كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

( فَصْلٌ وَلَوْ تَنَازَعَ الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ ) بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ ( فَصَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا ) بِعَيْنِهِ ( فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو يَغْرَمُ لِعَمْرٍو ( فَإِنْ ) حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَى الْآخَرِ وَإِنْ ( نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ وَغَرِمَ لَهُ ) الْقِيمَةَ ، وَقِيلَ تُوقَفُ الْوَدِيعَةُ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَصْطَلِحَا ، وَقِيلَ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمَا فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ ( وَإِنْ صَدَّقَهُمَا فَالْيَدُ لَهُمَا وَالْخُصُومُ بَيْنَهُمَا ) فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لَهُ وَلَا خُصُومَةَ لِلْآخَرِ مَعَ الْوَدِيعِ لِنُكُولِهِ ، وَإِنْ نَكَلَا أَوْ حَلَفَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا وَحُكْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَالْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُقَرِّ لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( وَإِنْ قَالَ : هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيتُهُ ) وَكَذَّبَاهُ فِي النِّسْيَانِ ( ضَمِنَ كَالْغَاصِبِ ) لِتَقْصِيرِهِ بِنِسْيَانِهِ ، وَإِنْ صَدَّقَاهُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ ( وَالْغَاصِبُ ) فِيمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ اثْنَانِ غَصْبَ مَالٍ فِي يَدِهِ ( إذَا قَالَ هُوَ لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيتُهُ فَحَلَفَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ لَمْ يُغْصَبْهُ تَعَيَّنَ ) الْمَغْصُوبُ ( لِلْآخَرِ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ قَالَ : هُوَ وَدِيعَةً ) عِنْدِي ( وَلَا أَدْرِي أَ ) هُوَ ( لَكُمَا ) أَمْ لِأَحَدِكُمَا ( أَمْ لِغَيْرِكُمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إنْ ادَّعَيَاهُ وَتُرِكَ فِي يَدِهِ لِمَنْ يُثْبِتُ ) أَيْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ ( بِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا تَحْلِيفُ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ ) وَلَا اسْتِحْقَاقٌ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ .

( قَوْلُهُ : فَصَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ ) لَوْ أَقَرَّ بِهِ الثَّالِثُ حَلَفَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ لَا أَنَّهُ لِغَيْرِهِمَا وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ الثَّالِثِ وَإِذَا حَلَفَ أَقَرَّ الْمَالَ بِيَدِهِ وَكَذَا إنْ نَكَلَ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَخَذُوهُ وَطُولِبَ بِكَفِيلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا الْوَدِيعَةُ مَنْقُولَةٌ ، وَإِنْ حَلَفَا فَهَلْ يَقْتَسِمَانِهِ وَيُطَالِبَانِ بِكَفِيلٍ أَوْ يُقِرُّ مَعَ الْمُقِرِّ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا أَوَّلُهُمَا ( قَوْلُهُ إذَا قَالَ هُوَ لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيتُهُ إلَخْ ) أَمَّا إذَا كَذَّبَاهُ فِي دَعْوَى النِّسْيَانِ وَادَّعَيَا عِلْمَهُ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَتَكْفِيهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : كَذَا جَزَمَ بِهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْلِفْ الْخِلَافَ فِي نَظِيرِهَا وَهِيَ مَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجَاتُ فِي صُورَةِ تَزْوِيجِ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْلَمُ سَبْقَ نِكَاحِهِ وَأَنْكَرَتْ هَلْ تَكْفِي لَهُمَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ أَمْ يَجِبُ يَمِينَانِ قَالَ الْبَغَوِيّ : يَمِينَانِ .
وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ حَضَرَا وَادَّعَيَا حَلَفَتْ يَمِينًا ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ وَقَالَ الْإِمَامُ إنْ حَضَرَا وَرَضِيَا بِيَمِينٍ كَفَتَ وَإِنْ حَلَفَهَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُهَا وَجْهَانِ ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ وَاحِدَةٌ وَنَفْيُ الْعِلْمُ بِالسَّبْقِ يَشْمَلُهُمَا وَمِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ يَأْتِي هُنَا بِلَا فَرْقٍ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ نَظَرٌ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا تَوَجَّهَ عَلَى إنْسَانٍ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا فَإِنْ رَضُوا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَصِحَّ وَقِيلَ يَصِحُّ .
وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ حَتَّى فِي التَّنْبِيهِ فِي آخِرِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى فَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ جَارٍ عَلَى غَيْرِ الرَّاجِحِ

( فَصْلٌ مَسَائِلُهُ مَنْثُورَةٌ ) .
لَوْ ( تَعَدَّى ) الْوَدِيعُ ( فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ مُدَّةً لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا ) .
( فَصْلٌ مُسَائِلُهُ مَنْشُورَةٌ ) ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالظَّاهِرُ الضَّمَانُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ عَلَى مَا إذَا قَالَ : اُقْتُلْ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَإِنْ رَبَطَ ) عِبَارَةَ الْأَصْلِ وَإِنْ تَرَكَ ( عِنْدَ صَاحِبِ الْخَانِ ) مَثَلًا ( حِمَارًا وَقَالَ ) لَهُ ( احْفَظْهُ ) كَيْ لَا يَخْرُجَ ( فَلَاحَظَهُ فَخَرَجَ فِي بَعْضِ غَفَلَاتِهِ لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْحِفْظِ الْمُعْتَادِ .

( وَإِنْ احْتَرَقَ مَنْزِلُهُ فَبَادَرَ بِإِخْرَاجِ مَالِهِ ) مِنْهُ ( قَبْلَ ) إخْرَاجِ ( الْوَدِيعَةِ ) مِنْهُ فَاحْتَرَقَتْ ( لَمْ يَضْمَنْ ) كَمَا لَوْ قَدَّمَ وَدِيعَةً عَلَى أُخْرَى نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ إخْرَاجُهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالظَّاهِرُ الضَّمَانُ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَنْظَرِ بِهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْوَدَائِعِ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُ الِابْتِدَاءُ بِهِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَ الِابْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ فَيَخْرُجُ عَلَى مَا إذَا قَالَ اُقْتُلْ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ بِخِلَافِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ أَسْفَلَ الْوَدَائِعِ فَنَحَّاهَا وَأَخْرَجَ مَالَهُ لَمْ يَضْمَنْ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ حِينَئِذٍ إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ التَّنْحِيَةِ .

( وَإِنْ ادَّعَى الْوَارِثُ عِلْمَ الْوَدِيعِ بِمَوْتِ الْمَالِك وَطَلَبَ ) مِنْهُ ( الْوَدِيعَة فَلَهُ تَحْلِيفُهُ ) عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ ( فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ ) الْوَارِثُ ( وَأَخَذَهَا وَإِنْ قَالَ ) الْوَدِيعُ ( حَبَسْتُهَا ) عِنْدِي ( لِأَنْظُرَ هَلْ أَوْصَى ) بِهَا مَالِكُهَا أَوْ لَا ( فَهُوَ مُتَعَدِّ ضَامِنٌ ) .

( وَإِنْ عَرَفَ الْمُلْتَقِطُ ) لِشَيْءٍ ( الْمَالِكَ ) لَهُ ( فَلَمْ يُخْبِرْهُ ) بِهِ حَتَّى تَلِفَ ( أَوْ عَزَلَ قَيِّمٌ ) لِطِفْلِ أَوْ لِنَحْوِهِ أَوْ لِمَسْجِدٍ ( نَفْسِهِ وَلَمْ يُخْبِرْ الْحَاكِمَ بِمَا تَحْتَ يَدِهِ حَتَّى تَلِفَ أَوْ أَخَّرَ الْقَيِّمُ بَيْعَ وَرَقِ فِرْصَادٍ لِطِفْلٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى مَضَى وَقْتُهُ ضَمِنَ لَا إنْ ارْتَقَبَ ) بِتَأْخِيرِ بَيْعِهِ ( نَفَاقًا ) بِالْفَتْحِ أَيْ رَوَاجًا لَهُ ( فَرَخَّصَ ) فَلَا يَضْمُنُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكَذَا قَيِّمُ الْمَسْجِدِ فِي أَشْجَارِهِ وَهَذَا شَبِيهٌ بِتَعْرِيضِ الثَّوْبِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الدُّودُ لِلرِّيحِ .

( وَإِنْ ) بَعَثَ رَسُولًا لِقَضَاءِ حَاجَةٍ و ( أَعْطَاهُ خَاتَمَهُ أَمَارَةً ) لِمَنْ يَقْضِي لَهُ الْحَاجَةَ ( وَقَالَ ) لَهُ ( رُدَّهُ ) عَلَيَّ ( بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَوَضَعَهُ ) بَعْدَ قَضَائِهَا ( فِي حِرْزٍ ) لِمِثْلِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ ( لَمْ يَضْمَنْ إذْ لَا يَجِبُ ) عَلَيْهِ ( إلَّا التَّخْلِيَةُ لَا الرَّدُّ ) بِمَعْنَى النَّقْلِ وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهِ .

( وَلَوْ لَمْ يُسْتَحْفَظْ ) دَاخِلَ الْحَمَّامِ ( الْحَمَّامِيُّ ) لِحِفْظِ ثِيَابِهِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ حِفْظُ الثِّيَابِ ) فَلَوْ ضَاعَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ نَامَ أَوْ قَامَ مِنْ مَكَانِهِ وَلَا نَائِبَ لَهُ ثَمَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
أَمَّا إذَا اسْتَحْفَظَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ الْحِفْظُ .

( وَإِنْ أَوْدَعَهُ قَبَالَةً ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ وَرَقَةً مَكْتُوبَةً فِيهَا الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ ( وَتَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ ) كَأَنْ قَالَ لَا نَدْفَعُهَا إلَى زَيْدٍ حَتَّى يُعْطِيَكَ دِينَارًا فَدَفَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ ( ضَمِنَ قِيمَةَ الْكَاغِدِ مَكْتُوبًا ) الْأَوْلَى وَالْأَخْصَرُ قِيمَتُهَا مَكْتُوبَةً ( وَأُجْرَةُ الْكِتَابَةِ ) إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ بَيَانُ مَأْخَذِ قِيمَتِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا إلَى مُنْشِئِهَا الْكِتَابَةُ بِالْأُجْرَةِ فَذَاكَ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ظَاهِرًا مِنْ إيجَابِ قِيمَتِهَا مَكْتُوبَةً مَعَ الْأُجْرَةِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّ الْقِبْلَةَ لَهُ مُتَقَوِّمَةٌ فَإِذَا تَلِفَتْ لَزِمَ قِيمَتُهَا وَلَا نَظَرَ لِأُجْرَةِ الْكِتَابَةِ وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَلَزِمَ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ ثَوْبًا مُطَرَّزًا غَرِمَ قِيمَتَهُ وَأُجْرَةَ التَّطْرِيزِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَالْغَاصِبُ إنَّمَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ فَقَطْ كَمَا أَجَابَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَالصَّوَابُ لُزُومُهَا فَقَطْ انْتَهَى .

قَوْلُهُ إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ بَيَانُ مَأْخَذِ قِيمَتِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا الَّتِي مَنْشَؤُهَا الْكِتَابَةُ بِالْأُجْرَةِ فَذَاكَ وَإِنْ أُرِيدَ إلَخْ ) لَمْ يُرِدْ بِهِ الشِّقُّ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ ظَاهِرُهُ وَوَجْهُهُ وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ الْكَاغِدَ قَبْلَ كِتَابَتِهِ تَكْثُرُ الرَّغْبَةُ فِيهِ لِلِانْتِفَاعِ بِالْكِتَابَةِ فِيهِ فَقِيمَتُهُ مُرْتَفِعَةٌ كَثِيرَةٌ وَبَعْدَ كِتَابَتِهِ يَصِيرُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ قِيمَتُهُ تَافِهَةٌ فَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ مَعَ قِيمَتِهِ مَكْتُوبًا أُجْرَةُ كِتَابَةِ الشُّهُودِ لَا حَجَّ مِنَّا بِمَالِكِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَوْ تَلِفَ مَاءٌ بِمَفَازَةٍ ثُمَّ ظَفَرَ بِهِ مَالِكُهُ بِمَكَانٍ لَا قِيمَةَ لِلْمَاءِ فِيهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ وَأَمَّا لُزُومُ قِيمَةِ الثَّوْبِ مُطَرَّزًا دُونَ أُجْرَةِ التَّطْرِيزِ فَلَا إجْحَافَ فِيهِ بِمَالِكِهِ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الثَّوْبِ تَزِيدُ بِتَطْرِيزِهِ بَلْ كَثِيرًا مَا تُجَاوِزُ الزِّيَادَةُ قِيمَةَ مَا طُرِّزَ بِهِ وَأَجَرْتُهُ وَمِنْ نَظَائِرِ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلدَّفْنِ فَحَفَرَ فِيهَا الْمُسْتَعِيرُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ الدَّفْنِ فَمُؤْنَةُ الْحَفْرِ عَلَيْهِ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ ، وَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَوْ نَقَضَ وُضُوءَهَا بِاللَّمْسِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَاءِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَمَا لَوْ حَمَى الْوَطِيسُ لِيُخْبَزَ فِيهِ فَجَاءَ إنْسَانٌ فَبَرَّدَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا يُخْبَزُ فِيهِ .

( خَاتِمَةٌ ) قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ كُلُّ مَالٍ تَلِفَ فِي يَدِ أَمِينٍ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا إذَا اسْتَسْلَفَ السُّلْطَانُ لِحَاجَةِ الْمَسَاكِينِ زَكَاةً قَبْلَ حَوْلِهَا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَيَضْمَنُهَا لَهُمْ أَيْ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا الْمُقَرَّرَةِ فِي مَحَلِّهَا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُلْتَحَقُ بِهَا مَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَحَبَسَهَا الْبَائِعُ عَلَى الثَّمَنِ ثُمَّ أَوْدَعَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَلِفَتْ فَإِنَّهَا مِنْ ضَمَانِهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ
( قَوْلُهُ خَاتِمَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ إلَخْ ) رَأَيْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَمِينَ عَلَى الْبَهِيمَةِ الْمَأْكُولَةِ كَالْمُودَعِ وَالرَّاعِي وَنَحْوِهِمَا لَوْ رَآهَا وَقَعَتْ فِي مَهْلَكَةٍ فَذَبَحَهَا جَازَ وَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى مَاتَتْ فَلَا ضَمَانَ .
قُلْتُ وَيَجِبُ أَنْ يَلْزَمَهُ إعْلَامُ رَبِّهَا بِهَا إنْ أَمْكَنَهُ وَفِي عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا أَمْكَنَهُ تَخْلِيصُهَا بِلَا كُلْفَةٍ نُظِرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ الْمَالِكُ فِي ذَبَحَهَا لِمَا ادَّعَاهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْأَمِينُ إلَّا بِبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ع وَمَا نُظِرَ فِيهِ لَيْسَ بِمُرَادٍ قَالَ شَيْخُنَا : وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ : وَلَوْ سَقَطَتْ شَاةٌ وَلَمْ يَذْبَحْهَا الرَّاعِي حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ وَلَوْ عَلِمَ بِالْقَرَائِنِ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ غَالِبًا فَيَجُوزُ لَهُ الذَّبْحُ وَلَا يَضْمَنُ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهَا مِنْ ضَمَانِهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ ) الْأَصَحُّ خِلَافُهُ فَإِنَّ تَلَفَهُ فِي يَدِهِ حِينَئِذٍ كَتَلَفِهِ فِي يَدِ بَائِعِهِ

( كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ ) الْمَشْهُورُ تَغَايُرُهُمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَقِيلَ يَقَعُ اسْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ إذَا أَفْرَدَ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا افْتَرَقَا كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ ، وَقِيلَ اسْمُ الْفَيْءِ يَقَعُ عَلَى الْغَنِيمَةِ دُونَ الْعَكْسِ وَمِنْ هَذَيْنِ قَوْلُهُمْ يُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الْفَيْءِ وَالْأَصْلُ فِيهِمَا قَوْله تَعَالَى { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ } وَقَوْلُهُ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } الْآيَتَيْنِ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ فَيْئًا لِرُجُوعِهِ مِنْ الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ فَاءَ أَيْ رَجَعَ وَالثَّانِي غَنِيمَةٌ ؛ لِأَنَّهُ فَضْلٌ وَفَائِدَةٌ مَحْضَةٌ ( وَفِيهِ بَابَانِ : الْأَوَّلُ : الْفَيْءُ وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ بِلَا قِتَالٍ وَلَا إيجَافٍ ) أَيْ إسْرَاعِ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ( مِنْ جِزْيَةٍ وَعُشُورٍ ) مَشْرُوطَةٍ عَلَيْهِمْ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ إذَا دَخَلُوا دَارَنَا ( وَتَرِكَةِ مُرْتَدٍّ وَذِمِّيٍّ لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ مَا هَرَبُوا عَنْهُ ) لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ كَضُرٍّ أَصَابَهُمْ ( أَوْ صُولِحُوا عَلَيْهِ بِلَا قِتَالٍ ) أَوْ نَحْوِهَا ( فَيُخَمَّسُ ) خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ لِآيَةِ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ، وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِمَا أُخِذَ مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْمَالِ الْمَأْخُوذِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ صَيْدُ دَارِ الْحَرْبِ وَحَشِيشُهُ وَنَحْوُهُمَا فَإِنَّهَا كَمُبَاحِ دَارِنَا وَبِقَوْلِهِ وَلَا إيجَافٍ نَحْوِ السَّرِقَةِ مِمَّا فِيهِ إسْرَاعٌ فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ لَا فَيْءٌ ( فَصْلٌ وَيُقْسَمُ خُمُسُهُ ) أَيْ الْفَيْءِ ( عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ) فَالْقِسْمَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ : ( سَهْمٌ ) مِنْ الْخَمْسَةِ ( لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كَانَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى مَصَالِحِهِ وَمَا فَضَلَ مِنْهُ يَصْرِفُهُ فِي السِّلَاحِ وَسَائِرِ الْمَصَالِحِ وَإِضَافَتُهُ لِلَّهِ فِي الْآيَةِ لِلتَّبَرُّكِ بِالِابْتِدَاءِ بِاسْمِهِ ( وَمَصْرِفُهُ ) أَيْ السَّهْمِ الْمَذْكُورِ ( بَعْدَهُ ) صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لِلْمَصَالِحِ ) الْعَامَّةِ ( كَسَدِّ الثُّغُورِ وَعِمَارَةِ الْحُصُونِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ ) ؛ لِأَنَّ بِهَا تُحْفَظُ الْمُسْلِمُونَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلْيَكُنْ الصَّرْفُ لِلْمَصَالِحِ بِتَقْدِيمِ ( الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ ) مِنْهَا وُجُوبًا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ وَأَهَمُّهَا سَدُّ الثُّغُورِ السَّهْمُ ( الثَّانِي لِذَوِي الْقُرْبَى ) لِلْآيَةِ ( وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ) دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنْيِ نَوْفَلٍ وَإِنْ كَانَ الْأَرْبَعَةُ أَوْلَادَ عَبْدِ مَنَافٍ لِاقْتِصَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى بَنِي الْأَوَّلَيْنِ مَعَ سُؤَالِ بَنِي الْأَخِيرَيْنِ لَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ حَتَّى أَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ بِالرِّسَالَةِ نَصَرُوهُ وَذَبُّوا عَنْهُ بِخِلَافِ بَنِي الْأَخِيرَيْنِ بَلْ كَانُوا يُؤْذُونَهُ وَالْعِبْرَةُ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْآبَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَمَّا مَنْ يُنْسَبُ مِنْهُمْ إلَى الْأُمَّهَاتِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعْطِ الزُّبَيْرَ وَعُثْمَانَ مَعَ أَنَّ أُمَّ كُلٍّ مِنْهُمَا هَاشِمِيَّةٌ .
وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ بِنْتِهِ زَيْنَبَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ مِنْ بِنْتِهِ رُقَيَّةَ .
فَإِنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى بِلَا شَكٍّ قَالَ وَلَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لِذَلِكَ فَيَنْبَغِي الضَّبْطُ بِقَرَابَةِ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ لَا بَنِيهِمَا وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ تَوَفَّيَا صَغِيرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَقِبٌ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِمَا انْتَهَى عَلَى أَنَّ مَا ضَبَطَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ مَا أَرَادَهُ دَخَلَ فِيهِ غَيْرُ الْمُرَادِ لِأَنَّ قَرَابَةَ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ أَعَمُّ مِنْ

فُرُوعِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ .
( لَا مَوَالِيهِمْ ) فَلَا شَيْءَ لَهُمْ ( وَيُفَضَّلُ بِالذُّكُورَةِ ) فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ مَا لِأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ يُسْتَحَقُّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ كَالْإِرْثِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى وَلَا يُوقَفُ شَيْءٌ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي عَدَمِ وَقْفِ شَيْءٍ ( وَيَعُمُّهُمْ ) بِالْعَطَاءِ وُجُوبًا ( كَالْمِيرَاثِ ) وَلِلْآيَةِ ( وَلَا يَخْتَصُّ ) بِهِ ( فَقِيرٌ وَحَاضِرٌ ) بِمَوْضِعِ الْفَيْءِ وَكَبِيرٌ وَقَرِيبٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسَ وَكَانَ غَنِيًّا ( نَعَمْ يُجْعَلُ مَا فِي كُلِّ إقْلِيمٍ لِسَاكِنِهِ فَإِنْ عَدِمَهُ بَعْضُ الْأَقَالِيمِ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ ( أَوْ لَمْ يَسْتَوْعِبْهُمْ ) السَّهْمُ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِمَنْ فِيهِ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ ( نَقَلَ إلَيْهِمْ حَاجَتَهُمْ ) إذْ لَا تَعْظُمُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ قَدْرُ الْحَاجَةِ أَيْ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَنْقُولِ إلَيْهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَالتَّعْبِيرُ بِحَاجَتِهِمْ يَفُوتُ هَذَا الْمَعْنَى بَلْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ ( فَإِنْ كَانَ ) الْحَاصِلُ ( يَسِيرًا لَا يَسُدُّ مَسَدًّا بِالتَّوْزِيعِ قُدِّمَ الْأَحْوَجُ ) فَالْأَحْوَجُ وَلَا يَسْتَوْعِبُ لِلضَّرُورَةِ وَتَصِيرُ الْحَاجَةُ مُرَجَّحَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَبَرَةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ السَّهْمَ ( الثَّالِثُ لِلْيَتَامَى ) لِلْآيَةِ ( وَهُمْ كُلُّ صَغِيرٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى ( لَا أَب لَهُ ) وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَمَّا كَوْنُهُ صَغِيرًا فَلِخَبَرِ { لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنْ ضَعَّفَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا أَبَ لَهُ فَلِلْوَضْعِ وَالْعُرْفِ سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقَةِ أَمْ لَا قُتِلَ أَبُوهُمْ فِي الْجِهَادِ أَمْ لَا ( وَيُشْتَرَطُ ) فِي إعْطَائِهِمْ ( فَقْرُهُمْ ) لِإِشْعَارِ لَفْظِ الْيُتْمِ بِهِ وَلِأَنَّ اغْتِنَاءَهُمْ بِمَالِ أَبِيهِمْ إذَا مَنَعَ

اسْتِحْقَاقَهُمْ فَاغْتِنَاؤُهُمْ بِمَالِهِمْ أَوْلَى بِمَنْعِهِمْ ( وَيَعُمُّهُمْ ) بِالْعَطَاءِ وُجُوبًا لِلْآيَةِ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي السَّهْمُ ( الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِلْمَسَاكِينِ ) الشَّامِلِينَ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَابْنِ السَّبِيلِ ) لِلْآيَةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ وَيُشْتَرَطُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ الْفَقْرُ صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ لِلْمَسَاكِينِ بَيْنَ سَهْمِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ وَسَهْمِهِمْ مِنْ الْخُمُسِ وَحَقِّهِمْ مِنْ الْكَفَّارَاتِ فَيَصِيرُ لَهُمْ ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي وَاحِدٍ يُتْمٌ وَمَسْكَنَةٌ أُعْطَى بِالْيُتْمِ دُونَ الْمَسْكَنَةِ ؛ لِأَنَّ الْيُتْمَ وَصْفٌ لَازِمٌ وَالْمَسْكَنَةَ زَائِلَةٌ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَازِي مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى لَا يَأْخُذُ بِالْغَزْوِ بَلْ بِالْقَرَابَةِ فَقَطْ لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِمَا وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَزْوِ وَالْمَسْكَنَةِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْغَزْوِ لِحَاجَتِنَا وَبِالْمَسْكَنَةِ لِحَاجَةِ صَاحِبِهَا ( وَيُعَمَّمُونَ ) بِالْعَطَاءِ وُجُوبًا ( كَمَا فِي ) ذَوِي ( الْقُرْبَى ) وَلِلْآيَةِ ( لَكِنْ يُفَاضَلُ بَيْنَ أَفْرَادِهِمْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَالْيَتَامَى ) ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ بِالْحَاجَةِ وَهِيَ تَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ ذَوِي الْقُرْبَى فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِالْقَرَابَةِ كَمَا مَرَّ ( وَلَا يُعْطَى كَافِرٌ ) كَمَا فِي الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ إلَّا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ ( فَرْعٌ يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ هُنَا فِي اسْمِ الْمَسَاكِينِ ) كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ( فَرْعٌ مَنْ فُقِدَ مِنْ الْأَصْنَافِ أُعْطِيَ الْبَاقُونَ نَصِيبَهُ ) كَمَا فِي الزَّكَاةِ إلَّا سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لِلْمَصَالِحِ كَمَا مَرَّ ( وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الْمَسْكَنَةِ وَالسَّفَرِ ) بِلَا بَيِّنَةٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ ( لَا ) مُدَّعِي ( الْيُتْمِ وَ ) لَا

مُدَّعِي ( الْقَرَابَةِ ) فَلَا يُصَدَّقَانِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ

( كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ ) هَذَا شَطْرُ بَيْتٍ مَوْزُونٍ وَالْقَسْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ وَالْقِسْمُ بِالْكَسْرِ النَّصِيبُ ( قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ } الْآيَتَيْنِ ) وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَقَدْ فَسَّرَ لَهُمْ الْإِيمَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَكَانَتْ الْغَنَائِمُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَلْ كَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ إذَا غَنِمُوا مَالًا جَمَعُوهُ فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَتُحْرِقُهُ ثُمَّ أُحِلَّتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ( قَوْلُهُ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ فَيْئًا إلَخْ ) قَالَ الْقَفَّالُ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِلِاسْتِعَانَةِ عَلَى طَاعَتِهِ وَمَنْ خَالَفَهُ فَقَدْ عَصَاهُ وَسَبِيلُهُ الرَّدُّ إلَى مَنْ يُطِيعُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْغَنِيمَةَ أَيْضًا فَلِذَلِكَ قِيلَ اسْمُ الْفَيْءِ يَشْمَلُهَا .
( قَوْلُهُ وَذِمِّيٍّ لَا وَارِثَ لَهُ ) وَكَذَا مَا فَضَلَ مِنْ مَالِ ذِمِّيٍّ مَاتَ عَنْ وَارِثٍ غَيْرِ جَائِزٍ قَالَ شَيْخُنَا إنَّمَا قَالَ مَالُ ذِمِّيٍّ مَعَ كَوْنِ الْحَرْبِيِّ يَرِثُهُ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَالِ الْمُحْتَرَمِ وَمَالُ الْحَرْبِيِّ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ قَهْرًا مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا قَوْلُهُ وَيُقْسَمُ خُمُسُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْفَيْءِ الْخُمُسُ كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ } الْآيَةَ فَأَطْلَقَ هَاهُنَا وَقَيَّدَ فِي الْغَنِيمَةِ فَحَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَاخْتِلَافِ السَّبَبِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ وَهُوَ رُجُوعُ الْمَالِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ بِالْقِتَالِ وَعَدَمِهِ كَمَا حَمَلْنَا الرَّقَبَةَ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ .
( قَوْلُهُ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ ) أَيْ

قُضَاةِ الْبِلَادِ ( قَوْلُهُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ ) وَلَمْ يُرَدَّ إلَّا بَعْدَ الْوَفَاةِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَوْزِيعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ جَعَلَهُ لَهُمْ إلَّا بِالصَّرْفِ فِي مَصَالِحِهِمْ .
( قَوْلُهُ وَيَفْضُلُ بِالذُّكُورَةِ ) إنَّمَا أَعْطَى النِّسَاءَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَأْخُذُ سَهْمَ أُمِّهِ صَفِيَّةَ عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْفَعُ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْهُ وَفِي النَّسَائِيّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِصَفِيَّةَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَدْفَعْ لَهُنَّ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى الصَّرْفِ لِلذُّكُورِ فَإِنَّ ذُو اسْمٌ مَذْكُورٌ جَعَلَهُ لِلشَّخْصِ الَّذِي يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ قَالَهُ السُّبْكِيُّ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي عَدَمِ وَقْفِ شَيْءٍ ) قَالَ شَيْخُنَا فَالْأَوْجَهُ وَقْفُ مَا زَادَ إلَى حِصَّةِ ذَكَرٍ ( قَوْلُهُ كَالْمِيرَاثِ ) لَكِنْ سَوَّى بَيْنَ مُدْلٍ بِجِهَتَيْنِ وَمُدْلٍ بِجِهَةِ خِلَافًا لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ ( قَوْلُهُ وَهُمْ كُلُّ صَغِيرٍ لَا أَبَ لَهُ ) شَمِلَ اللَّقِيطَ وَوَلَدَ الزِّنَا وَالْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ قَالَ النَّاشِرِيُّ : فَإِنْ : قِيلَ مَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَلَكِنَّ الْأَبَ فَقِيرٌ أَيُعْطَى أَمْ لَا وَمَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ لَهُ جَدٌّ مُوسِرٌ أَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمُسْتَغْنِي بِنَفَقَةِ غَيْرِهِ أَمْ لَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا يُعْطَى مَنْ أَبُوهُ فَقِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَسْكَنَةَ الْيَتِيمِ كَفَقْرِهِ .
( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُمْ ) يُشْتَرَطُ فِي الْيَتَامَى الْإِسْلَامُ وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَصْرِفُ لِلْكَافِرِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ وَاضْطَرَبَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِيهِ فَقَالَا هُنَا لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ لِلْكَافِرِ وَفِي اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ يُنْفَقُ عَلَيْهِ

مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي السَّرِقَةِ يُقْطَعُ الذِّمِّيُّ بِمَالِ الْمَصَالِحِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَا نَظَرَ لِإِنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ وَلَا لِارْتِفَاقِهِ بِالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ اغْتِنَاءَهُمْ بِمَالِ أَبِيهِمْ إلَخْ ) فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَكْفِيَّ مِنْهُمْ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ لَا يُعْطَى ( قَوْلُهُ أُعْطَى بِالْيُتْمِ دُونَ الْمَسْكَنَةِ إلَخْ ) اعْتَرَضَ بِأَنَّ الْيَتِيمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فَقْرٍ أَوْ مَسْكَنَةٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْيَتَامَى لَا مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِمَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ إلَّا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ ) وَاضْطَرَبَ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِيهِ فَقَالَا هُنَا لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ لِلْكَافِرِ وَفِي اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي السَّرِقَةِ يُقْطَعُ الذِّمِّيُّ بِمَالِ الْمَصَالِحِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَا نَظَرَ لِإِنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ عِنْدِ الْحَاجَة ؛ لِأَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ وَلَا لِارْتِفَاقِهِ بِالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ ( قَوْلُهُ لَا مُدَّعِي الْيُتْمَ ) إذْ يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ يُتْمِهِ وَهُوَ كَالْمُتَعَذِّرِ فِي اللَّقِيطِ فَإِنْ ثَبَتَ يُتْمُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ

( فَصْلٌ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ فَهِيَ لِلْمُرْتَزِقَةِ ) لِعَمَلِ الْأَوَّلِينَ بِهِ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَيَأْتِي لِحُصُولِ النُّصْرَةِ بِهِ وَالْمُقَاتِلُونَ بَعْدَهُ هُمْ الْمُرْصَدُونَ لَهَا كَمَا قَالَ ( وَهُمْ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ ) بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ وَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ مَضْمُومَةً إلَى خُمُسِ الْخُمُسِ فَجُمْلَةُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْفَيْءِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا سَهْمٌ مِنْهَا لِلْمَصَالِحِ كَمَا مَرَّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ خُمُسَ الْخُمُسِ كَمَا مَرَّ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي الْخَصَائِصِ ، وَخَرَجَ بِالْمُرْتَزِقَةِ الْمُتَطَوِّعَةُ الَّذِينَ يَغْزُونَ إذَا نَشِطُوا فَإِنَّمَا يُعْطُونَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا مِنْ الْفَيْءِ عَكْسَ الْمُرْتَزِقَةِ ( فَيَضَعُ ) الْإِمَامُ نَدْبًا ( لِأَسْمَائِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ دِيوَانًا ) بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ الدَّفْتَرِ وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
( وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ قَوْمٍ ) مِنْ قَبِيلَةٍ أَوْ عَدَدٍ يَرَاهُ الْإِمَامُ ( عَرِيفٌ ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ نَصْبُهُ لِيَعْرِضَ عَلَيْهِ أَحْوَالَهُمْ وَيَجْمَعَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ كُلُّ ذَلِكَ لِلتَّسْهِيلِ ، وَزَادَ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ وَيَنْصِبُ الْإِمَامُ صَاحِبَ جَيْشٍ وَهُوَ يَنْصِبُ النُّقَبَاءَ وَكُلُّ نَقِيبٍ يَنْصِبُ الْعُرَفَاءَ وَكُلُّ عَرِيفٍ يُحِيطُ بِأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصِينَ بِهِ فَيَدْعُو الْإِمَامُ صَاحِبَ الْجَيْشِ وَهُوَ يَدْعُو النُّقَبَاءَ وَكُلُّ نَقِيبٍ يَدْعُو الْعُرَفَاءَ الَّذِينَ تَحْت رَايَتِهِ وَكُلُّ عَرِيفٍ يَدْعُو مَنْ تَحْتَ رَايَتِهِ .
( وَيُعْطِي كُلًّا ) مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ( قَدْرَ حَاجَتِهِ وَحَاجَةَ مَنْ يُمَوِّنُهُ ) وُجُوبًا ( مِنْ أَوْلَادٍ صِغَارٍ وَكِبَارٍ وَزَوْجَاتٍ وَعَبِيدِ خِدْمَةٍ لِمُعْتَادٍ ) بِهَا ( إنْ لَمْ يَكْتَفِ بِوَاحِدٍ أَوْ عَبِيدٍ لِحَاجَةِ الْغَزْوِ أَوْ الْجِهَادِ لَا غَيْرِهِمَا ) أَوْ لَا عَبِيدَ

زِينَةٍ وَتِجَارَةٍ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ جَدِيدَةً زِيدَ فِي الْعَطَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ أَمَّا إذَا اكْتَفَى بِعَبْدٍ وَاحِدٍ لِلْخِدْمَةِ فَلَا يُعْطَى لِأَكْثَرَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ يُعْطَى لِحَاجَتِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي لُزُومِ نَفَقَتِهِمْ وَبِخِلَافِ الزَّوْجَاتِ لِانْحِصَارِهِنَّ فِي أَرْبَعٍ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَقَوْلُهُ ( مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ ) أَيْ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ( وَيُرَاعِي فِي مُرُوءَتِهِ ) وَضِدِّهَا وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ( وَعَادَةِ الْبَلَدِ فِي الْمَطْعُومِ وَمَا يَعْرِضُ مِنْ غَلَاءٍ وَرُخْصٍ ) فَيَكْفِيهِ الْمُؤْنَاتِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْجِهَادِ ( وَالْفَارِسُ ) مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ ( يُعْطَى فَرَسًا إنْ احْتَاجَ ) إلَيْهِ ( وَ ) يُعْطَى ( مُؤْنَتَهُ لَا دَوَابَّ زِينَةٍ ) أَيْ لَا يُعْطَاهَا وَلَا مُؤْنَتَهَا ، وَالْأَصْلُ لَمْ يُصَرِّحْ إلَّا بِالثَّانِي حَيْثُ قَالَ : وَلَا يُعْطَى أَيْ مُؤْنَةَ الدَّوَابِّ الَّتِي يَتَّخِذُهَا زِينَةً وَنَحْوَهَا ( وَلَا يُزَادُ ) أَحَدٌ مِنْهُمْ ( لِنَسَبٍ ) عَرِيقٍ ( وَسَبْقٍ فِي الْإِسْلَامِ ) وَالْهِجْرَةِ وَسَائِرِ الْخِصَالِ الْمَرْضِيَّةِ وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ بَلْ يَسْتَوُونَ كَالْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ بِسَبَبِ تَرَصُّدِهِمْ لِلْجِهَادِ وَكُلُّهُمْ مُتَرَصِّدُونَ لَهُ ( وَإِنْ زَادَ ) مَا لِلْمُرْتَزِقَةِ ( عَنْ حَاجَتِهِمْ قُسِمَ ) الزَّائِدُ ( عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَهُمْ ( وَإِنْ صُرِفَ مِنْهُ إلَى الْكُرَاعِ ) أَيْ الْخَيْلِ ( أَوْ الْحُصُونِ ) أَوْ السِّلَاحِ ( لِيَكُونَ عُدَّةً لَهُمْ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ لَهُمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ مَنْعُ صَرْفِ جَمِيعِ الزَّائِدِ لِذَلِكَ وَأَنَّ صَرْفَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ لَكِنْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ فَقَالَ : الَّذِي فَهِمْته مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِرِجَالِهِمْ حَتَّى لَا يَصْرِفَ مِنْهُ لِلذَّرَارِيِّ أَيْ الَّذِينَ لَا رَجُلَ لَهُمْ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ صَرْفِهِ إلَى الْمُرْتَزِقَةِ

عَنْ كِفَايَةِ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ

( قَوْلُهُ فَيَضَعُ لِأَسْمَائِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ دِيوَانًا ) وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ لِئَلَّا تُشْتَبَهَ الْأَحْوَالُ وَيَقَعُ الْخَبْطُ وَالْغَلَطُ قَالَ فِي الْبَسِيطِ وَيَفْتَقِرُ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَضَعَ دِيوَانًا غ وَهُوَ وَاجِبٌ كَمَا أَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْغَلَطِ ع وَلَكِنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ صَرِيحٌ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ الْإِمَامُ دَفْتَرًا ( قَوْلُهُ وَزَوْجَاتٌ وَلَوْ لِتَمَامِ أَرْبَعٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَالزَّوْجَاتِ .
ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : أَمَّا أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ فَلَا تُعْطَى إلَّا وَاحِدَةً مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّهُنَّ غَيْرَ مَحْصُورَاتٍ بِخِلَافِ الزَّوْجَاتِ وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِوَاحِدَةٍ .
ا هـ .
وَتُعْطَى الزَّوْجَةُ حَتَّى تَنْكِحَ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا تُعْطَى إلَى الْمَوْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهَا لَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ التَّزَوُّجِ مَعَ رَغْبَةِ الْأَكْفَاءِ فِيهَا أَنَّهَا تُعْطَى وَفِيهِ نَظَرٌ وَتُعْطَى الْأَوْلَادُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا جَعْلُهُ الْغَايَةَ الِاسْتِقْلَالَ أَحْسَنُ مِنْ جَعْلِ الْمُحَرَّرِ الْبُلُوغَ فَقَدْ يَسْتَقِلُّونَ بِكَسْبٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بِإِرْثٍ أَوْ نَحْوِهِ إلَّا أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُحَرَّرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا اشْتِرَاطَ كَوْنِ نَفَقَتِهِمْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ ، وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَعَبِيدِ خِدْمَةٍ إلَخْ ) فِي الْحَاوِي يُعْطَى لِعَبِيدِهِ وَخَيْلِهِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَصْرِفَ مِنْهُ لِلذَّرَارِيِّ ) وَلَا مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُرْتَزِقَةُ كَالْقَاضِي

وَالْوَالِي وَإِمَامِ الصَّلَوَاتِ

( فَرْعٌ ) لِلْإِمَامِ صَرْفُ مَالِ الْفَيْءِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهِ وَيُعْطِي مُسْتَحِقِّيهِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مُسْتَحِقِّيهَا إلَّا مِنْ نَفْسِ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالثَّمَرَةِ وَغَيْرِهَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ

( فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ ) لِلْإِمَامِ ( أَنْ يُقَدِّمَ فِي ) الْإِعْطَاءِ وَفِي إثْبَاتِ الِاسْمِ فِي ( الدِّيوَانِ قُرَيْشًا ) عَلَى غَيْرِهِمْ لِخَبَرِ قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلِشَرَفِهِمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ أَحَدِ أَجْدَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ ( الْأَقْرَبَ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِفَضِيلَةِ الْقُرْبِ إلَيْهِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ ( فَيُقَدَّمُ ) مِنْهُمْ ( بَنُو هَاشِمٍ ) جَدِّهِ الثَّانِي ( وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ) شَقِيقِ هَاشِمٍ ( عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْمُطَّلِبِ { بِقَوْلِهِ أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فَشَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
( وَيُقَدِّمُ ) مِنْهُمْ ( مَنْ يُدْلِي بِأَبَوَيْنِ ) إلَى الْمُقَدَّمِ ( كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَخِي هَاشِمٍ ) لِأَبَوَيْهِ ( عَلَى بَنِي أَخِيهِ نَوْفَلٍ ) لِأَبِيهِ ( وَيُقَدَّمُ ) بَعْدَ مَنْ ذَكَرَ ( بَنُو عَبْدِ الْعُزَّى عَلَى بَنِي أَخِيهِ عَبْدِ الدَّارِ ) ابْنِ قُصَيٍّ ( لِمَكَانِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ) مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ أَصْهَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَتُقَدَّمُ بَنُو زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ عَلَى بَنِي تَيْمٍ ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْوَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَ ) تُقَدَّمُ ( بَنُو تَيْمٍ عَلَى بَنِي أَخِيهِ مَخْزُومٍ لِمَكَانِ عَائِشَةَ ) وَأَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ) وَعَنْهُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ثُمَّ ) يُقَدِّمُ ( بَنِي مَخْزُومٍ ثُمَّ ) بَنِي ( عَدِيٍّ ) لِمَكَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( ثُمَّ ) بَنِي (

جُمَحٍ و ) بَنِي ( سَهْمٍ ) التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعَلَيْهَا جَرَى جَمَاعَةٌ لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ لَا يَقْتَضِيهَا بَلْ قَدْ يَقْتَضِي عِنْدَ التَّأَمُّلِ تَقْدِيمَ بَنِي جُمَحٍ عَلَى بَنِي سَهْمٍ ( ثُمَّ ) بَنِي ( عَامِرٍ ثُمَّ ) بَنِي ( الْحَارِثِ ثُمَّ ) يُقَدِّمُ ( بَعْدَ قُرَيْشٍ الْأَنْصَارَ ) لِآثَارِهِمْ الْحَمِيدَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْأَوْسِ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ أَخْوَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَهُمَا أَبْنَاءُ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
( ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ ) وَمِنْهُمْ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ لَا قَرَابَةَ لَهُمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِهِ فَقَالَ بَعْدَ الْأَنْصَارِ مُضَرُ ثُمَّ رَبِيعَةُ ثُمَّ وَلَدُ عَدْنَانَ ثُمَّ وَلَدُ قَحْطَانَ فَيُرَتِّبُهُمْ عَلَى السَّابِقَةِ كَقُرَيْشٍ ( فَإِنْ اسْتَوَيَا ) أَيْ اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَبِالسَّبْقِ إلَى الْإِسْلَامِ ) يُقَدِّمُ ( ثُمَّ ) إنْ اسْتَوَيَا فِيهِ قَدَّمَ ( بِالدِّينِ ثُمَّ ) إنْ اسْتَوَيَا فِيهِ قَدَّمَ ( بِالسِّنِّ ثُمَّ ) إنْ اسْتَوَيَا فِيهِ قَدَّمَ بِالْهِجْرَةِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ ( ثُمَّ بِالشَّجَاعَةِ ثُمَّ رَأْيُ ) أَيْ ثُمَّ إنْ اسْتَوَيَا فِيهَا قَدَّمَ بِرَأْيِ ( وَلِيِّ الْأَمْرِ ) فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُقْرِعَ وَأَنْ يُقَدِّمَ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ ( ثُمَّ ) يُقَدِّمُ بَعْدَ الْعَرَبِ ( الْعَجَمَ وَالتَّقْدِيمُ فِيهِمْ إنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى نَسَبٍ بِالْأَجْنَاسِ ) كَالتُّرْكِ وَالْهِنْدِ ( وَبِالْبُلْدَانِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ سَابِقَةُ الْإِسْلَامِ تَرَتَّبُوا عَلَيْهَا وَإِلَّا فَالْقُرْبُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ ثُمَّ بِالسَّبْقِ إلَى طَاعَتِهِ ) فَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى نَسَبٍ اُعْتُبِرَ فِيهِمْ قُرْبُهُ وَبُعْدُهُ كَالْعَرَبِ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ السِّنِّ ثُمَّ الْهِجْرَةُ ثُمَّ الشَّجَاعَةُ ثُمَّ

رَأْيُ وَلِيِّ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْعَرَبِ

( فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي الدِّيوَانِ ) ( قَوْلُهُ لِفَضِيلَةِ الْقُرْبِ إلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَرِيبَ مِنْ الشَّرِيفِ شَرِيفٌ ( قَوْلُهُ كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قِيلَ يُقْرَأُ عَبْدَ شَمْسٍ بِفَتْحِ آخِرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ حَكَاهُ فِي الْعُبَابِ عَنْ الْفَارِسِيِّ وَيَتَحَصَّلُ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ضَبْطِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : فَتْحُ دَالِ عَبْدِ وَسِينِ شَمْسَ عَلَى التَّرْكِيبِ ، وَالثَّانِي : كَسْرُ الدَّالِ وَفَتْحُ السِّينِ ، وَالثَّالِثُ : كَسْرُ الدَّالِ وَصَرْفُ شَمْسٍ ( قَوْلُهُ وَيُقَدَّمُ مَنْ يُدْلِي بِأَبَوَيْنِ كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَخِي هَاشِمٍ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ نَوْفَلٍ إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَفْضُلُ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ عَلَى بَنِي نَوْفَلٍ وَلَا بَنُو عَبْدِ الْعُزَّى عَلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَلَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ فِي الْكَفَاءَة بِخِلَافِ مَا قُرِّرَ هُنَا .
( قَوْلُهُ بَلْ قَدْ يَقْتَضِي عِنْدَ التَّأَمُّلِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيُرَتِّبُهُمْ عَلَى السَّابِقَةِ ) أَيْ إلَى الْقَرَابَةِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ بِالسِّنِّ فَيُقَدِّمُ الْأَسَنَّ ) الْمُرَادُ بِالْأَسَنِّ الشَّيْخُ وَقَدَّمَ هُنَا النَّسَبَ عَلَى السِّنِّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ دُعَاءَ الْأَسَنِّ مُسْتَجَابٌ فَقُدِّمَ لِذَلِكَ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْإِمَامِ لَيْسَ نَظِيرَ الْمَذْكُورِ هُنَا فَإِنَّ الصُّورَةَ هُنَاكَ إذَا اجْتَمَعَ أَسَنُّ غَيْرُ نَسِيبٍ مَعَ النَّسِيبِ فَيُقَدَّمُ الْأَسَنُّ عَلَى الْجَدِيدِ ، وَهَا هُنَا كُلٌّ مِنْهُمَا نَسِيبٌ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَحَ أَحَدُهُمَا بِالسِّنِّ فَقُدِّمَ ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ قَرِيبَانِ أَحَدُهُمَا أَسَنُّ وَالْآخَرُ أَقْرَبُ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْخِلَافَ هُنَا فَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِعْطَاءَ هُنَا مُنَزَّلٌ عَلَى الْإِرْثِ ، وَلِهَذَا فُضِّلَ الذَّكَرُ وَإِذَا كَانَ الْإِرْثُ مُعْتَبَرًا فَالْأَقْرَبُ

مُقَدَّمٌ قَطْعًا كَمَا قَطَعُوا بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

( وَلَا يَثْبُتُ فِي الدِّيوَانِ صَبِيٌّ وَ ) لَا ( امْرَأَةٌ وَ ) لَا ( مَجْنُونٌ ) وَلَا عَبْدٌ ( وَ ) لَا ( عَاجِزٌ عَنْ الْغَزْوِ ) كَأَعْمَى وَزَمَنٍ ( وَ ) لَا ( كَافِرٌ وَ ) لَا ( أَقْطَعُ ) لِعَدَمِ كِفَايَتِهِمْ وَإِنَّمَا هُمْ تَبَعٌ لِلْمُقَاتِلِ إذَا كَانُوا فِي عِيَالِهِ يُعْطِي لَهُمْ كَمَا مَرَّ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ فِي الدِّيوَانِ أَسْمَاءَ الرِّجَالِ الْمُكَلَّفِينَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْقِتَالِ الْعَارِفِينَ بِهِ ( وَيُثْبِتُ ) فِيهِ ( الْأَعْرَجَ إنْ كَانَ فَارِسًا ) لَا رَاجِلًا ( وَالْأَصَمَّ وَالْأَخْرَسَ ) لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ ( وَيُمَيِّزُ الْمَجْهُولَ بِالْوَصْفِ ) لَهُ فَيَذْكُرُ نَسَبَهُ وَسِنَّهُ وَلَوْنَهُ وَيُحَلِّي وَجْهَهُ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ ( وَلَا يَسْقُطُ اسْمُهُ ) أَيْ الْمُقَاتِلِ مِنْ الدِّيوَانِ ( إذَا جُنَّ أَوْ زَمِنَ ) أَوْ مَرِضَ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ إنْ رُجِيَ زَوَالُهُ لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ عَنْ الْجِهَادِ وَيَشْتَغِلُوا بِالْكَسْبِ فَإِنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ مِنْ هَذِهِ الْعَوَارِضِ ( فَإِنْ لَمْ يَرْجُ ) زَوَالَهُ ( مَحَى اسْمَهُ وَأُعْطَى ) بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ الرَّاهِنَةِ كَمَا يُعْطِي زَوْجَاتِ الْمَيِّتِ وَأَوْلَادَهُ بَلْ أَوْلَى
قَوْلُهُ أَوْ مَرَضٍ ) أَيْ أَوْ أَسْرٍ ( قَوْلُهُ وَأُعْطِيَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ ) أَيْ وَإِنْ كَانُوا ذِمِّيِّينَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ ( قَوْلُهُ الرَّاهِنَةَ ) قَالَ شَيْخُنَا بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ كَنَحْوِ فَرَسٍ

( فَرْعٌ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ ) أَيْ الْمُرْتَزِقَةِ ( اسْتَمَرَّ رِزْقُهُ لِزَوْجَتِهِ ) يَعْنِي اسْتَمَرَّ رِزْقُ زَوْجَتِهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ ( وَأَوْلَادِهِ ) الَّذِينَ تَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يُرْجَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ إذَا بَلَغَ تَرْغِيبًا لِلْمُجَاهِدِينَ ( إلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ هِيَ وَبَنَاتُهُ ) قَالَ فِي الْبَيَانِ أَوْ يَسْتَغْنِينَ بِكَسْبٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَوْ بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ( وَ ) إلَى أَنْ ( يَبْلُغَ الذُّكُورُ مُكْتَسِبِينَ ) أَوْ رَاغِبِينَ فِي الْجِهَادِ فَيُثْبِتُ اسْمَهُمْ فِي الدِّيوَانِ وَعَبَّرَ الْمِنْهَاجُ بِقَوْلِهِ وَيُعْطِي الْأَوْلَادَ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَالْأَصْلِ وَالْمُحَرَّرِ وَلَعَلَّ ذِكْرَ الْبُلُوغِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنْ بَلَغُوا عَاجِزِينَ لِعَمًى أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا اسْتَمَرَّ رِزْقُهُمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَالزَّوْجَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَالْأَوْلَادِ الْأُصُولِ وَسَائِرِ الْفُرُوعِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَلْيَنْظُرْ فِيمَا لَوْ كَانَ مَنْ يَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ كَافِرًا هَلْ يُعْطِي بَعْدَهُ الْأَقْرَبُ الْمَنْعُ

( قَوْلُهُ فَرْعٌ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ اسْتَمَرَّ رِزْقُهُ إلَخْ ) اسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَوْ الْمُعِيدَ أَوْ الْمُدَرِّسَ إذَا مَاتَ تُعْطَى زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ مِمَّا كَانَ يَأْخُذُ مَا يَقُومُ بِهِمْ تَرْغِيبًا فِي الْعِلْمِ كَالتَّرْغِيبِ هُنَا فِي الْجِهَادِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِمْ صُرِفَ الْبَاقِي لِمَنْ يَقُومُ بِالْوَظِيفَةِ ، قَالَ : فَإِنْ قِيلَ فِي هَذَا تَعْطِيلٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ إذَا اشْتَرَطَ مُدَرِّسًا بِصِفَةٍ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ قُلْنَا قَدْ حَصَلَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ مُدَّةً مِنْ أَبِيهِمْ وَالصَّرْفُ لِهَؤُلَاءِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَمُدَّتُهُمْ مُفْتَقِرَةٌ فِي جَنْبِ مَا مَضَى كَزَمَنِ الْبِطَالَةِ قَالَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ تَقْرِيرُ مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْجِهَادِ فِي الدِّيوَانِ أَوْ إثْبَاتِ اسْمِ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعِلْمَ مَحْبُوبٌ لِلنُّفُوسِ لَا يَصُدُّ عَنْهُ شَيْءٌ فَيُوَكَّلُ النَّاسُ فِيهِ إلَى مَيْلِهِمْ إلَيْهِ وَالْجِهَادُ مَكْرُوهٌ لِلنُّفُوسِ فَيَحْتَاجُ النَّاسُ فِي أَرْصَادِ أَنْفُسِهِمْ لَهُ إلَى التَّأَلُّفِ وَإِلَّا فَمَحَبَّةُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ قَدْ تَصُدُّ عَنْهُ قُلْت وَفَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِعْطَاءَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ وَهِيَ أَمْوَالُ الْمَصَالِحِ أَقْوَى مِنْ الْخَاصَّةِ كَالْأَوْقَافِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي تِلْكَ التَّوَسُّعُ فِي هَذِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُعَيَّنٌ أَخْرَجَهُ شَخْصٌ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ نَشْرِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ فَكَيْفَ تُصْرَفُ مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ ؟ وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ الصَّرْفُ لِأَوْلَادِ الْعَالِمِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ كِفَايَتَهُمْ كَمَا كَانَ يُصْرَفُ لِأَبِيهِمْ وَمُقْتَضَى الْفَرْقِ الْأَوَّلِ عَدَمُهُ ع .
أَمَّا قِيَاسُ زَمَنِ الْبِطَالَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى زَمَنِ الْبِطَالَةِ فِي الْحَيَاةِ فَغَفْلَةٌ فَإِنَّهُ إذَا قَطَعَ الْمُدَرِّسُ التَّدْرِيسَ بِعُذْرٍ إنَّمَا يُغْتَفَرُ إذَا قَصُرَتْ الْمُدَّةُ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ

إلَّا فِيهِ وَإِلَّا انْقَطَعَ حَقُّهُ وَاسْتَحَقَّ أَنْ يَخْلُفَهُ غَيْرُهُ فَالِانْقِطَاعُ بِالْمَوْتِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ مِنْ الِانْقِطَاعِ الطَّوِيلِ بِعُذْرٍ فِي الْحَيَاةِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ قَدْ يُفَرَّقُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ وَفَرَّقَ إلَخْ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَالزَّوْجَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ ) كَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ الْغَزِّيِّ : وَيَظْهَرُ أَنَّ الزَّوْجَةَ النَّاشِزَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا تُعْطَى كَالْحَيَاةِ .
( قَوْلُهُ الْأَقْرَبُ الْمَنْعُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ غَيْرُهُ : إنَّهُ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَهُمْ فَمُنِعَتْ .
ا هـ .
فَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ مَوْتِهِ أُعْطُوا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَلْ تُعْطَى الزَّوْجَةُ النَّاشِزَةُ حَالَ مَوْتِهِ أَمْ لَا كَحَالِ الْحَيَاةِ ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَقَوْلُهُ أَمْ لَا كَحَالِ الْحَيَاةِ قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَصَحُّ

( فَصْلٌ وَلْيَكُنْ وَقْتُ الْعَطَاءِ مَعْلُومًا ) لَا يَخْتَلِفُ ( مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً ) أَوْ نَحْوَهُمَا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ أَوْ آخِرِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَالِبُ أَنَّ الْإِعْطَاءَ يَكُونُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً لِئَلَّا يَشْغَلَهُمْ الْإِعْطَاءُ كُلَّ أُسْبُوعٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ عَنْ الْجِهَادِ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَهِيَ مُعْظَمُ الْفَيْءِ لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً ( وَمَنْ مَاتَ ) مِنْهُمْ ( بَعْدَ جَمْعِ الْمَالِ وَ ) تَمَامِ ( الْحَوْلِ فَنَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ لَهُ فَيَنْتَقِلُ لِوَارِثِهِ ( كَالدَّيْنِ ) وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ كَالْإِرْثِ ( أَوْ ) مَاتَ ( قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَبَعْدَ الْجَمْعِ ) لِلْمَالِ ( فَقِسْطُهُ ) لِوَارِثِهِ كَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ ( أَوْ عَكْسُهُ ) أَيْ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ جَمْعِ الْمَالِ ( فَلَا ) شَيْءَ لِوَارِثِهِ إذْ الْحَقُّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِجَمْعِ الْمَالِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْجَمْعِ وَذِكْرُ الْحَوْلِ مِثَالٌ فَمِثْلُهُ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ

( فَصْلٌ ) ( وَأَمَّا عَقَارُ الْفَيْءِ ) كَالدُّورِ وَالْأَرَاضِي ( فَالْإِمَامُ يُوقِفُهُ ) الْفَصِيحُ يَقِفُهُ وَذَلِكَ لِتَبْقَى الرُّقْبَةُ مُؤَبَّدَةً وَيَنْتَفِعُ بِغَلَّتِهَا الْمُسْتَحِقُّ كُلَّ عَامٍ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْهَلَاكِ وَبِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهَا بَعِيدَةٌ عَنْ نَظَرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ لِتَأَكُّدِ حَقِّ الْغَانِمِينَ ( وَيَقْسِمُ غَلَّتَهُ كَالْفَيْءِ ) الْمَنْقُولِ فَيَكُونُ خُمُسُهَا لِلْمَصَالِحِ وَالْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ ( وَإِنْ رَأَى قِسْمَتَهُ أَوْ بَيْعَهُ وَقِسْمَةَ ثَمَنِهِ جَازَ لَكِنْ لَا يُقْسَمُ سَهْمُ الْمَصَالِحِ ) بَلْ يُوقَفُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي الْمَصَالِحِ أَوْ يُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَيْهَا
قَوْلُهُ بَلْ يُوقَفُ ) وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي الْمَصَالِحِ وَهُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ دَائِمٌ

( فَصْلٌ مَسَائِلُهُ مَنْثُورَةٌ مَنْ سَأَلَ إثْبَاتَ اسْمِهِ ) فِي الدِّيوَانِ ( وَهُوَ أَهْلٌ ) لِلْقِتَالِ ( أُجِيبَ ) إلَيْهِ ( إنْ اتَّسَعَ الْمَالُ ) وَإِلَّا فَلَا ( وَلَا يُحْبَسُ الْفَيْءُ لِتَوَقُّعِ نَازِلَةٍ بَلْ يُقْسَمُ ) الْجَمِيعُ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ ( وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ) أَيْ أَغْنِيَائِهِمْ ( أَمْرُ النَّوَازِلِ ) أَيْ الْقِيَامُ بِأَمْرِهَا إنْ نَزَلَتْ

( وَيُرْزَقُ مِنْ ) مَالِ ( الْفَيْءِ حُكَّامُ الْغَزْوِ وَوُلَاةُ الصَّلَاةِ ) الَّذِينَ يُقِيمُونَ لِأَهْلِهِ الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ ( وَمُعَلِّمُو أَحْدَاثَهُمْ الْفِرَاسَةَ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ لُغَةً وَالْفُرُوسِيَّةَ ( وَالرِّمَايَةَ ) قَدْ عَطَفَ الْأَصْلُ عَلَى وُلَاةِ الصَّلَاةِ وُلَاةَ الْأَحْدَاثِ ثُمَّ قَالَ : وَوُلَاةُ الْأَحْدَاثِ قِيلَ هُمْ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ أَحْدَاثَ الْفَيْءِ الْفُرُوسِيَّةَ وَالرَّمْيَ وَقِيلَ هُمْ الَّذِينَ يُنْصَبُونَ فِي الْأَطْرَافِ لِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ وَسُعَاةِ الصَّدَقَاتِ وَعَزْلِهِمْ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ إلَى الثُّغُورِ وَحِفْظِ الْبِلَادِ مِنْ الْفَسَادِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ فَتَرْجِيحُ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ مِنْ زِيَادَتِهِ
( قَوْلُهُ وَيُرْزَقُ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ إلَخْ ) أَيْ مِنْ أَخْمَاسِهِ الْأَرْبَعَةِ

( وَ ) يُرْزَقُ مِنْهُ ( الْعُرَفَاءُ ) أَيْ عُرَفَاءُ أَهْلِ الْفَيْءِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكُلُّ مَنْ قَامَ بِأَمْرِ الْفَيْءِ مِنْ وَالٍ وَكَاتِبٍ وَجُنْدِيٍّ لَا يَغْتَنِي أَهْلُ الْفَيْءِ عَنْهُمْ هَذَا ( إنْ عُدِمَ الْمُتَطَوِّعُونَ ) بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يُرْزَقُ عَلَيْهَا غَيْرُهُمْ

( وَيُشْتَرَطُ فِي عَامِلِ الْفَيْءِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاجْتِهَادُ ) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَيْءِ ( وَمَعْرِفَةُ الْحِسَابِ وَالْمِسَاحَةِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وِلَايَةٌ ( وَيَجُوزُ هَاشِمِيٌّ ) أَيْ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا ( وَلَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِهَادُ لِمَنْ وَلِيَ جِبَايَةَ أَمْوَالِهِ ) أَيْ الْفَيْءِ بَعْدَ تَقْرِيرِهَا

( وَيَجُوزُ إرْسَالُ الْعَبْدِ لِجِبَايَةِ مَالٍ خَاصٍّ ) مِنْ الْفَيْءِ ( لَا اسْتِنَابَةَ فِيهِ ) ؛ لِأَنَّهُ كَالرَّسُولِ الْمَأْمُورِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِنَابَةٌ بِأَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ فِيهِ عَنْهَا لَمْ يَجُزْ إرْسَالُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوِلَايَةِ ( لَا ) إرْسَالُ ( الذِّمِّيِّ ) لِذَلِكَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } ( إلَّا فِي الْجِبَايَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ) كَالْجِزْيَةِ وَعُشْرِ تِجَارَاتِهِمْ فَيَجُوزُ إرْسَالُهُ قَالَ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } ( وَفَسَادُ وِلَايَةِ الْعَامِلِ كَفَسَادِ الْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ ) الْمَالَ حَتَّى يَبْرَأَ الدَّافِعُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ ( إنْ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ قَبْضِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ النَّهْيَ
( قَوْلُهُ إلَّا فِي الْجِبَايَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَخْ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ هُوَ أَبْلَغُ فِي الصِّغَارِ مِنْ الْمُسْلِمِ

( وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إسْقَاطُ أَحَدٍ مِنْ الدِّيوَانِ بِلَا سَبَبٍ ) يَقْتَضِيهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ سَبَبٌ فَلَهُ ذَلِكَ ( وَلَا لِأَحَدٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ إخْرَاجُ نَفْسِهِ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ ) لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ

( وَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ قِتَالِ أَكْفَاءٍ ) لَهُمْ ( سَقَطَتْ أَرْزَاقُهُمْ ) بِخِلَافِ مَا إذَا امْتَنَعُوا مِنْ قِتَالِ مَنْ يَضْعُفُونَ عَنْهُ ( وَمَنْ جُرِّدَ ) مِنْهُمْ ( لِسَفَرٍ أَوْ تَلَفِ سِلَاحِهِ فِي الْحَرْبِ أُعْطِيَ عِوَضَ السِّلَاحِ وَأُعْطِيَ مُؤْنَةَ السَّفَرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ ) ذَلِكَ ( فِي تَقْدِيرِ عَطَائِهِ ) وَإِلَّا فَلَا ( وَمَنْ عَجَزَ بَيْتُ الْمَالِ عَنْ عَطَائِهِ بَقِيَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَغْرَمُهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ ) فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ طَالَبَ بِهِ كَالدَّيْنِ
( قَوْلُهُ وَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ قِتَالِ أَكْفَاءٍ إلَخْ ) فِي نُسْخَةٍ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقِتَالِ أَكْفَاءٌ سَقَطَتْ أَرْزَاقُهُمْ

( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْغَنِيمَةِ ) ( وَهِيَ مَا أَخَذْنَاهُ مِنْ الْكُفَّارِ ) الْحَرْبِيِّينَ ( بِقِتَالٍ أَوْ إيجَافِ ) الْخَيْلِ أَوْ رِكَابٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ( وَلَوْ بَعْدَ فِرَارِهِمْ ) أَيْ انْهِزَامِهِمْ فِي الْقِتَالِ وَلَوْ قَبْلَ شَهْرِ السِّلَاحِ حِينَ الْتَقَى الصَّفَّانِ وَمِنْ الْغَنِيمَةِ مَا أُخِذَ مِنْ دَارِهِمْ اخْتِلَاسًا أَوْ سَرِقَةً أَوْ لُقَطَةً كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِمَا أَخَذْنَاهُ مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْمَالِ وَسَيَأْتِي فِي السِّيَرِ مَا يُفْعَلُ فِي الْكِلَابِ ( وَلَمْ تَحِلَّ ) الْغَنِيمَةُ ( إلَّا لَنَا ) وَقَدْ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً يَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إعْطَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ فَخُمِّسَتْ كَالْفَيْءِ لِآيَةِ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } ( وَلِخُمُسِهَا حُكْمُ خُمُسِ الْفَيْءِ ) فَيُخَمَّسُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ لِلْآيَةِ ( وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ ) أَخْذًا مِنْ الْآيَةِ حَيْثُ اقْتَصَرَ فِيهَا بَعْدَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِمْ عَلَى إخْرَاجِ الْخُمُسِ وَعَمَلًا بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ { رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْغَنِيمَةِ فَقَالَ لِلَّهِ خُمُسُهَا وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْجَيْشِ فَمَا أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ } ( وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ النَّفَلُ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَشْهَرُ مِنْ إسْكَانِهَا ( وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْأَمِيرُ زِيَادَةً ) عَلَى سَهْمِ الْغَنِيمَةِ ( لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي ) أَمْرٍ ( مُهِمٍّ كَطَلِيعَةٍ وَدَلِيلٍ ) أَيْ لِمَنْ يَقُومُ بِمَا فِيهِ نِكَايَةٌ زَائِدَةٌ فِي الْعَدُوِّ أَوْ تَوَقُّعِ ظَفَرٍ أَوْ دَفْعِ شَرٍّ كَتَقَدُّمٍ عَلَى طَلِيعَةٍ وَهَجْمٍ عَلَى قَلْعَةٍ وَدَلَالَةٍ عَلَيْهَا وَحِفْظِ مَكْمَنٍ وَتَجْسِيسِ حَالٍ ( بِشَرْطِ

الْحَاجَةِ إلَيْهِ ) لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ اقْتِضَاءِ الرَّأْيِ بَعْثَ السَّرَايَا وَحِفْظَ الْمَكَامِنِ ، وَلِذَلِكَ نَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ دُونَ بَعْضٍ ( إمَّا لِشَخْصٍ ) وَاحِدٍ ( أَوْ أَكْثَرَ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَنْ ) أَيْ كَقَوْلِهِ مَنْ ( فَعَلَ كَذَا ) فَلَهُ كَذَا ( فَإِنَّ بَذَلَهُ مِنْ ) مَالِ الْمَصَالِحِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ فِي ( بَيْتِ الْمَالِ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا أَوْ ) بَذَلَهُ يَعْنِي شَرْطَهُ ( مِمَّا سَيَغْنَمُ ) فِي هَذَا الْقِتَالِ أَوْ غَيْرِهِ ( قُدِّرَ بِجُزْءٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ) وَيُحْتَمَلُ فِيهِ الْجَهَالَةُ لِلْحَاجَةِ .
( وَلَيْسَ لِقَدْرِهِ ضَبْطٌ بَلْ يَجْتَهِدُ فِيهِ ) فَيُقَدِّرُهُ ( بِقَدْرِ الْعَمَلِ ) وَخَطَرِهِ وَقَدْ صَحَّ فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ وَالْبَدْأَةُ السَّرِيَّةُ الَّتِي يَبْعَثُهَا الْإِمَامُ قَبْلَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ مُقَدِّمَةً لَهُ وَالرَّجْعَةُ الَّتِي يَأْمُرُهَا بِالرُّجُوعِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْجَيْشِ لِدَارِنَا وَنَقَصَ فِي الْبَدْأَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَرِيحُونَ إذْ لَمْ يَطُلْ بِهِمْ السَّفَرُ وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ فِي غَفْلَةٍ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مِنْ وَرَائِهِمْ يَسْتَظْهِرُونَ بِهِ وَالرَّجْعَةُ بِخِلَافِهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ ( وَهُوَ ) أَيْ النَّفَلُ ( مِنْ خُمُسِ خُمُسِهَا ) كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْغَنِيمَةِ ) ( قَوْلُهُ وَهِيَ مَا أَخَذْنَاهُ إلَخْ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ مَا أَخَذْنَا مِمَّا أَخَذَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِقِتَالٍ فَالنَّصُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ وَلَا يُخَمَّسُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْهُمْ وَبِقَوْلِهِ الْحَرْبِيِّينَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَكَذَا الْمُرْتَدُّونَ فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ فَيْءٌ لَا غَنِيمَةٌ وَأَفْهَمَ أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ لَا يُغْنَمُ مَالُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ حَقٍّ وَلَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ أَصْلًا أَمَّا لَوْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِدِينٍ بَاطِلٍ فَلَا بَلْ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ أَخَذْنَا مِنْهُمْ مَا أَخَذُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ نَمْلِكْهُ وَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ ، وَالْمَالُ الَّذِي فُدِيَ الْأَسِيرُ بِهِ إذَا اسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ هَلْ يُرَدُّ إلَى الْأَسِيرِ أَوْ يَكُونُ غَنِيمَةً فِيهِ ؟ وَجْهَانِ : قَالَ فِي الْمُغْنِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلِ وَلَوْ غَنِمَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فَهَلْ يُخَمَّسُ الْجَمِيعُ أَوْ نَصِيبُ الْمُسْلِمِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا ( قَوْلُهُ أَوْ نَحْوُهُمَا ) كَالْمَأْخُوذِ بِقِتَالِ الرَّجَّالَةِ وَفِي السُّفُنِ وَمَا أَهْدَوْهُ لَنَا وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَمَا صَالَحُونَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْقِتَالِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ ) قَالَ شَيْخُنَا بِمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ مُغَيًّا إلَى وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَنَّهُ نُسِخَ بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ غَيَّرَتْ ذَلِكَ قَوْلُهُ كَانَ يَنْقُلُ فِي الْبُدَاءَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ ) الْمُرَادُ ثُلُثُ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا أَوْ رُبُعُهَا أَيْ الْمَصَالِحِ

( وَإِذَا قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ ) شَرْطُهُ كَشَرْطِ بَعْضِ الْغَنِيمَةِ لِغَيْرِ الْغَانِمِينَ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ فَأَجَابَ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ مِمَّا تَكَلَّمُوا فِي ثُبُوتِهِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَغَنَائِمُ بَدْرٍ كَانَتْ لَهُ خَاصَّةً يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ النَّفَلِ وَالْآخَرَانِ يُنَفِّلُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ فِي الْحَرْبِ أَثَرٌ مَحْمُودٌ كَمُبَارَزَةٍ وَحُسْنِ إقْدَامٍ زِيَادَةً عَلَى سَهْمِهِ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِمَا يَأْتِي فِي الرَّضْخِ

( الطَّرَفُ الثَّانِي الرَّضْخُ ) وَهُوَ لُغَةً الْعَطَاءُ الْقَلِيلُ وَشَرْعًا دُونَ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( وَإِذَا حَضَرَ صَبِيٌّ وَعَبْدٌ وَامْرَأَةٌ ) وَخُنْثَى وَزَمِنٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَمَجْنُونٌ وَإِنْ حَضَرُوا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِ أَمْرِهِمْ ( وَجَبَ الرَّضْخُ ) لَا السَّهْمُ ( لَهُمْ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا وَفِي الْعَبْدِ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَلِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ لَكِنَّهُمْ كَثَّرُوا السَّوَادَ فَلَا يُحْرَمُونَ لَكِنَّ الْقِيَاسَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ اعْتِبَارُ نَفْعِهِمْ فَلَا يَرْضَخُ لِمَنْ لَا نَفْعَ فِيهِ كَطِفْلٍ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ الْمُتَّجَهُ وَيَدُلُّ لَهُ نَصٌّ فِي الْبُوَيْطِيِّ ( وَكَذَا ذِمِّيٌّ وَذِمِّيَّةٌ حَضَرَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ ) يَرْضَخُ لَهُمَا ( إنْ لَمْ يُسْتَأْجَرَا ) سَوَاءٌ أَقَاتَلَا أَمْ لَا رَوَاهُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ أَسْهَمَ وَحُمِلَ عَلَى الرَّضْخِ وَقِيسَ بِهِمْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ فَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ فَلَيْسَ لَهُمَا إلَّا الْأُجْرَةُ ؛ لِأَنَّ طَمَعَهُ فِيهَا دَفَعَهُ عَنْ الْغَنِيمَةِ ( فَإِنْ حَضَرَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ عُزِّرَا ) إنْ رَأَى الْإِمَامُ تَعْزِيرَهُمَا وَلَا يَرْضَخُ لَهُمَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ بِمُوَالَاةِ أَهْلِ دِينِهِمَا وَيُعْتَبَرُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُسْلِمِ الرَّضْخَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سَلَبٌ ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ الذِّمِّيِّ لَهُ أَنْ لَا يَكُونَ خُرُوجُهُ بِإِكْرَاهِ الْإِمَامِ فَإِنْ أَكْرَهَهُ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فَقَطْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ وَالْمُؤَمَّنَ وَالْحَرْبِيَّ إذَا حَضَرُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ كَالذِّمِّيِّ وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْعَبْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً وَحَضَرَ فِي نَوْبَتِهِ أَسْهَمَ لَهُ وَإِلَّا رَضَخَ .
ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ

الْغَنِيمَةَ مِنْ بَابِ الْإِكْسَابِ
( الطَّرَفُ الثَّانِي الرَّضْخُ ) ( قَوْلُهُ وَعَبْدٍ ) أَيْ إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ ( قَوْلُهُ وَخُنْثَى وَزَمِنٍ ) أَيْ وَأَعْمَى وَمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَمَجْنُونٍ ) وَعَنْ النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَرْضَخُ لَهُ وِفَاقًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَعَلَّ مَحَلَّ الْوِفَاقِ الَّذِي ذَكَرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَمْيِيزٌ فَإِنْ كَانَ فَقَدْ يَكُونُ أَجْرَأَ وَأَشَدَّ قِتَالًا مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ ، وَإِذَا زَالَ نَقْضُ أَهْلِ الرَّضْخِ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ بِإِسْلَامٍ أَوْ بُلُوغٍ أَوْ إفَاقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ وُضُوحِ رُجُولِيَّةِ مُشْكِلٍ أَسْهَمَ لَهُ أَوْ بَعْدَ تَفْضِيلِهَا فَقَدْ أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الرَّضْخُ ( قَوْلُهُ لَكِنْ الْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ اعْتِبَارُ نَفْعِهِمْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيَدُلُّ لَهُ نَصٌّ فِي الْبُوَيْطِيِّ ) حَيْثُ قَالَ : وَلَا يُسْهَمُ لِصَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا لِعَبْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَفْعٌ فَيَرْضَخُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا ذِمِّيٌّ إلَخْ ) لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا لِكَافِرٍ حَضَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَهَلْ يَمْتَنِعُ الرَّضْخُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّهُ مَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ أَوْ يَرْضَخُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحْتَاجُ لِإِذْنٍ فِيهِ نَظَرٌ وَ .
( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ ) مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ لِتَعَدُّدِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَعَلَّ قَائِلَهُ هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَامِلِ السَّهْمَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سَلَبٌ وَهُوَ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ بِالْكَافِرِ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْعَبْدِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ

( فَرْعٌ يُفَاضِلُ ) الْإِمَامُ ( فِي الرَّضْحِ ) بَيْنَ أَهْلِهِ ( بِقَدْرِ النَّفْعِ ) مِنْهُمْ فَيُرَجِّحُ الْمُقَاتِلَ وَمَنْ قِتَالُهُ أَكْثَرُ عَلَى غَيْرِهِ وَالْفَارِسَ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةَ الَّتِي تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَسْقِي الْعِطَاشَ عَلَى الَّتِي تَحْفَظُ الرِّحَالَ بِخِلَافِ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُقَاتِلُ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَالرَّضْخُ بِالِاجْتِهَادِ فَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ كَدِيَةِ الْحُرِّ لَمَّا كَانَتْ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا لَمْ تَخْتَلِفْ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مُجْتَهَدٌ فِيهَا فَاخْتَلَفَتْ وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي قَدْرِ الرَّضْخِ إذْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَحْدِيدٌ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى رَأْيِهِ ( وَ ) لَكِنْ ( لَا يَبْلُغُ بِهِ سَهْمَ رَاجِلٍ وَلَوْ ) كَانَ الرَّضْخُ ( لِفَارِسٍ ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسِّهَامِ فَنَقَصَ عَنْ قَدْرِهَا كَالْحُكُومَةِ مَعَ الْأَرْشِ الْمُقَدَّرِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ - الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ فَارِسًا فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ تَعْزِيرُ الْحُرِّ حَدَّ الْعَبِيدِ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِهِ سَهْمَ رَاجِلٍ لَكِنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَبِالْمَنْعِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْمَنْعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ( وَهُوَ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ ) لِلْغَنِيمَةِ ( وَلَوْ ) كَانَ الرَّضْخُ ( لِذِمِّيٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ سَهْمٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ مُسْتَحَقٌّ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ
قَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْمَنْعُ ) وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ ( قَوْلُهُ فَالتَّرْجِيحُ بِالتَّصْرِيحِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ) وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ

( فَرْعٌ وَمَنْ زَادَ قِتَالُهُ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ ) عَلَى قِتَالِ غَيْرِهِ ( رَضَخَ لَهُ ) مَعَ سَهْمِهِ ( زِيَادَةً مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ رَضَخَ لَهُ مَعَ السَّهْمِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ تَنَازَعَ كَلَامُهُ فِيهِ وَقِيلَ يُزَادُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ هُنَا بِقِيلِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ قَبْلُ مِنْ أَنَّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ أَثَرٌ مَحْمُودٌ زِيدَ عَلَى سَهْمِهِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ قَالَ وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ وَالْبَغَوِيِّ غَرِيبٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ يُخَالِفُهُ وَعِبَارَةُ الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَضِّلَ فَارِسًا عَلَى فَارِسٍ وَلَا رَاجِلًا عَلَى رَاجِلٍ وَلَا مَنْ قَاتَلَ عَلَى مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَإِذَا رَاجَعْت كُتُبَ الْأَصْحَابِ عَلِمْت شُذُوذَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَالْوَجْهُ عَدَمُ الرَّضْخِ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الْقِتَالِ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ وَكُلُّ أَحَدٍ يَدَّعِي أَنَّ قِتَالَهُ أَزْيَدُ مِنْ قِتَالِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُرُّ فِتْنَةً انْتَهَى وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْمَنْعُ وَالْمُصَنِّفُ لَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجَّحَ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَحَذَفَ الْمَوْضِعَ الْأَوَّلَ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ تَسَمَّحَ فِي عَدَدِ ذَلِكَ رَضْخًا فَلَوْ حَذَفَ الْمَوْضِعَ الثَّانِيَ وَذَكَرَ الْأَوَّلَ ثَمَّ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ غَرَابَةِ مَا ذُكِرَ فِي كَلَامِ الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ لَهُ فَتَأَمَّلْ
( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ هُنَا إلَخْ ) لَا شَكَّ فِيهِ ( قَوْلُهُ لَكِنَّهُ تَسَمُّحٌ فِي عَدِّ ذَلِكَ رَضْخًا ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَسْعُودِيَّ وَالْبَغَوِيِّ تَجَوَّزَا فِي تَسْمِيَتِهِ رَضْخًا وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي تَحْقِيقَاتِهِ

( فَرْعٌ وَإِذَا انْفَرَدَ أَهْلُ الرَّضْخِ بِغَنِيمَةٍ ) لِانْفِرَادِهِمْ بِغَزْوَةٍ ( خُمِّسَتْ وَقُسِمَ عَلَيْهِمْ الْبَاقِي ) بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ كَمَا يُقْسَمُ الرَّضْخُ ( بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ ) الْأَنْسَبُ نَفْعُهُمْ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الرَّأْيُ مِنْ تَسْوِيَةٍ وَتَفْضِيلٍ ( وَيَتْبَعُهُمْ صِغَارُ السَّبْيِ فِي الْإِسْلَامِ ) فَلَوْ سَبَى مُرَاهِقُونَ أَوْ مَجَانِينُ صِغَارًا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُمْ ( فَإِنْ حَضَرَهُمْ ) فِي الْغَزْوَةِ ( كَامِلٌ فَالْغَنِيمَةُ لَهُ وَيَرْضَخُ لَهُمْ وَمَنْ كَمَّلَ مِنْهُمْ فِي الْحَرْبِ أَسْهَمَ لَهُ لَا ) لِمَنْ كَمَّلَ ( بَعْدَهَا ) فَلَا يُسْهَمُ لَهُ نَعَمْ إنْ بَانَ بَعْدَهَا ذُكُورَةُ الْمُشْكِلِ أَسْهَمَ لَهُ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ ( وَلَا يُخَمَّسُ مَا أَخَذَهُ الذِّمِّيُّونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ) ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقٌّ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَالزَّكَاةِ
( قَوْلُهُ وَمَنْ كَمُلَ مِنْهُمْ فِي الْحَرْبِ ) أَيْ بِإِسْلَامٍ أَوْ بُلُوغٍ أَوْ إفَاقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ وُضُوحِ رُجُولِيَّةِ مُشْكِلٍ

( الطَّرَفُ الثَّالِثُ السَّلَبُ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ( وَمَنْ رَكِبَ غَرَرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ نَاقِصًا ) كَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ ( وَتَاجِرًا لَا مُخَذِّلًا ) لَهُمْ عَنْ الْقِتَالِ ( وَ ) لَا ( ذِمِّيًّا فِي قَتْلِ كَافِرٍ مُقْبِلٍ عَلَى الْقِتَالِ أَوْ فِي إزَالَةِ امْتِنَاعِهِ بِأَنْ يُثْخِنَهُ أَوْ يُعْمِيَهُ أَوْ يَقْطَعَ أَطْرَافَهُ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ وَكَذَا ) يَسْتَحِقُّهُ ( إذَا قَطَعَ طَرَفَيْهِ ) مِنْ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ يَدِهِ وَرِجْلِهِ دُونَ طَرَفٍ وَاحِدٍ وَلَوْ مَعَ إعْمَاءِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ( أَوْ أَسَرَهُ ) سَوَاءٌ أَشَرَطَهُ لَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ قِتَالُ الْكَافِرِ مَعَهُ أَمْ مَعَ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي مُسْلِمٍ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَسْلُوبٌ مِنْ يَدِ الْكَافِرِ وَطَمَعُ الْقَاتِلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ يَمْتَدُّ إلَيْهِ غَالِبًا وَلِأَنَّ الْأَسْرَ أَصْعَبُ مِنْ الْقَتْلِ وَأَبْلَغُ فِي الْقَهْرِ .
أَمَّا الْمُخَذِّلُ وَهُوَ مَنْ يُكْثِرُ الْأَرَاجِيفَ وَيَكْسِرُ قُلُوبَ النَّاسِ وَيُثَبِّطُهُمْ فَلَا شَيْءَ لَهُ لَا سَهْمًا وَلَا رَضْخًا وَلَا سَلَبًا وَلَا نَفَلًا ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ الْمُنْهَزِمِ بَلْ يُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ لِلْقِتَالِ وَالْحُضُورِ فِيهِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْعَسْكَرِ إنْ حَضَرَ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ بِإِخْرَاجِهِ وَهْنٌ فَيُتْرَكُ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ بَلْ الْكَافِرُ مُطْلَقًا كَمَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى فَلَا سَلَبَ لَهُ وَإِنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَفَارَقَ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ بِأَنَّهُمْ أَشْبَهُ بِالْغَانِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِالْحُضُورِ وَالْكَافِرُ لَا يَأْخُذُ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْأُجْرَةِ وَخَرَجَ بِالْمُقْبِلِ عَلَى الْقِتَالِ غَيْرُهُ كَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ لَمْ يُقَاتِلَا وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي

قَوْلِهِ ( فَإِنْ قَتَلَهُ نَائِمًا ) أَيْ أَوْ غَافِلًا عَنْ الْقِتَالِ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْمُشْتَغِلِ بِأَكْلٍ ( أَوْ أَسِيرًا أَوْ مُثْخَنًا أَوْ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ ) لِلْجَيْشِ ( أَوْ رَمَاهُ فِي صَفٍّ ) بِأَنْ رَمَاهُ مِنْ صَفِّنَا إلَى صَفِّهِمْ ( أَوْ مِنْ حِصْنٍ ) أَوْ مِنْ وَرَاءِ صَفِّهِمْ ( لَمْ يَسْتَحِقَّ ) السَّلَبَ لِانْتِفَاءِ رُكُوبِ الْغَرَرِ الْمَذْكُورِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعْطِ ابْنَ مَسْعُودٍ سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَثْخَنَهُ فِتْيَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( وَيَسْتَحِقُّهُ بِقَتْلِهِ مُقْبِلًا ) عَلَى - الْقِتَالِ ( وَكَذَا مُدَبَّرًا ) عَنْهُ ( وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ ) إذْ لَا تُؤْمَنُ كَرَّتُهُ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ أَغْرَى بِهِ كَلْبًا عَقُورًا فَقَتَلَهُ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ ؛ لِأَنَّهُ خَاطَرَ بِرُوحِهِ حَيْثُ صَبَرَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَتَّى عَقَرَهُ الْكَلْبُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ أَغْرَى بِهِ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا ( وَإِنْ أَمْسَكَهُ ) بِحَيْثُ مَنَعَهُ الْهَرَبَ ( وَلَمْ يَضْبِطْهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ ) أَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي قَتْلِهِ أَوْ إثْخَانِهِ ( اشْتَرَكَا ) فِي سَلَبِهِ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِمَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ مَنُوطٌ بِالْقَتْلِ نَعَمْ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ كَمُخَذِّلٍ رَدَّ نَصِيبَهُ إلَى الْغَنِيمَةِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ ( وَإِنْ ضَبَطَهُ فَهُوَ أَسِيرُهُ ) وَقَتْلُ الْأَسِيرِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ السَّلَبَ كَمَا مَرَّ ( وَالْجَارِحُ إنْ أَثْخَنَ ) جَرِيحَهُ ( فَالسَّلَبُ لَهُ وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُثْخِنْهُ وَذَفَّفَهُ ( آخَرُ فَلِلْمُذَفِّفِ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَكِبَ الْغَرَرَ فِي دَفْعِ شَرِّهِ

( قَوْلُهُ كَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ ) أَوْ مَجْنُونٍ ( قَوْلُهُ لَا مُخَذِّلًا ) أَوْ مُرْجِفًا أَوْ خَائِنًا ( قَوْلُهُ أَوْ بِعَمْيِهِ ) شَمِلَ مَنْ كَانَ لَهُ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ فَقَلَعَهَا وَمَنْ ضُرِبَ رَأْسُهُ فَذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ الْحَرْبِيُّ أَقْطَعَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَقَطَعَ الْمُسْلِمُ الْبَاقِيَةَ كَانَ كَمَا لَوْ قَطَعَهُمَا .
( قَوْلُهُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي مُسْلِمٍ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ ) وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَيَانًا لِمَحَلِّ الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ ، فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَذَكَرَ أَنَّ فَائِدَتَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ كَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدَانِ قُلْنَا : ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ أُعْطُوا وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا ضَعُفُوا عَنْ تَمَلُّكِ السَّهْمِ مَعَ الْحُضُورِ فَهُمْ عَنْ تَمَلُّكِ السَّلَبِ أَضْعَفُ ، وَالْمَذْهَبُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ تَرْجِيحُ أَنَّهُ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَوْلُهُ أَمَّا الْمُخَذِّلُ إلَخْ ) فِي مَعْنَاهُ الْمُرْجِفُ وَالْخَائِنُ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إلَخْ ) وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ إنْ كَانَ لِلْكَافِرِ ع ( قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ لِمُسْلِمٍ وَمَا قَالَهُ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ ) أَيْ وَعَبْدٍ وَمَجْنُونٍ قَوْلُهُ وَكَذَا مُدَبَّرًا وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ ) شَمِلَ مَا لَوْ قَتَلَهُ وَقَدْ انْهَزَمُوا ثُمَّ كَرُّوا عَنْ قُرْبٍ أَوْ كَانَ ذَلِكَ خَدِيعَةً أَوْ كَانَ تَحَيُّزُهُمْ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ خَاطَرَ بِرُوحِهِ حَيْثُ صَبَرَ فِي مُقَابَلَتِهِ إلَخْ ) قَالَ الْغَزِّيِّ كَالْأَذْرَعِيِّ مُقَاتَلَةً بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ لَا بِالْبَاءِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَرَمْيِ سَهْمٍ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ سَلَبًا ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُهُ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ

( وَلِلْإِمَامِ قَتْلُ الْأَسِيرِ ) الْكَامِلِ وَاسْتِرْقَاقُهُ وَالْمَنُّ عَلَيْهِ وَالْفِدَاءُ كَمَا سَيَأْتِي فِي السِّيَرِ ( وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ ) بِخُصُوصِهِ حَتَّى الْآسِرَ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ ( فِي رَقَبَةِ أَسِيرِهِ ) وَلَا فِدَائِهِ فَلَوْ أَرَقَّهُ الْإِمَامُ أَوْ فَدَاهُ فَالرَّقَبَةُ وَالْفِدَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ لَا حَقَّ فِيهِمَا لِآسِرهُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّلَبِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّلَبِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا ) إذْ السَّلَبُ يَصِيرُ مِلْكًا بِنَفْسِ الْأَسْرِ وَالْكَافِرُ لَا يَصِيرُ مَالًا إلَّا بِإِرْقَاقِ الْإِمَامِ ، مَا يَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِي ثِيَابِ هَذَا الَّذِي أُرِقَّ أَيَأْخُذُهَا الَّذِي أَسَرَهُ أَمْ لَا وَإِذَا أَخَذَهَا فَيَتْرُكُ عَلَيْهِ سَائِرَ الْعَوْرَةِ أَمْ لَا ؟

( فَصْلٌ السَّلَبُ مَا عَلَيْهِ ) أَيْ الْقَتِيلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ ( مِنْ ثِيَابٍ ) كَرَانٍ وَخُفٍّ ( وَسِلَاحٍ وَمَرْكُوبٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ أَوْ مَاسِكًا ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ مُمْسِكًا ( عَنَانَهُ وَ ) هُوَ ( مُقَاتِلٌ رَاجِلًا وَآلَتِهِ ) كَسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَمِقْوَدٍ بِخِلَافِ الْمُهْرِ التَّابِعِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ السِّلَاحُ مَعَهُ بَلْ كَانَ مَعَ عَلَّامِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَالْجَنِيبَةِ مَعَهُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ قَالَهُ الْإِمَامُ وَمَرْكُوبٍ وَآلَتِهِ مَعْطُوفَانِ عَلَى مَا عَلَيْهِ وَمَاسِكًا عَلَى يُقَاتِلُ عَلَيْهِ بِجَعْلِهِ حَالًا وَلَوْ جَعَلَهُ صِفَةً وَرَفَعَ مَاسِكًا كَانَ أَوْلَى ( وَكَذَا لُبْسُ زِينَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ وَتَحْتَ يَدِهِ ( كَمِنْطَقَةٍ وَسِوَارٍ وَ ) كَذَا ( جَنِيبَةٌ ) تَكُونُ أَمَامَهُ أَوْ خَلْفَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَادُ مَعَهُ لِيَرْكَبَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا أَثْقَالُهُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ فِي تَقْيِيدِ الْأَصْلِ الْجَنِيبَةَ بِكَوْنِهَا تُقَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُصُورًا وَإِيهَامًا ( وَهِمْيَانٍ وَمَا فِيهِ ) مِنْ النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَسْلُوبَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ يَدِهِ .
( وَإِنْ كَثُرَتْ جَنَائِبُهُ تَخَيَّرَ وَاحِدَةً ) مِنْهَا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا جَنِيبَةُ قَتِيلِهِ ( لَا حَقِيبَةٌ ) مَشْدُودَةٌ ( عَلَى الْفَرَسِ ) فَلَا يَأْخُذُهَا وَلَا مَا فِيهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْأَمْتِعَةِ كَسَائِرِ أَمْتِعَتِهِ الْمُخَلَّفَةِ فِي خَيْمَتِهِ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ لِبَاسِهِ وَلَا حِلْيَةِ فَرَسِهِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهَا عَلَى فَرَسِهِ لِتَوَقُّعِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا وَالْحَقِيبَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وِعَاءٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَتَاعُ وَيُجْعَلُ عَلَى حَقْوِ الْبَعِيرِ

( فَصْلُ السَّلَبِ ) ( قَوْلُهُ وَسِلَاحٍ ) أَيْ وَإِنْ تَعَدَّدَ كَأَنْ تَقَلَّدَ سَيْفَيْنِ أَوْ حَمَلَ قَوْسَيْنِ أَوْ لَبِسَ دِرْعَيْنِ ( قَوْلُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَالْجَنِيبَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَادُ مَعَهُ لِيَرْكَبَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ ) فِي السِّلَاحِ الَّذِي عَلَيْهَا تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ السَّلَبِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا لِيُقَاتِلَ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ فِي تَقْيِيدِ الْأَصْلِ الْجَنِيبَةَ إلَخْ ) مَيَّزَهَا بِالصِّفَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ احْتِرَازًا مِنْ الْحَقِيبَةِ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجَنِيبَةِ الَّتِي تُقَادُ خَلْفَهُ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ الْآنَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِهَا يُوَضِّحُهُ ( قَوْلُهُ تَخَيَّرَ وَاحِدَةً ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا إذَا كَانَ يَقُودُ الْجَمِيعَ غَيْرُهُ فَإِنْ قَادَ الْقَتِيلُ وَاحِدَةً وَغُلَامُهُ الْبَاقِيَ فَالْوَجْهُ تَعَيُّنُ الَّتِي بِيَدِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ ا هـ وَفِي مَعْنَى الْجَنِيبَةِ مَا يَحْمِلُهُ الْغُلَامُ مِنْ السِّلَاحِ لِيُعْطِيَهُ لَهُ مَتَى شَاءَ وَكَتَبَ أَيْضًا هَذَا وَاضِحٌ مُتَعَيَّنٌ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ لَمْ تَكُنْ نَافِعَةً فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ ضَارَّةً لَهُ

( الطَّرَفُ الرَّابِعُ الْقِسْمَةُ ) لِلْغَنِيمَةِ ( فَيُعْطِي الْقَاتِلَ السَّلَبَ أَوَّلًا ) تَفْرِيعًا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ ( ثُمَّ يَخْرُجُ ) مِنْهَا ( الْمُؤَنُ ) اللَّازِمَةُ ( كَأُجْرَةِ حَمَّالٍ وَحَارِسٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يَقْسِمُ ) الْبَاقِي أَسْهُمًا ( خَمْسَةً ) مُتَسَاوِيَةً ثُمَّ يُؤْخَذُ خَمْسُ رِقَاعٍ فَيَكْتُبُ عَلَى وَاحِدَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَصَالِحِ وَعَلَى الْأَرْبَعِ لِلْغَانِمِينَ وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ مُتَسَاوِيَةٍ وَتُخْلَطُ وَ ( يَخْرُجُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ سَهْمٌ بِالْقُرْعَةِ ) يُجْعَلُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ ( وَيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ أَوَّلًا ) أَيْ قَبْلَ قِسْمَةِ الْخُمُسِ ؛ لِأَنَّهُمْ حَاضِرُونَ وَمَحْصُورُونَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَنْقُولُ وَالْعَقَارُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ ( فِي دَارِ الْحَرْبِ ) اسْتِحْبَابًا كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَتَأْخِيرُهَا بِلَا عُذْرٍ إلَى الْعَوْدِ ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ( مَكْرُوهٌ وَيُعْطِي ) الْإِمَامُ مِنْ الْغَنِيمَةِ ( غَائِبًا حَضَرَ لِلْقِتَالِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ مِمَّا سَيُحَازُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ ) إنْ كَانَ مِمَّنْ يُسْهَمُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ( لَا ) إنْ حَضَرَ ( بَعْدَهُ وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ ) أَوْ خِيفَ رُجُوعُ الْكُفَّارِ فَلَا يُعْطِيهِ شَيْئًا لِعَدَمِ شُهُودِ الْوَقْعَةِ وَخَرَجَ بِمَا سَيُحَازُ مَا حِيزَ قَبْلَ حُضُورِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ .
( فَإِنْ حَاصَرُوا حِصْنًا ) وَأَشْرَفُوا عَلَى فَتْحِهِ فَلَحِقَهُمْ مَدَدٌ ( شَارَكَهُمْ الْمَدَدُ مَا لَمْ يَدْخُلُوا آمِنِينَ ) بِأَنْ لَمْ يَدْخُلُوهُ أَوْ دَخَلُوهُ خَائِفِينَ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ بَعْدَ دُخُولِهِمْ لَهُ آمِنِينَ لَا قَبْلَ دُخُولِهِمْ لَهُ كَذَلِكَ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ خِلَافَهُ ( وَلَا حَقَّ لِمُنْهَزِمٍ ) عَنْ الْقِتَالِ ( عَادَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَإِنْ عَادَ وَأَدْرَكَ الْحَرْبَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا حُزْنَاهُ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ عَوْدِهِ بِخِلَافِ مَا حُزْنَاهُ بَعْدَهُ وَ ( بِخِلَافِ مُتَحَيِّزٍ إلَى فِئَةٍ

قَرِيبَةٍ ) فَإِنَّهُ يُعْطَى لِبَقَائِهِ فِي الْحَرْبِ مَعْنًى بِخِلَافِ الْمُتَحَيِّزِ إلَى بَعِيدَةٍ .
( وَإِنْ ادَّعَى التَّحَيُّزَ ) إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ التَّحَرُّفَ لِلْقِتَالِ ( صَدَّقْنَاهُ بِيَمِينِهِ إنْ أَدْرَكَ الْحَرْبَ ) فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ مِنْ الْجَمِيعِ وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا مِنْ الْمَحُوزِ بَعْدَ عَوْدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْحَرْبَ لَا يَصْدُقُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ ( وَلَا حَقَّ لِرَجُلٍ أَوْ فَرَسٍ مَاتَا قَبْلَ الْقِتَالِ ) وَإِنْ دَخَلَا دَارَ الْحَرْبِ ( لَا ) إنْ مَاتَا ( بَعْدَهُ وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ ) فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِانْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ ( وَإِنْ مَاتَا فِي أَثْنَاءِ الْقِتَالِ بَطَلَ حَقُّ الرَّجُلِ ) بِمَوْتِهِ ( لَا ) حَقُّ ( الْفَرَسِ ) بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْفَارِسَ مَتْبُوعٌ فَإِذَا مَاتَ فَاتَ الْأَصْلُ وَالْفَرَسُ تَابِعٌ فَإِذَا مَاتَ جَازَ أَنْ يَبْقَى سَهْمُهُ لِلْمَتْبُوعِ نَعَمْ إنْ مَاتَ الْفَارِسُ بَعْدَ حِيَازَةِ الْمَالِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَإِنْ جُرِحَ أَوْ مَرِضَ فِي أَثْنَاءِ الْقِتَالِ اسْتَحَقَّ ) نَصِيبَهُ ( وَلَوْ أَزْمَنَهُ ) الْجُرْحُ أَوْ الْمَرَضُ ؛ لِأَنَّ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ الْجِهَادِ وَلِلِانْتِفَاعِ بِرَأْيِهِ وَدُعَائِهِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْعِلَاجِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ ( وَالْمُخَذِّلُ ) لِلْجَيْشِ عَنْ الْقِتَالِ ( يُمْنَعُ الْحُضُورُ ) فِي الصَّفِّ ( وَلَا يُرْضَخُ لَهُ ) وَإِنْ حَضَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ مَعَ زِيَادَةٍ ( وَلَا يُمْنَعُ الْفَاسِقُ ) الْحُضُورَ فِي الصَّفِّ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ تَخْذِيلُهُ

( قَوْلُهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ) وَهُمْ مَنْ حَضَرَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَلَوْ مَعَ نِيَّةِ التِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ أَوْ قَاتَلَ ( قَوْلُهُ اسْتِحْبَابًا ) كَمَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السُّبْكِيُّ الصَّوَابُ اسْتِحْبَابُ التَّعْجِيلِ لَا خُصُوصُ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي الْأُمِّ فَقَالَ : وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْسِمَهُ الْإِمَامُ مُعَجَّلًا فَلَا يُؤَخِّرُ قَسْمَهُ إذَا أَمْكَنَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي غَنِمَهُ فِيهِ ا هـ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ التَّعْجِيلُ وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَحَكَاهُ السُّبْكِيُّ عَنْهُمَا فِي الزَّكَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا قَالَ فِي التَّوْشِيحِ وَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ السُّنَّةِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى الطَّرِيقَةِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ لَيْسَ هَذَا بِمُصْطَلَحِ الْفُقَهَاءِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَاتِ فَمَنْ قَالَ يَجِبُ أَرَادَ مَا إذَا طَلَبَ ذَلِكَ الْغَانِمُونَ وَمَنْ قَالَ تُسْتَحَبُّ أَرَادَ مَا إذَا سَكَتُوا وَمَنْ قَالَ لَا تُكْرَهُ قِسْمَتُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَرَادَ مَا إذَا طَلَبُوا التَّأْخِيرَ وَأَرَادَ الْإِمَامُ تَعْجِيلَ الْقِسْمَةِ لِيَحُوزَ الْخُمُسَ وَافِرًا مِنْ التَّبَسُّطِ فِي الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُتَحَيِّزِ إلَى بَعِيدَةٍ ) لَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ تَحَيُّزِهِ وَحَدُّ الْقُرْبِ أَنْ يَلْحَقَ إحْدَاهُمَا غَوْثُ الْأُخْرَى عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَفِي وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ حَدَّ الْقُرْبِ دَارُ الْحَرْبِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ ، وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فَلَا سَهْمَ لَهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْحِيَازَةِ فَفِي بُطْلَانِ سَهْمِهِ وَجْهَانِ .
ا هـ .
وَأَرْجَحُهُمَا بُطْلَانُهُ ( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْغَنِيمَةَ إلَخْ ) فَإِنْ قُلْنَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ أَوْ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ كَمَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي السِّيَرِ ،

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَنْتَقِلُ لِلْوَرَثَةِ حَقُّ التَّمَلُّكِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَا الْمِلْكِ .
ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا ( قَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَتَعْلِيلُهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جُرِحَ أَوْ مَرِضَ إلَخْ ) وَفِيمَنْ جُنَّ تَرَدُّدٌ وَالرَّاجِحُ مِنْهُ اسْتِحْقَاقُهُ ( قَوْلُهُ وَالْمُخَذَّلُ يُمْنَعُ الْحُضُورُ إلَخْ ) وَفِي مَعْنَاهُ الرَّجْفُ مَنْ يُكْثِرُ الْأَرَاجِيفَ وَالْخَائِنُ مَنْ يَتَجَسَّسُ لَهُمْ وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَاتِ ( فَرْعٌ ) لَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ فَوَقَعَ فِي سَهْمِ رَجُلٍ مِنْهَا شَيْءٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَعْطَاهُ الْإِمَامُ بَدَلَهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ

( فَصْلٌ وَإِنْ بَعَثَ الْإِمَامُ سَرَايَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَلِكُلِّ سَرِيَّةٍ غُنْمُهَا وَلَا يَشْتَرِكُونَ ) فِي الْغُنْمِ ( إلَّا إنْ تَعَاوَنُوا أَوْ اتَّحَدَ أَمِيرُهُمْ وَالْجِهَةُ فَإِنْ بَعَثَ الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ) بِأَنْ كَانَ فِيهَا ( فَكُلُّهُمْ ) أَيْ جَيْشُ الْإِمَامِ أَوْ الْأَمِيرِ وَالسَّرِيَّةِ ( جَيْشٌ وَاحِدٌ فَيَشْتَرِكُونَ ) فِيمَا غَنِمَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ ( وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَاتُ ) الْمَبْعُوثُ إلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ الْجَيْشُ مُتَرَصِّدِينَ لِنُصْرَةِ السَّرَايَا بِأَنْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنْهُ لِاسْتِظْهَارِ كُلِّ فِرْقَةٍ بِالْأُخْرَى وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَيْشَ الْمُسْلِمِينَ تَفَرَّقُوا فَغَنِمَ بَعْضُهُمْ بِأَوْطَاسٍ وَأَكْثَرُهُمْ بِحُنَيْنٍ فَشَرِكُوهُمْ ( وَلَوْ بَعَثَ جَاسُوسًا فَغَنِمُوا ) أَيْ الْجَيْشُ قَبْلَ رُجُوعِهِ ( لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ ) مِنْ الْغُنْمِ ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَهُمْ لِمَصْلَحَتِهِمْ وَخَاطَرَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ شُهُودِ الْوَقْعَةِ ( وَلَا يُشَارِكُهُمْ ) أَيْ السَّرَايَا الْمَبْعُوثِينَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ( الْإِمَامُ وَ ) لَا ( جَيْشُهُ إنْ كَانُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ قَصَدَ لُحُوقَهُمْ ) أَوْ قَرُبَتْ مِنْهُ دَارُ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ السَّرَايَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَغْنَمُ فَلَا يُشَارِكُهُمْ الْمُقِيمُونَ بِهَا وَلِأَنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَسْتَظْهِرُ بِالْأُخْرَى وَلِأَنَّهُ لَا جَامِعَ ثَمَّ مِنْ إمَامٍ أَوْ أَمِيرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ

( فَصْلٌ تُجَّارُ الْعَسْكَرِ وَنَحْوِهِمْ ) مِمَّنْ خَرَجَ لِمُعَامَلَةٍ كَالْخَيَّاطِينَ وَ الْبَزَّازِينَ وَالْبَقَّالِينَ ( يُسْهَمُ لَهُمْ إنْ قَاتَلُوا ) ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ وَتَبَيَّنَ بِقِتَالِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا بِخُرُوجِهِمْ مَحْضَ غَيْرِ الْجِهَادِ وَالظَّاهِرُ أَنَّا لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ قَصَدُوا بِخُرُوجِهِمْ مَحْضَ غَيْرِ الْجِهَادِ أَسْهَمْنَا لَهُمْ وَإِنْ اقْتَضَى التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ خِلَافَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا ( رَضَخَ لَهُمْ وَالْإِجْرَاءُ ) لِغَيْرِ الْجِهَادِ كَسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ وَحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ ( يُسْهَمُ لَهُمْ إنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ إذَا ( حَضَرُوا ) الصَّفَّ وَقَاتَلُوا كَمَا ذَكَرَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ كَذَلِكَ وَمَحَلُّهُ فِي أُجَرَاءَ وَرَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِمْ فَإِنْ وَرَدَتْ عَلَى ذِمَّتِهِمْ أُعْطُوا وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا سَوَاءٌ أَتَعَلَّقَتْ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُكْثِرُوا مَنْ يَعْمَلُ عَنْهُمْ وَيَحْضُرُوا أَمَّا الْأُجَرَاءُ لِلْجِهَادِ فَإِنْ كَانُوا ذِمِّيِّينَ فَلَهُمْ الْأُجْرَةُ دُونَ السَّهْمِ وَالرَّضْخُ إذْ لَمْ يَحْضُرُوا مُجَاهِدِينَ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ مُسْلِمِينَ فَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ لِبُطْلَانِ إجَارَتِهِمْ لَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ بِحُضُورِ الصَّفِّ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ وَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ السَّهْمَ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْأَصْلِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِشُهُودِهِمْ الْوَقْعَةَ وَالثَّانِي لَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ سَوَاءٌ أَقَاتَلُوا أَمْ لَا لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ بِالْإِجَارَةِ وَلَمْ يَحْضُرُوا مُجَاهِدِينَ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ

( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّا لَوْ عَلِمْنَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ ) وَالْخُوَارِزْمِيّ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ ) وَبِتَرْجِيحِهِ صَرَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ أَجْرَى الْخِلَافَ فِي الرَّضْخِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ الرَّضْخَ أَيْضًا

( وَإِنْ أَفْلَتَ أَسِيرٌ ) مِنْ يَدِ الْكُفَّارِ ( أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أُسْهِمَ لَهُ إنْ حَضَرَ ) الصَّفَّ ( وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ ) لِشُهُودِهِ الْوَقْعَةَ وَلِقَصْدِ مَنْ أَسْلَمَ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ فَيَقْبَحُ حِرْمَانُهُ وَإِنَّمَا يُسْهَمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّا حِيزَ بَعْدَ حُضُورِهِ ( فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَسِيرُ مِنْ جَيْشٍ آخَرَ أُسْهِمَ لَهُ إنْ قَاتَلَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَانَ بِقِتَالِهِ قَصْدُهُ لِلْجِهَادِ وَأَنَّ خَلَاصَهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ غَرَضًا لَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَحَاطَ الْكُفَّارُ بِأَهْلِ قَرْيَةٍ لَا يُسْهَمُ لِلْمُقِيمِينَ بِهَا حَتَّى يُقَاتِلُوا لِيَمْتَازَ الْمُجَاهِدُ عَنْ الْمُقِيمِ ( وَإِلَّا فَقَوْلَانِ ) أَحَدُهُمَا وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يُسْهَمُ لَهُ لِشُهُودِهِ الْوَقْعَةَ وَثَانِيهِمَا لَا لِعَدَمِ قَصْدِهِ الْجِهَادَ
( قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِسَهْمٍ لَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَصْلٌ يُعْطِي الرَّاجِلَ سَهْمًا وَالْفَارِسَ ثَلَاثَةً ) سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( وَلَوْ قَاتَلُوا فِي مَاءٍ أَوْ حِصْنٍ ) وَقَدْ أَحْضَرَ الْفَارِسُ فَرَسَهُ فَإِنَّهُ يُعْطِي الْأَسْهُمَ الثَّلَاثَةَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الرُّكُوبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ السَّاحِلِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَرْكَبَ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِإِعْطَائِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَصْلُ وَيُغْنِي عَنْهُ وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَمَنْ حَضَرَ بِفَرَسٍ إلَى آخِرِهِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَك أَنْ تَقُولَ قَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ وَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى رُكُوبِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَقَدْ الْتَزَمَ مُؤْنَتَهَا أَيْ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( وَ ) الْخَيْلُ ( الْعَرَبِيَّةُ وَالْبَرَاذِينُ ) وَغَيْرُهُمَا فِي ذَلِكَ ( سَوَاءٌ ) لِصَلَاحِيَةِ الْجَمِيعِ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُهَا كَالرِّجَالِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ خَبَرُ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْخَيْلِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَتِيقِ وَهُوَ عَرَبِيُّ الْأَبَوَيْنِ وَلِلْبِرْذَوْنِ وَهُوَ عَجَمِيُّهُمَا وَلِلْهَجِينِ وَهُوَ الْعَرَبِيُّ أَبُوهُ فَقَطْ وَلِلْمَقْرِفِ وَهُوَ الْعَرَبِيَّةُ أُمُّهُ فَقَطْ نَعَمْ يُعْتَبَرُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا جِذْعًا أَوْ ثَنِيًّا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُسَابَقَةِ ( وَرَاكِبُ الْبَعِيرِ وَالْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ رَاجِلٌ ) أَيْ كَالرَّاجِلِ فِي أَنَّهُ يُعْطَى سَهْمًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَرْبِ صَلَاحِيَةَ الْخَيْلِ لَهَا بِالْكَرِّ وَالْفَرِّ اللَّذَيْنِ يَحْصُلُ بِهِمَا النُّصْرَةُ غَالِبًا ( لَكِنْ يُرْضَخُ لَهَا وَيَفْضُلُ الْفِيلُ عَلَى الْبَغْلِ وَالْبَغْلُ عَلَى الْحِمَارِ ) .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْضُلُ الْبَعِيرُ عَلَى الْبَغْلِ بَلْ نُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَا أَوْجَفْتُمْ

عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّعْلِيقَةِ عَلَى الْحَاوِي وَالْأَنْوَارِ تَفْضِيلَ الْبَغْلِ عَلَى الْبَعِيرِ وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ ( وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ ) لَهَا سَهْمُ ( فَرَسٍ وَلَا يُدْخِلُ الْإِمَامُ دَارَ الْحَرْبِ إلَّا فَرَسًا شَدِيدًا لَا قَحْمًا ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ هَرَمًا ( وَ ) لَا ( أَعْجَفَ ) أَيْ مَهْزُولًا ( رَازِحًا ) بِرَاءٍ وَزَايٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ بَيِّنَ الْهُزَالِ وَلَا حَطِمًا أَيْ كَسِيرًا وَلَا ضَرَعًا بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ أَيْ ضَعِيفًا فَلَا يُسْهَمُ لَهَا إذْ لَا غَنَاءَ فِيهَا بِخِلَافِ الشَّيْخِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِرَأْيِهِ وَدُعَائِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْأَعْجَفِ الْحَرُونُ الْجَمُوحُ وَإِنْ كَانَ شَدِيدًا قَوِيًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُرُّ وَلَا يَفِرُّ عِنْدَ الْحَاجَةِ بَلْ يُهْلِكُ رَاكِبَهُ ( فَإِنْ أَدْخَلَهُ ) أَيْ شَيْئًا مِنْهَا ( أَحَدٌ ) مِنْهُمْ ( لَمْ يُسْهَمْ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ الْإِمَامُ ) عَنْ إدْخَالِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ كَلٌّ عَلَى صَاحِبِهِ بِخِلَافِ الشَّيْخِ لِمَا مَرَّ .
( وَمَنْ حَضَرَ ) الصَّفَّ ( بِفَرَسَيْنِ أَعْطَى لِوَاحِدٍ ) مِنْهُمَا فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمْ يُعْطِ الزُّبَيْرَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَقَدْ حَضَرَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِأَفْرَاسٍ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ( وَمَنْ حَضَرَ بِفَرَسٍ يَرْكَبُهُ أَسْهَمَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ وَ ) مَحَلُّهُ إذَا ( كَانَ يُمْكِنُهُ رُكُوبُهُ لَا إنْ حَضَرَ ) مَعَهُ ( وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ ) فَلَا يُسْهَمُ لَهُ ( وَلَوْ اسْتَعَارَ فَرَسًا ) أَوْ اسْتَأْجَرَهُ ( أَوْ غَصَبَهُ ) وَلَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ الْوَقْعَةَ ( فَالسَّهْمُ لَهُ لَا لِلْمَالِكِ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَحْضَرَهُ وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ ( وَإِنْ حَضَرَا بِفَرَسٍ لَهُمَا اقْتَسَمَا سَهْمَيْهِ ) بِحَسَبِ مِلْكَيْهِمَا فَقَوْلُ الْأَصْلِ مُنَاصَفَةً مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ

الزَّرْكَشِيُّ ( وَلَوْ رَكِبَا فَرَسًا ) وَشَهِدَ الْوَقْعَةَ ( وَقَوِيَ عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ بِهِمَا فَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ) سَهْمَانِ لَهُمَا وَسَهْمَانِ لِلْفَرَسِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ ( فَسَهْمَانِ ) لَهُمَا .
قَالَ النَّشَائِيُّ : وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا نَظَرٌ لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَاضِرَ بِهِ كَالرَّاكِبِ انْتَهَى وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْفَرَسَ فِي الْأُولَى قَوِيَ عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ بِمَنْ يَرْكَبُهُ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ ( وَإِنْ ضَاعَ فَرَسُهُ ) الَّذِي يُرِيدُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ ( أَوْ غُصِبَ ) مِنْهُ ( وَقَاتَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَحَضَرَ الْمَالِكُ الْوَقْعَةَ فَالسَّهْمُ ) الَّذِي لِلْفَرَسِ ( لَهُ ) أَيْ لِمَالِكِهِ ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ اخْتِيَارُ إزَالَةِ يَدٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ وَلَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَعْمَى وَالزَّمِنَ وَمَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ لَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ

( قَوْلُهُ وَحَمَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِالْقُرْبِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَجَوَابُهُ أَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ لَيْسَ لِحَاجَةِ صَاحِبِهِ إلَى رُكُوبِهِ بَلْ لِلْقِتَالِ عَلَيْهِ وَبِهِ وَالْقِتَالُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ لَوْ كَانَ الْفَرَسُ مَوْقُوفًا لِلْجِهَادِ فَهَلْ يُسْهَمُ لِفَارِسِهِ سَهْمُ فَارِسٍ ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَمْ أَرَ فِيهِ تَصْرِيحًا وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ نَعَمْ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَهُ أَوْ عَلَى الثَّغْرِ فَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ يَقُومُ بِمُؤَنِهِ حَالَةِ الْغَزْوِ عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ وَإِلَّا فَلَا .
ا هـ .
، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ .
( قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِهِمَا ) وَفِيهِ نَظَرٌ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ الْهَجِينِ وَالثَّانِيَ عَلَى غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي قَوْلِهِمْ مَا لَا غِنَى فِيهِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ الْوَقْعَةَ ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْغَصْبِ يَعْنِي أَنَّ السَّهْمَ لِلْغَاصِبِ دُونَ الْمَالِكِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ فَإِنْ حَضَرَ فَلَهُ لَا لِلْغَاصِبِ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ ، وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فَلَهُمَا وَإِنْ حَضَرَ الْمَالِكُ ك ا

( وَإِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ لَهُمْ ) أَيْ لِلْجَيْشِ ( أَنْ لَا يُخَمِّسَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَصِحَّ ) الشَّرْطُ وَيَجِبُ تَخْمِيسُ مَا غَنِمُوهُ سَوَاءٌ أَشَرَطَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَمْ لَا ( وَمَنْ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ اسْتَحَقَّ السَّلَبَ مَعَ تَمَامِ سَهْمِهِ ) لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ خِلَافًا لِمَنْ نَقَلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ
قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ

( كِتَابُ النِّكَاحِ ) هُوَ لُغَةً : الضَّمُّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ إذَا تَمَايَلَتْ وَانْضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ، وَشَرْعًا : عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ تَرْجَمَتِهِ ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ كَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْأَخْبَارُ وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ فِي قَوْله تَعَالَى { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك } وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } وَقَوْلِهِ { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ { تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا } وَخَبَرِ { مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ } رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا وَخَبَرِ { الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْأَطِبَّاءُ وَمَقَاصِدُ النِّكَاحِ ثَلَاثَةٌ حِفْظُ النَّسْلِ وَإِخْرَاجُ الْمَاءِ الَّذِي يَضُرُّ احْتِبَاسُهُ بِالْبَدَنِ وَنَيْلُ اللَّذَّةِ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ هِيَ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ إذْ لَا تَنَاسُلَ هُنَاكَ وَلَا احْتِبَاسَ

( كِتَابُ النِّكَاحِ ) ( قَوْلُهُ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ إلَخْ ) فَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى النِّكَاحِ حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ وَهُوَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ وَكَذَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهَلْ هُوَ إبَاحَةٌ أَوْ مِلْكٌ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا ثَانِيهِمَا أَيُّ مِلْكٍ لَأَنْ يَنْتَفِعَ لَا الْبُضْعُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّ الْمَهْرَ لَهَا أَوْ لِسَيِّدِهَا ، وَأَمَّا وُجُوبُهُ لَهُ فِي الرَّضَاعِ فَلِتَفْوِيتِ كُلٍّ مَا مَلَكَهُ وَهَلْ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُمَا شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ كَالْعِوَضَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مِنْ جِهَتِهِ الْمَهْرُ لَا نَفْسُهُ وَلِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي نِكَاحِ غَيْرِهَا مَعَهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ قَبْلَ بَابِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَبَنَى مَا لَوْ قَالَ الْخَاطِبُ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهُ عَلَى الْخُصُوصِ .
( قَوْلُهُ إذْ لَا تَنَاسُلَ هُنَاكَ ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَفَعَهُ { الْمُؤْمِنُ إذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي } ثُمَّ قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَالَ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْجَنَّةِ جِمَاعٌ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ وَلَا وَلَدٍ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ لِي إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمُ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ }

( وَفِيهِ أَبْوَابٌ ) اثْنَا عَشَرَ : ( الْأَوَّلُ فِي ) بَيَانِ ( خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَإِنَّمَا ذَكَرُوهَا هُنَا ؛ لِأَنَّهَا فِي النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ وَالصِّيغَةُ الْمَذْكُورَةُ مُشْعِرَةٌ بِذِكْرِ جَمِيعِ خَصَائِصِهِ إذْ الْجَمْعُ الْمُضَافُ لِمَعْرِفَةٍ مُسْتَغْرِقٌ وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا سَيَأْتِي ( وَهِيَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ : أَحَدُهَا الْوَاجِبَاتُ ) وَخَصَّ بِهَا لِزِيَادَةِ الزُّلْفَى وَالدَّرَجَاتِ فَلَنْ يَتَقَرَّبَ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ : هُنَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا الْفَرِيضَةُ يَزِيدُ ثَوَابُهَا عَلَى ثَوَابِ النَّافِلَةِ أَيْ الْمُمَاثِلَةِ لَهَا بِسَبْعِينَ دَرَجَةً ( وَهِيَ الضُّحَى وَالْوِتْرُ وَالْأُضْحِيَّةَ ) لِخَبَرِ { ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَقَلُّ الضُّحَى لَا أَكْثَرُهُ وَقِيَاسُهُ فِي الْوِتْرِ كَذَلِكَ وَاسْتَشْكَلَ وُجُوبَ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِ بِضَعْفِ الْخَبَرِ وَبِجَمْعِ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ أَخْبَارِ الضُّحَى الْمُتَعَارِضَةِ فِي سُنِّيَّتِهَا بِأَنَّهُ كَانَ لَا يُدَاوِمُ عَلَيْهَا مَخَافَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا وَبِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَامْتَنَعَ ذَلِكَ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اعْتَضَدَ بِغَيْرِهِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّاهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ وَهِيَ وَاقِفَةٌ عَلَى أَنَّ جَوَازَ أَدَائِهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ خَصَائِصِهِ أَيْضًا ( وَالسِّوَاكُ ) لِكُلِّ صَلَاةٍ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ ( وَالْمُشَاوَرَةُ ) لِذَوِي الْأَحْلَامِ فِي الْأَمْرِ قَالَ تَعَالَى { وَشَاوِرْهُمْ فِي

الْأَمْرِ } لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ ( وَتَغْيِيرُ مُنْكَرٍ رَآهُ ) قَالَ الْغَزَالِيُّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْ يَظُنَّ أَنَّ فَاعِلَهُ يَزِيدُ فِيهِ عِنَادًا ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الْخَوْفِ ( وَمُصَابَرَةُ الْعَدُوِّ وَإِنْ كَثُرَ ) وَلَوْ زَادَ عَلَى الضِّعْفِ وَلَوْ مَعَ الْخَوْفِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْعُودٌ بِالْعِصْمَةِ وَالنَّصْرِ ( وَقَضَاءُ دَيْنِ مُسْلِمٍ مَاتَ مُعْسِرًا ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ فَتَرَك دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ } وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِمَا إذَا اتَّسَعَ الْمَالُ .
( وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ ) بَعْدَهُ ( قَضَاؤُهُ مِنْ ) مَالِ ( الْمَصَالِحِ ) كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِشَرْطِ اتِّسَاعِ الْمَالِ وَفَضْلِهِ عَنْ مَصَالِحِ الْأَحْيَاءِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَتَخْيِيرُ نِسَائِهِ ) بَيْنَ مُفَارَقَتِهِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا وَاخْتِيَارِهِ طَلَبًا لِلْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِك } الْآيَتَيْنِ وَلِئَلَّا يَكُونَ مُكْرِهًا لَهُنَّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَا آثَرَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْفَقْرِ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا صَحَّ أَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا تَعَوَّذَ مِنْ فِتْنَتِهِ كَمَا تَعَوَّذَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى أَوْ تَعَوَّذَ مِنْ فَقْرِ الْقَلْبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ { لَيْسَ الْغِنَى بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ وَإِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ } وَلَمَّا خَيَّرَهُنَّ وَاخْتَرْنَهُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ التَّزَوُّجَ عَلَيْهِنَّ وَالتَّبَدُّلَ بِهِنَّ مُكَافَأَةً لَهُنَّ فَقَالَ { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } الْآيَةَ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّا أَحْلَلْنَا لَك } الْآيَةَ لِتَكُونَ لَهُ الْمِنَّةُ بِتَرْكِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِنَّ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَوَابُ ) مِنْهُنَّ لَهُ ( فَوْرًا ) لِمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ بَدَأَ بِعَائِشَةَ وَقَالَ إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا فَلَا تُبَادِرِينِي بِالْجَوَابِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ( فَلَوْ اخْتَارَتْهُ ) وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ( لَمْ يَحْرُمْ ) عَلَيْهِ طَلَاقُهَا كَلَّمَتْهُ ( أَوْ كَرِهَتْهُ ) بِأَنْ اخْتَارَتْ الدُّنْيَا ( تَوَقَّفَتْ الْفُرْقَةُ عَلَى الطَّلَاقِ ) فَلَا تَحْصُلُ بِاخْتِيَارِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ } ( وَهَلْ قَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي طَلَاقٌ وَهَلْ لَهُ تَزَوُّجُهَا بَعْدَ الْفِرَاقِ ) إذَا لَمْ تَكْرَه تَزَوُّجَهُ ( أَوْ ) لَهُ ( تَخْيِيرُهُنَّ ) فِيمَا مَرَّ ( قَبْلَ مُشَاوَرَتِهِنَّ ) فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ ( وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا لَا فِي الْأُولَى وَتَعُمُّ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَذِكْرُهُ الْأَخِيرَةَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ وَتَعْبِيرُهُ فِي الْأُولَى بِالطَّلَاقِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ صَرِيحٌ فِي الْفِرَاقِ ( وَنَسَخَ وُجُوبَ التَّهَجُّدِ عَلَيْهِ ) كَمَا نَسَخَ وُجُوبَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَدَلِيلُ وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك } وَدَلِيلُ النُّسَخِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( لَا ) وُجُوبَ ( الْوِتْرِ ) عَلَيْهِ فَلَمْ يُنْسَخْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ التَّهَجُّدِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ الْأَصْلُ بِتَرْجِيحِهِ هُنَا لَكِنَّهُ رَجَحَ فِيمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ تَهَجَّدَ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ

( قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ شَرَفِ الْمُصْطَفَى أَنَّ عَدَدَ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ سِتُّونَ خَصْلَةً ( قَوْلُهُ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا الْفَرِيضَةُ يَزِيدُ ثَوَابُهَا عَلَى ثَوَابِ النَّافِلَةِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلِ : مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَمَنْ تَرَكَهُ وَهُوَ مُبْطِلٌ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَسْفَلُهَا فَالْحَقُّ تَرْكُهُ لِلْمِرَاءِ نَفْلٌ وَالْمُبْطِلُ تَرْكُهُ لِلْمِرَاءِ فَرْضٌ وَأَعْطَى الْمُحِقَّ عَلَى مَا تَنَفَّلَ بِهِ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَعْطَى الْمُبْطِلَ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَبَضَ الْجَنَّةِ ، الثَّانِي : الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ بِثَلَثِمِائَةٍ وَالصَّبْرُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بِسِتِّمِائَةٍ وَالصَّبْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ بِتِسْعِمِائَةٍ فَالْأَوَّلَانِ الصَّبْرُ عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ وَالْفَضْلُ عَلَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ الثَّالِثِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهَا نَفْلٌ .
ا هـ .
وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا إبْرَاءُ الْمُعْسِرِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إنْظَارِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَالِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ جَوَابِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَالْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ إمَامَةِ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَكُلُّ تَطَوُّعٍ كَانَ مُحَصِّلًا لِلْمَقْصُودِ مِنْ الْفَرْضِ بِوَصْفِ الزِّيَادَةِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْفَرْضِ كَالزُّهْدِ فِي الْحَلَالِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الزُّهْدِ فِي الْحَرَامِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِشَيْءٍ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ نَذْرُهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : نَعَمْ لِيَحُوزَ ثَوَابَ الْفَرْضِ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا لِلْإِخْلَالِ بِحَقِيقَةِ النَّفْلِ الْمُتَعَبِّدِ بِهَا ( قَوْلُهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ أُمِرْت بِرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِهَا ( قَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ فِي الْوِتْرِ كَذَلِكَ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ

مُرَادَهُمْ الْجِنْسُ ر ( قَوْلُهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّاهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَخْ ) وَبِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّاهَا عَلَيْهَا بَعْدَ نَسْخِهَا فِي حَقِّهِ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ وَعَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ أَنَّهُ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مَعَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ قَاعِدًا وَلِهَذَا كَانَ تَطَوُّعُهُ قَاعِدًا كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا قَوْلُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ) وَقِيلَ لِكُلِّ مَا يُسْتَحَبُّ لَنَا وَقِيلَ لِتَغَيُّرِ الْفَمِ وَقِيلَ عَنْ نُزُولِ الْوَحْيِ لِلْمُنَاجَاةِ وَقِيلَ لِكُلِّ مَكْتُوبَةٍ ( قَوْلُهُ وَالْمُشَاوَرَةُ لِذَوِي الْأَحْلَامِ فِي الْأَمْرِ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتُلِفَ فِيمَا شَاوَرَهُمْ فَقِيلَ فِي الْحَرْبِ وَمُكَابَدَةِ الْعَدُوِّ وَقِيلَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا دُونَ الدِّينِ وَقِيلَ فِي أُمُورِ الدِّينِ تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى عِلَلِ الْأَحْكَامِ وَطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْ يَظُنَّ إلَخْ ) ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَقَيَّدَ الْإِمَامُ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا صَدَرَ مِنْهُ مَطْلٌ ظَلَمَ بِهِ وَمَاتَ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَمْلِكْ فِي حَيَاتِهِ مَا يُؤَدِّيهِ بِهِ لَمْ يَقْضِ دَيْنُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَقِيَ اللَّهَ وَلَا مَظْلِمَةَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ أَوْ تَعَوَّذَ مِنْ فَقْرِ الْقَلْبِ إلَخْ ) الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ وَأُعِيذَ مِنْهُ الْفَقْرُ الِاضْطِرَارِيُّ وَكَانَ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ الْفَقْرَ لِإِيثَارِهِ بِقُوَّتِهِ فَلَا يَبْقَى فِي يَدِهِ شَيْءٌ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِذَلِكَ ع أَوْ أَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ الْفَقْرِ الَّذِي يَحْصُلُ مَعَهُ سُوءُ الْحَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَا يَكْفِي مِنْ الْقُوتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ت .
( قَوْلُهُ لَمْ يَحْرُمْ طَلَاقُهَا كَأَمَتِهِ ) وَإِذَا طَلَّقَهَا هَلْ يَكُونُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَاتَبَهُ ( قَوْلُهُ

أَوْجَهُهُمَا لَا فِي الْأُولَى ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَنَعَمْ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ التَّهَجُّدِ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ النَّوْمِ وَلَا فِي وَقْتٍ يَكُونُ النَّاسُ فِيهِ نِيَامًا وَالتَّهَجُّدُ يُفَارِقُهُ فِي ذَلِكَ

النَّوْعُ ( الثَّانِي الْمُحَرَّمَاتُ عَلَيْهِ ) وَخُصَّ بِهَا تَكْرِمَةً لَهُ إذْ أَجْرُ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ تَرْكِ الْمَكْرُوهِ وَفِعْلِ الْمَنْدُوبِ ( وَهِيَ الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ ) نَفْلُهَا وَفَرْضُهَا كَالْكَفَّارَةِ لِمَا مَرَّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَصِيَانَةً لِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ ؛ لِأَنَّهُمَا يُنْبِئَانِ عَنْ ذُلِّ الْآخِذِ وَعِزِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَأُبْدِلَ بِهِمَا الْفَيْءَ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ الْمُنْبِئُ عَنْ عِزِّ الْآخِذِ وَذُلِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ، وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّدَقَةِ لَأَغْنَاهُ عَمَّا قَبْلَهَا ( وَمَعْرِفَةُ الْخَطِّ وَالشَّعْرِ ) أَيْ تَعَلُّمُهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك } وَقَوْلُهُ { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشَّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِالْخَطِّ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْكِتَابِ وَبِتَعَلُّمِ الشَّعْرِ رِوَايَتَهُ وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ خَطَّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُوحِي أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ خَطٍّ فَنُسِبَ إلَيْهِ الْفِعْلُ تَجَوُّزًا أَوْ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ مُعْجِزَةً وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ الرَّجَزِ كَقَوْلِهِ { أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ } مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الرَّجَزَ لَيْسَ بِشَعْرٍ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بَلْ وَقَعَ مُرَجَّزًا ( لَا الْأَكْلُ لِثُومٍ وَنَحْوِهِ ) كَبَصَلٍ وَكُرَّاثٍ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَإِنَّمَا كُرِهَ أَكْلُهُ لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ بِرَائِحَتِهِ وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّ { أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ صَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ } وَفِي رِوَايَةٍ { أَرْسَلَ إلَيْهِ بِطَعَامٍ مِنْ خُضْرَةٍ فِيهِ بَصَلٌ وَكُرَّاثٌ فَرَدَّهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ أَحَرَامٌ هُوَ قَالَ لَا وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ } ( أَوْ ) الْأَكْلُ ( مُتَّكِئًا ) لِمَا مَرَّ وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ { أَنَا لَا آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ } فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ نَعَمْ هَذَا

وَمَا قَبْلَهُ مَكْرُوهَانِ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ أُمَّتِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي حَقِّهِمْ فِي الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ مُقَيَّدًا بِالنِّيءِ وَبِالثَّانِي الرَّافِعِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْمُتَّكِئُ الْجَالِسُ الْمُعْتَمِدُ عَلَى وَطَاءٍ تَحْتَهُ وَأَقَرَّهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ : بَلْ هُوَ الْمَائِلُ عَلَى جَنْبٍ ، وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ : وَلَيْسَ هُوَ الْمَائِلُ عَلَى جَنْبٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ .
( وَيَحْرُمُ ) عَلَيْهِ ( نَزْعُ لَامَتِهِ ) أَيْ سِلَاحِهِ ( قَبْلَ الْقِتَالِ ) لِلْعُدْوَانِ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِخَبَرِ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَلْبَسَ لَامَتِهِ فَيَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَسْنَدَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ ( وَمَدُّ الْعَيْنِ إلَى مَتَاعِ النَّاسِ ) أَيْ إلَى مَا مَتَّعُوا بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك } الْآيَةَ ( وَخَائِنَةُ الْأَعْيُنِ وَهِيَ الْإِيمَاءُ بِمَا يُظْهِرُ خِلَافَهُ ) مِنْ مُبَاحٍ مِنْ نَحْوِ ضَرْبٍ أَوْ قَتْلٍ وَسُمِّيَ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ بِإِخْفَائِهِ ( دُونَ الْخَدِيعَةِ فِي الْحَرْبِ ) فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا ( وَإِمْسَاكُ مَنْ كَرِهَتْ نِكَاحَهُ ) كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ وُجُوبِ تَخْيِيرِهِ نِسَاءَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْقَائِلَةِ لَهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك لَقَدْ اسْتَعَذْت بِمَعَاذٍ الْحَقِي بِأَهْلِك } رُوِيَ أَنَّ نِسَاءَهُ لَقَّنَّهَا أَنْ تَقُولَ لَهُ ذَلِكَ وَقُلْنَ لَهَا أَنَّهُ كَلَامٌ يُعْجِبُهُ .
( وَنِكَاحُ كِتَابِيَّةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُشْرِكَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَلِخَبَرِ { سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا أُزَوَّجَ إلَّا مَنْ كَانَ مَعِي

فِي الْجَنَّةِ فَأَعْطَانِي } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ ( لَا التَّسَرِّي بِهَا ) فَلَا يَحْرُمُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَرَّى بِرَيْحَانَةَ وَكَانَتْ يَهُودِيَّةً مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ } وَاسْتَشْكَلَ بِهَذَا تَعْلِيلَهُمْ السَّابِقَ بِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِالنِّكَاحِ أَصَالَةُ التَّوَالُدِ فَاحْتِيطَ لَهُ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ الْمُشْرِكَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ الْمِلْكِ فِيهِمَا ( وَنِكَاحُ الْأَمَةِ وَلَوْ مُسْلِمَةً ) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا مُعْتَبَرٌ لِخَوْفِ الْعَنَتِ وَهُوَ مَعْصُومٌ بِفِقْدَانِ مَهْرِ الْحُرَّةِ وَنِكَاحُهُ غَنِيٌّ عَنْ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَبِرِقِّ الْوَلَدِ وَمَنْصِبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ ( وَالْمَنُّ ) أَيْ إعْطَاؤُهُ الْعَطَايَا ( لِيَسْتَكْثِرَ ) أَيْ لِيَطْلُبَ الْكَثْرَةَ بِالطَّمَعِ فِي الْعِوَضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } وَإِنْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ

( قَوْلُهُ وَهِيَ الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا إلَخْ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يُسَاوُونَهُ فِي ذَلِكَ أَمْ يَخْتَصُّ بِهِ قَالَ بِالْأَوَّلِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَبِالثَّانِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَسُئِلْت هَلْ : الصَّدَقَاتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ غَيْرِ نَبِيِّنَا جَائِزَةٌ أَوْ لَا وَهَلْ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى جَوَازِهَا بِقَوْلِ إخْوَةِ يُوسُفَ { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ } ؟ فَأَجَبْت بِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الزَّمَخْشَرِيّ وَالْقُرْطُبِيُّ لِشَرَفِهِمْ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ } انْتَهَى وَلِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ ذُلِّ الْآخِذِ وَعِزِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا } بِرَدِّ أَخِينَا إلَى أَبِيهِ أَوْ بِالْمُسَامَحَةِ وَقَبُولِ الْمُزْجَاةِ وَقِيلَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى حَقِّنَا قَالَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ .
قَالَ مُجَاهِدٌ : وَلَمْ تَحْرُمْ الصَّدَقَةُ إلَّا عَلَى نَبِيِّنَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا ضَعِيفٌ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ } وَقَالَتْ فِرْقَةٌ كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ مُحَرَّمَةً وَلَكِنْ قَالُوهُ تَجَوُّزًا اسْتِعْطَافًا مِنْهُمْ فِي الْمُبَالَغَةِ كَمَا تَقُولُ لِمَنْ تُسَاوِمُهُ فِي سِلْعَتِهِ هَبْنِي مِنْ ثَمَنِهَا كَذَا أَوْ خُذْ مِنِّي كَذَا فَلَمْ تَقْصِدْ أَنْ يَهَبَك وَإِنَّمَا حَسَّنْت لَهُ الْمَقَالَ حَتَّى يَرْجِعَ مَعَك إلَى سَوْمِك قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ خَطٍّ إلَخْ ) وَهَذَا تُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ ك ( قَوْلُهُ وَكُرَّاثٍ ) أَيْ وَفُجْلٍ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كُرِهَ أَكْلُهُ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا ( قَوْلُهُ مُقَيَّدٌ بِالنِّيءِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَوْضِعُ الْكَرَاهَةِ فِي النِّيءِ أَمَّا الْمَطْبُوخُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ طَعَامًا فِيهِ بَصَلٌ ( قَوْلُهُ وَإِمْسَاكُ مَنْ كَرِهَتْ نِكَاحَهُ ) فِي سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْكَشَّافُ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي وَإِمْسَاكُ كَارِهَتِهِ قَالَ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً وَهُوَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ لَقَدْ اسْتَعَذْت بِمَعَاذٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ( قَوْلُهُ الْحَقِي بِأَهْلِك ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَأَخْطَأَ مَنْ عَكَسَ ر

النَّوْعُ ( الثَّالِثُ التَّخْفِيفَاتُ وَالْمُبَاحَاتُ لَهُ ) وَخُصَّ بِهَا تَوْسِعَةً عَلَيْهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَا خُصَّ بِهِ مِنْهَا لَا يُلْهِيهِ عَنْ طَاعَتِهِ وَإِنْ أَلْهَى غَيْرَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ هُنَا مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ بَلْ مَا لَا حَرَجَ فِي فِعْلِهِ وَلَا فِي تَرْكِهِ ( وَهِيَ نِكَاحُ تِسْعٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونُ الْجَوْرِ وَقَدْ مَاتَ عَنْ تِسْعٍ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ نَشْرُ بَاطِنِ الشَّرِيعَةِ وَظَاهِرِهَا وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً فَأُبِيحَ لَهُ تَكْثِيرُ النِّسَاءِ لِيَنْقُلْنَ مَا يَرَيْنَهُ مِنْ أَفْعَالِهِ وَيَسْمَعْنَهُ مِنْ أَقْوَالِهِ الَّتِي قَدْ يَسْتَحْيِ مِنْ الْإِفْصَاحِ بِهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ ( وَحَرُمَ ) عَلَيْهِ ( الزِّيَادَةُ عَلَيْهِنَّ ) أَيْ التِّسْعِ بِقَوْلِهِ { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } أَيْ بَعْدَ التِّسْعِ اللَّاتِي اخْتَرْنَك ( ثُمَّ نُسِخَ ) فَأُبِيحَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ بِآيَةِ { إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } كَمَا مَرَّ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَرُمَ ثُمَّ نُسِخَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ( وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُهُ ) حَالَةَ كَوْنِهِ ( مُحْرِمًا ) بِنُسُكٍ لِخَبَرٍ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ } لَكِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ حَلَالًا وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ { قَالَتْ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ } وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْت السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَدْ رَدَّ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأُولَى ( وَ ) يَنْعَقِدُ نِكَاحُهُ ( بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ ) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَلِيِّ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْكَفَاءَةِ وَهُوَ فَوْقَ الْأَكْفَاءِ وَاعْتِبَارُ الشُّهُودِ لِأَمْنِ الْجُحُودِ وَهُوَ مَأْمُونٌ مِنْهُ ، وَالْمَرْأَةُ لَوْ جَحَدَتْ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا بَلْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ تَكْفُرُ

بِتَكْذِيبِهِ ( وَ ) يَنْعَقِدُ ( بِلَفْظِ الْهِبَةِ ) وَبِمَعْنَاهَا ( إيجَابًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً } الْآيَةَ ( لَا قَبُولًا ) بَلْ يَجِبُ لَفْظُ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } ( وَلَا مَهْرَ ) عَلَيْهِ ( لِلْوَاهِبَةِ لَهُ ) نَفْسَهَا ( وَإِنْ دَخَلَ بِهَا ) كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْهِبَةِ ( وَتَجِبُ إجَابَتُهُ إلَى ) بِمَعْنَى عَلَى ( امْرَأَةٍ رَغِبَ فِيهَا ) وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا ( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى زَوْجِهَا طَلَاقُهَا ) لِيَنْكِحَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ } .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ لِقِصَّةِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَلَعَلَّ السِّرَّ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ امْتِحَانُ إيمَانِهِ بِتَكْلِيفِهِ النُّزُولَ عَنْ أَهْلِهِ وَمِنْ جَانِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِلَاؤُهُ بِبَلِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ وَمَنْعُهُ مِنْ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى { وَتُخْفِي فِي نَفْسِك مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } ، وَلَا شَيْءَ أَدْعَى لِحِفْظِ الْبَصَرِ مِنْ لَمَحَاتِهِ الِاتِّفَاقِيَّةِ مِنْ هَذَا التَّكْلِيفِ وَهَذَا مِمَّا يُورِدُهُ الْفُقَهَاءُ فِي نَوْعِ التَّخْفِيفَاتِ وَعِنْدِي أَنَّهُ فِي حَقِّهِ فِي غَايَةِ التَّشْدِيدِ إذْ لَوْ كُلِّفَ بِذَلِكَ أَيْ بِمَنْعِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ آحَادُ النَّاسِ لَمَا فَتَحُوا أَعْيُنَهُمْ فِي الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ ، وَلِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَوْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْفِي آيَةً لَأَخْفَى هَذِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْآحَادَ غَيْرُ مَعْصُومِينَ فَنُقِلَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَلَهُ تَزْوِيجُ مَنْ شَاءَ ) مِنْ النِّسَاءِ ( لِمَنْ شَاءَ وَ ) لَوْ ( لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ ) مِنْ الْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا ( مُتَوَالِيًا الطَّرَفَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ( وَيُزَوِّجُهُ

اللَّهُ ) فَتَحِلُّ لَهُ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِعَقْدٍ كَمَا فِي قَضِيَّةِ امْرَأَةِ زَيْدٍ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ( وَأُبِيحَ لَهُ الْوِصَالُ ) فِي الصَّوْمِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الْوِصَالِ فَقِيلَ إنَّك تُوَاصِلُ فَقَالَ إنِّي لَسْت مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى } أَيْ أُعْطَى قُوَّةَ الطَّاعِمِ وَالشَّارِبِ ( وَصَفِيُّ الْمَغْنَمِ ) وَهُوَ مَا يَخْتَارُهُ مِنْهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِنْ جَارِيَةٍ وَغَيْرِهَا وَمِنْ صَفَايَاهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْمَغْنَمِ بَلْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْفَيْءِ أَيْضًا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ ( وَخُمُسُ الْخُمُسِ ) مِنْ الْفَيْءِ وَالْمَغْنَمِ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ مِنْهُ فِي مَصَالِحِهِ وَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ أَيْضًا مَعَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ سَهْمٌ كَسِهَامِ الْغَانِمِينَ ( وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ ) وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْفَيْءِ ( وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ ) وَلَوْ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا خِلَافٍ ( وَيَحْكُمُ وَيَشْهَدُ لِوَلَدِهِ وَلِنَفْسِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ لِلرِّيبَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ قَطْعًا ( وَيَحْمِي الْمَوَاتَ لِنَفْسِهِ ) وَإِنْ لَمْ يَحْمِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ } وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا يَحْمِي لِنَحْوِ نَعَمِ الصَّدَقَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ( وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ ) اعْتِمَادًا عَلَى دَعْوَاهُ لِقِصَّةِ خُزَيْمَةَ الْآتِيَةِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيَقْبَلُ ) هُوَ ( شَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ لَهُ ) لِانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ عَنْهُ قَطْعًا كَمَا مَرَّ وَلِأَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ لِنَفْسِهِ وَقِصَّتِهِ فِي أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهَا وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ فَأَعَلَّهَا ( وَلَهُ أَخْذُ طَعَامِ غَيْرِهِ ) وَإِنْ احْتَاجَهُ الْغَيْرُ ( وَيَجِبُ ) عَلَى الْغَيْرِ ( إعْطَاؤُهُ لَهُ وَبَذْلُ النَّفْسِ

دُونَهُ ) لَوْ قَصَدَهُ ظَالِمٌ بِحَضْرَتِهِ فَيَفْدِي بِمُهْجَتِهِ مُهْجَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
( وَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ ) وَلَوْ غَيْرَ مُمَكَّنٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضْطَجَعَ وَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ } ( وَمَنْ شَتَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَعَنَهُ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ قُرْبَةً ) بِدُعَائِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { اللَّهُمَّ إنِّي اتَّخَذْت عِنْدَك عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْته أَوْ شَتَمْته أَوْ لَعَنْته فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَفِي رِوَايَةٍ { إنِّي اشْتَرَطْت عَلَى رَبِّي فَقُلْت إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْت عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً } وَإِنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَكِنَّهُ فِي الظَّاهِرِ يَسْتَوْجِبُهُ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ أَوْ ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ مَقْصُودًا بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ وَصْلِ كَلَامِهَا بِنَحْوِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينُك وَعَقْرَى حَلْقَى ، فَخَافَ أَنْ يُسْتَجَابَ فِي ذَلِكَ فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ شَتَمَهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ وَهُوَ فِي الرَّافِعِيِّ ، وَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ حَكَى أَنَّ لَهُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ جُنُبًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَقَدْ يَحْتَجُّ لَهُ بِخَبَرِ { يَا عَلِيُّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُجْنِبَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرِكَ } رَوَاهُ

التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ ، قَالَ : وَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ بِمَا اقْتَضَى حُسْنَهُ فَظَهَرَ تَرْجِيحُ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ ، وَحَمْلُ دُخُولِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْمُكْثِ بِهِ لَيْسَ مِنْ الْخَصَائِصِ لِمُشَارَكَةِ عَلِيٍّ لَهُ فِيهِ ، وَحَذَفَ أَيْضًا أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَعْتَقَهَا بِلَا عِوَضٍ وَتَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ فِي مَعْنَى الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا لَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا مُطْلَقًا وَحَذَفَ أَيْضًا أَنَّهُ هَلْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْخِطَابِ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ فَلَا تَكُونُ مِنْ الْخَصَائِصِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ ( وَمُعْظَمُ هَذِهِ الْمُبَاحَاتِ لَمْ يَفْعَلْهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِعْلُهُ وَقَدْ صَرَّحْت بِبَعْضِهِ فِيمَا مَرَّ

قَوْلُهُ وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُهُ مُحْرِمًا ) وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُحَرَّمَةً أَيْضًا ( قَوْلُهُ بَلْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ إلَخْ ) ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْغَزَالِيُّ لِقِصَّةِ زَيْدٍ إلَخْ ) قَدْ أَنْكَرَ السُّبْكِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وُقُوعَ مَيْلِ قَلْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى تَزَوُّجِ امْرَأَةِ غَيْرِهِ ، قَالَ السُّبْكِيُّ : وَقِصَّةُ زَيْدٍ إنَّمَا جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَطْعًا لِقَوْلِ النَّاسِ أَنَّ زَيْدًا وَلَدُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبْطَالًا لِلتَّبَنِّي فِي الْإِسْلَامِ كَمَا تُنْبِئُ عَنْهُ سُورَةُ الْأَحْزَابِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ وَقَوْلُهُ { وَتُخْفِي فِي نَفْسِك مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ } يَعْنِي مِنْ أَمْرِ زَيْدٍ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَتَزَوُّجِك إيَّاهَا ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُقْتَضَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ يَكْرَهُ زَوَاجَهَا وَيَشُقُّ عَلَيْهِ عَكْسَ مَا تَوَهَّمَهُ الْغَزَالِيُّ وَمَا كَانَ يُمْكِنُهُ إخْفَاءُ شَيْءٍ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَأَطَالَ السُّبْكِيُّ فِي بَيَانِ ذَلِكَ كَمَا سَاقَهُ وَلَدُهُ فِي تَوْشِيحِ التَّوْشِيحِ أ ش إذَا نَظَرَ إلَى أَمَةٍ أَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ عِتْقُهَا أَمْ يَمْلِكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهَا أَمْ لَا الْقِيَاسُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْوُجُوبُ ، وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَهُ نِكَاحُهَا قَبْلَ عِدَّتِهَا أَيْضًا .
وَقَوْلُهُ وَأَطَالَ السُّبْكِيُّ فِي بَيَانِهِ إلَخْ قَالَ السُّبْكِيُّ هَذَا مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُعْجِبُهُ امْرَأَةُ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَقِصَّةُ زَيْدٍ إنَّمَا جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ قَطْعًا لِقَوْلِ النَّاسِ أَنَّ زَيْدًا وَلَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبْطَالًا لِلتَّبَنِّي فِي الْإِسْلَامِ إلَى قَوْله تَعَالَى { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } أَيْ مِنْ أَبَوَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ إلَى قَوْله تَعَالَى { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ

أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } إلَى أَنْ قَالَ { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } ثُمَّ سَاقَ اللَّهُ تَعَالَى السُّورَةَ إلَى أَنْ قَالَ { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } تَحْرِيضٌ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ تَعَالَى فِي طَلَاقِ امْرَأَةِ زَيْدٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى { وَتُخْفِي فِي نَفْسِك مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ } يَعْنِي مِنْ أَمْرِ زَيْدٍ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَتَزْوِيجِك أَنْتَ إيَّاهَا لَا مِنْ مَحَبَّتِهِ مَعَاذَ اللَّهِ ثُمَّ مَعَاذَ اللَّهِ ثُمَّ مَعَاذَ اللَّهِ ، ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقَوْلِ الصَّرِيحِ بَعْدَ التَّعْرِيضِ الطَّوِيلِ أَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ إبْطَالُ التَّبَنِّي وَنَسْخُهُ وَرَفْعُهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلَدًا لَمَا تَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ تَعَالَى { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ } ثُمَّ بَعْدَهُ { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } فَمَنْ تَأَمَّلَ السُّورَةَ وَعَرَفَ شَيْئًا مِنْ حَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَيَقَّنَ بِالْعِلْمِ الْقَاطِعِ أَنَّ تَزَوُّجَ امْرَأَةِ زَيْدٍ إنَّمَا كَانَ لِذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِ وَإِنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْرَهَ النَّاسِ بِالطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ لِزَوَاجِهَا عَكْسَ مَا تَوَهَّمَهُ الْغَزَالِيُّ وَكَانَ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَمَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخْفِيَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَتُخْفِي فِي نَفْسِك مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ } فَنَزَلَتْ الْآيَةُ آمِرَةً لَهُ بِإِظْهَارِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ زَوَاجِهَا لِإِبْطَالِ التَّبَنِّي وَإِنْ كَانَ زَوَاجُهَا شَقَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ ابْنُهُ فِي التَّوْشِيحِ : وَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْرِفَ هَذَا .
( قَوْلُهُ بِبَلِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ ) يَعْنِي مَيْلَ الْقَلْبِ إلَى تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ وُقُوعِ بَصَرِهِ عَلَيْهَا (

قَوْلُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ ) أَيْ مِنْ الْإِضْمَارِ الْمُخَالِفِ لِلْإِظْهَارِ ( قَوْلُهُ أَيْ بِمَنْعِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ ) أَوْ بِأَنْ يَأْمُرَ الشَّخْصُ غَيْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ لَهُ زَوْجَتَهُ ( قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْآحَادَ غَيْرُ مَعْصُومِينَ إلَخْ ) وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ فَذَاكَ الْأَمْرُ آخَرُ وَهُوَ إظْهَارُ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ وَعِتَابُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْهُ ( قَوْلُهُ وَأُبِيحَ لَهُ الْوِصَالُ ) وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ الْوِصَالَ لَهُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إذْ الْعِبَادَةُ إمَّا وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ وَالْإِبَاحَةُ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ الصَّادِقِ بِالِاسْتِحْبَابِ ا ش ( قَوْلُهُ أَيْ أُعْطَى قُوَّةَ الطَّاعِمِ وَالشَّارِبِ ) عَبَّرَ بِذَلِكَ عَمَّا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَالْمَوَاهِبِ وَلَمَّا كَانَتْ تُنَمِّي النَّفْسَ وَتُقَوِّيهَا كَمَا يُقَوِّيهَا الطَّعَامُ أَطْلَقَ عَلَيْهَا الطَّعْمَ وَالسَّقْيَ وَذَلِكَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ ( قَوْلُهُ وَمِنْ صَفَايَاهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ اصْطَفَاهَا وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا ) هَذَا مَرْدُودٌ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَاشْتَرَاهَا مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَصْطَفِهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ بَلْ دَخَلَتْ فِيهَا وَأَخَذَهَا مِمَّنْ وَقَعَتْ لَهُ ع قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَمَا صَارَتْ لِدِحْيَةَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ ( قَوْلُهُ وَيَحْكُمُ وَيَشْهَدُ لِوَلَدِهِ وَلِنَفْسِهِ ) أَيْ وَعَلَى عَدُوِّهِ ( قَوْلُهُ وَقِصَّتُهُ فِي أَبِي دَاوُد ) أَيْ وَالنَّسَائِيُّ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَخْذُ طَعَامِ غَيْرِهِ ) مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ حَكَى أَنَّ لَهُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ جُنُبًا ) وَمَنَعَهُ الْقَفَّالُ وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ وَتَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ مُطْلَقًا ) بَلْ أَصْدَقَهَا رَزِينَةَ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي

الْمُعْجَم الْكَبِيرِ عَنْ رَزِينَةَ مَوْلَاةِ صَفِيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقَهَا صَفِيَّةَ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْعِتْقَ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ صَدَاقًا بَلْ كَانَ الصَّدَاقُ عِتْقَهَا وَإِعْطَاءَهَا رَزِينَةَ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا حَاجَةَ مَعَهُ إلَى تَكَلُّفِ جَوَابٍ ت

( الرَّابِعُ الْفَضَائِلُ وَالْإِكْرَامُ وَهِيَ تَحْرِيمُ مَنْكُوحَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ مُطَلَّقَاتٍ ) وَلَوْ بِاخْتِيَارِهِنَّ لِفِرَاقِهِ وِفَاقًا لِلْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَسَوَاءٌ أَكُنَّ مَوْطُوآتٍ أَمْ لَا لِآيَةِ { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ } قِيلَ نَزَلَتْ فِي طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ مَاتَ لَأَتَزَوَّجَنَّ عَائِشَةَ وَلِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } وَلِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنَّةِ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْجَنَّةِ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ ( وَسَرَارِي ) أَيْ وَتَحْرِيمُ سَرَارِيهِ أَيْ إمَائِهِ الْمَوْطُوآتِ عَلَى غَيْرِهِ إكْرَامًا لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَوْطُوآتِ وَقِيلَ لَا تَحْرُمُ الْمَوْطُوآتُ أَيْضًا وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَازِرِيُّ مَعَ تَقْيِيدِهِمَا ذَلِكَ بِالْمَوْطُوآتِ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِسَرَارِيهِ لَسَلِمَ مِنْ إيهَامِ عَطْفِهِنَّ عَلَى مُطَلَّقَاتٍ ( وَتَفْضِيلُ زَوْجَاتِهِ عَلَى ) سَائِرِ ( النِّسَاءِ ) عَلَى مَا يَأْتِي تَفْضِيلُهُ قَالَ تَعَالَى { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ } ( وَثَوَابُهُنَّ وَعِقَابُهُنَّ مُضَاعَفٌ ) قَالَ تَعَالَى { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } الْآيَتَيْنِ ( وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ ) أَيْ مِثْلُهُنَّ لَا فِي حُكْمِ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ وَالْمُسَافَرَةِ وَالظِّهَارِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمِيرَاثِ بَلْ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ وَوُجُوبِ احْتِرَامِهِنَّ وَطَاعَتِهِنَّ ( إكْرَامًا ) لَهُ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } ( فَقَطْ ) أَيْ يُقَالُ لَهُمْ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ لَا أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَا يُقَالُ لِبَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا لِآبَائِهِنَّ وَأُمَّهَاتِهِنَّ أَجْدَادُ الْمُؤْمِنِينَ وَجَدَّاتُهُمْ وَلَا لِإِخْوَتِهِنَّ وَإِخْوَانِهِنَّ أَخْوَالُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَاتُهُمْ ( كَهُوَ فِي الْأُبُوَّةِ ) أَيْ

كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبٌ ( لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ) .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } فَمَعْنَاهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَدَ صُلْبِهِ ( وَتَحْرِيمُ سُؤَالِهِنَّ إلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) قَالَ تَعَالَى { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَأَسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } وَأَمَّا غَيْرُهُنَّ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْأَلْنَ مُشَافَهَةً ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ خُصِّصْنَ بِفَرْضِ الْحِجَابِ عَلَيْهِنَّ بِلَا خِلَافٍ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ كَشْفُ ذَلِكَ لِشَهَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا إظْهَارُ شُخُوصِهِنَّ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ إلَّا لِضَرُورَةِ خُرُوجِهِنَّ لِلْبِرَازِ ( فَائِدَةٌ ) ذَكَرَ الْبَغَوِيّ عَنْ الْخَطَّابِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّاتِ وَلِلْمُعْتَدَّةِ السُّكْنَى فَجَعَلَ لَهُنَّ سُكْنَى الْبُيُوتِ مَا عِشْنَ وَلَا يَمْلِكْنَ رِقَابَهَا ( وَأَفْضَلُهُنَّ خَدِيجَةُ ) لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ } ، وَلِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ لِعَائِشَةَ - حِينَ قَالَتْ لَهُ : قَدْ رَزَقَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا لَا - : وَاَللَّهِ مَا رَزَقَنِي خَيْرًا مِنْهَا آمَنَتْ بِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَأَعْطَتْنِي مَالَهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ } وَسُئِلَ ابْنُ دَاوُد أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ عَائِشَةُ أَقْرَأَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ مِنْ جِبْرِيلَ وَخَدِيجَةَ أَقْرَأَهَا جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ فَهِيَ أَفْضَلُ فَقِيلَ لَهُ فَمَنْ أَفْضَلُ خَدِيجَةُ أَمْ فَاطِمَةُ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي وَلَا أَعْدِلُ بِبِضْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَحَدًا ( ثُمَّ عَائِشَةُ ) لِخَبَرِ فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ، وَخَبَرِ سَأَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيْك قَالَ عَائِشَةُ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَهُمَا مَخْصُوصَانِ بِمَا مَرَّ .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَةَ وَيُخَالِفُهُ مَا مَرَّ آنِفًا وَقَدْ سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ أَنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ ثُمَّ أُمُّهَا خَدِيجَةُ ثُمَّ عَائِشَةُ ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ بَعْضُهُ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ عِنْدَمَا سَارَّهَا ثَانِيًا عِنْدَ مَوْتِهِ أَمَا تَرْضِينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إلَّا مَرْيَمَ ، وَأَمَّا خَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ { خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ثُمَّ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ } فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ خَدِيجَةَ إنَّمَا فُضِّلَتْ عَلَى فَاطِمَةَ بِاعْتِبَارِ الْأُمُومَةِ لَا بِاعْتِبَارِ السِّيَادَةِ ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّ مَرْيَمَ أَفْضَلُ مِنْ خَدِيجَةَ لِهَذَا الْخَبَرِ وَلِلِاخْتِلَافِ فِي نُبُوَّتِهَا ، وَقِيلَ : عَائِشَةُ أَفْضَلُ مِنْ خَدِيجَةَ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ .
( وَهُوَ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ) قَالَ تَعَالَى { وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } وَلَا يُعَارِضُهُ مَا ثَبَتَ مِنْ نُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ آخِرِ الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ بَلْ مُقَرِّرَةٌ لِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِلًا بِهَا ( وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَنَوْعُ الْآدَمِيِّ أَفْضَلُ الْخَلْقِ فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ { لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ } وَقَوْلُهُ { لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ } وَنَحْوِهِمَا فَأُجِيبُ

عَنْهَا بِأَنَّهُ نَهَى عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِ بَعْضِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ أَوْ عَنْ تَفْضِيلٍ فِي نَفْسِ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ لَا فِي ذَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَفَاوِتِينَ بِالْخَصَائِصِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهَ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } أَوْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ تَأَدُّبًا وَتَوَاضُعًا أَوْ نَهَى عَنْهُ قَبْلَ عِلْمِهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَلِهَذَا لَمَّا عَلِمَ قَالَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَتَبِعَ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ الْخَبَرَ فِي التَّعْبِيرِ بِسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ سَيِّدُ آدَمَ وَوَلَدِهِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ كَمَا مَرَّ .
( وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا خَبَرُ { فَإِذَا مُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ } فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ ( وَ ) أَوَّلُ ( مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَ ) أَوَّلُ ( مُشَفَّعٍ ) أَيْ مَنْ تُجَابُ شَفَاعَتُهُ رَوَاهَا مُسْلِمٌ ( وَأُمَّتُهُ خَيْرُ الْأُمَمِ ) لِآيَةِ { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } وَشُهَدَاءَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى الْأُمَمِ بِتَبْلِيغِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ رِسَالَتَهُ لِآيَةِ { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } ( مَعْصُومَةٌ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ ) وَيُحْتَجُّ بِإِجْمَاعِهَا لِخَبَرِ { لَا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( وَصُفُوفُهُمْ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَشَرِيعَتُهُ مُؤَبَّدَةٌ وَنَاسِخَةٌ لِغَيْرِهَا ) مِنْ الشَّرَائِعِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَقَدْ أَمَرَ بِتَرْكِ شَرَائِعِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ( وَمُعْجِزَتُهُ بَاقِيَةٌ وَهِيَ الْقُرْآنُ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَكِتَابُهُ مُعْجِزٌ مَحْفُوظٌ عَنْ التَّحْرِيفِ

وَالتَّبْدِيلِ وَأُقِيمَ بَعْدَهُ حُجَّةً عَلَى النَّاسِ وَمُعْجِزَاتُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ فَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ عَنْهَا إلَى مَا قَالَهُ الْمُفِيدُ لِحَصْرِ بَقَاءِ مُعْجِزَتِهِ فِي الْقُرْآنِ قَدْ يُقَالُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمُعْجِزَةَ الْكُبْرَى فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَمَمْنُوعٌ إذْ لَهُ مُعْجِزَاتٌ أُخَرُ بَاقِيَةٌ كَقَوْلِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ : { لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ } ، وَقَوْلُهُ : { لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا } ، وَقَوْلُهُ : { إنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ } وَمِنْهَا مَا يَظْهَرُ مِنْ كَرَامَاتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ أُمَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ مُعْجِزَاتٌ لَهُ وَهُوَ الْحَقُّ ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ مُعْجِزَتَهُ الَّتِي ظَهَرَتْ وَبَقِيَتْ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَمْ تَظْهَرْ بَعْدُ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَكَانَ سُكُوتُهُ حُجَّةً عَلَى جَوَازِ مَا رَأَى وَلَمْ يُنْكِرْهُ بِخِلَافِ سُكُوتِ غَيْرِهِ .
{ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لَهُ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا وَأُحِلَّتْ لَهُ الْغَنَائِمُ } رَوَاهَا الشَّيْخَانِ إلَّا قَوْلَهُ : { وَتُرَابُهَا طَهُورًا } فَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى اخْتِصَاصِهِ بِمَا عَدَا الْأُولَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ وَإِلَّا فَأُمَّتُهُ مُشَارِكَةٌ لَهُ فِيهِ ( وَلَمْ يُورَثْ وَتَرِكَتُهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ) لَا يَخْتَصُّ بِهَا الْوَارِثُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ } وَمَعْنَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأُمَمِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ وَإِلَّا فَالْأَنْبِيَاءُ يُشَارِكُونَهُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْك وَلِيًّا يَرِثُنِي } وَقَوْلُهُ { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد } فَالْمُرَادُ الْإِرْثُ فِي النُّبُوَّةِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ .
(

وَأُكْرِمَ بِالشَّفَاعَاتِ الْخَمْسِ ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأُولَى : الْعُظْمَى فِي الْفَصْلِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ حِينَ يَفْزَعُونَ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ ، الثَّانِيَةُ : فِي إدْخَالِ خَلْقِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، الثَّالِثَةُ : فِي نَاسٍ اسْتَحَقُّوا دُخُولَ النَّارِ فَلَا يَدْخُلُونَهَا ، الرَّابِعَةُ : فِي نَاسٍ دَخَلُوا النَّارَ فَيَخْرُجُونَ ، الْخَامِسَةُ : فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ نَاسٍ فِي الْجَنَّةِ وَكُلُّهَا ثَبَتَتْ فِي الْأَخْبَارِ ( وَخُصَّ ) مِنْهَا ( بِالْعُظْمَى وَدُخُولِ خَلْقٍ مِنْ أَمَتَهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) وَهِيَ الثَّانِيَةُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خُصَّ بِالثَّالِثَةِ وَالْخَامِسَةِ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : إنَّ شَفَاعَتَهُ لِإِخْرَاجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إيمَانٍ مُخْتَصَّةٌ بِهِ ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ السِّرَاجُ بْنُ الْمُلَقِّنِ : وَمِنْ شَفَاعَتِهِ أَنْ يَشْفَعَ لِمَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَمِنْهَا تَخْفِيفُ الْعَذَابِ عَمَّنْ اسْتَحَقَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ كَأَبِي طَالِبٍ وَهَاتَانِ نَبَّهَ عَلَيْهِمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَفِي الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لِلْقَزْوِينِيِّ أَنَّهُ يَشْفَعُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ صُلَحَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَتَجَاوَزُ عَنْهُمْ فِي تَقْصِيرِهِمْ فِي الطَّاعَاتِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَشْفَعُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ .
( وَأُرْسِلَ إلَى الْكَافَّةِ ) مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرِسَالَةٌ غَيْرِهِ خَاصَّةٌ وَأَمَّا عُمُومُ رِسَالَةِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَان فَلِانْحِصَارِ الْبَاقِينَ فِيمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ ( وَهُوَ أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ اتِّبَاعًا وَكَانَ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي } وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي خَبَرِ الْإِسْرَاءِ عَنْ أَنَسٍ { وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ } ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُ فِي هَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ : فَإِنْ قِيلَ : هَذَا مُخَالِفٌ

لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ } وَلَوْ كَانَ غَيْرَ نَائِمِ الْقَلْبِ لَمَا تَرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَلْبَ يَقْظَانُ يُحِسُّ بِالْحَدَثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَيَشْعُرُ بِهِ الْقَلْبُ وَلَيْسَ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَالْفَجْرِ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ ، وَالثَّانِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمَانِ أَحَدُهُمَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَعَيْنُهُ وَالثَّانِي عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ فَكَانَ نَوْمُ الْوَادِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ ( وَيَرَى مَنْ خَلْفَهُ ) كَمَا يَرَى مَنْ أَمَامَهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِيهِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ لِقَوْلِهِ لَا أَعْلَمُ مَا وَرَاءَ جِدَارِي هَذَا ، كَذَا قِيلَ فَإِنْ أَرَادَ قَائِلُهُ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ لِمَفْهُومِهِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ كَانَ يَرَى مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ وَقِيَاسُ الْجِدَارِ عَلَى جَسَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسِدٌ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَيْنَانِ مِثْلُ سَمِّ الْخِيَاطِ فَكَانَ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلَا تَحْجُبُهُمَا الثِّيَابُ ( وَتَطَوُّعُهُ قَاعِدًا كَقَائِمٍ ) أَيْ كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ وَتَطَوُّعُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ عَلَى النِّصْفِ كَمَا مَرَّ رَوَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ ( وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ خَاطَبَهُ بِالسَّلَامِ ) فِي نَحْوِ قَوْلِهِ : السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ .
( وَيَحْرُمُ رَفْعُ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ ) لِآيَةِ { لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ نِسْوَةً كُنَّ يُكَلِّمْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ

فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ انْتَهَى وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ احْتِمَالًا فَقَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ النَّهْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُلُوَّ الصَّوْتِ كَانَ بِالْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ لَا بِانْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُنَّ قُلْت وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُنَّ النَّهْيُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ رَفْعَهُ عِنْدَ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَ ) يَحْرُمُ ( نِدَاؤُهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ) لِآيَةِ { إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ } أَيْ حُجُرَاتِ نِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَ ) نِدَاؤُهُ ( بِاسْمِهِ ) كَيَا مُحَمَّدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ بَلْ يُنَادَى بِوَصْفِهِ كَيَا نَبِيَّ اللَّهِ وَأَمَّا خَبَرُ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ جَاءَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُك فَزَعَمَ لَنَا أَنَّك تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَك الْحَدِيثَ فَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَيَحْرُمُ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ وَهِيَ أَبُو الْقَاسِمِ وَلَوْ لِغَيْرِ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي } وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا .
( وَالنَّهْيُ عَنْ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ ) عَلَى هَذَا ( مُخْتَصٌّ بِزَمَنِهِ ) لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ سَبَبِ النَّهْيِ وَهُوَ أَنَّ الْيَهُودَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِهِ وَكَانُوا يُنَادُونَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَإِذَا الْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لَمْ نَعْنِك إظْهَارًا لِلْإِيذَاءِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَهَذَا أَقْرَبُ الْمَذَاهِبِ بَعْدَ أَنْ حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا قَدَّمْته عَنْهُ وَعَنْ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ فِيمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَضَعَّفَهُ وَمَا قَالَ أَنَّهُ أَقْرَبُ أَخْذًا مِنْ سَبَبِ النَّهْيِ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ مَعَ أَنَّهُ

مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ بَلْ الْأَقْرَبُ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّهُ الصَّوَابُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ وَخَبَرِ { مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي فَلَا يَكْتَنِي بِكُنْيَتِي وَمَنْ تَكَنَّى بِكُنْيَتِي فَلَا يَتَسَمَّى بِاسْمِي } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادَهُ .
وَأَمَّا تَكْنِيَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَدَهُ مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ بِذَلِكَ فَرُخْصَةٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ { عَائِشَةَ قَالَتْ : جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ وَلَدْت غُلَامًا فَسَمَّيْته مُحَمَّدًا وَكَنَّيْته أَبَا الْقَاسِمِ فَذُكِرَ لِي أَنَّكَ تَكْرَهُ ذَلِكَ فَقَالَ مَا الَّذِي أَحَلَّ اسْمِي وَحَرَّمَ كُنْيَتِي أَوْ مَا الَّذِي حَرَّمَ كُنْيَتِي وَأَحَلَّ اسْمِي } ، فَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ : يُشْبِهُ إنْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ النَّهْيِ ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ أَصَحُّ انْتَهَى وَلَا حَاجَةَ فِي جَوَابِهِ هَذَا إلَى مَا عَلَّلَ بِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَ عَنْ التَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِ مَعَ وُجُودِ الْإِيذَاءِ بِالنِّدَاءِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُنَادَى بِهِ غَالِبًا وَلَوْ نُودِيَ بِهِ لَمْ يَجِبْ إلَّا لِضَرُورَةٍ .
( وَتَجِبُ إجَابَتُهُ فِي الصَّلَاةِ ) عَلَى مَنْ دَعَاهُ وَهُوَ فِيهَا ( وَلَا تَبْطُلُ ) بِهَا لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَادَى أَبَا سَعِيدِ بْنَ الْمُعَلَّى فَلَمْ يُجِبْهُ لِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ لَهُ : مَا مَنَعَك أَنْ تَسْتَجِيبَ وَقَدْ سَمِعْت قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ } } وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الْإِجَابَةَ بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَثُرَ فَتَجِبُ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ .
( وَكَانَ

يُتَبَرَّكُ وَيُسْتَشْفَى بِبَوْلِهِ وَدَمِهِ ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ { أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ فَقَالَ إذًا لَا تَلِجُ النَّارُ بَطْنَك } لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ { أَنَّ غُلَامًا حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حِجَامَتِهِ شَرِبَ دَمَهُ فَقَالَ وَيْحَك مَا صَنَعْت بِالدَّمِ قَالَ غَيَّبْته فِي بَطْنِي قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ أَحْرَزْت نَفْسَك مِنْ النَّارِ } ، قَالَ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ آنِفًا : وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ مَا صَنَعَهُ الْمَلَكَانِ مِنْ غَسْلِهِمَا جَوْفَهُ ( وَمَنْ زَنَى بِحَضْرَتِهِ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ كَفَرَ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَفِي الزِّنَا نَظَرٌ ( وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ ) فِي الْكَفَاءَةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ أَوْلَادِ بَنَاتِ غَيْرِهِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ } وَقَوْلُهُ حِينَ بَالَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَغِيرٌ { لَا تَزْرِمُوا ابْنِي هَذَا } قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي } قِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّ أُمَّتَهُ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأُمَمَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِمْ ، وَقِيلَ : يُنْتَفَعُ يَوْمَئِذٍ بِالِانْتِسَابِ إلَيْهِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِسَائِرِ الْأَنْسَابِ .
( وَتَحِلُّ لَهُ الْهَدِيَّةُ ) مُطْلَقًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُ دُونَهُمْ ( وَأُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ) وَمِنْهُ الْقُرْآنُ ، وَأُوتِيَ الْآيَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ ( وَكَانَ يُؤْخَذُ عَنْ نَفْسِهِ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ عَنْ الدُّنْيَا ( عِنْدَ ) تَلَقِّي ( الْوَحْيِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَفَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ وَاظَبَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ

وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَلَا يَجُوزُ الْجُنُونُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ ) يَجُوزُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فِي لَحْظَةٍ أَوْ لَحْظَتَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي عَنْ الدَّارَكِيِّ ( وَلَا ) يَجُوزُ ( الِاحْتِلَامُ ) عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ ( وَرُؤْيَتُهُ فِي النَّوْمِ حَقٌّ ) فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ( وَلَا يُعْمَلُ بِهَا ) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ ( لِعَدَمِ ضَبْطِ النَّائِمِ ) لَا لِلشَّكِّ فِي رُؤْيَتِهِ .
( وَلَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ ( وَالْكَذِبُ عَلَيْهِ عَمْدًا كَبِيرَةٌ ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا يَكْفُرُ فَاعِلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَخَصَائِصُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ فَمِنْهَا مَا قَدَّمْته وَمِنْهَا أَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ بَعْدَ الْأَمَانِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ لَكِنْ غَلَّطُوهُ فِيهِ وَأَنَّهُ صَلَّى بِالْأَنْبِيَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِيَظْهَرَ أَنَّهُ إمَامُ الْكُلِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَكَانَ أَبْيَضَ الْإِبْطِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ لِلشَّعْرِ وَكَانَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ إذْ لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ يَسْتَدْرِكُ خَطَأَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ، وَيَبْلُغُهُ سَلَامُ النَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ بِالْأَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَانَ إذَا مَشَى فِي الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ لَا يَظْهَرُ لَهُ ظِلٌّ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَجِهَاتِهِ نُورًا وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ وَاجْعَلْنِي نُورًا وَلَا يَقَعُ مِنْهُ الْإِيلَاءُ وَلَا الظِّهَارُ ؛ لِأَنَّهُمَا حَرَامَانَ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَيَسْتَحِيلُ اللِّعَانُ فِي حَقِّهِ وَنَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الذُّبَابُ وَلَا يَمْتَصُّ دَمَهُ

الْبَعُوضُ ( وَذِكْرُ الْخَصَائِصِ مُسْتَحَبٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ بَلْ لَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِئَلَّا يَرَى جَاهِلٌ بَعْضَ الْخَصَائِصِ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ فَيَعْمَلُ بِهِ أَخْذًا بِأَصْلِ التَّأَسِّي فَوَجَبَ بَيَانُهَا لِتُعْرَفَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ أَهَمُّ مِنْ هَذِهِ فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ مَنَعَ الْكَلَامَ فِيهَا مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ أَمْرٌ انْقَضَى فَلَا مَعْنَى لِلْكَلَامِ فِيهَا

( الرَّابِعُ الْفَضَائِلُ وَالْإِكْرَامُ ) ( قَوْلُهُ وَهِيَ تَحْرِيمُ زَوْجَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ) أَمَّا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا تَحْرُمُ أَزْوَاجُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قَالَهُ الْقُضَاعِيُّ فِي عُيُونِ الْمَعَارِفِ قَالَ شَيْخُنَا الْأَقْرَبُ عَدَمُ حُرْمَتِهِنَّ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَحُرْمَتُهُنَّ عَلَى غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ زَوْجَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ( قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ) وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِلَّا لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ غَرَضِهَا فِي زِينَةِ الدُّنْيَا وَلَمَا كَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا ، وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ تَحْرِيمُ نِكَاحِ مُفَارِقَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ بِاخْتِيَارِهَا فِرَاقَهُ وَقَبْلَ الدُّخُولِ ا هـ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ( قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ أَكُنَّ مَوْطُوآتٍ أَمْ لَا ) وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَظْهَرُ بِتَحْرِيمِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقَطْ ( قَوْلُهُ وَتَفْضِيلُ زَوْجَاتِهِ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ ) يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ سَيِّدَتُنَا فَاطِمَةُ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْهُنَّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي وَلَا يَعْدِلُ بِبَضْعَةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي خَيْرَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ( قَوْلُهُ وَعِقَابُهُنَّ مُضَاعَفٌ ) فَحَدُّهُنَّ مِثْلَا حَدِّ غَيْرِهِنَّ لِكَمَالِهِنَّ وَفَضْلِهِنَّ كَمَا جُعِلَ حَدُّ الْحُرِّ مِثْلَا حَدِّ الْعَبْدِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ قَالَ النَّاشِرِيُّ : وَعَلَى ذِكْرِك أَنَّ فُرُشَ الْأَنْبِيَاءِ مَحْفُوظَةٌ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَمَا عَلِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بَعْدَ قِصَّةِ الْإِفْكِ ( قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ لِبَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ إلَخْ ) لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمَا جَازَ التَّزَوُّجُ بِهِنَّ وَالثَّانِي أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَكُونُ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ وَلَمْ يَرِدْ ر ( قَوْلُهُ

فَقِيلَ لَهُ فَمَنْ أَفْضَلُ خَدِيجَةُ أَمْ فَاطِمَةُ إلَخْ ) وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ لَا أُفَضِّلُ عَلَى بِضْعَةٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي خَيْرَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ( قَوْلُهُ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ) قِيلَ لَمْ يُرِدْ عَيْنَ الثَّرِيدِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّعَامَ الْمُتَّخَذَ مِنْ اللَّحْمِ وَالثَّرِيدِ مَعًا ؛ لِأَنَّ الثَّرِيدَ غَالِبًا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ لَحْمٍ نِهَايَةٌ .
( قَوْلُهُ وَقَدْ سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الَّذِي نَخْتَارُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّ مَرْيَمَ أَفْضَلُ مِنْ خَدِيجَةَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ وَقِيلَ عَائِشَةُ أَفْضَلُ مِنْ خَدِيجَةَ ) قَالَ الْمُحَقِّقُونَ كُلُّ مَسْأَلَةٍ إنْ كُلِّفَ فِيهَا بِالْعِلْمِ فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ فِيهَا بِالظَّنِّ وَإِلَّا جَازَ كَالتَّفَاضُلِ بَيْنَ فَاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ ( قَوْلُهُ أَوْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ تَأَدُّبًا وَتَوَاضُعًا ) أَوْ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْخُصُومَةِ ( قَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ ) لَا يَتَأَتَّى هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا يَقَعُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كا ( قَوْلُهُ وَأَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِأُمَّتِهِ هَلْ هِيَ أَوَّلُ الْأُمَمِ دُخُولًا الْجَنَّةَ وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ دُخُولِ الْأَنْبِيَاءِ الْجَنَّةَ هَلْ كُلُّ نَبِيٍّ بِأُمَّتِهِ أَوْ الْأَنْبِيَاءُ جَمِيعُهُمْ ثُمَّ أُمَمُهُمْ ؟ فَأَجَابَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَدْخُلُونَهَا أَوَّلًا وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ أُمَّتَهُ تَدْخُلُ أَوَّلَ الْأُمَمِ قُلْت أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَنَّ { الْجَنَّةَ حُرِّمَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ حَتَّى أَدْخُلَهَا وَحُرِّمَتْ عَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتِي } ر ( قَوْلُهُ وَتَرِكَتُهُ صَدَقَةٌ

عَلَى الْمُسْلِمِينَ ) قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ الصَّوَابُ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ عَلَى زَوْجَاتِهِ كَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ، وَقَالَ ابْنُ النَّحْوِيِّ فِي كِتَابِهِ الْخَصَائِصُ هَلْ يَرِثُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا لَكِنْ فِي كِتَابِ مُشْكِلِ الْحَدِيثِ فِي أَوَاخِرِهِ قَالَ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُورَثُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ بَعْدَ أَنْ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ وِرَاثَةُ أَبَوَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ .
ا هـ .
وَفِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّ مَوْلًى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَلَدًا وَلَا حَمِيمًا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُعْطُوا مِيرَاثَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ } قَالَ الشَّارِحُ إنَّمَا أَمَرَ أَنْ يُعْطَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ تَصَدُّقًا مِنْهُ أَوْ تَرَفُّعًا أَوْ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَمَصْرِفُهُ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ وَصَدَقَاتِهِمْ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَمَا لَا يُورَثُ عَنْهُمْ لَا يَرِثُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ .
وَقَالَ الْقَلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيضَاحِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يَرِثُونَ وَلَا يُورَثُونَ ، وَقَوْلُهُ قَالَ الْقَلَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ الثَّالِثَةُ فِي نَاسٍ اسْتَحَقُّوا دُخُولَ النَّارِ إلَخْ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَيُشْرِكُهُ فِيهَا مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَمِنْ شَفَاعَاتِهِ أَنْ يَشْفَعَ لِمَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ إلَخْ ) وَأَنْ يَشْفَعَ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ لِخَبَرِ الْقَبْرَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ( قَوْلُهُ وَمِنْهَا تَخْفِيفُ الْعَذَابِ عَمَّنْ اسْتَحَقَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ إلَخْ ) وَجَعَلَ ابْنُ دِحْيَةَ مِنْهُ التَّخْفِيفَ عَنْ أَبِي لَهَبٍ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ لِسُرُورِهِ بِوِلَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعْتَاقِهِ ثُوَيْبَةَ حِينَ بَشَّرَتْهُ ر ( قَوْلُهُ مِنْ

الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لَا الْمَلَائِكَةِ ) خِلَافًا لِابْنِ حَزْمٍ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } وَالْعَالَمُ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ فَكَانَ نَوْمُ الْوَادِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ ) وَهَذَا بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي إذْ كُلُّ نَوْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِعَيْنَيْهِ دُونَ قَلْبِهِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَحْوَالِ ر ( قَوْلُهُ قُلْت وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُنَّ النَّهْيُ ) لَا يَتَأَتَّى هَذَا الِاحْتِمَالُ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَهُنَّ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى مُنْكَرٍ ( قَوْلُهُ وَنِدَاءٌ بِاسْمِهِ ) شَمِلَ نِدَاؤُهُ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، أَمَّا لَوْ قَالَ يَا مُحَمَّدُ الشَّفَاعَةُ أَوْ الْوَسِيلَةُ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّا يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ فَلَا يَحْرُمُ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا تَحْرِيمَ نِدَائِهِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } وَبِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ تَعْظِيمِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ مُنْتَفٍ فِي مَسْأَلَتِنَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَقَوْلُهُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي زِيَادَةَ تَعْظِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدٌ أَتَوَجَّهُ بِك إلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي إلَى آخِرِهِ .
( قَوْلُهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ آنِفًا وَعَلَى هَذَا فَلَا يُنَادَى بِكُنْيَتِهِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَسْلَمَ قَائِلُهُ أَوْ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ النِّدَاءَ بِالْكُنْيَةِ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ مَمْنُوعٌ إذْ التَّكْنِيَةُ تَعْظِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى

الْجَوَابِ عَنْ حِكْمَةِ تَكْنِيَةِ عَبْدِ الْعُزَّى فِي قَوْله تَعَالَى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْكُنْيَةَ ؛ لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ فَالْأَوْجَهُ جَوَازُ نِدَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُنْيَتِهِ وَإِنْ كَانَ نِدَاؤُهُ بِوَصْفِهِ أَعْظَمَ ش وَأَمَّا مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ عَنْ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَإِذَا الْتَفَتَ قَالُوا لَمْ نَعْنِك فَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ دَلَالَتِهِ عَلَى نِدَائِهِ بِكُنْيَتِهِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ اطَّلَعَ عَلَى السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ نُزُولَ آيَةِ النُّورِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ نُزُولَ سُورَةِ النُّورِ كَانَ بَعْدَ غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ سَنَةَ سِتٍّ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَذَلَّ اللَّهُ الْيَهُودَ وَأَرَاحَ مِنْهُمْ الْمَدِينَةَ ش وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُنَادَى بِكُنْيَتِهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ ) هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي يُرَدُّ بِمِثْلِ مَا مَرَّ ( قَوْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْرُمُ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَتَجِبُ إجَابَتُهُ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ ) أَمَّا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا تَجِبُ إجَابَتُهُمْ قَوْلُهُ فَيَجِبُ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ ) سُئِلَ ابْنُ ظَهِيرَةَ عَنْ أَوْلَادِ بَنَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ فَاطِمَةَ هَلْ لَهُمْ رُتْبَةُ الشَّرَفِ وَهَلْ يَكُونُونَ وَأَوْلَادَ فَاطِمَةَ سَوَاءً فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ أَمْ لَا ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الشَّرَفَ إنَّمَا هُوَ فِي وَلَدِ فَاطِمَةَ دُونَ سَائِرِ بَنَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُنَّ عَقَبٌ إلَّا فَاطِمَةُ وَالشَّرَفُ مُخْتَصٌّ بِأَوْلَادِهَا الذُّكُورِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَمُحْسِنٍ فَأَمَّا مُحْسِنٌ فَمَاتَ صَغِيرًا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَقَبُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ

وَإِنَّمَا اخْتَصَّا بِالشَّرَفِ هُمَا وَذُرِّيَّتُهُمَا لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا كَوْنُ أُمِّهِمَا أَفْضَلُ بَنَاتِهِ وَكَوْنُهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِ وَسَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهَا بِضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا وَكَوْنُهَا أَشْبَهَ بَنَاتِهِ بِهِ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ حَتَّى فِي الْجَنَّةِ ، وَمِنْهَا إكْرَامُهُ لَهَا حَتَّى أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ إلَيْهِ قَامَ لَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لِسِرٍّ أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِيهَا وَمِنْهَا كَوْنُهُمَا شَارَكَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَسَبِهِ فَإِنَّهُمَا هَاشِمِيَّانِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُمَا وَكَوْنُهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ .
( قَوْلُهُ قَالَهُ الْقَاضِي عَنْ الدَّارَكِيِّ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إنَّهُ بَاطِلٌ ( قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ إلَخْ ) وَمِنْهَا كُلُّ مَوْضِعٍ صَلَّى فِيهِ وَضَبَطَ مَوْقِفَهُ فَهُوَ نَصٌّ بِمَعْنَى لَا يَجْتَهِدُ فِيهِ بِتَيَامُنٍ وَلَا تَيَاسُرٍ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمَحَارِيبِ ، وَمِنْهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ مِنْ آدَمَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ كَمَا عَلَّمَ آدَمَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ ذَكَرَهُ الْإسْفَرايِينِيّ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ وَمِنْهَا كَانَ لَا يَتَثَاءَبُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ مُرْسَلًا وَفِي كِتَابِ الْأَدَبِ تَعْلِيقًا ، وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا تَثَاءَبَ نَبِيٌّ قَطُّ وَأَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ ، وَمِنْهَا سُئِلَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ عَمَّا كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَبْتَلِعُهُ الْأَرْضُ فَقَالَ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ غَرِيبٍ وَالظَّاهِرُ مُؤَيِّدُهُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ رَآهُ وَلَا ذَكَرَهُ أَمَّا الْبَوْلُ فَقَدْ شَاهَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَشَرِبَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ ، وَمِنْهَا

أَنَّ مَنْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ حَرَجٌ مِنْ حُكْمِهِ كَفَرَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ ذَكَرَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ ر .
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَإِنَّمَا صَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ إرْسَالًا الرِّجَالُ حَتَّى إذَا فَرَغُوا دَخَلَ النِّسَاءُ حَتَّى إذَا فَرَغْنَ دَخَلَ الصِّبْيَانُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ أَوْصَى بِالصَّلَاةِ فُرَادَى رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مُسْنَدًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَمِنْ خَصَائِصِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ ذَكَرَهُ الْقُضَاعِيُّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّحْوِيِّ فِي خَصَائِصِهِ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ هَلْ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ عَلَى صُوَرِهِمْ أَوْ هَذَا خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِ قَطْعًا وَلَا عَلَى الْعُمُومِ قَطْعًا وَلَا هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ وَلَا بِالْعَقْلِ ، وَمَا عُلِمَ مِنْ عُلُوِّ مَكَانَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْعِنَايَةَ تَعُمُّهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ عُصِمُوا مِنْ تَعَرُّضِ الشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِصُوَرِهِمْ ، وَقَالَ فِي كِتَابِ آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ عَلَى صُورَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَتَمَثَّلَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجْدَرُ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَاهُ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ حَقًّا وَأَنْ تَكُونَ تَخْلِيطًا مِنْ الشَّيْطَانِ هَذَا عَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ أُخْرَى مِنْ الْعُلَمَاءِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْعِصْمَةَ مِنْ تَصَوُّرِ الشَّيْطَانِ وَتَمْثِيلِهِ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ بَشَرٌ يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّصَوُّرُ يَصْرِفُ اللَّهُ الشَّيْطَانَ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِهِ لِئَلَّا يَخْلِطَ رُؤْيَاهُ بِالرُّؤْيَا

الْكَاذِبَةِ

( الْبَابُ الثَّانِي فِي مُقَدَّمَاتِ النِّكَاحِ ) ( وَهُوَ لِلتَّائِقِ ) أَيْ الْمُحْتَاجِ لَهُ وَلَوْ خَصِيًّا ( الْقَادِرِ ) عَلَى مُؤَنِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَكِسْوَةِ فَصْلِ التَّمْكِينِ وَنَفَقَةِ يَوْمِهِ ( أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ ) وَإِنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا تَحْصِينًا لِلدِّينِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ النَّسْلِ وَحِفْظِ النَّسَبِ وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى الْمَصَالِحِ ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ } بِالْمَدِّ أَيْ قَاطِعٌ لِلشَّهْوَةِ .
وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ لُغَةً : الْجِمَاعُ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ذَلِكَ ، وَقِيلَ : مُؤَنُ النِّكَاحِ ، وَالْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ رَدَّهُ إلَى مَعْنَى الثَّانِي إذْ التَّقْدِيرُ عِنْدَهُ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهُ لِعَجْزِهِ عَنْهَا فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاعَ لِعَدَمِ شَهْوَتِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } إذْ الْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ بِالِاسْتِطَابَةِ وَلِقَوْلِهِ { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وَلَا يَجِبُ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } .
( وَالْعَاجِزُ ) عَنْ مُؤَنِهِ ( يَصُومُ ) أَيْ الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ النِّكَاحَ وَيَكْسِرَ شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَالْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِرْشَادِ وَبَالَغَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ يُكْرَهُ لَهُ النِّكَاحُ ( فَإِنْ لَمْ تَنْكَسِرْ شَهْوَتُهُ إلَّا بِكَافُورٍ وَنَحْوِهِ تَزَوَّجَ ) وَلَا يَكْسِرُهَا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاخْتِصَاءِ ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ : يُكْرَهُ أَنْ يَحْتَالَ لِقَطْعِ شَهْوَتِهِ ( وَالْقَادِرُ ) عَلَى مُؤَنِهِ ( غَيْرُ التَّائِقِ ) وَلَا عِلَّةَ بِهِ ( إنْ تَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ ) أَيْ

التَّخَلِّي لَهَا ( أَفْضَلُ ) مِنْ النِّكَاحِ إنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا اهْتِمَامًا بِهَا ( وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ ) أَفْضَلُ لَهُ مِنْ تَرْكِهِ لِئَلَّا تُفْضِيَ بِهِ الْبِطَالَةُ إلَى الْفَوَاحِشِ

( الْبَابُ الثَّانِي فِي مُقَدِّمَاتِ النِّكَاحِ ) ( قَوْلُهُ وَهُوَ لِلتَّائِقِ الْقَادِرِ إلَخْ ) قَدْ لَا يُسْتَحَبُّ النِّكَاحُ لِلْقَادِرِ التَّائِقِ لِعَارِضٍ بِأَنْ كَانَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ فِيهَا لِخَوْفِ الْكُفْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ عَلَى وَلَدِهِ بِأَنْ تُسْتَرَقَّ الزَّوْجَةُ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ وَلَا تُصَدَّقَ فِي أَنَّ حَمْلَهَا مِنْ مُسْلِمٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّسَرِّي وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ يُكْرَهُ نِكَاحُ الْحَرْبِيَّةِ وَتَعْلِيلُهُمْ بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَالْبَاءُ بِالْمَدِّ لُغَةً الْجِمَاعُ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْبَاءَةُ بِالْمَدِّ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُؤَنِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأُهْبَةِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ { مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا طَوْلٍ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ } وَأَمَّا الْبَاءُ بِالْقَصْرِ فَهِيَ الْوَطْءُ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ إلَخْ ) يَجِبُ النِّكَاحُ إذَا خَافَ مِنْ الزِّنَا ذَكَرَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ تُوجِبُ هَلَاكَهُ لَوْ لَمْ يَطَأْ بِقَوْلِ طَبِيبَيْنِ مَقْبُولَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ مَا يَتَسَرَّى بِهِ وَوَجَدَ طَوْلَ حُرَّةٍ ، وَقَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْجُوَيْنِيُّ أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَصْحِيحِهِ وَكُتِبَ عَلَيْهِ أَيْ وَتَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ ) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ صُورَةً يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ فَظَلَمَ وَاحِدَةً بِتَرْكِ الْقَسْمِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنْ نَوْبَةِ الضَّرَّةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا لِيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنْ نَوْبَةِ الْمَظْلُومِ بِسَبَبِهَا وَعَلَى هَذَا فَلَهَا رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ وَدَعْوَاهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَمْرُهُ بِتَوْفِيَةِ حَقِّهَا بِنَظِيرِ مَا ظَلَمَ بِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ عَزَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) فَخُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسَرِّي

وَالتَّسَرِّي لَا يَجِبُ إجْمَاعًا فَكَذَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَكْسِرُهَا بِذَلِكَ ) فُهِمَ مِنْهُ جَمْعُ تَحْرِيمِ الْكَافُورِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ وَجَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّدَاوِي بِأَدْوِيَةٍ لَا تَقْطَعُ النِّكَاحَ مُطْلَقًا بَلْ تُفَتِّرُ الشَّهْوَةَ فِي الْحَالِ وَلَوْ أَرَادَ إعَادَتَهَا بِاسْتِعْمَالِ ضِدّ تِلْكَ الْأَدْوِيَةِ لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَالْمَنْعُ عَلَى الْقَاطِعِ لَهُ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ إنْ تَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ انْقَطَعَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ عَنْ الْعِبَادَةِ فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا فَالنِّكَاحُ مُسْتَحَبٌّ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ ر فِي مَعْنَى التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ ( قَوْلُهُ كَيْ لَا تُفْضِيَ بِهِ الْبِطَالَةُ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ

( وَيُكْرَهُ نِكَاحُ عِنِّينٍ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَيُكْرَهُ لِنَحْوِ عِنِّينٍ ( وَمَمْسُوحٍ وَزَمِنٍ ) وَلَوْ وَاجِدَيْنِ مُؤَنَهُ ( وَ ) نِكَاحُ ( عَاجِزٍ ) عَنْ مُؤَنِهِ ( غَيْرِ تَائِقٍ ) لَهُ لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ مَعَ الْتِزَامِ الْعَاجِزِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَخَطَرِ الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ فِيمَنْ عَدَاهُ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ التَّائِقَةَ يُنْدَبُ لَهَا النِّكَاحُ وَفِي مَعْنَاهَا الْمُحْتَاجَةُ إلَى النَّفَقَةِ وَالْخَائِفَةِ مِنْ اقْتِحَامِ الْفَجَرَةِ يُوَافِقُهُ مَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ جَازَ لَهَا النِّكَاحُ إنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهَا النِّكَاحُ وَإِلَّا كُرِهَ فَمَا قِيلَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا ذَلِكَ .
مُطْلَقًا لَيْسَ بِشَيْءٍ
( قَوْلُهُ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ التَّائِقَةَ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ النِّسْوَةُ أَصْنَافٌ : صِنْفٌ يَتُوقُ إلَى النِّكَاحِ فَهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ النِّكَاحُ بِلَا شَكٍّ فَإِنْ خَافَتْ الْعَنَتَ جَاءَ فِيهَا وَجْهٌ بِوُجُوبِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ ، وَصِنْفٌ لَا يَتُوقُ إلَيْهِ وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَى النَّفَقَةِ وَالْمُتَّجَهُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا فَالتَّرْكُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ كَمَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ ، وَصِنْفٌ غَيْرُ تَائِقٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّفَقَةِ وَلَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ فَيَحْتَمِلُ الِاسْتِحْبَابَ لِحَاجَةِ النَّفَقَةِ وَالْمَنْعَ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ فَإِذَا تَعَارَضَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي قُدِّمَ الْمَانِعُ وَصِنْفٌ غَيْرُ تَائِقٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّفَقَةِ وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا يُتَّجَهُ فِيهِ غَيْرُ الِاسْتِحْبَابِ وَصِنْفٌ بِهِ رَتْقٌ أَوْ قَرَنٌ فَلَا يُتَّجَهُ فِيهِ سِوَى الْكَرَاهَةِ كَالْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ فَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ .
ا هـ .

( فَصْلُ الْبِكْرِ ) أَيْ نِكَاحُهَا ( أَوْلَى ) مِنْ نِكَاحِ الثَّيِّبِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ { هَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك } وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ خَبَرَ { عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا } أَيْ أَلْيَنُ كَلَامًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا أَيْ أَكْثَرُ أَوْلَادًا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ ( إلَّا لِعُذْرٍ ) كَضَعْفِ آلَتِهِ عَنْ الِافْتِضَاضِ أَوْ احْتِيَاجِهِ لِمَنْ يَقُومُ عَلَى عِيَالِهِ فَلَا يَكُونُ نِكَاحُ الْبِكْرُ أَوْلَى وَمِنْهُ مَا اتَّفَقَ لِجَابِرٍ فَإِنَّهُ { لَمَّا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَقَدَّمَ اعْتَذَرَ لَهُ فَقَالَ إنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ فَكَرِهْت أَنْ أَجْمَعَ إلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنْ امْرَأَةٌ تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْت } قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَكَمَا يُسْتَحَبُّ نِكَاحُ الْبِكْرِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ إلَّا مِنْ بِكْرٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ قَطُّ ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ جُبِلَتْ عَلَى الْإِينَاسِ بِأَوَّلِ مَأْلُوفٍ .
( وَيُسْتَحَبُّ وَلُودٌ ) وَدُودٌ لِخَبَرِ { تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْبِكْرِ وَلُودًا وَدُودًا بِأَقَارِبِهَا ( نَسِيبَةٌ ) لِخَبَرِ { تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ بَلْ يُكْرَهُ نِكَاحُ بِنْتِ الزِّنَا وَبِنْتِ الْفَاسِقِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمَا اللَّقِيطَةُ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهَا ( دَيِّنَةٌ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِحُسْنِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك } أَيْ افْتَقَرْتَ إنْ خَالَفْت مَا أَمَرْتُك بِهِ ( جَمِيلَةٌ ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ { خَيْرُ النِّسَاءِ مَنْ تَسَرُّ إذَا نَظَرْت وَتُطِيعُ إذَا أَمَرْت وَلَا تُخَالِفُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا } قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ

لَكِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَاتَ الْجَمَالِ الْبَارِعِ فَإِنَّهَا تَزْهُو بِجَمَالِهَا .
( وَكَذَا بَالِغَةٌ ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ( إلَّا لِحَاجَةٍ ) كَأَنْ لَا يُعِفُّهُ إلَّا غَيْرُهَا ( أَوْ مَصْلَحَةٍ ) كَتَزَوُّجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ ( عَاقِلَةٌ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيُتَّجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ هُنَا الْعَقْلُ الْعُرْفِيُّ وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى مَنَاطِ التَّكْلِيفِ انْتَهَى وَالْمُتَّجَهُ أَنْ يُرَادَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ( قَرَابَةٌ غَيْرُ قَرِيبَةٍ ) لِضَعْفِ الشَّهْوَةِ فِي الْقَرِيبَةِ فَيَجِيءُ الْوَلَدُ نَحِيفًا قَالَ الزَّنْجَانِيُّ وَلِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ اشْتِبَاكُ الْقَبَائِلِ لِأَجْلِ التَّعَاضُدِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي نِكَاحِ الْقَرِيبَةِ ، وَمَا ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْقَرِيبَةِ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ عَشِيرَتِهِ ، وَلَا يَشْكُلُ مَا ذُكِرَ بِتَزَوُّجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ مَعَ أَنَّهَا بِنْتُ عَمَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ ، وَلَا بِتَزَوُّجِ عَلِيٍّ فَاطِمَةَ ؛ لِأَنَّهَا بَعِيدَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إذْ هِيَ بِنْتُ ابْنِ عَمِّهِ لَا بِنْتُ عَمِّهِ ( لَا ذَاتُ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ ) فَلَا يُسْتَحَبُّ تَزَوُّجُهَا ( إلَّا لِمَصْلَحَةٍ ) كَمَا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ وَمَعَهَا وَلَدُ أَبِي سَلَمَةَ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مُطَلِّقٌ يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا ، وَأَنْ لَا تَكُونَ شَقْرَاءَ فَقَدْ أَمَرَ الشَّافِعِيُّ الرَّبِيعَ أَنْ يَرُدَّ الْغُلَامَ الْأَشْقَرَ الَّذِي اشْتَرَاهُ لَهُ وَقَالَ مَا لَقِيت مِنْ أَشْقَرَ خَيْرًا وَأَنْ تَكُونَ خَفِيفَةَ الْمَهْرِ وَأَنْ تَكُونَ ذَاتَ خُلُقٍ حَسَنٍ .
( وَأَنْ يَكْتَفِيَ بِوَاحِدَةٍ ) أَيْ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَيُقَاسُ بِالزَّوْجَةِ فِي هَذَا

السُّرِّيَّةُ ( وَ ) أَنْ ( يَتَزَوَّجَ فِي شَوَّالٍ ) وَأَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ وَدَخَلَ بِي فِي شَوَّالٍ وَأَيُّ نِسَائِهِ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْقِدَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَكُونَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ النَّهَارِ لِخَبَرِ { اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا }

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ الْبِكْرُ أَوْلَى ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي فِيمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِلَا وَطْءٍ أَوْ خُلِقَتْ بِلَا بَكَارَةٍ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي اسْتِنْطَاقِهَا وَقَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ نَسِيبَةٌ ) أَيْ طَيِّبَةُ الْأَصْلِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَيْ افْتَقَرَتَا إلَخْ ) وَقِيلَ اسْتَغْنَتَا وَقِيلَ اسْتَوَتَا ( قَوْلُهُ وَكَذَا بَالِغَةٌ إلَّا لِحَاجَةٍ إلَخْ ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا إلَّا مِنْ بَالِغٍ ( قَوْلُهُ عَامِلَةٌ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ تَدُومُ مَعَهُ الصُّحْبَةُ وَيَطِيبُ الْعَيْشُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى التَّكْلِيفِ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُرَادَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَا ذَاتُ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ ) أَوْرَدَ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ خَبَرًا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ لَا تَتَزَوَّجْ خَمْسًا لَا شَهْبَرَةَ وَلَا لَهْبَرَةَ وَلَا نَهْبَرَةَ وَلَا هَنْدَرَةَ وَلَا لَقُوتًا } فَالْأُولَى الزَّرْقَاءُ الْبَذِيَّةُ وَالثَّانِيَةُ الطَّوِيلَةُ الْمَهْزُولَةُ وَالثَّالِثَةُ الْعَجُوزَةُ الْمُدْبِرَةُ وَالرَّابِعَةُ الْقَصِيرَةُ الذَّمِيمَةُ وَالْخَامِسَةُ ذَاتُ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِك وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُ الْحَنَّانَةُ وَالْأَنَّانَةُ وَالْحَدَّاقَةُ وَالْبَرَّاقَةُ وَالشَّدَّاقَةُ وَالْمِمْرَاضَةُ ( قَوْلُهُ يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا ) أَوْ تَرْغَبُ فِيهِ ( قَوْلُهُ أَيْ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ) ثُمَّ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَتْ الَّتِي تَحْتَهُ وَلُودًا فَإِنْ كَانَتْ عَقِيمًا فَنَكَحَ أُخْرَى لِطَلَبِ الْوَلَدِ اُتُّجِهَ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ ت وَجَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ اُتُّجِهَ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَ ) أَنْ ( يَنْظُرَ كُلٌّ ) مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ( مِنْ الْآخَرِ قَبْلَ الْخِطْبَةِ ) وَبَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى نِكَاحِهِ ( غَيْرَ الْعَوْرَةِ ) الْمُقَرَّرَةِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الْحُرَّةِ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَمِنْ الْأَمَةِ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَالَ إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِمْ وَهُمَا يَنْظُرَانِهِ مِنْهُ وَالنَّوَوِيُّ إنَّمَا حَرَّمَ نَظَرَ ذَلِكَ بِلَا حَاجَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ هُنَا كَمَا سَيَأْتِي فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ { بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ وَقَدْ خَطَبَ امْرَأَةً اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا } أَيْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَبِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ جَابِرٍ { إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ } قَالَ جَابِرٌ فَخَطَبْت جَارِيَةً وَكُنْت أَتَخْبَأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخِطْبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهَا لَرُبَّمَا أَعْرَضَ عَنْ مَنْظُورِهِ فَيُؤْذِيهِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ رَغْبَةٍ فِي نِكَاحِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى النَّظَرِ قَبْلَهَا وَالْمُرَادُ بِخَطَبَ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ رَغِبَ فِي خِطْبَتِهَا بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إذَا أَلْقَى فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اسْتِحْبَابَ النَّظَرِ بِمَنْ يَرْجُو رَجَاءً ظَاهِرًا أَنَّهُ يُجَابُ إلَى خِطْبَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلِكُلٍّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْآخَرِ .
( وَإِنْ

لَمْ يَأْذَنْ ) أَيْ الْآخَرُ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ وَلِئَلَّا يَتَزَيَّنَ فَيَفُوتَ غَرَضُهُ سَوَاءٌ ( خَشِيَ فِتْنَةً أَمْ لَا ) لِغَرَضِ التَّزَوُّجِ ( وَلَهُ تَكْرِيرُهُ ) أَيْ النَّظَرِ إلَيْهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ لِتَبَيُّنِ هَيْئَتِهِ فَلَا يَنْدَمُ بَعْدَ نِكَاحِهِ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ التَّكْرَارِ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثٍ وَفِي خَبَرِ عَائِشَةَ الَّذِي تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ الرُّؤْيَةَ قَبْلَ الْخِطْبَةِ أَرَيْتُك ثَلَاثَ لَيَالٍ ( فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ ) نَظَرُهُ إلَيْهَا ( بَعَثَ امْرَأَةً ) أَوْ نَحْوَهَا ( تَتَأَمَّلُهَا وَتَصِفُهَا لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ إلَى امْرَأَةٍ وَقَالَ اُنْظُرِي عُرْقُوبَيْهَا وَشُمِّي عَوَارِضَهَا } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ { وَشُمِّي مَعَاطِفَهَا } وَتَقْيِيدُ الْبَعْثِ بِعَدَمِ التَّيَسُّرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا لَكِنَّ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْكَافِي وَالْبَسِيطِ وَغَيْرَهُمْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ لِلْمَبْعُوثِ أَنْ يَصِفَ لِلْبَاعِثِ زَائِدًا عَلَى مَا يَنْظُرُهُ هُوَ فَيَسْتَفِيدُ بِالْبَعْثِ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ بِنَظَرِهِ ( فَإِنْ لَمْ يُعْجِبْهُ سَكَتَ ) وَلَا يَقُلْ لَا أُرِيدُهَا ؛ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ وَحُكْمُ عَدَمِ تَيَسُّرِ نَظَرِهَا إلَيْهِ مَفْهُومٌ مِمَّا قَالَهُ بِالْأَوْلَى وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا يَشْمَلُهُمَا كَانَ أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ

( قَوْلُهُ وَمِنْ الْأَمَةِ ) أَيْ وَالْمُبَعَّضَةِ وَقَوْلُهُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِمْ ) بَلْ قَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلْأَمَةِ لِلتَّسَرِّي أَوْ التَّزَوُّجِ فَلَهُ النَّظَرُ إلَى الرَّأْسِ وَالذِّرَاعَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَهُمَا يَنْظُرَانِهِ مِنْهُ ) قَالَ شَيْخُنَا بَلْ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَنْظُرَا مِنْ الرَّجُلِ مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ عِنْدَ خِطْبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا النَّظَرَ مَنُوطًا بِعَوْرَةِ الصَّلَاةِ فَقَدْ قَالَ فِي الْعُبَابِ يُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ قَبْلَ الْخِطْبَةِ إنْ رَجَا الْإِجَابَةَ رَجَاءً ظَاهِرًا نَظَرُ غَيْرِ عَوْرَةِ الصَّلَاةِ مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ ( قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّهُ ذَكَرَهُ مَعَ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَبَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى نِكَاحِهِ لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّغْبَةِ الْعَزْمُ ( قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ إلَخْ ) وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ { الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا } وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ { الْمُغِيرَةِ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت لَهُ امْرَأَةً أَخْطُبُهَا فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا } ( قَوْلُهُ وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلِئَلَّا تَتَزَيَّنَ فَيَفُوتَ غَرَضُهُ ) وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ فَتَحْصُلُ النَّفْرَةُ وَيَفُوتُ الْغَرَضُ أَوْ تَخْجَلُ عِنْدَ نَظَرِهِ فَتَتَغَيَّرُ الْبَشَرَةُ عَنْ صِفَتِهَا الْخُلُقِيَّةِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ التَّكْرَارِ ) ضَبْطُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لِيَتَبَيَّنَ هَيْئَتَهُ ( قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ

بِثَلَاثٍ ) هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ بِهَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ د ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ بَعَثَ امْرَأَةً إلَخْ ) لَوْ كَانَ لِلْمَخْطُوبَةِ أَخٌ أَمْرَدُ أَوْ وَلَدٌ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رُؤْيَتُهَا وَسَمَاعُ وَصْفِهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ فَهَلْ لَهُ رُؤْيَةُ وَلَدِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ حَاجَةً أَوْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُسْنِ جَازَ لَهُ النَّظَرُ وَإِلَّا فَلَا ع ، وَقَوْلُهُ وَظَهَرَ لِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهَا ) مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا س ( قَوْلُهُ لَكِنَّ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْكَافِي وَالْبَسِيطِ وَغَيْرَهُمْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ لِلْمَبْعُوثِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَسْتَفِيدُ بِالْبَعْثِ مَا لَا يَسْتَفِيدُ بِنَظَرِهِ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَا تَصِفُ لَهُ مِنْ بَدَنِهَا إلَّا مَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْمُصَنَّفِينَ كَصَاحِبِ الْحَاوِي أَنَّهُ يَبْعَثُ امْرَأَةً تَتَأَمَّلُهَا وَتَصِفُهَا لَهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَصِفُ لَهُ مِنْهَا جَمِيعَ الْبَدَنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَصِفُ لَهُ مِنْهَا مَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حِكَايَةَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَجَانِبِ حَرَامٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فَتَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهَا } وَمِنْ هُنَا حَرُمَ نَظَرُ الذِّمِّيَّةِ إلَى الْمُسْلِمَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَتُهَا لِلْكُفَّارِ ا هـ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ يَقْتَضِي جَوَازَ حِكَايَةِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إلَخْ كَتَبَ عَلَيْهِ ضَعِيفٌ

( فَصْلٌ نَظَرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ ) فِيمَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ مِنْ نَفْسِهِ ( مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ وَعَكْسِهِ جَائِزٌ ) وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الثَّانِيَةِ { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَمَا مَرَّ وَقِيسَ بِهَا الْأُولَى وَهَذَا مَا فِي الْأَصْلِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ التَّحْرِيمُ وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ وَبِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ - الْفِتْنَةِ وَمُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ فَاللَّائِقُ بِمَحَاسِن الشَّرِيعَةِ سَدُّ الْبَابِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْوَالِ كَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَصَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ انْتَهَى وَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ أَيْ مَنْعِ الْوُلَاةِ لَهُنَّ مِمَّا ذُكِرَ لَا يُنَافِي مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا فِي طَرِيقِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهُنَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُنَّ مِنْ ذَلِكَ لَا ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِنَّ فِي ذَاتِهِ بَلْ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ وَفِي تَرْكِهِ إخْلَالٌ بِالْمُرُوءَةِ ( كَالْإِصْغَاءِ ) مِنْ الرَّجُلِ ( لِصَوْتِهَا ) فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَصَوْتُهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْأَصْلِ ( وَلِتَشَوُّشِهِ ) نَدْبًا إذَا أَقْرَعَ بَابَهَا بِأَنْ لَا تُجِيبَ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ بَلْ تُغَلِّظُ صَوْتَهَا ( بِوَضْعِ يَدِهَا ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِظَهْرِ كَفِّهَا ( عَلَى الْفَمِ ) .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَالتَّشْوِيشُ التَّخْلِيطُ أَمَّا النَّظَرُ وَالْإِصْغَاءُ لِمَا ذُكِرَ عِنْدَ

خَوْفِ الْفِتْنَةِ أَيْ الدَّاعِي إلَى جِمَاعٍ أَوْ خَلْوَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَحَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً لِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } وَقَوْلِهِ { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } وَأَمَّا نَظَرُ عَائِشَةَ إلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ إلَى لَعِبِهِمْ وَحِرَابِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَمُّدُ النَّظَرِ إلَى الْبَدَنِ ، وَإِنْ وَقَعَ بِلَا قَصْدٍ صَرَفَتْهُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَفِي التَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ خِلَافٌ تَقَدَّمَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُلْتَحَقُ بِالْإِصْغَاءِ لِصَوْتِهَا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ التَّلَذُّذُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْهَا

( قَوْلُهُ نَظَرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَوْرَتُهَا مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ كُبْرَى وَصُغْرَى فَالْكُبْرَى مَا عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَالصُّغْرَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَيَجِبُ سَتْرُ الْكُبْرَى فِي الصَّلَاةِ وَكَذَا عَنْ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَالْخَنَاثَى وَالصُّغْرَى عَنْ النِّسَاءِ وَإِنْ قَرُبْنَ وَكَذَا عَنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ وَالصِّبْيَانِ وَهَلْ عَوْرَتُهَا مَعَ الشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْمَجْبُوبِ الصُّغْرَى أَوْ الْكُبْرَى وَجْهَانِ قَالَ شَيْخُنَا أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا مَعَ زِيَادَةِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ ( قَوْلُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ إلَخْ ) الْمُرَاهِقَةُ كَالْمُرَاهِقِ فِي حُكْمِهِ الْآتِي ( قَوْلُهُ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ التَّحْرِيمُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ ) نُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هَذَا الِاتِّفَاقَ وَأَقْرَأَهُ وَعَلَّلَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ مَرْدُودٌ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ مَعْنَى كَوْنِ الْمُرَاهِقِ كَالْبَالِغِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَنْظُورَ إلَيْهَا الِاحْتِجَابُ مِنْهُ كَمَا يَلْزَمُهَا الِاحْتِجَابُ مِنْ الْمَجْنُونِ قَطْعًا وَقَوْلُهُمْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ كَشْفُ مَا لَا يَبْدُو مِنْهَا عِنْدَ الْمِهْنَةِ لِلْكَافِرَةِ وَفَتْوَى النَّوَوِيِّ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا لَهَا عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ نَقَلَ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ فَلَا مُخَالَفَةَ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرِكِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُدْرِكَ مَعَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ كَمَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ ) قَالَ فِي التَّوَسُّطِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ ا هـ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّدْرِيبِ وَقُوَّةُ كَلَامِ الصَّغِيرِ تَقْتَضِي رَجْحَتَهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ

كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَةٌ تَنْظُرُ مِنْ طَاقٍ فِي غُرْفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إلَى الْأَجَانِبِ أَوْ يَنْظُرُونَ إلَيْهَا مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِنَاءُ الطَّاقِ أَوْ سَدُّهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْمُنَقَّبَةِ الَّتِي لَا يَبِينُ مِنْهَا إلَّا عَيْنَاهَا وَمَحَاجِرُهَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ جَمِيلَةً فَكَمْ فِي الْمَحَاجِرِ مِنْ حَنَاجِرَ ( قَوْلُهُ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِهِمْ إلَخْ ) أَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ أَوْ كَانَتْ عَائِشَةُ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ النِّسَاءِ إذْ ذَاكَ

( وَلَوْ نَظَرَ فَرْجَ صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى وَغَيْرَ عَوْرَةِ أَمَةٍ ) مِنْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ( جَازَ ) لِتَسَامُحِ النَّاسِ بِنَظَرِ فَرْجِ الصَّغِيرَةِ إلَى بُلُوغِهَا سِنَّ التَّمْيِيزِ وَمَصِيرُهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهَا سَتْرُ عَوْرَتِهَا عَنْ النَّاسِ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الْأَمَةِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُرْمَةِ نَظَرِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ ( وَكَرِهَ ) ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا فِي الْأُولَى مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا ذُكِرَ فِيهِمَا مِنْ الْجَوَازِ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي الْأُولَى وَعِنْدَ النَّوَوِيِّ فِي الثَّانِيَةِ فَقَدْ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِي الْأُولَى بِالْحُرْمَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ اتِّفَاقًا نَعَمْ رَدَّ فِي الرَّوْضَةِ الْجَزْمَ وَالِاتِّفَاقَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ جَوَّزَهُ جَزْمًا وَالْمُصَنِّفُ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ رَدَّ الْحُكْمَ فَجَرَى عَلَى مُقْتَضَاهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ وَبِمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، ثُمَّ قَالَ تَبَعًا لِلْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ الصَّغِيرِ إلَى التَّمْيِيزِ ، وَقَالَ فِي الْمِنْهَاجِ فِي الثَّانِيَةِ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا

( قَوْلُهُ وَغَيْرُ عَوْرَةِ أَمَةٍ جَازَ ) يُقَالُ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى وَجْهِهَا إنْ أَذِنَتْ لَهُمْ فِي النَّظَرِ وَيُبَاحُ لَهُمْ إنْ مَنَعَتْ مِنْهُ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَتْ أَمَةً وَعَلَّقَ سَيِّدُهَا عِتْقَهَا عَلَى إذْنِهَا فِي ذَلِكَ وَصُورَةٌ أُخْرَى وَهِيَ مَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ يَخْطُبُهَا نَظَرُهُ إلَيْهَا وَقَوْلُهُ يُقَالُ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ الضَّعِيفِ ( قَوْلُهُ فَقَدْ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِي الْأُولَى بِالْحُرْمَةِ ) لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ مُسْتَدْرَكِهِ { عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ رُفِعْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِغَرِي وَعَلَيَّ خِرْقَةٌ وَقَدْ كُشِفَتْ عَوْرَتِي فَقَالَ غَطُّوا حُرْمَةَ عَوْرَتِهِ فَإِنَّ حُرْمَةَ عَوْرَةِ الصَّغِيرِ كَحُرْمَةِ عَوْرَةِ الْكَبِيرِ } وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَإِلَى صَغِيرَةٍ سِوَى فَرْجِهَا قُلْت وَفِيهِ وَجْهٌ وَكَتَبَ أَيْضًا بِإِزَاءِ كَلَامِ الْمُنْتَقَى شَمِلَ إطْلَاقُهُمْ الدُّبُرَ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ الصَّغِيرِ إلَى التَّمْيِيزِ ) الرَّاجِحُ أَنَّ الصَّغِيرَ كَالصَّغِيرَةِ ( قَوْلُهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ فِي ) حُرْمَةِ ( النَّظَرِ ) فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ مَنْعُهُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي لِظُهُورِهِ عَلَى الْعَوْرَاتِ ( لَا ) فِي حُرْمَةِ ( الدُّخُولِ ) عَلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ بَلْ يَجُوزُ بِدُونِهِ ( إلَّا ) فِي دُخُولِهِ عَلَيْهِنَّ ( فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ ) الَّتِي يَضَعْنَ فِيهَا ثِيَابَهُنَّ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهِ فِي دُخُولِهِ فِيهَا عَلَيْهِنَّ لِآيَةِ { لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ } ( وَيَمْنَعُهُ الْوَلِيُّ ) وُجُوبًا مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِنَّ كَمَا يَمْنَعُهُ وُجُوبًا مِنْ الزِّنَا وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَلْزَمُهُنَّ الِاحْتِجَابُ مِنْهُ ( كَالْمَجْنُونِ ) فِي ذَلِكَ ( وَلِلْمُمَيِّزِ ) غَيْرِ الْمُرَاهِقِ ( وَالْمُحَرَّمِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ الْخَلْوَةُ وَنَظَرُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُحَرَّمِ { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ } الْآيَةَ وَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَعْنَى يَمْنَعُ الْمُنَاكَحَةَ أَبَدًا فَكَانَا كَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالْمُمَيِّزُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ فِي مَعْنَى الْمَحْرَمِ وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ بِمَا ذُكِرَ حُرْمَةَ نَظَرِ السُّرَّةِ - وَالرُّكْبَةِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَا يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَحْرَمِ بَيْنَ الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْكَافِرُ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَقِدُونَ حِلَّ الْمَحَارِمِ كَالْمَجُوسِ امْتَنَعَ نَظَرُهُ وَخَلْوَتُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ ( كَنَظَرِ بَعْضِ النِّسَاءِ بَعْضًا ) أَيْ كَمَا يُبَاحُ لِبَعْضِهِنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعْضِهِنَّ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهُنَّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِنَّ كَالرِّجَالِ مَعَ الرِّجَالِ أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَحُضُورُهُ كَغَيْبَتِهِ وَيَجُوزُ التَّكَشُّفُ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ الطِّفْلُ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ

( قَوْلُهُ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُمْ أَلْحَقُوا الْمُرَاهِقَ بِالْبَالِغِ فِي جَوَازِ رَمْيِهِ إذَا نَظَرَ إلَى حُرْمَةِ الْغَيْرِ وَفِيمَا إذَا صَاحَ عَلَيْهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِالْمُتَيَقِّظِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلُهُ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ ) الْمُعْتَمَدُ مَا اقْتَضَاهُ تَعْبِيرُ أَصْلِهِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ كَانَ الْكَافِرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَتَحْتَجِبُ مُسْلِمَةٌ عَنْ كَافِرَةٍ ) وُجُوبًا فَيَحْرُمُ نَظَرُ الْكَافِرَةِ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوْ نِسَائِهِنَّ } وَالْكَافِرَةُ لَيْسَتْ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَحْكِيهَا لِلْكَافِرِ فَلَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَةِ نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ تَرَى مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ لَمْ أَرَهُ نَصًّا بَلْ صَرَّحَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهَا مَعَهَا كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَقَدْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا لَهَا وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ هُوَ كَالرَّافِعِيِّ هَذَا كُلُّهُ فِي كَافِرَةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِلْمُسْلِمَةِ وَلَا مَحْرَمَ لَهَا أَمَّا هُمَا فَيَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إلَيْهَا وَأَمَّا نَظَرُ الْمُسْلِمَةِ لِلْكَافِرَةِ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ تَوَقُّفٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفَاسِقَةُ مَعَ الْعَفِيفَةِ كَالْكَافِرَةِ مَعَ الْمُسْلِمَةِ وَنَازَعَهُ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ

( قَوْلُهُ فَلَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَةِ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَنْعِهِنَّ بِمَا إذَا كَشَفَتْ الْمُسْلِمَةُ مِنْ جَسَدِهَا زِيَادَةً عَلَى مَا يَبْدُو حَالَ الْمِهْنَةِ وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُبْدِيَهُ لِلْكَافِرَةِ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ نَعَمْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرَى إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ وَالْيَدُ إلَى الْمِرْفَقِ وَالرِّجْلِ إلَى الرُّكْبَةِ ش ( قَوْلُهُ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا أَيْ لَمَّا سَوَّى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا ( قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ ) ضَعِيفٌ .
( قَوْلُهُ وَنَازَعَهُ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهَا مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْفِسْقُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ ) فِي مُلَاقَاةِ كَلَامِهِ لِكَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْفِسْقَ يُخْرِجُهَا عَنْ الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الْفَاسِقَةَ يَحْرُمُ نَظَرُهَا إلَى الْعِدْلَةِ كَمَا يَحْرُمُ نَظَرُ الْكَافِرَةِ إلَى الْمُسْلِمَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَحْكِيَ مَا رَآهُ وَهُوَ حَسَنٌ س قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُسَاحَقَةَ وَنَحْوَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ مُسَاحَقَةً فَكَالرَّجُلِ وَنَحْوِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ كَانَتْ تَمِيلُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ خَافَتْ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ الْفِتْنَةَ لَمْ يَجُزْ لَهَا النَّظَرُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ مَعَ الْمَرْأَةِ فَكَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ وَأَمَّا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِحَالٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ سَكَتُوا عَنْ الْمُرْتَدَّةِ وَالْمُتَّجَهُ تَحْرِيمُ تَمْكِينِهَا مِنْ النَّظَرِ ؛ لِأَنَّهَا أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الذِّمِّيَّةِ وَالْفَاسِقَةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ أَيْضًا

وَقَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ تَحْرِيمُ تَمْكِينِهَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَالْمَمْسُوحُ ) إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَيْلٌ إلَى النِّسَاءِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ( وَالْمَمْلُوكُ ) لِلْمَرْأَةِ ( الْعَدْلُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ كَالْمَحْرَمِ ) فِي النَّظَرِ فَيُبَاحُ لِلْأَوَّلِ النَّظَرُ إلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَلِلثَّانِي ذَلِكَ مِنْ سَيِّدَتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرَ أُولِي الْإِرْبَةِ } أَيْ الْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ فِي غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ أَنَّهُ الْمُغَفَّلُ فِي عَقْلِهِ الَّذِي لَا يَكْتَرِثُ لِلنِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهِيهِنَّ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْجَوَازِ فِي الْمَمْسُوحِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمَةِ فَإِنْ كَانَ كَافِرًا مُنِعَ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَالْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ وَتَقْيِيدُ الْمَمْلُوكِ بِالْعَدْلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْفَاسِقُ .
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ فِسْقُهُ بِالزِّنَا وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ مَعَ قِيَامِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَبِغَيْرِ الْمُكَاتَبِ الْمُكَاتَبُ فَلَا يُبَاحُ لَهُ مَا ذُكِرَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي بِمَا إذَا كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ لِخَبَرِ أُمِّ سَلَمَةَ { إذَا كَانَ مَعَ مُكَاتَبِ إحْدَاكُنَّ وَفَاءٌ فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ كَالْقِنِّ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَيَجِبُ الْفَتْوَى بِهِ وَأَجَابَ أَعْنِي الشَّافِعِيَّ عَنْ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِزَوْجَاتِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ لَهُنَّ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِنَّ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُبَاحُ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى مُكَاتَبَتِهِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَمْلُوكِ بِقَوْلِهِ كَالْمَحْرَمِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ مَمْلُوكُ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ لَهَا ( لَا الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ وَالْمُخَنَّثُ ) وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمْ فِي بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ ( وَالْهِمُّ ) بِالْكَسْرِ وَهُوَ الشَّيْخُ الْفَانِي فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ النَّظَرُ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ كَغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُحُولِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ خَبَرَ { لَا تُدْخِلْنَ هَذَا عَلَيْكُمْ يَعْنِي الْمُخَنَّثَ }

( قَوْلُهُ وَالْمَسْمُوحُ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَيْلٌ إلَخْ ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُ حِلِّ نَظَرِهِ إلَى الْمَرْأَةِ بِعِفَّتِهَا كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي الْمَمْلُوكِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَمْسُوحِ بَيْنَ النَّظَرِ وَالْمَسِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ إلَّا النَّظَرُ وَأَمَّا الْمَسُّ فَهُوَ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ ( قَوْلُهُ وَالْمَمْلُوكُ الْعَدْلُ إلَخْ ) وَالْمُبَعَّضُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَفِي تَعْلِيقِ إبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيِّ وَحُكْمُ الْمُبَعَّضِ حُكْمُ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا فِي السَّرِقَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّظَرِ ا هـ وَقَوْلُهُ فِي السَّرِقَةِ يَعْنِي لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ وَفِي مَعْنَى الْمُبَعَّضِ مَنْ بَعْضُهُ لِغَيْرِهَا ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَالْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ ) هُوَ وَاضِحٌ ( قَوْله قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَهْدَوِيُّ إلَخْ ) قَيَّدَ الْوَاحِدِيُّ فِي بَسِيطِهِ الْجَوَازَ بِمَا إذَا كَانَا عَفِيفَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْجَوَازِ بِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا شَنَّعَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَوْلُهُ قَيَّدَ الْوَاحِدِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ ) بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي إلَخْ ) ضَعِيفٌ قَوْلُهُ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَمْلُوكِ بِقَوْلِهِ إلَخْ ) فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْرَمٌ فِي النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ وَنَحْوِهِمَا ( قَوْلُهُ كَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَفْحُولِ ) أَيْ الْعَاقِلِينَ الْمُخْتَارِينَ

( وَيَحْرُمُ نَظَرُ الْمَحْرَمِ ) وَغَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( بِشَهْوَةٍ ) بِأَنْ يَلْتَذَّ بِهِ أَوْ بِدُونِهَا لَكِنْ مَعَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ ( وَ ) يَحْرُمُ نَظَرُ ( الْأَمْرَدِ بِشَهْوَةٍ ) مُطْلَقًا وَبِدُونِهَا ( إنْ خَافَ فِتْنَةً ) بِخِلَافِ مَا إذَا أَمِنَهَا كَنَظِيرِهِ فِيمَا قَدَّمَهُ فِي النَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا أَمِنَهَا هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَزَادَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ قَوْلَهُ أَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَنَقَلَهُ الدَّارَكِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْحُرْمَةُ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ حَسْبَمَا لِلْبَابِ وَلِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ نَعَمْ يُعْتَبَرُ فِي الْأَمْرَدِ أَنْ يَكُونَ جَمِيلَ الْوَجْهِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالِاحْتِجَابِ كَالْمَرْأَةِ لِلْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَفِي تَرْكِ الْأَسْبَابِ اللَّازِمِ لَهُ وَعَلَى غَيْرِهِ غَضُّ الْبَصَرِ .
وَلَمْ يَعْتَبِرُوا جَمَالَ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهَا فَضَبَطَ بِالْأُنُوثَةِ وَلَك عَلَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ هَذَا مَعَ مَا نَقَلَهُ كَالرَّافِعِيِّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ مِنْ حِلِّ النَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ أَنْ تَقُولَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَمْرَدِ فَالْمُوَافِقُ لِذَلِكَ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ السَّابِقُ وَإِنْ كَانَ الْأَحْوَطُ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ لِلْأَمْرَدِ أَمَدًا يَنْتَظِرُ زَوَالَهُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِي تِلْكَ مِنْ التَّحْرِيمِ لَا سُؤَالٍ وَكَمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهَا أَفْحَشُ وَأَقْرَبُ إلَى

الْمَفْسَدَةِ وَالْأَمْرَدُ الشَّابُّ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ لِحْيَتُهُ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَسَنَّ وَلَا شَعْرَ بِوَجْهِهِ أَمْرَدُ ( وَ ) يَحْرُمُ نَظَرُ ( عَوْرَةِ الرَّجُلِ ) دُونَ غَيْرِهَا عَلَى الرَّجُلِ لِمَا مَرَّ فِي نَظَرِ بَعْضِ النِّسَاءِ بَعْضًا ( لَا عَلَى نَفْسِهِ ) فَلَا يَحْرُمُ لَكِنْ يُكْرَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ

( قَوْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ نَظَرُ الْأَمْرَدِ ) أَيْ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ الْمَخْطُوبَةِ وَلَدٌ أَمْرَدُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رُؤْيَتُهَا وَسَمَاعُ وَصْفِهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ فَهَلْ لَهُ رُؤْيَةُ وَلَدِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ حَاجَةً أَوْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُسْنِ جَازَ النَّظَرُ وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْقِيَافَةِ أَنَّهَا تَجُوزُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ الدَّفْنِ ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ نَعَمْ يَرَى الْقَائِفُ وَلَدَ الْمَيِّتِ فَإِنْ لَمْ يَكْتَفِ فَوَلَدُ وَلَدِهِ وَقَوْلُهُ وَظَهَرَ لِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَزَادَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ ) وَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ قُلْت وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ حِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ هَكَذَا مُطْلَقًا يَقْتَضِي أَنَّ لَنَا وَجْهًا بِالتَّحْرِيمِ وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ وَهَذَا لَا يُعْرَفُ بَلْ الْوَجْهَانِ إذَا خَافَ الِافْتِتَانَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَحْرُمْ قَطْعًا كَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَالنَّصُّ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الشَّهْوَةِ فَإِنَّ الْحَاكِينَ لَهُ عَلَّلُوهُ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا كَمَا ادَّعَاهُ النَّوَوِيُّ عَلَى أَنَّ أَبَا حَامِدٍ قَالَ لَا أَعْرِفُ هَذَا النَّصَّ لِلشَّافِعِيِّ .
( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ ) وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ بِحِكَايَتِهَا فِي الْمَذْهَبِ وَلَمْ يُبَالِ بِتَعْلِيلِ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ مَا أَطْلَقَهُ بِخَوْفِ الِافْتِتَانِ وَتَعْلِيلِ صَاحِبِ الْبَيَانِ مَا نَقَلَهُ الدَّارَكِيُّ عَنْ النَّصِّ بِأَنَّهُ يَفْتِنُ

( فَرْعٌ : مَا حَرُمَ نَظَرُهُ مُتَّصِلًا حَرُمَ ) نَظَرُهُ ( مُنْفَصِلًا كَشَعْرِ عَانَةٍ ) وَلَوْ لِرَجُلٍ ( وَقُلَامَةِ ظُفْرِ قَدَمِ حُرَّةٍ ) إبْقَاءً لِحُكْمِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ ( فَلْيُوَارِهِ ) وُجُوبًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْهِ أَحَدٌ وَاسْتَبْعَدَ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبَ قَالَ وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ فِي الْحَمَّامَاتِ عَلَى طَرْحِ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ امْتِشَاطِ شُعُورِ النِّسَاءِ وَحَلْقِ عَانَاتِ الرِّجَالِ ( لَا ) قُلَامَةِ ظُفْرِ ( يَدِهَا ) أَيْ الْحُرَّةِ فَلَا يَحْرُمُ نَظَرُهَا بَعْدَ انْفِصَالِهَا كَمَا قَبْلَهُ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ عَدَمِ تَحْرِيمِ نَظَرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ .
وَأَمَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ مِنْ تَحْرِيمِهِمَا فَيَنْبَغِي حُرْمَةُ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا يَحْسُنُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْقُلَامَتَيْنِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِجَوَازِ النَّظَرِ إلَى الْكَفَّيْنِ أَمَّا مَنْ يُحَرِّمُهُ وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فَلَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ دُونَ قُلَامَةِ يَدِهَا وَيَدِهِ وَ رِجْلِهِ أَيْ الرَّجُلِ وَمَا قَالَهُ فِي قُلَامَةِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ نَظَرِهَا مُتَّصِلَةً أَمَّا عَلَى تَحْرِيمِهِ الشَّامِلِ لَهُ مَا صَحَّحَهُ مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ كَتَحْرِيمِ نَظَرِهِ إلَيْهَا فَيَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَالَهُ إنَّمَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ لَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ هُوَ ( فَإِنْ أُبِينَ ) مِنْ الْأَمَةِ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهَا كَشَعْرِ رَأْسِهَا وَظُفْرِهَا ( ثُمَّ عَتَقَتْ لَمْ يَحْرُمْ ) نَظَرُهُ وَإِنْ قُلْنَا : إنَّ الْمُنْفَصِلَ كَالْمُتَّصِلِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ انْفَصَلَ لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً وَالْعِتْقُ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْمُنْفَصِلِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ إلَى مَا عَدَا عَوْرَةِ الْأَمَةِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ

( قَوْلُهُ وَاسْتَبْعَدَ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبَ ) قَالَ شَيْخُنَا الصَّحِيحُ الِاسْتِحْبَابُ نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ الْوُجُوبِ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَرَاهُ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهِ إنْ لَمْ يُوَارِهِ وَتَعَيَّنَتْ طَرِيقًا لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ ( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي حُرْمَةُ ذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ ) أَيْ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ ( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ ) إلَى الْآخَرِ ( وَلَوْ إلَى الْفَرْجِ ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَمَتُّعِهِ ( وَ ) لَكِنْ ( يُكْرَهُ نَظَرُهُ ) أَيْ الْفَرْجِ ( حَتَّى مِنْ نَفْسِهِ ) يَعْنِي - يُكْرَهُ نَظَرُهُ مِنْ الْآخَرِ وَمِنْ نَفْسِهِ ( بِلَا حَاجَةٍ وَبَاطِنُهُ ) أَيْ وَالنَّظَرُ إلَى بَاطِنِهِ ( أَشَدُّ ) كَرَاهَةً قَالَتْ عَائِشَةُ مَا رَأَيْت مِنْهُ وَلَا رَأَى مِنِّي أَيْ الْفَرْجَ وَخَبَرُ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ يُورِثُ الطَّمْسُ أَيْ الْعَمَى كَمَا وَرَدَ كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فِي الضُّعَفَاءِ وَخَالَفَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ : إنَّهُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ يُورِثُ الْعَمَى فَقِيلَ فِي النَّاظِرِ وَقِيلَ فِي الْوَلَدِ وَقِيلَ فِي الْقَلْبِ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الدُّبُرَ وَقَوْلُ الْإِمَامِ وَالتَّلَذُّذُ بِالدُّبُرِ بِلَا إيلَاجٍ جَائِزٌ كَالصَّرِيحِ فِيهِ وَخَالَفَ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ بِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ زَوْجِهَا إذَا مَنَعَهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَفِيمَا قَالَهُ وَقْفَةٌ .
( وَالْأَمَةُ كَالزَّوْجَةِ ) فِي النَّظَرِ فَلِكُلٍّ مِنْهَا وَمِنْ سَيِّدِهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْآخَرِ وَلَوْ إلَى الْفَرْجِ مَعَ كَرَاهَةِ نَظَرِهِ ( لَا الْمُحَرَّمَةِ ) عَلَيْهِ ( بِكِتَابَةٍ وَتَزْوِيجٍ وَكُفْرٍ ) كَتَمَجُّسٍ وَتَوَثُّنٍ وَرِدَّةٍ ( وَشَرِكَةٍ ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَتَبْعِيضٍ ( وَعِدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ ) وَنَسَبٍ وَرَضَاعٍ وَمُصَاهَرَةٍ فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ مِنْهَا إلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ دُونَ مَا زَادَ لِخَبَرِ { إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ جَارِيَتَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرْ إلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقِيسَ بِمَا فِيهِ الْبَقِيَّةُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْمُشْتَرَكَةِ مَمْنُوعٌ وَالصَّوَابُ فِيهَا وَفِي

الْمُبَعَّضَةِ ، وَالْمُبَعَّضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَيِّدَتِهِ أَنَّهُمْ كَالْأَجَانِبِ وَخَرَجَ بِالْحُرْمَةِ بِمَا ذَكَرَ الْمُحَرَّمَةُ بِعَارِضٍ قَرِيبِ الزَّوَالِ كَحَيْضٍ وَرَهْنٍ فَلَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهَا
( قَوْلُهُ فَرْعٌ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إلَى الْآخَرِ إلَخْ ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَإِنْ كَانَتْ فَلَا يَحِلُّ نَظَرُهُ إلَيْهَا بَلْ قَالَ الْمُتَوَلِّي تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِهَا وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيَاةِ فَلَوْ مَاتَتْ زَالَ حُكْمُ نَظَرِهِ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ نَظَرُهُ حَتَّى مِنْ نَفْسِهِ ) فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ الْغَرِيبَةِ أَنَّ الْمُصَلِّي إذَا رَأَى فَرْجَ نَفْسِهِ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ ثَمَّ حَرَامًا ر وَقَوْلُهُ فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الدُّبُرَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْإِمَامِ وَالتَّلَذُّذُ بِالدُّبُرِ بِلَا إيلَاجٍ جَائِزٌ إلَخْ ) وَاسْتَدَلَّ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْجَوَازِ بِإِطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ جَوَازِ التَّلَذُّذِ بِمَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ بِلَا إيلَاجٍ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْمُبَعَّضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَيِّدَتِهِ إلَخْ ) وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا عَبْدُهَا الَّذِي نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ مَمْلُوكٌ فَعَلَيْهَا سَتْرُ عَوْرَتِهَا الْكُبْرَى عَنْهُ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَكَانَ قَدَّمَ أَنَّ الْعَوْرَةَ الْكُبْرَى جَمِيعُ الْبَدَنِ غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ .
ا هـ .
ع يُجَابُ بِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ أَقْوَى مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ

( فَرْعٌ مَا حَرُمَ نَظَرُهُ حَرُمَ مَسُّهُ ) بِالْأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اللَّذَّةِ وَأَغْلَظُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَوْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ لَمْ يَبْطُلْ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ ذَلِكَ فَخْذُ رَجُلٍ بِلَا حَائِلٍ
( قَوْلُهُ فَرْعٌ مَا حَرُمَ نَظَرُهُ حَرُمَ مَسُّهُ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ الْعُضْوُ الْمُبَانُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي هَذَا التَّرْجِيحِ نَظَرٌ ا هـ وَلَوْ أَمْكَنَ الطَّبِيبَ مَعْرِفَةُ الْعِلَّةِ بِالْمَسِّ دُونَ النَّظَرِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْمَسُّ لَا النَّظَرُ وَقَوْلُهُ وَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ شَيْخُنَا بَلْ الْأَصَحُّ حُرْمَةُ مَسِّهِ ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ النَّظَرِ فِي إثَارَةِ الشَّهْوَةِ ( قَوْلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمَسَ إلَخْ ) وَأَنَّ الْوُضُوءَ يُنْتَقَضُ بِالْمَسِّ وَلَا يُنْتَقَضُ بِالنَّظَرِ

وَقَدْ يَحْرُمُ الْمَسُّ دُونَ النَّظَرِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَيَحْرُمُ مَسُّ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ بَلْ يَحْرُمُ مَسُّ ظَهْرِ أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَغَمْزُ سَاقِهَا وَغَمْزُهَا إيَّاهُ ) مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ نَظَرُ ذَلِكَ هَذَا إذَا مَسَّ ذَلِكَ بِلَا حَاجَةٍ وَلَا شَفَقَةٍ وَإِلَّا جَازَ الْمَسُّ أَيْضًا ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ مَسُّ الْمَحَارِمِ فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا ذُكِرَ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَسَّ أَبْلَغُ فِي اللَّذَّةِ ، وَلِأَنَّ حَاجَةَ النَّظَرِ أَعَمُّ فَسُومِحَ فِيهِ مَا لَمْ يُسَامَحْ فِي الْمَسِّ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَمْسُوحِ وَنَحْوِهِ الْمَسُّ وَإِنْ أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ وَكَوَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ كَفَّاهَا وَكَالظَّهْرِ غَيْرُهُ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَكَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ سَائِرِ الْمَحَارِمِ الْمَفْهُومَاتِ بِالْأَوْلَى

( وَيَحْرُمُ اضْطِجَاعُ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ) إذَا كَانَا عَارِيَّيْنِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي جَانِبٍ مِنْ الْفِرَاشِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ } ( وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ ابْنِ عَشْرٍ ) مِنْ السِّنِينَ ( وَأَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ ) الشَّامِلِينَ لِأَخَوَاتِهِ عُرْفًا ( فِي الْمَضْجَعِ ) وَاحْتَجَّ لَهُ الرَّافِعِيُّ بِخَبَرِ { مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ ، قَالُوا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْإِفْضَاءِ الْإِفْضَاءُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ لِخَبَرِ { لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الرَّجُلُ الرَّجُلَ إلَّا الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ } وَفِي رِوَايَةٍ { إلَّا وَلَدًا وَوَالِدًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُخَصِّصُ خَبَرَ مُسْلِمٍ السَّابِقَ ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قُوَّةُ الْمَحْرَمِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَ الشَّهْوَةِ وَكَمَالِ الِاحْتِشَامِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي مُبَاشَرَةِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي التَّفْرِيقِ نَازَعَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا بَلْ الْمُعْتَبَرُ السَّبْعُ لِخَبَرِ { إذَا بَلَغَ أَوْلَادُكُمْ سَبْعَ سِنِينَ فَفَرِّقُوا بَيْنَ فُرُشِهِمْ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ { وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } رَاجِعٌ إلَى أَبْنَاءِ سَبْعٍ وَأَبْنَاءِ عَشْرٍ جَمِيعًا

( قَوْلُهُ وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ إلَخْ ) قِيلَ التَّفْرِيقُ فِي الْمَضَاجِعِ يَصْدُقُ بِطَرِيقَيْنِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِرَاشٌ وَأَنْ يَكُونَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ مُتَفَرِّقَيْنِ غَيْرَ مُتَلَاصِقَيْنِ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِالثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الْأَوَّلِ وَحْدَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ حَمْلُهُ عَلَيْهِ هُوَ الظَّاهِرُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فَرَّقُوا بَيْنَ فُرُشِهِمْ مَعَ تَأْيِيدِهِ بِالْمَعْنَى وَهُوَ خَوْفُ الْمَحْذُورِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي التَّتِمَّةِ يُكْرَهُ لِلِابْنِ الْكَبِيرِ أَنْ يُضَاجِعَ أُمَّهُ وَلِلْأَبِ أَنْ يُضَاجِعَ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ بِلَا حَائِلٍ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ الْعَوْرَةَ مِنْهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَقَالَ فِي الرَّجُلَيْنِ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلَ بِإِزَارٍ وَاحِدٍ مَا بَيْنَ بَدَنِهِمَا ثَوْبٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْجَوَازِ بِمَا إذَا كَانَ الْحَائِلُ بَيْنَهُمَا صَفِيقًا فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْحَرَارَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فَيَحْرُمُ ثَمَّ مَحَلُّ الْجَوَازِ مَا إذَا لَمْ يَخْشَ مِنْ النَّوْمِ مَعَ صَاحِبِهِ فِتْنَةً فَإِنْ خَافَ حَرُمَ وَإِنْ وُجِدَ حَائِلٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ الْمُتْحَفَةِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ ت ( قَوْلُهُ فَقَالُوا بَلْ الْمُعْتَبَرُ السَّبْعُ ) ضَعِيفٌ قَوْلُهُ فَفَرِّقُوا بَيْنَ فُرُشِهِمْ ) أَيْ نَدْبًا

( وَيُسْتَحَبُّ تَصَافُحُ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ ) لِخَبَرِ { مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ الْوَجْهُ فَيَحْرُمُ مُصَافَحَتُهُ وَمَنْ بِهِ عَاهَةٌ كَالْأَبْرَصِ وَالْأَجْذَمِ فَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ

( وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ ) فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَلَوْ كَانَ الْمُقَبِّلُ أَوْ الْمُقَبَّلُ صَالِحًا { قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ : الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : أَفَيَلْزَمُهُ وَيُقَبِّلُهُ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيُصَافِحُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( وَهُمَا لِقَادِمٍ ) مِنْ سَفَرٍ أَوْ تَبَاعُدِ لِقَاءٍ ( سُنَّةٌ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، نَعَمْ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ الْوَجْهُ يَحْرُمُ تَقْبِيلُهُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ ثُمَّ قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُعَانَقَتَهُ كَتَقْبِيلِهِ أَوْ قَرِيبَةٍ مِنْهُ ( كَتَقْبِيلِ الطِّفْلِ ) وَلَوْ وَلَدَ غَيْرِهِ ( شَفَقَةً ) فَإِنَّهُ سُنَّةٌ ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ وَشَمَّهُ وَقَبَّلَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ فَقَالَ الْأَقْرَعُ إنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْت مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ } وَقَالَتْ عَائِشَةُ { قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا تُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، قَالُوا : لَكِنَّا وَاَللَّهِ مَا نُقَبِّلُ فَقَالَ : أَوَأَمْلِكُ إنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ } رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ
( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ ثَمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ إلَخْ

( فَرْعٌ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ ) لِمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ ( وَيُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْحَيِّ لِصَلَاحٍ وَنَحْوِهِ ) مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَزُهْدٍ وَعِلْمٍ وَشَرَفٍ كَمَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ تَفْعَلُهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ ( وَيُكْرَهُ ) ذَلِكَ ( لِغِنَاهُ وَنَحْوِهِ ) مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَشَوْكَتِهِ وَوَجَاهَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا لِخَبَرِ { مَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ } ( وَ ) يُكْرَهُ ( حَنْيُ الظَّهْرِ ) مُطْلَقًا ( لِكُلٍّ ) مِنْ النَّاسِ لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ ( وَيُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ ) مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ نَحْوِهَا ( إكْرَامًا لَا رِيَاءً وَإِعْظَامًا ) أَيْ تَفْخِيمًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَقَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْمُصَافَحَةِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى هُنَا أَعَادَهُ فِي السِّيَرِ مَعَ زِيَادَةٍ وَوَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ بَعْضُ ذَلِكَ ( فَرْعٌ الْخُنْثَى ) الْمُشْكِلُ ( كَامْرَأَةٍ مَعَ الرِّجَالِ وَرَجُلٍ مَعَ النِّسَاءُ ) فِي حُكْمِ النَّظَرِ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ وَيُفَارِقُ هَذَا مَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ أَنَّهُ يُغَسِّلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ بِضَعْفِ الشَّهْوَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِهَا قَبْلَهُ

( فَصْلٌ وَيَجُوزُ نَظَرُ وَجْهِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ ) بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهَا ( وَ ) عِنْدَ ( تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ) عَلَيْهَا لِذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ جَمِيعَ وَجْهِهَا كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهَا بِبَعْضِهِ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ ( وَتَكَلُّفُ كَشْفِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ : فَإِنْ امْتَنَعَتْ أَمَرَتْ امْرَأَةً بِكَشْفِهِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ الْمَرْأَةَ وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَةِ أَنَّهُ إذَا خَافَ مِنْ النَّظَرِ لِتَحَمُّلِهَا الْفِتْنَةَ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ لَمْ يَنْظُرْ وَإِلَّا نَظَرَ وَيَلْحَقُ بِالنَّظَرِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهَا نَظَرُ الْحَاكِمِ لِتَحْلِيفِهَا أَوْ لِلْحُكْمِ عَلَيْهَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْحُكْمَ لَهَا كَالشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ عَلَيْهَا .
( وَيَجُوزُ النَّظَرُ وَاللَّمْسُ ) بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ( لِلْفَصْدِ وَالْعِلَاجِ ) كَالْحِجَامَةِ لِلْحَاجَةِ الْمُلْجِئَةِ إلَى ذَلِكَ ( وَ ) يَجُوزُ ( بِمَحْضَرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ ) النَّظَرُ ( مِنْ رَجُلٍ إنْ عُدِمَتْ امْرَأَةٌ ) تُعَالِجُ كَعَكْسِهِ أَيْ كَمَا يَجُوزُ بِمَحْضَرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ النَّظَرُ مِنْ امْرَأَةٍ إنْ عُدِمَ رَجُلٌ مُعَالِجٌ وَكُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُعَالَجِ أَمْ الْمُعَالِجِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ رَجُلَانِ مَعَ امْرَأَةٍ لِامْتِنَاعِ الْخَلْوَةِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ اجْتِمَاعِ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَتَيْنِ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ بَلْ السَّيِّدُ وَالْمَمْسُوحُ وَنَحْوُهُمَا كَذَلِكَ وَضَابِطُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَنْ يَمْنَعُ حُصُولَ الْخَلْوَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْعَدَدِ

( فَصْلٌ وَيَجُوزُ نَظَرُ وَجْهِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ إلَخْ ) ( قَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا يُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَيَرْجِعُ إلَى الثَّانِي وَلَا خِلَافَ حِينَئِذٍ ( قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ لَمْ يَنْظُرْ وَإِلَّا نَظَرَ ) يَنْبَغِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ الزَّانِيَيْنِ لِتُحْمَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِهَا فَإِذَا أُبِيحَ الْمُحَرَّمُ مَعَ عَدَمِ الْوُجُوبِ فَلَأَنْ يُبَاحَ مَعَ وُجُوبِ التَّحَمُّلِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَكَمَا يَجُوزُ لِلنِّسْوَةِ أَنْ يَنْظُرْنَ إلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَبَالَتَهُ وَامْتَنَعَتْ مِنْ التَّمْكِينِ وَكَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ الْمُفْضَاةِ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ الْتَحَمَ وَأَنْكَرَتْ وَكَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَانَةِ الْكَافِرِ لِيَنْظُرَ هَلْ نَبَتَتْ أَمْ لَا وَإِذَا كَانَتْ الشَّهْوَةُ أَمْرًا طَبِيعِيًّا لَا يَنْفَكُّ عَنْ النَّظَرِ لَمْ يُكَلَّفْ الشَّاهِدُ بِإِزَالَتِهَا وَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا كَمَا لَا يُؤَاخَذُ الزَّوْجُ بِمَيْلِ قَلْبِهِ إلَى بَعْضِ النِّسْوَةِ وَكَمَا لَا يُؤَاخَذُ الْحَاكِمُ بِمَيْلِ قَلْبِهِ إلَى بَعْضِ الْخُصُومِ ت .
( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّهَادَةَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مِنْ رَجُلٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ ( قَوْلُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ

( وَ ) يَجُوزُ النَّظَرُ مِنْ ( ذِمِّيٍّ ) لِمُسْلِمَةٍ ( إنْ عُدِمَ مُسْلِمٌ يُعَالِجُ ) بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي نَظَرِ الْكَافِرَةِ أَنْ لَا يَجُوزَ مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ وَيُمْكِنُ إدْرَاجُهَا فِي كَلَامِهِ ( وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى السَّوْأَتَيْنِ إلَّا فِي حَاجَةٍ لَا يَهْتِكُ - الْمَرْأَةَ التَّكَشُّفُ ) مَعَهَا ( أَوْ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ فِي الْبَدَنِ ) يَعْنِي وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى مَا سِوَى السَّوْأَتَيْنِ وَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ مِنْ الْبَدَنِ إلَّا لِحَاجَةٍ تُبِيحُ التَّيَمُّمَ ( وَمُطْلَقًا فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إلَّا لِمُطْلَقِ الْحَاجَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْقَلَاقَةِ وَالْإِجْحَافِ وَمُلَخَّصُ الْمُرَادِ مِنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مُطْلَقُ الْحَاجَةِ وَفِي غَيْرِهِمَا مَا عَدَا السَّوْأَتَيْنِ تَأَكُّدُهَا بِأَنْ يَكُونَ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَشِدَّةِ الضَّنَا ، وَفِي السَّوْأَتَيْنِ مَزِيدُ تَأْكِيدِهَا بِأَنْ لَا يُعَدَّ التَّكَشُّفُ بِسَبَبِهَا هَتْكًا لِلْمَرْأَةِ وَالضَّبْطِ بِمَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَوْ خَافَ شَيْئًا فَاحِشًا فِي عُضْوٍ بَاطِنٍ امْتَنَعَ النَّظَرُ بِسَبَبِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ

( قَوْلُهُ إلَّا فِي حَاجَةٍ ) الْأَصْلُ فِي جَوَازِ النَّظَرِ لِلْحَاجَةِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَكَّمَ سَعْدًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ كَانَ يَكْشِفُ عَنْ مُؤْتَزِرِهِمْ وَأَلْحَقَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرَهَا بِجَامِعِ الْحَاجَةِ اللَّائِقَةِ لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِهَا فِي كُلٍّ مِنْهَا ا ب وَاللَّائِقُ بِالتَّرْتِيبِ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الْوَجْهِ سُومِحَ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْمُعَامَلَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَصَبِيٌّ مُسْلِمٌ غَيْرُ مُرَاهِقٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَصَبِيٌّ غَيْرُ مُرَاهِقٍ كَافِرٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَحْرَمُهَا الْمُسْلِمُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَحْرَمُهَا الْكَافِرُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَامْرَأَةٌ كَافِرَةٌ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَأَجْنَبِيٌّ مُسْلِمٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَأَجْنَبِيٌّ كَافِرٌ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ) قَالَ شَيْخُنَا بَلْ الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ وَيَكُونُ الْمَفْهُومُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ

( وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ وَالثَّدْيِ لِلشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا وَالْوِلَادَةِ ) فِي الْأُولَى ( وَ ) فِي ( الرَّضَاعِ ) فِي الثَّانِيَةِ لِظُهُورِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ
( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْغُنْيَةِ رَأَيْت فِي الْكَافِي لَوْ كَانَ بِعَوْرَةِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ عِلَّةٌ جَازَ لِلطَّبِيبِ الْأَمِينِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِمَا لِلْمُعَالَجَةِ كَمَا فِي الْخِتَانِ ا هـ فَقَوْلُهُ الْأَمِينُ قَيْدٌ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا مِمَّا أَهْمَلُوهُ هُنَا نَظَرُ النِّسْوَةِ إلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَبَالَتَهُ وَامْتَنَعَتْ مِنْ التَّمْكِينِ وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِ الْمُفْضَاةِ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ الْتَحَمَ وَأَنْكَرَتْ وَالنَّظَرُ إلَى عَانَةِ الْكَافِرِ لِيَعْلَمَ هَلْ أَنْبَتَ أَمْ لَا ر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70