كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

( فَصْلٌ : لَوْ عَقَدَ الْبُغَاةُ ذِمَّةً ) أَيْ أَمَانًا ( الْحَرْبِيِّينَ لِيُعِينُوهُمْ ) عَلَيْنَا ( نَفَذَتْ فِي حَقِّهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَمَّنُوهُمْ ( لَا ) فِي ( حَقِّنَا ) ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ لِتَرْكِ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْعَقِدُ بِشَرْطِ الْقِتَالِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : وَإِذَا حَارَبُونَا مَعَهُمْ لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُهُمْ فِي حَقِّهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمِنَ شَخْصٌ مُشْرِكًا فَقَصَدَ مُسْلِمًا أَوْ مَالَهُ فَلِمُؤَمِّنِهِ مُجَاهَدَتُهُ ؛ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ لِيَكُفَّ عَنْ الْكُلِّ فَانْتَقَضَ بِقِتَالِ أَحَدِهِمْ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ مَعَ الْبُغَاةِ أَمَّا إذَا عَقَدُوهَا لَهُمْ بِغَيْرِ شَرْطِ إعَانَتِهِمْ عَلَيْنَا فَيَنْفُذُ فِي حَقِّنَا أَيْضًا فَإِذَا اعْتَانُوا بِهِمْ عَلَيْنَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ فِي حَقِّنَا نَصَّ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ انْتِقَاضُهُ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا ( فَمَا أَتْلَفُوهُ عَلَى الْبُغَاةِ لَا عَلَيْنَا ضَمِنُوهُ ) لِصِحَّةِ الْأَمَانِ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّنَا ( وَنَسْتَبِيحُهُمْ ) نَحْنُ بِأَنْ نَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ وَنَسْتَرِقَّهُمْ وَنَسَبِي نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَنَقْتُلَ مُدْبِرَهُمْ وَنُذَفِّفَ عَلَى جَرِيحِهِمْ ( وَنَقْتُلُ أَسِيرَهُمْ ) بِخِلَافِ الْبُغَاةِ ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَنَقْتُلُ أَسِيرَهُمْ لِدُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ ( فَلَوْ قَالُوا ) أَيْ الْحَرْبِيُّونَ ( ظَنَنَّاهُمْ ) أَيْ الْبُغَاةَ ( الْمُحِقِّينَ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَإِنَّ لَنَا إعَانَةَ الْمُحِقِّينَ ( أَوْ ظَنَنَّا جَوَازَ الْإِعَانَةِ ) لَهُمْ فِي قِتَالِكُمْ أَوْ أَنَّهُمْ اسْتَعَانُوا بِنَا فِي قِتَالِ كُفَّارٍ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ فِيمَا قَالُوهُ ( بُلِّغُوا الْمَأْمَنَ ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ ) فِي الْقِتَالِ فَلَا نَسْتَبِيحُهُمْ لِلْأَمَانِ مَعَ عُذْرِهِمْ ( فَإِنْ أَعَانَهُمْ ) عَلَيْنَا ( ذِمِّيُّونَ أَوْ مُسْتَأْمَنُونَ مُخْتَارِينَ عَالِمِينَ بِالتَّحْرِيمِ ) لِقِتَالِهِمْ لَنَا ( انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ فِي حَقِّنَا وَحَقِّ الْبُغَاةِ ) ، وَلَوْ قَالُوا ظَنَنَّاهُمْ الْمُحِقِّينَ كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِالْقِتَالِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فِي

الْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَهُمْ ) الْأَوْلَى فَلَهُمْ ( حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ ) فَنَسْتَبِيحُهُمْ نَحْنُ وَالْبُغَاةُ ، وَنَقْتُلُ أَسِيرَهُمْ ، وَلَوْ أَتْلَفُوا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنُوهُ .
( قَوْلُهُ : لَوْ عَقَدَ الْبُغَاةُ ذِمَّةً ، وَأَمَانًا لِحُرٍّ أَيْ بَيْنَ إلَخْ ) اقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِهِمْ لَيْسَتْ بِأَمَانٍ لَهُمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي ، وَقَالَ إذَا اسْتَعَانُوا بِهِمْ ، وَلَمْ يَعْقِدُوا لَهُمْ أَمَانًا فَكَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِقِتَالِنَا فِي سَبْيِهِمْ وَاغْتِنَامِ أَمْوَالِهِمْ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْبُغَاةِ ، وَقَوْلُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَنْعَقِدُ بِشَرْطِ الْقِتَالِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ عَقَدَ بِقِتَالِنَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى قِتَالِنَا ؛ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْأَمَانِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فِي الطَّرَفَيْنِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْكِفَايَةِ ، وَإِذَا حَارَبُونَا مَعَهُمْ لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُهُمْ فِي حَقِّهِمْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ انْتِقَاضُهُ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَإِنَّ لَنَا إعَانَةَ الْمُحِقِّينَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : الْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : أَوْ مُسْتَأْمَنُونَ ) أَيْ أَوْ مُعَاهَدُونَ

( وَإِنْ ذَكَرُوا عُذْرًا ) فِي إعَانَتِهِمْ إيَّاهُمْ بِأَنْ قَالُوا ظَنَنَّا أَنَّهُمْ الْمُحِقُّونَ ، وَأَنَّ لَنَا إعَانَةَ الْمُحِقِّينَ أَوْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا إعَانَتُهُمْ أَوْ أَنَّهُمْ اسْتَعَانُوا بِنَا فِي قِتَالِ كُفَّارٍ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا مُكْرَهِينَ ( لَمْ يُنْتَقَضْ ) عَهْدُهُمْ لِمُوَافَقَتِهِمْ طَائِفَةً مُسْلِمَةً مَعَ عُذْرِهِمْ ( لَا الْمُسْتَأْمَنَ ) الشَّامِلُ لِلْمُعَاهَدِ فِي دَعْوَاهُ الْإِكْرَاهَ ( فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ ) فِي عَدَمِ انْتِقَاضِ أَمَانِهِ ( إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِإِكْرَاهِهِ ) فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا انْتَقَضَ ؛ لِأَنَّ أَمَانَهُ يُنْتَقَضُ بِخَوْفِ الْقِتَالِ فَبِحَقِيقَتِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ ( وَيُقَاتَلُونَ ) أَيْ الَّذِينَ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ ( كَالْبُغَاةِ لَكِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ ) مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْنَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَتْلَفُوهُ فِي الْحَرْبِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْبُغَاةِ كَمَا مَرَّ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِهِمْ لِئَلَّا يُنَفِّرَهُمْ الضَّمَانُ ؛ وَلِأَنَّ لَهُمْ تَأْوِيلًا ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْأَمَانِ فِي قَبْضَتِنَا ، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمْ ( وَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُمْ ) إذَا قَتَلُوا نَفْسًا فِي الْحَرْبِ ( وَجْهَانِ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ .

( وَلَوْ حَارَبَ ذِمِّيُّونَ بُغَاةً لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ ) ؛ لِأَنَّهُمْ حَارَبُوا مَنْ عَلَى الْإِمَامِ مُحَارَبَتُهُ ، وَيُقَاسُ بِهِمْ الْمُسْتَأْمَنُونَ .
( قَوْلُهُ : وَيُقَاسُ بِهِمْ الْمُسْتَأْمَنُونَ ) أَيْ وَالْمُعَاهَدُونَ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( اقْتَتَلَ طَائِفَتَانِ بَاغِيَتَانِ مَنَعَهُمَا الْإِمَامُ ) مِنْ الِاقْتِتَالِ فَلَا يُعِينُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ مَنْعِهِمَا ( قَاتَلَ أَشَرَّهُمَا بِالْأُخْرَى ) الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ ( فَإِنْ رَجَعَتْ ) مَنْ قَاتَلَهَا إلَى الطَّاعَةِ ( لَمْ يُفَاجِئْ الْأُخْرَى بِالْقِتَالِ حَتَّى يُنْذَرَهَا ) أَيْ يَدْعُوهَا إلَى الطَّاعَةِ ( لِأَنَّهَا ) بِاسْتِعَانَتِهِ بِهَا صَارَتْ ( فِي أَمَانِهِ فَإِنْ اسْتَوَتَا اجْتَهَدَ ) فِيهِمَا ( وَقَاتَلَ الْمَضْمُومَةَ ) مِنْهُمَا إلَيْهِ الْأُخْرَى ( غَيْرَ قَاصِدٍ إعَانَتَهَا ) بَلْ قَاصِدًا دَفَعَ الْأُخْرَى ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فَإِنْ اسْتَوَيَا ضَمَّ إلَيْهِ أَقَلُّهُمَا جَمْعًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِمَا دَارًا ثُمَّ يَجْتَهِدُ ( ، وَعَلَى الْعَادِلِ ) مِنَّا ( مُصَابَرَةُ بَاغِيَيْنِ ) فِي الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَلَا يُوَلِّي عَنْهُمَا إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ .
( وَإِنْ غَزَا الْبُغَاةُ مَعَ الْإِمَامِ ) مُشْرِكِينَ ( فَكَأَهْلِ الْعَدْلِ فِي ) حُكْمِ ( الْغَنَائِمِ ، وَإِنْ وَادَعُوا ) أَيْ الْبُغَاةُ أَيْ عَاهَدُوا ( مُشْرِكًا اجْتَنَبْنَاهُ ) بِأَنْ لَا نَقْصِدَهُ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ الْحَرْبِيُّ غَيْرُ الْمُعَاهَدِ ( وَيُسْتَنْقَذُ ) وُجُوبًا ( مِنْهُمْ سَبَايَا مُشْرِكِينَ أَمَنَّاهُمْ وَمَنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ بَاغٍ أَمَّنَهُ عَادِلٌ ، وَلَوْ ) كَانَ الْمُؤَمِّنُ لَهُ ( عَبْدًا ) أَوْ امْرَأَةً ( اقْتَصَّ مِنْهُ أَوْ قَتَلَهُ جَاهِلًا ) بِأَمَانِهِ ( فَالدِّيَةُ ) تَلْزَمُهُ ( وَيُسْتَنْقَذُ ) وُجُوبًا ( أَسِيرُ الْبُغَاةِ مِنْ الْكُفَّارِ ) إنْ قَدَرْنَا عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ .

( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ اسْتَوَتَا ضُمَّ إلَيْهِ أَقَلُّهُمَا جَمْعًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى الْعَادِلِ مِنَّا مُصَابَرَةُ بَاغِيَيْنِ ) كَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي خَطَأٌ لَا صَائِرَ إلَيْهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَالْعَجَبُ مِنْ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ كَيْفَ لَمْ يَتَعَقَّبَاهُ ، وَكَلَامُهُمَا فِي الطَّرَفِ الرَّابِعِ يَرُدُّ ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا قَالَا فِيهِ إنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ دَفْعِ الصَّائِلِ ، وَقَدْ ذَكَرَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ النَّفْسَ ، وَكَانَ مُسْلِمًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إنَّهُ الْأَظْهَرُ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي قَبْلَ ذِكْرِهِ صُورَةَ الِاثْنَيْنِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِالْقِتَالِ أَنْ يُهْلِكَهُمْ ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ أَنْ يُفَرِّقُوا جُمُوعَهُمْ وَيَرُدُّوهُمْ إلَى الطَّاعَةِ ، وَقَالَ يَكُونُ حُكْمُ الْإِمَامِ مَعَهُمْ حُكْمَ الْمَصُولِ مَعَ الصَّائِلِ يُدْفَعُ بِالْأَيْسَرِ فَالْأَيْسَرِ ، وَقَالَ فِي الصَّائِلِ إنْ قَدَرَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَلَى الْهَرَبِ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ : عَلَيْهِ أَنْ يَهْرُبَ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَهْرُبَ وَحَكَى الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَعَ ذَلِكَ إيجَابُ مُصَابَرَةِ الْعَادِلِ لِلِاثْنَيْنِ مِنْ الْبُغَاةِ هَذَا لَا يَتَخَيَّلُهُ أَحَدٌ ، وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ ، وَكَلَامُ أَصْحَابِهِ يَرُدُّ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْعُلَمَاءِ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِهِ ، وَقَدْ كَتَبْت أَوْرَاقًا سَمَّيْتهَا الرَّدَّةَ عَلَى صَاحِبِ التَّتِمَّةِ فِيمَا قَالَهُ فِي الْمُصَابَرَةِ الْمُدْلَهِمَّةِ وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي

( وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ عَادِلًا فِي الْقِتَالِ ، وَقَالَ ظَنَنْته بَاغِيًا حَلَفَ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ ) لَا الْقِصَاصُ لِلْعُذْرِ .

( كِتَابُ الرِّدَّةِ ) .
( هِيَ ) لُغَةً الرُّجُوعُ عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ وَشَرْعًا مَا سَيَأْتِي ، وَهِيَ ( أَفْحَشُ الْكُفْرِ ، وَأَغْلَظُهُ حُكْمًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ } الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } ( وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهَا ) وَمَنْ تَصِحُّ مِنْهُ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهَا ، وَهَذَا سَقَطَ مِنْ نُسْخَةٍ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ بَعْدَ الطَّرَفِ الثَّانِي فِيمَنْ تَصِحُّ رِدَّتُهُ ( وَهِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ إمَّا بِتَعَمُّدِ فِعْلٍ ) ، وَلَوْ بِقَلْبِهِ اسْتِهْزَاءً أَوْ جُحُودًا ( كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ ، وَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ ) أَوْ نَحْوِهِ كَكُتُبِ الْحَدِيثِ ( فِي قَذِرٍ اسْتِخْفَافًا ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِهِمَا وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ فِي الْأُولَى عَمَّا لَوْ سَجَدَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَكْفُرُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ النَّصِّ ، وَإِنْ زَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ عَمَّا لَوْ أَلْقَاهُ فِي قَذِرٍ خِيفَةَ أَخْذِ الْكُفَّارِ لَهُ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهِ ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ ( وَسِحْرٍ فِيهِ عِبَادَةُ الشَّمْسِ ) وَنَحْوِهَا كَالْمَشْيِ إلَى الْكَنَائِسِ مَعَ أَهْلِهَا بِزِيِّهِمْ مِنْ الزَّنَانِيرِ وَغَيْرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَأَمَّا بِقَوْلِ كُفْرٍ صَدَرَ عَنْ اعْتِقَادٍ أَوْ عِنَادٍ أَوْ اسْتِهْزَاءٍ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرِّدَّةِ كَاجْتِهَادٍ أَوْ سَبْقِ لِسَانٍ أَوْ حِكَايَةٍ أَوْ خَوْفٍ .

( كِتَابُ الرِّدَّةِ ) ( قَوْلُهُ : وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } ) وَخَبَرِ { لَا يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ } ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ } فَلَوْ أَسْلَمَ ، وَكَانَ قَدْ حَجَّ قَبْلَ الِارْتِدَادِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لَكِنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ عَلَى حُبُوطِ ثَمَرَاتِ الْأَعْمَالِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ ، وَهِيَ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ ) فَإِنْ قِيلَ الْإِسْلَامُ مَعْنًى مَعْقُولٌ لَا مَحْسُوسٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَطْعُهُ قِيلَ الْمُرَادُ قَطْعُ اسْتِمْرَارِهِ وَدَوَامِهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ ( قَوْلُهُ : كَكُتُبِ الْحَدِيثِ ) أَيْ وَالْفِقْهِ وَكُلِّ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَذَا تَضَمُّخُ الْكَعْبَةِ الشَّرِيفَةِ بِالْغَائِطِ وَمِثْلُ السُّجُودِ الرُّكُوعُ وَسَائِرُ التَّعْظِيمَاتِ ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ السُّجُودَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ غَيْرُ اللَّهِ بِالرُّكُوعِ ، وَلَوْ أَلْقَى آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ كَبَسْمُ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْقَاذُورَاتِ فَكَالْمُصْحَفِ ( قَوْلُهُ : كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ النَّصِّ ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ) حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِدَّةٍ ، وَلَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي الْمَغْلُوبِ كَالصَّادِرِ مِنْ الْوَلِيِّ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ وَفِي أَمَالِي الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ لَوْ ، قَالَ وَلِيٌّ أَنَا اللَّهُ عُزِّرَ التَّعْزِيرَ الشَّرْعِيَّ ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ حِكَايَةٌ أَوْ خَوْفٌ ) أَيْ أَوْ صُدُورُهُ مِنْ الْوَلِيِّ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ .

( فَمَنْ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ كُفْرٍ أَيْ فَمَنْ ( اعْتَقَدَ قِدَمَ الْعَالَمِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ، وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى ( وَحُدُوثَ ) وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ حُدُوثَ ( الصَّانِعِ ) الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْله تَعَالَى { صُنْعَ اللَّهِ } أَوْ جَحَدَ جَوَازَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ أَوْ نَفَى مَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْقَدِيمِ بِالْإِجْمَاعِ كَكَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا أَوْ أَثْبَتَ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ كَالْأَلْوَانِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ ، وَأَوْرَدَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى الْأَخِيرِ أَنَّ الْمُجَسِّمَةَ مُلْتَزِمُونَ بِالْأَلْوَانِ مَعَ أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ قَالَ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ الْجَزْمُ بِتَكْفِيرِهِمْ .
( قَوْلُهُ : الْمَأْخُوذُ مِنْ قَوْله تَعَالَى { صُنْعَ اللَّهِ } ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَصَاحِبُ كِتَابِ الْحُجَّةِ إلَى بَيَانِ الْمَحَجَّةِ ( قَوْلُهُ : مَعَ أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : قَالَ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ إلَخْ ) ، قَالَ شَيْخُنَا الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ .

( أَوْ كَذَّبَ نَبِيًّا ) فِي نُبُوَّتِهِ أَوْ غَيْرِهَا ( أَوْ جَحَدَ آيَةً مِنْ الْمُصْحَفِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى ثُبُوتِهَا ( أَوْ زَادَ فِيهِ كَلِمَةً مُعْتَقِدًا أَنَّهَا مِنْهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِنَبِيٍّ ) بِسَبٍّ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ سُنَّةٍ ) كَأَنْ قِيلَ لَهُ قَلِّمْ أَظْفَارَك فَإِنَّهُ سُنَّةٌ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً .
( قَوْلُهُ : أَوْ اسْتَخَفَّ بِنَبِيٍّ ) أَوْ مَلَكَ .

( أَوْ أَنْكَرَ الْوُجُوبَ أَوْ التَّحْلِيلَ ) الصَّادِقَ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ ( أَوْ تَحْرِيمَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ ) بِالضَّرُورَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ ، وَتَحْلِيلِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ، وَتَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا بِخِلَافِ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ ، وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ فَلَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ لِلْعُذْرِ بَلْ يَعْرِفُ الصَّوَابَ لِيَعْتَقِدَهُ وَفِي هَذَا كَلَامٌ لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ ذَكَرْته مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ، وَلَوْ حَذَفَ أَلْ مِنْ الْوُجُوبِ وَالتَّحْلِيلِ لِيَكُونَا مُضَافِينَ لِمِثْلِ مَا أُضِيفَ لَهُ تَحْرِيمٌ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ، وَأَنْسَبَ بِكَلَامِ أَصْلِهِ ( أَوْ أَنْكَرَ رَكْعَةً مِنْ ) الصَّلَوَاتِ ( الْخَمْسِ ) هَذَا دَاخِلٌ فِي إنْكَارِ الْوُجُوبِ .

( قَوْلُهُ : أَوْ تَحْرِيمُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ إلَخْ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِلَا تَأْوِيلٍ لِيَخْرُجَ الْبُغَاةُ وَالْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ ، وَأَمْوَالَهُمْ وَيَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَ دِمَائِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ ( قَوْلُهُ : وَالزِّنَا ) أَيْ ، وَأَخْذُ الْمُكُوسِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا لَا يَعْرِفُهُمْ إلَّا الْخَوَاصُّ إلَخْ ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ بِالتَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ مِمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ إلَّا الْخَوَاصُّ إلَخْ أَخْرَجَهُ تَعْبِيرُهُمْ بِالْجُحُودِ ؛ لِأَنَّهُ إنْكَارُ مَا سَبَقَ الِاعْتِرَافُ بِهِ ، وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْجُحُودَ لِمُطْلَقِ الْإِنْكَارِ مَجَازًا رِعَايَةً لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ ش ( قَوْلُهُ : وَفِي هَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ ، قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي إنْ أَرَادَ النَّوَوِيُّ بِقَوْلِهِ فَلَا يَكْفُرُ إلَخْ أَنَّهُ رُبَّمَا خَفِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ إذَا عَرَفَهُ وَجَحَدَهُ كَفَرَ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الرَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْجَحْدَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بَلْ لَوْ أَنْكَرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ، وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ خَفِيًّا كَانَ جَحْدُهُ مِنْ الْعَالِمِ بِهِ لَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ فَلَيْسَ لِقَوْلِهِ فَلَا يَكْفُرُ لِلْعُذْرِ إلَخْ فَائِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعَارِفَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ .
ا هـ .
وَيُجَابُ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا عَرَفَ مَعَ الْحُكْمِ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَرَفَ الْحُكْمَ فَقَطْ لَا يَكْفُرُ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ، وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْخَمْرِ ، قَالَ وَكَيْفَ نُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ يَرُدُّ أَصْلَهُ ، وَإِنَّمَا نُبَدِّعُهُ ، وَأَوَّلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ثَبَتَ شَرْعًا ثُمَّ حَلَّلَهُ فَإِنَّهُ

رَدٌّ لِلشَّرْعِ حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الشُّرْبِ ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا إنْ صَحَّ فَلْيَجْرِ فِي سَائِرِ مَا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ أَوْ تَحْرِيمِهِ فَأَبَاحَهُ ، وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّنْجَانِيُّ بِأَنَّ مُسْتَحِلَّ الْخَمْرِ لَا نُكَفِّرُهُ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَقَطْ بَلْ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ظَاهِرُ حَدِيثِ التَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ أَنَّ مُخَالِفَ الْإِجْمَاعِ كَافِرٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ ، وَلَيْسَ بِالْهَيِّنِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِجْمَاعِيَّةَ إنْ صَحِبَهَا التَّوَاتُرُ كَالصَّلَاةِ كَفَرَ مُنْكِرُهَا لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاتُرَ لَا لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا التَّوَاتُرُ لَمْ يَكْفُرْ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّ إنْكَارِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ .
ا هـ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ بِلَا تَأْوِيلٍ لِيَخْرُجَ الْبُغَاةُ وَالْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ ، وَأَمْوَالَهُمْ وَاَلَّذِينَ أَنْكَرُوا وُجُوبَ الزَّكَاةِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّأْوِيلِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُكَفِّرُوهُمْ ، وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إلَخْ جَوَابَهُ أَنَّهُ اسْتَبَاحَ مَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ بِالضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ ، وَقَوْلُهُ : وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّنْجَانِيُّ إلَخْ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ ، وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا عَرَفَ مَعَ الْحُكْمِ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ لَا يَتَوَقَّفُ التَّكْفِيرُ عَلَى مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ .

( أَوْ ) اعْتَقَدَ وُجُوبَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ كَأَنْ ( زَعَمَ زِيَادَةَ ) صَلَاةٍ ( سَادِسَةٍ ) أَوْ وُجُوبَ صَوْمِ شَوَّالٍ ( أَوْ قَذَفَ عَائِشَةَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِبَرَاءَتِهَا بِخِلَافِ سَائِرِ زَوْجَاتِهِ ( أَوْ ادَّعَى نُبُوَّةً بَعْدَ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ صَدَّقَ مُدَّعِيهَا أَوْ كَفَّرَ مُسْلِمًا ) ، وَلَوْ ( لِذَنْبِهِ ) ، وَقَوْلُهُ لِذَنْبِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَلَوْ تَرَكَهُ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ، وَإِنَّمَا كَفَرَ مُكَفِّرَهُ ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى الْإِسْلَامَ كُفْرًا وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا حَارَ عَلَيْهِ } أَيْ رَجَعَ عَلَيْهِ هَذَا إنْ كَفَّرَهُ ( بِلَا تَأْوِيلٍ ) لِلْكُفْرِ بِكُفْرِ النِّعْمَةِ أَوْ نَحْوِهِ ، وَإِلَّا فَلَا يَكْفُرُ ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمُتَوَلِّي ، وَأَقَرَّهُ وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْخَبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ فَلَا يَكْفُرُ غَيْرُهُ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي أَذْكَارِهِ إنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ تَحْرِيمًا مُغَلَّظًا .
( قَوْلُهُ : لِدِينِهِ ) لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ بِكَسْرِ الدَّالِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ ثُمَّ نُونٍ ، وَلَوْ حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَيْهِ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ وَلَوْ تَرَكَهُ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ( قَوْلُهُ : كَانَ أَوْلَى ، وَأَخْصَرَ ) لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا نَشَأَ مِنْ تَصْحِيفِهِ بِمَا ذَكَرَهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ ثُمَّ النُّونِ ، وَهُوَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ ، وَأَمَّا التَّكْفِيرُ لِلذَّنْبِ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ بِلَا تَأْوِيلٍ ( قَوْلُهُ : بِلَا تَأْوِيلٍ لِلْكُفْرِ بِكُفْرِ النِّعْمَةِ ) أَوْ بِارْتِكَابِهِ كَبِيرَةً كَمَا تَعْتَقِدُهُ الْخَوَارِجُ .

( أَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ عَلَّقَهُ ) بِشَيْءٍ كَقَوْلِهِ إنْ هَلَكَ مَالِي أَوْ وَلَدِي تَهَوَّدْت أَوْ تَنَصَّرْت ( أَوْ تَرَدَّدَ هَلْ يَكْفُرُ ) أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِيمَانِ وَاجِبَةٌ فَإِذَا تَرَكَهَا كَفَرَ وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ تَفْسِيقِ الْعَدْلِ بِعَزْمِهِ عَلَى فِعْلِ كَبِيرَةٍ أَوْ تَرَدُّدِهِ فِيهِ ( أَوْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ ) كَأَنْ أَمَرَ مُسْلِمًا بِهِ ( أَوْ ) الْأَوْلَى وَالْأَنْسَبُ بِالْأَصْلِ كَأَنْ ( أَشَارَ بِهِ ) عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ عَلَى كَافِرٍ أَرَادَ الْإِسْلَامَ بِأَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى كُفْرِهِ ( أَوْ لَمْ يُلَقِّنْ الْإِسْلَامَ طَالِبَهُ ) مِنْهُ ( أَوْ امْتَهَلَ ) أَيْ اسْتَمْهَلَ ( مِنْهُ ) تَلْقِينَهُ كَأَنْ قَالَ لَهُ اصْبِرْ سَاعَةً ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَهَذَا كُلُّهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمُتَوَلِّي ، وَأَقَرَّهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مَا عَدَا إشَارَتَهُ بِهِ عَلَى مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ قَالَ وَمَا قَالَهُ إفْرَاطٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالتَّصْوِيبُ ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا إشَارَتَهُ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُسْلِمَ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي .

( قَوْلُهُ : أَوْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ ) سُئِلَ الْحَلِيمِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ عَلَى كَافِرٍ فَأَسْلَمَ الْكَافِرُ فَحَزِنَ الْمُسْلِمُ لِذَلِكَ ، وَتَمَنَّى أَنْ كَانَ لَمْ يُسْلِمْ ، وَوَدَّ لَوْ عَادَ لِلْكُفْرِ أَيَكْفُرُ الْمُسْلِمُ بِذَلِكَ أَمْ لَا قِيلَ لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَاحَهُ الْكُفْرَ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى أَنْ يَتَمَنَّاهُ لَهُ وَاسْتِحْسَانَهُ الْإِسْلَامَ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى أَنْ يَكْرَهَهُ لَهُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَمَنِّي الْكُفْرِ كُفْرًا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ ، وَقَدْ تَمَنَّى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ لَا يُؤْمِنَ فِرْعَوْنُ وَزَادَ عَلَى التَّمَنِّي فَدَعَا اللَّهَ بِذَلِكَ ، وَلَا عَاتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَلَا زَجَرَهُ عَنْهُ ، وَقَوْلُهُ قِيلَ لَا يَكْفُرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَنْسَبُ بِالْأَصْلِ كَانَ ) كِلَا التَّعْبِيرَيْنِ حَسَنٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَشَارَ بِهِ عَلَى شَخْصٍ لِكَرَاهَتِهِ لَهُ فَالْأَنْسَبُ بِهِ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ أَوْ لِمَحَبَّتِهِ لَهُ فَالْأَنْسَبُ بِهِ تَعْبِيرُ أَصْلِهِ .

( أَوْ سَخِرَ بِاسْمِ اللَّهِ ) أَوْ بِأَمْرِهِ ، أَوْ وَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( أَوْ ) بِاسْمِ ( رَسُولِهِ أَوْ قَالَ لَوْ أَمَرَنِي ) اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ ( بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْ ) وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ حُكْمِ اسْمِ رَسُولِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ ) لَوْ ( جَعَلَ الْقِبْلَةَ هُنَا لَمْ أُصَلِّ ) إلَيْهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا قَالَهُ اسْتِحْفَافًا أَوْ اسْتِغْنَاءً لَا إنْ أَطْلَقَ ( أَوْ ) لَوْ ( اتَّخَذَ ) اللَّهُ ( فُلَانًا نَبِيًّا لَمْ أُصَدِّقْهُ ، وَلَوْ ) أَيْ أَوْ لَوْ ( أَوْجَبَ ) اللَّهُ ( عَلَيَّ الصَّلَاةَ مَعَ حَالِي هَذَا ) أَيْ مِنْ مَرَضٍ وَشِدَّةٍ ( لَظَلَمَنِي ) أَوْ قَالَ الْمَظْلُومُ هَذَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فَقَالَ الظَّالِمُ أَنَا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( أَوْ لَوْ شَهِدَ ) عِنْدِي نَبِيٌّ ( بِكَذَا أَوْ مَلَكٌ لَمْ أَقْبَلْهُ ) أَوْ قَالَ إنَّ اللَّهَ جَلَسَ لِلْإِنْصَافِ أَوْ قَامَ لِلْإِنْصَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ مُجَسِّمٌ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ لَوْ اتَّخَذَ اللَّهُ فُلَانًا نَبِيًّا لَمْ أُصَدِّقْهُ ) أَوْ ، قَالَ لَوْ كَانَ فُلَانٌ نَبِيًّا مَا آمَنْت بِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ لَوْ شَهِدَ عِنْدِي نَبِيٌّ بِكَذَا أَوْ مَلَكٌ لَمْ أَقْبَلْهُ ) وَسُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ رَجُلٍ سُئِلَ فِي شَيْءٍ فَقَالَ لَوْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ مَا فَعَلْت كَذَا ، وَكَذَا فَقَالَ لَا يَكْفُرُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ جِبْرِيلَ عِنْدَهُ ، وَهُوَ صَحِيحٌ .

( أَوْ إنْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ صِدْقًا نَجَوْنَا أَوْ لَا أَدْرِي النَّبِيَّ إنْسِيٌّ أَوْ جِنِّيٌّ ) أَوْ قَالَ إنَّهُ جِنٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( أَوْ لَا أَدْرِي مَا الْإِيمَانُ ) احْتِقَارًا ( أَوْ صَغَّرَ عُضْوًا مِنْهُ ) أَيْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( احْتِقَارًا أَوْ صَغَّرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى ) هَذَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَادَى رَجُلًا اسْمَهُ عَبْدَ اللَّهِ ، وَأَدْخَلَ فِي آخِرِهِ حَرْفَ الْكَافِ الَّذِي تَدْخُلُ التَّصْغِيرَ بِالْعَجَمِيَّةِ فَقِيلَ يَكْفُرُ ، وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَ التَّصْغِيرَ كَفَرَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ أَوْ جَهِلَ مَا يَقُولُ فَلَا فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ، وَعَلَيْهِ جَرَى صَاحِبُ الْأَنْوَارِ .

( أَوْ قَالَ لِمَنْ حَوْقَلَ لَا حَوْلَ لَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ أَوْ كَذَّبَ الْمُؤَذِّنَ ) فِي أَذَانِهِ كَأَنْ قَالَ لَهُ تَكْذِبُ ( أَوْ سَمَّى اللَّهَ عَلَى ) شُرْبِ ( خَمْرٍ أَوْ عَلَى زِنًا اسْتِخْفَافًا ) بِاسْمِهِ تَعَالَى ( أَوْ قَالَ لَا أَخَافُ الْقِيَامَةَ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا إذَا قَصَدَ الِاسْتِخْفَافَ ، وَإِلَّا فَلَا يَكْفُرُ وَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَى قُوَّةِ رَجَائِهِ وَسَعَةِ غُفْرَانِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ ( أَوْ ) قَالَ ( قَصْعَةٌ مِنْ ثَرِيدٍ خَيْرٌ مِنْ الْعِلْمِ أَوْ قَالَ لِمَنْ قَالَ أَوْدَعْت اللَّهَ مَالِي أَوْدَعْته مَنْ لَا يَتْبَعُ السَّارِقَ ) إذَا سَرَقَ ، وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا قَيَّدَ بِهِ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا ، وَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَى سِتْرِ اللَّهِ إيَّاهُ وَنَحْوِهِ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا إذَا قَصَدَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( أَوْ قَالَ تَوَفَّنِي إنْ شِئْت مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ ) قَالَ ( أَخَذْت مَالِي وَوَلَدِي فَمَا تَصْنَعُ أَيْضًا ) أَوْ مَاذَا بَقِيَ لَمْ تَفْعَلْهُ ( أَوْ قَالَ الْمُعَلِّمُ ) لِلصِّبْيَانِ مَثَلًا ( الْيَهُودُ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) ؛ لِأَنَّهُمْ ( يُنْصِفُونَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ ) نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَارْتَضَاهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : وَالظَّاهِرُ عَدَمُ مُوَافَقَةِ أَئِمَّتِنَا لَهُمْ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّمَ لَمْ يَقْصِدْ الْخَيْرَ الْمُطْلَقَ بَلْ فِي الْإِحْسَانِ لِلْمُعَلِّمِ وَمُرَاعَاتِهِ ( أَوْ أَعْطَى مَنْ أَسْلَمَ مَالًا فَقَالَ ) مُسْلِمٌ ( لَيْتَنِي كُنْت كَافِرًا فَأُسْلِمُ فَأُعْطَى مَالًا أَوْ أَنْكَرَ ) شَخْصٌ ( صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى نَصَّ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ { إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ ( أَوْ قِيلَ أَلَسْت مُسْلِمًا فَقَالَ لَا عَمْدًا أَوْ نُودِيَ يَا يَهُودِيُّ ) أَوْ نَحْوُهُ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ لَبَّيْكَ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إذَا لَمْ يَنْوِ غَيْرَ إجَابَةِ الدَّاعِي .

( قَوْلُهُ : أَوْ أَعْطَى مَنْ أَسْلَمَ مَالًا فَقَالَ لَيْتَنِي إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فِي الْحَالِ فَيُسْلِمَ لِيَنَالَ بِذَلِكَ دُنْيَا قَوْلُهُ : وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) نَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ الشَّافِعِيِّ تَكْفِيرُ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَافِي الرُّؤْيَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ وَتَأَوَّلَ النَّصَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرَانُ النِّعَمِ لَا الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلَّةِ كَذَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمُنَاكَحَتِهِمْ وَمُوَادَّتِهِمْ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ أَنَّ أَصْحَابَنَا كَفَّرُوا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ فَعَّالَةٌ وَلَمْ يُكَفِّرُوا الْمُعْتَزِلَةَ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ إنَّ صَاحِبَ الْكَوَاكِبِ اعْتَقَدَ فِيهَا مَا يَعْتَقِدُ فِي الْإِلَهِ مِنْ أَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ ، قَالُوا : إنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ فَقَطْ .

( أَوْ قَالَ ) كَانَ ( النَّبِيُّ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَسْوَدَ أَوْ أَمْرَدَ أَوْ غَيْرَ قُرَشِيٍّ ) ؛ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ نَفْيٌ لَهُ ، وَتَكْذِيبٌ بِهِ ( أَوْ ) قَالَ ( النُّبُوَّةُ مُكْتَسَبَةٌ أَوْ تُنَالُ رُتْبَتُهَا بِصَفَاءِ الْقُلُوبِ أَوْ أُوحِيَ إلَيَّ ) ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ ( أَوْ ) قَالَ ( إنِّي دَخَلْت الْجَنَّةَ فَأَكَلْت مِنْ ثِمَارِهَا ، وَعَانَقْت حَوَرَهَا ) عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بَدَلَ الْمَاضِي فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ بِالْمُضَارِعِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ( أَوْ شَكَّ فِي تَكْفِيرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ فَعِبَارَتُهُ أَعَمُّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَعَ زِيَادَةِ حُكْمٍ ( وَ ) فِي تَكْفِيرِ ( طَائِفَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ ) الَّذِينَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ الِاتِّحَادُ وَغَيْرُهُ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ كَبَعْضِهِمْ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ أَخْيَارٌ وَكَلَامُهُمْ جَارٍ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ كَسَائِرِ الصُّوفِيَّةِ ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُمْ فِي مُرَادِهِمْ ، وَإِنْ افْتَقَرَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَوْ اعْتَقَدَ ظَاهِرَهُ عِنْدَهُ كَفَرَ إلَى تَأْوِيلٍ إذْ اللَّفْظُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ فَالْمُعْتَقِدُ مِنْهُمْ لِمَعْنَاهُ مُعْتَقِدٌ لِمَعْنًى صَحِيحٍ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى وِلَايَةِ ابْنِ عَرَبِي جَمَاعَةٌ عُلَمَاءُ عَارِفُونَ بِاَللَّهِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَالشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْيَافِعِيُّ ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ وَفِي طَائِفَتِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ عِنْدَ غَيْرِ الصُّوفِيَّةِ لِمَا قُلْنَاهُ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَصْدُرُ عَنْ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ إذَا اسْتَغْرَقَ فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ وَالْعِرْفَانِ بِحَيْثُ تَضْمَحِلُّ ذَاتُهُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتُهُ فِي صِفَاتِهِ وَيَغِيبُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ عِبَارَاتٌ تُشْعِرُ بِالْحُلُولِ

وَالِاتِّحَادِ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ بَيَانِ حَالِهِ الَّذِي تَرَقَّى إلَيْهِ ، وَلَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ ( أَوْ ضَلَّلَ الْأُمَّةَ ) أَيْ نَسَبَهُمْ إلَى الضَّلَالِ ( أَوْ كَفَّرَ الصَّحَابَةَ ) بِأَنْ نَسَبَهُمْ إلَى الْكُفْرِ ( أَوْ أَنْكَرَ إعْجَازَ الْقُرْآنِ ) أَوْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ ) أَنْكَرَ ( مَكَّةَ ) أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا فِي الرَّوْضَةِ ( أَوْ شَكَّ فِيهَا ) بِأَنْ قَالَ لَا أَدْرِي أَنَّ هَذِهِ الْمُسَمَّاةَ بِمَكَّةَ هِيَ مَكَّةُ أَوْ غَيْرُهَا ( أَوْ ) أَنْكَرَ ( الدَّلَالَةَ عَلَى اللَّهِ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) بِأَنْ قَالَ لَيْسَ فِي خَلْقِهِمَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى ( أَوْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ ) لِلْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ بِأَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُمْ الْأَصْلِيَّةَ وَيُعِيدَ الْأَرْوَاحَ إلَيْهَا ( أَوْ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ ) أَوْ الْحِسَابَ أَوْ الثَّوَابَ أَوْ الْعِقَابَ كَمَا صَرَّحَ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ .
( أَوْ ) أَقَرَّ بِهَا لَكِنْ ( قَالَ الْمُرَادُ بِهَا غَيْرُ مَعَانِيهَا ) أَوْ قَالَ الْأَئِمَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( كَفَرَ ) بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا تَقَرَّرَ لِمُخَالَفَةِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ صَرِيحًا فِي بَعْضِهَا وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي هَذَا إنْ عَلِمَ مَعْنَى مَا قَالَهُ ( لَا إنْ جَهِلَ ذَلِكَ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ ) فَلَا يَكْفُرُ لِعُذْرِهِ ، وَلَا إنْ قَالَ مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ أَوْ لِكَافِرٍ لَا رَزَقَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دُعَاءٍ عَلَيْهِ بِتَشْدِيدِ الْأَمْرِ وَالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ ، وَلَا إنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَشَرِبَ مَعَهُمْ الْخَمْرَ ، وَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ ، وَلَا إنْ قَالَ الطَّالِبُ لِيَمِينِ خَصْمِهِ ، وَقَدْ أَرَادَ الْخَصْمُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَلْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ ، وَلَا إنْ قَالَ رُؤْيَتِي

إيَّاكَ كَرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ ، وَلَا إنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى ضَرْبِ الدُّفِّ أَوْ الْقَصَبِ أَوْ قِيلَ لَهُ تَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَالَ نَعَمْ أَوْ خَرَجَ لِسَفَرٍ فَصَاحَ الْعَقْعَقُ فَرَجَعَ .
وَلَا إنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ مُتَعَمِّدًا أَوْ بِنَجَسٍ أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ، وَلَمْ يَسْتَحِلَّ ذَلِكَ ، وَلَا إنْ تَمَنَّى حِلَّ مَا كَانَ حَلَالًا فِي زَمَنٍ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ كَأَنْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ الْخَمْرَ أَوْ الْمُنَاكَحَةَ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ أَوْ الظُّلْمَ أَوْ الزِّنَا أَوْ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَلَا إنْ شَدَّ الزُّنَّارَ عَلَى وَسَطِهِ أَوْ وَضَعَ قَلَنْسُوَةِ الْمَجُوسِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ زُنَّارًا وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِيُخَلِّصَ الْأُسَارَى ، وَلَا إنْ قَالَ النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ ، وَلَا إنْ قَالَ لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتهَا صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ الْأَصْلِ فِي بَعْضِهِ لَكِنْ رَجَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ يَكْفُرُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا قَالَهُ اسْتِخْفَافًا أَوْ اسْتِغْنَاءً لَا إنْ أَطْلَقَ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى بِنَجَسٍ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ كُفْرِ مَنْ اسْتَحَلَّ الصَّلَاةَ بِالنَّجَسِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهَا بَلْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى الْجَوَازِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَفِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ لَوْ شُفِيَ مَرِيضٌ ثُمَّ قَالَ لَقِيت فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ النِّسْبَةَ إلَى الْجَوْرِ ، وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَيُسْتَتَابُ وَيُعَزَّرُ .
انْتَهَى .
وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ قَالَ فُلَانٌ فِي عَيْنَيْ كَالْيَهُودِيِّ

وَالنَّصْرَانِيِّ فِي عَيْنِ اللَّهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَفَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ أَرَادَ الْجَارِحَةَ كَفَرَ ، وَإِلَّا فَلَا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّجْسِيمِ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّا لَا نُكَفِّرُ الْمُجَسِّمَةَ .
( قَوْلُهُ : وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ الظُّلْمُ ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا مِنْ قَوْلِهِ حَلَّ مَا كَانَ حَلَالًا أَيْ تَمَنَّى حِلَّ الظُّلْمِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا ، قَالَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ ) هُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مُطْلَقًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : وَالْمَشْهُورُ أَنَّا لَا نُكَفِّرُ الْمُجَسِّمَةَ .

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَنْ تَصِحُّ رِدَّتُهُ ) وَمَنْ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ ( وَلَا تَصِحُّ ) الرِّدَّةُ ( إلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَمُكْرَهٍ كَسَائِرِ الْعُقُودِ ( فَإِنْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ أُمْهِلَ ) بِالْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْقِلُ وَيَعُودُ إلَى الْإِسْلَامِ ( فَإِنْ قَتَلَ مَجْنُونًا فَهَدْرٌ ) ، وَإِنْ فَوَّتَ قَاتِلُهُ الِاسْتِتَابَةَ الْوَاجِبَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّرَ لِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ أُمْهِلَ ) عَلَّلَهُ فِي التَّتِمَّةِ بِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْإِصْرَارِ عَلَى الرِّدَّةِ ، وَلَا يُعْلَمُ هَلْ هُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا أَمْ لَا ، قَالَ فِي الْأُمِّ : لَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ زِنًا أَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ أُقِمْ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا ، وَلَمْ أَقْتُلْهُ بِالرِّدَّةِ ؛ لِأَنِّي أَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتِهِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا ، وَهُوَ يَعْقِلُ ، وَكَذَلِكَ احْتَاجَ أَنْ أَقُولَ لَهُ ، وَهُوَ يَعْقِلُ إنْ لَمْ تَرْجِعْ إلَى الْإِسْلَامِ قَتَلْتُك ، وَكَتَبَ أَيْضًا يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا اُسْتُتِيبَ قَبْلَ جُنُونِهِ فَلَمْ يَتُبْ ، وَجُنَّ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ

( وَإِنْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ لَا بِإِقْرَارٍ أَوْ أَقَرَّ بِقَذْفٍ أَوْ قِصَاصٍ ثُمَّ جُنَّ اسْتَوْفَى ) مِنْهُ ( فِي ) حَالِ ( جُنُونِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ جُنَّ لَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ حِينَئِذٍ احْتِيَاطًا فَلَوْ اسْتَوْفَى مِنْهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَبِخِلَافِ صُورَةِ الرِّدَّةِ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِتَابَةَ فِيهَا وَاجِبَةٌ .

( وَتَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ ) كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ ( وَفِي صِحَّةِ اسْتِتَابَتِهِ وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَمَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ لَكِنْ يُنْدَبُ تَأْخِيرُهَا إلَى الْإِفَاقَةِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَوْبَتِهِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَزُولُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ النَّصِّ ، وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَالْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ ( وَيُمْهَلُ بِالْقَتْلِ ) احْتِيَاطًا لَا وُجُوبًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي تَلْعِيقِهِ ( حَتَّى يُفِيقَ ) فَيُعْرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ .

( قَوْلُهُ : وَتَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى مُؤَاخَذَتِهِ بِالْقَذْفِ ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ أَقْوَالِهِ ( قَوْلُهُ : أَحَدُهُمَا نَعَمْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ ) ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْأَصَحُّ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْأَرْجَحُ وَفِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِوُجُوبِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ فِي الْحَالِ وَصِحَّةِ إسْلَامِ السَّكْرَانِ فَكَيْفَ يَجِبُ التَّأْخِيرُ مَعَ خَطَرِ الْمَوْتِ وَغَيْرِهِ ، قَالَ : وَالْقِيَاسُ وُجُوبُهَا فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَنَبَّهَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَيْهَا فِي حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَعَ عَدَمِ الْجَزْمِ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ ، وَقَالَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْجَزْمَ بِهَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَكَأَنَّهُ أُلْحِقَ بِهِ فِي الْحَاشِيَةِ فَأَخَّرَهُ النَّاقِلُ .
( قَوْلُهُ : حَتَّى يُفِيقَ ) ، قَالَ شَيْخُنَا أَيْ مِنْ سُكْرِهِ إذْ إسْلَامُهُ قَبْلَ إفَاقَتِهِ صَحِيحٌ أَمَّا إمْهَالُ الْمَجْنُونِ إلَى الْإِفَاقَةِ فَوَاجِبٌ ، وَلَمْ يَشْمَلْهُ كَلَامِهِ ( قَوْلُهُ : احْتِيَاطًا لَا وُجُوبًا ) نَقَلَ عَنْ ظَاهِرِ نَصِّ الْأُمِّ الْوُجُوبَ ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَرْجِيحِ وُجُوبِ الِاسْتِتَابَةِ فَهُوَ الرَّاجِحُ .

( وَيَصِحُّ إسْلَامُهُ فِي السُّكْرِ ، وَلَوْ ارْتَدَّ صَاحِيًا ) أَوْ لَمْ يُسْتَتَبْ ( وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ ) بَعْدَ إسْلَامِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِهِ ( وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةُ الرِّدَّةِ قُبِلَتْ ، وَإِنْ لَمْ تُفَصَّلْ ) شَهَادَتُهَا ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لِخَطَرِهَا لَا يُقَدَّمُ الشَّاهِدُ بِهَا إلَّا عَلَى بَصِيرَةٍ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَكَثِيرٌ وُجُوبُ التَّفْصِيلِ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يُوجِبُهَا ، وَكَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِالْجُرْحِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ السُّبْكِيُّ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّهُ الْمَعْرُوفُ عَقْلًا وَنَقْلًا ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ قَالَ : وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ بَحْثٌ لَهُ .

( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الرِّدَّةَ لِخَطَرِهَا إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِهَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ ، وَلَا نُبْقِي عَلَيْهِ وَصْمَةً .
( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَكَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِالْجُرْحِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ) إنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّفْصِيلُ فِي الْجُرْحِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِمُفَسِّقِ وَزِنًا وَسَرِقَةٍ فِسْقًا وَزِنًا وَسَرِقَةً فَوَجَبَ التَّفْصِيلُ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دُونَ الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لِخَطَرِهَا لَا يُشْهَدُ بِهَا إلَّا بَعْدَ التَّثَبُّتِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ ثَمَّ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ وُقُوعِ أَثَرِهَا فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِهَا إنْ كَانَ بَرِّيًّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْإِنْكَارِ ، وَمِنْ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّهَادَةِ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ( قَوْلُهُ : وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ ) مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ تَنَصَّرَ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كَلِمَةِ التَّنَصُّرِ ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ قَبُولُهَا فِي حَقِّ الْحَيِّ ، وَإِنْ لَمْ نُفَصِّلْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّظَائِرِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا وَاضِحٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .
( قَوْلُهُ : وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ السُّبْكِيُّ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ بِالرِّدَّةِ عَنْ الْإِيمَانِ فَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ ارْتَدَّ ، وَلَمْ يَقُولَا عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ كَفَرَ ، وَلَمْ يَقُولَا بِاَللَّهِ فَلَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ قَطْعًا وَاسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الشَّاهِدَانِ مِنْ

الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إلَّا مُفَصَّلَةً قَطْعًا .
ا هـ .
وَقَوْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ قَطْعًا هُوَ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَوَقَعَ فِي الْمُحَاكَمَاتِ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا بِفَسَادِ عَقِيدَةِ إنْسَانٍ فَأَفْتَى عُلَمَاءُ الشَّامِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ لِإِضَافَةِ الشَّهَادَةِ إلَى الْعَقِيدَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ( تَنْبِيهٌ ) لَا يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَشْهَدَ بِرِدَّةِ شَخْصٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ ، وَلَا عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كَافِرٍ عِنْدَ مَنْ يَرَى قَتْلَهُ بِهِ ، وَلَا عَلَى شَخْصٍ بِتَعْرِيضِهِ بِالْقَذْفِ عِنْدَ مَنْ يَرَى حَدَّهُ بِهِ ، وَلَا عَلَى شَخْصٍ بِمُوجِبِ التَّعْزِيرِ عِنْدَ مَنْ يَرَى تَعْزِيرَهُ بِمَا لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيُّ .

( وَإِنْ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ ) عَلَى الرِّدَّةِ ، وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ ( وَ ) كَانَتْ ( شَهَادَتُهُمَا بِالرِّدَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ ) ، وَلَوْ ( بِيَمِينِهِ لِتَكْذِيبِهِ الشُّهُودَ ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا ) قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ شَهِدَ شُهُودٌ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا ، وَأَنْكَرَ لَا يُحَدُّ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَيُجْعَلُ إنْكَارُهُ رُجُوعًا ، وَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عَنْ الْمُرْتَدِّ بِقَوْلِهِ رَجَعْت فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ ، وَتَكْذِيبُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إذَا قَالَ كَذَبَا عَلَيَّ أَوْ لَمْ أَزْنِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي بَابِ الزِّنَا أَنَّهُ يُحَدُّ فِي الْأُولَى قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي اقْتِضَاءِ كَلَامِهِ لِذَلِكَ فِي الْأُولَى نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ دُونَ التَّكْذِيبِ الصَّرِيحِ ( إلَّا إنْ كَانَ ) ثَمَّ ( قَرِينَةٌ ) تُصَدِّقُهُ فِي دَعْوَاهُ ( كَأَسْرِ كُفَّارٍ ) لَهُ ( وَنَحْوِهِ ) فَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ بِيَمِينِهِ وَحَلَفَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُخْتَارًا ، وَلَا حَاجَةَ مَعَ ذِكْرِهِ الْكَافَ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْوِهِ ( أَوْ ) كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا ( بِأَنَّهُ سَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ تَكَلَّمَ بِكُفْرٍ وَادَّعَى ) هُوَ ( الْإِكْرَاهَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ ( لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْ الشُّهُودَ ، وَيُجَدِّدُ ) نَدْبًا ( كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَهَلْ يَضْمَنُ ) ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَمْ تَثْبُتْ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الرِّدَّةِ وُجِدَ ، وَالْأَصْلُ الِاخْتِيَارُ ( قَوْلَانِ ) أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَادَّعَى الْإِكْرَاهَ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْوِيرَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ تَفْصِيلُهَا فَمِنْ الشَّرَائِطِ الِاخْتِيَارُ فَدَعْوَى الْإِكْرَاهِ تَكْذِيبٌ لِلشَّاهِدِ أَوَّلًا فَالِاكْتِفَاءُ بِالْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا شَهِدَ بِالرِّدَّةِ لِتَضَمُّنِهِ حُصُولَ الشَّرَائِطِ أَمَّا إذَا قَالَ إنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَذَا فَيَبْعُدُ أَنْ

يَحْكُمَ بِهِ ، وَيَقْنَعَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الِاخْتِيَارُ لِاعْتِضَادِهِ بِسُكُوتِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الدَّفْعِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِرِدَّةِ أَسِيرٍ ، وَلَمْ يَدَّعِ إكْرَاهًا حُكِمَ بِرِدَّتِهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا حُكِيَ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ أَسِيرٌ مَعَ الْكُفَّارِ ثُمَّ أَحَاطَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَاطَّلَعَ مِنْ الْحِصْنِ ، وَقَالَ أَنَا مُسْلِمٌ ، وَإِنَّمَا تَشَبَّهْت بِهِمْ خَوْفًا قُبِلَ قَوْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ وَمَاتَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ارْتَدَّ طَائِعًا .
وَعَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِتَلَفُّظِ رَجُلٍ بِالْكُفْرِ ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ أَوْ مُقَيَّدٌ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لِإِكْرَاهٍ وَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَسَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ تَلَفَّظَ بِكُفْرٍ ثُمَّ ادَّعَى إكْرَاهًا فَإِنْ فَعَلَهُ فِي خَلْوَةٍ لَمْ يُقْبَلْ أَوْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، وَهُوَ أَسِيرٌ قُبِلَ قَوْلُهُ أَوْ تَاجِرٌ فَلَا .
انْتَهَى .

قَوْلُهُ : وَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عَنْ الْمُرْتَدِّ بِقَوْلِهِ ) أَيْ فِيمَا لَوْ شَهِدَا بِالرِّدَّةِ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي بَابِ الزِّنَا أَنَّهُ يُحَدُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فِي الْأُولَى ) هِيَ قَوْلُهُ : إذَا ، قَالَ كَذِبًا عَلَيَّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْإِنْكَارَ دُونَ التَّكْذِيبِ الصَّرِيحِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالرِّدَّةِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَطْلَبِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَيُشْبِهُ فِيمَا إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ ا ب ( فَرْعٌ ) مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ مَا يَقْتَضِي الرِّدَّةَ ، وَلَمْ يَنْهَضْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَصَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ كَيْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ زُورٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى قَبُولَ تَوْبَتِهِ فَهَلْ لِلشَّافِعِيِّ إذَا جَدَّدَ هَذَا إسْلَامَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَيَعْصِمَ دَمَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ ، قَالَ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْتَرِفَ أَوْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَخَالَفَهُ بَعْضُ الْمُعْتَبَرِينَ ، وَأَفْتَى بِالْجَوَازِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَفِي تَكْلِيفِهِ بِالِاعْتِرَافِ وَالْكَذِبِ إجْحَافٌ ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْقَاصِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ارْتَدَّ ، وَهُوَ يُنْكِرُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ لَمْ أَكْشِفْ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ ، وَقُلْت لَهُ قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ .
ا هـ .
فَيَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ ، وَعِصْمَةِ دَمِهِ ، وَإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ عَنْهُ .
وَقَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ الصَّوَابُ

أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوَّلًا فَالِاكْتِفَاءُ بِالْإِطْلَاقِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقْنَعَ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : حُكِمَ بِرِدَّتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَحْبُوسٌ أَوْ مُقَيَّدٌ ) ، قَالَ شَيْخُنَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّاهِدَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَاهُ الْإِكْرَاهَ ، وَلَا إلَى تَعَرُّضِهِ فَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ ( قَوْلُهُ : لَمْ يَحْكُمْ بِكُفْرِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَإِذَا قَالَ مُسْلِمٌ مَاتَ أَبِي مُرْتَدًّا اسْتُفْصِلَ فَإِنْ ذَكَرَ كُفْرًا ) كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ ( لَمْ يَرِثْهُ وَكَانَ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَصَارَ ( نَصِيبُهُ فَيْئًا ) لِبَيْتِ الْمَالِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ ذَكَرَ غَيْرَ كُفْرٍ كَأَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ ( وَرِثَهُ ) لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ بِتَفْسِيرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وُقِفَ الْأَمْرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ، وَرَجَّحَهُ وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ أَنَّ نَصِيبَهُ فَيْءٌ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ كُفْرًا لِإِقْرَارِهِ بِكُفْرِ أَبِيهِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُلَائِمُ لِاشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ فِي الشَّهَادَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُلَائِمُ لِاشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ فِي الشَّهَادَةِ ) بَلْ هُوَ مُلَائِمٌ لِإِطْلَاقِهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا مَرَّ مِنْ تَمَكُّنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِهَا مِنْ إتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ كَتَبَ شَيْخُنَا مَا نَصُّهُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الشَّهَادَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ فِيهَا أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى النَّاقِلِ ، وَهُنَا اخْتَلَفَا وَادَّعَى أَحَدُ الِابْنَيْنِ النَّاقِلَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَحْصُلْ اتِّفَاقٌ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( أُكْرِهَ أَسِيرٌ ) أَوْ غَيْرُهُ ( عَلَى الْكُفْرِ ) بِبِلَادِ الْحَرْبِ ( لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ ) كَمَا مَرَّ ( فَإِنْ مَاتَ هُنَاكَ وَرِثَهُ وَارِثُهُ ) الْمُسْلِمُ ( فَإِنْ قَدِمَ ) عَلَيْنَا ( عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارًا قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ مُعْرِضًا عَنْ الْجَمَاعَاتِ وَالطَّاعَاتِ ، وَإِلَّا فَلَا عَرْضَ ( اسْتِحْبَابًا ) لَا وُجُوبًا كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِدَارِنَا ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) مِنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَيْهِ ( حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ ) مِنْ حِينِ كُفْرِهِ ( الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا مِنْ حِينَئِذٍ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْعَرْضِ وَالتَّلَفُّظِ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ قُدُومِهِ عَلَيْنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَمَحَلُّهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَلَوْ ارْتَدَّ أَسِيرٌ مُخْتَارًا ثُمَّ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لَا ) إنْ صَلَّى ( فِي دَارِنَا ) لِأَنَّ صَلَاتَهُ فِي دَارِنَا قَدْ تَكُونُ تَقِيَّةً بِخِلَافِهَا فِي دَارِهِمْ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ ، وَتَبِعَ فِي ذِكْرِهِ الْأَسِيرَ أَصْلَهُ ، وَلَهُ وَجْهٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي إرْشَادِهِ كَالْأَكْثَرِ تَبَعًا لِلنَّصِّ ( وَلَوْ صَلَّى حَرْبِيٌّ ) الْمُرَادُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ ، وَلَوْ ( فِي دَارِهِمْ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ ) بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ ؛ لِأَنَّ عَلَقَةَ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ فِيهِ وَالْعَوْدُ أَهْوَنُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَسُومِحَ فِيهِ ( إلَّا إنْ سَمِعَ تَشَهُّدَهُ ) فِي الصَّلَاةِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ إسْلَامَهُ حِينَئِذٍ بِاللَّفْظِ ، وَالْكَلَامُ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ الدَّالَّةِ بِالْقَرِينَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ دَفْعُ إيهَامِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلشَّهَادَةِ فِيهَا لِاحْتِمَالِ الْحِكَايَةِ .
قَوْلُهُ : لِأَنَّ صَلَاتَهُ فِي دَارِنَا إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ فِي دَارِنَا عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَيَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عِيسَوِيًّا .
.

( الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الرِّدَّةِ ) ( لَا نَسْتَرِقُّ ) نَحْنُ ( مُرْتَدًّا ) لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِيهِ ( وَيَجِبُ قَتْلُهُ ) إنْ لَمْ يَتُبْ لِخَبَرِ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُقْتَلُ بِالزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ فَكَذَلِكَ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ كَالرَّجُلِ ، وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فَمَحْمُولٌ بِدَلِيلِ سِيَاقِ خَبَرِهِ عَلَى الْحَرْبِيَّاتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَا يُدْفَنُ الْمُرْتَدُّ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِخُرُوجِهِ بِالرِّدَّةِ عَنْهُمْ ، وَلَا فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ ( وَيَتَوَلَّاهُ ) أَيْ قَتْلَهُ ( الْحَاكِمُ ) ، وَلَوْ بِنَائِبِهِ ( بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ لَا الْإِحْرَاقِ ) بِالنَّارِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُثْلَةِ فَلَوْ تَوَلَّاهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ أَوْ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ ضَرْبِ الرَّقَبَةِ عُزِّرَ وَسَيُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ ( وَيُسْتَتَابُ ) قَبْلَ قَتْلِهِ ( وُجُوبًا لَا اسْتِحْبَابًا ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَرَمًا بِالْإِسْلَامِ وَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَتُزَالُ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ كَمَا مَرَّ ، وَالِاسْتِتَابَةُ تَكُونُ ( فِي الْحَالِ ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يُؤَجَّلُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ ( لَا ثَلَاثًا ) رُدَّ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَدِّ الْكَثْرَةِ وَآخَرُ حَدِّ الْقِلَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَعْرِضُ لَهُ شُبْهَةٌ فَاحْتُمِلَتْ لَهُ الثَّلَاثَةُ لِيَتَرَوَّى فِيهَا قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ أَيْ غَيْرَ التَّعْزِيرِ ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُسِيئًا بِفِعْلِهِ ، وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ فِي قَتْلِهِ فِي جُنُونِهِ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الرِّدَّةِ ) ( قَوْلُهُ : فَلَوْ تَوَلَّاهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ إلَخْ ) نَعَمْ إنْ قَاتَلَ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ جَازَ أَنْ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ كَالْحَرْبِيِّ ( قَوْلُهُ : وَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَتُزَالُ ) فَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ قَبْلَ كَشْفِهَا وَالِاسْتِتَابَةُ مِنْهَا كَأَهْلِ الْحَرْبِ ظَانًّا لَا نَقْتُلُهُمْ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ ، وَإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ ، وَلَا يَقْتُلُهُ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَشْبَهَ رَجْمَ الزَّانِي .

( وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ ) أَيْ إسْلَامُهُ ( وَلَوْ كَانَ زِنْدِيقًا لَا يَتَنَاهَى خُبْثُهُ ) فِي عَقِيدَتِهِ أَوْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ ، وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ } .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ زِنْدِيقًا يَتَنَاهَى خُبْثُهُ فِي عَقِيدَتِهِ ) ، قَالَا فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ ، وَهِيَ مَنْ يُخْفِي الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ لَكِنْ فِي اللِّعَانِ أَنَّهُ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ مِلَّةً وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ هُنَاكَ وَفِيهَا وَفِي غَيْرِهَا هُنَا أَنَّهُ الْأَقْرَبُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يُخْفِي الْكُفْرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَدَيَّنَ بِدِينٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الزَّنَادِقَةَ أَنْوَاعٌ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ وَدَوَامِ الدَّهْرِ عِ .

( وَيُعَزَّرُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ) الِارْتِدَادُ ثُمَّ أَسْلَمَ لِزِيَادَةِ تَهَاوُنِهِ بِالدِّينِ .
( قَوْلُهُ : وَيُعَزَّرُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الِارْتِدَادُ إلَخْ ) فَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ يُونُسَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ .

( وَيُعَزَّرُ الْمُسْتَبِدُّ ) أَيْ الْمُسْتَقِلُّ ( بِقَتْلِهِ ، وَإِنْ اشْتَغَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ ) بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَيُعَزَّرُ الْمُسْتَبِدُّ إلَخْ ) مَحَلُّهُ مَاذَا لَمْ يُكَافِئْهُ ، وَإِلَّا اقْتَصَّ مِنْهُ .

( وَلَوْ قَذَفَ نَبِيًّا ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَوْ تَعْرِيضًا ( ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فَهَلْ يُتْرَكُ ) مِنْ الْعُقُوبَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ أَسْلَمَ ( أَوْ يُقْتَلُ حَدًّا ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَدُّ قَذْفِ النَّبِيِّ وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ ( أَوْ يُجْلَدُ ) ثَمَانِينَ ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ ارْتَفَعَتْ بِإِسْلَامِهِ وَبَقِيَ جَلْدُهُ فِيهِ ( ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ) حُكِيَ الْأَوَّلُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي ، وَجِيزِهِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ وَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَوَافَقَهُ الْقَفَّالُ وَالثَّالِثُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ فَعَلَيْهِ لَوْ عَفَا وَاحِدٌ مِنْ بَنِي أَعْمَامِ النَّبِيِّ فَفِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ فِي آخِرِ الْجِزْيَةِ وَصَوَّبَ أَنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْدًا لَا يَكْفُرُ ، وَلَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ قَالَ : وَمَا رُوِيَ { أَنَّ رَجُلًا أَتَى قَوْمًا وَزَعَمَ أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكْرَمُوهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ بِقَتْلِهِ } مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ كَافِرًا .
( قَوْلُهُ : وَجَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ إلَخْ ) وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّعْلِيقَةِ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَقَالَ فِي الْخَادِمِ لَمْ تَزَلْ قُضَاةُ الشَّافِعِيَّةِ يَحْكُمُونَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ ( قَوْلُهُ : فَفِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ) أَرْجَحُهُمَا عَدَمُ سُقُوطِهِ .

( وَلَوْ سَأَلَ الْمُرْتَدُّ ) قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا ( إزَالَةَ شُبْهَةٍ ) عَرَضَتْ لَهُ ( نُوظِرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ ) لَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَنْحَصِرُ فَحَقُّهُ أَنْ يُسْلِمَ ثُمَّ يَسْتَكْشِفَهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَفِي ، وَجْهٍ يُنَاظَرُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّيْفِ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ وَاسْتَبْعَدَ الْخِلَافَ كَذَا فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ عَكْسُ ذَلِكَ فَجُعِلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ الْمُنَاظَرَةُ أَوَّلًا وَالْمَحْكِيُّ عَنْ النَّصِّ عَدَمُهَا ( وَإِنْ شَكَا قَبْلَ الْمُنَاظَرَةِ جُوعًا ) ، وَقُلْنَا بِتَقْدِيمِهَا أَوْ بِتَأْخِيرِهَا كَمَا جَرَى هُوَ عَلَيْهِ ، وَأَسْلَمَ بِأَنْ قَالَ أَنَا جَائِعٌ فَأَطْعِمُونِي ثُمَّ نَاظِرُونِي ( أُطْعِمَ أَوَّلًا ) ثُمَّ نُوظِرَ

( فَصْلٌ : لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ ، وَهِيَ ) أَيْ الزَّوْجَةُ ( حَامِلٌ أَوْ ) ارْتَدَّ ( أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحَمْلِ فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ ) بِالتَّبَعِيَّةِ ( وَلَوْ انْعَقَدَ بَيْنَ الْمُرْتَدِّينَ فَلَهُ حُكْمُهُمَا ) فَيَكُونُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا فَلَا يُسْتَرَقُّ ، وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُسْتَتَابَ فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ إنَّهُ مُسْلِمٌ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ قَاضِيَةٌ بِهِ ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( أَوْ بَيْن مُرْتَدٍّ وَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ فَكَالْأَصْلِيِّ ) تَغْلِيبًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَيُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ إنْ كَانَ الْأَصْلِيُّ مِمَّنْ يُقَرُّ بِهَا كَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مَجُوسِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ ، وَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ .
قَوْلُهُ : وَلَوْ انْعَقَدَ بَيْنَ الْمُرْتَدِّينَ فَلَهُ حُكْمُهُمَا فَيَكُونُ إلَخْ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مُسْلِمٌ غَيْرَ الْأَبَوَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَصْلٌ مُسْلِمٌ كَجَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا ، وَلَا يَأْتِي هُنَا تَصْحِيحُ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ ، وَلَا كَافِرٌ أَصْلِيٌّ أَمَّا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ كَافِرًا أَصْلِيًّا تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ فَوَاضِحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ ، وَهُنَاكَ أَصْلٌ مُسْلِمٌ غَيْرَ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَا مُرْتَدَّيْنِ بَلْ أَوْلَى .
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَتَأَتَّى هُنَا أَنْ يَكُونَ مُرْتَدًّا ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فِي الْإِسْلَامِ لِأَصْلِ مُسْلِمٍ غَيْرِ أَبَوَيْهِ فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُرْتَدًّا وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ

( فَرْعٌ : لَوْ نَقَضَ ذِمِّيٌّ أَوْ مُعَاهَدٌ ) عَهْدَهُ ( وَتَرَكَ وَلَدَهُ ) عِنْدَنَا ( لَمْ يُنْقَضْ ) أَيْ الْعَهْدُ ( فِي حَقِّهِ ) فَلَا يُسْتَرَقُّ ( فَإِنْ بَلَغَ عَاقِلًا ، وَلَمْ يَقْبَلْ الْجِزْيَةَ بُلِّغَ الْمَأْمَنَ ) ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا .

( فَصْلٌ : مِلْكُ الْمُرْتَدِّ ، وَتَمَلُّكُهُ بِاصْطِيَادٍ وَاحْتِطَابٍ ) وَنَحْوِهِمَا ( مَوْقُوفٌ ) كَبُضْعِ زَوْجَتِهِ ( سَوَاءٌ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ لَهُ قَطْعًا ) أَيْ تَبَيُّنًا أَنَّ مَا مَلَكَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ، وَأَنَّ مَا تَمَلَّكَهُ مَلَكَهُ يَوْمَ تَمَلَّكَهُ ( وَإِنْ قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُهُ ) عَنْهُ بِالرِّدَّةِ عَلَى وَجْهٍ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا ( بَانَ أَنَّ مِلْكَهُ فَيْءٌ ، وَ ) أَنَّ ( مَا يَمْلِكُهُ ) فِي الرِّدَّةِ بِاحْتِطَابٍ أَوْ غَيْرِهِ ( عَلَى الْإِبَاحَةِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ ) ، وَعَلَى مُمَوِّنِهِ ( ، وَتُقْضَى دُيُونٌ لَزِمَتْهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ مَالِهِ ) إذْ غَايَةُ الرِّدَّةِ جَعْلُهَا كَالْمَوْتِ ( وَكَذَا مَا ) أَيْ دُيُونٌ ( لَزِمَتْهُ فِيهَا بِإِتْلَافٍ ) قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَعَدَّى بِحَفْرِ بِئْرٍ وَمَاتَ ثُمَّ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ ( وَيُوضَعُ مَالُهُ عِنْدَ عَدْلٍ ، وَأَمَتُهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ ) أَوْ نَحْوِهَا مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا كَالْمَحْرَمِ ( وَيُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مُسْتَوْلَدَتُهُ ) أَيْ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ ( وَيُؤَخَّرُ مَا يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ ) ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَتَهُ احْتِيَاطًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِهِ .
( قَوْلُهُ : مِلْكُ الْمُرْتَدِّ إلَخْ ) فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ بِالرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّ كُفْرَهَا لَا يُنَافِي الْمِلْكَ كَالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ ؛ وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ سَبَبٌ لِهَدْرِ الدَّمِ فَلَا تُزِيلُ الْمِلْكَ كَالزِّنَا ؛ وَلِأَنَّ مَالَهُ مُعْتَبَرٌ بِدَمِهِ وَدَمُهُ مَوْقُوفٌ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى مُمَوِّنِهِ ) مِنْ زَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ وَقَرِيبٍ .

( وَلَا يَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُؤَجَّلُ ) بِرِدَّتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِهَا ( بَلْ ) حُلُولُهُ ( مَوْقُوفٌ ) كَمِلْكِهِ ( وَيَصِحُّ مِنْهُ تَصَرُّفٌ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ ) بِأَنْ يُقْبَلَ قَوْلَيْهِ وَمَقْصُودُ فِعْلَيْهِ التَّعْلِيقُ ( كَعِتْقٍ وَوَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ وَاسْتِيلَادٍ ) ، وَتَدْبِيرٍ وَخُلْعٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ( وَيُوقَفُ ) نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَوَقْفُ سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ مِمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( لَا بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَكِتَابَةٍ ، وَإِنْكَاحٍ وَنَحْوِهَا ) مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوَقْفَ فَلَا تُوقَفُ بَلْ تَبْطُلُ وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي الْكِتَابَةِ هُوَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ هُنَا وَفِي الْكِتَابَةِ لَكِنَّهُ جَرَى هُنَاكَ عَلَى الصِّحَّةِ وَنَقَلَهَا الْأَصْلُ ثَمَّ عَنْ جَمْعٍ وَنَقَلَ الْبُطْلَانَ عَنْ وَاحِدٍ وَرَدَّهُ بِأَنَّ هَذَا وَقْفُ تَبَيُّنٍ لَا ، وَقْفُ صِحَّةٍ ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى الْجَدِيدِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا هُنَا ؛ لِأَنَّ وَقْفَ التَّبَيُّنِ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ وُجِدَ الشَّرْطُ حَالَ الْعَقْدِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الشَّرْطُ احْتِمَالُ الْعَقْدِ التَّعْلِيقَ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ( ، وَتُؤْخَذُ نُجُومُ كِتَابَتِهِ ) الْوَاقِعَةُ قَبْلَ رِدَّتِهِ أَيْ يَأْخُذُهَا عَنْهُ الْحَاكِمُ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ( فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بِيعَ ) عَلَيْهِ ( حَيَوَانٌ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ) .

( قَوْلُهُ : وَوَصِيَّةٌ ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ شَخْصٍ أَوْصَى بِشَيْءٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا فَهَلْ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ أَمْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لَا تَنْفُذُ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَوَقَعَ سَهْوٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلُهُ وَتَدْبِيرٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمُعْتَمَدُ مَا هُنَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( امْتَنَعَ مُرْتَدُّونَ بِنَحْوِ حِصْنٍ بَدَأْنَا بِقِتَالِهِمْ ) دُونَ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ أَغْلَظُ ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ ( وَاتَّبَعْنَا مُدْبِرَهُمْ وَذَفَّفْنَا جَرِيحَهُمْ وَاسْتَتَبْنَا أَسِيرَهُمْ وَضَمَّنَاهُمْ كَالْبُغَاةِ ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ فِي الْحَرْبِ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ ( وَيُقْتَصُّ مِنْ الْمُرْتَدِّ ) وَيُقَدَّمُ الْقِصَاصُ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي ( وَالدِّيَةُ ) حَيْثُ لَزِمَتْهُ بِعَفْوٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فِي مَالِهِ ) مُطْلَقًا ( مُعَجَّلَةٌ ) فِي الْعَمْدِ وَمُؤَجَّلَةٌ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ مَاتَ حَلَّتْ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ .
( قَوْلُهُ : قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ فِي الْحَرْبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا عَبَّرَ فِي التَّنْبِيهِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ ، وَحَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ ، وَأَشْعَرَ بِتَرْجِيحِهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلُهَا وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَقَالَ فِي الْبَيَانِ : إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْفُونِيِّ فِي مُخْتَصِر الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ ارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ فَأَتْلَفُوا شَيْئًا فِي الْقِتَالِ ثُمَّ تَابُوا ، وَأَسْلَمُوا فَفِي ضَمَانِهِمْ قَوْلَا الْبُغَاةِ .

( وَإِذَا وُطِئَتْ مُرْتَدَّةٌ بِشُبْهَةٍ ) كَأَنْ وُطِئَتْ مُكْرَهَةً ( أَوْ اُسْتُخْدِمَتْ مُكْرَهَةً ) وَكَذَا الْمُرْتَدُّ ( فَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْأُجْرَةِ مَوْقُوفَانِ ، وَلَوْ ) أَتَى فِي رِدَّتِهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا كَأَنْ ( زَنَى ) أَوْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ قَذَفَ أَوْ سَرَقَ ( حُدَّ ثُمَّ قُتِلَ ) وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ .
( قَوْلُهُ : فَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْأُجْرَةِ مَوْقُوفَانِ ) ، وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ أَكْسَابِهِمَا حَالَ رِدَّتِهِمَا .

( فَصْلٌ : لَا بُدَّ فِي إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ ) مِنْ الْكُفَّارِ ( مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ ) ، وَلَوْ ضِمْنًا عَلَى مَا يَأْتِي ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُقِرٍّ بِإِحْدَاهُمَا إذْ الْمُقِرُّ بِإِحْدَاهُمَا لَمْ يُقِرَّ بِهَا لِيَأْتِيَ بِالْأُخْرَى ( فَإِنْ كَانَ كُفْرُهُ بِإِنْكَارِ شَيْءٍ آخَرَ ) مِمَّا لَا يُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ ( كَمَنْ خَصَّصَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ بِالْعَرَبِ أَوْ جَحَدَ فَرْضًا أَوْ تَحْرِيمًا فَيَلْزَمُهُ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ الْإِقْرَارُ بِمَا أَنْكَرَ ) هـ بِأَنْ يُقِرَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ أَوْ يَبْرَأَ مِنْ كُلِّ دَيْنٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ وَيَرْجِعَ الثَّانِي عَمَّا اعْتَقَدَهُ ( وَيُسْتَحَبُّ الِامْتِحَانُ ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِتَقْرِيرِهِ ( بِالْبَعْثِ ) بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَقُدِّمَ كَأَصْلِهِ هَذَا مَعَ بَعْضِ مَا قَبْلَهُ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ .

قَوْلُهُ : لَا بُدَّ فِي إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ارْتَدَّ ، وَهُوَ مُسْلِمٌ لَمْ أَكْشِفْ عَنْ الْحَالِ ، وَقُلْت لَهُ قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِنَّك بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ .
ا هـ .
فَقَوْلُ بَعْضِ الْقُضَاةِ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ارْتَدَّ أَوْ جَاءَ بِنَفْسِهِ يَطْلُبُ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ تَلَفَّظْ بِمَا قُلْتَ غَلَطٌ ، وَقَوْلُهُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ ضِمْنًا ) عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِهِمَا ضِمْنًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِمَا ، وَكَتَبَ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ضِمْنًا رَأْيٌ مَرْجُوحٌ فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ : الْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا ، وَلَا يَحْصُلُ الْإِسْلَامُ إلَّا بِهِمَا ( قَوْلُهُ : كَمَنْ خَصَّصَ رِسَالَتَهُ بِالْعَرَبِ ) أَوْ ، قَالَ رِسَالَتُهُ حَقٌّ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ

( فَإِنْ قَالَ كَافِرٌ أَنَا مِنْكُمْ ) أَوْ أَنَا مِثْلُكُمْ أَوْ مُسْلِمٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِمَا الْأَصْلُ ( أَوْ وَلِيُّ مُحَمَّدٍ ) أَوْ أُحِبُّهُ ( وَكَذَا أَسْلَمْت أَوْ آمَنْت لَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ أَنَا مِثْلُكُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ ، وَأَنَا مُنْقَادٌ لَكُمْ ، وَأَنَا وَلِيُّ مُحَمَّدٍ أَوْ أُحِبُّهُ لِخِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ ، وَأَسْلَمْت وَآمَنْت بِمُوسَى أَوْ عِيسَى ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ سَمَّى دِينَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إسْلَامًا نَعَمْ إنْ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مَا يَنْفِي عَنْهُ الْكُفْرَ كَأَنْ يَقَعَ جَوَابًا فِي دَعْوَى الْكُفْرِ عَلَيْهِ بِإِسْلَامِهِ وَمِنْهُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللِّعَانِ وَفِي الْقَضَاءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ .

( فَإِنْ قَالَ آمَنْت ) أَوْ أَسْلَمْت أَوْ أَنَا مُؤْمِنٌ أَوْ مُسْلِمٌ مِثْلُكُمْ ( أَوْ أَنَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَوْ دِينُكُمْ حَقٌّ أَوْ اعْتَرَفَ ) مَنْ كَفَرَ بِإِنْكَارِ وُجُوبِ شَيْءٍ ( بِوُجُوبِ مَا كَفَرَ بِهِ ) أَيْ بِإِنْكَارِ وُجُوبِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ أَقَرَّ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ( أَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ ) مِنْ دِينٍ وَرَأْيٍ ، وَهَوًى ( لَا ) أَنَا بَرِيءٌ ( مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ تُخَالِفُ ؛ لِأَنَّ التَّعْطِيلَ لَيْسَ بِمِلَّةٍ كَانَ ) ذَلِكَ ( اعْتِرَافًا ) بِالْإِسْلَامِ ( عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ) بِخِلَافِ الْمَنْفِيِّ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي التَّعْطِيلَ الَّذِي يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ ، وَلَيْسَ بِمِلَّةٍ كَمَا قَالَهُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْيَهُودِيِّ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيُّ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ ؛ لِأَنَّ ضِدَّ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْإِسْلَامِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَقَالَ نَقْلًا عَنْ الْحَلِيمِيِّ : لَوْ قَالَ الْإِسْلَامُ حَقٌّ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ بِالْحَقِّ ، وَلَا يَنْقَادُ لَهُ ، قَالَ : وَهَذَا يُخَالِفُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ فِي قَوْلِهِ دِينُكُمْ حَقٌّ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَارٍ عَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيّ حَيْثُ جَزَمَ بِهِ فِيمَا مَرَّ ، وَتَرَكَ هَذَا ثُمَّ مَا عَزَى إلَى الْمُحَقِّقِينَ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهَا طَرِيقَةٌ نَسَبَهَا إلَيْهِمْ الْإِمَامُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ خِلَافُهَا ( وَلَوْ أَقَرَّ يَهُودِيٌّ بِرِسَالَةِ عِيسَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْإِسْلَامِ ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِبَعْضِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ .

( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ أَقَرَّ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ) الْمَذْهَبُ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ ، وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى إمَامَةِ الْكَافِرِ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَانَ اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ قَالَ : وَهَذَا يُخَالِفُ مَا مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ إلَخْ يُجَابُ بِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِيمِيِّ أَنَّهُ قَدْ يُسَمِّي دِينَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إسْلَامًا قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ خِلَافُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ قَالَ الْحَلِيمِيُّ قَوْلُهُ لَا رَحْمَنَ أَوْ لَا بَارِئَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا قَالَ الْوَالِدُ فِي فَتَاوِيهِ إنَّ كَلَامَ الْحَلِيمِيِّ طَرِيقَةُ مُقَابِلَةٌ لِلْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ : هَذَا كَلَامُ الْحَلِيمِيِّ كُلُّهُ يُوَافِقُ كَلَامَ الْبَغَوِيّ وَالْإِمَامِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فَيَحْتَاجُ فِي بَعْضِهِ إلَى الشَّهَادَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ أَوْ الرِّسَالَةِ أَوْ إلَى كِلْتَيْهِمَا

( فَرْعٌ : قَالَ الْحَلِيمِيُّ لَوْ قَالَ لَا رَحْمَنَ أَوْ لَا بَارِئَ إلَّا اللَّهُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَوْ الْبَارِئُ أَوْ مَنْ آمَنَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ أَوْ مَنْ فِي السَّمَاءِ كَفَى ) فِي إيمَانِهِ بِاَللَّهِ لِإِفَادَتِهِ التَّوْحِيدَ وَالْمُرَادُ بِمَنْ فِي السَّمَاءِ اللَّهُ قَالَ تَعَالَى { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } وَالْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ أَمْثِلَةٌ فَمَا فِي مَعْنَاهَا كَذَلِكَ كَلَا مَالِكَ أَوْ لَا رَازِقَ إلَّا اللَّهُ أَوْ لَا رَحْمَنَ أَوْ لَا بَارِئَ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا الْخَالِقُ ( لَا سَاكِنَ السَّمَاوَاتِ ) أَيْ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ لَا رَحْمَنَ أَوْ لَا بَارِئَ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا سَاكِنُ السَّمَاءِ أَوْ إلَّا اللَّهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّ السُّكُونَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ( وَلَا آمَنْت بِاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الْوَثَنَ ، وَلَا إلَهَ إلَّا الْمِلْكُ أَوْ إلَّا الرَّازِقُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ السُّلْطَانَ الَّذِي يَمْلِكُ أَمْرَ الْجُنْدِ وَيُرَتِّبُ أَرْزَاقَهُمْ ( وَغَيْرُهُ وَسِوَى وَمَا عَدَا ) وَنَحْوُهَا ( فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَإِلَّا ) فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَا فِيهِ كَقَوْلِهِ لَا إلَهَ غَيْرُ اللَّهِ أَوْ سِوَى اللَّهِ أَوْ مَا عَدَا اللَّهَ أَوْ مَا خَلَا اللَّهَ ( ، وَأَحْمَدُ ، وَأَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّهِ كَمُحَمَّدٍ ) رَسُولِ اللَّهِ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِهِمَا ( وَالنَّبِيُّ كَرَسُولِ اللَّهِ لَا الرَّسُولُ ) فَإِنَّهُ لَيْسَ كَرَسُولِ اللَّهِ فَلَوْ قَالَ آمَنْت بِمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ كَفَى بِخِلَافِ آمَنْت بِمُحَمَّدٍ الرَّسُولِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَالرَّسُولُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ وَبِخِلَافِ آمَنْت بِمُحَمَّدٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .

( وَمَنْ قَالَ آمَنْت بِاَللَّهِ ، وَلَمْ يُدْنِ بِشَيْءٍ ) أَيْ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى دِينٍ قَبْلَ ذَلِكَ ( صَارَ مُؤْمِنًا ) بِاَللَّهِ فَيَأْتِي بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى ( وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا فَلَا يَصِيرُ ) مُؤْمِنًا ( حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهِ وَكَفَرْت بِمَا كُنْت أَشْرَكْت بِهِ وَكَذَا ) يَصِيرُ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ مَنْ قَالَ ( أُؤْمِنُ ) بِاَللَّهِ أَوْ أُسْلِمُ لِلَّهِ ( إنْ لَمْ يُرِدْ الْوَعْدَ ) كَمَا أَنَّ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ يَمِينٌ إنْ لَمْ يُرِدْ الْوَعْدَ ( وَأَسْلَمْت ) وَأُسْلِمُ ( كَآمَنْتُ ) وَأُؤْمِنُ فِيمَا ذُكِرَ ( وَمَنْ قَالَ بِقِدَمِ غَيْرِ اللَّهِ كَفَاهُ ) لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ ( لَا قَدِيمَ إلَّا اللَّهُ ) كَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يَكْفِيهِ أَيْضًا اللَّهُ رَبِّي أَوْ اللَّهُ خَالِقِي إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دِينٌ قُبِلَ ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ الْيَهُودِيُّ الْمُشَبِّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَمْ يَكُنْ إيمَانًا مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ التَّشْبِيهِ فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ جَاءَ بِنَفْيِ التَّشْبِيهِ كَانَ مُؤْمِنًا ، وَإِلَّا فَلَا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ التَّشْبِيهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْفَصْلِ .
( وَالْبُرْهُمِيُّ ) مُوَحِّدٌ ( يُنْكِرُ الرُّسُلَ فَإِنْ قَالَ ) مَعَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ) ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ مِنْ الرُّسُلِ ( لَا ) إنْ قَالَ ( عِيسَى وَمُوسَى ) وَكُلُّ نَبِيٍّ قَبْلَ مُحَمَّدٍ رُسُلُ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ إقْرَارٌ بِرِسَالَةِ مَنْ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ كَمَا أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ لَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ فَقَدْ شَهِدُوا لَهُ وَبَشَّرُوا بِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ شَرِيعَتَهُ نَاسِخَةٌ لِمَا قَبْلَهَا بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ شَرِيعَةِ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَالْمُعَطِّلُ إذَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قِيلَ يَكُونُ مُؤْمِنًا ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُرْسِلَ

وَالرَّسُولَ ، وَلَوْ قَالَ آمَنْت بِاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ كَانَ شَائِيًا لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا فِيمَا إذَا قَصَدَ التَّعْلِيقَ لِلشَّكِّ فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ إيمَانَةِ إلْحَاقًا لِلِابْتِدَاءِ بِالدَّوَامِ وَبِمَا قَرَرْته عُلِمَ أَنَّ ذِكْرَ عِيسَى وَمُوسَى مِثَالٌ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِرِسَالَةِ نَبِيٍّ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ( وَلَا تَكْفِي شَهَادَةُ الْفَيْلَسُوفِيِّ ) وَيُقَالُ الْفَلْسَفِيُّ ، وَهُوَ النَّافِي لِاخْتِيَارِ اللَّهِ تَعَالَى ( أَنَّ اللَّهَ عِلَّةُ الْأَشْيَاءِ وَمُبْدِئُهَا حَتَّى يَشْهَدَ بِالِاخْتِرَاعِ وَالْإِحْدَاثِ مِنْ الْعَدَمِ ، وَلَا يَكْفِي الطَّبَائِعِيَّ ) الْقَائِلَ بِنِسْبَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ إلَى الطَّبِيعَةِ ( لَا إلَهَ إلَّا الْمُحْيِي الْمُمِيتُ حَتَّى يَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَنَحْوُهُ ) مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تَأْوِيلَ لَهُ فِيهَا .
( تَتِمَّةٌ ) ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَوْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ لَمْ يَصِحَّ إيمَانُهُ ، وَذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ .
قَوْلُهُ : تَتِمَّةٌ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ ) ، قَالَ بِالْأَصْلِ قَدْ جَزَمَ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شُرُوطِ الْإِمَامَةِ بِخِلَافِهِ فَقَالَ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الْإِيمَانِ تَرْتِيبًا مُوَالَاةً .

( كِتَابُ حَدِّ الزِّنَا ) بِالْقَصْرِ أَفْصَحُ مِنْ مَدِّهِ ( ، وَهُوَ مِنْ ) الْمُحَرَّمَاتِ ( الْكَبَائِرِ ) قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَلِهَذَا كَانَ حَدُّهُ أَشَدَّ الْحُدُودِ ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ وَالْأَنْسَابِ ( وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي الْمُوجِبِ لَهُ ، وَهُوَ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ ذَكَرٍ ) ، وَلَوْ أَشَلَّ وَمَلْفُوفًا بِخِرْقَةٍ وَغَيْرَ مُنْتَشِرٍ ( فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى طَبْعًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ ، وَلَا ) الْأَوْلَى فَلَا ( حَدَّ بِالِاسْتِمْنَاءِ ) بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا ( وَهُوَ حَرَامٌ ) فَفِيهِ التَّعْزِيرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا ( لَا بِيَدِ زَوْجَتِهِ ) أَوْ أَمَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ صَرَّحَ كَأَصْلِهِ بِهِمَا مَعًا فِي الْبَابِ التَّاسِعِ مِنْ أَبْوَابِ النِّكَاحِ ( لَكِنْ يُكْرَهُ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعَزْلِ مِنْ الزَّوْجَةِ ( وَلَا ) حَدَّ ( بِإِيلَاجٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ ) كَإِيلَاجِهِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ لِعَدَمِ إيلَاجِهِ فِي فَرْجٍ ( وَلَا ) بِإِيلَاجٍ ( فِي فَرْجِ مَيِّتَةٍ ) ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً فِي الْحَيَاةِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَنْفِرُ الطَّبْعُ مِنْهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ ( وَلَا ) فِي فَرْجِ ( بَهِيمَةٍ ) لِذَلِكَ لَكِنْ يُعَزَّرُ فِي الثَّلَاثَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَقِيلَ يُحَدُّ وَاطِئُ الْبَهِيمَةِ ، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ حَدُّهُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ قَتْلُهُ إنْ كَانَ مُحْصَنًا ، وَعَلَى وُجُوبِ الْقَتْلِ لَا يَخْتَصُّ الْقَتْلُ بِهِ ( بَلْ يَجِبُ بِهِ ) أَيْ بِالْإِيلَاجِ فِيهَا ( ذَبْحُ ) الْبَهِيمَةِ ( الْمَأْكُولَةِ ، وَلَوْ بِإِيلَاجٍ فِي دُبُرِهَا ) ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ { مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ } بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ لِمَا فِي قَتْلِهَا مِنْ ضَيَاعِ الْمَالِ بِالْكُلِّيَّةِ ( وَ ) الْمَأْكُولَةُ إذَا ذُبِحَتْ ( يَحِلُّ أَكْلُهَا ) ؛ لِأَنَّهَا مُذَكَّاةٌ كَغَيْرِهَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ

أَنَّ وُجُوبَ ذَبْحِهَا إنَّمَا هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْفَاعِلِ لَا عَلَى عَدَمِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ ) لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمُذَكَّاةً إنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ .

( كِتَابُ حَدِّ الزِّنَا ) كَانَتْ الْحُدُودُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِالْغَرَامَاتِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِهَذِهِ الْحُدُودِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ إلَخْ ) شَمَلَ مَا لَوْ زَنَى الْمُسْلِمُ بِمُعَاهَدَةٍ أَوْ أَمَةِ مُعَاهَدٍ وَمَا لَوْ وَطِئَ حَرْبِيَّةً لَا بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَمَا لَوْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً ثُمَّ وَطِئَهَا ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ سَكَتُوا عَمَّا لَوْ كَانَتْ الْبِكْرُ غَوْرَاءَ فَأَوْلَجَ فِيهَا مِنْ غَيْرِ افْتِضَاضٍ وَنَقَلَا فِي بَابِ التَّحْلِيلِ عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّحْلِيلِ وَالْأَشْبَهُ هُنَا الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّحْلِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ قَدْرِهَا ) أَيْ مِنْ فَاقِدِهَا ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ ثَنَى ذَكَرَهُ ، وَأَوْلَجَ قَدْرَ الْحَشَفَةِ فَفِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ تَوَقُّفٌ وَالْأَرْجَحُ التَّرَتُّبُ إنْ أَمْكَنَ .
ا هـ .
وَهُوَ مَمْنُوعٌ ، وَكَلَامُهُمْ يُخَالِفُهُ حَيْثُ ، قَالُوا إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرُهَا مِنْ فَاقِدِهَا ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيلَاجُ قَدْرِهَا مِنْ غَيْرِهَا إلَّا عِنْدَ فَقْدِهَا ( قَوْلُهُ : مِنْ ذَكَرٍ ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُ مُتَّصِلًا لِيَخْرُجَ الْمَقْطُوعُ بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْهُ فَلَا حَدَّ بِهِ قَطْعًا وَمُحَلِّلًا لِيَخْرُجَ مَا لَا يُمْكِنُ انْتِشَارُهُ ، وَأَصْلِيًّا لِيَخْرُجَ الزَّائِدُ لَكِنْ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : قَضِيَّةُ إيجَابِ الْعِدَّةِ بِهِ مِنْ الزَّوْجِ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ .
ا هـ .
وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَسَيَأْتِي عَنْ تَصْرِيحِ الْبَغَوِيّ أَنَّ الزَّائِدَ لَا يَحْصُلُ بِهِ إحْصَانٌ ، وَلَا تَحْلِيلٌ فَعَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَوْلَى ، وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَوُجُوبُهَا لِلِاحْتِيَاطِ لِاحْتِمَالِ الشَّغْلِ فس ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرَانِ مُشْتَبَهَانِ فَأَوْلَجَ أَحَدَهُمَا فَيُشْبِهُ أَنْ لَا حَدَّ لِلشَّكِّ .
ا هـ .
تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَبِيلَا الْحَدَثِ مَسْدُودَيْنِ خِلْقَةً فَسَبِيلُ الْحَدَثِ هُوَ الْمُنْفَتِحُ وَالْمَسْدُودُ كَالْعُضْوِ

الزَّائِدِ مِنْ الْخُنْثَى لَا يَجِبُ مِنْ مَسِّهِ وُضُوءٌ ، وَلَا مِنْ إيلَاجِهِ غُسْلٌ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا حَدَّ بِإِيلَاجِهِ ، وَلَا بِالْإِيلَاجِ فِيهِ كَأَحَدِ قُبُلِي الْمُشْكِلِ ، وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمُحَلِّلًا ، قَالَ شَيْخُنَا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ مُحَلِّلًا لَيْسَ بِظَاهِرٍ ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى كَمَالِ اللَّذَّةِ بِخِلَافِ الزِّنَا .
( قَوْلُهُ : فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ ) أَيْ مِنْ وَاضِحِ الْأُنُوثَةِ أَصْلِيٍّ ، وَكَتَبَ أَيْضًا ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ سُئِلَتْ عَمَّنْ وَطِئَ الْجِنِّيَّةَ الْأَجْنَبِيَّةَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَتَرَدَّدَ جَوَابِي مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا ذَاتُ فَرْجٍ مُشْتَهًى لَكِنَّ الطَّبْعَ يَنْفِرُ مِنْهَا فَهِيَ كَالْبَهِيمَةِ ثُمَّ تَرَجَّحَ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا ، وَهِيَ بِشَكْلِ الْآدَمِيَّاتِ ، وَجَبَ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا يَنْفِرُ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ بِشَكْلِ الْجِنِّيَّاتِ عُزِّرَ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهَا كَالرِّيحِ وَلِنَفْرَةِ الطَّبْعِ مِنْهَا ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ ثُمَّ وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحَالِ حُدَّ ( قَوْلُهُ : وَلَا بِإِيلَاجٍ فِي فَرْجِ مَيِّتَةٍ ) ، وَلَا بِاسْتِدْخَالِهَا ذَكَرَ مَيِّتٍ ( قَوْلُهُ : بَلْ يَجِبُ بِهِ ذَبْحُ الْمَأْكُولَةِ إلَخْ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَلْ قِيلَ يَجِبُ .

( وَتُحَدُّ امْرَأَةٌ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ ) كَمَنْ زَنَى بِنَائِمَةٍ ( لَا ) خَلِيَّةٍ ( حُبْلَى لَمْ تُقِرَّ ) بِالزِّنَا أَوْ وَلَدَتْ ، وَلَمْ تُقِرَّ بِهِ فَلَا تُحَدُّ إذْ الْحَدُّ إنَّمَا يَجِبُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ، وَحُكْمُ الْخُنْثَى هُنَا حُكْمُهُ فِي الْغُسْلِ ( وَاللَّائِطُ لَا بِزَوْجَتِهِ ، وَأَمَتِهِ كَالزَّانِي ) فِيمَا يَلْزَمُهُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُولِجٌ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى طَبْعًا .
قَوْلُهُ : وَاللَّائِطُ لَا بِزَوْجَتِهِ ، وَأَمَتِهِ ) شَمَلَ دُبُرَ عَبْدِهِ ( قَوْلُهُ : بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلَخْ ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِ { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } ، وَقَالَ { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ } .

( وَ ) اللَّائِطُ ( بِهِمَا ) أَيْ بِزَوْجَتِهِ ، وَأَمَتِهِ ( يُعَزَّرُ ) إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ اسْتِمْتَاعِهِ فِي الْجُمْلَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي إبَاحَتِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهُ الْفِعْلُ فَلَا تَعْزِيرَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ ( وَالْمُلُوطُ ) بِهِ غَيْرُ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ ( يُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ كَالْبِكْرِ ، وَإِنْ أُحْصِنَ ) رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إدْخَالُ الذَّكَرِ فِي دُبُرِهِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُحْصَنًا ، وَالرَّجْمُ خَاصٌّ بِالْمُحْصَنِ كَمَا سَيَأْتِي أَمَّا الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ فَيُعَزَّرَانِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَصْلِهِ .
( قَوْلُهُ : إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ ) بِأَنْ عَادَ بَعْدَ مَا مَنَعَهُ الْحَاكِمُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ .

( فَإِنْ أَتَتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً عُزِّرَتَا ) ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا ، وَالتَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ عَلَيْهِمَا مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ ( ، وَتَمْكِينُهَا الْقِرْدَ ) مِنْ نَفْسِهَا كَوَطْئِهِ الْبَهِيمَةَ وَفِي نُسْخَةٍ كَوَطْءِ الْبَهِيمَةِ فَيَلْزَمُهَا التَّعْزِيرُ لَا الْحَدُّ ( وَيَسْقُطُ ) الْحَدُّ بِثَلَاثِ شُبَهٍ لِخَبَرِ { ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ وَقْفَهُ ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ فَيَسْقُطُ ( بِالشُّبْهَةِ فِي الْمَحَلِّ كَوَطْءِ زَوْجَةٍ ) لَهُ ( حَائِضٍ ) أَوْ صَائِمَةٍ أَوْ مُحْرِمَةٍ ( وَأَمَةٍ ) لَهُ ( لَمْ تُسْتَبْرَأْ ، وَأَمَةِ وَلَدِهِ ) ، وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي خِيَارِ النِّكَاحِ ( وَكَذَا أَمَةٌ ) لَهُ ( هِيَ مَحْرَمٌ ) لَهُ ( بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ ) أَوْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ كَأُمِّ مَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنْتِهَا ( أَوْ ) أَمَةٍ ( مُشْتَرَكَةٍ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ( أَوْ ) أَمَةٍ لَهُ ( مُزَوَّجَةٍ ) أَوْ مُعْتَدَّةٍ ( أَوْ وَثَنِيَّةٍ ) أَوْ مَجُوسِيَّةٍ ( أَوْ مُسْلِمَةٍ ، وَهُوَ ذِمِّيٌّ ) أَوْ مُعَاهَدٌ لِعُرُوضِ التَّحْرِيمِ فِي بَعْضِهَا وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ فِي الْبَاقِي .

( قَوْلُهُ : وَكَذَا أَمَةٌ هِيَ مَحْرَمٌ لَهُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ ) دُبُرُ الْمَمْلُوكَةِ مِنْ الْمَحَارِمِ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ ، وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي الظَّاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالْوَطْءِ فِي قُبُلِهَا شُبْهَةُ الْمِلْكِ الْمُبِيحِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ لَمْ تُبَحْ دُبُرًا قَطُّ ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ فَسَائِرُ جَسَدِهَا يُبَاحُ لِلْوَطْءِ فَانْتَهَضَ شُبْهَةً فِي الدُّبُرِ ، وَالْوَثَنِيَّةُ كَالْمَحْرَمِ ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِالْمُزَوَّجَةِ فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا لِعَارِضٍ كَالْحَيْضِ .
ا هـ .
وَالْمَذْهَبُ مَا أَطْلَقُوهُ لِمَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ ( تَنْبِيهٌ ) لَمْ يُفَرِّقُوا فِي الْمَمْلُوكَةِ الْمَحْرَمِ بَيْنَ مَنْ هِيَ عَلَى حَوَاشِي النَّسَبِ وَغَيْرِهَا كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي حُرٍّ مُعْسِرٍ وَرِثَ أَمَةً أَوْ بِنْتَهُ ، وَهِيَ مَرْهُونَةٌ أَوْ جَانِيَةٌ ، وَفِي مُكَاتَبٍ مَلَكَهَا ثُمَّ وَطِئَ ( قَوْلُهُ : وَتَمْكِينُهَا الْقِرْدَ مِنْ نَفْسِهَا ) أَيْ ، وَإِيلَاجُهَا فِي قُبُلِهَا ذَكَرًا مُبَانًا أَوْ زَائِدًا غَيْرَ عَامِلٍ أَوْ ذَكَرَ مَيِّتٍ .

( وَبِالشُّبْهَةِ فِي الْفَاعِلِ كَمَنْ ) أَيْ كَوَطْءِ مَنْ ( ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَيَصْدُقُ ) فِي أَنَّهُ ظَنَّ ذَلِكَ ( بِيَمِينِهِ ) سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الزِّفَافِ أَمْ غَيْرِهَا ( لَا إنْ ظَنَّهَا مُشْتَرَكَةً ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ الِامْتِنَاعُ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ احْتِمَالَيْنِ نَقَلَهُمَا تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ عَنْ الْإِمَامِ ، وَجَزَمَ الْمِيمِيُّ كَالتَّعْلِيقَةِ بِسُقُوطِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ النِّهَايَةِ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَنْقُولَ تَرْجِيحُهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مُخْتَصَرِهَا أَنَّهُ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ مَا لَوْ تَحَقَّقَ دُفِعَ عَنْهُ الْحَدُّ ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : إنَّهُ الصَّحِيحُ كَمَا لَوْ سَرَقَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ لِأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَنَّ الْحِرْزَ مِلْكُهُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَبَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَاعْتَقَدَ عَدَمَ الْحَدِّ أَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ يَظُنُّهَا فُلُوسًا أَنَّهُ هُنَا اعْتَقَدَ أَمْرًا نَعْتَقِدُهُ نَحْنُ مُسْقِطٌ وَثَمَّ نَعْتَقِدُهُ مُوجِبًا ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ .

( قَوْلُهُ : وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمَسَائِلِ إلَخْ ) ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : وَهَذَا الْفَرْقُ ضَعِيفٌ ، وَكَيْفَ يَصِحُّ الْفَرْقُ بِاعْتِقَادِ الْوُجُوبِ وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ فَرْعُ الْوُجُوبِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بِنَفْسِ الْحُكْمِ كَذَلِكَ لَا يُفَرَّقُ بِاعْتِقَادِ الْحُكْمِ ، وَالصَّوَابُ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَالْفَرْقُ أَنَّ اعْتِقَادَ كَوْنِ الْجَارِيَةِ مُشْتَرَكَةً لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ وَاعْتِقَادُ كَوْنِ الْحِرْزِ لَهُ يُبِيحُ لَهُ هَتْكُهُ وَنَقْبُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَاعْتِقَادُ كَوْنِهِ لِلِابْنِ أَوْ الْأَبِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ مَا اعْتَقَدَ مِلْكَهُ فَجَرَى فِيهِ حُكْمُهُ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الْقَطْعِ عَلَى مَنْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ كَوْنِهَا فُلُوسًا لَا يُبِيحُ لَهُ الْأَخْذَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكُهُ مُؤَجَّرًا ، وَلَا مُسْتَعَارًا فَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ يَظُنُّهُ مِلْكَهُ الْمُؤَجَّرَ أَوْ الْمُعَارَ قُطِعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ نَقْبُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَالرُّجُوعِ فِي الْعَارِيَّةِ وَلِهَذَا ، قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ اشْتَرَى حِرْزًا وَنَقَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَسَرَقَ مِنْهُ مَالَ الْبَائِعِ نُظِرَ إنْ نُقِبَ بَعْدَ دَفْعِ الثَّمَنِ لَمْ يُقْطَعْ ، وَإِلَّا قُطِعَ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّقْبُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَبِالشُّبْهَةِ فِي الْجِهَةِ ) أَيْ الطَّرِيقِ ( وَهِيَ إبَاحَةُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ ) الْوَطْءَ بِجِهَةٍ ( كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ ) كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ( أَوْ بِلَا شُهُودٍ ) كَمَذْهَبِ مَالِكٍ ( وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ ) كَمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
( وَلَوْ اعْتَقَدَ ) الْمُولِجُ ( التَّحْرِيمَ ) فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ نَظَرًا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ نَعَمْ إنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِإِبْطَالِ النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَزِمَهُمَا الْحَدُّ لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ بِالْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ .

( قَوْلُهُ : وَبِالشُّبْهَةِ فِي الْجِهَةِ إلَخْ ) شَمَلَ مَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَحَكَمَ حَاكِمٌ بِالْفُرْقَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا وَوَطِئَهَا ( قَوْلُهُ : أَوْ بِلَا شُهُودٍ ) عِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَدُونَ وَلِيٍّ وَشُهُودٍ ، وَعِبَارَةُ مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ أَوْ وَطِيءَ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ ، وَلَا شُهُودٍ ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الصَّوَابُ وُجُوبُ الْحَدِّ فِيمَا إذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ ، وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهِ إنَّمَا الْخِلَافُ عِنْدَ فَقْدِ أَحَدِهِمَا فَأَبُو حَنِيفَةَ جَوَّزَهُ بِلَا وَلِيٍّ وَمَالِكٌ بِلَا شُهُودٍ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ عِيسَى مُطَيْرٌ لَا تَصِحُّ دَعْوَى الْإِسْنَوِيِّ نَفَى الْخِلَافُ ذَلِكَ بَلْ عِنْدَ دَاوُد يَصِحُّ نِكَاحُ الثَّيِّبِ مَعَ عَدَمِ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ جَمِيعًا حَكَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالشَّامِلِ التوالتمة فَلَا يَلْزَمُ مَا نَسَبَهُ إلَى الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ ، وَلَا شُهُودٍ لَكِنْ تَعَرَّضَ لِمَسْأَلَةِ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فَقَطْ ، وَقَدْ تَعَرَّضَ فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ لِمَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ ، وَلَا شُهُودٍ فِي اللِّعَانِ وَذَكَرَ مَا يُصَرِّحُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْهُ فِي مَسَائِلِ مَا يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ وَمَا لَا يُسْقِطُهُ فَصَحَّ حِينَئِذٍ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَبَطَلَ تَصْوِيبُ الْإِسْنَوِيِّ وَوَافَقَ ابْنُ مُطَيْرٍ الْفَقِيهَ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الْمَسَاعِي وَالْأَزْرَقَ وَالرِّيمِيَّ فِي التَّفْقِيهِ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَلِيٌّ ، وَلَا شُهُودٌ ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ لَا حَدَّ فِيهِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمُؤَبَّدُ وَالْمُطْلَقُ .
ا هـ .
وَبِعَدَمِ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ أَفْتَيْت .
( قَوْلُهُ : قَالَ

الْمَاوَرْدِيُّ لَزِمَهَا الْحَدُّ ) لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ بِالْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .

( وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّنَا أَوْ تَزَوَّجَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَمَحْرَمٍ وَوَثَنِيَّةٍ وَخَامِسَةٍ ) وَمُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا وَمُلَاعَنَةٍ وَمُعْتَدَّةٍ وَمُرْتَدَّةٍ وَذَاتِ زَوْجٍ ( وَوَطِئَ أَوْ وَطِئَ مَنْ ارْتَهَنَهَا ) ، وَلَوْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ( لَوْ أُبِيحَتْ لَهُ أَوْ كَانَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ حُدَّ ) ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُبَاحُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً كَمَا لَوْ اشْتَرَى حُرَّةً فَوَطِئَهَا أَوْ خَمْرًا فَشَرِبَهَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شُبْهَةً لَثَبَتَ بِهِ النَّسَبُ ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ ، وَكَذَا لَوْ زَنَى بِمَنْ لَهُ عَلَيْهَا قَوَدٌ أَوْ بِحَرْبِيَّةٍ ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِاسْتِيلَاءَ ، وَإِلَّا فَيَمْلِكُهَا ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِ عَطَاءٍ فِي إبَاحَةِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا لِلْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ وَلِظُهُورِ ضَعْفِهِ وَخَرَجَ بِالْوَثَنِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةُ فَفِيهَا فِي الْأَصْلِ عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ ، وَعَنْ الرُّويَانِيِّ لَا يَجِبُ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ نِكَاحِهَا ، وَهَذَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ عَنْ النَّصِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ فَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ، وَذَكَرَهَا أَيْضًا كَأَصْلِهِ فِي السَّرِقَةِ .

( قَوْلُهُ : أَوْ أُبِيحَتْ لَهُ ) بِأَنَّ إبَاحَتَهُ الْأَجْنَبِيَّةَ الْمُولَجَ فِيهَا لِلْمُولِجِ أَوْ أَبَاحَ السَّيِّدُ فَرْجَ أَمَتِهِ لِمُسْتَعِيرٍ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ كَانَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ حُدَّ ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِيهِ النَّفَقَةَ دُونَ الْإِعْفَافِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ ) ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ مَمْنُوعٌ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَصْنِيفِهِ بَلْ الْمَانِعُ ضَعْفُ شُبْهَتِهِ فَإِنَّ الْأَبْضَاعَ لَا تُبَاحُ بِالْإِذْنِ كَمَا فِي بُضْعِ الْحُرَّةِ فَصَارَ كَشُبْهَةِ الْحَنَفِيِّ فِي النَّبِيذِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا عَلَى الصَّحِيحِ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ الرُّويَانِيِّ لَا يَجِبُ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ نِكَاحِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَمَنْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِهَا بِنَسَبٍ ) كَأُخْتِهِ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا ( لَمْ يُصَدَّقْ ) لِبُعْدِ الْجَهْلِ بِذَلِكَ نَعَمْ إنْ جَهِلَ مَعَ ذَلِكَ النَّسَبَ ، وَلَمْ يَبْنِ لَنَا كَذِبُهُ فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( أَوْ ) بِتَحْرِيمِهَا ( بِرَضَاعٍ فَقَوْلَانِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَظْهَرُهُمَا تَصْدِيقُهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ ( أَوْ ) بِتَحْرِيمِهَا ( بِكَوْنِهَا مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً ، وَأَمْكَنَ ) جَهْلُهُ بِذَلِكَ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَحُدَّتْ ) هِيَ ( دُونَهُ إنْ عَلِمَتْ ) تَحْرِيمَ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَظْهَرُهُمَا تَصْدِيقُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ إنَّمَا يُحَدُّ ) جَلْدًا أَوْ رَجْمًا ( مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ ) لِلزِّنَا ( وَلَوْ جَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ ) فَلَا حَدَّ عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا قَالَ ( وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُؤَدَّبَانِ ) بِمَا يَزْجُرُهُمَا فَلَا يُحَدَّانِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ نَعَمْ يُحَدُّ السَّكْرَانُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ ( ، وَلَا يُحَدُّ الْمُكْرَهُ ، وَلَوْ رَجُلًا ) لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ وَلِخَبَرِ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ } ( ، وَلَا مُعَاهَدٌ ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ كَالْحَرْبِيِّ غَيْرِ الْمُعَاهَدِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَذَكَرَهُ أَيْضًا كَأَصْلِهِ فِي السَّرِقَةِ ( وَلَا جَاهِلٌ ) أَيْ مُدَّعِي الْجَهْلَ ( بِتَحْرِيمِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بُعْدٍ عَنْ أَهْلِهِ ) بِخِلَافِ مَنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ( وَيَخْتَصُّ الْحَدُّ بِالْمُكَلَّفِ مِنْ الزَّانِيَيْنِ ) لِوُجُودِ الشُّرُوطِ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ ( وَ ) يَخْتَصُّ ( الرَّجْمُ بِالْمُحْصَنِ مِنْهُمَا ) لِذَلِكَ .

( قَوْلُهُ : عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ لِلزِّنَا ) أَيْ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِإِفَاقَةٍ مِنْ جُنُونٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ ، وَإِلَّا فَلَا تَعُمُّ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إذَا وَطِئَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا وَادَّعَى الْجَهْلَ بِالتَّحْرِيمِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَإِطْلَاقُهُمْ قَبُولَ قَوْلِ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَالِطْنَا ( قَوْلُهُ : وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُؤَدَّبَانِ ) أَوْلَجَ صَبِيٌّ فِي أَجْنَبِيَّةٍ فَأَحَسَّ بِالْإِنْزَالِ وَاسْتَدَامَ هَلْ يُحَدُّ لَا يُحَدُّ ؛ لِأَنَّ إيلَاجَهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَاسْتِدَامَةُ الْوَطْءِ لَيْسَتْ بِوَطْءٍ ، وَلَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا ، وَعِنْدَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَالِغٍ فَبَانَ كَوْنُهُ بَالِغًا هَلْ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ ، وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ .
ا هـ .
وَأَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُحَدُّ الْمُكْرَهُ ) لَوْ زَنَى مُكْرَهًا ، وَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ لَا يَلْحَقُهُ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْهُ ، وَالشَّرْعُ مَنَعَ النَّسَبَ كَذَا فِي الْوَسِيطِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ فِي التَّتِمَّةِ فِي الْعِدَدِ أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَلْ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَجْلِ عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ بِخِلَافِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ فِي تَحْرِيمِهِ خِلَافًا وَالظَّاهِرُ عَدَمُ ثُبُوتِهِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ ظَنِّ الْوَاطِئِ ، وَلَا ظَنَّ هَا هُنَا فَإِنْ أَوْرَدَ وَطْءَ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ مَعَ أَنَّهُ عَالِمٌ قُلْنَا هُنَاكَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ قَامَتْ مَقَامَ الظَّنِّ فَلِذَلِكَ ثَبَتَ النَّسَبُ .
ا هـ .
قَالَ شَيْخُنَا وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ الثُّبُوتِ أَنَّ الْمُكْرَهَ آثِمٌ ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ الزِّنَا فَلَمْ يَخْرُجْ مَاؤُهُ عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ ، وَسُقُوطُ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا فِي الْجُمْلَةِ ، وَقَدْ سُئِلَ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ

الْوَسِيطِ ؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ وَيُفَارِقُ وَطْءَ الشُّبْهَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ فِيهِ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ ظَنِّ الْوَاطِئِ ، وَلَا ظَنَّ هَا هُنَا وَوَطْءُ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ شُبْهَةَ الْمِلْكِ قَامَتْ مَقَامَ الظَّنِّ فَمَا ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ضَعِيفٌ ، وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْوَسِيطِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَا مُعَاهَدَ ) أَيْ ، وَلَا مُسْتَأْمَنَ ( قَوْلُهُ : لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِإِسْلَامٍ ) أَيْ أَوْ إفَاقَةٍ مِنْ جُنُونٍ ، وَإِطْلَاقُهُمْ قَبُولَ قَوْلِ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَالِطْنَا مِنْ الذِّمِّيِّينَ وَنَحْوِهِمْ أَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْكِتَابِيِّ مُطْلَقًا نَظَرًا ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ الشَّرَائِعِ لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ نَعَمْ قَدْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى الْعَامِّيِّ الْمُسْلِمِ النَّاشِئِ بَيْنَنَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَةً لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ إذْ يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ مَالَ وَالِدِهِ كَمَالِهِ ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : إذَا أَصَابَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ أُمِّهِ وَقَالَ ظَنَنْتهَا تَحِلُّ لِي أُحْلِفَ أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا إلَّا ، وَهُوَ يَرَاهَا حَلَالًا ثُمَّ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَأُغْرِمَ الْمَهْرَ ، وَلَا يُقْبَلُ هَذَا إلَّا مِمَّنْ أَمْكَنَ فِيهِ أَنْ يَجْهَلَ مِثْلَ هَذَا غ .

( وَحَدُّ الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ ) لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فِي أَخْبَارِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ الرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا كَانَ مُحْصَنًا ، وَقَالَ إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا نَبِيًّا ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا وَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ الرَّجْمِ فَتَلَوْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا ، وَهِيَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عُزَيْرٌ حَكِيمٌ ، وَقَدْ رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ وَالْإِحْصَانُ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا جَاءَ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعِفَّةِ وَالتَّزْوِيجِ وَوَطْءِ الْمُكَلَّفِ الْحُرِّ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمُحْصَنُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ( كُلُّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَطِئَ أَوْ وَطِئَتْ ) فِي قُبُلٍ ( حَالَ الْكَمَالِ ) بِتَكْلِيفٍ وَحُرِّيَّةٍ ( فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَلَوْ ) كَانَ الْوَطْءُ ( فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ ) أَوْ حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ ( لَا فِي مِلْكِ يَمِينٍ وَطْءَ شُبْهَةٍ ) وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ كَمَا فِي التَّحْلِيلِ فَلَا رَجْمَ عَلَى مَنْ زَنَى ، وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لَيْسَ بِسَكْرَانَ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ كَمَا مَرَّ .
وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَمْنَعُ الْفَوَاحِشَ ؛ لِأَنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ وَشَرَفُهَا وَالشَّرِيفُ يَصُونُ نَفْسَهُ عَمَّا يُدَنِّسُ عِرْضَهُ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُوَسِّعُ طُرُقَ الْحِلِّ إذْ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَرْبَعِ حَرَائِرَ ، وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنٍ غَالِبًا بِخِلَافِ مَنْ فِيهِ رِقٌّ فِيهِمَا ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ بِهِ قَضَى الْوَاطِئُ الشَّهْوَةَ وَاسْتَوْفَى اللَّذَّةَ فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ

الْحَرَامِ ؛ وَلِأَنَّهُ يُكْمِلُ طَرِيقَ الْحِلِّ بِدَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ أَوْ رِدَّةٍ وَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَكْمَلِ الْجِهَاتِ ، وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَاعْتُبِرَ حُصُولُهُ مِنْ كَامِلٍ حَتَّى لَا يُرْجَمَ مَنْ وَطِئَ ، وَهُوَ نَاقِصٌ ثُمَّ زَنَى ، وَهُوَ كَامِلٌ وَيُرْجَمُ مَنْ كَانَ كَامِلًا فِي الْحَالَيْنِ ، وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا نَقْصٌ كَجُنُونٍ وَرِقٍّ فَالْعِبْرَةُ بِالْكَمَالِ فِي الْحَالَيْنِ ، وَلَا يَرِدُ النَّائِمُ إذَا اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ مُحْصَنًا ، وَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ عِنْدَ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ اسْتِصْحَابًا لِحَالِهِ قَبْلَ النَّوْمِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْوَطْءُ مَعَ كَامِلٍ ، وَلَا عِصْمَتِهِ حَتَّى لَوْ وَطِئَ ، وَهُوَ حَرْبِيٌّ ثُمَّ زَنَى بَعْدَ أَنْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ رُجِمَ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِحْصَانِ أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ مُخْتَارًا .

( قَوْلُهُ : وَشَرْعًا جَاءَ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ إلَخْ ) ، قَالَ شَيْخُنَا ، وَقَدْ فُسِّرَ بِكُلٍّ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى { فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ } وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } وَمِنْهَا الْإِصَابَةُ فِي النِّكَاحِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا ( قَوْلُهُ : وَهُوَ كُلُّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَطِئَ إلَخْ ) شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهُ ، وَلَهُ زَوْجَةٌ وُلِدَ مِنْهَا وَلَدٌ فَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ ، وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ وَالْإِحْصَانُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ الْمُحْصَنُ الَّذِي يُرْجَمُ مَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَهُوَ حُرٌّ مُكَلَّفٌ حَالَةَ الْوَطْءِ وَحَالَةَ الزِّنَا وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ الزِّنَا وَمَا إذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتَرَقَّ ثُمَّ عَتَقَ فَزَنَى أَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ جُنَّ ، وَأَفَاقَ ثُمَّ زَنَى فَإِنَّهُ يُرْجَمُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا لِاسْتِمْرَارِ الْإِحْصَانِ أَوْ عَوْدِهِ ( تَنْبِيهٌ ) لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فَاللَّقِيطُ السَّاكِتُ وَالْعَتِيقُ فِي مَرَضِ الْمَوْت مَحْكُومٌ لَهُمَا بِالْحُرِّيَّةِ ظَاهِرًا ، وَلَكِنَّ حُرِّيَّتَهُمَا لَمْ تَسْتَقِرَّ فَهِيَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ فَلَا يُرْجَمَانِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُمَا .
ا هـ .
وَقَدْ اكْتَفَوْا بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الشُّرُوطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا ا ب ( قَوْلُهُ : أَوْ إحْرَامٌ ) أَوْ قَوْمُ أَحَدِهِمَا ( قَوْلُهُ : وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ ) أَوْ لَمْ تُعْلَمْ حُرِّيَّتُهُ كَاللَّقِيطِ السَّاكِتِ وَالْعَتِيقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَدَخَلَ

فِي عِبَارَتِهِمْ وَطْءُ مَنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا مَعَ عَدَمِ تَمَيُّزِهَا ، وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَالَ الْأَرْجَحُ إنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ مُحْصَنًا ، وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ حَشَفَةَ زَوْجِهَا الْفَطِيمِ لَا تَصِيرُ مُحْصَنَةً قُلْت كَلَامُهُمْ قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي إصَابَةِ الْكَامِلِ النَّاقِصِ ، قَالَ الْإِمَامُ هَذَا الْخِلَافُ فِي صَغِيرَةٍ أَوْ صَغِيرٍ لَا يَشْتَهِيهِ الْجِنْسُ الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا حَصَلَ قَطْعًا .
ا هـ .
فَاَلَّتِي لَا تُشْتَهَى هِيَ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ صُورَتُهُ تَرَدُّدُ الشَّيْخِ لَيْسَ فِي كُلِّ مَنْ لَا يُشْتَهَى بَلْ يُقَيَّدُ كَوْنُهُ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَيَخُصُّ كَلَامُ الْإِمَامِ بِوُجُودِ التَّمْيِيزِ ع ، وَقَوْلُهُ ، وَقَالَ الْأَرْجَحُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ ) اسْتِصْحَابًا لِحَالِهِ قَبْلَ النَّوْمِ يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ بَلَغَ ، وَهُوَ نَائِمٌ وَأُصِيبَ فِي حَالَةِ النَّوْمِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ كَمَا ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ ) بَلْ صَرَّحُوا بِهِ .

( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِيهِ ( الْإِسْلَامُ فَيُرْجَمُ الْمُرْتَدُّ وَالذِّمِّيُّ ) لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ الْيَهُودِ زَنَيَا } زَادَ أَبُو دَاوُد { وَكَانَا قَدْ أُحْصِنَا } .
( قَوْلُهُ : فَيُرْجَمُ الْمُرْتَدُّ وَالذِّمِّيُّ ) اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْيَوْمَ لَا يُحَدُّونَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالْمُسْتَأْمَنِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُجَدَّدُ لَهُمْ عَهْدٌ بَلْ يَجْرُونَ عَلَى ذِمَّةِ آبَائِهِمْ ع ( تَنْبِيهٌ ) لَوْ زَنَى مُرْتَدٌّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَوْ قَبْلَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ حُدَّ ، وَلَا تُبْطِلُ رِدَّتُهُ إحْصَانَهُ ، وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ فَقَدْ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ عَلَى الْجِزْيَةِ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ رِجَالِهِمْ أَصَابَ مُسْلِمَةً بِزِنًا أَوْ اسْمَ نِكَاحٍ ، وَعَدَّ أَشْيَاءَ كَثِيرًا مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إلَى أَنْ قَالَ : وَأَيُّهُمْ قَالَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا وَضَعْته كَانَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ ، وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِعْلًا لَمْ يُقْتَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ قُتِلَ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فَيُقْتَلُ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَا نَقْضَ عَهْدٍ .
ا هـ .
وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ إذَا زَنَى الذِّمِّيُّ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ فَلَا يُحَدُّ ، وَلَا يُعَزَّرُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ رَاجَعْت كَلَامَ ابْنِ الْمُنْذِرِ فَوَجَدْته نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ إذْ هُوَ بِالْعِرَاقِ يَعْنِي فِي الْقَدِيمِ .
ا هـ .
وَأَفْتَيْت بِعَدَمِ سُقُوطِهِ .

( وَحَدُّ الْبِكْرِ ) الْحُرِّ ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُحْصَنِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً ( جَلْدُ مِائَةٍ ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } مَعَ أَخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْمَزِيدُ فِيهَا التَّغْرِيبُ عَلَى الْآيَةِ ( فَلَا تَرْتِيبَ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلْدِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ الْجَلْدِ .
قَوْلُهُ : وَتَغْرِيبُ عَامٍ ) أَيْ هِلَالِيٌّ قِيلَ أَوَّلُ الْعَامِ مِنْ وَقْتِ إخْرَاجِهِ مِنْ بَلَدِهِ ، وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ حُصُولِهِ فِي مَكَانِ التَّغْرِيبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا إنْ لَمْ يُجَاوِزْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَإِنْ جَاوَزَهَا فَيُحْسَبُ مِنْ حِينِ الْمُجَاوَزَةِ جَزْمًا وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ ادَّعَى انْقِضَاءَ السَّنَةِ ، وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَلَفَ اسْتِظْهَارًا ، وَعَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ ، وَتَنْقَضِي مُدَّةُ الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ ( قَوْلُهُ : بِلَا تَرْتِيبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلْدِ إلَخْ ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خِلَافُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْبَابُ بَابُ تَوْقِيفٍ وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْحَدِّ لِلْفَوَاتِ وَالتَّضْيِيعِ إمَّا بِمَوْتٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ السَّنَةِ إلَى وَطَنِهِ .

( وَ ) حَدُّ ( مَنْ فِيهِ رِقٌّ ) ، وَلَوْ مُبَعَّضًا ( خَمْسِينَ ) ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَافَقَ نَوْبَةَ نَفْسِهِ ( وَيُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ ) عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } ، وَلَا يُبَالِي بِضَرَرِ السَّيِّدِ فِي عُقُوبَاتِ الْجَرَائِمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِرِدَّتِهِ وَيُحَدُّ بِقَذْفِهِ ، وَإِنْ تَضَرَّرَ السَّيِّدُ ، وَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ الْمُؤَجَّرُ حُدَّ ، وَهَلْ يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ وَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ أَوْ يُؤَخَّرُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ ؟ .
وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرَبُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ طُولِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ، وَقِصَرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ طَالَتْ غُرِّبَ فِي الْحَالِ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْحُرِّ أَيْضًا .
انْتَهَى .
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ كَمَا لَا يُحْبَسُ لِغَرِيمِهِ إنْ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ فِي الْحَبْسِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ ذَاكَ حَقُّ آدَمِيٍّ ، وَهَذَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ تَخْصِيصُهُ بِالْمُسْلِمِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ فِي مَعْنَى الْمُعَاهَدِ إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَالْمُعَاهَدُ لَا يُحَدُّ فَكَذَا الْعَبْدُ الْكَافِرُ ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا ( وَلِلْإِمَامِ ) ، وَلَوْ بِنَائِبِهِ ( تَغْرِيبُهُمَا ) أَيْ الْحُرُّ وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ ( مَسَافَةَ الْقَصْرِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ ( وَفَوْقَهَا ) إنْ رَآهُ الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَرَّبَ إلَى الشَّامِ وَعُثْمَانَ إلَى مِصْرَ وَعَلِيًّا إلَى الْبَصْرَةِ ( لَا دُونَهَا ) إذْ لَا يَتِمُّ الْإِيحَاشُ الْمَذْكُورُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَتَوَاصَلُ

حِينَئِذٍ ( وَلْيَكُنْ ) تَغْرِيبُ مَنْ ذُكِرَ ( إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ ) فَلَا يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ إرْسَالًا .
( وَلَوْ عَيَّنَ الْإِمَامُ جِهَةً ) لِتَغْرِيبِهِ ( تَعَيَّنَتْ ) فَلَوْ طَلَبَ جِهَةً أُخْرَى لَمْ يَجِبْ ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالزَّجْرِ ( فَلَوْ انْتَقَلَ بَعْدُ ) أَيْ بَعْدَ التَّغْرِيبِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ ( إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ ، وَالْمَنْعُ مِنْ الِانْتِقَالِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ( وَيُسْتَصْحَبُ ) مَعَهُ جَوَازًا ( سُرِّيَّةً مَعَ نَفَقَةٍ يَحْتَاجُهَا ) وَمَالًا يَتَّجِرُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( لَا أَهْلًا ، وَعَشِيرَةً ) لَهُ لِانْتِفَاءِ إيحَاشِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ تَغْرِيبِهِ إلَى بَلَدٍ فِيهِ أَهْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فِيهِ بِالْجَوَازِ ( فَإِنْ خَرَجُوا ) مَعَهُ ( لَمْ يُمْنَعُوا وَالْغَرِيبُ يُغَرَّبُ ) مِنْ بَلَدِ الزِّنَا تَنْكِيلًا ، وَإِبْعَادًا عَنْ مَحَلِّ الْفَاحِشَةِ فَرُبَّمَا أَلِفَهُ ( لَا إلَى بَلَدِهِ ، وَلَا إلَى دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا ) أَيْ ، وَلَا إلَى بَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إيحَاشُهُ ، وَتَغْرِيبُهُ إلَى ذَلِكَ يَأْبَاهُ ( فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهَا ) أَيْ إلَى بَلْدَتِهِ أَوْ إلَى دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا ( مُنِعَ ) مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ .

( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ هَلْ يُغَرَّبُ قَبْلَ أَدَائِهِ أَوْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يُوَفِّيَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْلَسَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ مُسْتَأْجِرَ الْعَيْنِ الظَّاهِرُ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ لِأَجْلِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ ، قَالَ فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ إذَا زَنَتْ تُغَرَّبُ ، وَلَا يُؤَخَّرُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) كَالْبُلْقِينِيِّ ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا ) ، وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِهِ حَيْثُ ، قَالُوا لِلْكَافِرِ أَنْ يَحُدَّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ وَبِأَنَّ الرَّقِيقَ تَابِعٌ لِسَيِّدِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْتِزَامِ الْجِزْيَةِ عَدَمُ الْحَدِّ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ الذِّمِّيَّةِ .
( تَنْبِيهٌ ) إنَّمَا جُعِلَتْ عُقُوبَةُ الزِّنَا بِمَا ذُكِرَ ، وَلَمْ تُجْعَلْ بِقَطْعِ آلَةِ الزِّنَا كَمَا جُعِلَتْ عُقُوبَةُ السَّرِقَةِ بِقَطْعِ آلَتِهَا ، وَهِيَ الْيَدُ وَالرِّجْلُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ النَّسْلِ ؛ وَلِأَنَّ قَطْعَ آلَةِ السَّرِقَةِ يَعُمُّ السَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ ، وَقَطْعَ الذَّكَرِ يَخُصُّ الرَّجُلَ دُونَ الْمَرْأَةِ ، قَالَ شَيْخُنَا ، وَأَيْضًا فَالذَّكَرُ أَوْ الْفَرْجُ لَا مِثْلَ لَهُ وَالْيَدُ لِصَاحِبِهَا مِثْلُهَا غَالِبًا ، وَأَيْضًا فَقَطْعُ الْيَدِ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ ، وَقَطْعُ الْفَرْجِ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمُهُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ تَفُوتَ رُوحُ الْبِكْرِ .
( فَائِدَةٌ ) قَدْ سَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّافِعِيَّ عَنْ خَمْسَةِ رِجَالٍ زَنَوْا بِامْرَأَةٍ ، وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمْ الْقَتْلُ ، وَعَلَى الثَّانِي الرَّجْمُ ، وَعَلَى الثَّالِثِ الْجَلْدُ وَعَلَى الرَّابِعِ نِصْفُهُ ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْخَامِسِ شَيْءٌ فَقَالَ الْأَوَّلُ اسْتَحَلَّ

الزِّنَا فَقُتِلَ بِرِدَّتِهِ وَالثَّانِي مُحْصَنٌ وَالثَّالِثُ بِكْرٌ وَالرَّابِعُ عَبْدٌ وَالْخَامِسُ مَجْنُونٌ ( قَوْلُهُ : وَعَلِيًّا إلَى الْبَصْرَةِ ) وَالصِّدِّيقَ إلَى فَدَكَ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ طَلَبَ جِهَةً غَيْرَهَا لَمْ يُجَبْ إلَخْ ) اسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا صَادَفَنَا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّغْرِيبُ مُحْرِمًا أَوْ خَارِجًا لِجِهَادٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ غَرَّبْنَاهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ الْجِهَادُ ، قَالَ فَيُجَابُ إذَا طَلَبَ جِهَةَ قَصْدِهِ ، وَلَا يُصَارُ إلَى تَفْوِيتِ مَقْصِدِهِ عَلَيْهِ ، وَلَا إلَى تَأْخِيرِ التَّغْرِيبِ حَتَّى يَفْرُغَ ، وَقَوْلُهُ اسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَسْتَصْحِبُ سُرِّيَّةً ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الزِّنَا أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ حَمْلِ زَوْجَتِهِ مَعَهُ كَالسُّرِّيَّةِ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِ ، وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا خِيفَ فُجُورُهُ فِي مُدَّةِ التَّغْرِيبِ ، وَقَوْلُهُ الظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَمَا يَتَّجِرُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فِيهِ بِالْجَوَازِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَ ) يُغَرَّبُ ( الْمُسَافِرُ ) إذَا زَنَى فِي طَرِيقِهِ ( لَا إلَى مَقْصِدِهِ ) لِذَلِكَ ( وَمَنْ لَا وَطَنَ لَهُ كَالْمُهَاجِرِ ) إلَيْنَا ( مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ) ، وَلَمْ يَتَوَطَّنْ بَلَدًا ( يُمْهَلُ حَتَّى يَتَوَطَّنَ ) بَلَدًا ( ثُمَّ يُغَرَّبَ ) مِنْهُ ، وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقَاضِي إنَّهُ يُغَرَّبُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي قَصَدَهُ ( وَيُرَاقَبُ الْمُغَرَّبُ ) أَيْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ فِي الْمَكَان الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ ، وَلَا يُحْبَسُ فِيهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُرَاقَبُ لِئَلَّا يَرْجِعَ إلَى بَلْدَتِهِ أَوْ إلَى مَا دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا لَا أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ وَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الرُّويَانِيِّ مِنْ تَصْحِيحٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ لِيَكُونَ كَالْحَبْسِ لَهُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ كَالنُّزْهَةِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ غَيْرُ بَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ بِلَادُ غُرْبَةٍ وَبِقَوْلِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهَا بَلْ فِي غَيْرِ جَانِبِ بَلَدِهِ فَقَطْ عَلَى مَا عُرِفَ وَكَأَنْ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْجَمْعُ حَذَفَ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ .
( وَمُؤْنَتُهُ ) أَيْ الْمُغَرَّبُ فِي مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ ( عَلَى نَفْسِهِ ) إنْ كَانَ حُرًّا ، وَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ ( فَإِنْ خِيفَ رُجُوعُهُ ) إلَى مَحَلِّهِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ ( حُبِسَ ) جَوَازًا .

( قَوْلُهُ : وَيُغَرَّبُ الْمُسَافِرُ لَا إلَى مَقْصِدِهِ ) نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَالَ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ بَلْ إذَا رَأَى تَغْرِيبَهُ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ لَمْ يُمْنَعْ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا لِلْحَجِّ أَوْ الْجِهَادِ فَلَا يَنْبَغِي تَفْوِيتُ مَقْصُودِهِ وَيَكْفِي فِي التَّنْكِيلِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْعَوْدِ وَالتَّصَرُّفِ فِي السَّفَرِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً ( قَوْلُهُ : يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ غَيْرُ بَلَدِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَرْعٌ ) لَوْ ادَّعَى الْمَحْدُودُ انْقِضَاءَ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ ، وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا .

( وَلَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدٍ غُرِّبَ مِنْهُ اُسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ ) لِيَتَوَالَى الْإِيحَاشُ ( فَلَا تُفَرَّقُ السَّنَةُ ) فِي الْحُرِّ ، وَلَا نِصْفُهَا فِي غَيْرِهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ رُدَّ إلَى الْغُرْبَةِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُهَذَّبِ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ ، وَأَشَارَ إلَى تَفَرُّدِهِ بِهِ ، وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا بِالِاسْتِئْنَافِ لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ الْبَلَدُ .
( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ لِلْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَلَوْ زَنَى الْمُغَرَّبُ ) فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ ( غُرِّبَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَدَخَلَتْ الْبَقِيَّةُ ) أَيْ بَقِيَّةُ مُدَّةِ الْأَوَّلِ فِي مُدَّةِ الثَّانِي لِتَجَانُسِ الْحَدَّيْنِ ( وَلَا يُعْتَدُّ بِتَغْرِيبِهِ نَفْسَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْكِيلُ ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَغْرِيبِ الْإِمَامِ ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ رَجَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عُزِّرَ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ حَبْسِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مُدَّةَ الْحَبْسِ مَجْهُولَةٌ لَهُ بِخِلَافِ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ ، وَأَوَّلُهَا ابْتِدَاءُ السَّفَرِ لَا وَقْتُ وُصُولِهِ إلَى مَا غُرِّبَ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَلَوْ غُرِّبَتْ امْرَأَةٌ اُشْتُرِطَ خُرُوجُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ ) مَعَهَا ، وَلَوْ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِخَبَرِ { لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ } ؛ وَلِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ الزَّانِيَةِ الْهَتْكَ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا كَعَبْدِهَا حُكْمُهُ حُكْمُ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى تَغْرِيبِهَا وَحْدَهَا ، وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ سَفَرِهَا وَحْدَهَا مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْحَجِّ ( وَأُجْرَتُهُ عَلَيْهَا ) إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَتِمُّ بِهَا الْوَاجِبُ كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ مُؤَنِ سَفَرِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ ( فَلَوْ امْتَنَعَ ) مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا بِأُجْرَةٍ ( لَمْ يُجْبَرْ ) كَمَا فِي الْحَجِّ ؛ وَلِأَنَّ فِي إجْبَارِهِ تَعْذِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ ( وَيُؤَخَّرُ ) حِينَئِذٍ ( تَغْرِيبُهَا ) إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهَا تُغَرَّبُ وَيَحْتَاطُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ غُرِّبَتْ امْرَأَةٌ اُشْتُرِطَ خُرُوجُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ ) أَمَّا الْأَمَةُ فَهَلْ الْمَطْلُوبُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا سَيِّدُهَا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَيَبْعُدُ أَنْ نُوجِبَ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَخْ ) يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا وَبِهِ يَتَأَيَّدُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ الْآتِي ش ( قَوْلُهُ : فَلَوْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ ) لِإِخْفَاءِ أَنَّ مَحْرَمَهَا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهَا أَوْ أَجْبَرَهَا لِلْخِدْمَةِ مُدَّةَ التَّغْرِيبِ أُجْبِرَ لَا مَحَالَةَ .

( وَفِي الِاكْتِفَاءِ ) فِي الْخُرُوجِ مَعَهَا ( بِنِسْوَةٍ ثِقَاتٍ ) اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ ( مَعَ أَمْنِ طَرِيقٍ ، وَجْهَانِ ) أَظْهَرُهُمَا عَلَى مَا فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ ، وَأَحَدُهُمَا عَلَى مَا فِي السَّقِيمَةِ الَّتِي اخْتَصَرَتْ مِنْهَا الرَّوْضَةُ نَعَمْ قِيَاسًا عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ وَالثَّانِي لَا ؛ لِأَنَّ النِّسْوَةَ مَطْمُوعٌ فِيهِنَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَرُبَّمَا اكْتَفَى بَعْضُهُمْ بِوَاحِدَةٍ ثِقَةٍ .
انْتَهَى .
وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا هُوَ مَا فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنَّهُ الْأَصَحُّ وَالْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَهَذَا أَوْلَى أَمَّا مَعَ الْخَوْفِ فَلَا يُكْتَفَى بِالنِّسْوَةِ ، وَهَلْ يُشْرَعُ التَّغْرِيبُ عِنْدَ الْخَوْفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ : فِيهِ قَوْلٌ بِشَرْعِيَّتِهِ ، وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ ، وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ حَتَّى لَا يُغَرَّبَ الرَّجُلُ ، وَلَا الْمَرْأَةُ الْمُسْتَصْحَبَةُ لِلزَّوْجِ أَوْ نَحْوِهِ حِينَئِذٍ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ يُغَرَّبُ وَحْدَهُ ، وَلَوْ أَمْرَدَ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ يَحْتَاجُ إلَى مَحْرَمٍ أَوْ نَحْوِهِ .
( قَوْلُهُ : أَظْهَرُهُمَا عَلَى مَا فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَرُبَّمَا اكْتَفَى بَعْضُهُمْ بِوَاحِدَةٍ ثِقَةٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ كَمَا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ وَاطِئًا أَمْ مَوْطُوءًا

( وَيُنْفَى الْمُخَنَّثُونَ تَعْزِيرًا ) لِثُبُوتِهِ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ مُدَّةَ تَغْرِيبِ الزَّانِي .

( فَصْلٌ : لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ) ، وَلَوْ مَرَّةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إقَامَتِهِ إمَّا بِالْبَيِّنَةِ فَالْآيَةُ { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ } ، وَإِمَّا بِالْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى هُوَ وَالْبُخَارِيُّ خَبَرَ { وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا } عَلَّقَ الرَّجْمَ عَلَى مُجَرَّدِ الِاعْتِرَافِ ، وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ عَلَى مَاعِزٍ فِي خَبَرِهِ ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي عَقْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ أَبِكَ جُنُونٌ وَوَصَفَ الْإِقْرَارَ بِقَوْلِهِ ( مُفَسَّرٌ كَالشَّهَادَةِ ) وَاحْتِيَاطًا لِلْحَدِّ وَسَعْيًا فِي سِتْرِ الْفَاحِشَةِ مَا أَمْكَنَ وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِقِصَّةِ مَاعِزٍ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ) قَضِيَّةُ حَصْرِهِ الثُّبُوتَ فِي الطَّرِيقَيْنِ يَنْفِي صُوَرًا .
إحْدَاهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَوْفِيهِ بِعِلْمِهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ .
الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ فِيمَا لَوْ قَذَفَ شَخْصًا وَطَلَبَ مِنْهُ الْمَقْذُوفُ حَدَّ الْقَذْفِ فَطَلَبَ يَمِينَهُ عَلَى أَنَّهُ مَا زَنَى فَرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَحَلَفَ أَنَّهُ زَانٍ ، وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الدَّعَاوَى .
الثَّالِثَةُ إذَا وُجِدَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا ، وَلَا زَوْجَ لَهَا ، وَأَنْكَرَتْ الزِّنَا لَمْ تُحَدَّ خِلَافًا لِمَالِكٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ .
الرَّابِعَةُ قَذَفَهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ الزِّنَا عِنْدَنَا ، قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي بَابِ اللِّعَانِ مِنْ الِاصْطِلَامِ

( وَيُجْزِئُ ) أَيْ يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَدِّ ( إشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْإِقْرَارِ ) بِالزِّنَا .

( وَإِنْ رُئِيَا ) أَيْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّانِ ( تَحْتَ لِحَافٍ عُزِّرَا ) ، وَلَمْ يُحَدَّا .

( وَيُقَامُ الْحَدُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً ) مِنْ نَحْوِ رِدَّةِ الْمَحْدُودِ وَالْتِحَاقِهِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ .

( وَيَحْرُمُ الْعَفْوُ عَنْ حَدٍّ لِلَّهِ ) تَعَالَى ( وَالشَّفَاعَةِ فِيهِ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسَامَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي شَأْنِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ إنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ إنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .

( وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّانِي ) وَلِكُلِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً ( السَّتْرُ ) عَلَى نَفْسِهِ لِخَبَرِ { مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ أَوْ قَذَفَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ لِمَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ التَّضْيِيقِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَعْصِيَةَ أَنْ لَا يُظْهِرَهَا لِيُحَدَّ أَوْ يُعَزَّرَ فَيَكُونُ إظْهَارُهَا خِلَافَ الْمُسْتَحَبِّ أَمَّا التَّحَدُّثُ بِهَا تَفَكُّهًا أَوْ مُجَاهَرَةً فَحَرَامٌ قَطْعًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ .
( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ إظْهَارُهَا خِلَافَ الْمُسْتَحَبِّ ) وَيُكْرَهُ إظْهَارُهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ( قَوْلُهُ : أَمَّا التَّحَدُّثُ بِهَا تَفَكُّهًا أَوْ مُجَاهَرَةً فَحَرَامٌ قَطْعًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَكَذَا الشَّاهِدُ ) يُسْتَحَبُّ لَهُ سَتْرُهَا بِأَنْ يَتْرُكَ الشَّهَادَةَ بِهَا ( إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً ) ، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الشَّهَادَةِ بِهَا شَهِدَ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ فَكَلَامُهَا فِيمَا إذَا لَمْ يَرَ مَصْلَحَةً مُتَدَافِعٌ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهِ اسْتِحْبَابَ تَرْكِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ تَرْكِهَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَرْكِهَا إيجَابُ حَدٍّ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ كَأَنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا فَيَأْثَمُ الرَّابِعُ بِالتَّوَقُّفِ وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ .

( قَوْلُهُ : وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ تَرْكِهَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَرْكِهَا إيجَابٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْأَدَاءِ مَأْثُومًا مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِأَنَّهُ قَتَلَ كَافِرًا ، وَالْحَاكِمُ حَنَفِيٌّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَدَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَشْهَدَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ أَوْ بِالتَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ أَوْ بِمَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَحُدُّهُ بِالتَّعْرِيضِ وَيُعَزِّرُهُ أَبْلَغَ مِمَّا يُوجِبُ الشَّافِعِيُّ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي فِي طَلَبِ الشَّافِعِيِّ نَحْوَ شُفْعَةِ الْجِوَارِ مِنْ الْحَنَفِيِّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ ر .
( قَوْلُهُ : فَيَأْثَمُ الرَّابِعُ بِالتَّوَقُّفِ وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ ) وَمِثْلُهُ لَوْ قَذَفَ وَثَمَّ بَيِّنَةٌ بِالْفِعْلِ أَوْ الْإِقْرَارِ فَعَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ لَا مَحَالَةَ ، وَكَذَا لَوْ شَتَمَهُ بِمَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَطَلَبَهُ الْمَشْتُومُ ، وَعَلِمَ عَدْلَانِ بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ يَلْزَمُهُمَا الْأَدَاءُ بِهِ لِطُهْرِ الشَّاتِمِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الْإِعْلَامُ إنْ كَانَ جَاهِلًا بِشَهَادَتِهِمَا ، وَكَتَبَ أَيْضًا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا يُشْبِهُهُ ، وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ مَا لَوْ كَانَ يَلِي شَيْئًا شَرَطَ مُتَوَلِّيهِ الْعَدَالَةَ كَالْوُقُوفِ وَالْأَيْتَامِ وَبَيْتِ الْمَالِ وَالْأَحْكَامِ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا إصْرَارَهُ ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ لَا سِيَّمَا إذَا اطَّلَعُوا عَلَى إنْفَاقِهِ الْمَالَ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ لِانْعِزَالِهِ بِفِسْقِهِ ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ أَنَّ غَيْرَ الْحَاكِمِ قَدْ تَابَ ، وَأَنَابَ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ

( وَلَوْ أَقَرَّ بِزِنًا أَوْ شُرْبٍ ) لِمُنْكَرٍ ( اُسْتُحِبَّ لَهُ الرُّجُوعُ ) كَالسَّتْرِ ابْتِدَاءً ، وَهُوَ مُقْتَضَى خَبَرِ مَاعِزٍ السَّابِقِ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَا يُخَالِفُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ حَدٌّ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ لِيُقِيمَهُ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ السَّتْرِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّهُورِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى زِنَاهُ مَنْ لَا يَثْبُتُ الزِّنَا بِشَهَادَتِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا الْمُقِرُّ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الرُّجُوعُ لِمَا مَرَّ ( فَإِنْ رَجَعَ ) عَنْ الْإِقْرَارِ ، وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ ( سَقَطَ ) عَنْهُ ( الْحَدُّ ) لِتَعْرِيضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَاعِزٍ بِالرُّجُوعِ بِقَوْلِهِ { لَعَلَّك قَبَّلْتَ لَعَلَّك لَمَسْتَ أَبِكَ جُنُونٌ } ؛ وَلِأَنَّهُمْ { لَمَّا رَجَمُوهُ قَالَ رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَسْمَعُوا وَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ رَجَعَ ) كَقَوْلِهِ كَذَبْت أَوْ رَجَعْت عَمَّا أَقْرَرْت بِهِ أَوْ مَا زَنَيْت أَوْ فَأَخَذْت أَوْ لَمَسْت فَاعْتَقَدْته زِنًا أَوْ لَا حَدَّ عَلَيَّ ( قَوْلُهُ : سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ ) بَلْ سَقَطَ حُكْمُ الْإِقْرَارِ جُمْلَةً حَتَّى لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ حُدَّ وَيَبْقَى بِرُجُوعِهِ عَلَى حَصَانَتِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، قَالَ النَّاشِرِيُّ : مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَهَذَا فِي الْقَذْفِ الْحَادِثِ بَعْدَ الرُّجُوعِ ، وَأَمَّا الْقَذْفُ بِذَلِكَ الزِّنَا الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فَلَا مِرْيَةَ بِعَدَمِ الْحَدِّ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا إذَا ادَّعَتْ حُرَّةٌ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ دُونَ الْمَهْرِ .

( فَلَوْ قُتِلَ بَعْدَ الرُّجُوعِ ) عَنْ إقْرَارِهِ ( فَلَا قِصَاصَ ) عَلَى قَاتِلِهِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ ، وَقَوْلُ الدَّارِمِيِّ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاتِلُ بِرُجُوعِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِرُجُوعِهِ قُتِلَ بِلَا خِلَافٍ فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِنْ التَّعْلِيلِ ( وَيُضْمَنُ بِالدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِهَا بِجَامِعِ الشُّبْهَةَ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ ) أَيْ ، وَإِنْ عَلِمَ بِرُجُوعِهِ ( قَوْلُهُ : فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِنْ التَّعْلِيلِ ) فَالْإِطْلَاقُ هُوَ الرَّاجِحُ .

( وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ ، وَتَمَّمَهُ الْإِمَامُ مُتَعَدِّيًا ) بِأَنْ كَانَ مُعْتَقِدًا سُقُوطَهُ بِالرُّجُوعِ ( فَمَاتَ ) بِذَلِكَ ( فَالْوَاجِبُ نِصْفُ دِيَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ ( أَوْ التَّوْزِيعُ ) لِلدِّيَةِ عَلَى السِّيَاطِ ( قَوْلَانِ ) أَقْرَبُهُمَا الثَّانِي كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ زَائِدًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ فَمَاتَ .
قَوْلُهُ : أَقْرَبُهُمَا الثَّانِي ) هُوَ الْأَظْهَرُ

( وَإِنْ قَالَ زَنَيْت بِفُلَانَةُ فَأَنْكَرَتْ أَوْ قَالَتْ ) كَانَ ( تَزَوَّجَنِي فَمُقِرٌّ ) بِالزِّنَا ( وَقَاذِفٌ ) لَهَا فَيَلْزَمُهُ حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الْقَذْفِ فَإِنْ رَجَعَ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا وَحْدَهُ .

( فَإِنْ قَالَ ) زَنَيْت بِهَا ( مُكْرَهَةً لَزِمَهُ حَدٌّ ) لِلزِّنَا لَا لِلْقَذْفِ ( وَ ) لَزِمَهُ لَهَا ( مَهْرٌ فَإِنْ رَجَعَ ) عَنْ إقْرَارِهِ ( سَقَطَ الْحَدُّ ) كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( لَا الْمَهْرُ ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ .

( وَلَوْ شَهِدُوا بِإِقْرَارِهِ ) بِالزِّنَا ، وَلَوْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ ( فَكَذَّبَهُمْ ) كَأَنْ قَالَ مَا أَقْرَرْت ( لَمْ يُقْبَلْ ) تَكْذِيبُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَالْقَاضِي ( أَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ ) فِي إقْرَارِهِ ( قُبِلَ فِي إقْرَارِهِ ) كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .

( وَلَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي وَامْتَنَعَ ) مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ ( أَوْ هَرَبَ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لِوُجُودِ مُثْبِتِهِ مَعَ عَدَمِ تَصْرِيحِهِ بِالرُّجُوعِ ( لَكِنْ يُكَفُّ عَنْهُ ) فِي الْحَالِ لِمَا فِي خَبَرِ مَاعِزٍ { هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ } ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ الرُّجُوعَ فَيُعْرَضُ عَنْهُ احْتِيَاطًا ( فَإِنْ رَجَعَ ) فَذَاكَ ( وَإِلَّا حُدَّ ، وَإِنْ لَمْ يُكَفَّ عَنْهُ ) فَمَاتَ ( فَلَا ضَمَانَ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ شَيْئًا .

( وَ ) الْحَدُّ ( الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ ) ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ سَوَاءٌ أُثْبِتَ بِالْإِقْرَارِ أَمْ بِالْبَيِّنَةِ ، وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِتَصْحِيحِهِ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَتَّخِذَهَا ذَرِيعَةً إلَى إسْقَاطِ الزَّوَاجِرِ ( فَإِنْ أَقَرَّ ) بِالزِّنَا ( ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِزِنَاهُ ثُمَّ رَجَعَ ) عَنْ الْإِقْرَارِ ( فَوَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ لِبَقَاءِ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةٌ فَرَدَّ أَرْبَعَةً وَثَانِيهِمَا يَسْقُطُ إذْ لَا أَثَرَ لِلْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ ، وَقَدْ بَطَلَ وَنَقَلَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ وَفِي عَكْسِهِ ، وَقَالَ الْأَصَحُّ عِنْدِي اعْتِبَارُ أَسْبَقِهِمَا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَقَدْ أَسْنَدَ إلَيْهِمَا مَعًا أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ ، وَقَدْ أَسْنَدَ إلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ قَطْعًا ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ أَشَارَ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ ( ، وَلَا يُشْتَرَطُ حَيَاةُ الشُّهُودِ ) ، وَلَا حُضُورُهُمْ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ، وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ ( حَالَةَ الْحُكْمِ ، وَلَا قُرْبَ عَهْدِ الزِّنَا ) فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ ، وَإِنْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ .

( قَوْلُهُ : وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِتَصْحِيحِهِ ) وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ فِي بَابِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، وَلَا يَسْقُطُ بِهَا سَائِرُ الْحُدُودِ ( قَوْلُهُ : أَحَدُهُمَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ لِبَقَاءِ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْأَصَحُّ عِنْدِي اعْتِبَارُ أَسْبَقِهِمَا ) فَإِنْ أَقَرَّ ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُحَدَّ ، وَأَمَّا عَكْسُهُ فَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا السُّقُوطَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الرَّافِعِيُّ ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَحَلِّ الْخِلَافِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيُّ أَشَارَ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى الشَّهَادَةِ فَقَطْ ، وَكَتَبَ أَيْضًا نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ ، وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِحَقٍّ ثُمَّ أَقَرَّ الْخَصْمُ قَبْلَ الْحُكْمِ هَلْ يُسْتَنَدُ الْحُكْمُ إلَى الْإِقْرَارِ أَوْ إلَيْهِمَا جَمِيعًا ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ الْأَوَّلُ .
ا هـ .
أَيْ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ ، وَأَمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْتَنِدُ الْحُكْمُ فِيهَا إلَى الْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ فَالْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَتِنَا عَدَمُ السُّقُوطِ .

( وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِبَكَارَةِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهَا أَوْ رَتَقُهَا ) أَوْ قَرَنُهَا ( سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهَا ) لِلشُّبْهَةِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ غَوْرَاءَ يُمْكِنُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِيهَا مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهَا تُحَدُّ لِثُبُوتِ زِنَاهَا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ حُصُولِ التَّحْلِيلِ بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ التَّحْلِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ ( وَعَنْ قَاذِفِهَا ) لِقِيَامِ الشَّهَادَةِ بِزِنَاهَا مَعَ احْتِمَالِ عَوْدِ الْبَكَارَةِ بَعْدَ زَوَالِهَا لِتَرْكِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِافْتِضَاضِ فِي الْبِكْرِ وَرَمْيِ مَنْ لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، وَكَذَا لَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى الشُّهُودِ لِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي ، وَتَبْطُلُ حَصَانَتُهَا بِلَا خِلَافٍ .
( قَوْلُهُ : فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَنَّهَا تُحَدُّ ) هُوَ الرَّاجِحُ وَفِي الْحَاوِي إنْ لَمْ يَمْنَعْ الرَّتَقُ وَالْقَرَنُ إيلَاجَ الْحَشَفَةِ حُدَّتْ ، وَمَا تَفَقَّهَهُ الزَّرْكَشِيُّ جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : لِقِيَامِ الشَّهَادَةِ بِزِنَاهَا مَعَ احْتِمَالِ عَوْدِ الْبَكَارَةِ بَعْدَ زَوَالِهَا ) خَصَّ الْقَاضِي ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ زَمَنٌ بَعِيدٌ يُمْكِنُ عَوْدُ الْعُذْرَةِ فِيهِ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْقَاضِي وَتَبْطُلُ حَضَانَتُهَا بِلَا خِلَافٍ ) ، قَالَ الْقَاضِي هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ زَمَنٌ بَعِيدٌ يُمْكِنُ عَوْدُ الْعُذْرَةِ فِيهِ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهَا زَنَتْ السَّاعَةَ ، وَشَهِدَتْ بِأَنَّهَا عَذْرَاءُ ، وَجَبَ الْحَدُّ ، وَقَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( أَوْ ) قَامَتْ بَيِّنَةٌ ( بِبَكَارَةِ مَنْ ثَبَتَ لَهَا مَهْرٌ ) عَلَى مَنْ وَطِئَهَا ، وَلَوْ بِشُبْهَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ ( لَمْ يَسْقُطْ ) مَهْرُهَا لِثُبُوتِهِ مَعَ الشُّبْهَةِ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ شَهِدَ بِزِنَاهُ بِهَا أَرْبَعَةٌ ، وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِلشُّبْهَةِ ، وَلَا عَلَيْهَا لِلشَّهَادَةِ ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ، وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِإِكْرَاهِهَا عَلَى الزِّنَا لَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا وَكَذَا الْمَهْرُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا إذَا نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعَةٍ لَزِمَهُمْ حَدُّ الْقَذْفِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا حَدَّ فِيمَا لَوْ شَهِدَ إلَخْ ) ، قَالَ شَيْخُنَا كَلَامُ الْقَاضِي قَرِينَةٌ تُقَيِّدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا .

( وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِإِكْرَاهِهَا ) عَلَى الزِّنَا ( وَاثْنَانِ بِمُطَاوَعَتِهَا ) عَلَيْهِ ( لَزِمَهُ الْمَهْرُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ شُهُودِ الْإِكْرَاهِ ) لِتَمَامِ عَدَدِ شُهُودِ زِنَاهُ ( دُونَ الْحَدِّ ) أَيْ حَدِّ زِنَاهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ( لِوُجُوبِهِ ) أَيْ حَدُّ قَذْفِهَا ( عَلَى الْآخَرِينَ ) لِعَدَمِ تَمَامِ عَدَدِ شُهُودِ زِنَاهَا فَخَرَجَ قَوْلُهُمَا عَنْ كَوْنِهِ شَهَادَةً ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا لِذَلِكَ ، وَلَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ لِلرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ عَدَدَ شُهُودِ زِنَاهُ قَدْ تَمَّ ، وَإِنَّمَا رَدَدْنَا الشَّهَادَةَ لِأَمْرٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ ( وَإِنْ ذَكَرَ كُلٌّ مِنْ الشُّهُودِ ) لِلزِّنَا ( زَاوِيَةً ) مِنْ زَوَايَا الْبَيْتِ الَّذِي زَنَيَا فِيهِ ( فَسَيَأْتِي ) بَيَانُهُ ( فِي الشَّهَادَاتِ )

( الْبَابُ الثَّانِي فِي اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ ) .
( إنَّمَا يَسْتَوْفِيهِ مِنْ الْحُرِّ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ لَمْ يُقَمْ إلَّا بِإِذْنِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفَوَّضْ لِأَوْلِيَاءِ الْمَزْنِيِّ بِهَا ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ لَا يَسْتَوْفُونَهُ خَوْفًا مِنْ الْعَارِ قَالَ الْقَاضِي ، وَلَا بُدَّ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ مِنْ النِّيَّةِ حَتَّى لَوْ ضُرِبَ لِصَادِرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، وَعَلَيْهِ حُدُودٌ لَمْ يُحْسَبْ مِنْهَا وَفِي فَتَاوَى شَيْخِهِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ حَتَّى لَوْ حُدَّ بِنِيَّةِ الشُّرْبِ فَظَهَرَ أَنَّ حَدَّهُ الزِّنَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ أَجْزَأَ قَالَ : وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ جَلَدَ رَجُلًا مِائَةً ظُلْمًا فَبَانَ أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا سَقَطَ عَنْهُ كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا فَبَانَ أَنَّهُ قَاتِلُ أَبِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ : وَالْأَشْبَهُ فِي صُورَةِ جَلْدِهِ ظُلْمًا مَا قَالَهُ الْقَاضِي ، وَأَمَّا مَا قَبْلَهَا فَالْإِجْزَاءُ فِيهِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْحَدَّ فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ أَنَّهُ عَنْ الشُّرْبِ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ ) .
( قَوْلُهُ : وَفِي فَتَاوَى شَيْخِهِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ حُدَّ بِنِيَّةِ الشُّرْبِ فَظَهَرَ أَنَّ حَدَّهُ الزِّنَا جَازَ ) أَيْ أَنْ يَكْمُلَ حَدَّ الزِّنَا ( قَوْلُهُ : قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ جَلَدَ رَجُلًا إلَخْ ) هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَبِهِ أَفْتَيْت ( قَوْلُهُ : وَالْأَشْبَهُ فِي صُورَةِ جَلْدِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُهُ ) أَيْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ اسْتِيفَاءَ حَدِّ الزِّنَا سَوَاءٌ أُثْبِتَ بِالْإِقْرَارِ أَمْ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ ، وَلَمْ يَحْضُرْ } ( وَحُضُورُ جَمْعٍ ) مِنْ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } ( ، وَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ ) ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْهُمْ ، وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِ حُضُورِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ ، وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِاسْتِحْبَابِ حُضُورِ الشُّهُودِ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ حُضُورِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَمْ تَحْضُرْ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ قَبْلَ رَجْمِهِ فَإِنْ حَضَرَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُمِرَ بِهَا ، وَإِنْ تَطَوَّعَ مُكِّنَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ، وَإِنْ اسْتَسْقَى مَاءً سُقِيَ ، وَإِنْ اسْتَطْعَمَ لَمْ يُطْعَمْ .
( قَوْلُهُ : وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِاسْتِحْبَابِ حُضُورِ الشُّهُودِ ) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ، وَأَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ ، وَكَتَبَ أَيْضًا ، وَلَا يَجِبُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ .
( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ حُضُورِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ أَيْضًا ) ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَاتٌ أَمَّا اسْتِحْبَابُ حُضُورِ الْجَمْعِ فَلِمَا مَرَّ ، وَأَمَّا حُضُورُ شُهُودِ الزِّنَا فَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ وَلِاحْتِمَالِ رُجُوعِهِمْ أَوْ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَسْقَى مَاءً سُقِيَ ، وَإِنْ اُسْتُطْعِمَ لَمْ يُطْعَمْ ) ؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ لِعَطَشٍ مُتَقَدِّمٍ ، وَالْأَكْلُ لِشِبَعِ مُسْتَقْبَلٍ .

( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يُحَاطَ بِالْمَحْدُودِ ) الْمُحْصَنِ فَيُرْمَى مِنْ الْجَوَانِبِ ( وَأَنْ يُرْجَمَ بِحِجَارَةٍ ) وَمَدَرٍ وَنَحْوِهَا ( مُعْتَدِلَةٍ ) فَفِي خَبَرِ مَاعِزٍ فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ وَالْمَدَرِ وَالْخَزَفِ وَخَرَجَ بِالْمُعْتَدِلَةِ الْحَصَيَاتُ الْخَفِيفَةُ لِئَلَّا يَطُولَ تَعْذِيبُهُ وَالصَّخَرَاتُ لِئَلَّا تُذَفِّفَهُ فَيَفُوتَ بِهِ التَّنْكِيلُ الْمَقْصُودُ ، وَلَيْسَ لِمَا يُرْجَمُ بِهِ تَقْدِيرٌ لَا جِنْسًا ، وَلَا عَدَدًا فَقَدْ تُصِيبُ الْأَحْجَارُ مَقَاتِلَهُ فَيَمُوتُ سَرِيعًا ، وَقَدْ يُبْطِئُ مَوْتُهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لَكِنْ ضَبَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ الِاخْتِيَارُ أَنْ تَكُونَ مِلْءَ الْكَفِّ ، وَأَنْ يَكُونَ مَوْقِفُ الرَّامِي مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَبْعُدُ عَنْهُ فَيُخْطِئُهُ ، وَلَا يَدْنُو مِنْهُ فَيُؤْلِمُهُ ، وَجَمِيعُ بَدَنِهِ مَحَلٌّ لِلرَّجْمِ وَيَخْتَارُ أَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ ، وَلَا يَرْبِطُ ، وَلَا يُقَيِّدُ ( وَأَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ ) بِالرَّجْمِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ بَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
( قَوْلُهُ : وَأَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ ) فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ إمْسَاكَهُمْ عَنْ الرَّجْمِ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ .

( وَأَنْ يُحْفَرَ لِلْمَرْأَةِ ) عِنْدَ رَجْمِهَا ( إلَى صَدْرِهَا إنْ ثَبَتَ ) زِنَاهَا ( بِبَيِّنَةٍ ) لِئَلَّا تَنْكَشِفَ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبُ إنْ رَجَعَتْ وَبِخِلَافِ الرَّجُلِ لَا يُحْفَرُ لَهُ ، وَإِنْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَأَمَّا ثُبُوتُ الْحَفْرِ فِي قِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مُقِرَّةً فَبَيَانٌ لِلْجَوَازِ وَوُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ بِاللِّعَانِ كَوُجُوبِهِ بِالْبَيِّنَةِ .
( قَوْلُهُ : وَبِخِلَافِ الرَّجُلِ لَا يُحْفَرُ لَهُ ، وَإِنْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ امْتِنَاعُ الْحَفْرِ وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّنْقِيحِ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ مَاعِزًا حُفِرَ لَهُ مَعَ أَنَّ زِنَاهُ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَحْفِرْ لَهُ وَلِهَذَا مَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إلَى التَّخْيِيرِ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَجَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَإِنَّهُ حَفَرَ لِمَاعِزٍ حَفِيرَةً صَغِيرَةً فَلَمَّا رُجِمَ هَرَبَ مِنْهَا .

( وَلَا يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ ) وَنَحْوُهُ إذْ الْقَصْدُ التَّنْكِيلُ بِهِ بِالرَّجْمِ ( ، وَتُؤَخَّرُ وُجُوبًا حُدُودُ اللَّهِ كَقَطْعِ السَّرِقَةِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ وَشِدَّةِ حَرٍّ وَبَرْدٍ ) إلَى الْبُرْءِ وَاعْتِدَالِ الزَّمَنِ لِئَلَّا يَهْلِكَ الْمَحْدُودُ ؛ وَلِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ فَلَا تُؤَخَّرُ ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَكَالْمَرَضِ الْمَذْكُورِ النِّفَاسُ وَالْحَمْلُ وَالْجُرْحُ وَالضَّرْبُ ، وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مَا لَوْ كَانَ بِبِلَادٍ لَا يَنْفَكُّ حَرُّهَا أَوْ بَرْدُهَا فَلَا يُؤَخَّرُ ، وَلَا يُنْقَلُ إلَى الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْحَدِّ وَلِخَوْفِ الْمَشَقَّةِ وَكُلُّ مَنْ أُخِّرَ حَدُّهُ لِعُذْرٍ فَلَا يُخَلَّى بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ ، قَالَهُ الْإِمَامُ ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَقَالَ : لَا يُتَّجَهُ حَبْسُ الْمُقِرِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ احْتِمَالًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَأَمَّا الثَّابِتُ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَمِنَ هَرَبَهُ لَمْ يُحْبَسْ ، وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ أَوْ يُرَاقِبُهُ ( لَا الرَّجْمُ ) فَلَا يُؤَخَّرُ لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ .
( قَوْلُهُ : وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ ، قَالَهُ الْإِمَامُ ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فَقَدْ ، قَالَ الشَّيْخَانِ إنَّ الْحَامِلَ لَا تُحْبَسُ فِي الرَّجْمِ ، وَلَا فِي حَدٍّ لِلَّهِ عَلَى الصَّحِيحِ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ أَوْ يُرَاقِبُهُ ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ .

( وَلَوْ ثَبَتَ ) زِنَاهُ ( بِإِقْرَارِهِ ) ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ مُسْتَوْفَاةٌ بِهِ وَيُؤَخَّرُ لِلْحَمْلِ وَانْقِضَاءِ الْفِطَامِ ، وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا كَمَا فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ( فَلَوْ أُقِيمَتْ ) حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَا ذُكِرَ فَمَاتَ الْمَحْدُودُ ( فَلَا ضَمَانَ ) عَلَى الْمُقِيمِ لَهَا ، وَإِنْ عَصَى بِتَرْكِ التَّأْخِيرِ ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِوَاجِبٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ ، وَيُفَارِقُ الضَّمَانَ فِيمَا لَوْ خُتِنَ أَقْلَفُ فِي مَرَضٍ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَمَاتَ بِأَنَّ الْجَلْدَ ثَبَتَ قَدْرًا بِالنَّصِّ وَالْخِتَانُ أَصْلًا ، وَقَدْرًا بِالِاجْتِهَادِ ؛ وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحُدُودِ إلَى الْإِمَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَالْخِتَانُ لَا يَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ أَصَالَةً بَلْ يَتَوَلَّاهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَقُومُ بِهِ وَلِيُّهُ فِي صِغَرِهِ فَإِذَا تَوَلَّاهُ الْإِمَامُ بِالنِّيَابَةِ اُشْتُرِطَ فِيهِ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ .
( قَوْلُهُ : وَيُؤَخَّرُ لِلْحَمْلِ وَانْقِضَاءِ الْفِطَامِ ) أَيْ وَوُجُودِ مَنْ يَكْفُلُهُ

( وَإِنْ لَمْ يُرْجَ ) زَوَالُ الْمَرَضِ كَالسُّلِّ وَالزَّمَانَةِ ( أَوْ كَانَ نِضْوًا ) أَيْ نَحِيفَ الْبَدَنِ ( لَا يَحْتَمِلُ السِّيَاطَ لَمْ تُفَرَّقْ ) أَيْ السِّيَاطُ عَلَى الْأَيَّامِ ( وَإِنْ احْتَمَلَ التَّفْرِيقَ بَلْ يُضْرَبُ ) فِي الْحَالِ إذْ لَا غَايَةَ تُنْظَرُ لَكِنْ لَا يُضْرَبُ بِسِيَاطٍ لِئَلَّا يَهْلِكَ بَلْ ( بِعِثْكَالٍ ) أَيْ غُصْنٍ ذِي فُرُوعٍ خَفِيفَةٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَنِعَالٍ ، وَأَطْرَافِ ثِيَابٍ ( مَرَّةً فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْعَدَدِ ) فَإِنْ كَانَ عَلَى الْغُصْنِ مِائَةُ فَرْعٍ ضُرِبَ بِهِ مَرَّةً أَوْ خَمْسُونَ ضُرِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ ، وَهَكَذَا وَالْعِثْكَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ عُثْكُولٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِثْكَالٌ بِإِبْدَالِهَا هَمْزَةً مَعَ ضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا ، وَلَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى شِمْرَاخِ النَّخْلِ مَا دَامَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ عُرْجُونٌ ( وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنَالَهُ أَلَمُهَا ) أَيْ فُرُوعُ الْعِثْكَالِ ( بِمَسٍّ ) لَهُ ( أَوْ انْكِبَاسٍ ) لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ الْأَلَمُ فَإِنْ انْتَفَى الْمَسُّ وَالِانْكِبَاسُ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَيُفَارِقُ الْأَيْمَانَ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ ، وَالضَّرْبُ غَيْرُ الْمُؤْلِمِ يُسَمَّى ضَرْبًا ، وَأَمَّا الْحُدُودُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى الزَّجْرِ ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِيلَامِ .

( وَإِنْ بَرَأَ ) مَنْ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بَعْدَ ضَرَبَهُ بِعِثْكَالٍ وَنَحْوِهِ ( أَجْزَأَهُ ) بِخِلَافِ الْمَعْضُوبِ إذَا حَجَّ عَنْهُ ثُمَّ بَرِئَ لِبِنَاءِ الْحُدُودِ عَلَى الدَّرْءِ ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ بَرِئَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ كَمَّلَ حَدَّ الْأَصِحَّاءِ وَاعْتَدَّ بِمَا مَضَى ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَدَرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقِيَامِ ( فَلَوْ ضَرَبَ بِهَا مَنْ يُرْجَى ) بُرْؤُهُ ( فَبَرِئَ لَمْ يُجْزِهِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُ الْجَلْدِ إلَى الْبُرْءِ ( وَيُخَيَّرُ مَنْ لَهُ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى مَرِيضٍ بَيْنَ الضَّرْبِ بِعِثْكَالٍ وَنَحْوِهِ ، وَ ) بَيْنَ ( الصَّبْرِ ) إلَى بُرْئِهِ ، وَقِيلَ يُجْلَدُ بِالسِّيَاطِ سَوَاءٌ أَرُجِيَ بُرْؤُهُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُضَايَقَةِ ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُهِمَّاتِ لَكِنَّ الْأَصْلَ جَزَمَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِالثَّانِي ، وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ .
قَوْلُهُ : وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ بَرَأَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ كَمَّلَ حَدَّ الْأَصِحَّاءِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ : لِلسَّيِّدِ ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ ( وَلَوْ مُكَاتَبًا ) بِفَتْحِ التَّاءِ ( وَامْرَأَةً وَفَاسِقًا ) ، وَلَوْ كَافِرًا ( وَمُشْتَرِيًا ) لِرَقِيقٍ ( بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ ) عَلَيْهِ ( إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى رَقِيقِهِ ) ، وَلَوْ مُدَبَّرًا وَأُمَّ وَلَدٍ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِصْلَاحِ لِمِلْكِهِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوِلَايَةِ كَالْمُعَالَجَةِ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا } بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ لَا يُوَبِّخْهَا ، وَلَا يُعَيِّرْهَا ، وَقِيلَ لَا يُبَالِغْ فِي جَلْدِهَا بِحَيْثُ يُدْمِيهَا ، وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد { أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } ( وَلَهُ تَغْرِيبُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْحَدِّ ، وَقُدِّمَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا ذُكِرَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي مِقْدَارِ الْحَدِّ حَالَ الْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَمَا ذُكِرَ فِي الْمُكَاتَبِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ فَعَلَيْهِ لَا يَحُدُّهُ إلَّا الْإِمَامُ وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وِلَايَةٌ لَا إصْلَاحٌ ، وَلَيْسَ لِلسَّفِيهِ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى رَقِيقِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِصْلَاحِ ( وَهُوَ ) أَيْ السَّيِّدُ ( أَوْلَى ) بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى رَقِيقِهِ ( مِنْ الْإِمَامِ ) وَحَاصِلُ عِبَارَةِ الْأَصْلِ أَنَّ إقَامَةَ السَّيِّدِ لَهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيضِهِ إلَى الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ( لَا إنْ نَازَعَهُ ) الْإِمَامُ فَلَيْسَ بِأَوْلَى بَلْ الْإِمَامُ أَوْلَى لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ ، وَإِطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ السَّيِّدَ أَوْلَى لِمَا مَرَّ ( وَيَتَوَزَّعُ الشُّرَكَاءُ فِي ) إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى ( الْعَبْدِ

) الْمُشْتَرَكِ ( السِّيَاطُ ) بِقَدْرِ الْمِلْكِ ( وَيَسْتَنِيبُونَ ) وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ ( فِي الْمُنْكَسِرِ ) إنْ حَصَلَ كَسْرٌ ، وَعِبَارَتُهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ فَإِنْ حَصَلَ كَسْرٌ فُوِّضَ الْمُنْكَسِرُ إلَى أَحَدِهِمْ .

( قَوْلُهُ : لِلسَّيِّدِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ إلَخْ ) شَمَلَ مَا لَوْ شَاهَدَهُ السَّيِّدُ يَزْنِي ، وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ بِزِنَاهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ مُكَاتَبًا ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ أَوْ مُبَعَّضًا ( قَوْلُهُ : وَفَاسِقًا ) ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ تُسْتَحَقُّ بِالْمِلْكِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا الْعَدَالَةُ كَتَزْوِيجِ أَمَتِهِ ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِأَنَّ فَاطِمَةَ جَلَدَتْ أَمَةً لَهَا زَنَتْ وَعَائِشَةُ قَطَعَتْ جَارِيَةً لَهَا سَرَقَتْ وَحَفْصَةُ قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ ( قَوْلُهُ : { فَلْيَجْلِدْهَا ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَبِعْهَا ، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَ الْبَيْعَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْبَيْعُ الْمَذْكُورُ مَنْسُوخٌ ، وَأَوْجَبَهُ أَبُو ثَوْرٍ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ( قَوْلُهُ : وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وِلَايَةٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ اسْتَوْفَاهُ مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ مِنْ السَّادَةِ هَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ أَمْ لَا كَمَا لَوْ جَلَدَهُ أَجْنَبِيٌّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا نَعَمْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَاهُ السَّيِّدُ ، وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ، وَفِي السَّفِيهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَفِي السَّفِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ صَحَّحَ وَجَبَ طَرْدُهُ فِي غَيْرِهِ وَيَظْهَرُ الْتِفَاتُ ذَلِكَ إلَى مَا سَبَقَ إنْ قُلْنَا اسْتِصْلَاحٌ اعْتَدَّ بِهِ ، وَإِلَّا فَلَا ، قَالَ شَيْخُنَا : وَحِينَئِذٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إصْلَاحٌ فَقِيلَ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ السَّيِّدِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا ، وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ نَعَمْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَحَاصِلُ عِبَارَةِ الْأَصْلِ أَنَّ إقَامَةَ السَّيِّدِ لَهُ بِنَفْسِهِ ) أَيْ أَوْ بِنَائِبِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَسْتَرُ ) وَلِئَلَّا تَنْقُصَ قِيمَتُهُ بِظُهُورِ زِنَاهُ ( قَوْلُهُ : وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ) قَدْ عُلِمَ أَنَّهَا

مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ أَصْلِهِ .

( وَالْمُبَعَّضُ يَحُدُّهُ الْإِمَامُ فَقَطْ ) أَيْ لَا سَيِّدُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَعْضِهِ ، وَالْحَدُّ يَتَعَلَّقُ بِجُمْلَتِهِ ، وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُشْتَرَكِ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ ثَمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا إذْ الْحُرِّيَّةُ أَوْلَى بِالْمُؤَاخَذَةِ بِالْجَرَائِمِ فَكَانَتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا أَقْوَى ( وَكَذَا الْمُكَاتَبُ ) كِتَابَةً صَحِيحَةً لَا يَحُدُّهُ إلَّا الْإِمَامُ لِخُرُوجِهِ عَنْ قَبْضَةِ سَيِّدِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَفِي مَعْنَاهُمَا الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَعَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ إذَا زَنَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَكْسَابَهُ لَهُ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا الْمُكَاتَبُ ) لَوْ وَجَبَ الْحَدُّ ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ ثُمَّ عَجَزَ وَرُقَّ فَهَلْ لِلسَّيِّدِ الِاسْتِيفَاءُ نَظَرًا لِحَالَةِ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا يَوْمَ الْوُجُوبِ فِيهِ نَظَرٌ .
ا هـ .
وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ : وَعَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ إلَخْ ) وَالرَّقِيقُ الْمُسْلِمُ لِكَافِرٍ كَمُسْتَوْلَدَتِهِ .

( وَلِلسَّيِّدِ التَّعْزِيرُ ) لِرَقِيقِهِ عَلَى مَا ارْتَكَبَهُ مِمَّا يُوجِبُ تَعْزِيرًا كَالْحَدِّ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ ( وَ ) لَهُ ( إقَامَةُ حَدِّ الْقَذْفِ وَسَائِرِ الْحُدُودِ ) أَيْ بَاقِيهَا ( حَتَّى الْقَطْعِ ، وَقَتْلِ الرِّدَّةِ ) وَالْمُحَارَبَةِ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ لَهُ سَرَقَ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عَائِشَةَ قَطَعَتْ يَدَ أَمَةٍ لَهَا سَرَقَتْ ، وَأَنَّ حَفْصَةَ قَتَلَتْ أَمَةً لَهَا سَحَرَتْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ بِكُفْرِهِ ( وَ ) هَلْ لَهُ الْقَتْلِ وَالْقَطْعُ ( فِي الْقِصَاصِ ، وَجْهَانِ ) كَلَامُ الْأَصْلِ ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ الْجَوَازِ .
( قَوْلُهُ : وَلِلسَّيِّدِ التَّعْزِيرُ ) إنَّمَا يُقِيمُ السَّيِّدُ الْحَدَّ وَيُعَزِّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ السَّيِّدَ فَإِنَّهُمْ جَوَّزُوا لَهُ اسْتِيفَاءَهُ ( قَوْلُهُ : كَلَامُ الْأَصْلِ ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ الْجَوَازِ ) هُوَ الْأَصَحُّ .

( وَهَلْ ) لِلسَّيِّدِ أَنْ ( يَتَوَلَّى لِعَانَ عَبْدِهِ ) فِيمَا إذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ لِسَيِّدِهِ بِأَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا ( وَجْهَانِ ) رَجَّحَ هُوَ مِنْهُمَا فِي اللِّعَانِ الْجَوَازَ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ ثُمَّ حَيْثُ بَنِي الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي إقَامَتِهِ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ .
( قَوْلُهُ : رَجَّحَ هُوَ مِنْهُمَا فِي اللِّعَانِ الْجَوَازَ ) هُوَ الرَّاجِحُ .

( وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ حَدُّ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مِلْكِهِ ، وَلَا يَلِي تَزْوِيجَ أَمَتِهِ الْمُسْلِمَةِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ الْكَافِرِ ( وَفِي ) جَوَازِ إقَامَةِ ( الْوَلِيِّ ) مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ وَصَبِيٍّ وَحَاكِمٍ ، وَقَيِّمِ الْحَدِّ ( فِي عَبْدِ الطِّفْلِ ) وَنَحْوِهِ مِنْ سَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ ( وَجْهَانِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا الْحَدُّ إصْلَاحٌ فَلَهُ إقَامَتُهُ أَوْ وِلَايَةٌ فَفِيهِ الْخِلَافُ ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي الْوَلِيِّ فِي رَقِيقِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى ( وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ السَّيِّدِ بِأَحْكَامِ الْحَدِّ ) ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِغَيْرِهَا ( فَلَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ ) بِزِنَاهُ ( عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا أَوْ قَضَى بِمَا شَاهَدَهُ ) مِنْ زِنَاهُ ( جَازَ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْحَدَّ عَلَيْهِ فَمَلَكَ سَمَاعَ بَيِّنَتِهِ كَالْإِمَامِ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِحَاجَتِهِ إلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَبِهَذَيْنِ فَارَقَ عَدَمَ جَوَازِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا أَيْ الْبَيِّنَةِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا فَلَا يَسْمَعُهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِسَمَاعِهَا ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ سَمَاعُهَا فَلَا يُحَدُّونَ بِبَيِّنَةٍ بَلْ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِمُشَاهَدَةٍ مِنْهُمْ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ وَفَرْضُهُ فِي الْفَاسِقِ وَالْمُكَاتَبِ وَمِثْلُهُمَا الْبَقِيَّةُ بَلْ أَوْلَى .

( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ عَبْدِهِ الْكَافِرِ ) هُوَ الْمَذْهَبُ ( قَوْلُهُ : إنْ قُلْنَا الْحَدُّ إصْلَاحٌ ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِغَيْرِهَا ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ اسْتَوْفَاهُ جَاهِلًا بِذَلِكَ قَاصِدًا عُقُوبَتَهُ عَلَى الزِّنَا هَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ أَوْ لَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ كَوْنَ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا نَعَمْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ( قَوْلُهُ : وَفَرْضُهُ فِي الْفَاسِقِ وَالْمُكَاتَبِ ) ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْجَمِيعِ ( قَوْلُهُ : وَمِثْلُهُمَا الْبَقِيَّةُ بَلْ أَوْلَى ) قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ سَمَاعَهَا ، وَهُوَ الْأَصَحُّ .

( وَإِنْ قَذَفَ ) الرَّقِيقُ ( سَيِّدَهُ حُدَّ أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ قَذَفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ ( رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُعَزِّرَهُ ) كَغَيْرِهِ وَمَسْأَلَةُ الْعَكْسِ مَرَّتْ فِي بَابِ الْقَذْفِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَذَفَ الرَّقِيقُ سَيِّدَهُ حَدَّهُ ) ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَدْ يُلْتَحَقُ بِهِ السَّفِيهُ الَّذِي فِي حِجْرِ وَالِدِهِ لَوْ قَذَفَهُ أَنَّ لَهُ حَدَّهُ لِمَكَانِ وِلَايَتِهِ كَالسَّيِّدِ .

( وَإِنْ زَنَى ذِمِّيٌّ ) حُرٌّ ( ثُمَّ اُسْتُرِقَّ ) بَعْدَ نَقْضِ عَهْدِهِ ( أَقَامَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ ) لَا سَيِّدُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا يَوْمَئِذٍ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ زَنَى ذِمِّيٌّ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ أَقَامَهُ الْإِمَامُ ) قِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ثُمَّ عَتَقَ كَانَ الِاسْتِيفَاءُ لِلْإِمَامِ لَا لِلسَّيِّدِ .

( وَلِلْمَقْتُولِ حَدًّا ) بِالرَّجْمِ أَوْ غَيْرِهِ ( حُكْمُ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ ) مِنْ غُسْلٍ ، وَتَكْفِينٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا كَتَارِكِ الصَّلَاةِ إذَا قُتِلَ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى عَلَى الْجُهَنِيَّةِ ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ وَدَفَنَهَا } وَفِي رِوَايَةٍ { صَلَّى هُوَ عَلَيْهَا أَيْضًا } .

( بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ ) بِالْمُعْجَمَةِ ، وَهُوَ لُغَةً الرَّمْيُ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ ( الْقَذْفُ مِنْ الْمُكَلَّفِ الْمُخْتَارِ ) الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ( كَبِيرَةٌ ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، وَعَدَّ مِنْهَا قَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ } ( وَقَدْ سَبَقَتْ شُرُوطُهُ ) الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ أَيْ بَقِيَّتُهَا ( فِي اللِّعَانِ ) فَلَا حَدَّ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ لَيْسَ بِسَكْرَانَ ، وَلَا عَلَى مُكْرَهٍ ، وَلَا جَاهِلٍ بِالتَّحْرِيمِ ، وَلَا حَرْبِيٍّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ ، وَلَا قَاذِفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ فِي اللِّعَانِ بِقَوْلِهِ ، وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا ، وَلَا حَدَّ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْضًا وَيُفَارِقُ لُزُومَ الْقَوَدِ لَهُ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَعِينُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ فِي الْقَذْفِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْقَتْلِ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُكْرِهِ هُنَا وَالْمُكْرَهِ ثَمَّ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا بِأَنَّ الْمَأْخَذَ هُنَا التَّعْيِيرُ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَهُنَاكَ الْجِنَايَةُ ، وَقَدْ وُجِدَتْ .

( بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ ) ( قَوْلُهُ : فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ مَعَ تَمَامِ الْعَدَدِ ، وَعَمَّا إذَا شَهِدَ بِجُرْحِهِ فَاسْتَفْسَرَهُ الْقَاضِي فَأَخْبَرَهُ بِزِنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ ، وَكَتَبَ أَيْضًا سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا يَسْبِقُ إلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ يَا وَلَدَ الزِّنَا لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ نَوْعُ ذُعْرٍ ، وَلَا يَقْصِدُونَ بِهِ الْقَذْفَ مَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِهِ ؟ .
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إذَا سَبَقَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَقْصِدْ قَائِلُهُ الْقَذْفَ فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ ( قَوْلُهُ : أَوْ كَافِرًا ) شَمَلَ الذِّمِّيَّ وَالْمُعَاهَدَ وَالْمُسْتَأْمَنَ وَالْمُرْتَدَّ ( قَوْلُهُ : فَلَا حَدَّ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ لَيْسَ بِسَكْرَانَ ) لِلْحَدِيثِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ( تَنْبِيهٌ ) قَذْفُ النَّائِمِ لَغْوٌ لَكِنْ هَلْ يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ نَائِمًا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ صَبِيًّا وَاحْتَمَلَ صِدْقُهُ صُدِّقَ أَوْ مَجْنُونًا ، وَعَهِدَ لَهُ جُنُونٌ فَكَذَلِكَ وَمِثْلُ دَعْوَى النَّوْمِ دَعْوَى زَوَالِ عَقْلِهِ حَالَ قَذْفِهِ بِإِغْمَاءٍ وَنَحْوِهِ وَلْيَنْظُرْ فِيمَا لَوْ ، قَالَ السَّكْرَانُ إنَّمَا شَرِبْت مُكْرَهًا أَوْ غَالَطَا ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْقَتْلِ ) فَإِنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُ يَدِ الْمُكْرَهِ كَالْآلَةِ بِأَنْ يَأْخُذَ يَدَهُ فَيَقْتُلَ بِهَا .

( وَيَحُدُّ الْإِمَامُ ) ، وَلَوْ بِنَائِبِهِ ( لَا غَيْرَهُ ) الْقَاذِفَ ( الْحُرَّ ثَمَانِينَ ) جَلْدَةً لِآيَةِ { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ كَوْنِ الْآيَةِ فِي الْحُرِّ قَوْلُهُ { ، وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } إذْ غَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ .
( قَوْلُهُ : وَيَحُدُّ الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ الْحَدَّ ) أَيْ عِنْدَ الْقَذْفِ ( قَوْلُهُ : وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ ) وَلِأَنَّ الْقَذْفَ بِالزِّنَا أَقَلُّ مِنْ الزِّنَا فَكَانَ أَقَلَّ حَدًّا مِنْهُ .

( وَ ) يُحَدُّ ( مَنْ فِيهِ رِقٌّ ) ، وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ( أَرْبَعِينَ ) جَلْدَةً عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَالنَّظَرُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ إلَى حَالَةِ الْقَذْفِ لِتَقَرُّرِ الْوَاجِبِ حِينَئِذٍ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ ( ، وَلَا يُحَدُّ أَصْلُ الْفَرْعِ ) ، وَإِنْ سَفَلَ كَمَا لَا يُقَادُ بِهِ ( وَإِنْ اسْتَحَقَّهُ ) أَيْ الْفَرْعُ الْحَدَّ ( بِإِرْثٍ ) كَأَنْ وَرِثَ مِنْ أُمِّهِ حَدَّ قَذْفٍ عَلَى أَبِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَحُدُّهُ وَخَرَجَ بِالْحَدِّ التَّعْزِيرُ فَيَلْزَمُ الْأَصْلُ لِلْأَذَى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ( وَيُعَزَّرُ بِهِ ) أَيْ بِالْقَذْفِ ( صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ مَيَّزَا ) لِلزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ .
( قَوْلُهُ : وَيُعَزَّرُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ مَيَّزَا ) ، وَلَوْ لَمْ يُتَّفَقْ تَعْزِيرُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ عَلَى الْقَذْفِ حَتَّى بَلَغَ سَقَطَ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْقِيَاسُ مِثْلُهُ فِي الْمَجْنُونِ الَّذِي لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ إذَا أَفَاقَ .

( فَرْعٌ : هُوَ ) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ ( حَقُّ آدَمِيٍّ ، وَقَدْ يُشْبِهُ الْحَدَّ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَفِيهِ شِبْهُ الْحَدِّ ( مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ) أَيْ الْمَقْذُوفَ ( لَوْ اسْتَوْفَاهُ ) بِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ سَيِّدَ الْقَاذِفِ ( لَمْ يُجْزِهِ ) ، وَإِنْ إذَنْ لَهُ الْقَاذِفُ كَجَلْدِ الزِّنَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مَوَاقِعَ الْجَلَدَاتِ وَالْإِيلَامِ بِهَا مُخْتَلِفٌ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْحَيْفِ فِيهَا ( بِخِلَافِ الْمُقْتَصِّ ) لَوْ اسْتَوْفَى قِصَاصَهُ بِنَفْسِهِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ زَانِيًا مُحْصَنًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ وَاسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ مَعَ مَسْأَلَةِ السَّيِّدِ السَّابِقَةِ مَا لَوْ قَذَفَهُ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْإِمَامِ وَاسْتَوْفَى مِنْهُ بِلَا مُجَاوَزَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى أَخْذِهِ إذَا مُنِعَ مِنْهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ بِالْبَلَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِقَذْفِهِ وَلِقَاذِفٍ يَجْحَدُ وَيَحْلِفُ ( وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَشَطَّرُ بِالرِّقِّ ) كَمَا مَرَّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقًّا لِلْآدَمِيِّ ( وَ ) الْمُغَلَّبُ ( فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ) إنَّمَا ( يُسْتَوْفَى بِطَلَبِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَضَرِّرُ بِإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ ( وَيَسْقُطُ بِإِذْنِهِ ) لِلْقَاذِفِ فِي الْقَذْفِ كَمَا فِي الْقَوَدِ ( وَبِعَفْوِهِ ) عَنْهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ( لَا ) بِعَفْوِهِ ( بِمَالٍ ) فَلَا يُسْقِطُ هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ مَا صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَارِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ مِنْ الشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ هُنَا لَا يَقْتَضِي إبْطَالَهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَالْأَوْجَهُ مَا أَفْتَى بِهِ الْحَنَّاطِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ ، وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ لِلْعَفْوِ عَنْهُ لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ .

( قَوْلُهُ : لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُجْزِهِ ثُمَّ لَا يُحَدُّ حَتَّى يَبْرَأَ ) فَلَوْ مَاتَ ، وَجَبَ الْقِصَاصُ إنْ اسْتَقَلَّ بِالِاسْتِيفَاءِ فَإِنْ كَانَ بِالْإِذْنِ فَلَا قِصَاصَ ، وَكَذَا لَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لَا بِعَفْوِهِ بِمَالٍ ، وَهُوَ جَاهِلٌ ) بِبُطْلَانِ الصُّلْحِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَا صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ ) عِبَارَتُهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِسُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ بِهَذِهِ الْمُصَالَحَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ ، وَإِنْ عَلِمَ فَسَادَهَا بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَقِّ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَقْتَضِي إبْطَالَهُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ مَا أَفْتَى بِهِ الْحَنَّاطِيُّ ) الْأَوْجَهُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَنْ جَهِلَ بُطْلَانَ الْعَفْوِ بِمَالٍ ، وَكَلَامُ الْحَنَّاطِيِّ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فَسَاوَى النَّظِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْحَنَّاطِيِّ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ فَسَادَ الصُّلْحِ ( قَوْلُهُ : كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ ) ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( شَهِدَ بِالزِّنَا لَا الْإِقْرَارُ بِهِ دُونَ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَدَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلِئَلَّا يَتَّخِذَ صُورَةَ الشَّهَادَةِ ذَرِيعَةً إلَى الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْإِقْرَارِ بِهِ إذْ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَقْرَرْت بِأَنَّك زَنَيْت ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الْقَذْفِ ( لَا ) إنْ شَهِدَ بِهِ ( أَرْبَعَةٌ ) فَلَا يُحَدُّونَ ( وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ بِفِسْقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ ) كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَفَارَقَ مَا مَرَّ بِأَنَّ نَقْصَ الْعَدَدِ مُتَيَقَّنٌ وَفِسْقُهُمْ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَدِّ شَهَادَتِهِمْ بِفِسْقٍ وَرَدِّهَا بِغَيْرِهِ كَعَدَاوَةٍ ، وَلَا فِي الْفِسْقِ بَيْنَ الْمَقْطُوعِ بِهِ وَالْمُجْتَهَدِ فِيهِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ .

( قَوْلُهُ : لَوْ شَهِدَ بِالزِّنَا لَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ دُونَ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا ) بِخِلَافِ شَاهِدِ الْجُرْحِ بِالزِّنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَاذِفٍ ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ كِفَايَةً أَوْ عَيْنًا ، وَكَتَبَ أَيْضًا هَلْ يَجِبُ عَلَى الرَّابِعِ الشَّهَادَةُ لِدَفْعِ الْحَدِّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا مُحْصَنًا لَمْ يَجِبْ ؛ لِأَنَّ حَدَّ ثَلَاثَةٍ أَيْسَرُ مِنْ قَتْلِ وَاحِدٍ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ لَزِمَهُ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّ حَدَّ وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ الثَّلَاثَةِ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَفِيهِ نَظَرٌ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى ( قَوْلُهُ : لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَدَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ إلَخْ ) الْجَوَابُ عَنْ قِصَّةِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى نِكَاحَ السِّرِّ وَفَعَلَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ يَتَبَسَّمُ عِنْدَ شَهَادَتِهِمْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي أَعْجَبُ مِمَّا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَهُ بَعْدَ شَهَادَتِهِمْ فَقِيلَ وَمَا تَفْعَلُ ، قَالَ أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا زَوْجَتِي

( وَيُحَدُّ الْقَاذِفُ ) لِمَنْ شَهِدَتْ الْأَرْبَعَةُ بِزِنَاهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّنَا ، وَلَا مُعَارِضَ .

( ثُمَّ الزَّوْجُ ) إنْ شَهِدَ بِزِنَا زَوْجَتِهِ ( قَاذِفٌ لَهَا لَا شَاهِدٌ ) فَيَلْزَمُهُ حَدُّ الْقَذْفِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ بِزِنَاهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِلتُّهْمَةِ ( وَإِنْ شَهِدَ ) عَلَيْهَا ( مَعَ دُونِ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا ) ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ ( كَنِسَاءٍ ، وَعَبِيدٍ وَذِمِّيِّينَ ) شَهِدُوا بِزِنَا امْرَأَةٍ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَقْصِدُوا إلَّا الْعَارَ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ شُهُودٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .

( وَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ ) فَأَقَلُّ بِالزِّنَا ( فَحُدُّوا ، وَأَعَادُوهَا مَعَ رَابِعٍ لَمْ تُقْبَلْ ) شَهَادَتُهُمْ كَالْفَاسِقِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ يَتُوبُ وَيُعِيدُهَا لَا تُقْبَلُ ( أَوْ ) شَهِدَ لَهُ ( عَبِيدٌ ) وَحُدُّوا ( فَأَعَادُوهَا بَعْدَ الْعِتْقِ قُبِلَتْ ) لِعَدَمِ اتِّهَامِهِمْ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ فَحُدُّوا ، وَأَعَادُوهَا مَعَ رَابِعٍ لَمْ تُقْبَلْ ) حَيْثُ حُدُّوا لِنَقْصِ الْعَدَدِ أَوْ الْوَصْفِ فَأَعَادُوهَا فَالْقِيَاسُ قَبُولُهَا مِمَّنْ لَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فِي الْحَالِ ثُمَّ أَعَادَهَا لَقُبِلَتْ دُونَ غَيْرِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) وَإِذَا جُلِدَ رَجُلٌ بِالزِّنَا أَوْ الْقَذْفِ أَوْ غَيْرِهِمَا حَرُمَ أَنْ تُرْبَطَ يَدَاهُ أَوْ رِجْلَاهُ وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ ضَرْبُ وَجْهِهِ وَخَوَاصِرِهِ ، وَقَرِيبٍ مِنْ ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ وَيُضْرَبُ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً مَسْتُورَةً بِثَوْبٍ

( وَإِنْ شَهِدَ ) بِهِ ( خَمْسَةٌ فَرَجَعَ وَاحِدٌ ) مِنْهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِ ( لَمْ يُحَدَّ ) لِبَقَاءِ النِّصَابِ ( أَوْ ) رَجَعَ ( اثْنَانِ ) مِنْهُمْ ( حُدَّا ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَلْحَقَا بِهِ الْعَارَ ( دُونَ الْبَاقِينَ ) لِتَمَامِ النِّصَابِ مَعَ عَدَمِ تَقْصِيرِهِمْ ( وَكَذَا لَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ حُدَّ وَحْدَهُ ) سَوَاءٌ أَرَجَعَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ أَمْ قَبْلَهُ ، وَلَوْ رَجَعَ الْأَرْبَعَةُ حُدُّوا ؛ لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوا بِهِ الْعَارَ سَوَاءٌ تَعَمَّدُوا أَمْ أَخْطَئُوا ؛ لِأَنَّهُمْ فَرَّطُوا فِي تَرْكِ التَّثَبُّتِ ، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ لَهُ كَأَصْلِهِ فِي الشَّهَادَاتِ .

( كِتَابٌ ) ( السَّرِقَةُ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ أَيْضًا السَّرِقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسَرَقَ مِنْهُ مَالًا يَسْرِقُ سَرَقًا بِالْفَتْحِ وَرُبَّمَا قَالُوا سَرَقَهُ مَالًا وَالْأَصْلُ فِي الْقَطْعِ بِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وَغَيْرُهُ مِمَّا يَأْتِي .
وَهِيَ لُغَةً أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً وَشَرْعًا أَخْذُهُ خُفْيَةً مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي ( وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ ) وَهُوَ السَّرِقَةُ ( وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ ) مَسْرُوقٌ وَسَرِقَةٌ وَسَارِقٌ ( الْأَوَّلُ الْمَسْرُوقُ وَلَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ النِّصَابُ ) وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ مَا يُقَوَّمُ بِهِ ( فَيُقْطَعُ بِرُبْعِ دِينَارٍ وَهُوَ ) أَيْ الدِّينَارُ الْمَضْرُوبُ وَوَصَفَ الدِّينَارَ بِقَوْلِهِ ( خَالِصٌ ) أَيْ فَيُقْطَعُ بِرُبْعِ دِينَارٍ خَالِصٍ ( أَوْ مَغْشُوشٍ خَالِصُهُ نِصَابٌ وَإِنْ كَانَ ) الرُّبْعُ ( لِجَمَاعَةٍ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَالدِّينَارُ الْمِثْقَالُ } وَقِيسَ بِالرُّبْعِ مَا يُسَاوِيهِ فِي الْقِيمَةِ حَالَ السَّرِقَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ دَرَاهِمَ أَمْ لَا فَلَوْ سَرَقَ شَيْئًا يُسَاوِي رُبْعَ مِثْقَالٍ مِنْ غَيْرِ الْمَضْرُوبِ كَسَبِيكَةٍ وَحُلِيٍّ وَلَا يَبْلُغُ رُبْعًا مَضْرُوبًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا قَطْعَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( لَا سَبِيكَةٍ ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى رُبْعِ ( تَنْقُصُ قِيمَتُهُ ) عَنْ رُبْعِ دِينَارٍ وَإِنْ كَمُلَتْ وَزْنًا نَظَرًا إلَى الْقِيمَةِ فِيمَا هُوَ كَالْعَرْضِ ، وَغَيْرُ السَّبِيكَةِ مِنْ حُلِيٍّ وَنَحْوِهِ مِثْلُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَ ) لَا ( خَاتَمٍ يَنْقُصُ وَزْنًا وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ ) نَظَرًا إلَى الْوَزْنِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي تَصْحِيحِ عَدَمِ الْقَطْعِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَالْخِلَافُ فِي

الْمَسْأَلَتَيْنِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَيْسَ بِغَلَطٍ بَلْ هُوَ فِقْهٌ مُسْتَقِيمٌ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْوَزْنَ فِي الذَّهَبِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْرُوبًا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ وَمَضْرُوبٌ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي السَّبِيكَةِ فَأَمَّا إذَا نَقَصَ الْوَزْنُ وَلَكِنْ قِيمَتُهُ تُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ مَضْرُوبٍ فَهَذَا يَضْعُفُ فِيهِ الِاكْتِفَاءُ بِالْقِيمَةِ فَاسْتَقَامَ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيهِ إلْبَاسٌ وَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ انْتَهَى وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ مَعًا ( وَغَيْرُ ذَلِكَ ) مِنْ الْعُرُوضِ وَالدَّرَاهِمِ ( يُقَوَّمُ بِذَهَبٍ ) أَيْ بِدَنَانِيرَ نَعَمْ إنْ لَمْ تُعْرَفْ قِيمَتُهُ بِالدَّنَانِيرِ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ .
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَكَانَ السَّرِقَةِ دَنَانِيرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالْمُتَّجَهُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَبِيكَةَ الذَّهَبِ تُقَوَّمُ بِالدَّنَانِيرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَقْوِيمُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ فِي قَوْلِهِ تُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُقَوِّمُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ وَلْيَكُنْ التَّقْوِيمُ بِالدَّنَانِيرِ ( تَقْوِيمَ قَطْعٍ ) مِنْ الْمُقَوِّمِينَ ( لَا ) تَقْوِيمَ ( اجْتِهَادٍ ) مِنْهُمْ ( لِلْحَدِّ ) أَيْ لِأَجْلِهِ فَلَا بُدَّ لِأَجْلِهِ مِنْ الْقَطْعِ بِذَلِكَ ، فَلَوْ قَالُوا : نَظُنُّ أَنَّهُ يُسَاوِي رُبْعًا لَمْ يُحَدَّ بِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْغَزَالِيُّ مَعَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِالْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُهَا الظَّنُّ ، وَ ( يُرَاعَى ) فِي الْقِيمَةِ ( الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ ) لِاخْتِلَافِهَا بِهِمَا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْحِجَازِ أَوْ قِيمَةُ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كِتَابُ السَّرِقَةِ ) ( قَوْلُهُ بِفَتْحِ السِّينِ إلَخْ ) وَيَتَعَدَّى بِالضَّمِيرِ وَاللَّامِ وَمِنْ كَالْهِبَةِ ( قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي الْقَطْعِ بِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى إلَخْ ) وَتَظَافَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَيْهِ وَحِكْمَتُهُ صِيَانَةُ الْمَالِ عَنْ إتْلَافِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَلِهَذَا لَمْ يَقْطَعْ فِي الْغَصْبِ لِظُهُورِهِ قَالَ الْمُلْحِدُ يَدٌ بِخَمْسِ مُئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ أَجَابَهُ السُّنِّيُّ صِيَانَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا خِيَانَةُ الْمَالِ فَانْظُرْ حِكْمَةَ الْبَارِي ( قَوْلُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ } إلَخْ ) وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ { تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ رُبْعُ دِينَارٍ فَصَاعِدًا } ( قَوْلُهُ لَا سَبِيكَةٍ ) مِثْلُ السَّبِيكَةِ مَطْبُوعٌ لَا يُتَعَامَلُ بِهِ إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ قِيمَةِ الْمَطْبُوعِ الرَّائِجِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ ) وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ ( قَوْلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ يُقَوَّمُ بِذَهَبٍ ) لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ وَأَحَدُهُمَا أَغْلَى ثَمَنًا قُوِّمَ بِالْأَغْلَبِ زَمَنَ السَّرِقَةِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَهَلْ يُقَوَّمُ بِالْأَغْلَى دَرْءً لِلْقَطْعِ أَمْ بِالْأَرْدَأِ ؛ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُهُمَا أَوَّلُهُمَا كا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ خَالِصَانِ مِنْ الذَّهَبِ ، وَأَحَدُهُمَا أَعْلَى قِيمَةً مِنْ الْآخَرِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ بِالْأَغْلَبِ مِنْ دَنَانِيرِ الْبَلَدِ فِي زَمَانِ السَّرِقَةِ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِأَيِّهِمَا يُقَوَّمُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا بِالْأَدْنَى اعْتِبَارًا بِعُمُومِ الظَّاهِرِ وَالثَّانِي بِالْأَعْلَى دَرْءً لِلْقَطْعِ بِالشُّبْهَةِ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ لَمْ تُعْرَفْ قِيمَتُهُ بِالدَّنَانِيرِ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ : وَالتَّقْوِيمُ بِالذَّهَبِ حَيْثُ كَانَ هُوَ غَالِبَ نَقْدِ الْبَلَدِ ، فَإِنْ كَانَ

الْغَالِبُ دَرَاهِمَ فَيُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ بِالذَّهَبِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالْمُتَّجَهُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَبِيكَةَ الذَّهَبِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُرَاعَى الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ ) أَيْ زَمَنُ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ

( وَيُعْمَلُ ) فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ ( إنْ اخْتَلَفَتْ بَيِّنَتَانِ بِالْأَقَلِّ ) مِنْ الْقِيمَتَانِ ( لِلْقَطْعِ ) بَلْ وَلِلْمَالِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّهُ نِصَابٌ وَقَوَّمَهُ آخَرَانِ بِدُونِهِ فَلَا قَطْعَ وَيُؤْخَذُ فِي الْغُرْمِ بِالْأَقَلِّ ( وَلَهُ الْحَلِفُ ) فِيمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةٍ فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا الْمَسْرُوقَ نِصَابًا وَالْآخَرُ دُونَهُ ( مَعَ شَاهِدِ الْأَكْثَرِ لِلْمَالِ وَيُقْطَعُ بِدِينَارٍ ) أَيْ بِسَرِقَةِ دِينَارٍ ( ظَنَّهُ فَلْسًا ) لِأَنَّهُ قَصَدَ سَرِقَةَ عَيْنِهِ وَلَا أَثَرَ لِظَنِّهِ وَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ ، وَالْجَهْلُ بِجِنْسِ الْمَسْرُوقِ وَقَدْرِهِ لَا يُؤَثِّرُ كَالْجَهْلِ بِصِفَتِهِ ( وَكَذَا ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ( ظَرْفٍ ظَنَّهُ فَارِغًا ) ، فَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا خَسِيسًا وَفِي جَيْبِهِ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ نِصَابًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْحَالِ وَجَبَ الْقَطْعُ لِذَلِكَ ( وَلَوْ أَخْرَجَ النِّصَابَ ) مِنْ حِرْزِهِ ( دَفَعَاتٍ قُطِعَ ) وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا اطِّلَاعُ الْمَالِكِ وَإِهْمَالُ إعَادَةِ الْحِرْزِ أَوْ اُشْتُهِرَ هَتْكُهُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ هَتَكَهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَكَمَا لَوْ طَرَّ جَيْبَ إنْسَانٍ وَأَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمًا فَدِرْهَمًا ، وَلِأَنَّ فِعْلَ الشَّخْصِ مَبْنِيٌّ عَلَى فِعْلِهِ وَلِهَذَا لَوْ جَرَحَ ثُمَّ قَتَلَ دَخَلَ الْأَرْشُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ بِخِلَافِ فِعْلِ غَيْرِهِ ( لَا إنْ تَخَلَّلَ اطِّلَاعٌ ) مِنْ الْمَالِكِ ( أَوْ إحْرَازٌ ) مِنْهُ صَوَابُهُ الْمُوَافِقُ لِأَصْلِهِ وَإِحْرَازٌ لِلْمَسْرُوقِ وَلَوْ بِإِعَادَةِ الْحِرْزِ فَلَا قَطْعَ ، وَالْمَأْخُوذُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ سَرِقَةٌ أُخْرَى ، فَإِنْ كَانَ نِصَابًا قُطِعَ أَوْ دُونَهُ فَلَا لِانْفِصَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَنْ الْأُخْرَى ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِأَوْ مُوَافَقَةً لِلْبُلْقِينِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ فِي أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيمَا إذَا تَخَلَّلَ أَحَدُهَا فَقَطْ ( وَلَوْ فَتَحَ وِعَاءً أَوْ طَرَّ ) أَيْ قَطَعَ ( جَيْبًا فَانْثَالَ ) بِالْمُثَلَّثَةِ ؛ أَيْ

انْصَبَّ مِمَّا فِيهِ مِنْ بُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ ( نِصَابٌ وَلَوْ شَيْئًا فَشَيْئًا قُطِعَ ) وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ هَتَكَ الْحِرْزَ وَأَخْرَجَ مِنْهُ نِصَابًا وَقَوْلُهُ أَوْ طَرَّ جَيْبًا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ ( وَإِنْ أَخْرَجَ ) بَعْضَ ( ثَوْبٍ ) مَثَلًا ( مِنْ حِرْزٍ ) وَتَرَكَ بَاقِيَةً فِيهِ ( لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ ) أَيْ الْبَعْضِ الْمُخْرَجِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَتِمَّ إخْرَاجُهُ وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَ طَرَفُ عِمَامَةِ الْمُصَلِّي عَلَى نَجَاسَةٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالْبَعْضِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالنِّصْفِ ( وَلَوْ جَمَعَ نِصَابًا مِنْ بَذْرِ أَرْضٍ مُحْرَزَةٍ ) كَأَنْ تَكُونَ بِجَنْبِ الْمَزَارِعِ ( قُطِعَ ) وَلَا يُقْبَلُ مَوْضِعَ كُلِّ حَبَّةٍ حِرْزٌ خَاصٌّ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ النِّصَابَ مِنْ حِرْزَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُعَدُّ بُقْعَةً وَاحِدَةً ، وَالْبَذْرُ فِيهَا كَأَمْتِعَةٍ فِي أَطْرَافِ الْبَيْتِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مُحْرَزَةً لَمْ يُقْطَعْ
قَوْلُهُ وَجَبَ الْقَطْعُ لِذَلِكَ ) لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ عَلَى قَطْعِ السَّرِقَةِ .
وَالْجَهْلُ بِجِنْسِ الْمَسْرُوقِ وَقَدْرِهِ لَا يُؤَثِّرُ كَالْجَهْلِ بِصِفَتِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ اُشْتُهِرَ هَتْكُهُ ) بِأَنْ عَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ وَالنَّاسُ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِهِ ) قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ إذَا أَخَذَ نِصْفَ نِصَابٍ مِنْ حِرْزٍ وَنِصْفَهُ مِنْ آخَرَ فَلَا قَطْعَ إلَّا أَنْ يَكُونَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ا هـ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَطْعِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ مِنْ حِرْزَيْنِ وَكَانَ نِصَابًا لَا قَطْعَ ( قَوْلُهُ أَوْ إحْرَازٌ مِنْهُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَا خَفَاءَ أَنَّ كُلَّ مُحْرَزٍ بِحَقٍّ كَالْمَالِكِ ( قَوْلُهُ صَوَابُهُ الْمُوَافِقُ لِأَصْلِهِ وَإِحْرَازٌ ) هُوَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ فَأَوْ فِي النُّسْخَةِ الْأُولَى بِمَعْنَى الْوَاوِ

( وَلَا يُقْطَعُ الْمُشْتَرَكَانِ فِي الْإِخْرَاجِ ) مِنْ حِرْزٍ ( بِدُونِ نِصَابٍ ) بَيِّنٍ أَيْ بِسَرِقَتِهِ وَيُقْطَعَانِ بِسَرِقَةِ نِصَابَيْنِ تَوْزِيعًا لِلْمَسْرُوقِ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ فِي الشِّقَّيْنِ وَقَيَّدَ الْقَمُولِيُّ الشِّقَّ الثَّانِيَ بِمَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُطِيقُ حَمْلَ مَا يُسَاوِي نِصَابًا أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يُطِيقُ ذَلِكَ ، وَالْآخَرُ يُطِيقُ حَمْلَ مَا فَوْقَهُ فَلَا يُقْطَعُ الْأَوَّلُ وَخَرَجَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِخْرَاجِ مَا لَوْ تَمَيَّزَا فِيهِ فَيُقْطَعُ مَنْ مَسْرُوقُهُ نِصَابٌ دُونَ مَنْ مَسْرُوقُهُ أَقَلُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ ، وَالظَّاهِرُ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَا يُمَيِّزُ فَيُقْطَعُ الْمُكَلَّفُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْرَجُ نِصَابَيْنِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ كَآلَةٍ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُكَلَّفُ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ ( وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا ) مِنْ حِرْزٍ ( وَأَتْلَفَ بَعْضَهُ فِي الْحِرْزِ ) بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ ( لَمْ يُقْطَعْ ) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا سَرِقَةٌ
( قَوْلُهُ وَقَيَّدَ الْقَمُولِيُّ الشِّقَّ الثَّانِيَ إلَخْ ) هَذَا مَمْنُوعٌ لِثُبُوتِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي إخْرَاجِهِ فَهُمَا مُتَنَاصِفَانِ فِيهِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْإِطَاقَةِ الْمَذْكُورَةِ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ غَيْرَهُ كَالْآلَةِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ قَدْ أَمَرَهُ بِهِ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُكَلَّفُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( الشَّرْطُ الثَّانِي كَوْنُهُ ) أَيْ الْمَسْرُوقِ ( مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ ) الَّذِي بِيَدِ غَيْرِهِ ( وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا وَلَا بِمَا سَرَقَهُ مَعَ مَالِهِ ) أَوْ وَجَدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( مِنْ حِرْزِ غَاصِبٍ ) لِمَالِهِ الَّذِي وُضِعَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ دُخُولَ الْحِرْزِ وَهَتْكَهُ لِأَخْذِ مَالِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ يُقْطَعُ بِذَلِكَ وَلَوْ سَرَقَهُ مَعَ الْمَغْصُوبِ ( لَا ) بِمَا سَرَقَهُ وَلَوْ مَعَ مَالِهِ ( مِمَّنْ ) أَيْ مِنْ حِرْزِ مَنْ ( يَدُهُ ) عَلَيْهِ ( بِحَقٍّ ) كَمِلْكٍ وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ أَيْ فَيُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيمَا سَرَقَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ مِمَّنْ يَدُهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَغَصْبٍ سَوَاءٌ أَسَرَقَهُ مِنْهُ مَالِكُ الْحِرْزِ أَمْ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِرْزًا لِغَاصِبِهِ وَلِمَالِكِهِ دُخُولُهُ وَذِكْرُ هَذِهِ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَسَتَأْتِي مَعَ زِيَادَةٍ ( وَلَوْ سَرَقَ مَا اشْتَرَاهُ ) مِنْ يَدِ الْبَائِعِ ( وَلَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ ) أَوْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ( أَوْ ) سَرَقَ ( مَا اتَّهَبَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُقْطَعْ ) فِيهِمَا لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مَا اشْتَرَاهُ مَالًا آخَرَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ ) سَرَقَ شَخْصٌ ( الْمُوصَى لَهُ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ ) أَيْ مَوْتِ الْمُوصِي ( وَكَذَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبُولِ قُطِعَ ) فِيهِمَا .
أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقَبُولَ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْوَصِيَّةِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَأَطْلَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِبِنَاءٍ وَهُوَ أَقْرَبُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ وَ الرَّافِعِيُّ تَبِعَ فِي الْبِنَاءِ الْبَغَوِيّ وَأَحْسَنَ الْخُوَارِزْمِيَّ فَصَحِيحٌ عَدَمُ الْقَطْعِ انْتَهَى ، وَعَدَمُ الْقَطْعِ أَوْجَهُ وَإِلَّا أَشْكَلَ بِعَدَمِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَا اتَّهَبَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْقَبُولَ وُجِدَ ثَمَّ وَلَمْ يُوجَدْ

هُنَا لَا يُجْدِي ( لَا ) إنْ سَرَقَ الْمُوصَى بِهِ ( فَقِيرٌ ) بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ( وَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ ) فَلَا يُقْطَعُ كَسَرِقَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَهُ الْغَنِيُّ ( وَلَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ ) أَيْ أَنَّهُ مَالِكٌ ( لِمَا سَرَقَهُ أَوْ لِلْحِرْزِ أَوْ لِلْمَالِكِ ) لِمَا سَرَقَهُ ( وَهُوَ مَجْهُولٌ ) نَسَبًا ( أَوْ أَنَّهُ أَخَذَهُ ) مِنْ الْحِرْزِ ( بِإِذْنِهِ أَوْ ) أَنَّهُ أَخَذَهُ ( وَالْحِرْزُ مَفْتُوحٌ ) أَوْ وَصَاحِبُهُ مُعْرِضٌ عَنْ الْمُلَاحَظَةِ ( أَوْ أَنَّهُ دُونَ النِّصَابِ سَقَطَ ) عَنْهُ ( الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ ) وَإِنْ ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَطْعِ وَلِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا فِي الْمَالِ وَسُمِّيَ هَذَا السَّارِقُ الظَّرِيفَ ( وَلَا يَسْتَفْصِلُ ) بَعْدَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ عَنْ كَوْنِ الْمَسْرُوقِ مِلْكَهُ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ سَعْيٌ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ إغْرَاءٌ لَهُ بِادِّعَاءِ الْبَاطِلِ ( وَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْمَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ ) لَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ ( فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ ( لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ ) لِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ

( قَوْلُهُ مَعَ مَالِهِ ) أَيْ مُصَاحِبًا لَهُ فِي ذَلِكَ الْحِرْزِ فَيَشْمَلُ مَا إذَا سَرَقَهُ وَحْدَهُ ( قَوْلُهُ أَوْ وَحْدَهُ ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَوْ غَصَبَ مَالًا أَوْ سَرَقَهُ وَوَضَعَهُ فِي حِرْزِهِ فَجَاءَ مَالِكُ الْمَالِ وَسَرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْحِرْزِ مَالًا لِلْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ مَعَ مَالِهِ نِصَابًا قُطِعَ مَعَ أَنَّ الْحِرْزَ لِلْمَالِكِ هُتِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ هَتْكُهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَهُ وَأَمَّا فِي الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّ لَهُ هَتْكَ الْحِرْزِ فَلِهَذَا لَمْ يُقْطَعْ بِأَخْذِ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَيَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا ذُكِرَ فِي صُورَةِ الدَّيْنِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ زِيَادَةً نِصَابًا لَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ وَجَوَابُهُ أَنَّ السَّرِقَةَ فِي صُورَةِ الدَّيْنِ لَا تَقَعُ إلَّا نَابِعَةً بِخِلَافِ صُورَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي صُورَةِ الْمُشْتَرِي سَرَقَ مَعَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مَالًا آخَرَ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ أَدَاءِ الثَّمَنِ فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ ) مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا ( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ) لِأَنَّ لَهُ دُخُولَ الْحِرْزِ وَهَتْكَهُ لِأَخْذِ مَالِهِ فَالْمَسْرُوقُ غَيْرُ مُحْرَزٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ قَبُولِهِ قَبْلَ أَخْذِهِ ( قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْقَبُولَ وُجِدَ ثَمَّ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا لَا يُجْدِي ) الْفَرْقُ جَيِّدٌ وَيَنْضَمُّ إلَيْهِ إنْ أَخَذَ الْمُتَّهَبُ الْمَوْهُوبَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِإِذْنِ الْوَاهِبِ لَهُ فِي قَبْضِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا

بَلْ يُجْدِي إذْ الْعَقْدُ قَدْ تَمَّ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَأَيْضًا فَالْمُوصَى لَهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ سَرِقَتِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مِلْكِهِ بِقَبُولِهِ قَبْلَهَا بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا بِأَنْ يَظُنَّهَا سَبَبًا لِإِذْنِ الْوَهْبِ لَهُ فِي الْقَبْضِ لِتَحْصِيلِ مِلْكِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِهِ ) أَوْ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ ( قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ دُونَ النِّصَابِ ) أَيْ وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ نِصَابًا ( قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ نِصَابٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا فِي الْمَالِ ) فَإِنَّهُ لَوْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى السَّارِقِ فَكَيْفَ يُقْطَعُ عَلَى مَالٍ هُوَ خَصْمٌ فِيهِ وَلِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ مُحْتَمَلٌ فَصَارَ شُبْهَةً وَلَوْ قَالَ : ظَنَنْته مِلْكِي أَوْ مِلْكَ أَبِي أَوْ ابْنِي أَوْ أَنَّ الْحِرْزَ مِلْكِي أَوْ مِلْكُ أَبِي أَوْ ابْنِي لَمْ يُقْطَعْ

( وَإِنْ ادَّعَى ) مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِزِنَا امْرَأَةٍ ( أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ زَوْجَتُهُ ) أَوْ أَمَتُهُ ( سَقَطَ ) عَنْهُ ( الْحَدُّ ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ ( وَإِنْ قَالَ أَحَدُ السَّارِقِينَ : الْمَالُ لِصَاحِبِي وَأَذِنَ لِي ) فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ( لَمْ يُقْطَعْ ) لِذَلِكَ ( فَلَوْ أَنْكَرَ صَاحِبُهُ ) أَنَّ الْمَالَ لَهُ ( قُطِعَ الْمُنْكِرُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِسَرِقَةِ نِصَابٍ بِلَا شُبْهَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَدَّقَهُ أَوْ سَكَتَ أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي ( وَلَوْ سَرَقَ عَبْدٌ ) نِصَابًا ( وَادَّعَاهُ ) أَيْ أَنَّ مَا سَرَقَهُ مِلْكٌ ( لِسَيِّدِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَذَّبَهُ سَيِّدُهُ ) كَالْحُرِّ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( مَلَكَ مَا سَرَقَهُ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ قُطِعَ أَوْ قَبْلَهُ ) وَلَوْ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ وَقَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ ( تَعَذَّرَ الْقَطْعُ لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْقَطْعَ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَمُطَالَبَتِهِ

( الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ) الْمَسْرُوقُ ( مُحْتَرَمًا فَلَا يُقْطَعُ ) وَلَوْ ذِمِّيًّا ( بِخَمْرٍ وَكَلْبٍ ) وَلَوْ مُحْتَرَمَيْنِ ( وَجِلْدُ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ ) وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ عُلِمَ مِنْ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَكُونُ نِصَابًا عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِيَخْرُجَ بِالْمَالِ مَا ذُكِرَ وَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ ( وَيُقْطَعُ بِإِنَاءِ خَمْرٍ وَلَوْ كَسَرَهُ فِي الْحِرْزِ وَأَخْرَجَهُ ) مِنْهُ ( وَبِآلَةِ لَهْوٍ وَبِإِنَاءِ ذَهَبٍ ) أَوْ فِضَّةٍ وَلَوْ كَسَرَهُمَا فِي الْحِرْزِ وَأَخْرَجَهُمَا حَيْثُ ( يَبْلُغُ مَكْسُورُهُمَا ) أَيْ إنَاءِ الْخَمْرِ وَآلَةِ اللَّهْوِ وَإِنَاءِ الذَّهَبِ ( نِصَابًا ) ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ لَوْ كَسَرَهَا فِي الْحِرْزِ وَأَخْرَجَهَا وَأَخَّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ ذَهَبٍ كَانَ أَوْلَى وَأَوْفَى بِمَا فِي الْأَصْلِ ( لَا إنْ أَخْرَجَهَا ) مِنْ الْحِرْزِ ( لِيُشْهِرَهَا ) بِالْكَسْرِ ، وَالتَّغْيِيرِ فَلَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ شَرْعًا إذْ لِكُلِّ مَنْ قَصْدَ كَسْرَهَا أَنْ يَدْخُلَ مَكَانَهَا لِيَكْسِرَهَا وَهُوَ إنَّمَا دَخَلَ بِقَصْدِ كَسْرِهَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ كَسْرِهَا وَأَخْرَجَهَا بِقَصْدِ سَرِقَتِهَا لَا يُقْطَعُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ أَيْضًا فِي عَكْسِ هَذِهِ

( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ ) خَرَجَ بِهَذَا مَا لَوْ صَارَتْ الْخَمْرُ خَلًّا أَوْ دُبِغَ الْجِلْدُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ ( قَوْلُهُ وَبِآلَةِ لَهْوٍ ) يَشْهَدُ لِقَطْعِهِ بِآلَةِ اللَّهْوِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا سَرَقَ مَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا كَانَ الْجِلْدُ وَالْقِرْطَاسُ يَبْلُغُ نِصَابًا ( قَوْلُهُ وَأَوْفَى بِمَا فِي الْأَصْلِ ) وَإِنْ فُهِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ بِالْأَوْلَى ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ كَسْرِهَا وَأَخْرَجَهَا بِقَصْدِ سَرِقَتِهَا إلَخْ ) بَقِيَ مَا لَوْ قَصَدَهُمَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَوْ قَصَدَ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ إلَخْ

( الشَّرْطُ الرَّابِعُ تَمَامُ مِلْكِ الْغَيْرِ فَإِذَا سُرِقَ مَالُهُ فِيهِ شَرِكَةٌ لَمْ يُقْطَعْ ) وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ إذْ مَا مِنْ قَدْرٍ يَأْخُذُهُ إلَّا وَلَهُ فِيهِ جُزْءٌ فَكَانَ شُبْهَةً كَوَطْءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَخَرَجَ بِمَالِهِ فِيهِ شَرِكَةٌ مَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ قَدْرَ نِصَابٍ فَيُقْطَعُ إنْ اخْتَلَفَ حِرْزُهُمَا وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْقَفَّالِ الْقَطْعَ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمَسْرُوقُ ( مَالَ بَيْتِ الْمَالِ ) ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ غَنِيًّا ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُصْرَفُ فِي عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ ، وَالرِّبَاطَاتِ ، وَالْقَنَاطِرِ فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْغَنِيُّ ، وَالْفَقِيرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِهِمْ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ يُقْطَعُ بِذَلِكَ وَلَا نَظَرَ إلَى إنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ كَمَا يُنْفِقُ عَلَى الْمُضْطَرِّ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وَانْتِفَاعُهُ بِالْقَنَاطِرِ ، وَالرِّبَاطَاتِ لِلتَّبَعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاطِنٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا لِاخْتِصَاصِهِ بِحَقٍّ فِيهَا ( لَا ) إنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مَالَ ( الصَّدَقَاتِ وَهُوَ ) أَيْ السَّارِقُ ( غَنِيٌّ ) لَيْسَ غَارِمًا لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَلَا غَازِيًا ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ ، وَالْغَارِمِ ، وَالْغَازِي الْمَذْكُورِينَ

( قَوْلُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) وَأَيْضًا فَالْفَقِيرُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ وَالْغَنِيُّ يُعْطَى مِنْهُ بِسَبَبِ حَمْلَةٍ تَحَمَّلَهَا لِتَسْكِينِ فِتْنَةٍ وَسَرَقَ مِنْهُ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ وَآخَرُ عَلَى زَمَنِ عَلِيٍّ فَلَمْ يَقْطَعَاهُمَا وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ قَوْلُهُ لَا الصَّدَقَاتِ ) فِي مَعْنَى الزَّكَاةِ مَا يَجِبُ مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَنَحْوِهَا وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الزَّكَوَاتِ وَنَحْوِهَا مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ لِشَرَفِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ هَلْ يُقْطَعُ كَالْغَنِيِّ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا أَوْ لَا لِشُبْهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ مَنْعِهِمْ حَقَّهُمْ مِنْ الْفَيْءِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِصْطَخْرِيِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا ا هـ وَقَالَ النَّاشِرِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ غَنِيٌّ ) مِثْلُ الْغَنِيِّ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ لِشَرَفِهِ

( وَيُقْطَعُ ) السَّارِقُ ( بِمَا أَفْرَزَ لِغَيْرِهِ مِنْ ) مَالِ ( بَيْتِ الْمَالِ ) كَأَنْ أُفْرِزَ مِنْهُ شَيْءٌ لِذَوِي الْقُرْبَى أَوْ الْمَسَاكِينِ وَلَيْسَ السَّارِقُ مِنْهُمْ وَلَا لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ حِينَئِذٍ ( كَكَفَنِ مَيِّتٍ ) أَيْ كَمَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ كَفَنَ مَيِّتٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ سَرَقَهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَفِي خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ { مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ } وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَى لِغَيْرِ الْمَيِّتِ فِيهِ حَقٌّ كَمَا لَوْ صُرِفَ إلَى حَيٍّ ( وَكَذَا سِتْرُ الْكَعْبَةِ ) يُقْطَعُ سَارِقُهُ ( إنْ خِيطَ ) عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُحْرَزٌ ( وَ ) كَذَا ( بَابُ مَسْجِدٍ وَجُذُوعُهُ ) وَتَأْزِيرُهُ وَسَوَارِيهِ وَسُقُوفُهُ ( وَقَنَادِيلُ زِينَتِهِ ) يُقْطَعُ سَارِقُهُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ ( لَا ) الْقَنَادِيلُ ( الَّتِي ) فِيهِ ( لِلْإِسْرَاجِ وَلَا حُصْرُهُ ) وَلَا سَائِرُ مَا يُفْرَشُ فِيهِ فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا أُعِدَّتْ لِانْتِفَاعِ الْمُسْلِمِ بِهَا بِالْإِضَاءَةِ ، وَالِافْتِرَاشِ بِخِلَافِ بَابِهِ وَجِذْعِهِ وَنَحْوِهِمَا ، فَإِنَّهَا لِتَحْصِينِهِ وَعِمَارَتِهِ لَا لِلِانْتِفَاعِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَسْجِدِ الْعَامِّ أَمَّا الْخَاصُّ بِطَائِفَةٍ فَيَخُصُّ الْقَطْعَ بِغَيْرِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا خَصَّ الْمَسْجِدَ بِطَائِفَةٍ اخْتَصَّ بِهَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ( وَلَا بَكَرَةُ بِئْرٍ مُسَبَّلَةٍ ) فَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهَا ؛ لِأَنَّهَا لِمَنْفَعَةِ النَّاسِ ، وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ لِلْبَغَوِيِّ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ لَكِنَّ الِاحْتِمَالَ أَفْقَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ جَزْمِهِ بِذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ يُقْطَعُ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا انْتَهَى ( فَإِنْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ حُصْرَ مَسْجِدٍ أَوْ قَنَادِيلَهُ ) أَوْ غَيْرَهَا ( قُطِعَ ) لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ

( قَوْلُهُ وَيُقْطَعُ لِمَا أُفْرِزَ لِغَيْرِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ فِي طَائِفَةٍ لَهَا مُسْتَحَقٌّ مُقَدَّرٌ بِالْإِخْرَاجِ فِي مَالٍ مُشَاعٍ بِصِفَةٍ فَأَمَّا إذَا أَفْرَزَ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْقُضَاةِ أَوْ الْمُؤَذِّنِينَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لِهَذَا الْإِفْرَازِ إذْ لَا سَهْمَ لَهُمْ مُقَدَّرٌ يَتَوَلَّى الْإِمَامُ إفْرَازَهُ لَهُمْ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُشَاعًا قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ ا هـ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا دَخْلَ لِتَقْدِيرِ السَّهْمِ وَعَدَمِ تَقْدِيرِهِ فِي إفْرَازِ الْإِمَامِ فَمَا عَيَّنَهُ الْإِمَامُ لِطَائِفَةٍ مِمَّا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا يَتَعَيَّنُ لَهَا بِالْإِفْرَازِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُقَدَّرٌ ( قَوْلُهُ لَا الَّتِي لِلْإِسْرَاجِ ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حَالَةِ الْأَخْذِ تُسْرَجُ ( قَوْلُهُ وَلَا حُصْرُهُ ) لَا فَرْقَ فِي حَصْرِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهَا بَيْنَ كَوْنِهَا مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَمِنْ مَالِ وَقْفِهِ أَوْ تَبَرَّعَ بِهَا عَلَيْهِ مُتَبَرِّعٌ ( تَنْبِيهٌ ) قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِبَلَاطِهِ وَلَوْ سَرَقَ الْمُصْحَفَ الْمَوْقُوفَ لِلْقِرَاءَةِ فِي الْمَسْجِدِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : إنْ كَانَ قَارِئًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا فَيَصِيرُ كَالْقَنَادِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا قُطِعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : لَا يُقْطَعُ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِرَاءَةَ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِإِسْمَاعِ الْحَاضِرِينَ ا هـ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الرَّاجِحُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ وَالْكُرْسِيُّ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ لِلْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ الْمَوْضُوعِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْكُرْسِيُّ لِجُلُوسِ الْوَاعِظِ عَلَيْهِ وَدَكْمَةُ الْمُؤَذِّنِ ( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ جَارٍ فِي تِلْكَ الطَّائِفَةِ وَأَنَّ غَيْرَهَا يُقْطَعُ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ لَكِنَّ الِاحْتِمَالَ أَفْقَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (

قَوْلُهُ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهَا أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ وَقْفًا عَلَى غَيْرِهِ أَوْ مُسْتَوْلَدَةً نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً ) أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا أَوْ سَكْرَانَةً أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ أَعْجَمِيَّةً تَعْتَقِدُ طَاعَةَ آمِرِهَا ( قُطِعَ ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْعَاقِلَةِ الْمُسْتَيْقِظَةِ الْمُخْتَارَةِ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا : الْمِلْكُ فِي الْوَقْفِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَازِمٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا كَالْمُسْتَوْلَدَةِ فِي ذَلِكَ غَيْرَهَا مِنْ الْأَرِقَّاءِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( لَا ) إنْ سَرَقَ ( مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا ) فَلَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي يَدِ نَفْسِهِ كَالْحُرِّ ، وَالْمُبَعَّضُ فِيهِ شُبْهَةُ الْحُرِّيَّةِ ( وَلَوْ زَنَى بِجَارِيَةِ بَيْتِ الْمَالِ حُدَّ ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ
( قَوْلُهُ أَوْ مُسْتَوْلَدَةً نَائِمَةً إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَلِكَ الْعَمْيَاءُ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ ( قَوْلُهُ وَكَالْمُسْتَوْلَدَةِ فِي ذَلِكَ غَيْرُهَا مِنْ الْأَرِقَّاءِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( الشَّرْطُ الْخَامِسُ عَدَمُ الشُّبْهَةِ ) لِلسَّارِقِ فِي الْمَسْرُوقِ ( فَإِنْ سَرَقَ مَالَ غَرِيمِهِ الْجَاحِدِ ) لِلدَّيْنِ الْحَالِّ ( أَوْ الْمُمَاطِلِ ) وَأَخَذَهُ ( بِقَصْدِ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُقْطَعْ ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَأْذُونٌ لَهُ فِي أَخْذِهِ شَرْعًا ( وَإِلَّا قُطِعَ وَغَيْرُ جِنْسِ حَقِّهِ كَهُوَ ) أَيْ كَجِنْسِ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ ( وَلَا يُقْطَعُ بِزَائِدٍ عَلَى ) قَدْرِ ( حَقِّهِ أَخَذَهُ مَعَهُ ) وَإِنْ بَلَغَ الزَّائِدُ نِصَابًا وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الدُّخُولِ ، وَالْأَخْذِ لَمْ يَبْقَ الْمَالُ مُحْرَزًا عَنْهُ ( وَلَا يُقْطَعُ بِمَالِ فَرْعِهِ ) وَإِنْ سَفَلَ ( وَأَصْلِهِ ) وَإِنْ عَلَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِاتِّحَادِ وَلِأَنَّ مَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَرْصَدٌ لِحَاجَةِ الْآخَرِ وَمِنْهَا أَنْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ بِسَرِقَةِ ذَلِكَ الْمَالِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّارِقُ مِنْهُمَا حُرًّا أَمْ عَبْدًا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ تَفَقُّهًا مُؤَيِّدًا لَهُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الرَّقِيقُ أَمَةَ فَرْعِهِ الْحُرِّ لَمْ يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَالِ مَنْ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ بِالْبَعْضِيَّةِ ( وَ ) لَا بِمَالِ ( سَيِّدِهِ وَلَوْ كَاتَبَهُ ) أَوْ كَانَ هُوَ مُبَعَّضًا لِلشُّبْهَةِ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَدْ يَعْجِزُ فَيَصِيرُ كَمَا كَانَ ( وَيُقْطَعُ بِمَالِ زَوْجٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ( وَأَخٍ إنْ كَانَ مُحْرَزًا عَنْهُ ) لِعُمُومِ الْآيَةِ ، وَالْأَخْبَارِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي دَرْءِ الْحَدِّ كَالْإِجَارَةِ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ عَنْ الْأَجِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَتُفَارِقُ الزَّوْجَةُ الْعَبْدَ بِأَنَّ مُؤْنَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ عِوَضٌ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ مُؤْنَةِ الْعَبْدِ وَذِكْرُ الْأَخِ مِثَالٌ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَا إلَى الشَّرْطِ بَعْدَهُ ( وَفِي ) الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ ( مَالُ عَبْدِهِ الْحُرِّ بَعْضُهُ ) أَيْ مَالِ مَنْ بَعْضُهُ مَمْلُوكٌ لَهُ

وَبَعْضُهُ حُرٌّ ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا لَا ؛ لِأَنَّ مَا مَلَكَهُ بِالْحُرِّيَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَصَارَ شُبْهَةً .
وَثَانِيهِمَا : نَعَمْ لِتَمَامِ مِلْكِهِ كَمَالِ الشَّرِيكِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، وَالرَّاجِحُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا ( وَمَنْ لَا يُقْطَعُ بِمَالٍ لَا يُقْطَعُ بِهِ عَبْدُهُ ) فَكَمَا لَا يُقْطَعُ الْأَصْلُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْفَرْعِ وَبِالْعَكْسِ لَا يُقْطَعُ عَبْدُ أَحَدِهِمَا بِسَرِقَتِهِ مَالَ الْآخَرِ
( قَوْلُهُ الْجَاحِدُ لِلدَّيْنِ أَوْ الْمُمَاطِلُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى جُحُودَ مَدْيُونِهِ أَوْ مُمَاطَلَتَهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ ( قَوْلُهُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِاتِّحَادِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَّفِقُ دِينُهُمَا أَوْ يَخْتَلِفَ ( قَوْلُهُ صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ تَفَقُّهًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَاسْتَثْنَى مَا لَوْ نَذَرَ اعْتَاقَ عَبْدِهِ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ فَسَرَقَهُ أَصْلُ النَّاذِرِ أَوْ فَرْعُهُ فَقَالَ يُقْطَعُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ شُبْهَةَ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الَّذِي لِمَالِكِهِ تَصَرُّفٌ فِيهِ وَلَا تَصَرُّفَ لَهُ فِي هَذَا وَإِنْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَيْسَ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَلَدُهَا لِأَنَّ لِلْمَالِكِ إجَارَتَهُمَا قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَنَبَّهَ لَهُ ا هـ وَفِيهِ نَظَرٌ فس ( قَوْلُهُ وَيُقْطَعُ بِمَالِ زَوْجٍ ) مَحَلُّهُ فِي الزَّوْجَةِ إذَا لَمْ تَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً حَالَ أَخْذِهَا ( قَوْلُهُ وَالرَّاجِحُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا ) كَصَاحِبِ الْحَاوِي فِي عُجَابِهِ

( وَيُحَدُّ زَانٍ بِأَمَةِ سَيِّدِهِ ) إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي بُضْعِهَا ( وَلَوْ ظَنَّ ) السَّارِقُ ( أَنَّ الْمَالَ ) الَّذِي سَرَقَهُ ( أَوْ الْحِرْزَ لَهُ أَوْ لِأَبِيهِ ) أَوْ لِابْنِهِ ( لَمْ يُقْطَعْ ) لِلشُّبْهَةِ كَمَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ( وَيُقْطَعُ بِحَطَبٍ ) أَيْ بِسَرِقَةِ حَطَبٍ ( وَحَشِيشٍ ) وَنَحْوِهِمَا كَصَيْدٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا مُبَاحَةَ الْأَصْلِ ( وَ ) بِسَرِقَةِ ( مُعَرَّضٍ لِلتَّلَفِ كَهَرِيسَةٍ ) وَفَوَاكِهَ وَبُقُولٍ لِذَلِكَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينَ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ ، } وَالْمِجَنُّ التُّرْسُ ، وَكَانَ ثَمَنُهُ عِنْدَهُمْ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ، وَكَانَتْ مُقَدَّرَةً عِنْدَهُمْ بِرُبْعِ دِينَارٍ ( وَكَذَا مَاءٌ وَتُرَابٌ وَمُصْحَفٌ وَكُتُبُ عِلْمٍ ) شَرْعِيٍّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( وَ ) كُتُبُ ( شَعْرٍ نَافِعٍ مُبَاحٍ ) لِمَا مَرَّ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَافِعًا مُبَاحًا ( قُوِّمَ الْوَرَقُ ، وَالْجِلْدُ ) ، فَإِنْ بَلَغَا نِصَابًا قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا ( وَإِنْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ ثُمَّ سَرَقَهَا ) ثَانِيًا مِنْ مَالِكِهَا الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ( قُطِعَ أَيْضًا ) ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ فِي عَيْنٍ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَحُدَّ ثُمَّ زَنَى بِهَا ثَانِيًا

( الشَّرْطُ السَّادِسُ الْحِرْزُ ) فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا لَيْسَ مُحْرَزًا لِخَبَرِ { لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ إلَّا فِيمَا أَوَاهُ الْمُرَاحُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْ التَّمْرِ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعْظُمُ بِمُخَاطَرَةِ أَخْذِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَحُكِمَ بِالْقَطْعِ زَجْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَّأَهُ الْمَالِكُ وَمَكَّنَهُ بِتَضْيِيعِهِ ( ، وَالْمُحَكَّمُ ) فِي الْحِرْزِ ( الْعُرْفُ ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ ، وَالْأَحْوَالِ ، وَالْأَوْقَاتِ وَلَمْ يَحُدَّهُ الشَّرْعُ وَلَا اللُّغَةُ فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ ، وَالْإِحْيَاءِ ( فَالْإِصْطَبْلُ ، وَالتِّبْنُ ) الْمُتَّصِلَانِ بِالدُّورِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي ( حِرْزُ الدَّوَابِّ ) فِي الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً ( وَالتِّبْنُ ) فِي الثَّانِي ( لَا الثِّيَابُ وَنَحْوُهَا ) كَالنُّقُودِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ إخْرَاجَ الدَّوَابِّ ، وَالتِّبْنِ مِمَّا يَظْهَرُ وَيَبْعُدُ الِاجْتِرَاءُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا ، فَإِنَّهَا مِمَّا يَخْفَى وَيَسْهُلُ إخْرَاجُهَا وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ آنِيَةُ الْإِصْطَبْلِ كَالسَّطْلِ وَثِيَابِ الْغُلَامِ وَآلَاتِ الدَّوَابِّ مِنْ سُرُوجٍ وَبَرَادِعَ وَلُجُمٍ وَرِحَالِ جِمَالٍ وَقِرْبَةِ السُّقَاةِ ، وَالرَّاوِيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِوَضْعِهِ فِي إصْطَبْلَات الدَّوَابِّ ( ، وَالصُّفَّةُ ، وَالْعَرْصَةُ ) لِلدَّارِ ( حِرْزُ آنِيَةٍ ) خَسِيسَةٍ بِخِلَافِ النَّفِيسَةِ كَالْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَثِيَابُ بِذْلَةٍ ) وَنَحْوِهَا كَالْبُسُطِ ( وَالْمَخْزَنُ حِرْزُ الْحُلِيِّ ، وَالنَّقْدِ ، وَالدُّورُ وَبُيُوتُ الْخَانَاتِ ) ، وَالْأَسْوَاقُ الْمَنِيعَةُ ( حِرْزُ الثِّيَابِ النَّفِيسَةِ وَإِلَّا عَلَى حِرْزِ الْأَدْنَى لَا عَكْسِهِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَمَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ كَانَ حِرْزًا لِمَا دُونَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لِمَا فَوْقَهُ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ

عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ فَتَأَمَّلْ

( قَوْلُهُ السَّادِسُ الْحِرْزُ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِحْرَازُ يَخْتَلِفُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ بِاخْتِلَافِ نَفَاسَةِ الْمَالِ وَسَعَتِهِ وَبِاخْتِلَافِ سَعَةِ الْبَلَدِ وَكَثْرَةِ ذُعَّارِهِ وَعَكْسُهُ ، وَبِاخْتِلَافِ السُّلْطَانِ عَدْلًا وَغِلْظَةً عَلَى الْمُفْسِدِينَ وَعَكْسُهُ وَبِاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِحْرَازُ اللَّيْلِ أَغْلَظُ هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَا يَكْفِي حَصَانَةُ الْمَوْضِعِ عَنْ أَصْلِ الْمُلَاحَظَةِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا : وَالتَّعْوِيلُ فِي صِيَانَةِ الْمَالِ وَإِحْرَازِهِ عَلَى شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْمُلَاحَظَةُ وَالْمُرَاقَبَةُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمُلَاحَظَةُ وَالْمُرَاقَبَةُ أَوْ مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُمَا وَذَلِكَ لِيَشْمَلَ النَّائِمَ عَلَى ثَوْبِهِ فَإِنَّهُ لَا مُلَاحَظَةَ مِنْهُ وَلَا مُرَاقَبَةَ وَلَكِنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمُلَاحَظَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَادَةَ غَالِبًا أَنَّ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ تَحْتِهِ انْتَبَهَ ( قَوْلُهُ فَالْإِصْطَبْلُ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ هَمْزَةُ قَطْعٍ أَصْلِيَّةٌ وَسَائِرُ حُرُوفِهَا أَصْلِيَّةٌ ( قَوْلُهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ آنِيَةُ الْإِصْطَبْلِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَبَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ السُّرُوجُ وَاللُّجُمُ الْخَسِيسَةُ فَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِصْطَبْلَ حِرْزٌ لِأَمْتِعَةِ الدَّوَابِّ الْخَسِيسَةِ كَجِلَالِهَا وَرِحَالِهَا وَنَحْوِهِمَا مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِتَرْكِهِ هُنَا بِخِلَافِ النَّفِيسِ مِنْ السُّرُوجِ وَاللُّجُمِ الْمُفَضَّضَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الْعُرْفَ أَنْ تُحْرَزَ بِمَكَانٍ مُفْرَدٍ لَهَا مِغْلَقٌ غَالِبًا وَقَوْلُهُ فَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَمَا كَانَ حِرْزَ النَّوْعِ كَانَ حِرْزًا لِمَا دُونَهُ إلَخْ ) قَالَ الزَّنْجَانِيُّ لَا بُدَّ مِنْ

قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حِرْزًا لِمَا دُونَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ مَا يَكُونُ تَبَعًا لِذَلِكَ النَّوْعِ إذْ الْإِصْطَبْلُ حِرْزُ الدَّوَابِّ وَلَا يَكُونُ حِرْزًا لِلثِّيَابِ وَإِنْ كَانَتْ دُونَهَا فِي الْقِيمَةِ وَقَدْ يَكُونُ حِرْزًا لِجَلِّ الدَّابَّةِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ

( وَإِنْ وَضَعَ مَتَاعَهُ بِقُرْبِهِ فِي صَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ وَأَعْرَضَ ) عَنْهُ كَانَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ أَوْ ذَهَلَ عَنْهُ بِشَاغِلٍ ( أَوْ نَامَ فَضَاعَ ) فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ ( وَإِنْ أَدَامَ مُلَاحَظَتَهُ مَنْ يُبَالِي بِهِ لِقُوَّتِهِ أَوْ اسْتِغَاثَةٍ ) بِغَيْرِهِ ( أَوْ نَامَ فِيهَا ) أَيْ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ تَالِيَيْهَا ( لَابِسًا لِعِمَامَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا ) كَمَدَاسِهِ أَوْ خَاتَمِهِ ( أَوْ مُفْتَرِشًا ثَوْبَهُ أَوْ مُتَّكِئًا عَلَى الْمَتَاعِ ) وَلَوْ بِتَوَسُّدِهِ ( فَمُحْرَزٌ ) بِهِ ( فَيُقْطَعُ ) السَّارِقُ بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِقَطْعِ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرِدَاؤُهُ كَانَ مُحْرَزًا بِاضْطِجَاعِهِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقْطَعُ ( بِتَغْيِيبِهِ عَنْهُ وَلَوْ بِدَفْنِهِ ) إذْ إحْرَازُ مِثْلِهِ بِالْمُعَايَنَةِ ، فَإِذَا غَيَّبَهُ عَنْ عَيْنِ الْحَارِسِ بِحَيْثُ لَوْ نُبِّهَ لَهُ لَمْ يَرَهُ كَأَنْ دَفَنَهُ فِي تُرَابٍ أَوْ وَارَاهُ تَحْتَ ثَوْبِهِ أَوْحَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ آخِرَ الْبَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ ، وَالْكَلَامُ فِي مَتَاعٍ بَعْدَ التَّوَسُّدِ بِهِ حِرْزًا لَهُ أَمَّا لَوْ تَوَسَّدَ كِيسًا فِيهِ نَقْدٌ أَوْ جَوْهَرٌ وَنَامَ فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ حَتَّى يَشُدَّهُ بِوَسَطِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِشَدِّهِ تَحْتَ الثِّيَابِ انْتَهَى ( وَإِنْ انْقَلَبَ ) فِي نَوْمِهِ ( عَنْ الْمَتَاعِ أَوْ قَلَّبَهُ السَّارِقُ ) عَنْهُ ( أَوَّلًا ثُمَّ أَخَذَهُ أَوْ كَانَ الْحَارِسُ لَا يُبَالِي بِهِ ) لِعَدَمِ الْقُوَّةِ ، وَالِاسْتِغَاثَةِ ( فَضَائِعٌ ) فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي الثَّانِيَةِ تَبِعَ فِيهِ الْبَغَوِيّ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ وَهُوَ عِنْدَنَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ لَا وَجْهَ لَهُ وَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ الْقَطْعُ بِخِلَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْحِرْزَ ثُمَّ أَخَذَ النِّصَابَ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَقَبَ الْحَائِطَ أَوْ كَسَرَ الْبَابَ أَوْ فَتَحَهُ وَأَخَذَ النِّصَابَ ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ اتِّفَاقًا

انْتَهَى وَهُوَ حَسَنٌ ، فَإِنْ قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَالَ ثَمَّ لَمَّا أَخَذَهُ كَانَ مُحْرَزًا فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِ هُنَا قُلْت : مُنْتَقِضٌ بِمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَابْنِ الْقَطَّانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ جَمَلًا وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ فَأَلْقَاهُ عَنْهُ وَهُوَ نَائِمٌ وَأَخَذَ الْجَمَلَ قُطِعَ مَعَ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ مُحْرَزًا أَصْلًا لَكِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي هَذِهِ بِعَدَمِ الْقَطْعِ أَيْضًا قَالَ : لِأَنَّهُ رَفَعَ الْحِرْزَ وَلَمْ يَهْتِكْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَقَبَ وَأَخَذَ الْمَالَ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ كَوْنِ الصَّحْرَاءِ مَوَاتًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِالْوَضْعِ الْمُبَاحِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَاضِي وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْغَاصِبِ قُلْت الْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ مُقَابِلُ الْحَرَامِ لَا مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا فَلَا اسْتِدْرَاكَ ( وَإِنْ كَانَ ) ثَمَّ ( زَحْمَةٌ ) مِنْ الطَّارِقِينَ ( لَمْ يَكْفِ ) فِي الْإِحْرَازِ ( مُلَاحَظَتُهُ ) الْمَتَاعَ ( وَلَوْ فِي دُكَّانِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى ثَابِتَةً حِينَئِذٍ ( فَتُقَاوَمُ ) أَيْ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَاوَمَ ( الزَّحْمَةُ بِكَثْرَةِ الْمُلَاحِظِينَ ) لِيَصِيرَ الْمَتَاعُ حِرْزًا بِهِمْ كَمَا يُقَاوَمُ طَارِقٌ مُلَاحِظٌ

( قَوْلُهُ وَإِنْ أَدَامَ مُلَاحَظَتَهُ إلَخْ ) الْمُرَادُ مِنْ إدَامَةِ الْمُلَاحَظَةِ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ عَنْهُ بِنَوْمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ الْإِدَامَةُ الْمُتَعَارَفَةُ فَالْفَتَرَاتُ الْعَارِضَةُ أَثْنَاءَ الْمُلَاحَظَةِ لَا تَقْدَحُ فِي الْإِحْرَازِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِلْعُرْفِ ، فَإِذَا تَغَفَّلَهُ فِيهَا فَسَرَقَ قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مُقْتَضَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامِ أَصْحَابِهِ أَنْ يَكْتَفِيَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْقُرْبِ قَالَ : وَشَرْطُ الْمُلَاحَظَةِ كَوْنُ الْمُلَاحِظِ بِحَيْثُ يَرَاهُ السَّارِقُ حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ السَّرِقَةِ إلَّا بِتَغَفُّلِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ السَّارِقُ فَلَا قَطْعَ إذْ لَا حِرْزَ يَظْهَرُ لِلسَّارِقِ حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ السَّرِقَةِ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَالْحَدُّ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُنَاسِبُ الْمُودَعَ إلَى التَّقْصِيرِ بِالْوَضْعِ عِنْدَ إطْلَاقِ الْإِيدَاعِ فَحِرْزٌ وَمَا يَنْسُبُ فَلَيْسَ بِحِرْزٍ ( تَنْبِيهٌ ) أَفْهَمَ كَلَامُهُمْ أَنَّ سَطْحَ الدَّارِ لَيْسَ بِحِرْزٍ وَهُوَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِلِاسْتِدْلَالِ لِمَسْأَلَةٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ الْكِفَايَةِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ : وَأَصَحُّهُمَا السَّطْحُ لِلْحَطَبِ وَالْقَصِيلِ وَالتِّبْنِ ( قَوْلُهُ كَمَدَاسِهِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا ( قَوْلُهُ أَوْ خَاتَمِهِ ) قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَلْخَلًا فِي أُصْبُعِهِ أَوْ كَانَ فِي الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا فَلَا قَطْعَ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالْكَلَامُ فِي مَتَاعٍ يُعَدُّ التَّوَسُّدُ بِهِ حِرْزًا لَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْحُلِيِّ وَالنَّقْدِ فِي الصَّحْنِ وَالصِّفَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِمُعْتَمَدٍ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ فَجَمِيعُ مَا يُوضَعُ تَحْتَ رَأْسِهِ مُحْرَزٌ بِهِ لِأَنَّ الْمُدْرَكَ فِي إحْرَازِهِ أَنَّهُ إذَا جَرَّهُ السَّارِقُ انْتَبَهَ النَّائِمُ

وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْخَاتَمَ مِنْ أُصْبُعِ النَّائِمِ قُطِعَ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ خَاتَمٍ وَخَاتَمٍ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ فَصٌّ يُسَاوِي أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْقَطْعِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أُخِذَ لَتَنَبَّهَ غَالِبًا وَعَدَمُهُ عَلَى خِلَافِهِ ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِشِدَّةٍ تَحْتَ الثِّيَابِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي الثَّانِيَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ : قَدْ ذَكَرُوا مِثْلَهُ فِيمَا لَوْ نَحَّى حَافِظَ الْخَيْمَةِ النَّائِمِ فِيهَا ثُمَّ سَرَقَ فَالْمُعْتَمَدُ فِيهِمَا وَفِيمَا إذَا أَلْقَى النَّائِمُ عَلَى الْجَمَلِ عَنْهُ وَأَخَذَهُ عَدَمُ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ حَافِظًا لِمَا ذُكِرَ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لِمَا نَامَ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ .
( قَوْلُهُ وَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ الْقَطْعُ بِخِلَافِهِ ) ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قُلْت : يُفَرَّقُ إلَخْ ) الْفَرْقُ فِيهِمَا وَاضِحٌ فَإِنَّ الْمَالَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ مُحْرَزٌ دُونَ الْمَقِيسِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ ضَيَّعَهُ بِتَقْصِيرِهِ إذْ حَقُّهُ أَنْ لَا يُحْرِزَ شَيْئًا بِنَوْمِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِعَدَمِ شُعُورِهِ بِقَلْبِ السَّارِقِ لَهُ عَنْهُ أَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقَطْعِ مِمَّا إذَا لَمْ يُدِمْ الْمُلَاحَظَةَ الْمُعْتَادَةَ فِي الْأَمْكِنَةِ الْمَذْكُورَةِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا وَالْمُعْتَمَدُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمَلِ كَلَامُ الْبَغَوِيّ أَيْضًا ( قَوْلُهُ لَكِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي هَذِهِ بِعَدَمِ الْقَطْعِ أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ فِيمَا ذَكَرْنَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَمَا فِي الْجَيْبِ ، وَالْكُمِّ مُحْرَزٌ ) بِهِمَا فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْبِطْ الْكُمَّ وَلَمْ يَزُرَّ الْجَيْبَ ( وَكَذَا الْمَرْبُوطُ فِي الْعِمَامَةِ ) عَلَى الرَّأْسِ مُحْرَزٌ بِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَرْبُوطِ وَكَالْمَرْبُوطِ بِهَا الْمَشْدُودُ بِهَا ( وَإِنْ أَجَابَهُ ) شَخْصٌ ( إلَى حِفْظِ ثَوْبٍ ) لَهُ ( وَكَذَا ) إلَى حِفْظِ ( حَانُوتٍ ) لَهُ ( مَفْتُوحٍ ) بَعْدَ طَلَبِهِ الْحِفْظَ مِنْهُ ( فَأَهْمَلَهُ ) حَتَّى سُرِقَ الثَّوْبُ أَوْ مَا فِي الْحَانُوتِ ( ضَمِنَهُ ) بِإِهْمَالِهِ ( وَإِنْ سَرَقَهُ ) هُوَ ( لَمْ يُقْطَعْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحْرَزًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ( أَوْ ) إلَى حِفْظِ حَانُوتٍ ( مُغْلَقٍ فَبِالْعَكْسِ ) أَيْ ، فَإِنْ أَهْمَلَهُ حَتَّى سُرِقَ مَا فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ يَدِهِ وَإِنْ سَرَقَهُ هُوَ قُطِعَ .
( وَلَا بُدَّ فِي دَارٍ حَصِينَةٍ مُنْفَرِدَةٍ ) عَنْ عِمَارَةٍ لِبَلَدٍ وَلَوْ بِبُسْتَانٍ ( أَوْ بِبَرِّيَّةٍ ) أَيْ لَا بُدَّ فِي كَوْنِهَا حِرْزًا ( مِنْ حَارِسٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَ بَابُهَا مَفْتُوحًا أَمْ مُغْلَقًا لِلْعُرْفِ ( فَيَحْتَاجُ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ إلَى دَوَامِ الْمُلَاحَظَةِ ) لَا مَعَ إغْلَاقِهِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ فِيهَا مَعَ إغْلَاقِهِ مُبَالًى بِهِ وَلَوْ كَانَ نَائِمًا فَحِرْزٌ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ ( وَإِنْ كَانَتْ فِي بَلْدَةٍ فَإِغْلَاقُهَا ) وَلَوْ ( مَعَ نَوْمِهِ ) وَلَوْ فِي زَمَنِ الْخَوْفِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ( وَكَذَا مَعَ غَيْبَتِهِ فِي ) زَمَنِ ( الْأَمْنِ نَهَارًا كَافٍ ) فِي كَوْنِهَا حِرْزًا اعْتِمَادًا عَلَى مُلَاحَظَةِ الْجِيرَانِ فِيهِمَا وَلِأَنَّ السَّارِقَ فِي الْأُولَى عَلَى خَطَرٍ مِنْ اطِّلَاعِ النَّائِمِ وَتَنَبُّهِهِ بِحَرَكَتِهِ وَاسْتِغَاثَتِهِ بِالْجِيرَانِ ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ زَمَنُ الْخَوْفِ ، وَاللَّيْلُ وَلَوْ فِي زَمَنِ الْأَمْنِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيُلْتَحَقُ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ مَا لَوْ كَانَ مَرْدُودَهُ وَخَلْفُهُ نَائِمٌ بِحَيْثُ لَوْ فُتِحَ لَأَصَابَهُ وَانْتَبَهَ وَقَالَ : إنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الضَّبَّةِ ، وَالْمِتْرَاسِ قَالَ

وَكَذَا لَوْ كَانَ نَائِمًا أَمَامَ الْبَابِ بِحَيْثُ لَوْ فُتِحَ لَانْتَبَهَ بِصَرِيرِهِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ ( وَفَتْحُهَا مَعَ غَيْبَتِهِ مُطْلَقًا أَوْ ) مَعَ ( نَوْمِهِ وَلَوْ نَهَارًا ) وَزَمَنَ أَمْنٍ ( تَضْيِيعٌ ) لِمَا فِيهَا فَلَيْسَتْ حِرْزًا لَهُ وَيُخَالِفُ أَمْتِعَةَ الْحَانُوتِ الْمَوْضُوعَةَ عَلَى بَابِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْيُنَ تَقَعُ عَلَيْهَا دُونَ مَا فِي الدَّارِ وَلَا نَظَرَ لِلَحْظِ الْجِيرَانِ فِي الثَّانِيَةِ لِتَسَاهُلِهِمْ فِيهِ إذَا عَلِمُوا بِأَنَّ الْحَافِظَ فِيهَا : نِعَمْ مَا فِيهَا مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا .
وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ مُطْلَقٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ تُوهِمُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( وَالْمُسْتَيْقِظُ غَيْرُ الْمُلَاحِظِ كَالنَّائِمِ ) فِيمَا مَرَّ ، فَإِنْ كَانَ مُلَاحِظًا لَهَا مُبَالًى بِهِ فَمُحْرَزَةٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ بَابُهَا مَفْتُوحًا نَعَمْ لَوْ لَمْ يُبَالِغْ فِي الْمُلَاحَظَةِ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ فَتَغَفَّلَهُ إنْسَانٌ فَسَرَقَ لَمْ يُقْطَعْ لِتَقْصِيرِهِ بِإِهْمَالِهِ الْمُرَاقَبَةَ مَعَ الْفَتْحِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ إلَى الْإِسْفَارِ حُكْمَ اللَّيْلِ وَمَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ انْقِطَاعِ الطَّارِقِ حُكْمَ النَّهَارِ ( وَإِنْ ضَمَّ الْعَطَّارُ أَوْ الْبَقَّالُ ) أَوْ نَحْوُهُمَا ( الْأَمْتِعَةَ وَرَبَطَهَا ) بِحَبْلٍ ( عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ أَوْ أَرْخَى ) عَلَيْهَا شَبَكَةً ( أَوْ خَالَفَ لَوْ حِينًا عَلَى بَابِ حَانُوتِهِ فَمُحْرَزَةٌ ) بِذَلِكَ ( بِالنَّهَارِ ) وَلَوْ نَامَ فِيهِ أَوْ غَابَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْجِيرَانَ ، وَالْمَارَّةَ يَنْظُرُونَهَا وَفِيمَا فَعَلَ مَا يُنَبِّهُهُمْ لَوْ قَصَدَهَا السَّارِقُ ( وَكَذَا بِاللَّيْلِ ) هِيَ مُحْرَزَةٌ بِذَلِكَ لَكِنْ ( مَعَ حَارِسٍ ) أَمَّا إذَا تَرَكَهَا مُفَرَّقَةً وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِمُحْرَزَةٍ ( ، وَالْبَقْلُ

وَنَحْوُهُ ) كَالْفُجْلِ ( إنْ ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ ) وَتُرِكَ عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ ( وَطَرَحَ عَلَيْهِ حَصِيرًا ) أَوْ نَحْوَهُ فَهُوَ ( مُحْرَزٌ بِحَارِسٍ وَإِنْ رَقَدَ سَاعَةً وَدَارَ ) عَلَى مَا يَحْرُسُهُ ( أُخْرَى ، وَالْأَمْتِعَةُ النَّفِيسَةُ ) الَّتِي تُتْرَكُ عَلَى الْحَوَانِيتِ ( فِي لَيَالِيِ الْأَعْيَادِ ) وَنَحْوِهَا ( لِتَزْيِينِ الْحَوَانِيتِ وَتُسْتَرُ بِقَطْعٍ وَنَحْوِهِ مُحْرَزَةٌ بِحَارِسٍ ) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَعْتَادُونَ ذَلِكَ فَيَقْوَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ بِخِلَافِ سَائِرِ اللَّيَالِيِ ( وَالثِّيَابُ ) الْمَوْضُوعَةُ ( عَلَى بَابِ حَانُوتِ الْقَصَّارِ ) وَنَحْوِهِ ( كَأَمْتِعَةِ الْعَطَّارِ ) الْمَوْضُوعَةِ عَلَى بَابِ حَانُوتِهِ فِيمَا مَرَّ

( قَوْلُهُ وَمَا فِي الْجَيْبِ ) أَيْ الضَّيِّقِ أَوْ الْوَاسِعِ الْمَزْرُورِ قَوْلُهُ حَتَّى وَلَوْ كَانَ فِيهَا مَعَ إغْلَاقِهِ مُبَالًى بِهِ وَلَوْ نَائِمًا فَحِرْزٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْأَقْوَى فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَالْأَقْرَبُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْأَرْجَحُ لِلْفَتْوَى وَذَكَرَ نَصًّا لِلْأُمِّ يُوَافِقُهُ وَالْمَنْقُولُ فِي الذَّخَائِرِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ إذَا كَانَ نَائِمًا وَهِيَ مُغْلَقَةٌ فَهِيَ حِرْزٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا سِوَاهُ ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْخَيْمَةِ بِالصَّحْرَاءِ بَلْ الدَّارُ الْمُغْلَقَةُ أَوْلَى بِكَوْنِهَا حِرْزًا مِنْ الْخَيْمَةِ وَقَدْ جَمَعَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ فِي اتِّفَاقِ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ : كُلُّ بَيْتٍ أَوْ خَيْمَةٍ فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَصِيرُ حِرْزًا بِإِغْلَاقِ بَابِهِ مَا لَمْ يَنَمْ فِيهِ أَوْ عَلَى بَابِهِ حَارِسٌ وَقَالَ فِي الشَّافِي وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي بَرِّيَّةٍ لَمْ تَكُنْ حِرْزًا بِالْغَلْقِ حَتَّى يَنَامَ فِيهَا أَوْ عَلَى بَابِهَا أَوْ يَقْعُدَ مُقَابِلَهَا أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهَا حَارِسٌ إذَا عَلِمْت هَذَا عَرَفْت أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُغْلَقَةً وَبِهَا حَارِسٌ نَائِمٌ كَانَتْ حِرْزًا كَالْخَيْمَةِ الْمَزْرُورَةِ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا مَعَ غَيْبَتِهِ فِي زَمَنِ الْأَمْنِ نَهَارًا كَافٍ ) قَالَ فِي التَّوْشِيحِ فِيمَا لَوْ أَغْلَقَ بَابَهُ وَوَضَعَ الْمِفْتَاحَ فِي نَجْشٍ فَأَخَذَهُ السَّارِقُ وَفَتَحَ بِهِ الْبَابَ وَسَرَقَ الظَّاهِرُ أَنَّ وَضْعَ الْمِفْتَاحِ هُنَا تَفْرِيطٌ فَيَكُونُ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْقَطْعَ قَالَ وَلَمْ أَجِدْ الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصَةً فَإِنْ صَحَّتْ وَجَبَ اسْتِثْنَاؤُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّ الدَّارَ الْمُغْلَقَةَ نَهَارًا حِرْزٌ وَقَوْلُهُ الظَّاهِرُ : إنَّ وَضْعَ الْمِفْتَاحِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيَلْتَحِقُ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَ نَائِمًا إلَخْ (

قَوْلُهُ فَلَيْسَتْ حِرْزًا لَهُ ) إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَامَ عَلَى الْبَابِ الْمَفْتُوحِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَخْ ) وَأَمَّا أَبْوَابُهَا بِمَا عَلَيْهَا مِنْ غَلْقٍ وَحِلَقٍ وَمَسَامِيرَ فَمُحْرَزَةٌ بِتَرْكِيبِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ كَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ أَيْضًا وَمِثْلُهَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ سُقُوفُ الدَّارِ وَرُخَامُهَا وَجُدْرَانُهَا كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ بَلْ يُوهِمُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ) مُخَالَفَتُهُ لَهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَيْسَ مُقَيَّدًا بِنَوْمِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ بِشُمُولِهِ حَالَ تَيَقُّظِ الْحَارِسِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَعْتَادُونَ ذَلِكَ ) فَمَنْ سَرَقَ الْمَتَاعَ مِنْ الدَّكَاكِينِ فِي اللَّيْلِ وَفِي السُّوقِ حَارِسٌ قُطِعَ

( وَتُحَرَّزُ الْقُدُورُ ) الَّتِي يُطْبَخُ فِيهَا فِي الْحَوَانِيتِ ( بِشَرَائِجَ ) بِالْجِيمِ أَيْ بِسُدَدٍ تُنْصَبُ ( عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ ) لِلْمَشَقَّةِ فِي نَقْلِهَا إلَى بِنَاءٍ وَإِغْلَاقِ بَابٍ عَلَيْهَا ( وَ ) يُحْرَزُ ( الْحَطَبُ وَطَعَامُ الْبَيَّاعِينَ ) الَّذِي فِي غَرَائِرَ ( بِشَدِّ الْغَرَائِرِ ، وَالْحِطَابِ بِبَعْضٍ ) أَيْ يُشَدُّ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا ( إلَى بَعْضٍ ) بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِحَلِّ الرِّبَاطِ أَوْ فَتْقِ بَعْضِ الْغَرَائِرِ ( حَيْثُ اُعْتِيدَ ) ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعْتَدْ ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بَابٌ مُغْلَقٌ وَبَاءٌ بِبَعْضٍ زَائِدَةٌ ( وَ ) تُحَرَّزُ ( الْأَجْذَاعُ الثَّقِيلَةُ بِالتَّرْكِ ) لَهَا ( عَلَى الْأَبْوَابِ ) أَيْ أَبْوَابِ الْمَسَاكِنِ دُونَ الصَّحْرَاءِ ( ، وَالْحَانُوتُ الْمُغْلَقُ بِلَا حَارِسٍ حِرْزٌ لِمَتَاعِ الْبَقَّالِ فِي ) زَمَنِ ( الْأَمْنِ ) وَلَوْ لَيْلًا ( لَا ) لِمَتَاعِ ( الْبَزَّازِ لَيْلًا ) بِخِلَافِ الْحَانُوتِ الْمَفْتُوحِ ، وَالْمُغْلَقِ زَمَنَ الْخَوْفِ وَحَانُوتِ مَتَاعِ الْبَزَّازِ لَيْلًا ( ، وَالْأَرْضُ حِرْزٌ لِلْبَذْرِ ، وَالزَّرْعِ ) لِلْعَادَةِ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَالْمَرْوَزِيِّ فِي الزَّرْعِ وَقَاسَ عَلَيْهِ الْبَذْرَ وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهَا لَيْسَتْ حِرْزًا لَهُمَا إلَّا بِحَارِسٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اعْتِمَادُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَدْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ عُرْفِ النَّوَاحِي فَيَكُونُ مُحَرَّزًا مِنْ نَاحِيَةٍ بِحَارِسٍ وَفِي غَيْرِهَا مُطْلَقًا
قَوْلُهُ وَالْأَرْضُ حِرْزٌ لِلْبَذْرِ وَالزَّرْعِ ) الْمُحْرَزَةُ هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِجَنْبِ الْمَزَارِعِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ عُرْفِ النَّوَاحِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْكَلَامَيْنِ عَلَى الْحَالَيْنِ إذْ الْمُحَكَّمُ فِي الْحِرْزِ الْعُرْفُ

( فَرْعٌ ) نَقَلَ الْمَرْوَرُوذِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَوْ دَفَنَ مَالَهُ فِي الصَّحْرَاءِ لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ وَعَنْ أَبِي سَهْلٍ الْأَبِيوَرْدِيِّ إنَّهُ يُقْطَعُ ( ، وَالتَّحْوِيطُ بِلَا حَارِسٍ لَا يُحْرِزُ الثِّمَارَ ) وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْأَشْجَارِ ( إلَّا إنْ اتَّصَلَتْ بِجِيرَانٍ يُرَاقِبُونَهَا عَادَةً ) وَمِثْلُهَا الزَّرْعُ ، وَالْبَذْرُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّهُ مُعْتَمِدٌ لِكَلَامِ الْبَغَوِيّ السَّابِقِ ( وَأَشْجَارُ أَفْنِيَةِ الدُّورِ مُحْرَزَةٌ بِلَا حَارِسٍ ) بِخِلَافِهَا فِي الْبَرِّيَّةِ ( وَالثَّلْجُ فِي الْمَثْلَجَةِ ، وَالْجَمْدُ فِي الْمَجْمَدَةِ ، وَالتِّبْنُ فِي الْمَتْبَنِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَالْحِنْطَةُ فِي الْمَطَامِيرِ ( فِي الصَّحْرَاءِ غَيْرُ مُحَرَّزٍ ) كُلٌّ مِنْهَا ( إلَّا بِحَارِسٍ وَأَبْوَابُ الدُّورِ ) ، وَالْبُيُوتُ الَّتِي فِيهَا ، وَالْحَوَانِيتُ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ مَغَالِيقَ وَحِلَقٍ وَمَسَامِيرَ ( مُحْرَزَةٌ بِالتَّرْكِيبِ ) لَهَا وَلَوْ مَفْتُوحَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي الدُّورِ ، وَالْحَوَانِيتِ أَحَدٌ وَمِثْلُهَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ سُقُوفُ الدُّورِ ، وَالْحَوَانِيتِ وَرُخَامُهَا ( وَالْآجُرُّ ) مُحْرَزٌ ( بِالْبِنَاءِ أَوْ بِصَحْنِ الدَّارِ إنْ أُحْرِزَتْ مَا فِيهَا ) وَإِلَّا فَغَيْرُ مُحْرَزٍ ( ، وَالْخَيْمَةُ ) مُحْرَزَةٌ ( بِضَرْبِهَا ) بِأَنْ تُشَدَّ أَوْتَادُهَا ( مَعَ حَارِسٍ لَهَا ) وَإِنْ نَامَ وَلَمْ يُرْسِلْ أَذْيَالَهَا ( فِي الصَّحْرَاءِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تُضْرَبْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَارِسٌ ( وَمَا فِيهَا ) مُحْرَزٌ ( بِإِرْسَالِ الْأَذْيَالِ ) مَعَ حَارِسٍ ( وَإِنْ نَامَ وَلَوْ بِقُرْبِهَا ) وَلَمْ يُرْسِلْ بَابَهَا لِحُصُولِ الْإِحْرَازِ بِذَلِكَ عَادَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تُرْسَلْ أَذْيَالُهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَارِسٌ ( وَلَوْ ضُرِبَتْ بَيْنَ الْعِمَارَةِ فَحُكْمُهَا كَمَتَاعٍ ) مَوْضُوعٍ ( بَيْنَ يَدَيْهِ فِي سُوقٍ ) حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهَا دَوَامُ الْمُلَاحَظَةِ ( وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّحْرَاءِ مَنْ يَتَقَوَّى بِهِ ) الْحَارِسُ الَّذِي لَا يُبَالِي بِهِ ، فَلَوْ كَانَ بِمَفَازَةٍ بَعِيدَةٍ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70