كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ ( وَمَا يَأْتِي بِهِ ) بَعْدَهُ ( فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ يُعِيدُ فِيهِ الْقُنُوتَ ) وَسُجُودَا السَّهْوِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا } .
وَإِتْمَامُ الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَوَّلِهِ .
وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ { صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سَبَقَك } ، فَالْقَضَاءُ فِيهِ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ لِبَقَاءِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ وَأَيْضًا رُوَاةُ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ حَتَّى قَالَ أَبُو دَاوُد إنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ انْفَرَدَ بِهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ( وَلَوْ أَدْرَكَ ) مَعَهُ ( رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ، ثُمَّ قَامَ لِلرَّكْعَتَيْنِ ) الْأَخِيرَتَيْنِ ( قَرَأَ السُّورَةَ فِيهِمَا لِئَلَّا تَخْلُوَ مِنْهَا صَلَاتُهُ ) ؛ وَلِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَقْرَأْهَا فِيهِمَا وَفَاتَهُ فَضْلُهَا فَيَتَدَارَكُهَا فِي الْبَاقِيَتَيْنِ كَسُورَةِ الْجُمُعَةِ الْمَتْرُوكَةِ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَقْرَؤُهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ إذَا كَانَ الْمَأْمُومُونَ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ وَفَارَقَ ذَلِكَ عَدَمُ سُنِّيَّةِ الْجَهْرِ فِيهِمَا بِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِمَا الْإِسْرَارُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ لَا نَقُولُ أَنَّهُ يُسَنُّ تَرْكُهَا بَلْ لَا يُسَنُّ فِعْلُهَا وَبِهِ فَارَقَ نَظِيرَهُ أَيْضًا مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ ، وَهُوَ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِيهَا فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ خَمْسًا وَإِذَا قَامَ لِثَانِيَتِهِ كَبَّرَ خَمْسًا أَيْضًا ، ثُمَّ مَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ كَمَا أَفْهَمَهُ تَعْلِيلُهُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْهِ فَإِنْ قَرَأَهَا فِيهِمَا لِسُرْعَةِ قِرَاءَتِهِ وَبُطْءِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ ، أَوْ لِكَوْنِ الْإِمَامِ قَرَأَهَا فِيهِمَا لَمْ يَقْرَأْهَا فِي الْآخِرَتَيْنِ قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَتَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي أُولَيَيْهِ لَا يَقْرَأْهَا فِي الْبَاقِي ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا فِي ثَانِيَتِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْهَا فِي ثَالِثَتِهِ قَرَأَهَا فِيهَا ، ثُمَّ لَا يَقْرَؤُهَا فِي رَابِعَتِهِ قَالَ وَلَوْ

فَرَّطَ إمَامُهُ فَلَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ ، فَإِنْ قَرَأَهَا هُوَ حَصَلَ لَهُ فَضْلُهَا ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا وَوَدَّ لَوْ كَانَ مُتَمَكِّنًا لَقَرَأَهَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ فَلَهُ ثَوَابُ قِرَاءَتِهَا ( وَالْجَمَاعَةُ فِي الصُّبْحِ ) أَيْ صُبْحِ الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ صُبْحِ غَيْرِهَا ( ثُمَّ الْعِشَاءِ ، ثُمَّ الْعَصْرِ أَفْضَلُ ) رَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ { وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ ، وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا } وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ { مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ } ، لَكِنْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ { مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ ، وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ } وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ خَبَرَ { مَا مِنْ صَلَاةٍ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ وَمَا أَحْسَبُ مَنْ شَهِدَهَا مِنْكُمْ إلَّا مَغْفُورًا لَهُ } وَفِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ خَبَرُ { إنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ } قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذُكِرَ ظَاهِرٌ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا الْعَصْرُ ، وَهُوَ الْحَقُّ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا لِتَأَكُّدِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَسَكَتُوا عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الظُّهْرِ ، وَالْمَغْرِبِ فَيُحْتَمَلُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الظُّهْرِ ؛ لِأَنَّهَا اُخْتُصَّتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِبَدَلٍ ، وَهُوَ الْجُمُعَةُ وَبِالْإِبْرَادِ وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الْمَغْرِبِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُخَفِّفْ فِيهَا بِالْقَصْرِ .

( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْتَفَرُ قَدْرُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ) قَدْ تَقَدَّمَ جَزْمُ الْمُصَنِّفِ بِهِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ ) أَشَارَ إلَيْهِ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّرْطِ السَّادِسِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِزِيَادَةِ جِلْسَةٍ يَسِيرَةٍ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ( قَوْلُهُ : ، فَإِنْ قَامَ عَامِدًا قَبْلَ تَمَامِ الْأُولَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَصِيرِهِ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ فَإِنَّ بِهِ تَبْطُلُ الْقُدْوَةُ .
وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فَإِنَّ التَّقَدُّمَ بِرُكْنٍ تَامٍّ مُبْطِلٌ عِنْدَهُ وَأَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ بِرُكْنٍ تَامٍّ غَيْرُ مُبْطِلٍ عِنْدَهُمْ .
ا هـ .
، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي هَذِهِ قَطَعَ بِمَا فَعَلَهُ الْقُدْوَةَ بِلَا نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ فَفَعَلَ حَرَامَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّقَدُّمُ بِرُكْنٍ ، وَالثَّانِي قَطْعُ الْقُدْوَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ وَفِي تِلْكَ لَمْ يَقْطَعْهَا ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ رُكْنًا يَفْعَلُهُ إمَامُهُ بَعْدَهُ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَقِيمُ عَلَى اخْتِيَارِ الْجُمْهُورِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ مِنْ التَّقَدُّمِ بِرُكْنٍ بَلْ مِنْ صُوَرِ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ عَمْدًا حَالَ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ مُبْطِلٌ قَطْعًا ، وَالتَّقَدُّمُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِأَنْ يَأْتِيَ الْمَأْمُومُ بِفِعْلٍ قَبْلَ إتْيَانِ الْإِمَامِ بِهِ وَهَاهُنَا لَا يَقُومُ الْإِمَامُ قَطْعًا ( قَوْلُهُ : وَإِتْمَامُ الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَوَّلِهِ ) ؛ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا مَعَ الْخَصْمِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ أَتَى بِأُخْرَى وَتَشَهَّدَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ : فَالْقَضَاءُ فِيهِ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ إلَخْ ) فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ ( قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْمَأْمُومُونَ مَحْصُورِينَ ) ، وَكَذَا إنْ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ كَمَا سَيَأْتِي ثَمَّ ( قَوْلُهُ : فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ

الْجَمَاعَةُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا إلَخْ ) يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَفْضُولَةَ إذَا زَادَتْ مَشَقَّتُهَا عَلَى مَشَقَّةِ الْفَاضِلَةِ كَانَ ثَوَابُهَا أَكْثَرَ وَلَيْسَتْ الْمَشَقَّةُ فِي الْعَصْرِ كَالْمَشَقَّةِ فِي الصُّبْحِ ( قَوْلُهُ : وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الظُّهْرِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الْمَغْرِبِ إلَخْ ) الظَّاهِرُ مِنْ احْتِمَالَاتِهِ ثَانِيهَا .

( وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَامَ جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامِهِ ) الرَّاتِبِ قَبْلَهُ ، أَوْ بَعْدَهُ ، أَوْ مَعَهُ خَوْفَ الْفِتْنَةِ ( إلَّا إنْ كَانَ ) الْمَسْجِدُ ( مَطْرُوقًا ) فَلَا تُكْرَهُ إقَامَتُهَا فِيهِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَطْرُوقًا ، وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ ، أَوْ لَهُ رَاتِبٌ وَأَذِنَ فِي إقَامَتِهَا كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ ، أَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ عَنْ الْجَمِيعِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ فَوْتُ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي فَرْعِ السَّاكِنُ بِحَقٍّ مُقَدَّمٌ ( وَإِنْ كَرِهَهُ ) أَيْ الْإِمَامَ ( أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقَوْمِ لِخُلُقٍ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ لِأَمْرٍ ( مَذْمُومٍ شَرْعًا ) كَوَالٍ ظَالِمٍ وَكَمُتَغَلِّبٍ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا ، أَوْ لَا يَحْتَرِزُ مِنْ النَّجَاسَةِ أَوْ يَمْحُو هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ ، أَوْ يَتَعَاطَى مَعِيشَةً مَذْمُومَةً ، أَوْ يُعَاشِرُ الْفَسَقَةَ ، أَوْ نَحْوَهُمْ ( كُرِهَتْ لَهُ الْإِمَامَةُ ) .
وَإِنْ نَصَبَهُ لَهَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ } وَالْأَكْثَرُ فِي حُكْمِ الْكُلِّ ( لَا الِاقْتِدَاءُ ) مِنْهُمْ ( بِهِ ) فَلَا يُكْرَهُ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَمَّا إذَا كَرِهَهُ دُونَ الْأَكْثَرِ ، أَوْ الْأَكْثَرُ لَا لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا فَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْإِمَامَةُ وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَرَاهَةِ الْأَكْثَرِ وَغَيْرِهِمْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ بِصِفَةِ الْكَرَاهَةِ أَمْ لَا فَيُعْتَبَرُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ لِمَعْنًى يُفَسَّقُ بِهِ كَزِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ كُرِهَ لَهُ الْإِمَامَةُ وَكُرِهَ لِغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْأَكْثَرِ

وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَخْشَى مِنْ التَّرْكِ فِتْنَةً ، أَوْ ضَرَرًا فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ اقْتِدَاءُ السَّلَفِ بِالْحَجَّاجِ وَأَمْثَالِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي الْبَابِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ عَلَى قَوْمٍ رَجُلًا يَكْرَهُهُ أَكْثَرُهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ ، وَالتَّتِمَّةِ ( فَإِنْ كَرِهُوا حُضُورَهُ الْمَسْجِدَ ) الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا ، فَإِنْ كَرِهَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ حُضُورَ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ ( لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْحُضُورُ ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ .
( وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُ مَوْقِفَيْ الْإِمَامِ ، وَالْمَأْمُومِ عَلَى الْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَّ النَّاسَ عَلَى دُكَّانٍ فِي الْمَدَائِنِ فَأَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَذَبَهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ بَلَى قَدْ ذَكَرْت حِينَ جَذَبْتنِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقِيسَ بِذَلِكَ عَكْسُهُ ( فَإِنْ احْتَاجَهُ ) أَيْ الِارْتِفَاعَ ( الْإِمَامُ لِتَعْلِيمِ الصَّلَاةِ ) ، أَوْ لِغَيْرِهِ ( أَوْ الْمَأْمُومُ لِتَبْلِيغِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ ) ، أَوْ لِغَيْرِهِ ( اُسْتُحِبَّ ) لِتَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصُودِ .
( وَأَفْضَلُ الصُّفُوفِ ) لِلرِّجَالِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِمْ وَلِلْخَنَاثَى الْخُلَّصِ وَلِلنِّسَاءِ كَذَلِكَ ( أَوَّلُهَا ) ، وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ مِنْبَرٌ ، أَوْ نَحْوُهُ ( ثُمَّ الْأَقْرَبُ ) ، فَالْأَقْرَبُ إلَيْهِ ( وَ ) أَفْضَلُهَا ( لِلنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ ) أَوْ الْخَنَاثَى وَلِلْخَنَاثَى مَعَ الرِّجَالِ ( آخِرُهَا ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ وَأَسْتَرُ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا } وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمِدُوا يَمِينَ الْإِمَامِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ الْبَرَاءِ { كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ ، وَأَنْ يُوَسِّطُوا الْإِمَامَ وَيَكْتَنِفُوهُ مِنْ جَانِبَيْهِ } لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { وَسِّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ } قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَقَدْ يُقَالُ قَضِيَّةُ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا أَنَّ الْوَاقِفَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي بِقُرْبِ الْإِمَامِ يُشَاهِدُ أَفْعَالَهُ وَيَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَيَقْفُو أَثَرَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ حَالًا مِنْ الْوَاقِفِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ بَعِيدًا عَنْهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْتَدِي بِصَوْتِ الْمُبَلِّغِ قَالَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ صَفٌّ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ بِأَرْضِهِ لَكَانَ هُوَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَوَقَفَ صَفٌّ ثَانٍ وَثَالِثٌ وَرَاءَ مَوْقِفِهِ ، لَكِنْ بِأَرْضِ الْمَسْجِدِ كَانَا أَفْضَلَ مِنْهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَوْقِفِ ، وَالْأَحَادِيثُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْغَالِبِ .

( قَوْلُهُ كَرِهْت لَهُ الْإِمَامَةَ ) وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَرِهَهُ كُلُّهُمْ فَإِنَّهَا لِلتَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا وَهُمْ يَكْرَهُونَهُ وَالْإِسْنَوِيُّ ظَنَّ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَنَقَلَهُ فِي الْحَاوِي عَنْ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ لَفْظَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ س قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُ مَوْقِفَيْ الْإِمَامِ إلَخْ ) لَوْ حَضَرَ مَأْمُومٌ فَلَمْ يَجِدْ إلَّا مُرْتَفَعًا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَمْكَنَ وُقُوفُهُمْ عَلَى مُسْتَوٍ ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوفِ أَحَدِهِمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ عَلَى الْعَالِي إذَا أَمْكَنَ ( قَوْلُهُ : وَقِيسَ بِذَلِكَ عَكْسُهُ ) قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ ، وَالْآخَرُ فِي سَطْحِهِ وَأَوْلَى هُنَا بِالْكَرَاهَةِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ ( قَوْلُهُ : وَأَفْضَلُ الصُّفُوفِ أَوَّلُهَا ) لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْتِمَاعُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الثَّانِي أَنَّهُ أَخْشَعُ لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِ عَنْ إمَامِهِ وَجِهَةُ الْيَمِينِ أَفْضَلُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ { أَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَى الْإِمَامِ أَوَّلًا ، ثُمَّ عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ ، ثُمَّ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ }

( كِتَابُ ) كَيْفِيَّةِ ( صَلَاةِ الْمُسَافِرِ ) شُرِعَتْ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ تَعَبِ السَّفَرِ ، وَهِيَ نَوْعَانِ الْقَصْرُ ، وَالْجَمْعُ وَذَكَرَ فِيهِ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ لِلْمُقِيمِ وَأَهَمُّهَا الْقَصْرُ وَلِهَذَا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِهِ فَقَالَ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمُسَافِرِ ( الْقَصْرُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ ) طَاعَةً كَانَ كَسَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَيْرَهَا وَلَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ وَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ } الْآيَةَ قَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ قُلْت لِعُمَرَ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ خِفْتُمْ ، وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ { صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَالْإِتْمَامُ جَائِزٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّه قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ وَأَفْطَرْتَ وَصُمْتُ قَالَ أَحْسَنْت يَا عَائِشَةُ } .
وَأَمَّا خَبَرُ { فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ } أَيْ فِي السَّفَرِ فَمَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ( لَا ) بِالسَّفَرِ ( الْقَصِيرِ ) ، أَوْ الْمَشْكُوكِ فِي طُولِهِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ ( وَلَوْ فِي الْخَوْفِ ) لِمَا سَيَأْتِي فِي بَيَانِ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْقَصْرِ فِي الْخَوْفِ بَيْنَ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا وَلَا فِي جَوَازِهِ إلَى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْخَوْفِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ { فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً } فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُصَلِّي فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِأُخْرَى وَمَحَلُّ الْقَصْرِ ( إذَا كَانَ ) السَّفَرُ ( إلَى مَقْصِدٍ مَعْلُومٍ ) فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ ،

وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا وَلَا لِرَاكِبِ التَّعَاسِيفِ .
وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَلَا يَسْلُكُ طَرِيقًا سَوَاءٌ أَطَالَ سَفَرُهُمَا أَمْ لَا ، وَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ الْهَائِمَ عَاصٍ ، أَيْ : لِأَنَّ إتْعَابَ النَّفْسِ بِالسَّفَرِ بِلَا غَرَضٍ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي وَمِثْلُهُ رَاكِبُ التَّعَاسِيفِ بَلْ أَوْلَى وَيَحْصُلُ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ مِنْ بَلَدٍ لَهُ سُورٌ ( بِمُفَارَقَةِ سُورِ الْبَلَدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ ) ، وَإِنْ تَعَدَّدَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ دُونَ السُّورِ الْجَامِعِ لِبِلَادٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَمِنْ بَلَدٍ لَهُ بَعْضُ سُورٍ ، وَهُوَ صَوْبُ سَفَرِهِ بِمُفَارَقَتِهِ ( وَلَوْ لَاصَقَهُ ) مِنْ خَارِجِهِ ( بُنْيَانٌ ) أَيْ عُمْرَانٌ ( أَوْ مَقَابِرُ ، أَوْ احْتَوَى عَلَى خَرَابٍ وَمَزَارِعَ ) فَتَكْفِي مُفَارَقَةُ مَا ذُكِرَ وَلَا تُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ هَذِهِ الْأُمُورِ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ خَارِجَهُ كَالْأَوَّلَيْنِ لَا يُعَدُّ مِنْ الْبَلَدِ بِخِلَافِ مَا كَانَ دَاخِلَهُ كَالْأَخِيرَيْنِ .
وَإِطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ فِي الصَّوْمِ اشْتِرَاطَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ حَيْثُ قَالَا وَإِذَا نَوَى لَيْلًا ثُمَّ سَافَرَ فَلَهُ الْفِطْرُ إنْ فَارَقَ الْعُمْرَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَا سُورَ لَهَا لِيُوَافِقَ مَا هُنَا وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ لَمْ يَأْتِ لِلْعِبَادَةِ بِبَدَلٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَكَالسُّورِ فِيمَا ذُكِرَ الْخَنْدَقُ قَالَهُ الْجِيلِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَلْ لِلسُّورِ ، الْمُنْهَدِمِ حُكْمُ الْعَامِرِ فِيهِ نَظَرٌ قُلْت الْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ حُكْمَهُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ ( وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ فِي صَوْبِ سَفَرِهِ سُورٌ ) بِأَنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَا سُورَ لَهُ ، أَوْ لَهُ بَعْضُ سُورٍ وَلَمْ يَكُنْ صَوْبَ سَفَرِهِ ( اُشْتُرِطَ مُفَارَقَةُ الْعُمْرَانِ ) ، وَإِنْ تَخَلَّلَهُ خَرَابٌ ، أَوْ نَهْرٌ ، أَوْ مَيْدَانٌ لِيُفَارِقَ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ ( لَا )

مُفَارَقَةُ ( خَرَابٍ انْدَرَسَ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ ) ، أَوْ بَقِيَتْ بَقَايَا حِيطَانِهِ قَائِمَةً وَاِتَّخَذُوهُ مَزَارِعَ أَوْ هَجَرُوهُ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ إقَامَةٍ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَفِي الْأَصْلِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ ، وَعَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُوَيْنِيِّ اشْتِرَاطُ مُفَارَقَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الْبَلَدِ ، وَهُوَ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَالْأَوَّلُ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلنَّصِّ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصَّحِيحُ الْأَقْرَبُ إلَى النُّصُوصِ الِاشْتِرَاطُ ( وَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْمَزَارِعِ ، وَالْبَسَاتِينِ الْمُحَوَّطَةِ ) وَغَيْرِ الْمُحَوَّطَةِ الْمَفْهُومَةِ بِالْأَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا لَا تُتَّخَذُ لِلْإِقَامَةِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ ، وَالْمَزَارِعِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْبَلَدِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَوَّطَةً ( وَلَوْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْبَلَدِ وَفِيهَا دُورٌ يَسْكُنُهَا مُلَّاكُهَا ) وَلَوْ ( أَحْيَانًا ) أَيْ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ ( اُشْتُرِطَ ) مُجَاوَزَتُهَا هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ .
وَأَطْلَقَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَوَّلَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْعَلُهَا مِنْ الْبَلَدِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى ( وَالْقَرْيَةُ ) فِيمَا ذُكِرَ ( كَالْبَلَدِ ، وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَّصِلَتَانِ ) فِيهِ ( كَالْقَرْيَةِ ، وَإِنْ انْفَصَلَتَا وَلَوْ يَسِيرًا فَبِمُجَاوَزَةِ قَرْيَتِهِ ) فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ الْأُخْرَى ( وَإِنْ جَمَعَ السُّورُ بَلَدَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ فَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( حُكْمُهُ ) فَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ السُّورِ كَمَا فُهِمَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ سُورِ الْبَلَدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ كَمَا مَرَّتْ

الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، وَالْقَرْيَتَانِ فِي ذَلِكَ كَالْبَلَدَيْنِ ( وَمَنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ فَبِأَنْ يُفَارِقَ بُقْعَةَ رَحْلِهِ ) الَّتِي هُوَ فِيهَا وَتُنْسَبُ إلَيْهِ ( ، أَوْ ) فِي ( رَبْوَةٍ ، أَوْ وَهْدَةٍ ، أَوْ وَادٍ ) وَسَافَرَ عَرْضَهُ ( فَبِأَنْ يَهْبِطَ ) مِنْ الرَّبْوَةِ ( أَوْ يَصْعَدَ ) مِنْ الْوَهْدَةِ ( أَوْ يُفَارِقَ عَرْضَ الْوَادِي إنْ اعْتَدَلَتْ ) أَيْ الثَّلَاثَةُ ، فَإِنْ أَفْرَطَتْ سِعَتُهَا فَبِأَنْ يُفَارِقَ مِنْهَا مَا يُعَدُّ مِنْ مَنْزِلِهِ ، أَوْ مِنْ حِلَّةٍ هُوَ مِنْهَا كَمَا لَوْ سَافَرَ فِي طُولِ الْوَادِي وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ عَرْضِهِ مُفَارَقَةُ عَرْضِهِ فِيمَا إذَا اعْتَدَلَ إذَا كَانَتْ الْبُيُوتُ فِي جَمِيعِ عَرْضِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي بَعْضِهِ فَبِأَنْ يُفَارِقَهَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَصْحَابِنَا ( وَ ) مَنْ كَانَ فِي خِيَامِ حَيٍّ فَبِأَنْ ( يُفَارِقَ خِيَامَ الْحَيِّ وَمَرَافِقَهُمْ ) الشَّامِلَةَ لِقَوْلِهِ ( وَمَعَاطِنَ إبِلِهِمْ ) وَلِمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ ، وَالنَّادِي وَنَحْوِهَا كَالْمَاءِ ، وَالْمُحْتَطَبِ إلَّا أَنْ يَتَّسِعَا بِحَيْثُ لَا يَخْتَصَّانِ بِالنَّازِلِينَ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ فَتُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهَا ( وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْخِيَامُ ) فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ ذَلِكَ ( إنْ اتَّحَدَتْ الْمَحَلَّةُ ) ، وَهِيَ مَنْزِلُ الْقَوْمِ وَعَبَّرَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِالْحِلَّةِ بِتَرْكِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ ، وَهِيَ بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ إذْ مَعْنَاهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ وَاتِّحَادُهَا ( بِاتِّحَادِ النَّادِي ) الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِلسَّمَرِ ( وَاسْتِعَارَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ) ، وَالْحِلَّتَانِ كَالْقَرْيَتَيْنِ وَيُعْتَبَرُ فِي سَفَرِ الْبَحْرِ الْمُتَّصِلِ سَاحِلُهُ بِالْبَلَدِ جَرْيُ السَّفِينَةِ ، أَوْ الزَّوْرَقِ إلَيْهَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ، لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا صَارَ خَارِجَ الْبَلَدِ تُرُخِّصَ ، وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ مُلْصَقًا بِالسُّورِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ آخِرَ عُمْرَانِ مَا

لَا سُورَ لَهُ كَالسُّورِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ سَيْرُ الْبَحْرِ يُخَالِفُ سَيْرَ الْبَرِّ أَوْ يُمْنَعُ أَنَّ آخِرَ الْعُمْرَانِ كَالسُّورِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْبَغَوِيّ عَلَى مَا لَا سُورَ لَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَتْ قَرْيَةٌ لَا سُورَ لَهَا بِأُخْرَى كَذَلِكَ كَانَتَا كَقَرْيَةٍ بِخِلَافِ اتِّصَالِ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ بِأُخْرَى وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ السَّفَرِ لِتَعْلِيقِ الْقَصْرِ فِي الْآيَةِ بِالضَّرْبِ وَيُخَالِفُ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ كَالْقِنْيَةِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ كَذَا فَرَّقَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي نِيَّةِ الْإِقَامَةِ الْمُكْثُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي ، فَالْمَسْأَلَتَانِ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ مُسْتَوِيَتَانِ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَكْفِي فَلَا حَاجَةَ لِفَارِقٍ ( فَرْعٌ ) لَوْ ( فَارَقَ الْبُنْيَانَ ) ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي شُرِطَ مُفَارَقَتُهُ لَهَا ( ثُمَّ رَجَعَ ) إلَيْهَا ( مِنْ قَرِيبٍ ) أَيْ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( لِحَاجَةٍ ) كَتَطَهُّرٍ ( أَوْ نَوَاهُ ) أَيْ الرُّجُوعَ لَهَا ، وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ وَلَوْ بِمَكَانٍ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ ( فَإِنْ كَانَتْ وَطَنَهُ صَارَ مُقِيمًا ) بِابْتِدَاءِ رُجُوعِهِ ، أَوْ بِنِيَّتِهِ فَلَا يَتَرَخَّصُ فِي إقَامَتِهِ وَلَا رُجُوعِهِ إلَى أَنْ يُفَارِقَ وَطَنَهُ تَغْلِيبًا لِلْوَطَنِ وَحَكَى فِيهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَصِلَهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَلَيْسَ شَاذًّا بَلْ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ صَرِيحًا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ ، وَالْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ طَرِيقَةُ الْقَفَّالِ وَأَتْبَاعِهِ ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدِ ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ لَيْسَ شَاذًّا بَلْ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ ، وَالْأَوَّلُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَرَاوِزَةِ كَالْإِمَامِ

وَالْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ ( تَرَخَّصَ وَإِنْ دَخَلَهَا وَلَوْ كَانَ قَدْ أَقَامَ بِهَا ) لِانْتِفَاءِ الْوَطَنِ فَكَانَتْ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ أَمَّا إذَا رَجَعَ ، أَوْ نَوَى الرُّجُوعَ مِنْ بَعِيدٍ لِحَاجَةٍ فَيَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَفَرُهُ .

( كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ ) .
( قَوْلُهُ وَلَهُ الْقَصْرُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ إلَخْ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَنَا حَالَةٌ يَجِبُ فِيهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ وَصُورَتُهُ إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ مَثَلًا إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ لِيَجْمَعَهَا مَعَهَا وَقَصَدَ أَيْضًا قَصْرَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ بِهَا إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ مِقْدَارٌ يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يُوقِعُ فِيهِ الظُّهْرَ ، وَالْعَصْرَ مَقْصُورَتَيْنِ فَإِذَا انْتَهَى إلَى هَذَا الْمِقْدَارِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَصْرُ الظُّهْرِ بِلَا شَكٍّ إذْ لَوْ أَتَمَّهَا لَأَخْرَجَ الْعَصْرَ عَنْ وَقْتِهَا مَعَ إمْكَانِ فِعْلِهَا فِيهِ وَإِذَا قَصَرَ الظُّهْرَ وَأَرَادَ إتْمَامَ الْعَصْرِ ، فَالْمُتَّجَهُ مَنْعُهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إخْرَاجِ بَعْضِهَا ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ ، وَالْمَسْأَلَةُ لَمْ أَرَهَا مَسْطُورَةً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي نَظِيرٍ لَهَا مَا يُقَوِّي ذَلِكَ ، وَيَأْتِي مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْعِشَاءِ أَيْضًا إذَا أَخَّرَ الْمَغْرِبَ لِيَجْمَعَهَا مَعَهَا وَلَوْ أَرْهَقَهُ حَدَثٌ وَعَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ أَتَمَّ أَحْدَثَ ، وَإِنْ قَصَرَ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ ، فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ الْقَصْرِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : كَسَفَرِ تِجَارَةٍ ) مِثَالٌ لِغَيْرِ الطَّاعَةِ وَقَوْلُهُ وَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ مِثَالٌ لِلْمَكْرُوهِ ( قَوْلُهُ : قَوْله تَعَالَى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ } الْآيَةَ ) ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْجُنَاحِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَزِيمَةِ ، وَالْقَصْرُ يُنْبِئُ عَنْ تَمَامٍ سَابِقٍ قَوْلُهُ : لَا مَا كَانَ خَارِجَهُ كَالْأَوَّلَيْنِ إلَخْ ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ سَكَنَ فُلَانٌ خَارِجَ الْبَلَدِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لَا يَجُوزُ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ السُّورِ ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلزَّكَاةِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَلْ لِلسُّورِ الْمُتَهَدِّمِ إلَخْ ) قَالَ فِي غُنْيَتِهِ قُوَّةُ كَلَامِهِمْ تُفْهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ سُورٌ عَامِرٌ أَمَّا

الْمُتَهَدِّمُ كَسُورِ حَلَبَ فَكَالْعَدَمِ ( قَوْلُهُ : قُلْت الْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ حُكْمَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ قَرِيبًا إلَخْ ) جَزَمَ الدَّمِيرِيِّ بِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ وَلَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ سُورَانِ اُعْتُبِرَ مُجَاوَزَتُهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَقَدْ يُدَّعَى دُخُولُ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْجِيلِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَنْدَقٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهِ قَالَ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِبَابِ الْبَلَدِ قَنْطَرَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهَا ا هـ .
وَعِبَارَةُ الْجِيلِيِّ ، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ مُسَوَّرًا بِسُورٍ ، أَوْ خَنْدَقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الدَّرْبِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ سُورَانِ ، أَوْ خَنْدَقَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهِمَا ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ أُنْشِئَتْ إلَى جَانِبِ جَبَلٍ لِيَكُونَ كَالسُّورِ لَهَا اُشْتُرِطَ فِي حَقِّ مَنْ يُسَافِرُ إلَى جِهَتِهِ أَنْ يَقْطَعَهُ إذَا كَانَ ارْتِفَاعُهُ مُقْتَصِدًا كَمَا قَالُوا فِي النَّازِلِ فِي وَهْدَةٍ إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَصْعَدَ عِنْدَ الِاعْتِدَالِ وَلَا نَقْلَ عِنْدِي ( قَوْلُهُ : أَوْ بَقِيَتْ بَقَايَا حِيطَانِهِ قَائِمَةً إلَخْ ) يَصِحُّ إدْخَالُ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ فِي قَوْلِهِ انْدَرَسَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَلَوْ سَوَّرُوا عَلَى الْعَامِرِ سُورًا وَعَلَى الْخَرَابِ سُورًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ السُّورَيْنِ ( قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَصْحَابِنَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : جَرْيُ السَّفِينَةِ أَوْ الزَّوْرَقِ إلَيْهَا ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ السَّفِينَةُ كَبِيرَةً لَا تَتَّصِلُ بِالسَّاحِلِ وَيَنْقُلُ الْمَتَاعَ إلَيْهَا بِالزَّوْرَقِ قَصَرَ فِي الزَّوْرَقِ ( قَوْلُهُ : فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ سَيْرُ الْبَحْرِ يُخَالِفُ سَيْرَ الْبَرِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا

فَعَلَى هَذَا لَوْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ لَهَا سُورٌ وَأَرَادَ السَّفَرَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَتَرَخَّصْ بِمُفَارَقَةِ السُّورِ بَلْ حَتَّى تَسِيرَ السَّفِينَةُ وَمِثْلُ السُّورِ فِيمَا لَا سُورَ لَهَا مَا قَامَ مَقَامَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ ذَلِكَ وَجَرْيِ السَّفِينَةِ ، أَوْ الزَّوْرَقِ وَلَا يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا وَهَذَا مَعْنَى أَنَّ سَيْرَ الْبَحْرِ يُخَالِفُ الْبَرَّ ( قَوْلُهُ أَوْ يُمْنَعُ أَنَّ آخِرَ الْعُمْرَانِ كَالسُّورِ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ السُّورَ أَنَّ الْبَلَدَ لَوْ كَانَ لَهَا سُورٌ وَرَاءَهٌ بَحْرٌ يُسَافِرُ فِيهِ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ قَبْلَ النُّزُولِ فِي الْبَحْرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سُورٌ فَلَا يَتَرَخَّصُ إلَّا إذَا نَزَلَ فِي الْبَحْرِ وَصَارَ فِي الْمَرْكَبِ مَثَلًا ( قَوْلُهُ فَلَا يَتَرَخَّصُ فِي إقَامَتِهِ وَلَا رُجُوعِهِ إلَخْ ) أَمَّا إذَا نَوَى الرُّجُوعَ لِحَاجَةٍ وَهُوَ سَائِرٌ لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ فَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ النِّيَّةِ .

( فَصْلٌ ) فِيمَا يَنْتَهِي بِهِ سَفَرُ الْمُسَافِرِ وَيَنْقَطِعُ بِهِ تَرَخُّصُهُ ( يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ ) وَفِي نُسْخَةٍ بِمُجَاوَزَةِ مَبْدَإِ سَفَرِهِ أَخْذًا بِمَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَّا بِدُخُولِهِ الْعُمْرَانَ كَمَا لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِخُرُوجِهِ مِنْهُ ، وَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِتَحْقِيقِ السَّفَرِ وَتَحَقُّقُهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَالسَّفَرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَانْقَطَعَ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ ( مِنْ وَطَنِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَارًّا ) بِهِ ( فِي سَفَرِهِ ) كَأَنْ خَرَجَ مِنْهُ ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ بَعِيدٍ قَاصِدًا الْمُرُورَ بِهِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةٍ ( لَا بَلَدَ مَقْصِدِهِ وَلَا بَلَدَ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ ) وَعَشِيرَةٌ ( لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهَا ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِمَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِذَلِكَ ( وَيَنْتَهِي ) سَفَرُهُ أَيْضًا ( بِإِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ) بِلَيَالِيِهَا ( صِحَاحٍ ) أَيْ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ ، وَالْخُرُوجِ ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ الْحَطَّ وَفِي الثَّانِي التَّرْحَالَ .
وَهُمَا مِنْ أَشْغَالِ السَّفَرِ ( أَوْ نِيَّتِهَا ) أَيْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ مُطْلَقًا ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ مِنْ مُسْتَقِلٍّ مَاكِثٍ فَيَنْتَهِي سَفَرُهُ بِهَا إنْ كَانَ بِمَحَلِّ الْإِقَامَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى إقَامَةَ مَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ ، وَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَأَصْلُ ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا } وَكَانَ يُحَرِّمُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَمُسَاكَنَةَ الْكُفَّارِ ، فَالتَّرْخِيصُ فِي الثَّلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ وَمَنَعَ عُمَرُ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْإِقَامَةَ فِي الْحِجَازِ ، ثُمَّ أَذِنَ لِلتَّاجِرِ مِنْهُمْ أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ

صَحِيحٍ وَفِي مَعْنَى الثَّلَاثَةِ مَا فَوْقَهَا وَدُونَ الْأَرْبَعَةِ ، وَأُلْحِقَ بِإِقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ نِيَّةُ إقَامَتِهَا أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ ، وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا يُؤَثِّرُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْقَصْرِ السَّفَرُ .
وَهُوَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً ، وَكَذَا لَوْ نَوَاهَا غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَالْعَبْدِ وَلَوْ مَاكِثًا كَمَا سَيَأْتِي ( أَوْ ) بِالْإِقَامَةِ ( لِمَا ) أَيْ لِأَمْرٍ ( لَا يَتَنَجَّزُ ) وَفِي نُسْخَةٍ يُنَجَّزُ ( دُونَهَا ) أَيْ دُونَ الْأَرْبَعَةِ فَيَنْتَهِي سَفَرُهُ بِهَا إنْ كَانَ بِمَحَلِّ الْإِقَامَةِ مِثْلُ مَا مَرَّ ( وَإِنْ كَانَ ) النَّاوِي ، أَوْ الْمُقِيمُ ( مَاكِثًا فِي مَفَازَةٍ ) لَا تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ ( أَوْ مُحَارِبًا ) ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَضْطَرُّ لِلِارْتِحَالِ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مِنْ قَوْلِهِ { خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَرَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَأَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا فَلَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعْنَا فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا بِهَا عَشْرًا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ ، وَالْخُرُوجِ إلَى مِنًى ، ثُمَّ بَاتَ بِمِنًى ، ثُمَّ سَارَ إلَى عَرَفَاتٍ وَرَجَعَ فَبَاتَ بِمُزْدَلِفَةَ ، ثُمَّ سَارَ إلَى مِنًى فَقَضَى نُسُكَهُ ، ثُمَّ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا يَقْصُرُ ، ثُمَّ نَفَرَ مِنْهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي ثَالِثِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ وَطَافَ فِي لَيْلَتِهِ لِلْوَدَاعِ ، ثُمَّ رَحَلَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمْ يُقِمْ أَرْبَعًا فِي مَكَان وَاحِدٍ } ( فَلَوْ نَوَى الْعَبْدُ ، وَالزَّوْجَةُ ، وَالْجُنْدِيُّ الْمُثْبَتُ ) فِي الدِّيوَانِ ( لَا غَيْرُهُ ) مِنْ الْمُتَطَوِّعَةِ ( الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَنْوِ ) هَا ( الْمُطَاعُ ) وَهُوَ السَّيِّدُ ، وَالزَّوْجُ ، وَالْأَمِيرُ ( فَلَهُمْ الْقَصْرُ ) لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِمْ فَنِيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ وَقَوْلُهُ مُثْبَتٌ لَا غَيْرُهُ زَادَهُ دَفْعًا لِاسْتِشْكَالِ حُكْمِهِ الْمَذْكُورِ هُنَا

بِحُكْمِهِ الْمَذْكُورِ فِيمَا يَأْتِي وَفَارَقَ الْمُثْبَتُ غَيْرَهُ بِأَنَّهُ تَحْتَ قَهْرِ الْأَمِيرِ كَالزَّوْجَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ( وَإِنْ كَانَ ) الْمُسَافِرُ بِمَوْضِعٍ ( يَتَوَقَّعُ الْخُرُوجَ ) مِنْهُ ( يَوْمًا فَيَوْمًا ) إنْ حَصَلَتْ حَاجَتُهُ ( أَوْ حَبَسَهُ الرِّيحُ فِي الْبَحْرِ ) فِي مَوْضِعٍ ( قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا ) غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ ، وَالْخُرُوجِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَقَامَهَا بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ لَهُ شَوَاهِدَ تَجْبُرُهُ قَالَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ وَرُوِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ إلَّا تِسْعَةَ عَشَرَ .
فَالْبُخَارِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ ، وَالسُّبْكِيُّ ، وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مَا عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ بِأَنَّ رَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ يَوْمَيْ الدُّخُولِ ، وَالْخُرُوجِ وَرَاوِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ لَمْ يَعُدَّهُمَا وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا فَقَطْ وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَضَعِيفَةٌ ، وَرِوَايَةُ عِشْرِينَ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَشَاذَّةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ آنِفًا ، وَهَذَا الْجَمْعُ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ يَقْصُرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ ، وَالْخُرُوجِ ، وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ رَاوِيَ عِشْرِينَ عَدَّ الْيَوْمَيْنِ وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَمْ يَعُدَّهُمَا وَرَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ وَيُجَابُ عَنْ تَقْدِيمِهِمْ رِوَايَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَلَى رِوَايَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ بِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ مِنْ الشَّوَاهِدِ الْجَابِرَةِ وَغَيْرِهَا .
( وَإِنْ كَانَ ) الْمُتَوَقِّعُ ، أَوْ مَنْ حَبَسَهُ الرِّيحُ فِي الْبَحْرِ (

غَيْرَ مُحَارِبٍ ) كَالْمُتَفَقِّهِ ، وَالتَّاجِرِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ كَالْمُحَارِبِ وَلَا يُؤَثِّرُ الْفَرْقُ ؛ لِأَنَّ لِلْحَرْبِ أَثَرًا فِي تَغْيِيرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الْحَرْبَ لَيْسَتْ هِيَ الْمُرَخِّصَةَ وَإِنَّمَا الْمُرَخِّصُ السَّفَرُ وَكِلَاهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ ( وَمَتَى فَارَقَ مَكَانَهُ ، ثُمَّ رَدَّتْهُ الرِّيحُ ) إلَيْهِ فَأَقَامَ فِيهِ ( اسْتَأْنَفَ الْمُدَّةَ ) ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ فِيهِ إقَامَةٌ جَدِيدَةٌ فَلَا تُضَمُّ إلَى الْأُولَى بَلْ تُعْتَبَرُ مُدَّتُهَا وَحْدَهَا ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ فِيهِ لَوْ خَرَجُوا وَأَقَامُوا بِمَكَانٍ يَنْتَظِرُونَ رُفْقَتَهُمْ ، فَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ إنْ أَتَوْا سَافَرُوا أَجْمَعِينَ وَإِلَّا رَجَعُوا لَمْ يَقْصُرُوا لِعَدَمِ جَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ ، وَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا سَافَرُوا قَصَرُوا لِجَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَا رَجَّحُوهُ مِنْ أَنَّ الْقَصْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يُحْتَمَلُ اطِّرَادُهُ فِي بَاقِي الرُّخَصِ كَالْجَمْعِ ، وَالْفِطْرِ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ الْوَجِيزِ بِالتَّرَخُّصِ وَيُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهُ بِالْقَصْرِ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا مَنَعُوهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ قَدْ وَرَدَ ، فَالْمَنْعُ فِيمَا لَمْ يَرِدْ بِالْكُلِّيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَهَذَا أَقْوَى .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ فِيهَا نَقْلًا وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مَا حَاصِلُهُ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ قَالَ : فَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ سَائِرُ الرُّخَصِ ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَتَوَجُّهُ الْقِبْلَةِ فِي النَّافِلَةِ لِمَا عُرِفَ فِي بَابَيْهِمَا .

( قَوْلُهُ : يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ ؛ لِأَنَّ مَبْدَأَ سَفَرِهِ يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ فِي الِابْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ سَفَرِهِ فَهُوَ بِبُلُوغِهِ فِي الرُّجُوعِ مُسَافِرٌ لَا مُقِيمٌ ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا لَهُ سُورٌ خَارِجَ السُّورِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَلَا يَكْفِي الِانْتِهَاءُ بِبُلُوغِهِ بَلْ بِبُلُوغِ نَفْسِ السُّورِ بِأَنْ لَا يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ ، فَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يُقَالَ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِمُجَاوَزَتِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ وَهِيَ مُجَاوَزَةُ الْمَبْدَإِ الَّذِي حَقَّقْنَاهُ آنِفًا بِأَنْ بَلَغَ نَفْسَ السُّورِ قِسْ عَلَيْهِ مَا لَا سُورَ لَهَا وَمَا قُلْته ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا بَسَطْت فِيهِ الْقَوْلَ ؛ لِأَنَّهُ خَفِيٌّ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ صَحِيحَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي شَرَطْنَا مُفَارَقَتَهُ فِي إنْشَاءِ السَّفَرِ ا هـ .
وَاَلَّذِي شَرَطْنَا مُفَارَقَتَهُ هُوَ السُّورُ أَوْ الْعُمْرَانُ ، وَلَيْسَ هُوَ مَبْدَأُ سَفَرِهِ وَإِنَّمَا مَبْدَؤُهُ وَرَاءَهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْفُونِيِّ وَهِيَ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ صَحِيحَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً ، وَقَدْ صَيَّرْت النُّسْخَةَ : يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِمُجَاوَزَتِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ .
فَلْيَصِرْ التَّمَتُّعُ هَكَذَا ( قَوْلُهُ : أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ ) بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ قَوْلُهُ ، وَالْجُنْدِيُّ الْمُثْبَتُ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ الْجَيْشُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ السُّبْكِيُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ أَنَّ الْجُنْدِيَّ إنْ تَبِعَ الْأَمِيرَ فِي سَفَرٍ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ كَالْقِتَالِ ، فَكَالْعَبْدِ ، وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَقِلٌّ وَرَفِيقُ طَرِيقٍ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُمَا قَصَرَ الْجُنْدِيُّ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي وَقَوْلُهُمَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَنْوِ الْأَمِيرُ أَنَّ الْأَقْوَى لَهُ الْقَصْرُ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَهَا بِمَكَّةَ إلَخْ ) قَالَ

ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَنْ أَقَامَ ذَلِكَ قَصَرَ وَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ أَتَمَّ ( قَوْلُهُ ، وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا مَا جَمَعَ بِهِ الْإِمَامُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْمُرَجَّحِ عِنْدَنَا وَهُوَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَإِنَّمَا يَنْحَلُّ إلَى اخْتِيَارِ سَبْعَةَ عَشَرَ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشْرَةَ فَضَعِيفَةٌ ) قَالَ شَيْخُنَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ رِوَايَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ بِأَنَّ الرَّاوِيَ نَقَلَ بَعْضَ الْمُدَّةِ الَّتِي تَرَخَّصَ فِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةً وَذِكْرُ الْبَعْضِ لَا يُنَافِي أَكْثَرَ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ إلَّا تِلْكَ الْمُدَّةَ وَغَيْرُهُ حَفِظَ الزَّائِدَ ( قَوْلُهُ يُحْتَمَلُ طَرْدُهُ فِي بَاقِي الرُّخَصِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا أَقْوَى ) مَا ذَكَرَ أَنَّهُ أَقْوَى مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ ، وَالْقِيَاسِ أَمَّا الْمَنْقُولُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ قَدِمَ مِصْرًا وَهُوَ مُسَافِرٌ مُفْطِرٌ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ مِنْ الْفِطْرِ بِهِ مَا لَمْ يَجْمَعْ مُقَامَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ قُبَيْلَ بَابِ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ : فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا قَدْ جَمَعَ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَمِثْلُ الْمُقِيمِ ، وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَلَا حَرَجَ بِالتَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ .
ا هـ .
وَجَعَلَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ قَاعِدَةً عَامَّةً فَقَالَ كُلُّ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَصَرَّحَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ إلَّا مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ فَجَعَلَ الْقَصْرَ ، وَالتَّرَخُّصَ مُتَلَازِمَيْنِ فَقَالَ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِي الصَّلَاةِ ، وَالْفِطْرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إلَى آخِرِهِ فَاسْتَفَدْنَا مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَرَخَّصَ قَصَرَ ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ قَصَرَ تَرَخَّصَ وَصَرَّحَ فِي التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ إذَا سَافَرَ بِالزَّوْجَةِ بِقُرْعَةٍ وَأَقَامَ بِبَلَدٍ لِتَوَقُّعِ حَاجَتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يَقْضِ

لِلْبَاقِيَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ التَّرَخُّصِ وَنَقَلَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْمُقِيمَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَيُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لَوْ دَخَلَ الْمُسَافِرُ بَلَدًا وَهُوَ عَلَى عَزْمِ الظَّعْنِ ، أَوْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى حَرْبٍ وَجَاوَزَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ إنْ قُلْنَا لَهُ الْقَصْرُ فَلَهُ تَرْكُهَا وَإِلَّا فَلَا وَحَكَى مِنْ كَلَامِ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ مَا يُؤَيِّدُهُ ، ثُمَّ قَالَ : فَالصَّوَابُ إلَخْ وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَإِنَّ الَّذِي يَتَّضِحُ بِطَرِيقِ قِيَاسِ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ ، وَالْفِطْرُ وَسَائِرُ الرُّخَصِ كَتَرْكِ الْجُمُعَةِ .

( فَصْلٌ السَّفَرُ الطَّوِيلُ ) بِالْأَمْيَالِ ( ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَمِثْلُهُ إنَّمَا يُفْعَلُ .
عَنْ تَوْقِيفٍ ( غَيْرَ الْإِيَابِ ) فَلَوْ قَصَدَ مَكَانًا عَلَى مَرْحَلَةٍ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِيهِ فَلَا قَصْرَ لَهُ ذَهَابًا وَلَا إيَابًا وَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةُ مَرْحَلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ أَنَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَى عَرَفَةَ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ إلَى عُسْفَانَ وَإِلَى جُدَّةَ وَإِلَى الطَّائِفِ فَقَدَّرَهُ بِالذَّهَابِ وَحْدَهُ ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى سَفَرًا طَوِيلًا ، وَالْغَالِبُ فِي الرُّخَصِ الِاتِّبَاعُ ( تَحْدِيدًا ) لَا تَقْرِيبًا لِثُبُوتِ التَّقْدِيرِ بِالْأَمْيَالِ عَنْ الصَّحَابَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْرَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُحْتَاطُ فِيهِ بِتَحْقِيقِ تَقْدِيرِ الْمَسَافَةِ ( وَلَوْ ظَنًّا ) بِخِلَافِ تَقْدِيرَيْ الْقُلَّتَيْنِ وَمَسَافَةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ ظَنًّا مِنْ زِيَادَتِهِ .
وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ ، وَإِنْ شَكَّ فِيهِ اجْتَهَدَ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ تَصْحِيحِ النَّوَوِيِّ لَهُ فِي مَوَاضِعَ بَعْدَ أَنْ صَوَّبَ الْأَوَّلَ ، وَهَاشِمِيَّةً نِسْبَةٌ إلَى بَنِي هَاشِمٍ لِتَقْدِيرِهِمْ لَهَا وَقْتَ خِلَافَتِهِمْ بَعْدَ تَقْدِيرِ بَنِي أُمَيَّةَ لَهَا لَا إلَى هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هُوَ الشَّائِعُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَصَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَعَلَى أَنَّهَا أَرْبَعُونَ وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْجَمِيعَ وَبِالثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ ، وَبِالثَّالِثِ الْأَمْيَالَ الْأُمَوِيَّةَ ( وَهُوَ ) أَيْ

السَّفَرُ الطَّوِيلُ بِالْفَرَاسِخِ ( سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ ، وَهِيَ سَيْرُ يَوْمَيْنِ ) ، أَوْ لَيْلَتَيْنِ ، أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ( مُعْتَدِلَيْنِ ) مَعَ الْمُعْتَادِ مِنْ النُّزُولِ ، وَالِاسْتِرَاحَةِ ، وَالْأَكْلِ ، وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا .
وَذَلِكَ مَرْحَلَتَانِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ فَعُلِمَ أَنَّ الْبَرِيدَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ ، وَأَنَّ الْفَرْسَخَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ ( وَالْمِيلُ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ ، وَالْخُطْوَةُ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ ) فَهُوَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ وَبِالذِّرَاعِ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ ، وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَاتٍ ، وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ ، وَالشُّعَيْرَةُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ فَمَسَافَةُ الْقَصْرِ بِالْأَقْدَامِ خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ وَسِتَّةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا ، وَبِالْأَذْرُعِ مِائَتَا أَلْفٍ وَثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ أَلْفًا ، وَبِالْأَصَابِعِ سِتَّةُ آلَافِ أَلْفٍ وَتِسْعُمِائَةِ أَلْفٍ وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ، وَبِالشُّعَيْرَاتِ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ أَلْفًا ، وَبِالشَّعَرَاتِ مِائَتَا أَلْفِ أَلْفٍ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانُمِائَةِ أَلْفٍ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا ( وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْصُرَ لِدُونِ الثَّلَاثِ ) مِنْ الْأَيَّامِ ، فَالْإِتْمَامُ فِيهِ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الرَّضَاعِ إنَّهُ يَكْرَهُ الْقَصْرَ ، وَنَقَلَهُ فِي النِّكَاحِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ أَمَّا إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَالْقَصْرُ أَفْضَلُ كَمَا سَيَأْتِي ( وَيُعْتَبَرُ الْبَحْرُ ) فِي الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ ( بِالْبَرِّ ) فَيَقْصُرُ فِيهِ ( وَإِنْ قَطَعَهُ فِي سَاعَةٍ ) لِشِدَّةِ جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ كَمَا يَقْصُرُ لَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي الْبَرِّ فِي نِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا بِالسَّعْيِ ( وَإِنْ شَكَّ فِيهِ ) أَيْ فِي

طُولِ سَفَرِهِ ( اجْتَهَدَ ) ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ حُمِلَ إطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ عَدَمَ الْقَصْرِ .

( فَصْلٌ ) السَّفَرُ الطَّوِيلُ إلَخْ ( قَوْلُهُ : وَمِثْلُهُ إنَّمَا يُفْعَلُ عَنْ تَوْقِيفٍ ) ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ( قَوْلُهُ كَمَا وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ ) اعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ لَيْسَ بِغَلَطٍ بَلْ غَلِطَ مُغَلِّطُهُ ، وَأَخْطَأَ مُخَطِّئُهُ فَالرَّافِعِيُّ أَخَذَهُ مِنْ الْبَحْرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَعَقَدَ بِيَدِهِ قَدْرَهَا وَلَمْ يُدْرِكْ خِلَافَهُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَوَلَدُهُ الْحَسَنُ ، وَالْأَمْيَالُ كَانَتْ قَبْلَ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا الْبُرُدُ ( قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ فِي النِّكَاحِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ) أَرَادَ : مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً غَيْرَ شَدِيدَةٍ ، وَهُوَ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى ( قَوْلُهُ : وَإِنْ شَكَّ فِيهِ اجْتَهَدَ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَلَك أَوَّلًا أَنْ تَسْأَلَ عَنْ صُورَةِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ رَبْطِ قَصْدِهِ بِمَعْلُومِ الْمَسَافَةِ ، وَالْجَوَابُ تَصَوُّرُهُ بِمَا لَوْ سَافَرَ وَقَطَعَ أَكْثَرَ الْمَسَافَةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمَسَافَةَ الَّتِي قَطَعَهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ بِالِاجْتِهَادِ فِي الِانْتِهَاءِ ؛ لِأَنَّ اعْتِمَادَهُ هُنَا عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ مِنْ الْمَسَافَةِ فَيَجُوزُ كَمَا يَجْتَهِدُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ بِالْأَوْرَادِ إذَا عَلِمْت هَذَا فَيَجِبُ حَمْلُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا سَافَرَ وَشَكَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْصِدُهُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَمْ لَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ ابْتِدَاءً أَمَّا لَوْ سَافَرَ وَقَطَعَ أَكْثَرَ الْمَسَافَةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَطَعَهَا فَهُنَا يَجْتَهِدُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَلَا تَعَارُضَ وَلَا اخْتِلَافَ فَظَهَرَ بِذَلِكَ ضَعْفُ حَمْلِ النَّوَوِيِّ النَّصَّ عَلَى الْمُتَحَيِّرِ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( سَلَكَ ) فِي سَفَرِهِ ( أَبْعَدَ الطَّرِيقَيْنِ ) لِمَقْصِدِهِ ( لِيُبِيحَ لَهُ ) سُلُوكُهُ ( الْقَصْرَ فَقَطْ ) بَلْ أَوْ لِغَيْرِ غَرَضٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ( لَمْ يَقْصُرْ ) كَمَا لَوْ سَلَكَ الْأَقْرَبَ الَّذِي هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَطَوَّلَهُ بِالذَّهَابِ يَمِينًا وَشِمَالًا ( وَيَقْصُرُ إنْ كَانَ لَهُ ) فِي سُلُوكِهِ ( غَرَضٌ ) آخَرُ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ إبَاحَتِهِ لِقَصْرٍ كَأَمْنٍ وَسُهُولَةٍ وَزِيَارَةٍ وَعِبَادَةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْغَرَضُ ( تَنَزُّهًا ) بِخِلَافِ سَفَرِهِ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْقَصْدَ فِي هَذَا غَيْرُ جَازِمٍ بِمَقْصِدٍ مَعْلُومٍ ؛ لِأَنَّ الْقَاصِدَ فِيهِ كَالْهَائِمِ بِخِلَافِهِ فِي التَّنَزُّهِ ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ التَّنَزُّهَ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ بَلْ الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَلَكِنَّهُ سَلَكَ أَبْعَدَ الطَّرِيقَيْنِ لِلتَّنَزُّهِ فِيهِ بِخِلَافِهِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فِيمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْحَامِلَ عَلَيْهِ كَانَ كَالتَّنَزُّهِ هُنَا ، أَوْ كَانَ التَّنَزُّهُ هُوَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ كَانَ كَمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فِي تِلْكَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لِيُبِيحَ لَهُ الْقَصْرَ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ سُلُوكُهُ الْأَقْرَبَ لَا يُبِيحُ لَهُ الْقَصْرَ فَلَوْ كَانَ يُبِيحُهُ لَهُ أَيْضًا فَسَلَكَ الْأَطْوَلَ وَلَوْ لِغَرَضِ الْقَصْرِ قَصَرَ فِي جَمِيعِهِ ، وَعَبَّرَ بِالْقَصْرِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ تَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِالتَّرَخُّصِ أَعَمَّ وَوَقَعَ لَهُ نَظِيرُهُ أَيْضًا فِيمَا يَأْتِي ( فَرْعٌ ) لَوْ ( نَوَى ) فِي سَفَرِهِ ( ذُو السَّفَرِ الطَّوِيلِ الرُّجُوعَ وَذُو السَّفَرِ الْقَصِيرِ الزِّيَادَةَ فِي .
الْمَسَافَةِ ) بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ ( لَيْسَ لَهُمَا التَّرَخُّصُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ حَيْثُ نَوَيَا ) أَيْ مِنْ مَكَانِ نِيَّتِهِمَا ( إلَى مَقْصِدِهِمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَيُفَارِقَا مَكَانَهُمَا ) لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِمَا بِالنِّيَّةِ وَيَصِيرَا

بِالْمُفَارَقَةِ مُسَافِرَيْنِ سَفَرًا جَدِيدًا فَلَا يَتَرَخَّصُ الْأَوَّلُ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ كَمَا جَزَمُوا بِهِ ، لَكِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ يَقْصُرُ ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْقُولِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِاشْتِرَاطِ الْمُفَارَقَةِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصُورَةُ الْأُولَى أَنْ يَنْوِيَ الرُّجُوعَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ، أَمَّا لَهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ تَقَدَّمَ ، وَكَنِيَّةِ الرُّجُوعِ فِي ذَلِكَ التَّرَدُّدُ فِيهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ ( وَلَوْ نَوَى ) قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى سَفَرٍ طَوِيلٍ ( إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي كُلٍّ مَرْحَلَةٍ لَمْ يَقْصُرْ ) لِانْقِطَاعِ كُلِّ سَفْرَةٍ عَنْ الْأُخْرَى .
( قَوْلُهُ : سَلَكَ أَبْعَدَ الطَّرِيقَيْنِ لِيُبِيحَ لَهُ الْقَصْرَ فَقَطْ لَمْ يَقْصُرْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ سَلَكَ غَلَطًا لَا عَنْ قَصْدٍ ، أَوْ جَهْلٍ الْأَقْرَبُ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقْصُرُ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْقَاصِدَ فِيهِ كَالْهَائِمِ ) إذْ الْهَائِمُ لَا يَقْصُرُ ، وَإِنْ بَلَغَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ الْحَامِلُ ) أَيْ مُجَرَّدُ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ ( حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَامِلُ ) أَيْ مُجَرَّدُ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ .

( فَصْلٌ : وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَقْصِدَهُ كَمُسَافِرٍ لِغَرَضٍ ) مِنْ طَلَبِ غَرِيمٍ ، أَوْ آبِقٍ ، أَوْ نَحْوِهِ ( إنْ وَجَدَهُ رَجَعَ لَمْ يَقْصُرْ ، وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ ) كَمَا فِي الْهَائِمِ إذْ شَرْطُ الْقَصْرِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى قَطْعِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( وَيَقْصُرُ بِشَرْطِهِ ) أَيْ الْقَصْرِ أَيْ مَسَافَتِهِ ( إنْ ابْتَدَأَ الرُّجُوعَ ) سَوَاءٌ أَوَجَدَ غَرَضَهُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ مَقْصِدًا مَعْلُومًا ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ تَرَخَّصَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ مُطْلَقًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِي مَرْحَلَتَيْنِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ ( فَلَوْ نَوَى ) الْمُسَافِرُ ( الْمَسَافَةَ ) أَيْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ ( وَفَارَقَ الْبَلَدَ ، ثُمَّ عَرَضَتْ هَذِهِ النِّيَّةُ ) أَيْ نِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَرَضَهُ رَجَعَ ( أَوْ نِيَّةُ أَنْ يُقِيمَ ) فِي طَرِيقِهِ وَلَوْ ( بِبَلَدٍ قَرِيبٍ ) مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ تَرَخَّصَ مَا لَمْ يَجِدْهُ ) أَيْ غَرَضَهُ فِي الْأُولَى ( أَوْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ ) فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ قَدْ انْعَقَدَ فَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا غَيَّرَ النِّيَّةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَرَضَ ذَلِكَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبَلَدِ .
لَا يُقَالُ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ مِنْ مَنْعِ التَّرَخُّصِ فِيمَا لَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مَعْصِيَةٍ مَنْعُهُ فِيمَا لَوْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : نَقْلُهُ إلَى مَعْصِيَةٍ مُنَافٍ لِلتَّرَخُّصِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ( وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْعَبْدُ ، وَالْجُنْدِيُّ ، وَالزَّوْجَةُ ، وَالْأَسِيرُ مَقْصِدَ الْمُطَاعِ ) فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ( وَ ) مَقْصِدَ ( الْكُفَّارِ ) فِي الْأَخِيرَةِ ( لَمْ يَقْصُرُوا ) لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِمْ بِطُولِ السَّفَرِ ( فَإِنْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ قَصَرَ ) مِنْهُمْ ( جُنْدِيٌّ تَجُوزُ لَهُ الْمُفَارَقَةُ ) لِمُطَاعِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ قَهْرِهِ

بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ فَنِيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ وَزَادَ هُنَا لِدَفْعِ الْإِشْكَالِ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ تَجُوزُ لَهُ الْمُفَارَقَةُ كَمَا زَادَ لِدَفْعِهِ ثَمَّ قَوْلَهُ الْمُثْبَتُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ ( فَإِنْ سَارُوا مَعَهُمْ يَوْمَيْنِ قَصَرُوا ) ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ الْمَتْبُوعُونَ لِتَبَيُّنِ طُولِ سَفَرِهِمْ .
وَذِكْرُ الْقَصْرِ لِغَيْرِ الْأَسِيرِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ طَالِبَ الْغَرِيمِ ، أَوْ نَحْوِهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ لَا يَقْصُرُ ، وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ هُنَا مَعْلُومَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْمَتْبُوعُ يَعْلَمُهَا بِخِلَافِهَا ثَمَّ .
أَمَّا إذَا عَرَفُوا الْمَقْصِدَ وَكَانَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ فَلَهُمْ الْقَصْرُ ( وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ أَنَّ سَفَرَهُ طَوِيلٌ وَنَوَى الْهَرَبَ إنْ وَجَدَ فُرْصَةً ) ، وَهِيَ بِضَمِّ الْفَاءِ النُّهْزَةُ بِضَمِّ النُّونِ يُقَالُ انْتَهَزَ فُلَانٌ الْفُرْصَةَ أَيْ اغْتَنَمَهَا وَفَازَ بِهَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ( لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ ) أَمَّا بَعْدَهُمَا فَيَقْصُرُ وَلَا أَثَرَ لِلنِّيَّةِ لِقَطْعِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الزَّوْجَةِ ، وَالْعَبْدِ إذَا عَلِمَا أَنَّ السَّفَرَ طَوِيلٌ وَنَوَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا مَتَى تَخَلَّصَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِفِرَاقٍ رَجَعَتْ ، وَالْعَبْدُ أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ رَجَعَ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي ، لَكِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْقَبْلِيَّةِ بَلْ قَالَ لَا يَتَرَخَّصَانِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ التَّقْيِيدَ بِهَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَأُلْحِقَ بِالزَّوْجَةِ ، وَالْعَبْدِ الْجُنْدِيُّ ، وَبِالْفِرَاقِ النُّشُوزُ ، وَبِالْعِتْقِ الْإِبَاقُ بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَهُ الْإِبَاقُ أَبَقَ .

( قَوْلُهُ : وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ مُطْلَقًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا إلَخْ ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ فَنِيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ ) قَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ وَمِثْلُهُمْ الْجَيْشُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ قَهْرِ الْأَمِيرِ كَالْآحَادِ لِعِظَمِ الْفَسَادِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ .
ا هـ .
ذَكَرَهُ ابْنُ النَّقِيبِ ( قَوْلُهُ : وَزَادَ هُنَا لِدَفْعِ الْإِشْكَالِ إلَخْ ) لَا تَنَاقُضَ فَإِنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْجَيْشُ تَحْتَ أَمْرِ الْأَمِيرِ وَطَاعَتِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْجَيْشَ إذَا بَعَثَهُ الْإِمَامُ وَأَمَّرَ عَلَيْهِ أَمِيرًا وَجَبَتْ طَاعَتُهُ شَرْعًا كَمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ طَاعَةُ سَيِّدِهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُنْدِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَأْجَرًا وَلَا مُؤَمَّرًا عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَأْجَرًا فَلَهُ حُكْمُ الْعَبْدِ وَلَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُهُ عَلَى مُسْتَأْجَرٍ ، أَوْ مُؤَمَّرٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَالَفَ أَمْرَ الْأَمِيرِ وَسَافَرَ يَكُونُ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً فَلَا يَقْصُرُ أَصْلًا ، أَوْ يُقَالُ الْكَلَامُ فِي مَسْأَلَتِنَا فِيمَا إذَا نَوَى جَمِيعَ الْجَيْشِ فَنِيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ التَّخَلُّفُ عَنْ الْأَمِيرِ ، وَالْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْجُنْدِيِّ الْوَاحِدِ مِنْ الْجَيْشِ ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَتَهُ الْجَيْشَ مُمَكِّنَةٌ فَاعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ هُنَا بِالْجَيْشِ .

( فَصْلٌ ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ إلَّا فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِ مُقَابِلِهِ فَقَالَ ( الْمَعْصِيَةُ بِالسَّفَرِ ) كَهَرَبِ عَبْدٍ مِنْ سَيِّدِهِ ( لَا فِيهِ ) كَشُرْبِ خَمْرٍ فِي سَفَرِ حَجٍّ ( تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعَانَةِ فَلَا يُعَالَجُ بِالْمَعَاصِي ( فَإِنْ سَافَرَ ) أَحَدٌ ( بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ ) كَمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ ( أَوْ ) سَافَرَ ( لِيَسْرِقَ ) أَوْ يَزْنِيَ ، أَوْ يَقْتُلَ بَرِيئًا ، أَوْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ أَوْ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ بِلَا غَرَضٍ ( أَوْ هَرَبَ عَبْدٌ ) مِنْ سَيِّدِهِ ( أَوْ زَوْجَةٌ ) مِنْ زَوْجِهَا ( أَوْ غَرِيمٌ مُوسِرٌ ) مِنْ غَرِيمِهِ ، أَوْ نَحْوُهَا ( لَمْ يَتَرَخَّصْ بِقَصْرٍ وَ ) لَا ( جَمْعٍ وَ ) ( إفْطَارٍ وَ ) لَا رَاحِلَةٍ وَ ) لَا ( مَسْحِ ثَلَاثٍ ) عَلَى خُفٍّ ( وَ ) لَا ( سُقُوطِ جُمُعَةٍ وَ ) لَا ( أَكْلِ مَيْتَةٍ ) لِلِاضْطِرَارِ ؛ لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ بِالتَّوْبَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ وَمَاتَ كَانَ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ التَّوْبَةَ وَبِقَتْلِهِ نَفْسَهُ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ أَكْلُهَا مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ حَيْثُ يَنْشَأُ الِاضْطِرَارُ مِنْهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَقَامَ لَمْ يَضْطَرَّ نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ أَمَّا الْمُقِيمُ فَيَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا وَلَوْ عَاصِيًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ بِأَنَّ أَكْلَهَا فِي السَّفَرِ سَبَبُهُ سَفَرُهُ ، وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ كَمَا لَوْ جُرِحَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ الْجُرْحِ مَعَ أَنَّ الْجَرِيحَ الْحَاضِرَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ أَكْلَهَا إذَا كَانَ سَبَبُهُ الْإِقَامَةَ .
وَهِيَ مَعْصِيَةٌ كَإِقَامَةِ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ بِالسَّفَرِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَبَبُهُ إعْوَازَ الْحَلَالِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مَعْصِيَةً ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَتَقَدَّمَ فِي مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّ الْمُقِيمَ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ وَإِنْ

كَانَ عَاصِيًا بِإِقَامَتِهِ ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْدَادِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ يَتَرَخَّصُ بِالتَّيَمُّمِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ فَيَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ، وَالْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فِي بَابِهِ ( وَإِنْ أَنْشَأَ مُسَافِرٌ ) فِي سَفَرِهِ الْمُبَاحِ ( قَصْدَ مَعْصِيَةٍ بِهِ أَتَمَّ ) صَلَاتَهُ فَلَا يَقْصُرُهَا كَمَا لَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِهَذَا الْقَصْدِ ، فَإِنْ تَابَ تَرَخَّصَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ ( أَوْ ) ( أَنْشَأَ ) عَاصٍ بِهِ قَصْدَ مُبَاحٍ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ مِنْ حِينَئِذٍ أَيْ مِنْ حِينِ قَصْدِ الْإِبَاحَةِ فَإِنْ قَصَدَ مَرْحَلَتَيْنِ تَرَخَّصَ وَإِلَّا فَلَا .
( قَوْلُهُ : كَهَرَبِ عَبْدٍ مِنْ سَيِّدِهِ ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْآبِقَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ كَالْبَالِغِ ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْإِثْمُ غ ( قَوْلُهُ : فَلَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي ) مَعْنَى قَوْلِهِمْ الرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي إنَّ فِعْلَ الرُّخْصَةِ مَتَى تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ فَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ فِي نَفْسِهِ حَرَامًا امْتَنَعَ مَعَهُ فِعْلُ الرُّخْصَةِ وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ بِأَنَّ أَكْلَهَا فِي السَّفَرِ سَبَبُهُ سَفَرُهُ إلَخْ ) وَبِأَنَّ الْإِقَامَةَ نَفْسَهَا لَيْسَتْ مَعْصِيَةً ؛ لِأَنَّهَا كَفٌّ وَإِنَّمَا الْفِعْلُ الَّذِي يُوقِعُهُ فِي الْإِقَامَةِ مَعْصِيَةٌ ، وَالسَّفَرُ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ أَكْلَهَا إلَخْ ) لَيْسَ ذَلِكَ قَضِيَّتَهُ وَإِنَّمَا قَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ فِي الْإِقَامَةِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِيهَا إعْوَازُ الْحَلَالِ لَا هِيَ بِدَلِيلِ التَّنْظِيرِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ إنَّمَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي رُبَاعِيَّةٍ مَكْتُوبَةٍ ، أَمَّا مُؤَدَّاةٌ ، أَوْ فَائِتَةُ سَفَرٍ بِسَفَرٍ ) أَيْ فِيهِ وَلَوْ فِي سَفَرٍ آخَرَ فَلَا تُقْصَرُ صُبْحٌ وَمَغْرِبٌ وَمَنْذُورَةٌ وَنَافِلَةٌ وَلَا فَائِتَةُ حَضَرٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ فِعْلُهَا أَرْبَعًا فَلَمْ يَجُزْ نَقْصُهَا كَمَا فِي الْحَضَرِ ، وَلَا فَائِتَةُ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلُّ قَصْرٍ وَيُفَارِقُ ذَلِكَ فَائِتَةُ الصِّحَّةِ حَيْثُ تُقْضَى فِي الْمَرَضِ مِنْ قُعُودٍ بِأَنَّهُ حَالَةُ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ وَلِهَذَا يَقْعُدُ لِطُرُوِّ الْمَرَضِ وَلَا يَقْصُرُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ بِطُرُوِّ السَّفَرِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِمَكْتُوبَةٍ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ شَكَّ هَلْ فَاتَتْ فِي السَّفَرِ ) أَوْ الْحَضَرِ ( أَتَمَّ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ ( وَلَوْ سَافَرَ ، وَالْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ رَكْعَةٌ ) أَيْ قَدْرُهَا ( قَصَرَ ) الصَّلَاةَ لِكَوْنِهَا أَدَاءً ( أَوْ دُونَهَا فَلَا ) لِكَوْنِهَا فَائِتَةَ حَضَرٍ ، فَعُلِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَوْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ الْفَرْضِ ، ثُمَّ سَافَرَ قَصَرَ ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَصَّ فِيمَا لَوْ مَضَى مِنْهُ قَدْرُ الْفَرْضِ فَحَاضَتْ أَنَّهَا تَقْضِي .
وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْحَيْضَ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا طَرَأَ انْحَصَرَ وَقْتُ الْإِمْكَانِ فِي حَقِّهَا فِيمَا أَدْرَكَتْهُ فَكَأَنَّهَا أَدْرَكَتْ كُلَّ الْوَقْتِ وَبِأَنَّ تَأْثِيرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِسْقَاطِ الْكُلِّيِّ ، وَهُوَ مَعَ إدْرَاكِ وَقْتِ الْوُجُوبِ بَعِيدٌ بِخِلَافِ السَّفَرِ فِيهِمَا .

( قَوْلُهُ : إنَّمَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي رُبَاعِيَّةٍ ) إنَّمَا قُصِرَتْ الرُّبَاعِيَّةُ ؛ لِأَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِهَا يَتَشَطَّرُ وَإِذَا تَشَطَّرَ بَقِيَ أَقَلُّ الْعَدَدِ وَهُوَ رَكْعَتَانِ وَهُمَا أَقَلُّ الْفَرَائِضِ وَهُوَ الصُّبْحُ بِخِلَافِ الْمَغْرِبِ ، وَالصُّبْحِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ فِعْلُهَا أَرْبَعًا إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ رُدَّتْ إلَى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا الْوَقْتُ كَالْجُمُعَةِ ( قَوْلُهُ بِأَنَّهُ حَالَةُ ضَرُورَةِ إلَخْ ) وَبِأَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ إلَيْهِ فَلَوْ كَلَّفْنَاهُ التَّأْخِيرَ لِيُصَلِّيَ قَائِمًا رُبَّمَا اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ بِخِلَافِ السَّفَرِ ، فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَفْطَرَ فِي الْحَضَرِ وَقَضَاهُ فِي السَّفَرِ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ فَهَلَّا كَانَ هُنَا مِثْلَهُ قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ الْقَصْرَ لَا يُضْمَنُ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ

( فَرْعٌ لِلْقَصْرِ شُرُوطٌ ) أَرْبَعَةٌ ( الْأَوَّلُ لَا يَقْتَدِي بِمُقِيمٍ ، أَوْ مُتِمٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ ) كَأَنْ أَدْرَكَهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ أَحْدَثَ هُوَ عَقِبَ اقْتِدَائِهِ بِهِ لِخَبَرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ مَا بَالُ الْمُسَافِرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إذَا انْفَرَدَ وَأَرْبَعًا إذَا ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ فَقَالَ تِلْكَ السُّنَّةُ وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ عَلَى مُتِمٍّ أَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْمُقِيمِ لِشُمُولِهِ لَهُ ( فَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ مُسَافِرٍ يُصَلِّيَ صُبْحًا أَتَمَّ ) ؛ لِأَنَّهَا تَامَّةٌ فِي نَفْسِهَا وَمِثْلُهَا الْمَغْرِبُ ، وَالْجُمُعَةُ ، وَالنَّافِلَةُ ( وَيَقْصُرُ الظُّهْرَ ) مَثَلًا ( خَلْفَ مَنْ يَقْصُرُ الْعَصْرَ ) ، أَوْ غَيْرَهَا ( وَإِنْ شَكَّ فِي سَفَرِ إمَامِهِ أَتَمَّ ، وَإِنْ بَانَ مُسَافِرًا قَاصِرًا ) ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ مُتَرَدِّدًا فِيمَا يَسْهُلُ كَشْفُهُ لِظُهُورِ شِعَارِ الْمُسَافِرِ ، وَالْمُقِيمِ ( فَإِنْ عَلِمَ ، أَوْ ظَنَّ سَفَرَهُ لَا قَصْرَهُ فَعَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ ) بِأَنْ قَالَ إنْ قَصَرَ قَصَرْت وَإِلَّا أَتْمَمْت ( صَحَّ ) إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَلَا يَضُرُّ التَّعْلِيقُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِصَلَاةِ إمَامِهِ ، وَإِنْ جَزَمَ ( وَلَهُ حُكْمُهُ ) فَإِنْ أَتَمَّ أَتَمَّ ، وَإِنْ قَصَرَ قَصَرَ عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَا نَوَاهُ أَتَمَّ احْتِيَاطًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( فَإِنْ أَفْسَدَ ) أَيْ إمَامُهُ ( صَلَاتَهُ ) ، أَوْ فَسَدَتْ ( أَتَمَّ إلَّا إنْ عَلِمَ بِنِيَّتِهِ ) الْقَصْرَ فَلَهُ الْقَصْرُ ( فَرْعٌ ) لَوْ ( اقْتَدَى ) مُسَافِرٌ ( بِمُتِمٍّ ) وَلَوْ مُسَافِرًا ( أَتَمَّ ، وَإِنْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إتْمَامَهَا بِالِاقْتِدَاءِ فَلَا تُقْصَرُ بَعْدَهُ كَفَائِتَةِ الْحَضَرِ ( أَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا ) أَتَمَّ لِذَلِكَ ( وَتَنْعَقِدُ ) صَلَاتُهُ خَلْفَ الْمُتِمِّ وَتَلْغُو نِيَّةُ الْقَصْرِ ( بِخِلَافِ مُقِيمٍ نَوَى الْقَصْرَ ) لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ ،

وَالْمُسَافِرُ مِنْ أَهْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ، ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ ، أَوْ صَارَ مُقِيمًا ( وَإِنْ أَفْسَدَهَا ) ، أَوْ فَسَدَتْ بَعْدَ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِمُتِمٍّ ( وَأَعَادَ ) هَا ( أَتَمَّ ) لِمَا مَرَّ وَ لَوْ أَدْخَلَ هَذِهِ فِي الْأُولَى كَمَا فَعَلَ الْأَصْلُ كَأَنْ قَالَ أَتَمَّ وَإِنْ فَسَدَتْ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ كَانَ أَحْسَنَ وَأَخْصَرَ ( وَإِنْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَبَانَ مُقِيمًا مُحْدِثًا ، وَبَانَ الْحَدَثُ أَوْ لَا ، أَوْ بَانَا مَعًا قَصَرَ ) إذْ لَا قُدْوَةَ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي الظَّاهِرِ ظَنَّهُ مُسَافِرًا وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا ، ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِحَدَثٍ ثُمَّ بَانَ مُقِيمًا حَيْثُ يُتِمُّ ، وَإِنْ عَلِمَ حَدَثَهُ أَوْ لَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ عَرَضَتْ الْإِقَامَةُ ، أَوْ الْحَدَثُ وَلَمْ يَظُنَّ مَعَ عُرُوضِهِ أَنَّ الْإِمَامَ نَوَى الْقَصْرَ أَوْ بَانَتْ الْإِقَامَةُ ، أَوْ لَا ( فَلَا ) يَقْصُرُ لِالْتِزَامِهِ الْإِتْمَامَ بِالِاقْتِدَاءِ .
وَهُوَ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ عَلِمَهُ مُقِيمًا ، ثُمَّ بَانَ حَدَثُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ فَقَدَ الطَّهُورَيْنِ فَشَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ قَصَرَ ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ صَلَاةٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ شَرْعِيَّةٍ تُشْبِهُهَا ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَكَالْمُقِيمِ فِيمَا ذُكِرَ الْمُسَافِرُ الْمُتِمُّ فَلَوْ عَبَّرَ بِمُتِمِّ لَشَمِلَهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ، ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ ( وَإِنْ تَبَيَّنَّ حَدَثَ نَفْسِهِ ) سَوَاءٌ أَصَلَّى مُنْفَرِدًا أَمْ لَا ( أَوْ أَحْرَمَ ) مُؤْتَمًّا ( وَقَدْ عَلِمَ حَدَثَ إمَامِهِ اسْتَأْنَفَ وَقَصَرَ ) لِعَدَمِ انْعِقَادِ صَلَاتِهِ ( وَإِنْ قَضَى فِي السَّفَرِ صَلَاةَ حَضَرٍ سَافَرَ فِي وَقْتِهَا ) بَعْدَمَا شَرَعَ فِيهَا ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا

.
( فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا لِتَذَكُّرِ حَدَثٍ قَصَرَ ) لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا ( لَا إنْ خَرَجَ ) مِنْهَا ( لِحَدَثٍ حَدَثَ ) فِيهَا فَلَا يَقْصُرُ لِالْتِزَامِهِ إتْمَامَهَا بِانْعِقَادِهَا ( فَرْعٌ إذَا ) فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَأَنْ ( أَحْدَثَ الْإِمَامُ ) الْقَاصِرُ ( أَوْ رَعَفَ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ( فَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا ) ، أَوْ مُسَافِرًا مُتِمًّا مِنْ الْمُقْتَدِينَ ، أَوْ غَيْرِهِمْ ( لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ ) ؛ لِأَنَّهُمْ مُقْتَدُونَ بِالْخَلِيفَةِ حُكْمًا بِدَلِيلِ لُحُوقِهِمْ سَهْوَهُ ( دُونَهُ ) أَيْ الْمُسْتَخْلِفِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ ( إلَّا إنْ تَطَهَّرَ وَاقْتَدَى بِهِ ) أَيْ بِالْخَلِيفَةِ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِذَلِكَ ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ ) هُوَ وَلَا الْمَأْمُومُونَ ( أَوْ اسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا ) قَاصِرًا ( أَوْ اسْتَخْلَفُوهُ ) وَكَانُوا قَاصِرِينَ ( قَصَرُوا ) وَقَصَرَ الْمُسْتَخْلِفُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُتِمُّونَ مُتِمًّا ، وَالْقَاصِرُونَ قَاصِرًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَلَوْ أَمَّ قَاصِرٌ بِالنَّوْعَيْنِ أَوْ بِالْمُتِمِّينَ سُنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ الشَّرْطُ ( الثَّانِي نِيَّةُ الْقَصْرِ ) وَجَعَلَ مِنْهَا الْإِمَامُ مَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا وَالْمُتَوَلِّي مَا لَوْ قَالَ أُؤَدِّي صَلَاةَ السَّفَرِ فَلَوْ أَطْلَقَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ .
وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَصْرِ ( عِنْدَ الْإِحْرَامِ ) كَأَصْلِ النِّيَّةِ وَلَا يَجِبُ اسْتِدَامَتُهَا بَلْ الِانْفِكَاكُ عَمَّا يُخَالِفُ الْجَزْمَ بِهَا ( فَإِنْ نَوَى بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ إحْرَامِهِ قَاصِرًا ( الْإِتْمَامَ أَوْ تَرَدَّدَ ) فِي أَنَّهُ يَقْطَعُ نِيَّةَ الْقَصْرِ ( أَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ ) ، أَوْ لَا ( أَتَمَّ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْوِيُّ فِي الْأُولَى ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ ( وَإِنْ تَذَكَّرَ ) فِي الشَّكِّ ( فِي الْحَالِ ) فَإِنَّهُ يُتِمُّ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ إذْ تَذَكَّرَ حَالًا لَا يُؤَثِّرُ ؛ لِأَنَّ مَا تَأَدَّى هُنَا مَحْسُوبٌ

لِبَقَاءِ أَصْلِ النِّيَّةِ فَتَأَدَّى جُزْءٌ عَلَى التَّمَامِ فَلَزِمَهُ بِهِ الْإِتْمَامُ تَغْلِيبًا لِلْأَصْلِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ ، لَكِنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِقِلَّتِهِ ( وَإِنْ أَحْرَمَ ) قَاصِرًا ( خَلْفَ مَنْ عَلِمَهُ ) ، أَوْ ظَنَّهُ ( قَاصِرًا فَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَشَكَّ فِي قِيَامِهِ ) هَلْ هُوَ مُتِمٌّ ، أَوْ سَاهٍ ( لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ ) .
وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ سَاهٍ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ نَفْسِهِ وَيُخَالِفُ مَا لَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ إمَامِهِ ابْتِدَاءً حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهَا ، وَلَا أَمَارَةَ تُشْعِرُ بِالْإِتْمَامِ ، وَهُنَا الْقِيَامُ مُشْعِرٌ بِهِ ( فَإِنْ عَلِمَهُ سَاهِيًا لِكَوْنِهِ حَنَفِيًّا لَا يَرَى الْإِتْمَامَ ) أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ ( لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ وَلَهُ ) بَعْدَ عِلْمِهِ ( انْتِظَارُهُ وَمُفَارَقَتُهُ وَيَسْجُدُ ) فِيهِمَا ( لِلسَّهْوِ ) اللَّاحِقِ لَهُ بِسَهْوِ إمَامِهِ ( فَإِنْ نَوَى الْإِتْمَامَ لَمْ يَجُزْ ) لَهُ ( أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ ) أَيْ بِالْإِمَامِ فِي سَهْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ ( كَالْمَسْبُوقِ لَا يَأْتَمُّ بِمَنْ عَلِمَهُ سَاهِيًا بِالْقِيَامِ إلَى خَامِسَةٍ ، وَإِنْ قَامَ الْمُسَافِرُ ) الْقَاصِرُ وَلَوْ مُنْفَرِدًا ( إلَى ثَالِثَةٍ بِغَيْرِ مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ ) مِنْ نِيَّتِهِ أَوْ نِيَّةِ إقَامَةٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ( عَامِدًا ) عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ( بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) كَمَا لَوْ قَامَ الْمُتِمُّ إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ ( أَوْ ) قَامَ إلَيْهَا ( سَاهِيًا ) أَوْ جَاهِلًا ( لَزِمَهُ الْعَوْدُ ) حِينَ ذَكَرَهُ أَوْ عَلِمَهُ ( وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ) وَيُسَلِّمُ ( فَلَوْ بَدَا لَهُ ) حِينَ ذَكَرَهُ ، أَوْ عَلِمَهُ ( أَنْ يُتِمَّ قَعَدَ ، ثُمَّ قَامَ ) نَاوِيًا الْإِتْمَامَ ؛ لِأَنَّ النُّهُوضَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَنُهُوضُهُ كَانَ لَغْوًا .
( وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ) ذَلِكَ ( حَتَّى أَتَمَّ أَرْبَعًا ، ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَتَيْنِ ) وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِتْمَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ، وَهُوَ قَاصِرٌ وَرَكْعَتَاهُ

الزَّائِدَتَانِ لَغْوٌ .
الشَّرْطِ ( الثَّالِثُ دَوَامُ السَّفَرِ ) فِي الصَّلَاةِ ( فَإِنْ انْتَهَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَى الْبَلَدِ ) الَّتِي يُقِيمُ بِهَا ( أَوْ سَارَتْ بِهِ مِنْهَا ، أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ ، أَوْ شَكَّ هَلْ نَوَاهَا ) ، أَوْ لَا ( أَوْ هَلْ هَذِهِ ) الْبَلْدَةُ الَّتِي انْتَهَى إلَيْهَا ( بَلَدُهُ ) ، أَوْ لَا ، وَهُوَ ( فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ ) فِي الْجَمِيعِ ( أَتَمَّ ) لِلشَّكِّ فِي سَبَبِ الرُّخْصَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلِزَوَالِهِ فِي الْأُولَى ، وَالثَّالِثَةِ وَتَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ فِيهِمَا أَيْضًا وَفِي الثَّانِيَةِ وَاسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ إنْ نَوَى الْقَصْرَ لَمْ تَنْعَقِدْ لِتَلَاعُبِهِ أَوَّلًا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لَا لِتَغْلِيبِ الْحَضَرِ بَلْ لِفَوْتِ شَرْطِ الْقَصْرِ ، وَهُوَ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ جَاهِلًا بِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ سَيْرَ السَّفِينَةِ وَبِأَنَّ مُرَادَهُمْ مَا إذَا أَطْلَقَ فِي نِيَّتِهِ فَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ وَلَا الْإِتْمَامَ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِعِلَّتَيْنِ : فَقْدِ نِيَّةِ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ، وَتَغْلِيبِ الْحَضَرِ .
وَيُسْتَدَلُّ بِهِ حِينَئِذٍ فِي نَظِيرِهِ مَعَ مَسْحِ الْخُفِّ عَلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ مَعَ مُوَافَقَتِهِ لَنَا عَلَى مَا هُنَا .
الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ الْعِلْمُ بِجَوَازِهِ ) أَيْ الْقَصْرِ ( فَلَوْ قَصَرَ جَاهِلًا بِجَوَازِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ) لِتَلَاعُبِهِ ، وَكَذَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَتَانِ فَنَوَاهَا رَكْعَتَيْنِ

( قَوْلُهُ : إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَمَلًا وَأَكْثَرُ أَجْرًا ، وَلَيْسَ لِلنِّيَّةِ شِعَارٌ تُعْرَفُ بِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُقَصِّرٍ فِي الِاقْتِدَاءِ عَلَى التَّرَدُّدِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَضُرُّ التَّعْلِيقُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمُقْتَضَى ( قَوْلُهُ : إلَّا إنْ عَلِمَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ إلَخْ ) كَأَنْ قَالَ لَهُ كُنْت نَوَيْت الْقَصْرَ أَوْ أَعَادَهَا رَكْعَتَيْنِ وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ فَاسِقًا ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَخَبَرُ الْفَاسِقِ مَقْبُولٌ فِي مَوَاضِعَ أَحَدُهَا هَذَا ثَانِيهَا إذَا كَانَ مُؤَذِّنًا فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِأَذَانِهِ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ ثَالِثُهَا الْمُعْتَدَّةُ يُقْبَلُ إخْبَارُهَا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ وَوَضْعِ الْحَمْلِ إلَّا أَنْ يُعَلَّقَ الطَّلَاقُ عَلَى وِلَادَتِهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ رَابِعُهَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَغَابَتْ مُدَّةً وَجَاءَتْ وَأَخْبَرَتْ الزَّوْجَ بِأَنَّهَا اسْتَحَلَّتْ جَازَ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ وَسَوَاءٌ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا أَمْ لَمْ يَقَعْ ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ .
خَامِسُهَا إذَا أَخْبَرَ فَاسِقٌ بِأَنَّهُ ذَكَّى هَذِهِ الْبَهِيمَةَ سَادِسُهَا إذَا أَخْبَرَ فَاسِقٌ بِإِسْلَامِ مَيِّتٍ مَجْهُولِ الْحَالِ ، فَالِاحْتِيَاطُ قَبُولُ قَوْلِهِ وَوُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ سَابِعُهَا إذَا كَانَ الْفَاسِقُ أَبًا ، أَوْ جَدًّا وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالتَّوَقَانِ إلَى النِّكَاحِ وَجَبَ عَلَى فَرْعِهِ إعْفَافُهُ ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ النَّفَقَةِ لَا يُشْبِعُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ثَامِنُهَا الْخُنْثَى إذَا كَانَ فَاسِقًا وَأَخْبَرَ بِمَيْلِ طَبْعِهِ إلَى أَحَدِ الْوَظَائِفِ قَبِلْنَاهُ وَرُتِّبَتْ الْأَحْكَامُ عَلَيْهِ تَاسِعُهَا إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ قَبِلْنَاهُ لِتَعَلُّقِهِ بِالْغَيْرِ عَاشِرُهَا إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا قُبِلَ وَجُلِدَ وَغُرِّبَ إنْ كَانَ بِكْرًا وَرُجِمَ إنْ كَانَ

مُحْصَنًا وَخَبَرُ الْكَافِرِ مَقْبُولٌ فِي غَالِبِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَكُلُّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ قَبِلْنَاهُ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ شَهَادَةٌ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ( قَوْلُهُ : اقْتَدَى بِمُتِمٍّ أَتَمَّ إلَخْ ) تَضَمَّنَ كَلَامُهُ مَسْأَلَةً غَرِيبَةً وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى قَاصِرٌ بِمِثْلِهِ فَسَهَا الْإِمَامُ ، ثُمَّ سَلَّمَا نَاسِيَانِ لِلسَّهْوِ ثُمَّ عَادَ الْإِمَامُ لِلسُّجُودِ بَعْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ ، أَوْ وُصُولِ السَّفِينَةِ مَقْصِدَهُ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَعُودُ إلَى حُكْمِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ الْإِتْمَامُ ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْآخِرَةِ أَنَّهُ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ وَفِيهِ إلْزَامُهُ الْإِتْمَامَ إذَا لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ بَعْدُ ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا لَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ ، ثُمَّ عَادَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ غ ( قَوْلُهُ : وَتَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ ) عُلِمَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَتَمَّ وَإِنَّمَا ذَكَرَاهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مُقِيمٍ نَوَى الْقَصْرَ ( قَوْلُهُ : وَالْمُسَافِرُ مِنْ أَهْلِهِ إلَخْ ) لَوْ نَوَى الْقَصْرَ خَلْفَ مُسَافِرٍ عَلِمَهُ مُتِمًّا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى غَيْرَ الْوَاقِعِ حِينَئِذٍ ، وَقَدْ شَمِلَهُ قَوْلُهُمْ لَوْ غَيَّرَ عَدَدَ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ فِي نِيَّتِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ ، وَالتَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ فِي الْجُمْلَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ نِيَّةَ إمَامِهِ الْإِتْمَامَ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَفْسَدَهَا وَأَعَادَ أَتَمَّ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِيهِ ثُمَّ يَعْرِضُ الْفَسَادُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَحَيْثُ لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ لَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلْإِتْمَامِ بِذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ صَلَّى فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ تَامَّةً ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ قَصَرَ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ) قَالَ شَيْخُنَا : هُوَ الْأَصَحُّ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَعَلَهَا تَامَّةً مَعَ لُزُومِ الْإِعَادَةِ ثُمَّ أَعَادَهَا ( قَوْلُهُ :

أَوْ رَعَفَ فَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ ) لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ .
وَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِالرُّعَافِ وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ الْقَلِيلِ ، وَالْكَثِيرِ إذَا قُلْنَا الْكَثِيرُ مُبْطِلٌ دُونَ الْقَلِيلِ وَقَالَ الْقَمُولِيُّ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ رَدًّا عَلَى أَبِي غَانِمٍ صَاحِبِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي تَأْوِيلِ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِخْلَافِ بِعُذْرٍ وَهَذَا اسْتِخْلَافٌ قَبْلَ وُجُودِ الدَّمِ الْكَثِيرِ الْمُبْطِلِ لِلصَّلَاةِ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الرُّعَافِ لَا يُبْطِلُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ لَكِنَّ النَّوَوِيَّ رَجَّحَ الْعَفْوَ عَنْ الْكَثِيرِ أَيْضًا وَفِي الْمَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ .
قَالَ الْبَكْرِيُّ وَمَا يُتَخَيَّلُ أَنَّ فِي دَمِ الرُّعَافِ غَيْرُهُ مِنْ الْفَضَلَاتِ خَيَالٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ .
ا هـ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَالْحَاصِلُ الْمُعْتَمَدُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ وَلَوْ مَعَ الْقِلَّةِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَمَا نَسَبَهُ بَعْضُهُمْ لِشَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ قَلِيلِهِ غَلَطٌ .
بَلْ ذُكِرَ قَوْلُهُ لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ سَوَاءٌ أَكَانَ كَثِيرًا أَمْ قَلِيلًا لِاخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْفَضَلَاتِ مَعَ نُدْرَتِهِ فَلَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ا هـ .
مِنْهُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَصَدَّرَ بِأَوَّلِهَا الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْقَلِيلِ وَذَكَرَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، ثُمَّ حَكَى بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَامَ الْمُسَافِرُ إلَى ثَالِثَةٍ إلَخْ ) قَالَ الْغَزِّيِّ ، أَوْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا وَهُوَ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ : وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِتْمَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مُبْطِلٌ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ انْتَهَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَى الْبَلَدِ إلَخْ ) ؛

لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِالْحَضَرِ ، وَالسَّفَرِ ، وَقَدْ اجْتَمَعَا فِيهَا فَقَدَّمَ حُكْمَ الْحَضَرِ كَمَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَكَمَا لَوْ قَدِمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ يَرَى الْمَاءَ فِي أَثْنَائِهَا أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَزِمَهُ الدُّخُولُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ ، وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ لَمْ تَجِبْ فَإِذَا زَالَ سَبَبُهَا انْقَطَعَتْ وَأَيْضًا لَوْ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لَبَطَلَ مَا فَعَلَهُ وَهُنَا يَبْنِي ( قَوْلُهُ أَتَمَّ ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ إذْ الْإِتْمَامُ مُنْدَرِجٌ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ فَكَأَنَّهُ نَوَاهُ مَا لَمْ يَعْرِضْ مُوجِبُ إتْمَامٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ لَا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ إلَخْ ) وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يُتِمُّ ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ لَمْ يُسَافِرْ ( قَوْلُهُ : لِعِلَّتَيْنِ إلَخْ ) وَيَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ قَصَرَ جَاهِلًا إلَخْ ) لَوْ أَتَمَّ جَاهِلًا بِجَوَازِ الْإِتْمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ .

( بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ) .
( يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ ) لِلْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ ( لَا ) فِي السَّفَرِ ( الْقَصِيرِ ) فَلَا يَجُوزُ ( وَلَوْ لِلْمَكِّيِّ ) ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ ، وَالْجَمْعُ يَكُونُ ( بَيْنَ الظُّهْرِ ، وَالْعَصْرِ وَ ) بَيْنَ ( الْمَغْرِبِ ، وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا وَتَكُونُ ) الْمَجْمُوعَةُ فِي وَقْتِ الْأُخْرَى ( أَدَاءً ) كَالْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ وَقْتَيْهِمَا صَارَا وَاحِدًا وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الصُّبْحُ مَعَ غَيْرِهَا ، وَالْعَصْرُ مَعَ الْمَغْرِبِ فَلَا جَمَعَ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ وَيَجُوزُ جَمْعُ الْجُمُعَةِ ، وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاعْتَمَدَهُ كَجَمْعِهِمَا بِالْمَطَرِ بَلْ أَوْلَى وَيَمْتَنِعُ تَأْخِيرًا ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يَتَأَتَّى تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا وَتَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لَا تَجْمَعُ تَقْدِيمًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمِثْلُهَا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ وَكُلُّ مَنْ لَمْ تَسْقُطْ صَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ حَذَفَ بِالتَّيَمُّمِ كَانَ أَوْلَى .
( وَالْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ ) أَيْ تَأْخِيرُ الْأُولَى ( إلَى الثَّانِيَةِ لِلسَّائِرِ ) وَقْتَ الْأُولَى ( وَلِمَنْ بَاتَ بِمُزْدَلِفَةُ وَ ) الْأَفْضَلُ ( التَّقْدِيمُ ) أَيْ تَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ ( إلَى الْأُولَى لِلنَّازِلِ ) فِي وَقْتِهَا ( وَالْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ، وَالْعَصْرَ ، ثُمَّ رَكِبَ } ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ ، وَالْعِشَاءِ } يَعْنِي فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ ، وَعَنْ أُسَامَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ ، وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ } وَرَوَى مُعَاذٌ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ ، وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ } وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ { جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ ، وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ } ، وَالْمُرَادُ بِالسَّفَرِ فِيهَا الطَّوِيلُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ بَعْضُهَا ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ إخْرَاجُ عِبَادَةٍ عَنْ وَقْتِهَا فَاخْتَصَّ بِالطَّوِيلِ كَالْفِطْرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَاسْتُثْنِيَ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيمَا ذُكِرَ مَا لَوْ خَشِيَ مِنْ التَّأْخِيرِ الْفَوَاتَ لِبُعْدِ الْمَنْزِلِ ، أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ ، أَوْ غَيْرِهِ ، فَالْجَمْعُ تَقْدِيمًا أَفْضَلُ ، وَمَا لَوْ كَانَ إذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا صَلَّى جَمَاعَةً ، أَوْ خَلَا عَنْ حَدَثِهِ الدَّائِمِ ، أَوْ عَنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ وَإِذَا جَمَعَ تَأْخِيرًا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، أَوْ بِالْعَكْسِ ، فَالْجَمْعُ بِالْجَمَاعَةِ وَبِالْخُلُوِّ عَمَّا ذُكِرَ أَفْضَلُ ( فَرْعٌ : وَإِذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى اُشْتُرِطَ ) ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ ( تَقْدِيمُهَا ) عَلَى الثَّانِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } ؛ وَلِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا ، وَالثَّانِيَةَ تَبَعٌ فَلَا تَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهَا فَلَوْ قَدَّمَهَا لَمْ تَصِحَّ ، أَوْ الْأُولَى وَبَانَ فَسَادُهَا فَسَدَتْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ ( وَأَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ فِيهَا ) أَيْ الْأُولَى تَمْيِيزًا لِلتَّقْدِيمِ الْمَشْرُوعِ عَنْ التَّقْدِيمِ سَهْوًا ، أَوْ عَبَثًا ( وَلَوْ ) نَوَاهُ ( مَعَ السَّلَامِ وَبَعْدَ نِيَّةِ التَّرْكِ ) كَأَنْ نَوَى الْجَمْعَ ، ثُمَّ نَوَى تَرْكَهُ ثُمَّ نَوَاهُ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ ضَمُّ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى فَيَكْفِي سَبْقُ النِّيَّةِ حَالَةَ الْجَمْعِ وَيُفَارِقُ الْقَصْرَ بِأَنَّهُ لَوْ

تَأَخَّرَتْ نِيَّتُهُ عَنْ الْإِحْرَامِ لَتَأَدَّى جُزْءٌ عَلَى التَّمَامِ فَيَمْتَنِعُ الْقَصْرُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ بِالْبَلَدِ فِي سَفِينَةٍ فَسَارَتْ فَنَوَى الْجَمْعَ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ مَعَ التَّحَرُّمِ صَحَّ لِوُجُودِ السَّفَرِ وَقْتَهَا وَإِلَّا فَلَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُدُوثِ الْمَطَرِ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يُجْمَعُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ فَنَزَلَ اخْتِيَارُهُ لَهُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَتَهُ بِخِلَافِ الْمَطَرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ اخْتَارَهُ ، فَالْوَجْهُ امْتِنَاعُ الْجَمْعِ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي هُنَا ذُكِرَ مِثْلُهُ ثَمَّ ، فَعَلَيْهِ لَا فَرْقَ ( وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِجَعْلِهِمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَوَجَبَ الْوِلَاءُ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِنَمِرَةَ ، وَالَى بَيْنَهُمَا وَتَرَكَ الرَّوَاتِبَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ بَيْنَهُمَا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَوْلَا اشْتِرَاطُ الْوِلَاءِ لَمَا تَرَكَ الرَّوَاتِبَ .
وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهُ تَرَكَهَا لِكَوْنِهَا سُنَّةً لَا شَرْطًا وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ يُشْتَرَطُ كَانَ أَخْصَرَ ( وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ فِي الْعُرْفِ فَلِلْمُتَيَمِّمِ الْفَصْلُ ) بَيْنَهُمَا ( بِهِ ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ ( وَبِالطَّلَبِ الْخَفِيفِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا مَرَّ وَقِيَاسًا عَلَيْهِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا فَصْلٌ يَسِيرٌ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ بَلْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ لِمَصْلَحَتِهَا لَمْ يَضُرَّ أَمَّا الطَّوِيلُ فَيَضُرُّ وَلَوْ بِعُذْرٍ كَسَهْوٍ وَإِغْمَاءٍ ( وَإِنْ جَمَعَ وَتَذَكَّرَ ) بَعْدَ فَرَاغِهِ ، أَوْ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَطَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِ الْأُولَى ، وَالتَّذَكُّرِ ( تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى أَعَادَهُمَا ) الْأُولَى لِتَرْكِ الرُّكْنِ وَتَعَذُّرِ التَّدَارُكِ بِطُولِ الْفَصْلِ ، وَالثَّانِيَةَ لِفَقْدِ التَّرْتِيبِ ( وَلَهُ الْجَمْعُ )

تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا لِوُجُودِ الْمُرَخِّصِ ( أَوْ ) تَذَكَّرَ تَرْكَهُ ( مِنْ الثَّانِيَةِ ) .
فَإِنْ كَانَ ( قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ تَدَارَكَهُ وَصَحَّتَا وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طُولِهِ ( تَعَذَّرَ الْجَمْعُ ) لِفَقْدِ الْوِلَاءِ بِتَخَلُّلِ الْبَاطِلَةِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا فِي وَقْتِهَا ( وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ ) أَيْ الرُّكْنُ الْمَتْرُوكُ ( لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الْأُولَى ( وَامْتَنَعَ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الثَّانِيَةِ فَيَطُولُ الْفَصْلُ بِهَا وَبِالْأَوْلَى الْمُعَادَةِ بَعْدَهَا فَيُعِيدُ كُلًّا مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا أَخْذًا بِالْأَسْوَإِ فِي الطَّرَفَيْنِ وَلَوْ شَكَّ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي نِيَّةِ الْجَمْعِ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَاهُ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْجَمْعُ قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّ لَهُ الْجَمْعَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْوَجْهُ إنْ تَذَكَّرَهُ عَنْ قُرْبٍ ( وَأَمَّا إنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ إلَّا نِيَّةُ التَّأْخِيرِ لِلْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى ) مَا بَقِيَ قَدْرُ رَكْعَةٍ ( فَإِنْ أَخَّرَ ) هَا ( حَتَّى فَاتَ الْأَدَاءُ ) أَيْ وَقْتُهُ ( بِلَا نِيَّةٍ ) لِلْجَمْعِ ( عَصَى وَقَضَى ) هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَنْهُمْ وَتُشْتَرَطُ هَذِهِ النِّيَّةُ فِي وَقْتِ الْأُولَى بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا ، أَوْ أَكْثَرُ ، فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا عَصَى وَصَارَتْ قَضَاءً وَجَزَمَ الْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ قَصْرِ صَلَاةِ مَنْ سَافَرَ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً وَلَا يَضُرُّ فِيهِ تَحْرِيمُ تَأْخِيرِهَا بِحَيْثُ يَخْرُجُ جُزْءٌ مِنْهَا عَنْ وَقْتِهَا وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ عَلَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ بِأَنْ يُقَالَ مَعْنَى مَا يَسَعُهَا أَيْ يَسَعُهَا أَدَاءً ، فَإِنْ قُلْت بَلْ كَلَامُهَا مَحْمُولٌ عَلَى كَلَامِهِ وَيَكُونُ مُرَادُهَا الْأَدَاءَ

الْحَقِيقِيَّ ، وَهُوَ الْإِتْيَانَ بِجَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا لَا الْأَدَاءَ الْمَجَازِيَّ الْحَاصِلَ بِتَبَعِيَّةِ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ لِمَا فِيهِ قُلْت يُنَافِيهِ قَوْلُهُ إنَّهَا صَارَتْ قَضَاءً وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ وَلَا الْوِلَاءُ وَلَا نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي الْأُولَى ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَفَارَقَ جَمْعَ التَّقْدِيمِ أَمَّا فِي الْأُولَى ؛ فَلِأَنَّ الْوَقْتَ هُنَا لِلثَّانِيَةِ ، وَالْأُولَى تَبَعٌ لَهَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ؛ فَلِأَنَّ الْأُولَى شَبِيهَةٌ بِالْفَائِتَةِ لِخُرُوجِ وَقْتِهَا ؛ { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِمَا مَرَّ فِي الْأُولَى ؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ هُنَا تَقَدَّمَتْ فِي وَقْتِ الْأُولَى فَاكْتُفِيَ بِهَا بِخِلَافِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ .

( بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ) ( قَوْلُهُ : كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لَا تَجْمَعُ تَقْدِيمًا ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَوَجْهُ امْتِنَاعِهِ أَنَّ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى شَرْطُهُ تَقَدُّمُ الْأُولَى صَحِيحَةً يَقِينًا ، أَوْ ظَنًّا وَهُوَ مُنْتَفٍ بِخِلَافِ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمِثْلُهَا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ إلَخْ ) سَكَتُوا عَمَّا إذَا كَانَ سَائِرًا فِيهِمَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ رِعَايَةً لِفَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ عَكْسُهُ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَلِانْتِفَاءِ سُهُولَةِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ مَعَ الْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَهُ س وَمِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ نَازِلًا فِيهِمَا وَقَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يُصَرِّحُوا بِمَا إذَا خَرَجَ وَقْتُ الْأُولَى وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْجَمْعُ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَتَنْقَلِبُ نَفْلًا عَلَى الْخِلَافِ فِي نَظَائِرِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَكَّ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي بَقَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْجَمْعُ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَيُعِيدُهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : تَمْيِيزًا لِلتَّقْدِيمِ الْمَشْرُوعِ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الْأُولَى إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ صِحَّتِهَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَاشْتِرَاطُهَا فِي تَقْدِيمِ الثَّانِيَةِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوْلَى ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْجَمْعَ ضَمُّ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى ) وَهُوَ وَقْتُ السَّلَامِ فَإِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الضَّمِّ وَهُوَ حَالُ الْإِحْرَامِ فَفِي وَقْتِهِ وَهُوَ وَقْتُ السَّلَامِ أَوْ مَا قَارَبَهُ أَوْلَى ( قَوْلُهُ بِأَنَّ السَّفَرَ

بِاخْتِيَارِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا يُحْمَلُ الْقَوْلُ بِأَنَّ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ أَنَّهُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْمَطَرِ فَلَا إيرَادَ .
( قَوْلُهُ : عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي إلَخْ ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ اعْتِمَادُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ السَّفَرِ ، وَالْمَطَرِ بِأَنَّ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ أَضْعَفُ لِلْخِلَافِ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ طَرِيقًا بِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْجَمْعِ فِي الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْجَمْعِ فَلَمْ تَكُنْ مَحَلًّا لِلنِّيَّةِ وَفِي السَّفَرِ تَجُوزُ النِّيَّةُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ شَرْطٌ فَكَانَتْ مَحَلًّا لِلنِّيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْلَا اشْتِرَاطُ الْوِلَاءِ لَمَا تَرَكَ الرَّوَاتِبَ ) ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ تَبَعًا فَلَوْ فُرِّقَتْ لَمْ تَكُنْ تَبَعًا ؛ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ يَكُونُ بِالْمُقَارَنَةِ ، أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ ، وَالْمُقَارَنَةُ مُتَعَذِّرَةٌ فَتَعَيَّنَتْ الْمُتَابَعَةُ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ ) لَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا وَارْتَدَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأُولَى فَفِي بُطْلَانِ الْجَمْعِ احْتِمَالَانِ لِوَالِدِ الرُّويَانِيِّ انْتَهَى .
إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ عُرْفًا بَيْنَ سَلَامِهِ مِنْ الْأُولَى وَتَحَرُّمِهِ بِالثَّانِيَةِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ( قَوْلُهُ : وَطَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِ الْأُولَى إلَخْ ) ، فَإِنْ لَمْ يَطُلْ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ بِالثَّانِيَةِ وَيَبْنِي عَلَى الْأُولَى ( قَوْلُهُ : وَالثَّانِيَةَ لِفَقْدِ التَّرْتِيبِ ) وَتَقَعُ نَافِلَةً كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْفَرْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ جَاهِلًا بِالْحَالِ وُجِدَ بِهَامِشِ الْأَصْلِ بِخَطِّهِ مَا نَصُّهُ ( فَرْعٌ ) فِي التَّجْرِيدِ عَنْ حِكَايَةِ الرُّويَانِيِّ عَنْ وَالِدِهِ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامٍ طَوِيلٍ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ أَيْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ مَا يَسَعُ الْمَغْرِبَ وَدُونَ رَكْعَةٍ مِنْ الْعِشَاءِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُصَلِّي الْعِشَاءَ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ رَكْعَةٍ يَجْعَلُهَا قَضَاءً

قَالَ الرُّويَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَ الْعُذْرِ إلَخْ .
ا هـ .
وَوَافَقَ م ر عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي جَوَازُ الْجَمْعِ أَيْضًا ا هـ .
ابْنُ قَاسِمٍ قَوْلُهُ : وَعِنْدِي أَنَّ لَهُ الْجَمْعَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا إنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ ) إذَا جَمَعَ تَأْخِيرًا ثُمَّ تَيَقَّنَ فِي تَشَهُّدِ الْعَصْرِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ الظُّهْرِ ، أَوْ الْعَصْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً أُخْرَى وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَيَكُونُ جَامِعًا ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعَصْرِ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ الظُّهْرِ فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ بَلْ يُعِيدُ الصَّلَاتَيْنِ ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ قَدْ تَكُونُ مَتْرُوكَةً مِنْ الظُّهْرِ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْعَصْرِ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ قَدَّمَ الظُّهْرَ قَبْلَ الْعَصْرِ فِي الشِّقَّيْنِ وَأَنَّ مَحَلَّ التَّفْصِيلِ فِي الْمُبَادَرَةِ فِي الْعَصْرِ بَعْدَ الْأُولَى ، فَإِنْ بَادَرَ بِهَا اسْتَأْنَفَهُمَا وَإِلَّا بَنَى عَلَى مَا هُوَ فِيهِ وَاسْتَأْنَفَ الْأُولَى .
( قَوْلُهُ : فَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا نِيَّةُ التَّأْخِيرِ ) لَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ يَبْطُلْ الْجَمْعُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ يُخَالِفُهُ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ حَقٌّ ، وَكَذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ قُلْت بَلْ كَلَامُهَا إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا السُّؤَالُ هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : قُلْت يُنَافِيهِ إلَخْ ) قَدْ مَرَّ أَنَّ كِلَا التَّعْبِيرَيْنِ مَنْقُولٌ عَنْ الْأَصْحَابِ ، فَالْمُرَادُ بِهِمَا وَاحِدٌ ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا هُوَ مَا أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ سُؤَالًا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الْقَصْرِ لِمَنْ سَافَرَ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً وَاضِحٌ ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَمَّ كَوْنُهَا مُؤَدَّاةً ،

وَالْمُعْتَبَرَ هُنَا أَنْ تُمَيِّزَ النِّيَّةُ هَذَا التَّأْخِيرَ عَنْ التَّأْخِيرِ تَعَدِّيًا ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ : إنَّهَا صَارَتْ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهَا فُعِلَتْ خَارِجَ وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ ، وَقَدْ انْتَهَى شَرْطُ التَّبَعِيَّةِ فِي الْوَقْتِ .
( قَوْلُهُ : وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ ) قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَتَعْلِيلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الظُّهْرَ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَانَ لَهُ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ عَلَيْهَا ، فَإِذًا لَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ أَوْلَى مُخَالِفٌ لِمَا قَرَّرَهُ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَتْرُوكَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَجِبُ فِعْلُهَا عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْأَصَحِّ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( جَمَعَ تَقْدِيمًا وَنَوَى الْإِقَامَةَ ) ، أَوْ وَصَلَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، أَوْ شَكَّ فِي صَيْرُورَتِهِ مُقِيمًا ( قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالثَّانِيَةِ بَطَلَ الْجَمْعُ ) لِزَوَالِ سَبَبِهِ فَيُؤَخِّرُهَا لِوَقْتِهَا ، وَالْأُولَى صَحِيحَةٌ ( أَوْ فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ الثَّانِيَةِ ( لَمْ يَبْطُلْ ) جَمْعُهُ صِيَانَةً لِصَلَاتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ فَإِنَّ وُجُوبَ الْإِتْمَامِ لَا يُبْطِلُ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ ( وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ أَقَامَ فِي أَثْنَائِهَا ) ، أَوْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى ( صَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً ) ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلثَّانِيَةِ فِي الْأَدَاءِ لِلْعُذْرِ ، وَقَدْ زَالَ قَبْلَ تَمَامِهَا وَفِي الْمَجْمُوعِ إذَا أَقَامَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ وَمَا بَحَثَهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَتَعْلِيلُهُمْ مُنْطَبِقٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأُولَى فَلَوْ عَكَسَ وَأَقَامَ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ فَقَدْ وُجِدَ الْعُذْرُ فِي جَمِيعِ الْمَتْبُوعَةِ وَأَوَّلِ التَّابِعَةِ ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَنَّهَا أَدَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ كَمَا أَفْهَمَهُ تَعْلِيلُهُمْ وَأَجْرَى الطَّاوُوسِيُّ الْكَلَامَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَقَالَ وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ بِدَوَامِ السَّفَرِ إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُكْتَفَ بِهِ فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ بَلْ شُرِطَ دَوَامُهُ إلَى تَمَامِهِمَا ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَيْسَ وَقْتَ الْعَصْرِ إلَّا فِي السَّفَرِ ، وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ عَقْدِ الثَّانِيَةِ فَيَحْصُلُ الْجَمْعُ وَأَمَّا وَقْتُ الْعَصْرِ فَيَجُوزُ فِيهِ الظُّهْرُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَنْصَرِفُ فِيهِ الظُّهْرُ إلَى السَّفَرِ إلَّا إذَا وُجِدَ السَّفَرُ فِيهِمَا وَإِلَّا جَازَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَيْهِ لِوُقُوعِ بَعْضِهَا فِيهِ وَأَنْ يَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِهِ لِوُقُوعِ بَعْضِهَا فِي غَيْرِهِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ .

( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلثَّانِيَةِ إلَخْ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ : لِأَنَّ الْأُولَى تَبَعٌ لِلثَّانِيَةِ عِنْدَ التَّأْخِيرِ فَاعْتُبِرَ وُجُودُ سَبَبِ الْجَمْعِ فِي الْجَمِيعِ ( قَوْلُهُ : وَأَجْرَى الطَّاوُوسِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَيْسَ وَقْتَ الْعَصْرِ إلَّا فِي السَّفَرِ ) قَالَ شَيْخُنَا كَلَامُهُ فِيمَا يَجُوزُ جَمْعُهُ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ كَاتِبُهُ .

( فَصْلٌ : الْمَطَرُ ) وَلَوْ ضَعِيفًا إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَبُلُّ الثِّيَابَ ( يُبِيحُ الْجَمْعَ ) لِمَا يُجْمَعُ بِالسَّفَرِ ( فِي وَقْتِ الْأُولَى ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ ، وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ، وَالْمَغْرِبَ ، وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا } زَادَ مُسْلِمٌ { مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ } قَالَ الشَّافِعِيُّ كَمَالِكٍ أَرَى ذَلِكَ فِي الْمَطَرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَرْدُودٌ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ { مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ } قَالَ وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْأُولَى رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ فَهِيَ أَوْلَى قَالَ يَعْنِي .
الْبَيْهَقِيَّ ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ ، وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَلَا مَطَرٍ كَثِيرٍ ، أَوْ لَا مَطَرٍ مُسْتَدَامٍ ، فَلَعَلَّهُ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ ( لَا ) فِي وَقْتِ ( الثَّانِيَةِ ) ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ لَيْسَتْ إلَى الْجَامِعِ بِخِلَافِ السَّفَرِ وَإِنَّمَا يُبَاحُ الْجَمْعُ بِشُرُوطِهِ السَّابِقَةِ فِي جَمْعِهِ بِالسَّفَرِ ( لِمَنْ صَلَّى ) أَيْ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ ( جَمَاعَةً فِي مَكَان ) مَقْصُودٍ لَهَا مِنْ مَسْجِدٍ ، أَوْ غَيْرِهِ فَتَعْبِيرُهُ بِمَكَانٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَسْجِدٍ ( يَتَأَذَّى فِي طَرِيقِهِ ) إلَيْهِ ( بِالْمَطَرِ ) لِبُعْدِهِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْأَصْلُ كَغَيْرِهِ ( فَلَوْ صَلَّى ) وَلَوْ ( جَمَاعَةً فِي بَيْتِهِ ) ، أَوْ فِي مَكَان لِلْجَمَاعَةِ قَرِيبٍ ( أَوْ مَشَى فِي كِنٍّ ، أَوْ صَلَّوْا فُرَادَى فِي الْمَسْجِدِ ) أَوْ نَحْوِهِ ( فَلَا جَمْعَ ) لِانْتِفَاءِ التَّأَذِّي .
وَأَمَّا جَمْعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَطَرِ مَعَ أَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ كَانَتْ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ فَأَجَابُوا عَنْهُ أَنَّ بُيُوتَهُنَّ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً وَأَكْثَرُهَا كَانَ بَعِيدًا فَلَعَلَّهُ حِينَ جَمَعَ لَمْ يَكُنْ بِالْقَرِيبِ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بِالْمَأْمُومِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ

بِالْمَطَرِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنْكَرُوا اشْتِرَاطَ الْبُعْدِ وَنَقَلُوا عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقُرْبِ ، وَالْبُعْدِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوَافِقُهُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلِمَنْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَطَرِ فَاتَّفَقَ وُجُودُهُ ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْمَعَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْمَعْ لَاحْتَاجَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ أَيْضًا ، أَيْ : أَوْ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ فِي رُجُوعِهِ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ عَوْدِهِ ، أَوْ فِي إقَامَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ .
( وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ) فِي إبَاحَةِ الْمَطَرِ الْجَمْعَ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ ( وُجُودُ الْمَطَرِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاتَيْنِ ) لِيُقَارِنَ الْجَمْعَ ( وَعِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْأُولَى ) لِيَتَّصِلَ بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اعْتِبَارُ امْتِدَادِهِ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لِعُسْرِ انْضِبَاطِهِ ( وَالشَّفَّانُ كَالْمَطَرِ ) فِيمَا ذُكِرَ لِتَضَمُّنِهِ الْقَدْرَ الْمُبِيحَ ( وَهُوَ ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِضَمِّهَا كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ وَلَا بِكَسْرِهَا كَمَا وَقَعَ لِلْقَمُولِيِّ وَبِتَشْدِيدِ الْفَاءِ ( بَرْدُ رِيحٍ فِيهِ نُدُوَّةٌ ) أَيْ بَلَلٌ ( وَكَذَا ثَلْجٌ وَبَرَدٌ يَذُوبَانِ ) لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذُوبَا لِانْتِفَاءِ التَّأَذِّي نَعَمْ إنْ كَانَ الثَّلْجُ قِطَعًا كِبَارًا جَازَ الْجَمْعُ بِهِ كَمَا فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ وَفِي مَعْنَاهُ الْبَرَدُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخَائِرِ ( فَرْعٌ : يُجْمَعُ الْعَصْرُ مَعَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) مَوْجُودًا ( حَالَ الْخُطْبَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا جَمْعَ بِغَيْرِ السَّفَرِ وَالْمَطَرِ ؛ كَمَرَضٍ وَرِيحٍ وَظُلْمَةٍ وَخَوْفٍ وَوَحَلٍ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَلِخَبَرِ الْمَوَاقِيتِ فَلَا يُخَالَفُ إلَّا بِصَرِيحٍ وَحَكَى فِي

الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازَهُ بِالْمَذْكُورَاتِ قَالَ : وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا فِي الْمَرَضِ ، وَالْوَحَلِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ } وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، لَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِي الْمَرَضِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ( فَرْعٌ ) مِنْ ( الْمُخْتَارِ جَوَازُ الْجَمْعِ بِالْمَرَضِ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَقَدْ ظَفِرْت بِنَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَعَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا لَمْ يُلْحِقُوا الْوَحَلَ بِالْمَطَرِ كَمَا فِي عُذْرِ الْجُمُعَةِ ، وَالْجَمَاعَةِ ؛ لِأَنَّ تَارِكَهُمَا يَأْتِي بِبَدَلِهِمَا ، وَالْجَامِعُ يَتْرُكُ الْوَقْتَ بِلَا بَدَلٍ ؛ وَلِأَنَّ الْعُذْرَ فِيهِمَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بَلْ كُلُّ مَا تَلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ ، وَالْوَحَلُ مِنْهُ ، وَعُذْرُ الْجَمْعِ مَضْبُوطٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَلَمْ تَجِئْ بِالْوَحَلِ وَعَلَى الْمُخْتَارِ فِي الْمَرَضِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاعِيَ الْأَرْفَقَ بِنَفْسِهِ ( فَمَنْ يُحَمُّ ) مَثَلًا ( فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَدَّمَهَا ) إلَى الْأُولَى ( بِشَرَائِطِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ ، أَوْ فِي ) وَقْتِ ( الْأُولَى أَخَّرَهَا ) إلَى الثَّانِيَةِ ، وَأَسْقَطَ فِي نُسْخَةٍ قَوْلَهُ بِشَرَائِطِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَأَثْبَتَ فِيهَا بَعْدَ قَوْلِهِ أَخَّرَهَا وَيُشْتَرَطُ فِي التَّقْدِيمِ وُجُودُ الْحُمَّى كَالْمَطَرِ أَيْ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهَا فِي أَوَّلِ الصَّلَاتَيْنِ وَعِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْأُولَى وَتِلْكَ النُّسْخَةُ أَكْثَرُ فَائِدَةً ( وَإِنْ جَمَعَ تَقْدِيمًا ) بَلْ أَوْ تَأْخِيرًا فِي الظُّهْرِ ، وَالْعَصْرِ ( صَلَّى سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا ، ثُمَّ الْفَرِيضَتَيْنِ ) الظُّهْرَ ، ثُمَّ الْعَصْرَ ( ثُمَّ بَاقِيَ السُّنَنِ مُرَتَّبَةً ) أَيْ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي بَعْدَهَا ، ثُمَّ سُنَّةَ الْعَصْرِ ( وَفِي الْمَغْرِبِ ، وَالْعِشَاءِ يُصَلِّي الْفَرِيضَتَيْنِ ، ثُمَّ السُّنَنَ مُرَتَّبَةً ) سُنَّةَ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ ( ثُمَّ الْوِتْرَ ) وَتَحْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ الظُّهْرَ ، وَالْعَصْرَ

قَدَّمَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَهُ تَأْخِيرُهَا سَوَاءٌ أَجَمَعَ تَقْدِيمًا أَمْ تَأْخِيرًا وَتَوْسِيطُهَا إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا سَوَاءٌ أَقَدَّمَ الظُّهْرَ أَمْ الْعَصْرَ وَأَخَّرَ سُنَّتَهَا الَّتِي بَعْدَهَا وَلَهُ تَوْسِيطُهَا إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا وَقَدَّمَ الظُّهْرَ وَأَخَّرَ عَنْهُمَا سُنَّةَ الْعَصْرِ وَلَهُ تَوْسِيطُهَا وَتَقْدِيمُهَا إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا سَوَاءٌ أَقَدَّمَ الظُّهْرَ أَمْ الْعَصْرَ وَإِذَا جَمَعَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ أَخَّرَ سُنَّتَيْهِمَا ، وَلَهُ تَوْسِيطُ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا أَوْ قَدَّمَ الْمَغْرِبَ ، وَتَوْسِيطُ سُنَّةِ الْعِشَاءِ إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا وَقَدَّمَ الْعِشَاءَ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَمْنُوعٌ .
وَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ ، وَالْعِشَاءِ سُنَّةً مُقَدَّمَةً فَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي جَمْعَيْ الظُّهْرِ ، وَالْعَصْرِ ، وَالْأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا تَقَرَّرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( فَرْعٌ ) قَدْ جَمَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وَمَا لَا يَخْتَصُّ فَقَالَ : الرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَرْبَعٌ : الْقَصْرُ ، وَالْفِطْرُ ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَالْجَمْعُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَاَلَّذِي يَجُوزُ فِي الْقَصِيرِ أَيْضًا أَرْبَعٌ : تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالسَّفَرِ ، وَالتَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَالتَّيَمُّمُ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا .
وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالسَّفَرِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ صُوَرٌ مِنْهَا مَا لَوْ سَافَرَ الْمُودَعُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ وَلَا وَكِيلَهُ وَلَا الْحَاكِمَ وَلَا الْأَمِينَ فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَصْحَبَ مَعَهُ ضَرَّةَ زَوْجَتِهِ بِقُرْعَةٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ وَوَقَعَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَصْحِيحُ عَكْسِهِ ، وَهُوَ سَهْوٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ .

قَوْلُهُ : وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَلَا مَطَرَ إلَخْ ) ، أَوْ أَرَادَ بِالْجَمْعِ التَّأْخِيرَ بِأَنْ أَخَّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَأَوْقَعَ الثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ( قَوْلُهُ : وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بِالْمَأْمُومِينَ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ إمَامًا رَاتِبًا ، أَوْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إمَامَتِهِ تَعْطِيلُ الْجَمَاعَةِ ( قَوْلُهُ : وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَطَرِ إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ افْتَتَحَ الْأُولَى ، وَالْمَطَرُ قَائِمٌ ، ثُمَّ انْقَطَعَ فِي خِلَالِهَا ، ثُمَّ اتَّصَلَ إلَى أَنْ دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ صَحَّ لَهُ الْجَمْعُ لِوُجُودِ الْعُذْرِ فِي الطَّرَفَيْنِ ( قَوْلُهُ : الْمُخْتَارِ جَوَازُ الْجَمْعِ بِالْمَرَضِ ) قَالَ شَيْخُنَا ضَعِيفٌ .

( فَصْلٌ إذَا بَلَغَ السَّفَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَالْقَصْرُ أَفْضَلُ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَيُخَالِفُ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ، وَإِنْ مَنَعَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ لَا يُقِيمُونَ لِمَذْهَبِهِمْ وَزْنًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَلِبَقَاءِ شُغْلِ الذِّمَّةِ إذَا أَفْطَرَ ( إلَّا لِمَلَّاحٍ يُسَافِرُ ) فِي الْبَحْرِ ( بِأَهْلِهِ وَمَنْ لَا يَزَالُ مُسَافِرًا بِلَا وَطَنٍ ) ، فَالْإِتْمَامُ لَهُمَا أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمَا كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَرُوعِيَ فِيهِمَا خِلَافُهُ دُونَ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ ( وَالْغَسْلُ ) لِلرَّجُلِ ( وَتَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ مَسْحِ الْخُفِّ وَ ) مِنْ ( الْجَمْعِ ) لِأَصَالَتِهِمَا وَفَارَقَا الْقَصْرَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُؤْتَ فِيهِ بِجِنْسِ الْوَاجِبِ ، وَالثَّانِي فِيهِ إخْلَاءُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ عَنْ وَظِيفَتِهِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ فِيهِمَا نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْهُمَا مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ كَرَاهَةَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي .
وَمِنْ الثَّانِيَةِ الْحَاجُّ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ لَهُ فِي الدُّعَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي السَّيْرِ فِي الثَّانِي وَمَنْ إذَا جَمَعَ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ خَلَا عَنْ حَدَثِهِ الدَّائِمِ ، أَوْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ ( وَكُرِهَ تَرْكُ التَّرَخُّصِ ) بِالْقَصْرِ ، وَالْجَمْعِ وَسَائِرُ الرُّخَصِ ( لِمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ كَرَاهَتَهُ ) أَيْ كَرَاهَةَ التَّرَخُّصِ فَيَكَادُ يَكُونُ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إلَى أَنْ تَزُولَ عَنْهُ الْكَرَاهَةُ وَمِثْلُهَا مَا لَوْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ ، أَوْ تَرَكَهُ شَكًّا فِي جَوَازِهِ ، وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ ذَكَرَهَا فِي الرَّوْضَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسْحِ الْخُفِّ .
( وَإِنْ نَوَى الْكَافِرُ ، أَوْ الصَّبِيُّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ ) الْكَافِرُ ( أَوْ بَلَغَ ) الصَّبِيُّ ( فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ الْمَسَافَةِ ( قَصَرَ فِي الْبَقِيَّةِ مِنْهَا ) وَمَا ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ فِي الصَّبِيِّ نَقْلٌ عَنْ الرُّويَانِيِّ

وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَصْرُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ .
وَهُوَ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ ، وَالصَّوَابُ صِحَّتُهُ مِنْهُ ، وَقَدْ قَالُوا لَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا ، ثُمَّ بَلَغَ ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَتِهَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ بَلْ نَبَّهَ عَلَى غَيْرِهِ فَقَالَ مَا ذُكِرَ فِي الصَّبِيِّ مُتَّجَهٌ إنْ بَعَثَهُ وَلِيُّهُ ، فَإِنْ سَافَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا أَثَرَ لِمَا قَطَعَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ ، وَإِنْ سَافَرَ مَعَهُ فَيُتَّجَهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ مَا مَرَّ فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ ( وَإِنْ نَوَى اثْنَانِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَأَحَدُهُمَا حَنَفِيٌّ يَعْتَقِدُ الْقَصْرَ فَاقْتَدَى بِهِ الْآخَرُ ) ، وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُهُ كَشَافِعِيٍّ ( كُرِهَ وَيُتِمُّ ) صَلَاتَهُ ( بَعْدَ سَلَامِهِ ) أَيْ الْحَنَفِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ فَعُلِمَ صِحَّةُ صَلَاتِهِ .
وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ .
وَقَدَّمْت فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ جَوَابُهُ ، ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الِاسْتِقْصَاءِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ صَوَّرُوا ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ نَوَاهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ فَصَلَّى أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ ( وَلَا قَصْرَ ) تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ .

قَوْلُهُ : إذَا بَلَغَ السَّفَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَخْ ) ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا ، فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ إلَّا لِمَنْ إذَا أَتَمَّ جَرَى حَدَثُهُ الدَّائِمُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ ، أَوْ فَاتَهُ خَلَاصُ أَسِيرٍ ، أَوْ خَافَ فَوْتَ عَرَفَةَ أَوْ لِمَاسِحِ خُفٍّ لَا مَاءَ مَعَهُ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّتِهِ مَا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ إلَّا مَقْصُورَةً أَوْ لِعَبْدٍ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِعَمَلِ شَيْءٍ فِي يَوْمٍ لَا يُكْمِلُهُ فِيهِ إلَّا إنْ صَلَّى قَاصِرًا ، أَوْ لِجَمْعٍ تَنَاوَبُوا مَكَانًا طَاهِرًا لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَلَوْ أَتَمُّوا لَوَقَعَتْ صَلَاةُ بَعْضِهِمْ بَعْدَ الْوَقْتِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ لَا يُقِيمُونَ لِمَذْهَبِهِمْ وَزْنًا إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ : مَحْمَلُهُ عِنْدِي ابْنُ حَزْمٍ وَأَمْثَالُهُ .
وَأَمَّا دَاوُد فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَوْ غَيْرُهُ إنَّ خِلَافَهُ لَا يُعْتَبَرُ فَلَقَدْ كَانَ جَبَلًا مِنْ جِبَالِ الْعِلْمِ ، وَالدِّينِ لَهُ مِنْ سَدَادِ النَّظَرِ وَسَعَةِ الْعِلْمِ وَنُورِ الْبَصِيرَةِ ، وَالْإِحَاطَةِ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ، وَالتَّابِعِينَ ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ مَا يَعْظُمُ وَقْعُهُ ، وَقَدْ دُوِّنَتْ كُتُبُهُ وَكَثُرَتْ أَتْبَاعُهُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ فِي الْفُرُوعِ ، وَقَدْ كَانَ مَشْهُورًا فِي زَمَنِ الشَّيْخِ وَبَعْدَهُ بِكَثِيرٍ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ فَارِسَ شِيرَازَ وَمَا وَالَاهَا إلَى نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ وَفِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ ر ( قَوْلُهُ : وَلِبَقَاءِ شُغْلِ الذِّمَّةِ إذَا أَفْطَرَ ) وَفِيهِ تَغْرِيرٌ بِالْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَعِيشُ حَتَّى يَقْضِيَهُ أَمْ لَا ؟ وَأَيْضًا الْمُفْطِرُ لَمْ يَأْتِ فِي مَحَلِّ الرُّخْصَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَصْلِ ، وَكَذَا مَاسِحُ الْخُفِّ بِخِلَافِ الْقَاصِرِ .
( قَوْلُهُ : وَرُوعِيَ فِيهِمَا خِلَافُهُ دُونَ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ ) ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ أَيْضًا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فِي حُرْمَةِ الْقَصْرِ الثَّانِي

إذَا قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَبَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهِ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ وَلِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ { لَمَّا خَرَجَ إلَى حِجَّةِ الْوَدَاعِ لَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ } قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا فِي دَائِمِ الْحَدَثِ إذَا كَانَ لَوْ قَصَرَ لَخَلَا زَمَنُ صَلَاتِهِ عَنْ جَرَيَانِ حَدَثِهِ وَلَوْ أَتَمَّ لَجَرَى فِيهَا قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الثَّانِي غَلَطٌ فَاحِشٌ .
وَلَوْ رَأَى جَمَاعَةً يُصَلُّونَ إتْمَامًا فَهَلْ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ أَنْ يُصَلِّيَ قَصْرًا أَوْ يُصَلِّيَ جَمَاعَةً إتْمَامًا ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمَاعَةً إتْمَامًا فَإِنَّ النَّوَوِيَّ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا يُوجِبُ الْقَصْرَ إذَا لَمْ يَقْتَدِ بِمُتِمٍّ فَأَمَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْإِتْمَامُ ، وَالْقَصْرُ ( قَوْلُهُ : أَوْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ ، أَوْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ ) بَلْ قَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِهِ ، وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي بَعْضِ صُوَرِ مُلَاقَاةِ الْغُزَاةِ ، وَالْمُجَاهِدِينَ وَمُسْتَنْقِذِي الْأَسْرَى مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَنْ لَوْ جَمَعَ تَأْخِيرًا صَارَ مُقِيمًا قَبْلَ فَرَاغِهِمَا فَيَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ جَمْعُ التَّأْخِيرِ ، أَوْ صَلَّى بِطَهَارَةِ الْمَاءِ كُلًّا مِنْ الصَّلَاتَيْنِ ، أَوْ أَتَى بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا ، أَوْ صَلَّى قَائِمًا ( قَوْلُهُ : ، وَالصَّوَابُ صِحَّتُهُ مِنْهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
قَوْلُهُ : صَوَّرُوا ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( كِتَابُ ) صَلَاةِ ( الْجُمُعَةِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا أَوْ فَتْحِهَا وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَكَانَ يَوْمُهَا يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَيْ الْبَيِّنِ الْمُعَظَّمِ ( وَهِيَ ) أَيْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِشُرُوطِهَا ( فَرْضُ عَيْنٍ ) قَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ } أَيْ فِيهِ { فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ } { وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ } { وَقَالَ رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ } { وَقَالَ الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ مَرِيضٌ } رَوَى الْأَوَّلَ مُسْلِمٌ وَالثَّانِيَ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالثَّالِثَ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا رَكْعَتَانِ وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَالْآدَابِ وَتَخْتَصُّ بِشُرُوطٍ لِصِحَّتِهَا وَشُرُوطٍ لِلُزُومِهَا وَبِآدَابٍ وَسَتَأْتِي كُلُّهَا

( كِتَابُ الْجُمُعَةِ ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَقِيلَ ؛ لِأَنَّ آدَمَ جُمِعَ فِيهَا خَلْقُهُ وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِهِ فِيهَا مَعَ حَوَّاءَ فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ لِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ وَفِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ مَرْفُوعًا يَوْمُ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمُهَا وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى ( قَوْلُهُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا إلَخْ ) الضَّمُّ أَشْهَرُ وَكَتَبَ أَيْضًا فَالْمُتَحَرِّكُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ كَضَحِكَةٍ بِمَعْنَى ضَاحِكَةٍ وَالْمَسْكَنُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَضَحِكَةٍ أَيْ مَضْحُوكٍ عَلَيْهِ فَالْمَعْنَى إمَّا جَامِعٌ أَوْ مَجْمُوعٌ بِهِمْ ( قَوْلُهُ { فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } ) ، وَهُوَ الصَّلَاةُ وَقِيلَ الْخُطْبَةُ فَأَمَرَ بِالسَّعْيِ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَإِذَا وَجَبَ السَّعْيُ وَجَبَ مَا يُسْعَى إلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَيْعِ ، وَهُوَ مُبَاحٌ وَلَا يُنْهَى عَنْ فِعْلِ الْمُبَاحِ إلَّا لِفِعْلٍ وَاجِبٍ

( فِيهِ ) أَيْ كِتَابِ الْجُمُعَةِ ( ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ صِحَّتِهَا ، وَهِيَ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ وَقْتُ الظُّهْرِ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَمَا رَوَيَاهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مِنْ قَوْلِهِ { كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ } مَحْمُولٌ عَلَى شِدَّةِ التَّعْجِيلِ بَعْدَ الزَّوَالِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا يَنْفِي ظِلًّا يُسْتَظَلُّ بِهِ لَا أَصْلَ الظِّلِّ ( فَلَا تُصَلَّى ) الْجُمُعَةُ وَلَا يُفْعَلُ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَا مِنْ خُطْبَتَيْهَا ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ وَقْتِ ظُهْرِ يَوْمِهَا وَلَوْ جَازَ تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ لَقَدَّمَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَقَعَ الصَّلَاةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ ( بَلْ إنْ لَمْ يَسَعْ ) الْوَقْتُ ( الْوَاجِبَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ أَوْ شَكُّوا فِي بَقَائِهِ ) قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا ( تَعَيَّنَ الْإِحْرَامُ بِالظُّهْرِ ) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ مَدَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى حَتَّى تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَا يَسَعُ الثَّانِيَةَ هَلْ تَنْقَلِبُ ظُهْرًا الْآنَ أَوْ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَرُجِّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَنَظَائِرُهُ مِمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ وَكَانَتْ مُدَّةَ الْخَوْفِ تَنْقَضِي فِيهَا أَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ فِي الْيَوْمِ هَلْ يَحْنَثُ ؟ وَنَحْوُهُمَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِيَ لَكِنْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ بَابَ الْجُمُعَةِ أَحْوَطُ مِنْ ذَلِكَ .
( وَإِنْ شَرَعُوا ) فِيهَا ( فِي الْوَقْتِ وَخَرَجَ ) وَهُمْ فِيهَا فَاتَتْ إذْ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا بَعْدَهُ فَتَنْقَطِعُ بِخُرُوجِهِ كَالْحَجِّ وَإِلْحَاقًا لِلدَّوَامِ بِالِابْتِدَاءِ كَدَارِ الْإِقَامَةِ وَ ( أَتَمُّوهَا ظُهْرًا ) وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ وَمَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى أَنَّهُمْ إنْ شَاءُوا أَتَمُّوهَا ظُهْرًا أَوْ إنْ شَاءُوا قَلَبُوهَا نَفْلًا وَاسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ ( وَلَوْ لَمْ يَجِدْهُ وَالنِّيَّةُ )

لِلظُّهْرِ ؛ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا وَقْتٍ وَاحِدٍ فَجَازَ بِنَاءُ أَطْوَلِهِمَا عَلَى أَقْصَرِهِمَا كَصَلَاةِ الْحَضَرِ مَعَ السَّفَرِ ( وَيُسِرُّ الْإِمَامُ ) بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ ( وَلَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِهِ ) فِي أَثْنَائِهَا ( لَمْ يُؤَثِّرْ ) فَيُتِمُّونَهَا جُمُعَةً ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَلَوْ أَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ بِخُرُوجِهِ .
قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يُحْتَمَلُ فَوْتُهَا قَالَ وَعِنْدِي خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا نَقْلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْأَوْجَهُ فَوْتُهَا عَمَلًا بِخَبَرِ الْعَدْلِ كَمَا فِي غَالِبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ وَمِنْهُ مَا يَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ ( وَإِنْ سَلَّمُوا ) مِنْهَا ( هُمْ أَوْ الْمَسْبُوقُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى خَارِجَ الْوَقْتِ عَالِمِينَ ) بِخُرُوجِهِ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُمْ وَتَعَذَّرَ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُمْ بِخُرُوجِهِ لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ فَسَلَامُهُمْ كَالسَّلَامِ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ عَمْدًا ( وَلَوْ قَلَبُوهَا ) قَبْلَ السَّلَامِ ( نَفْلًا ) فَإِنَّهَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ قَلَبْت الظُّهْرَ نَفْلًا ( أَوْ ) سَلَّمُوا ( جَاهِلِينَ ) بِخُرُوجِهِ ( أَتَمُّوهَا ظُهْرًا ) لِعُذْرِهِمْ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ يَحُطَّ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْوَقْتُ فِيمَا يَتَدَارَكُهُ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِلْقَوْمِ كَمَا حُطَّ عَنْهُ الْقُدْوَةُ وَالْعَدَدُ لِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي قُلْنَا ؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِرِعَايَتِهِ أَكْثَرُ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الِانْفِضَاضِ الْمُخِلِّ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ اخْتِلَافِهِ فِي فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِوُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ خَارِجَ الْوَقْتِ .
( وَإِنْ سَلَّمَ ) الْأَوْلَى ( الْإِمَامُ وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فِي الْوَقْتِ وَ ) سَلَّمَهَا ( الْبَاقُونَ خَارِجَهُ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْمُسَلِّمِينَ خَارِجَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ وَكَذَا جُمُعَةُ الْمُسَلِّمِينَ فِيهِ لَوْ نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعِينَ كَأَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِيهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَعَهُ أَوْ بَعْضُهُمْ خَارِجَهُ وَاسْتُشْكِلَ

بُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ فِي حَقِّهِ بِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مُحْدِثِينَ دُونَهُ صَحَّتْ لَهُ وَحْدَهُ مَعَ عَدَمِ انْعِقَادِ صَلَاتِهِمْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ سَلَامَ الْمُحْدِثِينَ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ فَتَمَّتْ فِيهِ صُورَةُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ فِي هَذِهِ مُقَصِّرٌ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ بَعْضِهَا عَنْ الْوَقْتِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ بَلْ سَلَّمَ فِي الْوَقْتِ فَأَخَّرُوا إلَى أَنْ خَرَجَ الْوَقْتُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إلْحَاقًا لِلْفَرْدِ النَّادِرِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَلْتَزِمَ فِيهَا صِحَّةَ جُمُعَتِهِ ، وَهُوَ أَوْجَهُ وَبِأَنَّ الْمُحْدِثَ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِخِلَافِهَا خَارِجَ الْوَقْتِ

( قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقْتُ الظُّهْرِ ) لِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ لِافْتِتَاحِهَا فَكَانَ شَرْطًا لِدَوَامِهَا كَالطَّهَارَةِ فَلَا تُقْضَى ( قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا فَرْضَا وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَخْتَلِفْ وَقْتُهُمَا كَصَلَاةِ الْحَضَرِ وَصَلَاةِ السَّفَرِ ( قَوْلُهُ أَوْ شَكُّوا فِي بَقَائِهِ ) لَوْ قَالَ إنْ كَانَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بَاقِيًا فَجُمُعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَظُهْرٌ ثُمَّ بَانَ بَقَاؤُهُ فَوَجْهَانِ وَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ وَبِهِ أَفْتَيْت ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمُقْتَضِي ( قَوْلُهُ أَوْ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَتَنْقَطِعُ بِخُرُوجِهِ ) كَالْحَجِّ يَتَحَلَّلُ فِيهِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ ( قَوْلُهُ وَإِلْحَاقًا لِلدَّوَامِ بِالِابْتِدَاءِ إلَخْ ) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ كُلُّ شَرْطٍ اخْتَصَّ بِالْجُمُعَةِ فِي افْتِتَاحِهَا فَإِنَّهُ تَجِبُ اسْتِدَامَتُهُ إلَى تَمَامِهَا ( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَشْبَهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ وَعَدَمِهِ لَا أَنَّ الْمَذْهَبَ تَحَتَّمَ الْبِنَاءُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ وَهَلْ نَقُولُ الْبِنَاءُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ إبْطَالِهَا أَوْ الِاسْتِئْنَافِ لِتَصِحَّ ظُهْرُهُ وِفَاقًا الْأَقْرَبُ الثَّانِي إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَحِينَئِذٍ يُقَلِّبُهَا نَفْلًا وَيُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الظُّهْرَ .
ا هـ .
وَقَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِ الْبِنَاءِ أَنَّهُمَا صَلَاتَا وَقْتٍ فَجَازَ بِنَاءُ أَطْوَلِهِمَا عَلَى أَقْصَرِهِمَا كَصَلَاةِ الْحَضَرِ مَعَ السَّفَرِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ نَعَمْ يَجِبُ الْبِنَاءُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الظُّهْرِ لَوْ اُسْتُؤْنِفَ عَلَى كُلٍّ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ وَكَلَامِ الْغَزَالِيِّ لَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَتِنَا إذْ صُورَتُهَا أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ خَرَجَ وَهُمْ فِيهَا ( قَوْلُهُ لَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِهِ إلَخْ ) أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ آخِرَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَنَوَى الْجُمُعَةَ إنْ كَانَ وَقْتُهَا بَاقِيًا

وَإِلَّا فَالظُّهْرُ فَبَانَ بَقَاءُ الْوَقْتِ فَفِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَجْهَانِ .
وَوَجْهُ الْجَوَازِ اعْتِضَادُ نِيَّتِهِ بِالِاسْتِصْحَابِ لِلْوَقْتِ وَمِثْلُهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ إذَا اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ انْتَهَى وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهَا وَقَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهَا قَالَ الشَّيْخُ : هَذَا يُنَافِي قَوْلِ الرَّوْضِ أَوْ شَكُّوا فِي بَقَائِهِ تَعَيَّنَ الْإِحْرَامُ بِالظُّهْرِ .
ا هـ .
إلَّا أَنْ يُخَصِّصَ قَائِلُ هَذَا كَلَامَ الرَّوْضِ بِغَيْرِ التَّعْلِيقِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ نَعَمْ إنْ صَوَّرْت الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا لَمْ يَشُكَّ لِنَحْوِ اعْتِقَادِهِ تَبْقِيَةَ الْوَقْتِ فَعُلِّقَ كَمَا ذُكِرَ كَانَتْ الصِّحَّةُ ظَاهِرَةً .
ا هـ .
( قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يُحْتَمَلُ فَوْتُهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ ) وَبِدَلِيلِ تَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَوَاتِ عَلَى دُخُولِ وَقْتِهَا وَحُرْمَةِ تَأْخِيرِهَا عَنْهُ بِخِلَافِ الْقُدْوَةِ وَالْعَدَدِ ( قَوْلُهُ إلْحَاقًا لِلْفَرْدِ النَّادِرِ إلَخْ ) فَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ

( الشَّرْطُ الثَّانِي دَارُ الْإِقَامَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَمْ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ إلَّا فِيهَا ( فَلَا تَصِحُّ ) الْجُمُعَةُ ( إلَّا فِي أَبْنِيَةٍ مُجْتَمِعَةٍ ) فِي الْعُرْفِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَسْجِدٍ وَالتَّصْرِيحُ بِمُجْتَمِعَةٍ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ ( فَإِنْ انْهَدَمَتْ وَأَقَامُوا لِعِمَارَتِهَا لَمْ يَضُرَّ ) انْهِدَامُهَا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَظَالِّ ؛ لِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ وَلَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ بِنَاءٍ إلَّا فِي هَذِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلُوا مَكَانًا وَأَقَامُوا فِيهِ لِيَعْمُرُوهُ قَرْيَةً لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فِيهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ ( وَسَوَاءٌ ) فِي الْأَبْنِيَةِ ( الْبِلَادُ وَالْقُرَى وَالْأَسْرَابُ الَّتِي تُتَوَطَّنُ وَالْبِنَاءُ بِالْخَشَبِ وَغَيْرِهِ ) كَطِينٍ وَقَصَبٍ وَسَعَفٍ وَالْأَسْرَابُ جَمْعُ سَرَبٍ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ بَيْتٌ فِي الْأَرْضِ ( لَا ) فِي ( خِيَامٍ يَنْتَقِلُ أَهْلُهَا ) مِنْ مَحَالِّهَا شِتَاءً أَوْ غَيْرَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فِيهَا ( وَكَذَا إذَا لَمْ يَنْتَقِلُوا ) بَلْ اسْتَوْطَنُوهَا دَائِمًا ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ الْمُقِيمِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ بِهَا فَإِنَّهُمْ عَلَى أُهْبَةِ الْمُسْتَوْفِزِينَ ( وَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي فَضَاءٍ ) مَعْدُودٍ مِنْ الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ بِحَيْثُ ( لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ) كَمَا فِي السَّكَنِ الْخَارِجِ عَنْهَا الْمَعْدُودِ مِنْهَا الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ بِالْأَوْلَى بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْدُودِ مِنْهَا فَمَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي السَّكَنِ الْخَارِجِ عَنْهَا أَرَادَ بِهِ هَذَا وَالسُّبْكِيُّ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّ كَلَامَهُمْ يُفْهِمُ ذَلِكَ قَالَ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُعَدَّ السَّكَنُ مِنْ الْقَرْيَةِ فَإِنْ عُدَّ مِنْهَا وَلَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهَا فَيَنْبَغِي صِحَّتُهَا فِيهِ فَفِي الْأُمِّ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَهَا وَلَا يَكُونُ بَيْنَ

يَدَيْهِ بَيْتٌ مُنْفَرِدٌ وَلَا مُتَّصِلٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ حَسَنٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْقُرَى يُؤَخِّرُونَ الْمَسْجِدَ عَنْ جِدَارِ الْقَرْيَةِ قَلِيلًا صِيَانَةً لَهُ عَنْ نَجَاسَةِ الْبَهَائِمِ وَعَدَمُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِيهِ بَعِيدٌ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَنَى أَهْلُ الْبَلْدَةِ مَسْجِدَهُمْ خَارِجَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبُنْيَانِ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِصَالٍ لَا يُعَدُّ بِهِ مِنْ الْقَرْيَةِ .
ا هـ .

( قَوْلُهُ الثَّانِي دَارُ الْإِقَامَةِ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ فَإِنْ تَفَرَّقَتْ لَمْ تَجِبْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ تَقَارَبَتْ وَجَبَتْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَحَدُّ الْقُرْبِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَنْزِلٍ وَمَنْزِلٍ دُونَ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ .
ا هـ .
وَجَزَمَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالرُّجُوعِ فِي الِاجْتِمَاعِ وَالتَّفَرُّقِ إلَى الْعُرْفِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً بِأَنْ كَانَ بَعْضُهَا نَائِيًا عَنْ بَعْضٍ بِحَيْثُ يَقْصُرُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ مِنْ بَعْضِهَا وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْ الثَّانِي فَهَذِهِ مُتَفَرِّقَةٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ انْهَدَمَتْ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَقِيَ مَا لَوْ جَلَا أَهْلُهَا وَحَضَرَ قَوْمٌ أَرْبَعُونَ عَلَى اسْتِيطَانِهَا وَأَخَذُوا فِي عِمَارَتِهَا هَلْ يَكُونُ كَأَهْلِهَا فِيمَا سَبَقَ أَمْ لَا حَتَّى يَرْفَعُوا الْبِنَاءَ فِيهِ احْتِمَالٌ وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ وَإِذَا أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي أَبْنِيَةِ الْقَرْيَةِ وَامْتَدَّتْ الصُّفُوفُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَوَرَاءَ مَعَ الِاتِّصَالِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْمَوَاقِفِ حَتَّى خَرَجَتْ إلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ فَهَلْ نَقُولُ تَصِحُّ جُمُعَةُ الْخَارِجِينَ عَنْ الْأَبْنِيَةِ فِي الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ تَبَعًا لِمَنْ فِي الْأَبْنِيَةِ أَوْ لَا لِمَا سَبَقَ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالثَّانِي مُحْتَمَلٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْخَارِجِينَ تَبَعًا لِمَنْ فِي الْأَبْنِيَةِ كَمَا سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ نَرَ فِيهَا تَصْرِيحًا .
ا هـ .
وَكَلَامُهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي رَدِّ مَا تَفَقَّهَاهُ إنْ كَانُوا فِي مَكَان تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَإِلَّا فَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْتَقِلُوا إلَخْ ) إلَّا إنْ بَلَغَ أَهْلُ دَارٍ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ فَتَلْزَمُهُمْ وَهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ كَبَلَدِ الْجُمُعَةِ ( قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِصَالٍ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَ آخِرِ بَيْتٍ مِنْ الْقَرْيَةِ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ

فَمَا دُونَهَا انْعَقَدَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ

( الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي الْبَلَدِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ لَمْ يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ ( نَعَمْ إذَا كَثُرَ النَّاسُ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَسْجِدٍ ) أَوْ نَحْوِهِ ( فَالتَّعَدُّدُ جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ ) بِحَسَبِهَا ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا يُقِيمُونَ بِهَا جُمُعَتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَا يَحْتَمِلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ غَيْرَهُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَبِهِ أَفْتَى الْمُزَنِيّ بِمِصْرَ وَظَاهِرُ النَّصِّ مَنْعُ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ قَالَ السُّبْكِيُّ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ثُمَّ انْتَصَرَ لَهُ وَصَنَّفَ فِيهِ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا وَنَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَأَنْكَرَ نِسْبَةَ الْأَوَّلِ لِلْأَكْثَرِ وَأَطْنَبَ فِي ذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ إذَا صَلَّى جُمُعَةً بِبَلَدٍ تَعَدَّدَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبْقُ جُمُعَتِهِ أَنْ يُعِيدَهَا ظُهْرًا .
( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( إذَا لَمْ يَعْسُرْ ) اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان ( وَصَلَّوْا جُمُعَتَيْنِ فَالصَّحِيحَةُ هِيَ السَّابِقَةُ ) لِلْأُخْرَى بِالْإِحْرَامِ ( وَدَلْوَ بِانْتِهَاءِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ ) لَهُ ؛ لِأَنَّ بِهِ يُتَبَيَّنُ الِانْعِقَادُ ( لَا ابْتِدَائِهَا ) فَلَا عِبْرَةَ بِالسَّبْقِ بِهِ وَلَا بِالْخُطْبَةِ وَلَا بِالسَّلَامِ بَلْ بِمَا قُلْنَا ( وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الْأُخْرَى وَإِذَا ) دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ ( أُخْبِرُوا بِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ ) بِغَيْرِهِمْ ( أَتَمُّوهَا ظُهْرًا ) كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهِ لَوْ اسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ ( وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ ) لِيَصِحَّ ظُهْرُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ تَكْبِيرَةُ الْإِمَامِ عَلَى

أَنَّهَا الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ تَكْبِيرَةِ مَنْ خَلْفَهُ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ إمَامُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ إمَامٌ آخَرُ بِهَا ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ ثُمَّ بِالْأَوَّلِ مِثْلُهُمْ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْأَوَّلِ إذْ بِإِحْرَامِهِ تَعَيَّنَتْ جُمُعَتُهُ لِلسَّبْقِ وَامْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ أُخْرَى وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ ( ، وَإِنْ اقْتَرَنَتَا ) بِأَنْ أَحْرَمَا مَعًا ( بَطَلَتَا ) لِتَدَافُعِهِمَا وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى ( وَتُسْتَأْنَفُ الْجُمُعَةُ ) إنْ وَسِعَ الْوَقْتُ ( وَكَذَا ) تُسْتَأْنَفُ لَوْ لَمْ يُعْلَمْ السَّبْقُ لِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُمْ إذَا أَعَادُوا الْجُمُعَةَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ مُشْكِلٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إحْدَاهُمَا فَلَا تَصِحُّ أُخْرَى فَالْيَقِينُ أَنْ يُقِيمُوا جُمُعَةً ثُمَّ ظُهْرًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَمَا قَالَهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كَافِيَةٌ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا قَالُوهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ غَيْرُهُ ؛ وَلِأَنَّ السَّبْقَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَوْ يُظَنَّ لَمْ يُؤَثِّرْ احْتِمَالُهُ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ أَوْ ظَنِّهِ لَا إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ ( فَإِنْ عُلِمَ ) السَّبْقُ مُعَيَّنًا ( ثُمَّ نَسِيَ لَزِمَهُمْ الظُّهْرُ ) لِالْتِبَاسِ الصَّحِيحَةِ بِالْفَاسِدَةِ ( وَكَذَا ) يَلْزَمُهُمْ الظُّهْرُ لِذَلِكَ ( إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ) سَبْقٌ كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ خَارِجَا الْمَسْجِدَيْنِ تَكْبِيرَتَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ وَجَهِلَا السَّابِقَةَ فَأَخْبَرَاهُمْ بِالْحَالِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعَدْلَ الْوَاحِدَ كَافٍ فِي ذَلِكَ

( قَوْلُهُ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ إلَخْ ) لِوُقُوعِ الزَّحْمَةِ أَوْ لِبُعْدِ أَطْرَافِ الْبَلْدَةِ أَوْ لِوُقُوعِ الْمُقَاتَلَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا وَحَدُّ الْبُعْدِ كَمَا فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْبَلَدِ ( قَوْلُهُ فَالتَّعَدُّدُ جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ ) أَيْ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ ذَلِكَ لَوَجَبَ التَّكْبِيرُ قَبْلَ الْفَجْرِ لِبُعْدِ الْجَامِعِ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ انْتَصَرَ لَهُ ) وَصَنَّفَ فِيهِ أَرْبَعَ مُصَنَّفَاتٍ ( قَوْلُهُ وَلَوْ بِانْتِهَاءِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ لَهُ ) أَيْ لِلْإِحْرَامِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الْأُخْرَى ) لِأَنَّ حُضُورَ الْإِمَامِ وَإِذْنَهُ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا

( الشَّرْطُ الرَّابِعُ الْعَدَدُ فَلَا تَنْعَقِدُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ لِخَبَرِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي الْمَدِينَةِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا } قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِعَدَدٍ ثَبَتَ فِيهِ تَوْقِيفٌ وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهَا بِأَرْبَعِينَ وَثَبَتَ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } وَلَمْ تَثْبُتْ صَلَاتُهُ لَهَا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ ، وَأَمَّا خَبَرُ انْفِضَاضِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشْرَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ ابْتَدَأَهَا بِاثْنَيْ عَشْرَ بَلْ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُمْ أَوْ عَوْدُ غَيْرِهِمْ مَعَ سَمَاعِهِمْ أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ وَفِي مُسْلِمٍ انْفَضُّوا فِي الْخُطْبَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ انْفَضُّوا فِي الصَّلَاةِ ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْخُطْبَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ فَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ وَلَوْ أُمِّيِّينَ فِي دَرَجَةٍ ( لَا ) بِأَرْبَعِينَ ( وَفِيهِمْ أُمِّيٌّ ) وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ ( لِارْتِبَاطِ ) صِحَّةِ ( صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ) فَصَارَ كَاقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ ( نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ ) فَتَاوَى ( الْبَغَوِيّ ) ، وَهُوَ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا قَصَّرَ الْأُمِّيُّ فِي التَّعَلُّمِ وَإِلَّا فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْأُمِّيِّينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي دَرَجَةٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ جَهِلُوا كُلُّهُمْ الْخُطْبَةَ لَمْ تَجُزْ الْجُمُعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَهَا بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّهَا

تُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا
( قَوْلُهُ الرَّابِعُ الْعَدَدُ إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ لِمَ اخْتَصَّتْ الْجُمُعَةُ بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلِمَ اخْتَصَّتْ الْأَرْبَعُونَ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْدَادِ قَالَ الْأَصْبَحِيُّ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِمُبَاهَاةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِعَدَدٍ وَالْأُولَى مِنْ الْأَعْدَادِ مَا أَظْهَرَ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ ، وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ فَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي النُّكَتِ قَالَ شَيْخُنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا اخْتَصَّتْ بِهَذَا الْعَدَدِ ؛ لِأَنَّ خَيْرَ الطَّلَائِعِ أَرْبَعُونَ ( قَوْلُهُ فَلَا تَنْعَقِدُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ ) سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ الْإِنْسِ أَوْ مِنْ الْجِنِّ أَوْ مِنْهُمَا قَالَ الْقَمُولِيُّ قَالَ الدَّمِيرِيِّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ إنَّ كَلَامَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَصَوَّرُوا فِي صُورَةِ بَنِي آدَمَ وَكَتَبَ أَيْضًا يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِيُحْرِمَ الْإِمَامُ بِأَرْبَعِينَ وَيَقِفَ الزَّائِدُ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُمْ أَرْبَعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لِلْأَوَّلِينَ ( قَوْلُهُ لِخَبَرِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إلَخْ ) وَلِقَوْلِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ { فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إمَامًا وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ جُمُعَةً } أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ كَقَوْلِهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اجْتَمَعَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَعَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا جُمُعَةَ إلَّا فِي أَرْبَعِينَ } .

( فَرْعٌ يُشْتَرَطُ حُضُورُ أَرْبَعِينَ ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ ( ذُكُورًا مُكَلَّفِينَ أَحْرَارًا مُتَوَطِّنِينَ ) بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ أَيْ ( لَا يَظْعَنُونَ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ ) كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْكُفَّارِ وَالنِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ وَمَنْ فِيهِمْ رِقٌّ لِنَقْصِهِمْ وَلَا بِغَيْرِ الْمُتَوَطِّنِينَ كَمَنْ أَقَامَ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ وَلَوْ طَوِيلَةً كَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالتُّجَّارِ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ وَلَا بِالْمُتَوَطَّنِينَ خَارِجَ بَلَدِ الْجُمُعَةِ ، وَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ لِعَدَمِ الْإِقَامَةِ بِبَلَدِهَا وَمِنْ ثَمَّ اُشْتُرِطَ تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِتَصِحَّ لِغَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي وَلَا يُنَافِيهِ صِحَّتُهَا لَهُ إذَا كَانَ إمَامًا فِيهَا مَعَ تَقَدُّمِ إحْرَامِهِ ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ إحْرَامِ الْإِمَامِ ضَرُورِيٌّ فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ قَالَ الْأَصْحَابُ النَّاسُ فِي الْجُمُعَةِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ مَنْ تَلْزَمُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ ، وَهُوَ مَنْ ذُكِرَ وَلَا عُذْرَ لَهُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ ، وَهُوَ مَنْ بِهِ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ أَوْ كُفْرٌ أَصْلِيٌّ أَيْ وَمَنْ بِهِ سُكْرٌ ، وَإِنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَتَصِحُّ مِنْهُ .
وَهُوَ مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَالْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ خَارِجَ الْبَلَدِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ وَالصَّبِيُّ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ ، وَهُوَ مَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ أَعْذَارِهَا غَيْرِ السَّفَرِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ ، وَهُوَ الْمُرْتَدُّ وَمَنْ تَلْزَمُهُ وَتَصِحُّ مِنْهُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ ، وَهُوَ الْمُقِيمُ غَيْرُ الْمُتَوَطِّنِ وَالْمُتَوَطِّنُ خَارِجَ بَلَدِهَا إذَا سَمِعَ نِدَاءَهَا وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْأَرْبَعِينَ ( فِي أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ وَ ) فِي ( الْجُمُعَةِ ) لِلِاتِّبَاعِ وَقَالَ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ }

فَسَّرَهُ كَثِيرٌ بِالْخُطْبَةِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَاجِبٌ فِي الْجُمُعَةِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( أَنْ يَسْمَعُوهَا ) أَيْ أَرْكَانَ الْخُطْبَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوهَا كَمَا سَيَأْتِي ، وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الْخُطْبَةِ ( وَإِنْ انْفَضُّوا ) كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ ( فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ عَادُوا وَلَمْ يَطُلْ فَصْلٌ ) فِي الْعُرْفِ ( بُنِيَ ) عَلَى فِعْلِهِ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ قَرِيبًا تَرْكَ رُكْنٍ وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ فَاتَهُمْ رُكْنٌ قَبْلَ الْعَوْدِ لَزِمَ إعَادَتُهُ لَهُمْ بَعْدَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( اسْتَأْنَفَ ) لِعَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْخُطْبَةَ أَوْ لِتَبَيُّنِ انْفِرَادِ الْإِمَامِ فِي الْأُولَى بِانْفِضَاضِهِمْ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ قَصَرَ الْفَصْلُ فِيهَا أَوْ لِتَرْكِ الْوَلَاءِ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى وَبِقَصْرِ الْفَصْلِ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِضَاضِهِمْ مَعَ عَوْدِهِمْ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِيهَا مَعَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْفَاتِحَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُضِرٌّ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ طُولَ الْفَصْلِ حِينَئِذٍ مُضِرٌّ

( قَوْله مُسْتَوْطِنِينَ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ ) مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ فِي بَلْدَةٍ وَمَسْكَنٌ فِي أُخْرَى هَلْ تَنْعَقِدُ بِهِ جُمُعَةُ الْبَلْدَتَيْنِ إنْ قَلَّ سُكُونُهُ فِي إحْدَاهُمَا أَمْ لَا أَمْ تَنْعَقِدُ بِهِ جُمُعَةٌ لِبَلَدِ الَّتِي سُكُونُهُ فِيهَا أَكْثَرُ دُونَ الْأُخْرَى قَالَ الْأَصْبَحِيُّ الْحُكْمُ لِلْبَلْدَةِ الَّتِي سُكُونُهُ فِيهَا أَكْثَرُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ نُظِرَ إلَى مَا لَهُ فِي أَيِّ الْمَنْزِلَيْنِ أَكْثَرُ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لَهُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ نُظِرَ إلَى نِيَّتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِيَّةٌ نُظِرَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي حَضَرَ فِيهِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لَهُ وَقَالَ أَبُو شُكَيْلٍ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي الْبَلَدِ الَّتِي سُكُونُهُ فِيهَا أَقَلُّ وَفِي انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي إقَامَتُهُ فِيهَا أَكْثَرُ احْتِمَالٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْمُتَمَتِّعِ فِي الْحَجِّ إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ وَالْآخَرُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَكَانَ يَسْكُنُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِهِ حَتَّى يُجْعَلَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَطَعَ الْأَصْفُونِيُّ بِمَا أَجَابَ بِهِ أَبُو شُكَيْلٍ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْعَرَّافِ ( قَوْلُهُ كَمَنْ أَقَامَ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَخْ ) إذَا أَكْرَهَ الْإِمَامُ أَهْلَ قَرْيَةٍ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْهَا وَتَعْطِيلِهَا بِالْبِنَاءِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَكَنُوا فِيهِ وَهُمْ مُكْرَهُونَ وَقَصْدُهُمْ الْعَوْدُ إذَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمَنْقُولِ إلَيْهَا أَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُمْ لَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ بَلْ لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ لَوْ فَعَلُوهَا لِفَقْدِ الِاسْتِيطَانِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِمْ مُتَوَطِّنِينَ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ مَا إذَا تَقَارَبَتْ قَرْيَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَبَلَغُوا أَرْبَعِينَ

فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَإِنْ سَمِعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِدَاءَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ فِي مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ ( قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ اُشْتُرِطَ إحْرَامُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ إلَخْ ) كَمَا لَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ إحْرَامِ الصَّفِّ الْخَارِجِ مِنْ الْمَسْجِدِ عَلَى الصَّفِّ الَّذِي يُشَاهِدُ الْإِمَامَ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ غَيْرِ الْقَاضِي عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ وَأَيَّدَهُ صَاحِبُ الْخَادِمِ كَالْبُلْقِينِيِّ قَالَ لَعَلَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ صَاحِبُ الْخَادِمِ أَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، وَهُوَ صِحَّةُ إمَامَةِ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ إذَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَأَجَابَ عَنْ تَوْجِيهِ الْقَاضِي بِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ ثَبَتَ لِلتَّابِعِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ لِلْمَتْبُوعِ وَبَعْدَ فَقْدِهِ فَالْأَوَّلُ كَالصَّبِيِّ فِي إمَامَةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ انْعِقَادِهَا لَهُمْ وَكَإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْعَامِ الثَّانِي فِي التَّعْجِيلِ قَبْلَ زَكَاةِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كَإِطَالَةِ التَّعْجِيلِ بِنِيَّةِ اسْتِحْبَابِهَا بَعْدَ قَطْعِ الْيَدِ فَوْقَ الْمِرْفَقِ .
ا هـ .
بِمَعْنَاهُ ، وَهُوَ يَقْتَضِي اعْتِمَادَ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَقَدْ أَجَابَ أَيْضًا عَنْ تَوْجِيهِ الْقَاضِي بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الصَّفَّ الَّذِي يُشَاهِدُ الْإِمَامَ دَلِيلٌ لِلصَّفِّ الْخَارِجِ عَلَى انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ وَالدَّلِيلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ دَلِيلٌ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ قَبْلَ مَدْلُولِهِ إنْ وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي

لَيْسَ كَذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ ( وَلَوْ تَبَطَّأَ الْمَأْمُومُونَ ) بِالْإِحْرَامِ عَقِبَ إحْرَامِ الْإِمَامِ ( وَأَدْرَكُوا رُكُوعَ ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى مَعَ الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ ) جُمُعَتُهُمْ ( وَإِلَّا فَلَا ) لِإِدْرَاكِهِمْ الرُّكُوعَ وَالْفَاتِحَةَ مَعَهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَسَبَقَهُ فِي الْأَوَّلِ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِيَامِ كَمَا لَوْ يَمْنَعُ إدْرَاكُهُمْ الرَّكْعَةَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْجُمُعَةِ وَالتَّرْجِيحُ فِيهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ كَمَا سَيَأْتِي وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ مَرَّةً وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ قَالَ الْقَفَّالُ تَصِحُّ وَالْجُوَيْنِيُّ يُشْتَرَطُ قَصْرُ الْفَصْلِ بَيْنَ تَحَرُّمِهِ وَتَحَرُّمِهِمْ وَالْإِمَامُ يُمَكِّنُهُمْ مِنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ انْتَهَى

( قَوْلُهُ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ ) وَشُرَّاحُ الْحَاوِي ( قَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ إلَخْ ) فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ إدْرَاكَهُمْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مَعَهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَقَدْ ادَّعَى الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى ذَلِكَ تَقْيِيدُ لُحُوقِ اللَّاحِقِينَ بِكَوْنِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَوْ تَحَرَّمَ أَرْبَعُونَ لَاحِقُونَ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى ثُمَّ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ الَّذِينَ أَحْرَمَ بِهِمْ أَوْ انْفَضُّوا فَلَا جُمُعَةَ بَلْ يُتِمُّهَا الْإِمَامُ وَمَنْ بَقِيَ مَعَهُ ظُهْرًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْأَرْبَعِينَ أَوْ مَنْ نَقَصَ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَدْ مَضَى لِلْإِمَامِ رَكْعَةٌ فَقَدَ فِيهَا الْجَمَاعَةَ أَوْ الْعَدَدَ إذْ الْمُقْتَدُونَ الَّذِينَ تَصِحُّ بِهِمْ الْجُمُعَةُ هُمْ اللَّاحِقُونَ وَلَمْ يُحْرِمُوا إلَّا بَعْدَ رُكُوعِهِ هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مَعَ تَنْقِيحٍ لَهُ وَتَوْشِيحٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ إذَا تَحَرَّمُوا وَالْعَدَدُ تَامٌّ صَارَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُمْ فِي التَّعْلِيلِ الْآتِي فَكَمَا لَا يُؤَثِّرُ انْفِضَاضُ الْأَوَّلِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ سَمَاعِ اللَّاحِقِينَ الْخُطْبَةَ كَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ حُضُورِهِمْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى أَنَّ

وَإِنْ ( أَتَمَّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ ) ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَحِقُوا وَالْعَدَدُ تَامٌّ صَارَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا فَسَقَطَ عَنْهُمْ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ ( أَوْ ) انْفَضُّوا ( قَبْلَ إحْرَامِهِمْ ) بِهِ ( اسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ بِهِمْ ) فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِدُونِهَا ، وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ لِانْتِفَاءِ سَمَاعِهِمْ وَلُحُوقِهِمْ ( وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِمْ فَانْفَضُّوا إلَّا تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ ) بِهِ ( فَكَمُلُوا ) أَرْبَعِينَ ( بِخُنْثَى فَإِنْ أَحْرَمَ ) بِهِ ( بَعْدَ انْفِضَاضِهِمْ لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ ) لِلشَّكِّ فِي تَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ ( وَإِلَّا صَحَّتْ ) ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْعِقَادِهَا وَصِحَّتِهَا وَشَكَّكْنَا فِي نَقْصِ الْعَدَدِ بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ وَالْأَصْلُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا نُبْطِلُهَا بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ هَلْ كَانَ مَسَحَ رَأْسَهُ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ الْخَنَاثَى ، وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِقَوْلِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَمُلَ بِهِ الْعَدَدُ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا لَزِمَهُمْ الْإِعَادَةُ فِي الْأَصَحِّ
انْفَضُّوا أَيْ السَّامِعُونَ لِلْخُطْبَةِ مِنْ الصَّلَاةِ ( بَعْدَ إحْرَامِ أَرْبَعِينَ ) الْأَوْلَى تِسْعَةٌ وَثَلَاثِينَ ( لَمْ يَسْمَعُوا ) الْخُطْبَةَ ( قَوْلَهُ : لِأَنَّهُمْ إذَا لَحِقُوا وَالْعَدَدُ تَامٌّ إلَخْ ) مُقْتَضَى إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّاحِقُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ أَمْ لَا ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ ح

( الشَّرْطُ الْخَامِسُ الْجَمَاعَةُ وَلَا ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَلَا ( تَصِحُّ ) الْجُمُعَةُ ( بِالْعَدَدِ فُرَادَى ) إذْ لَمْ يُنْقَلْ فِعْلُهَا كَذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْ الْعَدَدِ وَالْجَمَاعَةِ اشْتِرَاطُ الْآخَرِ لِانْفِكَاكِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ أَمَّا الْعَدَدُ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْضُرُ أَرْبَعُونَ مِنْ غَيْرِ جَمَاعَةٍ ، وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَلِأَنَّهَا الِارْتِبَاطُ الْحَاصِلُ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ، وَهُوَ لَا يَسْتَدْعِي عَدَدَ الْأَرْبَعِينَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ( وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ السُّلْطَانِ ) الْجُمُعَةَ وَلَا إذْنُهُ فِيهَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ فِيهَا ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطُولَ فَصْلٌ بَيْنَ إحْرَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَبَيْن إحْرَامِ الْإِمَامِ ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ السَّابِقِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ
( قَوْلُهُ الْخَامِسُ الْجَمَاعَةُ ) وَشَرْطُ جَمَاعَتِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْجَمَاعَاتِ إلَّا فِي نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فَتَجِبُ هُنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِتَحْصُلَ لَهُ الْجَمَاعَةُ

( وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا وَعَبْدًا مُحْرِمًا بِصُبْحٍ وَمَقْصُورَةٍ ) وَرَبَاعِيَةٍ تَامَّةٍ لِتَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ ( وَكَذَا ) يَجُوزُ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ( صَبِيًّا وَمُتَنَفِّلًا وَمَجْهُولَ الْحَدَثِ ) بِأَنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ حَدَثُهُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَخِيرَةِ حَدَثُهُ ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ لَا يَمْنَعُ الْجَمَاعَةَ وَلَا نَيْلَ فَضْلِهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ ( فَلَا ) يَجُوزُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ تَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ ( وَلَوْ بَانَ الْأَرْبَعُونَ ) الَّذِينَ اقْتَدُوا بِهِ ( أَوْ بَعْضُهُمْ ) وَذَكَرَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( مُحْدِثِينَ فَلَا جُمُعَةَ لِأَحَدٍ ) مِمَّنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ لِذَلِكَ وَتَصِحُّ جُمُعَةُ الْإِمَامِ فِيهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالْقَمُولِيُّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ الْعِلْمَ بِطَهَارَتِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانُوا عَبِيدًا أَوْ نِسَاءً لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِهِمْ أَمَّا الْمُتَطَهِّرُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ فَتَصِحُّ جُمُعَتُهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْقَمُولِيُّ وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا بِأَنَّ صِحَّةَ صَلَاتِهِمَا لَا تَخْتَصُّ بِمَا إذَا زَادَ الْإِمَامُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَاسْتِشْكَالُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ وَلِهَذَا شَرَطْنَاهُ فِي عَكْسِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ لِلْإِمَامِ مَعَ فَوَاتِ الشَّرْطِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ بَلْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ وَاحْتُمِلَ فِيهِ حَدَثُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ مُنْفَرِدًا فَاغْتُفِرَ لَهُ مَعَ عُذْرِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِلْمُتَطَهِّرِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ تَبَعًا لَهُ وَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِي أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ لِأَحَدٍ الْإِسْنَوِيُّ التَّابِعُ لِابْنِ الرِّفْعَةِ

( قَوْلُهُ لِتَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ ) ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرٌ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ مَأْمُومًا فَصَحَّتْ إمَامًا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ بَانَ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ مُحْدِثِينَ ) أَوْ مُصَلُّونَ بِنَجَاسَةٍ لَا يُعْفَى عَنْهَا ( قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِي أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ لِأَحَدٍ الْإِسْنَوِيُّ ) أَيْ وَغَيْرَهُ

( فَرْعٌ ، وَإِنْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ رُكُوعَ الْإِمَامِ فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ ) وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ إلَى أَنْ سَلَّمَ ( أَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِهِ جَهْرًا ) كَالْإِمَامِ وَذِكْرُ الْجَهْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ( وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ ) { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ } { وَقَالَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى } رَوَاهُمَا الْحَاكِمُ وَقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُهُ فَلْيُصَلِّ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَتَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( إنْ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْهَا قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا جُمُعَةَ لِلْمَأْمُومِ وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ قَوْلُ الشَّيْخِ يَعْنِي النَّوَوِيَّ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ بَلْ إذَا أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً وَأَتَى بِأُخْرَى أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا الْإِمَامُ كَمَا أَنَّ حَدَثَهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا لِمَنْ خَلْفَهُ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُمْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ لَا يُقَالُ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالسَّلَامِ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ فَقَدْ قَالَ فِي الْأُمِّ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ بَنَى عَلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَأَجْزَأَتْهُ الْجُمُعَةُ وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ أَنْ يُدْرِكَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ فَيَرْكَعَ مَعَهُ وَيَسْجُدَ انْتَهَى

( قَوْلُهُ وَإِنْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقَ إلَخْ ) لَوْ شَكَّ فِي سَجْدَةٍ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إمَامُهُ سَجَدَهَا وَأَتَمَّهَا جُمُعَةً وَإِلَّا سَجَدَهَا وَأَتَمَّ الظُّهْرَ وَإِذَا قَامَ لِإِتْمَامِ الْجُمُعَةِ وَأَتَى بِالثَّانِيَةِ وَذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْهَا سَجَدَهَا وَتَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ أَوْ مِنْ الْأُولَى أَوْ شَكَّ فَاتَتْ جُمُعَتُهُ وَحَصَلَ لَهُ رَكْعَةٌ مِنْ الظُّهْرِ ( قَوْلُهُ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ ) فَلَا تُدْرَكُ الْجُمُعَةُ بِمَا دُونَ الرَّكْعَةِ ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَهَا يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ رَكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْجُمُعَةُ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَمْ صَلَاةٌ بِحِيَالِهَا وَالْإِدْرَاكُ لَا يُفِيدُ إلَّا بِشَرْطِ كَمَالِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ ؛ لِأَنَّهُ إدْرَاكٌ نَاقِصٌ ( قَوْلُهُ إنْ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ إنْ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ مَا لَوْ تَبَيَّنَ عَدَمَ صِحَّتِهَا لِانْتِفَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا أَوْ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا كَمَا لَوْ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مُحْدِثًا فَإِنَّ رَكْعَةَ الْمَسْبُوقِ حِينَئِذٍ لَمْ تُحْسَبْ ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لِعَدَمِ حُسْبَانِ صَلَاتِهِ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْفَاتِحَةَ إذْ الْحُكْمُ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِيَتَحَمَّلَ بِهِ عَنْ الْغَيْرِ وَالْمُحْدِثُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ وَإِنْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْته صِحَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ

( وَمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ ) وَقَدْ أَدْرَكَ مَعَهُ الْأُولَى ( فِي الثَّانِيَةِ وَأَتَمَّهَا جُمُعَةً أَجْزَأَهُ ) ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ ( وَإِنْ ) أَدْرَكَ ( الرَّكْعَةَ كَامِلَةً ) مَعَ الْإِمَامِ ( فِي ) رَكْعَةٍ ( زَائِدَةٍ سَهْوًا فَكَمُصَلٍّ ) صَلَاةً ( أَصْلِيَّةً ) مِنْ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( خَلْفَ مُحْدِثٍ ) فَتَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِزِيَادَتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ بِحَالٍ ( وَلَوْ أَدْرَكَهُ ) الْمَسْبُوقُ ( بَعْدَ الرُّكُوعِ ) لِلثَّانِيَةِ ( أَحْرَمَ بِجُمُعَةٍ ) مُوَافِقَةً لِلْإِمَامِ ؛ وَلِأَنَّ الْيَأْسَ مِنْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالسَّلَامِ إذْ قَدْ يَتَذَكَّرُ إمَامُهُ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَقَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ لَا تَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَذَكَّرَ تَرْكَ رُكْنٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا فَقَامَ لِيَأْتِيَ بِهِ فَيُتَابِعَهُ وَقَوْلُهُ ( نَدْبًا ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ نَدْبًا وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ جَوَازًا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ وَآخَرُ الْبَابِ الثَّانِي ( وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا ) سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ أَمْ لَا ( وَإِنْ شَكَّ مُدْرِكُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ) مَعَ الْإِمَامِ ( قَبْلَ السَّلَامِ ) أَيْ سَلَامِ الْإِمَامِ ( هَلْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ ) أَمْ لَا ( سَجَدَ وَأَتَمَّهَا جُمُعَةً ) لِإِدْرَاكِهِ مَعَهُ رَكْعَةً ( أَوْ ) شَكَّ فِي ذَلِكَ ( بَعْدَ السَّلَامِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا ) وَفَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِرَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ وَعَلِمَ فِي تَشَهُّدِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْهَا سَجَدَهَا ثُمَّ تَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ، وَهُوَ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ ، وَإِنْ عَلِمَهَا مِنْ الْأُولَى أَوْ

شَكَّ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ وَحَصَلَتْ رَكْعَةٌ مِنْ الظُّهْرِ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَحْرَمَ بِجُمُعَةٍ نَدْبًا ) أَيْ إنْ كَانَ مِمَّنْ تُسَنُّ لَهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ فَإِحْرَامُهُ بِهَا وَاجِبٌ ، وَهُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ أَصْلِهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَنَّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لَا تَصِحُّ ظُهْرُهُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ ا هـ وَلَوْ أَدْرَكَ هَذَا الْمَسْبُوقُ بَعْدَ صَلَاتِهِ الظُّهْرَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُمْ ( قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ نَدْبًا مِنْ زِيَادَتِهِ ) لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ع

( فَصْلٌ ، وَإِنْ بَطَلَتْ ) صَلَاةٌ ( لِلْإِمَامِ أَوْ أَبْطَلَهَا عَمْدًا جُمُعَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَاسْتَخْلَفَ هُوَ أَوْ الْمَأْمُومُونَ قَبْلَ إتْيَانِهِمْ بِرُكْنٍ ) شَخْصًا ( صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ ) بِهِمْ ( مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ ) وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ مُتَنَفِّلًا ( جَازَ ) ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِإِمَامَيْنِ بِالتَّعَاقُبِ جَائِزَةٌ كَمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إمَامًا فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَدَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ وَإِذَا جَازَ هَذَا فِيمَنْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَفِيمَنْ بَطَلَتْ بِالْأَوْلَى لِضَرُورَتِهِ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَى إمَامٍ وَصَرَّحَ بِقَوْلِهِ أَوْ أَبْطَلَهَا عَمْدًا مَعَ دُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ إشَارَةٌ لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ إذْ عِنْدَهُ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ الْحَدَثَ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ أَيْضًا وَخَرَجَ بِالصَّالِحِ غَيْرُهُ كَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِغَيْرِ النِّسَاءِ ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي الْجَمَاعَةِ ( ، وَإِنْ كَانَ ) الصَّالِحُ ( مَسْبُوقًا ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ ( إنْ عَرَفَ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِيَجْرِيَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى نَظْمِهَا فَيَفْعَلَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ الْتَزَمَ تَرْتِيبَ صَلَاتِهِ ( فَيَقْنُتُ لَهُمْ الْخَلِيفَةُ الْمَسْبُوقُ فِي الصُّبْحِ ) .
وَلَوْ كَانَ هُوَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَيَتْرُكُ الْقُنُوتَ فِي الظُّهْرِ وَلَوْ كَانَ هُوَ يُصَلِّي الصُّبْحَ ( وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ بِهِمْ لِسَهْوِ الْإِمَامِ ) الْحَاصِلِ ( قَبْلَ اقْتِدَائِهِ ) بِهِ ( وَبَعْدَهُ ) أَمَّا إذَا لَمْ يَعْرِفْ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَأَفْتَى بِهِ الْقَاضِي وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ دَلِيلًا وَفِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ أَقْيَسُهُمَا لَكِنَّهُ نَقَلَ فِيهِمَا الْجَوَازَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ جَزْمِ

الصَّيْمَرِيُّ أَيْضًا وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ فَيُرَاقِبُ الْقَوْمَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قَامَ وَإِلَّا قَعَدَ ( ثُمَّ حِينَ يَقُومُ ) لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ ( لَهُمْ مُفَارَقَتُهُ ) وَيُسَلِّمُونَ أَوْ يَسْتَخْلِفُونَ مَنْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ ( وَ ) لَهُمْ ( انْتِظَارُهُ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَهُوَ أَفْضَلُ وَلَهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ( لَا فِي جُمُعَةٍ خَشَوْا ) بِانْتِظَارِهِمْ ( فَوَاتَ وَقْتِهَا ) فَلَا يَنْتَظِرُونَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيَقْنُتُ لِنَفْسِهِ ) فِي ثَانِيَتِهِ ( وَيُعِيدُ السُّجُودَ ) فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ( لِسَهْوِ إمَامِهِ وَيَسْجُدُونَ لِسَهْوِهِ ) الْحَاصِلِ ( بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ ) بَلْ بَعْدَ الْبُطْلَانِ ( لَا قَبْلَهُ ) تَبَعًا لَهُ فِيهِمَا وَإِنَّمَا لَمْ يَسْجُدْ هُوَ لِسَهْوِهِ قَبْلَهُ لِتَحَمُّلِ إمَامِهِ لَهُ ( وَسَهْوُهُمْ بَيْنَ ) اسْتِخْلَافِ ( الْخَلِيفَةِ وَ ) بُطْلَانِ صَلَاةِ ( الْإِمَامِ غَيْرُ مَحْمُولٍ عَنْهُمْ ) بَلْ يَسْجُدُ لَهُ السَّاهِي آخِرَ صَلَاتِهِ

( قَوْلُهُ فَاقْتَدَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ ) وَقَدْ اسْتَخْلَفَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ طُعِنَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ إذَا قَدَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَثِلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ وَقَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَرَتُّبُ ضَرَرٍ لِلْمُقَدَّمِ بِسَبَبِ عَدَمِ تَقَدُّمِهِ كَانَ ( قَوْلُهُ لَكِنَّهُ نُقِلَ فِيهِمَا الْجَوَازُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ إنَّهُ لَصَحِيحٌ ) وَبِهِ أَفْتَيْت وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ قَوْلُهُ إنَّ الصَّحِيحَ الْجَوَازُ مَمْنُوعٌ بَلْ الْأَصَحُّ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي عِبَادَةٍ لَا يَدْرِي مَاذَا يَصْنَعُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ تَرْتِيبِ إمَامِهِ ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَتَجْوِيزِهِ عَلَى ظُهُورِ إمَارَةٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ بِهَمِّهِمْ بِالْقِيَامِ لَا يَسُوغُ لِجَوَازِ أَنَّهُمْ لَمْ يُهِمُّوا أَوْ يُهِمُّوا سَهْوًا وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ لِقِيَامِ الْإِمَامِ ، وَهُوَ مَوْضِعُ قُعُودِ الْخَلِيفَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَيُخَالِفُ تَرْتِيبَ صَلَاةِ نَفْسِهِ بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ هَذَا مِمَّا لَا يُسَوَّغُ وَلَا يَصِحُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمَصِيرُ إلَى جَوَازِهِ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَإِنْ ذَكَرُوهُ بَلْ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ وَإِذَا كَانَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى إخْبَارِ الْمَأْمُومِينَ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ فَلَأَنْ لَا يَرْجِعَ إلَى حَرَكَةٍ ضَعِيفَةِ الدَّلَالَةِ أَوْلَى ( قَوْلُهُ فَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قَامَ وَإِلَّا قَعَدَ ) هَذَا وَاضِحٌ فِي الْجُمُعَةِ أَمَّا الرُّبَاعِيَّةُ فَفِيهَا قَعُودَانِ فَإِذَا لَمْ يُهِمُّوا بِقِيَامٍ وَقَعَدَ تَشَهَّدَ ثُمَّ قَامَ فَإِنْ قَامُوا مَعَهُ عَلِمَ أَنَّهَا ثَانِيَتُهُمْ ا ب ع ( قَوْلُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْفَرَائِضِ يَحْرُمُ فِيهِ ذَلِكَ أَيْضًا

( وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ اسْتِخْلَافُ غَيْرِ الْمُقْتَدِي فِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ مِنْ الرَّبَاعِيَةِ ) لِمُوَافَقَةِ نَظْمِ صَلَاتِهِ نَظْمَ صَلَاتِهِمْ ( لَا ) فِي ( غَيْرِهِمَا ) مِنْ الثَّانِيَةِ وَالْأَخِيرَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقِيَامِ وَيَحْتَاجُونَ إلَى الْقُعُودِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُمْ كَأَنْ حَضَرَ جَمَاعَةً فِي ثَانِيَةٍ مُنْفَرِدًا أَوْ أَخِيرَتِهِ فَاقْتَدَوْا بِهِ فِيهَا ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَاسْتَخْلَفَ مُوَافِقًا لَهُمْ جَازَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِطْلَاقُهُمْ الْمَنْعَ جَرَوْا فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُ اثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ يُصَلِّي كُلٌّ بِطَائِفَةٍ وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ وَلَوْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْخَلِيفَةِ جَازَ اسْتِخْلَافُ ثَالِثٍ وَهَكَذَا وَعَلَى الْجَمِيعِ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبِ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَصْلِيِّ ( وَخَلِيفَةِ الْجُمُعَةِ ، وَهُوَ الْمُقْتَدِي ) بِإِمَامِهَا قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ ( إنْ اُسْتُخْلِفَ فِي ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ فِي حُكْمِ حَاضِرِهَا ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ سَمِعَهَا أَرْبَعُونَ غَيْرُهُ وَسَمَاعُهُمْ كَسَمَاعِهِ ( أَوْ ) اسْتَخْلَفَ ( فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الْأُولَى أَتَمَّهَا وَحْدَهُ ظُهْرًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً .
وَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ وَيُخَالِفُ الْمَأْمُومَ ؛ لِأَنَّهُ إمَامٌ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَابِعًا وَفَارَقَ إتْمَامُهَا جُمُعَةً فِي الْأُولَى مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهَا كُلَّهَا مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ أَدْرَكَهُ فِي وَقْتٍ كَانَتْ جُمُعَةُ الْقَوْمِ مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِمَامِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْإِدْرَاكِ فِي الثَّانِيَةِ وَجَازَ لَهُ فِيهَا الِاسْتِخْلَافُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ لِعُذْرِهِ بِالِاسْتِخْلَافِ بِإِشَارَةِ الْإِمَامِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَخْلَفَهُ الْقَوْمُ أَوْ تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ

لَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ يُخَالِفُهُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ التَّقَدُّمَ مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيُعْذَرُ بِهِ أَمَّا إذَا أَدْرَكَ مَعَهُ الْأُولَى فَيُتِمُّهَا جُمُعَةً وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ اسْتِخْلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الْأُولَى ، وَهُوَ كَذَلِكَ ( فَلَوْ دَخَلَ مَسْبُوقٌ ) فِي الْجُمُعَةِ ( وَاقْتَدَى بِهِ ) أَيْ بِالْخَلِيفَةِ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الثَّانِيَةِ ( مَعَهُمْ أَتَمَّ الْجُمُعَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ مَنْ يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْخَلِيفَةِ .
( فَإِنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْجُمُعَةِ غَيْرَ الْمُقْتَدِي ) بِإِمَامِهَا ( بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) إذْ لَا يَجُوزُ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَلَا فِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَلَا يُرَدُّ الْمَسْبُوقُ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا مُنْشِئٌ وَإِذَا بَطَلَتْ جُمُعَةً وَظُهْرًا بَقِيَتْ نَفْلًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ ( وَ ) بَطَلَتْ ( صَلَاتُهُمْ إنْ اقْتَدُوا بِهِ ) مَعَ عِلْمِهِمْ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَنَوَى غَيْرَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَحَيْثُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ نَفْلًا وَاقْتَدُوا بِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى لَمْ تَصِحَّ ظُهْرًا لِعَدَمِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ وَلَا جُمُعَةٍ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا مِنْهَا رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ مَعَ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِتَقْدِيمِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ أَتَمُّوهَا جُمُعَةً

( قَوْلُهُ فِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ ) مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ ( قَوْلُهُ لَا فِي غَيْرِهِمَا ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا إنْشَاءً وَكَتَبَ أَيْضًا إلَّا بِنِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ ( قَوْلُهُ فَاسْتَخْلَفَ مُوَافِقًا لَهُ جَازَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُ اثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ إلَخْ ) وَكَذَا فِي الْجُمُعَةِ إنْ كَانُوا قَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً وَإِلَّا فَإِنْ تَابَعَ كُلُّ فِرْقَةٍ خَلِيفَةً عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ مَعًا وَأَحَدُهُمَا فَقَطْ أَرْبَعُونَ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَيُتِمُّ الْآخَرُونَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا أَوْ مَعًا وَكُلُّ فِرْقَةٍ أَرْبَعُونَ لَمْ تَصِحَّ لِلْكُلِّ جُمُعَةً وَلَا ظُهْرًا وَكَذَا إنْ شَكَّ فِي الْمَعِيَّةِ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ الْمُقْتَدِي بِإِمَامِهَا إلَخْ ) شَمِلَ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ قَبْلَ تَذَكُّرِ حَدَثِهِ ( قَوْلُهُ إنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْأُولَى ) بِأَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَهَا وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ ثُمَّ إنْ كَانَ أَدْرَكَ الْأُولَى تَمَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَإِلَّا فَتَتِمُّ لَهُمْ دُونَهُ فِي الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ أَتَمَّهَا وَحْدَهُ ظُهْرًا ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الْأَرْبَعِينَ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً ) فَلَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ وَسُجُودَهَا أَتَمَّهَا جُمُعَةً ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَقَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهَا مَعَهُ كُلَّهَا إلَخْ ) كَأَنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي رُكُوعِهَا ( قَوْلُهُ لَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ يُخَالِفُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا فِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ ) أَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرُ الْمُقْتَدِي لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَتَقَدَّمَ نَاوِيًا غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي أَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُسْتَخْلِفِ إذَا كَانَ مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ

( فَرْعٌ لَوْ اسْتَخْلَفَ ) الْإِمَامُ وَاحِدًا ( وَاسْتَخْلَفُوا ) أَيْ الْمَأْمُومُونَ آخَرَ ( فَمَنْ عَيَّنُوهُ ) لِلِاسْتِخْلَافِ ( أَوْلَى ) مِمَّنْ عَيَّنَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِي ذَلِكَ لَهُمْ ( وَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِنَفْسِهِ جَازَ ) وَمُقَدَّمُهُمْ أَوْلَى مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاتِبًا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ مُقَدَّمِهِمْ وَمِنْ مُقَدَّمِ الْإِمَامِ وَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا وَتَقَدَّمَ آخَرُ كَانَ مُقَدَّمُ الْإِمَامِ أَوْلَى ( فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ وَهُمْ فِي ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ لَزِمَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا ) فِيهَا وَاحِدًا مِنْهُمْ لِتُدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةُ ( أَوْ ) وَهُمْ ( فِي الثَّانِيَةِ وَأَتَمُّوهَا جُمُعَةً فُرَادَى جَازَ ) فَلَا يَلْزَمُهُمْ الِاسْتِخْلَافُ لِإِدْرَاكِهِمْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً كَالْمَسْبُوقِ وَلَا يُشْكَلُ بِالِانْفِضَاضِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ بِهِ لِنَقْصِ الْعَدَدِ لَا لِفَقْدِ الْجَمَاعَةِ فَلَوْ اُسْتُخْلِفَ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ فَلَهُمْ أَنْ يُتَابِعُوهُ وَلَهُمْ أَنْ يَنْفَرِدُوا وَلَوْ اقْتَدَى بَعْضُهُمْ وَانْفَرَدَ بَعْضُهُمْ جَازَ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ نَحْوَهُ
( قَوْلُهُ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ وَاحِدًا إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ وَإِذَا قَدَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَثِلَ وَيُحْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ

( وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ ) مِنْ الْقَوْمِ ( بِالْخَلِيفَةِ ) لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ فِي دَوَامِ الْجَمَاعَةِ وَكَلَامُهُ كَالْحَاوِي وَمَنْ تَبِعَهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ جَازَ فِيمَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ وَمَنْ قَدَّمَهُ الْقَوْمُ وَمَنْ تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ وَكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْأَوَّلِ وَبِهِ أَخَذَ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ فِي الثَّانِي إنَّهُ يَلْزَمُهُمْ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَفِي الثَّالِثِ الْوَجْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ تَجْدِيدُهَا وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا
( قَوْلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ جَازَ فِيمَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ أَوْ فِيهَا فَاسْتَخْلَفَ مَنْ سَمِعَهَا ) أَيْ وَاحِدًا مِمَّنْ سَمِعَ أَرْكَانَهَا ( لَا غَيْرَهُ جَازَ ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي غَيْرِ السَّامِعِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ وَالسَّمَاعُ هُنَا كَالِاقْتِدَاءِ ثُمَّ وَفِي قَوْلِهِ مَنْ سَمِعَهَا تَغْلِيبٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ اُسْتُخْلِفَ فِيهَا لَمْ يَسْمَعْهَا بَلْ سَمِعَ بَعْضَهَا وَبِالسَّمَاعِ عَبَّرَ الْأَصْحَابُ وَقَضِيَّتُهُ حَقِيقَةُ السَّمَاعِ وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ حَضَرَ وَسَمِعَ الْخُطْبَةَ وَقَالَ السُّبْكِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَهُمْ وَمَا احْتَجُّوا بِهِ وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الشَّرْطَ هُنَا حَقِيقَةُ السَّمَاعِ وَلَا يَكْفِي الْحُضُورُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَعْنِي مَسْأَلَةَ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْعِمْرَانِيِّ مُرَادُ الْأَصْحَابِ هُنَا بِالسَّمَاعِ الْحُضُورُ ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَارِزِيُّ وَابْنُ الْوَرْدِيِّ وَأَلْحَقَا بِهِ مَسْأَلَةَ الْمُبَادَرَةِ الْآتِيَةِ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي الْحَدَثِ فِي الْخُطْبَةِ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي لَهُ تَبَعًا لِاخْتِيَارِ الرَّوْضَةِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِغْمَاءِ فِيهَا مِنْ مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ بَلْ صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْمَحَلِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي الْإِغْمَاءِ وَفِي الْحَدَثِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَالِ الْوَعْظِ بِذَلِكَ ، وَهُوَ ، وَإِنْ أَشْبَهَ مَا مَرَّ مِنْ مَنْعِ الْبِنَاءِ عَلَى أَذَانِ غَيْرِهِ فَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ إلْحَاقًا لِلْخُطْبَةِ بِالصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ إيضَاحٍ
قَوْلُهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ هُنَا بِالسَّمَاعِ الْحُضُورُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي لَهُ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ خَرَجَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ خُطْبَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ مِنْهُ

( وَكُرِهَ ) الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ أَوْ فِيهَا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ فَيَتَطَهَّرُ وَيَسْتَأْنِفُ أَوْ يَبْنِيَ بِشَرْطِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ أَرَادَ الْمَسْبُوقُونَ ) أَوْ مِنْ صَلَاتِهِ أَطْوَلَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ ( أَنْ يَسْتَخْلِفُوا ) مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ ( لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ ) إذْ لَا مَانِعَ فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا تَنْشَأُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْإِنْشَاءِ مَا يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ إذْ لَيْسَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَلِيفَةُ مِنْهُمْ إنْشَاءَ جُمُعَةٍ وَإِنَّمَا فِيهِ مَا يُشْبِهُهُ صُورَةً عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ بِالْجَوَازِ فِي هَذِهِ لِذَلِكَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَازِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ هُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْجَمَاعَةِ لَكِنَّهُمَا صَحَّحَا هُنَا الْمَنْعَ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ حَصَلَتْ وَهُمْ إذَا أَتَمُّوهَا فُرَادَى نَالُوا فَضْلَهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ هُنَاكَ وَكَذَا فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ فِيهِ اعْتَمَدَهُ وَلَا نَغْتَرُّ بِمَا فِي الِانْتِصَارِ مِنْ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ عَلَى أَنَّ تَعْلِيلَ الْمَنْعِ بِمَا ذُكِرَ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ إذْ لِلِاقْتِدَاءِ فَوَائِدُ أُخَرُ كَتَحَمُّلِ السَّهْوِ وَتَحَمُّلِ السُّورَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَنَيْلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ الْكَامِلِ ( وَلَوْ بَادَرَ أَرْبَعُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ ) أَيْ أَرْكَانَهَا ( وَأَحْرَمُوا بِهَا ) أَيْ بِالْجُمُعَةِ ( انْعَقَدَتْ بِهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ

( قَوْلُهُ إلَّا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إلَخْ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجُمُعَةِ غَيْرُ مُوَافِقٍ عَلَيْهِ إذَا قَدَّمُوا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ جَازَ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى شَخْصٌ بِهَذَا الْمُقَدَّمِ وَصَلَّى مَعَهُمْ رَكْعَةً وَسَلَّمُوا فَلَهُ أَنْ يُتِمَّهَا جُمُعَةً ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَفْتَحَ الْجُمُعَةَ فَهُوَ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مُسْتَدِيمٌ لَهَا لَا مُسْتَفْتِحٌ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ وَكَذَلِكَ الرِّيمِيُّ وَقَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الرِّيمِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا فِي الِانْتِصَارِ مِنْ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ ) وَلَعَلَّهُ اغْتَرَّ بِقَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لَعَلَّ الْأَصَحَّ الْمَنْعُ .
ا هـ .
وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ ذَاكَ مِنْ حَيْثُ حُصُولِ الْفَضِيلَةُ ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْمُنْفَرِدِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَازَ اقْتِدَاءِ الْمُنْفَرِدِ قَالَ وَاقْتِدَاءُ الْمَسْبُوقِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ كَغَيْرِهِ قَالَ شَيْخُنَا وَيُوَافِقُ الْجَوَازَ مَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ خَلْفَ التَّرَاوِيحِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ أَحْرَمَ فَاقْتَدَى بِهِ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَحْرَمَ ثُمَّ اقْتَدَى وَمُقْتَضَاهُ تَصْحِيحُ الْجَوَازِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ الْكَلَامُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَقْعُدُ وَالْآخَرُ يَقُومُ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَ نَظْمُ الصَّلَاتَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ جَمْعٌ لَا بَأْسَ بِهِ لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا الْمَنْعُ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ حَصَلَتْ لَهُ يُخَالِفُهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ بَادَرَ أَرْبَعُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاعِ حُضُورُهَا خَاصَّةً

( فَصْلٌ وَإِذَا زَحَمَ ) الْمَأْمُومُ ( عَنْ السُّجُودِ فِي ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ بِهَيْئَةِ التَّنْكِيسِ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ ) أَوْ قَدَمِهِ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( فَعَلَ ) ذَلِكَ لُزُومًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ سُجُودٍ يُجْزِئُهُ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِلْحَاجَةِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ يَسِيرٌ قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ ( فَلَوْ امْتَنَعَ ) مِنْ ذَلِكَ ( فَمُتَخَلِّفٌ بِلَا عُذْرٍ ) وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ ( وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ ) ذَلِكَ ( لَمْ تَجُزْ لَهُ الْمُفَارَقَةُ ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْجُمُعَةِ قَصْدًا مَعَ تَوَقُّعِ إدْرَاكِهَا لَا وَجْهَ لَهُ كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ ، وَهُوَ بَحْثٌ لَهُ حَكَى وَجْهًا ، وَأَمَّا مَنْقُولُهُ وَمَنْقُولُ غَيْرِهِ كَالصَّيْدَلَانِيِّ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فَالْجَوَازُ لِلْعُذْرِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُهِمَّاتِ ( وَلَا الْإِيمَاءُ ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى السُّجُودِ وَنُدْرَةِ هَذَا الْعُذْرِ وَعَدَمِ دَوَامِهِ .
وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ لِيَلْحَقَهُ ( فَإِنْ وَجَدَ فُرْجَةً ) يَتَمَكَّنُ مِنْ السُّجُودِ فِيهَا ( فَسَجَدَ وَأَدْرَكَهُ قَائِمًا قَرَأَ قِرَاءَةَ الْمَسْبُوقِ ) إنْ كَانَ مِثْلُهُ وَإِلَّا فَقِرَاءَةُ الْمُوَافِقِ ( أَوْ ) أَدْرَكَهُ ( رَاكِعًا تَابَعَهُ ) فِي الرُّكُوعِ ( وَسَقَطَتْ ) عَنْهُ ( الْقِرَاءَةُ ) كَالْمَسْبُوقِ ( أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ تَابَعَهُ ) فِيمَا هُوَ فِيهِ ( وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِهِ ) لِفَوَاتِهَا كَالْمَسْبُوقِ ( فَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ تَمَامِ سُجُودِهِ فَاتَتْهُ ) الْجُمُعَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ لَهُ رَكْعَةٌ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ فَيُتِمُّهَا جُمُعَةً ( وَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ ) فِي الثَّانِيَةِ ( قَبْلَ

سُجُودِهِ فَلَا يَسْجُدُ بَلْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ مَعَهُ ) لِخَبَرِ { وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا } ( وَفَرْضُهُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ وَقْتَ الِاعْتِدَادِ بِالرُّكُوعِ وَالثَّانِي لِلْمُتَابَعَةِ ( فَتَكُونُ الرَّكْعَةُ مُلَفَّقَةً ) مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ ( وَتُجْزِئُ ) فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ لِخَبَرِ { مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً } السَّابِقِ وَالتَّلْفِيقُ لَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الْمَعْذُورِ .
( فَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ ) مَعَهُ ( وَاشْتَغَلَ بِتَرْتِيبِ ) صَلَاةِ ( نَفْسِهِ عَامِدًا ) عَالِمًا بِأَنَّ وَاجِبَهُ الْمُتَابَعَةُ ( بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) لِتَلَاعُبِهِ ( فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ لَزِمَهُ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِهَا إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَعَدَلَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ إلَى مَا قَالَهُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ بَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ مَثَلًا فَيَعُودُ إلَيْهَا ( أَوْ ) اشْتَغَلَ بِذَلِكَ ( جَاهِلًا ) أَوْ نَاسِيًا ( لَمْ يُعْتَدَّ بِسُجُودِهِ ) لِمُخَالَفَتِهِ بِهِ الْإِمَامَ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِعُذْرِهِ ( فَإِنْ أَدْرَكَهُ ) بَعْدَ سُجُودِهِ ( فِي الرُّكُوعِ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ ) فَإِنْ تَابَعَ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَسْجُدْ ( وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ سَجَدَ مَعَهُ ) وَحُسِبَ وَتَكُونُ رَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةً وَيُدْرَكُ بِهَا الْجُمُعَةُ ( أَوْ فِي التَّشَهُّدِ تَابَعَهُ وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَلَا جُمُعَةَ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا كَمَا لَوْ وَجَدَهُ قَدْ سَلَّمَ .
( وَإِنْ ) لَمْ يُتَابِعْهُ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ ( مَضَى عَلَى تَرْتِيبِ ) صَلَاةِ ( نَفْسِهِ ) بِأَنْ قَامَ بَعْدَ السُّجُودِ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَرَفَعَ وَسَجَدَ ( لَغَا ) وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ ( وَعَلَيْهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَنْ يُتِمَّ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَتَيْنِ وَيُتِمَّهَا ظُهْرًا ) لِمَا مَرَّ ، وَهَذَا مَا قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِ

الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَنَقَلَ الْأَصْلُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ إنَّهُ يُحْسَبُ لَهُ السُّجُودُ الثَّانِي فَتَكْمُلُ بِهِ الرَّكْعَةُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ إنَّهُ الْمَنْقُولُ وَبَحَثَ فِيهِ فِي شَرْحَيْهِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْسَبْ سُجُودُهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ لِكَوْنِ فَرْضِهِ الْمُتَابَعَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يُحْسَبَ وَالْإِمَامُ فِي رُكْنٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّا إنَّمَا لَمْ نَحْسِبْ لَهُ سُجُودَهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ لِإِمْكَانِ مُتَابَعَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ فَلَوْ لَمْ نَحْسِبْهُ لَهُ لَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ الْمُتَابَعَةِ وَفِي كَلَامِهِمْ شَوَاهِدُ لِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ لَا أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ فَثَبَتَ أَنَّ مَا فِي الْمِنْهَاجِ هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُتَّجَهُ قَالَا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَسْتَمِرَّ سَهْوُهُ أَوْ جَهْلُهُ إلَى إتْيَانِهِ بِالسُّجُودِ الثَّانِي وَإِلَّا فَعَلَى الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا هُوَ فِيهِ أَيْ فَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ السُّجُودَ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ

( قَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ الْمُفَارَقَةُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إذَا انْتَظَرَهُ قَائِمًا لَزِمَ تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ أَوْ قَاعِدًا لَزِمَ زِيَادَةُ قُعُودٍ طَوِيلٍ وَكِلَاهُمَا مُبْطِلٌ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ هَذَا الِاعْتِرَاضُ سَاقِطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الرُّكْنَ الْقَصِيرَ يَجُوزُ تَطْوِيلُهُ لِلْحَاجَةِ وَالْعُذْرِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ وَقَدْ رَأَيْت الطُّرُقَ مُتَّفِقَةَ عَلَى أَنَّ التَّخَلُّفَ بِعُذْرِ الزَّحْمَةِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْقُدْوَةِ عَلَى إطْلَاقٍ ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْ الْإِمَامِ بِالسَّجْدَتَيْنِ لَا يَضُرُّ هَاهُنَا قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْفِكَاكُ بِالْمُفَارَقَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَارَقَ الْإِمَامَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مَزْحُومٌ ( قَوْلُهُ فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ إلَخْ ) صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ السَّاجِدُ عَلَى شَاخِصٍ أَوْ الْمَسْجُودِ عَلَيْهِ فِي وَهْدَةٍ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ بَحْثٌ لَهُ ) صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِحِكَايَةِ نَصٍّ مُوَافِقٍ لَهُ قَوْلُهُ كَالْمَسْبُوقِ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ اطْمَأَنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بِهَذَا الرُّكُوعِ وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ ، فَإِنَّهَا مُتَابَعَةٌ فِي حَالِ الْقُدْوَةِ فَلَا يَضُرُّ سَبْقُ الْإِمَامِ الْمَأْمُومَ بِالطُّمَأْنِينَةِ ( قَوْلُهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ ، وَيَلْزَمُهُ إلَخْ ) إنَّمَا سَكَتَ هُنَا عَنْ حُكْمِ مَا إذَا أَدْرَكَهُ بَعْدَهُ لِعِلْمِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ لُزُومُهُ أَيْضًا ( قَوْلُهُ إنَّهُ يُحْسَبُ لَهُ السُّجُودُ الثَّانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ ) وَالْأَنْوَارِ .
( قَوْلُهُ وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ ) وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا ( قَوْلُهُ بِأَنَّا إنَّمَا لَمْ نَحْسِبْ لَهُ سُجُودَهُ إلَخْ ) اعْتَرَضَهُ فِي الْخَادِمِ بِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا

إذَا ظَنَّ الْمَسْبُوقُ سَلَامَ الْإِمَامِ فَقَامَ وَأَتَى بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُسَلِّمْ فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ إلَّا مَا أَتَى بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُتَابَعَةُ بَعْدَ السَّلَامِ .
ا هـ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ كَوْنُ الْمُتَّجَهِ مَا فِي الْمِنْهَاجِ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَ عَلَى تَرْتِيبِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَا يُعْتَدُّ بِمَا أَتَى بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَيْفَ نَجْعَلُهُ بِمَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ مُدْرِكًا وَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ إمْكَانِ الْمُتَابَعَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ عَدَمُ إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ ( قَوْلُهُ وَفِي كَلَامِهِمْ شَوَاهِدُ لِذَلِكَ ) قَالَ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّا إذَا فَرَّغْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَفَرَغَ مِنْ السُّجُودِ وَوَجَدَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ أَوْ التَّشَهُّدِ لَزِمَهُ الْمُتَابَعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا شَيْئًا يُحْسَبُ لَهُ فَهُوَ كَالْمَسْبُوقِ بِخِلَافِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ أَدْرَكَ مِنْهَا الرُّكُوعَ وَمَا قَبْلَهُ فَلَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا بَعْدَهُ مِنْ السُّجُودِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ يُوَافِقُونَ عَلَى تَصْحِيحِ ذَلِكَ فَكَمَا خَالَفْنَا تَفْرِيعَ هَذَا الْقَوْلِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَجَعَلْنَاهُ مَخْصُوصًا بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى كَذَلِكَ نَقُولُ فِي تَفْرِيعِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ

( فَرْعٌ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ ) أَيْ الْمَزْحُومُ مِنْ السُّجُودِ ( حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ فِي ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ سَجَدَ مَعَهُ وَحَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ ) مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ إلَّا فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ مَعَهُ فِيهَا ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُمَا كَرُكْنٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ ذَكَرَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قَالَ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُ سَاجِدًا حَتَّى يُسَلِّمَ فَيَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ يُؤَدِّي إلَى الْمُخَالَفَةِ وَالثَّانِي إلَى تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ وَأَيَّدَهُ بِمَا قَدَّمْته عَنْ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ أَوَائِلَ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَقَدَّمْت ثُمَّ إنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ جَوَّزَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَقْتَدِيَ فِي اعْتِدَالِهِ بِغَيْرِهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَيُتَابِعَهُ ( فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ ) مِنْ السُّجُودِ ( حَتَّى تَشَهَّدَ الْإِمَامُ ) سَجَدَ ( فَإِنْ فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ وَلَوْ بِالرَّفْعِ ) مِنْهُ ( قَبْلَ سَلَامِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ ( وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلْ حَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ وَأَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِنْ رَفَعَ ) مِنْهُ ( بَعْدَ سَلَامِهِ فَاتَتْهُ ) الْجُمُعَةُ ( فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا ) كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُتَابِعُهُ فَلَا يَسْجُدُ بَلْ يَجْلِسُ مَعَهُ ثُمَّ بَعْدَ سَلَامِهِ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ( أَمَّا مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَزَحَمَ عَنْ السُّجُودِ فِي الثَّانِيَةِ فَيَتَدَارَكُ ) مَا فَاتَهُ ( قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ ) بِحَسَبِ إمْكَانِهِ وَتَتِمُّ جُمُعَتُهُ ( فَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِالْأُولَى ) بِأَنْ

لَحِقَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَزَحَمَ فِيهَا ( وَلَمْ يَتَدَارَكْ ) السُّجُودَ ( قَبْلَ السَّلَامِ ) مِنْ الْإِمَامِ ( فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً ( وَسَهْوُهُ فِي ) حَالِ ( التَّخَلُّفِ ) عَنْهُ لِلزَّحْمَةِ ( مَحْمُولٌ ) عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ بِهِ حُكْمًا وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ زَحَمَ عَنْ الرُّكُوعِ ) فِي الْأُولَى ( وَلَمْ يَتَمَكَّنْ ) مِنْهُ ( إلَّا حَالَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ ) رَكَعَ مَعَهُ وَ ( حُسِبَتْ ) أَيْ الثَّانِيَةُ ( لَهُ غَيْرَ مُلَفَّقَةٍ ) لِسُقُوطِ الْأُولَى
( قَوْلُهُ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قِيَاسُ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ تَرْجِيحُ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ ( قَوْلُهُ وَقَدَّمْت ثَمَّ إنَّ الْمُخْتَارَ إلَخْ ) الْمُعْتَمَدُ مَنْعُ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَصَحُّ فَإِنَّهُ بِاقْتِدَائِهِ صَارَ اللَّازِمُ لَهُ مُرَاعَاةَ تَرْتِيبِ صَلَاةِ إمَامِهِ ( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ) يُرَدُّ بِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَيُوَجَّهُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ السُّبْكِيّ وَالْإِسْنَوِيِّ فِي نَظِيرِهَا ، وَهُوَ أَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ لَهُ السُّجُودَ حِينَئِذٍ لَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ الْمُتَابَعَةِ بَلْ هَذِهِ أَوْلَى بِالْعُذْرِ مِنْ تِلْكَ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مُقَصِّرٌ بِخِلَافِ هَذَا

( فَرْعٌ لَيْسَتْ الْجُمُعَةُ ظُهْرًا مَقْصُورًا ) ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَتُتَدَارَكُ بِهِ ( بَلْ صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا ) أَيْ مُسْتَقِلَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهَا وَلِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ حَسَنٌ ( فَإِنْ عَرَضَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ وُقُوعَهَا جُمُعَةً انْقَلَبَتْ ظُهْرًا ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَلْبَهَا ) ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضُ وَقْتٍ وَاحِدٍ فَتَصِحُّ الظُّهْرُ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ

( فَرْعٌ التَّخَلُّفُ لِنِسْيَانٍ وَمَرَضٍ كَالزِّحَامِ ) أَيْ كَالتَّخَلُّفِ لِلْعُذْرِ ( وَ غَيْرِ الْجُمُعَةِ فِي الزِّحَامِ ) وَنَحْوِهِ ( كَالْجُمُعَةِ ) وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا أَكْثَرُ وَلِاخْتِصَاصِهَا بِأُمُورٍ أُخَرَ كَالتَّرَدُّدِ فِي حُصُولِهَا بِالرَّكْعَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْقُدْوَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَفِي بِنَاءِ الظُّهْرِ عَلَيْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ إقَامَتِهَا
( قَوْلُهُ وَلِاخْتِصَاصِهَا بِأُمُورٍ أُخَرَ ) وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ لَيْسَ فِي الزَّمَانِ مَنْ يُحِيطُ بِأَطْرَافِهَا

( الشَّرْطُ السَّادِسُ تَقْدِيمُ خُطْبَتَيْنِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ ) لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّ خُطْبَتَيْهِ مُؤَخَّرَتَانِ لِلِاتِّبَاعِ ؛ وَلِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَشْرُوطِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تُؤَدَّى جَمَاعَةً فَأُخِّرَتْ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُ ، وَهَذَا الشَّرْطُ ذَكَرَهُ أَيْضًا كَأَصْلِهِ بَعْدُ مِنْ شُرُوطِ الْخُطْبَةِ وَمَا هُنَا أَوْلَى وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ
( قَوْلُهُ فَأُخِّرَتْ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُ ) وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا } فَأَبَاحَ الِانْتِشَارَ بَعْدَهَا فَلَوْ جَازَ تَأْخِيرُهُمَا لَمَا جَازَ الِانْتِشَارُ

( وَأَرْكَانُ الْخُطْبَةِ ) الشَّامِلَةِ لِلْخُطْبَتَيْنِ ( خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ حَمْدُ اللَّهِ ) تَعَالَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ " اللَّهُ " " وَحَمْدُهُ " ) لِلِاتِّبَاعِ وَكَكَلِمَتَيْ التَّكْبِيرِ كَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ أَحْمَدُ اللَّهَ أَوْ نَحْمَدُ اللَّهَ أَوْ حُمِدَ اللَّهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَخَرَجَ الْحَمْدُ لِلرَّحْمَنِ وَالشُّكْرُ لِلَّهِ وَنَحْوُهُمَا ( الثَّانِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ ( وَيَتَعَيَّنُ صِيغَةُ صَلَاةٍ ) عَلَيْهِ كَاَللَّهُمِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ أُصَلِّي أَوْ نُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ أَحْمَدَ أَوْ الرَّسُولِ أَوْ النَّبِيِّ أَوْ الْمَاحِي أَوْ الْعَاقِبِ أَوْ الْحَاشِرِ أَوْ الْمُبَشِّرِ أَوْ النَّذِيرِ فَخَرَجَ رَحِمَ اللَّهُ مُحَمَّدًا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى جِبْرِيلَ وَنَحْوُهَا ( الثَّالِثُ الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِ الْخُطْبَةِ الْوَصِيَّةُ ( وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا ) أَيْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى ؛ لِأَنَّ غَرَضَهَا الْوَعْظُ ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِغَيْرِ لَفْظِهَا كَأَطِيعُوا اللَّهَ كَمَا سَيَأْتِي ( وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ ( وَاجِبٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
( وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ ) فِي الْوَصِيَّةِ ( عَلَى تَحْذِيرٍ مِنْ غُرُورِ الدُّنْيَا ) وَزُخْرُفِهَا فَقَدْ يَتَوَاصَى بِهِ مُنْكِرُو الْمَعَادِ ( إلَّا بِالْحَمْلِ ) الْأَوْلَى بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ ( عَلَى الطَّاعَةِ ) ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ ( وَلَوْ قَالَ أَطِيعُوا اللَّهَ أَوْ اتَّقُوا اللَّهَ كَفَى ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أَوْ اتَّقُوا اللَّهَ مِنْ زِيَادَتِهِ ( الرَّابِعُ

الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأُخْرَوِيٍّ فِي ) الْخُطْبَةِ ( الثَّانِيَةِ ) لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ؛ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلِيقُ بِالْخَوَاتِمِ وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلْمُؤْمِنَاتِ وَبِهِمَا عَبَّرَ فِي الْوَسِيطِ وَفِي التَّنْزِيلِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ ( وَإِنْ خَصَّ ) بِالدُّعَاءِ ( السَّامِعِينَ فَقَالَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ ) أَوْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ ( كَفَى ) فَيَكْفِي فِيهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدُّعَاءِ ( الْخَامِسُ قِرَاءَةُ آيَةٍ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ وَعْدًا لَهُمْ أَمْ وَعِيدًا أَمْ حُكْمًا أَمْ قِصَّةً .
قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِشَطْرِ آيَةٍ طَوِيلَةٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِاشْتِرَاطِ آيَةٍ ، وَهُوَ مَا أَفْهَمَهُ - كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ( مُفْهِمَةٍ ) لَا كَثُمَّ نَظَرَ أَوْ ثُمَّ عَبَسَ ( وَلَوْ فِي أَحَدَيْهِمَا ) ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ الْقِرَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ دُونَ تَعْيِينٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسَنُّ جَعْلُهَا فِي الْأُولَى ( وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ قِ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَنْوَاعِ الْمَوَاعِظِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ أَبَى قَرَأَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } الْآيَةَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ بَعْدَ فَرَاغِ الْأُولَى قَالَ وَفِي اسْتِحْبَابِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى قِرَاءَةِ ق شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَرَأَهَا أَحْيَانًا لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ ذَلِكَ أَوْ لِعِلْمِهِ بِرِضَا الْحَاضِرِينَ أَوْ لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِمْ وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي خُطْبَتِهِ كُلَّ جُمُعَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ ق أَوْ بَعْضِهَا فِي خُطْبَتِهِ كُلَّ جُمُعَةٍ ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ رِضَا الْحَاضِرِينَ فَلَا وَجْهَ لَهُ كَمَا لَمْ يَشْتَرِطُوهُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِنْ كَانَتْ

السُّنَّةُ التَّخْفِيفَ ( وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ نَزَلَ وَسَجَدَ ) إنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ ( فَإِنْ خَشِيَ مِنْ ذَلِكَ طُولَ فَصْلٍ سَجَدَ مَكَانَهُ إنْ أَمْكَنَ ) وَإِلَّا تَرَكَهُ ( وَلَا يُجْزِئُ آيَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى الْأَرْكَانِ كُلِّهَا ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً وَاسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا آيَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى الصَّلَاةِ مِنَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَإِنْ أَتَى بِبَعْضِهَا ضَمِنَ آيَةً ) كَقَوْلِهِ { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } { اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ } ( لَمْ يَمْتَنِعْ وَأَجْزَأَهُ ) ذَلِكَ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْبَعْضِ دُونَ الْقِرَاءَةِ لِئَلَّا يَتَدَاخَلَا ( ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا ) بِآيَةٍ ( لَمْ يُجْزِهِ ) ذَلِكَ ( عَنْهُمَا ) بَلْ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَأَجْزَأَهُ عَنْهُ وَبِقَوْلِهِ عَنْهُمَا مِنْ زِيَادَتِهِ

( قَوْلُهُ الثَّانِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ إلَخْ ) سُئِلَ الْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ هَلْ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى نَفْسِهِ } فَقَالَ نَعَمْ وَكَتَبَ أَيْضًا وَتُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى آلِهِ ( قَوْلُهُ وَبِهِمَا عَبَّرَ فِي الْوَسِيطِ ) وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَعِبَارَةُ الِانْتِصَارِ وَيَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْأَمَالِي وَالْغَزَالِيُّ بِتَحْرِيمِ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِمَغْفِرَةِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ وَبِعَدَمِ دُخُولِهِمْ النَّارَ ؛ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَبَرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ نَكِرَاتٌ وَلِجَوَازِ قَصْدِ مَعْهُودٍ خَاصٍّ ، وَهُوَ أَهْلُ زَمَانِهِ مَثَلًا ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِشَطْرِ آيَةٍ طَوِيلَةٍ ) جَزَمَ بِهِ الْأَرْغِيَانِيُّ فَقَالَ لَوْ قَرَأَ شَطْرَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ جَازَ أَوْ آيَةً قَصِيرَةً كَقَوْلِهِ يس لَمْ يَكْفِ أَوْ آيَةً لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى وَعْدٍ أَوْ وَعِيدٍ أَوْ حُكْمٍ أَوْ مَعْنًى مَقْصُودٍ فِي قِصَّةٍ لَمْ يَكْفِهِ .
ا هـ .
وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِمَنْسُوخِ الْحُكْمِ وَعَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ قَوْلُهُ وَلَوْ فِي أَحَدَيْهِمَا ) وَتُجْزِئُ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا وَبَيْنَهُمَا ( فَرْعٌ ) لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِهِمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ لَيْسَ لَهُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ إعَادَةُ خُطْبَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ فَرْضًا وَاحِدًا وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ ا هـ قَالَ شَيْخُنَا قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي

شَكِّهِ فِي تَرْكِ رُكْنٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ إنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ هُنَا ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ( قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ } إلَخْ ) وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَوَائِلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ

( فَائِدَةٌ ) ذَكَرَهَا الْقَمُولِيُّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي جَوَازِ تَضْمِينِ شَيْءٍ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ وَنَحْوِهِمَا فَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ وَقَدْ أَهْدَى لَهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ هَدِيَّةً { بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ { ارْجِعْ إلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ } الْآيَةَ وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِيهِ فِي الْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ وَقَدْ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ نَبَاتَةَ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ

( وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا ) أَيْ الْخُطْبَةِ أَيْ أَرْكَانِهَا ( بِالْعَرَبِيَّةِ ) لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ( فَإِنْ أَمْكَنَ تَعَلُّمُهَا وَجَبَ ) عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى سَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَكَفَى ) أَيْ فِي تَعَلُّمِهَا ( وَاحِدٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمُوا ( عَصَوْا وَلَا جُمُعَةَ ) لَهُمْ بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ سُؤَالِ مَا فَائِدَةُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَيُوَافِقُهُ مَا سَيَأْتِي فِيمَا إذَا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا أَنَّهَا تَصِحُّ ( فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ) تَعَلُّمُهَا ( تَرْجَمَ ) أَيْ خَطَبَ بِلُغَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ ( وَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ ( لَمْ يُحْسِنْ ) أَنْ يُتَرْجِمَ ( فَلَا جُمُعَةَ ) لَهُمْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ
( قَوْلُهُ لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ) ؛ وَ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ

( فَرْعٌ شُرُوطُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ تِسْعَةٌ ) الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ ( وَقْتُ الظُّهْرِ وَالتَّقْدِيمُ ) لَهَا ( عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِيَامُ ) فِيهَا ( لِلْقَادِرِ ) لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي الثَّلَاثَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا ذِكْرٌ يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْقُعُودُ كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ فِي الثُّلُثِ ( وَتَصِحُّ خُطْبَةُ الْعَاجِزِ ) عَنْ الْقِيَامِ ( قَاعِدًا ثُمَّ مُضْطَجِعًا ) كَالصَّلَاةِ وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ سَوَاءٌ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ أَمْ سَكَتَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا قَعَدَ أَوْ اضْطَجَعَ لِعَجْزِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِثُمَّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَوْ ( فَإِنْ بَانَ ) أَنَّهُ كَانَ ( قَادِرًا فَكَمَنْ ) أَيْ فَكَإِمَامٍ ( بَانَ ) أَنَّهُ كَانَ ( جُنُبًا ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ ( وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَنِيبَ الْعَاجِزُ ) قَادِرًا كَمَا فِي الصَّلَاةِ ( وَ ) الرَّابِعُ ( الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( بِالطُّمَأْنِينَةِ ) فِيهِ كَمَا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ( فَلَوْ خَطَبَ جَالِسًا ) لِعَجْزِهِ ( وَجَبَ الْفَصْلُ ) بَيْنَهُمَا ( بِسَكْتَةٍ لَا اضْطِجَاعَ ) فَلَا يَجِبُ الْفَصْلُ بِهِ بَلْ لَا يَكْفِي .
وَالْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ هُنَا شَرْطَيْنِ وَفِي الصَّلَاةِ رُكْنَيْنِ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ إلَّا الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقِيَامَ وَالْجُلُوسَ لَيْسَا بِجُزْأَيْنِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا جُمْلَةُ أَعْمَالٍ ، وَهِيَ كَمَا تَكُونُ أَذْكَارًا تَكُونُ غَيْرَ أَذْكَارٍ ( وَ ) الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ ( الطَّهَارَةُ ) عَنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ ( وَالسَّتْرُ ) لِلِاتِّبَاعِ وَكَمَا فِي الصَّلَاةِ ( فَلَوْ أَحْدَثَ ) فِي الْخُطْبَةِ ( اسْتَأْنَفَ ) هَا ( وَلَوْ سَبَقَهُ ) الْحَدَثُ وَقَصُرَ الْفَصْلُ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِطَهَارَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ فَلَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَتَطْهُرَ عَنْ قُرْبٍ فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

، وَأَمَّا السَّامِعُونَ لِلْخُطْبَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُمْ وَلَا سَتْرُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ وَأَغْرَبَ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ ( وَ ) السَّابِعُ ( الْمُوَالَاةُ ) بَيْنَ أَرْكَانِهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ ؛ وَلِأَنَّ لَهَا أَثَرًا ظَاهِرًا فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ شَبِيهَتَانِ بِصَلَاةِ الْجَمْعِ .
( وَ ) الثَّامِنُ ( رَفْعُ الصَّوْتِ ) بِأَرْكَانِهَا ( بِحَيْثُ يَسْمَعُ ) هَا ( أَرْبَعُونَ ) رَجُلًا ( كَامِلًا ) عَدَدُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا وَعْظُهُمْ ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ ( وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا ) مَعْنَاهَا كَالْعَامِّيِّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَاهَا فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَارُ كَالْأَذَانِ وَلَا إسْمَاعُ دُونَ الْأَرْبَعِينَ ( وَلَوْ كَانُوا صُمًّا أَوْ بَعْضُهُمْ ) كَذَلِكَ ( لَمْ تَصِحَّ ) كَبُعْدِهِمْ عَنْهُ وَكَشُهُودِ النِّكَاحِ وَقَوْلُهُ كَغَيْرِهِ أَرْبَعُونَ أَيْ بِالْإِمَامِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي مُجَلِّيٍّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِيمَا إذَا صَلَّوْهَا جُمُعَةً وَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ بِأَنْ يَسْمَعَ أَرْبَعُونَ أَوْ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سِوَى الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ بِهِ تَتِمَّ الْأَرْبَعُونَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ إذَا كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصَمَّ لَمْ يَكْفِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ .
وَلَوْ كَانَ الْخَطِيبُ لَا يَعْرِفُ مَعْنَى أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ بَلْ الْوَجْهُ الْجَوَازُ كَمَنْ يَؤُمُّ بِالْقَوْمِ وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْفَاتِحَةِ ( وَيَنْبَغِي ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ السَّامِعِينَ وَغَيْرِهِمْ ( أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ ) بِوُجُوهِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ الْأَدَبُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَوَجُّهِهِمْ الْقِبْلَةَ ( وَ )

أَنْ ( يُنْصِتُوا وَيَسْتَمِعُوا ) قَالَ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْخُطْبَةِ وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ وَالِاسْتِمَاعُ شُغْلُ السَّمْعِ بِالسَّمَاعِ انْتَهَى فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ ( وَيُكْرَهُ لِلْحَاضِرِينَ الْكَلَامُ ) فِيهَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت ( وَلَا يَحْرُمُ ) لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى جَوَازِهِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ { بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا } وَخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَأَوْمَأَ النَّاسُ إلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فَلَمْ يَقْبَلْ وَأَعَادَ الْكَلَامَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّالِثَةِ مَا أَعْدَدْت لَهَا قَالَ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ إنَّك مَعَ مَنْ أَحْبَبْت } وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْكَلَامَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَ السُّكُوتِ وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلنَّدْبِ وَمَعْنَى لَغَوْت تَرَكْت الْأَدَبَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالتَّصْرِيحِ بِالْكَرَاهَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ( وَلَا تَخْتَصُّ بِالْأَرْبَعِينَ ) بَلْ الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ نَعَمْ لِغَيْرِ السَّامِعِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِمَا أَوْلَى ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَإِنْ عَرَضَ مُهِمٌّ ) نَاجِزٌ ( كَتَعْلِيمِ خَبَرٍ وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ ) وَإِنْذَارِ إنْسَانٍ عَقْرَبًا أَوْ أَعْمَى بِئْرًا ( لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْكَلَامِ بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ ( لَكِنْ

يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ ) إنْ أَغْنَتْ ( وَيُبَاحُ ) لَهُمْ بِلَا كَرَاهَةٍ ( الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا وَبَيْنَهُمَا ) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ ( وَ ) الْكَلَامُ ( لِلدَّاخِلِ ) فِي أَثْنَائِهَا ( مَا لَمْ يَجْلِسْ ) يَعْنِي مَا لَمْ يَتَّخِذْ لَهُ مَكَانًا وَيَسْتَقِرَّ فِيهِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْجُلُوسِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَظَاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ ( وَالتَّاسِعُ ) مِنْ شُرُوطِهَا ( مَا سَبَقَ ، وَهُوَ كَوْنُهَا بِالْعَرَبِيَّةِ ) وَسَبَقَ بَيَانُهُ

( قَوْلُهُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا ) هَلْ يَسْكُتُ فِيهِ أَوْ يَقْرَأُ أَوْ يَذْكُرُ سَكَتُوا عَنْهُ وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِ } قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا ( قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ) لَا يَلْزَمُ مِنْ اغْتِفَارِ الطَّهَارَةِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ اغْتِفَارُهَا بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ الْأُولَى فِي الْجَمْعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى فِعْلِ الثَّانِيَةِ وَصِحَّةُ الْخُطْبَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا عَلَى الْوَلَاءِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَةِ كَالْجُزْءِ مِنْ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى رَأْيٍ فَالْحَدَثُ بَيْنَهُمَا كَالْحَدَثِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهَا بَعْدَ فِيمَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الْخُطْبَةِ وَتَطَهَّرَ وَعَادَ اسْتَأْنَفَ وَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُوَالَاةَ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِطَهَارَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ قَالَ وَأَغْرَبَ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ ) قَالَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ الْمَشْهُورُ خِلَافُهُ ( قَوْلُهُ وَالْمُوَالَاةُ ) حَدُّ الْمُوَالَاةِ مَا حُدَّ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ .
( قَوْلُهُ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ ) لَوْ شَكَّ الْخَطِيبُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِهِمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ لَيْسَ لَهُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ إعَادَةُ خُطْبَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ فَرْضًا وَاحِدًا وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا كَالشَّكِّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ فَيَكُونُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ

عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُمَا أَصْلَانِ ( قَوْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ ) تَبِعَ فِي هَذَا الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ ، وَهُوَ جَوَابُ الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ إسْمَاعُ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْإِمَامَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ ( قَوْلُهُ بِأَنْ يَسْمَعَ أَرْبَعُونَ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ أَصَمَّ وَعِبَارَةُ الطِّرَازِ إسْمَاعُ مَا يَجِبُ لِأَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ فَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَصَمَّ ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ ) فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مَا يَقُولُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَا مَعْنَى لِأَمْرِهِ بِالْإِنْصَاتِ لِنَفْسِهِ ( قَوْلُهُ بَلْ الْوَجْهُ الْجَوَازُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَرْعٌ ) وَإِذَا ارْتَجَّ فِي الْخُطْبَةِ لَا يُلَقَّنُ مَا دَامَ يُرَدِّدُ فَإِذَا سَكَتَ يُلَقَّنُ ( قَوْلُهُ وَأَنْ يَنْصِتُوا وَيَسْتَمِعُوا ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ السَّمَاعَ الْمُحَقَّقَ لَا يُشْتَرَطُ وَإِلَّا كَانَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا فَيُكْتَفَى بِالصَّوْتِ وَإِمْكَانِ السَّمَاعِ ( قَوْلُهُ لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى جَوَازِهِ ) ؛ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ لَا يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ فَلَمْ يَحْرُمْ فِيهَا كَالطَّوَافِ

( فَرْعٌ لَوْ سَلَّمَ دَاخِلٌ ) عَلَى مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَالْخَطِيبُ ( يَخْطُبُ وَجَبَ الرَّدُّ ) عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْصَاتَ سُنَّةٌ كَمَا مَرَّ وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ مَعَ ذَلِكَ بِكَرَاهَةِ السَّلَامِ وَنَقَلَهَا عَنْ النَّصِّ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّدِّ مِنْ قَاضِي الْحَاجَةِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَائِحٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ إذَا لَمْ يُشْرَعْ السَّلَامُ فَكَيْفَ يَجِبُ الرَّدُّ وَقَدْ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ إنْ قُلْنَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ كُرِهَ الرَّدُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ قِيلَ إنْ عَلِمَ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهُ السَّلَامُ هُنَا لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ وَالْأَوْجَبُ لَمْ يَبْعُدْ

( وَيُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ ) إذَا حَمِدَ اللَّهَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ رَحِمَك اللَّهُ أَوْ يَرْحَمُك اللَّهُ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي السِّيَرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ كَسَائِرِ الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَهْرِيٌّ ، وَهُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ

( وَيَنْبَغِي ) أَيْ يَجِبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيَّ ( تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ ) عَلَى مَنْ كَانَ فِيهَا ( عِنْدَ قِيَامِ الْخَطِيبِ ) أَيْ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ وَجُلُوسِهِ ( وَلَا تُبَاحُ ) لِغَيْرِ الْخَطِيبِ مِنْ الْحَاضِرِينَ ( نَافِلَةٌ بَعْدَ صُعُودِهِ ) الْمِنْبَرَ ( وَجُلُوسِهِ ) وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَنَقَلَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَلَامِ حَيْثُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ صَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ مَا لَمْ يَبْتَدِئْ الْخُطْبَةَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَيْثُ تَحْرُمُ حِينَئِذٍ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَامِ هَيِّنٌ مَتَى ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ بِهَا سَمَاعُ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ وَإِذَا حَرُمَتْ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ انْعِقَادِهَا ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ لَهَا وَكَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمَكْرُوهَةِ بَلْ أَوْلَى لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا هُنَا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهَا ثُمَّ وَلِتَفْصِيلِهِمْ ثُمَّ بَيَّنَ ذَاتَ السَّبَبِ وَغَيْرَهَا بِخِلَافِ مَا هُنَا بَلْ إطْلَاقُهُمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ الرَّاتِبَةِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ هُنَا فَرْضًا لَا يَأْتِي بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ وَتَعْبِيرُ جَمَاعَةٍ بِالنَّافِلَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَتَعْلِيلُ الْجُرْجَانِيِّ اسْتِحْبَابُ التَّحِيَّةِ بِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ فَلَمْ تَمْنَعْهَا الْخُطْبَةُ كَالْقَضَاءِ مَحْمُولٌ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ جُلُوسِهِ كَمَا فِي التَّحِيَّةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَجُلُوسُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ

قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيَّ ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( قَوْلُهُ بَعْدَ صُعُودِهِ وَجُلُوسِهِ ) أَيْ الْخَطِيبِ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُ بِهَا سَمَاعُ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ ) وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ أَمِنَ فَوَاتَ ذَلِكَ لَمْ تَحْرُمْ الصَّلَاةُ ش قَالَ شَيْخُنَا لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ( قَوْلُهُ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بَلْ إطْلَاقُهُمْ إلَخْ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ وَلَا لِلشُّكْرِ وَبِهِ أَفْتَيْت ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَتَعْبِيرُ جَمَاعَةٍ بِالنَّافِلَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَخْصِيصُهُمْ النَّافِلَةَ بِالذِّكْرِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ فِعْلَ الْفَائِتَةِ حِينَئِذٍ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي الْفَوْرِيَّةِ دُونَ الْمُتَرَاخِيَةِ الْقَضَاءِ نَعَمْ تَحَرِّي الْقَضَاءِ فِي هَذَا الْوَقْتِ يُتَّجَهُ تَحْرِيمُهُ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَافِي الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ صَلَّى التَّحِيَّةَ وَخَفَّفَهَا لِحَدِيثِ سُلَيْكٍ ؛ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَهَا سَبَبٌ فَلَمْ تَمْنَعْ الْخُطْبَةَ مِنْهَا كَالْقَضَاءِ .
ا هـ .
وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ .
ا هـ .
وَكَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ جُلُوسِهِ

( وَالدَّاخِلُ ) لِلْمَسْجِدِ وَالْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ ( لَا فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ يُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ ) نَدْبًا ( مُخَفَّفَةً ) وُجُوبًا لِمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مَعَ خَبَرِ مُسْلِمٍ { جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا } هَذَا ( إنْ صَلَّى السُّنَّةَ ) أَيْ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ ( وَإِلَّا صَلَّاهَا كَذَلِكَ ) أَيْ مُخَفَّفَةً وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ أَمَّا إذَا دَخَلَ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ فَلَا يُصَلِّي لِئَلَّا يَفُوتَهُ أَوَّلُ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ صَلَّاهَا فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ بَلْ يَقِفُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَلَا يَعْقِدَ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ صَلَّاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي كَلَامِ الْخُطْبَةِ بِقَدْرِ مَا يُكْمِلُهَا وَمَا قَالَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْإِمَامُ ذَلِكَ كَرِهْته لَهُ فَإِنْ صَلَّاهَا وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ فِيمَا ذُكِرَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ لَا الْإِسْرَاعُ قَالَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَأَرَادَ الْوُضُوءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ

( قَوْلُهُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ ) فَلَا يُصَلِّيهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِرَكْعَتَيْنِ وَلَفْظَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ فِيمَا ذُكِرَ إلَخْ ) فِيهِ نَظَرٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَاضِحٌ

( فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ تَرْتِيبُ ) أَرْكَانِ ( الْخُطْبَةِ ) بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْحَمْدِ ثُمَّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ الدُّعَاءِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ ( وَتَجِبُ نِيَّةُ ) الْخُطْبَةِ وَ ( فَرْضِيَّتُهَا ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضٌ تُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَالسَّتْرُ وَالْمُوَالَاةُ كَذَا فِي الْأَصْلِ عَنْ الْقَاضِي وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إنَّهُ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لَكِنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْخُطَبِ ؛ لِأَنَّهَا أَذْكَارٌ وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ وَدُعَاءٌ وَقِرَاءَةٌ وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَازٌ بِصُورَتِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى اللَّهِ بِحَقِيقَتِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ تَصْرِفُهُ إلَيْهِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ لَكِنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ يُشِيرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ ) الْخُطْبَةُ ( عَلَى مِنْبَرٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ ( عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ ) وَالْمُرَادُ بِهِ يَمِينُ مُصَلَّى الْإِمَامِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَكَذَا وَضْعُ مِنْبَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَكَانَ يَخْطُبُ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ وَعَنْ يَسَارِهِ جِذْعُ نَخْلَةٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ ( فَعَلَى مُرْتَفِعٍ ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتَنَدَ إلَى خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَقَدْ صَحَّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَ الْمِنْبَرَ وَكَانَ مِنْبَرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ دَرَجٍ } غَيْرِ الدَّرَجَةِ الَّتِي تُسَمَّى الْمُسْتَرَاحَ وَكَانَ يَقِفُ عَلَى الثَّالِثَةِ فَيَنْدُبُ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ نَعَمْ إنْ طَالَ الْمِنْبَرُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى السَّابِعَةِ أَيْ ؛ لِأَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ زَادَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ الْأَوَّلِ سِتَّ دُرَجٍ فَصَارَ عَدَدُ دَرَجِهِ تِسْعَةً فَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَقِفُونَ عَلَى الدَّرَجَةِ السَّابِعَةِ ، وَهِيَ الْأُولَى مِنْ الْأَوَّلِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ ( وَيُكْرَهُ ) مِنْبَرٌ ( كَبِيرٌ يُضَيِّقُ ) عَلَى الْمُصَلِّينَ

( قَوْلُهُ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ يَمِينِ الْمِحْرَابِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَالَ فِي الْخَادِمِ قَوْلُهُ يَمِينُ الْمِحْرَابِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ ، وَهِيَ عِبَارَةٌ غَيْرُ مُخْلَصَةٍ بَلْ تَقْتَضِي عَكْسَ الْمُرَادِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَابَلْته يَمِينُك يَسَارٌ لَهُ وَيَسَارُك يَمِينٌ لَهُ وَلِهَذَا احْتَاجَ الرَّافِعِيُّ إلَى تَأْوِيلِهَا بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ إلَخْ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُلَائِمُ يَسَارَ الْمِحْرَابِ لَا يَمِينَهُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ وَالدَّارِمِيُّ فَقَالَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ الْمُصَلِّي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ .
ا هـ .

( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( لِلْخَطِيبِ أَنْ يُسَلِّمَ عِنْدَ وُصُولِهِ الْمِنْبَرَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُمْ وَعِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ ( وَ ) يُسْتَحَبُّ لَهُ ( بَعْدَ وُصُولِهِ الدَّرَجَةَ ) الَّتِي ( تَحْتَ الْمُسْتَرَاحِ ) أَنْ ( يُقْبِلَ عَلَى النَّاسِ ) بِوَجْهِهِ ( وَيُسَلِّمَ ) عَلَيْهِمْ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ فِي أَحْكَامِهِ وَلِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ ( ثُمَّ يَجْلِسَ ) عَلَى الْمُسْتَرَاحِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ ( حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ ) بَيْنَ يَدَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي الْبُخَارِيِّ كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ أَمَرَهُمْ بِأَذَانٍ آخَرَ عَلَى الزَّوْرَاءِ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا وَقَالَ عَطَاءٌ إنَّمَا أَحْدَثَهُ مُعَاوِيَةُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَالْأَمْرُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إلَيَّ وَعَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ تُصَلَّى سُنَّةُ الْجُمُعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَنْ تُصَلَّى قَبْلَ الْأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ ( وَنُدِبَ اتِّخَاذُهُ ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَيْهِ وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّأْذِينِ جَمَاعَةٌ
قَوْلُهُ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ) وَيُلْتَفَتُ عَلَى يَمِينِهِ ( قَوْلُهُ وَأَنْ تُصَلِّيَ قَبْلَ الْأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَ ) نُدِبَ أَنْ ( يَخْطُبَ خُطْبَةً بَلِيغَةً ) لَا مُبْتَذَلَةً رَكِيكَةً ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ ( قَرِيبَةً مِنْ الْأَفْهَامِ ) لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( مُتَوَسِّطَةً ) بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا } وَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُهُ أَيْضًا طُولُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقَصْرُ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ أَيْ عَلَامَةً عَلَيْهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصَرُوا الْخُطْبَةَ ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ وَالطُّولَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ فَالْمُرَادُ بِإِقْصَارِ الْخُطْبَةِ إقْصَارُهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَبِإِطَالَةِ الصَّلَاةِ إطَالَتُهَا عَلَى الْخُطْبَةِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ أَنَّ إقْصَارَ الْخُطْبَةِ يُشْكَلُ بِقَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى قِ ( مُقْبِلًا عَلَى النَّاسِ ) بِوَجْهِهِ فِي خُطْبَتِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مَعَ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهَا قَبُحَ ذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ عُرْفِ الْمُخَاطَبَاتِ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مَعَ اسْتِدْبَارِهِمْ لَهَا لَزِمَ اسْتِدْبَارُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَهَا وَاسْتِدْبَارُ وَاحِدٍ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ ( وَلَا يُلْتَفَتُ ) فِي شَيْءٍ مِنْهَا بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إلَى فَرَاغِهَا ( وَلَا يَعْبَثُ ) بَلْ يَخْشَعُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ ( وَلَا يُشِيرُ بِيَدِهِ ) هَذَا زَادَهُ هُنَا مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي بِزِيَادَةٍ ( فَلَوْ اسْتَقْبَلَ ) هُوَ ( أَوْ اسْتَدْبَرُوا ) أَيْ الْحَاضِرُونَ الْقِبْلَةَ ( أَجْزَأَ ) كَمَا فِي الْأَذَانِ ( وَكُرِهَ ) مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ

( قَوْلُهُ مُتَوَسِّطَةٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَحَسَنٌ أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَأَزْمَانِ الْأَسْبَابِ وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ الْإِسْهَابَ كَالْحَثِّ عَلَى الْجِهَادِ إذَا طَرَقَ الْعَدُوُّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْبِلَادَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْخُمُورِ وَالْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا وَالظُّلْمِ إذَا تَتَابَعَ النَّاسُ فِيهَا وَحَسُنَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ وَيَقْصِدُ إيرَادَ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ وَاخْتِيَارَ اللَّفْظِ الْفَصِيحِ وَلَا يُطِيلُ إطَالَةً تُمِلُّ وَلَا يُقَصِّرُ تَقْصِيرًا يُخِلُّ

( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ ( قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ) تَقْرِيبًا لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَيَقْرَأُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ

( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يَعْتَمِدَ سَيْفًا أَوْ عَصًا ) أَوْ قَوْسًا أَوْ نَحْوَهَا ( بِيَدِهِ الْيُسْرَى ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا } وَحِكْمَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ وَلِهَذَا قَبَضَهُ بِالْيُسْرَى كَعَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ ( وَيَشْغَلُ الْأُخْرَى ) أَيْ الْيُمْنَى ( بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ) شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ( سَكَنَ يَدَيْهِ خَاشِعًا ) بِأَنْ يَجْعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسِلُهُمَا وَالْغَرَضُ أَنْ يَخْشَعَ وَلَا يَعْبَثَ بِهِمَا كَمَا مَرَّ فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْغَلَ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ وَيُرْسِلَ الْأُخْرَى لَمْ يَبْعُدْ ( وَيُكْرَهُ لَهُ وَلَهُمْ الشُّرْبُ ) لِئَلَّا يَشْتَغِلَ فِكْرُهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ ( إلَّا لِشِدَّةِ عَطَشٍ ) فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَالتَّقْيِيدُ بِالشِّدَّةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ( وَبَعْدَ الْفَرَاغِ ) مِنْ الْخُطْبَةِ ( يَأْخُذُ فِي النُّزُولِ وَالْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَيُبَادِرُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ ) مِنْ الْإِقَامَةِ فَيَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِ الْمُوَالَاةِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْحَاضِرِينَ ( وَيُكْرَهُ ) فِي الْخُطْبَةِ ( مَا ابْتَدَعَهُ الْخُطَبَاءُ ) الْجَهَلَةُ ( مِنْ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ ) أَوْ غَيْرِهَا ( وَ ) مِنْ ( الِالْتِفَاتِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَ ) مِنْ ( دَقِّ الدَّرَجِ فِي صُعُودِهِ ) الْمِنْبَرَ بِسَيْفٍ أَوْ بِرِجْلِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا ( وَالدُّعَاءِ ) إذَا انْتَهَى صُعُودُهُ ( قَبْلَ الْجُلُوسِ لِلْأَذَانِ ) وَرُبَّمَا تَوَهَّمُوا أَنَّهَا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ ، وَهُوَ جَهْلٌ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا بَعْدَ جُلُوسِهِ وَأَغْرَبَ الْبَيْضَاوِيُّ فَقَالَ يَقِفُ فِي كُلِّ مِرْقَاةٍ وَقْفَةً خَفِيفَةً يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْمَعُونَةَ وَالتَّسْدِيدَ ( وَمُبَالَغَةُ الْإِسْرَاعِ فِي ) الْخُطْبَةِ ( الثَّانِيَةِ )

وَخَفْضُ الصَّوْتِ بِهَا ( وَالْمُجَازَفَةُ فِي وَصْفِ الْخُلَفَاءِ ) أَيْ السَّلَاطِينِ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ وَيُكْرَهُ الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَرِهْته قَالَ النَّوَوِيُّ ( وَ ) الْمُخْتَارُ أَنَّهُ ( لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ ) إذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ فِي وَصْفِهِ إذْ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِصَلَاحِ وُلَاةِ الْأُمُورِ
قَوْلُهُ وَالْمُجَازَفَةُ فِي وَصْفِ الْخُلَفَاءِ ) قَالَ فِي الْعُبَابِ وَقَدْ يَحْرُمُ ( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ إلَخْ ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ تَرْكُهُ فِي زَمَانِنَا يُفْضِي إلَى ضَرَرٍ وَفَسَادٍ فَيُسْتَحَبُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ لَا ؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ فِي نَفْسِهِ ، وَهَذَا حَسَنٌ ع قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ التَّرَضِّي عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْهُودِ فِي زَمَانِنَا بِدْعَةٌ غَيْرُ مَحْبُوبَةٍ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ اسْتِحْبَابَهُ حَيْثُ كَانَ فِي بَلَدِ الْخُطْبَةِ مُبْتَدَعٌ لَا يُحِبُّ الصَّحَابَةَ إذَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى فِتْنَةٍ

( وَيُكْرَهُ الِاحْتِبَاءُ ) ، وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ ظَهْرَهُ وَسَاقَيْهِ بِثَوْبِهِ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا ( وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ فَيُعَرِّضُ طَهَارَتَهُ لِلنَّقْضِ وَيَمْنَعُهُ الِاسْتِمَاعَ ( وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّيَامُنُ فِي الْمِنْبَرِ الْوَاسِعِ وَأَنْ يَخْتِمَ الْخُطْبَةَ ) الثَّانِيَةَ ( بِقَوْلِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ ، وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ) فِيهَا ( اُسْتُؤْنِفَتْ ) وُجُوبًا ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَالرَّافِعِيِّ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّ فِي بِنَاءِ غَيْرِهِ عَلَى خُطْبَتِهِ الْقَوْلَيْنِ فِي الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّلَاةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ بِنَاءِ غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ كَغَيْرِهِ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فِيهَا بِالْحَدَثِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِالْإِغْمَاءِ وَكَوْنِهِ بِغَيْرِهِ وَقِيَاسُهَا بِالصَّلَاةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْأَذَانِ بِجَامِعِ أُمُورٍ تَقَدَّمَتْ مَعَ أَنَّهَا تُفَارِقُ الْأَذَانَ بِأَنَّهَا لِلْحَاضِرِينَ فَلَا لَبْسَ وَالْأَذَانُ لِلْغَائِبِينَ فَيَحْصُلُ لَهُمْ اللَّبْسُ بِاخْتِلَافِ الْأَصْوَاتِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَذَكَرَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ إذَا وَصَلَ الْمِنْبَرَ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَصْعَدَهُ ، وَهُوَ غَرِيبٌ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَنْقُولِ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَلْ الْمَوْجُودُ لِأَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الِاسْتِحْبَابُ وَنَقَلَ الْقَمُولِيُّ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا لَمَّا وُلِّيَ الْخَطَابَةَ بِمِصْرَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ حَالَ الْخُطْبَةِ لَا يُعَرِّجُ عَلَى غَيْرِهَا قَالَ وَقَدْ سَأَلَ الْإِسْنَوِيُّ قَاضِي حُمَاةَ عَنْ هَذِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إذَا

دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلْخُطْبَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمِنْبَرَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْوَقْتِ أَوْ لِانْتِظَارِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ صَلَّى التَّحِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا يُصَلِّيهَا وَيَكُونُ اشْتِغَالُهُ بِالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ يَقُومُ مَقَامَ التَّحِيَّةِ كَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا طَوَافُ الْقُدُومِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ قَالَ ، وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ وَالْعَجَبُ مِنْ إهْمَالِ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ هُنَا .
ا هـ .
وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ النَّوَوِيِّ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ لَا يَحْضُرَ الْجَامِعَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِيَشْرَعَ فِي الْخُطْبَةِ أَوَّلَ وُصُولِهِ الْمِنْبَرَ فَإِذَا وَصَلَهُ صَعِدَ وَلَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ وَتَسْقُطُ عَنْهُ بِالِاشْتِغَالِ بِالْخُطْبَةِ كَمَا تَسْقُطُ بِالِاشْتِغَالِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ ( فَائِدَةٌ ) قَالَ الْقَمُولِيُّ مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ كَتْبُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْأَوْرَاقَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا حَفَائِظَ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَالِاتِّعَاظِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ ، وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ وَكِتَابَةُ كَلَامٍ لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ ، وَهُوَ كعسلهون وَقَدْ يَكُونُ دَالًّا عَلَى مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ

( قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ بِالْإِغْمَاءِ إلَخْ ) قَدَّمْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ( قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ قَوْلَ الْمُتَوَلِّي إلَخْ ) النَّوَوِيُّ إنَّمَا أَنْكَرَ اسْتِحْبَابَ فِعْلِ الْإِمَامِ التَّحِيَّةَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَلَمْ يُنْكِرْ اسْتِحْبَابَهَا لِلْإِمَامِ عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ نَقْلًا وَبَحْثًا أَمَّا بَحْثًا ؛ فَلِأَنَّ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ تُسْتَحَبُّ لَهُ التَّحِيَّةُ وَقِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا ، وَأَمَّا نَقْلًا ؛ فَلِأَنَّ الْمَوْجُودَ لِأَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ هُوَ اسْتِحْبَابُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَالْبَيَانِ وَالْعُدَّةِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ هَذِهِ النُّقُولِ إذَا حَضَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَقَالَ الْبَارِزِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْخَطِيبُ الْمَسْجِدَ لِلْخُطْبَةِ فَإِنْ لَمْ يَصْعَدْ الْمِنْبَرَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْوَقْتِ أَوْ لِانْتِظَارِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ صَلَّى التَّحِيَّةَ وَإِنْ صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَقْتَ وُصُولِهِ إلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ لَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ وَيَكُونُ اشْتِغَالُهُ بِالْخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ يَقُومُ مَقَامَ التَّحِيَّةِ كَمَا يَقُومُ طَوَافُ الْقُدُومِ مَقَامَ التَّحِيَّةِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ ، وَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ السُّنَّةُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي التَّوَسُّطِ ، وَهُوَ جَوَازٌ حَسَنٌ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ وَوُجِدَ بِخَطِّ الْفَقِيهِ الْإِمَامِ الْمُحَدِّثِ إبْرَاهِيمَ الْعَلَوِيِّ وَقَفْت عَلَى مَا مِثَالُهُ عَلَى نُسْخَةٍ تُنْسَبُ إلَى الْفَقِيهِ مُحَمَّدٍ الصَّفِّيِّ مَا هُوَ ذَا أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ يُكْتَبُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70