كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

( فَصْلٌ .
وَإِنْ بَلَغَ ) الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ ، وَلَوْ بَعْدَ وُقُوفِهِ ( فَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ أَجْزَأَهُ عَنْ فَرْضِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مُعْظَمَ الْعِبَادَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْوُقُوفَ ( وَ ) لَكِنْ ( يُعِيدُ السَّعْيَ ) وُجُوبًا ( بَعْدَ الطَّوَافِ ) إنْ كَانَ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِيُوقِعَهُ حَالَ الْبُلُوغِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَدَامٌ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ أَيْضًا إذَا تَقَدَّمَ الطَّوَافُ أَوْ الْحَلْقُ وَأَعَادَهُ بَعْدَ إعَادَةِ الْوُقُوفِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَتُهُ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ( وَلَا دَمَ عَلَيْهِ ) بِإِتْيَانِهِ بِالْإِحْرَامِ قَبْلَ الْبُلُوغِ ( وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ بَالِغًا ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ ، وَلَا إسَاءَةَ ( وَالطَّوَافُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ فَإِذَا بَلَغَ قَبْلَهُ أَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَذَا لَوْ بَلَغَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَا وَوَقَعَ لِلْبُلْقِينِيِّ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ - مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لَكِنْ لَوْ بَلَغَ فِيهِ لَا يَكُونُ كَبُلُوغِهِ فِي الْوُقُوفِ ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْوُقُوفِ حَاصِلٌ بِمَا وُجِدَ بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ ، وَحَيْثُ أَجْزَأَهُ مَا أَتَى بِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ وَقَعَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا تَطَوُّعًا وَانْقَلَبَ عَقِبَ الْبُلُوغِ فَرْضًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ .
وَفِيهِ عَنْ الدَّارِمِيِّ لَوْ فَاتَ الصَّبِيَّ الْحَجُّ وَبَلَغَ فَإِنْ بَلَغَ قَبْلَ الْفَوَاتِ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ حِجَّتَانِ حِجَّةٌ لِلْفَوَاتِ وَحِجَّةٌ لِلْإِسْلَامِ وَيَبْدَأُ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَفْسَدَ الْحُرُّ الْبَالِغُ حَجَّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ ، ثُمَّ فَاتَهُ أَجْزَأَتْهُ حِجَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ

وَالْفَوَاتِ وَالْقَضَاءِ ، وَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ إحْدَاهُمَا لِلْإِفْسَادِ وَالْأُخْرَى لِلْفَوَاتِ ( وَالْعِتْقُ ) لِلرَّقِيقِ فِي أَثْنَاءِ النُّسُكِ ( كَالْبُلُوغِ ) لِلصَّبِيِّ فِيهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا كَانَ قَضَاءً عَنْ وَاجِبٍ مِنْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَفْسَدَهُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحُرِّيَّةِ بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ هُوَ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِهَا تَنْزِيلًا لِلْمُتَوَقَّعِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ قُلْت الِانْبِغَاءُ الثَّانِي ظَاهِرٌ دُونَ الْأَوَّلِ قَالَ وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْ إفَاقَةِ الْمَجْنُونِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّبِيِّ فِي حُكْمِهِ ( وَلَوْ أَحْرَمَ ذِمِّيٌّ ) الْأَوْلَى كَافِرٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ ، وَلَمْ يَعُدْ ) إلَى الْمِيقَاتِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( لَزِمَهُ دَمٌ ) ، وَإِنْ عَادَ فَلَا كَمُسْلِمٍ جَاوَزَهُ بِقَصْدِ النُّسُكِ نَعَمْ إنْ حَجَّ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى فَلَا دَمَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَعَادَ إحْرَامَهُ فِي الْأُولَى ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْعَقِدْ وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَكَالْكَافِرِ فِيمَا ذَكَرَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ ( وَمَنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ صَبِيًّا ) أَوْ مَجْنُونًا .
وَلَوْ لِحَاجَتِهِ ( لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ) وَلِيًّا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِإِسَاءَتِهِ وَكَالتَّطْيِيبِ وَالْحَلْقِ مَا يُشْبِهُهُمَا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَاللُّبْسِ وَالدُّهْنِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ وَالْأَجْنَبِيُّ حَلَالَيْنِ فَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ لَزِمَهُمَا فِدْيَتَانِ لَا يَنْبَغِي قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ أَلْجَأَهُ الْوَلِيُّ إلَى التَّطَيُّبِ أَوْ فَوَّتَهُ الْحَجَّ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْوَلِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَمِثْلُهُ

الْأَجْنَبِيُّ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ إلَخْ ) لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهِ ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمَوْقِفِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِمُضِيِّ الْمُعْظَمِ فِي حَالِ النُّقْصَانِ ، وَيُخَالِفُ الصَّلَاةُ حَيْثُ تُجْزِئُهُ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ تَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الْحَجِّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ يَنْبَغِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَكَالْكَافِرِ فِيمَا ذُكِرَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا هَذَا إذَا جَاوَزَهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَابْنُ قَاسِمٍ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ فِي الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ إذْ هُوَ فِي مُجَاوَزَتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ ( قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ ) أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ بِهِ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا أَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ ، وَلَا الْعَمَائِمَ ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ ، وَلَا الْبَرَانِسَ ، وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ ، وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ } زَادَ الْبُخَارِيُّ ، وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ وَكَخَبَرِ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْأَقْبِيَةِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَالسُّؤَالُ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَأُجِيبَ بِمَا لَا يَلْبَسُ ؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ مَا يَلْبَسُ إذْ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَمَّا لَا يَلْبَسُ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ ، وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ السُّؤَالَ صَرِيحًا ( وَهِيَ ) أَنْوَاعٌ ( سَبْعَةٌ : الْأَوَّلُ اللُّبْسُ فَيَحْرُمُ سَتْرُ رَأْسِ الرَّجُلِ أَوْ بَعْضِهِ كَالْبَيَاضِ ) الَّذِي ( وَرَاءَ الْأُذُنِ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا ) عُرْفًا ، وَإِنْ ، وَلَمْ يُحِطْ بِالرَّأْسِ ( وَلَوْ بِعِصَابَةٍ وَمَرْهَمٍ ) ، وَهُوَ مَا يُوضَعُ عَلَى الْجِرَاحَةِ ( وَطِينٍ ) وَحِنَّاءٍ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ .
وَقَوْلُهُ ( سَاتِرٌ ) إيضَاحٌ ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ تَرْكِيبِهِ السَّابِقِ ( لَا ) سَتْرُهُ ( بِمَاءٍ ) كَأَنْ غَطَسَ فِيهِ ( وَخَيْطٍ ) شَدَّ بِهِ رَأْسَهُ ( وَهَوْدَجٍ ) اسْتَظَلَّ بِهِ ( وَإِنْ مَسَّهُ ) وَطِينٍ وَحِنَّاءٍ رَقِيقَيْنِ ( ، وَلَا بِوَضْعِ كَفِّهِ ، وَكَذَا كَفِّ غَيْرِهِ وَمَحْمُولٍ ) كَقُفَّةٍ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى رَأْسِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ

لَا يُرَدُّ سَاتِرًا وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ { حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْت أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا أَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ } وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ حُرْمَةِ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَصَدَ السَّتْرَ بِهِ أَمْ لَا لَكِنْ جَزَمَ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِحَمْلِ الْقُفَّةِ وَنَحْوِهَا السَّتْرَ وَظَاهِرُهُ حُرْمَةُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ ، وَلَا أَثَرَ لِتَوَسُّدِ وِسَادَةٍ أَوْ عِمَامَةٍ فَإِنَّهُ حَاسِرُ الرَّأْسِ عُرْفًا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ : لَا أَثَرَ لِلطِّلَاءِ بِعَسَلٍ أَوْ لَبَنٍ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّقِيقِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَالْأَفْضَلُ بُرُوزُ الرَّجُلِ لِلشَّمْسِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَالسَّتْرُ لِلْمَرْأَةِ انْتَهَى .
وَكَالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى أَمَّا غَيْرُ الرَّأْسِ مِنْ الرَّجُلِ فَيَجُوزُ سَتْرُهُ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى شَيْئًا لِيَسْتَوْعِبَ الرَّأْسَ بِالْكَشْفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ ( وَيَحْرُمُ ) أَنْ يَلْبَسَ فِيهِ ( مَا يُحِيطُ بِالْبَدَنِ وَكَذَا بِالْعُضْوِ وَنَحْوِهِ كَخَرِيطَةِ لِحْيَةٍ ) ، وَإِنْ بَدَا الْمَسْتُورُ كَمَا فِي السَّتْرِ بِزُجَاجٍ شَفَّافٍ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّ خَرِيطَةَ اللِّحْيَةِ فِي مَعْنَى الْقُفَّازَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُحِيطُ ( بِخِيَاطَةٍ كَالْقَمِيصِ أَوْ الْخُفِّ ) وَالْقُفَّازِ ( أَوْ نَسْجٍ كَالدِّرْعِ أَوْ عِقْدٍ كَجُبَّةِ اللَّبَدِ أَوْ اللَّزُوقِ ) الْأَوْلَى لَزُوقٌ أَوْ لَزِقَ عَطْفًا عَلَى خِيَاطَةٍ وَكَأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى اللَّبَدِ فَعَرَّفَهُ وَكَلَامُ أَصْلِهِ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ ، وَهُوَ إلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ وَعَلَيْهِ جَرَى فِي الْبَهْجَةِ وَعَبَّرَ بِاللَّصْقِ بِالصَّادِ هَذَا وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي كَوْنِ اللَّبَدِ مَعْقُودًا ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي قَوْلِ الْمِنْهَاجِ أَوْ الْمَعْقُودُ يَعْنِي الْمَلْزُوقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالثَّوْبِ مِنْ اللَّبَدِ انْتَهَى .

وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّبَدَ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ مَعْقُودٌ وَنَوْعٌ مَلْزُوقٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُتَّخَذُ مِنْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَغَيْرِهِمَا ( وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ إنْ لَبِسَهُ ) أَيْ مَا يُحِيطُ بِمَا ذُكِرَ ( كَالْعَادَةِ ) عَامِدًا مُخْتَارًا ( وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ الْيَدَ فِي الْكُمِّ ) مِنْ الْقَبَاءِ وَنَحْوِهِ قَصُرَ الزَّمَنُ أَوْ طَالَ وَخَرَجَ بِالْعَادَةِ مَا لَوْ أَلْقَى عَلَى نَفْسِهِ قَبَاءً أَوْ فَرَجِيَّةً ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ ( لَا إنْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ أَوْ اتَّزَرَ بِهِمَا ) أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ سَاقَيْ الْخُفِّ فَلَا فِدْيَةَ كَمَا لَوْ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ لَفَّقَهُ مِنْ رِقَاعٍ ؛ وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي كُلِّ مَلْبُوسٍ بِمَا يُعْتَادُ إذْ بِهِ يَحْصُلُ التَّرَفُّهُ بِخِلَافِ الْحِنْثِ بِهِ لِوُجُودِ اسْمِ اللُّبْسُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَكَذَا لَوْ الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ أَوْ عَبَاءَةٍ أَوْ إزَارٍ أَوْ نَحْوِهَا وَلَفَّ عَلَيْهِ طَاقًا ، أَوْ أَكْثَرَ فَلَا فِدْيَةَ ( وَلَهُ تَقَلُّدُ السَّيْفِ ) وَالْمُصْحَفِ ( وَشَدُّ الْمِنْطَقَةِ ) وَالْهِمْيَانِ عَلَى وَسَطِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَدِمَتْ الصَّحَابَةُ مَكَّةَ مُتَقَلِّدِينَ بِسُيُوفِهِمْ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ .
وَلَهُ أَنْ يَلُفَّ بِوَسَطِهِ عِمَامَةً ، وَلَا يَعْقِدُهَا وَأَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَأَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ ( وَ ) لَهُ ( عَقْدُ الْإِزَارِ بِتِكَّةٍ ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَوْ نَحْوِهَا ( فِي حُجُزِهِ ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ فِي حُجْزَةِ الْإِزَارِ أَيْ مَعْقِدِهِ لِحَاجَةِ إحْكَامِهِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي ، وَلَهُ شَدُّهُ بِخَيْطٍ ، وَلَوْ مَعَ عَقْدِ الْإِزَارِ لِحَاجَةِ ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ اتِّخَاذِ الشَّرَجِ وَالْعُرَى لِلرِّدَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ ( لَا إنْ عَقَدَهُ ) أَيْ الْإِزَارَ ( بِشَرَجٍ ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ أَيْ أَزْرَارٍ ( فِي عُرًى أَوْ شَقَّهُ )

نِصْفَيْنِ ( وَلَفَّ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ وَعَقَدَهُ أَوْ عَقَدَ طَرَفَيْ رِدَائِهِ ) بِخَيْطٍ أَوْ بِدُونِهِ ( أَوْ خَلَّهُمَا بِخِلَالٍ ) كَمِسَلَّةِ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا لِشَبَهِ الثَّانِي بِالسَّرَاوِيلِ وَمَا عَدَاهُ بِالْمَخِيطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَمْسِكُ وَقَيَّدَ الْغَزَالِيُّ وَالْقَاضِي مُجَلِّيٌّ الْأَوَّلَ بِمَا إذَا تَقَارَبَ الشَّرَجُ بِحَيْثُ أَشْبَهَتْ الْخِيَاطَةُ ، وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ الرِّدَاءُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّرَجَ الْمُتَبَاعِدَ يُشْبِهُ الْعَقْدَ ، وَهُوَ فِيهِ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِزَارِ .

( بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ ) عَدَّهَا فِي اللُّبَابِ وَأَصْلِهِ عِشْرِينَ شَيْئًا وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ فِي التَّدْرِيبِ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ إنَّهَا عَشَرَةٌ يَعْنِي وَالْبَاقِيَةُ مُتَدَاخِلَةٌ ( قَوْلُهُ : فَيَحْرُمُ سَتْرُ رَأْسِ الرَّجُلِ ) إذَا غَطَّى رَأْسَهُ بِثَوْبٍ شَفَّافٍ تَبْدُو الْبَشَرَةُ مِنْهُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهُ فِي الصَّلَاةِ سَاتِرًا ، وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ الْكَدِرِ كَالصَّافِي ، لَكِنَّهُ قَدْ عُدَّ الْمَاءُ الْكَدِرُ فِي الصَّلَاةِ سَاتِرًا فَلْيُتَأَمَّلْ .
ا هـ .
وَقَالَ الكوهكيلوني وَمَاءٌ ، وَلَوْ كَدِرًا فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ أَوْ بَعْضَهُ ) ضَبَطَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْبَعْضَ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَقْصِدُ سَتْرَهُ لِغَرَضِ سَتْرِهِ الْعِصَابَةَ وَإِلْصَاقٌ لُصُوقُ شَجَّةٍ ، وَأَبْطَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَدَّ خَيْطًا عَلَى رَأْسِهِ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يُقْصَدُ لِمَنْعِ الشَّعْرِ مِنْ الِانْتِشَارِ فَالْوَجْهُ الضَّبْطُ بِتَسْمِيَتِهِ سَاتِرًا ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ ، وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْخَيْطَ لَا يُسَمَّى سَاتِرًا بِخِلَافِ الْعِصَابَةِ الْعَرِيضَةِ ( قَوْلُهُ لَا بِمَاءٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي إطْلَاقِ الْمَاءِ وَقْفَةٌ ؛ لِأَنَّهُمْ عَدُّوا الْمَاءَ الْكَدِرَ فِي الْمُتَرَاكَمِ سَاتِرًا فِي الصَّلَاةِ فَلِمَ لَا يَجْرِي ذَلِكَ هُنَا ( قَوْلُهُ كَقُفَّةٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَعَلَّ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْتَرْخِ الزِّنْبِيلُ وَنَحْوُهُ عَلَى رَأْسِهِ لِصَلَابَةٍ أَسْفَلَهُ أَوْ امْتِلَائِهِ بِشَيْءٍ ، أَمَّا لَوْ اسْتَرْخَى فَهُوَ سَاتِرٌ كَالْقَلَنْسُوَةِ الْوَاسِعَةِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُهُ حُرْمَةُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ ) وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ .
( تَنْبِيهٌ ) عُلِمَ عَدَمُ تَعَدُّدِ الْفِدْيَةِ فِيمَا إذَا سَتَرَ رَأْسَهُ بِقُبَعٍ ،

ثُمَّ بِعِمَامَةٍ ، ثُمَّ بِطَيْلَسَانٍ فِي أَزْمِنَةٍ أَوْ نَزَعَ الْعِمَامَةَ ، ثُمَّ لَبِسَهَا وَكَثِيرًا مَا يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ عَدَمُ التَّعَدُّدِ مَا دَامَ الرَّأْسُ مَسْتُورًا ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الرَّأْسِ إنَّمَا هُوَ السَّتْرُ وَالْمَسْتُورُ ، وَلَا يُسْتَرُ بِخِلَافِ الْبَدَنِ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ فِيهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِاللُّبْسِ فَيُقَالُ لِلَّابِسِ لَبِسَ وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الطَّبَرِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَدَنَ كَالرَّأْسِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى دَقِيقِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا تَصْوِيرَ تَكْرَارِ اللُّبْسِ فِي مَجَالِسَ بِأَنْ يَلْبَسَ الْقَمِيصَ فِي مَجْلِسٍ وَالسَّرَاوِيلَ فِي مَجْلِسٍ ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْبُدَاءَةِ بِالسَّرَاوِيلِ أَوْ الْقَمِيصِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ التَّسْوِيَةُ فِي طَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذْ بَدَأَ بِالسَّرَاوِيلِ ، ثُمَّ الْقَمِيصِ فَإِنْ عَكَسَ فَلَا يَتَّجِهُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّهُ بِلُبْسِ الْقَمِيصِ سَتَرَ مَحَلَّ السَّرَاوِيلِ بِالْمَخِيطِ ، وَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فَلَا تَتَكَرَّرُ بِسَاتِرٍ آخَرَ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ لَبِسَ قَمِيصًا فَوْقَ قَمِيصٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِالثَّانِي شَيْءٌ ، وَلَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا ، وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بِأَنْ يَلْبَسَ لِبَاسًا فَوْقَ لِبَاسٍ وَجَبَتْ بِهِ الْفِدْيَةُ أَوْ تَحْتَهُ ، وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ لَبِسَ تَحْتَ قَمِيصٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَقْدِيرُ نَزْعِ الْقَمِيصِ بِلُبْسِ السَّرَاوِيلِ تَحْتَهُ أَوْ الْقَبَاءِ وَتَصْبِيرِهِ كَأَنَّهُ كَشَفَ الْقَمِيصَ عَنْ مَحَلِّ السَّرَاوِيلِ ، ثُمَّ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ فِيهِ بَعْدُ ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْمُبَاشِرَةِ فَإِنَّهُ لَوْ الْتَفَّ بِثَوْبِ إحْرَامِهِ ، ثُمَّ يَلْبَسُ فَوْقَهُ قَمِيصًا فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَالَ ، وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَصٍّ ، وَإِنَّمَا سَاقَ الْبَحْثَ إلَيْهِ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ لَا بُعْدَ فِيهِ .
ا هـ .
وَارْتَضَى الْإِسْنَوِيُّ فِي مُهِمَّاتِهِ

وَالْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ مَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَتَبِعَاهُ عَلَيْهِ لَكِنْ قَالَ الدَّمِيرِيِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الطَّبَرِيِّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَالْمُعْتَمَدُ الْفَرْقُ .
ا هـ .
وَقَوْلُ الطَّبَرِيِّ فَإِنَّهُ بِلُبْسِ الْقَمِيصِ سَتَرَ مَحَلَّ السَّرَاوِيلِ بِالْمَخِيطِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَمِيصُ سَابِغًا ، وَإِلَّا فَقَدْ سَتَرَ السَّرَاوِيلُ شَيْئًا مِنْ الْبَدَنِ لَمْ يَسْتُرْهُ الْقَمِيصُ ، وَحِينَئِذٍ فَتَتَكَرَّرُ الْفِدْيَةُ ؛ لِأَنَّهُ سَاتِرًا آخَرَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوَسُّطِ ، وَلَا يَخْفَى مَجِيئُهُ فِي سَتْرِ الرَّأْسِ بِالْقُبَعِ وَالْقَلَنْسُوَةِ ، ثُمَّ بِالْعِمَامَةِ ( قَوْلُهُ فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ ) فَإِنْ أَخَذَ مِنْ بَدَنِهِ مَا إذَا قَامَ عُدَّ لَابِسُهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ( قَوْلُهُ فَلَا فِدْيَةَ ) كَمَا لَوْ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ لَفَّقَهُ مِنْ رِقَاعٍ ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَهُ بِأَسْطُرٍ أَنَّهُ لَوْ أَلْقَى عَلَى نَفْسِهِ قَبَاءً أَوْ فَرَجِيَّةً ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ بَدَنِهِ مَا إذَا قَامَ عُدَّ لَابِسُهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ فَلَا .
ا هـ .
وَاعْتَرَضَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ الِالْتِحَافَ الْمَذْكُورَ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِلْقَاءُ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ أَوَّلًا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَعَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْرَارِ عَلَى قُرْبٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي أَيْ ، وَهُوَ مَا لَمْ يَسْتَمْسِكْ عِنْدَ الْقِيَامِ ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى التَّعْبِيرِ بِالِالْتِحَافِ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ كَلَامٌ عَجِيبٌ .
ا هـ .
وَجُمِعَ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّافِعِيِّ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَوَّلًا مَا إذَا وَضَعَهُ عَلَى هَيْئَةِ اللُّبْسِ الْمُعْتَادَةِ بِأَنْ يَضَعَ طَوْقَ الْقَبَاءِ أَوْ الْفَرْجِيَّةِ عِنْدَ رَقَبَتِهِ وَتَوَسَّدَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي كُمِّهِ فَإِنَّهُ إذَا قَامَ ، وَهُوَ عَلَيْهِ عُدَّ

لَابِسًا لَهُ ، وَلِهَذَا مَثَّلَ بِالْقَبَاءِ وَالْفَرْجِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا هَكَذَا بِالْأَصْلِ قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ الرَّدُّ بِذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَلَهُ أَنْ يَشُدَّ طَرَفَ إزَارِهِ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ ) لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فِي الِاسْتِمْسَاكِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَلَهُ غَرْزُ رِدَائِهِ فِي إزَارِهِ وَالتَّوَشُّحُ بِهِ ( وَلِلْمَرْأَةِ ) وَلَوْ أَمَةً ( سَتْرُ مَا سِوَى الْوَجْهِ بِمَخِيطٍ وَغَيْرِهِ ) مِنْ الْمَلْبُوسَاتِ { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ ، ثُمَّ قَالَ : وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفٍّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا السَّتْرُ بِالْمَخِيطِ دُونَ الرَّجُلِ لِلْإِخْبَارِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْلَى بِالسَّتْرِ وَغَيْرُ الْمَخِيطِ لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ الْأَمْنُ مِنْ الْكَشْفِ كَالْمَخِيطِ ، وَلِهَذَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى السَّتْرِ قُدِّمَتْ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( لَا ) سَتْرَ ( الْكَفَّيْنِ بِقُفَّارَيْنِ ) أَوْ إحْدَاهُمَا بِأَحَدِهِمَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ ؛ وَلِأَنَّ الْقُفَّازَ مَلْبُوسُ عُضْوٍ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَأَشْبَهَ خُفَّ الرَّجُلِ وَخَرِيطَةَ لِحْيَتِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ ، وَالْقُفَّازُ شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَتَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ تُزَرُّ عَلَى السَّاعِدَيْنِ مِنْ الْبَرْدِ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدَيْهَا ، وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا يَشْمَلُ الْمَحْشُوَّ وَغَيْرَهُ .
( وَيَجُوزُ ) سَتْرُهُمَا ( بِغَيْرِهِمَا ) كَكُمٍّ وَخِرْقَةٍ لَفَّتْهَا عَلَيْهِمَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ سَوَاءٌ أَخَضَبَتْهُمَا أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْقُفَّازِ عَلَيْهَا مَا مَرَّ آنِفًا وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ لَا الْكَفَّيْنِ إلَى آخِرِهِ لَا الْقُفَّازَيْنِ وَيَجُوزُ لَفُّ يَدِهَا بِغَيْرِهِمَا أَمَّا الْوَجْهُ فَلَا تَسْتُرُهُ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ ( وَ ) لَكِنْ ( يُعْفَى

عَمَّا تَسْتُرُهُ مِنْ الْوَجْهِ احْتِيَاطًا لِلرَّأْسِ ) إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِسِتْرِ قَدْرٍ يَسِيرٍ مِمَّا يَلِيهِ مِنْ الْوَجْهِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى سَتْرِهِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْوَجْهِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتُرُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ فِي إحْرَامِ الْمَرْأَةِ وَلُبْسِهَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَشَذَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَحَكَى وَجْهًا أَنَّ الْأَمَةَ كَالرَّجُلِ ، وَوَجْهَيْنِ فِي الْمُبَعَّضَةِ هَلْ هِيَ كَالْأَمَةِ أَوْ كَالْحُرَّةِ ( وَلَهَا أَنْ تُسْدِلَ ) أَيْ تُرْخِيَ عَلَى وَجْهِهَا ( ثَوْبًا مُتَجَافِيًا ) عَنْهُ بِخَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا سَوَاءٌ أَفَعَلَتْهُ لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ وَفِتْنَةٍ أَمْ لَا كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ سَتْرُ رَأْسِهِ بِمِظَلَّةٍ وَنَحْوِهَا ( وَإِنْ أَصَابَهُ ) كَأَنْ وَقَعَتْ الْخَشَبَةُ فَأَصَابَ الثَّوْبُ وَجْهَهَا ( بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهَا فَرَفَعَتْهُ فَوْرًا فَلَا فِدْيَةَ ، وَإِلَّا ) بِأَنْ اخْتَارَتْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَرْفَعْهُ فَوْرًا ( وَجَبَتْ ) مَعَ الْإِثْمِ .
( قَوْلُهُ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِسِتْرِهِ إلَخْ وَالْوَجْهُ إنَّمَا نَهَى فِيهِ عَنْ النِّقَابِ ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ لَيْسَ بِنِقَابٍ ، وَلَا فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ إظْهَارُ الشِّعَارِ ، وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ السَّتْرَ آكِدٌ ( قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لَكِنَّ الْحُرَّةَ لَا تُؤَاخَذُ بِمَا تَسْتُرُهُ مِنْ الْوَجْهِ احْتِيَاطًا لِسَتْرِ الرَّأْسِ

( وَلِلْخُنْثَى ) الْمُشْكِلِ ( سَتْرُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ ، وَلَا فِدْيَةَ ؛ لِأَنَّا لَا نُوجِبُ شَيْئًا بِالشَّكِّ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا سَتْرَهُمَا ، فَلَوْ سَتَرَهُمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِتَيَقُّنِ سَتْرِ مَا لَيْسَ لَهُ سَتْرُهُ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتُرَ بِالْمَخِيطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَيُمْكِنُهُ سَتْرُهُ بِغَيْرِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسَّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطُ كَمَا نَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهِ كَالْمَرْأَةِ انْتَهَى .
وَقَالَ السُّلَمِيُّ عَقِبَ ذَلِكَ قُلْت أَمَّا سَتْرُ رَأْسِهِ فَوَاجِبٌ احْتِيَاطًا ، وَلَا يَسْتُرُ وَجْهَهُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَكَشْفُهُ وَاجِبٌ أَوْ رَجُلًا لَمْ يَلْزَمْهُ سَتْرُهُ ، وَأَمَّا سَتْرُ بَدَنِهِ فَيَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَوَاضِحٌ أَوْ رَجُلًا فَجَائِزٌ وَالسَّتْرُ مَعَ التَّرَدُّدِ وَاجِبٌ ، وَلِهَذَا { أُمِرَتْ سَوْدَةُ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْ ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَأَمَرَ الْخُنْثَى بِالِاحْتِجَابِ } قَالَ وَتَجْوِيزُ الْقَاضِي لُبْسَ الْمَخِيطِ فِيهِ نَظَرٌ ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا حَرُمَ عَلَيْهِ أَوْ أُنْثَى جَازَ فَقَدْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ ، وَالْحَظْرُ أَوْلَى وَمَقْصُودُ السَّتْرِ يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْمَخِيطِ فَلَا مَعْنَى لِتَجْوِيزِ الْمَخِيطِ مَعَ جَوَازِ الْحَظْرِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا سَتْرَ الرَّأْسِ ، وَإِنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ ؛ لِأَنَّ سَتْرَ رَأْسِ الْمَرْأَةِ وَاجِبٌ أَصْلِيٌّ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْرِيمُ سَتْرِ الرَّأْسِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ عَارِضٌ لِحُرْمَةِ الْعِبَادَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي حَقِّ الْخُنْثَى حُكْمُ الْأُنُوثَةِ انْتَهَى .
وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الْقَاضِي وُجُوبُ سَتْرِ رَأْسِهِ وَسَتْرِ بَدَنِهِ ، وَلَوْ بِغَيْرِ مَخِيطٍ بِقَرِينَةِ تَنْظِيرِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يُنَافِي كَلَامَ السُّلَمِيُّ

إلَّا فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ فَالْقَاضِي يُجَوِّزُهُ ، وَهُوَ يُحَرِّمُهُ ، ثُمَّ كَلَامُ الْجُمْهُورِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِحْرَامِ وَكَلَامُهُمَا بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَلِوُجُوبِ السَّتْرِ عَنْ الْأَجَانِبِ فَلَا مُنَافَاةَ إلَّا فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ فَالْجُمْهُورُ وَالْقَاضِي يُجَوِّزُونَهُ وَالسُّلَمِيُّ يُحَرِّمُهُ فَتَنْظِيرُهُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي لَا يَخُصُّهُ بَلْ يَأْتِي عَلَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَيْضًا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْخُنْثَى لَيْسَ لَهُ سَتْرُ وَجْهِهِ مَعَ كَشْفِ رَأْسِهِ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ الْخُنْثَى بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْأَجَانِبِ جَازَ لَهُ كَشْفُ رَأْسِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا .
( قَوْلُهُ وَقَالَ السُّلَمِيُّ عَقِبَ ذَلِكَ إلَخْ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ يُخَمِّرُ رَأْسَهُ ، وَلَا يُخَمِّرُ وَجْهَهُ قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ ) وَاسْتَحْسَنَهُ كَالْإِسْنَوِيِّ ( قَوْلُهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْخُنْثَى لَيْسَ لَهُ سَتْرُ وَجْهِهِ إلَخْ ) وَفِي أَحْكَامِ الْخَنَاثَى لِابْنِ الْمُسْلِمِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ رَأْسَهُ ، وَأَنْ يَكْشِفَ وَجْهَهُ ، وَأَنْ يَسْتُرَ بَدَنَهُ إلَّا فِي الْمَخِيطِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ .

( فَرْعٌ مَنْ لَبِسَ ) فِي الْإِحْرَامِ مَا يَحْرُمُ لُبْسُهُ بِهِ أَوْ سَتَرَ مَا يَحْرُمُ سَتْرُهُ فِيهِ ( لِحَاجَةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مُدَاوَاةٍ ) أَوْ نَحْوِهَا ( جَازَ وَفَدَى ) كَمَا فِي الْحَلْقِ لِذَلِكَ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ الْحَاصِلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا
( قَوْلُهُ مَنْ لَبِسَ لِحَاجَةِ حَرٍّ إلَخْ ) يَنْبَغِي ضَبْطُهَا بِمَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ ( قَوْلُهُ جَازَ وَفَدَى ) كُلُّ مَحْظُورٍ فِي الْإِحْرَامِ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ

( وَلَهُ لُبْسُ مُكَعَّبٍ ) أَيْ مَدَاسٍ ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَوْزَةً وَالزُّرْبُولِ الَّذِي لَا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ ( وَكَذَا ) لُبْسُ ( خُفٍّ إنْ قَطَعَ أَسْفَلَ كَعْبِهِ ) ، وَإِنْ اسْتَتَرَ ظَهْرُ الْقَدَمَيْنِ فِيهِمَا بِبَاقِيهِمَا ( وَكَذَا ) لُبْسُ ( سَرَاوِيلَ ) ، وَهَذَا ( لِعَاجِزٍ عَنْ تَحْصِيلِ نَعْلَيْنِ ) فِي الْأُولَيَيْنِ ( وَإِزَارٍ ) فِي الثَّالِثَةِ بِالطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّيَمُّمِ ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ يَقُولُ : السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ وَالْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ } أَيْ مَعَ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ بِقَرِينَةِ خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ وَالْأَصْلُ فِي مُبَاشَرَةِ الْجَائِزِ نَفْيُ الضَّمَانِ وَاسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ ذَلِكَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّعْلِ ، وَالْإِزَارُ مُوجِبَةٌ لِلدَّمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَخَرَجَ بِالْعَاجِزِ غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ ذَلِكَ لِلْخَبَرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلِ التَّاسُومَةُ وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَبْقَابُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَخِيطٍ ، وَلَا فَرْقَ فِي السَّرَاوِيلِ بَيْنَ مَا يَتَأَتَّى مِنْهُ إزَارٌ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ بِجَعْلِهِ إزَارًا وَ يُفَارِقُ الْخُفُّ لِلْأَمْرِ بِقَطْعِهِ نَعَمْ يُتَّجَهُ عَدَمُ جَوَازِ قَطْعِ الْخُفِّ إذَا وُجِدَ الْمُكَعَّبُ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ الِاتِّزَارُ بِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ ، وَإِلَّا حَرُمَ لُبْسُهُ كَمَا يَحْرُمُ لُبْسُ الْقَمِيصِ عِنْدَ فَقْدِ الرِّدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِالسَّرَاوِيلِ إزَارًا مُتَسَاوِيَ الْقِيمَةِ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وُجُوبُهُ إنْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ تَبْدُو فِيهِ عَوْرَتُهُ ، وَإِلَّا فَلَا .
( وَلَوْ لَمْ يَجِدْ رِدَاءً لَمْ يَجُزْ لُبْسُ الْقَمِيصِ ) بَلْ يَرْتَدِي بِهِ ( وَلَوْ عَدِمَ الْإِزَارَ ) أَوْ النَّعْلَ وَاحْتَاجَ

إلَيْهِ ( فَبِيعَ مِنْهُ نَسِيئَةً أَوْ وُهِبَ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ ) لِعِظَمِ الْمِنَّةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِي الشِّرَاءِ نَسِيئَةً وَفِي قَرْضِ الثَّمَنِ مَا ذُكِرَ فِي التَّيَمُّمِ ( أَوْ أُعِيرَ ) لَهُ ( لَزِمَهُ ) قَبُولُهُ كَنَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ ، النَّوْعُ ( الثَّانِي التَّطَيُّبُ فَيَجِبُ ) مَعَ التَّحْرِيمِ ( الْفِدْيَةُ بِالتَّطَيُّبِ ) ، وَلَوْ أَخْشَمَ ( فِي بَدَنِهِ ) ، وَلَوْ بَاطِنًا بِنَحْوِ أَكْلٍ ( أَوْ مَلْبُوسِهِ ) ، وَلَوْ نَعْلًا أَمَّا التَّحْرِيمُ فَلِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ فِي الْمَلْبُوسِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِي الْبَدَنِ ، وَأَمَّا الْفِدْيَةُ فَكَالْحَلْقِ هَذَا إنْ تَطَيَّبَ ( قَصْدًا بِمَا تُقْصَدُ مِنْهُ رَائِحَتُهُ ) غَالِبًا ( كَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَالْوَرْدِ ) وَقَوْلُهُ ( وَكَذَا دُهْنُهُ ) أَيْ الْوَرْدِ مُكَرَّرٌ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي ( وَالْوَرْسُ ) ، وَهُوَ أَشْهَرُ طِيبٍ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ وَسَيَأْتِي مَا خَرَجَ بِقَصْدٍ أَوْ أَمَّا مَا خَرَجَ بِمَا بَعْدَهُ فَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ ( لَا مَا ) أَيْ بِمَا ( يُقْصَدُ بِهِ الْأَكْلُ أَوْ التَّدَاوِي ) وَإِنْ كَانَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ( كَالتُّفَّاحِ وَالْأُتْرُجِّ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ مِنْ تُرُّنْجٍ وَيُقَالُ لَهُ الْأُتْرُنْجُ ( وَالْقَرَنْفُلِ وَالدَّارْ صِينِيِّ وَالسُّنْبُلِ وَسَائِرِ الْأَبَازِيرِ الطَّيِّبَةِ ) كَالْفُلْفُلِ وَالْمَصْطَكَى فَلَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ أَوْ التَّدَاوِي كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ( وَلَا مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ ) .
وَإِنْ كَانَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ( كَالشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ ) وَالْإِذْخِرِ وَالْخُزَامِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ طِيبًا ، وَإِلَّا لَاسْتُنْبِتَ وَتُعُهِّدَ كَالْوَرْدِ ( وَلَا بِالْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ ) ، وَإِنْ كَانَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ مِنْهُ لَوْنُهُ ( وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي النِّرْجِسِ وَالرَّيْحَانِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ ( الْفَارِسِيِّ ) ، وَهُوَ الضُّمَيْرَانِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ كَذَا

ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ لَكِنَّهُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْمَعْرُوفُ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ الضَّوْمَرَانُ بِالْوَاوِ وَفَتْحِ الْمِيمِ ، وَهُوَ نَبْتٌ بَرِّيٌّ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ الْمُرْسِينُ ( وَالْبَنَفْسَجِ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ ( وَالْبَانِ ) وَاللِّينُوفَرِ ؛ لِأَنَّهَا طِيبٌ وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَنَفْسَجَ لَيْسَ بِطِيبٍ عَلَى الْمُرَبَّى بِالسَّكَرِ الَّذِي ذَهَبَ رِيحُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ أَنَّ الْبَانَ لَيْسَ طِيبًا عَلَى يَابِسٍ لَا يَظْهَرُ رِيحُهُ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَيُعْتَبَرُ مَعَ الْقَصْدِ الِاخْتِيَارُ وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ كَمَا تُعْتَبَرُ الثَّلَاثَةُ فِي سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَخَرَجَ بِالْفَارِسِيِّ الْعَرَبِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَلَوْ احْتَاجَ الْمُحْرِمُ إلَى التَّدَاوِي بِطِيبٍ تَدَاوَى بِهِ وَافْتَدَى نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ .

إلَّا السَّرَاوِيلَ وَالْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةَ الرِّجْلِ عَنْ النَّجِسِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَخُفِّفَ فِيهِمَا لِذَلِكَ وَجَمِيعُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا عَقْدُ النِّكَاحِ ، وَمِنْهَا تَمَلُّكُ الصَّيْدِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ فَإِنْ قَبَضَهُ ضَمِنَهُ بِالْقَبْضِ إذَا تَلِفَ ، وَمَا دَامَ حَيًّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ ، وَمِنْهَا وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ بِاصْطِيَادٍ لَا شَيْءَ فِيهِ مَا لَمْ يَمُتْ ، وَمِنْهَا تَنْفِيرُهُ مَا لَمْ يَمُتْ فِي نُفَارَةٍ ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَكَلَ مَا صَادَهُ أَوْ ذَبَحَهُ فَإِنَّ الْأَكْلَ حَرَامٌ ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْأَكْلُ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَكَلَ مِمَّا صِيدَ وَذُبِحَ مِنْ أَجْلِهِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى صَيْدٍ فَلَمْ يُمْسِكْهُ أَوْ أَمْسَكَهُ مِنْ غَيْرِ إتْلَافٍ ، وَمِنْهَا إذَا صَاحَ عَلَى صَيْدٍ فَمَاتَ فَوَجْهَانِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا وُجُوبُ الضَّمَانِ ، وَمِنْهَا سَتْرُ الرَّأْسِ بِمِكْتَلٍ إذَا حَرَّمْنَاهُ فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ طَرِيقَانِ ( قَوْلُهُ ، وَكَذَا خُفٌّ إنْ قُطِعَ إلَخْ ) حُكْمُ الْمَدَاسِ ، وَهُوَ السَّرْمُوزَةُ حُكْمُ الْخُفِّ الْمَقْطُوعِ كَمَا عُلِمَ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ سَتَرَ ظَهْرَ الْقَدَمَيْنِ إلَخْ ) وَسَتَرَ الْعَقِبَيْنِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ كَالْأَذْرَعِيِّ ( قَوْلُهُ وَيُفَارِقُ الْخُفُّ لِلْأَمْرِ بِقَطْعِهِ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ تَكْلِيفَ ذَلِكَ فِي السَّرَاوِيلِ يُؤَدِّي إلَى مَشَقَّةٍ ، وَهُوَ الْقَطْعُ ، ثُمَّ الْخِيَاطَةُ الْمُحْتَاجَةُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ بِخِلَافِ قَطْعِ الْخُفِّ ، وَأَيْضًا فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُفِّ ، وَهُوَ سَتْرُ الرِّجْلِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْأَوْعَارِ حَاصِلٌ بِالْمَقْطُوعِ بِخِلَافِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ الْحَاصِلِ مِنْ السَّرَاوِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالْإِزَارِ لِانْكِشَافِ الْعَوْرَةِ مِنْهُ غَالِبًا ، فَلَمْ نُوجِبْ عَلَى الْمُحْرِمِ قَطْعَهُ لِتَضَرُّرِهِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ( قَوْلُهُ هَذَا كُلُّهُ

إذَا لَمْ يَتَأَتَّ الِاتِّزَارُ بِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ ) لِصِغَرِهِ أَوْ لِفَقْدِ آلَةِ خِيَاطَتِهِ أَوْ لِخَوْفِ التَّخَلُّفِ عَنْ الْقَافِلَةِ ( قَوْلُهُ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْوَاهِبُ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ دُهْنُ الْبَانِ ) الْمَغْلِيُّ ( وَدُهْنُ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ طِيبٌ ) وَالْمُرَادُ بِدُهْنِ هَذَيْنِ دُهْنٌ طُرِحَا فِيهِ ( لَا دُهْنٌ تُرُوِّحَ سِمْسِمُهُ بِهِمَا ) بِأَنْ اُسْتُخْرِجَ مِنْ سِمْسِمٍ تُرُوِّحَ بِوَضْعِهِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ رِيحَهُ رِيحُ مُجَاوَرَةٍ ( وَفِي دُهْنِ الْأُتْرُجِّ تَرَدُّدٌ ) أَيْ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّهُ طِيبٌ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ( فَرْعٌ وَإِنْ اُسْتُهْلِكَ الطِّيبُ فِي الْمُخَالِطِ ) لَهُ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ رِيحٌ ، وَلَا طَعْمٌ ، وَلَا لَوْنٌ ( أَوْ ) الْأُولَى كَأَنْ ( اُسْتُعْمِلَ فِي دَوَاءٍ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَأَكْلُهُ ) ، وَلَا فِدْيَةَ ( وَإِنْ بَقِيَ الرِّيحُ فِيمَا اُسْتُهْلِكَ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا ) لِمُرُورِ الزَّمَانِ أَوْ لِغُبَارٍ أَوْ غَيْرِهِ لَكِنَّهُ ( يَظْهَرُ بِرَشِّ الْمَاءِ ) عَلَيْهِ ( فَدَى ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ مِنْ الطِّيبِ الرِّيحُ ( وَكَذَا ) لَوْ بَقِيَ ( الطَّعْمُ ) لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاءِ الطِّيبِ ( لَا اللَّوْنِ ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الزِّينَةُ بِدَلِيلِ حِلِّ الْمُعَصْفَرِ .
قَوْلُهُ وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّهُ طِيبٌ ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَصَحُّ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي دُهْنِ الْبَانِ

( فَرْعٌ ) فِي بَيَانِ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ ( إنَّمَا تُؤَثِّرُ مُبَاشَرَتُهُ ) إذَا كَانَ ( صَالِحًا لِلِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ ) بِأَنْ يُلْصِقَهُ بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ عَلَى الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ الطِّيبِ ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَحَلٍّ لَا يُعْتَادُ التَّطَيُّبُ فِيهِ ، وَلَفْظُ صَالِحًا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ لَا دَخْلَ لَهُ هُنَا ( فَإِذَا مَسَّ طِيبًا يَابِسًا ) كَمِسْكٍ وَكَافُورٍ ( فَعَبِقَ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ لَزِقَ ( بِهِ رِيحُهُ لَا عَيْنُهُ أَوْ حَمَلَ الْعُودَ أَوْ أَكَلَهُ لَمْ يَضُرَّ ) فَلَا يَحْرُمُ ، وَلَا يَجِبُ بِهِ فِدْيَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ ؛ فَلِأَنَّ الرِّيحَ قَدْ تَحْصُلُ بِالْمُجَاوَرَةِ بِلَا مَسٍّ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ ، وَأَمَّا الْبَاقِي ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا وَالتَّقْيِيدُ بِالْيَابِسِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَإِنْ تَجَمَّرَ ) أَيْ تَبَخَّرَ ( بِهِ ) أَيْ بِالْعُودِ ( أَوْ حَمَلَ الْمِسْكَ وَنَحْوَهُ ) كَالْعَنْبَرِ ( فِي ثَوْبٍ ) مَلْبُوسٍ لَهُ ( أَوْ حَمَلَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي جَيْبِهَا أَوْ ) فِي ( حَشْوِ حُلِيِّهَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَطَيُّبٌ بَلْ الْعُودُ لَا يُتَطَيَّبُ بِهِ إلَّا كَذَلِكَ .
( وَكَذَا ) تَجِبُ الْفِدْيَةُ ( لَوْ اسْتَعَطَ بِهِ ) أَيْ بِالطِّيبِ ( أَوْ احْتَقَنَ ) أَوْ اكْتَحَلَ بِهِ أَوْ أَدْخَلَهُ فِي إحْلِيلِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي لِمَا قُلْنَا ( لَا إنْ عَبِقَ بِهِ ) رِيحُهُ لَا عَيْنُهُ ( بِالْجُلُوسِ عِنْدَ عَطَّارٍ وَ ) عِنْدَ ( مُتَجَمَّرٍ ) أَيْ مُتَبَخَّرٍ كَالْكَعْبَةِ أَوْ بَيْتٍ تَبَخَّرَ سَاكِنُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا ( وَيُكْرَهُ ) الْجُلُوسُ عِنْدَ ذَلِكَ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِهِ هَذَا ( إنْ قَصَدَ الشَّمَّ ) ، وَإِلَّا فَلَا وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لِلْمِبْخَرَةِ لِيُوَافِقَ مَا مَرَّ فِي اسْتِعْمَالِ مِبْخَرَةِ آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ ( وَالتَّطَيُّبُ بِالْوَرْدِ أَنْ يَشُمَّهُ ) مَعَ اتِّصَالِهِ بِأَنْفِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ ( وَ ) التَّطَيُّبُ ( بِمَائِهِ أَنْ

يَمَسَّهُ كَالْعَادَةِ ) بِأَنْ يَصُبَّهُ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ فَلَا يَكْفِي شَمُّهُ ( وَإِنْ حَمَلَ مِسْكًا وَنَحْوَهُ فِي خِرْقَةٍ مَشْدُودَةٍ أَوْ فَارَةٍ غَيْرِ مَشْقُوقَةٍ لَمْ يَضُرَّ ) ، وَإِنْ شَمَّ الرِّيحَ لِوُجُودِ الْحَائِلِ ( أَوْ مَشْقُوقَةٍ فَدَى ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ تَطَيُّبًا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا ( وَإِنْ جَلَسَ ) مَثَلًا ( عَلَى مَكَان مُطَيَّبٍ ) مِنْ أَرْضٍ أَوْ فِرَاشٍ ( أَوْ دَاسَ طِيبًا بِنَعْلِهِ فَدَى ) ؛ لِأَنَّهُ تَطَيُّبٌ ( إلَّا إنْ فَرَشَ عَلَيْهِ ثَوْبًا ) أَوْ لَمْ يَفْرِشْ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ عَيْنِ الطِّيبِ فَلَا فِدْيَةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَطَيُّبًا ( وَ ) لَكِنْ ( إنْ كَانَ الثَّوْبُ رَقِيقًا ) مَانِعًا لِلطِّيبِ مِنْ مَسَّ بَشَرَتِهِ ( كُرِهَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ عَنْهُ رَائِحَةَ الطِّيبِ بِالْكُلِّيَّةِ .

( قَوْلُهُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ مُبَاشَرَتُهُ صَالِحًا لِلِاسْتِعْمَالِ إلَخْ ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَجْرَى بَعْضُهُمْ فِي الطِّيبِ الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ الْخِلَافُ فِي النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرَفُ وَأَوْلَى بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ الْمَوْضِعِ ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى الْمُحْرِمِ طِيبٌ ، وَهُوَ مُحْدِثٌ ، وَلَمْ تُمْكِنْهُ إزَالَتُهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَوَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِإِزَالَةِ الطِّيبِ أَوْ الْوُضُوءِ ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَجْمَعَهُ ، ثُمَّ يَغْسِلَ بِهِ الطِّيبَ لَزِمَهُ ، وَإِلَّا أَزَالَ بِهِ الطِّيبَ ، ثُمَّ تَيَمَّمَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَطِيبٌ وَالْمَاءُ يَكْفِي لِإِزَالَةِ أَحَدِهِمَا غَسَلَ بِهِ النَّجَاسَةَ ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلَا يَكْفِي شَمُّهُ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِسْكٌ فَإِنْ كَانَ فَقَدْ تَطَيَّبَ ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي التَّطَيُّبِ بِهِ .
ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ أَوْ دَاسَ طَيِّبًا بِنَعْلِهِ فَدَى ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ شَرْطُهُ أَنْ يَعْلَقَ شَيْءٌ مِنْهُ كَذَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ

( فَرْعٌ ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَى ) الْمُتَطَيِّبِ ( النَّاسِي ) لِلْإِحْرَامِ ( وَ ) لَا عَلَى ( الْمُكْرَهِ ) عَلَى التَّطَيُّبِ ( وَ ) لَا عَلَى ( الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ بِكَوْنِهِ ) أَيْ الْمَمْسُوسِ ( طِيبًا أَوْ رُطَبًا ) لِعُذْرِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ( لَا ) الْجَاهِلِ ( بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ التَّحْرِيمِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَحَقُّهُ الِامْتِنَاعُ ( فَإِنْ عَلِمَ ) التَّحْرِيمَ بَعْدَ لُبْسِهِ جَاهِلًا بِهِ ( وَأَخَّرَ إزَالَتَهُ ) مَعَ إمْكَانِهَا ( فَدَى وَأَثِمَ ) ، وَلَهُ إزَالَتُهُ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهَا بِتَرْكٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا تَحْرِيمٌ لَكِنَّ إزَالَتَهُ بِغَيْرِهِ أَيْ مِمَّنْ هُوَ حَلَالٌ أَوْلَى وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِثْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ عَلِمَ وَأَخَّرَ إزَالَتَهُ فَدَى وَأَثِمَ ) ، وَكَذَا حُكْمُ النَّاسِي إذَا تَذَكَّرَ وَالْمُكْرَهِ إذَا خُلِّيَ قَالَ فِي الْخَادِمِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِي الْوُضُوءَ وَالطِّيبَ غَسَلَ بِهِ الطِّيبَ ؛ لِأَنَّ لِلْوُضُوءِ بَدَلًا ، وَغَسْلُ الطِّيبِ لَا بَدَلَ لَهُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْوَافِي وَعِنْدِي الْأَوْلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ النَّصِّ يُوَافِقُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ فَفِي الْأُمِّ وَمَتَى أَمْكَنَهُ الْمَاءُ غَسَلَهُ ، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً قَلِيلًا إنْ غَسَلَهُ بِهِ لَمْ يَكْفِهِ لِوُضُوئِهِ غَسَلَهُ بِهِ وَتَيَمَّمَ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِهِ ، وَلَا رُخْصَةَ لَهُ فِي تَرْكِهِ إذَا قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ ، وَهَذَا مُرَخَّصٌ لَهُ فِي التَّيَمُّمِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ : هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَجْمَعَهُ ، ثُمَّ يَغْسِلَ بِهِ الطِّيبَ فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَجَبَ فِعْلُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا تَقْدِيمُ إزَالَةِ الطِّيبِ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى إزَالَةِ الْأَحْدَاثِ فِي الْمَاءِ الْمُوصَى بِهِ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَجُعِلَتْ اسْتِدَامَةً لِطِيبٍ هُنَا طِيبًا بِخِلَافِهَا فِي بَابِ الْأَيْمَانِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا عَدَمُ التَّرَفُّهِ ، وَهُنَاكَ صِدْقُ الِاسْمِ عُرْفًا ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِ ( قَوْلُهُ لَكِنَّ إزَالَتَهُ بِغَيْرِهِ إلَخْ ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَأْخِيرٌ

النَّوْعُ ( الثَّالِثُ الدَّهْنُ ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ التَّدَهُّنُ بِدُهْنٍ ، وَلَوْ غَيْرَ مُطَيَّبٍ ( فَيَحْرُمُ ) التَّدَهُّنُ ( فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ ) ، وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ ( بِالسَّمْنِ وَالزُّبْدِ ) وَالشَّحْمِ وَالشَّمْعِ الذَّائِبَيْنِ ( وَالْمُعْتَصَرِ مِنْ الْحُبُوبِ ) كَالزَّيْتِ ( وَلَوْ كَانَ ) كُلٌّ مِنْ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ ( حَلِيقًا ) أَيْ مَحْلُوقًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْيِينِ الشَّعْرِ وَتَنْمِيَتِهِ الْمُنَافِيَيْنِ لِخَبَرِ : الْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ .
أَيْ شَأْنُهُ الْمَأْمُورُ بِهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ اللَّبَنِ ، وَإِنْ كَانَ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ السَّمْنُ وَالتَّقْيِيدُ بِاللِّحْيَةِ يُشْعِرُ بِالْجَوَازِ فِي بَاقِي شُعُورِ الْوَجْهِ كَالْحَاجِبِ وَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْعِذَارِ لَكِنْ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَاللِّحْيَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ( لَا ) فِي رَأْسِ ( أَقْرَعَ ) وَأَصْلَعَ ، وَلَا فِي ذَقَنِ ( أَمْرَدَ ) لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِالْحُرْمَةِ وَلُزُومِ الْفِدْيَةِ لِلْأَخْشَمِ إذَا تَطَيَّبَ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى هُنَا مُنْتَفٍ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ التَّرَفُّهُ بِالطِّيبِ ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّطَيُّبِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَطَيِّبُ أَخَشْمَ ( وَلَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ( وَسَائِرِ شَعْرِهِ ) بِذَلِكَ ( وَأَكْلُهُ وَجَعْلُهُ فِي شَجَّةٍ فِي رَأْسِهِ ) أَوْ غَيْرِهِ كَجَبْهَتِهِ لِمَا مَرَّ وَالْمُحْرِمُ مِمَّا ذَكَرَ وَمِمَّا يَأْتِي مِنْ نَظَائِرِهِ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ ( تَنْبِيهٌ ) لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ دُهْنُ الْحَلَالِ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي الْحَلْقِ ( فَرْعٌ لِلْمُحْرِمِ غَسْلُ رَأْسِهِ بِالسِّدْرِ ) أَوْ نَحْوِهِ فِي حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِهِ ( مِنْ غَيْرِ نَتْفِ شَعْرِهِ ) { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ بِخِلَافِ الدُّهْنِ فَإِنَّهُ لِلتَّنْمِيَةِ كَمَا مَرَّ

( قَوْلُهُ لَكِنْ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَاللِّحْيَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْوَجْهُ الْمَنْعُ وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : التَّحْرِيمُ ظَاهِرٌ فِيمَا اتَّصَلَ بِاللِّحْيَةِ كَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْعِذَارِ ، وَأَمَّا الْحَاجِبُ وَالْهُدْبُ وَمَا عَلَى الْجَبْهَةِ فَفِيهِ بُعْدٌ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ دَهْنُ الْمُحْرِمِ شَعْرَ نَفْسِهِ ، وَفِي مَعْنَاهُ دَهْنُهُ شَعْرَ مُحْرِمٍ آخَرَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْمُحْرِمِ فِعْلَ ذَلِكَ بِالْحَلَالِ كَمَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مِثْلَهُ فِي الْحَلْقِ ( قَوْلُهُ ، وَلَا فِي ذَقَنِ أَمْرَدَ ) قَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مَسْأَلَةَ الْأَمْرَدِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِ نَبَاتِ لِحْيَتِهِ ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى مَحْلُوقِ الرَّأْسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ وَقَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَ ) لَهُ ( الِاكْتِحَالُ لَا بِمُطَيِّبٍ ) أَمَّا بِالْمُطَيِّبِ فَيَحْرُمُ ( وَالْأَوْلَى تَرْكُهُمَا ) أَيْ الْغُسْلِ وَالِاكْتِحَالِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقِيلَ : يُكْرَهَانِ ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا تَزْيِينًا قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي الِاكْتِحَالِ وَتَوَسَّطَ قَوْمٌ فَقَالُوا : إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِينَةٌ كَالتُّوتْيَا لَمْ يُكْرَهْ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ كَالْإِثْمِدِ كُرِهَ إلَّا لِحَاجَةِ رَمَدٍ وَنَحْوِهِ ، وَهَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْمَرْأَةِ أَشَدُّ وَالتَّصْرِيحُ بِأَوْلَوِيَّةِ التَّرْكِ فِي الِاكْتِحَالِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ( وَلَهُ خَضْبُ لِحْيَتِهِ ) وَغَيْرِهَا مِنْ الشُّعُورِ ( بِالْحِنَّاءِ ) وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَمِّي الشَّعْرَ ، وَلَيْسَ طِيبًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ { أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْتَضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ ، وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ } نَعَمْ إنْ كَانَ الْحِنَّاءُ ثَخِينًا وَالْمَحَلُّ يَحْرُمُ سَتْرُهُ حَرُمَ لَا لِلْخَضْبِ بَلْ لِسَتْرِ مَا يَحْرُمُ سَتْرُهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَ ) لَهُ ( الِاحْتِجَامُ ) وَالْفَصْدُ ( مَا لَوْ يَقْطَعُ بِهِمَا شَعْرًا ) فَإِنْ كَانَ يَقْطَعُهُ بِهِمَا حَرُمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ ضَرُورَةٌ إلَيْهِمَا .
( قَوْلُهُ وَتَوَسَّطَ قَوْمٌ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَ ) لَهُ ( إنْشَادُ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ ، وَلَهُ النَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ ) كَالْحَلَالِ فِيهِمَا

النَّوْعُ ( الرَّابِعُ الْحَلْقُ ) لِشَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ ( وَالْقَلْمُ ) لِشَيْءٍ مِنْ ظُفُرِهِ ( فَيَحْرُمُ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( وَإِنْ قَلَّ ) ذَلِكَ كَبَعْضِ شَعْرَةٍ أَوْ ظُفُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ } أَيْ شَعْرَهَا وَقِيسَ بِشَعْرِهَا شَعْرُ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ وَبِالْحَلْقِ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ الْإِزَالَةُ وَبِإِزَالَةِ الشَّعْرِ إزَالَةُ الظُّفُرِ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ فِي الْجَمِيعِ ( وَيَجِبُ ، وَلَوْ عَلَى نَاسٍ ) لِلْإِحْرَامِ ( وَجَاهِلٍ ) بِحُرْمَةِ ذَلِكَ ( بِإِزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ دَفْعَةً ) يَعْنِي فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ بَلْ وَفِي مَكَان وَاحِدٍ لِمَا سَيَأْتِي ( مِنْ الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ وَ ) بِإِزَالَةِ ( ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ ) كَذَلِكَ ( لَا مَعَ الْجِلْدِ وَالْعُضْوِ - دَمٌ ) لِلْآيَةِ وَكَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ وَالشَّعْرُ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثِ وَقِيسَ بِهَا الْأَظْفَارُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فِي التَّمَتُّعِ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَالْجِمَاعِ وَمُقَدَّمَاتِهِ لِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فِيهِ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا وَبِخِلَافِ مَا لَوْ أَزَالَهَا مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُمَيِّزٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ ؛ لِأَنَّ النَّاسِي وَالْجَاهِلَ يَعْقِلَانِ فِعْلَهُمَا فَيُنْسَبَانِ إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ النَّائِمُ أَمَّا إذَا أَزَالَهَا بِقَطْعِ الْجِلْدِ أَوْ الْعُضْوِ فَلَا يَجِبُ بِهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِزَالَةِ وَشَبَّهُوهُ بِالزَّوْجَةِ تُقْتَلُ فَلَا يَجِبُ مَهْرُهَا عَلَى الْقَاتِلِ ، وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى لَزِمَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ فِي تِلْكَ تَلِفَ تَبَعًا بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ ، وَقَوْلُ الْأَصْلِ هُنَا فِي هَذِهِ لَزِمَهَا الْمَهْرُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِصَغِيرَةٍ وَطِئَهَا الزَّوْجُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُزِيلَ لِمَا ذُكِرَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ إرَاقَةِ دَمٍ وَإِخْرَاجِ ثَلَاثَةِ آصُعٍ

وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَا هُنَا مُنَزَّلٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَحُكْمُ مَا فَوْقَ الثَّلَاثَةِ حُكْمُهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( وَفِي ) إزَالَةِ ( الْوَاحِدِ مِنْهَا أَوْ بَعْضَهُ مُدٌّ ) مِنْ الطَّعَامِ ( وَفِي الِاثْنَيْنِ مُدَّانِ ) لِعُسْرِ تَبْعِيضِ الدَّمِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ وَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا أَزَالَ شَعْرَةً أَوْ ظُفُرًا فَإِنْ اخْتَارَ الدَّمَ أَخْرَجَ مُدًّا ؛ لِمَا قُلْنَا أَوْ الطَّعَامَ أَخْرَجَ صَاعًا أَوْ الصَّوْمَ صَامَ يَوْمًا نَقَلَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ .

( قَوْلُهُ أَيْ شَعْرِهَا ) ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَا يُحْلَقُ وَالشُّعُورُ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَأَوْجَبْنَا بِحَلْقِهَا الْفِدْيَةَ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ الْإِزَالَةُ ) أَيْ بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إحْرَاقٍ أَوْ نُورَةٍ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ ، وَلَوْ عَلَى نَاسٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّكْرَانَ الْعَاصِي بِسُكْرِهِ كَالصَّاحِي ، وَكَذَا كُلُّ مَأْثُومٍ بِمَا يُزِيلُ عَقْلَهُ ، وَهَلْ الْمُكْرَهُ عَلَى تَعَاطِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ كَالْمُخْتَارِ ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَهُوَ كَالْإِتْلَافَاتِ .
ا هـ .
وَلَوْ زَالَ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِ سَاقِ الرَّاكِبِ أَوْ فَخِذِهِ بِوَاسِطَةِ الْحَكِّ بِالرِّجْلِ النَّاشِئِ عَنْ ضَرُورَةِ الرُّكُوبِ غَالِبًا لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَالظَّاهِرُ بَلْ الْقَطْعُ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ سَلَفًا وَخَلَفًا وَاقِعِينَ فِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَحَدٍ إيجَابُ الْفِدْيَةِ فِي ذَلِكَ ( قَوْلُهُ مِنْ الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ ) لَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ مِنْ رَأْسِهِ الرُّكْنَ ، وَلَمْ يَأْتِ بِغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شُعُورِ بَدَنِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُحْرِمٌ لَمْ يَتَحَلَّلْ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَدْرِيبِهِ فَقَالَ ضَابِطٌ : لَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ إلَّا حَلْقُ شَعْرِ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بَعْدَ حَلْقِ الرُّكْنِ أَوْ سُقُوطِهِ لِمَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ وَعَلَى هَذَا صَارَ لِلْحَجِّ ثَلَاثُ تَحَلُّلَاتٍ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذَلِكَ ، وَقِيَاسُهُ جَوَازُ التَّقْلِيمِ حِينَئِذٍ كَالْحَلْقِ إذْ هُوَ شَبَهُهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
ا هـ .
قَوْلُهُ وَثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ ) أَوْ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهَا ( قَوْلُهُ وَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْهَا إلَخْ ) لَوْ أَخَذَ مِنْ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ شَيْئًا ، ثُمَّ شَيْئًا ، ثُمَّ شَيْئًا فَإِنْ تَقَطَّعَ الزَّمَانُ فَثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ ، وَإِنْ تَوَاصَلَ فَكَالشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلَوْ أَضْعَفَ قُوَّةَ

الشَّعْرِ بِأَنْ شَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَالظَّاهِرُ مِنْ تَعْبِيرِهِمْ بِالْإِزَالَةِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ ( قَوْلُهُ ، وَقَالَ إنَّهُ مُتَعَيِّنٌ ) قَالَ شَيْخُنَا لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ فِي فَتَاوِيهِ

( وَلَوْ شَكَّ ) وَقَدْ انْسَلَّ مِنْهُ شَعْرٌ ( هَلْ سَلَّهُ الْمُشْطُ ) بَعْدَ انْتِتَافِهِ ( أَوْ نَتَفُهُ فَلَا فِدْيَةَ ) ؛ لِأَنَّ النَّتْفَ لَمْ يَتَحَقَّقْ .
وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَمْتَشِطَ وَأَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَأَنْ يَحُكَّ شَعْرَهُ لَا جَسَدَهُ بِأَظْفَارِهِ لَا بِأَنَامِلِهِ .

( فَرْعٌ .
وَإِنْ حَلَقَ لِأَذَى قَمْلٍ أَوْ جِرَاحَةٍ ) أَوْ نَحْوِهِمَا كَحَرٍّ وَوَسَخٍ ( جَازَ ) لِلْعُذْرِ ( وَفَدَى ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا } الْآيَةَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَكَذَا كُلُّ مُحَرَّمٍ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ إلَّا لُبْسَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةَ الرِّجْلِ عَنْ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَخَفَّفَ فِيهِمَا وَالْحَصْرُ فِيمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ فَقَدْ قَالُوا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ ( فَإِنْ أَزَالَ مَا نَبَتَ مِنْهُ ) أَيْ الشَّعْرِ ( فِي عَيْنِهِ ) وَتَأَذَّى بِهِ ( أَوْ ) أَزَالَ ( قَدْرَ مَا يُغَطِّيهَا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ إنْ كَانَ ) ثَمَّ مَا يُغَطِّيهَا بِأَنْ طَالَ بِحَيْثُ سَتَرَ بَصَرَهُ ( أَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَقَطَعَ الْمُؤْذِي ) مِنْهُ ( فَقَطْ فَلَا فِدْيَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ .

( فَرْعٌ يَأْثَمُ الْحَالِقُ ) بِلَا عُذْرٍ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا ( وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ ، وَلَوْ بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ فِي الْحَلْقِ ( إنْ أَطَاقَ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ أَوْ مِنْ نَارٍ ) طَارَتْ إلَى شَعْرِهِ ، ثُمَّ ( أَحْرَقَتْهُ ) لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عَلَيْهِ حِفْظُهُ وَلِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ فِيمَا إذَا أَذِنَ لِلْحَالِقِ بِدَلِيلِ الْحِنْثِ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْحُرْمَةِ فِي هَذِهِ فَقَدْ انْفَرَدَ الْمَحْلُوقُ بِالتَّرَفُّهِ ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِقَوْلِهِمْ الْمُبَاشِرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعُدْ نَفْعُهُ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَاةً وَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا الْغَاصِبُ ( وَلَا ) بِأَنْ حَلَقَ لَهُ بِلَا إذْنٍ ، وَلَمْ يُطِقْ مَنْعَهُ بِأَنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ ( فَعَلَى الْحَالِقِ ) ، وَلَوْ حَلَالًا - الْفِدْيَةُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ ؛ وَلِأَنَّ الشَّعْرَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ كَالْوَدِيعَةِ لَا الْعَارِيَّةِ وَضَمَانُ الْوَدِيعَةِ مُخْتَصٌّ بِالْمُتْلِفِ ( وَلِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَتُهُ بِهَا ) إذْ الْمُودَعُ خَصْمٌ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالسَّرِقَةِ أَنَّ الْمُودَعَ لَا يُخَاصِمُ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ هَذَا حَيْثُ عَلَّلَ بِأَنَّ الْفِدْيَةَ فِي الْمَحْلُوقِ وَجَبَتْ بِسَبَبِهِ وَبِأَنَّ نُسُكَهُ يَتِمُّ بِأَدَائِهَا فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا .
وَنَقَلَ تَعْلِيلَهُ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَالثَّانِي عَنْ الْفَارِقِيِّ وَبِهِمَا يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَحْلُوقِ وَالْمُودَعِ هَذَا وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ الْعِمَادِ عَمَّا عَلَّلَ بِهِ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ هُنَا كَالْمَالِكِ فِي الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ مِلْكُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْخُذُ حُكُومَتَهُ إنْ فَسَدَ مَنْبَتُهُ ، وَبِأَنَّ الْمُودَعَ إنَّمَا لَمْ يُخَاصِمْ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يُطَالِبُ وَالْكَفَّارَةُ لَا طَالِبَ لَهَا مُعَيَّنٌ

وَفَارَقَ عَدَمَ جَوَازِ مُطَالَبَةِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا بِإِخْرَاجِ فِطْرَتِهَا بِأَنَّ الْفِدْيَةَ فِي مُقَابَلَةِ إتْلَافِ جُزْءٍ مِنْهُ فَسَاغَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ وَمَا أَجَابَ بِهِ إنَّمَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِلْحُكْمِ لَا جَوَابًا عَنْ التَّنَاقُضِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَنَّ الشَّعْرَ مِلْكُهُ مَمْنُوعٌ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُنْتَقَضٌ بِأَخْذِ دِيَةِ يَدِهِ مَثَلًا وَدِيَةِ مُوَرِّثِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمِلْكِ ( فَلَوْ أَخْرَجَهَا الْمَحْلُوقُ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْحَالِقِ ( لَمْ تَسْقُطْ ) كَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ شَبِيهَةٌ بِالْكَفَّارَةِ ، فَلَوْ أَخْرَجَهَا بِإِذْنِهِ سَقَطَتْ ( وَلِلْمُحْرِمِ حَلْقُ شَعْرِ الْحَلَالِ ) إذْ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ فَأَشْبَهَ شَعْرَ الْبَهِيمَةِ ( فَإِنْ أَمَرَ حَلَالٌ حَلَالًا بِحَلْقِ ) شَعْرِ ( مُحْرِمٍ نَائِمٍ ) أَوْ نَحْوِهِ فَحَلَقَ ( فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْآمِرِ إنْ جَهِلَ الْحَالِقُ ) الْحَالَ أَوْ أُكْرِهَ أَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ ( وَإِلَّا لَزِمَتْهُ ) أَيْ الْحَالِقَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا أَوْ عَكْسَهُ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ

( قَوْلُهُ يَأْثَمُ الْحَالِقُ ) النِّكَاحُ وَالْإِنْكَاحُ وَالِاصْطِيَادُ إذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ وَتَكْرِيرُ النَّظَرِ لِامْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ حَتَّى أَنْزَلَ ( قَوْلُهُ بِدَلِيلِ الْحِنْثِ بِهِ ) أَيْ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَيْمَانِ بِخِلَافِهِ ( قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا الْغَاصِبُ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ ضَمَانًا مُسْتَقِرًّا ، وَإِلَّا فَالْقَصَّابُ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ ( قَوْلُهُ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ ) أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ ( قَوْلُهُ وَبِأَنَّ نُسُكَهُ يَتِمُّ بِأَدَائِهَا إلَخْ ) وَبِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَمَلَكَ الْمَحْلُوقُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ عِتْقِهِ وَقُلْنَا الْحَقُّ فِي الْعِتْقِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَوْلُهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

النَّوْعُ ( الْخَامِسُ : الْجِمَاعُ ، وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ ) فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ ( مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ ) ، وَلَوْ كَانَ الْمُجَامِعُ رَقِيقًا أَوْ صَبِيًّا لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا رَفَثَ } أَيْ فَلَا تَرْفُثُوا وَالرَّفَثُ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْجِمَاعِ وَالْأَصْلُ فِي النَّهْيِ اقْتِضَاءُ الْفَسَادِ ( قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ ) بَعْدَ وَقْتِهِمَا أَوْ قَبْلَهُ ( لَا بَيْنَهُمَا ) لِضَعْفِ الْإِحْرَامِ حِينَئِذٍ ( وَ ) مُفْسِدٌ ( لِلْعُمْرَةِ ) كَالْحَجِّ ( قَبْلَ الْفَرَاغِ ) مِنْهَا ( وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِمَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ ذَلِكَ مَعَ الْقَضَاءِ مِنْ قَابِلٍ وَإِخْرَاجِ الْهَدْيِ - عَنْ جَمْعِ الصَّحَابَةِ ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا بِالْفَسَادِ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهَا بَعْدَهُ نَعَمْ يَجِبُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ زَمَانِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ( وَ ) تَجِبُ بِهِ ( الْكَفَّارَةُ ، وَهِيَ بَدَنَةٌ ) ، وَلَوْ كَانَ نُسُكُهُ نَفْلًا رَوَى ذَلِكَ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ وَالْبَدَنَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ( وَإِذَا جَامَعَ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ أَوْ بَعْدَ الْإِفْسَادِ ) قَبْلَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمَا ( لَزِمَهُ شَاةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لَا يُوجِبُ فَسَادًا فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَحْظُورَاتِ .

( قَوْلُهُ الْجِمَاعُ ، وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ ) أَمَّا قَبْلَ الْوُقُوفِ فَبِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ إحْرَامًا صَحِيحًا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْوُقُوفِ ( قَوْلُهُ أَيْ فَلَا تَرْفُثُوا ) أَيْ ، وَلَا تَفْسُقُوا فَلَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ إذْ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارَ عَنْ نَفْيِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْحَجِّ لَاسْتَحَالَ وُقُوعُهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى صَدَقَ قَطْعًا ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِمَا ) وَيُثَابُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ) مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ بَدَنَةٌ ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَسَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِسِعْرِ مَكَّةَ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ كَذَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَعَنْ الْقَاضِيَيْنِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْحُسَيْنِ وَفِي شَرْحِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ سِعْرُ مَكَّةَ حَالَةَ الْوُجُوبِ جَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ النَّقِيبِ ، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْحَيْنِ ، وَلَا فِي الرَّوْضَةِ وَيَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ أَنْ يَدْفَعَ الْوَاجِبَ إلَى ثَلَاثَةٍ إنْ قَدَرَ ، وَالْمُرَادُ الطَّعَامُ الْمُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ( قَوْلُهُ وَالْبَدَنَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ إلَخْ ) الْبَدَنَةُ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَوْ الْحَدِيثِ فَالْمُرَادُ بِهَا كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، وَشَرْطُهَا سِنٌّ يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ تُطْلَقُ عَلَى الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ .
ا هـ .
وَالْمُرَادُ هُنَا مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فَإِنَّ الْبَقَرَةَ لَا تُجْزِئُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ

عَنْ الْبَدَنَةِ

( فَرْعٌ يَجِبُ عَلَى الْمُفْسِدِ الْقَضَاءُ ) اتِّفَاقًا ( وَإِنْ كَانَ ) نُسُكُهُ ( تَطَوُّعًا ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَاسْتُشْكِلَ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ قَضَاءً بِأَنَّ مَنْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ أَعَادَهَا فِي الْوَقْتِ كَانَتْ أَدَاءً لَا قَضَاءً لِوُقُوعِهَا فِي وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَضَاءَ هُنَا عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَبِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ بِالْإِحْرَامِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَيَّقْ وَقْتُ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا لَا يَتَغَيَّرُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهَا بَعْدَ الْإِفْسَادِ مُوقِعًا لَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا ، وَالنُّسُكُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ تَضَيَّقَ وَقْتُهُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِوَقْتِ الْفَوَاتِ فَفَعَلَهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ خَارِجَ وَقْتِهِ فَصَحَّ وَصْفُهُ بِالْقَضَاءِ وَأَيَّدَ وَلَدُهُ فِي التَّوْشِيحِ الْأَوَّلَ بِقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ أَدَاءً لَا قَضَاءً ( وَيَقَعُ الْقَضَاءُ مِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ الْفَاسِدِ فَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَقَعَ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا فَتَطَوُّعًا ، فَلَوْ أَفْسَدَ التَّطَوُّعَ ، ثُمَّ نَذَرَ حَجًّا وَأَرَادَ تَحْصِيلَ الْمَنْذُورِ بِحِجَّةِ الْقَضَاءِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ ( وَلْيَكُنْ ) أَيْ الْإِحْرَامُ بِالْقَضَاءِ ( مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ ) أَيْ مِنْ مَكَانِ إحْرَامِهِ بِالْأَدَاءِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ( أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِإِحْرَامِهِ بِالْأَدَاءِ ، فَلَوْ أَحْرَمَ دُونَهُ لَزِمَهُ دَمٌ ( وَإِنْ جَاوَزَهُ ) أَيْ الْمِيقَاتَ ( حَلَالًا ، وَلَوْ غَيْرَ مُسِيءٍ ) بِأَنْ لَمْ يُرِدْ النُّسُكَ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَحْرَمَ ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ فِي الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ أَصَالَةً وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ الْحَجَّ ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا كَفَاهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي قَضَائِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ

عَلَيْهِ سُلُوكُ طَرِيقِ الْأَدَاءِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ قَدْرِ مَسَافَتِهِ ( وَلَا يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ ) بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْأَدَاءِ بَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ ، وَفَارَقَ الْمَكَانُ بِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ أَكْمَلُ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ فِي شَوَّالٍ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهُ كَذَا فَرَّقَ الْأَصْلُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ سَوَّى فِي كِتَابِ النَّذْرِ بَيْنَ نَذْرِ الْمَكَانِ وَنَذْرِ الزَّمَانِ فَصَحَّحَ وُجُوبَ التَّعْيِينِ فِيهِمَا قَالَ ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَكَانَ يَنْضَبِطُ بِخِلَافِ الزَّمَانِ ( فَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( أَفْسَدَ الْقَضَاءَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ ) لِمَا مَرَّ ( وَقَضَاءُ وَاحِدٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ وَاحِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ ( وَيُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ عَامَ الْإِفْسَادِ بِأَنْ يَتَحَلَّلَ ) بَعْدَهُ ( لِلْإِحْصَارِ ، ثُمَّ يُطْلَقُ ) مِنْ الْحَصْرِ أَوْ بِأَنْ يَرْتَدَّ بَعْدَهُ أَوْ يَتَحَلَّلَ كَذَلِكَ لِمَرَضٍ شُرِطَ التَّحَلُّلُ بِهِ ، ثُمَّ يُشْفَى ( وَالْوَقْتُ بَاقٍ ) فَيَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ .

( قَوْلُهُ وَأَيَّدَ وَلَدُهُ فِي التَّوْشِيحِ الْأَوَّلَ إلَخْ ) ، ثُمَّ قَالَ وَبَسْطُ الثَّانِي أَنَّ النُّسُكَ ، وَإِنْ وُقِّتَ بِالْعُمُرِ فَإِنَّمَا يَقَعُ فِي سَنَةٍ فَأَيُّ سَنَةٍ وَقَعَ فِيهَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا الْمَطْلُوبَةُ لِلْإِيقَاعِ وَأَنَّهَا وَقْتُهُ الْأَصْلِيُّ لَا الْعَارِضُ بِالْإِحْرَامِ فَالْمَعْنَى بِكَوْنِ الْعُمُرِ وَقْتًا لِلْحَجِّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْلُوَ الْعُمُرُ عَنْهُ لَا أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ وَقْتٌ لَهُ فَمَتَى أَفْسَدَهُ وَقَعَ الثَّانِي بَعْدَ وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا فَكَانَ قَضَاءً ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ مُسْتَطِيعًا بِلَا أَدَاءٍ عَصَى مِنْ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ ، وَلَوْ كَانَ وَقْتُهُ جَمِيعَ الْعُمُرِ لَعَصَى مِنْ أَوَّلِهَا ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَوَقْتُهَا بَيْنَ مُعَيَّنَيْنِ فَبِإِيقَاعِهَا فِي جُزْءٍ مِنْهُ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَقْتُهَا إذْ الْإِحْرَامُ بِهَا لَمْ يُغَيِّرْ وَقْتَهَا بَلْ يُضَيِّقُهَا لِتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ مِنْ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ .
ا هـ .
، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَبِتَقْدِيرِ تَمَامِهِ فِي الْقَضَاءِ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْإِفْسَادِ لَا يَتِمُّ فِي سَنَتِهِ فَالْمُعْتَمَدُ فِي الْجَوَابِ - الْأَوَّلُ س

( فَرْعٌ لَا يَفْسُدُ حَجُّ الْمَرْأَةِ ) الْمُحْرِمَةِ ( الْمُكْرَهَةِ وَالنَّائِمَةِ ) بِجِمَاعِ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ لِعُذْرِهَا ( وَإِنْ طَاوَعَتْهُ ) مُخْتَارَةً عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ ذَاكِرَةً لِلْإِحْرَامِ ( فَسَدَ ) لِمَا مَرَّ ( وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ ) يَعْنِي عَلَى زَوْجِهَا الْمُحْرِمِ الْمُجَامِعِ ( دُونَهَا ) كَمَا فِي الصَّوْمِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ يُجْزِئُ عَنْهُمَا جَزُورٌ وَرَوَى هُوَ عَنْهُ أَيْضًا إنْ كَانَتْ أَعَانَتْكَ فَعَلَى كُلٍّ مِنْكُمَا بَدَنَةٌ ، وَإِلَّا فَعَلَيْك نَاقَةٌ وَحُمِلَتْ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْأُولَى عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُعِنْهُ .

( وَلَوْ قَضَتْ الزَّوْجَةُ ) حَجَّهَا بِأَنْ خَرَجَتْ لِقَضَائِهِ ( لَزِمَهُ ) أَيْ زَوْجَهَا ( زِيَادَةُ نَفَقَةِ السَّفَرِ ) مِنْ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا ؛ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فَلَزِمَتْهُ كَالْكَفَّارَةِ أَمَّا نَفَقَةُ الْحَضَرِ فَلَا تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا مَعَهَا ، وَلَوْ عُضِبَتْ لَزِمَتْهُ الْإِنَابَةُ عَنْهَا مِنْ مَالِهِ ، وَمُؤْنَةُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِزِنًا عَلَيْهَا ( وَيُسْتَحَبُّ افْتِرَاقُهُمَا ) إذَا خَرَجَا لِلْقَضَاءِ مَعًا ( مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ ) إلَى أَنْ يَفْرُغَ التَّحَلُّلَانِ كَيْ لَا تَدْعُوهُ الشَّهْوَةُ إلَى الْمُعَاوَدَةِ فَإِنَّ عَهْدَ الْوِصَالِ مَشُوقٌ ( وَ ) افْتِرَاقُهُمَا ( فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ) أَيْ مَكَانِ الْجِمَاعِ ( آكَدُ ) لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ أَمَّا لَوْ فَسَدَ نُسُكُهَا فَقَطْ كَأَنْ كَانَتْ مُحْرِمَةً دُونَهُ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْبَدَنَةَ لَازِمَةٌ لَهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ الْوَاطِئُ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْهَا ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ زَوْجَهَا أَوْ سَيِّدَهَا فَهِيَ لَازِمَةٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الْوَطْءِ عَلَى مَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ انْتَهَى .
وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحِ عَدَمِ اللُّزُومِ مُطْلَقًا لَكِنْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَجَّ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً فَكَانَ أَوْلَى مِنْ الصَّوْمِ بِالِاحْتِيَاطِ وَأَشَدَّ مِنْهُ فِي إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ ، وَلِهَذَا كَثُرَتْ فِيهِ الْفِدْيَةُ بِأَسْبَابٍ
( قَوْلُهُ فَلَزِمَتْهُ كَالْكَفَّارَةِ ) أَيْ وَالْمَهْرِ وَكَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَمَتَهُ فَإِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ قَطْعًا ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ تَرْجِيحِ اللُّزُومِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَضَيَّقَ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلِمَا مَرَّ عَنْ الْبَيْهَقِيّ ( وَكَذَا ) يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ ( كُلُّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ بِعُدْوَانٍ ) ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْكَفَّارَاتِ عَلَى التَّرَاخِي ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ لَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ ) وَيُتَصَوَّرُ قَضَاؤُهُ فِي سَنَةِ الْإِفْسَادِ بِأَنْ جَامَعَ ، ثُمَّ أُحْصِرَ أَوْ عَكَسَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ فَيَتَحَلَّلُ ، ثُمَّ يَزُولُ الْحَصْرُ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَيُحْرِمُ بِهِ

( فَرْعٌ ، وَإِنْ أَفْسَدَ مُفْرِدٌ ) نُسُكَهُ ( فَتَمَتَّعَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ قَرَنَ جَازَ ) ، وَلَا يَضُرُّ الْعُدُولُ إلَى الْمَفْضُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ ( وَكَذَا عَكْسُهُ ) بِأَنْ أَفْسَدَ مُتَمَتِّعٌ أَوْ قَارِنٌ نُسُكَهُ فَأَفْرَدَ فِي الْقَضَاءِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وَمَا حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَمَلَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَمٍ وَقَدْ بَيَّنَ لُزُومَ الدَّمِ لَهُ فِي قَوْلِهِ ( وَإِنْ أَفْسَدَ الْقَارِنُ ) نُسُكَهُ ( لَزِمَهُ بَدَنَةٌ ) وَاحِدَةٌ لِانْغِمَارِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ ( مَعَ دَمِهِ ) أَيْ دَمِ الْقِرَانِ الَّذِي أَفْسَدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ ( وَ ) لَزِمَهُ ( دَمٌ آخَرُ لِلْقِرَانِ ) الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالْإِفْسَادِ ( فِي الْقَضَاءِ ، وَلَوْ أَفْرَدَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِفْرَادِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ فِي الْقَضَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا فِي الْقِرَانِ وَاضِحٌ أَمَّا فِي التَّمَتُّعِ فَيَلْزَمُهُ دَمَانِ آخَرَانِ دَمٌ لِلْقِرَانِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالْإِفْسَادِ لِلْقَضَاءِ وَدَمٌ لِلتَّمَتُّعِ الَّذِي فَعَلَهُ انْتَهَى .
وَيَجُوزُ فِي دَمٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الرَّفْعُ كَمَا تَقَرَّرَ وَالْجَرُّ عَطْفًا عَلَى دَمِهِ وَفِي الْقَضَاءِ مُتَعَلَّقٌ يَلْزَمُ أَوْ بِمَعْنَى الْمَعِيَّةِ .

( وَإِذَا فَاتَ الْقَارِنَ الْحَجُّ ) لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ ( فَالْعُمْرَةُ فَائِتَةٌ ) تَبَعًا لَهُ كَمَا تَفْسُدُ بِفَسَادِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْجِمَاعُ بَعْدَ أَعْمَالِهَا كَأَنْ طَافَ الْقَارِنُ وَسَعَى وَحَلَقَ ، ثُمَّ جَامَعَ وَكَمَا تَصِحُّ لِصِحَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْجِمَاعُ قَبْلَ أَعْمَالِهَا كَأَنْ جَامَعَ الْقَارِنُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ ( لَكِنْ يُجْزِئُهُ ) الْأَوْلَى يَلْزَمُهُ ( دَمَانِ ) دَمٌ ( لِلْفَوَاتِ وَ ) دَمٌ لِأَجْلِ ( الْقِرَانِ وَفِي الْقَضَاءِ ) دَمٌ ( ثَالِثٌ ) ، وَإِنْ أَفْرَدَهُ كَنَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْإِفْسَادِ
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْجِمَاعُ قَبْلَ أَعْمَالِهَا إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ تَبَعًا لَهُ

( فَرْعٌ إذَا جَامَعَ جَاهِلًا ) بِالتَّحْرِيمِ ( أَوْ نَاسِيًا ) لِلْإِحْرَامِ ( أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُكْرَهًا ) أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ ( لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا فَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِالْمَذْكُورَاتِ وَأَضْدَادِهَا كَالصَّوْمِ وَيُفَارِقُ الْفَوَاتُ بِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ وَالْفَوَاتُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي الْمُكْرَهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُهُ ( وَلَا دَمَ ) مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ مَعْلُومٌ .
( قَوْلُهُ أَوْ مُكْرَهًا ) أَوْ غَالِطًا

( فَرْعٌ لَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا لَمْ يَنْعَقِدْ ) إحْرَامُهُ كَمَا لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ مَعَ الْحَدَثِ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا لَكِنَّهُ جَزَمَ كَالرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ بِانْعِقَادِهِ صَحِيحًا ، ثُمَّ يَفْسُدُ ، وَلَوْ أَحْرَمَ فِي حَالِ نَزْعِهِ فَقِيلَ : يَنْعَقِدُ صَحِيحًا وَقِيلَ : فَاسِدًا وَقِيلَ : لَا يَنْعَقِدُ حَكَاهَا فِي الْكِفَايَةِ وَالْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ انْعِقَادُهُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ لَيْسَ بِجِمَاعٍ .
( قَوْلُهُ وَالْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ

( فَصْلٌ ، وَإِنْ ارْتَدَّ ) فِي أَثْنَاءِ نُسُكِهِ ( فَسَدَ إحْرَامُهُ ) فَيَفْسُدُ نُسُكُهُ ( كَصَوْمِهِ ) وَصَلَاتِهِ ، وَإِنْ قَصُرَ زَمَنُ رِدَّتِهِ ( وَلَا كَفَّارَةَ ) عَلَيْهِ ( وَلَا يَمْضِي فِيهِ ، وَلَوْ أَسْلَمَ ) لِعَدَمِ وُرُودِ شَيْءٍ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ ، وَإِنْ فَسَدَ بِهِ نُسُكُهُ لَمْ يَفْسُدْ بِهِ إحْرَامُهُ حَتَّى يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ كَمَا مَرَّ .

النَّوْعُ ( السَّادِسُ مُقَدَّمَاتُ الْجِمَاعِ فَتَحْرُمُ ) عَمْدًا بِشَهْوَةٍ عَلَى الْمُحْرِمِ وَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُ مِنْهَا عَلَى الْحَلَالِ لِئَلَّا يُعِينُهُ عَلَى الْحَرَامِ ( قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ وَبَيْنَهُمَا ) ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ( حَتَّى اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ لَا بِغَيْرِهَا ) كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ بَلْ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ كَمَا سَيَأْتِي فَهَذِهِ أَوْلَى ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالنَّظَرِ بَدَلَ اللَّمْسِ كَانَ أَوْلَى بِالْغَايَةِ ، وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ بِاللَّمْسِ لِيَعُودَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ ( وَيَجِبُ بِهِ ) أَيْ بِاللَّمْسِ يَعْنِي بِالْمُبَاشَرَةِ عَمْدًا بِشَهْوَةٍ ( دَمٌ ) لِمَا مَرَّ فِي الْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَظَرَ بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَ بِحَائِلٍ كَذَلِكَ ، وَإِنْ أَنْزَلَ فِيهِمَا ( وَيَسْقُطُ ) عَنْهُ الدَّمُ ( لَوْ جَامَعَ ) بَعْدَ اللَّمْسِ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْدَرِجُ فِي بَدَنَةِ الْجِمَاعِ كَمَا يَنْدَرِجُ الْحَدَثُ فِي الْجِنَايَةِ ( وَلَوْ اسْتَمْنَى ) بِيَدِهِ أَوْ نَحْوِهَا وَأَنْزَلَ ( لَزِمَهُ ) دَمٌ ( وَنِكَاحُ الْمُحْرِمِ ، وَإِنْكَاحُهُ ) مُحَرَّمٌ ( لَا يَنْعَقِدُ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ ، وَلَا يُنْكَحُ وَكَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ ، وَلَا إنْكَاحُهُ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ الْحَلَالِ فِي النِّكَاحِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَفِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ نَظَرٌ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ كَلَامَ ابْنِ الْقَطَّانِ ، ثُمَّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي الْجَوَازَ ( وَلْيَتْرُكْ ) الْمُحْرِمُ ( الْخِطْبَةَ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ ( نَدْبًا ) بَلْ قَالَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهَا تُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْعَقْدِ فَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا كُرِهَ الِاشْتِغَالُ بِأَسْبَابِهِ وَأَفَادَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْإِحْرَامِ فَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ ، وَكَذَا الِاصْطِيَادُ إذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ وَتَكْرِيرُ النَّظَرِ لِامْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ حَتَّى أَنْزَلَ وَالْمُتَسَبِّبُ بِإِمْسَاكٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي

قَتْلِ غَيْرِهِ الصَّيْدَ .
قَوْلُهُ فَتَحْرُمُ عَمْدًا بِشَهْوَةٍ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ( قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ لَوْ جَامَعَ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ فَإِنْ بَاشَرَ فِي مَجْلِسٍ وَجَامَعَ فِي آخَرَ تَعَدَّدَتْ قَطْعًا ( قَوْلُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْفَسَادَ ، وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَشَمِلَتْ عِبَارَتُهُ الْإِمَامَ وَالْقَاضِيَ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ الْحَلَالِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَأَفَادَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( النَّوْعُ السَّابِعُ الِاصْطِيَادُ فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِكُلِّ ) صَيْدٍ ( بَرِّيٍّ وَوَحْشِيٍّ مَأْكُولٍ ) كَبَقَرِ وَحْشٍ وَدَجَاجَةٍ وَحَمَامَةٍ ( أَوْ مَا هُوَ ) أَيْ الْبَرِّيُّ الْوَحْشِيُّ الْمَأْكُولُ ( أَحَدُ أَصْلَيْهِ ) كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ وَظَبْيٍ أَوْ بَيْنَ ضَبُعٍ وَذِئْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ } أَيْ أَخْذُهُ { مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } وَقَوْلُهُ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ { إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَيْ لَا يَجُوزُ تَنْفِيرُ صَيْدِهِ لِمُحْرِمٍ ، وَلَا حَلَالٍ فَغَيْرُ التَّنْفِيرِ أَوْلَى وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْمُوَاسَاةِ وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ وَحْشِيٍّ غَيْرِ مَأْكُولٍ ، وَإِنْسِيٍّ مَأْكُولٍ كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالشَّاةِ وَمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ غَيْرِ مَأْكُولَيْنِ أَحَدُهُمَا وَحْشِيٌّ كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْحِمَارِ وَالدُّبِّ وَمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ أَهْلِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مَأْكُولٍ كَالْبَغْلِ فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فِي أَوَّلِهَا .
( وَيَجِبُ بِهِ ) يَعْنِي بِإِتْلَافِ مَا حَرُمَ التَّعَرُّضُ لَهُ مِمَّا ذُكِرَ ( الْجَزَاءُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } ( مَعَ الْغُرْمِ ) لَقِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ ( إنْ كَانَ مَمْلُوكًا ) لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ سَوَاءٌ أَذَبَحَهُ وَرَدَّهُ إلَيْهِ مَذْبُوحًا أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ ذَبِيحَةَ الْمُحْرِمِ مَيْتَةٌ كَمَا سَيَأْتِي ( فَإِنْ شَكَّ ) فِي أَنَّهُ مَأْكُولٌ أَوْ لَا أَوْ أَنَّ أَحَدَ أَصْلَيْهِ وَحْشِيٌّ مَأْكُولٌ أَوْ لَا ( اُسْتُحِبَّ ) الْجَزَاءُ ( وَبَيْضُهُ ، وَلَبَنُهُ ) أَيْ كُلٌّ

مِنْهُمَا ( مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ ) وَكَذَا سَائِرُ أَجْزَائِهِ كَشَعْرِهِ وَرِيشِهِ وَفَارَقَ الشَّعْرَ وَرَقُ أَشْجَارِ الْحَرَمِ حَيْثُ لَا يَجِبُ فِيهِ جَزَاءٌ بِأَنَّ جَزَّهُ يَضُرُّ الْحَيَوَانِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِخِلَافِ الْوَرَقِ فَإِنْ حَصَلَ مَعَ تَعَرُّضِهِ لِلَّبَنِ نَقْصٌ فِي الصَّيْدِ ضَمِنَهُ فَقَدْ سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَمَّنْ حَلَبَ عَنْزًا مِنْ الظِّبَاءِ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ : تُقَوَّمُ الْعَنْزُ بِاللَّبَنِ وَبِلَا لَبَنٍ وَيُنْظَرُ نَقْصُ مَا بَيْنَهُمَا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ( لَا ) الْبَيْضَةَ ( الْمَذِرَةَ ) فَلَا تُضْمَنُ كَمَا لَوْ قَدَّ صَيْدًا مَيِّتًا ( إلَّا ) إنْ كَانَتْ ( مِنْ النَّعَامِ ) فَيَضْمَنُ قِشْرَهَا ؛ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً إذْ يُنْتَفَعُ بِهِ ( وَإِنْ كَسَرَهَا ) أَيْ الْبَيْضَةَ ( عَنْ فَرْخٍ حَيٍّ فَمَاتَ فَمِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ ) يَجِبُ ، وَإِنْ طَارَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( وَإِنْ نَفَّرَ صَيْدًا عَنْ بَيْضَةٍ أَوْ أَحْضَنَهُ ) أَيْ بَيْضَهُ ( دَجَاجَةً ) أَوْ عَكْسَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ ( وَفَسَدَ ) بَيْضُ الصَّيْدِ ( ضَمِنَهُ ، وَإِنْ تَفَرَّخَ ) الْبَيْضُ ( فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ حَتَّى يَمْتَنِعَ بِطَيَرَانِهِ ) مِمَّنْ يَعْدُو عَلَيْهِ .
( فَرْعٌ لَا يَحْرُمُ الْإِنْسِيُّ ) أَيْ التَّعَرُّضُ لَهُ ( وَإِنْ تَوَحَّشَ ) بِخِلَافِ الْوَحْشِيِّ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ ، وَإِنْ اسْتَأْنَسَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا ( وَمَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ صَيْدٌ ) كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّبُعِ وَالذِّئْبِ ( فَحُكْمُهُ فِي الْجَزَاءِ حُكْمُهُ ) أَيْ حُكْمُ الصَّيْدِ ، وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَصَيْدُ الْبَحْرِ ) ، وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ ( حَلَالٌ ) قَالَ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } ( لَا مَا عَاشَ مِنْهُ فِي الْبَرِّ ) أَيْضًا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ ( كَطَيْرِهِ ) الَّذِي يَغُوصُ فِيهِ وَيَخْرُجُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ بَرِّيٌّ إذْ لَوْ تُرِكَ فِيهِ لَهَلَكَ وَالْجَرَادُ بَرِّيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَالْمُحْرِمُ فِي التَّعَرُّضِ لِغَيْرِ الصَّيْدِ ) الَّذِي يَحْرُمُ تَعَرُّضُهُ لَهُ ( مِنْ

الْحَيَوَانَاتِ كَالْحَلَالِ ) فَمِنْهُ مَا يَنْفَعُ وَيَضُرُّ كَفَهْدٍ وَصَقْرٍ وَفَأْرٍ فَلَا يُسَنُّ قَتْلُهُ ، وَلَا يُكْرَهُ وَمِنْهُ مَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ نَفْعٌ ، وَلَا ضَرَرٌ كَخَنَافِسَ وَجِعْلَانٍ وَسَرَطَانٍ وَرَخَمَةٍ وَكَلْبٍ لَيْسَ بِعَقُورٍ ، وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةً فَيُكْرَهُ قَتْلُهُ وَيَحْرُمُ قَتْلُ النَّحْلِ وَالنَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ وَالْخُطَّافِ وَالضُّفْدَعِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ وَمِنْهُ مَا يُسَنُّ قَتْلُهُ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ وَبَقٍّ وَبُرْغُوثٍ وَكُلِّ مُؤْذٍ كَمَا سَيَأْتِي كُلُّ ذَلِكَ فِي الْأَطْعِمَةِ ( إلَّا لِقَمْلِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ خَاصَّةً ) مِنْ الْمُحْرِمِ ( فَيُكْرَهُ ) تَعَرُّضُهُ لَهُ لِئَلَّا يُنْتَتَفَ الشَّعْرُ فَإِنْ قَتَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ ( وَ ) لَكِنْ ( يَفْدِي الْوَاحِدَةَ ) مِنْهُ ، وَلَوْ ( بِلُقْمَةٍ اسْتِحْبَابًا ) أَمَّا قَمْلُ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ فَلَا يُكْرَهُ تَنْحِيَتُهُ ، وَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَيَنْبَغِي سَنُّ قَتْلِهِ كَالْبُرْغُوثِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ تَشْبِيهِ الْمُصَنِّفِ الْمُحْرِمَ بِالْحَلَالِ وَقَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ تَنْحِيَتُهُ قَدْ يَقْتَضِي جَوَازَ رَمْيِهِ حَيًّا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ نَظَرًا لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْجُمْلَةِ وَكَالْقَمْلِ الصِّئْبَانُ ، وَهُوَ بَيْضُهُ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَكِنَّ فِدْيَتَهُ أَقَلُّ ؛ لِأَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْ الْقَمْلِ .

( قَوْلُهُ يَعْنِي بِإِتْلَافِ مَا حَرُمَ التَّعَرُّضُ لَهُ إلَخْ ) مِثْلُهُ مَا لَوْ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ أَمَّا الْمُتَعَمِّدُ لِلْإِتْلَافِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } ، وَأَمَّا الْمُخْطِئُ فِيهِ فَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ إذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ } ؛ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَجَبَتْ بِقَتْلٍ فَاسْتَوَى فِيهَا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ كَكَفَّارَةِ قَتْلٍ لِآدَمِيٍّ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ فِي الْآيَةِ بِالْمُتَعَمِّدِ لِتَضَمُّنِهَا الْوَعِيدَ بِالْعِقَابِ لَا لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمُخْطِئِ ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَبِالْقِيَاسِ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ } إلَخْ ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ قِيمَةُ الْمِثْلِ كَقِيمَةِ الصَّيْدِ أَمْ أَكْثَرَ أَمْ أَقَلَّ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وقَوْله تَعَالَى { مِنْكُمْ } خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ إذْ لَوْ دَخَلَ الْكَافِرُ وَقَتَلَ صَيْدًا ضَمِنَهُ ( قَوْلُهُ مَعَ الْغُرْمِ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا ) قَدْ أَلْغَزَ بِذَلِكَ ابْنُ الْوَرْدِيِّ قَوْلَهُ عِنْدِي سُؤَالٌ حَسَنٌ مُسْتَظْرَفٌ فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ قَدْ تَفَرَّعَا قَابِضُ شَيْءٍ بِرِضَا مَالِكِهِ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعًا ( قَوْلُهُ وَبَيْضُهُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ بَيْضَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ ، وَلَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَصْلَيْ بَائِضِهِ مَأْكُولًا وَحْشِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا حَرَّمْنَاهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ ، أَمَّا إذَا قُلْنَا أَنَّهُ ظَاهِرٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ كَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَوَاضِعَ فَالْأَقْرَبُ فِي بَيْضِ الْمُتَوَلِّدِ التَّحْرِيمُ كَأَصْلِهِ وَالصَّوَابُ فِي بَيْضِ الْفَوَاسِقِ إبَاحَةُ الْكَسْرِ وَعَدَمُ الضَّمَانِ وَتَحْرِيمُ الْأَكْلِ وَقَوْلُهُ فَالْأَقْوَى إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ لَا الْمَذِرَةُ ) مُرَادُهُ بِالْمَذِرَةِ الَّتِي صَارَتْ دَمًا فَإِنَّ الْأَصَحَّ نَجَاسَتُهَا أَمَّا الَّتِي اخْتَلَطَ بَيَاضُهَا بِصُفْرَتِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا

مَضْمُونَةٌ كَاللَّبَنِ ؛ لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ فَسَّرَ الْمَذِرَةَ بِالْمُخْتَلِطَةِ دُونَ الْمُسْتَحِيلَةِ فَقَالَ : الْبَيْضَةُ الطَّاهِرَةُ إذَا اسْتَحَالَتْ دَمًا فَالْأَصَحُّ نَجَاسَتُهَا ، وَلَوْ صَارَتْ مَذِرَةً ، وَهِيَ مَا اخْتَلَطَ بَيَاضُهَا بِصُفْرَتِهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى الْمُهَذَّبِ : الْمَذِرَةُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْفَاسِدَةُ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الَّتِي اخْتَلَطَ بَيَاضُهَا بِصُفْرَتِهَا ( قَوْلُهُ وَصَيْدُ الْبَحْرِ ) لَيْسَ الْمُرَادُ الْبَحْرَ الْمَعْهُودَ بَلْ الْمُرَادُ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ النَّهْرُ وَالْبَحْرُ وَالْبِئْرُ وَالْبِرْكَةُ وَنَحْوُهَا ( قَوْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } ) قَالَ الْقَفَّالُ وَالْحِكْمَةُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَرِّيِّ وَالْبَحْرِيِّ أَنَّ الْبَرِّيَّ إنَّمَا يُصَادُ غَالِبًا لِلتَّنَزُّهِ وَالتَّفَرُّجِ وَالْإِحْرَامُ يُنَافِي ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْبَحْرِيِّ فَإِنَّهُ يُصَادُ غَالِبًا لِلِاضْطِرَارِ وَالْمَسْكَنَةِ فَأُحِلَّ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ وَكُلُّ مُؤْذٍ ) وَمِنْهُ الْعَنَاكِبُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ يَمْتَنِعُ مِنْ قَتْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا عَشَّشَتْ فِي فَمِ الْغَارِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُذْبَحَ الْحَمَامُ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ) يَحْرُمُ إلْقَاؤُهَا فِي الْمَسْجِدِ حَيَّةً ، وَلَا يَحْرُمُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ الْقَمُولِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ جَوَازُ إلْقَائِهَا بِغَيْرِ الْمَسْجِدِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَاَلَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ مُتَعَيِّنٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ الْقَمْلَةَ فَلْيَصُرَّهَا فِي ثَوْبِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ } وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ .

( فَصْلٌ ) فِي أَسْبَابِ تَضْمِينِ الصَّيْدِ ، وَهِيَ الْمُبَاشَرَةُ وَالتَّسَبُّبُ وَوَضْعُ الْيَدِ ( لِلسَّبَبِ ) الْآتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ ( حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ ) فِي الضَّمَانِ ( فَمَنْ نَصَبَ شَبَكَةً ) أَوْ نَحْوَهَا ( وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ مَا وَقَعَ فِيهَا ) وَتَلِفَ سَوَاءٌ كَالنِّعَمِ فِي مِلْكِهِ أَمْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ نَصْبَهَا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ فَهُوَ كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ حَيْثُ فَصَلَ فِيهَا بَيْنَ حَفْرِهَا عُدْوَانًا وَغَيْرَ عُدْوَانٍ كَمَا سَيَأْتِي ، وَسَوَاءٌ أَوَقَعَ فِيهَا الصَّيْدُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ أَمْ بَعْدَهُ لِتَعَدِّيهِ حَالَ نَصْبِهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَهَا لِإِصْلَاحِ مَا ، وَهِيَ مِنْهَا أَوْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهَا مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ كَمَا لَوْ نَصَبَهَا ، وَهُوَ حَلَالٌ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ دَالٌّ عَلَيْهِ ( إلَّا ) أَيْ لَكِنْ ( إنْ نَصَبَهَا ) ، وَهُوَ حَلَالٌ ( ثُمَّ أَحْرَمَ ) فَلَا يَضْمَنُ مَا وَقَعَ فِيهَا ( وَإِنْ أَرْسَلَ ) مُحْرِمٌ ( كَلْبًا ) مُعَلَّمًا عَلَى صَيْدٍ ( أَوْ حَلَّ رِبَاطَهُ وَالصَّيْدُ حَاضِرٌ ) ثُمَّ ( أَوْ غَائِبٌ ) ، ثُمَّ ظَهَرَ ( فَقَتَلَهُ ضَمِنَ كَحَلَالٍ ) فَعَلَ ذَلِكَ ( فِي الْحَرَمِ ) بِجَامِعِ التَّسَبُّبِ فِيهِمَا ، وَجَهْلِهِ بِالصَّيْدِ فِي الْغَيْبَةِ لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ حُكْمِ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَكَذَا ) يَضْمَنُ ( لَوْ انْحَلَّ رِبَاطُهُ بِتَقْصِيرِهِ ) فِي الرَّبْطِ فَقَتَلَ صَيْدًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا ، ثُمَّ ظَهَرَ .
وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ حُكْمِ الْغَائِبِ فِي هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَفَارَقَ مَا ذَكَرَ عَدَمُ الضَّمَانِ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ لِقَتْلِ الْآدَمِيِّ بِأَنَّ الْكَلْبَ مُعَلَّمٌ لِلِاصْطِيَادِ فَاصْطِيَادُهُ بِإِرْسَالِهِ كَاصْطِيَادِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلَيْسَ مُعَلَّمًا لِقَتْلِ الْآدَمِيِّ فَلَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ مَنْسُوبًا إلَى

الْمُرْسِلِ بَلْ إلَى اخْتِيَارِ الْكَلْبِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا غَيْرَ مُعَلَّمٍ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَزَاهُ إلَى نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ فَقَطْ ، ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَهُ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ انْتَهَى .
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ هَؤُلَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ ضَارِيًا وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا لِقَتْلِ الْآدَمِيِّ فَأَرْسَلَهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ كَالضَّارِي ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ أَوْ فِي الْحَرَمِ ) لَوْ كَانَ الصَّيْدُ بَعْضَ قَوَائِمِهِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضَهَا فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ ، وَلَا نَظَرَ إلَى الرَّأْسِ ، ثُمَّ هَذَا فِي الْقَائِمِ أَمَّا النَّائِمُ فَالْعِبْرَةُ بِمُسْتَقَرِّهِ كَمَا قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ ( قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبًا إلَخْ ) لَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ فَزَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَاءِ مُحْرِمٍ فَهَلْ يَضْمَنُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِرْسَالِ لَا يَنْقَطِعُ بِالْإِغْرَاءِ ( قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ غَيْرِهِمْ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ هَؤُلَاءِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ ضَمِنَ كَالضَّارِي ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ حَمْلُ الْبَازِي وَنَحْوِهِ ) مِمَّا يُصَادُ بِهِ كَكَلْبٍ وَصَقْرٍ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْإِرْسَالِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ ( فَإِنْ حَمَلَهُ فَانْفَلَتَ ) بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ ( فَلَا ضَمَانَ ) ، وَإِنْ فَرَّطَ ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ وَيُفَارِقُ انْحِلَالُ رِبَاطِ الْكَلْبِ بِتَقْصِيرِهِ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الرَّبْطِ غَالِبًا دَفْعُ الْأَذَى فَإِذَا انْحَلَّ بِتَقْصِيرِهِ فَوَّتَ الْغَرَضَ بِخِلَافِ حَمْلِهِ ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ كَمَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَخْطَأَهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ إلَّا التَّنْظِيرِ فَفِي الْمَجْمُوعِ ( وَإِنْ نَفَرَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمُحْرِمِ ( صَيْدٌ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَنْفِيرَهُ كَأَنْ عَثَرَ فَهَلَكَ بِتَعَثُّرِهِ أَوْ أَخَذَهُ وَنَعَمٌ أَوْ انْصَدَمَ بِشَجَرَةٍ أَوْ جَبَلٍ وَيَمْتَدُّ ضَمَانُهُ ( حَتَّى يَسْكُنَ ) عَلَى عَادَتِهِ ( لَا إنْ هَلَكَ ) قَبْلَ سُكُونِهِ ( بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْلَفْ فِي يَدِهِ ، وَلَا بِسَبَبِهِ ، وَلَا إنْ هَلَكَ بَعْدُ مُطْلَقًا ( وَإِنْ حَفَرَ الْمُحْرِمُ بِئْرًا ) حَيْثُ كَانَ ( أَوْ ) حَفَرَهَا ( حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ فَأَهْلَكَتْ صَيْدًا نُظِرَتْ فَإِنْ حَفَرَهَا عُدْوَانًا ضَمِنَ ، وَإِلَّا ) كَأَنْ حَفَرَهَا بِمِلْكِهِ أَوْ بِمَوَاتٍ ( فَالْمَحْفُورُ فِي الْحَرَمِ ) يَضْمَنُ بِهِ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا الْمَحْفُورُ بِحَفْرِ الْمُحْرِمِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ لَا تَخْتَلِفُ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فِي الْحَرَمِ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمُحْرِمِ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا حَفَرَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِهِ بَهِيمَةٌ أَوْ آدَمِيٌّ ( فَرْعٌ ) لَوْ ( دَلَّ ) شَخْصٌ آخَرَ ( عَلَى صَيْدٍ ) فَقَتَلَهُ ، وَهُوَ ( لَيْسَ فِي يَدِهِ ) أَيْ الدَّالِّ ( لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهُ وَكَمَا لَوْ دَلَّ غَيْرَهُ عَلَى قَتْلِ آدَمِيٍّ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ لِإِعَانَتِهِ

عَلَى مَعْصِيَةٍ كَمَا لَوْ أَعَانَهُ بِآلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ( أَوْ فِيهَا ) أَيْ فِي يَدِهِ ( وَالْقَاتِلُ حَلَالٌ ضَمِنَ الْمُحْرِمُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ حِفْظَهُ ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُودَعِ إذَا دَلَّ سَارِقًا عَلَى الْوَدِيعَةِ ( وَلَا يَرْجِعُ ) الْمُحْرِمُ ( عَلَى الْقَاتِلِ ) بِمَا ضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فِي حَقِّهِ ( وَلَوْ أَمْسَكَهُ مُحْرِمٌ فَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ ضَمِنَ الْقَاتِلُ الْكُلَّ ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ ، وَلَا أَثَرَ لِلْإِمْسَاكِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ ، وَكَذَا صَحَّحَهُ أَصْلُهُ ، ثُمَّ نَقَلَ عَقِبَهُ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ أَنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ الْمُمْسِكَ يَضْمَنُهُ بِالْيَدِ ، وَالْقَاتِلَ بِالْإِتْلَافِ وَأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدُ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ كَنَظَائِرِهِ فِي الْغَصْبِ وَالْجِنَايَاتِ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى ذَاكَ وَيُجْعَلُ كَلَامُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ بَيَانًا لِلْمُصَحَّحِ قَبْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ وَجْهٌ آخَرُ .
قَوْلُهُ ، وَإِلَّا فَالْمَحْفُورُ فِي الْحَرَمِ فَقَطْ ) ، وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ بِهَا إنْسَانٌ لَا يَضْمَنُهُ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عُسْرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنَّ عِلَّةَ تَضْمِينِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُرْمَةُ الْحَرَمِ الدَّالُّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَعِلَّةُ تَضْمِينِهِ فِي تِلْكَ تَعَدِّيهِ بِحَفْرِهَا ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهَا

( وَلَوْ رَمَاهُ ) أَيْ الصَّيْدَ ( قَبْلَ إحْرَامِهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَهُ أَوْ عَكَسَ ) بِأَنْ رَمَاهُ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَهُ بِأَنْ قَصَّرَ شَعْرَهُ بَعْدَ الرَّمْيِ ( ضَمِنَ ) تَغْلِيبًا الْإِحْرَامِ فِيهِمَا وَالتَّرْجِيحِ فِي الثَّانِيَةِ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَفَارَقَ ذَلِكَ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا لَوْ رُمِيَ إلَى مُؤْمِنٍ فَحَارَبَ أَوْ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ ، ثُمَّ أَصَابَهُ فَقَتَلَهُ بِأَنَّهُمَا مُقَصِّرَانِ بِمَا أَحْدَثَا مِنْ إهْدَارِهِمَا ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَنَفَذَ مِنْهُ إلَى صَيْدٍ آخَرَ فَقَتَلَهُمَا ضَمِنَهُمَا كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ .

( فَصْلٌ وَيَضْمَنُ ) الْمُحْرِمُ ( الصَّيْدَ بِالْيَدِ أَوْ بِاَلَّذِي فِيهَا ) مِنْ نَحْوِ مَرْكُوبٍ ( فَيَضْمَنُ صَيْدًا ) أَخَذَهُ بِيَدِهِ كَالْغَاصِبِ أَوْ ( زَلِقَ بِبَوْلِ مَرْكُوبِهِ ) فَتَلِفَ أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ أَوْ رَفَسَهُ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِهِ آدَمِيٌّ أَوْ بَهِيمَةٌ ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الرَّاكِبِ سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَهَلْ يَشْتَرِكُونَ فِي الضَّمَانِ أَوْ يَخْتَصُّ بِهِ الرَّاكِبُ وَجْهَانِ فِي الْمَجْمُوعِ وَقِيَاسُ مَا صَحَّحُوهُ مِنْ أَنَّ الْيَدَ لَهُ دُونَ الْآخَرِينَ اخْتِصَاصُ الضَّمَانِ بِهِ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ الْبَهِيمَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ( لَا بِانْفِلَاتِ بَعِيرِهِ ) فَلَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ فَرَّطَ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي انْفِلَاتِ الْبَازِي وَنَحْوِهِ .
( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِهِ آدَمِيٌّ أَوْ بَهِيمَةٌ ) هَذَا خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ تَبَعًا لِتَرْجِيحِ أَصْلِهِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِيمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ مِنْ عَدَمِ ضَمَانِ مَا تَلِفَ بِبَوْلِ الْمَرْكُوبِ أَوْ رَوْثِهِ ( قَوْلُهُ وَقِيَاسُ مَا صَحَّحُوهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَإِذَا أَحْرَمَ ) وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ ( زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الصَّيْدِ ، وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَتَحْرُمُ اسْتِدَامَتَهُ كَاللِّبَاسِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ( وَلَوْ ) لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى ( تَحَلَّلَ ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِرْسَالُ إذْ لَا يَرْتَفِعُ اللُّزُومُ بِالتَّعَدِّي بِخِلَافِ مَنْ أَمْسَكَ خَمْرًا غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ حَتَّى تَخَلَّلَتْ لَا يَلْزَمُهُ إرَاقَتُهَا وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْخَمْرَةَ انْتَقَلَتْ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فَإِنْ قُلْت هَلَّا كَانَ تَحَلُّلُهُ كَإِسْلَامِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ عَبْدًا مُسْلِمًا حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ قُلْت ؛ لِأَنَّ بَابَ الْإِحْرَامِ أَضْيَقُ مِنْ ذَاكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعَارَةُ الصَّيْدِ وَاسْتِيدَاعُهُ وَاسْتِئْجَارُهُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ ( وَ ) إذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ( لَا غُرْمَ لَهُ إذَا قَتَلَ ) أَوْ أَرْسَلَ ( وَمَنْ اصْطَادَهُ ) أَيْ أَخَذَهُ ، وَلَوْ قَبْلَ إرْسَالِهِ ، وَلَيْسَ مُحْرِمًا ( مَلَكَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ لُزُومِ الْإِرْسَالِ صَارَ مُبَاحًا ( وَيَضْمَنُهُ ) مَنْ زَالَ عَنْهُ مِلْكُهُ ( إنْ مَاتَ ) فِي يَدِهِ ( وَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إرْسَالِهِ ) إذْ كَانَ يُمْكِنُهُ إرْسَالُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ كَنَظِيرِهِ فِي إلْزَامِ الصَّلَاةِ لِمَنْ جُنَّ بَعْدَ مُضِيِّ مَا يَسَعُهَا مِنْ وَقْتِهَا دُونَ الْوُضُوءِ .
( وَلَا يَجِبُ إرْسَالُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ) بِلَا خِلَافٍ ، وَلَوْ أَحْرَمَ أَحَدُ مَالِكِيهِ تَعَذَّرَ إرْسَالُهُ فَيَلْزَمُهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ صَيْدٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إرْسَالُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا يَغْرَمُ قِيمَةَ النَّفَقَةِ الزَّائِدَةِ بِالسَّفَرِ ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ ( فَرْعٌ وَإِذَا اشْتَرَاهُ ) أَيْ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ أَوْ اتَّهَبَهُ أَوْ قَبِلَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا ( لَمْ يَمْلِكْهُ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِالْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّ مَنْ مُنِعَ مِنْ إدَامَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ

أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ ابْتِدَائِهِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ : إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ .
فَلَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ } ( وَإِنَّ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَإِنْ ( قَبَضَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ لَا هِبَةٍ وَأَرْسَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ ) وَسَقَطَ الْجَزَاءُ بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ لَا ضَمَانَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ وَالْهِبَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ ( وَإِنْ رَدَّهُ ) لِمَالِكِهِ ( سَقَطَتْ الْقِيمَةُ لَا الْجَزَاءُ مَا لَمْ يُرْسِلْ ) وَعَدَلَ إلَى إيجَابِ قِيمَتِهِ لِلْمَالِكِ بِإِرْسَالِهِ عَنْ تَشْبِيهِ أَصْلِهِ إرْسَالَهُ بِمُرْتَدٍّ قُتِلَ فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ لِيُسَلِّم مِنْ قَوْلِ الْمُهِمَّاتِ : إنَّ التَّشْبِيهَ سَهْوٌ فَإِنَّ الْمُقْتَضَى لِلْإِرْسَالِ إنَّمَا وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَالْمُقْتَضَى لِلْقَتْلِ ، وَهُوَ الرِّدَّةُ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَخْرِيجُهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُحْرِمًا أَيْضًا كَمَا أَوْضَحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّ ضَمَانِ بَائِعِ الْمُرْتَدِّ أَنْ يَجْهَلَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ ، وَإِلَّا فَمِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي

( قَوْلُهُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ إرْسَالُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ) بِخِلَافِ مَنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَمَاتَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ إمْكَانِ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَمَكِّنًا مِنْ التَّضْحِيَةِ بِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا ، وَلَهُ تَأْخِيرُ التَّضْحِيَةِ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا ، وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الْإِرْسَالِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قَوْلُهُ فَهَلْ يَلْزَمُ الصَّبِيَّ إرْسَالُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ لَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُ الصَّبِيِّ عَنْهُ عَلَى قَوْلِنَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُحْرِمِ عَنْ الصَّيْدِ ، وَيَنْبَنِي الْغُرْمُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنْ قُلْنَا : تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَلَا غُرْمَ ، وَإِنْ قُلْنَا فِي مَالِ الْوَلِيِّ احْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَجِبَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّبِيِّ وَإِذَا أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ مَرْهُونٌ لِغَيْرِهِ هَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ قِيلَ : يَزُولُ فَهَلْ يَغْرَمُ مَا يُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَهُ أَمْ لَا قَالَ الْأَصْبَحِيُّ فِي فَتَاوِيهِ لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّا إنْ قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُحْرِمِ عَنْ الصَّيْدِ احْتَمَلَ تَخْرِيجُ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنْ قُلْنَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَجِبُ الْإِرْسَالُ ، وَإِنْ قُلْنَا يُقَدَّمُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى جَرَى فِيهِ أَقْوَالُ عِتْقِ الْمَرْهُونِ وَحَيْثُ حُكِمَ بِزَوَالِ الْوَثِيقَةِ وَوُجُوبِ الْإِرْسَالِ وَجَبَ أَنْ يَغْرَمَ الْقِيمَةَ لِتَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَقَوْلُهُ احْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
وَكَذَا قَوْلُهُ فَإِنْ قُلْنَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ إلَخْ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ إدَامَةِ الْمِلْكِ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الصَّيْدَ فَمَنْعُ الْمُحْرِمِ مِنْ التَّمَلُّكِ بِهِ

كَالِاصْطِيَادِ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ قَبَضَهُ بِشِرَاءٍ إلَخْ ) قَالَ الْفَتِيُّ فِيهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ وَأَرْسَلَ وَتَفْرِيقُهُ فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ بَيْنَ الْهِبَةِ وَغَيْرِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ يَضْمَنُهَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ بِإِرْسَالِهِ مُتْلِفٌ مُتَعَدٍّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالشِّرَاءِ فِيمَا لَوْ هَلَكَ لَا بِفِعْلِهِ وَبِالْهَلَاكِ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْهِبَةِ وَعَبَّرَ فِي الْعَارِيَّةِ بِالْإِرْسَالِ وَقَالَ إنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ فَأَفْهَمَ أَنَّ تَلَفَ الْهِبَةِ بِفِعْلِهِ مُضَمِّنٌ ، وَتَلَفُ الْعَارِيَّةِ بِنَفْسِهَا غَيْرُ مُضَمِّنٍ وَمَا أَفْهَمَهُ فِي الْهِبَةِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ لَهَا حُكْمُ صَحِيحِهَا وَمَا أَفْهَمَهُ فِي الْعَارِيَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا بِالتَّلَفِ وَالْإِرْسَالِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ صَحِيحَهَا مَضْمُونٌ وَفَاسِدَهَا كَذَلِكَ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِهَلَاكِهَا ، الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ مُقْتَضَى تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الْهِبَةِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ افْتِرَاقُهُمَا عِنْدَ الْهَلَاكِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِرْسَالَ مُضَمَّنٌ فِي الْجَمِيعِ وَالْهَلَاكَ مُضَمَّنٌ فِي الشِّرَاءِ وَالْعَارِيَّةِ دُونَ الْهِبَةِ الْوَدِيعَةِ .

( فَرْعٌ وَيَمْلِكُهُ ) أَيْ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ ( بِالْإِرْثِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ) ، وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِإِرْسَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمَجْمُوعِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا ( وَيَجِبُ إرْسَالُهُ ) كَمَا لَوْ أَحْرَمَ ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ ( فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ وَضَمِنَ الْجَزَاءَ مَا لَمْ يُرْسِلْ ) حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَ الْبَائِعَ الْجَزَاءُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَيَجِبُ إلَى آخِرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّدِّ بِالْعَيْبِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ أَحْرَمَ بَائِعُ الصَّيْدِ ، ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي ) بِالثَّمَنِ ( لَوْ يَرْجِعُ فِيهِ ) أَيْ فِي الصَّيْدِ كَالشِّرَاءِ وَالِاتِّهَابِ ، لَكِنْ يَبْقَى حَقُّهُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ فَإِذَا زَالَ الْإِحْرَامُ رَجَعَ فِيهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ فَيَكُونُ تَعَذُّرُ الرُّجُوعِ فِي الْحَالِ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ وَعَلَيْهِ لَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ بِثَمَنِ الصَّيْدِ الَّذِي بَاعَهُ قَبْلُ عَيْبًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ ( وَإِذَا أَخَذَهُ ) الْمُحْرِمُ ( مِنْ سَبْعٍ أَوْ نَحْوِهِ لِيُدَاوِيَهُ ) عِبَارَةُ الْأَنْوَارِ ، وَلَوْ أَخَذَهُ تَخْلِيصًا مِنْ سَبْعٍ أَوْ مُدَاوِيًا لَهُ ( فَمَاتَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمَصْلَحَةَ فَجُعِلَتْ يَدُهُ يَدَ وَدِيعَةٍ كَمَا لَوْ أَخَذَ الْمَغْصُوبَ مِنْ الْغَاصِبِ لِيَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ .
( قَوْلُهُ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا ) كَمَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ ( قَوْلُهُ فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ ) قَالَ الْمَحَامِلِيُّ إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ كَانَ مِلْكًا لَهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ إلَّا بِالْقَتْلِ وَالْإِتْلَافِ ( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أُخِذَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْغَاصِبِ ) إنْ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ رَقِيقًا لِلْمَالِكِ

( فَرْعٌ ، وَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ لِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ ) أَوْ عُضْوِهِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) لِالْتِحَاقِهِ بِالْمُؤْذِيَاتِ ( أَوْ ) قَتَلَهُ ( لِدَفْعِ رَاكِبِهِ ) الصَّائِلِ عَلَيْهِ ( ضَمِنَ ) ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ رَاكِبِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَذَى لَيْسَ مِنْهُ كَمَا فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ بِحَلْقِ شَعْرِ رَأْسِهِ لِإِيذَاءِ الْقَمْلِ ( وَرَجَعَ ) بِمَا غَرِمَهُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الرَّاكِبِ ( وَيَضْمَنُهُ مُحْرِمٌ نَسِيَ ) الْإِحْرَامَ كَالْعَامِدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ وَمِثْلُهُ الْجَاهِلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( لَا إنْ جُنَّ ) فَقَتَلَ الصَّيْدَ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ فِعْلَهُ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الصَّيْدِ تَعَبُّدٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِ وَمِثْلُهُ لَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عَنْ الْمَجْنُونِ أَوْ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَقَتَلَ صَيْدًا فَلَا يَضْمَنُهُ هُوَ ، وَلَا الْوَلِيُّ أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ مَا قَدَّمْتُهُ فِي إزَالَةِ الشَّعْرِ ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ خِلَافَهُ كَمَا مَرَّ
( قَوْلُهُ لَا إنْ جُنَّ ) الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ وَكَتَبَ أَيْضًا ، وَهُوَ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَالْمَجْنُونُ فِيهِ كَالْعَاقِلِ ، وَلِهَذَا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ : إنَّ الْأَقْيَسَ خِلَافُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورًا عَمْدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ أَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ ، ثُمَّ قَالَ إنَّ حُكْمَ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ .
ا هـ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إتْلَافًا فَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ وَغَيْرِهِ

( فَرْعٌ ، وَإِنْ اُضْطُرَّ وَأَكَلَ الصَّيْدَ ) بَعْدَ ذَبْحِهِ ( ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ ( وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ ) الْمُحْرِمُ ( عَلَى قَتْلِهِ ) ضَمِنَهُ ( وَيَرْجِعُ ) بِمَا غَرِمَهُ ( عَلَى الْمُكْرِهِ ) لَهُ ( فَرْعٌ وَإِذَا عَمَّ الْجَرَادُ الْمَسَالِكَ ) ، وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ وَطْئِهِ ( فَوَطِئَهُ أَوْ بَاضَ صَيْدٌ فِي فِرَاشِهِ ) ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِالتَّعَرُّضِ لِبَيْضِهِ ( فَنَحَّاهُ فَفَسَدَ لَمْ يَضْمَنْ ) هُمَا لِأَنَّهُمَا أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ كَالصَّائِلِ .

( فَرْعٌ وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ حَلَالٌ صَيْدَ الْحَرَمِ صَارَ مَيْتَةً ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ ، وَإِنْ تَحَلَّلَ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الذَّبْحِ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْمَجُوسِيِّ ( وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ) لِلَّهِ تَعَالَى ( وَقِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ ) إنْ كَانَ مَمْلُوكًا وَخَرَجَ بِصَيْدِ الْحَرَمِ صَيْدُ الْحِلِّ ، وَإِنْ أُدْخِلَ فِي الْحَرَمِ وَذُبِحَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ( وَإِنْ كَسَرَ ) الْمُحْرِمُ أَوْ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ ( بَيْضًا ) لِصَيْدٍ ( أَوْ قَتَلَ جَرَادًا ) كَذَلِكَ ( لَمْ يَحْرُمْ عَلَى غَيْرِهِ ) ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى فِعْلٍ بِدَلِيلِ حِلِّ ابْتِلَاعِهِ بِدُونِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ تَصْحِيحَهُ فِي الْبَيْضِ عَنْ جَمْعٍ وَالْقَطْعُ بِهِ عَنْ آخَرِينَ وَقَالَ بَعْدَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ : إنَّهُ أَصَحُّ وَقَالَ هُنَا : إنَّ الْأَشْهَرَ الْحُرْمَةُ وَخَرَجَ بِغَيْرِهِ هُوَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الذَّبْحِ لِحَقِّ اللَّهِ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّ الْحَلَالَ إذَا جَرَحَ صَيْدًا اسْتَفَادَ بِهِ الْمِلْكَ وَحَلَّ أَكْلُهُ وَالْمُحْرِمُ لَمَّا لَمْ يَسْتَفِدْ بِجَرْحِهِ الْمِلْكَ فَكَذَا لَا يُسْتَفَادُ الْحِلُّ

( فَصْلٌ جَزَاءُ ) الصَّيْدِ ( الْمِثْلِيِّ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ وَيَتَخَيَّرُ ) فِيهِ ( بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَهُ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ ) الشَّامِلِينَ لِفُقَرَائِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَشْمَلُ الْآخَرَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُمَلِّكَهُمْ جُمْلَتَهُ مَذْبُوحًا ( أَوْ يُعْطِيَهُمْ بِقِيمَتِهِ فِي مَكَّةَ ) أَيْ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ ( طَعَامًا ) مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ فِي مَكَّةَ يَعْنِي الْحَرَمَ مُتَعَلِّقٌ بِيُعْطِيهِمْ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ الْجَزَاءِ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مَعَ أَنَّ فِي التَّعْبِيرَيْنِ مَعًا إيهَامٌ أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ خَارِجَ الْحَرَمِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا فِيمَا يَظْهَرُ ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ التَّقْوِيمِ فِي مَكَّةَ فَسَيَأْتِي ( أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا حَيْثُ كَانَ ) الْمُنَاسِبُ لِبَيْنِ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ ( وَ ) يَصُومُ ( عَنْ مُنْكَسِرٍ ) مِنْ الْأَمْدَادِ يَوْمًا ( أَيْضًا ) إذْ لَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُ الصَّوْمِ ( وَلَا يُجْزِئُهُ إعْطَاؤُهُمْ ) الْمِثْلَ ( قَبْلَ الذَّبْحِ ، وَلَا ) إعْطَاؤُهُمْ ( دَرَاهِمَ ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ آيَةُ { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } ( وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ كَذَلِكَ ) يَعْنِي يَتَخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَأَنْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ وَمُنْكَسِرٍ يَوْمًا ( إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَةِ مَوْضِعِ الْإِتْلَافِ ) وَوَقْتِهِ كَمَا فِي كُلِّ مُتَقَوِّمٍ أَتْلَفَ وَفِي مَعْنَى الْإِتْلَافِ التَّلَفُ ( وَ ) يَضْمَنُ ( الْمِثْلَ بِقِيمَتِهِ بِمَكَّةَ ) عِنْدَ الْعُدُولِ عَنْ ذَبْحِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ ذَبْحِهِ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ بِهَا عِنْدَ الْعُدُولِ عَنْ ذَلِكَ وَيُرْجَعُ فِي الْقِيمَةِ إلَى عَدْلَيْنِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ ( وَفِيهِمَا ) أَيْ الْمِثْلِ وَغَيْرِهِ ( يُعْتَبَرُ الطَّعَامُ ) إذَا عَدَلَ إلَيْهِ ( بِسِعْرِ مَكَّةَ ) لِمَا مَرَّ .

( قَوْلُهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا فِيمَا يَظْهَرُ ) قَالَ شَيْخُنَا يَتَّجِهُ بَحْثُهُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْفُقَرَاءُ قَاطِنِينَ بِهِ وَخَرَجُوا لِحَاجَةٍ أَمَّا الْغُرَبَاءُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمْ حَالَ الْأَخْذِ بِالْحَرَمِ فِيمَا يَظْهَرُ ( قَوْلُهُ يَعْنِي يَتَخَيَّرُ فِيهِ إلَخْ ) وَجْهُ التَّخْيِيرِ أَنَّهَا كَفَّارَةُ إتْلَافِ مَا حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ فَكَانَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ كَالْحَلْقِ ( قَوْلُهُ وَفِيهِمَا يُعْتَبَرُ الطَّعَامُ بِسِعْرِ مَكَّةَ ) هَلْ الْوَاجِبُ عِنْدَ إخْرَاجِ الطَّعَامِ أَوْ تَعْدِيلِهِ غَالِبُ قُوتِ مَكَّةَ أَوْ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِ التَّلَفِ أَوْ غَالِبُ قُوتِهِ نَفْسِهِ أَوْ غَالِبُ قُوتِ مَحَلِّ الْإِتْلَافِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ ، وَقَضِيَّةُ إلْحَاقِهِ بِالْكَفَّارَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِغَالِبِ قُوتِ بَلَدِ التَّلَفِ قَالَ شَيْخُنَا : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى غَالِبِ قُوتِ مَكَّةَ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَكُونُ إلَّا فِيهَا وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَوْلَى .

( فَرْعٌ وَالْمِثْلُ ) الْمَضْمُونُ ( تَقْرِيبٌ ) لَا تَحْدِيدٌ ، وَلَيْسَ التَّقْرِيبُ مُعْتَبَرًا بِالْقِيمَةِ بَلْ بِالصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَكَمُوا فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْ الصَّيْدِ بِالنَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْ النَّعَمِ مَعَ اخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ وَالْقِيَمِ ( فَفِي الضَّبُعِ ) ، وَهُوَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَلِلْأُنْثَى فَقَطْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ، وَأَمَّا الذَّكَرُ فَضِبْعَانٌ بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ ( كَبْشٌ ) ، وَهُوَ ذَكَرُ الضَّأْنِ وَالْأُنْثَى نَعْجَةٌ فَوَاجِبُ الضَّبُعِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ نَعْجَةٌ لَا كَبْشٌ فَفِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ تَجَوُّزٌ عَلَى وَفْقِ الْخَبَرِ الْآتِي ( وَفِي النَّعَامَةِ ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ( بَدَنَةٌ ) كَذَلِكَ ( لَا بَقَرَةٌ ، وَلَا شِيَاهٌ ) سَبْعٌ أَوْ أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ تُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ ( وَفِي الْإِبِلِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِهِ بَقَرَةٌ ) وَالْأُيَّلُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ ، الذَّكَرُ مِنْ الْوَعِلِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَفِي الْوَعِلِ بَقَرَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ صَرَّحَ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْحَيَوَانِ بِأَنَّ الْوَعِلَ غَيْرُ الْأُيَّلِ وَفَسَّرَ الْوَعِلَ بِالْخَيْلِ ، وَلِهَذَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَفِي الْوَعِلِ تَيْسٌ قَالَ : وَهَذَا أَقْرَبُ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الرِّبَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الظِّبَاءِ إذْ قَالَ وَفِي الْأُيَّلِ مَعَ الظِّبَاءِ تَرَدُّدٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالضَّأْنِ مَعَ الْمَعْزِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِي الْأُيَّلِ الْعَنْزَ ا هـ .
وَالْأَوْلَى أَوْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ : التَّيْسُ بَدَلُ الْعَنْزِ ( وَ ) فِي ( الظَّبْيِ عَنْزٌ ) ، وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَةٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : وَفِي الظَّبْيِ تَيْسٌ إذْ الْعَنْزُ إنَّمَا هِيَ وَاجِبَةُ الظَّبْيَةِ ( وَ ) فِي ( الثَّعْلَبِ شَاةٌ وَ ) فِي ( الْأَرْنَبِ

عَنَاقٌ ) ، وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ : أَنَّهَا أُنْثَى الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ حَتَّى تَرْعَى ( وَ ) فِي ( الْيَرْبُوعِ وَالْوَبَرِ ) بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ ( جَفْرَةٌ ) ، وَهِيَ كَمَا فِي الْأَصْلِ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا وَالذَّكَرُ جَفْرٌ سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ الْعَنَاقَ : وَالْجَفْرَةُ بِمَا ذُكِرَ هَذَا مَعْنَاهُمَا لُغَةً لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَفْرَةِ هُنَا مَا دُونَ الْعَنَاقِ إذْ الْأَرْنَبُ خَيْرٌ مِنْ الْيَرْبُوعِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْيَرْبُوعِ غَيْرُ جَفْرَةٍ ؛ لِأَنَّهَا بِمُقْتَضَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ سِنِّ الْعَنَاقِ وَذَلِكَ يُخَالِفُ الدَّلِيلَ وَالْمَنْقُولَ ( وَ ) فِي ( الضَّبِّ وَأُمِّ حُبَيْنٍ ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَهِيَ دَابَّةٌ عَلَى خِلْقَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ الْبَطْنِ ( جَدْيٌ ) .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْهُ فَقَالَ صَحِيحٌ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ } وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمْ قَضَوْا فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ قَضَوْا فِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِهِ بِبَقَرَةٍ وَعَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي الظَّبْيِ بِشَاةٍ وَعَنْ ابْنِ عَوْفٍ وَسَعْدٍ أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي الظَّبْيِ بِتَيْسٍ أَعْفَرَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ وَعَنْ عَطَاءٍ فِي

الثَّعْلَبِ شَاةٌ وَفِي الْوَبَرِ شَاةٌ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَضَى فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِحُلَّانِ مِنْ الْغَنَمِ ، وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْخَرُوفُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الْجَدْيُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ ، وَأَمَّا الْحُلَّانُ وَيُقَالُ : الْحُلَّامُ فَقِيلَ : هُوَ الْجَدْيُ وَقِيلَ : الْخَرُوفُ ( وَيَحْكُمُ ) بِالْمِثْلِ ( فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ عَدْلَانِ ) قَالَ تَعَالَى { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } ( فَقِيهَانِ ) فَطِنَانِ كَمَا فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْرَفُ بِالشَّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا وَاعْتِبَارُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَعَلَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوبَ اعْتِبَارِ الْفِقْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِقَوْلِ مَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالْخُنْثَى وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الْفِقْهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِقْهِ الْخَاصِّ بِمَا يَحْكُمُ بِهِ هُنَا وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْفِقْهَ مُسْتَحَبٌّ مَحْمُولٌ عَلَى زِيَادَتِهِ .
( وَلَوْ قَتَلَاهُ ) أَيْ الصَّيْدَ ( لَكِنْ بِلَا عُدْوَانٍ ) كَخَطَأٍ أَوْ اضْطِرَارٍ إلَيْهِ فَإِنَّهُمَا يَحْكُمَانِ بِالْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ رَجُلًا قَتَلَ ظَبْيًا بِالْحُكْمِ فِيهِ فَحَكَمَ فِيهِ بِجَدْيٍ فَوَافَقَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَمِينًا فِيهِ كَالزَّكَاةِ أَمَّا مَعَ الْعُدْوَانِ أَيْ وَمَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا يَحْكُمَانِ لِفِسْقِهِمَا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَكَيْفَ تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِارْتِكَابِهِ مَرَّةً ؟ وَيُجَابُ يُمْنَعُ ذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ بِلَا ضَرُورَةٍ ، وَلَا فَائِدَةٍ ( وَلَوْ اخْتَلَفَ تَمْثِيلُ الْعُدُولِ ) بِأَنْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَآخَرَانِ بِآخَرَ ( تَخَيَّرَ ) مَنْ لَزِمَهُ الْمِثْلُ كَمَا فِي اخْتِلَافِ الْمُفْتِيَيْنِ ( وَيُقَدَّمُ ) فِيمَا لَوْ

حَكَمَ عَدْلَانِ بِأَنَّ لَهُ مِثْلًا وَآخَرَانِ بِأَنَّهُ : لَا مِثْلَ لَهُ ( قَوْلُ مُثْبِتِي الْمِثْلِ ) ؛ لِأَنَّ مَعَهُمَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِمَعْرِفَةِ دَقِيقِ الشَّبَهِ أَمَّا مَا فِيهِ نَصٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ صَحَابِيَّيْنِ أَوْ عَنْ عَدْلَيْنِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ فَيُتَّبَعُ مَا حَكَمُوا بِهِ وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الطُّيُورِ مِنْ الْحَيَوَانِ ( وَأَمَّا الطُّيُورُ فَفِي وَاحِدِ الْحَمَامِ ، وَهُوَ مَا عَبَّ ) أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا مَصٍّ ( وَهَدَرَ ) هُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ رَجَّعَ صَوْتَهُ وَغَرَّدَ كَالْيَمَامِ وَالْقُمْرِيِّ وَالدُّبْسِيِّ وَالْفَاخِتَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ مُطَوَّقٍ ( شَاةٌ ) مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ بِحُكْمِ الصَّحَابَةِ وَمُسْتَنِدُهُ تَوْقِيفٌ بَلَغَهُمْ ، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ إيجَابُ الْقِيمَةِ وَقِيلَ مُسْتَنَدُهُ الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ إلْفُ الْبُيُوتَ ، وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْحَمَامِ إذْ لَا يَأْتِي فِي الْفَوَاخِتِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَلَا حَاجَةَ فِي وَصْفِ الْحَمَامِ إلَى ذِكْرِ الْهَدِيرِ مَعَ الْعَبِّ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْعَبِّ انْتَهَى .
وَمَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ هُوَ مَا قَالَهُ فِي الْأُمِّ لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْهَدِيرِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِيهِ أَيْضًا وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ مَمْنُوعٌ بَلْ الْعَبُّ أَعَمُّ مُطْلَقًا فَبَيْنَهُمَا لُزُومٌ لَا تَلَازَمَ إذْ بَعْضُ الْعَصَافِيرِ يَعُبُّ ، وَلَا يَهْدِرُ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ( وَفِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْحَمَامِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَكْبَرَ جُثَّةً مِنْهُ أَمْ أَصْغَرَ أَمْ مِثْلَهُ كَطَيْرِ الْمَاءِ وَالْعُصْفُورِ ( الْقِيمَةُ ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ وَقَدْ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ بِهَا فِي الْجَرَادِ

.
( قَوْلُهُ فَفِي الضَّبُعِ ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا قَوْلُهُ وَذَلِكَ يُخَالِفُ الدَّلِيلَ وَالْمَنْقُولَ ) الْجَفْرَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا دُونَ الْعَنَاقِ إذْ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِهَا مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِمَا ( قَوْلُهُ عَدْلَانِ ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي هُنَا الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ ( قَوْلُهُ فَلَا يَحْكُمَانِ لِفِسْقِهِمَا ) إلَّا إنْ تَابَا وَأَصْلَحَا ( قَوْلُهُ وَقِيلَ مُسْتَنَدُهُ الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا إلَخْ ) وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَغِيرًا هَلْ تَجِبُ شَاةٌ أَوْ سَخْلَةٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَالْعُصْفُورِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْوَطْوَاطِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي الْوَطْوَاطِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ : أَنَّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ التَّعَرُّضُ لَهُ ، وَلَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ إلَّا الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وَالْوَطْوَاطُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ اسْتِدْرَاكُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي الْوَطْوَاطِ غَرِيبٌ فَإِنَّ الْجَزَاءَ كَمَا يَجِبُ فِي الْمَأْكُولِ يَجِبُ فِيمَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْوَطْوَاطُ ، وَهُوَ الْخُفَّاشُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ قَتْلُ الْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ وَالنَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ وَمَا حَرُمَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيهِ الْجَزَاءُ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِيمَنْ قَتَلَ قَمْلَةً تَصَدَّقْ بِلُقْمَةٍ ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْإِحْرَامَ يُؤَثِّرُ فِي تَغْلِيظِ الدِّيَةِ كَذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ فِي قَتْلِ مَا يَحْرُمُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْجَزَاءَ فِي الْوَطْوَاطِ قَدَّرْنَاهُ مَأْكُولًا وَقَوَّمْنَاهُ .

( وَيُفْدَى الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ ) وَالسَّمِينُ وَالْهَزِيلُ وَالْمَعِيبُ ( بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ أَعْوَرَ يَمِينٌ بِيَسَارٍ ) ، وَلَا يُؤَثِّرُ اخْتِلَافُ نَوْعِ الْعَيْبِ لِتَقَارُبِ شَأْنِ النَّوْعِ بِخِلَافِ اخْتِلَافِ جِنْسِهِ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ ( وَيُجْزِئُ الذَّكَرُ عَنْ الْأُنْثَى ) ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ ( وَعَكْسُهُ ) أَيْ وَتُجْزِئُ الْأُنْثَى عَنْ الذَّكَرِ كَالزَّكَاةِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَخْتَلِفُ كَمَا فِي الِاخْتِلَافِ فِي اللَّوْنِ ( وَ ) لَكِنَّ ( الذَّكَرَ أَفْضَلُ ) لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ، وَلَوْ فَدَى الْمَرِيضَ بِالصَّحِيحِ وَ الْمَعِيبَ بِالسَّلِيمِ فَهُوَ أَفْضَلُ ( وَفِي ) الصَّيْدِ ( الْحَامِلِ حَامِلٌ ) مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فَضِيلَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا يُمْكِنُ إهْمَالُهَا ( وَلَا تُذْبَحُ الْحَامِلُ ) لِنَقْصِ لَحْمِهَا مَعَ فَوَاتِ مَا يَنْفَعُ الْمَسَاكِينَ مِنْ زِيَادَةِ قِيمَتِهَا بِالْحَمْلِ ( بَلْ تُقَوَّمُ ) بِمَكَّةَ مَحَلِّ ذَبْحِهَا لَوْ ذُبِحَتْ وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَاقْتِصَارُهُ عَلَى التَّقْوِيمِ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ضَمِّ الْأَصْلِ إلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ طَعَامًا ( فَإِنْ أَلْقَتْ ) حَامِلٌ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِهِ بَطْنَهَا أَوْ نَحْوَهُ ( جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ ) هِيَ أَيْضًا بِذَلِكَ ( فَكَقَتْلِ الْحَامِلِ ، وَإِنْ عَاشَتْ ضَمِنَ نَقْصَهَا ) أَيْ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَحَائِلًا ، وَلَا يَضْمَنُ الْجَنِينَ بِخِلَافِ جَنِينِ الْأَمَةِ يَضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَيُنْقِصُ فِي قِيمَةِ الْآدَمِيَّاتِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ فِيهِنَّ ( أَوْ ) أَلْقَتْهُ ( حَيًّا وَمَاتَا ضَمِنَهُمَا ) أَيْ ضَمِنَ كُلًّا مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ ( أَوْ مَاتَ ) جَنِينُهَا ( دُونَهَا ضَمِنَهُ وَ ) ضَمِنَ ( نَقْصَهَا ) الْمَذْكُورَ .

( قَوْلُهُ بِمِثْلِهِ ) رِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ الَّتِي اقْتَضَتْهَا الْآيَةُ وَأَيْضًا كَمَا اُعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ الصُّورِيَّةُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ فَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَسْنَانِ وَالصِّفَاتِ قَوْلُهُ فَكَقَتْلِ الْحَامِلِ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ أَطْلَقَ الْتِحَاقَهُ بِالْحَامِلِ وَمَوْضِعُهُ إذَا مَاتَا مَعًا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ أَمَّا لَوْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَ الْأُمَّ بِمِثْلِهَا مِنْ النَّعَمِ وَالْوَلَدَ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّهِ بِإِسْقَاطِهِ .
حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ، وَلَمْ يُورِدْ ابْنُ الرِّفْعَةِ غَيْرَهُ وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَحَكَى الْعِمْرَانِيُّ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَاخِضِ إذَا أَصَابَهَا فَمَاتَتْ

( فَرْعٌ وَإِذَا جَرَحَ ظَبْيًا ) وَانْدَمَلَ جُرْحُهُ بِلَا إزْمَانٍ ( فَنَقَصَ عُشْرُ قِيمَتُهُ فَعَلَيْهِ عُشْرُ شَاةٍ ) لَا عُشْرُ قِيمَتِهَا تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ شَرِيكًا فِي ذَبْحِ شَاةٍ وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ قِسْطٍ مِنْ الْحَيَوَانِ فَأَرْشَدَهُ إلَى مَا هُوَ أَسْهَلُ فَإِنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ مُخَيَّرٌ فَفِي الْمِثَالِ يُخْرِجُ عُشْرَ شَاةٍ أَوْ يُخْرِجُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ( فَإِنْ بَرِئَ مِنْ جُرْحِهِ ) ، وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ ، وَلَا أَثَرٌ ( فَالْأَرْشُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْآدَمِيِّ ) أَيْ كَالْحُكُومَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآدَمِيِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ وُجُوبُ الْأَرْشِ ، وَلِهَذَا حَكَى فِي التَّجْرِيدِ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَجِبُ شَيْءٌ بِقَدْرِ مَا يَجْتَهِدُ فِيهَا الْقَاضِي أَيْ مُرَاعِيًا فِي اجْتِهَادِهِ مِقْدَارَ الْوَجَعِ الَّذِي أَصَابَهُ ( وَ ) عَلَيْهِ ( فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ أَرْشُهُ ) ، ثُمَّ يُخَيَّرُ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالصَّوْمِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَلَوْ أَزْمَنَ صَيْدٌ لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ ) كَامِلًا لَزِمَهُ كَمَا لَوْ أَزْمَنَ عَبْدٌ لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِزْمَانَ كَالْإِتْلَافِ ( فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ ) مُطْلَقًا ( أَوْ هُوَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْهِ ) أَيْ الْقَاتِلِ ( جَزَاؤُهُ زَمِنًا ) كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ عَبْدٍ فَقَتَلَهُ آخَرُ أَوْ قَتَلَهُ هُوَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ تَلْزَمُ قِيمَتُهُ سَلِيمًا لِلْقَطْعِ وَقِيمَتُهُ مَقْطُوعًا لِلْقَتْلِ كَمَا فِي الْآدَمِيِّ أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْآدَمِيِّ ( وَلَوْ أَزَالَ أَحَدَ امْتِنَاعِي النَّعَامَةِ وَنَحْوِهَا ) ، وَهُمَا قُوَّةُ عَدْوِهَا وَطَيَرَانِهَا ( اُعْتُبِرَ النَّقْصُ ) ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّجْلِ وَالْجَنَاحِ فَالزَّائِلُ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ فَيَجِبُ النَّقْصُ لَا الْجَزَاءُ الْكَامِلُ .

( فَرْعٌ وَإِذَا جَرَحَهُ فَغَابَ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا وَشَكَّ ) أَمَاتَ بِجَرْحِهِ أَمْ بِحَادِثٍ ( لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَيْرُ الْأَرْشِ ) لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِحَادِثٍ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ فَغَابَ وَشَكَّ فِي مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ وَالْحَيَاةُ وَالِاحْتِيَاطُ إخْرَاجُ جَزَاءٍ كَامِلٍ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِجَرْحِهِ ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاسْتُشْكِلَتْ الْأُولَى بِمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ حِلِّ صَيْدٍ جَرَحَهُ فَغَابَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا ، وَشَكَّ أَمَاتَ بِجَرْحِهِ أَوْ بِحَادِثٍ ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّا لَوْ لَمْ نَقُلْ بِالْحِلِّ ، ثُمَّ لَمْ نُرَتَّبْ عَلَى الْجُرْحِ مُقْتَضَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ عَدَمِ ضَمَانِ الزَّائِدِ هُنَا .
( قَوْلُهُ بِمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ فِي غَيْرِ الْمِنْهَاجِ أَمَّا مَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيمِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا إشْكَالَ .

( وَيَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ ) الْمُشْتَرَكِينَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ ( وَالْقَارِنَ ) الْقَاتِلَ لِلصَّيْدِ ( جَزَاءٌ وَاحِدٌ ، وَإِنْ كَانَ ) الصَّيْدُ ( حَرَمِيًّا ) لِاتِّحَادِ الْمُتْلِفِ ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُ الْجَزَاءِ كَمَا يَتَّحِدُ تَغْلِيظُ الدِّيَةِ ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِلِينَ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ .
( قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ وَالْقَارِنَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ مِثْلَ الْمَقْتُولِ وَمِثْلَ الْوَاحِدِ وَاحِدٌ وَإِنْ قَتَلَهُ عَشَرَةٌ كَمَا أَنَّ مِثْلَ الْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ وَإِنْ قَتَلَهُمْ وَاحِدٌ

( وَشَرِيكُ الْحَلَالِ ) فِي قَتْلِ صَيْدٍ ( يَلْزَمُهُ النِّصْفُ ) مِنْ الْجَزَاءِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَلَالِ ، وَلَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَمُحِلُّونَ لَزِمَهُ مِنْ الْجَزَاءِ بِقِسْطِهِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ كَبَدَلِ الْمُتْلَفَاتِ .

( فَرْعٌ ، وَلَهُ أَكْلُ مَا لَمْ يُصَدْ لَهُ إنْ لَمْ يَدُلَّ ) هُوَ ( وَلَمْ يُعِنْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ فَعَلَ ) شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ صِيدَ لَهُ ( حَرُمَ أَكْلُهُ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا عَقَرَ أَبُو قَتَادَةَ ، وَهُوَ حَلَالٌ الْأَتَانَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا ؟ قَالُوا : لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( وَلَا جَزَاءَ ) عَلَيْهِ بِدَلَالَتِهِ ، وَلَا بِإِعَانَتِهِ ، وَلَا بِأَكْلِهِ مَا صِيدَ لَهُ كَمَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ قَتْلِ الْآدَمِيِّ وَلِعَدَمِ نَمَائِهِ فِي الْأَخِيرَةِ بَعْدَ ذَبْحِهِ كَبَيْضٍ مَذِرٍ ؛ وَلِأَنَّ جَزَاءَ ذَبْحِهِ يُغْنِي عَنْ جَزَاءٍ آخَرَ ، وَمَسْأَلَةُ الدَّلَالَةِ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ .
فَرْعٌ لَوْ دَلَّ عَلَى صَيْدٍ إلَى آخِرِهِ .

( فَصْلٌ وَلِلْحَلَالِ ، وَلَوْ كَافِرًا ) مُلْتَزِمَ الْأَحْكَامِ ( حُكْمُ الْمُحْرِمِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ ) مِنْ تَحْرِيمِ تَعَرُّضٍ وَلُزُومِ جَزَاءٍ وَغَيْرِهِمَا ( وَلِمَالِكِ صَيْدِ الْحِلِّ ) مَا لَمْ يُحْرِمْ ( ذَبْحُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ ) كَيْفَ شَاءَ ( فِي الْحَرَمِ كَالنَّعَمِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ حِلٍّ ( وَإِنْ أَرْسَلَ الْحَلَالُ كَلْبًا ) مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ مُقَيَّدٍ بِمَا يَأْتِي فَقَتَلَهُ ( أَوْ رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ هُوَ ) أَيْ كُلَّهُ ( أَوْ بَعْضَ قَوَائِمِهِ ) ، وَلَوْ وَاحِدَةً ( أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا مِنْ الْحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ هُوَ أَوْ بَعْضُ قَوَائِمِهِ أَوْ رَمَى مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا كَذَلِكَ ( ضَمِنَهُ ) تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ ؛ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ مُحَرَّمٌ عَلَى مَنْ فِي الْحَرَمِ وَفِيمَا قَبْلَهُ أَصَابَهُ فِي مَحَلِّ أَمْنِهِ وَإِنَّمَا ضَمِنَهُ الْكَافِرُ ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانٌ يَتَعَلَّقُ بِالْإِتْلَافِ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ وَيُفَارِقُ مَا ذَكَرَ عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا لَوْ سَعَى مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ أَوْ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحِلِّ لَكِنْ سَلَكَ فِي أَثْنَاءِ سَعْيِهِ الْحَرَمَ فَقَتَلَ الصَّيْدَ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الِاصْطِيَادِ مِنْ حِينِ الرَّمْيِ أَوْ نَحْوِهِ لَا مِنْ حِينِ السَّعْيِ .
وَلِهَذَا تُشْرَعُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ أَوْ نَحْوِهِ لَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّعْيِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ الْحَرَمِ وَنَصَبَ شَبَكَةً بِالْحِلِّ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ لَمْ يَضْمَنْهُ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِنْ الْفَرْقِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ الْحَرَمِ وَرَمَى إلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِكَوْنِ غَيْرِ قَوَائِمِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ كَرَأْسِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى قَائِمَتِهِ الَّتِي فِي الْحَرَمِ فَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَوَائِمِ هُوَ فِي

الْقَائِمِ ، أَمَّا النَّائِمُ فَالْعِبْرَةُ بِمُسْتَقَرِّهِ قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ .
ا هـ .
فَلَوْ نَامَ وَنِصْفُهُ فِي الْحَرَمِ وَنِصْفُهُ فِي الْحِلِّ حَرُمَ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وَعَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ شَرْطُهُ أَنْ يُصِيبَ الرَّامِي الْجُزْءَ الَّذِي مِنْ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ ، فَلَوْ أَصَابَ رَأْسَهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ ، وَإِنْ كَانَ قَوَائِمُهُ كُلُّهَا فِي الْحِلِّ ، وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ : إنَّ كَلَامَ الْقَاضِي يَقْتَضِيهِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ ( وَكَذَا ) يَضْمَنُهُ ( لَوْ كَانَا فِي الْحِلِّ وَمَرَّ السَّهْمُ لَا الْكَلْبُ فِي الْحَرَمِ ) فَأَصَابَهُ وَقَتَلَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ السَّهْمَ إلَيْهِ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِهِ فِي الْكَلْبِ لَا ضَمَانَ فِيهِ بِذَلِكَ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ ( إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ) أَيْ الْحَرَمُ ( طَرِيقًا ) لَهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ السَّهْمِ فَإِنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لَهُ إلَى الْحَرَمِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى الدُّخُولِ فِيهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا ( وَلَوْ دَخَلَ الصَّيْدُ ) الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ ، وَهُوَ فِي الْحِلِّ ( الْحَرَمَ فَقَتَلَهُ السَّهْمُ فِيهِ ضَمِنَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ فِي مَحَلِّ أَمْنِهِ ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فِيهِ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ قَبْلَ رَمْيِهِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ ( لَا الْكَلْبُ ) فَلَا يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا كَمَا مَرَّ ( لَا إنْ عَدِمَ الصَّيْدُ مَفَرًّا غَيْرَ الْحَرَمِ ) عِنْدَ هَرَبِهِ فَإِنَّهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُرْسِلُ عَالِمًا بِالْحَالِ أَمْ جَاهِلًا ( وَ ) لَكِنْ ( لَا يَأْثَمُ الْجَاهِلُ بِذَلِكَ ) .

قَوْلُهُ وَلُزُومِ جَزَاءٍ وَغَيْرِهِمَا ) ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ يَحْرُمُ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَضَمِنَهُ كَالْمُحْرِمِ فِي صَيْدِ غَيْرِ الْحَرَمِ ( قَوْلُهُ أَمَّا النَّائِمُ فَالْعِبْرَةُ بِمُسْتَقَرِّهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ حَرُمَ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ أَصَابَ رَأْسَهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَمَرَّ السَّهْمُ أَوْ نَحْوُهُ ) كَرُمْحٍ أَوْ عَصًا

( فَرْعٌ ) لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا أَوْ سَهْمًا مِنْ الْحِلِّ إلَى صَيْدٍ فِيهِ فَوَصَلَ إلَيْهِ فِي الْحِلِّ وَتَحَامَلَ الصَّيْدُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَقْلِ الْكَلْبِ لَهُ إلَى الْحَرَمِ فَمَاتَ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَلَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ احْتِيَاطًا لِحُصُولِ قَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ نَقَلَ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ .
( قَوْلُهُ نَقَلَ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ ) قَالَ شَيْخُنَا : هُوَ الْأَصَحُّ إذْ تَمَامُ الْفِعْلِ حَصَلَ فِي الْحَرَمِ فَصَارَ مَقْتُولَ حَرَمٍ ، وَأَمَّا الضَّمَانُ فَلَا مُوجِبَ لَهُ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَتَلَ ) حَلَالٌ ( فِي الْحِلِّ حَمَامَةً ، وَلَهَا فِي الْحَرَمِ فَرْخٌ ) فَهَلَكَ ( ضَمِنَهُ ) دُونَهَا ؛ لِأَنَّهُ أَهْلَكَهُ بِقَطْعِ مُتَعَهِّدِهِ فَأَشْبَهَ رَمْيَهُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ بِخِلَافِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهَا فِي الْحِلِّ ( أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ قَتَلَهَا فِي الْحَرَمِ ، وَلَهَا فِي الْحِلِّ فَرْخٌ فَهَلَكَ ( ضَمِنَهُمَا ) أَمَّا هُوَ فَكَمَا لَوْ رَمَاهُ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ ، وَأَمَّا هِيَ فَلِقَتْلِهَا فِي الْحَرَمِ وَكَقَتْلِ الْحَمَامَةِ فِيمَا ذُكِرَ أَخْذُهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ( وَلَوْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( نَفَّرَ مُحْرِمٌ صَيْدًا ) ، وَلَوْ فِي الْحِلِّ ( أَوْ نَفَّرَهُ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ بِسَبَبِهِ ) أَيْ بِسَبَبِ التَّنْفِيرِ بِصَدْمَةٍ أَوْ أَخْذِ سَبُعٍ أَوْ قَتْلِ حَلَالٍ لَهُ فِي الْحِلِّ أَوْ نَحْوِهَا ( ضَمِنَهُ ) وَيَسْتَمِرُّ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَسْكُنَ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ تَلِفَ بِهِ فِي نِفَارِهِ صَيْدٌ آخَرُ ضَمِنَهُ أَيْضًا ( لَا إنْ أَتْلَفَهُ مُحْرِمٌ ) ، وَلَوْ فِي الْحِلِّ ( أَوْ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ ) فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُنَفِّرِ بَلْ عَلَى الْمُتْلِفِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ .

( فَصْلٌ يَحْرُمُ ) عَلَى الْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ ( قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ الرَّطْبِ غَيْرِ الْمُؤْذِي ) مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا ( حَتَّى مَا يَسْتَنْبِتُ مِنْهُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَسْتَنْبِتُهُ النَّاسُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ { إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لَا يُعْضَدُ شَجَرَهُ ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ ، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ فَقَالَ : إلَّا الْإِذْخِرَ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالْعَضْدُ الْقَطْعُ ، وَإِذَا حَرُمَ الْقَطْعُ فَالْقَلْعُ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَالْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ الرَّطْبُ وَالْإِذْخِرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ حَلْفَاءُ مَكَّةَ وَاحِدَتُهُ إذْخِرَةٌ وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ غَيْرِ الشَّجَرِ مِنْ سَائِرِ النَّبَاتِ ( فَلَا يَحْرُمُ الْيَابِسُ ) أَيْ قَطْعُهُ ، وَلَا قَلْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَابِتًا فِي الْحَرَمِ بَلْ مَغْرُوزٌ فِيهِ وَكَمَا لَوْ قَدَّ صَيْدًا مَيِّتًا ( وَلَا ذُو الشَّوْكِ ) كَعَوْسَجٍ ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الْمُرُورُ كَالصَّيْدِ الْمُؤْذِي وَفِي وَجْهٍ صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاخْتَارَهُ فِي نُكَتِهِ يَحْرُمُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ { ، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا } قَالَ : وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ الْمُؤْذِي أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِخِلَافِ الشَّجَرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلِلْقَائِلِ بِالْمَذْهَبِ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهُ مُخَصَّصٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ ، وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الشَّوْكَ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ فَكَيْفَ يَجِيءُ التَّخْصِيصُ ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّوْكَ يَتَنَاوَلُ الْمُؤْذِيَ وَغَيْرَهُ وَالْقَصْدُ تَخْصِيصُهُ بِالْمُؤْذِي

( قَوْلُهُ أَيْ يَسْتَنْبِتُهُ النَّاسُ ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَأْخُذَ إنْسَانٌ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ فِي الْحَرَمِ فَيَغْرِسَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ فَيَنْبُتُ وَيَصِيرُ شَجَرَةً فَمَنْ قَطَعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ذَكَرَ هَذَا التَّصْوِيرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَصَوَّرَهَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِنْبَاتِهِ كَالْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ وَالصَّنَوْبَرِ وَالْخِلَافِ وَالْفِرْصَادِ انْتَهَى .
وَجَرَى فِي الرَّوْضَةِ عَلَى مَا فِي التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ) وَالتَّصْحِيحِ وَالتَّحْرِيرِ ( قَوْلُهُ : وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّوْكَ يَتَنَاوَلُ الْمُؤْذِيَ وَغَيْرَهُ إلَخْ ) قَالَ بَعْضُهُمْ وَقَدْ يُقَالُ : الْمُبَاحُ قَطْعُ نَفْسِ الشَّوْكِ وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ قَطْعُ نَفْسِ الشَّجَرَةِ وَقَدْ قَالُوا يَجُوزُ قَطْعُ غُصْنِ شَجَرَةٍ حَرَمِيَّةٍ انْتَشَرَ إلَى الطَّرِيقِ وَمَنَعَ الْمُرُورَ وَأَضَرَّ بِالْمَارَّةِ انْتَهَى .

( وَإِنْ غُرِسَتْ شَجَرَةٌ حَرَمِيَّةٌ فِي الْحِلِّ أَوْ حِلِّيَّةٌ فِي الْحَرَمِ لَمْ تَنْتَقِلْ الْحُرْمَةُ عَنْهَا ) فِي الْأُولَى ( وَلَا إلَيْهَا ) فِي الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ صَيْدٍ دَخَلَ الْحَرَمَ إذْ لِلشَّجَرِ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَاعْتُبِرَ مَنْبَتُهُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ فَاعْتُبِرَ مَكَانُهُ ( وَلَا تُضْمَنُ الْحَرَمِيَّةُ ) الْمَنْقُولَةُ مِنْ الْحَرَمِ إلَيْهِ أَوْ إلَى الْحِلِّ ( إنْ نَبَتَتْ ) فِيهِ ( بَلْ يَجِبُ رَدُّهَا إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْحَرَمِ إنْ نَقَلَهَا إلَى الْحِلِّ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا فَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا نَقَلَهَا إلَى الْحَرَمِ ، وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ بِالضَّمَانِ ، وَإِنْ نَبَتَتْ مَا لَمْ يُعِدْهَا إلَى الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْإِيذَاءِ بِوَضْعِهَا فِي الْحِلِّ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَزَالَ امْتِنَاعَ الصَّيْدِ ( وَمَنْ قَلَعَهَا ) مِنْ الْحِلِّ ( ضَمِنَهَا ) إبْقَاءً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا كَمَا فِي الْغَصْبِ أَمَّا إذَا لَمْ تَنْبُتْ فَيَضْمَنُهَا نَاقِلُهَا مُطْلَقًا ( وَلَا يَضْمَنُ غُصْنًا فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ ) إذَا قَطَعَهُ نَظَرًا لِأَصْلِهِ ( وَيَضْمَنُ صَيْدًا ) قَتَلَهُ ( فَوْقَهُ ) أَيْ فَوْقَ الْغُصْنِ نَظَرًا إلَى مَكَانِهِ ( وَحُكْمُ عَكْسِهِ ) ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْغُصْنِ فِي الْحَرَمِ وَالْغُصْنُ فِي الْحِلِّ وَالصَّيْدُ فَوْقَهُ ( عَكْسُ حُكْمِهِ ) أَيْ يَضْمَنُ الْغُصْنَ كَمَا يَضْمَنُ الْأَصْلَ ، وَلَا يَضْمَنُ الصَّيْدَ قَالَ الْفُورَانِيُّ ، وَلَوْ غَرَسَ فِي الْحِلِّ نَوَاةَ شَجَرَةٍ حَرَمِيَّةٍ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَصْلِ ( وَتَحْرُمُ شَجَرَةٌ ) أَيْ قَطْعُ شَجَرَةٍ ( أَصْلُهَا فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ) تَغْلِيبًا لِلْحَرَمِ ( وَلَا ضَمَانَ بِقَطْعِ الْأَغْصَانِ ) الْحَرَمِيَّةِ ( الْمُؤْذِيَةِ ) لِلنَّاسِ ( فِي الطَّرِيقِ ) كَمَا فِي قَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ .

( قَوْلُهُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْفُورَانِيُّ ، وَلَوْ غَرَسَ فِي الْحِلِّ نَوَاةً إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ قَالَ أَئِمَّتُنَا : إنَّ مَنْ أَدْخَلَ نَوَاةً الْحَرَمَ أَوْ قَضِيبًا حُلِيًّا فَغَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلِقَ وَبَسَقَ لَمْ يَصِرْ شَجَرَةً حَرَمِيَّةً قَالَ فِي الْبَيَانِ وَذَكَرَ الْمَسْعُودِيُّ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِ شَجَرِ الْحَرَمِ أَوْ نَوَاةً فَغَرَسَهَا فِي مَوْضِعٍ ثَبَتَ لَهَا حُرْمَةُ الْأَصْلِ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَخَذَ غُصْنًا ) مِنْ شَجَرَةٍ حَرَمِيَّةٍ ( فَأَخْلَفَ مِثْلَهُ فِي سَنَتِهِ بِأَنْ كَانَ لَطِيفًا ) كَالسِّوَاكِ ( فَلَا ضَمَانَ ، وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ أَوْ أَخْلَفَ لَا مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَهُ لَا فِي سَنَتِهِ ( وَجَبَ ) الضَّمَانُ وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ جَرْحِ الصَّيْدِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ وُجُوبِ ضَمَانِهِ ( إذَا أَخْلَفَ ) مِثْلَهُ ( لَمْ يَسْقُطْ ) ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَتْ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْغُصْنُ لَا يَخْلُفُ عَادَةً ، وَإِلَّا فَهُوَ بِسِنِّ الصَّغِيرِ أَشْبَهُ فَلَا ضَمَانَ قَالَ : وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَشِيشِ ( وَيَجُوزُ أَخْذُ أَوْرَاقِهَا ) أَيْ الْأَشْجَارِ قَالَ الْمُتَوَلِّي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ نَقْصًا ( بِلَا خَبْطٍ كَيْ لَا يَضُرَّ بِهَا ) وَخَبْطُهَا حَرَامٌ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ ثَمَرِهَا وَعُودِ السِّوَاكِ وَنَحْوِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْغُصْنَ اللَّطِيفَ ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَنَقَلَ مَا يُؤَيِّدُهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ .

( فَرْعٌ فِي ) قَطْعِ أَوْ قَلَعَ ( الشَّجَرَةِ ) الْحَرَمِيَّةِ ( الْكَبِيرَةِ ) بِأَنْ تُسَمَّى كَبِيرَةً عُرْفًا ( - بَقَرَةٌ ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِتَوْقِيفٍ سَوَاءٌ أَخْلَفَتْ الشَّجَرَةُ أَمْ لَا .
قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ بَدَنَةً قَالَ السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ لَمْ يَسْمَحُوا بِهَا عَنْ الْبَقَرَةِ ، وَلَا عَنْ الشَّاةِ انْتَهَى .
وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ رَاعَوْا الْمِثْلِيَّةَ فِي الصَّيْدِ بِخِلَافِهَا هُنَا ( تَخْيِيرًا وَ تَعْدِيلًا ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَالتَّعْدِيلِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ ( كَالصَّيْدِ وَفِي ) الشَّجَرَةِ ( الصَّغِيرَةِ مَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْ سُبُعِهَا ) أَيْ الْكَبِيرَةِ ( شَاةٌ ) تَخْيِيرًا وَتَعْدِيلًا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ ضَبْطِ الصَّغِيرَةِ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَقَرَةَ لَا بُدَّ مِنْ إجْزَائِهَا فِي التَّضْحِيَةِ ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فِي الدِّمَاءِ وَصَرَّحَ بِهِ شَارِحُ التَّعْجِيزِ وَمَا ذَكَره كَأَصْلِهِ فِي ضَبْطِ الصَّغِيرَةِ خَالَفَ فِيهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ فَاعْتُبِرَ الْعُرْفُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ أَحْسَنُ .
ثُمَّ قَالَ وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَمَّا جَاوَزَ سُبُعَ الْكَبِيرَةِ ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْكِبَرِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ فِيهِ شَاةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْوَاجِبَةِ فِي سُبُعِ الْكَبِيرَةِ ( وَإِنْ نَقَصَتْ ) عَنْ سُبُعِ الْكَبِيرَةِ ( فَالْقِيمَةُ ) وَاجِبَةٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالْمَضْمُونَةُ بِشَاةٍ مَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ سُبُعِ الْكَبِيرَةِ فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ ( وَيَحْرُمُ قَطْعُ ) وَقَلْعُ ( حَشِيشِهِ ) أَيْ حَشِيشِ الْحَرَمِ ( الْأَخْضَرِ وَقَلْعِ يَابِسِهِ ) إنْ لَمْ يَمُتْ وَيَجُوزُ قَطْعُهُ كَمَا فِي الشَّجَرَةِ ، فَلَوْ قَلَعَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْلَعْهُ لَنَبَتَ ثَانِيًا ( فَلَوْ أَخْلَفَ مَا قَطَعَهُ ) مِنْ الْأَخْضَرِ ( فَلَا ضَمَانَ ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُنَا الْإِخْلَافُ كَسِنِّ غَيْرِ الْمَثْعُورِ ، وَإِنْ لَمْ يُخْلِفْ

ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ ( وَيَجُوزُ رَعْيُهُ ) أَيْ حَشِيشِ الْحَرَمِ بَلْ وَشَجَرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِالْبَهَائِمِ ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُسَاقُ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَا كَانَتْ تُسَدُّ أَفْوَاهُهَا فِي الْحَرَمِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقْبَلْت رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ فَوَجَدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَدَخَلْت فِي الصَّفِّ وَأَرْسَلْت الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَمِنًى مِنْ الْحَرَمِ ( وَكَذَا قَطْعُهُ لِلْبَهَائِمِ وَالتَّدَاوِي ) كَالْحَنْظَلِ وَالتَّغَذِّي كَالرِّجْلَةِ وَالْبَقْلَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الزَّرْعِ ، وَلَا يُقْطَعُ لِذَلِكَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ ، وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِلْبَيْعِ مِمَّنْ يَعْلِفُ بِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ؛ لِأَنَّهُ كَالطَّعَامِ الَّذِي أُبِيحَ أَكْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّا حَيْثُ جَوَّزْنَا أَخْذَ السِّوَاكِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ جَوَازَ أَخْذِهِ لِلدَّوَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ حَتَّى يَجُوزَ أَخْذُهُ لِيَسْتَعْمِلَهُ عِنْدَ وُجُودِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ الْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِلْحَاجَةِ قُيِّدَ بِوُجُودِهَا كَمَا فِي اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ ( وَالْإِذْخِرُ مُبَاحٌ ) أَخْذُهُ لِلتَّسْقِيفِ وَغَيْرِهِ لِاسْتِثْنَائِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ وَخَرَجَ بِالشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ الزَّرْعُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ ، وَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ فِيهِ : وَإِطْلَاقُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ مَجَازٌ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْيَابِسِ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلرَّطْبِ : كَلَأٌ وَعُشْبٌ .

( قَوْلُهُ فِي قَطْعٍ أَوْ قَلْعٍ إلَخْ ) الْمَعْرُوفُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَطْعِهَا وَقَلْعِهَا ( قَوْلُهُ الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ إلَخْ ) الْكَبِيرَةُ فِيمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ الَّتِي أَخَذَتْ حَدَّهَا فِي النُّمُوِّ وَالْكِبَرِ وَانْتِشَارِ الْعُرُوقِ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ وَقَالَ النَّاشِرِيُّ هَلْ الْمُرَادُ صَغِيرَةُ الْجِنْسِ وَكَبِيرَتُهُ وَإِنْ صَغُرَ جِرْمُهَا أَوْ كَبُرَ أَوْ الْمُرَادُ الْجِرْمُ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ قَطَعَ جَمَالُ الدِّينِ بِالْأَوَّلِ وَالْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بِالثَّانِي ( قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّارِعَ نَظَرَ ثَمَّ إلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي الصُّورَةِ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ مَعَهَا بِخِلَافِ الشَّجَرِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَقَرَةَ تُجْزِئُ فِي الشَّجَرَةِ الصَّغِيرَةِ فِيمَا يَكَادُ يُقْطَعُ بِهِ ، وَلَا شَكَّ فِيهِ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ ( قَوْلُهُ إنَّ الْبَقَرَةَ لَا بُدَّ مِنْ إجْزَائِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِهِ شَارِحُ التَّعْجِيزِ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوا الشَّجَرَةَ الصَّغِيرَةَ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ سُبُعِ الْكَبِيرَةِ وَالْبَقَرَةَ الْمُقَابَلَةِ بِسَبْعِ شِيَاهٍ هِيَ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ الْأُضْحِيَّةِ ، وَهَلْ الْمُرَادُ صَغِيرَةُ الْجِنْسِ وَكَبِيرَتُهُ وَإِنْ صَغُرَ جِرْمُهَا أَوْ كَبُرَ أَوْ الْمُرَادُ الْجِرْمُ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ قَطَعَ جَمَالُ الدِّينِ بِالْأَوَّلِ وَالْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بِالثَّانِي قَوْلُهُ خَالَفَ فِيهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا الْغَالِبُ عَدَمُ مُتَابَعَةِ النَّوَوِيِّ فِيمَا يَجْزِمُ بِهِ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ ، وَلَعَلَّهُ فَعَلَهُ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ ( قَوْلُهُ مِمَّنْ يُعْلَفُ بِهِ ) أَوْ يُتَدَاوَى بِهِ ( قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْإِذْخِرُ مُبَاحٌ

بِالْإِجْمَاعِ ) قَالَ الْغَزِّيِّ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ لِيَبِيعَهُ جَازَ قَالَ شَيْخُنَا لَكِنْ رَدَّهُ الْوَالِدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فَتَاوِيهِ

( فَرْعٌ نَقْلُ تُرَابِ الْحَرَمِ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحِلِّ حَرَامٌ ) لِحُرْمَتِهِ فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ ( لَا مَاءُ زَمْزَمَ ) فَلَا يَحْرُمُ نَقْلُهُ إلَى الْحِلِّ بَلْ ، وَلَا يُكْرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِاسْتِخْلَافِهِ { ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَهْدَاهُ ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَعَامَ الْحُدَيْبِيَةِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ؛ وَلِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَنْقُلُهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَانَتْ تُخْبِرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَمِنْ هُنَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بِاسْتِحْبَابِ نَقْلِهِ تَبَرُّكًا وَحَكَاهُ عَنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ( وَعَكْسُهُ ) ، وَهُوَ نَقْلُ تُرَابِ الْحِلِّ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحَرَمِ ( مَكْرُوهٌ ) كَذَا ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِئَلَّا يَحْدُثَ لَهَا حُرْمَةٌ لَمْ تَكُنْ ، وَلَا يُقَالُ : مَكْرُوهٌ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ .

( وَيَحْرُمُ أَخْذُ طِيبِ الْكَعْبَةِ وَ ) أَخْذُ ( سُتُرِهَا ) وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُمَا شَيْئًا لَزِمَهُ رَدُّهُ ( فَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ ) بِهَا فِي طِيبٍ ( مَسَحَهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ ، وَلَوْ فَرَّقَ الْإِمَامُ سُتْرَتَهَا جَازَ ) تَفْرِيقُهَا ( بِالْبَيْعِ وَالْعَطَاءِ وَيَصْرِفُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى الْإِمَامِ يَصْرِفُهَا فِي بَعْضِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا وَعَطَاءً ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْسِمُهَا عَلَى الْحَاجِّ قَالَ ، وَهُوَ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ لِئَلَّا تَتْلَفَ بِالْبِلَى وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَجَوَّزُوا لِمَنْ أَخَذَهَا لُبْسَهَا ، وَلَوْ حَائِضًا وَجُنُبًا وَنَبَّهَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا وَافَقَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْوَقْفِ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّهَا تُبَاعُ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا جَمَالٌ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالًا أَحَدُهَا - أَنْ تُوقَفَ عَلَى الْكَعْبَةِ وَحُكْمُهَا مَا مَرَّ وَخَطَّأَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ الَّذِي مَرَّ مَحَلُّهُ إذَا كَسَاهَا الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، أَمَّا إذَا وُقِفَتْ فَلَا يَتَعَقَّلُ عَالِمٌ جَوَازَ صَرْفِهَا فِي مَصَالِحِ غَيْرِ الْكَعْبَةِ ثَانِيهَا - أَنْ يُمَلِّكَهَا مَالِكُهَا لِلْكَعْبَةِ فَلِقَيِّمِهَا أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا يَرَاهُ مِنْ تَعْلِيقِهَا عَلَيْهَا أَوْ بَيْعِهَا وَصَرْفِ ثَمَنِهَا إلَى مَصَالِحِهَا ثَالِثُهَا - أَنْ يُوقَفَ شَيْءٌ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ رِيعُهُ وَيُكْسَى بِهِ الْكَعْبَةُ كَمَا فِي عَصْرِنَا فَإِنَّ الْإِمَامَ قَدْ وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ بِلَادًا قَالَ وَقَدْ تَلَخَّصَ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّهُ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ شَيْئًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ إعْطَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا كَلَامَ ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَقِفْ النَّاظِرُ تِلْكَ الْكِسْوَةَ فَلَهُ بَيْعُهَا وَصَرْفُ ثَمَنِهَا فِي كِسْوَةٍ أُخْرَى ، وَإِنْ وَقَفَهَا فَيَأْتِي مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ

نَعَمْ بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ ، وَهُوَ الْوَاقِعُ الْيَوْمَ فِي هَذَا الْوَقْفِ ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَشْرُطْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَشَرَطَ تَجْدِيدَهَا كُلَّ سَنَةٍ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ بَنِي شَيْبَةَ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا كُلَّ سَنَةٍ لَمَّا كَانَتْ تُكْسَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُهَا الْآنَ أَوْ تُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا إلَى كِسْوَةٍ أُخْرَى فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ .
قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ بَنِي شَيْبَةَ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا إلَخْ ) فَيُنَزَّلُ لَفْظُ الْوَاقِفِ عَلَيْهَا ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يُعَارِضُهُ الْمَنْقُولُ الْمُتَقَدِّمُ ( قَوْلُهُ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُهَا الْآنَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَصْلٌ وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ وَشَجَرُهَا ) الْأَوْلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَنَبَاتُهَا وَالْمُرَادُ حَرَمُهَا وَذَلِكَ كَمَا فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ زَادَ مُسْلِمٌ } ، وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا } وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ ، وَهِيَ أَرْضٌ تَرْكِيبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ لَابَةٌ شَرْقِيُّ الْمَدِينَةِ ، وَلَابَةٌ غَرْبِيُّهَا فَحَرَمُهَا مَا بَيْنَهُمَا عَرْضًا وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا طُولًا ، وَهُمَا عَيْرٌ وَثَوْرٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا ، وَهُوَ بِمَكَّةَ غَلَطٌ مِنْ الرُّوَاةِ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ أُحُدٌ ، وَرُدَّ بِأَنَّ وَرَاءَهُ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ : ثَوْرٌ فَأُحُدٌ مِنْ الْحَرَمِ ( وَلَا ضَمَانَ فِيهِ ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الصَّيْدِ وَالنَّبَاتِ ؛ لِأَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلنُّسُكِ بِخِلَافِ حَرَمِ مَكَّةَ ( وَكَذَا وَجُّ الطَّائِفِ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَادٍ بِصَحْرَاءِ الطَّائِفِ أَيْ يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَنَبَاتُهُ ، وَلَا ضَمَانَ فِيهِ أَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ فَلِمَا مَرَّ ، وَأَمَّا الْحُرْمَةُ فَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَلَا إنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ يَعْنِي شَجَرَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ } لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَذِكْرُ شَجَرِ وَجٍّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ .
( قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ } ) أَيْ أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا بَعْدَ أَنْ هُجِرَ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ

( فَصْلٌ .
النَّقِيعُ ) بِالنُّونِ وَقِيلَ : بِالْبَاءِ لَيْسَ بِحَرَمٍ بَلْ ( حِمًى ) حَمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ فَلَا يُمْلَكُ شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِهِ ، وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُهُ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِنَعَمِ الصَّدَقَةِ كَانَ أَوْلَى ( فَلَوْ أَتْلَفَ أَحَدٌ شَجَرَهُ أَوْ حَشِيشَهُ لَا صَيْدَهُ ضَمِنَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { لَا يُخْبَطُ ، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُ حِمَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ يُهَشُّ هَشًّا رَفِيقًا } وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ حِمَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ بَرِيدًا بَرِيدًا لَا يُخْبَطُ شَجَرُهُ ، وَلَا يُعْضَدُ إلَّا مَا يُسَاقُ بِهِ الْجَمَلُ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ ذَلِكَ ( بِالْقِيمَةِ ) كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ وَيَصْرِفُهَا ( لِبَيْتِ الْمَالِ ) هَذَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ كَالرَّافِعِيِّ وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ نَعَمِ الْجِزْيَةِ وَالصَّدَقَةِ .

( فَصْلُ الْمَحْظُورَاتِ ) بِالْإِحْرَامِ ( تَنْقَسِمُ إلَى اسْتِهْلَاكٍ كَالْحَلْقِ وَ ) إلَى ( اسْتِمْتَاعٍ كَالطِّيبِ ) الْأَوْلَى كَالتَّطَيُّبِ ( وَهُمَا أَنْوَاعٌ ) حَلْقٌ وَقَلْمٌ وَإِتْلَافُ صَيْدٍ أَوْ نَحْوِهِ وَتَطَيُّبٌ وَلُبْسٌ وَدَهْنٌ وَجِمَاعٌ وَنَحْوُهُ فَهُنَّ سَبْعَةٌ عَلَى مَا مَرَّ لَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَثَمَانِيَةٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمَا الْآتِي مِنْ أَنَّهُمَا نَوْعَانِ ( وَلَا تَتَدَاخَلُ ) الْمَحْظُورَاتُ بِتَدَاخُلِ الْفِدْيَةِ أَيْ بِاتِّحَادِهَا ( إلَّا إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ ) كَتَطَيُّبِهِ وَلُبْسِهِ بِأَصْنَافٍ أَوْ بِصِنْفٍ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ حَلْقِهِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَذَقَنِهِ وَبَدَنِهِ ( وَ ) اتَّحَدَ ( الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ ) عَادَةً ( وَلَمْ يَتَخَلَّلْ ) بَيْنَهُمَا ( تَكْفِيرٌ ، وَلَمْ تَكُنْ مِمَّا تُقَابَلُ بِمِثْلٍ ) أَوْ نَحْوِهِ فَتَتَّحِدُ الْفِدْيَةُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ حِينَئِذٍ خَصْلَةً وَاحِدَةً نَعَمْ لَوْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِجِمَاعٍ ، ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيًا فَلَا اتِّحَادَ لِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَلَا يَقْدَحُ فِي اتِّحَادِ الزَّمَانِ طُولُهُ فِي تَكْوِيرِ الْعِمَامَةِ وَلُبْسِ ثِيَابٍ كَثِيرَةٍ كَالرَّضْعَةِ فِي الرَّضَاعِ وَالْأَكْلَةِ فِي الْيَمِينِ ، وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ الْإِسْنَوِيِّ بِقَوْلِهِ : لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا فَوْقَ آخَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ لِلثَّانِي فِدْيَةٌ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّمَانُ .
( فَإِنْ ) اخْتَلَفَ النَّوْعُ كَأَنْ ( حَلَقَ وَقَلَّمَ أَوْ تَطَيَّبَ ، وَلَبِسَ تَعَدَّدَتْ ) أَيْ الْفِدْيَةُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ ، وَلَمْ يَتَخَلَّلْ تَكْفِيرٌ أَمْ لَا ؛ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ ( لَا إنْ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا أَوْ طَلَى رَأْسَهُ بِطِيبٍ ) أَوْ بَاشَرَ بِشَهْوَةٍ عِنْدَ الْجِمَاعِ فَلَا تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ ( لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُ الْحَلْقَيْنِ أَوْ اللُّبْسَيْنِ أَوْ التَّطَيُّبَيْنِ أَوْ ) اخْتَلَفَ ( زَمَانُهُمَا تَعَدَّدَتْ ) عَلَى الْأَصْلِ فِي ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ ( وَتَتَعَدَّدُ

أَيْضًا بِتَخَلُّلِ التَّكْفِيرِ ) كَالْحُدُودِ ( وَلَا يَتَدَاخَلُ الصَّيْدُ وَنَحْوُهُ ) كَالشَّجَرَةِ مَعَ مِثْلِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا ( وَإِنْ اتَّحَدَ نَوْعُهُ ) وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ ، وَلَمْ يَتَخَلَّلْ تَكْفِيرٌ كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَجَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ : وَنَحْوِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ : فَإِنْ حَلَقَ إلَى هُنَا تَصْرِيحٌ بِمَا شَمَلَهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَبْلَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلَوْ كَسَرَ بَيْضَةَ نَعَامٍ وَفِيهَا فَرْخٌ وَمَاتَ لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ ، وَلَا يَجِبُ لِكَسْرِ الْبَيْضَةِ شَيْءٌ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ يَدْخُلُ ضِمْنًا فِي فِدْيَةِ الْفَرْخِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُ مَا قَالَهُ ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ وَنَحْوَهُ لَا تَدَاخُلَ فِيهِمَا ، وَلَا أَثَرَ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ فِيهِمَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَنَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ تَتَعَدَّدُ ( وَالطِّيبُ كُلُّهُ نَوْعٌ وَكَذَا اللِّبَاسُ ) ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَذْكُورَاتِ ( وَإِنْ نَوَى بِالْكَفَّارَةِ بَيْنَ ) كُلٍّ مِنْ ( الْحَلْقَيْنِ وَاللُّبْسَيْنِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلَ فَفِي إجْزَائِهَا ) عَنْ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ إذَا اتَّحَدَ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ ( وَجْهَانِ ) بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ الْمَحْظُورِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ أَحَدُهُمَا تُجْزِئُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ لِلثَّانِي شَيْءٌ وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْجِمَاعِ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ .
( قَوْلُهُ وَالزَّمَانُ ) الْمُرَادُ بِاتِّحَادِ الزَّمَانِ وُقُوعُ الْفِعْلِ عَلَى الْوَلَاءِ قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُ مَا قَالَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( بَابُ مَوَانِعِ إتْمَامِ الْحَجِّ ) بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ ( وَهِيَ سِتَّةٌ : الْأَوَّلُ الْإِحْصَارُ ) الْعَامُّ أَيْ مَنْعُ الْمُحْرِمِينَ عَنْ الْمُضِيِّ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ يُقَالُ : أَحْصَرَهُ وَحَصَرَهُ وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَشْهَرُ فِي حَصْرِ الْمَرَضِ وَالثَّانِي أَشْهَرُ فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ ( فَإِنْ مُنِعُوا مِنْ الْوُقُوفِ ) بِعَرَفَةَ ( أَوْ الْبَيْتِ ) أَيْ الطَّوَافِ بِهِ ( كَالْمُعْتَمِرِ ) الْمَمْنُوعِ مِنْهُ فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ ( إلَّا بِقِتَالٍ أَوْ ) بَذْلِ ( مَالٍ فَلَهُمْ ) بَعْدَ إتْيَانِهِمْ بِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ ( التَّحَلُّلُ ) ، وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ ( وَلَوْ مُنِعُوا الرُّجُوعَ أَيْضًا ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَانِعُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } أَيْ فَعَلَيْكُمْ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَحَلَّلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَكَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَنَحَرَ ، ثُمَّ حَلَقَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : قُومُوا فَانْحَرُوا ، ثُمَّ احْلِقُوا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ أَمَّا إذَا تَمَكَّنُوا بِغَيْرِ قِتَالٍ أَوْ بَذْلِ مَالٍ فَلَا يَتَحَلَّلُونَ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُمْ بَذْلُهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَلَّ إذْ لَا يَجِبُ احْتِمَالُ الظُّلْمِ فِي أَدَاءِ النُّسُكِ ( وَيُكْرَهُ بَذْلُ مَالٍ لِلْكُفَّارِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّغَارِ بِلَا ضَرُورَةٍ ، وَلَا يَحْرُمُ كَمَا لَا تَحْرُمُ الْهِبَةُ لَهُمْ أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُكْرَهُ بَذْلُهُ لَهُمْ .
( وَالْأَوْلَى قِتَالُهُمْ ) أَيْ الْكُفَّارِ ( عِنْدَ الْقُدْرَةِ ) عَلَيْهِ لِيَجْمَعُوا بَيْنَ الْجِهَادِ ، وَنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ ، وَإِتْمَامِ النُّسُكِ فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ قِتَالِهِمْ أَوْ كَانَ الْمَانِعُونَ مُسْلِمِينَ فَالْأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يَتَحَلَّلُوا وَيَتَحَرَّزُوا عَنْ الْقِتَالِ تَحَرُّزًا عَنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ( وَيَلْبَسُ )

الْمُحْصَرُ جَوَازًا إنْ أَرَادَ الْقِتَالَ ( الدِّرْعَ وَنَحْوَهُ ) مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالْمِغْفَرِ ( وَيَفْدِي ) وُجُوبًا كَمَا لَوْ لَبِسَ الْمُحْرِمُ مَخِيطًا لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ ( وَالتَّحَلُّلُ ) أَيْ تَعْجِيلُهُ ( إنْ خَشِيَ ) مِنْ تَرْكِهِ ( الْفَوَاتَ ) لِلنُّسُكِ ( أَوْلَى إلَّا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ ) فَالْأَوْلَى لَهُمْ الصَّبْرُ لِاحْتِمَالِ زَوَالِ الْمَنْعِ وَإِتْمَامِ النُّسُكِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مَعَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَوْ كَانَ فِي الْحَجِّ وَتَيَقَّنَ زَوَالَ الْحَصْرِ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ إدْرَاكُ الْحَجِّ بَعْدَهَا أَوْ فِي الْعُمْرَةِ وَتَيَقَّنَ قُرْبَ زَوَالِهِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ امْتَنَعَ تَحَلُّلُهُ وَخَرَجَ بِالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ الْمَتْبُوعُ بِالسَّعْيِ مَا لَوْ مُنِعَ مِنْ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ نُسُكِهِ ، وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ

( بَابُ مَوَانِعِ إتْمَامِ الْحَجِّ ) ( قَوْلُهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَشْهَرُ إلَخْ ) كَذَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ إنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْإِحْصَارَ الْمَنْعُ مِنْ الْمَقْصُودِ سَوَاءٌ أَمَنَعَهُ مَرَضٌ أَمْ عَدُوٌّ أَمْ حَبْسٌ وَالْحَصْرُ التَّضْيِيقُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَنْعِ الْعَدُوِّ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَدْ عَبَّرَ فِيهَا بِالْإِحْصَارِ ( قَوْلُهُ إلَّا بِقِتَالٍ أَوْ بَذْلِ مَالٍ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ ) اسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ الْإِحْرَامَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ إذَا لَمْ تَقُمْ بِهِ طَائِفَةٌ قَبْلَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ قَالَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ قِتَالُهُمْ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ قَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ قِتَالُهُ هُوَ تَارِكُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَمَّا الْمَانِعُ مِنْ إقَامَتِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَنْعُهُ عُذْرًا فِي الْوُجُوبِ إذَا احْتَاجَ لِقِتَالٍ فَإِنَّ بَعْضَ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ تَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ فَكَيْفَ بِفُرُوضِ الْكِفَايَاتِ .
ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لَهُ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ مُنِعُوا الرُّجُوعَ أَيْضًا ) ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَفِيدُونَ بِهِ الْأَمْنَ مِنْ الْعَدُوِّ وَاَلَّذِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَانِعُونَ فِرَقًا مُتَمَيِّزَةً لَا تُعَضِّدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُونَ لِجَمِيعِ الْجَوَانِبِ فِرْقَةً وَاحِدَةً لَمْ يَجُزْ لَهُمْ التَّحَلُّلُ .
ا هـ .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ ) ؛ وَلِأَنَّ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَعْمَالِ مَشَاقَّ وَحَرَجًا وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنَّا ( قَوْلُهُ أَمَّا إذَا تَمَكَّنُوا بِغَيْرِ قِتَالٍ إلَخْ ) كَأَنْ كَانَ لَهُمْ طَرِيقٌ آخَرُ يُمْكِنُ سُلُوكُهُ

وَوَجَدُوا شُرُوطَ الِاسْتِطَاعَةِ فِيهِ ( فَرْعٌ ) لَوْ تَحَلَّلَ فَزَالَ الْحَصْرُ فَأَحْرَمَ ثَانِيًا فَفَاتَهُ فَهَلْ يَقْضِي قَوْلَانِ ( قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّغَارِ ) قَالَ شَيْخُنَا الصَّغَارُ إنَّمَا يَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ ( قَوْلُهُ إلَّا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ بَدَلُ إلَّا لَا ( قَوْلُهُ وَتَيَقَّنَ زَوَالَ الْحَصْرِ ) الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ الظَّنُّ الْغَالِبُ ، وَلَوْ أَمَّنَهُمْ الصَّادِرُونَ وَوَثِقُوا بِقَوْلِهِمْ فَلَا تَحَلُّلَ ( قَوْلُهُ وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ ) قَالَ شَيْخُنَا عَلِيٌّ : إنَّ الْمَبِيتَ يَسْقُطُ مَعَ الْعُذْرِ

( فَصْلٌ ، وَلَا يَتَحَلَّلُ ) الْمُحْرِمُ ( لِمَرَضٍ وَفَقْدِ نَفَقَةٍ وَضَلَالٍ ) لِطَرِيقٍ ( وَنَحْوِهِ ) مِنْ الْأَعْذَارِ كَالْخَطَأِ فِي الْعَدَدِ ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ ، بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا أَوْ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ ( إلَّا إذَا شَرَطَهُ ) أَيْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِهِ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الصَّوْمِ فِيمَا لَوْ نَذَرَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِعُذْرٍ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا : أَرَدْت الْحَجَّ قَالَتْ : وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً فَقَالَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي } وَقِيسَ بِالْحَجِّ الْعُمْرَةُ ، وَالِاحْتِيَاطُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ ( فَإِذَا شَرَطَهُ بِلَا هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ) هَدْيٌ عَمَلًا بِشَرْطِهِ ( وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ ) لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَالظَّاهِرُ خَبَرُ ضُبَاعَةَ فَالتَّحَلُّلُ فِيهِمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَالْحَلْقِ فَقَطْ فَإِنْ شَرَطَهُ بِهَدْيٍ لَزِمَهُ عَمَلًا بِشَرْطِهِ ( وَلَوْ قَالَ : إنْ مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ فَمَرِضَ صَارَ حَلَالًا بِالْمَرَضِ ) مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَعَلَيْهِ حَمَلُوا خَبَرَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ } .
( وَإِنْ شَرَطَ قَلْبَهُ ) أَيْ حَجِّهِ ( عُمْرَةً بِالْمَرَضِ ) أَوْ نَحْوِهِ ( جَازَ ) كَمَا لَوْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ بَلْ أَوْلَى لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي أُمَيَّةَ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ حُجَّ وَاشْتَرِطْ وَقُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت ، وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ تَيَسَّرَ ، وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ لِعُرْوَةِ : هَلْ تُسْتَثْنَى إذَا حَجَجْت ؟ فَقَالَ : مَاذَا أَقُولُ قَالَتْ : قُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْتُ ، وَلَهُ عَمَدْتُ فَإِنْ

يَسَّرْتَهُ فَهُوَ الْحَجُّ ، وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَهُوَ عُمْرَةٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَلَهُ فِي ذَلِكَ إذَا وَجَدَ الْعُذْرَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً وَيُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَنْقَلِبَ حَجُّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْعُذْرِ فَوُجِدَ الْعُذْرُ انْقَلَبَ حَجُّهُ عُمْرَةً وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِ عُمْرَةِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ لَا تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عُمْرَةً وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ .

( فَصْلٌ مَنْ تَحَلَّلَ ) أَيْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ أَيْ الْخُرُوجَ مِنْ النُّسُكِ ( لِلْإِحْصَارِ ، وَلَوْ مَعَ الشَّرْطِ ) أَيْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ إذَا أُحْصِرَ ، وَلَوْ شَرَطَهُ بِلَا هَدْيٍ فِيمَا يَظْهَرُ ( لَزِمَهُ دَمٌ يَذْبَحُهُ ) لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ السَّابِقَيْنِ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَثِّرْ شَرْطُهُ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ فِي إسْقَاطِ الدَّمِ كَمَا أَثَّرَ فِيهِ شَرْطُهُ التَّحَلُّلَ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ جَائِزٌ بِلَا شَرْطٍ فَشَرْطُهُ لَاغٍ ( نَاوِيًا ) عِنْدَ ذَبْحِهِ ( لِلتَّحَلُّلِ ) كَمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الصَّوْمِ لِعُذْرٍ وَلِاحْتِمَالِهِ لِغَيْرِ التَّحَلُّلِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ الذَّبْحِ ( يَحْلِقُ ) بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } وَبُلُوغُهُ مَحِلَّهُ نَحْرُهُ وَاعْتِبَارُ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ الذَّبْحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَكَذَا اعْتَبَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( فَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ ) بَعْدَهُ ( مَعَ النِّيَّةِ ) إنْ وَجَدَ دَمًا ( أَوْ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْحَلْقِ إنْ لَمْ يَجِدْ دَمًا ، وَلَا طَعَامًا ) لِإِعْسَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( فَإِنْ عَدِمَ الدَّمَ فَبَدَلُهُ الْإِطْعَامُ ) بِقِيمَةِ الدَّمِ .
( ثُمَّ الصَّوْمُ ) بِأَنْ يَصُومَ ( لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ) كَمَا فِي الدَّمِ الْوَاجِبِ بِالْإِفْسَادِ وَقُدِّمَ الْإِطْعَامُ عَلَى الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَيَوَانِ مِنْهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ ( فَيُذْبَحُ ) الدَّمُ ( وَيُفَرَّقُ ) لَحْمُهُ ( وَيُطْعِمُ ) الطَّعَامَ إنْ لَمْ يَجِدْ الدَّمَ ( حَيْثُ أُحْصِرَ ) فِي الثَّلَاثَةِ ، وَلَوْ فِي الْحِلِّ ( مَعَ مَا لَزِمَهُ مِنْ الدِّمَاءِ ) بِنَذْرٍ أَوْ بِسَبَبِ مَحْظُورٍ ارْتَكَبَهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ ( وَلَوْ أَمْكَنَهُ ) وَقَدْ أُحْصِرَ بِالْحِلِّ ( وُصُولُ طَرَفِ الْحَرَمِ ) فَإِنَّهُ يَذْبَحُ وَيُفَرِّقُ وَيُطْعِمُ حَيْثُ أُحْصِرَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْثُ ذَلِكَ إلَى الْحَرَمِ { فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ، وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ }

نَعَمْ الْأَوْلَى بَعْثُهُ ، وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ غَيْرَ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِحْصَارِ صَارَ فِي حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ أَمَّا مَنْ أُحْصِرَ فِي أَطْرَافِ الْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْحِلِّ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ الذَّبْحِ فِي الْحِلِّ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ وَقَالَ إنَّ مُقَابِلَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ ، وَحَكَاهُ عَنْ جَمِيعِ الْبَصْرِيِّينَ وَأَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ حَكَاهُ فِي جَامِعِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَصًّا وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْأُمِّ نَصًّا صَرِيحًا فَهُوَ الرَّاجِحُ .
ا هـ .
، ثُمَّ حَكَى النَّصَّ الْمَحْكِيَّ ، وَعِبَارَتَهُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ بِمَكَّةَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ذَبَحَ حَيْثُ يَقْدِرُ ، وَلَيْسَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ مُطْلَقُ الْحَرَمِ ، وَإِنَّمَا فِيهِ بِمَكَّةَ خَاصَّةً وَمَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا لَزِمَ الدُّخُولُ إلَيْهَا وَالتَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَا مَرَّ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ ( وَيَصُومُ حَيْثُ شَاءَ ) لِمَا يَأْتِي فِي بَابِ الدِّمَاءِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ ثَمَّ ، فَفِي ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ هُنَا وَثَمَّ تَكْرَارٌ ( ، وَيَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْإِطْعَامِ ) كَتَوَقُّفِهِ عَلَى الذَّبْحِ ( لَا ) عَلَى ( الصَّوْمِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَطُولُ زَمَنُهُ فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْإِحْرَامِ إلَى فَرَاغِهِ وَقِيلَ : يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ أَصْلِهِ فِي تَحَلُّلِ الْعَبْدِ .

( قَوْلُهُ لَزِمَهُ دَمُ شَاةٍ ) وَيَقُومُ مَقَامَهَا بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ سُبُعُ أَحَدِهِمَا قَوْلُهُ وَاعْتِبَارُ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ إلَخْ ) وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ مَعَ النِّيَّةِ ) وَيُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِلذَّبْحِ وَالْحَلْقِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ فَإِنْ عَدِمَ الدَّمَ حِسًّا أَوْ شَرْعًا ) كَأَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَوْ إلَى ثَمَنِهِ أَوْ وَجَدَهُ غَالِبًا ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِحْصَارِ صَارَ فِي حَقِّهِ إلَخْ ) ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْعِ الْمُتَنَفِّلِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِنْ التَّحَوُّلِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى

الْمَانِعُ ( الثَّانِي الْحَصْرُ الْخَاصُّ فَإِذَا حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ بِدَيْنٍ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ ) بِهِ ( تَحَلَّلَ ) جَوَازًا كَمَا فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ ؛ لِأَنَّ مَشَقَّةَ كُلِّ أَحَدٍ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَتَحَمَّلَ غَيْرُهُ مِثْلَهَا وَأَنْ لَا يَتَحَمَّلَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ حُبِسَ بِحَقٍّ كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهِ ( فَلَا ) يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ وَيَمْضِيَ فِي نُسُكِهِ ، فَلَوْ تَحَلَّلَ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ ( فَإِنْ فَاتَهُ ) الْحَجُّ فِي الْحَبْسِ ( لَمْ يَتَحَلَّلْ إلَّا بِالْعُمْرَةِ ) أَيْ بِعَمَلِهَا بَعْدَ إتْيَانِهِ مَكَّةَ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا إحْصَارٍ
( قَوْلُهُ فَإِذَا حُبِسَ ظُلْمًا إلَخْ ) اسْتَشْكَلَهُ فِي الذَّخَائِرِ بِأَنَّهُ إنْ حُبِسَ تَعَدِّيًا لَمْ يَسْتَفِدْ بِالتَّحَلُّلِ الْخَلَاصَ مِمَّا هُوَ فِيهِ كَالْمَرِيضِ ، وَلُحُوقُ الْمَشَقَّةِ بِالْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُفِيدٍ إذْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَرِيضِ بَلْ هُوَ حَالَ الْمَرَضِ آكَدُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّحَلُّلِ بِالْحَبْسِ .
ا هـ .
وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يَمْنَعُ الْإِتْمَامَ بِخِلَافِ الْحَبْسِ .

الْمَانِعُ ( الثَّالِثُ - الرِّقُّ فَإِذَا أَحْرَمَ عَبْدُهُ ) وَفِي مَعْنَاهُ أَمَتُهُ ( بِإِذْنِهِ لَمْ يُحَلِّلْهُ ) ، وَإِنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ عَقَدَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَلَمْ يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ مِنْهُ كَالنِّكَاحِ ، وَلَا لِمُشْتَرِيهِ ذَلِكَ ( وَ ) لَكِنْ ( لِمُشْتَرِيهِ الْفَسْخُ ) لِلْبَيْعِ ( إنْ جَهِلَ ) إحْرَامَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَهُ ( أَوْ ) أَحْرَمَ ( بِغَيْرِ إذْنِهِ ) ، وَهُوَ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ لَا نُسُكَ عَلَيْهِ ( فَلَهُ ) أَيْ لِسَيِّدِهِ ( وَلِمُشْتَرِيهِ تَحْلِيلُهُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُرِيدَانِ مِنْهُ مَا لَا يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ كَالِاصْطِيَادِ وَإِصْلَاحِ الطِّيبِ وَقُرْبَانِ الْأَمَةِ وَفِي مَنْعِهِمَا مِنْ ذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِمَا لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُمَا أَنْ يَأْذَنَا لَهُ فِي إتْمَامِ نُسُكِهِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِي السَّيِّدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ حَرْبِيٌّ ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، ثُمَّ غَنِمْنَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا تَحْلِيلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَالِغِ وَأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، وَإِنْ صَحَّحْنَا إحْرَامَ الصَّغِيرِ الْحُرِّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ( وَلِنَفْسِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ أَنْ يَتَحَلَّلَ قِيلَ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ فِي الزَّوْجَةِ قُلْت : قِيَاسُهُ عَلَى الزَّوْجَةِ مَمْنُوعٌ ، وَإِلَّا وُجِّهَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ سَيِّدُهُ بَلْ إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَزِمَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْقَمُولِيِّ ، وَحَيْثُ جَازَ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ جَازَ لِلْعَبْدِ التَّحَلُّلُ وَيَجِبُ إذَا أَمَرَهُ بِهِ .
ا هـ .
وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبًا لِكَوْنِهِ تَلَبَّسَ بِعِبَادَةٍ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ جَوَازِ رِضَا السَّيِّدِ بِدَوَامِهِ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ لَهُ التَّحَلُّلَ ، وَإِنْ لَمْ

يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ ( وَلَوْ مُكَاتَبًا ، وَكَذَا لِسَيِّدِهِ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ أَنْ يُحَلِّلَهُ ( إنْ احْتَاجَ ) فِي تَأْدِيَةِ نُسُكِهِ ( إلَى سَفَرٍ ) هَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ أَذِنَ ) لَهُ فِي الْإِحْرَامِ ( وَرَجَعَ ) عَنْ إذْنِهِ ( قَبْلَ إحْرَامِهِ حَلَّلَهُ ) جَوَازًا إذَا أَحْرَمَ ( وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِرُجُوعِهِ ) كَمَا لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلُ بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ ( وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَحَجَّ ) أَيْ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ ( حَلَّلَهُ ) جَوَازًا ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهَا ( لَا عَكْسَهُ ) بِأَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهَا دُونَهُ ( وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا لَوْ رَجَعَ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ ( فَإِنْ قَرَنَ ) بَعْدَ إذْنِهِ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ أَوْ فِي الْحَجِّ أَوْ فِي الْإِفْرَادِ ( لَمْ يُحَلِّلْهُ ) ؛ لِأَنَّ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ مُسَاوٍ لِلْقِرَانِ أَوْ فَوْقَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ التَّمَتُّعِ تَابَعَ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ شَيْخُهُ الْقَاضِي وَابْنُ كَجٍّ أَنَّ لَهُ تَحْلِيلَهُ قَالَ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ أَوَّلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ أَوَّلًا وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ : لِأَنَّهُ يَقُولُ كَانَ غَرَضِي مِنْ التَّمَتُّعِ أَنِّي كُنْت أَمْنَعُك مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ ا هـ .
وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ وَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ اسْتِعْمَالَ الْعَبْدِ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ كَالِاصْطِيَادِ ( أَوْ ) أَذِنَ لَهُ ( بِالْإِحْرَامِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَأَحْرَمَ فِي شَوَّالٍ حَلَّلَهُ ) جَوَازًا ( مَا لَمْ يَدْخُلْ ذُو الْقِعْدَةِ فَإِنْ أَفْسَدَهُ ) الْعَبْدُ بِالْجِمَاعِ ( لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ الْإِذْنُ فِي الْقَضَاءِ ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي

الْإِفْسَادِ ( وَمَا لَزِمَهُ مِنْ دَمٍ ) بِفِعْلِ مَحْظُورٍ كَاللِّبَاسِ أَوْ بِالْفَوَاتِ ( لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ ) ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ ( بَلْ لَا يُجْزِئُهُ إذَا ذَبَحَ عَنْهُ ) إذْ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ، وَإِنْ مَلَكَهُ سَيِّدُهُ ( وَوَاجِبُهُ الصَّوْمُ ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ ) إنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الْخِدْمَةِ أَوْ يَنَالُهُ بِهِ ضَرَرٌ ( وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي مُوجِبِهِ ( لَا إنْ وَجَبَ ) الصَّوْمُ ( بِتَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ إنْ أَذِنَ ) لَهُ ( فِيهِ ) فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ لِإِذْنِهِ فِي مُوجِبِهِ ( وَإِنْ ذَبَحَ عَنْهُ السَّيِّدُ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ تَكْفِيرِهِ وَالتَّمْلِيكُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَلِهَذَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْ مَيِّتٍ جَازَ وَقَدْ { أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدًا أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ أُمِّهِ بَعْدَ مَوْتِهَا } .

( قَوْلُهُ فَإِذَا أَحْرَمَ عَبْدُهُ بِإِذْنِهِ ) أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْمُضِيِّ فِيهِ ، وَلَوْ أَفْسَدَهُ بِجِمَاعٍ لَزِمَ السَّيِّدَ تَخْلِيَتُهُ لِلْقَضَاءِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَجَعَلَ ابْنُ كَجٍّ مَحَلُّهُمَا فِي سَيِّدٍ مَنْزِلُهُ بِالْحَرَمِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ وَقَوْلُهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَهُ ) قَالَ شَيْخُنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا سَيَأْتِي فِي دَعْوَى الْمُشْتَرِي جَهْلَهُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ هَذَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ( قَوْلُهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَخْ ) يَصْدُقُ السَّيِّدُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ ، وَفِي تَصْدِيقِهِ فِي تَقْدِيمِ رُجُوعِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ تَرَدُّدٌ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي إحْرَامٍ مُطْلَقٍ فَفَعَلَ وَأَرَادَ صَرْفَهُ لِنُسُكٍ وَالسَّيِّدُ لِغَيْرِهِ فَمَنْ يُجَابُ ؟ وَجْهَانِ قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُهُمَا فِي الْأَوْلَى قَوْلُ الْعَبْدِ لَا السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ وَيَأْتِي فِي ذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فِي الرَّجْعَةِ مِنْ نَظِيرِهِ وَأَوْجَهُهُمَا فِي الثَّانِيَةِ إجَابَةُ السَّيِّدِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ كَانَ لَهُ تَحْلِيلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ فَلَوْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ اُعْتُبِرَ إذْنُ النَّاظِرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَاكِمُ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ وَالْمُؤَجَّرُ عَيْنُهُ فِي إحْرَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا إذْنُ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ .
( قَوْلُهُ وَلِمُشْتَرِيهِ تَحْلِيلُهُ ) وَإِنْ جَهِلَ إحْرَامَهُ ، ثُمَّ عَلِمَهُ أَجَازَ الْبَيْعَ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُؤَجَّرًا أَوْ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ فَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ مَالِكِ الرَّقَبَةِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ ،

وَإِنْ صَحَّحْنَا إحْرَامَ الصَّغِيرِ الْحُرِّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ) قَالَ شَيْخُنَا مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ صِحَّةِ إحْرَامِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِذَا لَا فَرْقَ ( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ إلَخْ ) الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ إذَا جَازَ لِلسَّيِّدِ التَّحْلِيلُ جَازَ لِلْعَبْدِ التَّحْلِيلُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ سَيِّدُهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ إنَّمَا هُوَ الْجَوَازُ عِنْدَ أَمْرِ السَّيِّدِ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِمِثْلِهِ فِي الزَّوْجَةِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا هُنَا تَعْلِيلًا يُرْشِدُ إلَى الْمَقْصُودِ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِبَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُوهِمَةِ : إنَّ الْمُحْصَرَ بِغَيْرِ حَقٍّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَالْمُحْصَرُ بِحَقٍّ أَوْلَى فَحَذَفَ النَّوَوِيُّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ .
( قَوْلُهُ هَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ زِيَادَتِهِ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قِيلَ فِي جَوَازِ تَحْلِيلِهِ قَوْلَانِ كَمَنْعِهِ سَفَرَ التِّجَارَةِ وَقِيلَ : لَهُ تَحْلِيلُهُ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ مَنْفَعَةً فِي سَفَرِ التِّجَارَةِ انْتَهَى قَالَ الْفَتِيُّ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفُ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُ مَنْفَعَتُهُ فِي سَفَرِ التِّجَارَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَفَرُهُ غَيْرَ تِجَارَةٍ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ بِسَفَرِ غَيْرِ التِّجَارَةِ هَذَا مَأْخَذُ الْمُصَنِّفِ فَالْمُصَنِّفُ مُخَالِفٌ لِلرَّوْضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يُرَجِّحْ فِي الْمَسْأَلَةِ شَيْئًا بَلْ أَطْلَقَ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ وَرَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ جَوَازَ تَحْلِيلِهِ ، الثَّانِي فِي مُخَالَفَتِهِ أَنَّهُ مَعَ تَرْجِيحِهِ قَيَّدَهُ بِالسَّفَرِ ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُ قَالَ شَيْخُنَا وَحِينَئِذٍ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ كَالْقِنِّ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ اسْتِعْمَالَ الْعَبْدِ إلَخْ ) يُرَدُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ

يُحَلِّلَهُ مِمَّا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ( قَوْلُهُ مَا لَمْ يَدْخُلْ ذُو الْقِعْدَةِ ) مِثْلُهُ مَا لَوْ أَذِنَ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ مَكَان فَأَحْرَمَ مِنْ أَبْعَدَ مِنْهُ .

( وَإِنْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ ) قَبْلَ صَوْمِهِ ( وَقَدَرَ ) عَلَى الدَّمِ ( لَزِمَهُ الدَّمُ ) اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْأَدَاءِ ( وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ ) مِنْ أُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَمُبَعَّضٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ أَوْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ وَأَحْرَمَ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ ( كَالرَّقِيقِ ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فَإِنْ أَحْرَمَ الْمُبَعَّضُ فِي نَوْبَتِهِ وَوَسِعَتْ النُّسُكَ فَكَالْحُرِّ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَتَوَقَّفَ فِيهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ الْمُبَعَّضُ فِي نَوْبَتِهِ وَارْتَكَبَ الْمَحْظُورَ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ أَوْ عَكْسَهُ اُعْتُبِرَ وَقْتُ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ ، وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ يُكَفِّرُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَالْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ وَعَلَيْهِ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ ، وَلَوْ فِي حَيَاتِهِ ( فَرْعٌ وَتَحْلِيلُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالتَّحَلُّلِ ) لَا أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِهِ إذْ غَايَتُهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيَمْنَعَهُ الْمُضِيَّ ، وَيَأْمُرَهُ بِفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ أَوْ يَفْعَلَهَا بِهِ ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْإِحْرَامُ بِشَيْءٍ وَمِنْ ذَلِكَ ( فَمَتَى نَوَى ) أَيْ الْعَبْدُ التَّحَلُّلَ ( وَحَلَقَ تَحَلَّلَ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ) تَحَلُّلُهُ ( عَلَى الصَّوْمِ ) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِسَيِّدِهِ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُهُ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ( وَلَوْ نَذَرَ الْحَجَّ ) ، وَلَوْ ( بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ انْعَقَدَ ) نَذْرُهُ ( وَأَجْزَأَهُ ) فِعْلُهُ ( فِي ) حَالِ ( الرِّقِّ ) .
( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ بِإِذْنِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ

الْمَانِعُ ( الرَّابِعُ - الزَّوْجِيَّةُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِامْرَأَتِهِ ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ( وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ لَا تُحْرِمَ ) بِنُسُكِهَا ( بِغَيْرِ إذْنِهِ ) ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَازِمٌ لِلْحُرَّةِ فَتَعَارَضَ فِي حَقِّهَا وَاجِبَانِ الْحَجُّ وَطَاعَةُ الزَّوْجِ فَجَازَ لَهَا الْإِحْرَامُ وَنُدِبَ الِاسْتِئْذَانُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا يَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الشُّرُوعُ فِي صَوْمِ النَّفْلِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْفَرْضِ ذَكَرَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إحْرَامُهَا بِالنَّفْلِ ( فَإِنْ فَعَلَتْ ) أَيْ أَحْرَمَتْ ( بِلَا إذْنٍ فَلَهُ تَحْلِيلُهَا ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالنُّسُكَ عَلَى التَّرَاخِي ، وَيُخَالِفُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ لِطُولِ مُدَّتِهِ بِخِلَافِهِمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَأَمَّا خَبَرُ { لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ } فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْمُزَوَّجَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِنَّ حَقٌّ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَمْنَعُوهُنَّ مَسَاجِدَ الْبَلَدِ لِلصَّلَوَاتِ ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْخَبَرِ وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ سَافَرَتْ مَعَهُ وَأَحْرَمَتْ بِحَيْثُ لَمْ تُفَوِّتْ عَلَيْهِ اسْتِمْتَاعًا بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا كَمَا أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْنَعُ عَبْدَهُ مِنْ صَوْمِ تَطَوُّعٍ ، وَلَمْ يُفَوِّتْ بِهِ عَلَيْهِ أَمْرَ الْخِدْمَةِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
قَالَ وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِهِ وَيُسْتَثْنَى النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ ، وَالْحَابِسَةُ نَفْسَهَا لِقَبْضِ الْمَهْرِ فَإِنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي

وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أَحْرَمَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهَا ، وَحَيْثُ حَلَّلَهَا فَلْيُحَلِّلْهَا ( كَالْعَبْدِ ) بِأَنْ يَأْمُرَهَا بِالتَّحَلُّلِ ( وَ ) يَجِبُ ( عَلَيْهَا أَنْ تَتَحَلَّلَ ) بِأَمْرِ زَوْجِهَا ( كَالْمُحْصَرِ ) أَيْ كَتَحَلُّلِهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا لَمْ يَجُزْ لَهَا التَّحَلُّلُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ ( فَإِنْ كَرِهَتْ ) أَيْ امْتَنَعَتْ مِنْ تَحَلُّلِهَا مَعَ تَمَكُّنِهَا مِنْهُ ( فَلَهُ وَطْؤُهَا ) وَسَائِرُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا ( وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا ) لَا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَائِضِ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ غُسْلِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ تَغْسِيلُهَا وَوَطْؤُهَا مَعَ بَقَاءِ حَدَثِهَا ، وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا ( وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي جَوَازِهِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ مُحَرَّمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمُرْتَدَّةِ فَيُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهَا عَلَى الزَّوْجِ إلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ .
( فَرْعٌ لَهُ حَبْسُ الْمُعْتَدَّةِ ) عَنْ الْخُرُوجِ إذَا أَحْرَمَتْ ، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ ، وَإِنْ خَشِيَتْ الْفَوَاتَ أَوْ أَحْرَمَتْ بِإِذْنِهِ لِسَبْقِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَتَعْبِيرُهُ بِلَهُ مُوَافِقٌ لِتَعْبِيرِ الْمَجْمُوعِ بِهِ وَعَبَّرَ الْأَصْلُ بِعَلَيْهِ ، نَظَرًا إلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِالْإِسْكَانِ بِمَسْكَنِهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ( وَلَا يُحَلِّلُهَا إلَّا إنْ رَاجَعَهَا ) فَلَهُ تَحْلِيلُهَا إنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، وَلَمْ يُرَاجِعْهَا مَضَتْ فِي الْحَجِّ فَإِنْ أَدْرَكَتْهُ فَذَاكَ ، وَإِلَّا فَلَهَا حُكْمُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَوْ أَحْرَمَتْ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَجُزْ لَهَا التَّحَلُّلُ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَدْرَكَتْ الْحَجَّ فَذَاكَ ، وَإِنْ فَاتَهَا قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ : إنْ كَانَتْ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِخِيَارٍ وَنَحْوِهِ فَهِيَ الْمُفَوِّتَةِ ، وَإِلَّا فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْصَرِ إذَا سَلَكَ طَرِيقًا فَفَاتَهُ .
ا هـ .
وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ وَسَيَأْتِي فِي الْعَدَدِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَسْأَلَةِ

وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ ، ثُمَّ طَلُقَتْ ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ فَفَاتَهَا الْحَجُّ قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ كَالْخَطَأِ فِي الْعَدَدِ وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ ( وَالْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ ) إذَا أَرَادَتْ الْإِحْرَامَ ( تَسْتَأْذِنُ وُجُوبًا الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ ) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْمَنْعُ فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا فَلَهُمَا ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيلُهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ

( قَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الرَّقِيقِ جِوَارُ تَحَلُّلِهَا بِلَا إذْنٍ خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَتْ بِلَا إذْنٍ فَلَهُ تَحْلِيلُهَا ) اسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ مَا إذَا خَرَجَ مَكِّيٌّ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَيْهَا بِأَهْلِهِ مُحْرِمًا ، ثُمَّ يَعُودُ لِمَكَّةَ قَالَ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا سِيَّمَا مِنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا يُحَلِّلُهَا لَوْ أَحْرَمَتْ ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِالْأَرْكَانِ فِي بَعْضِ يَوْمٍ ، وَهُوَ مَشْغُولٌ عَنْهَا بِالْحَجِّ وَقَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ ، وَهَذَا أَوْلَى ، وَلَا يُقَالُ هَذَا فِيهِ مُفَارَقَةُ الْمَنْزِلِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ أَرَادَ أَخْذَهَا مَعَهُ وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ ، وَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ إيَّاهَا مِنْ الِاعْتِمَارِ مَعَهُ أَوْ مَعَ مَحْرَمٍ مِنْ التَّنْعِيمِ ، وَلَا سِيَّمَا الْفَرْضُ وَالنَّذْرُ ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى .
قَالَ بَعْضُهُمْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا فَقَدْ لَا تَأْتِي بِهَا فِي بَعْضِ الْيَوْمِ بَلْ يَطُولُ تَأْخِيرُهَا ، وَقَدْ يَكُونُ غَرَضُ الزَّوْجِ قَضَاءَ نُسُكِهِ بِسُرْعَةٍ نَهَارًا وَالِاسْتِمْتَاعَ عَقِبَ ذَلِكَ ، وَلَا يَسْمَحُ بِأَنْ تَتَعَاطَى قَضَاءَ النُّسُكِ نَهَارًا غَيْرَةً عَلَيْهَا ؛ وَلِذَا أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ لِلزَّوْجِ الْمَنْعَ وَالتَّحْلِيلَ حَلَالًا كَانَ أَوْ مُحْرِمًا وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ لَعَلَّهُ أَرَادَ الْآفَاقِيَّ لَا هَذِهِ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ مَمْنُوعٌ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا : وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ مُدَّتَهُ طَوِيلَةٌ بِخِلَافِهَا انْتَهَى .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّ دَلِيلَ التَّحْلِيلِ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ تَحْلِيلِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُوطَأُ إذَا أَحْرَمَتْ بِتَطَوُّعٍ ، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إذَا سَافَرَتْ مَعَ

الزَّوْجِ فَأَحْرَمَتْ بِالْفَرْضِ وَقْتَ إحْرَامِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى .
وَوَجْهُ النَّظَرِ مَا سَبَقَ ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ انْتَهَى .
( قَوْلُهُ بِلَا إذْنٍ ) اخْتِلَافُهُمَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْإِذْنِ كَمَا مَرَّ حُكْمُ مَنْ أَحْرَمَتْ ، ثُمَّ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ أَحْرَمَتْ مُعْتَدَّةً يَأْتِي هُنَاكَ ( قَوْلُهُ يُسْتَثْنَى النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ إلَخْ ) إذَا أَحْرَمَتْ بِالْقَضَاءِ الْفَوْرِيِّ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْوَاطِئُ أَوْ أَجْنَبِيًّا قَبْلَ النِّكَاحِ ، وَلَوْ قَالَ طَبِيبَانِ عَدْلَانِ لِلزَّوْجَةِ : إنْ لَمْ تَحُجَّ الْعَامَ عَضِبَتْ صَارَ الْحَجُّ فَوْرِيًّا فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ ، وَلَا التَّحْلِيلُ مِنْهُ ( قَوْلُهُ فَإِذَا أَحْرَمَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهَا ) أَيْ قَبْلَ بَذْلِ الْحَالِ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ .

الْمَانِعُ ( الْخَامِسُ الْأُبُوَّةُ ، وَلَيْسَ لِأَبَوَيْهِ ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَإِنْ عَلَا ( مَنْعُهُ مِنْ ) حَجِّ ( الْفَرْضِ ) لَا ابْتِدَاءً ، وَلَا إتْمَامًا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَيُفَارِقُ الْجِهَادُ بِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ ، وَلَيْسَ الْخَوْفُ فِيهِ كَالْخَوْفِ فِي الْجِهَادِ مَعَ أَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ خَطَرَ الْفَوَاتِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ كَانَ لِأَبَوَيْهَا مَنْعُهَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يُسَافِرَ مَعَهَا الزَّوْجُ ( وَيُسَنُّ اسْتِئْذَانُهُمَا ) فِي الْحَجِّ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ ( وَيَمْنَعَانِهِ مِنْ ) حَجِّ ( التَّطَوُّعِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لِرَجُلٍ اسْتَأْذَنَهُ فِي السَّفَرِ لِلْجِهَادِ : أَلَكَ أَبَوَانِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : اسْتَأْذَنْتَهُمَا ؟ قَالَ : لَا قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ } قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِهِمَا لَهُ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ ( وَلَهُمَا تَحْلِيلُهُ ) مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَتَحْلِيلُهُمَا لَهُ كَتَحْلِيلِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذَكَرَهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَيَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِأَمْرِهِمَا وَيَبْعُدُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَحْلِيلُ الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ لِقِصَرِ السَّفَرِ الْمَانِعُ

( قَوْلُهُ وَإِنْ عَلَا ) ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا فَرْقَ فِيهِمْ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ ( قَوْلُهُ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ ) فَلَوْ مَنَعَهُ مِنْ حَجِّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى مَنْعِهِ أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وَكَانَ مِمَّنْ يُطِيقُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ ، وَلَا لِوَلِيِّهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى مُطِيقِ الْمَشْيِ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ لَكِنْ قَالَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ وَتَبِعَهُ فِي الْخَادِمِ يَنْبَغِي حَمْلُ حَجِّ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا إذَا لَزِمَهُ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ) ؛ لِأَنَّ الرِّضَا الزَّوْجِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْأَصْلِ ( قَوْلُهُ وَتَطَوُّعًا ) قَالَ شَيْخُنَا : حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ رِضَاهُ بِذَلِكَ ، وَإِلَّا كَانَ الِاسْتِئْذَانُ وَاجِبًا وَيُمْكِنُ حَمْلُ سُنِّيَّةِ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَوُجُوبِهِ عَلَى السَّفَرِ لَهُ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ ) وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ ( قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِهِمَا إلَخْ ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : لِقِصَرِ السَّفَرِ الْمَانِعِ ) وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي إرْشَادِهِ وَلِأَبَوَيْ آفَاقِيٍّ مَنْعُهُ مِنْ تَطَوُّعٍ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ مُقْتَضَى الْحَاوِي جَوَازُ مَنْعِ الْمَكِّيِّ أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ التَّطَوُّعِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَمْنَعَانِهِ مِنْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ لِلْحَجِّ لَا مِنْ مُطْلَقِ الْحَجِّ وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْآفَاقِيِّ انْتَهَى .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَنْعِ مَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مُصَاحِبًا لَهُ فِي السَّفَرِ

( السَّادِسُ الدَّيْنُ ، وَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ ) أَيْ الْمَدِينِ ( تَحْلِيلُهُ ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ وَتَقَدَّمَ فِي جَوَازِ تَحَلُّلِ الْمَدِينِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ غَرِيمِهِ تَفْصِيلٌ ( ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ ) لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ ( إلَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا ) فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ فِي الْحَالِ ( فَإِنْ كَانَ ) الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ ( اُسْتُحِبَّ ) لَهُ ( أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِيَهُ ) عَنْهُ عِنْدَ حُلُولِهِ .
( قَوْلُهُ أَوْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا ) أَوْ اسْتَنَابَ مَنْ يَقْضِيهِ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ .

( فَصْلٌ لَا قَضَاءَ عَلَى مُحْصَرٍ تَحَلَّلَ ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَبُيِّنَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْخَبَرِ ؛ وَلِأَنَّ الْفَوَاتَ نَشَأَ عَنْ الْإِحْصَارِ الَّذِي لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ بَلْ الْأَمْرُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ( فَإِنْ أُحْصِرَ فِي قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ ) مُعَيَّنٍ فِي الْعَامِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ ( فَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ ) كَمَا كَانَ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ ، وَلَمْ يُتِمَّهَا ( وَكَذَا حِجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ ) حِجَّةِ ( نَذْرٍ ) قَدْ ( اسْتَقَرَّتْ ) كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِأَنْ اجْتَمَعَ فِيهَا شُرُوطُ الِاسْتِطَاعَةِ قَبْلَ الْعَامِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أُحْصِرَ فِي تَطَوُّعٍ أَوْ فِي حِجَّةِ إسْلَامٍ أَوْ نَذْرٍ ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ ( فَلَا ) شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّطَوُّعِ أَصْلًا ، وَلَا فِي حِجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ النَّذْرِ ( حَتَّى يَسْتَطِيعَ ) بَعْدُ وَحِينَئِذٍ إنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْحَجُّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ بِهِ ، وَيَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ بِمُضِيِّهِ .
( قَوْلُهُ أَوْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ ) قَالَ شَيْخُنَا سَيَأْتِي أَنَّ مَنْ أُحْصِرَ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ بَعْدَ إحْرَامِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْإِحْرَامِ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عَامِهِ ( قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ بِهِ إلَخْ ) كَذَا أَطْلَقُوا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إذَا كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ لَعَجَزَ عَنْ الْحَجِّ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِهِ فِي هَذَا الْعَامِ

( فَصْلٌ .
وَإِنْ وَجَدَ الْمُحْصَرُ طَرِيقًا وَاسْتَطَاعَ ) سُلُوكَهُ ( لَزِمَهُ سُلُوكُهُ ) ، وَإِنْ طَالَ ( حَتَّى يَصِلَ الْبَيْتَ ) ، وَإِنْ عَلِمَ الْفَوَاتَ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التَّحَلُّلِ هُوَ الْحَصْرُ لَا خَوْفُ الْفَوَاتِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ بِالشَّامِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ بِسَبَبِ الْفَوَاتِ ( فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِطُولِهِ ) أَيْ الطَّرِيقِ ( أَوْ صُعُوبَتِهِ ) أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِهِ ( تَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ) لَا بِتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا ( وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ) ، وَإِنْ تَرَكَّبَ السَّبَبُ مِنْ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَا فِي وُسْعِهِ كَمَنْ أُحْصِرَ مُطْلَقًا ( فَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( اسْتَوَيَا ) أَيْ الطَّرِيقَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ الَّذِي وَجَدَهُ أَقْرَبَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَفَاتَهُ الْحَجُّ ( قُضِيَ ) وُجُوبًا ؛ لِأَنَّهُ فَوَاتٌ مَحْضٌ أَمَّا إذَا وَجَدَ طَرِيقًا ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ سُلُوكَهُ فَكَالْعَدِمِ ( وَإِنْ دَامَ الْحَصْرُ وَصَابَرَهُ ) أَيْ الْإِحْرَامَ ( مُتَوَقِّعًا زَوَالَ الْإِحْصَارِ حَتَّى فَاتَ ) الْحَجُّ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ ( فَلَا قَضَاءَ ) لِمَا مَرَّ ( وَيَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ ) أَيْ بِعَمَلِهَا وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْبَيْتِ ، وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَوَقَّعْ زَوَالَ الْإِحْصَارِ وَاسْتَمَرَّ مُحْرِمًا حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا سَيَأْتِي لِشِدَّةِ تَفْرِيطِهِ وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ قَرَّرَ السُّبْكِيُّ كَلَامَ الْأَصْلِ ، ثُمَّ قَالَ : وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ مُوجِبَةٌ لِلْقَضَاءِ فِي الْحَالَيْنِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِخِلَافِ سُلُوكِهِ أَطْوَلَ الطَّرِيقِينَ إذْ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِسُلُوكِهِ .

( فَرْعٌ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَبَعْدَهُ ) لِعُمُومِ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ ( فَإِنْ بَقِيَ ) قَبْلَ الْوُقُوفِ ( عَلَى إحْرَامِهِ غَيْرَ مُتَوَقِّعٍ زَوَالَ الْإِحْصَارِ حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ ) لِفَوَاتِ الْحَجِّ كَمَا لَوْ فَاتَهُ بِخَطَأِ الطَّرِيقِ أَوْ الْعَدَدِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ غَيْرُ مُتَوَقِّعٍ زَوَالَ الْإِحْصَارِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَتَحَلَّلَ ) وُجُوبًا ( بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ إنْ أَمْكَنَهُ ) التَّحَلُّلُ بِهَا ( وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْفَوَاتِ ، وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ ( تَحَلَّلَ بِهَدْيٍ ، وَلَزِمَهُ ) مَعَ الْقَضَاءِ وَدَمِ التَّحَلُّلِ ( دَمٌ آخَرُ لِلْفَوَاتِ فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَتَحَلَّلَ ، ثُمَّ أُطْلِقَ ) مِنْ إحْصَارِهِ ( فَأَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَبْنِيَ لَمْ يَجُزْ ) أَيْ الْبِنَاءُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ( فَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ ) بِمِنًى ( فَعَلَيْهِ الدَّمُ ) لِفَوَاتِ الرَّمْيِ كَغَيْرِ الْمُحْصَرِ ( فَيَحْصُلُ بِهِ ) أَيْ بِالدَّمِ ( وَبِالْحَلْقِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ يَطُوفُ ) مَتَى أَمْكَنَهُ لِبَقَائِهِ عَلَيْهِ وَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى ( وَتَمَّ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ ثَانٍ لِلْمَبِيتِ ) بِمِنًى أَيْ لِفَوَاتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةُ لَزِمَهُ دَمٌ ثَالِثٌ ( وَلَا قَضَاءَ ) عَلَيْهِ ( بِإِحْصَارٍ ) وَقَعَ ( بَعْدَ الْوُقُوفِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ بِالْحَصْرِ الْمَحْضِ ( وَإِنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَاتٍ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ غَيْرِهَا ( تَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ) كَمَا يَتَحَلَّلُ بِهَا مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَسَيَأْتِي ( وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَرٌ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَنْ صُدَّ عَنْ طَرِيقٍ وَسَلَكَ غَيْرَهُ فَفَاتَهُ الْحَجُّ ، وَإِنْ صُدَّ عَنْ الطَّوَافِ فَقَطْ وَقَفَ ، ثُمَّ تَحَلَّلَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ .

قَوْلُهُ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَبَعْدَهُ إلَخْ ) الْأَفْضَلُ لِمَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ تَأْخِيرُ التَّحَلُّلِ إنْ وَسِعَ الْوَقْتُ ، وَإِلَّا فَتَعْجِيلُهُ نَعَمْ لَوْ عَلِمَ انْكِشَافَهُ فِي مُدَّةِ الْحَجِّ بِحَيْثُ يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ أَوْ فِي الْعُمْرَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلُ كَمَا نَقَلُوهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ هُنَا الظَّنُّ الْغَالِبُ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِهِمْ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ ، وَهُمْ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّحَلُّلُ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ مِنْ تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ انْتَهَى .
وَهُوَ مَمْنُوعٌ ، وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَعَلَّهُ انْفَرَدَ بِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ إلَخْ ) اسْتَنْبَطَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْإِحْصَارِ عَنْ الطَّوَافِ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا لَمْ تَطُفْ لِلْإِفَاضَةِ ، وَلَمْ تُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ حَتَّى تَطْهُرَ وَجَاءَتْ بَلَدَهَا ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَعَدِمَتْ النَّفَقَةَ ، وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ أَنَّهَا كَالْمُحْصَرِ فَتَتَحَلَّلُ بِالنِّيَّةِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَالرُّويَانِيِّ وَالْعِمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ فِيمَنْ صُدَّ عَنْ طَرِيقٍ وَوَجَدَ آخَرَ أَطْوَلَ إنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِ لِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَهُ التَّحَلُّلُ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ ، وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ انْتَهَى .
وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبَارِزِيُّ وَبِهِ أَفْتَيْت .

( فَصْلٌ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ لَزِمَهُ التَّحَلُّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ) لِمَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ يُوهِمُ عَدَمَ لُزُومِ تَحَلُّلِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمَنْقُولُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لُزُومُهُ كَمَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ لِزَوَالِ وَقْتِهِ كَالِابْتِدَاءِ ، فَلَوْ اسْتَدَامَهُ حَتَّى حَجَّ بِهِ مِنْ قَابِلٍ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْحَجِّ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ قَالَ السُّبْكِيُّ ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْفَوَاتَ بِالْفَسَادِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَابِرَ الْإِحْرَامَ لِلطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِبَقَاءِ وَقْتِهِمَا مَعَ تَبَعِيَّتِهِمَا لِلْوُقُوفِ فَإِنَّهُ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ ( وَلَا يَنْقَلِبُ ) حَجُّهُ الَّذِي تَحَلَّلَ مِنْهُ ( عُمْرَةً ، وَلَا يُعِيدُ السَّعْيَ إنْ كَانَ قَدْ سَعَى لِلْقُدُومِ ، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْعُمْرَةِ ) أَيْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِنُسُكٍ فَلَا يَنْصَرِفُ لِلْآخَرِ كَعَكْسِهِ ، وَلَا يَجِبُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى ، وَإِنْ بَقِيَ وَقْتُهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَبِمَا فَعَلَهُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ الْمَتْبُوعِ بِالسَّعْيِ لِسُقُوطِ بِحُكْمِ الرَّمْيِ بِالْفَوَاتِ فَصَارَ كَمَنْ رَمَى ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْعُمْرَةِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّحَلُّلِ ( ثُمَّ إنْ كَانَ ) حَجُّهُ ( فَرْضًا فَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ ) كَمَا كَانَ ( أَوْ تَطَوُّعًا قُضِيَ ) وُجُوبًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ ( كَالْمُفْسِدِ ) لَهُ فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ عُمْرَةٍ مَعَ الْحَجِّ ( وَلَزِمَهُ ) مَعَ الْقَضَاءِ ( دَمُ الْفَوَاتِ ،

وَإِنْ كَانَ ) الْفَوَاتُ ( بِنَوْمٍ وَنِسْيَانٍ وَضَلَالِهِ ) الطَّرِيقَ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَعْذَارِ لِمَا رَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعَدَدَ وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ ، ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا ، ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَاهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يُنْكَرْ .
( قَوْلُهُ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ لَزِمَهُ التَّحَلُّلُ ) لِئَلَّا يَصِيرَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ( قَوْلُهُ كَالِابْتِدَاءِ ) قَالَ شَيْخُنَا : ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ زَمَنِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِانْعِقَادِهِ عُمْرَةً ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَالْأَوْجَهُ الْكَرَاهَةُ

( بَابُ الدِّمَاءِ ) ( حَيْثُ أَطْلَقْنَا فِي الْمَنَاسِكِ الدَّمَ ) سَوَاءٌ أَتَعَلَّقَ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ أَمْ بِارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ أَمْ بِغَيْرِهِمَا ( فَالْمُرَادُ ) بِهِ أَنَّهُ ( كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ ) فِي سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا ( فَيُجْزِئُ الْبَدَنَةُ ) بَعِيرًا كَانَتْ أَوْ بَقَرَةً ( عَنْ سَبْعَةِ دِمَاءٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ ) أَسْبَابُهَا كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَتَرْكِ الرَّمْيِ بِهَا وَالتَّطَيُّبِ وَحَلْقِ شَعْرٍ وَقَلْمِ أَظْفَارٍ وَسَيَأْتِي فِي الضَّحَايَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ ( فَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، فَلَوْ ( ذَبَحَهَا ) أَيْ الْبَدَنَةَ ( عَنْ دَمٍ ) وَاجِبٍ ( فَالْفَرْضُ سُبُعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ ) عَنْهُ ( وَأَكْلُ الْبَاقِي إلَّا فِي جَزَاءِ ) الصَّيْدِ ( الْمِثْلِيِّ ) فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ فِي سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا ، بَلْ يَجِبُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ كَمَا مَرَّ ( بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ شَاتِه ) أَيْ الْمِثْلِيِّ ، وَإِنْ أَجْزَأَتْ عَنْهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُمْ رَاعَوْا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمُمَاثَلَةَ أَيْ فِي الْجِنْسِ فَلَا يُشْكِلُ بِإِجْزَاءِ الْكَبِيرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْبَعِيرُ عَنْ الْبَقَرَةِ ، وَلَا عَكْسُهُ ، وَلَا سَبْعُ شِيَاهٍ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَعَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَى قَوْلِهِ جَزَاءِ الْمِثْلِيِّ لِيَخْرُجَ جَزَاءُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ كَالْحَمَامِ .

( بَابُ الدِّمَاءِ ) قَوْلُهُ فَالْفَرْضُ سُبُعُهَا ) قَالَ شَيْخُنَا : كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ لَوْ أَخْرَجَ قَدْرًا زَائِدًا وَقَعَ الزَّائِدُ نَفْلًا ، وَهَذَا مِنْ الْقَبِيلِ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ حَتَّى لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ ، وَلَا كَذَلِكَ بَعِيرُ الزَّكَاةِ حَيْثُ وَقَعَ كُلُّهُ فَرْضًا لِمَا مَرَّ .

( فَصْلٌ ) فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّمَاءِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا ( وَالدِّمَاءُ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ ) تَرْجِعُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةٍ : دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( أَحَدُهَا دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ ، وَكَذَا الْفَوَاتِ ، وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ ، وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْهُ ( وَتَقْدِيرٍ ) بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَا يَعْدِلُ إلَيْهِ بِمَا لَا يَزِيدُ ، وَلَا يَنْقُصُ أَمَّا دَمُ التَّمَتُّعِ فَلِآيَةِ { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ } وَقِيسَ بِهِ دَمُ الْقِرَانِ ، وَأَمَّا دَمُ الْفَوَاتِ فَلِخَبَرِ هَبَّارٍ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّ مُوجِبَ دَمِ التَّمَتُّعِ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالنُّسُكُ الْمَتْرُوكُ فِي الْفَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ ( الثَّانِي جَزَاءُ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ ، وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ ( وَتَعْدِيلٍ ) بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ لِآيَةِ { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } وَقِيسَ بِالصَّيْدِ : الشَّجَرُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْحَشِيشُ أَيْ فِي غَيْرِ الذَّبْحِ إذْ لَا ذَبْحَ فِيهِ كَمَا مَرَّ وَأُخِذَ اسْمُ التَّعْدِيلِ مِنْ قَوْله تَعَالَى { أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } .

ثَمَّ ( قَوْلُهُ أَحَدُهَا دَمُ التَّمَتُّعِ إلَخْ ) دَمُ التَّمَتُّعِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَرَغَ مِنْهَا ، ثُمَّ أَنْشَأَ فِي سُنَّتِهَا حَجًّا بِلَا عَوْدٍ لِلْإِحْرَامِ بِهِ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِ وَقَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ إلَى مِيقَاتٍ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَةِ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ أَوْ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حِينَ التَّلَبُّسِ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَدَمُ الْقِرَانِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا أَوْ بِعُمْرَةٍ ، ثُمَّ بِحَجٍّ فِي أَشْهُرِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي طَوَافِهَا ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى مِيقَاتٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .

( الثَّالِثُ - دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ ، وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ فَيَتَخَيَّرُ ) إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ بَيْنَ أُمُورٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ( أَمَّا الدَّمُ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ } فَحَلَقَ { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِك قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ رَأْسَك وَانْسُكْ شَاةً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقَ بِفَرَقٍ مِنْ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ } وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ ثَلَاثَةُ آصُعٍ ، وَقِيسَ بِالْحَلْقِ الْقَلْمُ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ وَبِالْمَعْذُورِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ تَثْبُتُ فِيهَا التَّخْيِيرُ إذَا كَانَ سَبَبُهَا مُبَاحًا ثَبَتَ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُهَا مُحَرَّمًا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ .
( قَوْلُهُ الثَّالِثُ دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ ) وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى مُحْرِمٍ مُمَيِّزٍ لَمْ يَتَحَلَّلْ أَزَالَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ أُزِيلَ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ فَصَاعِدًا أَوْ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهَا ، وَلَا فِي مَكَان وَاحِدٍ وَعَلَى مَنْ أَزَالَ مِنْ مُحْرِمٍ حَيٍّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَا إذَا طَالَ شَعْرُ حَاجِبِهِ أَوْ رَأْسِهِ وَغَطَّى عَيْنَهُ فَقَطَعَ الْقَدْرَ الْمُغَطِّي فَقَطْ أَوْ نَبَتَتْ شَعَرَاتٌ دَاخِلَ جَفْنِهِ فَتَأَذَّى مِنْ ذَلِكَ أَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَقَطَعَ الْمُؤْذِي .

( الرَّابِعُ ) الدَّمُ ( الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ ) بِمُزْدَلِفَةُ وَبِمِنًى ( وَهُوَ كَدَمِ التَّمَتُّعِ ) فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ إذْ الْمُوجِبُ لِدَمِ التَّمَتُّعِ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ كَمَا مَرَّ ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَيَصُومُ إذَا عَجَزَ كَالْمُتَمَتِّعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ كَوْنِهِ دَمَ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ ( الْخَامِسُ دَمُ الِاسْتِمْتَاعِ كَالطِّيبِ ) الْأَوْلَى قَوْلُهُ أَصْلُهُ كَالتَّطَيُّبِ ( وَالدَّهْنِ ) بِفَتْحِ الدَّالِ ( وَاللُّبْسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ ، وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ كَالْحَلْقِ ) أَيْ دَمُهُ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا فِي التَّرَفُّهِ وَالِاسْتِهْلَاكِ ( السَّادِسُ دَمُ الْجِمَاعِ ) الْمُفْسِدِ ( وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ فَيَجِبُ بَدَنَةٌ ) أَيْ بَعِيرٌ ( ثُمَّ بَقَرَةٌ ، ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ ) عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي ( فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ) وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ وَقَدَّمَ الطَّعَامَ عَلَى الصِّيَامِ كَمَا فِي جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ وَأُقِيمَا مَقَامَ الْبَدَنَةِ تَشْبِيهًا بِجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا مَرَّ ، وَهُنَا عَلَى التَّرْتِيبِ لِشَبَهِهِ بِالْفَوَاتِ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ وَقُدِّمَتْ الْبَدَنَةُ عَلَى الْبَقَرَةِ ، وَإِنْ قَامَتْ مَقَامَهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ لِنَصِّ الصَّحَابَةِ عَلَيْهَا وَبَيْنَهُمَا بَعْضُ تَفَاوُتٍ لِخَبَرِ { مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً }

( قَوْلُهُ الرَّابِعُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ ) كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى مُرِيدِ نُسُكٍ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ حَيْثُ لَزِمَهُ أَوْ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ لِلْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ إلَى حَيْثُ لَزِمَهُ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ( قَوْلُهُ وَالرَّمْيِ وَطَوَافِ ) الْوَدَاعِ قَالَ الْبَارِزِيُّ لَا يُتَصَوَّرُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ ، وَلَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ أَيْ فِي الْحَجِّ ، فَيَجِبُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِمْكَانِ بَعْدَ الْوُجُوبِ .
ا هـ .
وَالْفَوَاتُ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَالْمَبِيتِ ) دَمُ تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ عَلَى مُحْرِمٍ بِحَجِّ غَيْرِ مَعْذُورٍ لَمْ يَحْضُرْ لَحْظَةً مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي لَيْلَةَ النَّحْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ ، وَدَمُ تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَاجِبٌ عَلَى حَاجٍّ غَيْرِ مَعْذُورٍ تَرَكَ حُضُورَ مُعْظَمِ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيْلَتَيْ مِنًى إنْ نَفَرَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّلَاثِ إنْ نَفَرَ فِي النَّفْرِ الثَّانِي وَدَمُ تَرْكِ الرَّمْيِ وَاجِبٌ عَلَى حَاجٍّ تَرَكَ رَمْيَ ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ فَأَكْثَرَ مِنْ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ مِنْهُمَا بِغَيْرِ عُذْرِ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ بِهِ ، وَلَمْ يَسْتَنِبْ أَوْ اسْتَنَابَ ، وَلَمْ يَمْتَثِلْ النَّائِبُ مِنْ غَيْرِ تَدَارُكٍ فِي بَاقِيهَا وَدَمُ تَرْكِ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَمُتَحَيِّرَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَخَائِفٍ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ فَوْتِ رُفْقَةٍ أَوْ غَرِيمٍ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ سَافَرَ مِنْ مَكَّةَ لَا لِنُسُكٍ بِعَرَفَةَ أَوْ مِنْ مِنًى ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَكَانَ حَاجًّا ، وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ بِقَصْدِ الْوَدَاعِ أَوْ طَافَ وَمَكَثَ لَا يَسِيرًا لِشُغْلِ السَّفَرِ وَصَلَاةٍ أُقِيمَتْ ، وَلَمْ يَعُدْ لَهُ قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ مِنْ مَكَّةَ ( قَوْلُهُ لِشَبَهِهِ بِالْفَوَاتِ فِي إيجَابِ

الْقَضَاءِ ) ؛ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لِإِفْسَادِ عِبَادَةٍ فَكَانَتْ عَلَى التَّرْتِيبِ كَكَفَّارَةِ الصَّوْمِ .

( السَّابِعُ شَاةُ الْجِمَاعِ ) غَيْرِ الْمُفْسِدِ ( وَهِيَ كَشَاةِ مُقَدِّمَاتِهِ ) فِي كَوْنِهَا دَمَ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا فِي التَّمَتُّعِ بِغَيْرِ إفْسَادِهِ وَعَبَّرَ هُنَا بِشَاةِ الْجِمَاعِ وَفِيمَا مَرَّ بِدَمِ الْجِمَاعِ لِدَفْعِ اللَّبْسِ ( الثَّامِنُ دَمُ الْإِحْصَارِ ، وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ ) كَدَمِ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا فِي الْخُرُوجِ بِهِمَا مِنْ النُّسُكِ الصَّحِيحِ فِي وَقْتِهِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ، ثُمَّ طَعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ ( فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطَّعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا وَإِذْ قَدْ ذَكَرَهُ فَلْيُذْكَرْ مَا ذَكَرْتُهُ قَبْلَهُ .

( قَوْلُهُ الْجِمَاعِ غَيْرِ الْمُفْسِدِ ) الْجِمَاعُ بَعْدَ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ وَدَمُهُ وَاجِبٌ عَلَى مُحْرِمٍ ذَكَرٍ مُمَيِّزٍ جَامَعَ ، وَلَوْ بِحَائِلٍ عَامِدًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فِي الْحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ أَوْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا بَعْدَ جِمَاعٍ مُفْسِدٍ مُنْفَصِلٍ أَوْ مُتَّصِلٍ وَقَضَى وَطَرَهُ فِي الْأَوَّلِ وَدَمُ الْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ وَاجِبٌ عَلَى مُحْرِمٍ بِالْحَجِّ ذَكَرٍ مُمَيِّزٍ جَامَعَ ، وَلَوْ بِحَائِلٍ عَامِدًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ ( قَوْلُهُ الثَّامِنُ دَمُ الْإِحْصَارِ ) ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى مُحْرِمٍ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ حَبْسٌ مِنْ سُلْطَانٍ وَنَحْوِهِ ظُلْمًا أَوْ بِدَيْنٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِإِعْسَارِهِ أَوْ زَوْجٍ فِي غَيْرِ عِدَّتِهِ أَوْ سَيِّدٍ جَازَ لَهُمَا الْمَنْعُ أَوْ أَصْلٌ فِي التَّطَوُّعِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ ، وَلَمْ يَجِدْ فِي مَنْعِ الْعَدُوِّ لَهُ عَنْ سُلُوكِ طَرِيقٍ مَسْلَكًا فِي طَرِيقٍ آخَرَ وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ سُلُوكُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ غَيْرُهُ ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ انْكِشَافَ الْعَدُوِّ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ فِيهَا إنْ كَانَ حَاجًّا أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا أَوْ حَدَثَ بِهِ عُذْرٌ كَمَرَضٍ وَضَلَالِ طَرِيقٍ وَنَفَاذِ نَفَقَةٍ وَكَانَ قَدْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ التَّحَلُّلَ بِهِ بِالْهَدْيِ قَصَدَ التَّحَلُّلَ .

( فَصْلٌ ) فِي بَيَانِ زَمَنِ إرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَمَكَانِهَا ( هَذِهِ الدِّمَاءُ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ ) بَلْ تُفْعَلُ فِي أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ ، وَلَمْ يَرِدْ مَا يُخَالِفُهُ لَكِنْ تُنْدَبُ إرَاقَتُهُ أَيَّامَ التَّضْحِيَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهَا إذَا حَرُمَ السَّبَبُ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ فَيُحْمَلُ مَا أَطْلَقُوهُ هُنَا عَلَى الْإِجْزَاءِ ، أَمَّا الْجَوَازُ فَأَحَالُوهُ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ فِي الْكَفَّارَةِ ( وَكُلُّهَا تُرَاقُ فِي النُّسُكِ ) الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ ( إلَّا دَمَ الْفَوَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ ) أَدَاؤُهُ ( وَلَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ ) لِظَاهِرِ خَبَرِ هَبَّارٍ السَّابِقِ وَكَمَا أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِجَامِعِ أَنَّ الْمُحْرِمَ فِيهِمَا يَتَحَلَّلُ مِنْ نُسُكٍ وَيُحْرِمُ بِآخَرَ ، وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَ فِي الْفَائِتِ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ، وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إجْزَاءُ إخْرَاجِ دَمِ الْفَوَاتِ بَيْنَ التَّحَلُّلِ وَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ وَذَلِكَ فِي قَابِلٍ كَمَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ دَخَلَ وَقْتُ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَكَلَامُ الْأَصْلِ تَبَعًا لِلْعِرَاقِيِّينَ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ، وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ هَكَذَا أَفْهَمَ ، وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ .
( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إجْزَاءُ إخْرَاجِ دَمِ الْفَوَاتِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَإِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ ) إلَى أَهْلِهِ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَصْلُهُ لِيُفَرِّعَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الدَّمِ ( وَكُلُّ هَذِهِ الدِّمَاءِ وَبَدَلُهَا ) مِنْ الطَّعَامِ ( تَخْتَصُّ ) تَفْرِقَتُهُ ( بِالْحَرَمِ ) عَلَى مَسَاكِينِهِ ( وَكَذَا ) يَخْتَصُّ بِهِ ( الذَّبْحُ ) لِلدَّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } وَقِيسَ بِهَا بَقِيَّةُ الْحَرَمِ وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إلَى مَوْضِعِ النَّحْرِ مِنْ مِنًى وَقَالَ هَذَا مَنْحَرٌ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ } ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد { وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ } ؛ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْهَدْيِ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ كَالتَّصَدُّقِ ، فَلَوْ ذَبَحَ خَارِجَهُ لَمْ يَكْفِ ( إلَّا الْمُحْصَرَ ) فَيَذْبَحُ وَيُفَرِّقُ حَيْثُ أُحْصِرَ ( كَمَا سَبَقَ ) وَإِنَّمَا وَجَبَتْ التَّفْرِقَةُ مَعَ الذَّبْحِ بِالْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ لَا تَلْوِيثُهُ بِالدَّمِ وَالْفَرْثِ ، وَلَا تَخْتَصُّ التَّفْرِقَةُ بِلَحْمِ الْمَذْبُوحِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بَلْ سَائِرُ أَجْزَائِهِ مِنْ جِلْدٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهِمَا كَذَلِكَ .
( فَإِنْ عَدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَهُ ) أَيْ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ ( حَتَّى يَجِدَهُمْ كَمَنْ نَذَرَ ) التَّصَدُّقَ ( عَلَى فُقَرَاءِ بَلَدٍ ) فَلَمْ يَجِدْهُمْ فِيهِ فَإِنَّهُ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَهُمْ ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ وَيُخَالِفُ الزَّكَاةَ إذْ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الصَّبْرِ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ جَزَمَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِأَنَّهُ يَصْبِرُ بَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَكِنَّهُ تَرَدَّدَ فِي النَّذْرِ فَقَالَ أَمَّا أَنْ يَبْطُلَ أَوْ يَصْبِرَ حَتَّى يَجِدَ الْفُقَرَاءَ ، وَزَادَ فَائِدَةً أُخْرَى فَقَالَ : لَوْ نَذَرَ

لِأَصْنَافٍ فَعَدِمَ بَعْضَهَا جَازَ النَّقْلُ كَنَظِيرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ .
ا هـ .
وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ نَقْلِ الزَّكَاةِ حِينَئِذٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى تَفْصِيلٍ قَدَّمْتُهُ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ ثَمَّ جَوَازَ نَقْلِ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا وَقَدَّمْت ثَمَّ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْبَلَدَ ( وَيَصُومُ حَيْثُ شَاءَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لِلْمَسَاكِينِ فِيهِ لَكِنَّهُ فِي الْحَرَمِ أَوْلَى لِشَرَفِهِ .
( فَرْعٌ أَفْضَلُ ) بُقْعَةٍ مِنْ ( الْحَرَمِ لِذَبْحِهِ ) يَعْنِي لِذَبْحِ الْحَاجِّ ، وَلَوْ مُتَمَتِّعًا ( مِنًى وَ ) لِذَبْحِ ( الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَحَلُّلِهِمَا ( وَكَذَا الْهَدْيُ ) الَّذِي سَاقَهُ تَقَرُّبًا مِنْ مَنْذُورٍ وَغَيْرِهِ أَفْضَلُ بُقْعَةٍ لِذَبْحِ الْحَاجِّ لَهُ مِنًى وَلِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ لَهُ الْمَرْوَةُ لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ فَالْأَفْضَلُ لَهُ ذَبْحُ هَدْيِهِ بِالْمَرْوَةِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ عَنْهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْحَجِّ أَنْ يُذْبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ ( وَالْوَاجِبُ دَفْعُهُ ) أَيْ الْوَاجِبُ الْمَالِيِّ جُمْلَةً أَوْ مُفَرَّقًا ( إلَى ثَلَاثَةٍ ) فَأَكْثَرَ مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ ( كَالزَّكَاةِ ) ، فَلَوْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ لَهُ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ فِيهِ فِي الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا هَذَا وَالثَّانِي يَضْمَنُ الثُّلُثَ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ الْآتِي وَعُلِمَ مِنْ وُجُوبِ دَفْعِ ذَلِكَ حُرْمَةَ الْأَكْلِ مِنْهُ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ ، فَلَوْ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا اللَّحْمُ مُتَقَوِّمٌ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ فَيَنْبَغِي تَصْحِيحُ ضَمَانِهِ بِالْمِثْلِ ، وَعُلِمَ مِنْ

تَشْبِيهِهِ بِالزَّكَاةِ وُجُوبُ نِيَّةِ الدَّفْعِ مُقْتَرِنَةً بِهِ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ فِي الْمُقْتَرِنَةِ وَسَوَاءٌ فِي الْمَسَاكِينِ الْغُرَبَاءُ وَالْمُسْتَوْطِنُونَ ( وَ ) لَكِنْ ( الْمُسْتَوْطِنُونَ أَوْلَى ) بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةُ الْغُرَبَاءِ أَشَدُّ ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ ، وَإِنْ انْحَصَرُوا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا حُرْمَةُ الْبَلَدِ وَثَمَّ سَدُّ الْخَلَّةِ .
( قَوْلُهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ ذَبْحُ هَدْيِهِ بِالْمَرْوَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وُجُوبُ دَفْعِ ذَلِكَ ) ( قَوْلُهُ وُجُوبُ نِيَّةِ الدَّفْعِ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَفِي ) دَفْعِ ( الطَّعَامِ ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ ( لَا يَتَعَيَّنُ لِكُلٍّ ) مِنْهُمْ ( مُدٌّ ) بَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَالنَّقْصُ مِنْهُ وَقِيلَ يَمْتَنِعَانِ كَالْكَفَّارَةِ وَنُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ دَمُهُ دَمَ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ أَمَّا دَمُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا دَمُهُ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ كَمَا مَرَّ ( فَإِنْ ذَبَحَ ) الدَّمَ الْوَاجِبَ فِي الْحَرَمِ مَثَلًا ( فَسُرِقَ ) مِنْهُ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ ( لَمْ يُجْزِهِ ) فَعَلَيْهِ إعَادَةُ ذَبْحِ دَمٍ ، وَهِيَ أَوْلَى ( وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ ) ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ اللَّحْمَ وَغَيْرَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَمِثْلُ كَلَامِهِمْ مَا لَوْ سَرَقَهُ مَسَاكِينُ الْحَرَمِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ سَوَاءٌ أَوُجِدَتْ نِيَّةُ الدَّفْعِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ ، وَهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ بِهِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ التَّفْرِقَةِ ، وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةَ بِعَيْنِ الْمَالِ .

( فَصْلٌ وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ ( عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ الْأُوَلُ وَ ) الْأَيَّامُ ( الْمَعْدُودَاتُ ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ ( أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ) رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ هُنَا لِاخْتِصَاصِ غَالِبِ الْمَنَاسِكِ بِهِمَا أُصُولُهُمَا بِالْمَعْلُومَاتِ وَتَوَابِعُهَا بِالْمَعْدُودَاتِ وَفِي الْمَعْلُومَاتِ خِلَافٌ بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَسُمِّيَتْ الْأُولَى مَعْلُومَاتٌ لِلْحِرْصِ عَلَى عَمَلِهَا بِحِسَابِهَا لِأَجْلِ أَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ فِي آخِرِهَا وَالثَّانِيَةُ مَعْدُودَاتٌ لِقِلَّتِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ }
( قَوْلُهُ وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ إلَخْ ) عِنْدَنَا ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَقَالَ مَالِكٌ : هِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَتَالِيَاهُ فَتَالِيَاهُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَيَانِ هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَتَالِيَاهُ وَقَالَ عَلِيٌّ فِي رِوَايَةٍ هِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ فِي أُخْرَى هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ ، وَهَذِهِ مَرْوِيَّةٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ هِيَ وَالْمَعْدُودَاتُ وَاحِدٌ ، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ

( بَابُ الْهَدْيِ ) .
هُوَ بِإِسْكَانِ الدَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ النَّعَمِ وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ ( يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ لِنُسُكٍ ) بَلْ وَلِمَنْ يَقْصِدُهَا لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ ( أَنْ يُهْدِيَ ) إلَيْهَا ( شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ } وَتَعْبِيرُهُ بِنُسُكٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ( وَلَا يَجِبُ ) ذَلِكَ ( إلَّا بِالنَّذْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَلَزِمَ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مَا يُهْدِيهِ سَمِينًا حَسَنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ } فَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالِاسْتِسْمَانِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَكَوْنُهُ مَعَهُ مِنْ بَلَدِهِ أَفْضَلُ وَشِرَاؤُهُ مِنْ طَرِيقِهِ أَفْضَلُ مِنْ شِرَائِهِ مِنْ مَكَّةَ ، ثُمَّ مِنْ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَسُقْهُ أَصْلًا بَلْ اشْتَرَاهُ مِنْ مِنًى جَازَ وَحَصَلَ أَصْلُ الْهَدْيِ .
( وَ ) يُسْتَحَبُّ لَهُ ( أَنْ يُقَلِّدَ الْبَدَنَةَ وَالْبَقَرَةَ نَعْلَيْنِ ) مِنْ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْإِحْرَامِ ( وَيَتَصَدَّقُ بِهِمَا ) بَعْدَ ذَبْحِهَا ( ثُمَّ يُشْعِرُهَا ) وَالْإِشْعَارُ الْإِعْلَامُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَيَجْرَحُ ) ، وَهِيَ بَارِكَةً ( صَفْحَةَ سَنَامَهَا الْيُمْنَى بِحَدِيدَةٍ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَنَامٌ أَشْعَرَ مَوْضِعَهُ لَا يُقَالُ هَذَا مُثْلَةٌ ، وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَخْبَارُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عَامَّةٌ وَأَخْبَارُ الْإِشْعَارِ خَاصَّةٌ فَقُدِّمَتْ ( مُسْتَقْبِلًا بِهَا ) فِي حَالَتَيْ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ ( الْقِبْلَةَ ) كَمَا صَحَّ عَنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَكَى فِي الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِشْعَارِ أَفْضَلُ أَوْ التَّقْلِيدِ

قَالَ : وَقَدْ صَحَّ فِي الْأَوَّلِ خَبَرٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَصَحَّ فِي الثَّانِي عَنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ عَطَفَ بِثُمَّ وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ حَكَى الْأَوَّلَ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا ( وَيُلَطِّخُهَا بِالدَّمِ لِتُعْرَفَ ) فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُقَلِّدَ هَدْيَهُ وَيُشْعِرَهُ عِنْدَ إحْرَامِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ قَالَ وَيُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الذَّهَابَ إلَى النُّسُكِ أَنْ يَبْعَثَ هَدْيًا ، وَأَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ مِنْ بَلَدِهِ لِلْخَبَرِ الْآتِي .
وَيُسَنُّ أَنْ يُجَلِّلَ هَدْيَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الْجَلِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ : أَنَّ التَّجْلِيلَ يَكُونُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ وَأَنْ يَشُقَّ الْجِلَالَ عَنْ الْأَسْنِمَةِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلَةً ؛ لِئَلَّا تَسْقُطَ وَلِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ فَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً لَمْ تُشَقَّ ( فَإِنْ قَرَنَ هُدَيَيْنِ بِحَبْلٍ أَشْعَرَ ) مَعَ إشْعَارِهِ أَحَدَهُمَا ، وَهُوَ الْأَيْمَنُ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى كَمَا عُلِمَ مَا مَرَّ ( الْآخَرُ ) ، وَهُوَ الْأَيْسَرُ ( فِي الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى ) لِيُشَاهَدَا وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَيْسَرُ أَطْوَلَ أَشْعَرَهُ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ قَرَنَ ثَلَاثَةً بِحَبْلٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُشْعِرُ الْأَوْسَطَ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى مُطْلَقًا .
( بَابُ الْهَدْيِ ) ( قَوْلُهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا ) عُلِمَ مِنْ التَّعَلُّقِ بِهِمَا أَنَّ لَهُمَا قِيمَةً هَكَذَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ

( ، وَلَا تُشْعَرُ الْغَنَمُ ) لِضَعْفِهَا ؛ وَلِأَنَّ الْإِشْعَارَ لَا يَظْهَرُ فِيهَا لِكَثْرَةِ شَعْرِهَا وَصُوفِهَا ( بَلْ يُقَلِّدُهَا عُرَا الْقِرَبِ وَآذَانِهَا ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْخُيُوطَ الْمَفْتُولَةَ وَنَحْوَهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى مَرَّةً غَنَمًا مُقَلَّدَةً } ، وَلَا يُقَلِّدُهَا بِالنِّعَالِ إذْ يَثْقُلُ عَلَيْهَا حَمْلُهَا قَالَ وَيُسْتَحَبُّ فَتْلُ قَلَائِدِ الْهَدْيِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَتَلْت قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْ ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حَلَالًا } ( وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ إشْعَارِهَا وَتَقْلِيدِهَا ( ذَبْحُهَا ) إذْ لَمْ تَصِرْ بِذَلِكَ هَدْيًا وَاجِبًا كَمَا لَوْ كَتَبَ الْوَقْفَ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا نِيَّةٍ ( فَإِنْ عَطِبَ ) الْهَدْيُ ( فِي الطَّرِيقِ ، وَكَانَ تَطَوُّعًا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ) بِبَيْعٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ ( أَوْ ) كَانَ ( نَذْرًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ ) مَكَانَهُ لِلْخَبَرِ الْآتِي ؛ وَلِأَنَّهُ هَدْيٌ مَعْكُوفٌ عَلَى الْحَرَمِ فَوَجَبَ نَحْرُهُ مَكَانَهُ كَهَدْيِ الْمُحْصَرِ ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ أَوْ يَئُولُ إلَى زَوَالِهِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّذْرِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ وَفَارَقَ مَا لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقُ هَذَا الْعَبْدِ حَيْثُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِ ، وَإِنْ امْتَنَعَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ هُنَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَانْتَقَلَ بِنَفْسِ النَّذْرِ كَالْوَقْفِ .
وَأَمَّا الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ ، وَلَا إلَى غَيْرِهِ بَلْ يَنْفَكُّ الْعَبْدُ عَنْهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى تَلِفَ ( ضَمِنَهُ ) لِتَفْرِيطِهِ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَدِيعَةِ ، وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمَا

ذُكِرَ فِي النَّذْرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَحَلُّهُ فِي الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً ، فَلَوْ كَانَ قَدْ عَيَّنَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِالْعَطَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْلُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ ذَبْحِهِ ( يَغْمِسُ تِلْكَ النَّعْلَ ) الَّتِي قَلَّدَهُ بِهَا فِي دَمِهِ ( وَيَضْرِبُ بِهَا سَنَامَهُ ) وَيَتْرُكُهُ لِيَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلُ مِنْهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ مَعَ أَبِي قَبِيصَةَ بِالْبُدْنِ ، ثُمَّ يَقُولُ إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا ، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك } ( فَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِذَا ( كَانَ ) الْهَدْيُ ( نَذْرًا حَلَّ ) لِمَنْ مَرَّ بِهِ غَيْرَ مَنْ يَأْتِي الْأَكْلَ مِنْهُ ( وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ) مَنْ أَهْدَاهُ ( أَبَحْتُهُ ) لِمَنْ يَأْكُلُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّذْرِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ كَمَا مَرَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْأَكْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ غَيْرُهُ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ أَوْ يَأْكُلَ وَيَنْقُلَ مَعَهُ بَعْضَهُ لَمْ يَجُزْ ، وَهُوَ نَظِيرُ السِّقَايَةِ الْمُسَبَّلَةِ فِي الطَّرِيقِ يَجُوزُ لِلْمَارِّ الشُّرْبُ مِنْهَا ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ مَعَهُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ انْتَهَى .
وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَمْلِكُهُ الْمَارَّةُ بِخِلَافِ الْهَدْيِ يَمْلِكُونَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ بَدَلٌ عَنْ فُقَرَاءِ الْحَرَمِ الَّذِينَ يَمْلِكُونَهُ بِالنَّذْرِ وَمَعَ هَذَا فَالظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَكْلِ ( وَيَتَوَقَّفُ التَّطَوُّعُ ) أَيْ حِلُّ هَدْيِهِ إذَا ذَبَحَهُ ( عَلَى الْإِبَاحَةِ ) كَأَنْ يَقُولَ أَبَحْتُهُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ جَعَلْته لَهُمْ ( وَلِمَنْ وَجَدَهُ الْأَكْلُ ) مِنْهُ ( وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِبَاحَةِ ) ؛

لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَبَاحَهُ وَكَمَا لَوْ رَأَى مَاءً بِالطَّرِيقِ ، وَعَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّ لَهُ شُرْبُهُ فَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ الْإِبَاحَةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا دَفْعُ الضَّمَانِ .
( قَوْلُهُ ، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ الْحَاصِلَةِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَعْطَبُوهَا وَرُبَّمَا اتَّخَذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِأَكْلِهَا فَحَسَمَ بَابَ أَكْلِهِمْ مِنْهَا حَيْثُ عَطِبَتْ أَمَّا لَوْ ذُبِحَتْ ، وَهِيَ سَلِيمَةٌ لَا عَطَبَ فِيهَا فَيَنْبَغِي لِرَفِيقِهِ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُمْ فُقَرَاءُ حَاضِرُونَ بِالْحَرَمِ كَمَا سَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدَ كَاتِبِهِ

( وَتَحْرُمُ الْمَنْذُورَةُ ) أَيْ أَكْلُهَا ( عَلَى أَغْنِيَاءِ الْقَافِلَةِ ) وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ مُسْتَحَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ ، وَلَا حَقَّ لِلْأَغْنِيَاءِ فِيهِ ( وَكَذَا فُقَرَاؤُهَا ) أَيْ الْقَافِلَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ هَذَا ( إنْ رُجِيَ مَارَّةٌ ) مِنْ فُقَرَاءِ غَيْرِ الْقَافِلَةِ ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَكْلُ فُقَرَائِهَا مِنْهَا ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَجُزْ لِأَهْلِ الْقَافِلَةِ أَكْلُهُ وَتُرِكَ بِالْبَرِّيَّةِ كَانَ طُعْمَةً لِلسِّبَاعِ ، وَهُوَ إضَاعَةُ مَالٍ قُلْنَا : لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةٌ بَلْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ أَنَّ سُكَّانَ الْبَوَادِي يَتَّبِعُونَ مَنَازِلَ الْحَجِيجِ لِالْتِقَاطِ سَاقِطَةٍ وَنَحْوِهَا وَقَدْ تَأْتِي قَافِلَةٌ إثْرَ قَافِلَةٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمَنْعُ مُخْتَصٌّ بِمَا الْكَلَامُ فِيهِ ، وَهُوَ مَا عَطِبَ أَمَّا الْبَالِغُ مَحِلُّهُ فَفِي حِلِّ الْأَكْلِ مِنْهُ أَوْجُهٌ مَشْهُورَةٌ أَرْجَحُهَا حِلُّهُ فِي الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً دُونَ الْمُعَيَّنِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ عَلَى اضْطِرَابٍ يَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ ، قَالَ : وَسَكَتَ يَعْنِي الرَّافِعِيَّ عَنْ الْغُرْمِ فِي الْأَكْلِ الْمُمْتَنِعِ مِمَّا عَطِبَ وَفِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ لَهُمْ أَصَالَةً ، وَإِنَّمَا أَكَلَهُ فُقَرَاءُ الْمَوْضِعِ لِتَعَذُّرِ الْإِيصَالِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَغْرَمُهُ لِفُقَرَاءِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، .
ا هـ .
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ ، ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ غَلَطٌ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُ ثَمَنِهِ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ ، وَكَمَا يَجِبُ إيصَالُ الْوَلَدِ إلَيْهِمْ دُونَ اللَّبَنِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70