كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

الْمُصَنِّفِ .
قُلْت : كَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى الْمَنْصُوصَ فِي الثَّانِيَةِ الِاتِّحَادَ لَمْ يُمْكِنْهُ الْعُدُولُ عَنْهُ ، وَعَوَّلَ فِي الْأُولَى عَنْ ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ خَالَفَ نَصَّ غَيْرِهِ لِتَقْدِيمِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ .
ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ مَدْرَكَ الْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا التَّبَقِّي لِلْفُرُوعِ مَعْرُوضَةٌ لِلنَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ إنْ كَانَ مُتَعَلِّقُ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ جُزْءَ مُتَعَلِّقِ الْيَمِينِ الْأُولَى كَحَلِفِهِ بِاَللَّهِ ( لَا كَلَّمَهُ ) أَيْ الْحَلِفُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ( غَدًا وَبَعْدَهُ ) أَيْ الْغَدِ ( ثُمَّ ) حَلَفَهُ ثَانِيًا لَا كَلَّمَهُ ( غَدًا ) ثُمَّ كَلَّمَهُ غَدًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ ، أَوْ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي أَوْ عَكْسِهِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِ الْآخَرِ حَيْثُ يَقْصِدُ تَعَدُّدَهَا ، وَأَمَّا عَكْسُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ حَلِفُهُ لَا كَلَّمَهُ غَدًا ثُمَّ حَلِفُهُ لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ ، فَإِنْ كَلَّمَهُ غَدًا فَكَفَّارَتَانِ ثُمَّ إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ غَدٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَلَّمَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ غَدٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَقَلَهُ تت عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ ، وَلُزُومُ كَفَّارَتَيْنِ فِي غَدٍ فِي هَذِهِ لِوُقُوعِهِ ثَانِيًا مَعَ غَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ، وَمَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ وَقَعَ فِيهَا الْغَدُ ثَانِيًا وَحْدَهُ فَكَانَ كَالتَّأْكِيدِ لِلْأَوَّلِ .

وَخُصِّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ ، وَقَيَّدَتْ إنْ نَافَتْ وَسَاوَتْ فِي لِلَّهِ غَيْرِهَا : كَطَلَاقٍ : كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا كَأَنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ : كَسَمْنِ ضَأْنٍ فِي : لَا آكُلُ سَمْنًا ، أَوْ لَا أُكَلِّمُهُ ، وَكَتَوْكِيلِهِ فِي : لَا يَبِيعُهُ ، أَوْ لَا يَضْرِبُهُ ، إلَّا لِمُرَافَعَةٍ وَبَيِّنَةٍ ، أَوْ إقْرَارٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ ، أَوْ اسْتَحْلَفَ مُطْلَقًا فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ ، لَا إرَادَةِ مَيِّتَةٍ ، أَوْ كَذِبٍ فِي : طَالِقٌ وَحُرَّةٌ ، أَوْ حَرَامٌ ، وَإِنْ بِفَتْوَى

( وَخَصَّصَتْ ) أَيْ قَصَرَتْ ( نِيَّةُ ) الشَّخْصِ ( الْحَالِفِ ) لَفْظَهُ الْعَامَّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَهُوَ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ بِلَا حَصْرٍ ، أَيْ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا يَصْلُحُ هُوَ لَهُ دَفْعَةً وَبِهَذَا خَرَجَ الْأَعْلَامُ وَمِنْهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُطْلَقُ ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ كَأَسَدٍ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَا حَصْرِ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ فَإِنَّهَا تَسْتَغْرِقُ مَا تَصْلُحُ لَهُ دَفْعَةً مَعَ حَصْرِهِ فَهِيَ نَصٌّ فِي مَعْنَاهَا فَلَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِالنِّيَّةِ وَنَحْوِهَا ، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَةً وَقَالَ نَوَيْت تِسْعَةً مَثَلًا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ ، وَتَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِالِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ عَشْرَةٍ إلَّا تِسْعَةً مَثَلًا وَطَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَمَعْنَى تَخْصِيصِ النِّيَّةِ الْعَامَّ قَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا أَوْ صِفَةً ، كَلَا أُكَلِّمُ زَيْدًا نَاوِيًا فِي اللَّيْلِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ ، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ جَاهِلًا .
وَلِلْعَامِّ صِيَغٌ كَثِيرَةٌ : مِنْهَا الْمَوْصُولَاتُ وَأَسْمَاءُ الشُّرُوطِ وَالِاسْتِفْهَامُ وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِأَلْ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالْمُفْرَدُ الْمُضَافُ لِمَعْرِفَةٍ .
ابْنِ أَبِي شَرِيفٍ قَيْدٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ يُغْنِي عَنْ قَيْدٍ بِلَا حَصْرٍ ، لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ الْمَعْرُوفِ دَلَالَةُ الْكُلِّيِّ عَلَى جُزْئِيَّاتِ مَعْنَاهُ وَدَلَالَةُ اسْمِ الْعَدَدِ عَلَى آحَادِهِ الَّتِي تَأَلَّفَ ، هُوَ مِنْهَا دَلَالَةَ كُلٍّ عَلَى أَجْزَائِهِ .
الْقَرَافِيُّ : الْأَلْفَاظُ قِسْمَانِ نُصُوصٌ وَظَوَاهِرُ ، فَالنُّصُوصُ لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ ، وَالظَّوَاهِرُ تَقْبَلُهُمَا ، وَالنُّصُوصُ قِسْمَانِ : أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ كَالْعَشَرَةِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ وَلَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْدَادِ ، فَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ .
وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ رَأَيْت عَشْرَةً ثُمَّ تُبَيِّنُ أَنَّك أَرَدْت خَمْسَةً ، وَالتَّخْصِيصُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ

مِنْ مَعْنَى الْعَامِّ وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ فَالْمَجَازُ أَعَمُّ إذْ قَدْ لَا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمُسَمَّى كَرَأَيْت بَحْرًا فِي الْجَامِعِ ، فَإِذَا قُلْت رَأَيْت إخْوَتَك مُرِيدًا نِصْفَهُمْ فَهُوَ تَخْصِيصٌ وَمَجَازٌ ، وَإِنْ أَرَدْت مَسَاكِنَهُمْ فَهُوَ مَجَازٌ لَا تَخْصِيصٌ .
الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ النَّصِّ الْأَلْفَاظُ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَلَفْظِ الرَّحْمَنِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ اللَّهِ إجْمَاعًا .
( وَقَيَّدَتْ ) أَيْ صَرَفَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ لَفْظَهُ الْمُطْلَقَ إلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ الَّتِي يَحْتَمِلُهَا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدِ وُجُودِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ وَهُوَ اسْمُ الْجِنْسِ كَأَسَدٍ ، وَالنَّكِرَةُ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهَا بِقَيْدِ وُجُودِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ كَرَجُلٍ ، فَاللَّفْظُ فِي الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ وَاحِدٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ فَإِنْ اُعْتُبِرَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ سُمِّيَ مُطْلَقًا وَاسْمَ جِنْسٍ ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ مَعَ قَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ سُمِّيَ نَكِرَةً وَعَدَّ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيُّ الْمُطْلَقَ وَالنَّكِرَةَ وَاحِدًا .
ابْنُ السُّبْكِيّ وَعَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا الْمَنَاطِقَةُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَانَ حَمْلُك ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَكَانَ ذَكَرَيْنِ فَقِيلَ : لَا تَطْلُقُ نَظَرًا لِلتَّنْكِيرِ الْمُشْعِرِ بِالْوَحْدَةِ .
وَقِيلَ تَطْلُقُ حَمْلًا عَلَى الْجِنْسِ وَالْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ كَعَائِشَةَ طَالِقٌ وَلَهُ زَوْجَتَانِ مِسْمَاتَانِ بِعَائِشَةَ وَكَحَلِفِهِ لَا يَنْظُرُ لِعَيْنٍ مُرِيدًا أَحَدَ مَعَانِيهَا ( إنْ نَافَتْ وَسَاوَتْ ) .
ابْنُ غَازِيٍّ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَلَقٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي تُنِيفُ أَيْ تَزِيدُ وَاَلَّتِي تُسَاوِي أَيْ تُطَابِقُ لَيْسَتْ مُخَصِّصَةً وَلَا مُقَيِّدَةً وَإِنَّمَا الْمُخَصِّصَةُ وَالْمُقَيِّدَةُ الَّتِي تَنْقُصُ فَالْوَجْهُ

أَنْ يُقَالَ : وَاعْتُبِرَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ إنْ نَافَتْ أَوْ سَاوَتْ وَإِلَّا خُصِّصَتْ وَقُيِّدَتْ كَمَا قَالَ الْقَاضِي فِي تَلْقِينِهِ بِعَمَلٍ عَلَى النِّيَّةِ إذَا كَانَتْ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ مِنْ اللَّفْظِ بِأَنْ كَانَتْ مُطَابِقَةً لَهُ أَوْ زَائِدَةً فِيهِ أَوْ نَاقِصَةً عَنْهُ بِتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ أَوْ تَخْصِيصِ عَامِّهِ ، ثُمَّ قَالَ وَذَلِكَ كَالْحَالِفِ لَا آكُلُ رُءُوسًا أَوْ بَيْضًا أَوْ لَا أَسْبَحُ فِي نَهْرٍ أَوْ غَدِيرٍ ، فَإِنْ قَصَدَ مَعْنًى عَامًّا وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ أَوْ مَعْنًى خَاصًّا وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ حُكِمَ بِنِيَّتِهِ إذَا قَارَنَهَا عُرْفُ التَّخَاطُبِ كَالْحَالِفِ لَا أَشْرَبُ لِفُلَانٍ مَاءً يَقْصِدُ قَطْعَ الْمَنِّ مِنْهُ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ مَالِهِ ، وَكَذَا لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ زَوْجَتِهِ بِقَصْدِ قَطْعِ الْمَنِّ دُونَ عَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلِحُسْنِ عِبَارَةِ التَّلْقِينِ انْتَحَلَهَا صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ إعْجَابًا بِهَا وَحَوْلَ دَنِّهَا دَنْدَنَ .
ابْنُ عَرَفَةَ إذْ قَالَ : وَالنِّيَّةُ إنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أَوْ خَالَفَتْهُ بِأَشَدَّ اُعْتُبِرَتْ وَإِلَّا فَطُرُقٌ إلَخْ ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ وَقَيَّدَتْ كَأَنْ نَافَتْ أَوْ سَاوَتْ بِزِيَادَةِ الْكَافِ وَالْعَطْفِ بِأَوْ لَكَانَ أَمْثَلَ .
فَإِنْ قُلْت : لَعَلَّ نَافَتْ مِنْ بَابِ الْمُنَافَاةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ النَّفْيِ فَيَرْجِعُ لِمَعْنَى النَّقْصِ وَتَكُونُ الزَّائِدَةُ وَالْمُطَابَقَةُ أَحْرَى بِالِاعْتِبَارِ وَالْمُسَاوَاةِ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الْمُعَادَلَةِ فِي الِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ ، أَيْ أَمْكَنَ أَنْ يَقْصِدَ بِاللَّفْظِ الصَّادِرِ عَنْهُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ نَوَاهُ وَأَمْكَنَ أَنْ لَا يَقْصِدَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ وَيَشْفَعُ لَهُ مُحَاذَاةُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَإِنْ تَسَاوَيَا قُبِلَتْ ، وَيُنْعِشُهُ عَطْفُ سَاوَتْ بِالْوَاوِ دُونَ أَوْ ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ كَأَنْ خَالَفَتْ كَأَنْ لَمْ تُسَاوِ .
قُلْت لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ إلَّا اسْتِعْمَالُ نَافٍ فِي الْمُنَافَاةِ الَّتِي هِيَ

الْمُضَادَّةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ كَافِيًا فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ ، وَلَوْلَا خَشْيَةُ السَّآمَةِ لَطَرَقْنَا فِيهِ احْتِمَالًا آخَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
ا هـ .
كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ .
عب إنْ نَافَتْ رَاجِعٌ لَخَصَّصَتْ مِنْ الْمُنَافَاةِ أَيْ خَالَفَتْ نِيَّتُهُ ظَاهِرَ لَفْظِهِ ، وَأَصْلُهُ نَافَيَتْ تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلْفًا ثُمَّ حُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ قَالَهُ الْحَطّ ، أَيْ شَرْطُ الْمُخَصِّصِ كَوْنُهُ مُنَافِيًا لِلْعَامِّ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا وَنَوَى سَمْنَ ضَأْنٍ فَإِنَّ نِيَّتَهُ لَا تُخَصِّصُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِلْعَامِّ خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ ، وَإِنْ نَوَى إخْرَاجَ سَمْنِ غَيْرِ الضَّأْنِ لِيَأْكُلَهُ نَافَتْ نِيَّتُهُ الْعَامَّ فَخَصَّصَتْهُ ، وَعَلَى هَذَا الْقَرَافِيُّ وَالْمُقْرِي وَابْنُ رَاشِدٍ وَغَيْرُهُمْ ، وَهَلْ بِيَمِينٍ أَمْ لَا ، وَالْأَقْرَبُ تَوَجُّهُهَا احْتِيَاطًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ .
فَإِنْ قُلْت : الْحَالِفُ فِي الْحَالَتَيْنِ قَصْدُهُ عَدَمُ أَكْلِ سَمْنِ الضَّأْنِ وَأَكْلِ غَيْرِهِ فَلِمَ افْتَرَقَتْ نِيَّةُ سَمْنِ الضَّأْنِ مِنْ نِيَّةِ إخْرَاجِ سَمْنِ غَيْرِهِ .
قُلْت أَشَارَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلْفَرْقِ بِمَا حَاصِلُهُ : أَنَّ نِيَّةَ إخْرَاجِ سَمْنِ غَيْرِ الضَّأْنِ نِيَّةٌ مُنَافِيَةٌ وَنِيَّةَ سَمْنِ الضَّأْنِ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ .
وَشَرْطُ الْمُخَصِّصِ الْمُنَافَاةُ .
الْبُنَانِيُّ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ ز كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَصْلُهُ لِلْقَرَافِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ قَاسُوا التَّخْصِيصَ بِالنِّيَّةِ عَلَى التَّخْصِيصِ بِاللَّفْظِ فِي شَرْطِ الْمُنَافَاةِ ، قَالَ الْأُصُولِيُّونَ لَا يُخَصِّصُ كَلَامٌ كَلَامًا إلَّا إذَا كَانَ مُنَافِيًا لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } مَعَ قَوْله تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } .
فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنَافٍ لَهُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ } ، مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ وَقَدْ مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ { هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ } فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُخَصِّصُهُ بِجِلْدِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَلِذَا قَالُوا ذِكْرُ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ لَا يُخَصِّصُهُ فَبَنَى الْقَرَافِيُّ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ جَاعِلًا النِّيَّةَ كَاللَّفْظِ فِي تَفْصِيلِهِ زَاعِمًا أَنَّ أَكْثَرَ مُفْتِي عَصْرِهِ جَهِلُوهُ فِيمَنْ قَالَ لَا آكُلُ بَيْضًا وَنَوَى بَيْضَ الدَّجَاجِ ، فَإِنْ نَوَى إخْرَاجَ بَيْضِ غَيْرِهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِبَيْضِ الدَّجَاجِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إخْرَاجَهُ وَنَوَى بِالْبَيْضِ بَيْضَ الدَّجَاجِ حَنِثَ بِالْجَمِيعِ وَهُمْ قَالُوا : لَا يَحْنَثُ إلَّا بِبَيْضِ الدَّجَاجِ مُطْلَقًا ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ كَابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ يُونُسَ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمْ ، فَفِي التَّلْقِينِ فَإِنْ قَصَدَ مَعْنًى عَامًّا وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ أَوْ مَعْنًى خَاصًّا وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ حُكِمَ بِنِيَّتِهِ ا هـ .
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْحَقُّ وَقَدْ رَدَّ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ مُبَارَكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ قِيَاسَ النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ لَا يَصِحُّ لِظُهُورِ الْفَارِقِ وَهُوَ أَنَّ الْمُخَصَّصَ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لَفْظِيٌّ لَمْ يُقَارِنْ مُخَصِّصَهُ فِي الزَّمَانِ لِاسْتِحَالَةِ النُّطْقِ بِهِمَا دَفْعَةً ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ فَبَقِيَ ذَلِكَ الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى خَصَّصَهُ الْمُخَصِّصُ بِخِلَافِ الْمَقِيسِ فِي مَسْأَلَتِنَا ، فَإِنَّ الْمُخَصِّصَ فِيهِ هِيَ النِّيَّةُ وَمُقَارَنَتُهَا مُمْكِنَةٌ بَلْ وَاجِبَةٌ إذْ لَوْ تَأَخَّرَتْ مَا أَفَادَتْ ، وَإِذَا قَارَنَتْ أَوْ تَقَدَّمَتْ لَمْ يَبْقَ الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يُخَصَّصَ بِهَا فَلَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا الْمَنْوِيَّ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ وَهِيَ الْمُحَاشَاةُ فَبَطَلَ قَوْلُهُ النِّيَّةُ هُنَا مُؤَكِّدَةٌ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَلَا تَنْفِي الْحُكْمَ عَنْ غَيْرِهِ ا هـ .
وَرَدَّ أَيْضًا بِأَنَّ

النِّيَّةَ أَوَّلٌ مُعْتَبَرٌ فِي الْيَمِينِ ثُمَّ السَّبَبُ وَالْبِسَاطُ ، فَإِذَا اقْتَضَى السَّبَبُ أَوْ الْبِسَاطُ تَقْيِيدَهَا أَوْ تَخْصِيصَهَا لِدَلَالَتِهِمَا عَلَى قَصْدِ التَّخْصِيصِ أَوْ التَّقْيِيدِ ، فَاعْتِبَارُ التَّقْيِيدِ وَالتَّخْصِيصِ الْمَنْوِيَّانِ أَوْلَى .
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْفَاسِيُّ وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ أَنَّ النِّيَّةَ تُخَصِّصُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنْ لَا تُرَتَّبَ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ إلَّا عَلَى النِّيَّاتِ ، وَالْمَقْصُودُ وَمَا لَيْسَ مَنْوِيَّا وَلَا مَقْصُودًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ .
ابْنُ الشَّاطِّ لَمْ يَحْمِلْ شِهَابُ الدِّينِ فِيمَا قَالَهُ فِي هَذَا إلَّا تَوَهُّمَهُ أَنَّ حُكْمَ النِّيَّاتِ كَحُكْمِ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَدْلُولَاتِ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ السَّبْتِيُّ فِي اخْتِصَارِ الْفُرُوقِ يَرِدُ عَلَى الْقَرَافِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُ نَاوِيًا لَكَانَ غَافِلًا عَنْ غَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا كَتَّانًا غَافِلًا عَنْ غَيْرِهِ ، وَهَذَا لَا يَحْنَثُ فِيهِ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ .
ابْنُ مَرْزُوقٍ رَدَّ عَلَى الْقَرَافِيِّ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ أَلَّفَ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُمْ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ أَبُو مُوسَى الْإِمَامُ بِمَا يَطُولُ جَلْبُهُ وَتَأَمَّلْ كَثْرَةَ مَا وَقَعَ مِنْ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ مَا نَوَى وَلَمْ يُقَيِّدُوهَا بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ بِأَنْ يَتَعَرَّضَ عِنْدَ نِيَّةِ مَا نَوَى مِنْ الْأَفْرَادِ إلَى إخْرَاجِ غَيْرِهِ ، فَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ صَحِيحًا لَنَبَّهُوا عَلَيْهِ ، وَيُقَالُ نِيَّةُ الْحَالِفِ بَعْضَ الْأَفْرَادِ عِنْدَ الْيَمِينِ تَسْتَلْزِمُ إخْرَاجَ غَيْرِهِ ، كَمَنْ حَلَفَ لَا دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ وَنَوَى شَهْرًا أَوْ لَا أَكَلَتْ سَمْنًا وَنَوَى سَمْنَ بَقَرٍ ا هـ .
فَتَبَيَّنَ ضَعْفُ طَرِيقَةِ الْقَرَافِيِّ ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي

حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ الْحَطّ وز ، وَلَا سِيَّمَا الْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى فَيُفَسِّرُ نَافَتْ بِخَالَفَتْ ، وَهِيَ إشَارَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِصُورَةٍ أَوْ صُوَرٍ وَالنِّيَّةُ الْمُخَصِّصَةُ تَنْفِيهِ عَنْهَا .
ا هـ .
فَالْقَيْدُ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ كَاشِفٌ لِصُورَةِ التَّخْصِيصِ إذْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهَا ذَلِكَ فَالشَّرْطُ لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ وَهَذَا الْحَمْلُ هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو زَيْدٍ وَبَابَا وطفي وَغَيْرُهُمْ .
طفي هَذَا أَمْثَلُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ فِيهِ قُبْحُ اسْتِعْمَالِ الْمُنَافَاةِ وَهِيَ الْمُضَادَّةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى لِقَوْلِ الْحَطّ لَا قُبْحَ فِيهِ لِوُقُوعِهِ فِي عِبَارَةِ الْقَرَافِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا .
قُلْت وَفِي اعْتِرَاضِ الْحَطّ عَلَى ابْنِ غَازِيٍّ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَرَافِيَّ اسْتَعْمَلَ الْمُنَافَاةَ فِي الْمُضَادَّةِ فِي الْحُكْمِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَشْتَرِطْ إلَّا الْمُخَالَفَةَ الصَّادِقَةَ بِمَا بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مَعَ فَقْدِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا ، لَكِنْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُجَارَاةِ وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ قَيْدًا كَاشِفًا فَهِيَ بِمَعْنَى الْمُضَادَّةِ لِأَنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ مُخَصِّصَةً لَزِمَهَا نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا الْمَنْوِيِّ ، وَهَذَا مُضَادٌّ لِحُكْمِ الْعَامِّ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ابْنِ غَازِيٍّ وَمَا انْبَنَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
عب وَسَاوَتْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَقَيَّدَتْ أَيْ مِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُقَيِّدَةِ لِلْمُطْلَقِ أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً بِأَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحَالِفِ يَحْتَمِلُ مَا نَوَاهُ وَغَيْرَهُ عَلَى السَّوَاءِ ، فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ مُطْلَقًا فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ كَأَحَدِ عَبِيدِي حُرٌّ ، وَيُرِيدُ نَاصِحًا مَثَلًا ، وَفِي تَعْيِينِ أَحَدِ مَحَامِلِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ كَعَائِشَةَ

طَالِقٌ وَلَهُ زَوْجَتَانِ كِلْتَاهُمَا اسْمُهَا عَائِشَةُ ، وَقَالَ أَرَدْت بِنْتَ فُلَانٍ وَكَلَا نَظَرْت عَيْنًا وَأَرَادَ الذَّهَبَ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَقَيَّدَتْ إلَخْ هَذَا ظَاهِرُ التَّوْضِيحِ ، وَعَلَيْهِ جَرَى الشَّارِحُ وَالتَّحْقِيقُ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ وَأَحْمَدُ ، أَصْلُهُ لِابْنِ غَازِيٍّ وَالْحَطّ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُعْتَبَرَةٌ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ مَعًا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ كَأَنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ إلَخْ وَالْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الْمَنْوِيِّ وَظَاهِرِ اللَّفْظِ إمَّا بِرُجْحَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارَيْ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَكَوْنِهَا مَعَهُ ، وَإِمَّا فِي الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ كَمَا فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَتَبْيِينِ الْمُشْتَرَكِ .
وَتَنَازَعَ خَصَّصَتْ وَقَيَّدَتْ ( فِي ) الْيَمِينِ بِ ( اللَّهِ وَغَيْرِهَا ) وَمَثَّلَ لِلْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ ( كَطَلَاقٍ ) وَعِتْقٍ وَمَشْيٍ لِمَكَّةَ وَصَوْمِ سَنَةٍ ، وَمَثَّلَ لِتَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ الْمُسَاوِيَةِ فَقَالَ ( كَ ) نِيَّةِ ( كَوْنِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا ( مَعَهُ ) أَيْ الْحَالِفِ فِي عِصْمَتِهِ ( فِي ) حَلِفِهِ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ لِمَكَّةَ أَوْ صَدَقَةٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ( لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا ) أَيْ زَوْجَتَهُ الْمَحْلُوفَ لَهَا ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ وَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا وَقَالَ نَوَيْت حَيَاتَهَا مَعِي فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ مَعَ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ، وَكَوْنُ الْمَحْلُوفِ بِهِ طَلَاقُ مَنْ تَزَوَّجَهَا أَوْ عِتْقُ رَقِيقٍ مُعَيَّنٍ ، وَأَمَّا زَوْجَةُ غَيْرِ الْحَالِفِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا إذَا بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَتَزَوَّجَ الْحَالِفُ وَقَالَ نَوَيْت مَا دَامَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ إنْ كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ ، وَرُفِعَ لِلْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ قَالَهُ الْحَطّ أَيْ وَتَعَذَّرَ تَسَرِّيهِ .

الْبُنَانِيُّ النِّيَّةُ الْمُخَصِّصَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ الْعَامِّ لَكِنْ إنْ عَضَّدَهَا عُرْفٌ كَانَتْ الصِّيغَةُ مِنْ الْمُجْمَلِ الَّذِي اسْتَوَى مَحْمِلَاهُ مَثَلًا لِأَنَّهَا دَائِرَةٌ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَجَازِ الرَّاجِحِ وَالْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ بِسَبَبِ الْعُرْفِ وَالْمُخْتَارُ فِيهِ أَنَّهُ مُجْمَلٌ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَنَصُّهُ ، وَفِي تَعَارُضِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ وَالْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ .
ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ مُجْمَلٌ .
ا هـ .
لِرُجْحَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوَجْهٍ فَتُقْبَلُ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِي الْقَضَاءِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَكَوْنِهَا مَعَهُ إلَخْ .
وَشَبَّهَ فِي قَبُولِ التَّخْصِيصِ فَقَالَ ( كَأَنْ خَالَفَتْ ) نِيَّةُ الْحَالِفِ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي نَوَاهُ بِالْعَامِّ ( ظَاهِرَ لَفْظِهِ ) أَيْ الْحَالِفُ الْعَامُّ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ الْعَامُّ لَهُ ، وَالْمُرَادُ بِهِ بِالْمُخَالَفَةِ بَعْدَ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَنْوِيِّ مِنْ الْعَامِّ فَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَسَاوَتْ .
وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النِّيَّةَ الْمُخَالِفَةَ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ قِسْمَانِ : بَعِيدَةٌ عَنْ الْعُرْفِ ، وَلَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا كَمَا سَيَقُولُ لَا إرَادَةً مُعَيَّنَةً إلَخْ وَقَرِيبَةٌ ، أَمَّا مُوَافِقَةٌ لِلْعُرْفِ فَتُقْبَلُ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا .
وَأَمَّا مُخَالِفَةٌ لَهُ قَرِيبَةٌ فَتُقْبَلُ فِي الْفَتْوَى مُطْلَقًا ، وَفِي الْقَضَاءِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا هُنَا .
وَمَثَّلَ لَهَا بِقَوْلِهِ ( كَ ) نِيَّةِ ( سَمْنِ ضَأْنٍ فِي ) حَلِفِهِ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِهَا ( لَا آكُلُ ) بِضَمِّ الْكَافِ عَقِبَ الْهَمْزِ الْمَمْدُودِ ( سَمْنًا ) فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ وَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ سَمْنِ الضَّأْنِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ يُونُسَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا تَقَدَّمَ .
عج إذَا حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى

هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْمُنَافَاةِ فِي قَوْلِهِ إنْ نَافَتْ مَا يَشْمَلُ الْمُخَالَفَةَ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لَكِنْ يَكُونُ شَرْطُ الْمُنَافَاةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ، أَيْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرْضِ أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ يَصِيرُ التَّخَالُفُ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ضَرُورِيًّا ( أَوْ لَا أُكَلِّمُهُ ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَقَالَ نَوَيْت شَهْرًا مَثَلًا أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ فَظَاهِرُ يَمِينِهِ الْعُمُومُ وَادَّعَى مَا يُخَصِّصُهَا فَيُصَدَّقُ فِي الْفَتْوَى مُطْلَقًا وَالْقَضَاءِ إلَّا فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ .
( وَكَتَوْكِيلِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الضَّرْبِ ( فِي ) حَلِفِهِ بِاَللَّهِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِهَا ( لَا يَبِيعُهُ ) أَيْ الْحَالِفُ الشَّيْءَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَشْتَرِيهِ ( أَوْ لَا يَضْرِبُهُ ) أَيْ الْحَالِفُ الْعَبْدَ مَثَلًا ثُمَّ وَكَّلَ مَنْ بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ ضَرَبَهُ ، وَقَالَ نَوَيْت لَا أُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِي فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا مُطْلَقًا وَفِي الْقَضَاءِ ( إلَّا لِمُرَافَعَةٍ ) أَيْ رَفْعٍ مِنْ غَيْرِ الْحَالِفِ لِلْقَاضِي فَإِنْ ذَهَبَ الْحَالِفُ لِلْقَاضِي بِدُونِ رَفْعِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَهِيَ فَتْوَى كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَوَّاقِ .
( وَبَيِّنَةٌ ) شَهِدَتْ عَلَى الْحَالِفِ بِحَلِفِهِ وَحِنْثِهِ فِيهِ أَيْ مَعَهَا إنْ أَنْكَرَ الْحَلِفَ ( أَوْ إقْرَارٌ ) بِالْحَلِفِ وَادَّعَى أَنَّهُ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ الْمُخَالِفَةُ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ ( فِي ) حَلِفِهِ بِ ( طَلَاقٍ وَعِتْقٍ ) مُعَيَّنٍ ( فَقَطْ ) وَأَمَّا الْعِتْقُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَتُقْبَلُ فِيهِ نِيَّتُهُ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الرَّفْعِ ، وَدَخَلَ بِالْكَافِ حَلِفُهُ بِاَللَّهِ لَيَعْتِقَنَّ عَبِيدَهُ وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي ، أَوْ أَرَدْت بِالْعِتْقِ الْبَيْعَ ، وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ الْمِلْكُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ وَحَلِفُهُ بِاَللَّهِ لَيَعْتِقَنَّ مِنْ عَبِيدِهِ ثَلَاثَةً ،

وَقَالَ أَرَدْت بَيْعَ ثَلَاثِ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّي وَقَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَقَالَ أَرَدْت طَلَاقَهَا لِلْوِلَادَةِ وَقَوْلُهُ نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَقَالَ أَرَدْت ثَلَاثًا مُعَيَّنَةً ، فَيَنْوِي فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فِي الْفُتْيَا لَا فِي مُرَافَعَةٍ وَبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ، وَلَوْ قَالَ جَمِيعُ نِسَائِهِ طَوَالِقُ ثُمَّ قَالَ اسْتَثْنَيْت أَوْ حَاشَيْت فُلَانَةَ نَفَعَهُ فِي الْفَتْوَى لَا إنْ قَالَ نَوَيْت مَا عَدَا فُلَانَةَ ، وَلَوْ قَالَ لِرَجْعِيَّةٍ هِيَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ رَاجَعْتهَا ثُمَّ أَرَادَ نِكَاحَهَا بَعْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا وَقَالَ نَوَيْت مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ صُدِّقَ فِي الْفَتْوَى ، وَلَوْ قَالَ حَلِيمَةُ طَالِقٌ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَأَمَةٌ تُسَمَّيَانِ بِهِ وَقَالَ نَوَيْت أَمَتِي صُدِّقَ مُسْتَفْتِيًا ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
( أَوْ اُسْتُحْلِفَ ) حَلِفًا ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرِهِ أَوْ فِي الْقَضَاءِ ، أَوْ كَوْنِ الطَّلَاقِ مُنْجَزًا وَكَذَا الْعِتْقُ وَسَوَاءٌ كَانَ كَامِلًا أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ آيِلًا إلَيْهِ كَالتَّدْبِيرِ إذَا كَانَ فِي رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، وَصِلَةُ اُسْتُحْلِفَ ( فِي وَثِيقَةٍ ) أَيْ تَوَثَّقَ فِي ( حَقٍّ ) وَلَوْ بِغَيْرِ كِتَابَةٍ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى إلَّا لِمُرَافَعَةٍ ، أَيْ إلَّا إنْ رُفِعَ أَوْ اُسْتُحْلِفَ فِي حَقٍّ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عِنْدَ غَيْرِ حَاكِمٍ ، وَلَوْ حَذَفَ السِّينَ وَالتَّاءَ وَوَثِيقَةً بِأَنْ قَالَ أَوْ حَلَفَ مُطْلَقًا فِي حَقٍّ لَوَافَقَ الرَّاجِحَ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طَلَبِ حَلِفِهِ أَوْ طَلَبِ سَبَبِ حَلِفِهِ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي عِنْدَهُ ، فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ حَقٌّ وَمِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِوَثِيقَةِ حَقٍّ أَمْ لَا وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ وَأَنْكَرَهَا ، وَحَلَفَ لَيْسَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَنَوَى حَاضِرَةً ، وَنَوَى رَبُّهَا الْإِطْلَاقَ وَحَلِفُهُ لِرَبِّ الْحَقِّ

بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ مُحَاشِيًا الزَّوْجَةَ الْمَدْخُولَ بِهَا وَلَمْ يُحَاشِهَا رَبُّ الْحَقِّ ، وَعَقْدُ نِكَاحٍ عَلَى أَنْ لَا يَتَسَرَّى ثُمَّ تَسَرَّى حَبَشِيَّةً وَقَالَ نَوَيْت مِنْ غَيْرِ الْحَبَشِ فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمُعْتَبِرُ نِيَّةُ الْمَحْلُوفِ لَهُ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ .
( لَا ) تُقْبَلُ ( إرَادَةُ ) أَيْ نِيَّةُ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ ( مَيِّتَةٍ ) أَوْ مُطَلَّقَةٍ وَمُعْتَقَةٍ ( أَوْ ) إرَادَةُ ( كَذِبٍ ) ضِدِّ الصِّدْقِ أَيْ إخْبَارٌ بِخِلَافِ مَا عَلِمَهُ الْمُتَكَلِّمُ ( فِي ) قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَفُلَانَةٌ ( طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ أَوْ حَرَامٌ ) وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ فِي الْحِنْثِ أَوْ أَجَّلَهُ بِزَمَنٍ انْقَضَى بِلَا فِعْلٍ فِيهِ وَقَالَ أَرَدْت فُلَانَةَ الْمَيِّتَةَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ ، أَوْ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُعْتَقَةَ فِي الثَّانِي وَكَذَّبَهَا فِي حَرَامٍ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ إنْ رُفِعَ لِلْقَاضِي فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ .
بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( بِفَتْوَى ) حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تُصَدِّقُهُ فِي دَعْوَاهُ إرَادَةَ مَا ذَكَرَ وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا كَكَوْنِهَا حَيَّةً حِينَ يَمِينِهِ ثُمَّ مَاتَتْ وَادَّعَى أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ بِهَا .

ثُمَّ بِسَاطُ يَمِينِهِ ، ثُمَّ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ ثُمَّ مَقْصِدٌ لُغَوِيٌّ ، ثُمَّ شَرْعِيٌّ

( تَكْمِيلٌ ) كَمَا تُخَصِّصُ النِّيَّةُ الْعَامَّ وَتُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ تُعَمِّمُ الْخَاصَّ وَالْمُطْلَقَ مِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ الْآتِي وَبِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ إنْ نَوَى الْمَنَّ وَمِنْ الثَّانِي وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاكَ نَاوِيًا بِهِ جَمِيعَ إخْوَتِكَ ( ثُمَّ ) إنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ أَوْ ضَبَطَهَا خَصَّصَ الْعَامَّ أَوْ قَيَّدَ الْمُطْلَقَ ( بِسَاطٌ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مَقَامُ الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَ سَبَبًا فِيهَا أَوْ لَا فَيُخَصَّصُ الْعَامُّ مَثَلًا إذَا قِيلَ لِشَخْصٍ : لَحْمُ الْبَقَرِ دَاءٌ كَمَا وَرَدَ فَلَا تَأْكُلْهُ يُؤْذِك فَحَلَفَ لَا آكُلُ لَحْمًا وَلَمْ يَقْصِدْ تَعْمِيمًا وَلَا تَخْصِيصًا ، فَيُخَصَّصُ اللَّحْمُ فِي يَمِينِهِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ فَلَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ غَيْرِهِ .
وَكَمَنْ قِيلَ لَهُ : أَنْتَ تُزَكِّي الشُّهُودَ بِشَيْءٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَحَلَفَ لَا يُزَكِّي وَلَا يَنْقُلُهُ فَتُخَصَّصُ الزَّكَاةُ فِي يَمِينِهِ بِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ فَلَا يَحْنَثُ فِيهَا بِتَزْكِيَةِ الْمَالِ .
ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ يَبْتَاعُ لِأَهْلِهِ لَحْمًا فَوَجَدَ زِحَامًا عَلَى الْجَزَّارِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ إنْ اشْتَرَاهُ لَهُمْ فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَعَاتَبُوهُ فَخَرَجَ فَاشْتَرَى كَبْشًا فَذَبَحَهُ وَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهِ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : مَا أَرَاهُ إلَّا وَقَدْ حَنِثَ وَأَرَى هَذَا لَحْمًا .
ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا إذَا كَانَتْ كَرَاهِيَتُهُ لِلزِّحَامِ عَلَى الْمَجْزَرَةِ وَوَجَدَ لَحْمًا أَوْ كَبْشًا فِي غَيْرِهَا فَاشْتَرَاهُ فَأَرَى أَنْ يَنْوِيَ فِيهِ .
ابْنُ رُشْدٍ لَمْ يُرَاعِ الْإِمَامُ الْبِسَاطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَرَاعَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ حَمْلِ الْيَمِينِ عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ إلَّا عِنْدَ الْبِسَاطِ .
وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَرَى أَنْ يَنْوِيَ فِيهِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ كَرَاهِيَةً لِلزِّحَامِ وَلَا يَمِيزُ عَلَيْهِ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ أَوْ اسْتَفْتَى ، وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا

يَشْتَرِيَ لَهُمْ لَحْمًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَقَالَ كُنْت حَلَفْت لِلزِّحَامِ وَلَمْ تَعْلَمْهُ الْبَيِّنَةُ طُلِّقَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ ا هـ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُهُ وَلَوْ مَعَ مُرَافَعَةٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ لَكِنْ بِشَرْطِ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ .
( ثُمَّ ) بَعْدَ الْبِسَاطِ يُخَصِّصُ الْعَامَّ وَيُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ ( عُرْفٌ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ اصْطِلَاحٌ ( قَوْلِيٌّ ) أَيْ عَادَةُ عَامَّةِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْعَامِّ أَوْ الْمُطْلَقِ ، فَيُحْمَلُ الْعَامُّ أَوْ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي جَرَى عُرْفُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْحَالِفِ غَالِبًا .
وَلِأَنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ بِلُغَةٍ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَسْتَعْمِلُ أَهْلُ تِلْكَ اللُّغَةِ فِيهِ ذَلِكَ اللَّفْظَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، كَاخْتِصَاصِ الدَّابَّةِ بِالْحِمَارِ بِمِصْرَ وَبِأُنْثَاهُ فِي قَنْصَةَ وَبِالْفَرَسِ فِي الْعِرَاقِ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ .
وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحِمَارُ مِنْ مَرَاكِبِهِ إذْ الْفَرْضُ عَدَمُ النِّيَّةِ دُونَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَاخْتِصَاصُ الْمَمْلُوكِ بِالْأَبْيَضِ وَالدِّرْهَمِ بِفَلْسِ النُّحَاسِ ، وَقُدِّمَ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ عَلَى الْمَقْصِدِ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ بِمَنْزِلَةِ النَّاسِخِ اللُّغَوِيِّ وَالنَّاسِخُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْسُوخِ .
وَاحْتَرَزَ بِالْقَوْلِيِّ عَنْ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يَتَجَاوَزْ مَعْنَاهُ إلَى فِعْلِهِمْ عِنْدَهُمْ كَحَلِفِهِ لَا آكُلُ خُبْزًا وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَخْبُوزٍ فِي عُرْفِهِمْ ، فَإِذَا كَانَ أَهْلُ بَلَدِهِ لَا يَصْنَعُونَ الْخُبْزَ إلَّا مِنْ الْقَمْحِ فَلَا يُخَصِّصُ عُرْفُهُمْ الْخُبْزَ فِي الْيَمِينِ بِخُبْزِ الْقَمْحِ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِنْ كُلِّ مَخْبُوزٍ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا .
وَفِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ ظَاهِرَ مَسَائِلِ

الْفُقَهَاءِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَإِنْ كَانَ فِعْلِيًّا ، وَنَقَلَ الْوَانُّوغِيُّ عَنْ الْبَاجِيَّ أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ يُعْتَبَرُ مُخَصِّصًا وَمُقَيِّدًا ؛ قَالَ وَبِهِ يُرَدُّ مَا زَعَمَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا بِاعْتِبَارِهِ .
وَفِي الْقَلْشَانِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلِيِّ وَالْفِعْلِيِّ فِي ظَاهِرِ مَسَائِلِ الْفُقَهَاءِ .
وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا الْقَوْلِيُّ .
( ثُمَّ ) إنْ عُدِمَ مَا ذَكَرَ يُخَصِّصُ الْعَامَّ وَيُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ ( مَقْصَدٌ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ أَحْمَدُ وَنَحْوُهُ فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ مَقْصُودٌ ( لُغَوِيٌّ ) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَعْمَلَتْ الْعَرَبُ اللَّفْظَ فِيهِ كَحَلِفِهِ لَا رَكِبَ دَابَّةً ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ بَلَدِهِ عُرْفٌ بِإِطْلَاقِهَا عَلَى شَيْءٍ خَاصٍّ فَتُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَهُوَ كُلُّ مَا دَبَّ أَيْ مَشَى فَيَحْنَثُ بِرُكُوبِ الْآدَمِيِّ وَالطَّيْرِ وَالتِّمْسَاحِ وَكُلِّ مَا دَبَّ ، وَكَحَلِفِهِ لَا يُصَلِّي وَلَا عُرْفَ لَهُمْ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَيَحْنَثُ بِالدُّعَاءِ .
فَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لِلَّفْظِ كَالْمُشْتَرَكِ حُمِلَ عَلَى أَظْهَرِ مَعَانِيهِ ، فَإِنْ اسْتَوَتْ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي مُجْتَهِدٍ تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ أَدِلَّةٌ بِلَا تَرْجِيحٍ ، فَقِيلَ يَأْخُذُ بِالْأَثْقَلِ وَقِيلَ بِالْأَخَفِّ ، وَقِيلَ بِمَا شَاءَ ، فَالْمُرَادُ بِالتَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ هُنَا مُطْلَقُ الْحَمْلِ لَا الْمَعْنَيَانِ السَّابِقَانِ لِانْتِفَائِهِمَا هُنَا .
( ثُمَّ ) إنْ عُدِمَ مَا ذَكَرَ خَصَّصَ الْعَامَّ وَقَيَّدَ الْمُطْلَقَ مَقْصَدٌ ( شَرْعِيٌّ ) ابْنُ فَرْحُونٍ إنْ كَانَ الْحَالِفُ صَاحِبَ شَرْعٍ أَوْ الْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ شَرْعِيٍّ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ أَوْ لِيَتَوَضَّأَنَّ وَكَحَلِفِهِ لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا فَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ صَبِيٍّ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ تَقْدِيمُ الْمَقْصَدِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْمَقْصَدِ اللُّغَوِيِّ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَسَافَرَ الْقَصْرَ فِي لَأُسَافِرَنَّ ، بَلْ وَعَلَى الْمَقْصَدِ الْعُرْفِيِّ كَمَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ

الَّذِي نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ .
وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ نَاسِخٌ لَهُ ، وَاسْتَشْكَلَ مَا هُنَا بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ مَعْنًى شَرْعِيٍّ بِدُونِ مَعْنًى لُغَوِيٍّ إذْ الشَّرْعِيُّ فَرْدُ اللُّغَوِيِّ غَالِبًا أَوْ مُسَاوٍ لَهُ كَالظُّلْمِ فَإِنَّهُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ لُغَةً وَشَرْعًا .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُعَرَّبَ وَهُوَ لَفْظٌ غَيْرُ عَلَمٍ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِيمَا وُضِعَ هُوَ لَهُ فِي غَيْرِ لُغَتِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ لَهُ مَدْلُولٌ شَرْعِيٌّ لَيْسَ لَهُ مَدْلُولٌ لُغَوِيٌّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْعِيِّ مَا اسْتَعْمَلَهُ الشَّارِعُ لَا مَا وَضَعَهُ أَهْلُ الشَّرْعِ فَإِذَا حَلَفَ لَا وَزْنَ بِالْقِسْطَاسِ حَنِثَ بِوَزْنِ الْمِيزَانِ إذْ هُوَ مَعْنَى الْقِسْطَاسِ شَرْعًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ لُغَةً لَا يُقَالُ الْمَدْلُولُ الشَّرْعِيُّ مَدْلُولٌ عُرْفِيٌّ فَيَتَكَرَّرُ مَعَهُ لِأَنَّا نَقُولُ : الْمَدْلُولُ الْعُرْفِيُّ يُطْلَقُ عَلَى الْعُرْفِ الْخَاصِّ كَالشَّرْعِيِّ وَالنَّحْوِيِّ وَعَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الثَّانِي .

وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ .
وَلَا بِسَاطٌ بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ سَرِقَةٍ ، لَا بِكَمَوْتِ حَمَامٍ فِي لَيَذْبَحَنَّهُ

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ مِنْ النِّيَّةِ وَمَا بَعْدَهَا شَرَعَ فِي فُرُوعٍ تَنْبَنِي عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا أُصُولٌ أَيْضًا ، وَقَاعِدَتُهُ غَالِبًا الْإِتْيَانُ بِالْبَاءِ لِلْحِنْثِ وَبِ لَا لِعَدَمِهِ فَقَالَ ( وَحَنِثَ ) الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرِهِ ( إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ) أَيْ الْحَالِفِ ( نِيَّةٌ ) تُخَصِّصُ لَفْظَهُ الْعَامَّ وَتُقَيِّدُ لَفْظَهُ الْمُطْلَقَ ( وَلَا ) لِيَمِينِهِ ( بِسَاطٌ ) أَيْ قَرِينَةٌ مُخَصِّصَةٌ أَوْ مُقَيِّدَةٌ .
وَصِلَةُ حَنِثَ ( بِ ) سَبَبِ ( فَوْتِ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مَصْدَرِ فَاتَ أَيْ انْتِفَاءِ ( مَا ) أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي ( حَلَفَ ) الْمُكَلَّفُ ( عَلَيْهِ ) لِغَيْرِ مَانِعٍ بَلْ ( وَلَوْ ) فَاتَ ( لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ ) كَحَيْضٍ فِي حَلِفِهِ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا فَيَحْنَثُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَحُمِلَ مِنْهُ فِي لَيَبِيعَنَّ الْأَمَةَ .
( أَوْ ) فَاتَ لِمَانِعٍ عَادِيٍّ كَ ( سَرِقَةِ ) حَمَامٍ فِي حَلِفِهِ لَيَذْبَحَنَّهُ ( لَا ) يَحْنَثُ إنْ فَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ ( كَمَوْتِ حَمَامٍ ) فِي حَلِفِهِ ( لَيَذْبَحَنَّهُ ) إنْ أَقَّتَ أَوْ بَادَرَ فَإِنْ فَرَّطَ حَتَّى حَصَلَ فَيَحْنَثُ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَانِعِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْيَمِينِ ، وَأَمَّا إنْ تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ شَرْعِيًّا حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا ، فَأَقْسَامُ الْمَانِعِ ثَلَاثَةٌ قِسْمٌ يَحْنَثُ بِهِ مُطْلَقًا تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَقَّتَ أَوْ لَا فَرَّطَ أَوْ لَا وَهُوَ الشَّرْعِيُّ ، وَقِسْمٌ لَا يَحْنَثُ بِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْعَقْلِيُّ وَالْعَادِيُّ الْمُتَقَدِّمَانِ عَلَى الْيَمِينِ وَقَّتَ أَوْ لَا فَرَّطَ أَوْ لَا وَقِسْمٌ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ الْعَقْلِيُّ وَالْعَادِيُّ الْمُتَأَخِّرَانِ عَنْهَا فَالْعَادِيُّ يَحْنَثُ بِهِ مُطْلَقًا وَقَّتّ أَوْ لَا فَرَّطَ أَوْ لَا ، وَالْعَقْلِيُّ يَحْنَثُ بِهِ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ وَفَرَّطَ لَا إنْ وَقَّتَ أَوْ بَادَرَ ، وَنَظَمَ هَذَا عج فَقَالَ : إذَا فَاتَ مَحْلُوفٌ

عَلَيْهِ لِمَانِعٍ فَإِنْ كَانَ شَرْعِيًّا فَحِنْثُهُ مُطْلَقَا كَعَقْلِيِّ أَوْ عَادِيِّ إنْ يَتَأَخَّرَا وَفَرَّطَ حَتَّى فَاتَ دَامَ لَكَ الْبَقَا وَإِنْ أَقَّتَ أَوْ قَدْ كَانَ مِنْهُ تَبَادُرٌ فَحِنْثُهُ بِالْعَادِيِّ لَا غَيْرُ مُطْلَقَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُمَا فَلَا حِنْثَ فِي حَالٍ فَخُذْهُ مُحَقَّقَا وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ وَسَحْنُونٌ بِعَدَمِهِ فِي حَمْلِ الْأَمَةِ ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ عَدَمَهُ فِي الْعَادِيِّ الْمُتَأَخِّرِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ إذَا قَيَّدَ بِاللَّيْلَةِ مَثَلًا فَاسْتَغْرَقَهَا الْحَيْضُ ، قَالَ طفي لَمْ يَذْكُرُوا الْحَيْضَ إلَّا فِي الْمُوَقَّتَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ غَيْرُ الْمُوَقَّتَةِ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِيهَا بِطُرُوئِهِ فِي قَوْلِهِ لَأَطَأَنَّهَا ، وَيَنْتَظِرُ رَفْعَهُ إذْ لَا تَعَذُّرَ فَافْهَمْ ، وَحَنِثَ بِالشَّرْعِيِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ لِإِمْكَانِ الْفِعْلِ مَعَهُ بِخِلَافِهِمَا وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَبَرُّ بِفِعْلِهِ مَعَهُ .

وَبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ

وَ ) حَنِثَ ( بِعَزْمِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ ( عَلَى ضِدِّهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ لَا فِي يَمِينِ الْبِرِّ خِلَافًا للِشَّارِحِ قَالَهُ عب .
طفي لَمْ أَرَ هَذَا الْفَرْعَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَلِذَا كُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ شُرَّاحِهِ إنَّمَا فَسَّرُوهُ بِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ كَالشَّارِحِ وَابْنِ غَازِيٍّ وَالْمَوَّاقِ ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ قَالَ فِي مَدَارِكِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ .
السَّادِسُ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ ، وَهِيَ عَلَى حِنْثٍ .
ا هـ .
وَجَرَى عَلَى هَذَا فِي كِفَايَةِ اللَّبِيبِ فِي كَشْفِ غَوَامِضِ التَّهْذِيبِ ، فَاسْتَشْكَلَ قَوْلَهُ فِي كِتَابِ النُّذُورِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَلْقَةً ثُمَّ يَرْتَجِعْهَا فَتَزُولُ يَمِينُهُ .
وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا كَانَ عَلَى بِرٍّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا مَضَى الْأَجَلُ ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ا هـ .
قَوْلَهُ فَأَرَادَ إلَخْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِعَدَمِ التَّزْوِيجِ فَالطَّلَاقُ الْمُعَجَّلُ لَا يَحِلَّ الْيَمِينَ ، وَإِنَّمَا مَبْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الزَّوَاجِ فَعَزْمُهُ هَذَا هُوَ حِنْثُهُ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ بِحِنْثِهِ لَا أَنَّهُ يُنْشِيهَا ، وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ كَعَدَمِ الْفِعْلِ .
فَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ الْيَأْسِ ، أَوْ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ التَّزْوِيجِ ، فَجَعَلَ الْعَزْمَ يَقُومُ مَقَامَ تَعَذُّرِ الْفِعْلِ ، فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ طَلَّقَهَا مَعْنَاهُ تَسَبَّبَ فِي طَلَاقِهَا لِعَزْمِهِ .
ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا مُعْتَمَدَ لَهُ سِوَى كَلَامِ الْجَوَاهِرِ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ لَا أَعْرِفُهُ ، وَقَدْ تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ

وَالْمُصَنِّفُ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الظِّهَارِ ، وَأَبْقَى ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَجَمِيعُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا أَوْ نَقَلَ كَلَامَهَا عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجِبُ حِنْثًا ، وَلَوْ كَانَ يُوجِبُهُ مَا احْتَاجُوا إلَى تَحْنِيثِهِ بِتَطْلِيقِ زَوْجَتِهِ فِي حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا ، وَعِبَارَاتُهُمْ كُلُّهُمْ : لَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ وَيُطَلِّقَهَا فَيَلْزَمُ الْقَرَافِيُّ أَنْ يَسْتَشْكِلَ جَمِيعُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ .
وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ قَوْلُ الْقَلْشَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ : مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ بِعَزْمِهِ أَوْ لَا عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ أَوْ لَا ، نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ حِنْثَهُ بِعَزْمِهِ ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ فَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةً مَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ مَا نَصُّهُ حَيْثُ كَانَتْ عِبَارَاتُهُمْ مَا ذُكِرَ فَذَاكَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِهِمْ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَحْنِيثِهِ نَفْسَهُ إلَّا عَزْمَهُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ ، فَالْعَزْمُ حِنْثٌ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِمِثْلِ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ ، وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ ابْنِ حَارِثٍ اتَّفَقُوا فِي ذَاتِ الْحِنْثِ عَلَى جَوَازِهَا قَبْلَهُ إنْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الْبِرِّ ، وَفِي ذَاتِ الْبِرِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهَا عَنْهُ .
مُحَمَّدٌ مَعْنَى إجْزَائِهَا قَبْلَهُ أَنَّهُ حِنْثٌ بِعَزْمٍ ا هـ طفي .
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّكْفِيرَ قَبْلَ الْحِنْثِ يَجُوزُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مُطْلَقًا كَانَتْ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ ، وَفِي غَيْرِهَا إنْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ لَا إنْ كَانَتْ عَلَى بِرٍّ إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ آخِرَ الثَّلَاثِ أَوْ الْعِتْقُ فِي مُعَيَّنٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ

خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ قَالَ فِيهَا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا فَتَزُولُ يَمِينُهُ ، وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا كَانَ عَلَى بِرٍّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ قَبْلَهُ ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا مَضَى وَلَمْ يَفْعَلْ .
ا هـ .
فَأَنْتَ تَرَى مَذْهَبَهَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ جَوَازَ التَّحْنِيثِ قَبْلَ الْفِعْلِ إذَا لَمْ يُؤَجِّلْ وَإِلَّا فَلَا كَصِيغَةِ الْبِرِّ ، هَذَا فِي غَيْرِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ ، وَأَمَّا هِيَ فَلَهُ التَّكْفِيرُ فِي الْبِرِّ قَبْلَ الْحِنْثِ وَالْأَوْلَى بَعْدَهُ ، وَفِي الْحِنْثِ إنْ لَمْ يُؤَجِّلْ وَإِلَّا فَلَا .
وَلَمَّا نَقَلَ الْمَوَّاقُ كَلَامَ التَّهْذِيبِ الْمُتَقَدِّمَ وَنَقَلَ أَيْضًا قَوْلَهُ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ ا هـ .
وَقَالَ قَبْلَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ فَأَمَّا فِي يَمِينِهِ لَا أَفْعَلُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ بَعْدَ الْحِنْثِ ، فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ وَكَذَا فِي يَمِينِهِ لَأَفْعَلَنَّ كَقَوْلِهِ لَأَضْرِبَنَّهُ أَوْ لَأُكَلِّمَنَّهُ وَلَمْ يُؤَجِّلْ فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَ ، وَإِنْ أَجَّلَ فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ ا هـ .
قَالَ فَحَصَلَ أَنَّ مَذْهَبَهَا أَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ إنْ كَانَ عَلَى بِرٍّ فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ حِنْثِهِ وَالْأَوْلَى بَعْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ فَإِنْ لَمْ يُؤَجِّلْ فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَ ، وَإِنْ أَجَّلَ فَلَا حَتَّى يَمْضِيَ .
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهَا وَأَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَكَذَا أَبُو الْحَسَنِ قَائِلًا فِي قَوْلِهَا مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ أَجَّلَ فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ .
ا هـ .
الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ .
ا هـ .
فَعَلَى هَذَا

يُقَيَّدُ الْمَشْهُورُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ بِكَلَامِهَا فَتُوَافِقُهُ ، وَإِنْ أَطْلَقَهُ النَّاقِلُونَ .
وَقَدْ لَخَّصَ الْحَطّ مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَنَظَّمَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْصِيلَهَا وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ بِحَالٍ وَقَدْ حَقَّقْنَا لَك الْمَسْأَلَةَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَقَيَّدَ الْحَطّ وَسَالِمٌ وَعِجْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ بِصِيغَةِ الْحِنْثِ وَأَبْقَوْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ تَقْلِيدًا مِنْهُمْ لِلْقَرَافِيِّ ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا قَالُوهُ وَكُنْ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ لَا بِتَقْلِيدِ الرِّجَالِ ، وَقَدْ تَوَرَّكَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَاَلَّذِي فِيهَا وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَخْ ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ .
بَعْضُ شُيُوخِنَا وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْعَزْمِ فِي الطَّلَاقِ فَأَوْلَى الْيَمِينُ بِاَللَّهِ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ نَعَمْ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِالْعَزْمِ لِمَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ هُنَا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّهُ : اُنْظُرْ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَالْمَشْيِ وَالصَّدَقَةِ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ أَرَادَ إذَا حَلَفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ فِي الطَّلَاقِ فَقَطْ فَيُطَلِّقَ وَاحِدَةً لِيَرْتَجِعَ وَيَطَأَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ بَرَّ بِالتَّزْوِيجِ قَبْلَ الْمَوْتِ سَقَطَ عَنْهُ الْمَشْيُ وَالصَّدَقَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى مَاتَ فَالصَّدَقَةُ فِي ثُلُثِهِ لِأَنَّ حِنْثَهُ إنَّمَا وَجَبَ بِمَوْتِهِ ا هـ .
وَلِمَا فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ قَالَ : إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ لِيُحِلَّ الْيَمِينَ فَابْتَدَأَ الْكَفَّارَةَ ، فَلَمَّا صَامَ أَيَّامًا أَرَادَ أَنْ يَبَرَّ بِالتَّزْوِيجِ عَلَيْهَا قَالَ : إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ ، هَذَا كَلَامُ السَّمَاعِ

وَمِثْلُهُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ إذْ لَوْ حَنِثَ بِهِ مَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ بِالتَّزْوِيجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَبِالنِّسْيَانِ إنْ أَطْلَقَ ، وَبِالْبَعْضِ عَكْسُ الْبِرِّ ، وَبِسَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ فِي لَا آكُلُ ، لَا مَاءٍ

وَ ) إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَفَعَلَهُ نَاسِيًا حَنِثَ ( بِالنِّسْيَانِ ) أَيْ يَفْعَلُهُ نَاسِيًا ( إنْ أَطْلَقَ ) الْحَالِفُ يَمِينَهُ أَيْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِعَدَمِ النِّسْيَانِ ، فَإِنْ قَيَّدَ بِعَدَمِ النِّسْيَانِ بِأَنْ قَالَ : مَا لَمْ أَنْسَ أَوْ إلَّا نَاسِيًا فَلَا يَحْنَثُ بِالنِّسْيَانِ ، وَمِثْلُ النِّسْيَانِ الْخَطَأُ وَالْجَهْلُ مِثَالُ الْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ حَلِفُهُ لَا دَخَلَ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهَا غَيْرُهَا فَيَحْنَثُ .
وَفِي الْقَوْلِ حَلَفَ لَا يَذْكُرُ فُلَانًا فَذَكَرَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ اسْمُ غَيْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لَا كَلَّمْت فُلَانًا فَكَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ فَيَحْنَثُ .
وَمِثَالُ الْجَهْلِ أَنْ يَعْتَقِدَ مَنْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ وَقْتَ كَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ فِيهِ فَلَا يَدْخُلُهَا حَتَّى يَمْضِيَ الْوَقْتُ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ ذِي أَجْزَاءٍ حَنِثَ ( بِ ) فِعْلِ ( الْبَعْضِ ) مِنْهُ كَحَلِفِهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ لُقْمَةً مِنْهُ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَالَ كُلَّهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَأَيَّدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِ كُلٍّ بِمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ فَتَتَعَلَّقُ يَمِينُهُ بِالْأَجْزَاءِ وَهَذَا حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ شَرْطَ إفَادَةِ كُلٍّ الْكُلِّيَّةَ أَنْ لَا تَكُونَ فِي حَيِّزِ نَفْيٍ وَإِلَّا فَلَا تَسْتَغْرِقُ غَالِبًا كَقَوْلِهِ : مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } ، إلَّا أَنْ يُقَالَ رُوعِيَ فِي الْمَشْهُورِ الْوَجْهُ الْقَلِيلُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَدْنَى الْوُجُوهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
وَأَرَادَ بِالْبَعْضِ جُزْءَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ جُزْءَ شَرْطٍ فَفِيهَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا عَتَقَتْ ، وَفِيهَا أَيْضًا مَا يُنَاقِضُ هَذَا وَهُوَ إذَا قَالَ لِأَمَتَيْهِ أَوْ زَوْجَتَيْهِ

إنْ دَخَلْتُمَا هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتُمَا حُرَّتَانِ أَوْ طَالِقَتَانِ فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ تَعْتِقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا .
ا هـ .
وَقَدْ حَصَلَ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْهُمَا فِعْلُ جُزْءِ الشَّرْطِ ، وَحُمِلَ هَذَا عَلَى كَرَاهَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهَا لِمَا يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّرِّ .
وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عِتْقَهُمَا مَعًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا تَعْتِقُ الدَّاخِلَةُ وَحْدَهَا وَقَالَهُ أَشْهَبُ .
( عَكْسٌ ) أَيْ خِلَافُ ( الْبِرِّ ) فِي يَمِينِ الْحِنْثِ فَلَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَى فِعْلِهِ كَحَلِفِهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَلَا يَبَرُّ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ كُلَّهُ ( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) شُرْبِ ( سَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ فِي ) حَلِفِهِ ( لَا آكُلُ ) إنْ قَصَدَ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ بِتَجْوِيعِهَا لِأَنَّهُمَا يُشْبِعَانِ ، فَإِنْ قَصَدَ خُصُوصَ الْأَكْلِ فَلَا يَحْنَثُ .
وَعِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ وَلَوْ حَلَفَ لَا آكُلُ فَشَرِبَ سَوِيقًا أَوْ لَبَنًا حَنِثَ إذَا قَصَدَ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ بِتَرْكِ الْغِذَاءِ وَلَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْأَكْلَ دُونَ الشُّرْبِ لَمْ يَحْنَثْ ا هـ .
وَقَصْدُ التَّضْيِيقِ نِيَّةٌ مُعَمِّمَةٌ وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ اعْتِبَارَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ الْمَذْكُورَةَ إلَى آخِرِ الْبَابِ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا مَا تَقَدَّمَ .
وَذِكْرُ بَعْضِ الْقُيُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَعْضِهَا تَبَرُّعٌ وَزِيَادَةُ إيضَاحٍ وَتَذْكِيرٌ بِهَا ؛ لِأَنَّ فِي تَنْزِيلِ الْكُلِّيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ نَوْعَ خَفَاءٍ وَمَظِنَّةَ نِزَاعٍ ( لَا ) يَحْنَثُ بِشُرْبِ ( مَاءٍ ) وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا ، وَإِنْ قَامَ مَقَامَهُ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ قَصَدَ التَّضْيِيقَ وَشَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ بِنِيَّةِ الشِّبَعِ حَنِثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَا بِتَسَحُّرٍ فِي لَا أَتَعَشَّى ، وَذَوَاقٍ لَمْ يَصِلْ جَوْفَهُ ، وَبِوُجُودِ أَكْثَرَ فِي لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ لِمُتَسَلِّفٍ لَا أَقَلَّ
( وَلَا ) يَحْنَثُ ( بِتَسَحُّرٍ ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ أَكْلٍ آخِرَ اللَّيْلِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا أَتَعَشَّى ) مَا لَمْ يَقْصِدْ التَّضْيِيقَ بِتَرْكِ الْأَكْلِ فِي لَيْلَتِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ ( وَ ) لَا يَحْنَثُ بِ ( ذَوَاقٍ ) لِطَعَامٍ أَوْ مَاءٍ بِلِسَانِهِ وَ ( لَمْ يَصِلْ ) الْمَذُوقُ ( جَوْفَهُ ) أَيْ الذَّائِقِ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ أَوْ لَا أَشْرَبُ كَذَا ، وَمَفْهُومُهُ حِنْثُهُ إنْ وَصَلَ جَوْفَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَبِالْبَعْضِ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) سَبَبِ ( وُجُودِ ) عَدَدٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَثَلًا فِي جَيْبِهِ أَوْ كِيسِهِ مَثَلًا ( أَكْثَرَ ) مِنْ عَدَدٍ ذَكَرَهُ فِي يَمِينِهِ ( فِي ) حَلِفِهِ بِمَا لَا لَغْوَ فِيهِ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ عَلَى أَنَّهُ ( لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ ) أَيْ الْعَدَدِ الَّذِي ذَكَرَهُ الطَّالِبُ ( لِ ) شَخْصٍ ( مُتَسَلِّفٍ ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ سَائِلٍ أَوْ مُقْتَضٍ لِحَقِّهِ ، فَإِنْ كَانَ حَلِفُهُ بِمَا يُفِيدُ فِيهِ اللَّغْوُ كَاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ وَالْيَمِينِ وَالْكَفَّارَةِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْيَقِينِ قَرِيبًا ( لَا ) يَحْنَثْ بِوُجُودِ عَدَدٍ أَقَلَّ ) مِنْ الْعَدَدِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي يَمِينِهِ وَلَوْ فِيمَا لَا يُفِيدُ فِيهِ اللَّغْوُ لِتَخْصِيصِ الْبِسَاطِ غَيْرَهُ بِالْأَكْثَرِ .

وَبِدَوَامِ رُكُوبِهِ وَلُبْسِهِ فِي : لَا أَرْكَبُ وَأَلْبَسُ ، لَا فِي كَدُخُولِهِ ، وَبِدَابَّةِ عَبْدِهِ فِي دَابَّتِهِ

( وَ ) حَنِثَ ( بِدَوَامِ ) أَيْ إدَامَةِ ( رُكُوبِهِ ) دَابَّةً ( وَ ) إدَامَةِ ( لُبْسِهِ ) ثَوْبًا وَإِدَامَةِ سُكْنَاهُ دَارًا مَعَ إمْكَانِ تَرْكِهِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا أَرْكَبُ ) هَذِهِ الدَّابَّةَ ( وَ ) لَا ( أَلْبَسُ ) هَذَا الثَّوْبَ وَلَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ رَاكِبٌ أَوْ لَابِسٌ أَوْ سَاكِنٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ وَيَبَرُّ بِهِ فِي الْحِنْثِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فِي كُلِّ زَمَنٍ بَلْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَلَا يَحْنَثُ بِنُزُولِهِ لَيْلًا مَثَلًا وَلَا فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَلَا بِنَزْعِ الثَّوْبِ لَيْلًا أَوْ فِي قَائِلَةٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ( لَا ) يَحْنَثُ بِدَوَامِ مُكْثِهِ فِي دَارٍ مَثَلًا ( فِي ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمٍ ( كَدُخُولِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا ، فَإِنْ حَلَفَ حَالَ دُخُولِهَا عَلَى عَدَمِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ حَنِثَ ، وَالسَّفِينَةُ كَالدَّابَّةِ إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُهَا ، وَكَالدَّارِ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا .
وَدَخَلَ بِالْكَافِ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ وَالْحَمْلُ وَالنَّوْمُ فَلَا يَحْنَثُ بِدَوَامِهِ فِي حَلِفِهِ عَلَى حَائِضٍ أَوْ طَاهِرٍ أَوْ حَامِلٍ أَوْ نَائِمَةٍ بِقَوْلِهِ إنْ حِضْت أَوْ طَهُرْت أَوْ حَمَلْت أَوْ نِمْت فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِمْرَارِهَا عَلَى حَالِهَا ، فَلَا يُعَدُّ دَوَامُهُ كَابْتِدَائِهِ بَلْ بِمُسْتَأْنَفٍ مِنْ أَحَدِهَا بِخِلَافِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنْجَزُ قَالَهُ تت .
وَفِي الْمَوَّاقِ وَتَبِعَهُ جَدّ عج لَا يُنْجَزُ وَذَكَرَ الْحَطّ فِيهَا قَوْلَيْنِ .
( وَ ) حَنِثَ بِانْتِفَاعِهِ ( بِدَابَّةِ عَبْدِهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْحَالِفَ أَوْ غَيْرَهُ ( فِي ) حَلِفِهِ لَا يَنْتَفِعُ بِ ( دَابَّتِهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْحَالِفَ أَوْ غَيْرَهُ فَضَمِيرُ عَبْدِهِ يَحْتَمِلُ رُجُوعَهُ لِلْحَالِفِ وَلَهُ حِينَئِذٍ صُورَتَانِ : حَلِفُهُ لَا أَرْكَبُ دَابَّتِي أَوْ لَا يَرْكَبُهَا فُلَانٌ فَيَرْكَبُ هُوَ أَوْ فُلَانٌ دَابَّةَ عَبْدِ الْحَالِفِ فَيَحْنَثُ فِيهِمَا لِأَنَّ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعَ

مَالِهِ وَيَحْتَمِلُ رُجُوعَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَيْ حَلَفَ لَا أَرْكَبُ دَابَّةَ زَيْدٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِ زَيْدٍ فَيَحْنَثُ لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ لَعَتَقَ عَلَيْهِ كَمَا فِيهَا وَلِأَنَّ الْمِنَّةَ تَلْحَقُهُ بِرُكُوبِ دَابَّةِ عَبْدِهِ كَمَا تَلْحَقُهُ بِرُكُوبِ دَابَّةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْحِنْثُ يَقَعُ بِأَقَلِّ الْأَشْيَاءِ ، وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَالْمُكَاتَبُ كَغَيْرِهِ .
وَأَمَّا عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ فَلَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ دَابَّةِ مُكَاتَبِهِ ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَشْيَاخُ عج مُرَاعَاةُ كُلٍّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ فَيَحْنَثُ بِدَابَّةِ مُكَاتَبِهِ مُرَاعَاةً لِلثَّانِيَةِ وَمُرَاعَاتُهَا كَافِيَةٌ فِي الْمُكَاتَبِ وَغَيْرِهِ .
وَمَفْهُومُ عَبْدِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ دَابَّةِ وَلَدِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لِلْوَالِدِ اعْتِصَارُهَا أَفَادَهُ عج ، وَقَالَ سَالِمٌ تَخْصِيصُ عَدَمِ الْحِنْثِ بِأَشْهَبَ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ حِنْثُهُ بِدَابَّةِ وَلَدِهِ أَيْ إنْ كَانَ لِوَالِدِهِ اعْتِصَارُهَا .

وَبِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ فِي لَأَضْرِبَنهُ كَذَا ، وَبِلَحْمِ الْحُوتِ ، وَبَيْضِهِ ، وَعَسَلِ الرُّطَبِ فِي مُطْلَقِهَا وَبِكَعْكٍ ، وَخُشْكَنَانٍ ، وَهَرِيسَةٍ وَإِطْرِيَةٍ فِي خُبْزٍ ، لَا عَكْسِهِ ، وَبِضَأْنٍ وَمَعْزٍ وَدِيَكَةٍ ، وَدَجَاجَةٍ فِي غَنَمٍ ، وَدَجَاجٍ ، لَا بِأَحَدِهِمَا ، فِي آخَرَ ، وَبِسَمْنٍ اُسْتُهْلِكَ فِي سَوِيقٍ ، وَبِزَعْفَرَانٍ فِي طَعَامٍ لَا بِكَخَلٍّ طُبِخَ ، وَبِاسْتِرْخَاءٍ لَهَا فِي لَا قَبَّلْتُك أَوْ قَبَّلْتنِي ، وَبِفِرَارِ غَرِيمِهِ فِي لَا فَارَقْتُك ، أَوْ فَارَقْتنِي إلَّا بِحَقِّي ، وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ ، وَإِنْ أَحَالَهُ ، وَبِالشَّحْمِ فِي اللَّحْمِ لَا الْعَكْسِ

( وَ ) لَا يَبَرُّ مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مَثَلًا مِائَةَ سَوْطٍ ( بِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ ) الْمِائَةِ وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَأَضْرِبَنَّهُ ) أَيْ الْعَبْدَ مَثَلًا ( كَذَا ) أَيْ مِائَةً مَثَلًا وَلَا يُحْتَسَبُ بِالضَّرْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهَا إنْ لَمْ تُؤْلِمْ كَإِيلَامِ الْمُنْفَرِدِ وَإِلَّا حُسِبَتْ وَاحِدَةً وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ عَدَمِ بِرِّهِ بِجَمْعِهَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ سَوْطٍ مُنْفَرِدًا عَنْ الْآخَرِ فِيمَا عَدَا مَحَلَّ مَسْكِهِ ، وَيُؤْلِمُ إيلَامَ الْمُنْفَرِدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَإِلَّا فَيَبَرُّ بِجَمْعِهَا ، وَمِثْلُ جَمْعِهَا فِي عَدَمِ الْبِرِّ بِهِ ضَرْبُهُ الْعَدَدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِخِفَّةٍ ، وَكَذَا ضَرْبُهُ نِصْفَ الْعَدَدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِسَوْطٍ لَهُ رَأْسَانِ لَكِنَّهُ يُبْنَى عَلَيْهِ قَالَهُ التُّونُسِيُّ ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) أَكْلِ ( لَحْمِ الْحُوتِ ) وَالطَّيْرِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ يَشْمَلُهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } ، وَقَالَ تَعَالَى { وَلَحْمِ طَيْرٍ } إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ ( وَ ) حَنِثَ بِأَكْلِ ( بَيْضِهِ ) أَيْ الْحُوتِ كَتُرْسٍ وَتِمْسَاحٍ ( وَ ) حَنِثَ بِأَكْلِ ( عَسَلِ الرُّطَبِ فِي ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ ( مُطْلَقِهَا ) أَيْ اللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَالْعَسَلِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ تَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا لِنَعَمٍ وَدَجَاجٍ وَنَحْلٍ وَقَصَبٍ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ ، فَإِنْ قُيِّدَتْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) أَكْلِ ( كَعْكٍ وَخُشْكَنَانٍ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مَعْنَاهُ كَعْكٌ مَحْشُوٌّ بِسُكَّرٍ ( وَهَرِيسَةٍ ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ طَعَامٌ مُتَّخَذٌ مِنْ قَمْحٍ وَلَحْمٍ بِطَبْخِهِمَا حَتَّى يَمْتَزِجَا ثُمَّ يَعْرُكُونَهُمَا بِعَصًا غَلِيظَةِ الرَّأْسِ حَتَّى يَصِيرَا كَالْعَصِيدَةِ وَيَأْكُلُونَهَا بِالسَّمْنِ وَمَنْ شَبِعَ مِنْهَا يَبْقَى يَوْمًا وَلَيْلَةً لَا يَشْتَهِي طَعَامًا

( وَإِطْرِيَةٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ تَلِيهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ مُخَفَّفَةٌ طَعَامٌ كَالْخُيُوطِ مِنْ دَقِيقٍ قِيلَ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي زَمَنِنَا بِالشَّعِيرِيَّةِ وَقِيلَ بِالرِّشْتَةِ ( فِي ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ ( خُبْزٍ ) وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحِنْثِ بِلَحْمِ الْحُوتِ وَمَا بَعْدَهُ لَا يَجْرِي عَلَى عُرْفِنَا الْآنَ وَالْجَارِي عَلَيْهِ عَدَمُ حِنْثِهِ بِمَا ذُكِرَ ( لَا ) يَحْنَثُ فِي ( عَكْسِهِ ) وَهُوَ حَلِفُهُ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَاصَّةِ وَيَأْكُلُ الْخُبْزَ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) أَكْلِ لَحْمِ ( ضَأْنٍ وَ ) لَحْمِ ( مَعْزٍ وَ ) لَحْمِ ( دِيَكَةٍ ) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ جَمْعُ دِيكٍ ذَكَرُ الدَّجَاجِ ( وَ ) لَحْمِ ( دَجَاجَةٍ ) أُنْثَى ( فِي ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ لَحْمِ ( غَنَمٍ ) رَاجِعٌ لِضَأْنٍ وَمَعْزٍ ( وَ ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ لَحْمِ ( دَجَاجٍ ) رَاجِعٌ لِدِيَكَةٍ وَدَجَاجٍ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِ ) أَكْلِ لَحْمِ ( أَحَدِهِمَا ) أَيْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ أَوْ الدِّيَكَةِ وَالدَّجَاجَةِ ( فِي ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ ( الْآخَرِ وَ ) حَنِثَ ( بِ ) أَكْلِ ( سَمْنٍ اُسْتُهْلِكَ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ اللَّامِ ( فِي سَوِيقٍ ) أَيْ دَقِيقِ حَبٍّ مَقْلِيٍّ لُتَّ بِهِ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ سَمْنًا فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا لُتَّ بِسَمْنٍ حَنِثَ وَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ أَمْ لَا ا هـ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلِابْنِ مُيَسِّرٍ لَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) أَكْلِ ( زَعْفَرَانٍ ) اُسْتُهْلِكَ ( فِي طَعَامٍ ) فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ زَعْفَرَانًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا كَذَلِكَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِ ) أَكْلِ ( كَخَلٍّ ) وَلَامُونٍ وَنَارِنْجٍ ( طُبِخَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فِي طَعَامٍ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ خَلًّا أَوْ لَامُونًا أَوْ نَارِنْجًا فَإِنْ كَانَ قَالَ هَذَا الْخَلَّ مَثَلًا حَنِثَ بِأَكْلِهِ مُسْتَهْلَكًا فِي طَعَامٍ ( وَ ) حَنِثَ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ ( بِاسْتِرْخَاءٍ )

أَيْ تَمْكِينٍ ( لَهَا ) أَيْ حَلِيلَتِهِ الْمَحْلُوفِ عَلَى عَدَمِ تَقْبِيلِهَا مِنْ تَقْبِيلِهَا لَهُ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا قَبَّلْتُكِ ) وَقَبَّلَتْهُ عَلَى فَمِهِ فَقَطْ فَإِنْ قَبَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، فَإِنْ قَبَّلَهَا حَنِثَ سَوَاءٌ قَبَّلَهَا عَلَى فَمِهَا أَوْ غَيْرِهِ إلَّا لِنِيَّةِ الْفَمِ ( أَوْ ) حَلِفِهِ ( لَا قَبَّلْتِنِي ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ حِنْثُهُ بِتَقْبِيلِهَا لَهُ فِي هَذِهِ سَوَاءٌ اسْتَرْخَى لَهَا أَمْ لَا قَبَّلَتْهُ عَلَى فَمِهِ أَوْ غَيْرِهِ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ بِاسْتِرْخَاءٍ تَفْصِيلًا وَهُوَ عَدَمُ حِنْثِهِ لَا فِي قَبَّلْتُك وَحِنْثُهُ فِي لَا قَبَّلْتِنِي .
( وَ ) حَنِثَ ( بِفِرَارِ ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ هُرُوبِ ( غَرِيمِهِ ) أَيْ مَدِينِ الْحَالِفِ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِ حَقِّهِ مِنْهُ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا فَارَقْتُك أَوْ ) لَا ( فَارَقْتنِي إلَّا بِ ) دَفْعِ ( حَقِّي ) أَوْ قَبْضِهِ أَوْ اسْتِيفَائِهِ مِنْك إنْ فَرَّطَ الْحَالِفُ حَتَّى فَرَّ غَرِيمُهُ بَلْ ( وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ ) الْحَالِفُ وَيَحْنَثُ بِفِرَارِهِ إنْ لَمْ يُحِلْهُ بَلْ ( وَإِنْ أَحَالَهُ ) أَيْ الْغَرِيمَ الْحَالِفُ بِحَقِّهِ عَلَى مَدِينٍ لِلْغَرِيمِ بِمِثْلِ حَقِّ الْحَالِفِ فَيَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ ، وَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ مُفَارَقَةٌ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهَا ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبَضَ حَقَّهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْمُحِيلِ لِأَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ إلَّا بِأَخْذِ حَقِّي مِنْك ، لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ الْآنَ .
وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا فَارَقْتُك أَوْ فَارَقْتنِي وَلِي عَلَيْك حَقٌّ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ ، فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِالْحَوَالَةِ ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ بِحَضْرَتِهِ دُونَ الرَّهْنِ لَا يُقَالُ فِرَارُ إكْرَاهٍ وَهَذِهِ صِيغَةُ بِرٍّ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِرَارَ إكْرَاهٌ ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا صِيغَةُ بِرٍّ بَلْ صِيغَةُ حِنْثٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَأَلْزَمَنَّكَ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) أَكْلِ ( الشَّحْمِ ) فِي حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ ( اللَّحْمِ ) ؛

لِأَنَّهُ جُزْءُ اللَّحْمِ وَكَالْفَرْعِ لَهُ وَلِدُخُولِ تَحْرِيمِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ فِي تَحْرِيمِ لَحْمِهِ ( لَا ) يَحْنَثُ بِ ( الْعَكْسِ ) بِأَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ لَيْسَ جُزْءَ الشَّحْمِ بَلْ أَصْلَهُ الَّذِي انْقَلَبَ إلَيْهِ حَتَّى صَارَ شَحْمًا وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ شَحْمًا وَلَمْ يُحَرِّمْ لَحْمًا .

وَبِفَرْعٍ فِي ، لَا آكُلُ مِنْ كَهَذَا الطَّلْعِ ، أَوْ هَذَا الطَّلْعَ ، أَوْ طَلْعًا إلَّا نَبِيذَ زَبِيبٍ ، وَمَرَقَةَ لَحْمٍ ، أَوْ شَحْمَهُ ، وَخُبْزَ قَمْحٍ وَعَصِيرَ عِنَبٍ وَبِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ إنْ نَوَى الْمَنَّ ، لَا لِرَدَاءَةٍ أَوْ لِسُوءِ صَنْعَةِ طَعَامٍ وَبِالْحَمَّامِ فِي الْبَيْت ، أَوْ دَارِ جَارِهِ ، أَوْ بَيْتِ شَعَرٍ ، كَحَبْسٍ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ ، لَا بِمَسْجِدٍ ، وَبِدُخُولِهِ عَلَيْهِ مَيِّتًا فِي بَيْتٍ يَمْلِكُهُ ، لَا بِدُخُولِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَنْوِ الْمُجَامَعَةَ ، وَبِتَكْفِينِهِ فِي لَا نَفَعَهُ حَيَاتَهُ

( وَ ) حَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ( بِ ) أَكْلِ ( فَرْعٍ ) مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْيَمِينِ ( فِي ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ أَصْلِهِ إنْ أَتَى فِي يَمِينِهِ بِمِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ كَحَلِفِهِ ( لَا آكُلُ مِنْ كَهَذَا الطَّلْعِ ) بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَوَّلُ أَطْوَارِ ثَمَرِ النَّخْلِ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فَرْعٍ نَشَأَ مِنْهُ كَبُسْرِهِ وَرُطَبِهِ وَتَمْرِهِ وَعَجْوَتِهِ وَعَسَلِهِ ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْقَمْحَ وَاللَّبَنَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ كُلِّ أَصْلٍ ، فَإِنْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الْقَمْحِ فَيَحْنَثُ بِدَقِيقِهِ وَسَوِيقِهِ وَخُبْزِهِ وَكَعْكِهِ وَأَطْرَيْته وَخَشْكِنَانِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ .
وَإِنْ قَالَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ حَنِثَ بِزُبْدِهِ وَسَمْنِهِ وَجُبْنِهِ وَأَقْطِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ فُرُوعِهِ .
فَإِنْ قَالَ مِنْ طَلْعِ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَوْ لَبَنِ هَذِهِ الشَّاةِ حَنِثَ كُلُّ فَرْعٍ لَهَا مُتَقَدِّمٌ أَوْ مُتَأَخِّرٌ .
( أَوْ ) حَلِفِهِ لَا آكُلُ كَ ( هَذَا الطَّلْعَ ) بِإِسْقَاطِ مِنْ وَالْإِتْيَانِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فَرْعٍ لَهُ كَإِتْيَانِهِ بِمِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ مَعًا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْفَرْعِ إلَّا فِي صُورَةِ الْإِتْيَانِ بِهِمَا مَعًا .
وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ اعْتَرَضَ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَبِعَهُ هُنَا ، وَنَصَّهُ عَقِبَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ قَالَ هَذَا الطَّلْعَ وَهَذَا الرُّطَبَ وَهَذَا اللَّحْمَ حَنِثَ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَمْ أَرَ مَنْ شَهَّرَهُ غَيْرَ ابْنِ بَشِيرٍ ذَكَرَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ مَعْزُوٌّ لِابْنِ حَبِيبٍ ، وَاَلَّذِي لِأَبِي الْحَسَنِ خِلَافُهُ ، لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ هُوَ أَقْيَسُ مِمَّا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَحَاصِلُ تَحْصِيلِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْحِنْثُ فِي مِنْ هَذَا فَقَطْ لَا فِي هَذَا بِدُونِ مِنْ ا هـ .
كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَمَا

ذَكَرَهُ هُنَا اعْتَمَدَ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَلَمْ يَعْتَمِدْ بَحْثَهُ لَكِنْ ظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ بَشِيرٍ قَالَ بِالْحِنْثِ مُطْلَقًا مِثْلَ مَا فِيهِ مِنْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ إنَّمَا قَالَ بِالْحِنْثِ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْأَصْلِ جِدًّا إلَّا فِيمَا بَعُدَ اُنْظُرْ كَلَامَهُ فِي الْمَوَّاقِ .
لَا ) يَحْنَثُ بِالْفَرْعِ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ ( الطَّلْعَ ) بِإِسْقَاطِ مِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ مَعَ التَّعْرِيفِ ( وَ ) حَلِفِهِ لَا آكُلُ ( طَلْعًا ) بِحَذْفِهِمَا مَعَ التَّنْكِيرِ ، وَكَذَا مِنْ الطَّلْعِ أَوْ مِنْ طَلْعٍ بِالْإِتْيَانِ بِمِنْ وَإِسْقَاطِ اسْمِ الْإِشَارَةِ مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا ، وَأَمَّا حِنْثُهُ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ بِنَفْسِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ ، وَاسْتَثْنَى خَمْسَ مَسَائِلَ يَحْنَثُ فِيهَا بِمَا تَوَلَّدَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَعَ حَذْفِ مِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ لِقُرْبِهَا مِنْ أَصْلِهَا قُرْبًا قَوِيًّا فَقَالَ ( إلَّا نَبِيذَ زَبِيبٍ ) فَيَحْنَثُ بِشُرْبِهِ فِي لَا آكُلُ الزَّبِيبَ أَوْ زَبِيبًا ( وَمَرَقَةَ لَحْمٍ ) فَيَحْنَثُ بِشُرْبِهَا فِي لَا آكُلُ اللَّحْمَ أَوْ لَحْمًا ( أَوْ شَحْمَهُ ) فِي لَا آكُلُ اللَّحْمَ أَوْ لَحْمًا فَيَحْنَثُ بِهِ وَأَعَادَ هَذِهِ لِجَمْعِ النَّظَائِرِ ( وَ ) إلَّا ( خُبْزَ قَمْحٍ ) فِي لَا آكُلُ الْقَمْحَ أَوْ قَمْحًا ( وَ ) إلَّا ( عَصِيرَ عِنَبٍ ) فِي لَا آكُلُ الْعِنَبَ أَوْ عِنَبًا وَهَذِهِ تُفْهَمُ مِنْ نَبِيذِ الزَّبِيبِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ قُرْبِ النَّبِيذِ إلَى زَبِيبِهِ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) أَكْلِ ( مَا ) أَيْ الْقَمْحِ الَّذِي ( أَنْبَتَتْ ) هـ ( الْحِنْطَةُ ) الْمَحْلُوفُ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهَا سَوَاءٌ أَتَى بِمِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ مَعًا أَوْ أَسْقَطَهُمَا مَعًا ، أَوْ أَتَى بِأَحَدِهِمَا وَأَسْقَطَ الْآخَرَ عَرَّفَ أَوْ نَكَّرَ ، وَكَذَا مَا اشْتَرَى بِثَمَنِهَا ( إنْ نَوَى ) بِيَمِينِهِ أَنْ يَقْطَعَ ( الْمَنَّ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ النُّونِ عَنْهُ بِذَلِكَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَوْلَا أَنَا أُطْعِمُك مَا عِشْت ( لَا ) يَحْنَثُ بِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ أَوْ

اشْتَرَى بِثَمَنِهَا فِي حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهَا ( لِرَدَاءَةٍ ) فِيهَا ( أَوْ ) حَلَفَ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهَا ( لِسُوءِ صَنْعَةِ طَعَامٍ ) فَجُوِّدَ لَهُ فَأَكَلَهُ فَلَا يَحْنَثُ ، وَكَحَلِفِهِ لِلرَّدَاءَةِ أَوْ سُوءِ الصَّنْعَةِ حَلِفُهُ بِلَا نِيَّةٍ .
وَشَمِلَ الثَّلَاثَةَ مَفْهُومُ إنْ نَوَى الْمَنَّ فَلَا يَحْنَثُ فِيهَا بِالنَّابِتِ ، وَلَوْ أَتَى بِمِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ مَعًا لِأَنَّ النَّابِتَ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِذَهَابِهِ فِي الْأَرْضِ ، وَيَدُلُّ قَوْله تَعَالَى { كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ } ، فَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَبِفَرْعٍ إلَخْ .
وَ ) حَنِثَ ( بِ ) دُخُولِ ( الْحَمَّامِ ) بِشَدِّ الْمِيمِ أَيْ الْبَيْتِ الْمُعَدِّ لِلْحُمُومِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ ( فِي ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ ( الْبَيْتِ ) أَوْ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْحَمَّامَ لِخَبَرِ { اتَّقُوا بَيْتًا يُقَالُ لَهُ الْحَمَّامُ } .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ بَيْتُ الْقَهْوَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْحَانُوتِ وَالْفُرْنِ وَالْمَعْصَرَةِ وَالْمَجْبَسَةِ إذَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِتَخْصِيصِ الْبَيْتِ بِمَوْضِعِ السُّكْنَى بِالزَّوْجَاتِ ، وَهَذَا عُرْفُ أَهْلِ مِصْرَ الْآنَ .
( أَوْ ) بِدُخُولِ الْحَالِفِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي ( دَارِ جَارِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتًا ، وَنَصُّ الْأُمَّهَاتُ قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ : أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ الْحَالِفُ عَلَى جَارٍ لَهُ بَيْتَهُ فَإِذَا فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ جَارِهِ ذَلِكَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ قَالَ نَعَمْ يَحْنَثُ .
ا هـ .
وَالْجَارُ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ إذْ يَحْنَثُ بِاجْتِمَاعِهِ مَعَهُ فِي ظِلِّ جِدَارٍ أَوْ شَجَرَةٍ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بُغْضًا لَهُ أَوْ لِسُوءِ عِشْرَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ .
ابْنُ حَبِيبٍ وَبِوُقُوفِهِ مَعَهُ فِي صَحْرَاءَ إذَا كَانَتْ تِلْكَ نِيَّتَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ .
قِيلَ وَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ خِلَافًا فِيمَنْ نَوَى ذَلِكَ وَيَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا أَدْخُلُ عَلَى

فُلَانٍ بَيْتَهُ فَدَخَلَ دَارَ جَارِهِ فَوَجَدَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّ لِلْجَارِ عَلَى جَارِهِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ بَيْتُهُ بَيْتَهُ وَلِأَنَّ الْجَارَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ دَارِ جَارِهِ غَالِبًا .
( أَوْ ) بِدُخُولٍ أَوْ سُكْنَى ( بَيْتِ شَعْرٍ ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ فِي حَلِفِهِ لَا دَخَلَ أَوْ سَكَنَ بَيْتًا ، بَدْوِيًّا كَانَ الْحَالِفُ أَوْ حَضَرِيًّا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، أَوْ حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتَ شَعْرٍ فَيَحْنَثُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا } إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ يَخُصُّهُ بِبَيْتِ الْبِنَاءِ كَسَمَاعِهِ بِانْهِدَامِ بَيْتٍ عَلَى قَوْمٍ فَقَتَلَهُمْ لَا يَحْنَثُ بِبَيْتِ الشَّعْرِ .
وَشَبَّهَ فِي الْحِنْثِ فَقَالَ ( كَ ) دُخُولِهِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي ( حَبْسٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ مَوْضِعٍ مُعَدٍّ لِلسَّجْنِ ( أُكْرِهَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ الْحَالِفُ ( عَلَى ) دُخُولِ ( هـ بِحَقٍّ ) عَلَيْهِ امْتَنَعَ مِنْ تَوْفِيَتِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا لِأَنَّ إكْرَاهَ الشَّرْعِ طَوْعٌ ، وَكَذَا إنْ حَلَفَ لَا أَدْخُلُ بَيْتًا فَأُكْرِهَ عَلَى دُخُولِ حَبْسٍ بِحَقٍّ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِ ) دُخُولِ ( مَسْجِدٍ ) عَامٍّ فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا ، أَوْ لَا أَدْخُلُ بَيْتًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبًا بِدُخُولِهِ شَرْعًا صَارَ كَأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِلْحَالِفِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَحْجُورًا حَنِثَ بِدُخُولِهِ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِدُخُولِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ ( مَيِّتًا ) قَبْلَ دَفْنِهِ ( فِي ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ عَلَيْهِ فِي ( بَيْتٍ يَمْلِكُهُ ) ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً ، أَوْ حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتًا حَيَاتَهُ أَوْ أَبَدًا أَوْ مَا عَاشَ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا يَجْرِي مَجْرَى الْمِلْكِ وَهُوَ تَجْهِيزُهُ بِهِ إلَّا لِنِيَّةِ الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ ، فَإِنْ دُفِنَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ .
( لَا ) يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ

( بِدُخُولِ ) شَخْصٍ ( مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ ) عَلَى الْحَالِفِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ الْحَالِفُ جَالِسًا مَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ دُخُولًا مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ لَا فِي كَدُخُولٍ خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ : يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يَجْلِسَ بَعْدَ دُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ جَلَسَ وَتَرَاخَى حَنِثَ ، وَصَارَ كَابْتِدَاءِ دُخُولِهِ وَهُوَ عَلَيْهِ قِيَاسٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لِزَوْجَتِهِ فِي الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا فَجَعَلَ عِلْمَهُ وَتَرَكَهَا إذْنًا مِنْهُ .
الْحَطّ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِاسْتِمْرَارِهِ فِي الدَّارِ إذَا حَلَفَ لَا أَدْخُلُهَا وَكَذَلِكَ هُنَا إنَّمَا حَلَفَ عَلَى الدُّخُولِ ( إنْ لَمْ يَنْوِ ) الْحَالِفُ أَنْ يَقْطَعَ ( الْمُجَامَعَةَ ) أَيْ الِاجْتِمَاعَ مَعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي مَحَلٍّ ، وَإِلَّا حَنِثَ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْحَالِفِ ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ عَقِبَ دُخُولِهِ عَلَيْهِ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِتَكْفِينِهِ ) أَيْ إدْرَاجِ الْحَالِفِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي كَفَنِهِ وَأَوْلَى بِإِتْيَانِهِ لَهُ بِكَفَنٍ مِنْ مَالِهِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا نَفَعَهُ ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ( حَيَاتَهُ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ مَا عَاشَ أَوْ أَبَدًا أَوْ لَا أَدَّى إلَيْهِ حَقًّا مَا عَاشَ .
وَمِثْلُ تَكْفِينِهِ تَغْسِيلُهُ وَتَخْلِيصُهُ مِمَّنْ يَشْتُمُهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ فِي خُطْبَةِ نِكَاحٍ أَرَادَ نَفْعَهُ بِهِ ، لَا إنْ قَصَدَ إيقَاعَهُ فِيهِ لِضَرَرٍ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِبَقِيَّةِ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرَ وَلَا بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ نَفْعِهِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْآخِرَةِ .
فَإِنْ حَلَفَ لَا نَفَعَهُ وَلَمْ يَقُلْ حَيَاتَهُ حَنِثَ بِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ فِيمَا يَظْهَرُ أَفَادَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِبَقِيَّةِ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ فِيهِ نَظَرٌ ،

قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ بَلْ الظَّاهِرُ حِنْثُهُ بِهَا وَأَنَّ جَمِيعَهَا مِنْ تَوَابِعِ الْحَيَاةِ ، وَقَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَيْ حَيْثُ مَثَّلُوا بِالتَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ وَسَكَتُوا عَمَّا عَدَاهُمَا ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُتَمَسَّكُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ .
ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ حِنْثِهِ بِتَخْلِيصِهِ مِمَّنْ شَتَمَهُ صَوَابُهُ مِمَّنْ تَشَبَّثَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَوْ نَهَى عَنْهُ شَاتِمَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَيَحْنَثُ بِتَخْلِيصِهِ مِمَّنْ وَجَدَهُ مُتَشَبِّثًا بِهِ .

وَبِأَكْلٍ مِنْ تَرِكَتِهِ قَبْلَ قَسْمِهَا ؛ فِي لَا أَكَلْت طَعَامَهُ إنْ أَوْصَى ، أَوْ كَانَ مَدِينًا ، وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ أَوْ رَسُولٍ ، فِي لَا كَلَّمَهُ ، وَلَمْ يَنْوِ فِي الْكِتَابِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ ، وَبِالْإِشَارَةِ لَهُ ، بِكَلَامِهِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ ، لَا قِرَاءَتِهِ بِقَلْبِهِ ، أَوْ قِرَاءَةِ أَحَدٍ عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ ، وَلَا بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ بِصَلَاةٍ ، وَلَا كِتَابِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَرَأَ عَلَى الْأَصْوَبِ وَالْمُخْتَارِ ، وَبِسَلَامِهِ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ ، وَبِفَتْحٍ عَلَيْهِ ، وَبِلَا إذْنِهِ فِي لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي

( وَ ) حَنِثَ ( بِأَكْلٍ مِنْ تَرِكَتِهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( قَبْلَ قَسْمِهَا ) بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهَا ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا أَكَلَتْ طَعَامَهُ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( إنْ ) كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ( أَوْصَى ) بِمَعْلُومٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ يَحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهِ لِبَيْعِ تَرِكَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( أَوْ كَانَ ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ( مَدِينًا ) لِوُجُوبِ وَقْفِهَا لِلدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ أَوْصَى بِمُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ شَائِعٍ كَرُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ لِبَيْعٍ أَوْ أَكَلَ الْحَالِفُ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَقَبْلَ قَسْمِ بَاقِيهَا فَلَا يَحْنَثُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ فِي الشَّائِعِ لَمْ يَأْكُلْ مِمَّا عَلَى ذِمَّةِ الْمَيِّتِ ، بَلْ مِنْ شَائِعٍ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ وَهُمَا حَيَّانِ ، وَبَعْدَ تَوْفِيَةِ الدَّيْنِ لَمْ يَبْقَ لِلْمَيِّتِ تَعَلُّقٌ بِالتَّرِكَةِ وَمَحِلُّ تَفْصِيلِ الْمُصَنِّفِ فِي حَلِفِهِ لِغَيْرِ قِطَاعِ مِنْ فَإِنْ كَانَ لِقَطْعِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ وَإِنْ كَانَ لِخُبْثِ مَالِهِ حَنِثَ إنْ كَانَ مَنْصُوبًا مُعَيَّنًا إذْ لَا يَحِلُّهُ إرْثُهُ ، فَإِنْ أَحَلَّهُ كَمَا لَوْ نَشَأَ عَنْ مُعَامَلَاتٍ فَاسِدَةٍ فَقَدْ زَالَ عَنْ الْمَالِ خُبْثُهُ بِإِرْثِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ حِينَئِذٍ أَفَادَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ .
وَ ) حَنِثَ ( بِكِتَابٍ ) كَتَبَهُ الْحَالِفُ أَوْ أَمْلَاهُ أَوْ أَمَرَ بِكَتْبِهِ ثُمَّ قُرِئَ عَلَيْهِ بِعَرَبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِمَنْ شَأْنُهُ فَهْمُهُ ( إنْ وَصَلَ ) لِلْكِتَابِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَالِفِ وَلَوْ حُكْمًا كَعِلْمِهِ بِذَهَابِهِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَسُكُوتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَتَبَهُ عَازِمًا عَلَى إرْسَالِهِ لَهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ بِمُجَرَّدِ كِتَابَةِ صِيغَتِهِ عَازِمًا عَلَيْهِ لِاسْتِقْلَالِ الزَّوْجِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُكَالَمَةِ ، وَكَذَا إنْ وَصَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
ابْنُ حَبِيبٍ لَوْ قَالَ الْحَالِفُ لِلرَّسُولِ : قَطِّعْ كِتَابِي أَوْ رُدَّهُ إلَيَّ فَعَصَاهُ

وَأَعْطَاهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَقَرَأَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ رَمَاهُ رَاجِعًا عَنْهُ بَعْدَ أَنْ كَتَبَهُ فَقَرَأَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ، وَحَيْثُ وَصَلَ بِإِذْنِهِ وَلَوْ حُكْمًا حَنِثَ ، وَلَوْ لَمْ يَفْتَحْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمُذْهَبِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُصَنِّفِ ، وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمُذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا بِاللَّفْظِ قَوْلَانِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْحَالِفِ أَمْ لَا .
( أَوْ ) بِإِرْسَالِ ( رَسُولٍ ) بِكَلَامٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا كَلَّمَهُ ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَبَلَّغَ الرَّسُولُ الْكَلَامَ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكِتَابَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَلَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ .
أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فَلَوْ لَمْ يُبَلِّغْهُ الرَّسُولُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ حِينَ أَمَرَهُ فَيَحْنَثُ ( وَلَمْ يُنَوَّ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ النُّونِ ، وَالْوَاوُ مُشَدَّدَةٌ أَيْ لَا تَقْبَلُ نِيَّةُ الْحَالِفِ الْمُشَافَهَةَ بِقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ ( فِي ) صُورَةِ إرْسَالِ ( الْكِتَابِ ) لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( فِي ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ بِ ( الْعِتْقِ ) لِرَقِيقٍ مُعَيَّنٍ ( وَ ) حَلِفِهِ بِ ( الطَّلَاقِ ) مَعَ رَفْعِهِ لِلْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ لِمُخَالَفَةِ نِيَّتِهِ ظَاهِرَ لَفْظِهِ مِنْ شُمُولِ كَلَامِهِ لِلْمُشَافَهَةِ وَالْكِتَابَةِ .
وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ مُجَانَبَتُهُ وَالْكِتَابَةُ تُنَافِيهَا .
وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ وَالطَّلَاقِ فَيُنَوَّى فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَيُنْوَى فِي الْجَمِيعِ .
وَمَفْهُومٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَنْوِي فِي الرَّسُولِ وَلَوْ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ مَعَ الرَّفْعِ وَالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ لِمُوَافَقَةِ نِيَّتِهِ ظَاهِرَ

لَفْظِهِ ، وَيَحْلِفُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّسُولِ لِحَقِّ الزَّوْجَةِ وَالرِّقِّ ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ فَإِنْ طَالَ دُيِّنَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَلَوْ حَلَفَ لَيُكَلِّمَنَّهُ فَلَا يَبَرُّ بِرَسُولٍ وَلَا كِتَابٍ احْتِيَاطًا لِلْبِرِّ وَالْحِنْثُ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِالْإِشَارَةِ ) مِنْ الْحَالِفِ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ ثُمَّ أَشَارَ الْحَالِفُ ( لَهُ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَعَ اعْتِقَادِهِ كَوْنَهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَهُ ، فَظَهَرَ أَنَّهُ هُوَ سَوَاءٌ فَهِمَ الْمُشَارُ إلَيْهِ الْإِشَارَةَ أَمْ لَا ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَهُ أَنَّهُ إنْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهِ فَقَطْ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشَارُ لَهُ سَمِيعًا أَوْ أَصَمَّ وَشَمِلَ الْإِشَارَةَ لَهُ ، وَلِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ وَلَا حِنْثَ بِالْإِشَارَةِ لِأَعْمَى حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ .
وَاَلَّذِي فِي الْحَطّ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِالْإِشَارَةِ إذْ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَعَزَاهُ لِظَاهِرِ إيلَائِهَا .
وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي حِنْثِهِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ .
ثَالِثُهَا بِاَلَّتِي يُفْهَمُ بِهَا عَنْهُ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، وَلِسَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَعَ سَمَاعِهِ وَابْنُ رُشْدٍ عَنْ ظَاهِرِ إيلَائِهَا وَلِابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِكَلَامِهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ يَسْمَعُهُ عَادَةً وَسَمِعَهُ بَلْ ( وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ ) أَيْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَلَامَ الْحَالِفِ لِمَانِعٍ كَنَوْمٍ أَوْ صَمَمٍ ، فَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُهُ عَادَةً لِبُعْدِهِ فَلَا يَحْنَثُ ( لَا ) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ أَوْ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا أَوْ هَذَا الْكِتَابَ بِ ( قِرَاءَتِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ ( بِقَلْبِهِ ) فَلَيْسَ لِهَذِهِ تَعَلُّقٌ بِمَنْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ إذْ الْحِنْثُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ وُصُولِ الْكِتَابِ .
ا هـ .
عب .
الْبُنَانِيُّ مَعْنَاهُ الْمُطَابِقُ لِسِيَاقِ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا

أُكَلِّمُ فُلَانًا فَلَا يَحْنَثُ بِكِتَابٍ وَصَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَقَرَأَ بِقَلْبِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمُذْهَبِ لَكِنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ السَّابِقَ ، وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ إذْ ظَاهِرُهُ الْحِنْثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الرَّاجِحُ ، فَلِذَا عَدَلَ الزَّرْقَانِيُّ عَنْهُ ، وَحَمَلَهُ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا أَقْرَأُ كِتَابًا إلَخْ مَعَ بُعْدِهِ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَذَكَرَ غ و ح أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ وَقَرَأَ وَهُوَ يُوَافِقُ ظَاهِرَ مَا هُنَا ، لَكِنْ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الرَّاجِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( أَوْ قِرَاءَةُ أَحَدٍ ) كِتَابَ الْحَالِفِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِ كَلَامِهِ وَوَصَلَهُ كِتَابُ الْحَالِفِ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْحَالِفِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ وَلَوْ قَرَأَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ، خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ ا هـ عب .
الْبُنَانِيُّ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ ز مِثْلُهُ فِي غ وَهُوَ صَوَابٌ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْأَحْرَى مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ الشَّيْخُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ حَنِثَ ، وَلَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ يَقِفْ غ عَلَى هَذَا .
( وَلَا ) يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا ( بِسَلَامِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( بِصَلَاةٍ ) إنْ طَلَبَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ عَلَى يَسَارِهِ ، وَإِلَّا حَنِثَ ، وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا يُسَلِّمُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَسْمَعَهُ أَوْ لَمْ يُسْمِعْهُ .
وَلَا يَخْلُو مِنْ نِزَاعٍ فِي بَعْضِهَا .
عج ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ السَّلَامَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَائِهَا مُعْتَقِدًا إتْمَامَهَا ، فَإِنْ قَصَدَ خِطَابَهُ حَاضِرًا حَنِثَ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَفَادَهُ عب .
( وَلَا ) يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا

بِوُصُولِ ( كِتَابِهِ ) أَيْ مَكْتُوبِ ( الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ) إلَى الْحَالِفِ إنْ لَمْ يَقْرَأْهُ بَلْ ( وَلَوْ قَرَأَ ) الْحَالِفُ كِتَابَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( عَلَى الْأَصْوَبِ ) عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ ( وَالْمُخْتَارُ ) لِلَّخْمِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْنَثُ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِسَلَامِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِ الْحَالِفِ ( مُعْتَقِدًا ) أَيْ جَازِمًا ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْفَتْحِ ( غَيْرُهُ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ وَأَوْلَى ظَانًّا أَوْ شَاكًّا أَوْ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ غَيْرُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ اللَّغْوِ لِأَنَّهُ الِاعْتِقَادُ حَالَ الْيَمِينِ ، وَهَذَا حَالُ فِعْلِ غَيْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ الْخَطَأُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُقْتَضٍ لِلْحِنْثِ كَالنِّسْيَانِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي صَلَاةٍ مَعَ طَلَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا طَلَبٌ لِخُصُوصِ التَّحِيَّةِ وَذَاكَ لَا لِخُصُوصِهَا بَلْ لِلصَّلَاةِ ، فَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِخُصُوصِهِ بِالتَّحِيَّةِ .
( أَوْ ) بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ ( فِي جَمَاعَةٍ ) فَيَحْنَثُ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ ) أَيْ يُخْرِجَ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ أَرَادَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ ، فَإِنْ أَتَمَّ السَّلَامَ قَبْلَ مُحَاشَاتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُحَاشَاتِهِ بِاللَّفْظِ بِشُرُوطِهِ ، وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ فَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ .
( وَ ) حَنِثَ الْحَالِفُ لَا كَلَّمَهُ ( بِفَتْحٍ ) أَيْ إرْشَادٍ مِنْ الْحَالِفِ لِلصَّوَابِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْقِرَاءَةِ إذَا وَقَفَ أَوْ انْتَقَلَ مِنْ آيَةٍ لِأُخْرَى بِقِرَاءَةِ الْحَالِفِ مَا غَلِطَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِ وَإِسْمَاعِهِ لِيَهْتَدِيَ إلَى الصَّوَابِ ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ وَجَبَ الْفَتْحُ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْحَالِفِ بِأَنْ صَلَّى

الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إمَامًا لِلْحَالِفِ وَغَلِطَ فِي الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مُخَاطَبَتِهِ بِقُلْ أَوْ اقْرَأْ كَذَا .
( وَ ) حَنِثَ بِخُرُوجِهَا مِنْ الدَّارِ بَعْدَ إذْنِهِ لَهَا فِيهِ ( بِلَا عِلْمِ ) هَا بِ ( إذْنِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ لَهَا فِيهِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( وَلَا تَخْرُجِي ) مِنْ الدَّارِ ( إلَّا بِإِذْنِي ) ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فِيهِ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِإِذْنِهِ ، وَخَرَجَتْ فَيَحْنَثُ وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ مَعْنَى إلَّا بِإِذْنِي إلَّا بِسَبَبِ إذْنِي وَقَدْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ سَبَبِهِ ، فَلَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجِي إلَّا إذَا أَذِنْت وَخَرَجَتْ بَعْدَ إذْنِهِ وَقَبْلَ عِلْمِهَا بِهِ فَلَا يَحْنَثُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ لِوُجُودِ إذْنِهِ قَبْلَ خُرُوجِهَا ، وَفِي قَوْلِهِ لَا تَخْرُجِي حَذَفَ نُونَ الرَّفْعِ لِغَيْرِ جَازِمٍ وَلَا نَاصِبٍ عَلَى لُغَةٍ شَاذَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ لِكَوْنِهِ جَوَابَ قَسَمٍ يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ خَبَرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَبِعَدَمِ عِلْمِهِ فِي لَأُعْلِمَنَّهُ ، وَإِنْ بِرَسُولٍ ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَلِمَ : تَأْوِيلَانِ .
أَوْ عَلِمَ وَالٍ ثَانٍ فِي حَلِفه لِأَوَّلَ فِي نَظَرٍ ، وَبِمَرْهُونٍ فِي لَا ثَوْبَ لِي وَبِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي لَا أَعَارَهُ ، وَبِالْعَكْسِ ، وَنُوِّيَ ، إلَّا فِي صَدَقَةٍ عَنْ هِبَةٍ

( وَ ) لَا يَبَرُّ ( بِعَدَمِ ) أَيْ تَرْكِ ( عِلْمِهِ ) أَيْ إعْلَامِ الْحَالِفِ الْمَحْلُوفَ لَهُ بِالْأَمْرِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَأُعْلِمَنَّهُ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمَحْلُوفِ لَهُ بِكَذَا ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِهِ بَرَّ إنْ أَعْلَمَهُ بِنَفْسِهِ بَلْ ( وَإِنْ رَسُولٌ ) مِنْ الْحَالِفِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَفْهُومِ وَبَرُّهُ بِالْكِتَابِ أَحْرَى ( وَهَلْ ) يَحْنَثُ بِتَرْكِ إعْلَامِهِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يُعْلِمَ ) الْحَالِفَ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمَحْلُوفَ لَهُ ( عَلِمَ ) بِالْخَبَرِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَحْنَثُ لِتَنْزِيلِ عِلْمِ الْحَالِفِ بِعِلْمِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَنْزِلَةَ إعْلَامِهِ هُوَ أَوْ يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا ، وَلَوْ عَلِمَ بِعِلْمِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فِيهِ ( تَأْوِيلَانِ ) الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ وَالثَّانِي لِأَبِي عِمْرَانَ .
( أَوْ ) تَرْكُ ( عِلْمِ ) أَيْ إعْلَامِ ( وَالٍ ) أَيْ مُتَوَلٍّ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ ( ثَانٍ ) عَقِبَ عَزْلِ أَوْ مَوْتِ وَالٍ أَوَّلٍ ( فِي ) حَلِفِهِ طَائِعًا ( لِ ) وَالٍ ( أَوَّلٍ ) لَيُعْلِمَنَّهُ بِكَذَا إنْ عَلِمَهُ فَعُزِلَ الْأَوَّلُ أَوْ مَاتَ وَعَلِمَ الْحَالِفُ بِالْأَمْرِ فَلَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْوَالِي الثَّانِي الَّذِي تَوَلَّى فِي مَحَلِّ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ الْأَمْرِ إذَا كَانَ حَلِفُهُ ( فِي نَظَرٍ ) أَيْ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَلَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ خَاصَّةً بِالْوَالِي الْأَوَّلِ بَرَّ بِإِعْلَامِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَلِمَ تَأْوِيلَانِ وَلَوْ بِرَسُولٍ أَوْ كِتَابٍ ، وَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعْلَامُ وَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ قَالَهُ أَشْهَبُ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) مِلْكِ ثَوْبٍ ( مَرْهُونٍ ) فِي حَقٍّ ( فِي ) حَلِفِهِ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ إعَارَةَ ثَوْبٍ ( لَا ثَوْبٍ لِي ) ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ .
وَذَكَرَ الْحَطّ أَنَّ الرِّوَايَاتِ وَالْأَجْوِبَةَ اخْتَلَفَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ نَقَلَ تَحْصِيلَهَا عَنْ الرَّجْرَاجِيِّ وَنَصُّهُ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى نِيَّةً أَنَّهُ

لَا ثَوْبَ لِي أَقْدِرُ عَلَى إعَارَتِهِ مَثَلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَرْهُونِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ أَوْ كَانَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى فَكِّهِ لِعُسْرِهِ أَوْ كَوْنِ الدَّيْنِ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ وَقَدَرَ عَلَى فَكِّهِ فَقَوْلَانِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رِوَايَةُ التَّهْذِيبِ حِنْثُهُ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ أَمْ لَا .
وَ ) حَنِثَ ( بِالْهِبَةِ ) لِغَيْرِ ثَوَابٍ ( وَالصَّدَقَةِ ) وَالنِّحْلَةِ وَالْإِعْمَارِ وَالْإِسْكَانِ وَالتَّحْبِيسِ أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا أَعَارَهُ ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ شَيْئًا ( وَبِالْعَكْسِ ) أَيْ يَحْنَثُ بِالْإِعَارَةِ فِي حَلِفِهِ لَا وَهَبَهُ شَيْئًا أَوْ لَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ ، لِأَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَفُهِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى حِنْثُهُ بِالصَّدَقَةِ فِي حَلِفِهِ لَا وَهَبَهُ وَبِالْعَكْسِ ( وَنُوِّيَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ قُبِلَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ ثَوْبًا غَيْرَ الْمَرْهُونِ مُطْلَقًا ، وَنِيَّةُ خُصُوصِ الْإِعَارَةِ فِي حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِهَا ثُمَّ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ إلَّا لِرَفْعٍ مَعَ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فِي إطْلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ ( إلَّا فِي صَدَقَةٍ ) تَصَدَّقَ بِهَا الْحَالِفُ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عِوَضًا ( عَنْ هِبَةٍ ) حَلَفَ لَا وَهَبَهَا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّهُ نَوَى خُصُوصَ الْهِبَةِ تُقْبَلُ نِيَّتُهُ مُطْلَقًا .
وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ فَأَعَارَ وَادَّعَى نِيَّةَ خُصُوصِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ فَوَهَبَ وَادَّعَى نِيَّةَ الصَّدَقَةِ خَاصَّةً فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ .
وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَخِيرَةَ بِكَوْنِهِ لَهُ اعْتِصَارُ الْهِبَةِ .

وَبِبَقَاءٍ وَلَوْ لَيْلًا فِي لَا سَكَنْت ، لَا فِي لَأَنْتَقِلَنَّ ، وَلَا بِخَزْنٍ ، وَانْتَقَلَ فِي لَا سَاكَنَهُ عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ ، أَوْ ضَرَبَا جِدَارًا ، وَلَوْ جَرِيدًا بِهَذِهِ الدَّارِ ، وَبِالزِّيَادَةِ إنْ قَصَدَ التَّنَحِّيَ ، لَا لِدُخُولِ عِيَالٍ ، إنْ لَمْ يُكْثِرْهَا نَهَارًا ، وَمَبِيتٍ بِلَا مَرَضٍ وَسَافَرَ الْقَصْرَ فِي لَأُسَافِرَنَّ وَمَكَثَ نِصْفَ شَهْرٍ وَنُدِبَ كَمَالُهُ ، كَأَنْتَقِلَنَّ وَلَوْ بِإِبْقَاءِ رَحْلِهِ لَا بِكَمِسْمَارٍ ، وَهَلْ إنْ نَوَى عَدَمَ عَوْدِهِ ؟ تَرَدُّدٌ

( وَ ) حَنِثَ ( بِبَقَاءٍ ) فِي الدَّارِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا بَعْدَ يَمِينِهِ مُدَّةً زَائِدَةً عَلَى مَا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ فِيهِ نَهَارًا بَلْ ( وَلَوْ لَيْلًا فِي ) حَلِفِهِ ( لَا سَكَنْت ) هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ بَقِيَ بِهَا وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ لِعَدَمِ مَنْ يَنْقُلُ لَهُ مَتَاعَهُ أَوْ خَوْفِ ظَالِمٍ أَوْ سَارِقٍ وَأَقَامَ بِهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَهُوَ يَنْقُلُ مَتَاعَهُ لِكَثْرَتِهِ وَعَدَمِ إمْكَانِ نَقْلِهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَادَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ كَالْمَقْصُودِ بِالْيَمِينِ وَلَيْسَ غُلُوُّ الْكِرَاءِ وَعَدَمُ مُنَاسَبَةِ الْمَسْكَنِ لِحَالِهِ عُذْرًا فَيَنْتَقِلُ وَلَوْ لِبَيْتِ شَعْرٍ ، وَإِذَا انْتَقَلَ مِنْهَا فَلَا يَعُودُ لَهَا أَبَدًا لِعُمُومِ يَمِينِهِ السُّكْنَى فِيهَا أَبَدًا بِخِلَافِ حَلِفِهِ لَأَنْتَقِلَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ .
وَنُدِبَ كَمَا لَهُ ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُقِيمَ فِيهَا بَعْدَ يَمِينِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً .
وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَزِيدَ عَلَيْهِمَا .
( لَا ) يَحْنَثُ بِالْبَقَاءِ بَعْدَ الْيَمِينِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَأَنْتَقِلَنَّ ) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَيُؤْمَرُ بِالِانْتِقَالِ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ فَلَا يَطَأُ الْمَحْلُوفَ بِطَلَاقِهَا حَتَّى يَنْتَقِلَ ، فَإِنْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ حَنِثَ بِمُضِيِّهِ قَبْلَ انْتِقَالِهِ وَهُوَ عَلَى بِرٍّ إلَيْهِ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي حَمْلِ يَمِينِهِ لَأَفْعَلَنَّ عَلَى الْفَوْرِ فَيَحْنَثُ بِتَأْخِيرِهِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَحْنَثُ بِهِ قَوْلَانِ ثَانِيهِمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ .
وَفِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ حَكَى الصَّرْصَرِيُّ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ إنْ بَقِيت فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ لَا بَقِيتُ أَوْ مَا نَبْقَى هَلْ يُرَدُّ إلَى لَأَنْتَقِلَنَّ فَلَا يَحْنَثُ إذَا رَجَعَ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَالُصُوتِيُّ ، وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ الْقَصَّارُ أَوْ يُرَدُّ إلَى لَا سَكَنْت فَيَحْنَثُ مَتَى رَجَعَ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْقَارِي قَالَ

: لِأَنَّ تَفْسِيرَ النَّفْيِ بِالنَّفْيِ أَوْلَى .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَلَا ) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ السُّكْنَى فِي دَارٍ ( بِخَزْنٍ ) فِيهَا إذْ لَا يُعَدُّ سُكْنَى إذَا انْفَرَدَ وَإِنَّمَا عَدَّ ابْنُ الْقَاسِمِ بَقَاءَ الْمَتَاعِ سُكْنَى إذَا كَانَ تَبَعًا لِسُكْنَى الْأَهْلِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحِنْثُ بِالْخَزْنِ وَاسْتَظْهَرَ فِي التَّوْضِيحِ خِلَافَهُ ، وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا مَطَامِيرَ فَهَلْ يَنْقُلُ مَا فِيهَا نَظَرَ فِيهِ التُّونُسِيُّ ، ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي إنْ كَانَتْ الْمَطَامِيرُ لَا تَدْخُلُ فِي كِرَاءِ الدَّارِ إلَّا بِشَرْطٍ وَاكْتَرَاهَا وَحْدَهَا لِخَزْنِ الطَّعَامِ فَلَا تَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ وَلَهُ إبْقَاءُ مَا فِيهَا سَوَاءٌ اكْتَرَاهَا قَبْلَ اكْتِرَاءِ الدَّارِ أَوْ بَعْدَهُ ، إلَّا أَنْ لَا يَلِيقَ الْخَزْنُ بِهَا إلَّا وَهُوَ سَاكِنٌ فِي الدَّارِ فَيَنْبَغِي نَقْلُ مَا فِيهَا .
وَفِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَخَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ خَزَنَ فِيهَا فَلَا يَحْنَثُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مَخْزُونٌ وَأَبْقَاهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ( وَانْتَقَلَ ) الْحَالِفُ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا سَاكَنَهُ ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِدَارٍ أَوْ حَارَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَيَبَرَّ بِانْتِقَالِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَيْضًا ( عَمَّا ) أَيْ الْوَجْهِ الَّذِي ( كَانَا ) أَيْ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ سَاكِنَيْنِ ( عَلَيْهِ ) انْتِقَالًا يَزُولُ مَعَهُ اسْمُ الْمُسَاكَنَةِ عُرْفًا حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ سَاحَةً هُمَا بِهَا أَوْ هِيَ بَيْتٌ هُمَا بِهِ أَوْ ذَاتُ بُيُوتٍ كُلٌّ بِبَيْتٍ ، وَانْتَقَلَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي لِحَارَةٍ أُخْرَى إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا أُسَاكِنُهُ أَوْ بِهَذِهِ الْحَارَةِ ، وَأَمَّا لَا أُسَاكِنُهُ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ بِبَلْدَةٍ فَيَنْتَقِلُ لِأُخْرَى عَلَى فَرْسَخٍ كَالْقِسْمِ الثَّالِثِ إنْ صَغُرَتْ .
فَإِنْ كَبُرَتْ كَالْمَدِينَةِ

الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِرُّهُ عَلَى انْتِقَالِهِ ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى تَرْكِ مُقَارَبَتِهِ وَسُكْنَاهُ مَعَهُ ، هَذَا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا أُسَاكِنُهُ بِدَارٍ أَوْ حَارَةٍ أَوْ حَارَتَيْنِ ، فَإِنْ كَانَتْ لَا أُسَاكِنُهُ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ بِبَلْدَةٍ فَالظَّاهِرُ انْتِقَالُهُ لِأُخْرَى عَلَى فَرْسَخٍ ، وَأَمَّا إنْ حَلَفَ لَا أُسَاكِنُهُ وَكُلٌّ بِقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ فَمَعْنَى انْتِقَالِهِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ مَعَهُ فِي مَسْقًى أَوْ مُحْتَطَبٍ أَوْ مَسْرَحٍ بَلْ يَتَبَاعَدَ عَنْهُ ، فَإِنْ كَبُرَتْ الْبَلْدَتَانِ وَحَلَفَ لَا أُسَاكِنُهُ فَلَا يَقْرَبُ مِنْهُ عُرْفًا .
وَلَمَّا شَمِلَ كَلَامُهُ مَنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ أَوْ دَارٍ وَأَفَادَ أَنَّ الِانْتِقَالَ مُخْرِجٌ مِنْ الْحِنْثِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَكَانَ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ فِي الدَّارِ وَجْهٌ آخَرُ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ضَرْبًا ) أَيْ وَضَعَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا ( جِدَارًا ) أَيْ شَرَعَا فِي بِنَائِهِ بِأَثَرِ الْيَمِينِ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ أَحَدُهُمَا حَتَّى يَضْرِبَ فَقَدْ يَكُونُ ضَرْبُهُ أَسْرَعَ مِنْ الِانْتِقَالِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَثِيقًا بِطُوبٍ أَوْ بِحَجَرٍ بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ الْجِدَارُ ( جَرِيدًا ) فِي حَلِفِهِ لَا أُسَاكِنُهُ بِدُونِ تَعْيِينِ الدَّارِ بَلْ ، وَلَوْ عَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ لَا أُسَاكِنُهُ ( بِهَذِهِ الدَّارِ ) ابْنُ غَازِيٍّ عَطَفَهُ بِأَوْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمَا إذَا كَانَا سَاكِنَيْنِ فِي دَارٍ فَالْحَالِفُ مُخَيَّرٌ فِي الِانْتِقَالِ وَضَرْبِ الْجِدَارِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا ، وَأَمَّا مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فَكَرِهَ الْجِدَارَ فِيهَا .
وَأَشَارَ بِلَوْ لِخِلَافَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْخِلَافُ فِي إجْزَاءِ الْحَاجِزِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَثِيقًا بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ كَانَ مِنْ جَرِيدٍ وَشِبْهِهِ .
وَالثَّانِي الْخِلَافُ فِي إجْزَاءِ الْحَاجِزِ إذَا عَيَّنَ الدَّارَ فَقَالَ بِهَذِهِ الدَّارِ مَثَلًا أَمَّا الْجِدَارُ فَبِالْجَرِيدِ فَسَّرَ ابْنُ مُحْرِزٍ الْمُدَوَّنَةَ

خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ ظَاهِرُ قَوْلِهَا سَمَّاهَا أَمْ لَا إجْزَاءُ الْحَاجِزِ فِي الْمُعَيَّنَةِ ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ لَوْ عَيَّنَ الدَّارَ وَلَمْ يَبَرَّ بِالْجِدَارِ وَقَدْ سَبَقَهُمَا لِهَذَا أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ ، وَزَادَ إذْ الْمُسَاكَنَةُ يُزِيلُهَا الْجِدَارُ خِلَافُ السُّكْنَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
وَشَرْطُ كِفَايَةِ ضَرْبِ الْجِدَارِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مَحَلٍّ مَرْفِقٌ وَمَدْخَلٌ عَلَى حِدَةٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْحَلِفُ لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ بَيْنَ الْعِيَالِ فَإِنْ كَانَ لِكَرَاهَةِ جِوَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْتِقَالِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَقَوْلَانِ وَجَمِيعُ مَا مَرَّ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْعَمُودِ ، وَأَمَّا هُمْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ نَقْلَةً بَيِّنَةً حَتَّى يَنْقَطِعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ خُلْطَةِ الْعِيَالِ وَالصَّبِيَّانِ وَلَا يَنَالَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْعَارِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ إلَّا بِكُلْفَةٍ ، وَصِيغَةُ الْيَمِينِ لَا يُجَاوِرُهُ أَوْ لَيَنْتَقِلَنَّ عَنْهُ ، وَلَا يَحْنَثُ فِي لَا أُسَاكِنُهُ بِسَفَرِهِ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّنَحِّيَ .
وَنَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا عَلَى أَنَّهُمَا إنْ كَانَا بِمَحَلٍّ وَفَوْقَهُ مَحَلٌّ فَانْتَقَلَ أَحَدُهُمَا إلَيْهِ كَفَى قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ هَذَا إذَا كَانَ سَبَبُ الْيَمِينِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَجْلِ الْمَاعُونِ ، فَإِنْ كَانَ الْعَدَاوَةُ فَلَا يَكْفِي .
( وَ ) حَنِثَ فِي لَا أُسَاكِنُهُ ( وَبِالزِّيَارَةِ ) مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ( إنْ قَصَدَ ) الْحَالِفُ بِلَا أُسَاكِنُهُ ( التَّنَحِّيَ ) أَيْ الْبُعْدَ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِذَاتِهِ ؛ لِأَنَّهَا مُوَاصَلَةٌ وَقُرْبٌ ( لَا ) إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّنَحِّيَ عَنْهُ لِذَاتِهِ بِأَنْ كَانَتْ يَمِينُهُ ( لِدُخُولِ ) شَيْءٍ بَيْنَ ( عِيَالٍ ) أَيْ نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ لَهُمَا فَلَا يَحْنَثُ بِهَا .
وَكَذَا إنْ كَانَ لَا نِيَّةَ لَهُ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ بِشَرْطَيْنِ أَفَادَهُمَا بِقَوْلِهِ ( إنْ

لَمْ يُكْثِرْهَا ) أَيْ الزَّائِرُ مِنْهُمَا الزِّيَارَةُ ( نَهَارًا وَمَبِيتٍ ) عَطْفٌ عَلَى يُكْثِرْ فَهُوَ مَجْزُومٌ وَمَنْفِيٌّ ( بِلَا مَرَضٍ ) فَمَنْطُوقُهُ صُورَتَانِ وَهُمَا انْتِفَاءُ إكْثَارِهَا نَهَارًا مَعَ انْتِفَاءِ الْبَيَاتِ وَمَعَ الْبَيَاتِ بِمَرَضٍ وَلَا حِنْثَ فِيهِمَا .
وَمَفْهُومُهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ إكْثَارُهَا نَهَارًا وَلَمْ يَبِتْ أَوْ بَاتَ لِمَرَضٍ أَوْ بَاتَ بِلَا مَرَضٍ وَعَدَمُ إكْثَارِهَا مَعَ الْبَيَاتِ بِلَا مَرَضٍ فَيَحْنَثُ فِيهَا .
وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابَا : الثَّابِتُ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ عَطْفُ مَبِيتٍ بِأَوْ وَهُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ : اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الطُّولِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الزَّائِرُ فِي مَعْنَى السَّاكِنِ عَلَى قَوْلَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : وَالثَّانِي أَنَّ الطُّولَ أَنْ يُكْثِرَ الزِّيَارَةَ بِالنَّهَارِ أَوْ يَبِيتَ فِي غَيْرِ مَرَضٍ إلَّا أَنْ يَشْخَصَ إلَيْهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ عَلَى غَيْرِ مَرَضٍ .
ا هـ .
وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ مَرَضٍ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَأَوْ هُنَا لِكَوْنِهَا وَاقِعَةً بَعْدَ نَفْيٍ تُفِيدُ نَفْيَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا كَمَا فِي الرِّضَى وَالْمَغْنَى .
فَإِذَا قُلْت لَمْ يَجِئْ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو فَالْمَعْنَى لَمْ يَجِئْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } فَمَنْطُوقُ الْمَتْنِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ نَفْيُهُمَا مَعًا وَهِيَ صُورَةُ عَدَمِ الْحِنْثِ ، وَمَفْهُومُهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ ثُبُوتُ الْأَمْرَيْنِ وَثُبُوتُ أَحَدِهِمَا وَهِيَ صُوَرِ الْحِنْثِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ عج مُقْتَضَى كَوْنِ الْيَمِينِ لِمَا يَدْخُلُ بَيْنَ الْعِيَالِ عَدَمُ الْحِنْثِ بِالزِّيَارَةِ وَلَوْ أَكْثَرَهَا نَهَارًا وَبَاتَ بِلَا مَرَضٍ .
عب لِعِلَّةِ أَنَّ إكْثَارَهَا نَهَارًا وَبَيَاتَهُ بِلَا مَرَضٍ وَسِيلَةٌ لِمَجِيءِ أَوْلَادِهِ فَيَقَعُ بَيْنَ الْعِيَالِ مَا حَلَفَ لِزَوَالِهِ .
( وَسَافَرَ ) الْحَالِفُ ( الْقَصْرَ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الصَّادِ أَيْ الْمَسَافَةَ الَّتِي تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِيهَا شَرْعًا وَهِيَ

أَرْبَعَةُ بُرُدٍ لِيَبَرَّ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَأُسَافِرَنَّ ) وَبَرَّ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ الصَّلَاةَ فِيهِ لِعَدَمِ قَصْدِهَا دَفْعَةً أَوْ لِعِصْيَانِهِ بِهِ مَثَلًا ( وَمَكَثَ ) أَيْ لَا يَرْجِعُ الْحَالِفُ بَعْدَ سَفَرِهِ الْقَصْرَ لِلْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ أَوْ لِغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ ( نِصْفُ شَهْرٍ ) سَوَاءٌ أَقَامَ فِي بَلَدٍ خَارِجٍ عَنْ أَرْبَعَةِ الْبُرُدِ أَوْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا مِنْ بَلَدٍ لِبَلَدٍ خَارِجَهَا حَتَّى أَتَمَّ نِصْفَ شَهْرٍ .
( وَنُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( كَمَالُهُ ) أَيْ الشُّهُورِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْهَا وَشَبَّهَ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ نِصْفَ شَهْرٍ وَنُدِبَ كَمَالُهُ فَقَالَ ( كَ ) الْحَالِفِ لَ ( أَنْتَقِلَنَّ ) مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً أَوْ بِسَاطًا ، وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ الْحَارَةِ كَذَلِكَ فَيَكْفِيهِ الِانْتِقَالُ لِأُخْرَى وَمُكْثُهُ نِصْفَ شَهْرٍ ، وَنُدِبَ كَمَالُهُ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا إذَا قَصَدَ إرْهَابَ جَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إنْ كَرِهَ مُجَاوَرَتَهُ فَلَا يُسَاكِنُهُ أَبَدًا ، وَكَذَا يَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ الْمِنَّةِ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ إلَيْهِ حَنِثَ .
ا هـ .
وَنَحْوُهُ فِي الْحَطّ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ .
وَبَالَغَ عَلَى الْحِنْثِ بِالْبَقَاءِ فِي لَا سَكَنْت وَعَدَمِ الْبِرِّ بِعَدَمِ الِانْتِقَالِ فِي لَأَنْتَقِلَنَّ فَقَالَ ( وَلَوْ ) كَانَ بَقَاؤُهُ بَعْدَ حَلِفِهِ لَا سَكَنْت أَوْ عَدَمِ انْتِقَالِهِ بَعْدَ حَلِفِهِ لَأَنْتَقِلَنَّ ( بِإِبْقَاءِ رَحْلِهِ ) أَيْ مَتَاعِ الْحَلِفِ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى الرُّجُوعِ لَهُ أَوْ طَلَبِهِ لَوْ تَرَكَهُ ، وَالْحِنْثُ فِي الْأُولَى بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ أَنْ لَا يَكُونَ فِي نَقْلِهِ فَسَادٌ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادٌ كَثَمَرِ شَجَرٍ بِدَارٍ لَمْ يَطِبْ فَلَا يَحْنَثُ بِإِبْقَائِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَحْلًا حَقِيقَةً وَأَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ لِقَطْعِ مَنِّهِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنْ كَانَ لِمَا يَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِيرَانِهِ مِنْ مَشَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَحْنَثُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَأَنْ يُبْقِيَهُ

بِمَحَلِّ السُّكْنَى أَوْ مُلْحَقٍ بِهِ مِمَّا دَخَلَ فِي عَقْدِ إجَارَتِهِ بِلَا شَرْطٍ ، وَأَمَّا لَا يَدْخُلُ إلَّا بِشَرْطٍ كَالْمَطَامِيرِ فَلَا يَحْنَثُ بِإِبْقَائِهِ مَا خَزَنَ بِهَا قَالَهُ التُّونُسِيُّ ، وَمِثْلُ الْمَطَامِيرِ الصَّهَارِيجُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ ، فَإِنْ أَبْقَى رَحْلَهُ فِي الْمَطَامِيرِ أَوْ الصَّهَارِيجِ لَمْ يَحْنَثْ إنْ أَكْرَاهَا مُنْفَرِدَةً عَنْ مَحَلِّ سَكَنِهِ وَكَانَتْ مَأْمُونَةً حَالَ انْتِقَالِهِ عَنْهَا .
وَنَصُّ الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ أَوْصَى عَنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ فَانْتَقَلَ وَتَرَكَ مِنْ السَّقْطِ مَا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ رَافِضًا لَهُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ ، وَاخْتُلِفَ إنْ تَرَكَهُ نَاسِيًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ ، وَفِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ نَاسِيًا ، وَأَمَّا إنْ تَرَكَهُ عَلَى أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَيَأْخُذَهُ فَإِنَّهُ حَانِثٌ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ الَّذِي قَالَ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ مَتَاعِهِ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ .
ا هـ .
وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ بِالتَّفْصِيلِ وَمُقَابِلُهَا طَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ السَّقْطِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مُطْلَقًا وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّرَدُّدِ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِ ) إبْقَاءِ شَيْءٍ تَافِهٍ لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الرُّجُوعِ لَهُ أَوْ طَلَبِهِ لَوْ تَرَكَهُ ( كَمِسْمَارٍ ) وَوَتِدٍ وَخَشَبَةٍ إهْمَالًا أَوْ نِسْيَانًا ( وَهَلْ ) عَدَمُ حِنْثِهِ .
( إنْ نَوَى عَدَمَ عَوْدِهِ لَهُ ) أَيْ الْحَالِفِ أَيْ كَالْمِسْمَارِ ، فَإِنْ نَوَى عَوْدَهُ لَهُ حَنِثَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ ، أَوْ عَدَمُ حِنْثِهِ مُطْلَقٌ سَوَاءٌ نَوَى عَوْدَهُ لَهُ أَوْ عَدَمَهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ تَرَدُّدٌ ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَأَوْرَدَ عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَقْتَضِي

حِنْثَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ بِأَنَّهُ نَسِيَهُ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا عَدَمُ الْحِنْثِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ ، فَلَوْ قَالَ : وَهَلْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَوْدَهُ لَهُ تَرَدُّدٌ كَانَ أَوْلَى فَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ إنْ نَوَى الْعَوْدَ فَإِنْ نَوَى عَدَمَهُ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا ا هـ عب .
الْبُنَانِيُّ : التَّرَدُّدُ هُنَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي فَهْمِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ تَرَكَ مِنْ السَّقْطِ مِثْلَ الْوَتِدِ وَالْمِسْمَارِ وَالْخَشَبَةِ مِمَّا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ أَوْ تَرَكَ ذَلِكَ نِسْيَانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
ا هـ .
هَلْ يُفِيدُ بِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ إنْ نَوَى عَوْدَهُ إلَيْهِ حَنِثَ أَوْ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُهُمْ فِي فَهْمِ الْمُدَوَّنَةِ عَبَّرَ بِالتَّرَدُّدِ دُونَ التَّأْوِيلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَبِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ ، أَوْ عَيْبِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ ، وَبَيْعٍ فَاسِدٍ فَاتَ قَبْلَهُ ، إنْ لَمْ تَفِ ، كَأَنْ لَمْ يَفُتْ ، عَلَى الْمُخْتَارِ .

( وَ ) مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَقَضَاهُ إيَّاهُ فَاسْتَحَقَّ الْمُقْتَضَى كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ مِنْ يَدِهِ أَوْ ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ حَنِثَ ( بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ ) أَيْ الْمَدْفُوعِ وَأَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ جَمِيعِهِ وَلَوْ وَفِي الْبَعْضِ الْبَاقِي بِالدَّيْنِ ( أَوْ ) ظُهُورِ ( عَيْبِهِ ) الْقَدِيمِ الْمُوجِبِ لِرَدِّهِ وَقَامَ الْمَحْلُوفُ لَهُ بِحَقِّهِ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا ، وَظَاهِرُهُ جَرَيَانُهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَيْبِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ ، وَصِلَةُ اسْتِحْقَاقٍ ( بَعْدَ ) مُضِيِّ ( الْأَجَلِ ) الْمَحْلُوفِ عَلَى الدَّفْعِ فِيهِ فَقَدْ حَنِثَ الْحَالِفُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ مُشْكِلُ التَّوْضِيحِ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ لَا يُمَاطِلَ وَقَدْ فَعَلَ اللَّخْمِيُّ ، الْحِنْثَ عَلَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ ، وَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ لَا يَمُدَّ ، وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الرَّدَّ أَوْ لَمْ يَقُمْ الْمَحْلُوفُ لَهُ بِحَقِّهِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ .
وَالْقَيْدُ الثَّانِي يَجْرِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا لِأَبِي الْحَسَنِ وَلَا يُنَافِيهِ حِنْثُهُ مَعَ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْقِيَامِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ وَقَدْ يُقَالُ : يَحْنَثُ بِالْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ لِأَنَّهُ كَهِبَةِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ وَسَيَأْتِي حِنْثُهُ بِهَا ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ نَقْصُ عَدَدٍ أَوْ وَزْنٍ فِيمَا يَتَعَامَلُ بِهِ وَزْنًا وَإِلَّا حَنِثَ وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الْمَحْلُوفُ لَهُ ، وَمَفْهُومُ بَعْدَ الْأَجَلِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَهُ وَأَجَازَ فَلَا حِنْثَ أَوْ لَمْ يُجِزْ وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ وَإِلَّا حَنِثَ .
( وَ ) حَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا ( بِبَيْعٍ فَاسِدٍ ) مُتَّفَقٍ عَلَى فَسَادِهِ بَاعَهُ لَهُ وَقَاصَمَهُ بِثَمَنِهِ مِنْ حَقِّهِ وَ ( فَاتَ ) الْمَبِيعُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْحَقِّ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْأَجَلِ الْمَحْلُوفِ إلَيْهِ ،

وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يُكْمِلْ الْحَالِفُ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ بَقِيَّةَ حَقِّهِ حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ فَإِنْ أَكْمَلَ الْحَقَّ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ وَقْتَ الْقِيمَةِ بِالدَّيْنِ فَلَا حِنْثَ فَقَوْلُهُ ( إنْ لَمْ تَفِ ) يَصِحُّ ضَبْطُهُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَيْ الْقِيمَةُ بِالدَّيْنِ وَضَبْطُهُ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ أَيْ الْبَائِعُ ، وَالْمُرَادُ بِالْحِنْثِ عَدَمُ الْبِرِّ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ فَاتَ وَقِيمَتُهُ كَالدَّيْنِ بَرَّ مُطْلَقًا ، وَأَنَّهُ إنْ فَاتَ وَهِيَ أَقَلُّ وَوَفَاءُ تَمَامِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ بَرَّ ، وَخَرَجَ بِالْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَيَبَرُّ بِهِ مُطْلَقًا لِمُضِيِّهِ بِالثَّمَنِ فَكَلَامُهُ فِيمَا يَمْضِي بِالْقِيمَةِ .
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْبِرِّ إنْ لَمْ تَفِ وَالْبِرُّ إنْ وَقَّتَ فَقَالَ ( كَأَنْ لَمْ يَفُتْ ) الْمَبِيعُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَفَاتَ بَعْدَهُ ، فَإِنْ لَمْ تَفِ الْقِيمَةُ لَمْ يَبَرَّ وَإِنْ وَفَّتْ بَرَّ ( عَلَى الْمُخْتَارِ ) لِلَّخْمِيِّ مِنْ الْخِلَافِ ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَهُ فَالْحِنْثُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ ، لِأَنَّ سَحْنُونًا قَالَ بِالْحِنْثِ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ بِعَدَمِهِ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ بِالثَّانِي إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مُسَاوِيَةً نَظَرًا إلَى أَنَّهُ حَصَلَ بِيَدِهِ عِوَضُ حَقِّهِ ، فَاخْتِيَارُهُ مِنْ نَفْسِهِ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَفْصِيلَهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْقَوْلَيْنِ كَانَ مُخْتَارًا مِنْ خِلَافٍ .
ا هـ عب .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَفَاتَ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ كَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ وَالِاخْتِيَارَ فِيمَا إذَا لَمْ يَفُتْ قَبْلَهُ سَوَاءٌ فَاتَ بَعْدَهُ أَوْ لَا .
وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ وَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ وَهُوَ قَائِمٌ فَقَالَ سَحْنُونٌ يَحْنَثُ ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ وَأَرَى بِرَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءً نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ .
وَقَدْ شَرَحَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ، وَقَالَ

ابْنُ عَاشِرٍ مَفْهُومُ قَبْلِهِ مُنْدَرِجٌ فِي قَوْلِهِ كَأَنْ لَمْ يَفُتْ لِأَنَّ هَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَفُتْ أَصْلًا وَمَا فَاتَ بَعْدَ الْأَجَلِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ فَوْتِهِ وَبَقَائِهِ إنَّمَا هُوَ وَقْتُ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَطْرَأُ بَعْدَهُ .

وَبِهِبَتِهِ لَهُ ، أَوْ دَفْعِ قَرِيبٍ عَنْهُ ، وَإِنْ مِنْ مَالِهِ ، أَوْ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ بِالْقَضَاءِ إلَّا بِدَفْعِهِ ، ثُمَّ أَخَذَهُ لَا إنْ جُنَّ ، وَدَفَعَ الْحَاكِمُ ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَقَوْلَانِ .

( وَ ) حَنِثَ الْحَالِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا ( بِهِبَتِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ ( لَهُ ) أَيْ الْمَدِينِ وَقَبِلَهُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِهِ وَسُقُوطِ الْحَقِّ عَنْهُ فَتَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَبَرُّ بِدَفْعِهِ لَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ وَقَبْلَ الْأَجَلِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ وَوَفَّاهُ فِي الْأَجَلِ وَإِلَّا فَلَا أَفَادَهُ عب .
وَفِي التَّوْضِيحِ فَهَلْ يَحْنَثُ بِنَفْسِ قَبُولِ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ أَوْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ الدَّيْنَ ، وَلَوْ قَضَاهُ إيَّاهُ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ بَرَّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ا هـ .
الْحَطّ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ، وَفِي كَبِيرِ تت عَنْ ابْنِ نَاجِي أَنَّهُ الْمَشْهُورُ فَالصَّوَابُ حَمْلُ الْمَتْنِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ إلَّا بِدَفْعِهِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رُجُوعِهِ لِهَذِهِ أَيْضًا أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
( أَوْ دَفَعَ قَرِيبٌ ) لِلْحَالِفِ غَيْرُ وَكِيلِ قَضَاءٍ وَتَفْوِيضٍ أَوْ سُلْطَانٍ الدَّيْنَ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ نِيَابَةً ( عَنْهُ ) أَيْ الْحَالِفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( مِنْ مَالِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ فَلَا يَبَرُّ بِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَبْلَ الْأَجَلِ بِدَفْعِهِ عَنْهُ وَيَرْضَى بِهِ فَيَبَرُّ بِهِ سَوَاءٌ دَفَعَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْحَالِفِ ، كَدَفْعِ قَرِيبِهِ وَهُوَ وَكِيلُ قَضَاءٍ أَوْ تَفْوِيضٍ كَوَكِيلِ تَقَاضٍ دَيْنًا أَوْ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ قَالَهُ الْمَوَّاقُ ، وَيَنْبَغِي إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَيَرْضَى وَلَا يَبَرُّ بِقَضَاءِ وَكِيلِ الضَّيْعَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَيَرْضَى قَبْلَهُ ( أَوْ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ ) لَهُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ ( بِالْقَضَاءِ ) وَلَوْ زُكِّيَتْ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهَا أَوْ تَذَكَّرَ الطَّالِبُ أَنَّهُ كَانَ قَبَضَهُ أَوْ

أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ( إلَّا بِدَفْعِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ أَوْ عِلْمِهِ بِدَفْعِ غَيْرِهِ عَنْهُ رِضَاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ .
وَقَوْلُهُ ( ثُمَّ أَخَذَهُ ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَدْفُوعَ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَرُدَّ الْهِبَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحُكْمِ لَا لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ إلَّا بِهِ ، وَكَلَامُهُ هُنَا عَلَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ دُونَ الْبِسَاطِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ قَالَهُ عج ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ كَلَامُهُ فِيمَا هُنَا بِخُصُوصِهِ وَلَا غَرَابَةَ فِي بِنَاءٍ مَشْهُورٍ عَلَى ضَعِيفٍ .
وَمِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَ الْحَقُّ الْمَحْلُوفُ عَلَى وَفَائِهِ عِوَضَ عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ أَوْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ وَرَدَّهُ فَلَا يَبَرُّ حَتَّى يُوَفِّيَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ .
ابْنُ عَاشِرٍ أَيْ إنْ قَبِلَ الْمَحْلُوفُ لَهُ قَبْضَ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ وَيَقَعُ الْحِنْثُ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ قُلْت لَهُ أَنْ يَبَرَّ بِرَفْعِهِ لِلْحَاكِمِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا فِي الْحَطّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ ، وَنَصُّهُ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ لَهُ حَاضِرًا فَالسُّلْطَانُ يُحْضِرُهُ وَيُجْبِرُهُ عَلَى قَبْضِ حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مِمَّا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِهِ كَعَارِيَّةٍ غَابَ عَلَيْهَا فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَبْرَأُ مِنْ يَمِينِهِ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهِ بِرَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ .
( لَا إنْ جُنَّ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشَدِّ النُّونِ الْحَالِفِ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ أُسِرَ أَوْ حُبِسَ ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ ، أَوْ سَكِرَ بِحَلَالٍ كَذَا يَظْهَرُ فِي الْجَمِيعِ وَانْظُرْ الْفَقْدَ ( وَ ) الْحَالُ أَنَّهُ ( دَفَعَ الْحَاكِمُ ) الْحَقَّ عَنْهُ لِرَبِّهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ مِنْ مَالِهِ فَلَا يَحْنَثُ أَوْ مِنْ مَالِ الْحَاكِمِ حَيْثُ لَا وَلِيَّ لِمَنْ جُنَّ ، وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ بِدَفْعِ الْحَاكِمِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُ .
( وَإِنْ لَمْ

يَدْفَعْ ) الْحَاكِمُ الْحَقَّ عَنْ الْمَجْنُونِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ وَدَفَعَهُ بَعْدَهُ ( فَقَوْلَانِ ) بِالْحِنْثِ وَعَدَمِهِ لِأَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، أَوْ مَاتَ الْمَحْلُوفُ لَهُ وَالْحَالِفُ وَارِثُهُ اُسْتُحْسِنَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ فَيَقْضِيَهُ ثُمَّ يَرُدَّ لَهُ وَعَنْهُ الْوِرَاثَةُ كَالْقَضَاءِ .

وَبِعَدَمِ قَضَاءٍ فِي غَدٍ ، فِي لَأَقْضِيَنَّك غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَلَيْسَ هُوَ .
لَا إنْ قَضَى قَبْلَهُ ، بِخِلَافِ لَآكُلَنَّهُ ، وَلَا إنْ بَاعَهُ بِهِ عَرَضًا

( وَ ) حَنِثَ ( بِعَدَمِ قَضَاءٍ فِي غَدٍ فِي ) حَلِفِهِ ( لَأَقْضِيَنَّكَ ) حَقَّك ( غَدًا ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ ( وَ ) الْحَالُ ( لَيْسَ هُوَ ) أَيْ الْغَدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَلْ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِتَعَلُّقِ الْحِنْثِ بِلَفْظِ غَدٍ لَا بِتَسْمِيَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَدًا وَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الثَّانِيَ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَوَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمُنَافَاةِ نِيَّتِهِ لِقَوْلِهِ غَدًا ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ قَضَى قَبْلَهُ ) أَيْ الْيَوْمَ الَّذِي حَلَفَ عَلَى الْقَضَاءِ فِيهِ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَلِدَ إلَّا لِقَصْدِ مَطْلِهِ بِالتَّأْخِيرِ لَهُ إلَى غَدٍ مَثَلًا فَيَحْنَثُ بِقَضَائِهِ قَبْلَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ، وَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حُرْمَةُ الْمَطْلِ وَالْحِنْثِ .
( بِخِلَافِ ) حَلِفِهِ عَلَى طَعَامٍ ( لَآكُلَنَّهُ ) غَدًا فَأَكَلَهُ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْيَوْمُ وَالْقَصْدُ فِي الْقَضَاءِ عَدَمُ الْمَطْلِ ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ مَرِيضًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ قَبْلَ غَدٍ الْمَحْلُوفِ أَنْ يَأْكُلَهُ فِيهِ لَدَلَالَةِ بِسَاطِ يَمِينِهِ عَلَى قَصْدِ عَدَمِ تَأْخِيرِهِ ، فَتَقْدِيمُ أَكْلِهِ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَقْصُودُ وَزِيَادَةٌ .
( وَلَا ) يَحْنَثُ ( إنْ بَاعَهُ ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ لَهُ ( بِهِ ) أَيْ الدَّيْنَ الَّذِي حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ فِي أَجَلِ كَذَا ( عَرَضًا ) وَهُوَ عَيْنٌ وَقَصَدَ بِحَلِفِهِ مُطْلَقَ التَّوْفِيَةِ لَا دَفْعَ خُصُوصِ الْعَيْنِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْعَرَضِ قَدْرَ الْعَيْنِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يَبَرَّ وَلَوْ بَاعَهُ لَهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ جَازَ الْغَبْنُ احْتِيَاطًا لِلْبِرِّ فَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ عَيْنًا فَلَا يَبَرُّ بِبَيْعِهِ بِهَا عَرَضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى مُطْلَقَ الْقَضَاءِ ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الصُّوَرَ سِتٌّ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَأَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ أَوْ دَرَاهِمَهُ وَفِي كُلٍّ ، إمَّا أَنْ يَقْصِدَهُ مُطْلَقَ الْوَفَاءِ أَوْ عَيْنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ لَا قَصْدَ

لَهُ ، فَإِنْ قَصَدَ مُطْلَقَ الْوَفَاءِ بَرَّ بِبَيْعِ الْعَرَضِ الَّذِي نَفَى قِيمَتَهُ بِالدَّيْنِ سَوَاءٌ عَبَّرَ بِالْحَقِّ أَوْ الدَّرَاهِمِ ، وَإِنْ كَانَ نَوَى دَفْعَ الْعَيْنِ لَمْ يَبَرَّ بِهِ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ بَرَّ بِهِ إنْ كَانَ عَبَّرَ بِالْحَقِّ لَا بِالدَّرَاهِمِ أَفَادَهُ عب .
وَقَالَ اللَّقَانِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِي بِرِّهِ مُسَاوَاةُ قِيمَةِ الْعَرَضِ الدَّيْنَ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ ، وَتَقْيِيدُ تت لَهُ بِذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَنَقَلَهُ الْعَدَوِيُّ وَأَقَرَّهُ .

وَبَرّ إنْ غَابَ بِقَضَاءِ وَكِيلِ تَقَاضٍ ، أَوْ مُفَوَّضٍ ، وَهَلْ ثُمَّ وَكِيلُ ضَيْعَةٍ أَوْ إنْ عُدِمَ الْحَاكِمُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ : تَأْوِيلَانِ .
وَبَرِئَ فِي الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ جَوْرَهُ ، وَإِلَّا بَرَّ كَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُمْ ، وَلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، فِي رَأْسِ الشَّهْرِ ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ ، أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ أَوْ إلَى رَمَضَانَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ : شَعْبَانَ

( وَبَرَّ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءُ مُشَدَّدَةٌ الْحَالِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ عِنْدَ أَجَلِ كَذَا ( إنْ غَابَ ) الْمَحْلُوفُ لَهُ أَوْ تَغَيَّبَ وَاجْتَهَدَ الْحَالِفُ فِي طَلَبِهِ لِيَقْضِيَهُ حَقَّهُ عِنْدَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَيَبَرُّ ( بِقَضَاءِ ) أَيْ دَفْعِ الْحَقِّ لِ ( وَكِيلِ ) الْمَحْلُوفِ لَهُ عَلَى ( تَقَاضٍ ) أَيْ قَبْضٍ لِدَيْنٍ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ ( أَوْ ) قَضَاءِ وَكِيلٍ ( مُفَوَّضٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْوَاوُ مُشَدَّدَةٌ أَيْ تَفْوِيضٌ مِنْ الْمَحْلُوفِ لَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّيَ كَمَفْتُونٍ فِي قَوْله تَعَالَى { بِأَيِّكُمْ الْمَفْتُونُ } ، أَيْ الْفِتْنَةُ لَا اسْمُ مَفْعُولٍ لِإِضَافَةِ وَكِيلٍ إلَيْهِ لِعَطْفِهِ عَلَى تَقَاضٍ ، نَعَمْ إنْ جُعِلَتْ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ فَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ ، وَكَذَا إنْ عُطِفَ عَلَى وَكِيلٍ وَجُعِلَ مِنْ حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةِ صِفَتِهِ مَقَامَهُ وَالْأَصْلُ أَوْ وَكِيلٌ مُفَوَّضٌ .
( وَهَلْ ثَمَّ ) عِنْدَ عَدَمِ وَكِيلِ التَّقَاضِي وَالْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ يَبَرُّ بِقَضَاءِ ( وَكِيلِ ضَيْعَةٍ ) أَيْ عَقَارٍ أَوْ نَفَقَةٍ لِلْعِيَالِ مِنْ لَحْمٍ وَخُضَارٍ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ وُجِدَ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ أَوْ لَمْ يُوجَدْ ( أَوْ ) مَحَلُّ بِرِّهِ بِقَضَاءِ وَكِيلِ الضَّيْعَةِ ( إنْ عُدِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ لَمْ يُوجَدْ ( الْحَاكِمُ ) الشَّرْعِيُّ فَإِنْ وُجِدَ فَلَا يَبَرُّ بِقَضَاءِ وَكِيلِ الضَّيْعَةِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ التَّقْيِيدُ بِعَدَمِ الْحَاكِمِ ( الْأَكْثَرُ ) مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ ، وَالثَّانِي لِابْنِ لُبَابَةَ فَهُمَا هَلْ الْحَاكِمُ وَوَكِيلُ الضَّيْعَةِ سَوَاءٌ فِي بِرِّ الْحَالِفِ بِالدَّفْعِ لِأَيِّهِمَا شَاءَ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ أَوْ الْحَاكِمِ مُقَدَّمٌ عَلَى وَكِيلِ الضَّيْعَةِ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ لُبَابَةَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَهُوَ الرَّاجِحُ .
ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا بَرَّ بِدَفْعِهِ لِلسُّلْطَانِ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَضُ دَيْنٌ غَائِبٌ إلَّا الْمَفْقُودُ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ لِلْحَالِفِ

لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَبِرِّهِ فِي يَمِينِهِ ، وَلَمَّا كَانَ الْبِرُّ مِنْ الْيَمِينِ حَاصِلًا بِقَضَاءِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الدَّيْنِ حَاصِلَةٌ بِالْأَوَّلَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ .
وَفِيهَا فِي الرَّابِعِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَبَرِئَ ) الْحَالِفُ مِنْ الدَّيْنِ ( فِي ) دَفْعِهِ إلَى ( الْحَاكِمِ ) عِنْدَ عَدَمِ وَكِيلِ التَّقَاضِي وَوَكِيلِ التَّفْوِيضِ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ السُّلْطَانَ وَالْقَاضِيَ وَالْوَالِيَ ( إنْ لَمْ يُحَقِّقْ ) الْحَالِفُ ( جَوْرَهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ بِأَنْ عَلِمَ عَدْلَهُ أَوْ جَهِلَهُ ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ عِنْدَ النَّاسِ ، وَهَذَا عَلَى أَنْ يُحَقِّقَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ ، وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَقَّقْ جَوْرُهُ أَوْ يُنْظَرْ لِشُهْرَتِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ حُقِّقَ جَوْرُهُ ( بَرَّ ) فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يَبَرَّ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ لِوَكِيلِ الضَّيْعَةِ .
وَشَبَّهَ فِي الْبِرِّ دُونَ الْبَرَاءَةِ فَقَالَ ( كَ ) الدَّفْعِ لِ ( جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ) حَيْثُ لَا حَاكِمَ أَوْ جَارٍ أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَكِيلٌ ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهُمْ عَلَى وَكِيلِ الضَّيْعَةِ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْحَاكِمِ ( يُشْهِدُهُمْ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ الْحَالِفُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى إحْضَارِهِ الدَّيْنَ وَعَلَى عَدَدِهِ ، وَوَزْنِهِ إنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ وَيُخْبِرُهُمْ بِاجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَعَدَمُ وُجُودِهِ لِسَفَرِهِ أَوْ تَغَيُّبِهِ وَيَدْفَعُهُ لِعَدْلٍ مِنْهُمْ أَوْ يُبْقِيهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَحْلُوفُ لَهُ ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَطْلِهِ بِهِ إذَا حَضَرَ قَالَهُ سَحْنُونٌ ، وَظَاهِرُهُ بِرُّهُ بِإِشْهَادِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ بِحَيْثُ يُخَافُ الْحِنْثُ بِخُرُوجِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ .
وَفِي ابْنِ بَشِيرٍ مَا يُقَيِّدُ اشْتِرَاطَهُ ، وَأَرَادَ بِالْجَمَاعَةِ مَا زَادَ عَلَى وَاحِدٍ إنْ كَانُوا عُدُولًا وَإِلَّا فَالْجَمْعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ .
وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ

جَمَاعَةً أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي وَاَلَّذِي فِي الْحَطّ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْحَقَّ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَوْقَفَهُ عَلَى يَدِهِ فَإِنَّهُ يَبَرُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْحَقِّ وَكِيلٌ وَلَا سُلْطَانٌ ، وَمِثْلُهُ فِي الشَّارِحِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ ، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ فِي الْمَفْهُومِ .
( وَ ) يُوسَعُ ( لَهُ ) أَيْ الْحَالِفِ ( يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ) مِنْ الشَّهْرِ التَّالِي لِلشَّهْرِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ ( فِي ) حَلِفِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي ( رَأْسِ ) أَيْ أَوَّلِ ( الشَّهْرِ ) الْفُلَانِيِّ كَرَجَبٍ فَلَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي أَضَافَ الرَّأْسَ إلَيْهِ كَرَجَبٍ ، وَالْأَوْلَى لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ لِسَبْقِ اللَّيْلَةِ الْيَوْمَ لِسَبْقِ لَيْلَةِ الْهِلَالِ ، وَلِإِبْهَامِ تَقْدِيمِ الْيَوْمِ أَنَّ لَهُ لَيْلَةً بَعْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ ) أَيْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ( أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ ) الشَّهْرُ الْفُلَانِيُّ .
عج وَكَذَا فِي رَأْسِ الْعَامِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ ، وَمِثْلُ مَا إذَا كَرِهَ الْمُصَنِّفُ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ عِنْدَ انْسِلَاخِ رَمَضَانَ أَوْ إذَا انْسَلَخَ رَمَضَانُ فَلَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ شَوَّالٍ فِي الصِّيغَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الِانْسِلَاخُ لُغَةً : الْفَرَاغُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ } .
( وَ ) إنْ قَالَ لَأَقْضِيَنَّك حَقَّك ( إلَى رَمَضَانَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ ) أَيْ رَمَضَانَ أَوْ إلَى رُؤْيَةِ هِلَالَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ انْسِلَاخٍ عَقِبَ إلَى فَلَهُ ( شَعْبَانَ ) فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّ صِيغَتَهُ تَحْتَمِلُ إلَى فَرَاغِ رَمَضَانَ وَإِلَى ابْتِدَائِهِ ، فَحُمِلَ عَلَى الثَّانِي احْتِيَاطًا لِلْبِرِّ وَخَوْفًا مِنْ الْحِنْثِ بِأَدْنَى سَبَبٍ ، وَلِعَدَمِ دُخُولِ الْمُغَيَّا بِإِلَى فِيمَا قَبْلَهُ ، وَمِثْلُهُ إلَى اسْتِهْلَالِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ فَضَعِيفٌ فَإِنَّ مُفَادَ الشَّارِحِ وَالْأَقْفَهْسِيِّ أَنَّ

لَهُ لَيْلَةً وَيَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فِي إدْخَالِ اللَّامِ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ ، فَإِنَّ ذِكْرَ لَفْظِ انْسِلَاخِ عَقِبَ إلَى أَوْ اللَّامِ كَقَوْلِهِ إلَى انْسِلَاخِ رَمَضَانَ أَوْ لِانْسِلَاخِهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِفَرَاغِهِ قَالَهُ عب ، وَنَصُّهَا : وَإِنْ قَالَ إلَى رَمَضَانَ أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِهِ فَإِذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ اسْتَهَلَّ الشَّهْرُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ ا هـ .
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ابْنُ الْمَوَّازِ ابْنُ الْقَاسِمِ كَذَلِكَ كُلَّمَا ذَكَرَ فِيهِ إلَى فَهُوَ يَحْنَثُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَقَوْلِهِ إلَى الْهِلَالِ أَوْ إلَى مَجِيئِهِ أَوْ إلَى رُؤْيَتِهِ وَنَحْوِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَى وَذَكَرَ اللَّامَ أَوْ عِنْدَ أَوْ إذَا فَلَهُ لَيْلَةَ يُهِلُّ الْهِلَالُ وَيَوْمَهَا كَقَوْلِهِ لِرُؤْيَتِهِ لِدُخُولِهِ لِاسْتِهْلَالِهِ أَوْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ، أَوْ إذْ اسْتَهَلَّ أَوْ إذَا دَخَلَ ا هـ وَنَحْوِهِ فِي ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ ، وَلِذَا اعْتَرَضَ الْحَطّ وَمَنْ تَبِعَهُ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ .

وَبِجَعْلِ ثَوْبٍ قَبَاءً ، أَوْ عِمَامَةً فِي لَا أَلْبَسُهُ ، لَا إنْ كَرِهَهُ لِضِيقِهِ ، وَلَا وَضَعَهُ عَلَى فَرْجِهِ ، وَبِدُخُولِهِ مِنْ بَابٍ غُيِّرَ ، فِي لَا أَدْخُلُهُ إنْ لَمْ يُكْرَهْ ضِيقُهُ ، وَبِقِيَامِهِ عَلَى ظَهْرِهِ ، وَبِمُكْتَرًى فِي لَا أَدْخُلُ لِفُلَانٍ بَيْتًا ، وَبِأَكْلٍ مِنْ وَلَدٍ دَفَعَ لَهُ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ

( وَ ) حَنِثَ ( بِجَعْلِ ثَوْبٍ قَبَا ) بِفَتْحِ الْقَافِ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا أَيْ مُفْرَجًا مِنْ أَمَامٍ ( أَوْ عِمَامَةٍ ) أَوْ سَرَاوِيلَ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا أَلْبَسُهُ ) أَيْ الثَّوْبَ وَلَبِسَهُ عَلَى حَالٍ مِنْهَا وَكَذَا إذَا أَدَارَهُ عَلَيْهِ ائْتَزَرَ بِهِ أَوْ لَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ جَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ أَوْ جَلَسَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ مُرَادُهُ مُجَرَّدَ الْجَعْلِ بِلَا لُبْسٍ ( لَا ) يَحْنَثُ بِجَعْلِهِ قَبَا أَوْ عِمَامَةً ( إنْ كَرِهَهُ ) أَيْ الْحَالِفُ الثَّوْبَ الَّذِي حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ ( لِضِيقِهِ ) أَوْ لِسُوءِ صَنَعْته إذَا كَانَ الثَّوْبُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِمَّا يُلْبَسُ بِأَنْ كَانَ قَمِيصًا أَوْ قَبَا أَوْ مَا أَشْبَهَهُمَا ، فَإِنْ كَانَ لَا يُلْبَسُ بِوَجْهٍ بِأَنْ كَانَ شَقَّةً فَفَصَلَهَا وَلَبِسَهَا حَنِثَ وَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ أَنَّهُ كَرِهَ ضِيقَهَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ .
( وَلَا ) يَحْنَثُ إنْ ( وَضَعَهُ ) أَيْ الثَّوْبَ الَّذِي حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ ( عَلَى فَرْجِهِ ) بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إنْ لَمْ يَلُفَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَنِثَ ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهَا وَلَوْ جَعَلَهُ فِي اللَّيْلِ عَلَى فَرْجِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَأْتَزِرَ بِهِ .
ا هـ .
لِأَنَّ قَوْلَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا مَفْهُومَ لَهُ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي السُّؤَالِ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ اللُّبْسُ ا هـ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِدُخُولِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ الدَّارَ الَّتِي حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا ( مِنْ بَابٍ غُيِّرَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الْبَابِ عَنْ حَالِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَوْ سُدَّ وَفُتِحَ غَيْرُهُ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا أَدْخُلُهُ ) أَيْ مِنْهُ الدَّارَ نَاوِيًا تَجَنُّبَهَا أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ ( إنْ لَمْ يَكْرَهْ ) الْحَالِفُ ( ضِيقَهُ ) أَيْ الْبَابِ وَاطِّلَاعَهُ عَلَى مَا لَا يُحِبُّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ أَوْ مُرُورَهُ عَلَى مَا لَا يُحِبُّ الْمُرُورَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَرِهَ ضِيقَهُ وَنَحْوَهُ وَغُيِّرَ بِمَا أَرَادَ كَرَاهَتَهُ فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ

مِنْهُ .
( وَ ) حَنِثَ ( بِقِيَامِهِ ) أَيْ اسْتِقْرَارِ الْحَالِفِ ( عَلَى ظَهْرِهِ ) أَيْ الْبَيْتِ الَّذِي حَلَفَ لَا يَدْخُلُهُ ( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) دُخُولِ بَيْتٍ ( مُكْتَرًى ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا دَخَلَ لِفُلَانٍ بَيْتًا ) لِمِلْكِهِ مَنْفَعَتَهُ وَنِسْبَتِهِ إلَيْهِ ، وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَا أَدْخُلُ مَنْزِلَ أَوْ بَيْتَ فُلَانٍ فَأَكْرَاهُ فُلَانٌ لِغَيْرِهِ ثُمَّ دَخَلَهُ الْحَالِفُ فَلَا يَحْنَثُ .
وَمِثْلُ الْمُكْتَرَى الْمُعَارُ ( وَ ) حَنِثَ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ ( بِأَكْلِ ) شَيْءٍ ( مِنْ ) يَدِ ( وَلَدٍ ) لِلْحَالِفِ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامَ فُلَانٍ ( دَفَعَ ) الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَهُ الْحَالِفُ ( لَهُ ) أَيْ الْوَلَدِ شَخْصٌ ( مَحْلُوفٌ عَلَى ) تَرْكِ أَكْلِ طَعَامِ ( هـ ) وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ لَهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، هَذَا عَلَى ضَبْطِ دَفَعَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ ، فَإِنْ ضُبِطَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَمَحْلُوفٌ نَائِبُ فَاعِلِهِ وَضَمِيرُ عَلَيْهِ لِلطَّعَامِ شَمِلَ الصُّورَتَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى إنْ عَلِمَ الْحَالِفُ بِدَفْعِ الطَّعَامِ لِلْوَلَدِ ، بَلْ ( وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ) الْحَالِفُ بِأَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَهُ الطَّعَامُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ( إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ ) أَيْ وَلَدِ الْحَالِفِ وَاجِبَةً ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْحَالِفِ لِيُسْرِهِ وَفَقْرِ وَلَدِهِ مَعَ صِبَاهُ ، أَوْ عَجْزِهِ عَنْ الِاكْتِسَابِ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ لِلْوَلَدِ يَسِيرًا وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ إذْ لَيْسَ لِلْأَبِ رَدُّ الْكَثِيرِ الْمُعْطَى لِوَلَدِهِ .
بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْأَبِ رَدُّهُ فَكَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْيَسِيرُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ فَقَطْ وَعَبْدُهُ كَوَلَدِهِ لَكِنْ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِمَّا دُفِعَ لَهُ وَلَوْ كَثُرَ إذْ لَهُ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَدِينًا بِمَا لَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ مَا وُهِبَ لَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ ، وَأَمَّا وَالِدُهُ الَّذِي تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِمَّا دُفِعَ لَهُ مِنْ

الطَّعَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَسِيرًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا إذْ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ ، وَكَذَا وَلَدُ وَلَدِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ .

وَبِالْكَلَامِ أَبَدًا ، فِي لَا كَلَّمَهُ الْأَيَّامَ ، أَوْ الشُّهُورَ ، وَثَلَاثَةً فِي كَأَيَّامٍ ، وَهَلْ كَذَلِكَ فِي لَأَهْجُرَنَّهُ ، أَوْ شَهْرٌ : قَوْلَانِ .
وَسَنَةٌ فِي حِينٍ ، وَزَمَانٍ ، وَعَصْرٍ ، وَدَهْرٍ

( وَ ) حَنِثَ الْحَالِفُ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا مَثَلًا الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ أَوْ السِّنِينَ ( بِالْكَلَامِ ) مَثَلًا مِنْ الْحَالِفِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( أَبَدًا ) أَيْ فِي جَمِيعِ مَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ الزَّمَانِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا أُكَلِّمُهُ ) مَثَلًا أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ( الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ ) أَوْ الْأَشْهُرَ أَوْ السِّنِينَ لِحَمْلِ أَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لِلْحَالِفِ ( وَ ) لَزِمَ ( ثَلَاثَةٌ ) أَيْ تَرْكُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِيهَا ( فِي ) حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِهِ ( كَأَيَّامٍ ) وَشُهُورٍ وَسِنِينَ مُنَكَّرًا ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ ، وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمُ الْحَلِفِ إنْ سُبِقَ بِالْفَجْرِ ، لَكِنْ لَا يَفْعَلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِ ، فَإِنْ فَعَلَهُ حَنِثَ ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَظَاهِرُ مَا فِي نُذُورِهَا تَرْجِيحُ عَدَمِ إلْغَاءِ الْمَسْبُوقِ بِهِ وَتَكْمِيلُ الْيَوْمِ مِنْ تَالِي الْيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ .
( وَهَلْ كَذَلِكَ ) أَيْ حَلِفُهُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ أَيَّامًا فِي لُزُومِ تَرْكِهِ ثَلَاثَةً ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَأَهْجُرَنَّهُ ) حَمْلًا عَلَى الْهَجْرِ الْجَائِزِ ( أَوْ ) يَلْزَمُهُ ( شَهْرٌ ) حَمْلًا عَلَى الْعُرْفِ ( قَوْلَانِ ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا ، الْأَوَّلُ لِلْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ( وَ ) لَزِمَ الْحَالِفَ ( سَنَةٌ ) مِنْ يَوْمِ حَلَفَ إنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ ( فِي حِينٍ ) أَوْ الْحِينِ ( وَزَمَانٍ وَعَصْرٍ وَدَهْرٍ ) فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَى تَرْكِهِ قَبْلَ تَمَامِهَا حَنِثَ ، وَإِنْ تَمَّتْ وَلَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَى فِعْلِهِ حَنِثَ ، فَإِنْ عَرَفَ الزَّمَانَ وَمَا بَعْدَهُ لَزِمَهُ الْأَبَدُ رَعْيًا لِلْعُرْفِ ، وَإِنْ كَانَ الْحِينُ بِمَعْنَى الزَّمَانِ لُغَةً ، وَلَعَلَّ هَذَا إذَا اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُهَا عُرْفًا فِي السَّنَةِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً .

وَبِمَا يُفْسَخُ ، أَوْ بِغَيْرِ نِسَائِهِ ، فِي لَأَتَزَوَّجَن
( وَ ) حَنِثَ أَيْ لَا يَبَرُّ ( بِمَا ) أَيْ عَقْدِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ( يُفْسَخُ ) قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ ( أَوْ ) بِتَزَوُّجِهِ ( بِ ) مَرْأَةٍ ( غَيْرِ نِسَائِهِ ) أَيْ أَدْنَى مِنْهُنَّ عُرْفًا كَكِتَابِيَّةٍ وَدَنِيَّةٍ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَأَتَزَوَّجَنَّ ) وَلَمْ يُقَيِّدْ بِأَجَلٍ ، فَإِنْ قَيَّدَ بِأَجَلٍ وَعَقَدَ فِيهِ مَا يُفْسَخُ أَبَدًا أَوْ عَلَى مَنْ لَا تُشْبِهُ نِسَاءَهُ وَمَضَى حَنِثَ حَقِيقَةً وَلَا يَبَرُّ إلَّا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَوَطْءٍ مُبَاحٍ عَلَى مُشْبِهَةِ نِسَائِهِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ مِنْ بِرِّهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ عَلَى لَائِقَةٍ بِهِ .
قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ وَتَزَوَّجَ فِيهِ وَبَنَى بَعْدَهُ حَنِثَ ، وَاشْتَرَطَ الْمُغِيرَةُ أَنْ تُشْبِهَهُ وَتُشْبِهَ زَوْجَتَهُ الَّتِي حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَغِيظُهَا وَالْمُشَابَهَةُ فِي الْقَدْرِ وَالرِّفْعَةِ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ نِكَاحِهِ نِكَاحَ رَغْبَةٍ وَنَسَبٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ مُجَرَّدَ إبْرَارِ يَمِينِهِ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ .

وَبِضَمَانِ الْوَجْهِ ، فِي لَا أَتَكَفَّلُ : إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَمَ الْغُرْمِ ، وَبِهِ لِوَكِيلٍ ، فِي لَا أَضْمَنُ لَهُ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ ، وَهَلْ إنْ عَلِمَ تَأْوِيلَانِ .
وَبِقَوْلِهِ مَا ظَنَنْته قَالَهُ لِغَيْرِي لِمُخْبِرٍ ، فِي لَيُسِرَّنَّهُ

( وَ ) حَنِثَ ( بِضَمَانِ الْوَجْهِ فِي ) حَلِفِهِ ( لَا أَتَكَفَّلُ ) بِمَالٍ لِأَنَّهُ يَئُولُ لِغُرْمِ الْمَالِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِ الْمَضْمُونِ ، وَقَرِينَةُ تَقْيِيدِهِ بِالْمَالِ قَوْلُهُ ( إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ) الْحَالِفُ فِي ضَمَانِ الْوَجْهِ ( عَدَمَ الْغُرْمِ ) لِلْمَالِ الْمَضْمُونِ فِيهِ إذَا عَجَزَ عَنْ إحْضَارِ الْمَضْمُونِ ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَمَانَ طَلَبٍ وَهُوَ لَا يَحْنَثُ بِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَتَكَفَّلُ بِمَالٍ أَوْ وَجْهٍ ، لِأَنَّهُ لَا يَئُولُ لِغُرْمِ الْمَالِ ، وَأَمَّا إنْ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ فَيَحْنَثُ بِأَنْوَاعِ الضَّمَانِ كُلِّهَا ، وَإِنْ قَيَّدَ بِالْوَجْهِ حَنِثَ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ مِمَّا سُمِّيَ .
( وَ ) مَنْ حَلَفَ لَا يَضْمَنُ لِزَيْدٍ حَنِثَ ( بِهِ ) أَيْ الضَّمَانِ ( لِ ) شَخْصٍ ( وَكِيلٍ ) عَنْ زَيْدٍ الْمَحْلُوفِ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ لَهُ فِيمَا بَاعَهُ أَوْ أَسْلَمَ فِيهِ الْوَكِيلَ لِزَيْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ بِوَكَالَتِهِ عَنْهُ فِيهِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا أَضْمَنُ لَهُ ) أَيْ زَيْدٍ ( إنْ كَانَ ) الْوَكِيلُ الَّذِي ضَمِنَ لَهُ الْحَالِفُ فِيمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ عَنْ زَيْدٍ ( مِنْ نَاحِيَتِهِ ) أَيْ مُنَاسَبَةِ زَيْدٍ بِقَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ إجَارَةٍ لِخِدْمَةِ أَوْ رِقٍّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ .
( وَهَلْ ) مَحَلُّ حِنْثِ الْحَالِفِ ( إنْ عَلِمَ ) الْحَالِفُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ يَحْنَثُ مُطْلَقًا فِيهِ ( تَأْوِيلَانِ ) أَيْ فَهْمَانِ لِشَارِحِي قَوْلِهَا : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِفُلَانٍ بِكَفَالَةٍ فَتَكَفَّلَ لِوَكِيلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ .
ا هـ .
وَسَبَبُهُمَا قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ قَيَّدَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا الْحِنْثَ بِعِلْمِ الْحَالِفِ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَحَمَلَهَا ابْنُ يُونُسَ عَلَيْهِ ، وَحَمَلَهَا عِيَاضٌ عَلَى ظَاهِرِهَا عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِوَكِيلٍ وَفِي

قَوْلِهِ لَهُ لِلتَّعْدِيَةِ لَا زَائِدَةٍ .
( وَ ) مَنْ أَعْلَمَ زَيْدًا مَثَلًا بِشَيْءٍ وَحَلَّفَهُ لَيَكْتُمَنَّهُ أَوْ لَا يُخْبِرُ بِهِ أَحَدًا ثُمَّ أَعْلَمَ بِهِ عَمْرًا مَثَلًا فَحَكَاهُ عَمْرٌو لِزَيْدٍ الْحَالِفِ لَيَكْتُمَنَّهُ فَقَالَ زَيْدُ لِعَمْرٍو مَا ظَنَنْتُهُ قَالَهُ لِغَيْرِي حَنِثَ زَيْدٌ ( بِقَوْلِهِ مَا ظَنَنْتُهُ ) أَيْ الْمَحْلُوفَ لَهُ ( قَالَهُ ) أَيْ الْخَبَرَ أَوْ أَسَرَّهُ ( لِغَيْرِي ) أَوْ لِأَحَدٍ غَيْرِي أَوْ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَقُلْ غَيْرِي ( لِمُخْبِرٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَوْ فَتْحِهَا صِلَةَ قَوْلِهِ ( فِي ) حَلِفِهِ لِمُخْبِرِهِ الْأَوَّلِ ( لَيُسِرَّنَّهُ ) أَيْ لَيَكْتُمَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ وَلَا يُخْبِرُ بِهِ أَحَدًا تَنْزِيلًا لِقَوْلِهِ مَا ظَنَنْته قَالَهُ إلَخْ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ قَالَهُ لِي ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ ، لِدَلَالَتِهِ عُرْفًا عَلَيْهِ .
وَأَمَّا لَوْ قَالَ مَا أَظُنُّهُ يَقُولُ هَذَا وَنَحْوَهُ مِمَّا لَا يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ أَسَرَّهُ لَهُ فَلَا يَحْنَثُ .

وَبِاذْهَبِي الْآنَ إثْرَ لَا كَلَّمْتُك حَتَّى تَفْعَلِي ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ لَا أُبَالِي ، بَدْءًا لِقَوْلٍ آخَرَ ، لَا كَلَّمْتُك حَتَّى تَبْدَأَنِي ، وَبِالْإِقَالَةِ ، فِي لَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا إنْ لَمْ تَفِ ، لَا إنْ أَخَّرَ الثَّمَنَ عَلَى الْمُخْتَارِ

( وَ ) حَنِثَ ( بِ ) قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ مَثَلًا ( اذْهَبِي ) أَوْ افْعَلِي ( الْآنَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَمَدِّ الْهَمْزِ الثَّانِي ظَرْفُ اذْهَبِي ( إثْرَ ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ عَقِبَ ظَرْفٍ لِلْقَوْلِ الْمُقَدَّرِ حَلِفُهُ ( لَا كَلَّمْتُكِ حَتَّى تَفْعَلِي ) كَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ اذْهَبِي كَلَامٌ قَبْلَ الْفِعْلِ ( وَلَيْسَ قَوْلُهُ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِ كَلَامِهِ ( لَا أُبَالِي ) بِضَمِّ الْهَمْزِ أَيْ لَا أَهْتَمُّ وَلَوْ كَرَّرَهُ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُبَالِي ( بَدْءًا ) يُعْتَدُّ بِهِ فِي حِلِّ الْيَمِينِ ( لِقَوْلٍ ) أَيْ كَلَامِ شَخْصٍ ( آخَرَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْخَاءُ مَمْدُودًا حَلَفَ ( لَا كَلَّمْتُك حَتَّى تَبْدَأَنِي ) فَإِنْ كَلَّمَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ لَا أُبَالِي حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِالْكَلَامِ احْتِيَاطًا لِلْبِرِّ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ ، فَإِنَّهُ فِي الْحِنْثِ وَهُوَ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ .
فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَلَفَ لِآخَرَ بِالطَّلَاقِ لَا كَلَّمْتُكَ حَتَّى تَبْدَأَنِي فَقَالَ الْآخَرُ إذَنْ وَاَللَّهِ لَا أُبَالِي فَلَيْسَ ذَلِكَ تَبْدِئَةً ا هـ .
( وَ ) حَنِثَ بَائِعُ سِلْعَةٍ لِشَخْصٍ بِثَمَنٍ لَمْ يَقْبِضْهُ وَسَأَلَهُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ بَعْضَهُ فَحَلَفَ لَا تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا فَاسْتَقَالَهُ فَأَقَالَهُ فَيَحْنَثُ ( بِالْإِقَالَةِ ) أَيْ قَبُولِ رَدِّ سِلْعَتِهِ إلَيْهِ بِثَمَنِهَا ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا إنْ لَمْ تَفِ ) قِيمَةُ السِّلْعَةِ بِثَمَنِهَا بِأَنْ نَقَصَتْ عَنْهُ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فَقَدْ أَخَذَ السِّلْعَةَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَأَسْقَطَ الْبَاقِيَ وَهُوَ قَدْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْإِسْقَاطِ ، فَإِنْ وَفَّتْ قِيمَتُهَا بِثَمَنِهَا لَمْ يَحْنَثْ أَوْ لَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِهِ وَأَتَمَّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا لِعَدَمِ تَرْكِهِ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ فِيهِمَا ( لَا ) يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ( إنْ أَخَّرَ ) بِفَتَحَاتِ مُثَقَّلًا ( الثَّمَنَ ) أَيْ أَجَّلَهُ بَعْدَ حُلُولِهِ ( عَلَى الْمُخْتَارِ ) عِنْدَ اللَّخْمِيِّ

لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَعِدُهُ حُسْنَ مُعَامَلَةٍ وَلَا يَعِدُهُ وَضِيعَةً لِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ ، وَلَا يُخَفِّفُ عَلَيْهِ تَرْكَ الْيَسِيرِ .
الْأَقْفَهْسِيُّ وَالْأَجَلُ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا وَقَعَ ابْتِدَاءً حِينَ الْعَقْدِ ، وَأَمَّا بَعْدَ تَقَرُّرِ الثَّمَنِ فَلَا .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يُنْظِرَهُ فَوَضَعَ عَنْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِلَا خِلَافٍ .

وَلَا إنْ دَفَنَ مَالًا فَلَمْ يَجِدْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ فِي أَخَذْتِيهِ ، وَبِتَرْكِهَا عَالِمًا فِي لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي ، لَا إنْ أَذِنَ لِأَمْرٍ فَزَادَتْ بِلَا عِلْمٍ

وَلَا ) يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ( إنْ دَفَنَ مَالًا ) أَوْ وَضَعَهُ بِلَا دَفْنٍ ، عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ ثُمَّ طَلَبَهُ ( فَلَمْ يَجِدْهُ ) لِنِسْيَانِهِ الْمَكَانَ الَّذِي دَفَنَهُ أَوْ وَضَعَهُ فِيهِ فَاتَّهَمَ زَوْجَتَهُ مَثَلًا بِأَخْذِهِ وَحَلَفَ لَقَدْ أَخَذَتْهُ ( ثُمَّ ) طَلَبَهُ ثَانِيًا فَ ( وَجَدَهُ مَكَانَهُ ) فَلَا يَحْنَثُ ( فِي ) حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا أَوْ غَيْرِهِ لَقَدْ ( أَخَذَتْهُ ) جَازِمًا بِأَخْذِهَا إيَّاهُ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ ذَهَبَ فَأَنْتِ أَخَذْته وَأَوْلَى إنْ وَجَدَهُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ الَّذِي دَفَنَهُ فِيهِ ، وَأَمَّا إنْ وَجَدَهُ عِنْدَ غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ فَلَغْوٌ وَإِلَّا حَنِثَ .
( وَ ) حَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَرَكَهَا عَالِمًا بِخُرُوجِهَا ( بِتَرْكِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ خَارِجَةً بِلَا إذْنِهِ حَالَ كَوْنِهِ ( عَالِمًا ) بِخُرُوجِهَا ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا خَرَجْت ) مِنْ الْبَيْتِ ( إلَّا بِإِذْنِي ) إذْ لَيْسَ عِلْمُهُ بِخُرُوجِهَا وَتَرْكِهَا إذْنًا احْتِيَاطًا لِلْبِرِّ فَأَحْرَى إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ عَلِمَ ، وَمَنَعَهَا فَلَمْ تُطَاوِعْهُ .
اللَّخْمِيُّ وَإِنْ قَالَ لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَرَآهَا تَخْرُجُ فَلَمْ يَمْنَعْهَا حَنِثَ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ .
ا هـ .
وَمِنْ هُنَا فَتْوَى بَعْضِ الشُّيُوخِ بِحِنْثِ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَرِيمِهِ أَنْ لَا يُسَافِرَ إلَّا بِإِذْنِهِ فَسَافَرَ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ ( لَا ) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لِزَوْجَتِهِ فِي خُرُوجِهَا إلَّا لِزِيَارَةِ وَالِدِيهَا مَثَلًا ( إنْ أَذِنَ ) الزَّوْجُ لَهَا فِي الْخُرُوجِ ( لِأَمْرٍ ) مُعَيَّنٍ كَزِيَارَةِ وَالِدَيْهَا ( فَزَادَتْ ) الزَّوْجَةُ حَالَ خُرُوجِهَا عَلَى الْأَمْرِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي أَذِنَ لَهَا فِيهِ بِأَنْ ذَهَبَتْ لِغَيْرِهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ اقْتَصَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ ( بِلَا عِلْمٍ ) مِنْ الزَّوْجِ حَالَ الزِّيَادَةِ أَوْ الِاقْتِصَارِ بِهَا ، فَإِنْ عَلِمَهَا حَالَهَا حَنِثَ

تَنْزِيلًا لِعِلْمِهِ مَنْزِلَهُ إذْنِهِ فِي الْحِنْثِ لِوُقُوعِهِ بِأَدْنَى سَبَبٍ .
وَأَمَّا عِلْمُهُ بِهَا بَعْدَ فِعْلِهَا فَلَا يُوجِبُ حِنْثَهُ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مُتَمِّمَةً مَا قَبْلَهَا ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ وَأَحْمَدُ وَالْمَوَّاقُ وَهُوَ نَصُّهَا .
وَأَمَّا إنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي وَأَذِنَ لَهَا فِي أَمْرٍ مُعَيَّنٍ وَزَادَتْ عَلَيْهِ أَوْ اقْتَصَرَتْ عَلَى مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِيهِ أَوْ قَدَّمَتْهُ فَيَحْنَثُ سَوَاءٌ عَلِمَ حَالَ فِعْلِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ هَذِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِتَقْيِيدِهِ الْحِنْثَ بِالْعِلْمِ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ ، فَإِنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي ثُمَّ قَالَ اُخْرُجِي حَيْثُ شِئْت فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي انْحَلَّتْ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجِي إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ إلَّا بِإِذْنِي لَمْ تَنْحَلَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي الشَّارِحِ وَالْحَطّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَيَّدَ بِإِلَى مَوْضِعٍ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إذْنًا خَاصًّا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا كَذَلِكَ الصِّيغَةُ الْأُولَى .

وَبِعَوْدِهِ لَهَا بَعْدُ بِمِلْكٍ آخَرَ فِي لَا سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ لَهُ ، لَا دَارَ فُلَانٍ ، وَلَا إنْ خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا إنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ ،

( وَ ) حَنِثَ ( بِعَوْدِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ ( لِ ) سُكْنَا ( هَا ) أَيْ الدَّارِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا وَصِلَةُ عَوْدِهِ ( بَعْدُ ) بِالضَّمِّ عِنْدَ حَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةُ مَعْنَاهُ أَيْ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَخُرُوجُهَا عَنْ مِلْكِهِ وَهِيَ ( بِمِلْكِ ) شَخْصٍ ( آخَرَ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ غَيْرَ الْحَالِفِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ ) وَهِيَ فِي مِلْكِهِ فَبَاعَهَا وَسَكَنَهَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَحْنَثُ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِي قَالَهُ الْعِلْمِيُّ .
قِيلَ وَفِي ذِكْرِ الْعَوْدِ نَظَرٌ ، إذْ لَا يَتَقَيَّدُ حِنْثُهُ بِتَقَدُّمِ سُكْنَاهُ ثُمَّ عَوْدِهِ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْعَوْدَ بِمَعْنَى الدُّخُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } أَيْ لَتَدْخُلُنَّ أَيْ وَبِدُخُولِهِ عَلَى وَجْهِ السُّكْنَى .
( أَوْ ) حَلِفِهِ لَا سَكَنْت ( دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ ) فَبَاعَهَا فُلَانٌ وَسَكَنَهَا الْحَالِفُ وَهِيَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَحْنَثُ ( إنْ لَمْ يَنْوِ ) الْحَالِفُ ( مَا دَامَتْ ) الدَّارُ مِلْكًا ( لَهُ ) أَيْ فُلَانٍ فَإِنْ كَانَ نَوَى مَا دَامَتْ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا الشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ، وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْأُولَى أَيْضًا إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِلْكًا لِغَيْرِ الْحَالِفِ قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ سُكْنَى تِلْكَ الدَّارِ فَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْيَمِينُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَتْ لِفُلَانٍ ، فَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْحَالِفِ فَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْعِلْمِيِّ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِي .
( لَا ) يَحْنَثُ بِسُكْنَى الدَّارِ فِي مِلْكِ آخَرَ فِي حَلِفِهِ لَا سَكَنْت ( دَارَ فُلَانٍ ) مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ إلَيْهَا فَبَاعَهَا فُلَانٌ وَسَكَنَهَا الْحَالِفُ فِي مِلْكِ مُشْتَرِيهَا إنْ لَمْ يَنْوِ عَيْنَهَا ( وَلَا ) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ ( إنْ ) دَخَلَهَا بَعْدَ أَنْ ( خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا ) الْعِلْمِيُّ وَالْبِسَاطِيُّ وَلَا يَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا بَعْدَ خَرَابِهَا

وَصَيْرُورَتِهَا طَرِيقًا فِي حَلِفِهِ لَا سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ ، وَالْأَوَّلُ فَرْضُ الْمُدَوَّنَةِ .
أَحْمَدُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ وَصُورَةُ سُكْنَاهَا بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا طَرِيقًا بِضَرْبِ خِبَاءٍ أَوْ خُصٍّ فِيهَا ، وَظَاهِرُ فَرْضِ الْمُدَوَّنَةِ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ مِنْ أَجْلِ صَاحِبِهَا أَوْ كَرَاهَةً فِيهَا وَقَصَرَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ ، قَالَ وَإِنْ كَانَ كَرَاهَةً فِي الدَّارِ خَاصَّةً فَلَا يَمُرُّ بِهَا .
أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا .
ا هـ .
وَمِثْلُ صَيْرُورَتِهَا طَرِيقًا بِنَاؤُهَا مَسْجِدًا ، فَإِنْ بُنِيَتْ بَيْتًا بَعْدَ خَرَابِهَا وَصَيْرُورَتِهَا طَرِيقًا حَنِثَ بِدُخُولِهَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ .
( إنْ لَمْ يَأْمُرْ ) الْحَالِفُ ( بِهِ ) أَيْ التَّخْرِيبَ وَتَصْيِيرَهَا طَرِيقًا لِيَدْخُلَهَا وَلَا يَحْنَثُ ، فَإِنْ أَمَرَ بِهِ حَنِثَ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ وَإِلَّا فَاسْمُ الدَّارِ زَالَ عَنْهَا لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلسَّاحَةِ مَعَ الْبُنْيَانِ ، هَذَا ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهِ عَلَى أَنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ دَخَلَهَا مُكْرَهًا بَعْدَ بِنَائِهَا فَقَالَ وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَتَهَدَّمَتْ وَخَرِبَتْ حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ ، فَإِنْ بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُهَا وَإِنْ دَخَلَهَا مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ فَيَقُولَ : احْمِلُونِي فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ا هـ .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ أَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْهَدْمِ وَالتَّخْرِيبِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ .
الْحَطّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّيْخَ فَهِمَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ لِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ ا هـ .
قُلْت : لَا يَصِحُّ أَنْ يَفْهَمَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ وَلَا يُظَنُّ بِهِ مَعَ قَوْلِهَا فَيَقُولَ احْمِلُونِي فَفُعِلَ بِهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ

بِحَالٍ ، وَلِعِلَّةٍ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ ابْنَ غَازِيٍّ إذْ لَمْ يَنْقُلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي لَا بَاعَ مِنْهُ ، أَوْ لَهُ بِالْوَكِيلِ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ ، وَإِنْ قَالَ حِينَ الْبَيْعِ أَنَا حَلَفْت فَقَالَ هُوَ لِي ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُ ابْتَاعَ لَهُ حَنِثَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ ، وَأَجْزَأَ تَأْخِيرُ الْوَارِثِ فِي إلَّا أَنْ تُؤَخِّرَنِي ، لَا فِي دُخُولِ دَارٍ وَتَأْخِيرِ وَصِيٍّ بِالنَّظَرِ وَلَا دَيْنَ ، وَتَأْخِيرَ غَرِيمٍ إنْ أَحَاطَ وَأَبْرَأ

( وَ ) حَنِثَ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا بَاعَ ) أَيْ اشْتَرَى ( مِنْهُ ) أَيْ زَيْدٍ مَثَلًا ( أَوْ ) حَلِفِهِ لَا بَاعَ ( لَهُ ) أَيْ زَيْدٍ فَيَحْنَثُ ( بَا ) لشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ ( لِوَكِيلٍ ) لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( إنْ كَانَ ) الْوَكِيلُ ( مِنْ نَاحِيَتِهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَقَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ ، وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ عَلِمَ الْحَالِفُ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَمْ لَا .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا عَلِمَ مِنْ نَاحِيَتِهِ ، وَهَلْ هُوَ خِلَافٌ أَوْ وِفَاقٌ تَأْوِيلَانِ مَحَلُّهُمَا حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ الْوَكَالَةَ وَإِلَّا حَنِثَ إنْ لَمْ يَقُلْ الْحَالِفَ حِين الْبَيْعِ أَنَا حَلَفْت لَا أَبِيعُ لِفُلَانٍ وَأَخَافُ أَنَّك وَكِيلُهُ إلَخْ .
بَلْ ( وَإِنْ قَالَ ) الْحَالِفُ ( حِينَ الْبَيْعِ ) لِوَكِيلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( أَنَا حَلَفْت ) أَنْ لَا أَبِيعَ لِفُلَانٍ وَأَخْشَى أَنَّك وَكِيلُهُ فِي الشِّرَاءِ لَهُ ( فَقَالَ ) الْوَكِيلُ ( هُوَ ) أَيْ الشِّرَاءُ ( لِي ) لَا لِفُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( ثُمَّ صَحَّ ) أَيْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْوَكِيلُ ( ابْتَاعَ ) أَيْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ ( لَهُ ) أَيْ فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِوَكَالَتِهِ عَنْهُ لَا بِقَوْلِ الْوَكِيلِ لِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ ( حَنِثَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ ) الْحَالِفَ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ مَا لَمْ يَقُلْ الْحَالِفُ إنْ ثَبَتَ شِرَاؤُك لِفُلَانٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنِي وَبَيْنَك ، فَإِنْ كَانَ قَالَهُ لَهُ وَثَبَتَ شِرَاؤُهُ لِفُلَانٍ فَلِلْبَائِعِ رَدُّ الْبَيْعِ وَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَقَوْلِهِ إنْ لَمْ تَأْتِ بِالثَّمَنِ لِكَذَا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا الَّذِي يَبْطُلُ فِيهِ الشَّرْطُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي هَذِهِ ابْتِدَاءً وَانْعَقَدَ ابْتِدَاءً فِي الْآتِيَةِ ( وَ ) مَنْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ لِأَجَلِ كَذَا إلَّا أَنْ تُؤَخِّرَنِي وَمَاتَ الْمَحْلُوفُ لَهُ وَأَخَّرَ وَارِثُهُ الْحَالِفَ ( أَجْزَأَ تَأْخِيرُ الْوَارِثِ ) الرَّشِيدِ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ الْحَالِفَ فَلَا يَحْنَثُ بِعَدَمِ دَفْعِ

الْحَقِّ فِي الْأَجَلِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ ( فِي ) حَلِفِهِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لَأَقْضِيَنَّكَ دَيْنَك إلَى أَجَلِ كَذَا ( إلَّا أَنْ تُؤَخِّرَنِي ) فَمَاتَ الْمَحْلُوفُ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَأَخَّرَ وَارِثُهُ الْحَالِفَ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَرِثَهُ عَنْ الْمَحْلُوفِ لَهُ .
ابْنُ نَاجِي بَعْضُ شُيُوخِنَا ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ الْوَارِثُ يَحْنَثُ وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ ابْنِ حَارِثٍ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ لَوْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّكَ إلَى أَجَلِ كَذَا فَمَاتَ رَبُّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَقَضَى وَرَثَتُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَلَعَلَّهُ ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ .
( لَا ) يُجْزِئُ إذْنُ الْوَارِثِ ( فِي دُخُولِهِ دَارًا ) حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا بِإِذْنِ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكِهَا فَمَاتَ زَيْدٌ فَلَا يَكْفِي إذْنُ وَارِثِهِ .
ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ حَقًّا يُورَثُ ، فَإِنْ دَخَلَ مُسْتَنِدًا لِإِذْنِ الْوَارِثِ حَنِثَ ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِزَيْدٍ كَفَى إذْنُ وَارِثِهِ لِانْتِقَالِهِ بِالْإِرْثِ .
ابْنُ غَازِيٍّ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يَقْضِيَهُ حَقَّهُ إلَّا بِإِذْنِ مُحَمَّدٍ فَمَاتَ مُحَمَّدٌ لَمْ يُجْزِهِ إذْنُ وَارِثِهِ ، إذْ لَيْسَ بِحَقٍّ يُورَثُ فَإِنْ دَخَلَ أَوْ قَضَاهُ حَنِثَ .
( وَ ) أَجْزَأَ ( تَأْخِيرُ ) شَخْصٍ ( وَصِيٍّ ) عَلَى يَتِيمٍ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ حَالَ كَوْنِ التَّأْخِيرِ ( بِالنَّظَرِ ) أَيْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَحْجُورِ لِكَوْنِهِ يَسِيرًا أَوْ خَوْفًا مِنْ جَحْدِ الْحَالِفِ أَوْ خِصَامِهِ وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ حُمِلَ عَلَى النَّظَرِ ، فَإِنْ أَخَّرَ الْوَصِيُّ الْحَالِفَ بِلَا نَظَرٍ بَرَّ الْحَالِفُ أَيْضًا وَأَجْزَأَهُ .
وَإِنْ حَرُمَ عَلَى الْوَصِيِّ وَيَنْبَغِي أَخْذُ الدَّيْنِ حَالًا فَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ تَأْخِيرَ الْوَصِيِّ بِالنَّظَرِ لِجَوَازِهِ ابْتِدَاءً لَا لِإِجْزَائِهِ ، فَلِذَا قِيلَ لَوْ حَذَفَهُ لَوَافَقَ النَّقْلَ .
وَقَيَّدَ إجْزَاءَ تَأْخِيرِ الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ بِقَوْلِهِ ( وَ ) الْحَالُ ( لَا دَيْنَ ) مُحِيطَ بِتَرِكَةِ

الْمَيِّتِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُحِيطٍ ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَالْحَقُّ لِلْغَرِيمِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ ( وَ ) أَجْزَأَ ( تَأْخِيرُ غَرِيمٍ ) لِلْمَحْلُوفِ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ فِي حَيَاتِهِ ( إنْ أَحَاطَ ) الدَّيْنُ بِمَالِهِ ( وَأَبْرَأَ ) الْغَرِيمُ ذِمَّةَ الْمَدِينِ الْمَحْلُوفِ لَهُ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي أَخَّرَ الْحَالِفُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ الْحَالِفِ ، وَقَيَّدَهُ أَبُو عِمْرَانَ بِكَوْنِ الْحَقِّ مِنْ جِنْسِ دَيْنِ الْغَرِيمِ حَتَّى تَكُونَ حَوَالَةً جَائِزَةً وَإِلَّا فَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ .
أَبُو الْحَسَنِ وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَتَجَانَسْ الدَّيْنَانِ هَلْ هُوَ مِثْلُ تَأْخِيرِ الْوَصِيِّ أَوْ مِثْلُ الْقَضَاءِ الْفَاسِدِ ، وَمَفْهُومُ إنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ أَنَّهُ لَمْ يُحِطْ فَلَا يُجْزِئُ تَأْخِيرُ الْغَرِيمِ وَتَقَدَّمَ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حِينَئِذٍ تَأْخِيرُ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ .

وَفِي بِرِّهِ فِي لَأَطَأَنَّهَا فَوَطِئَهَا حَائِضًا ، وَفِي لَتَأْكُلَنَّهَا فَخَطِفَتْهَا هِرَّةٌ فَشَقَّ جَوْفَهَا وَأُكِلَتْ ، أَوْ بَعْدَ فَسَادِهَا قَوْلَانِ ، إلَّا أَنْ تَتَوَانَى ، وَفِيهَا الْحِنْثُ بِأَحَدِهِمَا فِي لَا كِسْوَتِهَا وَنِيَّتُهُ الْجَمْعُ ، وَاسْتُشْكِلَ .

( وَفِي بِرِّهِ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْحَالِفِ ( فِي ) حَلِفِهِ بِصِيغَةِ حِنْثٍ نَحْوُ ( لَأَطَأَنَّهَا ) أَيْ حَلِيلَتَهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ ( فَوَطِئَهَا ) وَطْئًا حَرَامًا لِكَوْنِهَا ( حَائِضًا ) مَثَلًا حَمْلًا لِلَفْظِهِ عَلَى مَعْنَاهُ لُغَةً وَعَدَمِ بِرِّهِ حَمْلًا لَهُ عَلَى مَدْلُولِهِ شَرْعًا قَوْلَانِ ، فَإِنْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ وَلَمْ يَطَأْهَا فِيهِ لِحَيْضِهَا مَثَلًا حَنِثَ ، وَظَاهِرُهُ جَرَيَانُهُمَا ، وَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى حَصَلَ الْحَيْضُ وَكَانَتْ يَمِينُهُ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ ، وَالْقِيَاسُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْحِنْثِ فِي هَذِهِ ، فَإِنْ حَلَفَ لَا وَطِئَهَا وَوَطِئَهَا حَائِضًا حَنِثَ قَالَهُ ابْنُ حَارِثٍ .
الْمُصَنِّفُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ .
( وَفِي ) بِرِّهِ فِي حَلِفِهِ لِزَوْجَتِهِ مَثَلًا عَلَى قِطْعَةِ لَحْمٍ ( لَتَأْكُلَنَّهَا ) أَيْ قِطْعَةَ اللَّحْمِ ( فَخَطِفَتْهَا ) أَيْ قِطْعَةَ اللَّحْمِ بِكَسْرِ الطَّاءِ هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْجَيِّدَةُ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ ( هِرَّةٌ ) وَبَلَعَتْهَا ( فَشُقَّ ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْقَافِ ( جَوْفُهَا ) أَيْ الْهِرَّةِ عَاجِلًا وَأُخْرِجَتْ مِنْهُ الْقِطْعَةُ قَبْلَ تَحَلُّلِهَا شَيْءٌ مِنْهَا فِيهِ ( وَأُكِلَتْ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ أَكَلَتْ الْمَرْأَةُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا الْقِطْعَةَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَحِنْثُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلَانِ إنْ تَوَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي أَخْذِهَا مِنْهُ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ يَمِينِهِ وَخَطْفِ الْهِرَّةِ قَدْرُ مَا تَنَاوَلُهَا الْمَرْأَةُ وَتَحُوزُهَا لِنَفْسِهَا ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ هَذَا فَهُوَ عَدَمُ التَّوَانِي ، هَذَا هُوَ الَّذِي فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ وَأَرْجَحُهُمَا حِنْثُهُ ، فَإِنْ لَمْ تَتَوَانَ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا وَلَوْ لَمْ يُشَقَّ جَوْفُ الْهِرَّةِ .
( أَوْ ) لَمْ تَخْطَفْهَا الْهِرَّةُ وَأَخَّرَتْهَا حَتَّى فَسَدَتْ وَأَكَلَتْهَا ( بَعْدَ فَسَادِهَا ) فَهَلْ يَبَرُّ بِهِ أَمْ لَا ( قَوْلَانِ ) فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ ، وَاسْتَثْنَى مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَخِيرَةِ

فَقَطْ فَقَالَ ( إلَّا أَنْ تَتَوَانَى ) الْمَرْأَةُ فِي أَكْلِ اللَّحْمَةِ حَتَّى فَسَدَتْ فَيَحْنَثُ اتِّفَاقًا ، وَلَا يَرْجِعُ لِلْأُولَى لِعَدَمِ تَأَتِّي رُجُوعِهِ لَهَا ، وَلَا لِلثَّانِيَةِ لِتَقْيِيدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا بِتَوَانِيهَا .
فَإِنْ قُلْت الْفَسَادُ يَسْتَلْزِمُ التَّوَانِي فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ .
قُلْت : لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ إذْ قَدْ يَفْسُدُ بِسُقُوطِ شَيْءٍ فِيهِ حِينَ حَلِفِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَانٍ أَفَادَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ اسْتَثْنَى مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَخِيرَةِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْأَخِيرَةِ ، وَلَفْظُ التَّوْضِيحِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ فَتَرَكَهُ حَتَّى فَسَدَ ثُمَّ أَكَلَهُ قَوْلَيْنِ .
ا هـ .
فَحَكَى الْقَوْلَيْنِ مَعَ التَّوَانِي لَا مَعَ عَدَمِهِ وَالصَّوَابُ رُجُوعُهُ لِمَسْأَلَةِ الْهِرَّةِ لَكِنْ لَا بِمَعْنَاهُ الْمُتَقَدِّمِ ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ مَعَ عَدَمِ التَّوَانِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ عَدَمُ الْحِنْثِ حِينَئِذٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
كَمَا اعْتَرَضَ بِهَذَا عَلَى الْمُصَنِّفِ الشَّارِحُ وَالْحَطّ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ هُنَا التَّوَانِي فِي شَقِّ جَوْفِ الْهِرَّةِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِيهَا إذَا لَمْ تَتَوَانَ الْبَضْعَةُ فِي جَوْفِ الْهِرَّةِ حَتَّى تَحَلَّلَ بَعْضُهَا وَإِلَّا حَنِثَ عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَأَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي الْبَيَانِ وَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا إنْ اُسْتُخْرِجَتْ مِنْ بَطْنِ الْهِرَّةِ صَحِيحَةً كَمَا هِيَ بِحَدَثَانِ مَا بَلَعَتْهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَحَلَّلَ فِي جَوْفِهَا شَيْءٌ مِنْهَا فَأَكَلَتْهَا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ .
ا هـ .
فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ وَالْحَطّ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةٍ إنْ لَمْ تَتَوَانَ فِي أَخْذِهَا لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ تَوَانَتْ فِي أَخْذِهَا وَتَوَانَتْ فِي شَقِّ جَوْفِ الْهِرَّةِ حَنِثَ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ تَوَانَتْ فِي أَخْذِهَا وَلَمْ تَتَوَانَ فِي

شَقِّ جَوْفِ الْهِرَّةِ فَالْقَوْلَانِ .
( وَفِيهَا ) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ طَلَبَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ أَنْ يَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَهَا إيَّاهُمَا وَنَوَى أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَكَسَاهَا إحْدَاهُمَا ( الْحِنْثُ ) بِكِسْوَتِهَا ( بِأَحَدِهِمَا ) أَيْ الثَّوْبَيْنِ ( فِي ) حَلِفِهِ ( لَا كَسَوْتُهَا ) أَيْ الْمَرْأَةَ إيَّاهُمَا وَفِي نُسْخَةٍ لَا كَسَوْتُهُمَا بِضَمِيرِ تَثْنِيَةٍ ( وَ ) الْحَالُ ( نِيَّتُهُ ) أَيْ الْحَالِفِ ( الْجَمْعُ ) أَيْ لَا يَكْسُوَهَا الثَّوْبَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ وَلَا مُفْتَرِقَيْنِ .
( وَاسْتُشْكِلَ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْكَافِ تَحْنِيثُهُ بِكِسْوَةِ أَحَدِهِمَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنِيَّتِهِ وَقَوْلُهُمْ يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ الْجَمِيعَ وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ .
وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى يَمِينِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ ، وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَرَفْعٌ ، فَإِنْ اسْتَفْتَى فَيَنْبَغِي الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ حِنْثِهِ .
فَإِنْ قُلْت نِيَّتُهُ مُسَاوِيَةٌ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ قُلْت : لَمَّا احْتَمَلَ أَنَّ الْمَعْنَى لَا كَسَوْتُهَا الثَّوْبَيْنِ مَعًا وَلَا كَسَوْتُهَا أَحَدَهُمَا كَانَتْ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ لَفْظِهِ ، وَبَقِيَتْ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ فِي كَبِيرِ تت أَفَادَهُ عب .
ابْنُ عَرَفَةَ : وَفِيهَا حِنْثُ مَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ خُبْزًا وَزَيْتًا بِأَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمْعَهُمَا ثُمَّ قَالَ : وَفِيهَا مَنْ حَلَفَ لَا كَسَا امْرَأَتَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ وَنِيَّتُهُ لَا كَسَاهَا إيَّاهُمَا جَمِيعًا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا .
التُّونُسِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَالصَّقَلِّيُّ يُرِيدُ جَمِيعًا فِي الْكِسْوَةِ لَا الزَّمَانَ ، وَحَمَلَهُ أَشْهَبُ عَلَى مَعِيَّةِ الزَّمَانِ فَلَمْ يُحَنِّثْهُ بِأَحَدِهِمَا حَتَّى يَنْوِيَ الْمَعِيَّةَ فِي الْكِسْوَةِ ، وَعَزَا عَبْدُ الْحَقِّ مَا لِلتُّونُسِيِّ لِلشَّيْخِ وَزَادَ عَنْهُ فَارَقَ جَوَابَهُ فِي تَنْوِيَتِهِ فِي لَا آكُلُ خُبْزًا وَزَيْتًا لِأَنَّ الْعُرْفَ جَمَعَهُمَا بِخِلَافِ الثَّوْبَيْنِ لَيْسَ الْعُرْفُ جَمَعَهُمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

فَصْلٌ ) النَّذْرُ أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ كُلِّفَ وَلَوْ غَضْبَانَ ، وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ ، بِخِلَافِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ ك لِلَّهِ عَلَيَّ ، أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ

( بَابٌ ) فِي النَّذْرِ ( النَّذْرُ ) أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا ( الْتِزَامُ ) أَيْ إيجَابُ شَخْصٍ ( مُسْلِمٍ ) لَا كَافِرٍ وَنُدِبَ لَهُ وَفَاؤُهُ إنْ أَسْلَمَ ( كُلِّفَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا لَا صَبِيٍّ ، وَنُدِبَ لَهُ وَفَاؤُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، وَمَفْعُولُ الْمَصْدَرِ مَحْذُوفٌ أَيْ قُرْبَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ وَعَلَى هَذَا فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِلنَّذْرِ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُ الْمَفْعُولِ أَمْرًا فَيَعُمَّ الْمَنْدُوبَ وَغَيْرَهُ بِقَرِينَةِ حَذْفِهِ ، وَتَعْقِيبُهُ ، بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ تَعْرِيفٌ لَهُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ ، وَقَدْ جَمَعَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ : النَّذْرُ الْأَعَمُّ مِنْ الْجَائِزِ إيجَابُ امْرِئٍ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْرًا لِحَدِيثِ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } .
وَإِطْلَاقُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْمُحَرَّمِ نَذْرًا ، وَأَخَصُّهُ الْمَأْمُورُ بِأَدَائِهِ الْتِزَامُ طَاعَةٍ بِنِيَّةِ قُرْبَةٍ لَا لِامْتِنَاعٍ مِنْ أَمْرٍ ، فَهَذَا يَمِينٌ حَسْبَمَا مَرَّ وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ .
ا هـ .
وَشَمِلَ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفَ الرَّقِيقَ .
وَحَاصِلُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَسَدِهِ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسَّيِّدِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ تَعْجِيلِ وَفَائِهِ ، وَإِنْ ضَرَّ بِهِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ .
أَبُو عُمَرَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ ، وَأَمَّا الْمُؤَقَّتُ فَفِي سُقُوطِهِ عَنْهُ بِخُرُوجِ وَقْتِهِ وَلُزُومِ قَضَائِهِ قَوْلَانِ وَإِنْ نَذَرَ مَالًا فَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ مَا دَامَ رَقِيقًا ، فَإِذَا عَتَقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ ، فَإِنْ رَدَّ سَيِّدُهُ النَّذْرَ وَأَبْطَلَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ كَمَا فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ مِنْهَا .
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ ، وَفَرَّقَ الْقَرَوِيُّونَ بَيْنَهُمَا بِفُرُوقٍ أَحْسَنُهَا

مَا لِابْنِ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ : وَالصَّوَابُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ اللُّزُومِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا رَدًّا ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ رَدَّ سَيِّدُهُ نَذْرَهُ بَطَلَ ، وَلَا يَلْزَمُ وَفَاؤُهُ إنْ عَتَقَ ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ بَلْ مَنَعَهُ الْوَفَاءَ فَقَطْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ بَعْدَ عِتْقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَشَمِلَ أَيْضًا السَّفِيهَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَيَلْزَمُهُ نَذْرُ غَيْرِ الْمَالِ لَا الْمَالِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، فَعَلَى وَلِيِّهِ رَدُّهُ كُلِّهِ ، وَإِنْ رَشَدَ فَلَا يَلْزَمُهُ وَيُنْدَبُ لَهُ ، وَشَمِلَ أَيْضًا بَقِيَّةَ الْمَحَاجِيرِ كَمَرِيضٍ وَزَوْجَةٍ رَشِيدَةٍ ، وَلَوْ بِزَائِدِ الثُّلُثِ فِيهِمَا ، لَكِنْ إنْ أَجَازَهُ الزَّوْجُ وَالْوَارِثُ وَإِلَّا نَفَذَ ثُلُثُ الْمَرِيضِ ، وَلِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ إنْ نَذَرَتْ زَائِدًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَرُدُّ وَارِثُهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ نَذْرٍ بِثُلُثٍ ، وَالزَّوْجَةُ إنْ رَدَّ زَوْجُهَا جَمِيعَ نَذْرِهَا يُمْكِنُهَا إنْشَاءُ نَذْرٍ بِثُلُثِهَا ، وَشَمِلَ السَّكْرَانَ بِحَرَامٍ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ حَالَ سُكْرِهِ لَا بِحَلَالٍ فَكَالْمَجْنُونِ ، وَيَلْزَمُ الْمُسْلِمَ الْمُكَلَّفَ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ غَضْبَانَ .
بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ النَّاذِرُ ( غَضْبَانَ ) خِلَافًا لِمَنْ قَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَمِثْلُ نَذْرِ الْغَضْبَانِ فِي الْوُجُوبِ نَذْرُ اللَّجَاجِ وَهُوَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ مَنْعُ النَّفْسِ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ وَمُعَاقَبَتُهَا وَإِلْزَامُهَا النَّذْرَ كَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا ، وَكَذَا نَذْرُ كَثِيرٍ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُؤَدِّي لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ ، بِخِلَافِ مَا لَا يُطِيقُهُ فَإِنَّ نَذْرَهُ مَعْصِيَةٌ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَيَلْزَمُ النَّاذِرَ نَذْرُهُ .
( وَإِنْ قَالَ ) الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ عَلَيَّ كَذَا ( إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي ) أَنْ لَا أَفْعَلَ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ

فَالْمَشِيئَةُ لَا تُفِيدُ فِي النَّذْرِ غَيْرِ الْمُبْهَمِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْجَلَّابِ مِنْ قَوْلِهِ : تَنْفَعُهُ الْمَشِيئَةُ ، وَأَمَّا الْمُبْهَمُ فَكَالْيَمِينِ فِي الْمَشِيئَةِ بِاَللَّهِ ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ كَذَا إنْ شِئْت ، فَظَاهِرُ كَلَامِ تت أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ أَيْضًا ، وَنَصُّهُ عَقِبَ قَوْلِهِ ( أَوْ ) : إلَّا أَنْ ( أَرَى خَيْرًا مِنْهُ ) أَيْ النَّذْرِ خِلَافًا لِلْقَاضِي إسْمَاعِيلَ فِي قَوْلِهِ : يَنْفَعُهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت ا هـ .
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ عَهِدَ التَّعْلِيقَ فِي الطَّلَاقِ ، وَفِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ الْبُنَانِيُّ .
وَحَاصِلُ مَا لَهُمْ فِي الطَّلَاقِ : أَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْفَعُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا ، نَحْوُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ كَانَ اسْتِثْنَاءً ، نَحْوُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ بِمَشِيئَةِ الْغَيْرِ نَافِعٌ فِيهِ شَرْطًا كَانَ ، نَحْوُ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ اسْتِثْنَاءً ، نَحْوُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ غَيْرُ نَافِعٍ فِيهِ إنْ كَانَ اسْتِثْنَاءً ، نَحْوُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي وَيَنْفَعُهُ إنْ كَانَ شَرْطًا ، نَحْوُ إنْ شِئْت عَلَى مَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا قَالَهُ الْحَطّ فِي الطَّلَاقِ ، وَلَمْ أَرَ نَصًّا مُصَرِّحًا بِذَلِكَ فِي بَابِ النَّذْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَمِيعَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الطَّلَاقِ يَجْرِي هُنَا فِي النَّذْرِ فَالْمَسْأَلَةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةٍ .
( بِخِلَافِ ) عَلَيَّ كَذَا ( إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ ) أَيْ فُلَانٍ مِنْ أَمْضَاءٍ أَوْ رَدٍّ ، فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ بِرَدٍّ أَوْ إمْضَاءٍ فَلَا شَيْءَ عَلَى النَّاذِرِ ، وَقَوْلُهُ فُلَانٌ أَيْ الْحَيُّ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا حَالَ قَوْلِهِ لَزِمَهُ نَذْرُهُ لِتَلَاعُبِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ ، وَعَلَى نَذْرٍ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ لَزِمَهُ لِهَزْلِهِ .
(

وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ ) أَيْ النَّذْرِ ( مَا ) أَيْ شَيْءٌ ( نُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ طُلِبَ فِعْلُهُ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ .
ابْنُ عَاشِرٍ يَعْنِي مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ إلَّا قُرْبَةً وَأَمَّا مَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ تَارَةً قُرْبَةً وَتَارَةً غَيْرَهَا فَلَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ كَنِكَاحٍ وَهِبَةٍ ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ التِّلِمْسَانِيُّ ، فَشَمِلَ الرَّغِيبَةَ وَالسُّنَّةَ أَيْضًا بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ بِقَوْلِهِ ( كَ لِلَّهِ ) تَعَالَى ( عَلَيَّ ) ضَحِيَّةٌ أَوْ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَلَوْ لَمْ يَلْفِظْ بِالنَّذْرِ عَلَى الصَّحِيحِ ( أَوْ عَلَى ضَحِيَّةٍ ) بِدُونِ لِلَّهِ ، وَأَظْهَرَ مِمَّا نَدَبَ قُرْبَةً ، وَمِنْهَا صَوْمُ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَعِتْقُ رَقِيقٍ كَذَلِكَ ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْقُرْبَةَ تَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ لِقَصْرِ السِّيَاقِ إيَّاهَا عَلَى مَا سِوَاهُ ، إذْ فِي شُمُولِهَا إيَّاهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ ، وَلَا يَرِدُ عَلَى تَمْثِيلِهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالذَّبْحِ فَإِنَّهُ فِي الْوُجُوبِ الَّذِي يُلْغَى الْعَيْبُ الطَّارِئُ بَعْدَهُ كَتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَمَا هُنَا فِيمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَمِنْ الْمَنْدُوبِ زِيَارَةُ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَتَجِبُ بِالنَّذْرِ ، وَإِنْ أَعْمَلَ فِيهَا الْمَطِيَّ وَحَدِيثُ لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَكَذَا خَبَرُ { : لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ } لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَنْعِ الزِّيَارَةِ إذْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوفٌ ، أَيْ الْمَسْجِدُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَسَاجِدَ وَالْأَصْلُ فِيهِ الِاتِّصَالُ .
وَيَرِدُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَوْمُ رَابِعِ النَّحْرِ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ إذْ هُمَا مَكْرُوهَانِ وَيَلْزَمَانِ بِنَذْرِهِمَا .
وَيُجَابُ بِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْإِحْرَامَ مَنْدُوبَانِ لِذَاتِهِمَا مَكْرُوهَانِ لِوَقْتِهِمَا فَوَجَبَا بِالنَّذْرِ بِاعْتِبَارِ نَدْبِهِمَا لِذَاتِهِمَا ، وَأُلْغِيَتْ كَرَاهَتُهُمَا لِوَقْتِهِمَا احْتِيَاطًا لِلنَّذْرِ ، وَاحْتُرِزَ بِمَا نُدِبَ عَنْ

الْوَاجِبِ فَلَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ ، وَعَنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالنَّذْرِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَيَحْرُمُ نَذْرُ الْمُحَرَّمِ وَفِي كَوْنِ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ كَذَلِكَ أَوْ مِثْلُهُمَا قَوْلُهُ الْأَكْثَرُ مَعَ ظَاهِرِ الْمُوَطَّأِ وَالْمُقَدِّمَاتِ ا هـ .
وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّحْرِيمِ قَلْبُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ .
أَفَادَهُ عب .
طفى أَتَى بِكَافِ التَّمْثِيلِ إشَارَةً إلَى عَدَمِ انْحِصَارِ صِيغَتِهِ فِي لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَيَلْزَمُ بِكُلِّ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الِالْتِزَامِ فَفِيهَا إنْ قَالَ : دَارِي أَوَعَبْدِي أَوْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ مِمَّا لَا يُهْدَى هَدْيٌ أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ وَحَنِثَ فَلْيَبِعْهُ وَيَبْعَثْ ثَمَنَهُ ا هـ .
وَقَالَ الْبَاجِيَّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَجَّانِي مِنْ كَذَا فَأَصُومُ يَوْمَيْنِ أَوْ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَتَصَدَّقُ بِكَذَا .
ا هـ .
وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَعَجَّلَ الْإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ إلَخْ ، وَقَوْلُهُ فِي بِمَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ آخِرَ الْهِبَةِ ، وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
وَنَبَّهْت عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرٌ الْآنَ بَعْضُ النَّاسِ تَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ اغْتِرَارًا بِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَبِقَوْلِ الشَّارِحِينَ وَأَشَارَ لِصِيغَتِهِ وَهُوَ خَطَأٌ صُرَاحٌ وَنُصُوصُ الْمَالِكِيَّةِ مُتَضَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ مَخْصُوصَةٌ حَتَّى اخْتَلَفُوا فِي لُزُومِهِ بِالنِّيَّةِ .

وَنُدِبَ الْمُطْلَقُ
( وَنُدِبَ ) النَّذْرُ ( الْمُطْلَقُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ غَيْرُ الْمُكَرَّرِ وَالْمُعَلَّقِ بِدَلِيلِ مَا يَلِيهِ بِأَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا حَصَلَ ، كَمَنْ نَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُرْبَةٍ أَوْ شَفَى مَرِيضَهُ أَوْ رَزَقَهُ عِلْمًا أَوْ مَالًا أَوْ زَوْجَةً صَالِحَةً أَوْ وَلَدًا صَالِحًا فَنَذَرَ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ حَجًّا أَوْ عِتْقًا ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ شُكْرًا عَلَى شَيْءٍ حَصَلَ فَيُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ ، وَالْتِزَامُهُ بِدُونِ تَعْلِيقٍ ، كَذَا فِي الْحَطّ وعب ، وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ .

وَكُرِهَ الْمُكَرَّرُ وَفِي كُرْهِ الْمُعَلَّقِ تَرَدُّدٌ

( وَكُرِهَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ النَّذْرُ ( الْمُكَرَّرُ ) مُتَعَلِّقَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَاللَّامِ كَنَذْرِ صَوْمِ كُلِّ خَمِيسٍ لِنَفْلِ الْوَفَاءِ بِهِ فَيُؤَدِّيهِ مُتَكَرِّهًا وَلِخَوْفِ تَفْرِيطِهِ فِي وَفَائِهِ فَيَأْثَمُ ( وَفِي كُرْهِ ) بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ كَرَاهَةِ النَّذْرِ ( الْمُعَلَّقِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى شَيْءٍ مَحْبُوبٍ آتٍ لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ مَدْخَلٌ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي أَوْ رَزَقَنِي كَذَا أَوْ نَجَّانِي مِنْ كَذَا ، فَعَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِدِينَارٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ الْمُعَاوَضَةِ وَلِتَوَهُّمِ أَنَّهُ يَجْلِبُ الْخَيْرَ وَيَرُدُّ الشَّرَّ ، وَلِذَا { نَهَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَقَالَ : إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ } كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ، وَفِيهِمَا أَيْضًا { أَنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنْ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَكِنَّ النَّذْرَ يُوَافِقُ الْقَدَرَ فَيُخْرَجُ بِذَلِكَ مِنْ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ } .
ا هـ .
وَإِبَاحَتُهُ ( تَرَدُّدٌ ) الْكَرَاهَةُ لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ شَاسٍ ، وَالْإِبَاحَةُ لِابْنِ رُشْدٍ وَأَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا لِابْنِ رُشْدٍ حَيْثُ عَلَّقَهُ عَلَى مَحْبُوبٍ آتٍ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ نَجَّانِي مِنْ كَذَا أَمَّا مَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا ، فَقَدْ وَافَقَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى كَرَاهَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا وَهِيَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَاتِهِ مَكْرُوهَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ نَذْرًا مُبْهَمًا فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ وَالْيَمِينَ بِاَللَّهِ سَوَاءٌ ، لَا يُقَالُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي النَّذْرِ لَا فِي الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا لَمْ يُخْرِجْهَا الْمُصَنِّفُ مِنْ تَعْرِيفِ النَّذْرِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُ نَذْرٌ اُنْظُرْ طفى .
عب مَحَلُّهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ نَفْعَهُ وَإِلَّا حَرُمَ قَطْعًا ، وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ وَقَعَ

كَالْمُكَرَّرِ وَيَقْضِي بِهِ إنْ كَانَ عِتْقُ مُعَيَّنٍ أَوْ صَدَقَةٌ لِمُعَيَّنٍ وَإِلَّا فَلَا ، وَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي الْعِتْقِ ، وَوَجَبَ بِالنَّذْرِ وَلَمْ يُقْضَ إلَّا بَيْتٌ مُعَيَّنٌ ، وَفِي الْهِبَةِ وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ وَالتَّرَدُّدُ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَى غَيْرِ الْمُحَرَّمِ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَفِي التَّلْقِينِ أَنَّهُ لَازِمٌ إنْ وُجِدَ كَإِنْ زَنَيْت أَوْ إنْ لَمْ أَزْنِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ .

وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ بِنَذْرِهَا فَإِنْ عَجَزَ فَبَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ لَا غَيْرُ
( وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ ) أَيْ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِإِطْلَاقِهَا عَلَيْهِمَا فَتَاؤُهَا لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ ( بِنَذْرِهَا ) بِلَفْظِ بَدَنَةٍ ، فَإِنْ نَذَرَهَا بِلَفْظِ هَدْيٍ فَإِنْ نَوَى نَوْعًا لَزِمَهُ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ الْبَدَنَةُ .
( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْهَا ( فَبَقَرَةٌ ثُمَّ ) إذَا عَجَزَ عَنْ الْبَقَرَةِ لَزِمَهُ ( سَبْعُ شِيَاهٍ ) وَيُشْتَرَطُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشِّيَاهِ سِنُّ الضَّحِيَّةِ وَسَلَامَتُهَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ حِينَ نَذْرِهِ صَغِيرَةً أَوْ مَعِيبَةً ( لَا غَيْرُ ) بِالضَّمِّ عِنْدَ حَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ مَعْنَاهُ يُحْتَمَلُ لَا غَيْرُ السَّبْعِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَيُحْتَمَلُ لَا غَيْرُ السَّبْعِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهَا مِنْ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ مِنْ صِيَامٍ أَوْ إطْعَامٍ فَيَصِيرُ إلَى وُجُودِ الْأَصْلِ أَوْ بَدَلِهِ أَوْ بَدَلِ بَدَلِهِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَهُمَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ السَّبْعِ أَخْرَجَهُ ثُمَّ كَمَّلَهَا مَتَى أَيْسَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا كُلِّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ .
ا هـ .
عب .
الْبُنَانِيُّ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَا أَعْرِفُ فِي هَذَا صَوْمًا إلَّا أَنْ يُحِبَّ الصَّوْمَ فَلْيَصُمْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ أَيْسَرَ يَوْمًا مَا كَانَ عَلَيْهِ مَا نَذَرَهُ .
ا هـ .
وَلِذَا قَالَ الْمَوَّاقُ لَوْ زَادَ الْمُصَنِّفُ وَصَامَ إنْ أَحَبَّ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا فِيهَا ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ السَّبْعِ أَخْرَجَهُ يُعَارِضُ مَا ذَكَرَهُ فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي ، وَجَعَلَهُمَا الْخَرَشِيُّ مُتَقَابِلَيْنِ فَنُسِبَ الْأَوَّلُ لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَوَّاقِ ، وَنَقَلَ الثَّانِي عَنْ بَعْضٍ .
وَيُجَابُ عَنْ " ز " بِأَنَّ مُرَادَهُ فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَقَلِّ فَلَا يُنَافِي دَفْعَ الْأَقَلِّ مَعَ التَّكْمِيلِ إنْ أَيْسَرَ .

وَصِيَامٌ بِثَغْرٍ
( وَ ) لَزِمَ ( صِيَامُ ) نَذْرٍ فَعَلَهُ ( بِثَغْرٍ ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَلَدِ إسْلَامٍ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ يُخْشَى هُجُومُ الْعَدُوِّ مِنْهُ كَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَدِمْيَاطَ ، وَلَوْ كَانَ النَّاذِرُ بِمَوْضِعٍ أَفْضَلَ مِنْهُ كَمَكَّةَ كَمَا فِيهَا ، وَمِثْلُ الصَّوْمِ الصَّلَاةُ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَى الرِّسَالَةِ .
وَقَالَ تت لَا يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ لِلصَّلَاةِ مِنْ مَكَّةَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَمَكَّةَ قَالَهُ عج .
الْبُنَانِيُّ حَاصِلُ مَا حَقَّقَهُ طفى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ بِثَغْرٍ فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً وَيَعُودُ مِنْ فَوْرِهِ فَلْيُصَلِّهَا بِمَوْضِعِهِ ، وَلَا يَأْتِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ فِي الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ .
طفي .
وَالظَّاهِرُ أَنْ لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمَا بِهَذَا فَغَيْرُهُمَا كَذَلِكَ وَإِنْ نَذَرَ صَلَوَاتٍ تُمْكِنُ الْحِرَاسَةُ مَعَهَا لَزِمَهُ إتْيَانُهُ ، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ قَوْلُ الْجَوَاهِرِ وَلَوْ ذَكَرَ مَوْضِعًا غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ ، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ عِبَادَةٌ تُخَصِّصُهُ لَزِمَهُ إتْيَانُهُ وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَرِبَاطِ وَجِهَادٍ نَاجِزٍ .
ا هـ .
وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ مَا نَسَبَهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَالشَّاذِلِيِّ .

وَثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ بِمَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ الْجِهَادُ ، وَالرِّبَاطُ بِمَحَلٍّ خِيفَ وَأُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا لِمُتَصَدِّقٍ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْجَمِيعُ ، وَكَرَّرَ إنْ أَخْرَجَ ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ

( وَ ) لَزِمَ الْحَالِفَ بِمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّهُ وَحَنِثَ فَيَلْزَمُهُ ( ثُلُثُهُ ) أَيْ الْمَالِ مِنْ عَيْنٍ وَعَدَدَيْنِ أَوْ قِيمَتُهُ وَعَرَضٌ وَقِيمَةُ كِتَابَةِ مُكَاتَبٍ ، فَإِنْ عَجَزَ وَزَادَتْ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ عَنْ قِيمَةِ كِتَابَتِهِ أَخْرَجَ ثُلُثَهَا وَأُجْرَةَ خِدْمَةِ مُدَبَّرٍ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أُمِّ وَلَدِهِ ، وَالْمُعْتَبَرُ مَالُهُ الْمَوْجُودُ ( حِينَ يَمِينِهِ ) لَا مَا زَادَ بَعْدَهَا بِهِبَةٍ أَوْ نَمَاءٍ أَوْ وِلَادَةٍ خِلَافًا لِقَوْمٍ ، فَلَوْ حَلَفَ ، وَمَالُهُ أَلْفٌ وَحَنِثَ وَهُوَ أَلْفَانِ لَزِمَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ ، وَبِالْعَكْسِ ثُلُثُ الْأَلْفِ رِفْقًا بِهِ ، وَأَفَادَ هَذَا بِقَوْلِهِ ( إلَّا أَنْ يَنْقُصَ ) قَدْرُ الْمَالِ يَوْمَ حِنْثِهِ عَنْ قَدْرِهِ يَوْمَ يَمِينِهِ ( فَ ) يَلْزَمُهُ ثُلُثُ ( مَا بَقِيَ ) بَعْدَ إخْرَاجِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ مَهْرَ زَوْجَتِهِ ( بِ ) قَوْلِهِ ( مَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّه ) أَوْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ هَدْيٌ لِلْكَعْبَةِ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ قُرْبَةٌ غَيْرُ يَمِينٍ ، أَوْ كَانَ يَمِينًا كَمَالِي صَدَقَةٌ لِلْفُقَرَاءِ إنْ فَعَلْت كَذَا ، وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْهُ وَحَنِثَ .
وَالْمَشْهُورُ فِيمَا نَقَصَ قَبْلَ الْحِنْثِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا فِي الْبِرِّ وَالْحِنْثِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهَا ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ : وَأَمَّا إنْ نَقَصَ أَيْ قَبْلَ الْحِنْثِ ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثُلُثُ مَا بَقِيَ اتِّفَاقًا ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَلْزَمُهُ إنْ كَانَ مِنْ سَبَبِهِ .
ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَا تَلِفَ بَعْدَ حِنْثِهِ دُونَ تَفْرِيطٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ اتِّفَاقًا ، وَبِتَفْرِيطٍ فِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ وَلُزُومُ ثُلُثِهِ قَوْلَ هِبَاتِهَا مَعَ الْوَاضِحَةِ وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطَةِ ، وَعَنْ دَلِيلِ مَا لَهُ فِيهَا .
ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ كَالزَّكَاةِ

يُفَرِّطُ فِيهَا .
قُلْت عَزَاهُ وَقِيَاسُهُ عَلَى الزَّكَاةِ .
الْبَاجِيَّ لِسَحْنُونٍ وَمَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ حِنْثِهِ فِي لَغْوِهِ وَلُزُومِ ثُلُثِهِ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ ، وَنَقَلَهُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ا هـ .
وَنَصُّهَا فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ وَإِنْ لَمْ يُخْرَجْ ثُلُثَ مَالِهِ حَتَّى ضَاعَ مَالُهُ كُلُّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ فَلَمْ يُخْرَجْ ثُلُثَهُ حَتَّى تَلِفَ جُلُّ مَالِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا إخْرَاجُ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ .
طفى ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَا أَنْفَقَهُ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ حِينَ يَمِينِهِ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَحْمَدُ وَتَبِعَهُ عج ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَهُوَ ) أَيْ سَبِيلُ اللَّهِ ( الْجِهَادُ ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُعْطَى لِمَنْ فِي مَوْضِعِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا يُعْطَى مِنْهُ مُقْعَدٌ ، وَلَا أَعْمَى ، وَلَا امْرَأَةٌ ، وَلَا صَبِيٌّ وَلَوْ قَاتَلَ ، وَلَا مَرِيضٌ مَيْئُوسٌ مِنْهُ ، وَلَا مَفْلُوجٌ وَشِبْهُهُ ، وَلَا أَقْطَعُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدِ الْيُسْرَى .
ا هـ ( وَالرِّبَاطُ ) أَيْ الْحِرَاسَةُ ( بِمَحَلٍّ خِيفَ ) هُجُومُ الْعَدُوِّ مِنْهُ كَجُدَّةِ بِضَمِّ الْجِيمِ .
الْبُنَانِيُّ فِي التَّمْثِيلِ بِهَا نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرِبَاطٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ إذَا ارْتَفَعَ الْخَوْفُ عَنْ الثَّغْرِ لِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ بِهِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْعَدُوِّ وَزَالَ حُكْمُ الرِّبَاطِ عَنْهُ ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَنْ جَعَلَ شَيْئًا فِي السَّبِيلِ لَا يَجْعَلُهُ فِي جُدَّةَ ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ الَّذِي كَانَ بِهَا قَدْ ذَهَبَ .
ا هـ .
وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَنَقَلَهُ الْحَطّ وَالْمَوَّاقُ .
قُلْتُ قَدْ عَادَ الْخَوْفُ الْآنَ أَشَدَّ مِمَّا كَانَ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُقَامَ بِمَحَلٍّ خِيفَ رِبَاطٌ وَإِنْ كَانَ

بِالْأَهْلِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْبَاجِيَّ .
وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَيْسَ بِرِبَاطٍ .
( وَأَنْفَقَ ) مُخْرِجٌ ثُلُثَ مَالِهِ فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الثُّلُثَ الَّذِي لَزِمَهُ بِقَوْلِهِ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ الثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لَهُ لَا مِنْهُ ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ اتِّفَاقًا .
وَفَرَّقَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَالِي إخْرَاجُ جَمِيعِهِ فَلَمَّا خُفِّفَ عَنْهُ بِالثُّلُثِ وَجَبَ إخْرَاجُ جَمِيعِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ ثُلُثِ مَالِي .
وَاسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ لُزُومِ الثُّلُثِ بِمَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ ( إلَّا لِتَصَدُّقٍ بِهِ ) أَيْ مَالِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( عَلَى مُعَيَّنٍ ) بِشَخْصِهِ كَزَيْدٍ أَوْ وَصْفِهِ كَبَنِي زَيْدٍ ( فَ ) يَلْزَمُهُ ( الْجَمِيعُ ) حِينَ حَلَفَ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَالْبَاقِي وَيَتْرُكُ مَا يُتْرَكُ لِمُفْلِسٍ .
ابْنُ غَازِيٍّ الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ لِلْمَالِ ، وَهَذَا الْفَرْعُ فِي النَّوَادِرِ وَالنُّكَتِ ، وَلَهُمَا عَزَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَتَصَدُّقٍ بِهِ بِالْكَافِ فَيَدْخُلَ تَحْتَهَا مَنْ نَذَرَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَظَنَّ لُزُومَ جَمِيعِهِ فَأَخْرَجَهُ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِي ثُلُثَيْهِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ بِيَدِ غَيْرِهِ فَهُوَ شَبِيهُ التَّصَدُّقِ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَهَذَا الْفَرْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي مَشَاهِيرِ الْكُتُبِ فَعَلَيْهِ حَمَلَ ابْنُ رَاشِدٍ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَلَوْ أَخْرَجَهُ فَفِي مُضِيِّهِ قَوْلَانِ ، وَعَضَّدَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ .
ا هـ .
وَلَفْظُ ابْنِ بَشِيرٍ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ هَلْ يَمْضِي فِعْلُهُ أَمْ لَا ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ إذَا أَخْرَجَ جَمِيعَهُ هَلْ يَمْضِي فِعْلُهُ أَمْ لَا ، وَحَمَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى الصَّدَقَةِ

الْمُجَرَّدَةِ عَنْ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ ، وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَيْسَ هَذَا شِبْهَ الْمُعَيَّنِ فِي الصُّورَةِ فَلَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْكَافِ .
( وَكَرَّرَ ) نَاذِرٌ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ الْحَالِفُ بِذَلِكَ إخْرَاجَ الثُّلُثِ لِكُلِّ يَمِينٍ فَيُخْرِجُ ثُلُثَهُ لِلْيَمِينِ الْأُولَى ثُمَّ ثُلُثَ الْبَاقِي لِلثَّانِيَةِ ، وَهَكَذَا هَذَا ( إنْ ) كَانَ ( أَخْرَجَ ) الثُّلُثَ الْأَوَّلَ لِلْيَمِينِ الْأُولَى بَعْدَ لُزُومِهِ وَقَبْلَ إنْشَاءِ الثَّانِي ، وَقَوْلُنَا بَعْدَ لُزُومِهِ أَيْ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّذْرَ يَلْزَمُ بِلَفْظِهِ وَالْيَمِينَ بِالْحِنْثِ فِيهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْأَوَّلَ حَتَّى أَنْشَأَ الثَّانِيَ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا ، وَفِيهَا صُورَتَانِ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُخْرِجَ بَعْدَ إنْشَائِهَا وَقَبْلَ الْحِنْثِ فِيهَا أَوْ بَعْدَهُ ( فَقَوْلَانِ ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ بِالتَّكْرَارِ وَالِاكْتِفَاءِ بِثُلُثٍ وَاحِدٍ لِجَمِيعِ الْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ ، نَقَلَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ ، وَسَمَاعُ أَبِي زَيْدٍ مُحْتَمَلًا كَوْنُهُ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ ابْنِ كِنَانَةَ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .

{ } وَمَا سَمَّى وَإِنْ مُعَيَّنًا أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ
( وَ ) لَزِمَ النَّاذِرَ ( مَا سَمَّى ) بِشَدِّ الْمِيمِ مِنْ مَالِهِ إذَا كَانَ شَائِعًا كَرُبُعِهِ وَتِسْعَةِ أَعْشَارِهِ بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ الْمُسَمَّى ( مُعَيَّنًا ) بِفَتْحِ الْيَاءِ كَعَبْدِي أَوْ دَارِي سَوَاءٌ أَبْقَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا أَوْ ( أَتَى ) ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ ( عَلَى الْجَمِيعِ ) الْبُنَانِيُّ : الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ فِي كَلَامِهِ مُقَابِلُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ابْنِ غَازِيٍّ ، فَقَوْلُهُ وَمَا سَمَّى يَشْمَلُ ثَلَاثَ صُوَرٍ : الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ ، وَالْعَدَدُ كَمِائَةٍ وَأَلْفٍ ، وَالْمُعَيَّنُ بِالذَّاتِ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ يُمْكِنُ إتْيَانُهُمَا عَلَى الْجَمِيعِ ، فَلِذَا بَالَغَ عَلَيْهِمَا .
وَتَقْرِيرُ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ وَمَا سَمَّى غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنًا لَمْ يَأْتِ عَلَى الْجَمِيعِ ، بَلْ وَإِنْ مُعَيَّنًا أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ .
وَعِبَارَةُ ابْنِ غَازِيٍّ وَجَعَلَ الْمُعَيَّنَ غَايَةً ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إتْيَانُهُ عَلَى الْجَمِيعِ ، فَالْجُزْءُ وَلَوْ كَثُرَ أَحْرَى كَتِسْعَةِ أَعْشَارٍ وَيُتْرَكُ لَهُ فِي هَذَا ، وَفِي قَوْلِهِ قَبْلُ فَالْجَمِيعُ قَدْرُ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ وَمَا يَصْرِفُهُ فِي حَجِّ فَرْضٍ بِلَا سَرَفٍ ، وَكَفَّارَةٍ وَزَكَاةٍ وَنَذْرٍ سَابِقٍ وَمَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ .

وَبَعْثُ فَرَسٍ وَسِلَاحٍ لِمَحَلِّهِ إنْ وَصَلَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِيعَ وَعُوِّضَ كَهَدْيٍ وَلَوْ مَعِيبًا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَهُ فِيهِ إذَا بِيعَ الْإِبْدَالُ بِالْأَفْضَلِ ، وَإِنْ كَانَ كَثَوْبٍ بِيعَ ، وَكُرِهَ بَعْثُهُ وَأُهْدِيَ بِهِ وَهَلْ اُخْتُلِفَ هَلْ يُقَوِّمُهُ أَوْ لَا أَوْ لَا نَدْبًا ، أَوْ التَّقْوِيمُ إذَا كَانَ بِيَمِينٍ ؟ تَأْوِيلَاتٌ ، فَإِنْ عَجَزَ عُوِّضَ الْأَدْنَى ، ثُمَّ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِيهَا إنْ احْتَاجَتْ ، وَإِلَّا تُصُدِّقَ بِهِ ، وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

( وَ ) لَزِمَ ( بَعْثُ فَرَسٍ وَسِلَاحٍ ) نَذَرَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ حَلَفَ بِهِمَا فَحَنِثَ ( لِمَحَلِّهِ ) أَيْ الْجِهَادِ وَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَإِخْرَاجُ قِيمَتِهِ ( إنْ وَصَلَ ) أَيْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ ( وَإِنْ لَمْ يَصِلْ ) أَيْ لَمْ يُمْكِنْ وُصُولُهُ لِعَارِضٍ أَوْ عَدَمِ مُوَصِّلٍ ( بِيعَ وَعُوِّضَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا بِثَمَنِهِ فِي مَحَلِّهِ أَوْ قُرْبِهِ مِنْ نَوْعِهِ مِنْ كُرَاعٍ وَهُوَ الْخَيْلُ أَوْ سِلَاحٍ مِمَّا فِيهِ إنْكَاءٌ لِلْعَدُوِّ فَإِنْ جُعِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَيْسَ بِفَرَسٍ وَآلَةِ حَرْبٍ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ بِيعَ ، وَدُفِعَ ثَمَنُهُ لِمَنْ يَغْزُو بِهِ وَشَبَّهَ فِي الْبَعْثِ إنْ وَصَلَ وَالْبَيْعِ وَالتَّعْوِيضِ إنْ لَمْ يَصِلْ فَقَالَ ( كَهَدْيٍ ) كَقَوْلِهِ هَذِهِ الْبَدَنَةُ هَدْيٌ لِمَكَّةَ فَيَلْزَمُهُ بَعْثُهَا لِمِنًى أَوْ مَكَّةَ إنْ كَانَتْ تَصِلُ وَإِلَّا بِيعَتْ وَأُرْسِلَ ثَمَنُهَا إلَى مِنًى أَوْ مَكَّةَ يُشْتَرَى بِهِ فِيهَا بَدَنَةٌ أَوْ بَدَلُهَا ، وَيُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَيَلْزَمُ بَعْثُ الْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ إنْ كَانَ سَلِيمًا .
بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( مَعِيبًا ) عَيْبًا مَانِعًا مِنْ الْإِجْزَاءِ كَعَلَيَّ هَدْيُ هَذِهِ الْبَدَنَةِ وَهِيَ عَوْرَاءُ أَوْ عَرْجَاءُ أَوْ نَحْوُهُمَا مِمَّا لَا يُهْدَى ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ إنَّمَا تُطْلَبُ فِي الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِيعَ وَعُوِّضَ سَلِيمًا ( عَلَى الْأَصَحِّ ) وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ .
الْحَطّ اُنْظُرْ مَنْ صَحَّحَهُ ، وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُبَاعُ الْمُعَيَّنُ الْمَعِيبُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ سَلِيمٌ ، وَاتَّفَقَا عَلَى لُزُومِ سَلِيمٍ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ كَعَلَيَّ هَدْيٌ أَعْوَرُ ( وَلَهُ ) أَيْ النَّاذِرِ ( فِيهِ ) أَيْ الْهَدْيُ سَلِيمًا أَوْ مَعِيبًا ( إذَا بِيعَ ) لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ ( الْإِبْدَالُ ) بِالنَّوْعِ ( الْأَفْضَلِ ) كَإِبْدَالِ كَبْشٍ بِبَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ بِبَدَنَةٍ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ إبْدَالِ الْمَعِيبِ بِسَلِيمٍ ( وَإِنْ كَانَ ) الْمَنْذُورُ هَدْيُهُ مُعَيَّنًا مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُهْدَى ( كَثَوْبٍ ) وَعَبْدٍ

وَفَرَسٍ وَسِلَاحٍ ( بِيعَ ) وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ هَدْيٌ .
( وَكُرِهَ بَعْثُهُ ) إمَّا لِإِيهَامِ تَغْيِيرِ سُنَّةِ الْهَدْيِ ؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ فِي النَّعَمِ فَبَعْثُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ يُوهِمُ بُطْلَانَ هَذَا الْحَصْرِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ فِي سِلْعَةٍ تُسَاوِي فِي مَوْضِعِهَا أَكْثَرَ مِمَّا تُسَاوِي بِمَكَّةَ ( وَأُهْدِيَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ لِيَشْمَلَ فِعْلَ رَبِّ نَحْوِ الثَّوْبِ وَنَائِبِهِ ، وَيَرْجِعَ لِلصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ أَيْ قَوْلِهِ بِيعَ ، وَقَوْلِهِ وَكُرِهَ بَعْثُهُ أَيْ فَإِنْ بَعَثَهُ بِيعَ وَأُهْدِيَ بِهِ ، هَذَا ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا وَظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ حَجِّهَا وَمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ نُذُورِهَا : جَوَازُ تَقْوِيمِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِخْرَاجِ قِيمَتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُتْبِيَّةِ .
وَإِلَى كَوْنِ مَا فِي حَجِّهَا مَعَ السَّمَاعِ ، وَمَا فِيهَا هُنَا مُتَخَالَفَيْنِ أَوْ مُتَوَافِقَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( وَهَلْ اُخْتُلِفَ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ حُمِلَ مَا فِيهِمَا عَلَى الْخِلَافِ ، وَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ اُخْتُلِفَ ؟ فَقَالَ ( هَلْ يُقَوِّمُهُ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُثَقَّلَةً أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَوِّمَ مَا أُمِرَ بِبَيْعِهِ وَبَعْثِ ثَمَنِهِ لِيُهْدَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَوْضِعٍ وَالْعُتْبِيَّةِ وَيَبْعَثُ قِيمَتَهُ لِيُهْدِيَ بِهَا ( أَوْ لَا ) يُقَوِّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلْزَمَهُ بَيْعُهُ وَبَعْثُ ثَمَنِهِ كَمَا فِيهَا هُنَا ؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ رُجُوعٌ فِي الصَّدَقَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ، وَقَابَلَ قَوْلَهُ اُخْتُلِفَ بِقَوْلِهِ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَا يُحْمَلُ مَا فِيهِمَا عَلَى الْخِلَافِ ، بَلْ بَيْنَهُمَا وِفَاقٌ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إذَا قِيلَ بِالتَّوْفِيقِ فَتَرْكُ التَّقْوِيمِ الْوَاقِعِ فِيهَا هُنَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ يُحْمَلُ ؟ فَقَالَ : عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُقَالَ يُتْرَكُ ( نَدْبًا ) لَا وُجُوبًا فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ الْجَوَازِ ( أَوْ ) يُقَالَ ( التَّقْوِيمُ ) الْمُجَوَّزُ فِي الْعُتْبِيَّةِ (

إنْ كَانَ ) الِالْتِزَامُ ( بِيَمِينٍ ) حَنِثَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قُرْبَةً فَلَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِيثِ { الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ } وَالْمَنْعُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَنْ الْتَزَمَ بِنَذْرٍ فَهُوَ مُتَصَدِّقٌ قَاصِدٌ الْقُرْبَةَ ، فَدَخَلَ فِي الْحَدِيثِ فِيهِ ( تَأْوِيلَاتٌ ) ثَلَاثَةٌ : وَاحِدٌ بِالِاخْتِلَافِ وَاثْنَانِ بِالتَّوْفِيقِ ، وَبِمَا قَرَّرْنَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا ، الْأَوْلَى عَدِيلَةُ هَلْ الثَّانِيَةِ وَأَوَّلًا الثَّانِيَةُ عَدِيلَةُ هَلْ الْأُولَى ، وَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي التَّوْفِيقِ الثَّانِي عَلَى نَسَقِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَقَالَ أَوْ إنْ كَانَ بِغَيْرِ يَمِينٍ ، وَاسْمُ كَانَ عَلَى هَذَا الِالْتِزَامُ لَا التَّقْوِيمُ ، وَكَانَ يَحْذِفُ قَوْلَهُ التَّقْوِيمُ .
وَلَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ لَقَالَ : وَإِنْ كَانَ كَثَوْبٍ بِيعَ وَأُهْدِيَ بِهِ وَكُرِهَ بَعْثُهُ وَفِيهَا مَعَ الْعُتْبِيَّةِ لَهُ تَقْوِيمُهُ عَلَى نَفْسِهِ .
وَهَلْ خِلَافُ أَوَّلًا فَيُبَاعُ نَدْبًا أَوْ عِنْدَ انْتِفَاءِ يَمِينٍ تَأْوِيلَاتٌ أَفَادَهُ عب تَبَعًا لِابْنِ غَازِيٍّ ، وَنَصُّهُ عَقِبَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَلَامٌ مُعَقَّدٌ كَرَّرَ فِيهِ هَلْ مَرَّتَيْنِ قَابَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَوْ الْعَاطِفَةِ ، وَلَا النَّافِيَةِ عَلَى طَرِيقِ التَّلْفِيفِ ، كَأَنَّهُ قَالَ وَهَلْ اخْتَلَفَ أَمْ لَا ؟ فَقِيلَ لَهُ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ ؟ فَقَالَ هَلْ يُقَوِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : إذَا قُلْنَا بِتَرْكِ التَّقْوِيمِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ ؟ فَقَالَ : نَدْبًا ثُمَّ كَمَّلَ التَّأْوِيلَ الثَّالِثَ فَقَالَ : أَوْ التَّقْوِيمُ إنْ كَانَ بِيَمِينٍ .
هَذَا مَا انْقَدَحَ لِي فِي تَمْشِيَتِهِ .
وَلَعَلَّك يَنْقَدِحُ لَك أَعْلَى مِنْهُ عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ أَوْ مُعَادِلَةً لِهَلْ فِيهِ مَا فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ ، إلَّا أَنَّهُ شَائِعٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ ، وَهَذَا الْمُخْتَصَرُ مَشْحُونٌ بِهِ ، وَبَعْدَ فَهْمِك اللَّفْظَ لَا يَخْفَاك تَنْزِيلُ كَلَامِ الشُّيُوخِ عَلَيْهِ .
وَجَعَلَ ابْنُ عَاشِرٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَرْبَعَ تَأْوِيلَاتٍ ، فَحَمْلُ أَوَّلًا الثَّانِيَةِ إشَارَةٌ

إلَى التَّأْوِيلِ بِأَنَّ مَا فِي السَّمَاعِ ، وَالْمَوْضِعِ الْآخَرِ تَفْسِيرٌ قَالَ ، وَلَوْ أَرَادَ الْجَرْيَ عَلَى مُصْطَلَحِهِ لَقَالَ وَفِيهَا أَيْضًا التَّقْوِيمُ وَهَلْ خِلَافُ أَوْ لِجَوَازِهِمَا .
أَوْ نُدِبَ الْبَيْعُ أَوْ التَّقْوِيمُ إنْ كَانَ بِيَمِينٍ .
( فَإِنْ عَجَزَ ) أَيْ لَمْ يَبْلُغْ الثَّمَنَ الْمَبْعُوثَ لِمَحَلِّ الْجِهَادِ وَالْهَدْيُ ثَمَنَ مِثْلِهِ ( عُوِّضَ ) بِضَمٍّ فَكَسْر مُثَقَّلًا الْمَبِيعُ بِ ( الْأَدْنَى ) مِنْهُ كَبَقَرَةٍ بَدَلَ بَدَنَةٍ أَوْ شَاةٍ بَدَلَ أَحَدِهِمَا إنْ أَمْكَنَ ( ثُمَّ ) إنْ عَجَزَ عَنْ الْأَدْنَى دَفَعَ ثَمَنَ آلَةِ الْجِهَادِ لِمَنْ يَغْزُو بِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ ، وَلَا يُشَارِكُ بِهِ فِي جُزْءٍ وَدَفَعَ ثَمَنَ الْهَدْيِ الَّذِي لَا يَصِلُ أَوْ مَا لَا يُهْدَى ( لِخَزَنَةٍ بِ ) فَتْحِ الزَّايِ جَمْعِ خَازِنٍ أَيْ خَادِمٍ وَهُمْ أُمَنَاءُ ( الْكَعْبَةِ ) وَأَصْحَابُ حِلِّهَا وَعَقْدِهَا ، وَيُقَالُ لَهُمْ حَجَبَةٌ وَسَدَنَةٌ وَهُمْ بَنُو شَيْبَةَ ( يُصْرَفُ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ( فِيهَا ) أَيْ مَصَالِحُ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ .
وَلَمَّا اُسْتُشْكِلَتْ الرِّوَايَةُ بِأَنَّ الْكَعْبَةَ قَدْ لَا تَحْتَاجُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنْقَضُ فَتُبْنَى ، وَلَا يَكْسُوهَا إلَّا الْمُلُوكُ وَيَأْتِيهَا مِنْ الطِّيبِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَكَانِسُهَا خُوصٌ ثَمَنُهَا لَا بَالَ لَهُ وَبَعْدَ الْكَنْسِ يَزِيدُ عَلَى مَا كَانَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَأْكُلَهُ الْخَزَنَةُ .
وَلَيْسَ مِنْ قَصْدِ النَّاذِرِ فِي شَيْءٍ أَشَارَ لِجَوَابِهِ بِمَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَسَاقَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ بِقَوْلِهِ ( إنْ احْتَاجَتْ ) الْكَعْبَةُ لِلصَّرْفِ فِي مَصَالِحِهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَحْتَجْ تُصُدِّقَ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَالصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ لِيَشْمَلَ تَصَدُّقَ النَّاذِرِ وَنَائِبِهِ حَيْثُ شَاءَ ( بِهِ ) هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيهَا .
ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ قَصُرَ عَنْ التَّعْوِيضِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَصَدَّقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ ، وَفِيهَا أَيْضًا يَبْعَثُهُ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُنْفَقُ عَلَيْهِمْ ، وَقِيلَ

يَخْتَصُّ أَهْلُ الْحَرَمِ بِالثَّمَنِ .
ا هـ .
وَالثَّالِثُ قَوْلُ أَصْبَغَ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِهِ ابْتِدَاءً ، لَكِنْ خَالَفَهُ بِتَخْصِيصِهِ الصَّدَقَةَ بِسَاكِنِي مَكَّةَ ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتْبَعْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَلَا أَصْبَغَ خِلَافًا لِلْبِسَاطِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ، وَإِنَّمَا تَبِعَ الْقَوْلَ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ بِقَوْلِهِ إنْ احْتَاجَتْ .
( وَأَعْظَمَ ) أَيْ اسْتَعْظَمَ وَمَنَعَ الْإِمَامُ ( مَالِكٌ ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ( أَنْ يُشْرَكَ ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَالرَّاءِ ( مَعَهُمْ ) أَيْ خَزَنَةِ الْكَعْبَةِ ( غَيْرُهُمْ ) فِي خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ خِدْمَةَ الْكَعْبَةِ ( وِلَايَةٌ ) لَهُمْ ( مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ : وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا حَافَظُوا عَلَى حُرْمَتِهِ ، وَلَازَمُوا الْأَدَبَ فِي خِدْمَتِهِ ، وَإِلَّا جُعِلَ عَلَيْهِمْ مَشْرِقٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ أَخْذِهِمْ أُجْرَةً عَلَى فَتْحِ الْبَيْتِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا كَمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ بِالْبَيْتِ مَا شَاءُوا قَالَهُ الْحَطّ .
وَنَسَبَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ التَّشْرِيكَ نَوْعٌ مِنْ الِانْتِزَاعِ الْوَارِدِ فِي خَبَرِ هِيَ لَكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْتَزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ .
وَعَطَفَ عَلَى الْبَدَنَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ

وَالْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَلَوْ لِصَلَاةٍ وَخَرَجَ مَنْ بِهَا وَأَتَى بِعُمْرَةٍ كَمَكَّةَ ، أَوْ الْبَيْتِ ، أَوْ جُزْئِهِ لَا غَيْرُ ، إنْ لَمْ يَنْوِ نُسُكًا مِنْ حَيْثُ نَوَى ، وَإِلَّا حَلَفَ أَوْ مِثْلِهِ إنْ حَنِثَ بِهِ وَتَعَيَّنَ مَحَلٌّ اُعْتِيدَ وَرَكِبَ فِي الْمَنْهَلِ ، وَلِحَاجَةٍ كَطَرِيقٍ قُرْبَى اُعْتِيدَتْ ، وَبَحْرًا اُضْطُرَّ لَهُ ، لَا اُعْتِيدَ عَلَى الْأَرْجَحِ لِتَمَامِ الْإِفَاضَةِ وَسَعْيِهَا .

فَقَالَ ( وَ ) لَزِمَ ( الْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ ) مَنْ حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ أَوْ نَذَرَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بَلْ ( وَلَوْ ) حَلَفَ بِهِ أَوْ نَذَرَهُ ( لِصَلَاةٍ ) فِيهِ فَرْضٌ أَوْ نَفْلٌ .
اللَّخْمِيُّ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ التَّضْعِيفَ الْوَارِدَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ فِي الْفَرْضِ فَقَطْ خَارِجُ الْمَذْهَبِ ، صَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ آخِرَ الشِّفَاءِ ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ لِامْرَأَةٍ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَيَّدَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ بِمَا إذَا لَمْ يَلْحَقْهَا ضَرَرٌ يُظَنُّ بِهِ انْكِشَافُهَا وَلَمْ تُخْشَ الْفِتْنَةُ بِهَا ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهَا الْمَشْيُ بَلْ رُبَّمَا حَرُمَ عَلَيْهَا ، وَارْتَضَاهُ فِي التَّوْضِيحِ ، وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ نَذْرِ الْمَشْيِ .
وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِقَوْلِ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلنُّسُكِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ ، وَيَرْكَبُ إنْ شَاءَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ ، وَبِهِ اعْتَرَضَ الْمَوَّاقُ .
الْمُصَنِّفَ وَشَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ : وَلَوْ ذَكَرَ الْمَشْيَ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ ، فَسَوَّى بَيْنَهَا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ لَكِنْ لَمَّا تَعَقَّبَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ : كَلَامُ الْإِكْمَالِ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ إسْمَاعِيلَ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ .
ا هـ .
تَبِعَ هُنَا مَا لَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
طفى مَا هُنَا هُوَ الصَّوَابُ لِمَا فِي الْإِكْمَالِ ، وَلِنَقْلِ الْآبِي عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ بِأَحَدِهَا مَاشِيًا أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي نَذْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَلِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ قَوْلُ إسْمَاعِيلَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَنَصُّ الْآبِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا لِثَلَاثٍ } .
الْمَازِرِيُّ اخْتَصَّتْ الثَّلَاثَةَ لِفَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا بِأَنَّ مَنْ كَانَ بِغَيْرِهَا وَنَذَرَ الصَّلَاةَ

بِأَحَدِهَا أَتَاهَا ، فَإِنْ قَالَ مَاشِيًا فَقَالَ إسْمَاعِيلُ لَا يَلْزَمُهُ وَيَأْتِي رَاكِبًا فِي الْجَمِيعِ .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْجَمِيعِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ .
ا هـ .
قُلْت تَبَيَّنَ مِمَّا تَقَدَّمَ تَشْهِيرُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرَ بِخِلَافِ .
ا هـ بُنَانِيٌّ ( وَخَرَجَ ) إلَى الْحِلِّ ( مَنْ ) نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ وَهُوَ ( بِهَا ) أَيْ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ خَارِجَهُ ، وَكَذَا مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِلْمَسْجِدِ وَهُوَ دَاخِلُهُ اتِّفَاقًا أَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَالَ كَوْنِهِ خَارِجًا عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ يَكْفِيهِ الْمَشْيُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِلْمَسْجِدِ ، وَعُزِيَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ أَيْضًا ( وَأَتَى بِعُمْرَةٍ ) مِنْ طَرَفِ الْحِلِّ مَاشِيًا ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ حَالَ خُرُوجِهِ .
وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ الْمَشْيِ فَقَالَ ( كَ ) نَاذِرِ الْمَشْيِ ( لِمَكَّةَ أَوْ الْبَيْتِ ) الْحَرَامِ أَيْ الْكَعْبَةِ ( أَوْ جُزْئِهِ ) أَيْ الْبَيْتِ الْمُتَّصِلِ بِهِ كَبَابِهِ وَرُكْنِهِ وَمُلْتَزَمِهِ وَشَاذَرْوَانِهِ وَحِجْرِهِ ( لَا غَيْرُ ) بِالضَّمِّ عِنْدَ حَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ مَعْنَاهُ أَيْ لَا مُلْتَزِمَ الْمَشْيِ لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا لَيْسَ مُتَّصِلًا بِالْبَيْتِ ، سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَزَمْزَمَ وَالْمَقَامِ وَالْمِنْبَرِ وَقُبَّةِ الشَّرَابِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، أَوْ خَارِجًا عَنْ الْحَرَمِ كَعَرَفَةَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ ( إنْ لَمْ يَنْوِ ) الْمُلْتَزِمُ ( نُسُكًا ) بِضَمِّ النُّونِ وَالسِّينِ أَيْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً ، فَإِنْ نَوَاهُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ وَيَمْشِي مِنْ لَزِمَهُ الْمَشْيَ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ ( مِنْ حَيْثُ ) أَيْ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ( نَوَى ) الْمُلْتَزِمُ الْمَشْيَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مَوْضِعَ الْتِزَامِهِ أَوْ غَيْرَهُ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَشْيَ مِنْ مَكَان مُعَيَّنٍ فَيَمْشِي مِنْ حَيْثُ جَرَى

الْعُرْفُ بِالْمَشْيِ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِالْمَشْيِ مِنْ مَحَلٍّ فَيَمْشِي مِنْ حَيْثُ ( حَلَفَ ) أَوْ نَذَرَ وَقِيلَ مِنْ حَيْثُ حَنِثَ ( أَوْ ) مِنْ ( مِثْلِهِ ) أَيْ مَوْضِعِ الْحَلِفِ فِي الْبُعْدِ لَا فِي الصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ ( إنْ حَنِثَ ) الْحَالِفُ ( بِهِ ) أَيْ فِي الْمِثْلِ وَمَفْهُومُ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ مَشَى مِنْ مِثْلِهِ وَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ لَا يُجْزِيهِ ، وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ ، وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا ( وَتَعَيَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا لِابْتِدَاءِ مَشْيِ مُلْتَزِمِ الْمَشْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَفَاعِلُ تَعَيَّنَ ( مَحَلٌّ اُعْتِيدَ ) الْمَشْيُ مِنْهُ لِلْحَالِفِينَ سَوَاءٌ اُعْتِيدَ الْمَشْيُ مِنْهُ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا أَمْ لَا كَانَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ نَوَاحِيهَا .
( وَرَكِبَ ) أَيْ جَاوَزَ رُكُوبَ مُلْتَزِمِ الْمَشْيِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ ( فِي ) حَالِ إقَامَتِهِ فِي ( الْمَنْهَلِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ أَيْ مَكَانُ النُّزُولِ كَانَ بِهِ مَاءٌ أَمْ لَا ( وَ ) رَكِبَ ( لِحَاجَةٍ ) بِغَيْرِ الْمَنْهَلِ قَبْلَ نُزُولِهِ نَسِيَهَا فَعَادَ إلَيْهَا .
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ ( ك ) مَشْيٍ فِي ( طَرِيقٍ قُرْبَى اُعْتِيدَتْ ) لِلْحَالِفِينَ سَوَاءٌ اُعْتِيدَتْ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا أَمْ لَا ، فَإِنْ اُعْتِيدَتْ الْبُعْدَى لِلْحَالِفِينَ وَالْقُرْبَى لِغَيْرِهِمْ تَعَيَّنَتْ الْبُعْدَى وَإِنْ أُعِيدَتَا مَعًا لِلْحَالِفِينَ مَشَى مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ لَمْ تُعْتَدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لَهُمْ تَعَيَّنَتْ الْبُعْدَى .
وَ ) رَكِبَ ( بَحْرًا اُضْطُرَّ لَهُ ) بِأَنْ كَانَ فِي جَزِيرَةٍ فَلَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ إلَّا بِرُكُوبِهِ ( لَا اُعْتِيدَ ) رَكُوبُهُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِلْحَالِفِينَ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَالِفِ رُكُوبُهُ ( عَلَى الْأَرْجَحِ ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْخِلَافِ .
طفى ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ مَنَعَ رُكُوبَ الْبَحْرِ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا اُعْتِيدَ لِلْحَجِّ أَوْ التَّجْرِ أَوْ الْحَلِفِ ، وَإِنَّهُ اخْتَارَ هَذَا مِنْ خِلَافٍ

وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا ، وَيَتَبَيَّنُ لَك ذَلِكَ بِالْوُقُوفِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَجَازَ رُكُوبَ الْبَحْرِ الْمُعْتَادِ لِلْحُجَّاجِ مُطْلَقًا الْحَالِفِينَ وَغَيْرَهُمْ وَأَنَّ أَبَا عِمْرَانِ مَنَعَ رُكُوبَ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا ، وَأَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِكَوْنِهِ مُعْتَادًا لِلْحَالِفِينَ ، فَإِنْ اُعْتِيدَ لِغَيْرِهِمْ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ ، فَعَلَى الْمُصَنِّفِ الدَّرَكُ فِي نِسْبَةِ إطْلَاقِ الْمَنْعِ لِابْنِ يُونُسَ وَتَعْبِيرِهِ عَنْ تَرْجِيحِهِ بِالِاسْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَمْشِي مَنْ لَزِمَهُ الْمَشْيُ ( لِتَمَامِ ) طَوَافِ ( الْإِفَاضَةِ ) إنْ كَانَ سَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ ( وَ ) لِتَمَامِ ( سَعْيِهَا ) أَيْ السَّعْيِ عَقِبَ الْإِفَاضَةِ إنْ لَمْ يَسْعَ عَقِبَ الْقُدُومِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْعُمْرَةِ وَيَفُوتُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ عَقِبَ الْقُدُومِ .

وَرَجَعَ وَأَهْدَى إنْ رَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ ، أَوْ الْمَنَاسِكِ وَالْإِفَاضَةِ نَحْوُ الْمِصْرِيِّ قَابِلًا فَيَمْشِي مَا رَكِبَ فِي مِثْلِ الْمُعَيَّنِ ، وَإِلَّا فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ إنْ ظَنَّ أَوَّلًا الْقُدْرَةَ ، وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورَهُ وَرَكِبَ وَأَهْدَى فَقَطْ كَأَنْ قَلَّ وَلَوْ قَادِرًا كَالْإِفَاضَةِ فَقَطْ ، وَكَعَامٍ عُيِّنَ وَلْيَقْضِهِ ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ وَكَإِفْرِيقِيٍّ وَكَإِنْ فَرَّقَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ ، وَفِي لُزُومِ الْجَمِيعِ بِمَشْيِ عَقَبَةٍ وَرُكُوبِ أُخْرَى تَأْوِيلَانِ ، وَالْهَدْيُ وَاجِبٌ إلَّا فِيمَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ فَنَدْبٌ ، وَلَوْ مَشَى الْجَمِيعَ ، وَلَوْ أَفْسَدَ أَتَمَّهُ وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَإِنْ فَاتَهُ جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ وَرَكِبَ فِي قَضَائِهِ

( وَ ) إذَا لَزِمَ أَحَدًا الْمَشْيُ لِمَكَّةَ بِنَذْرِهِ أَوْ حِنْثِهِ فَرَكِبَ بَعْضَ الطَّرِيقِ ( رَجَعَ ) وُجُوبًا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَدَأَ الرُّكُوبَ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِهِ ( وَأَهْدَى ) وُجُوبًا لِتَفْرِيقِ الْمَشْيِ وَيُؤَخِّرُ هَدْيَهُ لِعَامِ رُجُوعِهِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْجَابِرِ الْمَالِيِّ وَالنُّسُكِيِّ ، فَإِنْ قَدَّمَهُ عَامَ مَشْيِهِ الْأَوَّلِ أَجْزَأَهُ .
وَوُجُوبُ رُجُوعِهِ وَهَدْيِهِ ( إنْ ) كَانَ ( رَكِبَ كَثِيرًا ) فَإِنْ رَكِبَ قَلِيلًا فَيُهْدِي ، وَلَا يَرْجِعُ وَالْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ مُعْتَبَرَةٌ ( بِحَسَبِ ) جَمِيعِ ( الْمَسَافَةِ ) الَّتِي لَزِمَهُ مَشْيُهَا صُعُوبَةً وَسُهُولَةً وَمِسَاحَةً ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَثِيرًا بِحَسَبِ أَكْثَرِ جَمِيعَ الْمَسَافَةِ الَّتِي رَكِبَهَا ، وَاَلَّتِي مَشَاهَا لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ النِّصْفَ يَسِيرٌ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْكَثِيرِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ( أَوْ ) رَكِبَ ( الْمَنَاسِكَ ) وَهِيَ مِنْ مَكَّةَ إلَى رُجُوعِهِ إلَى مِنًى يَوْمَ الْعِيدِ ( وَالْإِفَاضَةَ ) أَيْ الرُّجُوعَ مِنْ مِنًى لِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ لِئَلَّا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ كَالْإِفَاضَةِ فَقَطْ ، فَإِنْ رَكِبَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِي رُكُوبِ الْمَنَاسِكِ لَا فِي رُكُوبِ الْإِفَاضَةِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ بِقَوْلِهِ كَالْإِفَاضَةِ فَقَطْ ، فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ هُنَا .
هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ لَا رُجُوعَ عَلَى مَنْ رَكِبَ الْمَنَاسِكَ وَالْإِفَاضَةَ ؛ لِأَنَّهُ بِوُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ بَرَّ وَإِلَيْهَا كَانَتْ يَمِينُهُ ، اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ .
وَفَاعِلُ رَجَعَ وَأَهْدَى ( نَحْوُ الْمِصْرِيِّ ) مِمَّنْ عَلَى شَهْرٍ مِنْ مَكَّةَ وَأَوْلَى نَحْوُ الْمَدَنِيِّ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْبَعِيدِ جِدًّا فِي قَوْلِهِ وَكَافِرٌ بَقِيَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ بِلَا رُجُوعٍ فَاشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ : الْقَرِيبُ وَالْمُتَوَسِّطُ وَالْبَعِيدُ وَمَنْ

وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ وَالْهَدْيُ يَرْجِعُ وَيُهْدِي زَمَنًا ( قَابِلًا ) سَوَاءٌ كَانَ فِي عَامِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُمْرَةِ وَلِمَنْ قَرُبَ أَوْ فِي عَامٍ آخَرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَعُدَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَابِلُ وَالِيًا لِلزَّمَنِ الَّذِي رَكِبَ فِيهِ أَوْ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ فَوْرًا كَقَضَاءِ الْمُفْسِدِ ( فَيَمْشِي مَا ) أَيْ الْمَكَانَ الَّذِي ( رَكِبَ ) هـ مُلْتَزِمُ الْمَشْيِ إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَيَمْشِي جَمِيعَ الْمَسَافَةِ وَيُحْرِمُ فِي حَالِ رُجُوعِهِ ( فِي مِثْلِ ) النُّسُكِ ( الْمُعَيَّنِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُثَنَّاةِ أَيْ الَّذِي عَيَّنَهُ فِي الْتِزَامِهِ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يَرْجِعُ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ إنْ كَانَ عَيَّنَ حَجًّا اتِّفَاقًا لِنَقْصِ أَرْكَانِهَا عَنْ أَرْكَانِهِ ، وَلَا بِحَجٍّ إنْ كَانَ عَيَّنَ عُمْرَةً عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ حِينَ الْتِزَامِهِ حَجًّا ، وَلَا عُمْرَةً وَصَرَفَهُ فِي أَحَدِهِمَا وَرَكِبَ كَثِيرًا ( فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ ) لِمَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا فِي زَمَانِ رُجُوعِهِ بِأَنْ يُحْرِمَ بِخِلَافِ مَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فِي مَنْعِهِ جَعْلَ الثَّانِي فِي عُمْرَةٍ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَجًّا ، وَقَيَّدَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَعَبْدُ الْحَقِّ الْمَشْهُورَ بِكَوْنِ رُكُوبِهِ فِي الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ الْمَنَاسِكِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ جَعْلُ الثَّانِي فِي حَجٍّ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَيْهَا ، وَتَأَوَّلَهَا غَيْرُهُمَا عَلَى جَوَازِ جَعْلِهِ فِي عُمْرَةٍ وَلَوْ كَانَ رَكِبَ الْمَنَاسِكَ ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
وَذَكَرَ شَرْطَ الرُّجُوعِ فَقَالَ ( إنْ ظَنَّ ) أَوْ عَلِمَ بِالْأَوْلَى مُلْتَزِمُ الْمَشْيِ ( أَوَّلًا ) بِشَدِّ الْوَاوِ وَمُنَوَّنًا أَيْ حِينَ خُرُوجِهِ الْأَوَّلِ ( الْقُدْرَةَ ) عَلَى مَشْيِ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ وَلَوْ فِي عَامَيْنِ فَخَابَ ظَنُّهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ حِينَ خُرُوجِهِ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ مَعَ ظَنِّهَا حِينَ الْتِزَامِهِ بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ الْعَجْزَ أَوْ

شَكَّ لِطُرُوءِ مَرَضٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ خَرَجَ أَوَّلَ عَامٍ ( وَمَشَى مَقْدُورَهُ ) وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ ( وَرَكِبَ ) مَعْجُوزَهُ ( وَأَهْدَى فَقَطْ ) أَيْ بِلَا رُجُوعٍ لِمَشْيِ مَا رَكِبَهُ فِي زَمَنٍ قَابِلٍ ، فَإِنْ كَانَ ظَنَّ الْعَجْزَ حِينَ الْتِزَامِهِ أَوْ نَوَى أَنْ يَمْشِيَ مَا يُطِيقُهُ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلَ مَرَّةٍ يَمْشِي مَقْدُورَهُ وَيَرْكَبُ مَعْجُوزَهُ ، وَلَا رُجُوعَ ، وَلَا هَدْيَ .
وَإِنْ ظَنَّ الْعَجْزَ حِينَ خُرُوجِهِ الثَّانِي عَنْ مَشْيِ مَا رَكِبَهُ فِي خُرُوجِهِ الْأَوَّلِ سَقَطَ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ ، قَالَ فِيهَا لَوْ عَلِمَ أَوَّلَ خُرُوجِهِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ كُلَّ الطَّرِيقِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَوْ رَاكِبًا وَيَمْشِيَ وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ ، ثُمَّ يَرْكَبَ وَيُهْدِيَ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ عَلِمَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَامِ الْمَشْيِ قَعَدَ وَأَهْدَى وَأَجْزَأَهُ الذَّهَابُ الْأَوَّلُ .
وَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إنْ ظَنَّ حِينَ الِالْتِزَامِ عَدَمَ الْقُدْرَةِ فَإِنَّهُ يَمْشِي مَقْدُورَهُ ، وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ ، وَلَا هَدْيَ ، وَإِنْ ظَنَّ حِينَهُ الْقُدْرَةَ فَإِنْ ظَنَّ حِينَ الْخُرُوجِ الْقُدْرَةَ ثُمَّ عَجَزَ رَجَعَ وَأَهْدَى وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورَهُ وَأَهْدَى ، وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ ، وَرُجُوعُهُ فِي الثَّانِيَةِ مَشْرُوطٌ بِظَنِّ الْقُدْرَةِ فِيهَا وَإِلَّا قَعَدَ وَأَهْدَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
وَشَبَّهَ فِي الْهَدْيِ بِلَا رُجُوعٍ فَقَالَ ( كَأَنْ قَلَّ رُكُوبُهُ ) بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَالٌ فِي نَفْسِهِ ، هَذَا ظَاهِرُ ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا فَيُهْدِي ، وَلَا يَرْجِعُ فَهَذَا بَيَانٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ كَثِيرًا بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ إنْ رَكِبَهُ عَاجِزًا عَنْ مَشْيِهِ ، بَلْ ( وَلَوْ ) رَكِبَ الْقَلِيلَ حَالَ كَوْنِهِ ( قَادِرًا ) عَلَى مَشْيِهِ .
وَشَبَّهَ فِي الْإِهْدَاءِ لَكِنْ نَدْبًا بِلَا رُجُوعٍ أَيْضًا فَقَالَ ( كَ ) رُكُوبِ ( الْإِفَاضَةِ ) أَيْ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى لِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَلَيْسَ

الْمُرَادُ رُكُوبَهُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْمَنَاسِكِ مِنْ مَكَّةَ إلَى رُجُوعِهِ إلَى مِنًى ، فَإِنْ رَكِبَ فِيهَا فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ ، وَيُنْدَبُ لَهُ الْهَدْيُ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَدَلَ عَنْ الْعَطْفِ إلَى التَّشْبِيهِ لِيُفِيدَ الرُّجُوعَ فَقَطْ إلَى مَا بَعْدِ الْكَافِ .
وَعَطَفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي الْهَدْيِ فَقَطْ مُشَبِّهًا فِيهِ فَقَطْ أَيْضًا فَقَالَ ( وَكَعَامٍ عُيِّنَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْحَجُّ فِيهِ مَاشِيًا ، وَخَرَجَ فِيهِ وَأَدْرَكَ الْحَجَّ أَوْ فَاتَهُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَرَكِبَ فِيهِ كَثِيرًا أَوْ مَشَى فِيهِ جَمِيعَ الْمَسَافَةِ ، وَفَاتَهُ الْحَجُّ لِعُذْرٍ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِيهِ لِعُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ بِلَا رُجُوعٍ ( وَلْيَقْضِهِ ) أَيْ الْحَجَّ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ لَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ خَرَجَ لَهُ وَلَوْ مَاشِيًا وَفَاتَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَقْضِيهِ وَلَوْ رَاكِبًا ؛ لِأَنَّ الْعَامَ الْمُعَيَّنَ لِلْمَشْيِ فِيهِ قَدْ فَاتَ ، وَمَحَلُّ لُزُومِ الرُّجُوعِ ثَانِيًا إنَّمَا هُوَ لِمَنْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَشْيِ أَمَاكِنِ رُكُوبِهِ فِي الْعَامِ الثَّانِي وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ ، بَلْ يَقْعُدُ وَيُهْدِي قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا لَا رُجُوعَ فِيهِ وَفِيهِ الْهَدْيُ ( أَوْ ) ظَنَّ فِي الْعَامِ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ خَرَجَ ( لَمْ يَقْدِرْ ) عَلَى مَشْيِ مَا رَكِبَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَا يَخْرُجُ وَيُهْدِي فَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ سَابِقًا وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورَهُ إلَخْ ؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ ظَنَّ الْعَجْزَ عِنْدَ الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ فَيَخْرُجُ وَيَمْشِي مَقْدُورَهُ وَيُهْدِي وَمَا هُنَا ظَنَّهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ الثَّانِي فَلَا يَخْرُجُ وَيُهْدِي .
وَذَكَرَ قَسِيمَ نَحْوِ الْمِصْرِيِّ وَهُوَ مَنْ بَعُدَتْ بَلَدُهُ مِنْ مَكَّةَ جِدًّا مُشَبِّهًا لَهُ فِي الْإِهْدَاءِ فَقَطْ فَقَالَ ( وَكَإِفْرِيقِيٍّ ) نِسْبَةً لِإِفْرِيقِيَّةَ بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَشَدِ التَّحْتِيَّةِ وَتَخْفِيفِهَا ، فَإِنْ الْتَزَمَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ وَرَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ بِلَا رُجُوعٍ وَأَوْلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ

مِنْهُ كَفَاسِيٍّ وَسُوسِيٍّ ( وَكَإِنْ فَرَّقَهُ ) أَيْ الْمَشْيَ فِي الزَّمَانِ تَفْرِيقًا غَيْرَ مُعْتَادٍ وَمَشَى جَمِيعَ الْمَسَافَةِ لِعُذْرٍ ، بَلْ ( وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ ) فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَيُهْدِي قَالَ الْحَطّ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِلُزُومِ الْهَدْيِ مَعَ التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ وَكَذَا الْفَرْعُ الَّذِي قَبْلَهُ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ فِيهِ عَلَى لُزُومِ الْهَدْيِ غَيْرَ ابْنِ غَازِيٍّ وَلَمْ يُجِزْ الْبُنَانِيُّ .
قُلْت نَصَّ عَلَى لُزُومِ الْهَدْيِ فِيهِمَا مَعًا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْبَيَانِ ، أَمَّا الْفَرْعُ الْأَوَّلُ فَذَكَرَ فِيهِ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْحَجِّ الْأَوَّلِ ، وَنَصُّهُ وَأَمَّا إنْ كَثُرَ وَلَمْ يَكُنْ جُلَّ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ ثَانِيَةً لِيَمْشِيَ مَا رَكِبَ بِاتِّفَاقٍ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ قَرِيبًا كَالْمَدِينَةِ .
وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ بَعِيدًا كَمِصْرِ ، فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَرْجِعُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُزَيْنٍ لَا يَرْجِعُ .
وَأَمَّا إنْ بَعُدَ مَوْضِعُهُ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَيُجْزِيَهُ الْهَدْيُ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ مِنْ نَحْوِ الْأَنْدَلُسِ أَشَقُّ مِنْ الرُّجُوعِ مِنْ نَحْوِ الْمَدِينَةِ ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الَّذِي رَكِبَ جُلَّ الطَّرِيقِ فَمَا قَرُبَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ ثَانِيَةً رَوَاهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمَبْسُوطَةِ ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ .
وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّانِي فَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَيْضًا وَإِجْزَاءِ التَّفْرِيقِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ الَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ .
وَفِي التَّوْضِيحِ صَوَّبَ ابْنُ رُشْدٍ الْإِجْزَاءَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَهُ قَائِلًا ؛ لِأَنَّ عُرْفَ النَّاسِ فِي السَّيْرِ إلَى مَكَّةَ تَوَالِيهِ وَعَدَمُ تَفْرِيقِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَاقْتَصَرَ هُنَا عَلَى الْإِحْزَاءِ لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ

رَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّ الْإِجْزَاءَ هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا غَيْرَ مُتَتَابِعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَشَارَ لِلتَّفْرِيقِ بِالرُّكُوبِ فَقَالَ ( وَفِي لُزُومِ ) مَشْيِ ( الْجَمِيعِ ) عِنْدَ رُجُوعِهِ لِبُطْلَانِ مَشْيِهِ ( بِمَشْيِ عُقْبَةٌ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ ( وَرُكُوبِ ) عُقْبَةٍ ( أُخْرَى ) لِحُصُولِ الرَّاحَةِ التَّامَّةِ لَهُ بِمُعَادَلَةِ رُكُوبِهِ لِمَشْيِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمْشِ أَصْلًا وَعَدَمُ لُزُومِ مَشْيَ الْجَمِيعِ بَلْ يَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ فَقَطْ ( تَأْوِيلَانِ ) سَبَبُهُمَا قَوْلُهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ ثَانِيَةً وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ .
ا هـ .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ مَا رَكِبَ مُتَنَاصِفًا مِثْلُ أَنْ يَمْشِيَ عُقْبَةً وَيَرْكَبَ أُخْرَى فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهَا .
ا هـ .
فَجَعَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ تَقْيِيدًا لِلْمُدَوَّنَةِ حَمْلًا لِكَلَامِهَا عَلَى مَنْ رَكِبَ دُونَ النِّصْفِ ، وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَوَاضِعَ مَشْيِهِ مِنْ رُكُوبِهِ فَهُمَا تَأْوِيلَانِ كِلَاهُمَا بِالْوِفَاقِ الْأَوَّلِ لِأَبِي الْحَسَنِ ، وَالثَّانِي لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ عَرَفَةَ .
طفى وَالظَّاهِرُ الْخِلَافُ .
( وَالْهَدْيُ ) حَيْثُ قِيلَ بِهِ وَجَبَ مَعَهُ رُجُوعٌ أَمْ لَا ( وَاجِبٌ إلَّا فِيمَنْ شَهِدَ ) أَيْ رَكِبَ ( الْمَنَاسِكَ ) كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ الْإِفَاضَةَ أَوْ هُمَا ( فَنُدِبَ وَلَوْ مَشَى ) فِي رُجُوعِهِ ( الْجَمِيعَ ) مُبَالَغَةً فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ؛ لِأَنَّهُ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِمَشْيٍ غَيْرِ وَاجِبٍ ، وَأَشَارَ بو لَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ مَشَى الطَّرِيقَ كُلَّهُ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ مَشْيَهُ .
ابْنُ بَشِيرٍ تَعَقَّبَهُ الْأَشْيَاخُ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَسْقُطُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْهَدْيِ فِي ذِمَّتِهِ بِمَشْيٍ غَيْرِ وَاجِبٍ وَمَثَّلُوهُ بِمَنْ صَلَّى

صَلَاةً فَسَهَا فِيهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَأَعَادَهَا ثَانِيَةً وَلَمْ يَسْجُدْ فَالسُّجُودُ مُتَقَرِّرٌ فِي ذِمَّتِهِ ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ أَخْطَأَ فِي الْإِعَادَةِ ، وَإِنَّمَا تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ ، فَإِنْ أَعَادَهَا فَقَدْ أَتَى بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَلَمْ تُسْقِطْ إعَادَتُهُ مَا تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ وَفِي الْحَجِّ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْعَوْدَةِ ، فَإِنْ عَادَ وَمَشَى فَقَدْ وَفَّى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَشْيِ فِي عَوْدَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا فَفَارَقَ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ .
الْمَوَّاقُ فَانْظُرْ اقْتِصَارَ خَلِيلٍ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ مَعَ أَنَّ ابْنَ بَشِيرٍ تَرَدَّدَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَرْتَكِنْ فِيهَا .
ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ رَاكِبًا يُهْدِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَمْ يَرَهُ فِي الْهَدْيِ مِثْلَ مَنْ عَجَزَ فِي الطَّرِيقِ .
ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ عَجْزًا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدَةَ فِيهِ أَمْ لَا .
ابْنُ الْقَاسِمِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْعَوْدَةَ فِي الْمَشْيِ إذَا بَلَغَ مَكَّةَ وَطَافَ وَرَأَى أَنَّ مَشْيَهُ قَدْ تَمَّ ، وَأَرْخَصَ لَهُ فِي الرُّكُوبِ إلَى عَرَفَةَ فَلِذَلِكَ عِنْدِي لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْهَدْيَ .
( وَلَوْ أَفْسَدَ ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ مَا أَحْرَمَ بِهِ ابْتِدَاءً مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِوَطْءٍ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا كَوْنَهُ حَاجًّا ( أَتَمَّهُ ) وُجُوبًا فَاسِدًا وَلَوْ رَاكِبًا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ؛ لِأَنَّ إتْمَامَهُ لَيْسَ مِنْ النَّذْرِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِإِتْمَامِ الْحَجِّ الْمُفْسَدِ ( وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ) الشَّرْعِيِّ إنْ كَأَنْ أَحْرَمَ مِنْهُ قَبْلَ الْفَسَادِ ، فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ فِيهِ قَبْلَهُ مَشَى مِنْ مَوْضِعِ إحْرَامِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَشْيٌ فِيمَا قَبْلَهُ إذْ لَمْ يَتَسَلَّطْ الْفَسَادُ إلَّا عَلَى مَا بَعْدَ إحْرَامِهِ وَعَلَيْهِ هَدْيَانِ : هَدْيٌ لِلْفَسَادِ وَهَدْيٌ لِتَفْرِيقِ الْمَشْيِ فِي عَامَيْنِ ؛ لِأَنَّ

مَشْيَهُ فِي الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَسَادِ مُلْغًى ، وَمَشْيَهُ قَبْلَهُ مُعْتَبَرٌ .
( وَإِنْ فَاتَهُ ) أَيْ الْحَجُّ مَنْ لَزِمَهُ الْمَشْيُ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ بِنَذْرٍ مَشْيٍ مُبْهَمٍ أَوْ حِنْثِهِ فِي حَلِفِهِ بِهِ ( جَعَلَهُ ) أَيْ الْمَشْيَ ( فِي عُمْرَةٍ ) أَيْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِهَا وَمَشَى فِيهَا التَّمَامَ سَعْيَهَا لِيَخْلُصَ مِنْ نَذْرِ الْمَشْيِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ وَجَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ فِيهَا ابْتِدَاءً وَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ يَقْضِي الْحَجَّ الَّذِي فَاتَهُ عَلَى حُكْمِ الْفَوَاتِ ( وَرَكِبَ ) أَيْ جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ ( فِي قَضَائِهِ ) فَهَذَا فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا مُبْهَمًا وَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ وَفَاتَهُ كَمَا فِيهَا .
وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ حَجًّا مَاشِيًا وَفَاتَهُ وَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ إذَا قَضَاهُ يَرْكَبُ إلَّا فِي بَقِيَّةِ الْمَنَاسِكِ وَهِيَ مَا زَادَ عَلَى السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَيَمْشِي فِيهَا لِيَخْلُصَ مِنْ نَذْرِ الْمَشْيِ بِذَلِكَ قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا مُبْهَمًا .
وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ نَحْوَ مَا لِعَبْدِ الْحَقِّ قَائِلًا : وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ .
ا هـ عب .
الْبُنَانِيُّ سِيَاقُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ نَذَرَ مَشْيًا مُبْهَمًا وَلَوْ فَاتَهُ حَجُّهُ حَلَّ بِعُمْرَةٍ مَاشِيًا وَكَفَتْ وَحَجَّ قَابِلًا رَاكِبًا ، وَفِي لُزُومِهِ مَشْيُ الْمَنَاسِكِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ سَحْنُونٍ وَمَالِكٍ ، وَلَمْ أَرَ نَصًّا فِي الثَّانِيَةِ وَالظَّاهِرُ لُزُومُ مَشْيِ الْمَنَاسِكِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ .

وَإِنْ حَجَّ نَاوِيًا نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَجْزَأَ عَنْ النَّذْرِ ، وَهَلْ إنْ لَمْ يَنْذُرْ حَجًّا تَأْوِيلَانِ ، وَعَلَى الصَّرُورَةِ جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْفَوْرِ

( وَإِنْ حَجَّ ) مُلْتَزِمُ الْمَشْيِ لِمَكَّةَ مُطْلَقًا وَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ أَوْ مُلْتَزِمُ الْحَجِّ مَاشِيًا وَهُوَ ضَرُورَةٌ فِيهِمَا حَالَ كَوْنِهِ ( نَاوِيًا نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ ) مَعًا حَالَ كَوْنِهِ ( مُفْرِدًا ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ( أَوْ ) حَالَ كَوْنِهِ ( قَارِنًا ) الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ وَنَوَى الْقَارِنُ بِالْحَجِّ الَّذِي فِي ضِمْنِ قِرَانِهِ فَرْضَهُ وَنَذْرَهُ مَعًا أَوْ نَوَى بِهِ فَرْضَهُ فَقَطْ وَبِالْعُمْرَةِ نَذْرَهُ ( أَجْزَأَ عَنْ النَّذْرِ ) فَقَطْ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَرْضِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ .
( وَهَلْ ) مَحَلُّ إجْزَائِهِ عَنْ النَّذْرِ ( إنْ لَمْ يَنْذُرْ حَجًّا ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فِي الْتِزَامِهِ بِأَنْ الْتَزَمَ مَشْيًا مُطْلَقًا وَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ وَهُوَ ضَرُورَةٌ ، فَإِنْ كَانَ الْتَزَمَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ النَّذْرِ أَيْضًا لِلتَّشْرِيكِ أَوْ يُجْزِئُ عَنْ النَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ حَجًّا مَاشِيًا فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) : الْأَوَّلُ لِابْنِ يُونُسَ وَالثَّانِي لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَهُمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ صُورَتَيْ الْقَارِنِ ، وَلَا يَأْتِيَانِ فِي ثَانِيَتِهِمَا إذْ لَا يُمْكِنُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنْ يَقُولَ إذَا عَيَّنَ الْحَجَّ فِي نَذْرِهِ وَجَعَلَ الْعُمْرَةَ فِي الْقِرَانِ لِنَذْرِهِ تُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ وَقَدْ فَرَضَهَا عَبْدُ الْحَقِّ وَالْبَاجِيِّ وَغَيْرُهُمَا فِي الْأُولَى فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ نَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَكِنْ رَأَيْت ابْنَ عَرَفَةَ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَحَكَى التَّأْوِيلَيْنِ عَقِبَهَا وَهُوَ مُشْكِلٌ .
( وَعَلَى ) مُلْتَزِمِ الْمَشْيِ مُبْهَمًا ( الصَّرُورَةِ ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ ( جَعْلُهُ ) أَيْ الْمَشْيِ الَّذِي الْتَزَمَهُ ( فِي عُمْرَةٍ ) يُوَفِّي بِهَا مَا الْتَزَمَهُ ( ثُمَّ يَحُجُّ ) بَعْدَ تَمَامِهَا ( مِنْ مَكَّةَ ) حِجَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا ( عَلَى الْفَوْرِ ) وَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَتْ الْعُمْرَةُ أَوْ بَعْضُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَعْضَ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ ، وَكَذَا عَلَى التَّرَاخِي بِنَاءً عَلَى

أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ أَصَالَةً لَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِغَيْرِهِ ، وَلَوْ أَحْرَمَ حِينَ أَتَى الْمِيقَاتَ لِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ ثُمَّ يُوَفِّي الْتِزَامَهُ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ وَيَمْشِي مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ أَوَّلًا ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَرْضًا ، وَلَا نَذْرًا انْصَرَفَ لِلْفَرْضِ انْتَهَى .
الْبُنَانِيُّ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهَا وَإِنْ جَعَلَ مَشْيَهُ فِي عُمْرَةٍ فَلَهُ إذَا حَلَّ مِنْهَا أَنْ يَحُجَّ الْفَرِيضَةَ مِنْ مَكَّةَ .
ا هـ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّخْيِيرَ .
أَبُو الْحَسَنِ يَقُومُ مِنْهَا أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي إذْ قَوْلُهُ لَهُ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ .
ا هـ طفى ، فَلَا يَلِيقُ بِالْمُصَنِّفِ تَرْكُ النَّصِّ وَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَنْهُ .
ا هـ .
وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى غَيْرِ الصَّرُورَةِ لِقَوْلِهَا بِحَجِّ الْفَرِيضَةِ ، وَلَا فَرِيضَةَ عَلَى غَيْرِ الصَّرُورَةِ .
قَوْلُهُ قَالَ بَعْضٌ أَيْ الْبِسَاطِيُّ ، وَقَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ ، وَلَا أَدْرِي مَا كَلَامُهُمْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ مَا قَالَ اُنْظُرْ طفى .

وَعَجَّلَ الْإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ إنْ قَيَّدَ بِيَوْمٍ كَذَا كَالْعُمْرَةِ مُطْلَقًا ، إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً لَا الْحَجِّ وَالْمَشْيَ فَلِأَشْهُرِهِ إنْ وَصَلَ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَصِلُ عَلَى الْأَظْهَرِ

( وَ ) مَنْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ أَوْ حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ فَإِنْ صَرَّحَ أَوْ نَوَى فَوْرًا أَوْ تَرَاخِيًا عَمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا ( عَجَّلَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ أَنْشَأَ الْمُلْتَزِمُ ( الْإِحْرَامَ ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ( فِي ) قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَ ( أَنَا مُحْرِمٌ ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ ( أَوْ ) فَأَنَا ( أُحْرِمُ ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ ( إنْ قَيَّدَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْمُلْتَزِمُ إحْرَامَهُ ( بِيَوْمِ كَذَا ) كَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ أَوْ مَكَانِ كَذَا كَمِصْرِ وَحَنِثَ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْبِرِّ أَوْ تَرْكِهِ فِي الْحِنْثِ أَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ بَرَكَةِ الْحَاجِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ فِي الْيَوْمِ أَوْ الْمَكَانِ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ حِنْثِهِ أَوْ نَذْرِهِ فِي الْيَوْمِ أَوْ الْمَكَان الَّذِي قَيَّدَ بِهِ ، وَلَا يَحْتَاجُ لِإِنْشَاءِ إحْرَامٍ فِي أَنَا مُحْرِمٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ ، وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فَقَدْ اتَّفَقَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ مُحْرِزٍ وَابْنُ رَاشِدٍ وَغَيْرُهُمْ ، هَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُهُ مِنْ تَعْجِيلِهِ الْإِحْرَامَ فِي وَقْتِ الْتِزَامِهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ وَقَبْلَ الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ ، وَدَلِيلُ الْمُرَادِ كَلَامُ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ .
وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ تَعْجِيلِ الْإِحْرَامِ فَقَالَ ( كَ ) نَاذِرِ الْإِحْرَامِ بِ ( الْعُمْرَةِ ) أَوْ الْحَالِفِ بِهِ وَحَنِثَ حَالَ كَوْنِهِ ( مُطْلِقًا ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ غَيْرَ مُقَيِّدِ الْإِحْرَامِ بِهَا بِزَمَانٍ ، وَلَا مَكَان كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ أَوْ إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ

أَفْعَلْ كَذَا فَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ بِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ بِهَا .
طفى قَوْلُهُ كَالْعُمْرَةِ مُطْلَقًا أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِيَوْمٍ كَذَا مَعَ كَوْنِهَا مُقَيَّدَةً بِالْإِحْرَامِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ كَمَا فَرَضَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، أَمَّا لَوْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْإِحْرَامِ بَلْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ عُمْرَةٌ ، أَوْ قَالَهُ ابْتِدَاءً فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ ، وَكَذَا الْحَجُّ الْمُطْلَقُ أَيْ غَيْرُ الْمُقَيَّدِ بِيَوْمِ كَذَا مَعَ كَوْنِهِ مُقَيَّدًا بِالْإِحْرَامِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجٍّ .
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُقَيَّدِ بِالْإِحْرَامِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ قَالَ عَلَيَّ حَجٌّ فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ وَلَوْ فِي أَشْهُرِهِ ، بَلْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ ، وَكَذَا فَرْضُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُقَيَّدِ بِالْإِحْرَامِ كَالْعُمْرَةِ ، وَكَذَا فِي الْجَوَاهِرِ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرَ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَعَلَى ذَلِكَ يَحُومُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّذْرَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ : مُقَيَّدٌ بِالزَّمَانِ كَيَوْمِ كَذَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَمُقَيَّدٌ بِالْإِحْرَامِ فَقَطْ يَلْزَمُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ فِي الْعُمْرَةِ إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً وَفِي الْحَجِّ لِأَشْهُرِهِ إنْ وَصَلَ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَصِلُ .
وَغَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِحْرَامِ ، وَلَا الزَّمَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ ، بَلْ يُسْتَحَبُّ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَجَدَ صَحَابَةً أَمْ لَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ غَيْرِهَا ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَتَلَقَّهُ بِالْيَمِينِ ، وَشُدَّ عَلَيْهِ يَدَ الضَّنِينِ ، وَغُضَّ الطَّرْفَ عَمَّا فِي كَلَامِ الشُّرُوحِ ، ، وَلَا يَصِحُّ فَتْحُ اللَّامِ مِنْ مُطْلِقًا ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ قُيِّدَتْ بِزَمَنٍ أَمْ لَا ،

وَالتَّشْبِيهُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهَا بِغَيْرِ الْمُقَيَّدَةِ لِدُخُولِ الْمُقَيَّدَةِ فِيمَا قَبْلَهُ .
وَأَيْضًا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً يَجْرِي فِي الْعُمْرَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالزَّمَانِ ، وَمَا قَبْلَ الْكَافِ يَقْتَضِي عَدَمَ جَرَيَانِهِ فِيهَا لِشُمُولِهِ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَتَنَاقَضَانِ ، وَلَا يَصِحُّ الْإِطْلَاقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَ الْكَافِ خَاصًّا بِالْحَجِّ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً إنَّمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْعُمْرَةِ الْمُطْلَقَةِ دُونَ الْمُقَيَّدَةِ وَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ كَسْرُ اللَّامِ .
ا هـ .
بُنَانِيُّ ، فَيَجِبُ تَعْجِيلُ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُطْلَقَةِ ( إنْ لَمْ يَعْدَمْ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالدَّالِ مُلْتَزِمُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُطْلَقَةِ ( صَحَابَةً ) بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ رُفْقَةً يُسَافِرُ مَعَهُمْ ، فَإِنْ عَدِمَ صَحَابَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بِهَا ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِالزَّمَانِ فَيَجِبُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بِهَا وَلَوْ عَدِمَ صُحْبَةً كَالْحَجِّ الْمُقَيَّدِ بِهِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ ضَرَرًا مِنْ الْإِحْرَامِ .
وَعَطَفَ بِلَا عَلَى الْعُمْرَةِ فَقَالَ ( لَا ) مُلْتَزِمُ ( الْحَجِّ ) الْمُطْلَقِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بِهِ قَبْلَهَا ( وَ ) لَا مُلْتَزِمُ ( الْمَشْيِ ) لِمَكَّةَ الْمُطْلِقِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِزَمَنٍ وَعَنْ التَّقْيِيدِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّعْجِيلِ فِي الصُّورَتَيْنِ ( فَ ) يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فِيهِمَا ( لِأَشْهُرِهِ ) أَيْ الْحَجِّ أَيْ عِنْدَ اسْتِهْلَالِهَا ( إنْ وَصَلَ ) أَيْ إنْ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يَصِلُ إلَى مَكَّةَ وَيُدْرِكُ الْحَجَّ فِي عَامِهِ ، لَكِنْ فِي الْتِزَامِ الْحَجِّ يُحْرِمُ بِهِ مِنْ مَكَانِهِ ، وَفِي الْتِزَامِ الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَهُ أَجْزَأَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ لِمَكَّةَ إنْ اسْتَمَرَّ فِي بَلَدِهِ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ الْحَجِّ وَيَفُوتُهُ

الْحَجُّ فِي عَامِهِ ( فَ ) يُحْرِمُ ( مِنْ حَيْثُ ) أَيْ الزَّمَانُ الَّذِي ( يَصِلُ ) فِيهِ لِمَكَّةَ وَيُدْرِكُ الْحَجَّ فِي عَامِهِ ، فَاسْتَعْمَلَ حَيْثُ فِي الزَّمَانِ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ ، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا ظَرْفُ مَكَان دَائِمًا ( عَلَى الْأَظْهَرِ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ .
ابْنُ غَازِيٍّ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِابْنِ رُشْدٍ بَلْ لِابْنِ يُونُسَ ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ قَالَ قَيَّدَ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَلْزَمُهُ إحْرَامُ الْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِهِ بِمَا إذَا أَمْكَنَ وُصُولُهُ إلَى مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعِ الْحَلِفِ إنْ خَرَجَ فِي أَشْهُرِهِ ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَهُ التَّأْخِيرُ لِلْإِحْرَامِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَصِلُ إلَى مَكَّةَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِ الْحَلِفِ فِي أَشْهُرِهِ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مُحْرِمًا قَبْلَ أَشْهُرِهِ أَوْ يَخْرُجُ حَلَالًا ، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَشْهُرُهُ أَحْرَمَ سَوَاءٌ وَصَلَ لِلْمِيقَاتِ أَمْ لَا وَالْأَوَّلُ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ ، وَالثَّانِي مَذْهَبُ الْقَابِسِيِّ .
وَالظَّاهِرُ مَذْهَبُ أَبِي مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ هُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ لَا الْخُرُوجُ إلَيْهِمَا ، فَإِذَا وَجَبَ تَعْجِيلُ الْمَنْذُورِ وَجَبَ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ .
طفى وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ فَمُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فِي أَشْهُرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إذْ قَوْلُهُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْمُقَيَّدِ بِالْإِحْرَامِ وَالزَّمَانِ لَا يَجِبُ تَعْجِيلُهُ مُطْلَقًا ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْمَشْيَ غَيْرَهُ ، وَالْعَجَبُ مِنْ تت كَيْفَ أَقَرَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ لَا يُعَجِّلُ الْإِحْرَامَ ، وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ .
وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ التَّعْجِيلُ فَلِأَشْهُرِهِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ

فِي أَشْهُرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ قَالَ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ التَّرَاخِي .
وَقَالَ فِي الشَّامِلِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْفَوْرُ فِي الْمَشْيِ عَلَى الْمَنْصُوصِ .
ا هـ .
وَحَمَلَ ابْنُ عَاشِرٍ الْمَشْيَ عَلَى مَعْنَى الْخُرُوجِ وَجَعَلَهُ مِنْ تَمَامِ مَا قَبْلَهُ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَأَطْلَقَ فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ وَالْخُرُوجُ بَلْ لَهُ تَأْخِيرُهُمَا إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ بَعِيدٌ .

، وَلَا يَلْزَمُ فِي : مَالِي فِي الْكَعْبَةِ ، أَوْ بَابهَا ، أَوْ كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ

( وَلَا يَلْزَمُ ) الْوَفَاءُ ( فِي ) قَوْلِهِ ( مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا ) إنْ كَانَ أَرَادَ صَرْفَهُ فِي بِنَائِهَا إنْ نَقَضَتْ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا ، فَإِنْ أَرَادَ كِسْوَتَهَا وَطِيبَهَا وَنَحْوَهُمَا لَزِمَهُ ثُلُثُ مَالِهِ لِلْحَجَبَةِ يَصْرِفُونَهُ بِهَا إنْ احْتَاجَتْ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَمِثْلُ الْبَابِ الْحَطِيمُ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْمَقَامِ وَلِابْنِ حَبِيبٍ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إلَى الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحَطْمِهِ الذُّنُوبَ كَحَطْمِ النَّارِ الْحَطَبَ ، وَكَمَا لَا يَلْزَمُهُ نَذْرُ مَا ذَكَرَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَدَلَهُ .
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ .
( أَوْ ) قَالَ إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَ ( كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ ) فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا أَوْ صَدَقَةٌ لِلْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان وَحَنِثَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، فَإِنْ قَيَّدَ بِأَحَدِهِمَا لَزِمَهُ كُلُّ مَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ حَلِفِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الْقِيَاسُ فَإِنْ كَانَ فِي نَذْرٍ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَانٍ ، وَلَا بَلَدٍ لَزِمَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ مَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ نَذْرِهِ وَكُلُّ مَا أُفِيدَهُ مِثْلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ عَيَّنَهُ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ لِمَنْ عَيَّنَهُ لَهُ ، وَسَوَاءٌ قَيَّدَ فِي النَّذْرِ بِمُدَّةٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ لَا وَسَكَتَ عَنْ كُلِّ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ ، فَإِنْ أَطْلَقَ لَزِمَهُ ثُلُثُ مَا عِنْدَهُ كَمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَإِنْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ أَوْ بَلَدٍ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ فِي النَّذْرِ .
وَأَمَّا فِي الْيَمِينِ كَكُلِّ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ وَحَنِثَ لَزِمَهُ ثُلُثُهُ إنْ أَطْلَقَ لِصِدْقِ مَا أَمْلِكُهُ عَلَى مَا مَلَكَهُ حَالَ الْيَمِينِ ، وَإِنْ قَيَّدَ بِوَقْتٍ أَوْ بَلَدٍ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَا يُفِيدُهُ أَوْ يَكْسِبُهُ إلَى مُدَّةٍ مَا أَوْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57