كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

( فَرْعٌ : لِلْأَبِ إنْ اُخْتِيرَ مَنْعُ الْأُنْثَى لَا ) مَنْعُ ( الذَّكَرِ مِنْ زِيَارَةِ الْأُمِّ ) لِتَأَلُّفِ الصِّيَانَةِ وَعَدَمِ الْبُرُوزِ ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ لِزِيَارَتِهَا لِسِنِّهَا وَخِبْرَتِهَا ( لَا ) مِنْ ( عِيَادَتِهَا ) لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ أَمَّا الذَّكَرُ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَأْلَفَ الْعُقُوقَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ ( وَلِلْأُمِّ زِيَارَتُهُمَا فِي بَيْتِهِ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ ) يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى الْعَادَةِ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الدُّخُولِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ يَلْزَمُ الْأَبَ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ الدُّخُولِ وَلَا يُوَلِّهُهَا عَلَى وَلَدِهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُفْهِمُ عَدَمَ اللُّزُومِ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ فَإِنْ بَخِلَ الْأَبُ بِدُخُولِهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَخْرَجَهَا إلَيْهَا ( وَلَا تُطِيلُ الْمُكْثَ ) إذَا دَخَلَتْ بَيْتَهُ لِلزِّيَارَةِ ( وَتَسْتَحِقُّ تَمْرِيضَهُمَا فِي بَيْتِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَهْدَى إلَيْهِ هَذَا ( إنْ رَضِيَ بِذَلِكَ ، وَإِلَّا فَفِي بَيْتِهَا ) وَيَعُودُهُمَا ( وَيَخْرُجُ عَنْهَا ) مِنْ بَيْتِهِ ( عِنْدَ الزِّيَارَةِ ، وَالتَّمْرِيضِ ) فِيهِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) ثَمَّ ( ثَالِثٌ ) مَحْرَمٌ أَوْ نَحْوُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مِمَّنْ يُسْتَحَى مِنْهُ وَضَاقَ الْبَيْتُ احْتِرَازًا عَنْ الْخَلْوَةِ بِهَا ، وَإِلَّا فَلَا يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ ( وَلَا تُمْنَعُ مِنْ حُضُورِ تَجْهِيزِهِمَا ) فِي بَيْتِهِ ( إنْ مَاتَا ، وَإِنْ مَرِضَتْ ) هِيَ ( مَرَّضَتْهَا الْأُنْثَى إنْ أَحْسَنَتْ ) تَمْرِيضَهَا بِخِلَافِ الذَّكَرِ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ تَمْكِينُهُ مِنْ أَنْ يُمَرِّضَهَا ، وَإِنْ أَحْسَنَ .

( قَوْلُهُ : وَلَا تُمْنَعُ مِنْ حُضُورِ تَجْهِيزِهِمَا ) مِنْ الْحَوَادِثِ أَنْ تَطْلُبَ الْأُمُّ أَنْ يُدْفَنَ الْوَلَدُ فِي تُرْبَتِهَا وَيَطْلُبُ الْأَبُ أَنْ يُدْفَنَ فِي تُرْبَتِهِ مِنْ الْمُجَابِ لَا نَقْلَ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجَابُ الْأَبُ أت قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ

( وَإِنْ اُخْتِيرَتْ الْأُمُّ ، وَالْوَلَدُ أُنْثَى كَانَتْ عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ) لِاسْتِوَاءِ الزَّمَانِ فِي حَقِّهَا ( وَيَزُورُهَا الْأَبُ ) عَلَى الْعَادَةِ ، وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهَا عِنْدَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِمَسْكَنِ زَوْجٍ لَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَخْرَجَتْهَا إلَيْهِ لِيَرَاهَا وَيَتَفَقَّدَ حَالَهَا ( وَيُلَاحِظَهَا ) بِقِيَامِهِ بِتَأْدِيبِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهَا .
( وَكَذَلِكَ حُكْمُ ) الصَّغِيرِ ( غَيْرِ الْمُمَيِّزِ ، وَالْمَجْنُونِ ) الَّذِي لَا تَسْتَقِلُّ الْأُمُّ بِضَبْطِهِ فَيَكُونَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَزُورُهُمَا الْأَبُ وَيُلَاحِظُهُمَا بِمَا مَرَّ وَيَزِيدُ الْمَجْنُونُ بِقَوْلِهِ ( وَعَلَيْهِ ضَبْطُهُ ، وَأَمَّا الذَّكَرُ ) إذَا اخْتَارَهَا ( فَيَكُونُ عِنْدَهَا لَيْلًا وَعِنْدَ الْأَبِ نَهَارًا لِيُعَلِّمَهُ ) الْأُمُورَ الدِّينِيَّةَ ، وَالدُّنْيَوِيَّةَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ ( وَيُؤَدِّبَهُ ) بِهَا ( وَلَا يُهْمِلُهُ ) بِاخْتِيَارِهِ الْأُمَّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِ ، وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ وَقَوْلُهُمْ عِنْدَهَا لَيْلًا وَعِنْدَهُ نَهَارًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَوْ كَانَتْ حِرْفَةً الْأَبِ لَيْلًا كَالْأَتُونَيِّ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ اللَّيْلَ فِي حَقِّهِ كَالنَّهَارِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْأَبِ لَيْلًا ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّعَلُّمِ ، وَالتَّعْلِيمِ وَعِنْدَ الْأُمِّ نَهَارًا كَمَا قَالُوهُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ ( وَالْجَدُّ ، وَالْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ كَالْأَبِ فِي وُجُوبِ التَّأْدِيبِ ) ، وَالتَّعْلِيمِ .
قَوْلُهُ : فَالْأَقْرَبُ أَنَّ اللَّيْلَ فِي حَقِّهِ كَالنَّهَارِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ خُيِّرَ ) الْوَلَدُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ ( مَثَلًا فَسَكَتَ فَالْأُمُّ أَوْلَى ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْ غَيْرَهَا ، وَكَانَتْ الْحَضَانَةُ لَهَا فَيُسْتَصْحَبُ مَا كَانَ ، وَكَذَا لَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُمَا ( فَإِنْ اخْتَارَهُمَا أَقْرَعَ ) بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ عِنْدَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْهُمَا

( فَرْعٌ ) لَوْ ( اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَامْتَنَعَ ) مِنْ كَفَالَتِهِ ( كَفَلَهُ الْآخَرُ ) ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْوَلَدِ ( فَإِنْ رَجَعَ ) الْمُمْتَنِعُ وَطَلَبَ كَفَالَتَهُ ( أُعِيدَ التَّخْيِيرُ ، وَإِنْ امْتَنَعَا ) مِنْهَا ( وَ ) كَانَ ( بَعْدَهُمَا مُسْتَحَقَّاتٌ ) لَهَا كَالْجَدِّ ، وَالْجَدَّةِ ( خُيِّرَ بَيْنَهُمَا ، وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُمَا مُسْتَحِقٌّ ( أُجْبِرَ ) عَلَيْهَا ( مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ ) لَهُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ

( فَصْلٌ ) لَوْ ( سَافَرَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَةٍ ) أَوْ نَحْوِهَا كَحَجٍّ وَتِجَارَةٍ وَنُزْهَةٍ ( فَالْمُقِيمُ أَوْلَى ) بِالْوَلَدِ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ إلَى أَنْ يَعُودَ الْمُسَافِرُ ، وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ السَّفَرِ لِخَطَرِهِ مَعَ تَوَقُّعِ الْعَوْدِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُقِيمُ الْأُمَّ ، وَكَانَ فِي بَقَائِهِ مَعَهَا مَفْسَدَةٌ أَوْ ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْحِرْفَةَ وَهُمَا بِبَلَدٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ فَالْمُتَّجَهُ تَمْكِينُ الْأَبِ مِنْ السَّفَرِ بِهِ لَا سِيَّمَا إنْ اخْتَارَهُ الْوَلَدُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ( أَوْ ) سَافَرَ ( لِنَقْلَةٍ ، وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَالْأَبُ أَوْلَى ) بِهِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسَافِرُ حِفْظًا لِلنَّسَبِ وَرِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ التَّأْدِيبِ ، وَالتَّعْلِيمِ وَسُهُولَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ هَذَا ( إنْ لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ ) فِي مَقْصِدِهِ أَوْ طَرِيقِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا خَوْفٌ كَغَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَالْمُقِيمُ أَوْلَى وَأَلْحَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالْخَوْفِ السَّفَرَ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْوَلَدُ أَمَّا لَوْ حَمَلَهُ فِيمَا يَقِيهِ ذَلِكَ فَلَا ( فَإِنْ رَافَقَتْهُ الْأُمُّ ) فِي طَرِيقِهِ أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ ( فَهِيَ ) أَيْ الْأُمُّ ( عَلَى حَقِّهَا ) ، وَإِنْ اخْتَلَفَا مَقْصِدًا فِي الْأُولَى كَمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ ، وَكَذَا إنْ لَمْ تُرَافِقْهُ ، وَاتَّحَدَا مَقْصِدًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا عَلَى حَقِّهَا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا مَقْصِدًا مَا دَامَا مُتَرَافِقَيْنِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الرَّافِعِيِّ ، وَلَوْ رَافَقَتْهُ فِي الطَّرِيقِ وَالْمَقْصِدِ دَامَ حَقُّهَا ( وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) أَيْ الْأَبِ ( فِي دَعْوَى النَّقْلَةِ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ ، وَأَمْسَكَتْ الْوَلَدَ ( وَالْعَصَبَةَ ) مِنْ الْمَحَارِمِ كَالْجَدِّ ، وَالْأَخِ ، وَالْعَمِّ ( كَالْأَبِ ) فِيمَا ذُكِرَ ( وَسَيَأْتِي حُكْمُ غَيْرِ الْمَحْرَمِ )

وَأَمَّا الْمَحْرَمُ الَّذِي لَا عُصُوبَةَ لَهُ كَالْخَالِ ، وَالْعَمِّ لِلْأُمِّ فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُ الْوَلَدِ ، وَإِنْ سَافَرَ لِلنَّقْلَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي النَّسَبِ .
( قَوْلُهُ : فَالْمُتَّجَهُ تَمْكِينُ الْأَبِ مِنْ السَّفَرِ بِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ لِنَقْلِهِ ، وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ) أَوْ إلَى بَادِيَةٍ ( قَوْلُهُ : فَالْأَبُ أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسَافِرَ ) إطْلَاقُهُ يَعُمُّ سَفَرَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِجَوَازِ السَّفَرِ بِالصَّبِيِّ فِي الْبَحْرِ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ فَقَطْ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا قِيَاسًا عَلَى مَا قَالَهُ .
ا هـ .
وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَجْرِ قَالَ الْأَزْرَقُ وَبَلَغَنِي أَنَّ الْفَقِيهَ جَمَالَ الدِّينِ بْنَ مُطَيْرٍ أَفْتَى بِهِ ( قَوْلُهُ : وَأَلْحَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَيْ كَالْجِيلِيِّ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى النَّقْلَةِ ) وَفِي الْأَمْنِ الْمَشْرُوطِ .
تَنْبِيهٌ : إذَا أَرَادَتْ حَاضِنَةُ الْوَلَدِ الِانْتِقَالَ بِهِ ، وَلَا عَصَبَةَ لَهُ هُنَاكَ فَإِنْ كَانَتْ أُمًّا أَوْ جَدَّةً ، وَلَا مَالَ لَهُ ، وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ فَتَمْكِينُهَا وَعَدَمُهُ بِنَظَرِ الْقَاضِي ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا مِنْ نِسَاءِ الْقَرَابَةِ وَنَقَلَتْهُ إلَى بَلَدٍ لَهُ فِيهِ عَصَبَةٌ أَوْ لَا عَصَبَةَ ، وَلَا مَالَ فَهَلْ لَهَا نَقْلُهُ وَتَرْبِيَتُهُ وَالْوَلِيُّ يَحْفَظُ مَالَهُ أَوْ النَّظَرُ إلَى الْوَصِيِّ ثُمَّ الْقَاضِي فِي تَمْكِينِهَا وَنَزْعِهِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى مَنْ يَلِيهَا مِنْ الْمُقِيمَاتِ ؟ .
وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَهُ مَالٌ فَهَلْ لَهَا نَقْلُهُ أَوْ الْمُقِيمَةُ أَوْلَى وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا

( فَرْعٌ : لِلْأَبِ نَقْلُهُ عَنْ الْأُمِّ ، وَإِنْ أَقَامَ الْجَدُّ ) بِبَلَدِهَا ( وَلِلْجَدِّ ) ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ ( وَإِنْ أَقَامَ الْأَخُ ) بِبَلَدِهَا ( لَا لِلْأَخِ مَعَ إقَامَةِ الْعَمِّ ، وَابْنٍ ) أَيْ أَوْ ابْنِ ( الْأَخِ ) أَيْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَبِ ، وَالْجَدِّ ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلٌ فِي النَّسَبِ فَلَا يَعْتَنِي بِهِ غَيْرُهُمَا كَعِنَايَتِهِمَا ، وَالْحَوَاشِي مُتَقَارِبُونَ فَالْمُقِيمُ مِنْهُمْ يَعْتَنِي بِحِفْظِهِ نَقَلَ ذَلِكَ الْأَصْلُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ أَقَارِبُ عَصَبَتِهِ بَعْدَ الْأَبِ وَأَقَامَ أَبَاعِدُهُمْ فَالْمُنْتَقِلُونَ أَوْلَى بِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَيَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ ، وَالْمُخْتَصَرِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ وَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ مُفْرَدَاتِهِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا ( ، وَإِنْ سَافَرَ الْأَبَوَانِ لِحَاجَةٍ اُسْتُدِيمَ حَقُّ الْأُمِّ ، وَلَوْ افْتَرَقَا ) طَرِيقًا وَمَقْصِدًا .

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي تَرْتِيبِ مُسْتَحِقِّهَا ) ، وَفِيمَنْ يَسْتَحِقُّهَا وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فَمَتَى اجْتَمَعَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ مُسْتَحَقِّيهَا فَإِنْ تَرَاضَوْا بِوَاحِدٍ فَذَاكَ أَوْ تَدَافَعُوا فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَمَا مَرَّ أَوْ طَلَبَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ وَهُوَ بِالصِّفَةِ الْمُعْتَبَرَةِ ( فَإِنْ تَمَحَّضْنَ ) أَيْ الْإِنَاثُ ( فَأَوْلَاهُنَّ الْأُمُّ ) لِقُرْبِهَا وَوُفُورِ شَفَقَتِهَا ( ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِالْإِنَاثِ ) الْوَارِثَاتِ لِمُشَارَكَتِهِنَّ إيَّاهَا فِي الْإِرْثِ ، وَالْوِلَادَةِ ( ثُمَّ أُمَّهَاتُ الْأَبِ الْمُدْلِيَاتُ بِالْإِنَاثِ ) الْوَارِثَاتُ ؛ لِأَنَّ لَهُنَّ وِلَادَةً ، وَوِرَاثَةٌ كَالْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا تُقَدَّمُ ( الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى ) مِمَّنْ ذُكِرَ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ - فِيهِنَّ مُحَقَّقَةٌ ، وَفِي أُمَّهَاتِ الْأَبِ مَظْنُونَةٌ ؛ وَلِأَنَّهُنَّ أَقْوَى فِي الْإِرْثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُنَّ لَا يَسْقُطْنَ بِالْأَبِ بِخِلَافِ أُمَّهَاتِهِ ( ثُمَّ أُمَّهَاتِ أَبِيهِ كَذَلِكَ ) أَيْ الْمُدْلِيَاتِ بِالْإِنَاثِ الْوَارِثَاتِ تُقَدَّمُ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى ( ثُمَّ أُمَّهَاتُ جَدِّهِ ) كَذَلِكَ ( وَعَلَى هَذَا ) الْقِيَاسُ ( ثُمَّ الْأُخْتُ ) مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ لِقُرْبِهَا ، وَإِرْثهَا ( ثُمَّ الْخَالَةُ ) ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ بِخِلَافِ مَنْ يَأْتِي ( ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ ثُمَّ بِنْتُ الْأَخِ ) ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعُمُومَةِ وَقُدِّمَتْ بِنْتُ الْأُخْتِ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ كَمَا تُقَدَّمُ الْأُخْتُ عَلَى الْأَخِ ( ثُمَّ الْعَمَّةُ وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ ، وَالْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْأَبِ ) لِزِيَادَةِ قَرَابَتِهِنَّ ( وَمِنْ الْأَبِ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْأُمِّ ) لِقُوَّةِ الْجِهَةِ وَمِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُنَّ إذَا كُنَّ لِأَبَوَيْنِ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِنَّ لِأُمٍّ ، وَذِكْرُ الْخَالَةِ ، وَالْعَمَّةِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ .

( فَرْعٌ : لَا حَضَانَةَ لِجَدَّةٍ لَا تَرِثُ ) وَهِيَ مَنْ تُدْلِي بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ ( كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ ) لِإِدْلَائِهَا بِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ بِحَالٍ فَكَانَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ بِخِلَافِ أُمِّ الْأُمِّ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ فَاسِقَةً أَوْ مُزَوَّجَةً لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحَضَانَةَ فِي الْجُمْلَةِ ( وَلَا لِمَنْ تُدْلِي بِذَكَرٍ لَا يَرِثُ كَبِنْتِ عَمٍّ لِأُمٍّ ) وَبِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ وَهَذَا يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ .
قَوْلُهُ : فَرْعٌ : لَا حَضَانَةَ لِجَدَّةٍ لَا تَرِثُ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِي مَعْنَى الْجَدَّةِ السَّاقِطَةِ كُلُّ مَحْرَمٍ تُدْلِي بِذَكَرٍ لَا يَرِثُ كَبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ قَالَ فِي الْقُوتِ كَوْنُ بِنْتِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ مَحْرَمًا غَيْرُ مَعْقُولٍ وَقَالَ فِي الْخَادِمِ وَهَذَا الْمِثَالُ سَهْوٌ فَإِنَّ بِنْتَ الْعَمِّ لِلْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ لَيْسَتْ فِي الْمَحَارِمِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا ، وَقَدْ تَابَعَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةُ عَلَى هَذَا التَّمْثِيلِ وَزَادَ بِنْتَ الْخَالِ ، وَهُوَ عَجِيبٌ وَالصَّوَابُ التَّمْثِيلُ بِنْتُ الْأَخِ لِلْأُمِّ .
ا هـ .
وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِنْتُ الْعَمِّ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَحْرَمٌ

( فَرْعٌ : لِبِنْتِ الْخَالَةِ ثُمَّ لِبِنْتِ الْعَمَّةِ ثُمَّ لِبِنْتِ الْعَمِّ ) لِغَيْرِ أُمٍّ ( حَضَانَةٌ ) فَكُلُّ أُنْثَى قَرِيبَةٌ لَمْ تُدْلِ بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ لَهَا الْحَضَانَةُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحْرَمًا لِشَفَقَتِهَا بِالْقَرَابَةِ وَهِدَايَتِهَا بِالْأُنُوثَةِ وَذَكَرَ الْأَصْلُ مَعَ ذَلِكَ بِنْتَ الْخَالِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ ، وَهِيَ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أُمِّ أَبِي الْأُمِّ ( فَإِنْ كَانَ ) الْوَلَدُ ( ذَكَرًا فَحَتَّى ) أَيْ فَتَسْتَمِرُّ حَضَانَتُهُ حَتَّى ( يَبْلُغَ حَدًّا يُشْتَهَى ) .
( قَوْلُهُ : وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إلَخْ ) لَيْسَ كَمَا قَالَهُ بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ حَضَانَةُ أُمِّ أَبِي الْأُمِّ وَنَحْوِهَا كَبِنْتِ عَمٍّ لِأُمٍّ وَبِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ لِضَعْفِهَا بِإِدْلَائِهَا بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ وَقُوَّةِ مَنْ يَلِيهَا إذْ هُوَ الْأَبُ أَوْ نَحْوُهُ بِخِلَافِ بِنْتِ الْخَالِ فَإِنَّ حَضَانَتَهَا عِنْدَ ضَعْفِ مَنْ بَعْدَهَا بِتَرَاخِي النَّسَبِ وَقَدْ جُبِرَ بِضَعْفِهَا بِإِدْلَائِهَا بِأُمِّ الْأُمِّ ، وَإِنْ كَانَ بِوَاسِطَةٍ .

( فَرْعٌ : لِبِنْتِ الْمَجْنُونِ عِنْدَ عَدَمِ أَبَوَيْهِ حَضَانَتُهُ ) فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْجَدَّاتِ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا يَنْبَغِي التَّخْصِيصُ بِالْأَبَوَيْنِ بَلْ سَائِرُ الْأُصُولِ كَذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْجَدَّاتِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَزَوْجُ الْمَحْضُونِ ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ( وَلَوْ ) كَانَ الْمَحْضُونُ ( مَجْنُونًا إنْ كَانَ ) لَهُ بِهَا أَوْ لَهَا بِهِ ( اسْتِمْتَاعٌ أَوْلَى ) بِحَضَانَتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَقَارِبِ ، وَالْمُرَادُ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا جِمَاعُهُ لَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ تُطِيقَهُ ، وَإِلَّا فَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّدَاقِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ هُنَا فِي فَتَاوِيهِ ( وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ ) أَوْلَى بِهَا الْأَنْسَبُ بِعِبَارَةِ الْأَصْلِ فَالْقَرِيبُ ، وَكَانَ عَدَلَ عَنْهَا إلَى ذَلِكَ لِيُفِيدَ الْأَوْلَوِيَّةَ ، وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ قَرَابَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ بِالزَّوْجِيَّةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَيَكُونُ التَّرْجِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِنْ الْعِتْقِ فِيمَا يَأْتِي وَعَلَيْهِ فَأَوْلَوِيَّةُ الْقَرِيبِ مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى .
( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا جِمَاعُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَكُونُ التَّرْجِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ) أَخْذًا مِنْ الْعِتْقِ فِيمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الرُّجْحَانِ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِيمَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ قَرَابَةٌ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ عَلَى أَقْرَبَ مِنْهُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ

( وَإِنْ تَمَحَّضَ الذُّكُورُ ثَبَتَتْ ) أَيْ الْحَضَانَةُ ( لِكُلِّ قَرِيبٍ وَارِثٍ ، وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ ) كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأَخِ ، وَابْنِ الْأَخِ وَالْعَمِّ ، وَكَابْنِ الْعَمِّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمْ وَقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ بِالْإِرْثِ ، وَالْوِلَايَةِ وَيَزِيدُ الْمَحْرَمُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ ( لَا الْمُعْتِقُ ) لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الشَّفَقَةِ ( وَلَا يُرَجَّحُ ) الْمُعْتِقُ ( بِالْعِتْقِ عَلَى الْأَقْرَبِ ) مِنْهُ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمُّ أَبٍ مُعْتِقٍ لَمْ يُرَجَّحْ الْمُعْتِقُ ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَى عُصُوبَةِ قَرَابَتِهِ عُصُوبَةُ وِلَايَةٍ بَلْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْأَقْرَبُ وَيُشَارِكُهُ الْمُسَاوِي ( وَلَا مَحْرَمَ ) أَيْ ، وَلَا يَثْبُتُ لِمَحْرَمٍ ( غَيْرِ وَارِثٍ ) كَأَبِي الْأُمِّ ، وَالْخَالِ وَالْعَمِّ لِلْأُمِّ لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ لِتَقَاعُدِهَا عَنْ إفَادَةِ الْوِلَايَةِ ، وَالْإِرْثِ وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الْحَضَانَةُ لِلْخَالَةُ لِانْضِمَامِ الْأُنُوثَةِ إلَى الْقَرَابَةِ ، وَلَهَا أَثَرٌ فِي الْحَضَانَةِ ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْحَضَانَةُ لِلذَّكَرِ الْقَرِيبِ الْوَارِثِ ثَبَتَتْ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ إلَّا الْأَخَ ، وَالْجَدَّ ( فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَقْرَبُ جَدٍّ لَهُ ، وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ ) الْأَخُ ( لِلْأَبِ ثُمَّ ) الْأَخُ ( لِلْأُمِّ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ الْأَعْمَامُ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُمْ ، وَابْنُ الْعَمِّ وَنَحْوُهُ ) مِمَّنْ هُوَ وَارِثٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ ( يَتَسَلَّمُ الصَّغِيرَةَ ) الَّتِي ثَبَتَ لَهُ حَضَانَتُهَا كَالصَّغِيرِ ( لَا مَنْ تُشْتَهَى ) فَلَا يَتَسَلَّمُهَا ( بَلْ يُعَيِّنُ لَهَا ) امْرَأَةً ( ثِقَةً ) بِأُجْرَةٍ وَبِدُونِهَا ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّعْيِينُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهُ وَيُفَارِقُ ثُبُوتُ الْحَضَانَةِ لَهُ عَلَيْهَا عَدَمَ ثُبُوتِهَا لِبِنْتِ الْعَمِّ عَلَى الذَّكَرِ الْمُشْتَهِي بِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِنَابَةِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ

وَلِاخْتِصَاصِ ابْنِ الْعَمِّ بِالْعُصُوبَةِ ، وَالْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ ( فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ ) مَثَلًا يُسْتَحْيَا مِنْهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْعَدَدِ ( سُلِّمَتْ إلَيْهَا بِإِذْنِهِ ) قَوْلُهُ إلَيْهَا بِإِذْنِهِ أَخَذَهُ مِنْ الْإِسْنَوِيِّ .
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ سُلِّمَتْ إلَيْهِ أَيْ جُعِلَتْ عِنْدَهُ مَعَ بِنْتِهِ ، وَهُوَ حَسَنٌ لَا يَعْدِلُ عَنْهُ نَعَمْ إنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ بِنْتَهُ مَعَهُ لَا فِي رَحْلِهِ سُلِّمَتْ إلَيْهَا لَا لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَضَرِ ، وَلَمْ تَكُنْ بِنْتُهُ فِي بَيْتِهِ وَبِهَذَا جَمَعَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْأَصْلِ ، وَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ حَيْثُ قَالُوا فِي مَوْضِعٍ تُسَلَّمُ إلَيْهِ ، وَفِي آخَرَ تُسَلَّمُ إلَيْهَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثِقَةً وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ غَيْرَتَهَا عَلَى قَرِيبَتِهَا وَأَبِيهَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ مَرْدُودٌ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَاعْتُبِرَتْ الثِّقَةُ مُطْلَقًا حَسْمًا لِلْبَابِ .
( قَوْلُهُ : بَلْ يُعَيَّنُ لَهَا ثِقَةٌ ) كَزَوْجِيَّةٍ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثِقَةً ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : قَالَ وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ غَيْرَتَهَا عَلَى قَرِيبَتِهَا وَأَبِيهَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الثِّقَةِ لَا يُؤْمَنُ ، وَلَا يُؤْتَمَنُ

( وَإِنْ اجْتَمَعُوا ) أَيْ الذُّكُورُ ، وَالْإِنَاثُ ( فَالْأُمُّ ) أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ ( ثُمَّ أُمُّهَا كَمَا سَبَقَ ) فِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُنَّ مُدْلِيَاتٍ بِالْإِنَاثِ وَقُدِّمْنَ عَلَى الْأَبِ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِالْوِلَادَةِ الْمُحَقَّقَةِ ؛ وَلِأَنَّهُنَّ أَلْيَقُ بِالْحَضَانَةِ مِنْهُ كَمَا مَرَّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى فِي الْحَضَانَةِ عَنْ النِّسَاءِ غَالِبًا ( فَلَوْ نَكَحَتْ الْأُمُّ ) مَنْ لَا حَضَانَةَ لَهُ ( وَرَضِيَ بِهَا الْأَبُ ، وَالزَّوْجُ فَلَا حَقَّ لِلْجَدَّةِ ) لِوُفُورِ شَفَقَةِ الْأُمِّ مَعَ رِضَا مَنْ ذُكِرَ ( ثُمَّ بَعْدَهُنَّ الْأَبُ ) بِزِيَادَةٍ بَعْدَهُنَّ لِطُولِ الْفَصْلِ ( ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ ) الْمُدْلِيَاتُ بِالْإِنَاثِ وَقُدِّمَ عَلَيْهِنَّ لِإِدْلَائِهِنَّ بِهِ ( ثُمَّ الْجَدُّ ) أَبُو الْأَبِ ، وَإِنْ عَلَا ( ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ ) الْمُدْلِيَاتُ بِالْإِنَاثِ ( ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ) مِنْ الْحَوَاشِي ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ( كَمَا سَبَقَ ) فِي أَنَّهُ يُقَدَّمُ ذُو الْأَبَوَيْنِ عَلَى ذِي الْأَبِ وَذُو الْأَبِ عَلَى ذِي الْأُمِّ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ اجْتَمَعُوا فَالْأُمُّ أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهَا سَاوَتْ الْأَبَ فِي الْقُرْبِ وَالشَّفَقَةِ ، وَاخْتَصَّتْ بِالْوِلَادَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَبِالْأُنُوثَةِ اللَّائِقَةِ بِالْحَضَانَةِ .

( فَإِنْ اسْتَوَيَا ) أَيْ اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ ، وَاخْتَلَفَا ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً كَأَخٍ وَأُخْتٍ ( قُدِّمَ بِالْأُنُوثَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِنَاثَ أَصْبَرُ وَأَبْصَرُ ( فَتُقَدَّمُ أُخْتٌ ثُمَّ أَخٍ ثُمَّ بِنْتُ أُخْتٍ ثُمَّ بِنْتُ أَخٍ ثُمَّ ابْنُ أَخٍ ) اعْتِبَارًا بِمَنْ يَحْضُنُ لَا بِمَنْ يُدْلِي بِهِ وَعَدَلَ إلَى تَعْبِيرِهِ بِابْنِ أَخٍ عَنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِابْنِ أُخْتٍ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الذَّكَرَ غَيْرُ الْوَارِثِ لَا يَحْضُنُ ( ثُمَّ خَالَةٌ ) تَأْخِيرُهَا عَنْ بِنْتَيْ الْأُخْتِ ، وَالْأَخِ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِمَا ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ فَاعْتَمِدْهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ .
( ثُمَّ عَمُّهُ ثُمَّ عَمٌّ وَارِثٌ ) بِخِلَافِ غَيْرِ الْوَارِثِ وَهُوَ الْعَمُّ لِلْأُمِّ ، وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْوَارِثِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( ثُمَّ بِنْتُ خَالَةٍ ثُمَّ بِنْتُ عَمَّةٍ عَمٌّ وَارِثٌ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ ) ثُمَّ خَالَةُ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ عَمَّتُهُمَا ثُمَّ عَمُّهُمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ قَالَ ، وَإِذَا اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَخَوَيْنِ أَوْ خَالَتَانِ وَتَنَازَعَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ .
( قَوْلُهُ : نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ) وَقَالَ الْبَارِزِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ آخِرًا مُؤَوَّلٌ وَمَا هُنَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ فَاعْتَمَدَهُ النَّوَوِيُّ فَوَقَعَ التَّنَاقُضُ

( فَرْعٌ : الْخُنْثَى هُنَا كَالذَّكَرِ ) فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الذَّكَرِ فِي مَحَلٍّ لَوْ كَانَ أُنْثَى لَقُدِّمَ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالْأُنُوثَةِ ( فَلَوْ ادَّعَى الْأُنُوثَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ غَالِبًا فَيَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ ، وَإِنْ اُتُّهِمَ ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ ضِمْنًا لَا مَقْصُودًا ؛ وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَبَعَّضُ .

( الْبَابُ السَّادِسُ فِي نَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ ) ( وَعَلَى السَّيِّدِ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ ) ، وَلَوْ آبِقًا وَزَمِنًا وَصَغِيرًا وَأَعْمَى وَمَرْهُونًا وَمُسْتَأْجَرًا وَمُعَارًا ( وَكِسْوَتُهُ ، وَكَذَا مَاءُ طَهَارَتِهِ وَمُؤْنَتُهُ ) أَيْ وَسَائِرُ مُؤْنَاتِهِ لِخَبَرِ { لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ } وَخَبَرِ { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَنْ مَمْلُوكِهِ قُوتَهُ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَقِيسَ بِمَا فِيهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ، وَلَوْ فَاسِدًا الْكِتَابَةُ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْكَسْبِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ ، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ وَيَجِبُ ذَلِكَ ( مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقٍ ) أَيْ أَرِقَّاءِ ( الْبَلَدِ وَأُدْمِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ ) مِنْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَزَيْتٍ وَقُطْنٍ ، وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَغَيْرِهَا لِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ { لِلْمَمْلُوكِ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ } قَالَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهِ بِبَلَدِهِ ( فَتَجِبُ كِفَايَتُهُ ، وَلَوْ كَانَ رَغِيبًا ) فِي الْأَكْلِ بِحَيْثُ تَزِيدُ كِفَايَتُهُ عَلَى كِفَايَةِ مِثْلِهِ غَالِبًا ( وَتَسْقُطُ ) عَنْهُ ( بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ) فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِجَامِعِ وُجُوبِهَا بِالْكِفَايَةِ ( وَيَكْسُوهُ مَا يَلِيقُ بِحَالِ السَّيِّدِ مِنْ الرَّفِيعِ وَالْوَسَطِ ، وَالْخَشِنِ وَيُنْفِقُهُ ) أَيْ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ ( الشَّرِيكَانِ بِقَدْرِ الْمِلْكِ ) أَيْ مِلْكَيْهِمَا ( وَلَوْ تَقَشَّفَ السَّيِّدُ ) بِأَنْ كَانَ يَأْكُلُ وَيَلْبَسُ دُونَ الْمُعْتَادِ غَالِبًا بُخْلًا أَوْ رِيَاضَةً ( لَمْ يَتْبَعْهُ الْعَبْدُ ) بَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ رِعَايَةُ الْغَالِبِ لَهُ ، وَلَوْ تَنَعَّمَ بِمَا هُوَ فَوْقَ اللَّائِقِ بِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِثْلَهُ ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغَالِبِ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا هُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ

اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِهِ وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ } قَالَ الرَّافِعِيُّ : حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْخِطَابِ لِقَوْمٍ مَطَاعِمُهُمْ وَمَلَابِسُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ عَلِمَ فَأَجَابَ بِمَا اقْتَضَاهُ الْحَالُ ( وَكَسْبُهُ ) مِلْكٌ ( لِلسَّيِّدِ يُنْفِقُهُ ) أَيْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ( مِنْهُ إنْ شَاءَ ) فَإِنْ لَمْ يَفِ بِنَفَقَتِهِ فَالْبَاقِي عَلَى السَّيِّدِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ ( وَلَا يَقْتَصِرُ فِي كِسْوَتِهِ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِحَرٍّ ، وَلَا بَرْدٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ تَحْقِيرًا قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَهَذَا بِبِلَادِنَا إخْرَاجًا لِبِلَادِ السُّودَانِ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي الْمَطْلَبِ وَهَذَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُمْ مِنْ الْغَالِبِ فَلَوْ كَانُوا لَا يَسْتَتِرُونَ أَصْلًا وَجَبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .

( الْبَابُ السَّادِسُ فِي نَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ ) ( قَوْلُهُ : وَكَذَا مَاءُ طَهَارَتِهِ ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنَّهُ نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِمَمْلُوكِهِ مَاءَ الطَّهَارَةِ فِي السَّفَرِ فَيَحْتَمِلُ حَمْلُ مَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْحَضَرِ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَيَحْتَمِلُ بَقَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَيَكُونُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَجْهًا فِي الْمَسْأَلَةِ ش الرَّاجِحُ الثَّانِي وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَحَلُّ السَّهْمَيْنِ إذَا كَانَ مُجْدِيًا عَنْ الْإِعَادَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَوْجِيهُهُمْ تَحْصِيلُهُ وَكَتَبَ أَيْضًا وَكَذَا تُرَابُ تَيَمُّمِهِ ، وَثَمَنُ الدَّوَاءِ ، وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ إذَا مَرِضَ ، وَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ لِإِزَالَةِ الشَّعَثِ كَمَا يَجِبُ الْمُشْطُ وَالدُّهْنُ لِلضَّرُورَةِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْغُسْلُ فِي الْبَيْتِ لِشِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ ضَعْفٍ سَوَاءٌ وَجَبَ الْغُسْلُ عَنْ وَطْءٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ احْتِلَامٍ وَمُؤْنَةِ غَسْلِ ثِيَابِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يُعَلِّمَ رَقِيقَهُ الْمُكَلَّفَ مَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ أَوْ يُخَلِّيَهُ لِيَتَعَلَّمَ وَيَلْزَمُهُ بِذَلِكَ ، وَلَا يَبْعُدُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَجِيءَ فِي وُجُوبِ تَعْلِيمِ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ الْمُرَاهِقِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَعْلِيمِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ ( قَوْلُهُ : وَقِيسَ بِمَا فِيهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا ) وَلِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ كَسْبَهُ وَتَصَرُّفَهُ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إلَخْ ) إلَّا إنْ احْتَاجَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ أَنَّ ( قَوْلَهُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدِ وَأُدْمِهِمْ إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ طَعَامَهُ مَخْبُوزًا ، وَإِدَامَهُ مَصْنُوعًا ( قَوْلُهُ بَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ رِعَايَةُ الْغَالِبِ لَهُ ) اسْتَثْنَى فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْهُ مَا إذَا رَضِيَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ : كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ )

بِجَامِعِ وُجُوبِهَا بِالْكِفَايَةِ وَمَا سَبَقَ مِنْ اسْتِثْنَاءِ فَرْضِ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ يَجِيءُ هُنَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ اسْتَحَقَّ الرَّقِيقُ الْقَتْلَ بِرِدَّةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُ كِفَايَتِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ كَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ بِتَجْوِيعِهِ تَعْذِيبٌ يَمْنَعُ مِنْهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ { ، وَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ } أَب وَلِأَنَّ السَّيِّدَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَنْعِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ إمَّا بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَإِمَّا بِقَتْلِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ قَتْلِهِ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ وُجُوبِ كِفَايَةِ قَرِيبِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ بَيَاض بِالْأَصْلِ قَوْلُهُ : وَجَبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ، وَلَوْ اعْتَادَ أَهْلُ بَلَدٍ سَتْرُ أَرِقَّائِهِمْ بِالطِّينِ كَفَاهُ

( فَصْلٌ : لَوْ فَضَّلَ نَفِيسَ رَقِيقِهِ ) عَلَى خَسِيسِهِ ( كُرِهَ فِي الْعَبِيدِ ، وَاسْتُحِبَّ فِي الْإِمَاءِ ) لِلْعَادَةِ سَوَاءٌ فِيهِ السِّرِّيَّةُ وَغَيْرُهَا قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي الْعَبِيدِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ تَفْضِيلُ النَّفِيسِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ قَضِيَّةُ الْعُرْفِ ، وَبِهِ أَجَابَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَقَالُوا وَيَخْتَلِفُ حَالُهُمْ بِاخْتِلَافِ مَنَازِلِهِمْ فَلَيْسَ كِسْوَةُ الرَّاعِي ، وَالسَّائِسِ كَكِسْوَةِ مَنْ قَامَ بِالتِّجَارَةِ قَالَ وَحِينَئِذٍ فَالْأَشْبَهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ .
( قَوْلُهُ : سَوَاءٌ فِيهِ السَّرِيَّةُ وَغَيْرُهَا ) كَالْجَمِيلَةِ فِيمَا يَظْهَرُ كُلُّ رَقِيقٍ فِيهِ مَعْنًى زَائِدٌ مِنْ قِرَاءَةٍ وَعِلْمٍ وَنَحْوِهِمَا ش ( قَوْلُهُ : فَالْأَشْبَهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ ) وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى نَفِيسِ الذَّاتِ .

( فَصْلٌ : يُسْتَحَبُّ ) لِسَيِّدِهِ ( أَنْ يُؤَاكِلَهُ ) بِأَنْ يُجْلِسَهُ لِلْأَكْلِ مَعَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَاكِلْهُ بِأَنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ أَوْ امْتَنَعَ هُوَ مِنْ جُلُوسِهِ مَعَهُ تَوْقِيرًا لَهُ ( فَلْيَرُغْ ) أَيْ فَلْيُرَوِّ ( لَهُ فِي ) ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ ( الدَّسَمِ لُقْمَةً كَبِيرَةً ) تَسُدُّ مَسَدَ الصَّغِيرَةِ تُهَيِّجُ الشَّهْوَةَ ، وَلَا تَقْضِي النُّهْمَةَ ( أَوْ لُقْمَتَيْنِ ) ثُمَّ يُنَاوِلُهُ ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّ الْإِجْلَاسَ مَعَهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْوِيغِ وَالْمُنَاوَلَةِ لِيَتَنَاوَلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَشْتَهِيهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ( ثُمَّ هَذَا ) أَيْ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ( لِمَنْ عَالَجَ الطَّعَامَ آكَدُ ، وَلَا سِيَّمَا إنْ حَضَرَ ) الْمُعَالِجُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ } ، وَالْمَعْنَى فِيهِ تَشَوُّفُ النَّفْسِ لِمَا تُشَاهِدُهُ وَهَذَا يَقْطَعُ شَهْوَتَهَا ، وَالْأَمْرُ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ نَدْبًا لِلتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَصًّا حَاصِلُهُ الْوُجُوبُ ثُمَّ قَالَ فَظَهَرَ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْوُجُوبُ عَلَى خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ النَّصَّ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ ( ، وَلَوْ أَعْطَى ) السَّيِّدُ ( الْعَبْدَ طَعَامَهُ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَبْدِيلُهُ بِمَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْأَكْلِ ) بِخِلَافِ تَبْدِيلِهِ بِمَا لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ هَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْدَالُهُ وَقْتَ الْأَكْلِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَوْرَدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مَوْرِدَ الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ احْتِمَالًا .

( قَوْلُهُ : { فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوَلُقْمَتَيْنِ } ) أَوْ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَعْطَى الْعَبْدُ طَعَامَهُ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَبْدِيلُهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ مَصْلَحَةُ الْعَبْدِ فِي إبْدَالِهِ بِأَنْ عَلِمَ السَّيِّدُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ أَوْ لَا يُلَائِمُهُ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي إبْدَالِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَهَذَا مُحْتَمَلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ لَا سِيَّمَا إذَا رَامَ إبْدَالَهُ بِرَدِيءٍ

( فَصْلٌ : لَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ ) ، وَلَوْ أُمَّ وَلَدِهِ ( عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا ، وَلَوْ مِنْ زِنًا ) ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا لَهُ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ ( وَلَوْ طَلَبَتْهُ ) أَيْ إرْضَاعَهُ ( لَمْ يَجُزْ ) لَهُ ( مَنْعُهَا ) مِنْهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقًا بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا ( إلَّا عِنْدَ الِاسْتِمْتَاعِ ) بِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَوَضْعُ الْوَلَدِ عِنْدَ غَيْرِهَا إلَى فَرَاغِ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَإِلَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ وَيَسْتَرْضِعُهَا غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ عَلَى وَالِدِهِ أَوْ مَالِكِهِ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرُّوهُ .
( قَوْلُهُ : فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ ) أَيْ غَيْرَ اللِّبَأِ الَّذِي لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ وَفِيمَا ذَا وُجِدَتْ مُرْضِعَةُ غَيْرِهَا

( وَلَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ ) عَلَى الْإِرْضَاعِ ( مِنْ أَبِ وَلَدِهَا الْحُرِّ ) ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّبَرُّعُ بِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ التَّبَرُّعُ بِهِ ( وَلَا يُكَلِّفُهَا رَضَاعَ غَيْرِ وَلَدِهَا ) ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } ؛ وَلِأَنَّ طَعَامَهُ اللَّبَنُ فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ كَالْقُوتِ ( إلَّا بِفَاضِلٍ ) مِنْ لَبَنِهَا ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ رِيِّهِ أَمَّا لِغَزَارَةِ لَبَنِهَا أَوْ لِقِلَّةِ شِرَائِهِ أَوْ لِاغْتِنَائِهِ بِغَيْرِ اللَّبَنِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَوْ لِمَوْتِهِ فَلَهُ تَكْلِيفُهَا ذَلِكَ كَمَا لَهُ تَكْلِيفُهَا غَيْرَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُطِيقُهَا
( قَوْلُهُ : وَلَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِنْ أَبِ وَلَدِهَا الْحُرِّ ) ، وَلَوْ عَلَى اللِّبَأِ الَّذِي لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ

( وَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى الْفِطَامِ ) لِوَلَدِهَا ( قَبْلَ ) مُضِيِّ ( الْحَوْلَيْنِ إنْ اجْتَزَأَ بِغَيْرِ اللَّبَنِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ بِهَا وَهِيَ مِلْكُهُ ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ ( وَ ) عَلَى ( الرَّضَاعِ ) لَهُ ( بَعْدَهُمَا إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ ) هُوَ أَوْ هِيَ بِالْإِرْضَاعِ سَوَاءٌ أَكَفَاهُ غَيْرُ اللَّبَنِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا لَهُ كَمَا مَرَّ ، وَلَيْسَ لَهَا الِاسْتِقْلَالُ بِإِرْضَاعٍ ، وَلَا فِطَامٍ إذْ لَا حَقَّ لَهَا فِي التَّرْبِيَةِ ( بِخِلَافِهِ مَعَ الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ الْحُرَّيْنِ ( عَلَى الْفِطَامِ قَبْلَ ) مُضِيِّ ( الْحَوْلَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا فِي التَّرْبِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ } أَيْ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ الْوَلَدَ أَوْ لَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا اسْتِقْلَالٌ بِالْفِطَامِ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الرَّضَاعِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى فِطَامِهِ حِينَئِذٍ جَازَ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ كَمَا صَرَّحَ الْأَصْلُ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْأَبِ ( الْأُجْرَةُ لَهَا ) أَوْ لِغَيْرِهَا ( حَالَ الِامْتِنَاعِ ) أَيْ امْتِنَاعِهَا مِنْ الْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْوَلَدُ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( الِانْفِرَادُ بِهِ ) أَيْ بِالْفِطَامِ ( بَعْدَهُمَا ) أَيْ الْحَوْلَيْنِ ( إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْوَلَدُ ) بِهِ لِمُضِيِّ مُدَّةِ الرَّضَاعِ ، وَلَهُمَا الزِّيَادَةُ فِي الْإِرْضَاعِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ إذْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ

( قَوْلُهُ : فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْفِطَامِ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلَيْنِ إلَخْ ) لَوْ كَانَ الْفِطَامُ قَبْلَهُمَا أَصْلَحَ لِلْوَلَدِ كَأَنْ حَمَلَتْ أُمُّهُ أَوْ كَانَ بِهَا مَرَضٌ ، وَلَمْ يَجِدْ مُرْضِعَةً سِوَاهَا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يُجَابُ الْأَبُ إلَى الْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ، وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُمْ يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ أَنْ

( فَصْلٌ : مُخَارَجَةُ الرَّقِيقِ ) الْمُكَلَّفِ ( عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَسْبُهُ ) وَهِيَ ضَرْبُ خَرَاجٍ مَعْلُومٍ عَلَيْهِ يُؤَدِّيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ مَثَلًا مِمَّا يَكْسِبُهُ ( جَائِزَةٌ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ صَاعَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ } ( بِالْمُرَاضَاةِ ) فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إجْبَارُ الْآخَرِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّرَاضِي كَالْكِتَابَةِ أَمَّا إذَا خَارَجَهُ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَسْبُهُ فَلَا يَجُوزُ ، وَهِيَ ( غَيْرُ لَازِمَةٍ ، وَكَأَنَّهُ ) فِيمَا إذَا وَفَّى وَزَادَ كَسْبُهُ ( أَبَاحَهُ الزَّائِدُ تَوْسِيعًا فِي النَّفَقَةِ ) عَلَيْهِ ( وَمُؤْنَتُهُ ) تَجِبُ ( حَيْثُ شُرِطَتْ ) مِنْ كَسْبِهِ أَوْ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ ( فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا لَا يَلِيقُ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ يُطِيقُ بِأَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ خَرَاجًا أَكْثَرَ مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَأَلْزَمَهُ أَدَاءَهُ ( مُنِعَ ) مِنْهُ ( وَيُجْبَرُ نَقْصُ يَوْمٍ ) مَثَلًا ( بِزِيَادَةِ ) يَوْمٍ ( آخَرَ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُجْبَرُ نَقْصُ بَعْضِ الْأَيَّامِ بِالزِّيَادَةِ فِي بَعْضِهَا
فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : مُخَارَجَةُ الرَّقِيقِ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَسْبُهُ جَائِزَةٌ ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ كَسْبٌ مُبَاحٌ دَائِمٌ يَفِي بِالْخَرَاجِ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ إنْ جَعَلَهُمَا فِيهِ

( فَصْلٌ : لَا يُكَلِّفُ ) السَّيِّدُ ( عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا ( عَمَلًا ) عَلَى الدَّوَامِ ( لَا يُطِيقُهُ عَلَى الدَّوَامِ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَمَلًا عَلَى الدَّوَامِ يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَإِنْ زَعَمَهُ جَمَاعَةٌ ( وَيَتْبَعُ ) السَّيِّدُ فِي تَكْلِيفِهِ رَقِيقَهُ مَا يُطِيقُهُ ( الْعَادَةَ فِي ) إرَاحَتِهِ فِي وَقْتِ ( الْقَيْلُولَةِ ) ، وَالِاسْتِمْتَاعِ ( وَ ) فِي ( الْعَمَلِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَيُرِيحُهُ مِنْ الْعَمَلِ إمَّا اللَّيْلُ ) إنْ اسْتَعْمَلَهُ نَهَارًا ( أَوْ النَّهَارُ ) إنْ اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا ( وَإِنْ اعْتَادُوا ) أَيْ السَّادَةُ ( الْخِدْمَةَ ) مِنْ الْإِرْقَاءِ ( نَهَارًا مَعَ طَرَفَيْ اللَّيْلِ ) لِطُولِهِ ( اُتُّبِعَتْ ) عَادَتُهُمْ ( وَعَلَى الْعَبْدِ بَذْلُ الْجَهْدِ ) وَتَرْكُ الْكَسَلِ فِي الْخِدْمَةِ .
( قَوْلُهُ : لَا يُكَلِّفُ عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ عَمَلًا لَا يُطِيقُهُ عَلَى الدَّوَامِ ) لَوْ كَلَّفَ رَقِيقَهُ مَا لَا يُطِيقُهُ أَوْ حَمَلَ أَمَتَهُ عَلَى الْفَسَادِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا فِي خَلَاصِهِ .

( وَيُبَاعُ مَالُ سَيِّدِهِ فِي نَفَقَتِهِ ) أَيْ يَبِيعُهُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ ( أَوْ يُؤَجِّرُهُ ) عَلَيْهِ ( بَعْدَ اسْتِدَانَتِهِ شَيْئًا ) عَلَيْهِ ( صَالِحًا ) لِمَا فِي بَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ الْمَشَقَّةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ ، وَلَا إيجَارُهُ بَاعَ جَمِيعَهُ أَوْ آجَرَهُ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَذِكْرُ الْإِيجَارِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْبَيْعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ بَيْعُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَالْعَقَارِ فَإِنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحُبُوبِ ، وَالْمَائِعَاتِ تَعَيَّنَ أَيْ بِلَا اسْتِدَانَةٍ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِهِمْ ( فَإِنْ عُدِمَ ) مَالُهُ ( أُمِرَ بِبَيْعِهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ ( أَوْ إيجَارِهِ ) عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ ( أَوْ عِتْقِهِ ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) مِنْ ذَلِكَ ( بَاعَهُ الْحَاكِمُ أَوْ آجَرَهُ ) عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ وَيُقَدَّمُ إيجَارُهُ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى بَيْعِهِ فَإِنَّ تَعَذَّرَ تَعَيَّنَ الْبَيْعُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ ( فَإِنْ كَسَدَ ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ أَوْ يَسْتَأْجِرُهُ ( فَنَفَقَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ فُقِدَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَحَاوِيجِهِمْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتُدْفَعُ كِفَايَةُ الرَّقِيقِ لِمَالِكِهِ ؛ لِأَنَّ الْكِفَايَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِأَنَّهُ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِلرَّقِيقِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ مَجَّانًا وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ السَّيِّدُ فَقِيرًا أَوْ مُحْتَاجًا إلَى خِدْمَتِهِ الضَّرُورِيَّةِ ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِ .
انْتَهَى .
وَحُكْمُ الْعَجْزِ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ .

( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ ، وَلَا إيجَارِهِ إلَخْ ) وَتَحْرِيرِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُؤَجِّرُ جُزْءًا مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ جَمِيعَهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ أَوْ تَقَدَّرَ إيجَارُ الْجُزْءِ فَإِنْ تَعَذَّرَ إيجَارُهُ بَاعَ جُزْءًا مِنْهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ كُلَّهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ أَوْ تَعَذَّرَ بَيْعُ الْجُزْءِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ عَدِمَ مَالَهُ أُمِرَ بِبَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ أَوْ عِتْقِهِ ) وَالْقَصْدُ إزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْهُ ( قَوْلُهُ : وَحُكْمُ الْعَجْزِ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ ) أَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَلَا تُبَاعُ قَطْعًا ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إعْتَاقِهَا فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا عَلَى تَزْوِيجِهَا بِرَاغِبٍ وَيَتَعَيَّنُ إجَارَتُهَا فَإِنْ تَعَذَّرَتْ خَلَّاهَا لِتَكْتَسِبَ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ نَفَقَتُهَا بِكَسْبِهَا فَفِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَلَوْ غَابَ مَوْلَاهَا ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَالٌ ، وَلَا كَسْبَ لَهَا ، وَلَا كَانَ بَيْتُ مَالٍ قَالَ الْقَمُولِيُّ فَالرُّجُوعُ إلَى وَجْهِ أَبِي زَيْدٍ بِالتَّزَوُّجِ أَوْلَى لِلْمَصْلَحَةِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ .

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَنَفَقَةُ الْمُبَعَّضِ أَيْ الْمَعْجُوزِ عَنْ نَفَقَتِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً ، وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى مَنْ هِيَ فِي نَوْبَتِهِ ، وَفِيمَا قَالَهُ فِي الشِّقِّ الثَّانِي نَظَرٌ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَنَفَقَةُ الْمُبَعَّضِ إلَخْ ) قَالَ الْقَمُولِيُّ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ يَجِبُ تَنْصِيفُ نَفَقَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ فَيَجِبُ نِصْفُ نَفَقَتِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ لِعَبْدِ رَجُلٍ غَائِبٍ اسْتَدِنْ وَأَنْفِقْ عَلَى نَفْسِك جَازَ وَكَانَ دَيْنًا عَلَى السَّيِّدِ .
ا هـ .
هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا ، وَإِلَّا فَلْيُؤَجِّرْهُ أَوْ يَأْمُرْهُ بِالِاكْتِسَابِ ، وَلَا يُعَطِّلُ مَنَافِعَهُ عَلَى السَّيِّدِ وَيَلْزَمُهُ الدَّيْنُ بِلَا ضَرُورَةٍ

( فَصْلٌ : وَعَلَيْهِ ) أَيْ صَاحِبِ دَابَّةٍ ( كِفَايَةُ دَابَّتِهِ الْمُحْتَرَمَةِ أَوْ تَخْلِيَتُهَا لِلْمَرْعَى ) وَوُرُودِ الْمَاءِ ( إنْ اكْتَفَتْ بِهِ ) فَإِنْ لَمْ تَكْتَفِ بِهِ لِجَدْبِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهِ أَضَافَ إلَيْهِ مِنْ الْعَلَفِ مَا يَكْفِيهَا وَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا ، وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ } بِفَتْحِ الْخَاءِ ، وَكَسْرِهَا أَيْ هَوَامِّهَا ، وَالْمُرَادُ بِكِفَايَةِ الدَّابَّةِ وُصُولُهَا لِأَوَّلِ الشِّبَعِ ، وَالرِّيِّ دُونَ غَايَتِهِمَا وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمَةِ غَيْرُهَا كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) مِنْ ذَلِكَ ( وَلَهُ مَالٌ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ الْكِفَايَةَ أَوْ الْبَيْعَ ) لِلدَّابَّةِ ( أَوْ الذَّبْحَ ) لَهَا إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً ( أَوْ الْإِكْرَاءَ ) لَهَا ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) مِنْ ذَلِكَ ( فَعَلَ الْحَاكِمُ مَا يَرَاهُ ) مِنْهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الرَّقِيقِ يَأْتِي هُنَا ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَ الدَّابَّةَ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ أَكْرَاهَا ) عَلَيْهِ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ ) كِفَايَتُهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ كَنَظِيرِهِ فِي الرَّقِيقِ وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ .
ثُمَّ وَلَوْ كَانَتْ دَابَّتُهُ لَا تُمْلَكُ كَكَلْبٍ لَزِمَهُ أَنْ يَكْفِيَهَا أَوْ يَدْفَعَهَا لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَوْ يُرْسِلَهَا .

( فَرْعٌ ) لَوْ كَانَ عِنْدَهُ حَيَوَانٌ يُؤْكَلُ وَآخَرُ لَا يُؤْكَلُ ، وَلَمْ يَجِدْ إلَّا نَفَقَةَ أَحَدِهِمَا وَتَعَذَّرَ بَيْعُهُمَا فَهَلْ تُقَدَّمُ نَفَقَةُ مَا لَا يُؤْكَلُ وَيُذْبَحُ الْمَأْكُولُ أَوْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمَأْكُولُ يُسَاوِي أَلْفًا ، وَغَيْرُهُ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَفِيهِ نَظَرٌ ، وَاحْتِمَالٌ ( وَيَجُوزُ غَصْبُ الْعَلَفِ لِهَاوٍ ) غَصَبَ ( الْخَيْطَ لِجِرَاحَتِهَا ) بِالْبَدَلِ ( إنْ تَعَيَّنَا ، وَلَمْ يُبَاعَا ) كَمَا يَجُوزُ سَقْيُهَا الْمَاءَ ، وَالْعُدُولَ إلَى التَّيَمُّمِ ( وَيَحْرُمُ تَكْلِيفُهَا ) عَلَى الدَّوَامِ ( مَا لَا تُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ ، وَ ) يَحْرُمُ ( حَلْبُ لَبَنٍ ) مِنْهَا ( يَضُرُّ بِوَلَدِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ غِذَاؤُهُ كَوَلَدِ الْأَمَةِ ( أَوْ ) يَضُرُّ ( بِهَا ) لِنَحْوِ قِلَّةِ الْعَلَفِ فَلَا يَحْلُبُ إلَّا مَا لَا يَضُرُّهُمَا ، وَالْوَاجِبُ فِي الْوَلَدِ رِيُّهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَنَعْنِي بِهِ مَا يُقِيمُهُ حَتَّى لَا يَمُوتَ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا التَّوَقُّفُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ ، وَالْأَصْحَابِ ( وَيَحْرُمُ تَرْكُ حَلْبٍ ) إنْ كَانَ ( يَضُرُّ بِهَا ، وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لِلْإِضَاعَةِ ) لِلْمَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي وَلِلْأَضْرَارِ بِالدَّابَّةِ ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهَا لَمْ تَتَضَرَّرْ .
( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَقْصِيَ الْحَالِبُ ) فِي الْحَلْبِ بَلْ يَدْعُ فِي الضَّرْعِ شَيْئًا ( وَأَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ ) لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا تَفَاحَشَ طُولُ الْأَظْفَارِ ، وَكَانَ يُؤْذِيهَا لَا يَجُوزُ حَلْبُهَا مَا لَمْ يَقُصَّ مَا يُؤْذِيهَا ، وَيَحْرُمُ جَزُّ الصُّوفِ مِنْ أَصْلِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ ، وَكَذَا حَلْقُهُ لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَيَجُوزُ أَنْ

يُرِيدَ بِهَا كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ : فَفِيهِ نَظَرٌ ) وَاحْتِمَالُ الرَّاجِحِ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ فِي الْمَالَيْنِ ( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ غَصْبُ الْعَلَفِ لَهَا وَالْخَيْطِ لِجِرَاحَتِهَا إنْ تَعَيَّنَا ، وَلَمْ يُبَاعَا كَمَا يَجُوزُ سَقْيُهَا إلَخْ ) بَلْ يَجِبُ كُلٌّ مِنْهَا ( قَوْلُهُ : وَيَحْرُمُ تَكْلِيفُهَا مَا لَا تُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ ) ، وَلَا يَحِلُّ ضَرْبُهَا إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَلْ يَجُوزُ الْحَرْثُ عَلَى الْحُمُرِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَضُرَّهَا جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُلْبِسَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ مَا يَقِيهَا مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدَيْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّهَا ضَرَرًا بَيِّنًا اعْتِبَارًا بِكِسْوَةِ الرَّقِيقِ ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا .
ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ : وَيَحْرُمُ حَلْبُ لَبَنٍ يَضُرُّ بِوَلَدِهَا ) بَلْ قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ كَانَ لَبَنُهَا دُونَ غِذَاءِ وَلَدِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَكْمِيلُ غِذَائِهِ مِنْ غَيْرِهَا ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَذَا ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِلْحَاقِهِ بِوَلَدِ الْأَمَةِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَدَلَ بِهِ إلَى غَيْرِ لَبَنِ أُمِّهِ ، وَاسْتَمَرَّ لَهُ مَا لَهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ سَقْيُهُ مَا يَحْيَا بِهِ فَإِنْ أَبَى ، وَلَمْ يَقْبَلْهُ كَانَ أَحَقَّ بِلَبَنِ أُمِّهِ

( فَرْعٌ عَلَيْهِ ) أَيْ مَالِكِ نَحْلٍ ( أَنْ يُبْقِيَ لِلنَّحْلِ مِنْ الْعَسَلِ ) فِي الْكِوَارَةِ ( قَدْرَ حَاجَتِهَا إنْ لَمْ يَكْفِهَا غَيْرُهُ ) ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَقَدْ قِيلَ يَشْوِي دَجَاجَةً وَيُعَلِّقُهَا بِبَابِ الْكِوَارَةِ فَتَأْكُلُ مِنْهَا .

( وَعَلَيْهِ ) أَيْ مَالِكِ دُودِ قَزٍّ إمَّا ( تَحْصِيلُ وَرَقِ التُّوتِ لِدُودِ الْقَزِّ وَ ) إمَّا ( تَخْلِيَتُهُ ) أَيْ الدُّودِ ( لَا كُلِّهِ ) أَيْ الْوَرَقِ ( إنْ وُجِدَ ) لِئَلَّا يَهْلِكَ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ ( وَيَجُوزُ تَشْمِيسُهُ ) أَيْ الدُّودِ ( عِنْدَ الانتوال ) أَيْ حُصُولِ نَوْلِهِ ( وَإِنْ هَلَكَ بِهِ ) لِتَحْصُلَ فَائِدَةٌ كَمَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ .

( فَرْعٌ : وَلَا يُكْرَهُ ) لِمَالِكِ أَرْضٍ ( تَرْكُ زِرَاعَةِ أَرْضِهِ ) وَغَرْسِهَا ( وَيُكْرَهُ لِإِضَاعَةِ الْمَالِ ) عِنْدَ الْإِمْكَانِ ( تَرْكُ سَقْيِ الزَّرْعِ ) ، وَالْأَشْجَارِ ( وَتَرْكُ عِمَارَةِ الدَّارِ ، وَالْقَنَاةِ ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعَقَارِ إذَا أَدَّى إلَى الْخَرَابِ كَذَا عَلَّلَ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ إضَاعَةِ الْمَالِ لَكِنَّهُمَا صَرَّحَا فِي مَوَاضِعَ بِتَحْرِيمِهَا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ بِلَا خَوْفٍ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ بِتَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا أَعْمَالًا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ وَبِعَدَمِ تَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا تَرْكُ أَعْمَالٍ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَشُقُّ عَلَيْهِ وَمِنْهُ تَرْكُ سَقْيِ الْأَشْجَارِ الْمَرْهُونَةِ بِتَوَافُقِ الْعَاقِدَيْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي مَسْأَلَةِ تَرْكِ سَقْيِ الْأَشْجَارِ وَصُورَتُهَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا ثَمَرَةٌ تَفِي بِمُؤْنَةِ سَقْيِهَا ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا قَالَ ، وَلَوْ أَرَادَ بِتَرْكِ السَّقْيِ تَجْفِيفَ الْأَشْجَارِ لِأَجْلِ قَطْعِهَا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْوَقُودِ فَلَا كَرَاهَةَ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : وَبِعَدَمِ تَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا تَرْكَ أَعْمَالٍ ) قِيلَ عَلَيْهِ : مُجَرَّدُ تَرْكِ الْأَعْمَالِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهَا بِالشَّاقَّةِ لِيَحْتَرِزَ مِنْ نَحْوِ رَبْطِ الدَّرَاهِمِ فِي الْكُمِّ وَوَضْعِهِ فِي الْحِرْزِ .
ا هـ .
وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ تَعْلِيلِ الْإِسْنَوِيِّ .

( وَالزِّيَادَةُ فِي الْعِمَارَةِ عَلَى الْحَاجَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَرُبَّمَا قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَقْيُ الزَّرْعِ ، وَالْأَشْجَارِ ، وَلَا عِمَارَةُ الْعَقَارِ لِانْتِفَاءِ حُرْمَةِ الرُّوحِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ تَنْمِيَةِ الْمَالِ ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَالْأَوْقَافِ وَمَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ
( قَوْلُهُ : كَالْأَوْقَافِ ) أَيْ إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ أَوْ شَرَطَ عِمَارَتَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى حَاصِلَةٍ

( خَاتِمَةٌ ) وَنَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ غَابَ الرَّشِيدُ عَنْ مَالِهِ غَيْبَةً طَوِيلَةً ، وَلَا نَائِبَ لَهُ هَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ أَنْ يَنْصِبَ مَنْ يَعْمُرُ عَقَارَهُ وَيَسْقِي زَرْعَهُ وَثَمَرَةَ مَالِهِ الظَّاهِرُ نَعَمْ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِفْظَ مَالِ الْغُيَّبِ كَالْمَحْجُورِينَ .
وَكَذَا لَوْ مَاتَ مَدْيُونٌ وَتَرَكَ زَرْعًا وَغَيْرَهُ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ وَتَعَذَّرَ بَيْعُهُ فِي الْحَالِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَسْعَى فِي حِفْظِهَا بِسَقْيٍ وَغَيْرِهِ إلَى أَنْ تُبَاعَ فِي دُيُونِهِ حَيْثُ لَا وَارِثَ خَاصٌّ يَقُومُ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَحْضُرُنِي فِي هَذَا نَقْلٌ خَاصٌّ .
ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَهَذَا آخِرُ مَا وَجَدْته مَكْتُوبًا بِهَامِشِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ بِخَطِّ شَيْخَيْ الْمُتَأَخِّرِينَ هُمَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَالرِّحْلَةُ الْهُمَامُ شَيْخُ الشُّيُوخِ وَخَاتِمَةُ أَهْلِ الرُّسُوخِ خِتَامُ الْعُلَمَاءِ الْمُتْقِنِينَ سَيِّدِي أَحْمَدُ شِهَابُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ الْأَنْصَارِيُّ وَوَلَدُهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَخَاتِمَةُ عُلَمَاءِ الْأَنَامِ بَرَكَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ سَيِّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ شَمْسِ الدِّينِ وَالَى اللَّهُ عَلَى قَبْرِ كُلِّ سَحَائِبَ الرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ وَأَسْكَنَهُمَا أَعْلَى غُرَفِ الْجِنَانِ وَوَافَقَ الْفَرَاغُ مِنْ تَجْرِيدِهِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الْمُبَارَكِ ثَامِنِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُعْظَمِ مِنْ شُهُورِ عَامِ أَحَدَ عَشَرَ وَأَلْفٍ أَحْسَنَ اللَّهُ خِتَامَهَا عَلَى يَدِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْعَلِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّوْبَرِيِّ ثُمَّ الْأَزْهَرِيِّ الشَّافِعِيِّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَسَتَرَ فِي الدَّارَيْنِ عُيُوبَهُ وَفَعَلَ ذَلِكَ بِوَالِدِيهِ وَمَشَايِخِهِ ، وَإِخْوَانِهِ وَمُحِبِّيهِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ آمِينَ

( كِتَابُ الْجِنَايَاتِ ) وَهِيَ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ وَالْجُرْحُ الَّذِي لَا يُزْهِقُ وَلَا يُبَيِّنُ ( الْقَتْلُ ظُلْمًا ) وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ ( أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ ) فَقَدْ { سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قِيلَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ( وَلِصَاحِبِهِ ) أَيْ الْقَتْلِ ظُلْمًا ( تَوْبَةٌ ) كَالْكَافِرِ بَلْ أَوْلَى ( وَلَا يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ ) بَلْ هُوَ تَحْتَ خَطَرِ الْمَشِيئَةِ ( وَلَا يُخَلَّدُ ) عَذَابُهُ إنْ عُذِّبَ ، وَ ( إنْ أَصَرَّ ) عَلَى تَرْكِ التَّوْبَةِ فِيهَا كَسَائِرِ ذَوِي الْكَبَائِرِ غَيْرَ الْكُفَّارِ ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْعَذَابِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِدُخُولِ النَّارِ ( وَيَتَعَلَّقُ بِهِ ) يَعْنِي بِالْقَتْلِ غَيْرُ الْمُبَاحِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ ظُلْمًا ( الْكَفَّارَةُ وَالْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ أَوْ التَّعْزِيرُ ) لِمَا سَيَأْتِي وَيُتَصَوَّرُ التَّعْزِيرُ ( فِي صُوَرٍ كَقَتْلِ ) نَفْسٍ مِنْ ( نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانِهِمْ ) وَكَقَتْلِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ ( وَالنَّظَرُ ) إمَّا ( فِي مُوجِبِ الْقِصَاصِ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ ( وَ ) إمَّا فِي ( وَاجِبِهِ فَلِلْمُوجِبِ ) لَهُ فِي النَّفْسِ ( ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ الْأَوَّلُ الْقَتْلُ ظُلْمًا ) يَعْنِي عَمْدًا بِقَرِينَةٍ ، قَوْلُهُ ( وَهُوَ كُلُّ فِعْلٍ عَمْدٍ مَحْضٍ مُزْهِقٍ ) لِلرُّوحِ ( عُدْوَانٍ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ فَبِقَوْلِهِ كُلُّ فِعْلٍ دَخَلَ الْجُرْحُ وَغَيْرُهُ وَبِقَوْلِهِ عَمْدٍ خَرَجَ الْخَطَأُ وَبِمَحْضٍ خَرَجَ شِبْهُ الْعَمْدِ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُ الثَّلَاثَةِ .
( وَبِعِدْوَانٍ خَرَجَ الْقَتْلُ الْجَائِزُ ) كَالْقَتْلِ قَوَدًا أَوْ دَفْعًا لِصَائِلٍ أَوْ بَاغٍ (

وَبِمُزْهِقٍ خَرَجَ الْجُرْحُ ) كَأَنْ غَرَزَ إبْرَةً بِغَيْرِ مَقْتَلٍ فَمَاتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْقُبَهُ أَلَمٌ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا وَبِإِخْرَاجِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ ( وَبِكَوْنِهِ ) الْأَوْلَى وَبِحَيْثُ كَوْنُهُ ( مُزْهِقًا خَرَجَ مَا خَالَفَ فِيهِ ) بِأَنْ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْقَتْلِ كَأَنْ اسْتَحَقَّ حَزَّ رَقَبَتِهِ قَوَدًا فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ ( فَإِنَّهُ عُدْوَانٌ لَا مِنْ جِهَةِ الْإِزْهَاقِ ) بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ .
( وَالنَّظَرُ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( فِي أَطْرَافٍ ) أَرْبَعَةٍ ( الْأَوَّلُ فِي ) بَيَانِ ( الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ وَشِبْهِهِ ) وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا قَتَلَ غَيْرَهُ ( فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْفِعْلَ ) كَأَنْ زَلِقَ فَوَقَعَ عَلَى غَيْرِهِ فَمَاتَ بِهِ أَوْ تَوَلَّدَ الْمَوْتُ مِنْ اضْطِرَابِ يَدِ الْمُرْتَعِشِ ( أَوْ قَصَدَ ) الْفِعْلَ لَكِنْ قَصَدَ ( بِهِ شَخْصًا ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ( فَأَصَابَ غَيْرَهُ ) مِنْ الْآدَمِيِّينَ ( فَهُوَ الْخَطَأُ ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا ) أَيْ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ ( فَإِنْ كَانَ ) أَيْ قَصَدَهُمَا ( بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ ، وَإِلَّا ) بِأَنْ قَصَدَهُمَا بِمَا يَقْتُلُ نَادِرًا كَغَرْزِ إبْرَةٍ بِغَيْرِ مَقْتَلٍ كَعَقِبٍ أَوْ بِمَا يَقْتُلُ لَا غَالِبًا وَلَا نَادِرًا ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( وَبِهِ أَسْتَعِينُ ) ( قَوْلُهُ الْقَتْلُ ظُلْمًا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ ) شَمِلَ قَتْلَ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ وَالْمُؤَمَّنِ ، وَكَتَبَ أَيْضًا إذَا قُتِلَ ظُلْمًا وَاقْتَصَّ الْوَارِثُ أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ مَجَّانًا فَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي سُقُوطَ الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ تَعْبِيرِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعُقُوبَةِ فَإِنَّهُمَا قَالَا وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَرَاءَ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ مُؤَاخَذَاتٌ فِي الدُّنْيَا وَجَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلِهَا فِيمَنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى الْقَتْلِ ، وَكَلَامَ الْفَتَاوَى وَشَرْحِ مُسْلِمٍ فِيمَنْ تَابَ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فس ؛ لِأَنَّ ظَوَاهِرَ الشَّرْعِ لَا تَشْهَدُ لِمَنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَنْبِ الْقَتْلِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَفْوِ ، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ وَرَاءَ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَرَاءَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهَا لِجَوَازِ الْعَفْوِ .
وَقَوْلُهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ تَعْبِيرِ الشَّرْحِ إلَخْ قَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنْ قِيلَ : إنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ عُقُوبَةُ الدَّارَيْنِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا ، وَيُعَاقَبُ أَيْضًا فِي الْآخِرَةِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ { الْحُدُودَ وَالْعُقُوبَاتِ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا } وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الدَّارَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ بِمَعْنَى مَنْ الْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ تُوجَدُ فِي الدُّنْيَا كَمَا فِي حَقِّ مَنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَتُوجَدُ أَيْضًا فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَلَمْ يَعْفُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَهَذَا صَحِيحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُخَلَّدُ عَذَابُهُ ) إنْ عُذِّبَ لَكِنَّ عَذَابَ قَاتِلِ وَالٍ عَادِلٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ عَالِمٍ عَامِلٍ أَشَدُّ مِنْ

قَاتِلِ غَيْرِهِمْ .
( قَوْلُهُ : وَكَقَتْلِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ ) أَيْ أَوْ وَلَدِهِ وَالْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا وَالْحُرُّ عَبْدًا وَمُبَعَّضًا ، وَكَعَمْدِ الْخَطَأِ وَشَرِيكِ الْمُخْطِئِ ( قَوْلُهُ : فَيَقُولُهُ كُلُّ فِعْلٍ ) شَمِلَ الْقَوْلَ كَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالتَّرْكِ كَمَنْعِهِ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ قَوْلُهُ : فَإِنْ قَصَدَهُمَا ) أَيْ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ إلَخْ فَيُشْتَرَطُ لَهُ قَصْدُ عَيْنِ الشَّخْصِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ إنْسَانٌ فَلَوْ رَمَى شَخْصًا اعْتَقَدَهُ نَخْلَةً فَكَانَ إنْسَانًا لَمْ يَكُنْ عَمْدًا عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمُرَادُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا ذَلِكَ الْفِعْلُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ ) اعْتَرَضَ فِي الْبَسِيطِ بِقَطْعِ الْأُنْمُلَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا ، قَالَ : وَلَا جَوَادَ عَنْهُ وَمَالَ إلَى حَدِّهِ بِمَا عُلِمَ حُصُولُ الْمَوْتِ بِهِ مَعَ قَصْدِ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ سَوَاءٌ قَصَدَ قَتْلَهُ أَمْ لَا يَشْمَلُ قَطْعَ الْأُنْمُلَةِ وَغَرْزَ الْإِبْرَةِ وَغَيْرَهُمَا وَشَمِلَ أَيْضًا مَا لَوْ ضَرَبَ كُوعَهُ بِعَصًا فَتَوَرَّمَ وَدَامَ الْأَلَمُ حَتَّى مَاتَ وَالْمُرَادُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا الْآلَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَلَا يُشْكِلُ بِغَرْزِ الْإِبْرَةِ .
وَقَدْ يَرُدُّ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا مَا إذَا قَتَلَهُ بِجِهَةِ حُكْمٍ ثُمَّ بَانَ الْخَلَلُ فِي مُسْتَنَدِ الْحُكْمِ وَلَمْ يُقَصِّرْ الْقَاضِي فِي الْبَحْثِ كَمَا إذَا قَتَلَهُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثُمَّ بَانَا رَقِيقَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ فَإِنَّ هَذَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْخَطَأِ حَتَّى تَجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَوْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ وَمَاتَ فَالْأَرْجَحُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ خَطَأٌ وَعَنْ النَّصِّ أَنَّهَا حَالَّةٌ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي

اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْجَانِي أَوْ عَزَلَ الْوَكِيلَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ وَاسْتَوْفَى الْقِصَاصَ لِمُوَكِّلِهِ ثُمَّ ظَهَرَ الْحَالُ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ حَالَّةٍ عَلَى الْوَكِيلِ .

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( جَرَحَهُ بِمُحَدَّدٍ مُؤَثِّرٍ ) مِنْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ نَحْوِهَا ( فَمَاتَ ) بِذَلِكَ الْجُرْحِ ، وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ ( وَجَبَ الْقَوَدُ ) بِالْإِجْمَاعِ ( وَكَذَا ) لَوْ جَرَحَهُ ( بِإِبْرَةٍ ) بِأَنْ غَرَزَهَا ( فِي مَقْتَلٍ ) بِفَتْحِ التَّاءِ ( كَدِمَاغٍ وَعَيْنٍ ، وَأَصْلِ أُذُنٍ وَحَلْقٍ وَثُغْرَةٍ ) لِنَحْرٍ ( ، وَأَخْدَعَ ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ عِرْقُ الْعُنُقِ ( وَخَاصِرَةٍ ، وَإِحْلِيلٍ وَأُنْثَيَيْنِ وَمَثَانَةٍ ) بِالْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ الْمِيمِ مُسْتَقَرُّ الْبَوْلِ مِنْ الْآدَمِيِّ ( وَعِجَانٍ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَا بَيْنَ الْخُصْيَةِ وَالدُّبُرِ وَيُسَمَّى الْعَضَّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَيَجِبُ الْقَوَدُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرٌ لِعِظَمِ الْخَطَرِ فِيهِ .
( أَمَّا ) لَوْ غَرَزَهَا ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَقْتَلٍ كَفَخِذٍ ( فَإِنْ مَاتَ فِي الْحَالِ ) وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا بِغَيْرِ سِرَايَةٍ وَتَأَلُّمٍ فَأَشْبَهَ السَّوْطَ الْخَفِيفَ نَعَمْ الْغَرْزُ فِي بَدَنِ الصَّغِيرِ وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَنَضْوِ الْخَلْقِ عَمْدٌ مُطْلَقًا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْعَبَّادِيِّ ، وَأَقَرَّهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ لَمْ يَشِنْهُ لَا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ أَصْلًا إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَلَمٍ مَا غَالِبًا .
( وَإِنْ أَوْغَلَ ) مِنْ الْإِيغَالِ ، وَهُوَ السَّيْرُ السَّرِيعُ وَالْإِمْعَانُ أَيْ أَمْعَنَ فِي الْغَرْزِ ( وَبَقِيَ مُتَوَرِّمًا مُتَأَلِّمًا مِنْهُ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ فَعَمْدٌ ) لِظُهُورِ أَثَرِ الْجِنَايَةِ وَسِرَايَتِهَا إلَى الْهَلَاكِ ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّأَلُّمِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ الْمُقْتَضِي لِلْقَوَدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ ، وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْغَزَالِيُّ لِلْأَلَمِ لَمْ يَضُرَّ ؛ لِأَنَّ الْوَرَمَ لَا يَخْلُو عَنْ الْأَلَمِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْأَلَمِ

لَكِنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ لَمْ يَضُرَّ أَيْ فِي مُرَادِ الْغَزَالِيِّ ، وَإِلَّا فَيَضُرُّ فِي الْحُكْمِ إذْ الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالْأَلَمِ ، وَإِنْ عُدِمَ الْوَرَمُ ( وَلَا أَثَرَ لِغَرْزِهَا فِي جِلْدَةِ الْعَقِبِ ) ، وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يَتَأَلَّمْ بِهِ لِعِلْمِنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِهِ ، وَالْمَوْتُ عَقِبَهُ مُوَافَقَةُ قَدْرٍ فَهُوَ ( كَمَنْ ضُرِبَ بِقَلَمٍ ) أَوْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ ( فَمَاتَ ، وَإِبَانَةُ الْفِلْقَةِ الْخَفِيفَةِ ) مِنْ اللَّحْمِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا مَعَ إسْكَانِ اللَّامِ فِيهِمَا ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ ( كَغَرْزِ الْإِبْرَةِ ) فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ .
( قَوْلُهُ : وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ ) ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ الصَّحِيحَ إذَا كَانَ يَقْتُلُ غَالِبًا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْوَرَمَ ) أَيْ النَّاشِئَ عَنْ الْجُرْحِ ( قَوْلُهُ : فَعُلِمَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْأَلَمِ ) يَكْفِي وُجُودُ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنَّ الْوَرَمَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ أَلَمٍ غَالِبًا ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الرَّافِعِيُّ : لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْغَزَالِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فِي جِلْدَةِ الْعَقِبِ ) خَرَجَ بِجِلْدَةِ الْعَقِبِ مَا إذَا جَاوَزَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ قَطْعًا .

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( ضَرَبَهُ بِمُثْقَلٍ يَقْتُلُ غَالِبًا ) كَحَجَرٍ وَدَبُّوسٍ كَبِيرَيْنِ ( أَوْ أَوَطْأَهُ دَابَّةً أَوْ عَصَرَ خُصْيَتَيْهِ ) عَصْرًا ( شَدِيدًا ) أَوْ دَفَنَهُ حَيًّا ( فَمَاتَ فَعَمْدٌ ) فَيَجِبُ الْقَوَدُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقَتَلَهَا فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ } ؛ وَلِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الْقَتْلَ بِالْمُحَدَّدِ ؛ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ الْقَوَدَ لَاُتُّخِذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى إهْلَاكِ النَّاسِ ( وَإِنْ ضَرَبَهُ بِجُمْعِ كَفِّهِ ) بِضَمِّ الْجِيمِ ، وَإِسْكَانِ الْمِيمِ ، وَهُوَ قَبْضُ الْكَفِّ أَيْ الْكَفُّ الْمَقْبُوضَةُ الْأَصَابِعِ ( أَوْ بِعَصًا خَفِيفَةٍ أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ فِي مَقْتَلٍ أَوْ وَالَى ضَرْبَهُ مَرَّاتٍ بِحَيْثُ يَضْرِبُهُ ) الضَّرْبَةَ ( الثَّانِيَةَ ، وَأَلَمُ الْأُولَى ، وَأَثَرُهَا بَاقٍ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( أَوْ ) لَمْ يُوَالِهِ لَكِنْ ( كَانَ ) الْمَضْرُوبُ ( صَغِيرًا أَوْ نَضْوًا ) أَيْ نَحِيفَ الْخِلْقَةِ ( أَوْ ضَعِيفًا لِمَرَضٍ أَوْ ) ضَرَبَهُ ( فِي ) شِدَّةِ ( حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ ) فِي غَيْرِهَا لَكِنْ ( اشْتَدَّ أَلَمُهُ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الضَّرْبَةِ ( مُدَّةً حَتَّى مَاتَ فَعَمْدٌ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُهْلِكٌ غَالِبًا سَوَاءٌ قَصَدَ الضَّارِبُ فِي الرَّابِعَةِ الْمُوَالَاةَ أَمْ لَا كَأَنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً ، وَقَصَدَ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَيْهَا فَشَتَمَهُ فَضَرَبَهُ ثَانِيَةً وَهَكَذَا ، وَلَا حَاجَةَ فِيهَا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَلَمِ وَالْأَثَرِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَإِنْ خَنَقَهُ ) أَوْ وَضَعَ عَلَى فَمِهِ يَدَهُ أَوْ مِخَدَّةً أَوْ نَحْوَهَا ( فَأَطَالَ حَتَّى مَاتَ أَوْ لَمْ ) يَمُتْ لَكِنْ ( انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ أَوْ ضَعُفَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ فَعَمْدٌ ، وَإِنْ زَالَ الْأَلَمُ ثُمَّ مَاتَ فَلَا شَيْءَ ) عَلَى الْفَاعِلِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ فِعْلِهِ ( ، وَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ ) أَيْ مُدَّةُ الْخَنْقِ أَوْ نَحْوِهِ ( بِحَيْثُ لَا يَمُوتُ ) مِثْلُهُ ( مِنْهَا

غَالِبًا فَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَلَوْ سَقَاهُ سُمًّا يَقْتُلُ كَثِيرًا لَا غَالِبًا فَكَغَرْزِ الْإِبْرَةِ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ ) أَيْ فَإِنْ مَاتَ فِي الْحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَإِنْ بَقِيَ مُتَأَلِّمًا مِنْهُ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ فَعَمْدٌ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي الْبَاطِنِ أَغْشِيَةً رَقِيقَةً تَنْقَطِعُ بِهِ فَأَشْبَهَ تَأْثِيرُهُ تَأْثِيرَ الْجَارِحِ فِي ظَاهِرِ الْبَدَنِ أَمَّا إذَا كَانَ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ كَغَرْزِ الْإِبْرَةِ بِمَقْتَلٍ .
( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَشِبْهُ عَمْدٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَقِبَ الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي لَا يَقْتُلُ مِثْلُهَا غَالِبًا كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ وَالْمُرَادُ مَا إذَا احْتَمَلَ مُؤْنَةً بِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ لِكَثْرَةِ الثِّيَابِ وَخِفَّةِ الضَّرْبَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ .

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ ) أَوْ الشَّرَابَ وَالطَّلَبُ لَهُ ( مُدَّةً يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا ) جُوعًا أَوْ عَطَشًا وَمَاتَ ( لَزِمَهُ الْقَوَدُ ) لِكَوْنِهِ عَمْدًا لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ بِهِ وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ الْمَحْبُوسِ قُوَّةً وَضَعْفًا وَالزَّمَانُ حَرًّا وَبَرْدًا فَفَقْدُ الْمَاءِ فِي الْحَرِّ لَيْسَ كَهُوَ فِي الْبَرْدِ ( وَكَذَا ) يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ ( إنْ سَبَقَ ) لَهُ ( جُوعٌ ) أَوْ عَطَشٌ وَكَانَتْ الْمُدَّتَانِ تَبْلُغَانِ الْمُدَّةَ الْقَاتِلَةَ ( وَعَلِمَهُ ) الْحَابِسُ لِمَا ذُكِرَ ( ، وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ ( لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ ) أَيْ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ إذْ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ ، وَلَا أَتَى بِمَا هُوَ مُهْلِكٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إنْسَانًا دَفْعًا خَفِيفًا فَسَقَطَ عَلَى سِكِّينٍ وَرَاءَهٌ ، وَهُوَ جَاهِلٌ لَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ النِّصْفُ ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بِالْجَوْعَيْنِ أَوْ بِالْعَطِشَيْنِ وَاَلَّذِي مِنْهُ أَحَدُهُمَا ( أَوْ ) فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ مُدَّةً ( لَا يَمُوتُ ) مِثْلُهُ ( فِيهَا غَالِبًا ، وَلَا جُوعَ بِهِ ) ، وَلَا عَطَشَ سَابِقَ وَمَاتَ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا ( وَإِنْ أَمْكَنَهُ ) أَيْ الْمَحْبُوسُ ( سُؤَالَ الطَّعَامِ وَتَرَكَهُ ) أَوْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَتَرَاكَهُ خَوْفًا أَوْ حُزْنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ مَنَعَهُ الشَّرَابَ فَتَرَكَ الْأَكْلَ خَوْفَ الْعَطَشِ أَوْ مَاتَ بِانْهِدَامِ السَّقْفِ عَلَيْهِ ) قَدْ ذَكَرَ الْمَوْتَ بَعْدُ فَالْأَوْلَى أَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ عَلَيْهِ ( وَهُوَ حُرٌّ أَوْ وَجَدَهُ فِي مَفَازَةٍ فَأَخَذَ طَعَامَهُ فَمَاتَ بِذَلِكَ فَهَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَيْتًا هُوَ جَالِسٌ فِيهِ حَتَّى مَاتَ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ نَعَمْ إنْ كَانَ التَّصْوِيرُ فِي مَفَازَةٍ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَهَذَا مُحْتَمَلٌ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِطُولِهَا

أَوْ لِزَمَانَةٍ ، وَلَا طَارِقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ كَالْمَحْبُوسِ .
انْتَهَى .
وَخَرَجَ بِالْحُرِّ الرَّقِيقُ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْيَدِ ( وَمَنْعُ الدِّفَاءِ فِي الْبَرْدِ كَمَنْعِ الطَّعَامِ ) فِيمَا ذُكِرَ ، وَلَوْ قَتَلَهُ بِالدُّخَانِ بِأَنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ وَسَدَّ مَنَافِذَهُ فَاجْتَمَعَ فِيهِ الدُّخَانُ وَضَاقَ نَفَسُهُ فَمَاتَ وَجَبَ الْقَوَدُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي .

( قَوْلُهُ : وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَوْ كَانَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَنَاوُلُهُ لِرَبْطِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ طُفُولِيَّةٍ لَا يَهْتَدِي مَعَهَا إلَى التَّنَاوُلِ ( قَوْلُهُ : وَالطَّلَبُ لَهُ ) مِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَا عِنْدَهُ ، وَكَانَ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِمَا وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَمَنَعَهُ عَمَّا إذَا كَانَا عِنْدَهُ ، وَأَمْكَنَهُ تَنَاوُلُهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ وَفِي حُكْمِ تَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عِنْدَهُ مَعَ إمْكَانِ تَنَاوُلِهِ مَا لَوْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ مِنْ غَيْرِ مُخَاطَرَةٍ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فِي الْعَمْدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ مُخَاطَرَةٌ يَجِبُ الْقَوَدُ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي مَعْنَاهُ مَا لَوْ أَمْكَنَهُ التَّفَلُّتُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إنْ سَبَقَ جُوعٌ وَعَلِمَ الْحَابِسُ ) فَإِنْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ لَزِمَهُ نِصْفُ دِيَةِ الْعَمْدِ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِالْجَوْعَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَمْكَنَهُ سُؤَالُ الطَّعَامِ ) أَيْ أَوْ الشَّرَابِ ( قَوْلُهُ : فَأَخَذَ طَعَامَهُ ) مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ إلَخْ ) هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْحَبْسِ الْمُنْعَدِمَةِ وَلَوْ غَصَّ بِالطَّعَامِ فَأَرَادَ الْمَاءَ فَمَنَعَهُ فَمَاتَ فَالْقَوَدُ قَالَهُ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمْنَعَهُ مَاءً أَوْ الْمَاءَ الْمُبَاحَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّصْوِيرُ فِيمَا إذَا ضَبَطَهُ وَمَنَعَهُ عَنْ الشُّرْبِ وَالْإِسَاغَةِ .
( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْعُبَابِ وَلَوْ وَضَعَ صَبِيًّا أَوْ شَيْخًا ضَعِيفًا أَوْ مَرِيضًا مُدْنَفًا بِمَفَازَةٍ فَمَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ بَرْدًا فَكَطَرْحِهِ بِمُغْرِقٍ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ) قَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ .

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَا لَهُ مَدْخَلٌ ) مِنْ الْأَفْعَالِ ( فِي الزُّهُوقِ ، وَهُوَ إمَّا شَرْطٌ ) ، وَهُوَ مَا ( لَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ ، وَلَا يُحَصِّلُهُ بَلْ ) يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ بِغَيْرِهِ ، وَ ( يَتَوَقَّفُ التَّأْثِيرُ ) أَيْ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْغَيْرِ ( عَلَيْهِ كَالْحَفْرِ مَعَ التَّرَدِّي ) فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ ، وَلَا يُحَصِّلُهُ ، وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ التَّخَطِّي فِي صَوْبِ الْحُفْرَةِ وَالْمُحَصِّلُ لِلتَّلَفِ التَّرَدِّي فِيهَا وَمُصَادَمَتُهَا لَكِنْ لَوْلَا الْحَفْرُ لَمَا حَصَلَ التَّلَفُ ، وَلِهَذَا سُمِّيَ شَرْطًا .
( وَ ) مِثْلُ ( الْإِمْسَاكِ لِلْقَاتِلِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ ) أَيْ فِي الشَّرْطِ ( وَإِمَّا عِلَّةٌ ) وَتُسَمَّى مُبَاشَرَةً ، وَهِيَ مَا ( تُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَتُحَصِّلُهُ كَالْجِرَاحِ السَّارِيَةِ ) وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ السَّابِقُ ( وَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِمَّا سَبَبٌ ) ، وَهُوَ مَا ( يُؤَثِّرُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْهَلَاكِ ( وَلَا يُحَصِّلُهُ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ ) الْأَوَّلُ ( حِسِّيٌّ كَالْإِكْرَاهِ ) عَلَى الْقَتْلِ ( فَفِيهِ الْقِصَاصُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْإِهْلَاكُ غَالِبًا ؛ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ دَاعِيَةَ الْقَتْلِ فِي الْمُكْرَهِ غَالِبًا لِيَدْفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ ( وَسَيَأْتِي ) بَيَانُهُ ( وَ ) الثَّانِي ( شَرْعِيٌّ كَالشَّهَادَةِ ) ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ تَسَبَّبُوا إلَى قَتْلِهِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَالْمُكْرَهِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُوَلِّدُ فِي الْقَاضِي دَاعِيَةَ الْقَتْلِ شَرْعًا كَمَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُوَلِّدُهَا حِسًّا ( فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ شُهُودِ الزُّورِ ) إذَا شَهِدُوا عَلَى إنْسَانٍ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ مَثَلًا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمْ ، وَقَتَلَهُ بِمُقْتَضَاهَا ( إلَّا إنْ اعْتَرَفُوا بِالتَّعَمُّدِ ) وَالْعِلْمِ بِأَنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا ( وَجَهِلَهُ الْوَلِيُّ فَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ ) دُونَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُلْجِئُوهُ - حِسًّا ، وَلَا شَرْعًا فَصَارَ قَوْلُهُمْ شَرْطًا مَحْضًا كَالْإِمْسَاكِ ( وَسَيَأْتِي ) بَيَانُ ذَلِكَ مَعَ

زِيَادَةٍ ( فِي الشَّهَادَاتِ وَالثَّالِثُ عُرْفِيٌّ كَتَقْدِيمِ ) طَعَامٍ ( مَسْمُومٍ ) لِمَنْ يَأْكُلُهُ ( فَإِنْ أَوْجَرَهُ سُمًّا ) صِرْفًا أَوْ مَخْلُوطًا ( يَقْتُلُ ) مِثْلَ الْمُوجَرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ ( غَالِبًا فَمَاتَ فَالْقِصَاصُ ) وَاجِبٌ سَوَاءٌ كَانَ السُّمُّ مُوحِيًا أَوْ غَيْرَ مُوحٍ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ فَلَا قِصَاصَ ( وَكَذَا ) يُوجِبُ الْقِصَاصَ ( إكْرَاهُ جَاهِلٍ ) بِأَنَّهُ سُمٌّ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى شُرْبِهِ لَهُ فَشَرِبَهُ وَمَاتَ ( لَا ) إكْرَاهُ ( عَالِمٍ ) بِذَلِكَ ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى إكْرَاهِهِ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِ سُمٍّ فَشَرِبَهُ ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ قَطْعًا ( فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ سُمًّا ) ، وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ ( فَقَوْلَانِ ) أَحَدُهُمَا لَا يُصَدَّقُ فَيَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ، وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَمُوتُ بِهَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَالثَّانِي يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى بِخِلَافِ الْجِرَاحَةِ الْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ صُدِّقَ ، وَإِلَّا فَلَا ( أَوْ بِكَوْنِهِ قَاتِلًا ) ، وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ ( فَالْقِصَاصُ ) وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سُمٌّ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يُوجِرَهُ ( وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ السُّمَّ الَّذِي أَوْجَرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا ) ، وَقَدْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا ( وَجَبَ الْقِصَاصُ ) فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَإِنْ سَاعَدَتْهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَمِنْهُ ) أَيْ مِنْ السَّبَبِ الْعُرْفِيِّ ( السِّحْرُ وَسَيَأْتِي ) بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فِي مُوجِبِ الدِّيَةِ وَحُكْمِ السِّحْرِ .

( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُوَلِّدُ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ ) قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا يَرُدُّ عَلَى حَصْرِهِ مَا إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ الْوَلِيُّ وَلَكِنْ رَجَعَ الْقَاضِي وَالشُّهُودُ ، وَقَالَ الْقَاضِي كُنْت عَالِمًا بِكَذِبِ الشُّهُودِ حِينَ حَكَمْت بِشَهَادَتِهِمْ بِالْقَتْلِ أَوْ حِينَ الْقَتْلِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الشُّهُودِ ، وَيَكُونُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قَتَلَ وَلَا أَثَرَ لِشَهَادَةِ الشُّهُودِ كَمَا فِي الْوَلِيِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّ فِي قَوْلِهِ الْوَلِيِّ إبْهَامًا فَإِنَّ الْوَلِيَّ يُوهِمُ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ وَوَلِيَّ الْقَاتِلِ فَلَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقَاتِلِ أَنَا أَعْلَمُ كَذِبَهُمَا فِي رُجُوعِهِمَا ، وَأَنَّ مُوَرِّثِي قُتِلَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ هَذِهِ الصُّورَةَ .
ا هـ .
وَهُوَ فِقْهٌ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَالثَّالِثُ عُرْفِيٌّ ) كَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ مِنْ الْعُرْفِيِّ السِّحْرِ وَسَيَأْتِي ( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ أَيْضًا هُوَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سُمٌّ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يُؤْجِرَهُ ) فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَهُ ، وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ السُّمَّ إلَخْ ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّ تَنَاوُلَ الْقَدْرِ الْفُلَانِيِّ مِنْ السُّمِّ يَقْتُلُ غَالِبًا وَلَمْ يَقُولَا إنَّ الْقَدْرَ الَّذِي تَنَاوَلَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى مَنْ قَدَّمَ إلَيْهِ السُّمَّ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَا إلَّا إذَا ظَهَرَ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْمَطْعُومُ قَدْرٌ يَقْتُلُ غَالِبًا .

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( أَضَافَ رَجُلًا عَاقِلًا ) الْأَوْلَى أَضَافَ عَاقِلًا ( بِمَسْمُومٍ أَوْ دَسَّ سُمًّا فِي طَعَامِ الرَّجُلِ ) الْمَذْكُورُ ( أَوْ ) فِي ( مَاءٍ فِي طَرِيقِهِ ) وَكَانَ ( يَتَنَاوَلُهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْ الطَّعَامِ وَالْمَاءِ ( غَالِبًا ) فَتَنَاوَلَهُ وَمَاتَ بِهِ ( فَلَا قِصَاصَ ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هَلَكَ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ حِسِّيٍّ ، وَلَا شَرْعِيٍّ مَعَ أَنَّ الْقِصَاصَ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ ( بَلْ ) تَجِبُ لَهُ ( الدِّيَةُ ) أَيْ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ ( إنْ جَهِلَ السُّمَّ ) ؛ لِأَنَّ الدَّاسَّ غَرَّهُ ، وَلَمْ يَقْصِدْ هُوَ إهْلَاكَ نَفْسِهِ فَأُحِيلَ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ يَتَنَاوَلُهُ نَادِرًا ( وَ ) تَجِبُ لَهُ ( قِيمَةُ الطَّعَامِ ) أَوْ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ الدَّاسَّ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ ( وَكَذَا إنْ غَطَّى بِئْرًا فِي دِهْلِيزِهِ وَدَعَاهُ ) إلَيْهِ أَوْ إلَى بَيْتِهِ ، وَكَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَمُرُّ عَلَيْهَا إذَا أَتَاهُ فَأَتَاهُ وَوَقَعَ فِيهَا وَمَاتَ بِذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ بَلْ لَهُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ إنْ جَهِلَ الْبِئْرَ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُغَطَّاةٍ أَوْ لَمْ يَدْعُهُ فَمُهْدَرٌ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ لَا يُبْصِرُهَا لِعَمًى أَوْ نَحْوِهِ فَشِبْهُ عَمْدٍ ( وَيُهْدَرُ آكِلُ مَسْمُومٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ ( وَإِنْ أَضَافَهُ أَوْ أَوْجَرَهُ ) مَسْمُومًا بِسُمٍّ يَقْتُلُ غَالِبًا ( ، وَهُوَ لَا يُمَيِّزُ ) لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ فَتَنَاوَلَهُ وَمَاتَ بِهِ ( فَالْقِصَاصُ ) وَاجِبٌ ، وَإِنْ قَالَ هُوَ مَسْمُومٌ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ ، وَوَقَعَ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَوْجَرَهُ صَوَابُهُ أَوْ نَاوَلَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ إذْ الْإِيجَارُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ

أَوَّلَ الضَّرْبِ الثَّالِثِ ( وَلَوْ قَالَ لِعَاقِلٍ كُلْهُ فَفِيهِ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَفِيهِ ( سُمٌّ لَا يَقْتُلُ فَأَكَلَهُ ) وَمَاتَ بِهِ ( فَلَا قِصَاصَ ) بَلْ ، وَلَا دِيَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ .

( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا كَانَ يَتَنَاوَلُهُ نَادِرًا ) فَهِمَهُ الشَّارِحُ كَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ غَالِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لِأَجْلِ جَرَيَانِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ بِجَرَيَانِ الْقِصَاصِ لَا لِأَجْلِ ضَمَانِ الدِّيَةِ وَهَذَا وَاضِحٌ ثُمَّ رَأَيْت الْبُلْقِينِيَّ قَالَ إنَّ الْقَيْدَ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ أَكْلَهُ مِنْهُ قَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ؛ لِأَنَّ الْمَأْكُولَ يُهْلِكُ غَالِبًا ، وَأَمَّا عَادَةُ الْأَكْلِ فَلَا أَثَرَ لَهَا .
ا هـ .
وَكَتَبَ أَيْضًا أَخَذَ الشَّارِحُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَتَنَاوَلُهُ غَالِبًا تَبَعًا لِأَخْذِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَهُ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ ، وَأَصْلِهَا الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ لِأَجْلِ جَرَيَانِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لَا لِإِهْدَارِهِ إذَا كَانَ نَادِرًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ قَوْلُهُ : الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَكْثَرُونَ .
ا هـ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ ؛ لِأَنَّ مَنْ رَمَى إلَى شَخْصٍ فَقَتْلُهُ لَا يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ الْإِصَابَةُ غَالِبَةً بَلْ الْعِبْرَةُ فِي الْمُرْمَى بِهِ أَنْ يَكُونَ سِلَاحًا يَنْهَرُ الدَّمَ ، وَيَشُقُّ اللَّحْمَ أَوْ غَيْرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا مِنْ غَيْرِ غَلَبَةِ الْإِصَابَةِ كَذَلِكَ هُنَا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا إنْ غَطَّى بِئْرًا فِي دِهْلِيزِهِ وَدَعَاهُ ) قَالَ الكوهكيلوني الْحَقُّ أَنَّهُ إذَا دَعَا إنْسَانًا إلَى دَارِهِ وَغَطَّى بِئْرًا فِي دِهْلِيزِ دَارِهِ وَالْغَالِبُ الْمَمَرُّ عَلَيْهِ فَوَقَعَ فِيهِ وَمَاتَ فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَجَمِيًّا يَرَى وُجُوبَ الطَّاعَةِ وَجَبَ الْقِصَاصُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمْ يَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي نَظِيرِهَا ، وَهُوَ إضَافَةُ مُكَلَّفٍ بِمَسْمُومٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ ) أَيْ كَأَعْجَمِيٍّ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ

الْأَذْرَعِيُّ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ وَمَنْ أَطْلَقَ الصَّبِيَّ كَأَنَّهُ اكْتَفَى بِقَرْنِهِ بِالْمَجْنُونِ وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ( قَوْلُهُ : صَوَابُهُ أَوْ نَاوَلَهُ ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الدَّبِيلِيُّ : لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا فِيهِ حَيَّةٌ مَلْفُوفَةٌ وَلَمْ يُخْبِرْهُ فَقَتَلَتْهُ فَلَا ضَمَانَ ، وَقِيلَ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ جَعَلَ السُّمَّ فِي طَعَامٍ فَتَنَاوَلَهُ

( فَصْلٌ : لَوْ أَلْقَى رَجُلًا لَا صَبِيًّا ) غَيْرَ مُمَيِّزٍ ( فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ أَوْ نَارٍ ، وَأَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ ) مِنْهُمَا بِسِبَاحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( فَقَصَّرَ ) كَأَنْ تَرَكَ السِّبَاحَةَ بِلَا عُذْرٍ ( فَهَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ بِإِعْرَاضِهِ عَمَّا يُنْجِيهِ ( وَإِنْ شَكَّ فِي ) إمْكَانِ ( تَخَلُّصِهِ ) بِأَنْ قَالَ الْمُلْقِي كَانَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِمَّا أَلْقَيْته فِيهِ فَقَصَّرَ ، وَقَالَ الْوَلِيُّ لَمْ يُمْكِنْهُ ( صُدِّقَ الْوَلِيُّ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ ( وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ ) مِنْهُ ( قَبْلَ التَّقْصِيرِ ) فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْمَاءِ وَالنَّارِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ فِي النَّارِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصُ لِصِغَرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا أَوْ لِضَعْفِهِ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ السِّبَاحَةَ أَوْ لِعِظَمِ الْمَاءِ وَالنَّارِ أَوْ لِنَحْوِهَا ، أَوْ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ لَكِنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ وَمَاتَ بِذَلِكَ ( فَالْقِصَاصُ ) وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُهْلِكٌ لِمِثْلِهِ ( وَإِنْ مَنَعَهُ السِّبَاحَةَ عَارِضُ رِيحٍ ، وَنَحْوُهُ ) كَمَوْجٍ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) فَفِيهِ دِيَتُهُ ( وَيُهْدَرُ مَقْصُودُ تَرْكِ الْعَصَبِ ) عَلَى مَحَلِّ الْفَصْدِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَ مَوْثُوقٌ بِهِ ، وَالْفَصْدَ لَيْسَ مُهْلِكًا ( بِخِلَافِ مَجْرُوحٍ ) جِرَاحَةً مُهْلِكَةً ( تَرَكَ الْعِلَاجَ ) لَهَا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُهْدَرُ بَلْ عَلَى جَارِحِهِ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْجِرَاحَةِ مُهْلِكٌ ؛ وَلِأَنَّ الْبُرْءَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ لَوْ عَالَجَ .

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( رَبَطَهُ ) وَطَرَحَهُ ( عِنْدَ مَاءٍ يَزِيدُ ) إلَيْهِ ( غَالِبًا فَزَادَ ) وَمَاتَ بِهِ ( فَعَمْدٌ ، أَوْ لَا يَزِيدُ ) فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ ( فَخَطَأٌ ، أَوْ قَدْ يَزِيدُ ) ، وَقَدْ لَا يَزِيدُ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) وَفِي مَعْنَى الرَّبْطِ عَدَمُ إمْكَانِ الِانْتِقَالِ لِنَحْوِ زَمَانَةٍ ، أَوْ طُفُولِيَّةٍ .
قَوْلُهُ : فَرْعٌ رَبَطَهُ عِنْدَ مَاءٍ يَزِيدُ غَالِبًا إلَخْ ) امْرَأَةٌ أَوْقَدَتْ نَارًا لِحَاجَتِهَا فَتَرَكَتْ وَلَدَهَا قَرِيبًا مِنْهَا وَذَهَبَتْ لِحَاجَةٍ فَقَرُبَ الطِّفْلُ مِنْ النَّارِ فَاحْتَرَقَ عُضْوٌ مِنْهُ قَالَ الْأَصْبَحِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إنْ تَرَكَتْهُ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْ النَّارِ لَا تُعَدُّ فِيهِ مُفَرِّطَةً فِي الْعَادَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا أَوْ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ بِحَيْثُ تُعَدُّ مُفَرِّطَةً فِي الْعَادَةِ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهَا ، وَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى نَظِيرٍ لِهَذَا .

( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي اجْتِمَاعِ الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ ، أَوْ الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ يَسْقُطُ ) أَثَرُهُ ( مَعَ الْمُبَاشَرَةِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ ) فِيمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا ، وَلَوْ عُدْوَانًا فَرَدَى غَيْرُهُ فِيهَا آخَرَ ( عَلَى الْمُرْدِي لَا الْحَافِرِ ، وَ ) فِيمَا لَوْ أَمْسَكَهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ عَلَى ( الْقَاتِلِ لَا الْمُمْسِكِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أَقْوَى مِنْ الشَّرْطِ نَعَمْ إنْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ تَعَلُّقِ الْقِصَاصِ بِهَا كَأَنْ كَانَ الْقَاتِلُ مَجْنُونًا ، أَوْ سَبُعًا ضَارِيًا تَعَلَّقَ بِالْمُمْسِكِ ( بَلْ يَأْثَمُ ) كُلٌّ مِنْ الْحَافِرِ عُدْوَانًا وَالْمُمْسِكِ ( وَيُعَزَّرُ ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا ، وَلَا كَفَّارَةَ ( وَيَضْمَنُ الْعَبْدُ ) وَالْمُمْسِكُ لِلْقَتْلِ ( بِالْإِمْسَاكِ ) أَيْ يَضْمَنُهُ الْمُمْسِكُ إذَا مَاتَ ( وَالْقَرَارُ عَلَى الْقَاتِلِ وَيُقْتَصُّ مِنْ وَاضِعِ الصَّبِيِّ عَلَى الْهَدَفِ بَعْدَ الرَّمْيِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ كَالْمُرْدِي وَالرَّامِي كَالْحَافِرِ ( لَا قَبْلَهُ ) فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بَلْ مِنْ الرَّامِي ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ .
( وَالسَّبَبُ قَدْ يَغْلِبُ الْمُبَاشَرَةَ وَيَسْقُطُ الْإِثْمُ ) عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِأَنْ أَخْرَجَهَا عَنْ كَوْنِهَا عُدْوَانًا مَعَ تَوْلِيدِهِ لَهَا ( كَالشُّهُودِ ) الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى شَخْصٍ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَقَتَلَهُ الْقَاضِي ، أَوْ الْجَلَّادُ ، أَوْ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ ، أَوْ وَكِيلُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ زُورٌ وَاعْتَرَفُوا بِاَلَّتِي عَمَدِ وَالْعِلْمِ ( فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ ) دُونَ الْقَاضِي وَالْوَلِيِّ وَنَائِبِهِمَا ، وَقَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الْإِثْمُ أَيْ يَمْنَعُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَقَدْ تَغْلِبُهُ الْمُبَاشَرَةُ كَمَنْ أَلْقَى رَجُلًا فِي ) مَاءٍ ( مُغْرِقٍ ) لَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ ( فَقَدَّهُ آخَرُ بِالسَّيْفِ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَادِّ ) الْمُلْتَزِمِ لِلْأَحْكَامِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْقِي ، وَإِنْ عَرَفَ الْحَالَ ، أَوْ كَانَ الْقَادُّ مِمَّنْ لَا يَضْمَنُ كَحَرْبِيٍّ ( فَإِنْ الْتَقَمَهُ حُوتٌ ) ،

وَلَوْ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَاءِ ( فَعَلَى الْمُلْقِي ) الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ أَلْقَاهُ فِي مَهْلَكٍ ، وَقَدْ هَلَكَ بِسَبَبِ إلْقَائِهِ ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي هَلَكَ بِهَا ؛ وَلِأَنَّ لُجَّةَ الْبَحْرِ مَعْدِنُ الْحُوتِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَتَّفَهُ ، وَحَذَفَهُ لِلسَّبُعِ وَفَارَقَ صُورَةَ الْقَدِّ السَّابِقَةِ بِأَنَّ الْقَدَّ صَدَرَ مِنْ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يَفْعَلُ بِرَأْيِهِ فَقَطَعَ أَثَرَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ ، وَالْحُوتُ يَلْتَقِمُ بِطَبْعِهِ كَالسَّبُعِ الضَّارِي فَهُوَ كَالْآلَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُغْرِقِ قَيْدٌ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( كَمَنْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ فِيهَا سِكِّينٌ مَنْصُوبٌ ، أَوْ حَيَّةٌ ، أَوْ مَجْنُونٌ ) ، وَكَانَا ( ضَارِيَيْنِ ) فَمَاتَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُلْقِي ؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ وَالسِّكِّينُ وَالضَّارِي كَالْآلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الطَّارِئُ فِعْلَ مَنْ لَهُ رَوِيَّةٌ ( وَغَيْرُ الضَّارِي كَالْعَاقِلِ ) فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ الْمُرْدِي ( فَإِنْ الْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَالْمَاءُ قَلِيلٌ ) أَيْ غَيْرُ مُغْرِقٍ ( أَوْ دَفَعَهُ دَفْعًا خَفِيفًا فَوَقَعَ عَلَى سِكِّينٍ فَجَرَحَتْهُ ) ، وَ ( لَمْ يَعْلَمْهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْحُوتِ وَالسِّكِّينِ ( الدَّافِعُ ) وَمَاتَ بِذَلِكَ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) فَفِيهِ دِيَتُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ ، وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَ الْهَلَاكِ فَإِنْ عَلِمَهُ فَعَمْدٌ ( وَقَدْ يَعْتَدِلَانِ ) أَيْ السَّبَبُ وَالْمُبَاشَرَةُ ( كَالْإِكْرَاهِ ) عَلَى الْقَتْلِ ، وَلَوْ مِنْ السُّلْطَانِ ( فَيُقْتَصُّ مِنْ الْآمِرِ وَكَذَا ) مِنْ ( الْمَأْمُورِ كَمُضْطَرٍّ قَتَلَ إنْسَانًا لِيَأْكُلَهُ ) فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ ؛ وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُوَلِّدُ فِي الْمُكْرَهِ دَاعِيَةَ الْقَتْلِ غَالِبًا لَهُ لِيَدْفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَقَدْ آثَرَهَا بِالْبَقَاءِ فَصَارَا شَرِيكَيْنِ ، وَلَا يُشْبِهُ قَتْلَ الصَّائِلِ فَإِنَّهُ بِالصِّيَالِ مُتَعَدٍّ فَمُكِّنَ مِنْ دَفْعِهِ وَلِهَذَا لَا يَأْثَمُ بِقَتْلِهِ .
وَالْمُكْرَهُ يَأْثَمُ كَمَا يَأْثَمُ

الْمُخْتَارُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّنْظِيرِ بِمَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ .
فَلَوْ آلَ الْأَمْرُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ إلَى الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَى الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ كَالشَّرِيكَيْنِ وَلِلْوَلِيِّ فِيمَا إذَا لَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَأْخُذَ نِصْفَ الدِّيَةِ مِنْ الْآخَرِ ( فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُكَافِئٍ ) لِلْمَقْتُولِ ( فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ ) لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِلْقَتْلِ آثِمٌ ( وَعَلَى الْآخَرِ ) ، وَهُوَ الْمُكَافِئُ ( الْقِصَاصُ ) كَشَرِيكِ الْأَبِ ( كَأَنْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَلَى قَتْلِ ذِمِّيٍّ ، أَوْ حُرٌّ عَبْدًا عَلَى قَتْلِ عَبْدٍ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْعَبْدِ ) فِي الثَّانِيَةِ ( وَالذِّمِّيِّ ) فِي الْأُولَى ( وَعَلَى الْآخَرِ ) ، وَهُوَ الْحُرُّ فِي الثَّانِيَةِ وَالْمُسْلِمِ فِي الْأُولَى ( نِصْفُ الضَّمَانِ ) ، وَكَأَنْ أَكْرَهَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا عَلَى قَتْلِ ذِمِّيٍّ ، أَوْ عَبْدٌ حُرًّا عَلَى قَتْلِ عَبْدٍ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ وَعَلَى الْمَأْمُورِ نِصْفُ الضَّمَانِ ( وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا ) مُمَيِّزًا ( أَوْ الْمَأْمُورُ ) بِالرَّمْيِ إلَى شَاخِصٍ ( جَاهِلًا كَوْنَهُ آدَمِيًّا فَالْقِصَاصُ عَلَى الْبَالِغِ ) فِي الْأُولَى بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ عَمْدٌ .
( وَ ) عَلَى ( الْآمِرِ ) فِي الثَّانِيَةِ ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَطَأَ نَتِيجَةُ إكْرَاهِهِ فَجُعِلَ عَمْدًا فِي حَقِّهِ ، وَالْمَأْمُورُ كَالْآلَةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ لِظَنِّهِ الْحِلَّ ( لَكِنْ لَا دِيَةَ عَلَى الْجَاهِلِ ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ إذْ هُوَ كَالْآلَةِ ) ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فِي الْأُولَى فَفِي مَالِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً كَمَا سَيَأْتِي وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا دِيَةَ أَيْ لَا يَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْجَاهِلِ هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ يُؤْخَذَانِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ وُجُوبُ نِصْفِهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةً ، وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَنْوَارِ ، وَلَوْ تَرَكَ

الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ الْمَأْمُورُ ، وَأَبْدَلَ قَوْلَهُ وَالْآمِرِ بِقَوْلِهِ وَالْعَالِمَ كَانَ أَعَمَّ لَكِنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ أَصْلَهُ ( فَإِنْ كَانَا مُخْطِئَيْنِ ) فِيمَا ذُكِرَ بِأَنْ جَهِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَوْنَ الْمَرْمِيِّ آدَمِيًّا ( فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُهَا ) مُخَفَّفَةً فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَا قَتْلَهُ ( وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ ، أَوْ نُزُولِ بِئْرٍ ) فَفَعَلَ ( فَزَلَقَ ) فَمَاتَ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) فَلَا قِصَاصَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقَتْلَ غَالِبًا وَمَحِلُّ كَوْنِهِ شِبْهَ عَمْدٍ فِي صُعُودِ الشَّجَرَةِ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا ، وَإِلَّا فَخَطَأٌ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ نُكَتِ الْوَسِيطِ لِلنَّوَوِيِّ .

( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أَقْوَى مِنْ الشَّرْطِ ) وَلِخَبَرِ { إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَجَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ قُتِلَ الْقَاتِلُ وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ } أَيْ تَأْدِيبًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ إسْنَادَهُ ، وَقَاسَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مُمْسِكِ الْمَرْأَةِ لِلزِّنَا يُحَدُّ الزَّانِي دُونَهُ ( قَوْلُهُ : تَعَلَّقَ بِالْمُمْسِكِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاتِلَهُ عُرْفًا حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ شَيْخُنَا : وَلِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ هُنَا غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ مَعَهَا مَثَلًا فَلَا يُخَالِفُ مَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ : لَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ ) أَيْ فِي الْأَغْلَبِ ( قَوْلُهُ : وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْقِي ، وَإِنْ عَرَفَ الْحَالَ إلَخْ ) أَيْ لِصَيْرُورَةِ إلْقَائِهِ بِطُرُوِّ مُبَاشَرَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ شَرْطًا مَحْضًا قَالَ شَيْخُنَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ بِقَلِيلٍ فِي قَوْلِهِ نَعَمْ إنْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ تَعَلُّقِ الْقِصَاصِ بِهَا كَأَنْ كَانَ الْقَاتِلُ مَجْنُونًا أَوْ سَبُعًا ضَارِبًا تَعَلَّقَ بِالْمُمْسِكِ ، وَإِنْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْمُخَالَفَةَ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ الْتَقَمَهُ حُوتٌ فَعَلَى الْمُلْقِي الْقِصَاصُ ) لَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ لَقَطَهُ الْحُوتُ سَالِمًا لَمْ يَلْزَمْ الْمُقْتَصَّ قِصَاصٌ وَتَلْزَمُهُ دِيَةُ الْمُلْقِي فِي مَالِهِ قَالَ شَيْخُنَا دِيَةُ عَمْدٍ ( قَوْلُهُ : وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُغْرِقِ ) قَيْدٌ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى غَيْرُ الْمُغْرِقِ فِيهَا مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى ( قَوْلُهُ : كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ ) وَلَوْ مِنْ السُّلْطَانِ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَتْلِ أَوْ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ كَالْقَطْعِ وَالْجُرْحِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ ، وَفِي الصَّغِيرِ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الْإِكْرَاهَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَفِي الْبَحْرِ لَوْ كَتَبَ كِتَابًا بِقَتْلِ رَجُلٍ وَالْكَاتِبُ ذُو قُوَّةٍ وَلَا يَخْلُصُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَّا بِامْتِثَالِهِ

فَكَاللَّفْظِ ( قَوْلُهُ : فَيُقْتَصُّ مِنْ الْآمِرِ ) لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا أَكْرَهَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ لَكَفَّ عَنْ الْإِكْرَاهِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا الْمَأْمُورُ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ إيجَابَهُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَالَةِ الدَّهْشِ وَالْغَلَبَةِ فَإِنْ أَفْرَطَ فَزَعُهُ بِحَيْثُ أَسْقَطَ اخْتِيَارَهُ فَيَكُونُ آلَةً وَلَا قَوَدَ جَزْمًا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ ، وَكَتَبَ أَيْضًا عَنْ الْبَغَوِيّ مَا يُفْهِمُ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرَهِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ لَهُ الْإِقْدَامَ أَمَّا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يُبِيحُهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ آلَةً ، وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ جَزْمًا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْقُوتِ فَعَلَى هَذَا يُقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ .
ا هـ .
الْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ ( قَوْلُهُ : كَأَنْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا إلَخْ ) لَوْ أَكْرَهَ أَجْنَبِيًّا الْأَبُ عَلَى قَتْلِ وَلَدِهِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ فَقَطْ ، وَفِي عَكْسِهِ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ ، وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلٍ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ ، وَقُلْنَا الْمُغَلَّبُ فِيهِ مَعْنَى الْحَدِّ ، وَقُلْنَا لَا أَثَرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْقَتْلِ فَهَلْ يُقْتَلُ الْمَأْمُورُ أَمْ لَا فَأَجَابَ نَعَمْ يُقْتَلُ الْمَأْمُورُ قَطْعًا ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا مُمَيِّزًا ) أَوْ مَجْنُونًا لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ .
( فَرْعٌ ) لَوْ أَمَرَ صَغِيرًا يَسْتَقِي لَهُ مَاءً فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ وَمَاتَ فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا يُسْتَعْمَلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ هَدَرٌ ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ عَاقِلَةُ الْآمِرِ ، وَلَوْ قَرَصَ مَنْ يَحْمِلُ رَجُلًا فَتَحَرَّكَ ، وَسَقَطَ الْمَحْمُولُ فَكَإِكْرَاهِهِ عَلَى إلْقَائِهِ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّ الْأَوْجُهَ وُجُوبُ نِصْفِهَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ ) عَنْ نُكَتِ الْوَسِيطِ لِلنَّوَوِيِّ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ

النَّوَوِيُّ قَوْلَ الْوَسِيطِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَقِبَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ ، وَقِيلَ عَمْدٌ هَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا يُزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَخَطَأٌ ، وَهُوَ وَاضِحٌ .
ا هـ .
مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ عَمْدٌ فَقَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَخَطَأٌ أَيْ خَطَأُ عَمْدٍ ، وَهُوَ بِمَعْنَى شِبْهِ الْعَمْدِ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَقَالَ ابْنُ السُّكَّرِيِّ فِي حَوَاشِيهِ : التَّحْقِيقُ أَنَّ نُزُولَ الْبِئْرِ وَصُعُودَ الشَّجَرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْلَمُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ غَالِبًا فَيَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْلَمُ مِنْهُ غَالِبًا فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ .
ا هـ .

( فَرْعٌ : لَوْ قَالَ ) لِمُمَيِّزٍ ( اُقْتُلْ نَفْسَك ، أَوْ قَالَ ) لَهُ ( اشْرَبْ هَذَا السُّمَّ ، وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَ ) نَفْسَهُ ( أَوْ شَرِبَ ) السُّمَّ فَمَاتَ ( فَلَا قِصَاصَ ) عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ مَا جَرَى لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ حَقِيقَةً إذْ الْمُكْرَهُ مَنْ يَتَخَلَّصُ بِمَا أُمِرَ بِهِ عَمَّا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْهِ ، وَهُنَا اتَّحَدَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالْمُخَوَّفُ بِهِ فَكَأَنَّهُ اخْتَارَهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لَوْ هَدَّدَهُ بِقَتْلٍ يَتَضَمَّنُ تَعْذِيبًا شَدِيدًا لَوْ لَمْ يَقْتُلْ نَفْسَهُ كَانَ إكْرَاهًا ( وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ ) كَذَا قَالَهُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا سَقَطَ لِانْتِفَاءِ الْإِكْرَاهِ فَيَنْتَفِي مُوجِبُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى فَاعِلِهِ شَيْءٌ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ عَلَى الصَّوَابِ ( وَلَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدَك ، وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَطَعَهَا اُقْتُصَّ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ ( وَإِنْ قَالَ اُقْتُلْنِي ، أَوْ اقْطَعْ يَدِي ، أَوْ اقْذِفْنِي ) مَعَ قَوْلِهِ ، وَإِلَّا - قَتَلْتُك ، أَوْ بِدُونِهِ فَفَعَلَ ( فَهَدَرٌ ) لِإِذْنِهِ لَهُ فِيهِ فَصَارَ كَإِتْلَافِ مَالِهِ بِإِذْنِهِ ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ ( ، وَإِذْنُ الْعَبْدِ ) فِي قَتْلِهِ ، أَوْ قَطْعِ يَدِهِ مَثَلًا ( لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ السَّيِّدِ ( وَهَلْ يَسْقُطُ ) الْأَوْلَى يَجِبُ ( الْقِصَاصُ ) فِيمَا إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ عَبْدًا أَيْضًا ( وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا يَجِبُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ( وَلِلْمَأْمُورِ ) بِالْقَتْلِ ( دَفْعُ الْمُكْرِهِ وَلِلثَّالِثِ ) ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ ( دَفْعُهُمَا ) أَيْ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ ( وَإِنْ أَفْضَى ) الدَّفْعُ فِي الثَّلَاثِ ( إلَى الْقَتْلِ فَهَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ صَائِلٌ فِيهَا .

( قَوْلُهُ : أَوْ قَالَ اشْرَبْ هَذَا السُّمَّ ، وَإِلَّا قَتَلْتُك إلَخْ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِ سُمٍّ يَعْرِفُهُ وَشَرِبَهُ وَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ : وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ الزَّازِ لِتَخَلُّصِهِ عَنْ الْأَشَدِّ بِالشَّدِيدِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ كَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ عَلَى الصَّوَابِ ) الْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ شَرِيكٌ ، وَإِنْ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الْمُكْرِهِ قَتْلَ نَفْسِهِ قَوْلُهُ : وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ ) أَيْ الْقَتْلِ ، وَقَطْعِ الْيَدِ ، وَكَذَا الْقَذْفُ حَيْثُ لَا إكْرَاهَ فَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِ غَيْرِهِ اُقْتُلْ عَبْدِي فَقَتَلَهُ هَدَرٌ ، وَإِنْ جَرَحَهُ فَمَاتَ فَوَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا عَدَمُ ضَمَانِهِ ( قَوْلُهُ : أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ كَالْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ .

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( قَالَ اُقْتُلْ زَيْدًا ، أَوْ عَمْرًا ) ، وَإِلَّا قَتَلْتُك ( فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ ) بَلْ تَخْيِيرٌ فَمَنْ قَتَلَهُ مِنْهُمَا كَانَ مُخْتَارًا لِقَتْلِهِ ، وَإِنَّمَا الْمُكْرَهُ مَنْ حَمَلَ عَلَى قَتْلِ مُعَيَّنٍ لَا يَجِدُ عَنْهُ مَحِيصًا فَيَلْزَمُ الْقَاتِلَ الْقِصَاصُ ، أَوْ الدِّيَةُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ غَيْرَ الْإِثْمِ ( وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى إكْرَاهِ غَيْرِهِ ) عَلَى أَنْ يَقْتُلَ رَابِعًا فَفَعَلَا ( اقْتَصَّ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ ( وَلَوْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ ) فَقَتَلَهُ غَيْرَ ظَانٍّ أَنَّ الْإِمَامَ ظَالِمٌ ( فَبَانَ ظَالِمًا اُقْتُصَّ مِنْ الْإِمَامِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ ( دُونَهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِحَقٍّ ؛ وَلِأَنَّ طَاعَتَهُ وَاجِبَةٌ فِيمَا لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ ( وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُكَفِّرَ ) لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ ( وَكَذَا زَعِيمُ الْبُغَاةِ ) أَيْ سَيِّدُهُمْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِمَامِ فِيمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ نَافِذَةٌ ( فَلَوْ عَلِمَ ) مَأْمُورُ كُلٍّ مِنْهُمَا ( بِظُلْمِهِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ ) أَيْ اُقْتُصَّ مِنْ الْمَأْمُورِ دُونَ الْآمِرِ ( إنْ لَمْ يَخَفْ سَطْوَتَهُ ) عَلَيْهِ أَيْ قَهْرَهُ بِالْبَطْشِ ، وَالْمُرَادُ سَطْوَتُهُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ ( وَإِنْ خَافَهَا ) ( فَكَالْمُكْرَهِ ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ مُتَغَلِّبٌ لَمْ يَجُزْ امْتِثَالُ أَمْرِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْصِيَةٍ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، لَكِنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ حَقِيقَتَهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ ، وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ ، وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ إلَّا الْإِثْمُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْتَقِدَهُ حَقًّا ، أَوْ يَعْرِفَ أَنَّهُ ظُلْمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ الطَّاعَةِ .
انْتَهَى .
هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ سَطْوَتَهُ ( فَإِنْ خَافَ سَطْوَتَهُ فَكَالْمُكْرَهِ ) فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا تَنْزِيلًا لِأَمْرِهِ بِالْقَتْلِ حِينَئِذٍ

مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ إذْ الْمَعْلُومُ كَالْمَلْفُوظِ الْمُصَرَّح بِهِ ( وَإِنْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِصُعُودِ شَجَرَةٍ ) ، أَوْ بِنُزُولِ بِئْرٍ فَفَعَلَ ( فَهَلَكَ ) بِذَلِكَ ( فَإِنْ لَمْ يَخَفْ سَطْوَتَهُ فَلَا ضَمَانَ ) عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ خَافَهَا ) ( فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ ) ذَلِكَ ( لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى صُعُودِهَا ) أَيْ الشَّجَرَةِ ، أَوْ عَلَى نُزُولِ الْبِئْرِ ( غَيْرُ الْإِمَامِ ) فَفَعَلَ فَهَلَكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ ، أَوْ خَطَأٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ قُبَيْلَ الْفَرْعِ السَّابِقِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا تَنْظِيرًا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا .
( قَوْلُهُ : فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ ) شَمِلَ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الْمُكْرَهِ إلَّا بِالْقَتْلِ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِحَقٍّ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُنَا الظَّلَمَةَ الْمُسْتَوْلِينَ عَلَى الرِّقَابِ وَالْأَمْوَالِ الْمُمَزِّقِينَ لَهُمْ كَالسِّبَاعِ وَالْمُنْتَهِبِينَ لِأَمْوَالِهِمْ كَأَهْلِ الْحَرْبِ إذَا ظَفِرُوا بِالْمُسْلِمِينَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْإِمَامُ الْعَادِلُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مِنْهُ الظُّلْمُ وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ خَافَ سَطْوَتَهُ فَكَالْمُكْرَهِ ) هَلْ كَتْبُهُ إلَى مَنْ يَقْتُلُهُ كَأَمْرِهِ لَفْظًا فِيهِ تَرَدُّدٌ ، الرَّاجِحُ مِنْهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ نَظَرًا لِلْعُرْفِ

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( أَمَرَ ) إنْسَانٌ ( عَبْدَهُ ) ، أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ الْمُمَيِّزَ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَتِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ ( بِقَتْلٍ ، أَوْ إتْلَافٍ ) لِغَيْرِهِ ظُلْمًا فَفَعَلَ ( أَثِمَ ) الْآمِرُ لِإِتْيَانِهِ بِمَعْصِيَةٍ ( وَاقْتُصَّ مِنْ الْعَبْدِ وَتَعَلَّقَ الضَّمَانُ ) أَيْ ضَمَانُ الْمَالِ ( بِرَقَبَتِهِ ، وَإِنْ أَمَرَ صَبِيًّا غَيْرَ مُمَيِّزٍ ، أَوْ مَجْنُونًا ضَارِيًا ، أَوْ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَتِهِ ) فِيمَا ذُكِرَ بِقَتْلٍ ، أَوْ إتْلَافٍ فَفَعَلَ ( فَالْقِصَاصُ ) ، أَوْ الْمَالُ ( عَلَى الْآمِرِ ) وَلِيًّا كَانَ ، أَوْ أَجْنَبِيًّا عَبْدًا ، أَوْ حُرًّا ضَاقَ الْمَكَانُ ، أَوْ اتَّسَعَ ( عَبْدًا كَانَ الْمَأْمُورُ ، أَوْ حُرًّا ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَذِمَّتِهِ مَالٌ ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَغْرَى بَهِيمَةً عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَتْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَمَانٌ ، وَذِكْرُ الْأَعْجَمِيِّ الْحُرِّ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَإِنْ أَمَرَ ) إنْسَانٌ ( أَحَدَ هَؤُلَاءِ بِقَتْلِ نَفْسِهِ ) فَقَتَلَهَا ( اُقْتُصَّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْآمِرِ ( لَا فِي ) صُورَةِ ( الْأَعْجَمِيِّ ) فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ آمِرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الطَّاعَةِ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ بِحَالٍ ( نَعَمْ إنْ أَمَرَهُ ) بِبَطِّ جُرْحِهِ ، أَوْ ( بِفَتْحِ عِرْقِهِ الْقَاتِلِ ) بِأَنْ كَانَ بِمَقْتَلٍ فَفَعَلَ ( وَجَهِلَهُ ) أَيْ وَجَهِلَ كَوْنَهُ قَاتِلًا ( ضَمِنَ ) الْآمِرُ ؛ لِأَنَّ الْأَعْجَمِيَّ حِينَئِذٍ لَا يَظُنُّهُ قَاتِلًا فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ أَمَّا إذَا عَلِمَهُ قَاتِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى آمِرِهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَجَهْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ تَمْيِيزٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَهُ ) أَيْ الْآمِرِ ( وَمَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ بِلَا أَمْرٍ فَخَطَأٌ لَا هَدَرٌ ) فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ إنْ كَانَ عَبْدًا وَبِذِمَّتِهِ إنْ كَانَ حُرًّا ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ أَنَّهُ هَدَرٌ فَعَدَلَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا قَالَهُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ

فِي الرَّضَاعِ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا دَبَّ وَارْتَضَعَ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ لَزِمَهُ الْغُرْمُ وَلِمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى شَرِيكِ السَّبْعِ .
( قَوْلُهُ : وَبِذِمَّتِهِ إنْ كَانَ حُرًّا ) هَذَا مَحْمَلُ كَلَامِ الْأَصْلِ

( فَرْعٌ : إذَا أَكْرَهَ عَبْدًا مُرَاهِقًا ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ مُمَيِّزًا عَلَى قَتْلٍ مَثَلًا فَفَعَلَ ( تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ ) أَيْ نِصْفُهَا ( بِرَقَبَتِهِ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْمُكْرَهَ الْحُرَّ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ .

( فَصْلٌ ) فِيمَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ وَمَا لَا يُبَاحُ بِهِ ( لَا يُبَاحُ الْقَتْلُ ) الْمُحَرَّمُ لِذَاتِهِ ( وَ ) لَا ( الزِّنَا بِالْإِكْرَاهِ ) لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْغَيْرِ .
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِهِ الْقَذْفُ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ تَصَوُّرُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا إذْ الِانْتِشَارُ الْمُتَعَلِّقُ بِالشَّهْوَةِ لَيْسَ شَرْطًا لِلزِّنَا بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْإِيلَاجِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُنَافِيهِ أَمَّا الْقَتْلُ الْمُحَرَّمُ لِغَيْرِهِ كَقَتْلِ صِبْيَانِ الْكُفَّارِ ، وَنِسَائِهِمْ فَيُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ( وَيُبَاحُ بِهِ الْخَمْرُ ) أَيْ شُرْبُهُ اسْتِبْقَاءً لِلْمُهْجَةِ كَمَا يُبَاحُ لِمَنْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَنْ يُسِيغَهَا بِخَمْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا ( وَ ) يُبَاحُ بِهِ ( تَرْكُ الْفَرِيضَةِ ) كَالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الصَّوْمِ بِهِ ( وَ ) يُبَاحُ بِهِ ( كَلِمَةُ الْكُفْرِ ) أَيْ التَّكَلُّمُ بِهَا وَالْقَلْبُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } ( وَالِامْتِنَاعُ ) مِنْ التَّكَلُّمِ بِهَا ( أَفْضَلُ ) ، وَإِنْ قُتِلَ مُصَابَرَةً وَثَبَاتًا عَلَى الدِّينِ كَمَا يُعَرِّضُ النَّفْسَ لِلْقَتْلِ جِهَادًا ( وَيُبَاحُ بِهِ ) بَلْ يَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ ( إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَصَيْدُ الْحَرَمِ ) ؛ لِأَنَّ لَهُمَا بَدَلًا كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَيَضْمَنُهُمَا ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ الْمَالَ وَالصَّيْدَ ( وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرِهِ ) لِتَعَدِّيهِ ( وَلَيْسَ لِلْغَيْرِ ) ، وَهُوَ الْمَالِكُ ( دَفْعُهُ ) أَيْ الْمُكْرَهِ ( عَنْ مَالِهِ بَلْ يَجِبُ ) عَلَيْهِ ( أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ ) كَمَا يُنَاوِلُ الْمُضْطَرَّ طَعَامَهُ ( وَلَهُمَا ) أَيْ الْمُكْرَهِ وَالْمَالِكُ ( دَفْعُ الْمُكْرِهِ ) بِمَا أَمْكَنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ صَائِلٌ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ غَيْرَ الْمَالِكِ مِنْ وَكِيلٍ وَغَيْرِهِ كَالْمَالِكِ فِيمَا ذُكِرَ .

( فَصْلٌ ) لَا يُبَاحُ الْقَتْلُ ، وَلَا الزِّنَا بِالْإِكْرَاهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْكُفْرِ لَا يُوجِبُ وُقُوعَ مَفْسَدَةِ الْكُفْرِ إذْ الْكُفْرُ الَّذِي يُوجِبُ الْمَفْسَدَةَ إنَّمَا هُوَ الْكُفْرُ بِالْقَلْبِ بِخِلَافِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَفْسَدَةَ قَالَ النَّاشِرِيُّ : وَمُتَعَلِّقَاتُ الزِّنَا كَالزِّنَا وَالْقَطْعِ ، وَإِزَالَةُ اللَّطَائِفِ وَالْمَنَافِعِ مِثْلُ الْقَتْلِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ إتْلَافُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ وَانْتِهَاكِ الْبُضْعِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِهِ الْقَذْفُ أَيْضًا ) أَيْ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُتَّجَهُ وُجُوبُ التَّلَفُّظِ بِهِ حِينَئِذٍ .
ا هـ .
وَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا حَدَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَرُمَ قَتْلُهُمْ لِأَجْلِ الْمَالِ ، وَأَبْدَى الْبُلْقِينِيُّ فِي الْمُرْتَدِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ تَرَدُّدًا مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ فَقَالَ هَلْ نَقُولُ يُبَاحُ قَتْلُهُمَا بِالْإِكْرَاهِ أَوْ نَقُولُ إنَّمَا هَذَا مَنْصِبُ الْإِمَامَةِ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَمَنْصِبُ الْإِمَامَةِ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ ؛ لِأَنَّ الِافْتِيَاتَ عَلَى الْإِمَامِ إنَّمَا يُلَامُ عَلَيْهِ الْمُخْتَارُ ( قَوْلُهُ : وَيُبَاحُ بِهِ كَلِمَةُ الْكُفْرِ ) أَيْ التَّكَلُّمُ بِهَا إلَخْ ، وَلَا يَجِبُ إذْ بَذْلُ النُّفُوسِ فِي إعْزَازِ الدِّينِ مَشْرُوعٌ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَظْهَرُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ إذَا كَانَ فِيهِ صِيَانَةٌ لِلْحُرُمِ وَالذُّرِّيَّةِ ، وَعُلِمَ أَنَّ الصَّبْرَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَتِهِمْ أَوْ اسْتِئْصَالِهِمْ ، وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ أَوْ أَعْظَمُ مِنْهُ ، وَلَعَلَّ مَحْمَلَ الْوَجْهَيْنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ حَيْثُ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الصَّبْرِ غَيْرُ مَوْتِهِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيُبَاحُ

بِهِ ) بَلْ يَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي ، وَسِيطِهِ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ ( إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ ) قَالَ فِي التَّدْرِيبِ لَا يَصِلُ مِنْهَا شَيْءٌ إلَى الْوُجُوبِ إلَّا إتْلَافُ الْمَالِ عَلَى مَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ ، وَهَلْ يُوجِبُ الْمُصَنِّفُ إتْلَافَ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا تَقْتَضِيهِ فَإِنْ اقْتَضَتْ قَتْلًا أُلْحِقَتْ بِهِ أَوْ مَالًا أُلْحِقَتْ بِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرَهِ ) قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ ضَامِنًا حَتَّى لَوْ أَكْرَهَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى إتْلَافِ مَالٍ أَوْ عَلَى تَسْلِيمِ مَا هُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُكْرِهَ بِكَسْرِ الرَّاءِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي بَابِ السِّيَرِ عَنْ التَّهْذِيبِ فِيمَا إذَا تَتَرَّسَ الْكَافِرُونَ بِمُسْلِمٍ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا أَكْرَهَ شَخْصًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ نَفْسِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ نِصْفُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَجَمِيعُهُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ مَالَهُ لِآخَرَ فَتَلِفَ فِي يَدِ الثَّالِثِ فَالْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ طَرِيقٌ فِي ضَمَانِ النِّصْفِ فِي الْأَظْهَرِ وَجَمِيعُهُ عَلَى الْآخَرِ وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّالِثِ الْمُتْلِفِ فَإِنْ تَسَلَّمَهُ الْمُكْرِهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْكُلِّ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ تَسَلَّمَهُ غَصْبًا ، وَلَوْ أَكْرَهَ شَخْصٌ شَخْصًا عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِشَخْصٍ بِمَالٍ فَأَقَرَّ مُكْرَهًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ فَلَوْ أَقَرَّ مُكْرَهًا ، وَسَلَّمَ مُخْتَارًا فَهُوَ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَ نَفْسِهِ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( أَنْهَشَهُ ) أَيْ أَلْسَعَهُ ( حَيَّةً ) مَثَلًا فَقَتَلَتْهُ ( فَإِنْ قَتَلَتْ ) أَيْ كَانَتْ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَفَاعِي مَكَّةَ وَثَعَابِينِ مِصْرَ ( فَعَمْدٌ ) فَيَجِبُ الْقِصَاصُ ( وَإِلَّا فَشِبْهُهُ ) فَتَجِبُ دِيَتُهُ ( وَإِنْ أَلْقَاهَا عَلَيْهِ ، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا ) ، أَوْ قَيَّدَهُ وَطَرَحَهُ فِي مَكَان فِيهِ حَيَّاتٌ ، وَلَوْ ضَيِّقًا ( أَوْ طَرَحَهُ فِي مَسْبَعَةٍ ، أَوْ أَلْقَاهُ ) ، وَلَوْ ( مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيْ سَبُعٍ فِي ) مَكَان ( مُتَّسِعٍ ) كَصَحْرَاءَ ( أَوْ أَغْرَاهُ بِهِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمُتَّسَعِ فَقَتَلَهُ ( فَلَا ضَمَانَ ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَقْتُولُ صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْجِئْهُ إلَى قَتْلِهِ ، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَصَارَ فِعْلُهُ مَعَ قَتْلِهِ كَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ ؛ وَلِأَنَّ السَّبُعَ يَنْفِرُ بِطَبْعِهِ مِنْ الْآدَمِيِّ فِي الْمُتَّسَعِ فَجُعِلَ إغْرَاؤُهُ لَهُ كَالْعَدَمِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ مِنْ إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى مَنْ أَمَرَ مَجْنُونًا ضَارِيًا ، أَوْ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ طَاعَةَ آمِرِهِ بِقَتْلٍ فَقَتَلَ ، وَلَوْ بِمُتَّسَعٍ نَعَمْ إنْ كَانَ السَّبُعُ الْمُغْرَى ضَارِيًا شَدِيدَ الْعَدْوِ ، وَلَا يَتَأَتَّى الْهُرُوبُ مِنْهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ عَنْ الْقَاضِي فَقَطْ ثُمَّ قَالَا مَعًا : وَجَعَلَ الْإِمَامُ هَذَا بَيَانًا وَاسْتِدْرَاكًا لِمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ .
وَأَمَّا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَجَعَلُوا الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفًا فِيهَا وَجَرَى الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْحُرِّ أَمَّا الرَّقِيقُ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِالْيَدِ ( وَإِنْ كَانَ ) طَرْحُهُ ، وَلَوْ غَيْرَ مَكْتُوفٍ ، أَوْ إغْرَاؤُهُ ( فِي مَضِيقٍ ، أَوْ حَبْسُهُ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ السَّبُعِ ( فِي بَيْتٍ ، أَوْ بِئْرٍ ، أَوْ حَذْفُهُ لَهُ حَتَّى اُضْطُرَّ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى قَتْلِهِ (

وَالسَّبُعُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا ) كَأَسَدٍ ، وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ ( فَقَتَلَهُ فِي الْحَالِ ، أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا يَقْتُلُ غَالِبًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَ السَّبُعَ إلَى قَتْلِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ الضَّارِيَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ كَالْآلَةِ ( أَوْ ) جَرَحَهُ جُرْحًا يَقْتُلُ ( نَادِرًا ) يَعْنِي لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) كَنَظَائِرِهِ ( وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي إلْقَاءِ الْحَيَّةِ الْمَضِيقَ ) الْأَوْفَقُ بِكَلَامِهِ وَبِكَلَامِ أَصْلِهِ ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي إلْقَاءِ الْحَيَّةِ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَالْمُتَّسَعِ كَمَا فِي السَّبُعِ ( لِأَنَّهَا تَنْفِرُ ) بِطَبْعِهَا ( مِنْ الْآدَمِيِّ ) بِخِلَافِ السَّبُعِ فَإِنَّهُ يَثِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَضِيقِ دُونَ الْمُتَّسَعِ وَلِهَذَا لَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بِمَسْبَعَةٍ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا مَرَّ ( وَالْمَجْنُونُ الضَّارِي كَالسَّبُعِ ) الْمُغْرَى فِي الْمَضِيقِ وَفَارَقَهُ فِي الْمُتَّسَعِ ؛ لِأَنَّ السَّبُعَ يَنْفِرُ فِيهِ مِنْ الْآدَمِيِّ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ ( وَتَرْكُ الْفِرَارِ النَّافِعِ ) مِنْ الْمُغْرَى عَلَيْهِ فِي تَخَلُّصِهِ مِنْ السَّبُعِ ( كَتَرْكِ السِّبَاحَةِ ) فِيمَا مَرَّ .
( وَإِنْ رَبَطَ بِبَابِهِ كَلْبًا عَقُورًا وَدَعَا ) إلَيْهِ ( رَجُلًا فَعَقَرَهُ ) فَمَاتَ ( فَلَا ضَمَانَ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ ) بِعَصًا ، وَنَحْوِهَا ( وَ ) ؛ لِأَنَّهُ ( يَفْتَرِسُ بِاخْتِيَارِهِ ) .
( قَوْلُهُ : وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَاضِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي إلْقَائِهِ الْمَضِيقَ ) يَعْنِي عَدَمَهُ ، وَفِي نُسْخَةٍ عَدَمَ الْمَضِيقِ .

( الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي اجْتِمَاعِ مُبَاشَرَتَيْنِ فَإِنْ ذَفَّفَ عَلَيْهِ اثْنَانِ مَعًا فَأَكْثَرُ ) أَيْ أَسْرَعَا قَتْلَهُ ( بِأَنْ ) يَعْنِي كَأَنْ ( حَزَّ أَحَدُهُمَا رَقَبَتَهُ ، وَقَدَّهُ الْآخَرُ نِصْفَيْنِ ) أَيْ قِطْعَتَيْنِ ، وَهُمَا ( عَامِدَانِ اُقْتُصَّ مِنْهُمَا ، وَكَذَا إنْ جَرَحَاهُ ) مَعًا ، أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( جُرْحًا يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَنْ ) أَجَافَاهُ جَائِفَةً ، أَوْ ( قَطَعَ أَحَدُهُمَا السَّاعِدَ وَالْآخَرُ الْعَضُدَ مَعًا ، أَوْ تَعَاقَبَا وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمَا ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقَتْلِ ، وَوَجْهُهُ فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّ الْقَطْعَ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَشَرَتْ سِرَايَتُهُ وَآلَمَهُ وَتَأَثَّرَتْ بِهِ الْأَعْضَاءُ الرَّئِيسَةُ وَانْضَمَّ إلَيْهَا آلَامُ الثَّانِي فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَجَافَ وَاحِدٌ جَائِفَةً وَجَاءَ آخَرُ وَوَسَّعَهَا فَمَاتَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا ، وَلَيْسَ اخْتِلَافُهُمَا فِي كَثْرَةِ الْأَلَمِ ، وَقِلَّتِهِ مَانِعًا مِنْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَتْلِ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ جِرَاحَاتٍ وَآخَرُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً فَمَاتَ بِذَلِكَ فَهُمَا قَاتِلَانِ فَرُبَّ جِرَاحَةٍ لَهَا غَوْرٌ ، وَنِكَايَةٌ لَمْ تَحْصُلْ بِجِرَاحَاتٍ ، وَقَوْلُهُ يَقْتُلُ غَالِبًا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ( فَلَوْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا وَذَفَّفَ الْآخَرُ فَهُوَ الْقَاتِلُ ) فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ ( وَيُقْتَصُّ ) مِنْ الْجَارِحِ ، أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَالُ ( بِالْجُرْحِ إنْ تَقَدَّمَ ) عَلَى التَّذْفِيفِ سَوَاءٌ أَتَوَقَّعَ الْبُرْءَ مِنْ الْجُرْحِ لَوْ لَمْ يَطْرَأْ التَّذْفِيفُ أَمْ تَيَقَّنَ الْمَوْتُ مِنْهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ ، أَوْ نَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ فِي الْحَالِ مُسْتَقِرَّةٌ وَتَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ ( فَإِنْ تَأَخَّرَ جَارِحُهُ ) عَنْ مُذَفِّفِهِ ( عُزِّرَ كَالْجَانِي عَلَى الْمَيِّتِ ) لِهَتْكِهِ حُرْمَتَهُ وَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُذَفِّفُ ( وَالتَّذْفِيفُ أَنْ يَذْبَحَهُ ، أَوْ يَقُدَّهُ ، أَوْ يُنَحِّيَ كُرْسِيًّا تَحْتَ ) رِجْلَيْ ( مَشْنُوقٍ ، أَوْ يُبَيِّنَ الْحَشْوَةَ ، أَوْ يُنْهِيَهُ ) بِغَيْرِ ذَلِكَ ( إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ) ، وَهِيَ

حَالَةُ الشَّخْصِ ( الْعَادِمِ سَمْعًا وَبَصَرًا وَاخْتِيَارًا ) بِأَنْ لَا يَبْقَى مَعَهَا إبْصَارٌ ، وَإِدْرَاكٌ ، وَنُطْقٌ وَحَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّانِ فَلَا يُؤَثِّرُ بَقَاءُ الضَّرَرَيْنِ فَقَدْ يُقَدُّ الشَّخْصُ وَتُتْرَكُ أَحْشَاؤُهُ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى وَيَتَحَرَّكُ وَيَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ لَكِنَّهَا لَا تَنْتَظِمُ ، وَإِنْ انْتَظَمَتْ فَلَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ رَوِيَّةٍ وَاخْتِيَارٍ ( وَلَهُ ) فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ ( حُكْمُ الْمَيِّتِ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ ، وَلَا رِدَّتُهُ ) ، وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَصِيرُ فِيهَا الْمَالُ لِلْوَرَثَةِ ( وَلَا يَرِثُ قَرِيبَهُ ، وَلَا يَرِثُهُ مَنْ أَسْلَمَ ) ، أَوْ عَتَقَ ( حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَرِيضٍ انْتَهَى فِي النَّزْعِ إلَيْهَا ) أَيْ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ فَيَجِبُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ ( وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ ) وَبَيْنَ الْمَقْدُودِ ( أَنَّ الْمَرِيضَ حِينَئِذٍ لَمْ يُقْطَعْ بِمَوْتِهِ ) ، وَقَدْ يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ ثُمَّ يُشْفَى ( بِخِلَافِ الْمَقْدُودِ ) وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ ( فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ ) وَجَعَلَ فِي الْأَصْلِ هَذَا فَرْقًا ثَانِيًا فَقَالَ بَعْدُ بِخِلَافِ الْمَقْدُودِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ فِعْلٌ بِحَالِ الْقَتْلِ ، وَأَحْكَامِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يُهْدَرَ الْفِعْلُ الثَّانِي وَالْقَدُّ ، وَنَحْوُهُ بِخِلَافِهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَذْكُورَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْمَيِّتِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَهُوَ فِي الْجِنَايَةِ أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَهُوَ فِيهِ كَهُوَ بِقَرِينَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ ، وَإِسْلَامِهِ وَتَوْبَتِهِ ، وَنَحْوِهَا ( وَإِنْ شُكَّ فِي الِانْتِهَاءِ إلَيْهَا ) أَيْ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ( رُوجِعَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ ) فِيهِ وَعُمِلَ بِقَوْلِهِمْ وَالْمُرَادُ قَوْلُ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ .

( قَوْلُهُ : فَإِنْ ذَفَّفَ اثْنَانِ مَعًا ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَاسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاتِّحَادِ فِي الزَّمَانِ ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ ، وَفَرَّقُوا بِذَلِكَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ جَمِيعًا لَكِنْ اخْتَارَ ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الِاتِّحَادِ فِي الْوَقْتِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِيمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إنْ وَلَدْتُمَا مَعًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاقْتِرَانُ فِي الزَّمَانِ ( قَوْلُهُ : لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقَتْلِ ) إذْ لَا تُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ ، وَلَا إسْقَاطُهُ فَأُضِيفَ إلَيْهِمَا ( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ جِرَاحَاتٍ وَآخَرُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً إلَخْ ) ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ جَلَدَهُ فِي الْقَذْفِ إحْدَى وَثَمَانِينَ فَمَاتَ فَإِنَّا نُوَزِّعُ الدِّيَةَ عَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ بِأَنَّ مَحَلَّ الْجَلْدِ مُشَاهَدٌ يُعْلَمُ بِهِ التَّسَاوِي بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ ، وَهَكَذَا حُكْمُ كُلِّ إتْلَافٍ حَتَّى لَوْ أَلْقَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ فِي طَعَامٍ اسْتَوَيَا فِي الْغُرْمِ ، وَإِنْ كَانَ مَا أَلْقَاهُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ جُرِحَ أَحَدُهُمَا وَذُفِّفَ الْآخَرُ إلَخْ ) أَيْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا ، وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَالَةِ الْمَعِيَّةِ حَيْثُ قَالَ الشَّيْخَانِ فِيهَا إنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ الْمُذَفَّفَ هُوَ الْقَاتِلُ بِإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا مَا يَقْتَضِيهِ وَالْمَذْكُورُ فِي صُورَةِ التَّرْتِيبِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى صُورَةِ الْمَعِيَّةِ فَإِنَّ التَّذْفِيفَ يَقْطَعُ مَا قَبْلَهُ ، وَيَمْنَعُ تَأْثِيرَ مَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ، وَقَعَا مَعًا .
ا هـ .
يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّذْفِيفَ إذَا قَطَعَ تَأْثِيرَ مَا قَبْلَهُ فَلَأَنْ يَقْطَعَ تَأْثِيرَ مَا قَارَنَهُ أَوْلَى ( قَوْلُهُ : فَهُوَ الْقَاتِلُ ) شَمِلَ مَا إذَا عَلِمْنَا تَأْثِيرَ الْجُرْحِ أَوْ شَكَكْنَا فِيهِ ( قَوْلُهُ : فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ إنَّمَا يَقْتُلُ بِالسَّرَيَانِ وَالتَّذْفِيفُ يَمْنَعُ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ

مَرِيضٍ انْتَهَى فِي النَّزْعِ إلَيْهَا ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ فِي النَّزْعِ ، وَقَدْ شَخَصَ بَصَرُهُ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ أَوْ عَلَاهُ الْمَاءُ ، وَلَا يَحْسُنُ الْعَوْمُ فَكَمْ مِنْ مُذَفَّفٍ تُشَقُّ الْجُيُوبُ عَلَيْهِ ، وَيُشَدُّ حَنَكُهُ ، وَيُسَوَّى مِنْهُ ثُمَّ تَثُورُ قُوَّتُهُ وَتَعُودُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ بِالْمَوْتِ عَلَى ثِقَةٍ مَا لَمْ يَخْمَدْ وَتُقْبَضْ نَفْسُهُ فَإِذَا ضَرَبَ ضَارِبٌ رَقَبَتَهُ ، وَهُوَ يَتَنَفَّسُ فَنَجْعَلُهُ قَاتِلًا عَلَى التَّحْقِيقِ قَالَهُ الْإِمَامُ ( تَنْبِيهٌ ) يَتَفَرَّعُ مِنْ الْمَرِيضِ فَرْعٌ حَسَنٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ فَقُتِلَ قِصَاصًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَعَ مَوْقِعَهُ ، وَلَا شَيْءَ بَعْدَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْقِصَاصِ ، وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي الَّذِي قُطِعَ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ لَمْ يَقَعْ قِصَاصًا اتِّفَاقًا ، وَأَنَّهُ لَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَنْ الْمَرِيضِ الْمَذْكُورِ صَحَّ عَفْوُهُ ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الَّذِي قُطِعَ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ ، وَلَهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إلَخْ ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ سُمًّا فَصَارَ بِهِ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ ، وَقَتَلَهُ قَاتِلٌ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَجُرْحِ السَّبُعِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَذْكُورَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ ) قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ صِحَّتِهِمَا مِنْهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا ( قَوْلُهُ : لَيْسَ كَهُوَ فِي الْجِنَايَةِ ) أَيْ وَارِثُهُ وَالْإِرْثُ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَهُوَ فِيهِ كَهُوَ ) قَالَ الشَّارِحُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْأَحْيَاءِ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِقَوْلِهِ فَافْهَمْ ( قَوْلُهُ : مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ ، وَإِسْلَامِهِ إلَخْ ) حَاصِلُهُ تَرْكُ الِاعْتِدَادِ بِقَوْلِهِ .

( فَصْلٌ : ) فِيمَا إذَا قَتَلَ إنْسَانًا يَظُنُّهُ عَلَى حَالِ فَكَانَ بِخِلَافِهِ ( إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا ظَنَّهُ كَافِرًا لِزِيِّهِ ) أَيْ لِكَوْنِهِ بِزِيِّ الْكَافِرِ ( فِي دَارِنَا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ) ، أَوْ الدِّيَةُ مَعَ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ بِدَارِنَا الْعِصْمَةُ ( أَوْ ) بِزِيِّهِ ( فِي دَارِ الْحَرْبِ ، أَوْ لَمْ يَظُنَّ كُفْرَهُ ، وَهُوَ بِصَفِّ الْكُفَّارِ ) ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ ( فَلَا قِصَاصَ ) عَلَيْهِ ( وَكَذَا لَا دِيَةَ ) لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ ، ثَمَّ سَوَاءٌ أَعَلِمَ فِي دَارِهِمْ مُسْلِمًا أَمْ لَا ، وَسَوَاءٌ أَعَيَّنَ شَخْصًا ، أَوْ لَا ، وَإِنْ عَرَفَ مَكَانَهُ فَكَقَتْلِهِ بِدَارِنَا حَتَّى إذَا قَصَدَ قَتْلَهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ ، أَوْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ مَعَ الْكَفَّارَةِ ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ الْمُخَفَّفَةُ مَعَ الْكَفَّارَةِ ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ ( وَتَجِبُ ) عَلَيْهِ ( الْكَفَّارَةُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } فَإِنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي كَمَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ( فَإِنْ ادَّعَى ) عَلَيْهِ ( عِلْمَهُ بِإِسْلَامِهِ ) فَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِهِ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِحَالِهِ ( أَوْ ) قَتَلَ مُسْلِمًا ( عَهِدَهُ ذِمِّيًّا ، أَوْ مُرْتَدًّا ، أَوْ ) حُرًّا عَهِدَهُ ( عَبْدًا ، أَوْ ) غَيْرَ قَاتِلِ أَبِيهِ ( ظَنَّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ ، أَوْ ) ضَرَبَ مَرِيضًا ظَنَّهُ ( غَيْرَ مَرِيضٍ ) ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ الْمَرِيضَ دُونَ غَيْرِهِ فَمَاتَ مِنْهُ ( وَجَبَ الْقَوَدُ ) أَيْ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَعُدْوَانًا ، وَالظَّنُّ لَا يُبِيحُ الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ أَمَّا فِي الذِّمِّيِّ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِ الْمَرِيضِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي الْمُرْتَدِّ فَلِأَنَّ قَتْلَهُ إلَى الْإِمَامِ لَا إلَى الْآحَادِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ .
وَمَا لَوْ زَنَى عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْحَدِّ

بِخِلَافِ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الضَّرْبُ كَالْمُؤَدِّبِ ، وَقُيِّدَ ذَلِكَ بِالظَّنِّ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَمَعَ الْعِلْمِ يَجِبُ الْقَوَدُ قَطْعًا ، وَالْفَرْقُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَ وُجُوبِ الْقَوَدِ هُنَا وَعَدَمِ وُجُوبِهِ فِيمَا إذَا أَجَاعَ إنْسَانًا وَبِهِ جَوْعٌ سَابِقٌ لَا يَعْلَمُهُ أَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَرَضِ فَيُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ ضَعُفَ مِنْ الْجُوعِ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ وَجَبَ الْقَوَدُ ( لَا إنْ ) قَتَلَ مُسْلِمًا ( عَهِدَهُ حَرْبِيًّا ) ، وَكَانَ عَلَى زِيِّ الْكُفَّارِ بِدَارِنَا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَفَارَقَ الْمُرْتَدَّ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُخَلَّى وَالْحَرْبِيَّ يُخَلَّى بِالْمُهَادَنَةِ وَفَارَقَ الذِّمِّيَّ وَالْعَبْدَ بِأَنَّ الظَّنَّ ثَمَّ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ بِخِلَافِهِ هُنَا وَسُمِّيَ الْقِصَاصُ قَوَدًا ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ إلَى الْقَتْلِ بِحَبْلٍ ، أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ .

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا ظَنَّهُ كَافِرًا ) أَيْ حَرْبِيًّا ( قَوْلُهُ : لِزِيِّهِ ) اعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ فِي ظَنِّ كُفْرِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْكُفَّارِ أَوْ رَآهُ يُعَظِّمُ آلِهَتَهُمْ فَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَيْهِ زِيُّ الْكُفَّارِ فَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الرِّدَّةِ مُوَافَقَةَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ رِدَّةٌ لَكِنْ رَجَّحَ النَّوَوِيُّ خِلَافَهُ ، وَأَمَّا تَعْظِيمُ آلِهَتِهِمْ فَقَدْ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ أَنَّ تَعْظِيمَ الْأَصْنَامِ بِالسُّجُودِ وَالذَّبْحِ رِدَّةٌ ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُكْرَهًا عَلَى التَّعْظِيمِ ، وَالْقَاتِلُ لَا يَدْرِي أَوْ يَكُونُ فَعَلَ مِنْ الْخِدْمَةِ لِمَوَاضِعِهَا مِنْ كَنْسٍ وَغَيْرِهِ مَا لَا يَقْتَضِي كُفْرًا ع .
وَمَا حَكَاهُ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِي كَوْنِ التَّزَيِّي بِزِيِّ الْكُفَّارِ رِدَّةً مَحَلُّهُ إذَا كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ أَمَّا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ رِدَّةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ أَوْ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِي بَابِ الرِّدَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فس ( قَوْلُهُ : فِي دَارِنَا ) بِغَيْرِ صَفِّ أَهْلِ الْحَرْبِ ( قَوْلُهُ : أَوْ لِزِيِّهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ) أَوْ فِي صَفِّهِمْ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ بِصَفِّ الْكُفَّارِ ) ، وَلَوْ بِدَارِنَا ( قَوْلُهُ : فَلَا قِصَاصَ ، وَكَذَا لَا دِيَةَ لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا اسْتَعَانَ بِهِ الْإِمَامُ ( قَوْلُهُ : سَوَاءٌ عَلِمَ فِي دَارِهِمْ مُسْلِمًا أَوْ لَا إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِمُقَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي صَفِّ أَهْلِ الْحَرْبِ اللَّتَيْنِ هُمَا دَارُ الْإِبَاحَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ

عَهِدَهُ ذِمِّيًّا ) أَيْ أَوْ مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ إلَخْ ) ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَلِأَنَّ ظَنَّ الصِّحَّةِ لَا يُبِيحُ الضَّرْبَ ( قَوْلُهُ : وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَجَرَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا ، وَفِي الْخَادِمِ أَنَّ نَفْيَ الْقَوَدِ مُقْتَضَى تَرْجِيحِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ .

( الرُّكْنُ الثَّانِي : الْقَتِيلُ وَشَرْطُهُ الْعِصْمَةُ ) بِإِيمَانٍ ، أَوْ أَمَانٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا } ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى { وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك } الْآيَةَ ( فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ ) مَعْصُومٌ ( بِغَيْرِ مَعْصُومٍ كَالْمُرْتَدِّ ) وَالْحَرْبِيِّ ، وَلَوْ صَبِيًّا وَامْرَأَةً وَعَبْدًا ، وَإِنَّمَا حَرُمَ قَتْلُهُمْ رِعَايَةً لِحَقِّ الْغَانِمِينَ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَصْلُ فِيمَا قَالَهُ قَوْله تَعَالَى { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وَخَبَرِ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } ( وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ ) لَا يُقْتَلُ بِهِ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ لِاسْتِيفَائِهِ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ أَقَتَلَهُ قَبْلَ أَمْرِ الْإِمَامِ بِقَتْلِهِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ ، وَوَقَعَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ قُتِلَ بِهِ ( وَ ) كَذَا ( تَارِكُ الصَّلَاةِ ) عَمْدًا ( بَعْدَ الْأَمْرِ بِهَا ) ، وَقَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا لَا يُقْتَلُ بِهِ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ ( وَيُقْتَلُ بِقَتْلِ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ لِغَيْرِهِ ) أَيْ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ لَا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاحِ الدَّمِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ حَقٌّ قَدْ يُتْرَكُ ، وَقَدْ يُسْتَوْفَى نَعَمْ إنْ تَحَتَّمَ عَلَيْهِ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ لَمْ يُقْتَلْ قَاتِلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ ( وَيُعْصَمُ تَارِكُ الصَّلَاةِ بِالْجُنُونِ ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ ( وَالسُّكْرِ ) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ حِينَئِذٍ مِنْهَا ( لَا الْمُرْتَدُّ ) فَلَا يُعْصَمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِقِيَامِ الْكُفْرِ .

( قَوْلُهُ : بِإِيمَانٍ أَوْ أَمَانٍ ) أَوْ بِضَرْبِ الرِّقِّ عَلَى كَافِرٍ ( قَوْلُهُ : كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ ) أَيْ وَالصَّائِلِ ، وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ اللَّذَيْنِ لَا يَنْدَفِعُ شَرُّهُمَا إلَّا بِالْقَتْلِ ، وَسَيَأْتِي أَنَّ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ لَا يُضْمَنُ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُسْلِمٌ إلَخْ ) شَمِلَ مَا لَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ ثُمَّ مَاتَ بِالسَّرَايَةِ قَوْلُهُ : وَسَوَاءٌ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ ) ، وَسَوَاءٌ أَقَتَلَهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ عَنْ إقْرَارِهِ أَوْ رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ أَمْ بَعْدَهُ ، وَلَوْ كَانَ الزَّانِي الْمُحْصَنُ ذِمِّيًّا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ كَافِرٌ لَيْسَ زَانِيًا مُحْصَنًا ، وَلَا وَجَبَ قَتْلُهُ بِقَطْعِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُقْتَلُ بِقَتْلِ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ لِغَيْرِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } فَخَصَّ وَلِيَّهُ بِقَتْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ وَلِيِّهِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ ) أَيْ فِي الْقَتْلِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .

( الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْقَاتِلُ وَشَرْطُهُ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ ) الشَّرْعِيَّةِ ، وَلَوْ كَافِرًا أَصْلِيًّا ، أَوْ مُرْتَدًّا ( فَلَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ) ، وَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ ( وَنَائِمٍ ) إذْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الِالْتِزَامِ وَلِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمْ ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يُكَلَّفُونَ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَاخَذُوا بِالْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ ( فَيُقْتَصُّ مِمَّنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ ) مِنْ مُسْكِرٍ ، أَوْ دَوَاءٍ ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُكَلَّفٌ ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ ، وَإِنَّمَا اُقْتُصَّ مِنْهُ لِتَعَدِّيهِ ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ .
( وَإِنْ قَتَلَ ) غَيْرَهُ ( ثُمَّ جُنَّ اُقْتُصَّ مِنْهُ ) ، وَلَوْ فِي جُنُونِهِ ، وَإِنْ ثَبَتَ قَتْلُهُ بِإِقْرَارِهِ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ ( فِي ) مُوجِبِ ( حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى ) فَلَا يُسْتَوْفَى فِي جُنُونِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ لَا فِي مُوجِبِ الْقِصَاصِ .
( قَوْلُهُ : وَشَرْطُهُ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ) فَلَا قِصَاصَ عَلَى حَرْبِيٍّ إذَا قُتِلَ فِي حَرَّابَتُهُ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ مِنْ عَدَمِ الْقِصَاصِ مِمَّنْ أَسْلَمَ ( قَوْلُهُ : وَتَعْبِيرُهُ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُكَلَّفٌ ) لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كا

( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ ) الْقَاتِلُ ( كُنْت عِنْدَ الْقَتْلِ صَبِيًّا ، وَأَمْكَنَ ) صِبَاهُ عِنْدَهُ ( أَوْ مَجْنُونًا وَعُهِدَ ) جُنُونُهُ قَبْلَهُ ، وَقَالَ الْوَلِيُّ بَلْ كُنْت بَالِغًا ، أَوْ غَيْرَ مَجْنُونٍ ( صُدِّقَ ) الْقَاتِلُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصِّبَا وَالْجُنُونِ سَوَاءٌ أَتَقَطَّعَ ، أَوْ لَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ صِبَاهُ ، وَلَمْ يُعْهَدْ جُنُونُهُ ( ، وَإِنْ قَالَ أَنَا الْآنَ صَبِيٌّ لَمْ يَحْلِفْ ) أَنَّهُ صَبِيٌّ ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِإِثْبَاتِ صِبَاهُ ، وَلَوْ ثَبَتَ لَبَطَلَتْ يَمِينُهُ فَفِي تَحْلِيفِهِ إبْطَالٌ لِحَلِفِهِ ( وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَتَانِ بِجُنُونِهِ وَعَقْلِهِ ) أَيْ قَامَتْ إحْدَاهُمَا بِجُنُونِ الْقَاتِلِ عِنْدَ قَتْلِهِ وَالْأُخْرَى بِعَقْلِهِ عِنْدَهُ ( تَعَارَضَتَا ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى حَرْبِيٍّ ) ، وَإِنْ عُصِمَ بَعْدَ قَتْلِهِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ عِنْدَ الْقَتْلِ ( بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ ) يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ .
( قَوْلُهُ : لَوْ قَالَ كُنْت عِنْدَ الْقَتْلِ صَبِيًّا ، وَأَمْكَنَ أَوْ مَجْنُونًا وَعَهِدَ إلَخْ ) لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ زَائِلَ الْعَقْلِ ، وَقَالَ الْقَاتِلُ كُنْت مَجْنُونًا ، وَقَالَ الْوَارِثُ بَلْ سَكْرَانًا صُدِّقَ الْقَاتِلُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الْقَاتِلِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ حَقِيقَةً إنَّمَا يَكُونُ بِالْجُنُونِ ( قَوْلُهُ : أَوْ غَيْرَ مَجْنُونٍ ) بِأَنْ قَالَ كُنْت عَاقِلًا أَوْ سَكْرَانًا .

( بَابُ مَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ ) ( مِنْ الْمُسَاوَاةِ ) بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ لَهُ مِنْهَا ( فَلَا يُؤَثِّرُ مِنْ الْفَضَائِلِ فِي ) مَنْعِ ( الْقِصَاصِ ) مُطْلَقًا ( إلَّا ثَلَاثٌ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْوِلَادَةُ فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ } ( وَإِنْ ارْتَدَّ ) الْمُسْلِمُ الْقَاتِلُ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْقَتْلِ ( وَيُقْتَلَانِ ) أَيْ الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ ( بِالْمُسْلِمِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا قُتِلَا بِمِثْلِهِمَا فَبِمَنْ فَوْقَهُمَا أَوْلَى ( لَا بِحَرْبِيٍّ ) لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ ، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ الرُّكْنِ الثَّانِي ( وَيُقْتَلُ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ ( بِالْآخَرِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ ) كَيَهُودِيٍّ ، وَنَصْرَانِيٍّ ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّسْخَ شَمِلَ الْجَمِيعَ ( وَلَا يَسْقُطُ ) الْقِصَاصُ ( بِإِسْلَامِهِ ) أَيْ الْقَاتِلِ لِتَسَاوِيهِمَا حَالَةَ الْجِنَايَةِ إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْعُقُوبَاتِ بِحَالِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا زَنَى ، أَوْ قَذَفَ ثُمَّ عَتَقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبِيدِ ، وَكَمَا لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ كَالدُّيُونِ اللَّازِمَةِ فِي الْكُفْرِ ( وَلَوْ ) كَانَ إسْلَامُهُ ( بَيْنَ جِرَاحَةٍ وَسِرَايَةٍ ) كَأَنْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ، أَوْ مُعَاهَدًا ، وَأَسْلَمَ الْجَارِحُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بِالسِّرَايَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ - عَقِبَ إرْسَالِ الْمُسْلِمِ السَّهْمَ عَلَيْهِ ، وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَاوِهِ مِنْ أَوَّلِ الْفِعْلِ ( وَيُقْتَلُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ ) كَانَ مِثْلَهُ ( لِكَافِرٍ ) لِمَا ذُكِرَ ( وَيَسْتَوْفِي لَهُمَا ) أَيْ لِلْوَارِثِ فِي الْأُولَى وَالسَّيِّدِ فِي الثَّانِيَةِ ( الْإِمَامُ بِالْإِذْنِ ) مِنْهُمَا ، وَلَا يُفَوِّضُهُ إلَيْهِمَا ( إنْ لَمْ يُسْلِمْ الْوَارِثُ وَالسَّيِّدُ ) حَذَرًا مِنْ تَسْلِيطِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَإِنْ أَسْلَمَا

فَوَّضَهُ إلَيْهِمَا ، وَلَوْ قَالَ وَيَسْتَوْفِي لِلْوَارِثِ وَالسَّيِّدِ الْإِمَامُ بِالْإِذْنِ إنْ لَمْ يُسْلِمَا كَانَ أَوْضَحَ ( وَيَقْتَصُّ الْكَافِرُ بِعَبْدِهِ ) الْكَافِرِ أَيْ بِسَبَبِ قَتْلِهِ ( مِنْ ) عَبْدٍ ( كَافِرٍ ، وَلَوْ ) كَانَ ( لِمُسْلِمٍ ) لِتَسَاوِي الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ .

( بَابُ مَا يُشْتَرَطُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ ) .
( قَوْلُهُ : وَالْوِلَادَةُ ) أَيْ وَالسَّيِّدِيَّةُ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَيُزَادُ خَصْلَتَانِ إحْدَاهُمَا الذِّمَّةُ مَعَ الرِّدَّةِ فَالذِّمِّيُّ لَا يُقْتَلُ بِالْمُرْتَدِّ ، وَالثَّانِيَةُ السَّلَامَةُ مَعَ الْإِسْلَامِ مِنْ إبَاحَةِ الدَّمِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ ) ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَيَدُلُّ لَهُمْ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ ، وَقَالَ أَنَا أَكْرَمُ مَنْ ، وَفَّى بِذِمَّتِهِ } الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ .
ا هـ .
وَيُجَابُ عَنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى كَوْنِهِ أَسْلَمَ قَبْلَ قَتْلِهِ إيَّاهُ فَكَانَ مُكَافِئًا لَهُ حَالَ قَتْلِهِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ ، وَقَائِعَ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ ، وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُقَادُ لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْجِرَاحِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَالنَّفْسُ بِذَلِكَ أَوْلَى وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّهُ فِي تَحْرِيمِ الْقَتْلِ كَالذِّمِّيِّ فَإِذَا لَمْ يُقْتَلْ بِأَحَدِ الْكَافِرَيْنِ لَا يُقْتَلُ بِالْآخَرِ ، وَأَمَّا حَمْلُهُمْ الْكَافِرَ فِي قَوْلِهِ لَا يُقْتَلُ مُؤَمَّنٌ بِكَافِرٍ عَلَى الْحَرْبِيِّ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَذُو الْعَهْدِ يُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ ، وَلَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ لِتَوَافُقِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ فَفِيهِ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْتَلُ مُؤَمَّنٌ بِكَافِرٍ يَقْتَضِي عُمُومَ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُعَاهَدِينَ وَالْحَرْبِيِّينَ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِإِضْمَارٍ وَقَوْلُهُ : وَلَا ذُو عَهْدٍ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ أَيْ لَا يُقْتَلُ ذُو الْعَهْدِ لِأَجْلِ عَهْدِهِ ، وَالثَّانِي

أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوهُ لَخَلَا عَنْ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا حَرْبِيًّا فَإِنَّ قَتْلَهُ عِبَادَةٌ مَعْلُومَةٌ قَطْعًا فَكَيْفَ يُقْتَلُ بِهِ ؛ وَلِأَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْعَامِّ عَلَى الصَّحِيحِ

( فَصْلٌ : يُقْتَلُ مُرْتَدٌّ بِذِمِّيٍّ ) ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْكُفْرِ عِنْدَ الْقَتْلِ فَكَانَا كَالذِّمِّيَّيْنِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ ، وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ، وَلَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُقْتَلَ بِالذِّمِّيِّ الثَّابِتِ لَهُ ذَلِكَ وَعُلِمَ مِنْهُ قَتْلُهُ بِالْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُرْتَدِّ ؛ لِأَنَّهُ مُهْدَرٌ كَالْحَرْبِيِّ بِجَامِعِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْكُفْرِ ( وَيُقْتَلُ مُرْتَدٌّ وَزَانٍ مُحْصَنٌ بِمِثْلِهِمَا ) لِتَسَاوِيهِمَا ( وَ ) يُقْتَلُ ( مُرْتَدٌّ بِزَانٍ مُحْصَنٍ ) كَمَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يُقْتَلُ زَانٍ مُحْصَنٌ بِمُرْتَدٍّ لِاخْتِصَاصِهِ بِفَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ وَلِخَبَرِ { لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ } ( وَيُقَدَّمُ قَتْلُهُ ) أَيْ الْمُرْتَدِّ ( بِالْقِصَاصِ الْوَاجِبِ ) عَلَيْهِ عَلَى قَتْلِهِ بِالرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ ( فَإِنْ عَفَا عَنْهُ عَلَى مَالٍ أُخِذَ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَقُتِلَ بِالرِّدَّةِ ، وَلَا دِيَةَ لِمُرْتَدٍّ ، وَلَوْ قَتَلَهُ مِثْلُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِدَمِهِ .

( قَوْلُهُ : يُقْتَلُ مُرْتَدٌّ بِذِمِّيٍّ ) يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ لِالْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي مَنَعَةٍ فَلَوْ ارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ ، وَأَتْلَفُوا مَالًا أَوْ نَفْسًا فِي الْقِتَالِ ثُمَّ تَابُوا ، وَأَسْلَمُوا فَفِي ضَمَانِهِمْ الْقَوْلَانِ فِي الْبُغَاةِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا ضَمَانَ وَخَالَفَهُمْ الْبَغَوِيّ كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ قِتَالِ الْبُغَاةِ ، وَكَلَامُهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ الْمَنْعِ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَاصَّةً ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ ( قَوْلُهُ : وَيُقْتَلُ مُرْتَدٌّ وَزَانٍ مُحْصَنٌ بِمِثْلِهِمَا إلَخْ ) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ مَعْصُومٌ عَلَى الذِّمِّيِّ وَعَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَعَلَى الْمُرْتَدِّ وَغَيْرُ مَعْصُومٍ عَلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا قَتَلَهُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ وَجَبَ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ ، وَإِذَا قَتَلَهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الزَّانِي الذِّمِّيُّ الْكِتَابِيُّ إذَا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ لَيْسَ زَانِيًا مُحْصَنًا ، وَلَا وَجَبَ قَتْلُهُ بِقَطْعِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي التَّعْلِيلِ مَا يَدُلُّ لَهُ ثُمَّ أَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ .

( وَيُقْتَلُ رَقِيقٌ بِحُرٍّ ) كَمَا يُقْتَلُ بِرَقِيقٍ بَلْ أَوْلَى ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِرَقِيقٍ ، وَلَوْ لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ { لَا يُقَادُ حُرٌّ بِعَبْدٍ } ، وَأَمَّا خَبَرُ { مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ جَدَعْنَاهُ } فَمُنْقَطِعٌ ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إنَّهُ مَنْسُوخٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ بِثَابِتٍ ، وَإِنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَعْتَقَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فَيُفِيدَانِ تَقَدَّمَ الْمِلْكُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ ، وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِمُبَعَّضٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( ، وَلَا ) يُقْتَلُ ( مُبَعَّضٌ بِالْمُبَعَّضِ ، وَلَوْ تَسَاوَيَا ) حُرِّيَّةً وَرِقًّا ، أَوْ كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْمَقْتُولِ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِجُزْءِ الْحُرِّيَّةِ جُزْءُ الْحُرِّيَّةِ وَبِجُزْءِ الرِّقِّ جُزْءُ الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ شَائِعَةٌ فِيهِمَا بَلْ يُقْتَلُ جَمِيعُهُ بِجَمِيعِهِ أَيْ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الْقِصَاصِ فَعَدَلَ عَنْهُ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ لِبَدَلِهِ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ الْمَالُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ التَّسَاوِي رُبُعُ الدِّيَةِ وَرُبُعُ الْقِيمَةِ فِي مَالِهِ وَيَتَعَلَّقُ الرُّبْعَانِ الْبَاقِيَانِ بِرَقَبَتِهِ ، وَلَا نَقُولُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ ، وَنِصْفُ الْقِيمَةِ فِي رَقَبَتِهِ ( وَيُقْتَلُ رَقِيقٌ بِرَقِيقٍ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ اسْتَوَيَا كَقِنَّيْنِ وَمُكَاتَبَيْنِ أَمْ لَا كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قِنًّا وَالْآخَرُ مُدَبَّرًا أَمْ مُكَاتَبًا أَمْ أُمَّ وَلَدٍ لِلتَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا انْعَقَدَ لِهَؤُلَاءِ مِنْ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ ( لَا مُكَاتَبٌ بِعَبْدِهِ ) أَيْ لَا يُقْتَلُ بِهِ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِهِ ( وَلَوْ كَانَ ) الْمَقْتُولُ ( أَبَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ وَالسَّيِّدُ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ ( وَعِتْقُ الْقَاتِلِ كَإِسْلَامِهِ ) فَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ ، أَوْ جَرَحَهُ وَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ ، وَلَوْ عَتَقَ الْمَجْرُوحُ بَعْدَ إرْسَالِ الْحُرِّ السَّهْمَ

عَلَيْهِ ، وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ فَلَا قِصَاصَ .

( قَوْلُهُ : { وَمِنْ جَدَعَ جَدَعْنَاهُ } ) أَيْ مَنْ قَطَعَ ( تَنْبِيهٌ ) لَهُ عَبِيدٌ ثَلَاثَةٌ فَأَعْتَقَ أَحَدَهُمْ وَمَاتَ ، وَقُتِلَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَيُقْرَعُ بَيْنَ الْجَمِيعِ فَإِنْ خَرَجَ عَلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ مِنْهُمْ الْعِتْقُ عَتَقَ كُلُّهُ ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى الْمَقْتُولِ بَانَ أَنَّهُ قُتِلَ حُرًّا ، وَكَانَتْ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَى قَاتِلِهِ قِصَاصٌ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي بَابِ الْعِتْقِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ لَهُ وَقْتَ الْقَتْلِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ قَبْلَ جُرْحِ فُلَانٍ إيَّاكَ بِيَوْمٍ فَإِذَا جَرَحَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً فِيهِ وَقْتَ الْجُرْحِ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْعَكْسِ ، وَأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ هُنَاكَ ، وَلَا يَجِبُ هُنَا وَالْأَوَّلُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعِتْقِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ ( قَوْلُهُ : وَلَا مُبَعَّضٌ بِمُبَعَّضٍ ، وَلَوْ تَسَاوَيَا ) قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ سُئِلْت عَنْ مُبَعَّضٍ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ قَطَعَ يَدَ نَفْسِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا فَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ ، وَهَلْ الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ أَمْ لَا وَمَنْ ذَكَرَهَا ؟ .
فَأَجَبْت بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ أَنَّ يَدَ الْمُبَعَّضِ مَضْمُونَةٌ بِرُبُعِ الدِّيَةِ ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ الْحُرِّيَّةَ وَرُبُعِ الْقِيمَةِ ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ الرِّقَّ فَإِذَا كَانَ هُوَ الْجَانِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ سَقَطَ رُبُعُ الدِّيَةِ الْمُقَابِلُ لِلْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ ، وَأَمَّا رُبُعُ الْقِيمَةِ الْمُقَابِلُ لِلرِّقِّ فَكَأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ حُرٌّ وَعَبْدُ السَّيِّدِ فَسَقَطَ مَا يُقَابِلُ فِعْلَ عَبْدِ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْءٌ وَبَقِيَ مَا يُقَابِلُ فِعْلَ الْحُرِّ ، وَهُوَ ثُمُنُ الْقِيمَةِ ، وَهُوَ وَاجِبٌ لِلسَّيِّدِ عَلَى هَذَا الْمُبَعَّضِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ

تَحَصَّلَ بِمُهَايَأَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَخَذَ السَّيِّدُ مِنْهُ مَالَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا شَيْءَ مَعَهُ بَقِيَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ قُلْته تَفَقُّهًا ، وَلَمْ أُرَاجِعْ الْأُمَّهَاتِ .

( وَلَا قِصَاصَ فِيمَنْ ) أَيْ فِي قَتْلِ مَنْ ( جُهِلَ إسْلَامُهُ ، أَوْ حُرِّيَّتُهُ وَالْقَاتِلُ حُرٌّ ) فِي الثَّانِيَةِ وَمُسْلِمٌ فِي الْأُولَى لِلشُّبْهَةِ وَيُفَارِقُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِيمَا لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ الْحُرُّ لَقِيطًا فِي صِغَرِهِ بِأَنَّ مَحَلَّ مَا هُنَا فِي قَتْلِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَمَا هُنَاكَ فِي قَتْلِهِ بِدَارِنَا بِقَرِينَةِ تَعْلِيلِهِمْ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِيهِ بِأَنَّ الدَّارَ دَارُ حُرِّيَّةٍ ، وَإِسْلَامٍ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يَدَّعِي الْكَفَاءَةَ وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةُ اللَّقِيطِ ( وَيُقْتَلُ فَرْعٌ بِأَصْلِهِ ) كَغَيْرِهِ بَلْ أَوْلَى ( وَيُقْتَلُ الْمَحَارِمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ) لِذَلِكَ .
قَوْلُهُ : وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ الْقَمُولِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ ، وَأَجَابَ فِي الْخَادِمِ أَيْضًا بِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ فِي اللَّقِيطِ أَقْرَبُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ مَا لَمْ يَثْبُتْ رِقُّهُ فَلِهَذَا وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ بِخِلَافِ غَيْرِ اللَّقِيطِ إذَا جُهِلَتْ حُرِّيَّتُهُ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ ، وَقَالَ أَنَا حُرٌّ لَمْ تَثْبُتْ حُرِّيَّتُهُ بِقَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا بِالْبَيِّنَةِ فَلِهَذَا لَمْ يَلْحَقْ بِالْحُرِّ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ مَا لَمْ تَنْهَضْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ .
ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَخْصٍ لَا يُظَنُّ إسْلَامُهُ ، وَلَا حُرِّيَّتُهُ وَاللَّقِيطُ ظُنَّ إسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ لِلدَّارِ فَعَبَّرَ بِالْعِلْمِ هُنَا عَنْ الظَّنِّ .

( وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ ) هَذَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا لَكِنَّهُ أَعَادَهُ لِيُشْرِكَهُ مَعَ مَا بَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ الْآتِي ( وَ ) لَا ( أَصْلٌ بِفَرْعٍ ) ، وَإِنْ نَزَلَ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَصَحَّحَاهُ { لَا يُقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ } وَلِرِعَايَةِ حُرْمَتِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ ( فَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَلَوْ ( حَكَمَ بِهِ ) أَيْ بِالْقَتْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ ( حَاكِمٌ نُقِضَ ) حُكْمُهُ ( فِي ) قَتْلِ ( الْأَصْلِ ) بِفَرْعِهِ ( دُونَ الْعَبْدِ ) الْأَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ دُونَ الْحُرِّ أَيْ دُونَ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ ( إلَّا إنْ أَضْجَعَ ) الْأَصْلُ ( الْفَرْعَ وَذَبَحَهُ ) وَحَكَمَ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ حَاكِمٌ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ رِعَايَةً لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ ( ، وَلَا يُقْتَلُ عَبْدٌ وَابْنٌ مُسْلِمَانِ بِحُرٍّ ، وَأَبٍ كَافِرَيْنِ ، وَلَا عَكْسُهُمَا ) أَيْ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ ، وَأَبٌ كَافِرَانِ بِعَبْدٍ وَابْنٍ مُسْلِمَيْنِ ( وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ ) وَذَلِكَ لِاخْتِصَاصِ الْقَاتِلِ بِمَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِقَتْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ بِهِ يُنْقَضُ ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ لَكِنَّهُ حُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا احْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ ، وَقَالَ : إنَّهُ الْوَجْهُ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ ( وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِعَبْدٍ لِوَلَدِهِ ) كَمَا يُقْتَلُ بِوَالِدِهِ ( لَا ) بِعَبْدٍ ( لِوَالِدِهِ ) كَمَا لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ .
( قَوْلُهُ : وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ : لَا قِصَاصَ ) عَلَى الْقَاتِلِ ( فِيمَنْ ) أَيْ فِي قَتْلِ مَنْ ( يَرِثُهُ وَلَدُهُ ) وَحْدَهُ ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ ( كَزَوْجَةِ وَلَدِهِ ) ، أَوْ زَوْجَتِهِ ، أَوْ أَبِيهَا ثُمَّ مَاتَتْ ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْ الْوَالِدِ بِجِنَايَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَلَأَنْ لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مَنْ يَرِثُهُ أَوْلَى ( ، وَلَا ) قِصَاصَ ( عَلَى وَارِثِ الْقِصَاصِ ) ، أَوْ بَعْضِهِ ( كَمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ ، وَلَهُ أَخٌ مَاتَ ) وَوَرِثَهُ هُوَ وَحْدَهُ ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَقْتَصُّ مِنْ نَفْسِهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ الْقِصَاصَ ثُمَّ يَسْقُطُ ، وَقَالَ الْإِمَامُ : إنَّهُ الْوَجْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِثْهُ لَوَرِثَهُ غَيْرُهُ ، وَلَمَا سَقَطَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ إرْثِهِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ قَارَنَ سَبَبَ الْمِلْكِ ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ قَبْلَ صَدَقَةِ الْوَاشِي فَقَالَ إنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ أَصْلًا .
انْتَهَى .
( قَوْلُهُ : أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَبِيهَا إلَخْ ) أَوْ قَتَلَتْ أُمُّ وَلَدٍ سَيِّدَهَا ، وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ وَتُعْتَقُ هِيَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي ذِمَّتِهَا أَيْ ؛ لِأَنَّهَا حَالَ وُجُوبِهَا حُرَّةٌ .

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( قَتَلَا وَلَدًا ) مَجْهُولًا ( يَتَنَازَعَانِهِ ) أَيْ يَتَدَاعَيَانِهِ ( فَلَا قِصَاصَ فِي الْحَالِ ) ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَبُوهُ ، وَقَدْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ لَا يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ ( فَإِنْ أُلْحِقَ ) الْوَلَدُ ( بِثَالِثٍ اُقْتُصَّ مِنْهُمَا ) لِانْتِفَاءِ نَسَبِهِ عَنْهُمَا ( أَوْ ) أُلْحِقَ ( بِأَحَدِهِمَا اُقْتُصَّ مِنْ الْآخَرِ ) لِانْتِفَاءِ نَسَبِهِ عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّهُ شَرِيكُ الْأَبِ ( فَإِنْ رَجَعَا ) عَنْ تَنَازُعِهِمَا ( لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ابْنًا لِأَحَدِهِمَا وَفِي قَبُولِ الرُّجُوعِ إبْطَالُ حَقِّهِ مِنْ النَّسَبِ ( أَوْ ) رَجَعَ ( أَحَدُهُمَا ) دُونَ الْآخَرِ ( فَهُوَ ابْنُ الْآخَرِ فَيُقْتَصُّ مِنْ غَيْرِهِ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ مِنْ الرَّاجِعِ ( إنْ قَتَلَهُ ) مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ فَإِنْ قَتَلَهُ أَحَدُهُمَا فَأُلْحِقَ بِالْآخَرِ ، أَوْ بِغَيْرِهِمَا اُقْتُصَّ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ) لُحُوقُ الْوَلَدِ بِأَحَدِهِمَا ( فِرَاشًا ) أَيْ بِالْفِرَاشِ بَلْ بِالدَّعْوَى كَمَا هُوَ الْفَرْضُ ( أَمَّا إذَا كَانَ ) بِالْفِرَاشِ كَأَنْ ( وُطِئَتْ ) امْرَأَةٌ بِنِكَاحٍ ، أَوْ شُبْهَةٍ ( فِي عِدَّةٍ مِنْ نِكَاحٍ ) ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ ( وَأَمْكَنَ ) كَوْنُهُ ( مِنْ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( فَلَا يُجْزِئُ ) أَيْ يَكْفِي ( رُجُوعُ أَحَدِهِمَا ) فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ بِالْآخَرِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ ثَمَّ ثَبَتَ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بِدَعْوَاهُمَا فَإِذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا لَحِقَ الْوَلَدُ بِالْآخَرِ ، وَهُنَا ثَبَتَ بِالْفِرَاشِ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ فَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْآخَرِ ( وَإِنَّمَا يَلْحَقُ ) بِهِ ( بِالْقَائِفِ ثُمَّ بِانْتِسَابِهِ ) إلَيْهِ ( إذَا بَلَغَ ) وَتَعْبِيرُهُ ثُمَّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَوْ ( فَإِنْ أَلْحَقَهُ ) الْقَائِفُ ( بِأَحَدِهِمَا ) قَالَ فِي الْأَصْلِ ، أَوْ انْتَسَبَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَيْهِ ( اُقْتُصَّ مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَنْ أُلْحِقَ بِهِ ( لَا

مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَبُوهُ ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَلْحَقَهُ إلَى آخِرِهِ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَفِي مَسْأَلَةِ التَّدَاعِي ) السَّابِقَةِ ( لَوْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً ) بِنَسَبِهِ ( سُمِعَتْ ، وَلَحِقَهُ ) بِهَا ( وَاقْتُصَّ مِنْ الْأَوَّلِ ) فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ لِعَدَمِ الْقَائِفِ ، أَوْ تَحَيُّرِهِ ، وَقُتِلَ الْوَلَدُ قَبْلَ الِانْتِسَابِ فَلَا قِصَاصَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى اسْتِلْحَاقِهِ فَيُقْتَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ .
( قَوْلُهُ : فَيَقْتَصُّ مِنْ غَيْرِهِ ) إنْ قَتَلَهُ مُنْفَرِدًا أَوْ مُشَارِكًا لِلْآخَرِ ( قَوْلُهُ : لَوْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا ) أَوْ انْتَسَبَ إلَيْهِ

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( قَتَلَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ ) الشَّقِيقَيْنِ ( أَبَاهُمَا ، وَالْآخَرُ أُمَّهُمَا مَعًا وَالْعِبْرَةُ ) فِي الْمَعِيَّةِ وَالتَّعَاقُبِ ( بِالزُّهُوقِ ) لِلرُّوحِ لَا بِالْجُرْحِ ( فَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْعَافِي فَإِنْ لَمْ يَعْفُ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا لِلْقِصَاصِ - ( وَالتَّقْدِيمُ ) لَهُ ( بِالْقُرْعَةِ ) عِنْدَ التَّنَازُعِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ ( فَلَوْ اقْتَصَّ أَحَدُهُمَا ) مِنْ أَخِيهِ بِقُرْعَةٍ ، أَوْ مُبَادِرًا بِدُونِهَا ( لَمْ يَرِثْ أَخَاهُ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْقَاتِلَ بِحَقٍّ لَا يَرِثُ ( فَيَقْتَصُّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمُقْتَصِّ ( وَرَثَةُ أَخِيهِ ) ، وَلَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَعَدَمِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا مَاتَا مَعًا لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ( وَإِنْ تَعَاقَبَا ) فِي قَتْلِ أَبَوَيْهِمَا ( وَالزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ فَالْقِصَاصُ عَلَى ) الْقَاتِلِ ( الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَبَقَ قَتْلُ الْأَبِ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ قَاتِلُهُ وَيَرِثُهُ أَخُوهُ وَالْأُمُّ فَإِذَا قَتَلَ الْآخَرُ الْأُمَّ وَرِثَهَا الْأَوَّلُ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِصَّتُهَا مِنْ الْقِصَاصِ وَيَسْقُطُ بَاقِيهِ وَيُسْتَحَقُّ الْقِصَاصُ عَلَى أَخِيهِ ، وَلَوْ سَبَقَ قَتْلُ الْأُمِّ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ قَاتِلِهَا وَاسْتَحَقَّ قَتْلَ أَخِيهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ .
( لَكِنْ يُطَالِبُهُ ) أَيْ الْأَوَّلَ ( وَرَثَةُ الثَّانِي بِنَصِيبِ أَبِيهِمْ ) إنْ كَانَ مُوَرِّثُهُمْ أَبًا وَالْأَوْلَى حَذْفُ أَبِيهِمْ وَالتَّعْبِيرُ بِنَصِيبِ مُوَرِّثِهِمْ كَمَا فِي نُسْخَةٍ ، أَوْ بِنَصِيبِهِ ( مِنْ الدِّيَةِ ) لِلْقَتِيلِ الْأَوَّلِ ( وَإِنْ لَمْ يَبْقَ ) بَيْنَهُمَا ( زَوْجِيَّةٌ فَلِكُلٍّ ) مِنْ الْأَخَوَيْنِ ( الْقِصَاصُ ) عَلَى الْآخَرِ ( وَيَبْدَأُ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ ) مِنْهُمَا ( أَوَّلًا ) لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ مَعَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالْعَيْنِ ( فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ ) أَيْ

الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ فِي قَتْلِ أَخِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ بَعْدَ قَتْلِهِ وَبِقَتْلِهِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ قَالَ الرُّويَانِيُّ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ وَعِنْدِي أَنَّ تَوْكِيلَهُ صَحِيحٌ وَلِهَذَا لَوْ بَادَرَ وَكِيلُهُ فَقَتَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لَكِنْ إذَا قَتَلَ مُوَكِّلُهُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ( وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ ) ، وَقَعَ مِنْهُمَا ( مَعًا اُقْتُصَّ بِالْقُرْعَةِ ) كَمَا مَرَّ ( فَيَجُوزُ ) قَبْلَ الِاقْتِصَاصِ بِهَا ( التَّوْكِيلُ ) فِيهِ ( لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَصُّ لَهُ فِي حَيَاتِهِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ مَنْ لَمْ تَخْرُجْ قُرْعَتُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ وَكَالَتَهُ تَبْطُلُ بِقَتْلِهِ ، وَفِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيِّ .
( فَلَوْ وَكَّلَا مَنْ يَقْتَصُّ لَهُمَا ) بِأَنْ وَكَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا ( قَبْلَ الْقُرْعَةِ ) لِيَقْتَصَّ لَهُ ( صَحَّ ثُمَّ يُقْرَعُ ) بَيْنَ الْوَكِيلَيْنِ ( وَحِينَ يَقْتَصُّ مِنْ أَحَدِهِمَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : فَلَوْ اقْتَصَّ الْوَكِيلَانِ مَعًا هَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَتْلَهُمَا وَقَعَ ، وَهُمَا مَعْزُولَانِ مِنْ الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ دَوَامِ اسْتِحْقَاقِ الْمُوَكِّلِ قَتْلُ مَنْ وُكِّلَ فِي قَتْلِهِ أَنْ يَبْقَى عِنْدَ قَتْلِهِ حَيًّا ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي ذَلِكَ ( وَيُكْرَهُ لِلْوَكِيلِ قَتْلُ وَالِدِهِ ) حَدًّا ، أَوْ قِصَاصًا رِعَايَةً لِحُرْمَتِهِ ( وَلَوْ شَهِدَ أَحَدٌ عَلَى أَبِيهِ بِمُوجِبِ قَتْلٍ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ ( قُتِلَ ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بَلْ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْحُجَّةِ ، وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ بِشَهَادَتِهِ كَمَا لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِاسْتِعْجَالِ مِيرَاثِهِ وَيَجُوزُ قِرَاءَةُ قَتْلِ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَبِالْوَحْدَةِ وَالثَّانِي أَنْسَبُ بِعِبَارَةِ الْأَصْلِ .

( قَوْلُهُ : الشَّقِيقَيْنِ ) أَيْ الْحَائِزَيْنِ ( قَوْلُهُ : مَعًا ) اسْتَعْمَلَ مَعًا لِلِاتِّحَادِ فِي الزَّمَانِ ، وَسَبَقَ مَا فِيهِ .
( قَوْلُهُ : وَالْعِبْرَةُ بِالزُّهُوقِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : هَكَذَا أَطْلَقُوهُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الزُّهُوقِ مَا لَوْ صَارَ فِي حَيِّزِ الْمَوْتَى بِأَنْ أَبَانَ حَشْوَتَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَجْعَلُ صَاحِبَهُ فِي حَيِّزِ الْأَمْوَاتِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ ( قَوْلُهُ : وَالتَّقْدِيمُ بِالْقُرْعَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ ) فَلَوْ طَلَبَ الْقِصَاصَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ أُجِيبَ الطَّالِبُ ، وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْقُرْعَةِ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَطَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مَقْتُولِهِ عُضْوًا وَمَاتَا بِالسِّرَايَةِ مَعًا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلَبُ قَطْعِ عُضْوِ الْآخَرِ حَالَةَ قَطْعِ عُضْوِهِ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ إذَا مَاتَ الْآخَرَانِ بِالسِّرَايَةِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَقَعَ قِصَاصًا ، وَفِيمَا إذَا قَتَلَاهُمَا مَعًا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُمَا مَعًا ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ ، وَإِنْ غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ ( قَوْلُهُ : وَالزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ ) أَيْ ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْإِرْثِ بِهَا ( قَوْلُهُ : فَالْقِصَاصُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ وَمِنْهُ الدَّوْرُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِأُمِّهِمَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ وُجِدَ الْقَتْلُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْوَلَدَيْنِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ مَعَ وُجُودِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَعَلَى هَذَا فَفِي صُورَةِ الدَّوْرِ لَوْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ أَوَّلًا لَمْ يَمْتَنِعْ الزَّوْجُ مِنْ إرْثِهَا فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَقْتُولَ أَوَّلًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ عَلَى الْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمَقْتُولَةَ أَوَّلًا فَالْقِصَاصُ عَلَى الثَّانِي قَالَ فَلْتَنْتَبِهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ النَّفَائِسِ .
( قَوْلُهُ : فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ ) أَيْ

الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ فِي قَتْلِ أَخِيهِ أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يُمْكِنُهُ مُبَاشَرَةُ مَا وُكِّلَ فِيهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الرُّويَانِيُّ إلَخْ ) ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا لَوْ بَادَرَ وَكِيلُهُ فَقَتَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ بِقَتْلِهِ لِإِذْنِ الْمُسْتَحِقِّ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ فَاسِدَةً .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ جُهِلَ قَاتِلُ الْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْهُمَا وَالزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ وَاسْمُ أَحَدِ الِابْنَيْنِ زَيْدٌ وَالْآخَرِ عَمْرٌو فَإِنْ قُتِلَتْ الْأُمُّ أَوَّلًا ، وَفُرِضَ قَاتِلُهَا زَيْدٌ فَلِلْأَبِ رُبُعُ قَوَدِهَا وَمَالِهَا وَلِعَمْرٍو بَاقِيهِمَا ، وَإِذَا قَتَلَ عَمْرٌو الْأَبَ وَرِثَ زَيْدٌ مَالَ الْأَبِ وَمِنْهُ رُبُعُ قَوَدِ الْأُمِّ فَسَقَطَ عَنْهُ ، وَلَهُ عَلَى عَمْرٍو قَوَدُ الْأَبِ أَوْ دِيَتُهُ ، وَإِنْ فُرِضَ قَاتَلَهَا عَمْرًا فَلِعَمْرٍو مَا كَانَ لِزَيْدٍ لَوْ قَتَلَهَا وَلِزَيْدٍ مَا كَانَ لِعَمْرٍو ، وَإِذَا احْتَمَلَ هَذَا أَخَذَ كُلٌّ مِنْ الِابْنَيْنِ رُبُعَ مَا لِلْأُمِّ لِتَبَيُّنِ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ وَوُقِفَ بَاقِي مَالِهَا فَإِذَا عَرَفَ قَاتِلَ الْأَبِ أَخَذَهُ ، وَيُوقَفُ مَالُ الْأَبِ فَإِذَا عَرَفَ قَاتِلَ الْأُمِّ أَخَذَهُ وَلِقَاتِلِ الْأَبِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَةِ الْأُمِّ عَلَى قَاتِلِهَا ، وَلَهُ عَلَى أَخِيهِ قَوَدُ الْأَبِ أَوْ دِيَتُهُ فَإِنْ تَقَاصَّا بَقِيَ لِقَاتِلِهَا خَمْسَةُ أَثْمَانِ دِيَةِ الْأَبِ ، وَلَوْ كَانَتْ بِحَالِهَا لَكِنَّ الْأَبَ قُتِلَ أَوَّلًا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ثُمُنُ مَا لِلْأَبِ وَوُقِفَ بَاقِيهِ وَجَمِيعُ مَالِ الْأُمِّ فَإِذَا عَرَفَ قَاتِلَ الْأَبِ أَخَذَهُ ، وَلَوْ كَانَ لَهُمَا أَخٌ ثَالِثٌ شَقِيقٌ اسْمُهُ سَالِم فَلِكُلٍّ مِنْ الْقَاتِلَيْنِ نِصْفُ ثَمَنِ مَالِ الْأَبِ وَلِسَالِمٍ نِصْفُ مَالِهِ ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي لِقَاتِلِ الْأُمِّ وَلِسَالِمٍ نِصْفُ مَالِهَا ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي لِقَاتِلِ الْأَبِ وَلِسَالِمٍ عَلَى قَاتِلِ الْأَبِ نِصْفُ دِيَتِهِ ، وَيَجُوزُ دَفْعُهُ إلَيْهِ مِنْ نِصْفِ مَالِهَا لِمَوْقُوفٍ لَهُ ، وَلِسَالِمٍ أَيْضًا عَلَى قَاتِلِ الْأُمِّ الْقَوَدُ فَإِنْ عَفَا عَنْهُ فَلَهُ عَلَيْهِ

نِصْفُ دِيَتِهَا ، وَيَجُوزُ دَفْعُهُ إلَيْهِ مِمَّا وَقَفَ لَهُ مِنْ مَالِ الْأَبِ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ اقْتَصَّ الْوَكِيلَانِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ لِلْوَكِيلِ قَتْلُ وَالِدِهِ ) قَالَ فِي الْعُبَابِ : وَيُتَّجَهُ إلْحَاقُ كُلِّ قَرِيبٍ بِهِ ، وَالْمَحْرَمُ أَشَدُّ ، وَلَمْ أَرَهُ

( فَرْعٌ : ) إخْوَةٌ ( أَرْبَعَةٌ قَتَلَ الثَّانِي أَكْبَرَهُمْ وَالثَّالِثُ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ ثُمَّ الثَّالِثُ ( أَصْغَرَهُمْ ، وَلَمْ يَخْلُفَا ) أَيْ الْقَتِيلَانِ ( غَيْرَ الْقَاتِلَيْنِ فَلِلثَّانِي أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الثَّالِثِ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْهُ لِمَا وَرِثَهُ مِنْ قِصَاصِ نَفْسِهِ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ الْأَكْبَرَ كَانَ الْقِصَاصُ لِلثَّالِثِ وَالْأَصْغَرِ فَإِذَا قَتَلَ الثَّالِثُ الصَّغِيرَ وَرِثَ الثَّانِي مَا كَانَ الْأَصْغَرُ يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ ( وَمَنْ اسْتَحَقَّ قَتْلَ مَنْ يَسْتَحِقُّ قَتْلَهُ ) كَأَنْ قَتَلَ زَيْدٌ ابْنًا لِعَمْرٍو وَعَمْرٌو ابْنًا لِزَيْدٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِالْإِرْثِ ( لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ ) بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ التَّقَاصَّ لَا يَجْرِي فِي الْقِصَاصِ

( فَصْلٌ ) فِيمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ ( يُقْتَلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَخُنْثَى كَعَكْسِهِ ) أَيْ عَكْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَعَالِمٌ بِجَاهِلٍ كَعَكْسِهِ ) وَشَرِيفٌ بِخَسِيسٍ وَشَيْخٌ بِشَابٍّ كَعَكْسِهِمَا ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّ الذَّكَرَ يُقْتَلُ بِالْأُنْثَى } رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِ الْبَقِيَّةُ ( وَلَا قِصَاصَ عَلَى ذِمِّيٍّ بِقَتْلِ حَرْبِيٍّ ) بَالِغٍ عَاقِلٍ ( أُسِرَ قَبْلَ أَنْ يَرَى فِيهِ الْإِمَامُ رَأْيَهُ ) مِنْ إرْقَاقٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِهِ السَّابِقِ ( وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَ مُشْكِلٍ وَأُنْثَيَيْهِ وَشَفْرَيْهِ فَلَا قِصَاصَ فِي الْحَالِ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ ثُمَّ إنْ صَبَرَ إلَى التَّبَيُّنِ ( فَإِنْ بَانَ رَجُلًا اقْتَصَّ مِنْهُ ) لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ ( وَ ) أَخَذَ مِنْهُ ( لِلشَّفْرَيْنِ حُكُومَةً ، أَوْ ) بَانَ ( أُنْثَى فَدِيَةٌ ) تُؤْخَذُ مِنْهُ لِلشَّفْرَيْنِ ( وَحُكُومَةٌ لِلْمَذَاكِيرِ ) أَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ جَمَعَهَا عَلَى ذَلِكَ تَغْلِيبًا ( وَإِنْ ) لَمْ يَصْبِرْ فَإِنْ ( عَفَا ) عَنْ الْقِصَاصِ الْمُحْتَمَلِ ( عَلَى مَالٍ قَبْلَ التَّبَيُّنِ ) وَطَلَبَ حَقَّهُ ( أَعْطَى دِيَةَ الشُّفْرَيْنِ وَحُكُومَةَ الْمَذَاكِيرِ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَإِنْ بَانَ أُنْثَى فَمَعَهُ حَقُّهُ ، أَوْ ( رَجُلًا كَمَّلَ لَهُ ) عَلَى مَا أُعْطِيهِ ( دِيَتَا الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةُ الشُّفْرَيْنِ ، وَلَوْ طَلَبَ ) حَقَّهُ ( وَلَمْ يَعْفُ ) عَنْ الْقِصَاصِ ( أُعْطِيَ الْأَقَلَّ مِنْ حُكُومَةِ الشُّفْرَيْنِ مَعَ تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ ) وَمِنْ ( حُكُومَةِ الْمَذَاكِيرِ وَدِيَةِ الشُّفْرَيْنِ بِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ إذْ يُحْتَمَلُ ظُهُورُهُ ذَكَرًا فَيَقْتَصُّ فِي الْمَذَاكِيرِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا حُكُومَةَ الشُّفْرَيْنِ وَيُحْتَمَلُ ظُهُورُهُ أُنْثَى فَيَسْتَحِقُّ دِيَةَ الشُّفْرَيْنِ وَحُكُومَةَ الْمَذَاكِيرِ فَالْمُتَيَقَّنُ هُوَ الْأَقَلُّ

مِنْ وَاجِبَيْ الِاحْتِمَالَيْنِ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَزِيدَ حُكُومَةُ الشُّفْرَيْنِ عَلَى دِيَتِهِمَا مَعَ حُكُومَةِ الْمَذَاكِيرِ ( وَإِنْ قَطَعَ الْجَمِيعَ ) مِنْ الْمُشْكِلِ ( امْرَأَةٌ ) وَصَبَرَ إلَى التَّبَيُّنِ فَإِنْ ( بَانَ أُنْثَى اقْتَصَّ فِي الشُّفْرَيْنِ ) ، وَلَهَا حُكُومَةُ الْمَذَاكِيرِ ، أَوْ ذَكَرًا فَلَهُ دِيَتَا الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةُ الشُّفْرَيْنِ ( وَلَا يَخْفَى التَّفْصِيلُ لِلْحُكْمِ وَقْتَ الْإِشْكَالِ ) أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يَصْبِرْ وَطَلَبَ حَقَّهُ فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ أُعْطِيَ دِيَةَ الشُّفْرَيْنِ وَحُكُومَةَ الْمَذَاكِيرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْفُ أُعْطِيَ حُكُومَةَ الْمَذَاكِيرِ ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِهِ أُنْثَى فَيَقْتَصُّ فِي الشُّفْرَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْحُكُومَةَ الْمَذْكُورَةَ .
وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ دِيَتَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةِ الشُّفْرَيْنِ ، وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا كَمُلَ لَهُ الدِّيَتَانِ وَحُكُومَةُ الشُّفْرَيْنِ ( وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ ) ، أَوْ مُشْكِلٌ ( مَذَاكِيرَهُ ) أَيْ الْمُشْكِلِ ( وَ ) قَطَعَتْ أُنْثَى ، أَوْ مُشْكِلٌ شَفْرَيْهِ ( فَلَا طَلَبَ ) لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالٍ ( إنْ لَمْ يَعْفُ ) عَنْ الْقِصَاصِ الْمُحْتَمَلِ لِتَوَقُّعِ الْقِصَاصِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَإِنْ عَكَسَا ) بِأَنْ قَطَعَ رَجُلٌ شَفْرَيْهِ وَأُنْثَى مَذَاكِيرَهُ ( طُولِبَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( بِحُكُومَةٍ ) لِمَا قَطَعَهُ ، وَإِنْ زَادَتْ فِيمَا لَوْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ حُكُومَةَ الشُّفْرَيْنِ عَلَى دِيَتِهِمَا مِنْ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَا بِشَفْرَيْنِ بَلْ عَلَى صُورَتِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا لِلْمَرْأَةِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِامْرَأَةٍ ، وَلَا مَجَالَ فِي ذَلِكَ لِلْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَا يُؤْخَذُ بِالْأَصْلِيِّ ، وَلَا عَكْسِهِ ( وَإِنْ قَطَعَ ) الْجَمِيعَ ( مُشْكِلٌ مِنْ مُشْكِلٍ ) فَلَا قِصَاصَ فِي الْحَالِ ثُمَّ إنْ صَبَرَ إلَى التَّبَيُّنِ ( وَبَانَا رَجُلَيْنِ ، أَوْ امْرَأَتَيْنِ قُطِعَ الْأَصْلِيُّ بِالْأَصْلِيِّ ، وَكَذَا الزَّائِدُ بِالزَّائِدِ إنْ تَسَاوَيَا )

مَحَلًّا ( وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ ) تَجِبُ فِيهِ ( وَإِنْ بَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَكَمَا سَبَقَ ) فِي قَطْعِ الرَّجُلِ ، أَوْ الْمَرْأَةِ الْجَمِيعَ ( وَإِنْ ) لَمْ يَصْبِرْ فَإِنْ ( عَفَا قَبْلَ التَّبَيُّنِ أُعْطِيَ كَمَا سَبَقَ ) أَيْ دِيَةَ الشُّفْرَيْنِ وَحُكُومَةَ الْمَذَاكِيرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ ( وَلَوْ لَمْ يَعْفُ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا ) فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُتَوَقَّعٌ فِي الْجَمِيعِ ( وَيَرْجِعُ ) فِيمَا إذَا جَنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ بِقَطْعِ مَا ذُكِرَ ( إلَى قَوْلِهِ : إنَّهُ رَجُلٌ ) أَيْ إلَى قَوْلِهِ ( قَبْلَ الْجِنَايَةِ ) أَنَا رَجُلٌ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ ، أَوْ دِيَتُهُمَا ( لَا ) إلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ ( بَعْدَهَا لِلتُّهْمَةِ وَشَبَّهُوهُ بِمَنْ قَالَ إنْ كُنْت غَصَبْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَإِنْ ثَبَتَ غَصْبُهُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا بَعْدَهَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ طَلُقَتْ ) ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ غَصْبُهُ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ الطَّلَاقُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَهُوَ لَا يَقَعُ بِهِمْ وَشَبَّهُوهُ أَيْضًا بِمَا إذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَكَلَ لَا يُعَزَّرُ ، وَلَوْ أَكَلَ ثُمَّ شَهِدَ عُزِّرَ لِلتُّهْمَةِ قَالَهُ فِي الْأَصْلِ ( وَيُصَدَّقُ ) الرَّجُلُ ( الْجَانِي بِيَمِينِهِ ) فِي ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمَقْطُوعَ ( أَقَرَّ بِالْأُنُوثَةِ ) كَأَنْ قَالَ لَهُ أَقْرَرْت بِالْأُنُوثَةِ فَلَا قِصَاصَ لَك فَأَنْكَرَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقِصَاصِ وَالْمَقْطُوعُ مُتَّهَمٌ .

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( قَطَعَ الْمُشْكِلُ ذَكَرَ رَجُلٍ وَأُنْثَيَيْهِ وَبَانَ رَجُلًا اقْتَصَّ مِنْهُ ، أَوْ أُنْثَى فَدِيَتَانِ ، وَلَا قِصَاصَ ) عَلَيْهِ ( وَقَبْلَ الْيَمِينِ ) لِحَالِ الْمُشْكِلِ ( لَا يُعْطَى ) مَالًا ( إلَّا إنْ عَفَا عَلَى مَالٍ ) فَيُعْطَاهُ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ قَبْلَ الْعَفْوِ مُتَوَقَّعٌ بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ ( وَإِنْ قَطَعَ ) شَخْصٌ ( يَدَ مُشْكِلٍ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ فِي الْحَالِ ) وَيَجِبُ ( فِي الْخَطَأِ ) وَشِبْهِ الْعَمْدِ ( نِصْفُ دِيَةِ امْرَأَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَوْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْمَالِ لَمْ يُؤْخَذْ إلَّا الْيَقِينُ ، وَهُوَ نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا دِيَةُ امْرَأَةٍ .
انْتَهَى .
وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ مَحِلُّ إذَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَ الْقَطْعِ أَنَا رَجُلٌ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُهُمْ بِالْمُشْكِلِ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَتَلَ الْجَمَاعَةُ وَاحِدًا قُتِلُوا بِهِ ، وَإِنْ تَفَاضَلَتْ الْجِرَاحَاتُ فِي الْعَدَدِ وَالْفُحْشِ وَالْأَرْشِ ) سَوَاءٌ أَقَتَلُوهُ بِمُحَدَّدٍ أَمْ بِمُثْقَلٍ كَأَنْ أَلْقَوْهُ مِنْ شَاهِقٍ ، أَوْ فِي بَحْرٍ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ فَتَجِبُ لَهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ ؛ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ لَاُتُّخِذَ ذَرِيعَةً إلَى سَفْكِهَا وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً ، أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً ، وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا ( وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ ) فِي ذَلِكَ ( بِجِرَاحَةِ كُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْهُمْ ( إذَا كَانَتْ مُؤَثِّرَةً فِي الزُّهُوقِ ) لِلرُّوحِ ( لَا خَدْشَةً خَفِيفَةً ) فَلَا عِبْرَةَ بِهَا ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سِوَى الْجِنَايَاتِ الْبَاقِيَاتِ ( فَيَسْتَحِقُّ ) وَلِيُّ قَتِيلِ الْجَمَاعَةِ ( دَمُ كُلٍّ مِنْهُمْ ) فَلَهُ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ ( وَ ) لِلْوَلِيِّ ( قَتْلُ بَعْضِهِمْ ، وَأَخْذُ بَاقِي الدِّيَةِ مِنْ الْبَاقِينَ ) ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ ( مُوَزَّعَةً بِعَدَدِهِمْ لَا بِالْجِرَاحَاتِ ) أَيْ بِعَدَدِهَا ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَهَا لَا يَنْضَبِطُ ، وَقَدْ تَزِيدُ نِكَايَةُ الْجِرَاحَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى نِكَايَةِ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ وَخَرَجَ بِالْجِرَاحَاتِ الضَّرَبَاتُ فَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي ( وَمَنْ انْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَزِمَهُ أَرْشُهَا ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ لَزِمَهُ مُقْتَضَاهَا ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ قِصَاصِ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ هُوَ الْجِرَاحَةُ السَّارِيَةُ ( وَإِنْ ) جَرَحَهُ اثْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ وَادَّعَى الْأَوَّلُ انْدِمَالَ جُرْحِهِ ، وَ ( أَنْكَرَهُ الْوَلِيُّ ، وَنَكَلَ فَحَلَفَ مُدَّعِي الِانْدِمَالِ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ ) فِي النَّفْسِ ( فَإِنْ عَفَا ) الْوَلِيُّ ( عَنْ الْآخَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ ) إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ ( إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالِانْدِمَالِ ) فَيَلْزَمُهُ

كَمَالُ الدِّيَةِ .
قَوْلُهُ : وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ إلَخْ ) ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَصَارَ إجْمَاعًا ، وَقَتَلَ عَلِيٌّ ثَلَاثَةً بِوَاحِدٍ ، وَقَتَلَ الْمُغِيرَةُ سَبْعَةً بِوَاحِدٍ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا قُتِلُوا بِهِ ، وَلَوْ كَانُوا مِائَةً ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا ( قَوْلُهُ : قَتَلُوهُ غِيلَةً ) أَيْ حِيلَةً ( قَوْلُهُ : لَوْ قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً إلَخْ ) لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ غَائِبًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا حُبِسَ الْقَاتِلُ حَتَّى يَحْضُرَ أَوْ يَكْمُلَ ، وَلَوْ قَتَلَهُمْ مَعًا أُقْرِعَ فَمَنْ قُرِعَ اقْتَصَّ فَإِنْ عَفَا أُعِيدَتْ وَهَكَذَا ، وَهَذَا الْإِقْرَاعُ وَاجِبٌ ، وَلَوْ رَضُوا بِالتَّقْدِيمِ بِلَا قُرْعَةٍ جَازَ فَإِنْ رَجَعُوا اقْتَرَعُوا ، وَلَوْ لَمْ يَدْرِ أَقَتَلَهُمْ مُرَتَّبًا أَوْ دَفْعَةً أَقْرَعْنَا فَإِنْ أَقَرَّ بِسَبْقِ قَتْلِ بَعْضِهِمْ اقْتَصَّ مِنْهُ وَلِيُّهُ وَلِوَلِيِّ غَيْرِهِ تَحْلِيفُهُ إنْ كَذَّبَهُ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَتَلَ وَاحِدٌ ) مِنْ الْأَحْرَارِ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ ( جَمَاعَةً ، أَوْ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ اُقْتُصَّ ) مِنْهُ ( لِوَاحِدٍ ) مِنْهُمْ ( وَ ) عَلَيْهِ ( لِلْبَاقِينَ ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ ( الدِّيَةُ وَسَيَأْتِي ) ذَلِكَ مَعَ الْكَلَامِ فِيمَنْ يُقْتَصُّ لَهُ مِنْهُمْ فِي بَابِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا ، أَوْ حُرًّا لَكِنَّهُ قُتِلَ فِي الْمُحَارَبَةِ فَسَيَأْتِي .

( فَصْلٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَرْعٌ ( وَإِنْ مَاتَ ) الْجَرِيحُ ( مِنْ جِرَاحَتَيْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ ، أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْجَارِحِ ؛ لِأَنَّ الزُّهُوقَ لَمْ يَحْصُلْ بِعَمْدٍ مَحْضٍ ( بَلْ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ ) يَعْنِي عَاقِلَةَ غَيْرِ الْمُتَعَمِّدِ ( نِصْفُ الدِّيَةِ ) مُخَفَّفَةً ، أَوْ مُثَلَّثَةً ( وَعَلَى الْمُتَعَمِّدِ النِّصْفُ مُغَلَّظَةً سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجَارِحُ ، أَوْ تَعَدَّدَ إلَّا إنْ قَطَعَ الْمُتَعَمِّدُ طَرَفَهُ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ ) فَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ فَعَلَيْهِ قِصَاصُهَا ، أَوْ الْأُصْبُعَ فَكَذَلِكَ مَعَ أَرْبَعَةِ أَعْشَارِ الدِّيَةِ ( وَإِنْ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي أَحَدِهِمَا لِمَعْنًى فِيهِ اقْتَصَّ مِنْ شَرِيكِهِ إذَا تَعَمَّدَا جَمِيعًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ فَإِذَا شَارَكَ مَنْ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لَا لِمَعْنًى فِي فِعْلِهِ لَزِمَهُ أَيْضًا كَمَا لَوْ تَعَمَّدَا فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا ( فَيُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكٍ لِأَبٍ فِي ) قَتْلِ ( الْوَلَدِ ) وَعَلَى الْأَبِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً ، وَفَارَقَ شَرِيكُ الْأَبِ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ بِأَنَّ الْخَطَأَ شُبْهَةٌ فِي فِعْلِ الْمُخْطِئِ وَالْفِعْلَانِ مُضَافَانِ إلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ صَدَرَا مِنْ وَاحِدٍ وَالْأُبُوَّةُ صِفَةٌ فِي ذَاتِ الْأَبِ وَذَاتُهُ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ ذَاتِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا تُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ ( وَ ) يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ ( الْحُرِّ فِي ) قَتْلِ ( الْعَبْدِ ، وَ ) مِنْ شَرِيكِ ( الْمُسْلِمِ فِي ) قَتْلِ ( الذِّمِّيِّ ، وَكَذَا مِنْ شَرِيكِ سَيِّدٍ ) فِي قَتْلِ عَبْدِهِ إنْ كَانَ شَرِيكُهُ عَبْدًا ، أَوْ حُرًّا وَجَرَحَهُ بَعْدَ أَنْ جَرَحَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ( وَ ) مِنْ شَرِيكِ ( حَرْبِيٍّ ) فِي مِثْلِ مَنْ يُكَافِئُهُ ( وَ ) مِنْ شَرِيكِ ( جَارِحٍ ) جُرِحَ ( بِحَقٍّ كَقَطْعِ سَرِقَةٍ ) ، أَوْ قِصَاصٍ ( وَ ) مِنْ ( شَرِيكِ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ ) وَمَجْنُونٍ ( لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ ) فِي قَتْلِ مَنْ يُكَافِئُهُ ؛ لِأَنَّ عَمْدَهَا عَمْدٌ بِخِلَافِ شَرِيكِ مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ ( وَمِنْ شَرِيكِ السَّبُعِ ،

أَوْ الْحَيَّةِ الْقَاتِلَيْنِ غَالِبًا ) فِي قَتْلِ مَنْ يُكَافِئُهُ بِخِلَافِ شَرِيكِ الْقَاتِلَيْنِ لَا غَالِبًا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ كَشَرِيكِ الْجَارِحِ شِبْهُ عَمْدٍ ، وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَصْحِيحُ - أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا كَشَرِيكِ الْمُخْطِئِ وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْأَوَّلُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ( وَ ) مِنْ ( شَرِيكِ قَاتِلِ نَفْسِهِ ) فِي قَتْلِ مَنْ يُكَافِئُهُ وَفِي نُسْخَةٍ جَارِحِ نَفْسِهِ ( وَلَوْ رَمَيَا ) أَيْ اثْنَانِ ( مُسْلِمًا ) بِسَهْمٍ ، أَوْ سَهْمَيْنِ ( فِي صَفِّ كُفَّارٍ ، وَأَحَدُهُمَا جَاهِلٌ بِهِ ) وَالْآخَرُ عَالِمٌ بِهِ ( اُقْتُصَّ مِنْ الْعَالِمِ ) بِهِ كَشَرِيكِ السَّيِّدِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْجَاهِلِ ، وَلَيْسَ هُوَ مُخْطِئًا حَتَّى يُقَالَ إنَّ شَرِيكَهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ بَلْ هُوَ مُتَعَمِّدٌ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِصَاصُ لِعُذْرِهِ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( جَرَحَ شَخْصٌ ) آخَرَ ( غَيْرُ مَعْصُومٍ كَحَرْبِيٍّ ) وَمُرْتَدٍّ ( وَصَائِلٍ ثُمَّ جَرَحَهُ ) ثَانِيًا ( بَعْدَ الْعِصْمَةِ ، أَوْ جَرَحَ رَجُلًا بِحَقٍّ ) كَقِصَاصٍ وَسَرِقَةٍ ( ثُمَّ ) جَرَحَهُ ( عُدْوَانًا ، أَوْ جَرَحَ عَبْدَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَبَعْدَهُ ، أَوْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ ) ثَانِيًا ( وَمَاتَ ) بِالسِّرَايَةِ ( فَكَشَرِيكِ الْمُخْطِئِ ) فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ تَغْلِيبًا لِمُسْقِطِ الْقِصَاصِ ، وَيَثْبُتُ مُوجِبُ الْجُرْحِ الثَّانِي مِنْ قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ ( وَإِنْ قَطَعَ ) حُرٌّ ( إحْدَى يَدَيْ عَبْدٍ ، أَوْ ) مُسْلِمٌ إحْدَى يَدَيْ ( ذِمِّيٍّ قَبْلَ الْعِتْقِ ) لِلْعَبْدِ ( أَوْ الْإِسْلَامِ لِلذِّمِّيِّ ، وَ ) قَطَعَ ( الْأُخْرَى بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْعِتْقِ ، أَوْ الْإِسْلَامِ ( فَمَاتَ ) بِالسِّرَايَةِ ( اُقْتُصَّ مِنْهُ بِالْيَدِ الْأُخْرَى ) أَيْ بِقَطْعِهَا لِمُكَافَأَتِهِ الْمَقْطُوعَ حِينَ قَطْعِهَا ، وَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ ( وَلَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ مَا يُقَابِلُ النِّصْفَ الْآخَرَ ( فَإِنْ عَفَا ) عَنْ قِصَاصِ الْيَدِ ( لَزِمَهُ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ ، وَإِنْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ ذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ الْقَاطِعُ ثُمَّ قَطَعَ ) مِنْهُ ( الْآخَرُ فَمَاتَ ) بِالسِّرَايَةِ ( فَالْقِصَاصُ ) وَاجِبٌ ( فِي ) قَطْعِ الْيَدِ ( الْأُولَى فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الثَّانِيَةِ ، وَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ ( فَإِنْ عَفَا ) عَنْ قِصَاصِ الْيَدِ ( فَدِيَةُ ذِمِّيٍّ ) عَلَى الْقَاطِعِ .
قَوْلُهُ : ثُمَّ جَرَحَهُ بَعْدَ الْعِصْمَةِ ) بِأَنْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ أَوْ عُقِدَتْ لِلْحَرْبِيِّ الذِّمَّةُ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( دَاوَى ) الْمَجْرُوحُ ( جُرْحَهُ بِمُذَفِّفٍ ) أَيْ قَاتِلٍ سَرِيعًا كَأَنْ شَرِبَ سُمًّا قَاتِلًا ، أَوْ وَضَعَهُ عَلَى الْجُرْحِ ( فَهُوَ قَاتِلٌ نَفْسَهُ ) ؛ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ يَقْطَعُ حُكْمَ السِّرَايَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ غَيْرُهُ فَذَبَحَ نَفْسَهُ ( وَعَلَى الْجَارِحِ أَرْشُ جُرْحِهِ ، أَوْ قِصَاصُهُ ) لَا قِصَاصُ النَّفْسِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَجْرُوحُ حَالَ السُّمِّ أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ( أَوْ دَاوَاهُ ) أَيْ جُرْحَهُ ( بِمَا ) لَا ( يَقْتُلُ غَالِبًا ، أَوْ ) بِمَا ( يَقْتُلُ غَالِبًا ) ، وَلَيْسَ بِمُذَفِّفٍ ( وَجَهِلَهُ ) أَيْ جَهِلَ كَوْنَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا ( فَالْجَارِحُ شَرِيكُ ) صَاحِبٍ ( شِبْهُ عَمْدٍ ) فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ مُوجِبُ جُرْحِهِ مِنْ قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ ( فَإِنْ عَلِمَهُ الْمَجْرُوحُ فَكَشَرِيكِ قَاتِلِ نَفْسِهِ ) فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ( وَكَذَا ) يَكُونُ كَشَرِيكِ قَاتِلِ نَفْسِهِ ( لَوْ خَاطَ ) الْمَجْرُوحُ ( جُرْحَهُ فِي لَحْمٍ حَيٍّ لَا ) لَحْمٍ ( مَيِّتٍ ) ، وَلَوْ ( تَدَاوَيَا خِيَاطَةً تَقْتُلُ غَالِبًا ) بِخِلَافِ مَا لَوْ خَاطَ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ بَلْ لَا أَثَرَ لِلْخِيَاطَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( فَإِنْ خَاطَهُ غَيْرُهُ بِلَا أَمْرٍ ) مِنْهُ ( اُقْتُصَّ مِنْهُ وَمِنْ الْجَارِحِ ، وَإِنْ كَانَ ) الْغَيْرُ ( إمَامًا ) لِتَعَدِّيهِ مَعَ الْجَارِحِ ( لَا إنْ خَاطَهُ الْإِمَامُ لِصَبِيٍّ ، أَوْ مَجْنُونٍ لِمَصْلَحَتِهِ ) فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ سِلْعَةً مِنْهُ فَمَاتَ ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ مَصْلَحَتَهُ ( بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُهَا ، وَنِصْفُهَا ) الْآخَرُ ( فِي مَالِ الْجَارِحِ ) ، وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ ، وَنِصْفُهَا فِي مَالِ الْجَارِحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ قَصَدَ ) الْمَجْرُوحُ ، أَوْ غَيْرُهُ ( الْخِيَاطَةَ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ فَوَقَعَ فِي ) لَحْمٍ ( حَيٍّ فَالْجَارِحُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْقَفَّالُ ، وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الْخِيَاطَةَ فِي الْجِلْدِ فَوَقَعَ فِي اللَّحْمِ ( وَالْكَيُّ )

فِيمَا ذَكَرَ ( كَالْخِيَاطَةِ ) فِيهِ ( وَلَا أَثَرَ لَهُمَا فِي اللَّحْمِ الْمَيِّتِ ) ، وَلَا فِي الْجِلْدِ كَمَا فُهِمَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِاللَّحْمِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الْمُهْلِكِ فَعَلَى الْجَارِحِ الْقِصَاصُ ، أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ وَمَا هُنَا تَبْيِينٌ لِمُرَادِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ لَا مَيِّتٍ ( وَلَا ) أَثَرَ ( لِدَوَاءٍ لَا يَضُرُّ ، وَلَا لِمَرَضٍ ) بِالْمَجْرُوحِ ( حَادِثٍ ) ، أَوْ قَدِيمٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا عَلَى الْمَجْرُوحِ مِنْ قُرُوحٍ ، وَلَا بِمَا بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَضَنًى قَالَ الرَّافِعِيُّ : لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُضَافُ إلَى أَحَدٍ ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : أَيْ قَاتِلٍ سَرِيعًا ) كَمَا يُقَال سُمٌّ سَاعَةً

( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَطَعَ أُصْبُعَ ) يَدِ ( رَجُلٍ ) مَثَلًا ( فَتَآكَلَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ ) فَقَطْ ( فَقَطَعَهَا ) يَعْنِي الْيَدَ ( الْمَجْرُوحُ مِنْ الْكَفِّ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَقَطَعَ الْمَقْطُوعُ كَفَّهُ خَوْفَ السِّرَايَةِ ( طُولِبَ ) الْقَاطِعُ ( بِالْأُصْبُعِ ) قِصَاصًا ، أَوْ أَرْشًا إنْ لَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ ، وَلَا يُطَالَبُ بِالْقِصَاصِ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْجِسْمِ لَا يُقْصَدُ بِالسِّرَايَةِ ( فَإِنْ سَرَى ) إلَى النَّفْسِ ( فَكَشَرِيكِ خَائِطِ جُرْحِهِ ) فِيمَا مَرَّ ( وَإِنْ تَآكَلَ الْكَفُّ ) لَا مِنْ الدَّوَاءِ الْحَاصِلِ مِنْ الْمَجْرُوحِ لِجُرْحِهِ ( ضَمِنَهَا ) الْقَاطِعُ فَإِنْ تَآكَلَتْ مِنْ الدَّوَاءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَرْشُ الْقَطْعِ ، وَإِنْ تَآكَلَتْ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ مَعَ أَرْشِ الْقَطْعِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ضَمَانِ بَقِيَّةِ الْكَفِّ بِالتَّوْزِيعِ عَلَيْهِمَا - ( وَإِنْ ) تَآكَلَتْ ثُمَّ ( قَطَعَهَا مِنْ لَحْمٍ حَيٍّ ، أَوْ مَيِّتٍ فَكَالْخِيَاطَةِ ) فِيمَا مَرَّ ( ، وَلَوْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الْخَصْمَانِ ( فِي التَّآكُلِ بِالدَّوَاءِ ) فَقَالَ الْجَانِي دَاوَيْت بِمَا يُورِثُ التَّآكُلَ ، وَأَنْكَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( أَوْ ) اخْتَلَفَا ( هَلْ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ ) فَقَالَ الْوَارِثُ مَاتَ بِهَا ، وَقَالَ الْجَانِي بَلْ قَتَلَ نَفْسَهُ ( صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ) بِيَمِينِهِ فِي الْأُولَى ( أَوْ الْوَارِثُ ) فِي الثَّانِيَةِ عَمَلًا بِالْجِنَايَةِ الْمَعْلُومَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( ضَرَبُوهُ سِيَاطًا ) أَيْ بِسِيَاطٍ خَفِيفَةٍ مَثَلًا حَتَّى قَتَلُوهُ ( وَكُلٌّ ) مِنْهُمْ ( ضَرْبُهُ يَقْتُلُ ) لَوْ انْفَرَدَ ( قُتِلُوا ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُقْتَلْ إنْ تَوَاطَئُوا ) عَلَى ضَرْبِهِ ، وَكَانَ ضَرْبُ كُلٍّ مِنْهُمْ مُؤَثِّرًا فِي الزُّهُوقِ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ ، وَكَمَا لَوْ تَوَالَتْ ضَرَبَاتُ الْوَاحِدِ وَتَخَالَفَ الْجِرَاحَاتُ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّوَاطُؤُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْجُرْحِ يُقْصَدُ بِهِ الْإِهْلَاكُ بِخِلَافِ الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ وَقَعَتْ الضَّرَبَاتُ كُلُّهَا ، أَوْ بَعْضُهَا اتِّفَاقًا ( فَالدِّيَةُ ) أَيْ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ ( مُوَزَّعَةً عَلَى الضَّرَبَاتِ ) ؛ لِأَنَّهَا تُلَافِي ظَاهِرَ الْبَدَنِ فَلَا يَعْظُمُ فِيهَا التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ ( نَعَمْ إنْ ضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا ضَرْبًا يَقْتُلُ ) كَأَنْ ضَرَبَهُ خَمْسِينَ سَوْطًا ( ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآخَرُ سَوْطَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةً حَالَ الْأَلَمِ ) مِنْ ضَرْبِ الْأَوَّلِ ( عَالِمًا بِضَرْبِهِ اقْتَصَّ مِنْهُمَا ) لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ مِنْهُمَا ( أَوْ جَاهِلًا بِهِ ) فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدُ الْإِهْلَاكِ مِنْ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ شَرِيكُهُ ( فَعَلَى الْأَوَّلِ حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ وَعَلَى الثَّانِي كَذَلِكَ ) أَيْ حِصَّةُ ضَرْبِهِ ( مِنْ دِيَةِ شِبْهِهِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا ضَرَبَ مَرِيضًا سَوْطَيْنِ جَاهِلًا مَرَضَهُ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِأَنَّا لَمْ نَجِدْ ثَمَّ مَنْ نُحِيلُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ سِوَى الضَّارِبِ ( وَإِنْ ضَرَبَاهُ بِالْعَكْسِ ) بِأَنْ ضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا سَوْطَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآخَرُ ضَرْبًا يَقْتُلُ كَأَنْ ضَرَبَهُ خَمْسِينَ سَوْطًا حَالَ الْأَلَمِ ، وَلَا تَوَاطُؤَ ( فَلَا قِصَاصَ ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْأَوَّلِ شِبْهُ عَمْدٍ وَالثَّانِي شَرِيكُهُ ( بَلْ يَجِبُ ) عَلَيْهِمَا ( الدِّيَةُ كَذَلِكَ ) يَعْنِي عَلَى الْأَوَّلِ حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَعَلَى الثَّانِي حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ

الْعَمْدِ .
قَوْلُهُ : فَعَلَى الْأَوَّلِ حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ إلَخْ ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّوْزِيعَ لِلدِّيَةِ عَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ لَا عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ .

( فَرْعٌ : لَوْ جَرَحَهُ ) شَخْصٌ ( خَطَأً ، وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ وَسَبُعٌ وَمَاتَ ) مِنْ ذَلِكَ ( لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ ) كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَخَرَجَ بِالْخَطَأِ الْعَمْدُ فَيُقْتَصُّ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا مَرَّ .

( بَابُ تَغَيُّرِ الْحَالِ ) أَيْ حَالَ الْجَارِحِ ، أَوْ الْمَجْرُوحِ ( بَيْنَ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ ) بِالْعِصْمَةِ وَالْإِهْدَارِ ، أَوْ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ بِهِ ( لَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ) مَثَلًا ( حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ ) ، أَوْ أَمِنَ ( ثُمَّ مَاتَ ) بِالسِّرَايَةِ ( فَلَا ضَمَانَ كَعَكْسِهِ ) بِأَنْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا فَأَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ ، أَوْ أَمِنَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ ؛ لِأَنَّهُ جُرْحٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَسِرَايَتُهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ ( وَكَذَا ) لَا ضَمَانَ ( لَوْ جَرَحَ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ فَمَاتَ ) بِالسِّرَايَةِ لِذَلِكَ نَعَمْ يَضْمَنُهُ بِالْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَإِنْ رَمَى مُرْتَدًّا ، أَوْ حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ ، أَوْ رَمَى عَبْدَهُ ، أَوْ قَاتَلَ أَبِيهِ فَأَعْتَقَهُ ) أَيْ الْعَبْدَ ( أَوْ عَفَا ) عَنْ قَاتِلِ أَبِيهِ ( قَبْلَهَا ) أَيْ الْإِصَابَةِ ( وَجَبَتْ الدِّيَةُ ) اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ اتِّصَالِ الْجِنَايَةِ ، وَالرَّمْيُ كَالْمُقَدِّمَةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْجِنَايَةِ ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فِي أَوَّلِ أَجْزَاءِ الْجِنَايَةِ ، وَهَذَا ( كَمَنْ كَانَ عَبْدًا ) ، أَوْ مُرْتَدًّا ( حَالَ الْحَفْرِ ) لِبِئْرٍ بِمَحَلِّ عُدْوَانٍ ( فَعَتَقَ ) الْعَبْدُ ، أَوْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ ( ثُمَّ تَرَدَّى ) فِيهَا فَتَجِبُ الدِّيَةُ ، وَلَا قِصَاصَ .

( بَابُ تَغَيُّرِ الْحَالِ بَيْنَ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ ) .
( فَرْعٌ ) لَوْ جَرَحَ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ ، وَلَا دِيَةَ فَلَوْ كَانَ جَارِحُهُ مُرْتَدًّا وَجَبَ الْقِصَاصُ كَمَا مَرَّ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ فِي قَتْلِ الْمُرْتَدِّ مُرْتَدًّا بَلْ فِيهِ الْقِصَاصُ فَقَطْ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ رَمَى مُرْتَدًّا إلَخْ ) لَوْ كَانَ الرَّامِي إلَى الْمُرْتَدِّ هُوَ الْإِمَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ ، وَإِنْ شَارَكَ الْأَجْنَبِيَّ فِي التَّعَدِّي فِي الرَّمْيِ فَقَدْ امْتَازَ عَنْهُ بِإِبَاحَةِ الْقَتْلِ فَرَمْيُهُ إيَّاهُ لِأَجْلِ رِدَّتِهِ ( قَوْلُهُ : وَجَبَتْ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ ) ، وَإِنْ قَالَ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ : إنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ دِيَةِ عَمْدٍ فِي مَالِهِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ .

( وَإِنْ رَمَى حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ ) الْحَرْبِيُّ ( قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَهَلْ يَضْمَنُ ) ، أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) الظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ كَعَكْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ هُنَا حَصَلَتْ حَالَةَ كَوْنِ الرَّامِي مُلْتَزِمًا لِلضَّمَانِ بِخِلَافِهَا ثَمَّ ( وَإِنْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ ) مُرْتَدًّا ( بِالسِّرَايَةِ فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ بِالْجُرْحِ ) لَا بِالنَّفْسِ ( إنْ ، أَوْجَبَهُ ) كَالْمُوضِحَةِ ، وَقَطْعِ الْيَدِ عَمْدًا ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ يَنْفَرِدُ عَنْهُ فِي النَّفْسِ وَيَسْتَقِرُّ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ طَرَفَ غَيْرِهِ ثُمَّ حَزَّ آخِرُ رَقَبَتِهِ ، وَلَوْ خَطَأً لَزِمَ الْأَوَّلَ قِصَاصُ الطَّرَفِ وَالْمُرَادُ بِوَلِيِّهِ مَنْ يَرِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ لَا الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي ، وَهُوَ لَهُ لَا لِلْإِمَامِ فَلَوْ كَانَ صَغِيرًا ، أَوْ مَجْنُونًا اُنْتُظِرَ كَمَالُهُ لِيَسْتَوْفِيَ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْجُرْحُ الْقِصَاصَ كَالْجَائِفَةِ وَالْهَاشِمَةِ ، وَكَقَطْعِ الْيَدِ خَطَأً ( فَا ) لْوَاجِبُ ( الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ ) لِلنَّفْسِ ( وَالْأَرْشِ ) لِلْجُرْحِ فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ كَقَطْعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ لَمْ يَزِدْ بِالسِّرَايَةِ فِي الرِّدَّةِ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَتْ الدِّيَةُ أَقَلَّ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا زِيَادَةَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ مُسْلِمًا لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْهَا فَبِالْأَوْلَى إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا ( وَيَكُونُ ) الْوَاجِبُ - ( فَيْئًا ) فَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِوَلِيِّهِ ( وَ ) إنْ انْدَمَلَ جُرْحُهُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ ( قَبْلَ الْمَوْتِ ) كَانَ ( الْقِصَاصُ لَهُ ) فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ اقْتَصَّ وَلِيُّهُ ( وَلِلْمَالِ ) الْوَاجِبِ لَهُ بِالْجُرْحِ ( حُكْمُ مَالِهِ ) الثَّابِتِ لَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ ، وَإِلَّا أَخَذَهُ الْإِمَامُ ( فَإِنْ أَسْلَمَ ) قَبْلَ انْدِمَالِ جُرْحِهِ ( ثُمَّ مَاتَ ) بِالسِّرَايَةِ ( فَلَا

قِصَاصَ فِي النَّفْسِ ) ، وَإِنْ قَلَّ زَمَنُ الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ لَوْ مَاتَ فِيهَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً دَارِئَةً لَهُ ( وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً ) ، وَإِنْ كَثُرَ زَمَنُ الرِّدَّةِ لِوُقُوعِ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ فِي حَالَةِ الْعِصْمَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الدِّيَةِ بِآخِرِ الْأَمْرِ .
( قَوْلُهُ : فَهَلْ يَضْمَنُ ) أَيْ دِيَتَهُ ( قَوْلُهُ : الظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ ) هُوَ الْأَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحَ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَنَفْسُهُ هَدَرٌ ) أَيْ إذَا كَانَ الْجَارِحُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ مُرْتَدًّا فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِوَلِيِّهِ مَنْ يَرِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ ) فَيَخْرُجُ عَنْهُ قَرِيبُهُ الَّذِي لَيْسَ وَارِثًا ، وَيَدْخُلُ فِيهِ ذُو الْوَلَاءِ قَوْلُهُ : وَإِنْ قَلَّ زَمَنُ الرِّدَّةِ ) بِأَنْ لَمْ يَمْضِ فِيهَا زَمَانٌ يَسْرِي فِيهِ الْجُرْحُ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً دَارِئَةً لَهُ ) هَذَا إذَا كَانَ الْجَارِحُ غَيْرَ مُرْتَدٍّ فَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ

( وَكَذَا ) لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً ( إنْ ارْتَدَّ ) الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ ( ثُمَّ أَسْلَمَ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ فَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ ) حِينَئِذٍ ( أُهْدِرَ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُغِيرِ قَدْرَ الدِّيَةِ وَقْتَ الْمَوْتِ ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ التَّالِفِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُ التَّلَفِ ، وَقَدْرُ الدِّيَةِ مَنْصُوبٌ بِالْمُغِيرِ ( فَإِنْ جَرَحَ ذِمِّيًّا ) حُرًّا مِثْلَهُ ( فَنَقَضَ ) الْمَجْرُوحُ عَهْدَهُ وَالْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَ ( وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ وَلِلْجُرْحِ قِصَاصٌ ) كَقَطْعِ يَدٍ ( اقْتَصَّ بِهِ ) إذْ لَا مَانِعَ ( لَا بِالنَّفْسِ ) لِتَخَلُّلِ حَالَةِ إهْدَارِهَا ؛ وَلِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ ( بَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ ) فِي ذَلِكَ وَفِيمَا لَوْ لَمْ يَقْتَصَّ ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ اعْتِبَارًا بِالْمَالِ بَعْدَ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَضْمُونًا وَقْتَ الْجِنَايَةِ ( وَلِلْوَارِثِ مِنْهَا قَدْرُ الْأَرْشِ ، وَلَوْ كَانَ ) الْوَارِثُ ذِمِّيًّا ( فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمَا فَضَلَ ) مِنْهَا ( لِلسَّيِّدِ ) فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ ( فَإِنْ كَانَ ) سَيِّدُهُ ( قَدْ أَعْتَقَهُ فَدِيَةُ ذِمِّيٍّ ) تَجِبُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ الْمَجْرُوحُ ( أَوْ ) دِيَةُ ( مُسْلِمٍ إنْ أَسْلَمَ ) ، وَقِيلَ الْوَاجِبُ فِي الْأُولَى أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأَرْشِ وَدِيَةُ ذِمِّيٍّ وَفِي الثَّانِيَةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأَرْشِ وَدِيَةُ مُسْلِمٍ وَفِي الْقِصَاصِ فِي الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ ، وَقَدْ حَكَى الْأَصْلُ ذَلِكَ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِلَا تَرْجِيحٍ فَتَرْجِيحُ إيجَابِ الدِّيَةِ وَعَدَمُ إيجَابِ الْقِصَاصِ الْمَفْهُومِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ .
( وَالدِّيَةُ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( لِلْوَارِثِ ) ، وَهُوَ فِي الْأُولَى ذِمِّيٌّ ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ .

( وَإِنْ جَرَحَ ) شَخْصٌ ( ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ ، أَوْ عَبْدًا ) لِغَيْرِهِ ( فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَجَبَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَيَكُونُ ) أَرْشُهَا فِي الثَّانِيَةِ ( لِمَالِكِ الْعَبْدِ ، وَإِنْ ) الْأَوْلَى فَإِنْ ( فَقَأَ عَيْنَهُ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ ) ، وَإِنْ كَانَ الِانْدِمَالُ بَعْدَ عِتْقِهِ ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ إذَا انْدَمَلَتْ اسْتَقَرَّتْ وَخَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ جِنَايَةً عَلَى النَّفْسِ فَيَنْظُرُ إلَى حَالِ الْجِنَايَةِ عَلَى الطَّرَفِ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَانَ حِينَئِذٍ مَمْلُوكًا فَيَجِبُ أَرْشُهَا لِلْمَالِكِ كَمَا قُلْنَا لَا دِيَةُ حُرٍّ ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَقَطْ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ أَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ غَالِبًا ( وَإِنْ ) مَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْعَبْدِ ( بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ ) إنْ كَانَ جَارِحُ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا وَجَارِحُ الْعَبْدِ حُرًّا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالْجِنَايَةِ مَنْ يُكَافِئُهُ ( بَلْ ) تَجِبُ ( دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ ) ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فِي مَسْأَلَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ مَضْمُونٌ ، وَفِي الِانْتِهَاءِ حُرٌّ مُسْلِمٌ فَتَجِبُ دِيَتُهُ ( لِلْوَرَثَةِ ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( وَ ) لَكِنْ ( لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مِنْهَا ) فِي الثَّانِيَةِ ( قِيمَتُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالْجِنَايَةِ الْوَاقِعَةِ فِي مِلْكِهِ ( وَإِنْ فَضَلَ مِنْهَا شَيْءٌ فَلِوَارِثِ الْعَتِيقِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبِ الْحُرِّيَّةِ رُبَّمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ ، وَإِنْ فَضَلَ إلَى آخِرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْوَرَثَةِ وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْءٌ فَلِوَارِثِ الْعَتِيقِ كَانَ أَحْسَنَ ، وَأَوْضَحَ ، وَأَخْصَرَ مِمَّا قَالَهُ ( وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ ) بِالسِّرَايَةِ ( فَدِيَةٌ ) تَجِبُ لِمَا مَرَّ ( وَلِلسَّيِّدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ مِنْهَا ، وَإِنْ أَتَتْ ) قِيمَتُهُ أَيْ نِصْفُهَا ( عَلَى الدِّيَة ) بِأَنْ سَاوَتْهَا .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ جَرَحَ شَخْصٌ ذِمِّيًّا ) أَيْ أَوْ مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( قَطَعَ ) شَخْصٌ ( يَدَ عَبْدٍ ) لِغَيْرِهِ ( فَعَتَقَ ثُمَّ ) قَطَعَ ( آخَرُ ) يَدَهُ ( الْأُخْرَى ) وَانْدَمَلَ الْجُرْحَانِ ( قُطِعَ ) الْقَاطِعُ ( الثَّانِي ) حُرًّا كَانَ ، أَوْ عَبْدًا لِوُجُودِ الْكَفَاءَةِ ( لَا الْأَوَّلُ ) فَلَا يُقْطَعُ ( إنْ كَانَ حُرًّا ) لِعَدَمِهَا بَلْ عَلَيْهِ ( لِلسَّيِّدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْقِطْعَيْنِ ( قُتِلَ الثَّانِي ) لِوُجُودِ الْكَفَاءَةِ لَا الْأَوَّلُ إنْ كَانَ حُرًّا لِعَدَمِهَا ( وَلَزِمَ الْأَوَّلَ نِصْفُ الدِّيَةِ لِلسَّيِّدِ مِنْهَا ) يَعْنِي مِنْ نِصْفِهَا ( نِصْفُ قِيمَتِهِ ) وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ ( وَإِنْ عَفَا ) عَنْ الثَّانِي ( فَعَلَيْهِمَا ) أَيْ الْقَاطِعَيْنِ ( الدِّيَةُ وَلِلسَّيِّدِ فِي حِصَّةِ الْأَوَّلِ ) مِنْهُمَا ( الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِهَا ) وَمِنْ ( نِصْفِ الْقِيمَةِ ) ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي حِصَّةِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ ( وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ اتَّحَدَ الْقَاطِعُ لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِهِ ) أَيْ بِالْمَقْطُوعِ ( إنْ مَاتَ ) تَغْلِيبًا لِلْمُسْقِطِ فَلَوْ قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى وَانْدَمَلَ الْجُرْحَانِ اقْتَصَّ مِنْهُ لِلْأُخْرَى لَا لِلْأُولَى ، وَعَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا اقْتَصَّ مِنْهُ لِلْأُخْرَى لَا لِلنَّفْسِ ، وَلَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِلسَّيِّدِ مِنْهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ فَإِنْ عَفَا عَنْهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ لِلسَّيِّدِ مِنْهَا الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِهَا ، وَنِصْفُ الْقِيمَةِ ( وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَ يَدِ عَبْدٍ ) لِغَيْرِهِ ( فَعَتَقَ ثُمَّ ) قَطَعَ ( آخَرُ رِجْلَهُ فَمَاتَ ) مِنْهُمَا ( فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ وَلِلسَّيِّدِ عَلَى الْأَوَّلِ ) مِنْهُمَا ( الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِهَا وَعُشْرُ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ قَطَعَ ) مِنْ الْعَبْدِ ( يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ) مَثَلًا ( ثُمَّ عَتَقَ وَجَرَحَهُ آخَرَانِ ) وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ أَثْلَاثًا ( فَلِلسَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ ، وَكُلُّ الْقِيمَةِ ) الْوَاجِبَةِ بِالْقَطْعِ فِي الرِّقِّ .

( قَوْلُهُ : وَلِلسَّيِّدِ عَلَى الْأَوَّلِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِهَا وَعُشْرُ الْقِيمَةِ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرْشُ الْجُرْحِ مُقَدَّرًا ، وَلَكِنَّهُ تَابِعٌ لِمُقَدَّرٍ كَالْجُرْحِ عَلَى أُصْبُعٍ مَثَلًا فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ وَمِنْ عُشْرٍ نَاقِصًا شَيْئًا بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ ثُمَّ جَرَحَهُ اثْنَانِ ) كَأَنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ الْأُخْرَى وَالْآخَرُ رِجْلَهُ ( وَمَاتَ ) بِجِرَاحَاتِهِمْ ( فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ ) فِي الطَّرَفِ وَالنَّفْسِ لِوُجُودِ الْكَفَاءَةِ ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِهَا ( وَإِنْ عَفَا ) عَنْ الْقِصَاصِ ( عَلَى الدِّيَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الثُّلُثُ ) مِنْهَا ( لِلسَّيِّدِ مِنْهُ الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ ) الْوَاجِبِ بِالْقَطْعِ فِي الرِّقِّ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ الثُّلُثُ ، وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْنِيَا عَلَى مِلْكِهِ ( فَإِنَّ جُرْحَهُ الْأَوَّلَ ثَانِيًا بَعْدَ الْعِتْقِ ) وَمَاتَ بِجِرَاحَاتِهِمْ ( فَعَلَيْهِ ) كَكُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ ( الثُّلُثُ ) مِنْ الدِّيَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَجِبُ مُوَزَّعَةً عَلَى عَدَدِهِمْ لَا عَلَى عَدَدِ جِرَاحَاتِهِمْ ( وَلِلسَّيِّدِ مِنْهُ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ ) الْوَاجِبِ بِالْقَطْعِ فِي الرِّقِّ ( وَ ) مِنْ ( سُدُسِ الدِّيَةِ ) الْوَاجِبِ آخِرًا بِجِنَايَةِ الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَوَّلِ مُوَزَّعٌ عَلَى جِرَاحَتَيْهِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ( وَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ فَعَتَقَ ثُمَّ جَرَحَهُ ) ثَانِيًا ( مَعَ آخَرَ فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ نِصْفَيْنِ وَلِلسَّيِّدِ عَلَى الْأَوَّلِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَرُبُعِ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَوَّلِ مُوَزَّعٌ عَلَى جِرَاحَتَيْهِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ( وَإِذَا جَرَحَهُ اثْنَانِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَثَالِثٌ بَعْدَهُ فَمَاتَ ) بِجِرَاحَاتِهِمْ ( فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا فَلِلسَّيِّدِ ) عَلَى الْأَوَّلَيْنِ ( الْأَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ ) الْوَاجِبَيْنِ عَلَيْهِمَا ( وَأَرْشُ جِنَايَتِهِمَا ) فِي الرِّقِّ ( وَإِذَا جَرَحَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ ثَلَاثَةٌ وَرَابِعٌ بَعْدَهُ ) فَمَاتَ بِجِرَاحَاتِهِمْ ( فَالدِّيَةُ ) عَلَيْهِمْ ( أَرْبَاعًا وَلِلسَّيِّدِ ) عَلَى الثَّلَاثَةِ ( الْأَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ ، وَأَرْشُ جِنَايَاتِ الرِّقِّ ، أَوْ ) جَرَحَهُ ( اثْنَانِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَثَلَاثَةٌ

بَعْدَهُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَخْمَاسًا وَلِلسَّيِّدِ ) عَلَى الِاثْنَيْنِ ( الْأَقَلُّ مِنْ خُمُسِ الدِّيَةِ ، وَأَرْشُ جِنَايَتَيْ الرِّقِّ ، وَإِذَا ، أَوْضَحَهُ فَعَتَقَ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ فَمَاتَ ) مِنْهُمَا ( فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ ) نِصْفَيْنِ ( وَلِلسَّيِّدِ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ ، وَنِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ ) الْوَاجِبُ بِالْإِيضَاحِ فِي الرِّقِّ ( وَلَوْ أَوْضَحَهُ فَعَتَقَ ثُمَّ جَرَحَهُ تِسْعَةٌ فَمَاتَ ) مِنْهُمْ ( فَالدِّيَةُ ) عَلَيْهِمْ ( أَعْشَارًا وَلِلسَّيِّدِ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( الْأَقَلُّ مِنْ عُشْرِ الدِّيَةِ ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ ) الْوَاجِبُ بِالْإِيضَاحِ فِي الرِّقِّ ( وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ فَإِنْ جَرَحَهُ الْأَوَّلُ ) ثَانِيًا بَعْدَ الْعِتْقِ ( مَعَهُمْ فَالدِّيَةُ ) عَلَيْهِمْ ( أَعْشَارًا وَلِلسَّيِّدِ ) عَلَيْهِ ( الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ ، وَنِصْفِ عُشْرِ الْقِيمَةِ ) إذْ الْعُشْرُ اللَّازِمُ لَهُ مُوَزَّعٌ عَلَى جِرَاحَتَيْهِ .

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ فَحَزَّ آخَرُ رَقَبَتَهُ فَحَزُّ الرَّقَبَةِ مُبْطِلٌ لِلسِّرَايَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ ، أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْوَارِثِ ، وَإِنْ قَطَعَ الثَّانِي يَدَهُ الْأُخْرَى بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ حُزَّتْ رَقَبَتُهُ فَإِنْ حَزَّهَا ثَالِثٌ بَطَلَتْ سِرَايَةُ الْقِطْعَيْنِ ) ، وَكَأَنَّهُمَا انْدَمَلَا ( فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ ) ، أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ لِلْوَارِثِ ( وَعَلَى الثَّالِثِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ ، أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً ) لِلْوَارِثِ ( فَإِنْ حَزَّهُ الْقَاطِعُ أَوَّلًا ) فَإِنْ حَزَّهُ ( قَبْلَ الِانْدِمَالِ ) لِقَطْعِهِ ( لَزِمَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فَإِنْ قَتَلَ بِهِ سَقَطَ حَقُّ السَّيِّدِ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ بَدَلَ الطَّرَفِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ ( وَإِنْ عَفَا عَنْهُ الْوَارِثُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ ) كَامِلَةً ( وَلِلسَّيِّدِ ) مِنْهَا ( الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِهَا ، وَنِصْفِ الْقِيمَةِ ، أَوْ ) حَزَّهُ ( بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ ، وَقِصَاصُ النَّفْسِ ) ، أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً ( لِلْوَارِثِ وَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَإِنْ حَزَّهُ الثَّانِي قَبْلَ الِانْدِمَالِ ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ ) ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ حَزَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَلِلْوَارِثِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ ، أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، أَوْ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْيَدِ وَالنَّفْسِ ، أَوْ يَأْخُذَ بَدَلَهُمَا ، أَوْ بَدَلَ أَحَدِهِمَا ، وَقِصَاصُ الْآخَرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ بِكُلِّ حَالٍ .

( وَحِصَّةُ السَّيِّدِ ) فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى عَبْدٍ فَعَتَقَ وَسَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى نَفْسِهِ ، أَوْ حَزَّ الْجَانِي رَقَبَتَهُ وَعَفَا عَنْهُ الْوَارِثُ تَكُونُ ( مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ ، وَهِيَ الْإِبِلُ فَتُؤْخَذُ وَيُصْرَفُ لِلسَّيِّدِ حِصَّتُهُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي عَيْنِهَا ، وَلَيْسَتْ مَرْهُونَةً بِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ مَعَ التَّرِكَةِ ( فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ تَعْوِيضُهُ عَنْهَا ) بِأَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُ الْإِبِلَ ، وَأَدْفَعُ إلَيْهِ الْقِيمَةَ نَقْدًا ( وَلَا ) لَهُ ( مُطَالَبَةُ الْجَانِي ) بِمَا يَسْتَحِقُّهُ السَّيِّدُ مِنْ الدِّيَةِ ( إنْ أَبْرَأَهُ ) مِنْهُ السَّيِّدُ ، وَلَا لِلسَّيِّدِ تَكْلِيفُ - الْجَانِي بِإِعْطَاءِ النَّقْدِ ( وَلِلْجَانِي تَسْلِيمُهَا ) أَيْ حِصَّةِ السَّيِّدِ ( دَرَاهِمَ ) ، أَوْ دَنَانِيرَ ( لِلسَّيِّدِ ) فَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ لَهُ يَجِبُ بِحَقِّ الْمِلْكِ وَالْوَاجِبُ بِحَقِّ الْمِلْكِ النَّقْدُ فَإِذَا أَتَى بِهِ فَقَدْ أَتَى بِأَصْلِ حَقِّهِ وَحَاصِلُهُ تَخَيُّرُ الْجَانِي بَيْنَ تَسْلِيمِ حِصَّةِ السَّيِّدِ مِنْ الدِّيَةِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ بَيْنَ تَسْلِيمِ الدِّيَةِ وَالدَّرَاهِمِ ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ السَّيِّدَ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ حِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : إنَّهُ أَرْجَحُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْوَجْهَانِ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ لَا نَقْلٌ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَحَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَطْلَبِ عَدَمُ الْإِجْبَارِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي بَسِيطِهِ يُفْهِمُ أَنَّ ذَلِكَ نَقْلٌ عَنْ الْأَصْحَابِ .

( فَرْعٌ : كُلُّ جُرْحٍ أَوَّلُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَا يَنْقَلِبُ مَضْمُونًا ) فِي الِانْتِهَاءِ ( بِتَغَيُّرِ الْحَالِ ) كَأَنْ جَرَحَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَكُلُّ جُرْحٍ أَوَّلُهُ مَضْمُونٌ ثُمَّ هُدِرَ الْمَجْرُوحُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ إلَّا ضَمَانُ الْجُرْحِ كَأَنْ جَرَحَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ ( وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي الْحَالَيْنِ اُعْتُبِرَ فِي قَدْرِ الضَّمَانِ الِانْتِهَاءُ ) كَأَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ فَعَتَقَ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لَا نِصْفُ الْقِيمَةِ ( وَفِي الْقِصَاصِ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ مِنْ الْفِعْلِ ) كَالرَّمْيِ ( إلَى الْفَوْتِ ) ، وَهُوَ انْتِهَاءُ الْجِنَايَةِ

( بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ ) .
الْأَوْلَى فِي غَيْرِ النَّفْسِ ( وَفِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الْقَطْعُ ) فَيُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ الْقِصَاصِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا مَحْضًا عُدْوَانًا كَمَا فِي النَّفْسِ ( فَلَا قِصَاصَ فِي خَطَئِهِ ) كَإِصَابَةِ إنْسَانٍ بِحَجَرٍ قَصَدَ بِهِ الرَّامِي جِدَارًا فَأَوْضَحَهُ ( وَلَا فِي شِبْهِ عَمْدِهِ كَاللَّطْمَةِ تَتَوَرَّمُ ) بِأَنْ يَتَوَرَّمَ مَحَلُّهَا ( وَتُوضِحُ ) هِيَ عَظْمَهُ ( وَالضَّرْبُ بِالْعَصَا الْخَفِيفِ وَالْحَجَرِ الْمُحَدَّدِ ) أَيْ الضَّرْبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ( عَمْدٌ فِي الشِّجَاجِ ) لَا فِي النَّفْسِ ( لِأَنَّهُ يُوضِحُ غَالِبًا ) ، وَلَا يَقْتُلُ غَالِبًا ( وَقَدْ يَكُونُ ) الْفِعْلُ مِنْ ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ ( عَمْدًا فِي النَّفْسِ ) أَيْضًا فَالْأَوَّلُ ( كَإِيضَاحِهِ ) شَخْصًا ( بِمَا يُوضِحُ غَالِبًا ، وَلَا يَقْتُلُ غَالِبًا ) كَالضَّرْبِ بِعَصًا خَفِيفٍ ( فَمَاتَ ) بِهِ فَيُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي الْمُوضِحَةِ دُونَ النَّفْسِ ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا مَاتَ فِي الْحَالِ بِلَا سِرَايَةٍ ، وَإِلَّا فَيُوجِبُهُ فِيهَا أَيْضًا ( وَ ) الثَّانِي ( كَفَقْءِ الْعَيْنِ ) أَيْ بَخْصِهَا ( بِالْأُصْبُعِ فَإِنَّهُ عَمْدٌ يُوجِبُ الْقِصَاصَ ) فِي الْعَيْنِ وَالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ فِي الْعَيْنِ تَعْمَلُ عَمَلَ السِّلَاحِ ثُمَّ بَيَّنَ الرُّكْنَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ بِقَوْلِهِ ( وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاطِعِ التَّكْلِيفُ وَالْتِزَامُ الْأَحْكَامِ وَفِي الْمَقْطُوعِ الْعِصْمَةُ وَالْمُكَافَأَةُ لَا التَّسَاوِي فِي الْبَدَلِ فَيُقْطَعُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ كَمَا فِي النَّفْسِ وَتُقْطَعُ جَمَاعَةٌ ) أَيْ أَيْدِيهِمْ ( بِيَدٍ ) لِوَاحِدٍ ( تَحَامَلُوا عَلَيْهَا ) دَفْعَةً وَاحِدَةً بِسِكِّينٍ ، أَوْ نَحْوِهَا حَتَّى أَبَانُوهَا ، أَوْ أَبَانُوهَا بِضَرْبَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَيْهَا كَمَا فِي النَّفْسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكُوا فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ لَا قَطْعَ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مَحَلُّ الْمُسَاهَلَةِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْقَوَدِ .
وَلِهَذَا لَوْ سَرَقَ نِصَابًا دَفْعَتَيْنِ لَمْ يُقْطَعْ ،

وَلَوْ أَبَانَ الْيَدَ بِدَفْعَتَيْنِ قُطِعَ ( لَا إنْ ) تَمَيَّزَتْ أَفْعَالُهُمْ كَأَنْ ( حَزَّ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( مِنْ جَانِبٍ وَالْتَقَى الْحَدِيدَتَانِ ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَا ) أَيْ اثْنَانِ ( قَطْعَ الْمِنْشَارِ ) بِالنُّونِ وَبِالْيَاءِ وَبِالْهَمْزِ فَلَا قَطْعَ عَلَى أَحَدٍ فِي الْأُولَى خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ ، وَلَا فِي الثَّانِيَةِ ( عِنْدَ الْجُمْهُورِ ) لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ لِاشْتِمَالِ الْمَحَلِّ عَلَى أَعْصَابٍ مُلْتَفَّةٍ وَعُرُوقٍ ضَارِبَةٍ وَسَاكِنَةٍ مَعَ اخْتِلَافِ وَضْعِهَا فِي الْأَعْضَاءِ ( بَلْ عَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمْ ( حُكُومَةٌ ) تَلِيقُ بِجِنَايَتِهِ ( مَجْمُوعُهَا دِيَةُ يَدٍ ) أَيْ بِحَيْثُ يَبْلُغُ مَجْمُوعُ الْحُكُومَاتِ دِيَةَ الْيَدِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ فِي صُورَةِ الْجُمْهُورِ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ .
( تَنْبِيهٌ ) مَا نَقَلَهُ كَأَصْلِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ فِي صُورَةِ الْمِنْشَارِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ صُوَرِ التَّمْيِيزِ مَثَّلَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ لِصُورَةِ الِاشْتِرَاكِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَيَحِلُّ الْإِشْكَالُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْإِمْرَارَ يُصَوَّرُ بِصُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَعَاوَنَا فِي كُلِّ جَذْبَةٍ وَرَسْلَةٍ فَيَكُونُ مِنْ صُوَرِ الِاشْتِرَاكِ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَجْذِبَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى جِهَةِ نَفْسِهِ وَيَفْتُرُ عَنْ الْإِرْسَالِ فِي جِهَةِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ الْبَعْضُ مَقْطُوعَ هَذَا وَالْبَعْضُ مَقْطُوعَ ذَاكَ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : وَمَا صَوَّرَ بِهِ الْإِمَامُ كَلَامَ الْجُمْهُورِ قَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .

بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ ) ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي النَّفْسِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وَعُمُومُ قَوْلِهِ { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } ؛ وَلِأَنَّ الْأَطْرَافَ أَجْزَاءُ الْجُمْلَةِ فَاعْتُبِرَ فِي قِصَاصِهَا مَا اُعْتُبِرَ فِي قِصَاصِ الْجُمْلَةِ ( قَوْلُهُ : فَيُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي الْمُوضِحَةِ دُونَ النَّفْسِ ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ غَرْزِ الْإِبْرَةِ فِي الدِّمَاغِ حَيْثُ يَجِبُ بِهِ الْقَوَدُ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَيُوجِبُهُ فِيهَا أَيْضًا ) قَالَ لِحُدُوثِ الْقَتْلِ مِنْ جُرْحٍ يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ سِرَايَتُهُ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ اعْتِبَارًا بِمُوجِبِهَا ( قَوْلُهُ : وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاطِعِ التَّكْلِيفُ ) ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ أَصْلٍ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَغَيْرَ سَيِّدٍ لَهُ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ ظَاهِرٌ ) قَالَ فِي الْغُنْيَةِ ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ

( الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ ) فِي غَيْرِ النَّفْسِ مِنْ الْجِنَايَاتِ ( ، وَهِيَ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَهُوَ ( ثَلَاثَةُ - أَنْوَاعٍ شَقٌّ ، وَقَطْعٌ ، وَإِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ ، الْأَوَّلُ الْجُرْحُ ) قَالَ تَعَالَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } ( وَيَقَعُ عَلَى الشِّجَاجِ ، وَهِيَ ) بِكَسْرِ الشِّينِ جَمْعُ شَجَّةٍ بِفَتْحِهَا ( عَشْرٌ ) بِالِاسْتِقْرَاءِ ( الْحَارِصَةُ ) بِمُهْمَلَاتٍ ، وَهِيَ الَّتِي ( تَشُقُّ الْجِلْدَ ) قَلِيلًا نَحْوَ الْخَدْشِ وَتُسَمَّى الْحَرْصَةَ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَالْحَرِيصَةَ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ ( وَالدَّامِيَةُ ) ، وَهِيَ الَّتِي ( تُدْمِيهِ ) بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ الشَّقَّ مِنْ غَيْرِ سَيْلَانِ دَمٍ ، وَقِيلَ مَعَهُ ( وَالْبَاضِعَةُ ) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ، وَهِيَ الَّتِي ( تَقْطَعُ لَحْمًا ) بَعْدَ الْجِلْدِ ( وَالْمُتَلَاحِمَةُ ) بِالْمُهْمَلَةِ ، وَهِيَ الَّتِي ( تَغُوصُ فِيهِ ) أَيْ فِي اللَّحْمِ ، وَلَا تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبِين الْعَظْمِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَتُسَمَّى اللَّاحِمَةَ .
( وَالسِّمْحَاقُ ) بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ، وَهِيَ الَّتِي ( تَبْلُغُ جِلْدَةَ الْعَظْمِ ) أَيْ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ وَتُسَمَّى الْجِلْدَةُ بِهِ أَيْضًا ، وَكَذَا كُلُّ جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الشَّجَّةُ الْمَلْطَاءَ وَالْمِلْطَاةَ والمِلَاطِيَّةَ ( وَالْمُوضِحَةُ ، وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ ) بَعْدَ خَرْقِ الْجِلْدَةِ أَيْ تُظْهِرُهُ مِنْ اللَّحْمِ بِحَيْثُ يُقْرَعُ بِالْمِرْوَدِ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ كَمَا سَيَأْتِي .
( وَالْهَاشِمَةُ ) ، وَهِيَ الَّتِي ( تُكَسِّرُهُ ) أَيْ الْعَظْمَ ، وَإِنْ لَمْ تُوضِحْهُ ( وَالْمُنَقِّلَةُ ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا وَتُسَمَّى الْمَنْقُولَةَ ، وَهِيَ الَّتِي ( تَنْقُلُهُ ) مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ ، وَإِنْ لَمْ تُوضِحْهُ وَتُهَشِّمْهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَيُقَالُ هِيَ الَّتِي تَكْسِرُ وَتَنْقُلُ وَيُقَالُ هِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا فِرَاشُ الْعِظَامِ وَالْفَرَاشَةُ كُلُّ عَظْمٍ رَقِيقٍ ( وَالْمَأْمُومَةُ )

جَمْعُهَا مَآمِيمُ كَمَكَاسِيرَ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَتُسَمَّى الْآمَّةُ ، وَهِيَ الَّتِي تَبْلُغُ ( خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ ) الْمُحِيطَةِ بِهِ ، وَهِيَ أُمُّ الرَّأْسِ .
( وَالدَّامِغَةُ ) بِالْمُعْجَمَةِ ، وَهِيَ الَّتِي ( تَخْرِقُ الْخَرِيطَةَ ) وَتَصِلُ الدِّمَاغَ قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَهِيَ مُذَفَّفَةٌ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِيهَا أَلْفَاظٌ أُخَرُ تَؤُولُ إلَيْهَا فِي الْحُكْمِ كَالدَّامِعَةِ بِالْمُهْمَلَةِ ، وَقَدْ زَادَهَا الْمَاوَرْدِيُّ بَعْدَ الدَّامِيَةِ ، وَقَالَ هِيَ الَّتِي يَجْرِي دَمُهَا جَرَيَانَ الدَّمْعِ ( وَكُلُّهَا تُتَصَوَّرُ فِي الرَّأْسِ وَفِي الْجَبْهَةِ ، وَكَذَا ) تُتَصَوَّرُ ( فِي الْخَدِّ ، وَقَصَبَةِ الْأَنْفِ وَاللَّحْيِ الْأَسْفَلِ ) وَسَائِرِ الْبَدَنِ ( سِوَى الدَّامِغَةِ وَالْمَأْمُومَةِ ) ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ الشِّجَاجِ لَا يَقَعُ عَلَى جُرُوحِ سَائِرِ الْبَدَنِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ ( وَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ ) ، وَلَوْ مَعَ هَشْمٍ وَتَنْقِيلٍ لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهَا وَاسْتِيفَاءِ مِثْلِهَا بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ ( وَ ) إلَّا ( فِي جُرْحٍ يَنْتَهِي إلَى الْعَظْمِ ، وَلَمْ يَكْسِرْهُ فِي ) سَائِرِ ( الْبَدَنِ ) كَذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ ، وَلَوْ فِي الْبَدَنِ لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ ، وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ ، وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا كَسَرَهُ مَعَ الْإِيضَاحِ لَا قِصَاصَ فِي الْإِيضَاحِ بَلْ الْمُرَادُ لَا قِصَاصَ فِي الْكَسْرِ فَقَطْ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ .
( النَّوْعُ الثَّانِي : الْقَطْعُ ) لِلطَّرَفِ ( فَيُقْتَصُّ فِي كُلِّ طَرَفٍ يَنْضَبِطُ ) إمَّا ( بِمَفْصِلٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ، وَكَسْرِ الصَّادِ ، وَهُوَ مَوْضِعُ اتِّصَالِ عُضْوٍ بِعُضْوٍ عَلَى مُنْقَطِعِ عَظْمَيْنِ بِرِبَاطَاتٍ وَاصِلَةٍ بَيْنَهُمَا أَمَّا مَعَ دُخُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ، أَوْ لَا فَالثَّانِي ( كَأُنْمُلَةٍ وَكُوعٍ ) وَالْأَوَّلُ كَرُكْبَةٍ ( وَمَرْفِقٍ ، وَكَذَا أَصْلُ فَخْذٍ وَمَنْكِبٍ إنْ أُمِنَتْ الْجَافَّةُ ، وَ ) إمَّا ( بِتَحَيُّزِهِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْصِلٌ ( كَعَيْنٍ وَأُذُنٍ وَجِفْنٍ

وَمَارِنٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ وَشَفَةٍ وَلِسَانٍ ، وَكَذَا شُفْرَانِ ) بِضَمِّ الشِّينِ ، وَأَلْيَانِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ خَطَرٌ فَاخْتَصَّ بِمَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ وَالتَّعَدِّي إلَى مَا لَا يَسْتَحِقُّ وَذَلِكَ فِي الْأَعْضَاءِ الْمُنْضَبِطَةِ بِمَا ذُكِرَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ } الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ النَّضْرِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَقَدْ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ { كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ } أَمَّا إذَا لَمْ تُؤْمَنْ الْإِجَافَةُ فِي أَصْلِ الْفَخْذِ وَالْمَنْكِبِ فَلَا قِصَاصَ ، وَإِنْ أَجَافَ الْجَانِي ، وَقَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ وَيُجَافَ مِثْلَ تِلْكَ الْجَائِفَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَوَائِفَ لَا تَنْضَبِطُ ضِيقًا وَسَعَةً وَتَأْثِيرًا وَنِكَايَةً ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْقِصَاصُ فِيهَا نَعَمْ إنْ مَاتَ بِالْقَطْعِ قُطِعَ الْجَانِي ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِلَا إجَافَةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ ( لَا إطَارُ شَفَةٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِهَا إذْ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ وَغَيْرِهَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ فِي آخِرِهَا كَمَا يَجِبُ فِي جَمِيعِهَا ، وَأَوَّلِهَا وَصَوَابُهُ هُنَا السَّهِ بِمُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا هَاءٌ بِلَا فَاءٍ ، وَهُوَ حَلْقَةُ الدُّبُرِ ؛ لِأَنَّ الْمُحِيطَ بِهَا لَا حَدَّ لَهُ ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الصَّحِيحَةِ .

قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَهِيَ مُذَفَّفَةٌ ) أَيْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ، وَقَدْ جَزَمَ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ بِأَنَّ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ اسْمُ الشِّجَاجِ لَا يَقَعُ عَلَى جُرُوحِ سَائِرِ الْبَدَنِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لُغَوِيٌّ أَيْ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَلَا قِصَاصَ إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ إذْ لَا يُعْتَبَرُ الْقِصَاصُ بِالْأَرْشِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصَابِعَ الزَّائِدَةَ يُقْتَصُّ بِمِثْلِهَا ، وَلَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ ، وَكَذَلِكَ السَّاعِدُ بِلَا كَفٍّ وَعَلَى عَكْسِهِ الْجَائِفَةُ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ ، وَلَا قِصَاصَ فِيهَا ( قَوْلُهُ : كَعَيْنٍ وَأُذُنٍ إلَخْ ) شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ رَدَّهَا فِي حَرَارَةِ الدَّمِ فَالْتَصَقَتْ فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالِالْتِصَاقِ لِحُصُولِ الْإِبَانَةِ وَوَجَّهَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِأَنَّ الْإِلْصَاقَ مُسْتَحِقٌّ الْإِزَالَةَ فَلَا أَثَرَ لَهُ ( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ مَاتَ بِالْقَطْعِ قُطِعَ الْجَانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَصَوَابُهُ السَّهِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ إطَارِ الشَّفَةِ وَالِاسْتِ فِي ذَلِكَ

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( قَطَعَ فِلْقَةً ) بِفَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ قَافٍ بَعْدَ اللَّامِ وَبِقَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فَاءٍ بَعْدَ اللَّامِ أَيْ قِطْعَةٌ ( مِنْ أُذُنٍ ، أَوْ مَارِنٍ ، أَوْ لِسَانٍ ، أَوْ حَشَفَةٍ ) ، أَوْ شَفَةٍ ( وَجَبَ الْقِصَاصُ ) إنْ أَبَانَهَا ( وَكَذَا إنْ لَمْ يُبِنْهَا ) لِتَيَسُّرِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا ( وَيُضْبَطُ الْمَقْطُوعُ بِالْجُزْئِيَّةِ ) كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَيُسْتَوْفَى مِنْ الْجَانِي مِثْلُهُ ( لَا الْمِسَاحَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ الْمَذْكُورَةَ تَخْتَلِفُ كِبَرًا وَصِغَرًا بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ وَسَيَأْتِي .
( فَلَوْ قَطَعَ مِنْ مَفْصِلٍ ) أَيْ بَعْضَهُ كَالْكُوعِ ( وَلَمْ يَبِنْ فَلَا قِصَاصَ ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي قَطْعِهِ ؛ لِأَنَّ الْكُوعَ ، وَنَحْوَهُ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ وَالْأَعْصَابِ الْمُخْتَلِفِ وَضْعُهَا تَسَفُّلًا وَتَصَعُّدًا وَتَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ فَلَا يَوْثُقُ بِالْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ ، وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ( وَكَذَا لَوْ بَانَ فِلْقَةً مِنْ فَخْذٍ ) ، أَوْ نَحْوِهِ لَا قِصَاصَ ؛ لِأَنَّ سُمْكَهُ لَا يَنْضَبِطُ .

( فَرْعٌ : لِلْمُعَلَّقِ ) أَيْ لِلْمَقْطُوعِ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمُعَلَّقِ ( بِجِلْدَةٍ حُكْمُ الْمَقْطُوعِ ) الْمُبَانِ فَيَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ ، أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ لِبُطْلَانِ فَائِدَةِ الْعُضْوِ ، وَإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَيُقْتَصُّ إلَى الْجِلْدَةِ ثُمَّ لَا تُقْطَعُ ) الْجِلْدَةُ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ الْجَانِي أَهْلَ الْبَصَرِ فِيهَا ( إلَّا لِمَصْلَحَةٍ ) .

( فَرْعٌ : لَا قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعَظْمِ ) لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِيهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ السِّنُّ فَإِنَّهُ إذَا أَمْكَنَ فِيهَا الْقِصَاصُ بِأَنْ تُنْشَرَ بِمِنْشَارٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَجَبَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لِخَبَرِ الرَّبِيعِ السَّابِقِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِكَسْرِ عَظْمِهِ ( الْقَطْعُ مِنْ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ دُونَهُ ) أَيْ دُونَ مَحَلِّ الْكَسْرِ فَلَوْ كَسَرَ عَظْمَ سَاعِدِهِ ، أَوْ سَاقِهِ ، وَأَبَانَهُ فَلَهُ قَطْعُ يَدِهِ مِنْ كُوعِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ كَعْبِهِ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ بَعْضِ الْحَقِّ وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ .
وَلَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ مِنْ الْمَرْفِقِ وَالرُّكْبَةِ ( وَ ) لَهُ عَلَيْهِ ( حُكُومَةٌ لِلْبَاقِي ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عِوَضًا عَنْهُ ، وَلَهُ أَنَّهُ يَعْفُو عَنْ الْجِنَايَةِ وَيَعْدِلُ إلَى الْمَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ أَوْضَحَ وَنَقَلَ ، أَوْ هَشَّمَ وَأَوْضَحَ فَلَهُ ) أَيْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( أَنْ يُوضِحَ وَيَأْخُذَ أَرْشَ الْهَشْمِ ) فِي الثَّانِيَةِ ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ( وَ ) أَرْشَ ( النَّقْلِ ) فِي الْأُولَى ، وَهُوَ عَشَرَةٌ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِمَا فَعَدَلَ إلَى بَدَلِهِمَا ، وَلَوْ أَوْضَحَ وَأَمَّ فَلَهُ أَنْ يُوضِحَ وَيَأْخُذَ تَمَامَ ثُلُثِ الدِّيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ ، وَأَوْضَحَ كَانَ أَخْصَرَ ( وَإِنْ قَطَعَ ) يَدَهُ ( مِنْ كُوعِهِ فَالْتَقَطَ الْمُقْتَصُّ أَصَابِعَهُ ) بَلْ أُصْبُعًا وَاحِدًا ( عُزِّرَ ) ، وَإِنْ قَالَ لَا أَطْلُبُ فِي الْبَاقِي قَطْعًا ، وَلَا أَرْشًا لِعُدُولِهِ عَنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَبِهَذَا فَارَقَ جَوَازَ الْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إتْلَافَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِإِتْلَافِ الْبَعْضِ غُرْمٌ كَمَا أَنَّ مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ لَوْ قَطَعَ طَرَفَ الْجَانِي لَا غُرْمَ عَلَيْهِ ( ، وَلَوْ قَطَعَ الْبَاقِي ) أَيْ

الْكَفَّ كَمَا أَنَّ مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ لَوْ قَطَعَ يَدَ الْجَانِي لَهُ أَنْ يَعُودَ وَيَحُزَّ رَقَبَتَهُ وَيُفَارِقُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَقَطَ أَصَابِعَ مَنْ قَطَعَهُ مِنْ سَاعِدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ الْكَفَّ بِأَنَّ الْكَفَّ هُنَا مَحَلُّ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِهَا ثُمَّ ( لَا طَلَبَ حُكُومَةٍ ) لِلْبَاقِي ؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ ، وَقَدْ اسْتَوْفَاهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ يَدَيْ الْجَانِي ثُمَّ عَفَا عَنْ حَزِّ الرَّقَبَةِ وَطَلَبَ الدِّيَةَ لَمْ يُجَبْ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُهَا ( أَوْ ) قَطَعَ يَدَهُ ( مِنْ مَرْفِقِهِ فَرَضِيَ عَنْهَا بِأُصْبُعٍ ) ، أَوْ بِكَفٍّ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لَمْ يَجُزْ ) لِعُدُولِهِ عَنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ قَطَعَهَا مِنْ الْكُوعِ عُزِّرَ ) ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ ( وَأُهْدِرَ الْبَاقِي ) فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهُ ، وَلَا طَلَبُ حُكُومَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِهِ مِنْ الْكُوعِ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ ، وَقَنَعَ بِبَعْضِهِ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ قَطْعَ الْبَاقِي بِأَنَّ الْقَاطِعَ مِنْ الْكُوعِ مُسْتَوْفٍ لِمُسَمَّى الْيَدِ بِخِلَافِ مُلْتَقِطِ الْأَصَابِعِ .
( وَإِنْ قَطَعَ إنْسَانًا مِنْ نِصْفِ ) الْأَوْلَى مِنْ بَعْضِ ( الْعَضُدِ فَلَهُ قَطْعُهُ مِنْ الْمَرْفِقِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَفْصِلٍ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ ( وَكَذَا ) لَهُ قَطْعُهُ ( مِنْ الْكُوعِ ) لِعَجْزِهِ عَنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَمُسَامَحَتِهِ بِبَعْضِ حَقِّهِ ، وَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَى قَطْعِ الْمَرْفِقِ ، وَالتَّرْجِيحُ فِي أَنَّ لَهُ الْقَطْعَ مِنْ الْكُوعِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ وَلِمَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ رَجَّحَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَمَّا هُوَ أَقْرَبُ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ ( وَ ) لَهُ قَطْعُ ( أُصْبُعٍ ) وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّهُ دُونَ

حَقِّهِ ( وَ ) لَهُ ( أَخْذُ الْحُكُومَةِ لِلْبَاقِي ) مِنْ الْعَضُدِ فِي الْأُولَى وَمِنْهُ وَمِنْ السَّاعِدِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لَكِنْ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ أَخْذُ دِيَةِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ أَيْضًا ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ سَاكِتٌ عَنْ حُكْمِ الثَّالِثَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ( وَلَيْسَ لَهُ لَقْطُ الْأَصَابِعِ لِتَعَدُّدِ الْجِرَاحَاتِ ) ، وَهُوَ عَظِيمُ الْمَوْقِعِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَطْعُ أُصْبُعَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَأَنَّ لَهُ قَطْعَ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ، وَقَدْ مَرَّ أَمَّا لَوْ عَفَا عَنْ قَطْعِ الْعَضُدِ فَلَهُ دِيَةُ الْكَفِّ وَحُكُومَتَا السَّاعِدِ ، وَالْمَقْطُوعُ مِنْ الْعَضُدِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ ) قَطَعَ يَدَهُ ( مِنْ بَعْضِ السَّاعِدِ فَلَهُ قَطْعُهَا مِنْ الْكُوعِ ، أَوْ دِيَتُهَا ) بِعَفْوٍ ، أَوْ غَيْرِهِ فَتَعْبِيرُهُ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْعَفْوِ ( وَ ) لَهُ ( حُكُومَةٌ لِلْبَاقِي ) حَالَتَيْ الْقَطْعِ ، وَأَخْذُ الدِّيَةِ ( فَإِنْ لَقَطَ أَصَابِعَهُ ) ، أَوْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْهَا ( عُزِّرَ ) ، وَلَا غُرْمَ لِمَا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّعْزِيرِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَأُهْدِرَ بَاقِي الْكَفِّ ) فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهُ ، وَلَا طَلَبُ حُكُومَتِهِ لِمَا مَرَّ ( وَلَهُ حُكُومَةُ بَعْضِ السَّاعِدِ ) لِمَا مَرَّ وَتَعْبِيرُهُ بِالْبَعْضِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالنِّصْفِ ( أَوْ ) قَطَعَهَا ( مِنْ نِصْفِ ) الْأَوْلَى مِنْ بَعْضِ ( الْكَفِّ الْتَقَطَ الْأَصَابِعَ ) ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْجِرَاحَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إهْمَالِ الْتِقَاطِهَا ، وَلَيْسَ بَعْدَ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ إلَّا مَفَاصِلَ مُتَعَدِّدَةً ( وَلَهُ ) مَعَ الِالْتِقَاطِ ( حُكُومَةُ الْبَاقِي ) مِنْ الْكَفِّ لِمَا مَرَّ .

قَوْلُهُ : نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ) ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ قُطِعَتْ مِمَّنْ لَمْ يُثْغِرْ فَعَادَتْ نَاقِصَةً اُقْتُصَّ فِي الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ أَمْكَنَ ( قَوْلُهُ : وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ ) كَيْفَ وَالْقَطْعُ مِنْهُ أَسْهَلُ مِنْ قَطْعِ مَوْضِعِ الْجِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : بَلْ أُصْبُعًا وَاحِدًا ) أَيْ أَوْ أُنْمُلَةً وَاحِدَةً ( قَوْلُهُ : عُزِّرَ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ بِالْمَنْعِ وَالْجَاهِلِ بِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَى قَطْعِ الْمَرْفِقِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِابْنِ النَّقِيبِ ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْتِقَاطِ الْأَصَابِعِ فَإِنَّ لَهُ قَطْعَ الْكَفِّ عَلَى الْأَصَحِّ .
ا هـ .
وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ هُنَاكَ يَعُودُ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ ، وَهُنَا إلَى غَيْرِ مَحِلِّهَا وَجَوَّزْنَا قَطْعَ مَا دُونَهُ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا قَطَعَ مَرَّةً لَمْ يُكْرَهْ فس ( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ إلَخْ ) ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْأَرْجَحُ ( قَوْلُهُ : أَوْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْهَا ) قَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّ الشَّارِحَ إنَّمَا قَالَ أَوْ اثْنَيْنِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْمَتْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ بِقَلِيلٍ أَنَّ الْأُصْبُعَ كَذَلِكَ ، وَهُنَا نَظِيرُهُ إذْ الْأَوْجَهُ مَا تَقَدَّمَ فَيَرْجِعُ الثَّانِي إلَيْهِ قَوْلُهُ : أَوْ قَطَعَهَا مِنْ نِصْفِ الْكَفِّ الْتَقَطَ الْأَصَابِعَ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَلْقُطَ الْأَنَامِلَ الْعُلْيَا أَوْ الَّتِي قَبْلَهَا فَهَلْ يَجِيءُ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْعُدُولِ مِنْ الْمَرْفِقِ إلَى الْكُوعِ أَمْ يُقْطَعُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّدَتْ الْمَفَاصِلُ ، وَلَنَا مَنْدُوحَةٌ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُقْطَعَ مِنْ أُصُولِ الْأَصَابِعِ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( شَقَّ الْكَفَّ ) مِنْ إنْسَانٍ حَتَّى انْتَهَى ( إلَى مَفْصِلٍ يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ ) فِي الِاسْتِيفَاءِ بِشَقِّهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ ( إلَيْهِ ) بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ ( اقْتَصَّ ) مِنْهُ .

( النَّوْعُ الثَّالِثُ : إبْطَالُ الْمَنَافِعِ ، وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْمُبَاشَرَةِ ) لَهَا ( بَلْ تَبَعًا ) لِمَحَلِّهَا ، أَوْ لِمُجَاوِرِهَا ( فَإِنْ أَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنَيْهِ ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّهَا ( بِهَاشِمَةٍ ) ، أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ ( أَذْهَبَهُ ) مِنْ الْجَانِي ( بِكَافُورٍ ، أَوْ بِتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ حَامِيَةٍ ) مِنْ حَدَقَتِهِ ، أَوْ بِنَحْوِهِمَا وَفِي الْهَاشِمَةِ أَرْشُهَا ؛ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهَا ( وَإِنْ أَذْهَبَهُ بِمُوضِحَةٍ ، وَكَذَا بِلَطْمَةٍ ) تُذْهِبُ الضَّوْءَ غَالِبًا ( اقْتَصَّ ) بِمِثْلِ فِعْلِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ أَذْهَبَهُ ) بِكَافُورٍ ، أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إذْهَابُهُ إلَّا بِإِذْهَابِ الْحَدَقَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ ، وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَتَقْيِيدُ مَا ذُكِرَ بِضَوْءِ الْعَيْنَيْنِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ ضَوْءُ إحْدَاهُمَا كَذَلِكَ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ اللَّطْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَطَمَهُ فَأَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنَيْهِ مَعًا بَلْ يُذْهِبُهُ بِالْمُعَالَجَةِ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ ( وَالسَّمْعُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَالْكَلَامُ وَالْبَطْشُ لَا الْعَقْلُ كَالْبَصَرِ ) فِي أَنَّ إبْطَالَهَا ( يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِالسِّرَايَةِ ) ؛ لِأَنَّ لَهَا مَحَالًّا مَضْبُوطَةً وَلِأَهْلِ الْخِبْرَةِ طُرُقٌ فِي إبْطَالِهَا بِخِلَافِ الْعَقْلِ لِتَعَذُّرِ إزَالَتِهِ بِالسِّرَايَةِ إذْ لَا يَوْثُقُ بِالْمُعَالَجَةِ مِمَّا يُزِيلُهُ وَلِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مَحَلِّهِ ، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْعُلُومِ ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي السَّمْعِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ ، وَنَقَلَاهُ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ : وَالْمَذْهَبُ فِيهِ الْمَنْعُ إذْ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ .
انْتَهَى ، وَفِي اللَّمْسِ كَلَامٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ .

( النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي إبْطَالِ الْمَنَافِعِ ) قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إذْهَابُهُ إلَّا بِإِذْهَابِ الْحَدَقَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ إذْ قَدْ تَكُونُ عَيْنُ الْجَانِي ضَعِيفَةً أَوْ مَرِيضَةً ، وَيَقُولُ أَهْلُ الْبَصَرِ مَتَى فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ انْغَلَقَتْ الْحَدَقَةُ ( قَوْلُهُ : وَالْبَطْشُ ) ي ، وَالْمَشْيُ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَمْ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } ) نَظْمُ الْآيَةِ فِي الْأَعْرَافِ { لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا } ، وَفِي الْحَجِّ { لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } ( قَوْلُهُ : وَفِي اللَّمْسِ كَلَامٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِلْمَسِّ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْبَارِزِيُّ أَنَّهُ كَالْبَقِيَّةِ ، وَقَوْلُ الطَّاوُسِيُّ : الْمَعْنِيُّ بِالْحَوَاسِّ غَيْرُ اللَّمْسِ ؛ لِأَنَّ زَوَالَهُ إنْ كَانَ بِزَوَالِ الْبَطْشِ فَفِيهِ دِيَةُ الْبَطْشِ ، وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ فَإِنْ فُرِضَ تَخْدِيرٌ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فِيهِ نَظَرٌ إذْ قَوْلُهُ : وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ مَمْنُوعٌ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ زَوَالُهُ ، وَقَوْلُهُ : فَفِيهِ دِيَةُ الْبَطْشِ لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا بَلْ فِي الْقَوَدِ ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا ش ، وَأَيْضًا فَاللَّمْسُ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْحَوَاسِّ لَا يَخُصُّ الْيَدَيْنِ بَلْ هُوَ قُوَّةٌ تَعُمُّ أَعْضَاءَ الْبَدَنِ أَنْ .

( فَرْعٌ : مَتَى قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَتَآكَلَ الْكَفُّ ، أَوْ أَوْضَحَهُ فَتَصَلَّعَ ) بِأَنْ ذَهَبَ شَعْرُ مُقَدِّمِ رَأْسِهِ ( اُقْتُصَّ ) مِنْهُ ( كَفِعْلِهِ ، وَلَزِمَهُ دِيَةٌ لِلْمُتَآكِلِ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ وَحُكُومَةٌ لِلشَّعْرِ ، وَإِنْ ذَهَبَا بِالْقِصَاصِ ) فَلَا يَقَعُ ذَهَابُهُمَا قِصَاصًا إذْ لَا قِصَاصَ فِيهِمَا لِمَا مَرَّ أَنَّ فَوَاتَ الْجِسْمِ لَا يُقْصَدُ بِالسِّرَايَةِ ، وَكَالتَّآكُلِ الشَّلَلُ ( وَلَوْ عَفَا ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( عَنْ دِيَةِ الْأُصْبُعِ ) بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَيْهَا ( لَزِمَهُ ) أَيْ الْجَانِيَ ( مِنْ دِيَةِ الْكَفِّ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ ) أَيْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَتِهَا لِلْأَصَابِعِ الْأَرْبَعِ ( وَلَا حُكُومَةَ لِلْمَنَابِتِ ) أَيْ مَنَابِتِ الْأَصَابِعِ بَلْ تَدْخُلُ فِي دِيَتِهَا ، وَقَوْلُهُ ، وَلَوْ عَفَا إلَى آخَرَ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ مَعْلُومٌ وَتَرَكَ قَوْلَ الْأَصْلِ ، وَلَوْ عَفَا عَنْ قِصَاصِ الْأُصْبُعِ لَهُ دِيَةُ الْيَدِ ، وَإِنْ اقْتَصَّ فَلَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ إلَى غَيْرِ الْأُصْبُعِ ، أَوْ سَرَى ، وَقُلْنَا لَا يَقَعُ قِصَاصًا فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَةِ الْكَفِّ ، وَلَا حُكُومَةَ لِلْمَنَابِتِ ( وَهِيَ ) أَيْ دِيَةُ الْمُتَآكَلِ ( مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِ الْجَانِي ) ؛ لِأَنَّهَا سِرَايَةُ جِنَايَةِ عَمْدٍ ، وَهَذَا مُكَرَّرٌ لِتَقَدُّمِهِ آنِفًا ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ سَالِمٌ مِنْهُ ( يُطَالِبُ بِهَا ) أَيْ بِدِيَةِ الْمُتَآكَلِ ( عَقِيبَ قَطْعِ الْأُصْبُعِ ) أَيْ أُصْبُعِ الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ ، وَإِنْ سَرَى الْقَطْعُ إلَى الْكَفِّ لَمْ يَسْقُطْ بَاقِي الدِّيَةِ فَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِ السِّرَايَةِ ( بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَتْ ) أَيْ الْجِنَايَةُ ( إلَى النَّفْسِ فَاقْتَصَّ بِهَا ) أَيْ بِالْجِنَايَةِ ( لَمْ يُطَالَبْ فِي الْحَالِ فَلَعَلَّهَا ) أَيْ جِرَاحَةَ الْقِصَاصِ ( تَسْرِي ) فَيَحْصُلُ الْقِصَاصُ ( وَكَذَا فِي ابْيِضَاضِ ) حَدَقَةِ ( الْعَيْنِ وَشُخُوصِهَا ) بِالْجِنَايَةِ يَقْتَصُّ بِهَا بِمَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ ( إنْ أَمْكَنَ ) ، وَلَا يُطَالَبُ بِدِيَةِ الضَّوْءِ فِي الْحَالِ فَلَعَلَّ الْجُرْحَ يَسْرِي ( وَإِنْ اقْتَصَّ ) بِمَا ذُكِرَ ( فَلَمْ

يَذْهَبْ الضَّوْءُ ) فِي الْحَالِ ( صَبَرَ ) فَلَا يُطَالِبُ بِالدِّيَةِ ( فَرُبَّمَا يَسْرِي ) لِلضَّوْءِ .
( قَوْلُهُ : لِمَا مَرَّ أَنَّ فَوَاتَ الْجِسْمِ لَا يُقْصَدُ بِالسِّرَايَةِ ) فَالْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ لَا تُعَدُّ قَصْدًا إلَى تَفْوِيتِهِ وَاللَّطَائِفُ لَا تُبَاشَرُ بِالْجِنَايَةِ بَلْ يُتَوَصَّلُ إلَى تَفْوِيتِهَا بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَحَالِّهَا أَوْ مَا يُجَاوِرُهَا ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مُكَرَّرٌ لِتَقَدُّمِهِ آنِفًا ) مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا اقْتَصَّ ، وَهَذَا فِيمَا إذَا عَفَا .

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( اقْتَصَّ ) مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ ( خَطَأً ، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَفِي كَوْنِهِ مُسْتَوْفِيًا خِلَافٌ ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَوْفٍ كَمَا جَزَمْت بِهِ بَعْدُ تَبَعًا لِجَزْمِ الْأَصْلِ بِهِ ثُمَّ ، وَإِنْ جَرَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى عَكْسِهِ ( أَوْ ) اقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِ مُوَرِّثِهِ ( وَهُوَ صَبِيٌّ ، أَوْ مَجْنُونٌ فَلَا ) يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ وَدِيعَتَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ بَرِئَ الْمُودِعُ ، وَلَوْ مَاتَ الْجَانِي لَمْ يَبْرَأْ ، أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا فَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِتَرِكَةِ الْجَانِي ( وَيَلْزَمُهُ دِيَةُ عَمْدٍ ) بِقَتْلِهِ الْجَانِي ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ ( وَالطَّرَفُ كَالنَّفْسِ ) فَلَوْ ثَبَتَ لِصَبِيٍّ ، أَوْ مَجْنُونٍ قِصَاصُ طَرَفٍ فَقُطِعَ طَرَفُ الْجَانِي لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ ( فَإِنْ قَطَعَهُ بِإِذْنِهِ ) ، أَوْ تَمْكِينِهِ بِأَنْ أَخْرَجَ إلَيْهِ طَرَفَهُ فَقَطَعَهُ ( فَهَدَرٌ ) ، وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَالطَّرَفُ كَالنَّفْسِ أَغْنَى عَنْهُ مَا قَبْلَهُ ، وَلَوْ أَبْدَلَ قَطَعَهُ بِقَصَّ مِنْهُ كَانَ أَعَمَّ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَوْفٍ كَمَا جَزَمْت بِهِ بَعْدُ تَبَعًا لِجَزْمِ الْأَصْلِ بِهِ ثَمَّ ) وَصَحَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ ، وَقَالَ : إنَّهُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَقَالَ الْإِمَامُ : إنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ ، وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ عِلَّةُ الْحُكْمِ حُكْمِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ ، وَهِيَ كَوْنُهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِيفَاءِ .

( الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُمَاثَلَةِ ) ، وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي قِصَاصِ غَيْرِ النَّفْسِ كَالْكَفَاءَةِ فِي النَّفْسِ ( وَ ) عَلَيْهِ ( لَا تُقْطَعُ يَدٌ بِرِجْلٍ ، وَ ) لَا ( يَمِينٌ بِيَسَارٍ ، وَلَا جَفْنٌ أَعْلَى بِأَسْفَلَ ، وَ ) لَا ( نَحْوُهُ ) كَأُذُنٍ بِشَفَةٍ ( كَالْعَكْسِ ، وَلَا أُصْبُعٌ وَأُنْمُلَةٌ وَسِنٌّ بِغَيْرِهَا ، وَلَا زَائِدٌ بِزَائِدٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ ) كَزَائِدٍ بِجَنْبِ الْخِنْصَرِ بِزَائِدٍ بِجَنْبِ الْإِبْهَامِ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ بَلْ وَالِاسْمُ وَالْمَنْفَعَةُ فِي بَعْضِهَا بِخِلَافِ زَائِدٍ بِزَائِدٍ مُتَّفِقَيْ الْمَحَلِّ ( وَلَا يَضُرُّ ) فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ حَيْثُ اتَّحَدَ الْجِنْسُ ( تَفَاوُتُ كِبَرٍ أَوْ طُولٍ ، أَوْ قُوَّةٍ ، أَوْ سِمَنٍ أَوْ لَوْنٍ فِي ) عُضْوٍ ( أَصْلِيٍّ ، وَكَذَا زَائِدٌ ) كَمَا فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي ذَلِكَ لَا تَكَادُ تَتَّفِقُ ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ لَبَطَلَ مَقْصُودُ الْقِصَاصِ ، وَلِذَلِكَ تُقْطَعُ يَدُ الصَّانِعِ بِيَدِ الْأَخْرَقِ كَمَا يُقْتَلُ الْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ ( إلَّا إنْ تَفَاوَتَا ) أَيْ الزَّائِدَانِ ( بِمَفْصِلٍ ) بِأَنْ زَادَتْ مَفَاصِلُ زَائِدَةِ الْجَانِي عَلَى مَفَاصِلِ زَائِدَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيَضُرُّ حَتَّى لَا تُقْطَعَ بِهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ تَفَاوُتِ الْمَحَلِّ ، وَكَذَا إنْ تَفَاوَتَا بِالْحُكُومَةِ ، وَإِنْ تَمَاثَلَا فِي الْمَفْصِلِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ ، وَأَقَرَّهُ .
( وَيُقْطَعُ زَائِدٌ بِأَصْلِيٍّ اتَّفَقَ مَحَلُّهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ لِنُقْصَانِ الزَّائِدِ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِالشَّلَّاءِ عَنْ الصَّحِيحَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ مَحَلُّهُمَا ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يُقْطَعُ أَصْلِيٌّ بِزَائِدٍ ، وَإِنْ اتَّفَقَ مَحَلُّهُمَا ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ حَقِّهِ .

( الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُمَاثَلَةِ ) ( قَوْلُهُ : وَلَا يَمِينَ بِيَسَارٍ ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْيَدُ وَالرِّجْلُ وَالْأُذُنُ وَالْعَيْنُ وَالْمَنْخَرُ وَالْخُصْيَةُ وَالشَّفْرُ وَالْأَلْيَةُ وَغَيْرُهَا ، وَلَوْ قَالَ لَا تُؤْخَذُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ لَدَخَلَ فِيهِ فَقْءُ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ ، وَقَلْعُهَا ، وَإِذْهَابُ ضَوْئِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَلَا زَائِدٌ بِزَائِدٍ إلَخْ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ ، وَلَا حَادِثٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِمَوْجُودٍ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ قَلَعَ سِنًّا ، وَلَيْسَ لِلْجَانِي مِثْلُهَا فَلَا قِصَاصَ فَلَوْ نَبَتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَقْتَصَّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَالَةَ الْجِنَايَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى السِّنِّ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ كِبَرٍ أَوْ طُولٍ أَوْ قُوَّةٍ ) إلَّا إذَا كَانَ النَّقْصُ بِجِنَايَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ أَرْشَهَا ( قَوْلُهُ : كَمَا يُقْتَلُ الْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ } فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ النَّظَرِ إلَى ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ فِي النَّفْسِ حَتَّى يُؤْخَذَ الْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70