ أَوْ لِرَبِّهَا .
ثَالِثُهَا إنْ تَسَبَّبَ لِتَخْرِيجِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ وَالْمَعْرُوفِ .
وَمَفْهُومِ تَعْلِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ .

وَإِنْ ضَيَّعَ كَغَزْلٍ وَحُلِيٍّ وَغَيْرِ مِثْلِيٍّ : فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ ، وَإِنْ جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ ، أَوْ كَلْبًا وَلَوْ قَتَلَهُ تَعَدِّيًا

وَشَرَعَ فِي بَيَانِ ضَمَانِ الْمُقَوَّمِ الْمَغْصُوبِ فَقَالَ ( وَإِنْ ضَيَّعَ ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ ، أَيْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ مَغْصُوبًا مُقَوَّمًا ( كَغَزْلٍ وَحُلِيٍّ وَغَيْرِ مِثْلِيٍّ ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ كَعَرْضٍ وَحَيَوَانٍ ( فَقِيمَتُهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ تَلْزَمُ الْغَاصِبَ مُعْتَبَرَةٌ ( يَوْمَ غَصْبِهِ ) عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ تَلْزَمُهُ أَعْلَى قِيمَةٍ مَضَتْ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ غَصْبِهِ إلَى يَوْمِ تَلَفِهِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ تت ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ وَقَفَ عَلَى خَطِّ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ مُشَدَّدَةٌ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَغَيْرُ بِالرَّفْعِ وَغَصَبَهُ فِعْلٌ مَاضٍ .
طفي قَوْلُهُ وَغَيْرُ بِالرَّفْعِ هَكَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا مِنْ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ ، وَأَصْلُهُ تَصْحِيفٌ ، إذْ الرَّفْعُ لَا يُلَائِمُ بِنَاءَ ضَيَّعَ لِلْفَاعِلِ .
الْحَطّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَأَى خَطَّ الْمُصَنِّفِ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا غَصَبَ غَزْلًا ثُمَّ ضَاعَ بِسَبَبِ الْغَاصِبِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُ قِيمَتِهِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَكَذَا الْحُلِيُّ إذَا غَصَبَهُ وَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُ قِيمَتِهِ ، وَنَبَّهَ بِالْغَزْلِ وَالْحُلِيِّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمِثْلِيِّ إذَا صُنِعَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقَوَّمًا " غ " كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا صَنَعَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلنَّائِبِ ، فَيَنْبَغِي نَصْبُ لَفْظِ غَيْرِ عَلَى الْأَوَّلِ وَرَفْعُهُ عَلَى الثَّانِي عَلَى حَسَبِ مَحِلِّ الْكَافِ ، وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ، أَيْ أَوْ فَوَّتَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ ، وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّنْعَةَ أَوَّلًا نَظَرًا إلَى الْغَالِبِ ، وَفَرَّ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا التَّخْصِيصِ فَضَبَطَ

ضَيَّعَ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةً مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلنَّائِبِ أَيْضًا ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ صَنَعَ إغْيَاءٌ لِمَسْأَلَةِ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ ، أَيْ وَإِنْ خُلِّلَ ، وَهَذَا مَعْرُوفُ الْأَقْوَالِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ ، إذْ قَالَ فَفِي كَوْنِهَا بِتَخْلِيلِهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ لَهُ أَوْ لِرَبِّهَا ثَالِثُهَا إنْ تَسَبَّبَ فِي تَخْلِيلِهَا لِتَخْرِيجِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ وَالْمَعْرُوفِ وَمَفْهُومِ تَعْلِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ فَصُنِعَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ لَيْسَ إلَّا ، وَغَيْرُ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى مَا بَعْدَ الْكَافِ وَبِقِيمَتِهِ بِبَاءِ جَرٍّ مَكَانَ فَاءِ الْجَوَابِ ، وَالْمُشَبَّهُ بِهِ هُوَ قَوْلُهُ الْمِثْلِيُّ وَلَوْ بِغَلَاءٍ بِمِثْلِهِ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَضَمِنَ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ كَضَمَانِ الْغَزْلِ وَحُلِيٍّ وَغَيْرَ مِثْلِيٍّ بِقِيمَتِهِ ا هـ .
فِي الشَّامِلِ لَوْ اسْتَهْلَكَ غَزْلًا أَوْ أَتْلَفَ حُلِيًّا فَالْقِيمَةُ .
تت ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْغَزْلَ وَالْحُلِيَّ مِثْلِيٌّ لِقَوْلِهِ وَغَيْرَ مِثْلِيٍّ عَلَى أَصْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الصَّنْعَةَ لَا تَنْقُلُ الْمِثْلِيَّ ، وَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ يَصِيرُ مُقَوَّمًا فَهُمَا مُقَوَّمَانِ عَلَيْهِ .
وَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ الْمُقَوَّمِ الَّذِي تَلِفَ بِيَدِهِ إذَا كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ .
بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ ) قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَنَصُّهَا مَنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَعَلَيْهِ إنْ أَتْلَفَهُ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ كَمَا لَا يُبَاعُ كَلْبُ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ضَرْعٍ وَعَلَى قَاتِلِهِ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ .
الْبُنَانِيُّ لَوْ عَبَّرَ بِلَوْ بَدَلَ إنْ كَانَ أَوْلَى لِرَدِّ الْخِلَافِ الْمَذْهَبِيِّ .
ابْنُ رُشْدٍ عَقِبَ نَصِّهَا وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَإِنْ دُبِغَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ .
وَقِيلَ لَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُدْبَغَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ .
وَقِيلَ إنْ دُبِغَ فَلَيْسَ

فِيهِ إلَّا قِيمَةُ دَبْغِهِ .
وَالصَّوَابُ أَنْ يَلْزَمَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( أَوْ ) إنْ كَانَ ( كَلْبًا ) مَأْذُونًا فِيهِ لِصَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ .
اللَّخْمِيُّ فَإِنْ كَانَ كَلْبَ دَارٍ فَلَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ، وَعَلَى الْغَاصِبِ الْقَاتِلِ الْكَلْبَ الْمَأْذُونَ فِيهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ إنْ قَتَلَهُ بَعْدَ غَصْبِهِ لَهُ قَبْلَ قَتْلِهِ ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَسَحْنُونٌ لِرَبِّهِ أَخْذُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَتْلِهِ ، وَمَفْهُومُ تَعَدِّيًا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ لِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ حِينَ عَدَاءِ الْكَلْبِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ أَفَادَهُ الْحَطّ ، وَنَصُّهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعَدَاءٍ بِبَاءِ جَرٍّ دَاخِلَةٍ عَلَى عَدَاءٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ وَهُوَ تَجَاوُزُ الْحَدِّ وَالظُّلْمُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ تَعَدِّيًا بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ أَوَّلَهُ وَالتَّحْتِيَّةِ آخِرَهُ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمُقَوَّمَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ وَلَوْ قَتَلَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ تَعَدِّيًا مِنْهُ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَهُ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَتْلِ كَالْأَجْنَبِيِّ .
" غ " قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ تَعَدِّيًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ وَرَدُّهُ لِلْكَلْبِ كَمَا فِي الشَّامِلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ .
تت إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْكَلْبِ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْقَتْلَ كَالْغَصْبِ فِي إيجَابِ الْقِيمَةِ عَلَى الْقَاتِلِ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إتْلَافَ الْمُقَوَّمِ يُوجِبُ قِيمَتَهُ ، فَلَمْ يُفِدْ شَيْئًا غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَقْوِيمِهِ يَوْمُ غَصْبِهِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ بِذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَعْطَى حُكْمًا كُلِّيًّا يَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ ، وَنَحْوُهُ مَا فِي الشَّامِلِ .

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ شَيْءٌ حَسَنٌ ، وَأَيْضًا الْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ قَتْلٍ بِغَيْرِ غَصْبٍ ، فَلَا يَتَأَتَّى مَا قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي الْكَلْبِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ قِيمَتِهِ .
طفي جَعْلُهُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْكَلْبِ تَبِعَ فِيهِ الشَّارِحُ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ وَغَيْرَ مِثْلِيٍّ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ قَتَلَ الْمَغْصُوبَ تَعَدِّيًا مِنْهُ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَتْلِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ ، هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَالْمُدَوَّنَةِ ، وَبِهِ قَرَّرَ الْحَطّ وَغَيْرُهُ ، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ قَوْلُهُ : وَخُيِّرَ فِي الْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنَّهُ إشَارَةٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ قَتْلِ الْغَاصِبِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقَتْلِ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْإِتْلَافِ كَابْنِ الْحَاجِبِ لَكَانَ أَعَمَّ ، وَأَصْلُ هَذَا التَّقْرِيرِ لِابْنِ غَازِيٍّ وَتَحَامَلَ عَلَيْهِ تت فِي كَبِيرِهِ ، وَذَكَرَ نَصَّهُ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ قَتْلِهِ بِلَا غَصْبٍ غَيْرُ صَوَابٍ إذْ هُوَ خُرُوجٌ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ ، وَلَا تَحْسُنُ الْمُبَالَغَةُ حِينَئِذٍ ، إذْ لَا خِلَافَ يُشِيرُ إلَيْهِ بِهَا وَيُفَوِّتُ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا قَتَلَ الْمَغْصُوبَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ مَعْلُومَةٌ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ .
ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَالْخِلَافُ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ فِي الضَّمَانِ إذَا كَانَتْ مِنْ فَاعِلٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : لَمْ يُوَقِّتْ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَثْمَانِ الْكِلَابِ بِأَنَّ فِي كَلْبِ الْمَاشِيَةِ شَاةً ، وَفِي كَلْبِ الصَّيْدِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ، وَفِي كَلْبِ الزَّرْعِ فَرَقًا مِنْ طَعَامٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا ، وَإِنَّمَا قَالَ

فِيهَا عَلَى قَاتِلِهِ قِيمَتُهُ .
الثَّانِي : أَطْلَقَ الْكَلْبَ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِ تَعَدِّيًا أَوْ بِعَدَاءٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ قَتْلُهُ مُبَاحٌ .
الثَّالِثُ : لِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَائِرُ فِي لُزُومِ الْقِيمَةِ مَعَ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ وَلَحْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَخَمْرُ الذِّمِّيِّ وَالثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالزَّرْعُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَالْمُدَبَّرُ .
.

وَخُيِّرَ فِي الْأَجْنَبِيِّ
( وَ ) إنْ جَنَى عَلَى الْمَغْصُوبِ غَيْرُ غَاصِبِهِ فَأَتْلَفَهُ ( خُيِّرَ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ( فِي ) اتِّبَاعِ ( الْأَجْنَبِيِّ ) أَيْ غَيْرِ الْغَاصِبِ الْجَانِي عَلَى الْمَغْصُوبِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ أَوْ الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ ، لِحُصُولِ سَبَبِ الضَّمَانِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا الْغَصْبُ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْإِتْلَافُ مِنْ الْجَانِي .
وَمَفْهُومُ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِي إتْلَافِ الْغَاصِبِ ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ الْمُشَارُ إلَيْهِمَا بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى الصَّوَابِ ، وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ تَعَدُّدَ أَسْبَابِ الضَّمَانِ مِنْ وَاحِدٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ الصَّوَابُ .

فَإِنْ تَبِعَهُ تَبِعَ هُوَ الْجَانِيَ ، فَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ أَقَلَّ : فَلَهُ الزَّائِدُ مِنْ الْغَاصِبِ فَقَطْ ، وَلَهُ هَدْمُ بِنَاءٍ عَلَيْهِ

( فَإِنْ تَبِعَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ وَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ ( تَبِعَ هُوَ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( الْجَانِيَ ) بِقِيمَتِهِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ ، فَإِنْ سَاوَتْ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ يَوْمَ غَصْبِهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَالْحُكْمُ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَوِيَا ( فَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ ( أَقَلَّ ) الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مِنْ الْجَانِي وَأَخَذَ الْغَاصِبُ أَكْثَرَهُمَا مِنْ الْجَانِي بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَيَوْمَ الْجِنَايَةِ عَشَرَةً أَوْ بِالْعَكْسِ ، وَأَخَذَ رَبُّهُ الْعَشَرَةَ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مِنْ الْجَانِي ( فَلَهُ ) أَيْ رَبِّ الْمَغْصُوبِ ( الزَّائِدُ ) عَلَى أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ الْمُتَمِّمِ لِأَكْثَرِهِمَا كَالْخَمْسَةِ فِي الْمِثَالِ ، أَيْ أَخَذَهُ حَالَ كَوْنِهِ ( مِنْ الْغَاصِبِ فَقَطْ ) بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَيَوْمَ الْجِنَايَةِ عَشَرَةً ، وَأَخَذَهَا رَبُّهُ مِنْ الْجَانِي فَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِخَمْسَةٍ تَمَامِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ ، وَمَفْهُومُ فَقَطْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الزَّائِدُ حَالَ كَوْنِهِ مِنْ الْجَانِي ، بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ عَشَرَةً وَيَوْمَ الْجِنَايَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَخَذَ رَبُّهُ مِنْ الْغَاصِبِ عَشَرَةً فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْخَمْسَةِ لَا مِنْ الْغَاصِبِ وَلَا مِنْ الْجَانِي عَلَى الْمَشْهُورِ .
" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ غَصَبَ أَمَةً فَزَادَتْ قِيمَتُهَا عِنْدَهُ أَوْ نَقَصَتْ ثُمَّ قَتَلَهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصْبِهَا فَقَطْ وَلَوْ قَتَلَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ أَجْنَبِيٌّ وَقِيمَتُهَا يَوْمَئِذٍ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُ الْقَاتِلِ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ قَتْلِهَا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَئِذٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِتَمَامِ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا عَلَى الْغَاصِبِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَوْ كَانَ إنَّمَا أَخَذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا وَكَانَتْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَتْلِهَا

فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى قَاتِلِهَا بِشَيْءٍ ، وَلِلْغَاصِبِ طَلَبُ الْقَاتِلِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَتْلِهَا .
( وَ ) مَنْ غَصَبَ عَمُودًا أَوْ خَشَبًا أَوْ حَجَرًا وَبَنَى عَلَيْهِ بِنَاءً فَ ( لَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ( هَدْمُ بِنَاءٍ ) وَلَوْ عَظُمَ كَالْقُصُورِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَهْدِمُ الْعَظِيمَ بَنَى ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ وَأَخْذُهُ وَلَهُ تَرْكُهُ لِلْغَاصِبِ وَأَخْذُ قِيمَتِهِ مِنْهُ يَوْمَ غَصْبِهِ ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْغَاصِبُ مِنْ دَفْعِهَا مَعَ رِضَا رَبِّ الْمَغْصُوبِ بِهِ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهَا وَلَهُ هَدْمُ بِنَائِهِ وَدَفَعَ الْمَغْصُوبَ لِرَبِّهِ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ يَلْزَمُهُ دَفْعُهَا لِأَنَّ هَدْمَ بِنَائِهِ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ .
" ق " فِيهَا مَنْ غَصَبَ خَشَبَةً أَوْ حَجَرًا فَبَنَى عَلَيْهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَهَدْمُ الْبِنَاءِ وَكَذَلِكَ إنْ غَصَبَ ثَوْبًا وَجَعَلَهُ ظِهَارَةً لِجُبَّةٍ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ أَوْ تَضْمِينُهُ قِيمَتَهُ .
أَبُو مُحَمَّدٍ لَهُ عَيْنُ شَبَهٍ وَيَفْتُقُ لَهُ الْجُبَّةَ وَيَهْدِمُ لَهُ الْبِنَاءَ وَالْهَدْمُ وَالْفَتْقُ عَلَى الْغَاصِبِ .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْخَشَبَةِ وَكَأَنَّ الْغَاصِبَ أَفَاتَهَا بِالْتِزَامِ قِيمَتِهَا ، وَانْظُرْ لَوْ أَنْشَأَ سَفِينَةً عَلَى لَوْحٍ مَغْصُوبٍ أَوْ غَصَبَ خَيْطًا خَاطَ بِهِ جُرْحًا هَلْ يَتَخَرَّجُ عَلَى تَهَوُّنِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ .
الْمَازِرِيُّ وَمِنْ هَذَا الْكَبْشُ يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِي قِدْرِ غَيْرِ رَبِّهِ وَالدِّينَارُ يَقَعُ فِي إنَاءِ الْغَيْرِ ، وَلَا يُقْدَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ إلَّا بِكَسْرِ الْإِنَاءِ ، وَمِنْ الْحَاوِي مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ ابْتَاعَ خَشَبَةً وَبَنَى عَلَيْهَا وَاسْتُحِقَّتْ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا قَلْعُهَا لِلضَّرَرِ وَلِأَنَّ الْبَانِيَ لَيْسَ بِغَاصِبٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ إدْخَالُ الْغَاصِبِ لَوْحًا فِي سَفِينَةٍ أَنْشَأَهَا كَالْحَجَرِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ بِنَاءٌ مُعْتَبَرٌ إنْ كَانَ نَزْعُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَوْتَ آدَمِيٍّ وَلَا إتْلَافَ مَالٍ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي

هَذَا اعْتِبَارُ أَشَدِّ الضَّرَرَيْنِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِ الضَّرَرِ وَمَنْ يَلْحَقُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ غَاصِبًا وَغَيْرَ غَاصِبٍ ، وَكَذَا غَصْبُ خَيْطٍ خِيطَ بِهِ جُرْحٌ إنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ نَزْعُهُ إتْلَافَ عُضْوٍ آدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ بِهِ مَخُوفٍ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ وَاسْتَلْزَمَ تَأْخِيرَ بُرْءٍ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَمِنْ هَذَا إدْخَالُ كَبْشٍ رَأْسَهُ فِي قِدْرِ لِغَيْرِ رَبِّهِ لَا بِتَسَبُّبٍ مِنْ أَحَدِ مَالِكَيْهِمَا فَلَا يَضْمَنُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ شَيْئًا وَهُوَ مِنْ جُرْحِ الْعَجْمَاءِ ، وَكَذَا دُخُولُ دِينَارٍ فِي دَوَاةِ غَيْرِ رَبِّهِ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مِنْهَا إلَّا بِكَسْرِهَا ، وَكَانَ شَيْخُنَا إذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ يَحْكِي أَنَّ جَمَلَيْنِ اجْتَمَعَا فِي مَضِيقٍ لَا يُمْكِنُ نَجَاةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِنَحْرِ الْآخَرِ ، فَحَكَمَ بَعْضُ الْقُضَاةِ بِنَحْرِ أَحَدِهِمَا وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْبَاقِي كَالْمَطْرُوحِ مِنْ السَّفِينَةِ لِنَجَاتِهَا ، وَمِنْهَا إنْ عَمِلَ الْغَاصِبُ الْخَشَبَةَ بَابًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا .
وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا أَوْ بَنَى بِهَا شَيْئًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا قِيلَ لِلْغَاصِبِ اقْلَعْ الْأُصُولَ وَالْبِنَاءَ إنْ كَانَ لَك فِيهِ مَنْفَعَةٌ إنْ يَشَاءُ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْأَصْلِ مَقْلُوعًا ، وَكُلُّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْغَاصِبِ بَعْدَ قَلْعِهِ كَالْجِصِّ وَالنَّقْشِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ ؛ وَكَذَا مَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ مِطْمَرًا فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، ا هـ .
.

وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ

( وَ ) لَهُ ( غَلَّةُ ) مَغْصُوبٍ ( مُسْتَعْمَلٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مِنْ رَقِيقٍ وَدَابَّةٍ وَدَارٍ وَغَيْرِهَا ، سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهُ الْغَاصِبُ أَوْ أَكْرَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ وَصَاحِبِ الْمُعِينِ وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ لَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ .
وَرَوَى الْمَازِرِيُّ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ مُطْلَقًا وَرُجِّحَ لِخَبَرِ { الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ } ، وَمَفْهُومُ مُسْتَعْمَلٍ أَنَّ مَا لَهُ غَلَّةٌ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ كَالرَّقِيقِ لَا يَسْتَعْمِلُهُ وَالدَّارُ يُغْلِقُهَا وَالْأَرْضُ يُبَوِّرُهَا وَالدَّابَّةُ يَحْبِسُهَا لَا تَلْزَمُهُ غَلَّتُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ .
وَقِيلَ تَلْزَمُهُ وَصَوَّبَهُ الْأَشْيَاخُ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ غُصِبَتْ دَنَانِيرُهُ أَوْ دَرَاهِمُهُ وَأَنْفَقَهَا الْغَاصِبُ أَوْ اتَّجِرْ بِهَا فَقِيلَ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ وَشُهِرَ .
وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا أَنَّ الرِّبْحَ لِلْغَاصِبِ فِيمَا غَصَبَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ سَرِقَةٍ وَالْخَسَارَةَ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ لَهُ رِبْحُهُ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُعْسِرًا .
وَقِيلَ لَهُ مِقْدَارُ مَا كَانَ يَرْبَحُ فِيهِ لَوْ كَانَ بِيَدِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَلَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَيَأْخُذُ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ وَقِيمَتَهُ وَنَحْوُهُ فِي الْكَافِي أَفَادَهُ تت .
طفي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ هَذَا وَإِنْ عَزَاهُ فِي الْكَافِي لِأَصْحَابِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَفِيهَا وَمَا أَثْمَرَ عِنْدَ الْغَاصِبِ مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ تَنَاسَلَ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ جَزَّ مِنْ الصُّوفِ أَوْ حَلَبَ مِنْ اللَّبَنِ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعَ مَا اغْتَصَبَ لِمُسْتَحِقِّهِ وَمَا أَكَلَ يَرُدُّ الْمِثْلَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَالْقِيمَةَ فِيمَا لَا يُقْضَى فِيهِ بِمِثْلِهِ ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَ الْوَلَدُ أَوْ مَا جَزَّ مِنْهَا وَحَلَبَ يُخَيِّرُ رَبُّهَا ، فَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ الْأُمَّهَاتِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ وَلَدٍ أَوْ صُوفٍ

أَوْ لَبَنٍ وَلَا فِي ثَمَنِهِ إنْ بِيعَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْوَلَدَ إنْ كَانَ وَلَدٌ أَوْ ثَمَنَ مَا بِيعَ مِنْ صُوفٍ أَوْ لَبَنٍ وَنَحْوِهِ ، وَمَا أَكَلَ الْغَاصِبُ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَالْقِيمَةُ فِيمَا يُقَوَّمُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَمَةً ثُمَّ بَاعَهَا فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ ثُمَّ مَاتَتْ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَ أَوْلَادَهَا وَقِيمَةَ الْأَمَةِ مِنْ الْغَاصِبِ ، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ ثَمَنِهَا مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا ، أَوْ يَأْخُذُ الْوَلَدَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ ا هـ .
وَاقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي بَيَانِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ عَلَى هَذَا ، وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ ، وَلَمْ يُعَرِّجْ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَا فِي الْكَافِي عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ مَا نَقَلَهُ تت خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا إنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ فَلَا غَلَّةَ لَهُ ، قَالَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَالثَّانِي أَنَّ لَهُ أَخْذَ الْقِيمَةِ مَعَ الْغَلَّةِ ، قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ .
" ق " ابْنُ عَرَفَةَ فِي غُرْمِ الْغَاصِبِ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَكُلُّ رَبْعٍ اغْتَصَبَهُ غَاصِبٌ فَسَكَنَهُ أَوْ اغْتَلَّهُ ، أَوْ أَرْضٍ فَزَرَعَهَا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَا سَكَنَ أَوْ زَرَعَ لِنَفْسِهِ وَغَرِمَ مَا أَكْرَاهَا بِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَمْ يُحَابِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا وَلَا انْتَفَعَ بِهَا وَلَا اغْتَلَّهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَا اغْتَصَبَ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ سَرَقَهُ فَاسْتَعْمَلَهَا شَهْرًا وَطَالَ مُكْثُهَا بِيَدِهِ أَوْ أَكْرَاهَا وَقَبَضَ كِرَاءَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَلَهُ مَا قَبَضَ مِنْ كِرَائِهَا وَإِنَّمَا لِرَبِّهَا عَيْنُ شَيْئِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَتَهَا إذَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57