كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

( فَرْعٌ : وَيُقْتَصُّ فِي الْمُوضِحَةِ بِالْمِسَاحَةِ ) طُولًا وَعَرْضًا لَا بِالْجُزْئِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَيْنِ مَثَلًا قَدْ يَخْتَلِفَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا فَيَكُونُ جُزْءُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ جَمِيعِ الْآخَرِ فَيَقَعُ الْحَيْفُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ فِيهَا بِالْمُمَاثَلَةِ بِالْجُمْلَةِ فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا بِالْمُسَامَحَةِ أَدَّى إلَى أَخْذِ الْأَنْفِ بِبَعْضِ الْأَنْفِ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمُوضِحَةِ فَاعْتُبِرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ ( وَإِنْ عَمَّ بِالْبَعْضِ ) أَيْ بِسَبَبِ إيضَاحِ الْبَعْضِ ( الْكُلُّ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ ) مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ ( وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ ) مِنْهُ ( أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ ) مِنْهُ بِالْمِسَاحَةِ ( وَبَدَأَ ) الْمُقْتَصُّ بِالْإِيضَاحِ ( مِنْ حَيْثُ شَاءَ الْجَانِي ) إذْ كُلُّ رَأْسِهِ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ ، وَقِيلَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ فَيَسْتَوْفِي قَدْرَهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا : وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ خَلَا الْإِمَامَ وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ تَبِعَا فِيهِ الْإِمَامَ وَتَعْلِيلُهُ السَّابِقُ لَا يُنَاسِبُهُ ، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الثَّانِي ، وَإِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ لِإِعْطَاءِ مَنْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ هُوَ الْأَوَّلَ .
قَالُوا وَنَقْلُ الرَّافِعِيِّ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ سَهْوٌ ( ، وَلَا يُتَمِّمُ ) مُوضِحَةً لِرَأْسٍ إذَا كَانَ أَصْغَرَ ( بِالْجِهَةِ كَعَكْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ ، وَلَوْ قَالَ ، وَلَا يُتَمِّمُ بِغَيْرِهِ كَانَ أَعَمَّ ( بَلْ ) يُتَمِّمُ ( بِالْقِسْطِ ) أَيْ بِقِسْطِ الْبَاقِي ( مِنْ الْأَرْشِ ) إذَا وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِ الْمُوضِحَةِ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ الثُّلُثِ فَالْقِسْطُ ثُلُثُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ ، وَهَذَا كَمَا لَوْ قَطَعَ نَاقِصُ الْأَصَابِعِ يَدَ كَامِلِهَا فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ وَيُؤْخَذُ أَرْشُ الْأُصْبُعِ النَّاقِصَةِ ،

وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِرَأْسِهِ كَالْيَدِ الصَّغِيرَةِ عَنْ الْكَبِيرَةِ ؛ لِأَنَّ مَا بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْيَدَيْنِ لَيْسَ بِيَدٍ وَمَا بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْمُوضِحَتَيْنِ مُوضِحَةٌ فَلَا يُجْعَلُ تَابِعًا ؛ وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَمَّ اسْمُ الْيَدِ ، وَهُنَا الْمِسَاحَةُ ( نَعَمْ إنْ كَانَ بَعْضُهُ ) أَيْ رَأْسُ الْجَانِي ( مَشْجُوجًا وَالْبَاقِي بِقَدْرِ مُوضِحَتِهِ تَعَيَّنَ ) لِتَعَذُّرِ مَشِيئَةِ الْجَانِي ( وَصَارَ كَأَنَّهُ كُلُّ الرَّأْسِ ، وَلَا تَفْرُقُ ) الْمُوضِحَةُ فِي مَحَلَّيْنِ كَمُقَدِّمِ رَأْسِهِ ، وَمُؤَخِّرِهِ ( فَتَصِيرُ مُوضِحَتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مُقَابَلَةِ مُوضِحَةٍ بِمُوضِحَتَيْنِ .
( قَوْلُهُ : وَيُقْتَصُّ فِي الْمُوضِحَةِ بِالْمِسَاحَةِ ) ، وَيُضْبَطُ الشَّاجُّ اسْتِحْبَابًا حَتَّى لَا يَضْطَرِبَ ( قَوْلُهُ : وَبَدَأَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ الْجَانِي ) إذْ كُلُّ رَأْسِهِ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ فَيُوَفِّي صَاحِبَهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَيِّ مَكَان شَاءَ ، وَهَذَا كَمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مَالِيٌّ فَإِنَّ الْخِبْرَةَ فِي أَدَائِهِ إلَيْهِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ مِنْ أَمْوَالِهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ بِخُصُوصِهِ .
ا هـ .
وَشَمِلَ الْحَقُّ الْمَالِيُّ مَا إذَا ثَبَتَ بِتَعَدِّي مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْغَاصِبِ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الثَّانِي هُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ ) أَيَّ جُزْءٍ مِنْ رَأْسِهِ مُكِّنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ إيضَاحِهِ بَعْدَ وَفَاءِ حَقِّهِ فَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْأَوَّلِ لَا لِلثَّانِي ( قَوْلُهُ : قَالُوا : وَنَقْلُ الرَّافِعِيِّ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ سَهْوٌ ) يُرَدُّ بِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ إذْ هُوَ مُثْبَتٌ ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ

( وَلَا تُبَعَّضُ الْمُوضِحَةُ مَعَ إمْكَانِهَا ) أَيْ إمْكَانِ اسْتِيفَائِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ بَعْضَهَا ( قِصَاصًا ، وَ ) بَعْضَهَا ( أَرْشًا ) أَيْ بِقِسْطِهِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ الْمُسْتَوْفَى يُقَابَلُ بِالْأَرْشِ التَّامِّ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ ، وَهُوَ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ بَلْ بِالْقِسْطِ مِنْ - الْأَرْشِ ( بِخِلَافِ الْمُوضِحَتَيْنِ ) فَإِنَّهُ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ فِي إحْدَاهُمَا وَيَأْخُذَ أَرْشَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ ( وَإِنْ أَوْضَحَ ) الْجَانِي ( بَعْضَهُ ) أَيْ بَعْضَ الرَّأْسِ ( كَالنَّاصِيَةِ وَالْقَذَالِ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَبِالْمُعْجَمَةِ ، وَهُوَ جِمَاعُ مُؤَخِّرِ الرَّأْسِ ( تَعَيَّنَ الْمَوْضِعُ ) لِلْإِيضَاحِ ( وَيُتَمِّمُ مَا نَقَصَ ) مِنْ مُوضِحَتِهِ ( مِنْ الرَّأْسِ ) ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ ( لَا مِنْ الْجَبْهَةِ وَالْقَفَا ) ، وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْضَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ ( وَلَا ) يُتَمِّمُ ( السَّاعِدَ ) أَيْ مُوضِحَتَهُ ( مِنْ الْعَضُدِ وَالْكَفِّ ) ، وَلَا عَكْسُهُ لِذَلِكَ ( وَلْيَحْلِقْ ) إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَاصَ فِي الْمُوضِحَةِ ( مَوْضِعَهَا مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ ) إنْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ ( وَيُعَلِّمُ بِخَطٍّ ) مِنْ سَوَادٍ ، أَوْ حُمْرَةٍ ، أَوْ نَحْوِهِمَا ( وَيُوضِحُ بِحَدِيدَةٍ ) حَادَّةٍ ( كَالْمُوسَى لَا بِسَيْفٍ وَحَجَرٍ ) ، وَنَحْوِهِمَا ( وَإِنْ ) كَانَ ( أَوْضَحَ بِهِ ) إذْ لَا تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ قَالَ فِي الْأَصْلِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الرُّويَانِيُّ .
انْتَهَى .
وَعِبَارَةُ الرُّويَانِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الْقَفَّالِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْتَصُّ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ إنْ أَمْكَنَ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَاضِي ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ( وَلَا عِبْرَةَ بِغِلَظِ الْجِلْدِ ) ، أَوْ اللَّحْمِ ( وَرِقَّتِهِ ) كَمَا لَا عِبْرَةَ بِتَفَاوُتِ كِبَرِ الْأَطْرَافِ ( وَيَفْعَلُ ) الْمُقْتَصُّ ( الْأَسْهَلَ ) عَلَى الْجَانِي

مِنْ الشَّقِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، أَوْ شَيْئًا فَشَيْئًا وَخَالَفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ الْأَشْبَهُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ جِنَايَتِهِ إنْ ، أَوْضَحَ دَفْعَةً فَدَفْعَةً ، أَوْ بِالتَّدْرِيجِ فَبِالتَّدْرِيجِ ( وَيَضْبِطُ الْجَانِي ) وُجُوبًا لِئَلَّا يَضْطَرِبَ ( فَإِنْ زَادَ الْمُقْتَصُّ ) فِي الْمُوضِحَةِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ كَانَ ( بِاضْطِرَابِ الْجَانِي فَهَدَرٌ ، أَوْ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْهُ ) فِي الزَّائِدِ لَكِنْ ( بَعْدَ انْدِمَالِ جُرْحِهِ ، أَوْ خَطَأً ) كَأَنْ اضْطَرَبَتْ يَدَاهُ ، أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ ( فَأَرْشٌ كَامِلٌ ) يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الزَّائِدِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ وَتَخَالُفُ الْحُكْمِ كَتَعَدُّدِ الْجَانِي ( وَيُصَدَّقُ ) الْمُقْتَصُّ ( بِيَمِينِهِ إنْ قَالَ أَخْطَأْت ) بِالزِّيَادَةِ ، وَقَالَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ بَلْ تَعَمَّدْت ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَمْدِ ( وَإِنْ قَالَ ) تَوَلَّدَتْ الزِّيَادَةُ ( بِاضْطِرَابِهِ ) ، وَأَنْكَرَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ ( فَوَجْهَانِ ) فِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَعَدَمُ الِاضْطِرَابِ وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهُمَا تَصْدِيقَ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ ( تَنْبِيهٌ ) سَيَأْتِي أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الطَّرَفِ وَصُورَةُ مَا ذَكَرَ هُنَا أَنْ يَرْضَى الْجَانِي بِذَلِكَ ، أَوْ يُوَكِّلَ فِيهِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ غَيْرَهُ .

قَوْلُهُ : وَيُوضِحُ بِحَدِيدَةٍ كَالْمُوسَى ) لَا بِسَيْفٍ وَحَجَرٍ ، وَإِنْ أَوْضَحَ بِهِمَا إذْ لَا تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْعُدُولُ عَمَّا فَعَلَ بِهِ إلَى الْمُوسَى عَلَى حَالَةِ خَوْفِ حَيْفٍ وَزِيَادَةٍ ، وَالْمُمَاثَلَةُ عَلَى حَالَةِ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ كَاتِبُهُ .
( قَوْلُهُ : وَخَالَفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ الْأَشْبَهُ إلَخْ ) لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِهِمْ إذْ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُمَاثَلَةَ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ زَادَ الْمُقْتَصُّ بِاضْطِرَابِ الْجَانِي فَهَدَرٌ أَوْ بِاضْطِرَابِهِمَا فَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ يُوَزَّعُ ) فَيُهْدَرُ الشَّطْرُ ، وَيَلْزَمُ الْمُقْتَصَّ الشَّطْرُ قَالَ شَيْخُنَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرِيكِ قَاتِلِ نَفْسِهِ حَيْثُ آلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا لَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي مُوضِحَةٍ حَيْثُ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ أَرْشٌ كَامِلٌ لِعَدَمِ إهْدَارِ فِعْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِخِلَافِ مَا هُنَا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ بِاضْطِرَابِهِ فَوَجْهَانِ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِتَصْدِيقِ الْمَشْجُوجِ يَعْنِي ، وَهُوَ الْمُقْتَصُّ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي حَقِّهِ أَصْلَانِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَعَدَمُ الِارْتِعَاشِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْآخَرِ إلَّا أَصْلٌ وَاحِدٌ بَلْ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ مَنْ مَسَّهُ آلَةُ الْقِصَاصِ يَتَحَرَّكُ بِالطَّبْعِ ( قَوْلُهُ : وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهُمَا تَصْدِيقَ الْمُقْتَصِّ بِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الِاسْتِيفَاءِ مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ ، وَهُوَ يَدَّعِي إسْقَاطَ الضَّمَانِ بِفِعْلِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ

( فَرْعٌ : إيضَاحُ الْجَمَاعَةِ كَقَطْعِهِمْ الطَّرَفَ ) فِي كَيْفِيَّةِ الِاشْتِرَاكِ وَوُجُوبِ الْقِصَاصِ فَإِذَا تَحَامَلُوا عَلَى الْآلَةِ وَجَرُّوهَا مَعًا وَجَبَ أَنْ يُوضَحَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ مِثْلَ تِلْكَ الْمُوضِحَةِ ، وَقِيلَ تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ وَيُوضَحُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِإِمْكَانِ التَّجْزِئَةِ ، وَإِنْ وَجَبَ مَالٌ وُزِّعَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ مَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ أَرْشٍ كَامِلٍ ، وَالتَّرْجِيحُ فِي الصُّورَتَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِي الْأُولَى .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ أَرْشٌ كَامِلٌ ) ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ، وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ ، وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي مُوضِحَةٍ وَآلَ إلَى الْأَرْشِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَرْشٌ كَامِلٌ عَلَى الْأَصَحِّ .
ا هـ .
، وَقَدْ صَرَّحَا بِهِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَهُوَ الْمَذْهَبُ .

( فَرْعٌ : يُقْتَصُّ فِي الْمُوضِحَةِ ) الَّتِي ( لِذِي شَعْرٍ مِنْ ) شَاجٍّ ( ذِي شَعْرٍ ، وَإِنْ تَفَاوَتَا ) فِي الشَّعْرِ خِفَّةً ، وَكَثَافَةً ( وَكَذَا مِنْ ) شَاجٍّ ( أَقْرَعَ لَا عَكْسِهِ ) بِأَنْ كَانَ الْمَشْجُوجُ أَقْرَعَ وَالشَّاجُّ لَيْسَ بِأَقْرَعَ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ شَعْرٍ لَمْ يُتْلِفْهُ وَعَبَّرَ بِالْأَقْرَعِ إشَارَةً إلَى مَا جَمَعَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ نَصِّ الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى مَنْ اخْتَصَّ الشَّعْرُ بِرَأْسِهِ ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ ، وَنَصِّ الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ فَيَحْلِقُ مَحَلَّ الشَّجَّةِ ثُمَّ يَقْتَصُّ مِنْهُ كَمَا يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِرَأْسِهِمَا شَعْرٌ فَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ عَدَمُ الشَّعْرِ بِرَأْسِ الْمَشْجُوجِ لِفَسَادِ مَنْبَتِهِ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ لِحَلْقٍ ، وَنَحْوِهِ .
( قَوْلُهُ : وَعَبَّرَ بِالْإِقْرَاعِ أَشَارَ إلَى مَا جَمَعَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( خَفِيَ الْإِيضَاحُ ) بِأَنْ شَكَّ هَلْ أَوْضَحَ بِالشَّجَّةِ ، أَوْ لَا ( لَمْ يَقْتَصَّ ) مَعَ الشَّكِّ ( بَلْ يَسْبُرُ ) بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَبْحَثُ عَنْهُ بِمِسْمَارٍ ، أَوْ نَحْوِهِ حَتَّى يَعْرِفَ ( وَيَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ ، أَوْ يَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي ، وَهُوَ ) أَيْ الْإِيضَاحُ يَحْصُلُ ( بِالِانْتِهَاءِ إلَى الْعَظْمِ حَتَّى لَوْ غَرَزَ إبْرَةً وَانْتَهَتْ إلَيْهِ فَمُوضِحَةٌ ) ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ الْعَظْمُ لِلنَّاظِرِ .

( فَصْلٌ : ) فِي الصِّفَاتِ الَّتِي يُؤَثِّرُ التَّفَاوُتُ فِيهَا ، أَوْ لَا يُؤَثِّرُ ( تُقْطَعُ ) يَدٌ مَثَلًا ( سَلِيمَةٌ بِبَرْصَاءَ وَعَسْمَاءَ وَعَرْجَاءَ وَعَلِيلَةَ ظُفُرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي الْعُضْوِ ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عِلَّةٌ وَمَرَضٌ فِي الْعُضْوِ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : وَمَحَلُّهُ فِي عِلَّةِ الظُّفُرِ مِنْ سَوَادٍ وَاخْضِرَارٍ ، وَنَحْوِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِآفَةٍ ، وَلَمْ يَكُنْ جَافًّا ، وَإِلَّا فَلَا قِصَاصَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ الْمُتَوَلِّي ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي الشَّافِعِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْعَسَمُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ تَشَنُّجٌ فِي الْمَرْفِقِ ، أَوْ قِصَرٌ فِي السَّاعِدِ ، أَوْ الْعَضُدِ قَالَهُ فِي الْأَصْلِ ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هُوَ مَيْلٌ وَاعْوِجَاجٌ فِي الرُّسْغِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : الْأَعْسَمُ الْأَعْسَرُ ، وَهُوَ مَنْ بَطْشُهُ بِيَسَارِهِ أَكْثَرُ ( لَا سَاقِطَةٌ ) أَيْ لَا سَلِيمَةُ ظُفُرٍ بِسَاقِطَةٍ ؛ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهَا ( وَ ) لَكِنْ ( تَكْمُلُ دِيَتُهَا ) وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَعُلِمَ بِمَا قَالَهُ أَنَّ سَاقِطَةَ الظُّفُرِ تُقْطَعُ بِسَلِيمَتِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ .
قَوْلُهُ : وَعَرْجَاءَ ) ؛ لِأَنَّ الْعَرَجَ قُصُورٌ فِي السَّاقِ أَوْ الْفَخِذِ أَوْ ظُهُورِ خَلَلٍ فِي بَعْضِ مَفَاصِلِهِ وَالْقَدَمُ سَلِيمَةٌ فَأَمَّا إنْ قُطِعَ رِجْلٌ أُخِيفَ فَلَا قِصَاصَ ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ فِي الرِّجْلِ قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ فِي عِلَّةِ الظُّفُرِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي الشَّافِعِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ : لَا تُقْطَعُ ) يَدٌ ، أَوْ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ ( بِشَلَّاءَ ) لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهَا بِقَطْعِهَا ( وَإِنْ رَضِيَ ) بِهِ ( الْجَانِي ) لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ ؛ وَلِأَنَّ نِسْبَةَ بَدَلِ الصَّحِيحَةِ إلَى بَدَلِ النَّفْسِ النِّصْفُ ، وَنِسْبَةَ بَدَلِ الشَّلَّاءِ إلَى بَدَلِ النَّفْسِ دُونَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهَا الْحُكُومَةُ ( فَإِنْ قَطَعَهَا ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْجَانِي ( لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ ) فَلَا تَقَعُ قِصَاصًا ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لَهُ بَلْ لَوْ سَرَى لَزِمَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ ( وَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِي قَطْعِهَا قِصَاصًا فَهَلْ يُجْزِئُ ) ، وَكَانَ الْجَانِي أَدَّى الْجَيِّدَ عَنْ الرَّدِيءِ ، وَقَبَضَهُ الْمُسْتَحِقُّ ( أَوْ يَضْمَنُ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( جِنَايَتَهُ ) بِأَنْ يَضْمَنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا قَطَعَهُ وَالْجَانِي الْحُكُومَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ عُضْوَهُ مَجَّانًا أَيْ بَلْ أَخَذَ بَدَلَهُ ( وَجْهَانِ ) وَبِالثَّانِي قَطَعَ الْبَغَوِيّ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا يَأْتِي فِي بَذْلِ الْيَسَارِ عَنْ الْيَمِينِ .
( أَوْ ) قَطَعَهَا ( بِإِذْنٍ مُطْلَقٍ ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِقَطْعِهَا قِصَاصًا فَقَدْ ( اسْتَوْفَى ) حَقَّهُ ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ( وَإِنْ مَاتَ ) الْجَانِي بِالسِّرَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي الْقَطْعِ ( وَتُقْطَعُ شَلَّاءُ بِشَلَّاءَ إنْ تَسَاوَى الشَّلَلُ ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ ( أَوْ زَادَ شَلَلُ الْجَانِي ) ، وَلَمْ يَخَفْ نَزْفَ الدَّمِ أَيْ خُرُوجَهُ كُلَّهُ ، وَإِلَّا فَلَا تُقْطَعُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا فَوْقَ حَقِّهِ وَحَذَرًا مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّفْسِ بِالطَّرَفِ فِيمَا إذَا خِيفَ نَزْفُ الدَّمِ ( وَ ) تُقْطَعُ شَلَّاءُ ( بِصَحِيحَةٍ إنْ لَمْ يَخَفْ نَزْفَ الدَّمِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا خِيفَ نَزْفُهُ بِأَنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَوْ قُطِعَتْ لَمْ يَنْسَدَّ فَمُ الْعُرُوقِ بِالْحَسْمِ ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ ( لَا شَلَّاءُ خِنْصَرٍ بِشَلَّاءَ بِنَصْرٍ ) لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ ( وَبُطْلَانُ الْعَمَلِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ (

شَلَلٌ ) ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ زَوَالِهِمَا ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمَا .
( وَتُقْطَعُ قَوِيَّةٌ بِضَعِيفَةٍ لَا ) بِضَعِيفَةٍ ( مِنْ جِنَايَةٍ ذَاتِ أَرْشٍ ) ، وَلَوْ حُكُومَةً ( بَلْ ) لَوْ قُطِعَتْ ( لَا تَكْمُلُ دِيَتُهَا ) ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ مَنْ قَتَلَ مَنْ صَارَ إلَى حَالَةِ الْمُحْتَضَرِ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ إنْ صَارَ إلَيْهَا لَا بِجِنَايَةٍ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ ذَاتِ أَرْشٍ ؛ لِأَنَّ ضَعْفَ الْعُضْوِ بِجِنَايَةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَرْشٍ .
( قَوْلُهُ : لَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهَا يَقْطَعُهَا ) فَمَتَى كَانَتْ النَّفْسُ مُسْتَحِقَّةَ الْإِزْهَاقِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا مَانِعَ حِينَئِذٍ مِنْ أَخْذِ الصَّحِيحَةِ بِالشَّلَّاءِ ، وَلَا الشَّلَّاءِ بِالصَّحِيحَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَنْحَسِمْ الْعُرُوقُ ، وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَطْرَافِ فَتُؤْخَذُ كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَتِهَا أَوْ فَاقِدَتِهَا لَا الْيَمِينُ بِالْيَسَارِ ، وَإِنْ كَانَ فَاقِدُهَا ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ نِسْبَةَ بَدَلِ الصَّحِيحَةِ إلَى بَدَلِ النَّفْسِ إلَخْ ) إذْ مِنْ شَرْطِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَنْ لَا تَزِيدَ نِسْبَةُ بَدَلِ مَا دُونَ نَفْسِ الْجَانِي إلَى بَدَلِ نَفْسِهَا عَلَى نِسْبَةِ بَدَلِ مَا دُونَ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَى بَدَلِ نَفْسِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَذِنَ فِي قَطْعِهَا قِصَاصًا ) كَأَنْ قَالَ لَهُ اقْطَعْهَا عِوَضًا عَنْ يَدِك أَوْ قِصَاصًا ( قَوْلُهُ : وَبِالثَّانِي قَطَعَ الْبَغَوِيّ إلَخْ ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمَا ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ ( قَوْلُهُ : بَلْ لَا تَكْمُلُ دِيَتُهَا ) ؛ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا كَمَالَ دِيَتِهَا لَأَدَّى إلَى تَضْعِيفِ الضَّمَانِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي ضَمِنَهُ الْأَوَّلُ

( وَإِنْ قَطَعَ ) الْحُرُّ ( الذِّمِّيُّ يَدَ عَبْدٍ فَنَقَضَ ) عَهْدَهُ ( وَاسْتُرِقَّ ، أَوْ ) قَطَعَ ( الْأَشَلُّ مِثْلَهُ فَصَحَّ ) الْقَاطِعُ ( لَمْ يُقْطَعْ ) لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ فِي الْأُولَى وَوُجُوبِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي الثَّانِيَةِ ( وَكَذَا ) لَا يَقْطَعُ سَلِيمٌ يَدًا ، أَوْ رِجْلًا ( قَطْعُ أَشَلَّ أَوْ نَاقِصَةِ أُصْبُعٍ ثُمَّ شَلَّتْ ) بِفَتْحِ الشِّينِ ( يَدُهُ ) فِي الْأُولَى ( وَنَقَصَتْ ) فِي الثَّانِيَةِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَالتَّرْجِيحُ فِي الْأُولَى مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عَنْ التَّهْذِيبِ وَجَزَمَ بِهِ أَوَاخِرَ هَذَا الْبَابِ وَاَلَّذِي فِيهِ ، أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ تَعَلَّقَ فِيهَا بِمَا عَدَا الْأُصْبُعَ الْمَذْكُورَةَ عِنْدَ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ أَصْلًا .
( قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي فِيهِ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إلَخْ ) ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْبَابِ ، وَإِنْ قَطَعَ السَّلِيمُ وُسْطَى فَاقِدِ الْأُنْمُلَةِ الْعَلِيلِ فَلَا قِصَاصَ مَا لَمْ تَفْقِدْ الْعُلْيَا .
ا هـ .
؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ أَوْلَى مِنْ ثُبُوتِهِ فِي تِلْكَ

( وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ ، وَإِشْلَالِهِمَا الْقِصَاصُ ، وَكَذَا ) فِي قَطْعِ ، وَإِشْلَالِ ( إحْدَى أُنْثَيَيْنِ إنْ عُلِمَ سَلَامَةُ الْأُخْرَى ) بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ ( وَكَذَا دَقُّهُمَا ) فَيُقْتَصُّ فِيهِ بِمِثْلِهِ ( إنْ أَمْكَنَ ) ، وَإِلَّا وَجَبَتْ الدِّيَةُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ التَّهْذِيبِ ثُمَّ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ كَكَسْرِ الْعِظَامِ ( وَيُقْطَعُ ذَكَرُ فَحْلٍ وَشَابٍّ وَمَخْتُونٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ وَشَيْخٍ وَطِفْلٍ ، وَأَقْلَفَ ) إذْ لَا خَلَلَ فِي نَفْسِ الْعُضْوِ بَلْ فِي أَثَرِهِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ ( وَلِلذَّكَرِ الْأَشَلِّ حُكْمُ الْيَدِ ) الشَّلَّاءِ فِيمَا مَرَّ ( وَهُوَ ) أَيْ الْأَشَلُّ ( مَا ) أَيْ مُنْبَسِطٌ ( لَا يَنْقَبِضُ ، أَوْ ) مُنْقَبِضٌ ( لَا يَنْبَسِطُ ) ، وَهَذَا لَازِمٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَبُطْلَانُ الْعَمَلِ شَلَلٌ .

( وَتُقْطَعُ أُذُنٌ سَمِيعَةٌ بِصَمَّاءَ ) ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يَحِلُّ جِرْمَ الْأُذُنِ ( وَكَذَا صَحِيحَةٌ بِمُسْتَحْشِفَةٍ ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ( وَبِمَثْقُوبَةٍ ) ثُقْبًا غَيْرَ شَائِنٍ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ مِنْ جَمْعِ الصَّوْتِ وَرَدِّ الْهَوَامِّ بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاوَيْنِ وَمَحَلُّهُ فِي الْمُسْتَحْشِفَةِ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ ( لَا ) صَحِيحَةٌ ( بِمَخْرُومَةٍ وَمَشْقُوقَةٍ ) لِفَوَاتِ الْجَمَالِ فِيهِمَا وَالْمَخْرُومَةُ مَا قُطِعَ بَعْضُهَا ( بَلْ يُقْتَصُّ ) فِيهَا ( بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْهَا ) كَمَا مَرَّ .
( وَتُقْطَعُ مَخْرُومَةٌ بِصَحِيحَةٍ وَيُؤْخَذُ أَرْشُ مَا نَقَصَ ) مِنْهَا ( وَالثَّقْبُ الشَّائِنُ ) لِلْأُذُنِ ( كَالْخَرْمِ ) فِيمَا ذُكِرَ .

( وَيُقْطَعُ أَنْفٌ صَحِيحٌ بِأَخْشَمَ ) أَيْ غَيْرِ شَامٍّ ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَا يَحِلُّ جِرْمَ الْأَنْفِ ( وَأَجْذَمَ ) ، وَإِنْ اسْوَدَّ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ ( وَ ) يُقْطَعُ ( أَنْفٌ سَقَطَ بَعْضُهُ ) ، وَلَوْ صَحِيحًا ( بِمِثْلِهِ ) ، وَلَوْ أَجْذَمَ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ بَعْضُهُ ، وَكَانَ صَحِيحًا ( فَيُقْطَعُ مِنْ الصَّحِيحِ مِثْلُ الْبَاقِي ) أَيْ مِثْلُ مَا كَانَ بَقِيَ مِنْ أَنْفِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَجْذَمَ ( إنْ أَمْكَنَ لَا عَيْنٌ مُبْصِرَةٌ بِقَائِمَةٍ ) أَيْ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ مَعَ قِيَامِ صُورَتِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ فِي جِرْمِ الْعَيْنِ ( وَ ) لَا ( لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ ) ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ فِي جِرْمِ اللِّسَانِ ( وَيَجُوزُ بِعَكْسِهِ ) أَيْ قَطْعُ عَيْنٍ قَائِمَةٍ بِمُبْصِرَةٍ وَلِسَانِ أَخْرَسَ بِنَاطِقٍ إذَا رَضِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ، وَلَا شَيْءَ مَعَهُ .
( قَوْلُهُ : وَيُقْطَعُ أَنْفٌ صَحِيحٌ بِأَخْشَمَ ) ، وَأَشَلُّ .

( وَيُؤْخَذُ جَفْنٌ بَصِيرٌ بِجَفْنٍ أَعْمَى ) لِتَسَاوِي الْجِرْمَيْنِ وَالْبَصَرُ لَيْسَ فِي الْجَفْنِ نَعَمْ لَا يُؤْخَذُ جَفْنٌ لَهُ أَهْدَابٌ بِمَا لَا أَهْدَابَ لَهُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْفَارِقِيُّ ( وَالْعَيْنُ الْقَائِمَةُ كَا ) لْيَدِ ( الشَّلَّاءِ ) فَلَا تُؤْخَذُ بِهَا الْمُبْصِرَةُ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ لَا عَيْنٌ مُبْصِرَةٌ بِقَائِمَةٍ ، وَلَوْ ذَكَرَهُ كَالْأَصْلِ عَقِبَهُ لِيَكُونَ كَالتَّعْلِيلِ لَهُ كَانَ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : .
وَالْعَيْنُ الْقَائِمَةُ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ ) فِي أَنَّهَا تُؤْخَذُ بِهَا عَيْنُ مِثْلِهَا أَوْ أَنْقَصَ مِنْهَا

( وَ ) يُقْطَعُ ( لِسَانٌ نَاطِقٌ بِلِسَانٍ رَضِيعٍ ) إنْ ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ النُّطْقِ بِحَيْثُ ( يُحَرِّكُهُ عِنْدَ الْبُكَاءِ وَغَيْرِهِ لَا مَنْ بَلَغَ أَوَانَ الْكَلَامِ ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ) ، وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدٍّ يُحَرِّكُ فِيهِ لِسَانَهُ لَمْ يُقْطَعْ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَقَطْعِ رِجْلِهِ ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيهِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ قُلْت وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ .
قَوْلُهُ : إنْ ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ النُّطْقِ ) عَدَمُ ظُهُورِهِ بِأَنْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوْ بِأَنْ يَنْتَهِيَ إلَيْهِ ، وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ ذَلِكَ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِسَانَ النَّاطِقِ يُقْطَعُ بِهِ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي إلَخْ ) لَيْسَ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ ، وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهُ عَدَمُ قَطْعِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ تَحْرِيكِهِ مَعَ بُلُوغِهِ حَدَّهُ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعُ الْتِصَاقِ الْأُذُنِ ) بِحَرَارَةِ الدَّمِ ( بَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا تُسْقِطُ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ ) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْإِبَانَةِ ، وَقَدْ وُجِدَتْ ( وَلَا تُوجِبُهُ ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ ( بِقَطْعِهَا ) مَرَّةً ( ثَانِيَةً ) ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِإِزَالَةٍ ( وَلَا مُطَالَبَةَ لِلْجَانِي بِقَطْعِهَا ) بِأَنْ يَقُولَ اقْطَعُوهَا ثُمَّ اقْطَعُوا أُذُنِي ؛ لِأَنَّ قَطْعَهَا مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِهِ وَالنَّظَرُ فِي مِثْلِهِ إلَى الْإِمَامِ ( وَأَمَّا ) الْتِصَاقُهَا ، وَقَطْعُهَا مَرَّةً ثَانِيَةً ( قَبْلَ الْإِبَانَةِ فَبِالْعَكْسِ ) أَيْ فَتُسْقِطُ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ عَنْ الْأَوَّلِ وَتَوْجِيهًا عَلَى الثَّانِي ( وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ عَلَى الْجَانِي أَوَّلًا ) كَالْإِفْضَاءِ إذَا انْدَمَلَ تَسْقُطُ الدِّيَةُ وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ ( لَكِنَّهُمْ ، أَوْجَبُوا قَطْعَ ) أُذُنٍ ( مُبَانَةٍ الْتَصَقَتْ إنْ لَمْ يُخَفْ ) مِنْهُ مَحْذُورُ التَّيَمُّمِ كَأَنْ لَمْ يَنْبُتْ اللَّحْمُ عَلَى مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لِئَلَّا يُفْسِدَ الصَّلَاةَ ( لِنَجَاسَةِ الْبَاطِنِ ) مِنْ الْأُذُنِ بِالدَّمِ الَّذِي ظَهَرَ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ فَلَا يَزُولُ بِالِاسْتِبْطَانِ ( لَا ) قَطْعُ أُذُنٍ ( مُعَلَّقَةٍ بِجِلْدَةٍ ) ، وَقَدْ الْتَصَقَتْ الْأُذُنُ ( وَفِيهِ نَظَرٌ ) لِمَا مَرَّ مِنْ نَجَاسَةِ الْبَاطِنِ وَيُجَابُ بِأَنَّا إنَّمَا ، أَوْجَبْنَا الْقَطْعَ ثُمَّ لِلدَّمِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ مِنْهُ بِالْمُبَانِ قَدْ خَرَجَ عَنْ الْبَدَنِ بِالْكُلِّيَّةِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَعَادَ إلَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ وَلِهَذَا لَمْ يَعْفُ عَنْهُ ، وَإِنْ قَلَّ بِخِلَافِ الْمُتَّصِلِ مِنْهُ هُنَا ( وَإِنْ اسْتَوْفَى ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( الْبَعْضَ ) مِنْ الْأُذُنِ ( فَالْتَصَقَ فَلَهُ قَطْعُهُ مَعَ الْبَاقِي ) مِنْهَا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْإِبَانَةَ ( وَلَوْ قُطِعَتْ ) أُذُنٌ ( مُبَانَةٌ الْتَصَقَتْ ) بِمَكَانِهَا ، وَلَمْ نُوجِبْ إزَالَتَهَا لِخَوْفِ التَّلَفِ مَثَلًا ( فَمَاتَ ) الْمَقْطُوعُ سِرَايَةً ( فَالْقَوَدُ ) عَلَى الْقَاطِعِ (

وَالْتِصَاقُ السِّنِّ ) الْمَقْلُوعَةِ بِمَكَانِهَا ( كَالْأُذُنِ ) فِيمَا ذُكِرَ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةُ الْإِزَالَةِ ) عِبَارَةُ الْأَنْوَارِ ، وَلَوْ قَطَعَهَا قَاطِعٌ حَيْثُ لَزِمَ الْإِبَانَةُ فَلَا قِصَاصَ إلَّا أَنْ يَسْرِيَ إلَى النَّفْسِ .

( فَصْلٌ ) : ( الْقِصَاصُ ) وَاجِبٌ ( فِي قَلْعِ السِّنِّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ } ( لَا ) فِي ( كَسْرِهَا ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعَظْمِ نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ فِيهَا الْقِصَاصُ فَتَقَدَّمَ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يَجِبُ ، وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ وَعَنْ قَطْعِ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ إطْلَاقَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي السِّنِّ وَبِالْإِطْلَاقِ جَزَمَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَقَدْ يُوَجَّهُ مَا نَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ بِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مُشَاهَدٌ مِنْ أَكْثَرِ الْجَوَانِبِ وَلِأَهْلِ الصَّنْعَةِ آلَاتٌ قَطَّاعَةٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي الضَّبْطِ فَلَمْ تَكُنْ كَسَائِرِ الْعِظَامِ ( فَلَا تُؤْخَذُ صَحِيحَةً بِمَكْسُورَةٍ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ مَعَ أَرْشِ الذَّاهِبِ ) مِنْ الْمَكْسُورَةِ ( وَعَادِمُ تِلْكَ الْمَقْلُوعَةِ ) عِنْدَ جِنَايَتِهِ لَا قِصَاصَ ( عَلَيْهِ ) فِيهَا ( وَإِنْ نَبَتَتْ بَعْدُ ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْجِنَايَةِ ( وَمِثْلُهُ مَنْ بِهِ مُوضِحَةٌ غَيْرُ مُنْدَمِلَةٍ ) لَوْ ( أَوْضَحَ آخَرُ ) أَيْ غَيْرَهُ ( فِي مَوْضِعِ مُوضِحَتِهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ ، وَإِنْ انْدَمَلَتْ مُوضِحَتُهُ ) ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقِصَاصِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ .

( فَصْلٌ ) .
( قَوْلُهُ : الْقِصَاصُ وَاجِبٌ فِي قَلْعِ السِّنِّ ) يُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ فِي السِّنِّ شُرُوطٌ .
أَحَدُهَا أَنْ لَا تَصِلَ فِي الصِّغَرِ إلَى حَدٍّ تَبْطُلُ بِهِ مَنْفَعَتُهَا بِحَيْثُ لَا تَصْلُحُ لِلْمَضْغِ فَاَلَّتِي هِيَ كَذَلِكَ لَا تُقْلَعُ بِهَا مَنْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ .
ثَانِيهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا نَقْصٌ يَنْقُصُ بِهِ أَرْشُهَا كَأَنْ تَكُونَ ثَنَايَاهُ كَرُبَاعِيَّتِهِ أَوْ أَنْقَصَ أَوْ إحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ أَنْقَصَ مِنْ أُخْتِهَا فَلَا تُقْلَعُ بِهَا سِنُّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ فِيهَا الْأَرْشُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ .
ثَالِثُهَا أَنْ لَا تَكُونَ مُضْطَرِبَةً اضْطِرَابًا شَدِيدًا بِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِ الْقَالِعِ فَلَا يُقْلَعُ بِهَا إلَّا مِثْلُهَا ( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ فِيهَا الْقِصَاصُ ) صَوَّرَ بَعْضُهُمْ الْإِمْكَانَ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ كَسَرَ نِصْفَ السِّنِّ بِالطُّولِ ( قَوْلُهُ : وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَقَوَّاهُ الْبُلْقِينِيُّ بِثُبُوتِهِ فِي السُّنَّةِ ، وَقَالَ الْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ قُلِعَتْ مِمَّنْ لَمْ يُثْغِرْ فَعَادَتْ نَاقِصَةً اقْتَصَّ فِي الزِّيَادَةِ إنْ أَمْكَنَ

( وَإِنْ قَلْع مَثْغُورٌ ) ، وَهُوَ الَّذِي سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ ، وَهِيَ أَرْبَعٌ تَثْبُتُ وَقْتَ الرَّضَاعِ يُعْتَادُ سُقُوطُهَا لَا سُقُوطَ الْكُلِّ قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ فَتَسْمِيَةُ غَيْرِهَا بِالرَّوَاضِعِ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ ( سِنَّ غَيْرِ مَثْغُورٍ ) ، وَلَوْ بَالِغًا ( انْتَظَرَ ) فَلَا قِصَاصَ ، وَلَا دِيَةَ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا ( فَإِنْ نَبَتَتْ سَلِيمَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ ، أَوْ بِهَا شَيْنٌ ) كَسَوَادٍ وَاعْوِجَاجٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الشَّيْنُ ( طُولًا ، أَوْ شَغًا ) بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ أَيْ زِيَادَةً بِأَنْ زَادَتْ السِّنُّ ، أَوْ نَبَتَ مَعَهَا سِنٌّ شَاغِيَةٌ أَيْ زَائِدَةٌ ، وَهِيَ الَّتِي يُخَالِفُ نَبْتُهَا نَبْتَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَسْنَانِ ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ فِيهَا ( وَإِنْ نَبَتَتْ أَقْصَرَ ) مِمَّا كَانَتْ ( فَقِسْطُهَا مِنْ الْأَرْشِ ) يَجِبُ ( وَإِنْ يَئِسَ مِنْ نَبَاتِهَا ) وَقْتَهُ بِأَنْ سَقَطَتْ سَائِرُ الْأَسْنَانِ وَعَادَتْ ، وَلَمْ تَعُدْ الْمَقْلُوعَةُ ، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَسَدَ مَنْبَتُهَا ( فَالْقِصَاصُ ) وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّهُ بَانَ بِالْآخِرَةِ أَنَّهُ أَفْسَدَ الْمَنْبَتَ فَيُقَابَلُ بِمِثْلِهِ ( لَكِنْ ) لَا يُقْتَصُّ فِي الْحَالِ فِي الصَّغِيرِ بَلْ ( يُؤَخَّرُ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِنْ مَاتَ ) قَبْلَ الْبُلُوغِ فَإِنْ كَانَ ( قَبْلَ الْيَأْسِ فَلَا قِصَاصَ لِوَارِثِهِ ) لِعَدَمِ الْيَأْسِ مِنْ نَبَاتِهَا ( وَفِي ) وُجُوبِ ( الْأَرْشِ وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ الْمَنْعُ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْيَأْسِ اقْتَصَّ وَارِثُهُ فِي الْحَالِ ، أَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ .
قَوْلُهُ : فَلَا شَيْءَ لَهُ ) أَيْ لَا أَرْشَ لَهُ

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( قَلَعَ مَثْغُورٌ مِثْلَهُ ) أَيْ سِنَّ مِثْلِهِ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( اُقْتُصَّ ) مِنْهُ ( وَإِنْ نَبَتَتْ ) ؛ لِأَنَّ نَبَاتَهَا نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِنَبَاتِ سِنِّ الْمَثْغُورِ ( كَانْدِمَالِ مُوضِحَةٍ وَجَائِفَةٍ ) بِأَنْ الْتَأَمَتَا وَالْتَحَمَتَا فَيُقْتَصُّ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِمَا الِالْتِحَامُ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي الْمُوضِحَةِ لَا فِي الْجَائِفَةِ إذْ لَا قِصَاصَ فِيهَا وَالْمُرَادُ لَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ دِيَتُهَا ( وَ ) مِثْلُ ( نَبَاتِ لِسَانٍ ) ؛ لِأَنَّ عَوْدَهُ بَعِيدٌ جِدًّا فَهُوَ مَحْضُ نِعْمَةٍ ، وَقَوْلُهُ ( قُطِعَتْ ) وَصْفٌ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ وَاللِّسَانُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ( وَفِي قَلْعِ ) سِنِّ الْمَثْغُورِ ( النَّابِتَةِ ) بَعْدَ قَلْعِهَا ( الْقِصَاصُ فَإِنْ قَلَعَهَا ) مِنْهُ الْجَانِي ( وَقَدْ اقْتَصَّ مِنْهُ وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( الْأَرْشُ ) لِلْقَلْعِ الثَّانِي ( لِأَنَّ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ ) ، وَهُوَ سِنُّ الْجَانِي ( قَدْ فَاتَ ) وَالتَّعْلِيلُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ كَانَ ) أَيْ الشَّأْنُ ( قَدْ أُخِذَ أَرْشُهَا ) لِلْقَلْعِ الْأَوَّلِ ( وَلَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ اقْتَصَّ مِنْهُ الْآنَ ) لِلْقَلْعِ الثَّانِي ( أَمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ ) ، وَلَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ ( لَزِمَتْهُ قِصَاصٌ وَأَرْشٌ ) ، أَوْ أَرْشَانِ بِلَا قِصَاصٍ ( أَوْ ) قَلَعَ ( بَالِغٌ غَيْرُ مَثْغُورٍ سِنَّ مَثْغُورٍ انْتَظَرَهُ ) حَالَ الْقَالِعِ ، أَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ ( أَوْ اقْتَصَّ ) مِنْهُ ( وَلَا أَرْشَ ) لَهُ مَعَ الِاقْتِصَاصِ ( كَالشَّلَّاءِ ) أَيْ كَمَا فِي أَخْذِهَا بِالصَّحِيحَةِ ( وَانْقَطَعَ طَلَبُهُ ) بِذَلِكَ فَلَوْ عَادَتْ السِّنُّ لَمْ تُقْلَعْ ثَانِيًا ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّهُ بِالِاسْتِيفَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا يَعُودُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَخَرَجَ بِالْبَالِغِ الصَّغِيرُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ الْأَرْشُ ( أَوْ ) قَلَعَ ( غَيْرُ مَثْغُورٍ مِثْلَهُ ) أَيْ سِنَّ مِثْلِهِ ( انْتَظَرَ ) حَالُهُ فَلَا قِصَاصَ ، وَلَا

دِيَةَ فِي الْحَالِ لِمَا مَرَّ ( فَإِنْ ) نَبَتَتْ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا قِصَاصَ ، وَلَا دِيَةَ ، وَإِنْ ( لَمْ تَنْبُتْ ) ، وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ نَبَاتِهَا ( اُقْتُصَّ ) مِنْ الْقَالِعِ ، أَوْ أُخِذَ مِنْهُ الْأَرْشُ فَإِنْ اقْتَصَّ ، وَلَمْ يَعُدْ سِنُّ الْجَانِي فَذَاكَ ( فَلَوْ عَادَتْ قُلِعَتْ ثَانِيًا ) لِيَفْسُدَ مَنْبَتُهَا كَمَا فَسَدَ مَنْبَتُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا لَا يُقَالُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي قَلْعِ غَيْرِ الْمَثْغُورِ سِنَّ الْمَثْغُورِ أَنَّهَا لَا تُقْلَعُ هُنَا ثَانِيًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِصَاصُ ثَمَّ إنَّمَا تَوَجَّهَ لِسِنٍّ مُمَاثِلَةٍ لِسِنِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ بَعْدُ فَلَمَّا لَمْ يَصْبِرْ إلَى وُجُودِهَا ، وَقَلَعَ الْمَوْجُودَةَ غَيْرَ الْمُمَاثِلَةِ سَقَطَ حَقُّهُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ ، وَهُنَا تَوَجَّهَ إلَى الْمَوْجُودَةِ لِمُمَاثَلَتِهَا الْمَقْلُوعَةَ فَإِذَا قَلَعَهَا ، وَلَمْ يَفْسُدْ مَنْبَتُهَا قَطَعَ الْمُعَادَةَ لَيُفْسِدَ مَنْبَتَهَا كَمَنْبَتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا .
( قَوْلُهُ : لَوْ قَلَعَ مَثْغُورٌ مِثْلَهُ إلَخْ ) لَوْ اقْتَصَّ فَعَادَتْ سِنَّاهُمَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ دِيَتُهَا إلَخْ ) دَلَالَةُ كَلَامِهِ عَلَى هَذَا مِنْ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا قَلَعَهَا ، وَلَمْ يَفْسُدْ مَنْبَتُهَا قَلَعَ الْمُعَادَةَ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا : وَقَلْعُهَا مُقَيَّدٌ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ إذْ الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِإِفْسَادِ الْمَنْبَتِ بِالْقَلْعِ فَعَوْدُهَا مَرَّةً ثَالِثَةً كَالنِّعْمَةِ الْجَدِيدَةِ فَلَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى قَلْعِهَا حِينَئِذٍ كَاتِبه .

( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ ، وَلَوْ ضَرَبَ سَنَةً فَزَلْزَلَهَا ثُمَّ سَقَطَتْ وَجَبَ الْقِصَاصُ .
( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَنْوَارِ ، وَلَوْ ضَرَبَ سِنَّةً فَزَلْزَلَهَا ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ .

( فَصْلٌ : لَهُ قَطْعُ يَدٍ نَاقِصَةِ أُصْبُعٍ ، أَوْ أُصْبُعَيْنِ ) مَثَلًا ( بِكَامِلَتِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ حَقِّهِ ( وَلَهُ دِيَةُ الْأُصْبُعِ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ الْأُصْبُعَيْنِ ) فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ قُطِعَتْ مِنْهُ ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ قِصَاصَهَا وَيُخَالِفُ مَا لَوْ قَطَعَ مَنْ لَهُ يَدٌ شَلَّاءُ يَدًا سَلِيمَةً حَيْثُ لَا يَأْخُذُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَرْشًا مَعَ قَطْعِهَا بَلْ يَقْنَعُ بِهَا ، أَوْ يَأْخُذُ دِيَةَ الْيَدِ بِلَا قَطْعٍ ؛ لِأَنَّ نَقْصَ الصِّفَةِ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ بِخِلَافِ نَقْصِ الْجِرْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ الْغَاصِبُ صَاعًا جَيِّدًا فَأَخَذَ عَنْهُ صَاعًا رَدِيئًا لَا يَأْخُذُ مَعَهُ الْأَرْشَ بَلْ يَقْنَعُ بِهِ ، أَوْ يَأْخُذُ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ جَيِّدًا ، وَلَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ صَاعَيْنِ وَوَجَدَ لَهُ صَاعًا كَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَطَلَبُ الْبَدَلِ لِلْآخَرِ ، وَلَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَأْخُذَ دِيَةَ الْيَدِ ، وَلَا يُقْطَعُ .
( وَلَوْ قَطَعَ ) شَخْصٌ ( وَلَهُ أُصْبُعٌ أُصْبُعَيْنِ مِنْ آخَرَ قُطِعَ ) الْأُصْبُعُ الْمَوْجُودُ ( وَأُخِذَ أَرْشُ الْمَفْقُودِ فَإِنْ قَطَعَ كَامِلُ ) أَصَابِعِهِ ( نَاقِصَةَ أُصْبُعٍ ) مِنْ آخَرَ ( فَلَهُ قَطْعُ مِثْلِ أَصَابِعِهِ ) الْمَقْطُوعَةِ ( مَعَ ) أَخْذِ ( حُكُومَةِ كُلِّ الْكَفِّ ، أَوْ دِيَةِ الْمَوْجُودِ ) مِنْ الْأَصَابِعِ ( وَحُكُومَةِ خُمُسِ الْكَفِّ ) دُونَ حُكُومَةِ مَنَابِتِ الْأَرْبَعِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ دُونَ الْقِصَاصِ فَدَخَلَتْ فِيهَا دُونَهُ ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ حُكْمِيٌّ فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ بَدَلًا عَنْ الْكُلِّ ، وَالْقِصَاصُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ حِسًّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَصَابِعَ وَحْدَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ وَمَنَابِتِهَا مَعَ التَّفَاوُتِ الْمَحْسُوسِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ يَجْرِي فِيمَا لَوْ كَانَتْ يَدُ الْجَانِي زَائِدَةً أُصْبُعَ وَيَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُعْتَدِلَةً ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَتُقْطَعُ فَاقِدَةُ الْأَصَابِعِ بِمِثْلِهَا ) لِلْمُسَاوَاةِ ( وَبِكَامِلَةٍ مَعَ دِيَةِ الْأَصَابِعِ ) هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ ( وَإِنْ قَطَعَ

أَشَلُّ أُصْبُعَيْنِ ) مَثَلًا ( يَدًا سَلِيمَةً ، وَقَنَعَ صَاحِبُهَا ) بِقَطْعِ الشَّلَّاءِ ( اقْتَصَرَ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبَ مَعَ قَطْعِهَا دِيَةَ الشَّلَّاوَيْنِ كَمَا لَوْ عَمَّ الشَّلَلُ الْيَدَ بَلْ أَوْلَى ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِهَا ( لَقَطَ الثَّلَاثَ ) السَّلِيمَةَ لِلْمُسَاوَاةِ ( مَعَ حُكُومَةِ مَنَابِتِهِنَّ ، وَأَخَذَ دِيَةَ أُصْبُعَيْنِ ) لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ ، وَدَخَلَ فِي دِيَةِ الْأُصْبُعَيْنِ حُكُومَةُ مَنْبَتِهَا ( أَوْ بِالْعَكْسِ ) بِأَنْ قَطَعَ سَلِيمٌ أَشَلَّ أُصْبُعَيْنِ ( فَلَهُ لَقْطُ ) مِثْلِ ( الثَّلَاثِ ) السَّلِيمَةِ ( وَحُكُومَةُ الشَّلَّاوَيْنِ مَعَ حُكُومَةِ كُلِّ الْكَفِّ ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَتْبِعْ حُكُومَةُ الشَّلَّاوَيْنِ حُكُومَةَ مَنْبَتِهَا ؛ لِأَنَّ الْحُكُومَةَ ضَعِيفَةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَلَا يَلِيقُ بِهَا الِاسْتِتْبَاعُ بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ عَدَمِ الِاسْتِتْبَاعِ لَهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ قَطَعَ ) شَخْصٌ كَفًّا مِنْ آخَرَ ( ذَاتَ أُصْبُعٍ ) فَقَطْ ( خَطَأً فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَحُكُومَةُ مَنَابِتِ الْأَرْبَعِ ) لِلْبَاقِيَةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ حُكُومَةُ مَنْبَتِ الْأُصْبُعِ لِانْدِرَاجِهَا فِي دِيَتِهَا .

( قَوْلُهُ : وَحُكُومَةُ خُمُسِ الْكَفِّ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْوَاجِبُ خُمُسُ الْحُكُومَةِ لَا حُكُومَةُ الْخُمُسِ ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ خُمُسِ الْحُكُومَةِ ، وَالْوَاجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُكُومَةٌ كَامِلَةٌ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا عَنْ مَنَابِتِ أَصَابِعِهِ الَّتِي قُطِعَتْ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا مِنْ الْجَانِي وَخُمُسُ الْحُكُومَةِ عَنْ مَنْبَتِ الْأُصْبُعِ الْفَائِتَةِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ إنَّ الَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، وَهْمٌ قَوْلُهُ : وَتُقْطَعُ فَاقِدَةُ الْأَصَابِعِ بِمِثْلِهَا ) قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ : وَلَوْ قَطَعَ كَفًّا بِلَا أَصَابِعَ فَلَا قِصَاصَ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَفُّهُ مِثْلَهَا كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ مَحْكِيٌّ عَنْ النَّصِّ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ وُجُودَ الْأَصَابِعِ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَا الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ سَقَطَتْ الْأَصَابِعُ بِآفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ حَصَلَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الْكَفِّ فَيَقْتَصُّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا إذَا قَطَعَ سَلِيمُ الْيَدِ الْأُنْمُلَةَ الْوُسْطَى مِمَّنْ هُوَ فَاقِدُ الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا وَحَكَوْا عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ جَرَتْ وَالْقِصَاصُ غَيْرُ مُمْكِنٍ حَالَةَ جَرَيَانِهَا ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعُلْيَا مُسْتَحَقَّةً بِالْقِصَاصِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْوُسْطَى اقْتَصَّ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّةَ كَالْمَفْقُودَةِ

( فَرْعٌ : ) لَوْ ( قَصُرَتْ أَصَابِعُ إحْدَى يَدَيْهِ ) وَكَفُّهَا ( عَنْ يَدِهِ الْأُخْرَى فَلَا يُقْتَصُّ فِيهَا مِنْ تَامَّةٍ ) جَنَى عَلَيْهِ صَاحِبُهَا ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ ( بَلْ فِيهَا ) دِيَةٌ ( تُنْقِصُ حُكُومَةً ) وَعَدَمُ إيجَابِ الْقِصَاصِ فِيهَا هُوَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْبَغَوِيّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَامَّةَ الْخِلْقَةِ مُشْكِلٌ ، وَإِنْ كَانَتْ أُخْتُهَا أَتَمَّ مِنْهَا ، وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ فَقَالَ سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ الْمُرَجَّحُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَامَّةَ الْأَنَامِلِ وَالْبَطْشِ يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ .
انْتَهَى .
فَكَلَامُ الْبَغَوِيّ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ .

( فَصْلٌ : سَبَقَ أَنَّهُ تُقْطَعُ زَائِدَةٌ بِمِثْلِهَا ) إذَا اتَّحَدَ الْمَحَلُّ ( فَإِذَا قَطَعَ مَنْ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ زَائِدَةٌ مِثْلَهَا مِنْ آخَرَ اقْتَصَّ بِهَا ) إذَا اتَّحَدَ الْمَحَلُّ ( وَكَذَا ) يُقْتَصُّ ( بِالْكَفِّ ) الزَّائِدَةِ ( إنْ قَطَعَهَا ) صَاحِبُهَا مِنْ آخَرَ وَاتَّحَدَ الْمَحَلُّ ( فَإِنْ قَطَعَ مُعْتَدِلٌ ) يَدُهُ ( يَدَ ذِي أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ قُطِعَ بِهَا ، وَ ) يُؤْخَذُ ( لِلزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَعْلُومَةً بِعَيْنِهَا ، أَوْ لَا ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ دِيَةَ الْيَدِ وَحُكُومَةَ الزَّائِدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لَا عَكْسُهُ ) بِأَنْ قَطَعَ مَنْ لَهُ يَدٌ بِهَا أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ يَدَ مُعْتَدِلٍ فَلَا تُقْطَعُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا فَوْقَ حَقِّهِ ( بَلْ يَلْتَقِطُ الْخَمْسَ ) الْأَصْلِيَّاتِ ( وَلَهُ حُكُومَةُ الْكَفِّ ) ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّائِدَةُ بِجَنْبِ أَصْلِيَّةٍ بِحَيْثُ ( لَوْ قُطِعَتْ سَقَطَتْ الزَّائِدَةُ لَمْ تُقْطَعْ ) الْأَصْلِيَّةُ ( بَلْ يَأْخُذُ ) مَعَ قَطْعِ الْأَرْبَعِ ( دِيَةَ الْخَامِسَةِ ، أَوْ ) كَانَتْ ( نَابِتَةً عَلَى أُصْبُعٍ أَخَذَ مِنْ أَنَامِلِهَا ) مَعَ الْأَرْبَعِ ( الْمُمْكِنَ ) مِنْ الْأُصْبُعِ بِدُونِ أَخْذِ النَّابِتِ ( وَأَرْشَ الْبَاقِي ) فَلَوْ كَانَتْ نَابِتَةً عَلَى أُنْمُلَةٍ وُسْطَى قُطِعَتْ الْأُنْمُلَةُ الْعُلْيَا مَعَ الْأَرْبَعِ ، وَأَخَذَ ثُلُثَا دِيَةِ الْأُصْبُعِ ( وَإِنْ كَانَتْ السَّادِسَةُ أَصْلِيَّةً ) بِأَنْ انْقَسَمَتْ الْقُوَّةُ فِي السِّتِّ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةٍ فِي الْقُوَّةِ وَالْعَمَلِ بَدَلًا عَنْ الْقِسْمَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ ، وَأَخْبَرَ أَهْلُ الْبَصَرِ بِأَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ ( فَلَهُ ) أَيْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( لَقْطُ خَمْسٍ ) مِنْهَا ( مُتَوَالِيَةٍ ) مِنْ أَيْ جِهَةٍ شَاءَ قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَهُوَ قَرِيبٌ إنْ لَمْ تَكُنْ السِّتُّ عَلَى تَقْطِيعِ الْخَمْسِ الْمَعْهُودَةِ ، وَهَيْئَتِهَا ، وَإِلَّا فَصُورَةُ الْإِبْهَامِ مِنْهَا تُبَايِنُ صُورَةَ بَاقِيهَا فَإِنْ كَانَتْ الْمُشْبِهَةُ لِلْإِبْهَامِ عَلَى طَرَفٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْقُطَ مِنْ جَانِبِهِ ، وَإِنْ ، وَقَعَتْ ثَانِيَةً وَاَلَّتِي تَلِيهَا

عَلَى الطَّرَفِ كَالْمُلْحَقَةِ بِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْقُطَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ( مَعَ ) أَخْذِ ( سُدُسِ دِيَةِ يَدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ يَدًا كَامِلَةً ، وَلَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ إلَّا خَمْسَةُ أَسْدَاسِ يَدٍ فَيَبْقَى سُدُسُ دِيَةِ الْيَدِ ( وَ ) لَكِنْ ( يُحَطُّ مِنْهُ شَيْءٌ بِالِاجْتِهَادِ ) مِنْ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَ الْمَلْقُوطَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ يَدِ الْجَانِي فَهِيَ فِي الصُّورَةِ كَالْخَمْسِ الْمُعْتَدِلَةِ ، وَلَهُ أَيْضًا حُكُومَةُ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْكَفِّ الَّتِي تُقَابِلُ الْخَمْسَ الْمَلْقُوطَةَ .
( وَلَوْ قَطَعَ ) الْمَقْطُوعُ ( السِّتَّ عُزِّرَ ) لِتَعَدِّيهِ بِالْقَطْعِ ( وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْبَغَوِيّ ثُمَّ قَالَ : وَلَا يَبْعُدُ لُزُومُ شَيْءٍ لِزِيَادَةِ الصُّورَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَهُوَ قَدْرُ مَا حَطَّ مِنْ سُدُسِ الدِّيَةِ فِيمَا مَرَّ وَمَا بَحَثَهُ جَزَمَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ : وَهُوَ الْقِيَاسُ الْوَاضِحُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ ( وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُنَّ ) أَيْ السِّتِّ ( زَائِدَةً وَالْتَبَسَتْ ) بِالْأَصْلِيَّةِ ( فَلَا قِصَاصَ ) فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِئَلَّا يُقْطَعَ زَائِدٌ بِأَصْلٍ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ ( فَإِنْ بَادَرَ ، وَقَطَعَ خَمْسًا عُزِّرَ ، وَلَا شَيْءَ ) عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَصَالَةِ الْمَقْطُوعَاتِ ، وَلَا لَهُ ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ الزَّائِدَةُ فِيمَا اسْتَوْفَى ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِمَا فَعَلَ وَالِاحْتِمَالَانِ قَائِمَانِ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( أَوْ قَطَعَ الْكُلَّ فَعَلَيْهِ لِلزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ فَإِنْ شَكَّ فِي زِيَادَتِهَا ) أَيْ إحْدَى السِّتِّ بِأَنْ قَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ لَا نَدْرِي أَكُلُّهَا أَصْلِيَّاتٌ ، أَوْ خَمْسٌ ( فَلَا حُكُومَةَ ) كَمَا لَا قِصَاصَ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَا قِصَاصَ أَيْضًا ، وَلَوْ قَطَعَ جَمِيعَهَا ، أَوْ خَمْسًا مِنْهَا عُزِّرَ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَلَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَطَعَ الْكُلَّ احْتَمَلَ أَنَّهُنَّ أَصْلِيَّاتٌ ، وَإِنْ قَطَعَ خَمْسًا احْتَمَلَ أَنَّ الْبَاقِيَةَ زَائِدَةٌ .
انْتَهَى

، وَيَأْتِي فِيهِ الْبَحْثُ السَّابِقُ .
( وَلَوْ قَطَعَ ذُو السِّتِّ أُصْبُعَ مُعْتَدِلٍ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ ) الْمُمَاثِلَةُ لِلْمَقْطُوعَةِ ( وَأُخِذَ ) مِنْهُ ( مَا بَيْنَ خُمُسِ دِيَةِ الْيَدِ وَسُدُسِهَا ) ، وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ ؛ لِأَنَّ خُمُسَهَا عَشَرَةٌ وَسُدُسَهَا ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ ، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مَا قُلْنَا قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ قَدْرِ التَّفَاوُتِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى سُدُسٌ فِي صُورَةِ خُمُسٍ ، وَمَا بَحَثَهُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا ( وَلَوْ قَطَعَ مُعْتَدِلٌ ) يَدُهُ ( ذَاتَ السِّتِّ الْأَصْلِيَّةِ قَطَعَ ) يَدَهُ ( وَأُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلزِّيَادَةِ ) الْمُشَاهَدَةِ ( أَوْ ) قَطَعَ ( أُصْبُعَهَا مِنْهَا فَلَا قِصَاصَ ) عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ خُمُسٍ بِسُدُسٍ ( بَلْ يَجِبُ ) عَلَيْهِ ( سُدُسُ دِيَةِ يَدٍ ، أَوْ ) قَطْعُ ( أُصْبُعَيْنِ ) مِنْهَا ( قَطَعَ ) صَاحِبُهَا مِنْهُ ( أُصْبُعًا ، وَأَخَذَ مَا بَيْنَ خُمُسِ دِيَةٍ وَثُلُثِهَا ، وَهُوَ سِتَّةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثَانِ ) ، وَلَوْ قَطَعَ ثَلَاثًا مِنْهَا قُطِعَ مِنْهُ أُصْبُعَانِ ، وَأَخَذَ مَا بَيْنَ نِصْفِ دِيَةِ الْيَدِ وَخُمُسَيْهَا ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ، وَلَوْ بَادَرَ ذُو السِّتِّ ، وَقَطَعَ بِأُصْبُعِهِ الْمَقْطُوعَةِ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِ الْمُعْتَدِلِ قَالَ الْإِمَامُ : فَهُوَ كَقَطْعِ صَحِيحَةٍ بِشَلَّاءَ ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَصْلُ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ وَقَعَتْ ثَانِيَةً إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِالْحَالَةِ الْأُولَى إذْ الْحُكْمُ بِالِاسْتِوَاءِ فِيهَا مُتَصَوَّرٌ ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الْأُخْرَى فَالصُّورَةُ تَصْرِفُ الْخَارِجَ عَنْ الْمُعْتَادِ إلَى الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ فُرِضَ تَشَابُهُ أُصْبُعَيْنِ مِنْهَا انْصَرَفَتْ الزِّيَادَةُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَغَيْرُهُ هُوَ الْقِيَاسُ الْوَاضِحُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ قَدْرِ التَّفَاوُتِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَنْ لَهُ سِتُّ أَصَابِعَ لَا تُقْطَعُ بِمَنْ لَهُ خَمْسٌ إلَخْ ) فَرَّقَ فِي الْبَسِيطِ بَيْنَ الْأَصَابِعِ السِّتِّ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فَقَالَ تِلْكَ زِيَادَةٌ فِي الصُّورَةِ ، وَهَاهُنَا فِي الصُّورَةِ لَمْ تَزِدْ طُولًا ، وَلَا نَظَرَ إلَى عَدَدِ الْمَفَاصِلِ .

( فَصْلٌ : تُقْطَعُ أُصْبُعُ ذَاتِ أَرْبَعِ أَنَامِلَ أَصْلِيَّةٍ بِمُعْتَدِلَةٍ ) إذْ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَالْبَغَوِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ ، وَقَالَ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ سِتُّ أَصَابِعَ لَا تُقْطَعُ بِمِنْ لَهُ خَمْسٌ لِوُجُودِ الزِّيَادَةِ فِي مُنْفَصِلَاتِ الْعَدَدِ وَصَحَّحَ فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّهَا لَا تُقْطَعُ بِهَا بَلْ تُقْطَعُ ثَلَاثُ أَنَامِلَ وَيَأْخُذُ التَّفَاوُتَ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ .
( وَكَذَا ) تُقْطَعُ ( أُنْمُلَتُهَا بِأُنْمُلَةِ الْمُعْتَدِلِ مَعَ ) أَخْذِ ( زِيَادَةِ مَا بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مِنْ دِيَةِ أُصْبُعٍ ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بَعِيرٍ ) ؛ لِأَنَّ أُنْمُلَةَ الْمُعْتَدِلِ ثُلُثُ أُصْبُعٍ وَأُنْمُلَةَ الْقَاطِعِ رُبُعُ أُصْبُعٍ ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ زِيَادَةَ .
وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَتَيْنِ قُطِعَ مِنْهُ أُنْمُلَتَانِ مَعَ أَخْذِ مَا بَيْنَ نِصْفِ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَثُلُثِهَا ، وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ التَّفَاوُتِ فِيمَا ذُكِرَ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ تَعْلِيقِ الْبَغَوِيّ .
( وَإِنْ قَطَعَهَا الْمُعْتَدِلُ فَلَا قِصَاصَ ، وَلَزِمَهُ رُبُعُ دِيَةِ أُصْبُعٍ ، أَوْ ) قَطَعَ مِنْهُ الْمُعْتَدِلُ ( أُنْمُلَتَيْنِ قُطِعَ ) مِنْهُ ( أُنْمُلَةٌ وَأُخِذَ ) مِنْهُ ( مَا بَيْنَ ثُلُثِ دِيَتِهَا ، وَنِصْفِهِ ) أَيْ أَرْشُهَا ، وَكَانَ الْأَوْلَى وَنِصْفُهَا وَمَا بَيْنَهُمَا بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ ، وَلَوْ قَطَعَ مِنْهُ ثَلَاثَ أَنَامِلَ قُطِعَ مِنْهُ أُنْمُلَتَانِ مَعَ أَخْذِ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ بَعِيرٍ ، وَلَوْ قَطَعَ الْأُصْبُعَ بِتَمَامِهَا قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ .
( وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْمُلَةُ الْعُلْيَا زَائِدَةً لَمْ تُقْطَعْ هِيَ ، وَلَا أُصْبُعُهَا بِمُعْتَدِلَةٍ لِلزِّيَادَةِ

بَلْ تَجِبُ دِيَتُهَا ) وَذِكْرُ حُكْمِ هَذِهِ الْأُنْمُلَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ قَطَعَ الْمُعْتَدِلُ أُصْبُعَهَا ) أَيْ أُصْبُعَ الْأُنْمُلَةِ الزَّائِدَةِ ( قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ ، وَلَزِمَهُ حُكُومَةٌ ) لِلزِّيَادَةِ ، وَلَوْ قَالُوا لَا نَدْرِي أَكُلُّهَا أَصْلِيَّاتٌ ، أَوْ ثَلَاثٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا حُكُومَةَ ( ، أَوْ ) قَطَعَ ( أُنْمُلَةً ) مِنْهَا ( فَحُكُومَةٌ ) تَلْزَمُهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلِيَّةَ لَا تُؤْخَذُ بِالزَّائِدَةِ ( أَوْ ) قَطَعَ مِنْهُ ( ثِنْتَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثًا اُقْتُصَّ مِنْهُ ) فَيُقْطَعُ مِنْهُ فِي الْأُولَى أُنْمُلَةٌ ، وَفِي الثَّانِيَةِ أُنْمُلَتَانِ ( وَلِلْعُلْيَا حُكُومَةٌ وَيُقْطَعُ ) الطَّرَفُ ( الْأَصْلِيُّ مِنْ أُنْمُلَةٍ لَهَا طَرَفَانِ أَصْلِيٍّ وَزَائِدٍ إنْ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ ) بِالْقَطْعِ عَنْ الزَّائِدِ ( بِأُنْمُلَةِ مُعْتَدِلٍ وَعَكْسُهُ ) أَيْ وَيَقْطَعُ أُنْمُلَةَ مُعْتَدِلٍ بِالطَّرَفِ الْأَصْلِيِّ مِنْ الْأُنْمُلَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
( فَإِنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ ) أَنَّثَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا أُنْمُلَتَانِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ بِتَعْبِيرِهِ بِالطَّرَفَيْنِ تَذْكِيرَهُمَا كَمَا فَعَلَ بَعْدُ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَا عَامِلَيْنِ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( مَفْصِلٌ قُطِعَ إحْدَاهُمَا ) فَقَطْ بِأُنْمُلَةِ الْمُعْتَدِلِ ( مَعَ ) أَخْذِ نِصْفِ ( الْأَرْشِ ) ، وَ ( يُحَطُّ مِنْهُ شَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ نِصْفٌ فِي صُورَةِ الْكُلِّ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَفْصِلًا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَا يُعْطَى شَيْئًا ) مَعَ قَطْعِهِ إحْدَاهُمَا ( إنْ كَانَتْ الْأُخْرَى زَائِدَةً ) ؛ لِأَنَّ مَا قَطَعَهَا - تَامَّةٌ فِي نَفْسِهَا ( فَإِنْ قَطَعَهُمَا ) مَعًا ( عُزِّرَ ) لِلتَّعَدِّي ( وَلَزِمَهُ حُكُومَةٌ ) ، وَقَوْلُهُ : وَلَا يُعْطَى إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ قَطَعَ مُعْتَدِلٌ أَحَدَهُمَا ) أَيْ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ ( لَمْ تُقْطَعْ ) أُنْمُلَتُهُ ( أَوْ ) قَطَعَ ( كِلَيْهِمَا قُطِعَتْ أُنْمُلَتُهُ مَعَ ) أَخْذِ ( زِيَادَةِ شَيْءٍ ) لِزِيَادَةِ الْخِلْقَةِ ، وَقَوْلُهُ زِيَادَةِ زَائِدٌ ( هَذَا

كُلُّهُ إنْ نَبَتَا عَلَى رَأْسِ الْأُنْمُلَةِ الْوُسْطَى ) فَلَوْ تَشَعَّبَا مِنْ عَظْمٍ عَلَيْهَا ، وَلَا مَفْصِلَ بَيْنَ الْعَظْمِ وَبَيْنَهُمَا فَلَا قِصَاصَ ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ طَرَفٍ مَفْصِلٌ فَالْعَظْمُ الْحَائِلُ أُنْمُلَةٌ مِنْ أَرْبَعِ أَنَامِلَ وَالْعُلْيَا مِنْهُمَا ذَاتُ طَرَفَيْنِ ( وَالْكَفَّانِ فِي السَّاعِدِ ) وَالْقَدَمَانِ فِي السَّاقِ ( كَالْأُنْمُلَتَيْنِ عَلَى رَأْسِ الْأُصْبُعِ ) فِيمَا ذُكِرَ ( وَلَوْ خُلِقَتْ أُصْبُعٌ تَامَّةً ) أَيْ تُنَاسِبُ سَائِرَ الْأَصَابِعِ فِي الطُّولِ ( بِأُنْمُلَتَيْنِ فَتَامَّةٌ ) هِيَ لَكِنَّهَا ( ذَاتُ قِسْمَيْنِ ) كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا أَرْبَعُ أَنَامِلَ كَانَتْ أُصْبُعًا ذَاتَ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ ، وَقِيلَ لَيْسَتْ أُصْبُعًا تَامَّةً ، وَإِنَّمَا هِيَ أُنْمُلَتَانِ ؛ لِأَنَّ طُولَ الْأَنَامِلِ لَا يَقْتَضِي مَزِيدًا بِدَلِيلِ أَنَّ ذَاتَ الْأَنَامِلِ لَوْ طَالَتْ أَنَامِلُهَا لَمْ تَزِدْ لَهَا حُكُومَةٌ بِالطُّولِ ، وَلَمْ يَكُنْ الطُّولُ كَأُنْمُلَةٍ زَائِدَةٍ ( أَوْ ) خُلِقَتْ ( بِلَا مَفْصِلٍ فَنَاقِصَةٌ فِيهَا دِيَةٌ تُنْقِصُ شَيْئًا ) ؛ لِأَنَّ الِانْثِنَاءَ إذَا زَالَ سَقَطَ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْأُصْبُعِ ، وَقَدْ يَنْجَرُّ هَذَا إلَى أَنْ لَا تُقْطَعَ أُصْبُعُ السَّلِيمِ بِهَا .

( قَوْلُهُ : وَصَحَّحَ فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّهَا لَا تُقْطَعُ بِهَا ) لِلزِّيَادَةِ فِي عَدَدِ الْأَنَامِلِ كَمَا فِي قَطْعِ الْيَدِ الْمُعْتَدِلَةِ كَمَا مَرَّ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ ) ، وَأَيَّدَهُ النَّشَائِيُّ بِمَا نَقَلُوهُ عَنْ النَّصِّ فِي قَطْعِ زَائِدَةٍ بِزَائِدَةٍ مِنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ زَائِدَةُ الْجَانِي أَتَمَّ إنْ كَانَ لَهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ وَلِزَائِدَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَفْصِلَانِ لَمْ تُقْطَعْ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ تَفَاوُتِ الْمَحَلِّ .
ا هـ .
وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا ، وَمَا أَيَّدَ بِهِ النَّشَائِيُّ وَاضِحٌ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي قَطْعِ الزَّائِدِ بِالزَّائِدِ اتِّحَادَ حُكُومَتِهِمَا ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فِي مَسْأَلَةِ النَّصِّ فَإِنَّ حُكُومَةَ ذَاتِ الْمَفَاصِلِ الثَّلَاثَةِ أَكْثَرُ مِنْ حُكُومَةِ ذَاتِ الْمَفْصِلَيْنِ ، وَيَعْتَبِرُ فِي الْأَصْلَيْنِ اتِّحَادَ النِّسْبَةِ بَيْنَ دِيَةِ صَاحِبِهِمَا وَكِلَا الْأُصْبُعَيْنِ فِيهِ خُمُسُ دِيَةِ صَاحِبِهِ .
( قَوْلُهُ : وَقَدْ يُفَرَّقُ بِمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ تَعْلِيقِ الْبَغَوِيّ ) ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ مِنْ الْأَصَابِعِ السِّتِّ فِي صُورَةِ أُصْبُعٍ مِنْ الْأَصَابِعِ الْمُعْتَدِلَةِ فَلِذَلِكَ اُسْتُرْجِعَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا كَذَلِكَ الْأُصْبُعُ الَّتِي لَهَا أَرْبَعُ أَنَامِلَ فَإِنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي عَدَدِ الِانْقِسَامِ ( قَوْلُهُ : وَكَانَ الْأَوْلَى وَنِصْفُهَا ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ

( وَإِنْ قَطَعَ السَّلِيمُ ) أَيْ سَلِيمُ الْيَدِ ( وُسْطَى فَاقِدِ الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا فَلَا قِصَاصَ مَا لَمْ يَفْقِدْ الْعُلْيَا ) فَإِذَا فَقَدَهَا بِآفَةٍ ، أَوْ جِنَايَةٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِاتِّصَالِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ بِغَيْرِهِ فَإِذَا زَالَ اقْتَصَّ كَالْحَامِلِ إذَا وَضَعَتْ الْحَمْلَ ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَطَعَ السَّلِيمُ كَفًّا لَا أُصْبُعَ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَلَا أَرْشَ ) أَيْ ، وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ لِلْحَيْلُولَةِ ( مَا لَمْ يَعْفُ ) عَنْ الْقِصَاصِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْعُلْيَا مُسْتَحَقَّةَ الْقَطْعِ قِصَاصًا أَمَّا طَلَبُهُ لِلْفَيْصُولَةِ فَجَائِزٌ ، وَلَهُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ بَعْدَ الْعَفْوِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَئِمَّةُ : إنَّ أَخْذَ الدِّيَةِ عَفْوٌ ( فَإِنْ قَطَعَ ) السَّلِيمُ مَعَ قَطْعِهِ وُسْطَى مَنْ ذُكِرَ ( عُلْيَا آخَرَ اقْتَصَّ ) مِنْهُ ( أَوَّلًا ) صَاحِبُ الْعُلْيَا ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُهُ مُتَأَخِّرًا ( ثُمَّ صَاحِبُ الْوُسْطَى ، وَلَهُمَا أَنْ يَقْتَصَّا مَعًا ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَهُمَا أَنْ يَكْتَفِيَا بِقَطْعِ الْوُسْطَى مَعًا ) بِأَنْ يَضَعَا الْحَدِيدَةَ عَلَى مَفْصِلِهَا وَيَسْتَوْفِيَا الْأُنْمُلَتَيْنِ بِقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَقَدْ هَوَّنَّا الْأَمْرَ عَلَيْهِ .
( فَإِنْ بَادَرَ الْأَوَّلُ ) فِي الذِّكْرِ ، وَهُوَ مَقْطُوعُ الْوُسْطَى ( وَقَطَعَهُمَا أَثِمَ ) لِتَعَدِّيهِ ( وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْعُلْيَا ، وَإِنْ قَطَعَ أُنْمُلَتَيْ رَجُلٍ ) مِنْ أُصْبُعٍ ( ثُمَّ أُنْمُلَةَ آخَرَ ) مِنْ مِثْلِهَا ( سَلِيمَيْنِ ) أَيْ الرَّجُلُ وَالْآخَرُ ( اقْتَصَّ ) مِنْهُ ( ذُو الْأُنْمُلَتَيْنِ ) لِسَبْقِ حَقِّهِ ( وَلِلْآخَرِ الْأَرْشُ ، أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ رَجُلٍ ثُمَّ أُنْمُلَةَ آخَرَ سَلِيمَيْنِ ( فَبِالْعَكْسِ ) أَيْ يَقْتَصُّ مِنْهُ ذُو الْأُنْمُلَةِ وَلِلْآخَرِ الْأَرْشُ أَيْ أَرْشُ أُنْمُلَتَيْهِ بَعْدَ الْعَفْوِ ( أَوْ يَأْخُذُ الْآخَرُ الْوُسْطَى ، وَأَرْشَ الْعُلْيَا فَإِنْ بَادَرَ ) الْآخَرُ ، وَهُوَ ذُو الْأُنْمُلَتَيْنِ ( وَقَطَعَهُمَا ) فَقَدْ ( اسْتَوْفَى ) حَقَّهُ ( وَلِلْآخَرِ ) ، وَهُوَ ذُو

الْأُنْمُلَةِ ( الْأَرْشُ ) لَهَا ( عَلَى الْجَانِي ) .

( الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي وَقْتِ الْقِصَاصِ بِالْجُرُوحِ ) أَيْ فِيهَا ( وَيُسْتَحَبُّ ) الْقِصَاصُ فِيهَا ( بَعْدَ الِانْدِمَالِ ) لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ ( وَيَجُوزُ قَبْلَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا ثَابِتٌ ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ ، أَوْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْجُرْحِ ( لَا الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ ) فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَقَدْ تَعُودُ الدِّيَاتُ فِي ذَلِكَ إلَى وَاحِدٍ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ ، وَقَدْ يُشَارِكُهُ جَمَاعَةٌ فَيَقِلُّ وَاجِبُهُ .

( بَابُ اخْتِلَافِ الْجَانِي وَمُسْتَحِقِّ الدَّمِ ) .
( إذَا قَدَّ مَلْفُوفًا ) فِي ثَوْبٍ ( أَوْ هَدَمَ عَلَيْهِ بَيْتًا وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ ) حِينَ الْقَدِّ ، أَوْ الْهَدْمِ ( مَيِّتًا ) وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا ( حَلَفَ الْوَلِيُّ ) ، وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا عَلَى هَيْئَةِ التَّكْفِينِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُسْلِمًا وَادَّعَى رِدَّتَهُ نَعَمْ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ حَيَاتَهُ كَسِقْطٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِتَصْدِيقِ الْجَانِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ أَصْلٌ آخَرُ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَإِذَا حَلَفَ الْوَلِيُّ فَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ ثَمَّ عَلَى الْقَتْلِ ، وَهُنَا عَلَى حَيَاةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .
وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَرَجَّحَ أَنَّهُ يَحْلِفُ هُنَا خَمْسِينَ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ تَصْدِيقِ الْوَلِيِّ لَكِنَّهُ نَازَعَ فِيهِ ، وَقَالَ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَجَمْعٍ .
وَرَجَّحَ تَصْدِيقَ الْجَانِي وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ( وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ ) لَا الْقِصَاصَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِحَيَاتِهِ أَيْضًا ( وَلِمَنْ رَآهُ يَلْتَفُّ ) فِي الثَّوْبِ ، أَوْ يَدْخُلُ الْبَيْتَ ( الشَّهَادَةُ بِحَيَاتِهِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْهَا حَالَةَ الْقَدِّ وَالِانْهِدَامِ ( اسْتِصْحَابًا ) لِمَا كَانَ ( وَلَا تُقْبَلُ ) شَهَادَتُهُ ( بِالِالْتِفَافِ ) أَيْ بِأَنَّهُ رَآهُ يَلْتَفُّ فِي الثَّوْبِ ، أَوْ يَدْخُلُ الْبَيْتَ ( وَإِذَا ادَّعَى ) الْجَانِي ( رِقَّهُ ) أَيْ رِقَّ مَقْتُولِهِ ، وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ ( أَوْ ادَّعَى قَاطِعُ الطَّرَفِ نَقْصَهُ ) بِشَلَلٍ ، أَوْ فَقْدِ أُصْبُعٍ ، أَوْ خَرَسٍ ، أَوْ عَمًى أَوْ نَحْوِهِمَا ( وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ ) أَيْ وَالطَّرَفُ بَاطِنٌ كَالذَّكَرِ ، وَأَنْكَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ الْوَلِيُّ ) فِي الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وَالظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ وَلِهَذَا

حَكَمْنَا بِحُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ الْمَجْهُولِ ( وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ) فِي الثَّانِيَةِ ( وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا ) كَالْيَدِ ( فَلَا ) يُصَدَّقُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) وَيُصَدَّقُ الْجَانِي بِيَمِينِهِ إنْ أَنْكَرَ أَصْلَ السَّلَامَةِ ؛ وَذَلِكَ لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ ، وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى سَلَامَةٍ ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِأَصْلِهَا صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ مَا يُعْتَادُ سِتْرُهُ مُرُوءَةً ، وَقِيلَ مَا يَجِبُ ، وَهُوَ الْعَوْرَةُ وَبِالظَّاهِرِ مَا سِوَاهُ ، وَإِذَا صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَجَبَ الْقِصَاصُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْأَصْحَابِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِمَا مَرَّ فِي الْمَلْفُوفِ ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْجَانِيَ ثَمَّ لَمْ يَعْتَرِفْ بِبَدَلٍ أَصْلًا بِخِلَافِهِ هُنَا .
( وَتَكْفِي الشَّهَادَةُ ) فِيمَا ذُكِرَ ( إنْ كَانَ سَلِيمًا ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ ( وَلَهُ الشَّهَادَةُ بِسَلَامَةِ الْيَدِ وَالذَّكَرِ بِرُؤْيَةِ الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ وَبِسَلَامَةِ الْبَصَرِ بِالتَّوَقِّي وَطُولِ التَّأَمُّلِ ) أَيْ بِرُؤْيَةِ تَوَقِّيهِ الْمَهَالِكَ ، وَإِطَالَةِ تَأَمُّلِهِ لِمَا يَرَاهُ بِخِلَافِ تَأَمُّلِهِ الْيَسِيرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ مِنْ الْأَعْمَى .

بَابُ اخْتِلَافِ الْجَانِي وَمُسْتَحِقِّ الدَّمِ ) .
( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ) ، وَهُوَ وَاضِحٌ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ ( قَوْلُهُ : وَإِذَا حَلَفَ الْوَلِيُّ فَلْيَحْلِفْ يَمِينًا وَاحِدَةً ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْقِصَاصِ قَوْلٌ آخَرُ كَمَا قُلْنَا فِي الْقَسَامَةِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ ، وَيُمْكِنُ عِنْدِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي الْقَسَامَةِ تَتَكَرَّرُ الْأَيْمَانُ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْيَمِينُ وَاحِدَةٌ ( قَوْلُهُ : لَا الْقِصَاصَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ) لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلِهَا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الدَّمِ تَرْجِيحُ وُجُوبِهِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ ( قَوْلُهُ : وَلِمَنْ رَآهُ يَلْتَفُّ الشَّهَادَةُ بِحَيَاتِهِ ) ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا قَوْلُهُ : أَوْ ادَّعَى قَاطِعُ الطَّرَفِ نَقْصَهُ بِشَلَلٍ ) تَكْفِي بَيِّنَةُ الْجَانِي بِالشَّلَلِ بِأَنَّهُ كَانَ أَشَلَّ ، وَإِنْ لَمْ تُقَيِّدْهُ بِحَالَةِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ دَامَ ( قَوْلُهُ : وَإِذَا صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَجَبَ الْقِصَاصُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ ) لَا تَجِبُ إلَّا الدِّيَةُ كَمَا فِي الْمَلْفُوفِ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَحْسَبُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ هُنَا هُوَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ هُنَاكَ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ النَّافِي هُنَاكَ بِالْإِثْبَاتِ هُنَا ، وَيَذْكُرَ فَرْقًا بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا ، وَقَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ : وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْيَمِينِ ، وَأَنْ لَا قِصَاصَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .

( وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ وَادَّعَى السِّرَايَةَ ) أَيْ مَوْتَهُ بِهَا ( وَالْوَلِيُّ الِانْدِمَالَ ) أَيْ مَوْتَهُ بَعْدَهُ بِهَا ( وَأَمْكَنَ الِانْدِمَالُ ) قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَنْ طَالَ الزَّمَنُ ( حَلَفَ الْوَلِيُّ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السِّرَايَةِ وَلِمُوَافَقَتِهِ الظَّاهِرَ فَتَجِبُ دِيَتَانِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَنُ كَيَوْمٍ ، أَوْ يَوْمَيْنِ صُدِّقَ الْجَانِي بِلَا يَمِينٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَكَذَا ) يَحْلِفُ الْوَلِيُّ ( إنْ قَالَ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ ) ، وَقَالَ الْجَانِي بَلْ بِالسِّرَايَةِ ، أَوْ قَتَلْته أَنَا قَبْلَ الِانْدِمَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الدِّيَتَيْنِ بِالْجِنَايَتَيْنِ هَذَا ( إنْ عَيَّنَهُ ) الْوَلِيُّ كَأَنْ قَالَ قَتَلَ نَفْسَهُ ، أَوْ قَتَلَهُ آخَرُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ ( حَلَفَ الْجَانِي ) أَنَّهُ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ ، أَوْ بِقَتْلِهِ ( إنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ ) فِي دَعْوَى السِّرَايَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ حَلَفَ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ ، وَذِكْرُ حَلِفِ الْجَانِي مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي دَعْوَى قَتْلِهِ أَمَّا فِي دَعْوَى السِّرَايَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ( وَإِنْ قَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْته أَنْت بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْك ثَلَاثُ دِيَاتٍ ، وَقَالَ الْجَانِي ) بَلْ ( قَبْلَ الِانْدِمَالِ ) فَعَلَيَّ دِيَةٌ ( وَأَمْكَنَ الِانْدِمَالُ حَلَفَا ) أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا ادَّعَاهُ ( وَسَقَطَتْ الثَّالِثَةُ ) بِحَلِفِ الْجَانِي فَحَلِفُهُ أَفَادَ سُقُوطَهَا وَحَلِفُ الْوَلِيِّ أَفَادَ دَفْعَ النَّقْصِ عَنْ دِيَتَيْنِ فَلَا يُوجِبُ زِيَادَةً فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ حَلَفَ الْجَانِي عَمَلًا بِالظَّاهِرِ .
( وَكَذَا الْحُكْمُ فِي رَافِعِ حَاجِزِ مُوضِحَتَيْهِ ) بِأَنْ قَالَ رَفَعْته قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيَّ أَرْشٌ وَاحِدٍ ، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ بَعْدَهُ فَعَلَيْك أَرْشُ ثَلَاثِ مُوضِحَاتٍ ، وَأَمْكَنَ الِانْدِمَالُ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَسَقَطَ الثَّالِثُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ، وَإِنْ

لَمْ يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ حَلَفَ الْجَانِي لِذَلِكَ ( فَإِنْ قَالَ الْمَجْرُوحُ أَنَا رَفَعْته ) ، أَوْ رَفَعَهُ آخَرُ ، وَقَالَ الْجَارِحُ بَلْ رَفَعْته أَنَا ، أَوْ ارْتَفَعَ بِالسِّرَايَةِ ( صُدِّقَ ) الْمَجْرُوحُ ( بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَتَيْنِ يُوجِبَانِ أَرْشَيْنِ فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُهُمَا وَاسْتِمْرَارُهُمَا .
( قَوْلُهُ : أَمَّا فِي دَعْوَى السِّرَايَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَخْ ) لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ فِيهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : فَلَا يُوجِبُ زِيَادَةً ) لِهَذِهِ الصُّورَةِ نَظَائِرُ مِنْهَا إذَا تَنَازَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قِدَمِ الْعَيْبِ وَحَلَفَ الْبَائِعُ ثُمَّ جَرَى الْفَسْخُ بِتَحَالُفٍ ، وَأَرَادَ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ مَا ثَبَتَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ حَادِثٌ لَمْ نُمَكِّنْهُ ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ صَلُحَتْ لِلدَّفْعِ عَنْهُ فَلَا تَصْلُحُ لِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عَلَى عَدَمِ حُدُوثِهِ ، وَمِنْهَا إذَا تَنَازَعَا فِي الْحَوَالَةِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَقْبُوضِ ، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ وَكَّلْتنِي ، وَقَالَ الْمَدِينُ أَحَلْتُك وَحَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى نَفْيِ الْحَوَالَةِ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ ؛ لِأَنَّهُ صُدِّقَ فِي نَفْيِ الْحَوَالَةِ لَا فِي إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ فَنَفْعُهُ فِي بَقَاءِ دَيْنِهِ لَا فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَتْلَفُ فِي يَدِهِ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا وَمِنْهَا ادَّعَى الزَّوْجُ الْوَطْءَ فِي مُدَّةِ الْعُنَّةِ وَجَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ فَحَلَفَ ثُمَّ طَلَّقَهَا ، وَأَرَادَ رَجْعَتَهَا لِأَجَلٍ أَنَّهُ أَثْبَتَ الْوَطْءَ بِيَمِينِهِ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْيَمِينَ كَانَتْ لِلدَّفْعِ فَلَا تَصْلُحُ لِلْإِثْبَاتِ ( قَوْلُهُ : حَلَفَ الْجَانِي ) أَيْ إنْ اُحْتُمِلَ بَقَاءُ الْجُرْحِ ، وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ

( فَإِنْ قَالَ الْجَانِي لَمْ أُوضِحْ إلَّا وَاحِدَةً ) ، وَقَالَ الْمَجْرُوحُ بَلْ أَوْضَحْت مُوضِحَتَيْنِ ، وَأَنَا رَفَعْت الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا ( صُدِّقَ ) الْجَانِي ( بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي وُجُودَ الزِّيَادَةِ ( وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ مَاتَ ) فَقَالَ الْوَلِيُّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَيْك الْقَتْلُ ، أَوْ الدِّيَةُ ( وَقَالَ الْجَانِي ) بَلْ ( بَعْدَ الِانْدِمَالِ ) فَعَلَيَّ قَطْعُ الْيَدِ ، أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ ( وَأَمْكَنَ ) الِانْدِمَالُ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُوجِبُ تَمَامَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ الْمُوجِبِ لِدِيَتَيْنِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الْجَانِي بَلْ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السَّبَبِ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ فَيُصَدَّقُ الْوَلِيُّ ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ تَصْدِيقِ الْجَانِي بِلَا يَمِينٍ فِي صُورَةِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ أَنَّ تَصْدِيقَ الْوَلِيِّ هُنَا كَذَلِكَ ( فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ ) لِلْوَلِيِّ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمَجْرُوحَ ( لَمْ يَزَلْ مُتَأَلِّمًا ) مِنْ الْجِرَاحَةِ ( حَتَّى مَاتَ صُدِّقَ الْوَلِيُّ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ جَانِبَهُ قَدْ قَوِيَ بِالْبَيِّنَةِ ( أَوْ قَالَ ) الْجَانِي ( مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ ) فَعَلَيَّ نِصْفُ دِيَةٍ ، وَقَالَ الْوَلِيُّ بَلْ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَيْك دِيَةٌ ( حَلَفَ الْوَلِيُّ ) سَوَاءٌ عَيَّنَ الْجَانِي السَّبَبَ أَمْ أَبْهَمَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ سَبَبٍ آخَرَ ، وَقَدَّمَ هَذَا الْأَصْلَ عَلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِتَصْدِيقِ الْوَلِيِّ فِي عَكْسِهِ ، وَهُوَ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ وَادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا صُدِّقَ الْوَلِيُّ ثَمَّ مَعَ مَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ قَدْ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ ظَاهِرًا بِدِيَتَيْنِ ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ

وُجُودُ الْمُسْقِطِ لِإِحْدَاهُمَا ، وَهُوَ السِّرَايَةُ بِإِمْكَانِ الْإِحَالَةِ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْوَلِيُّ فَدَعْوَاهُ قَدْ اعْتَضَدَتْ بِالْأَصْلِ ، وَهُوَ شَغْلُ ذِمَّةِ الْجَانِي ( وَإِنْ عَادَ ) الْجَانِي بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ ( فَقَتَلَهُ وَادَّعَى عَدَمَ الِانْدِمَالِ ) أَيْ أَنَّهُ قَتَلَهُ قَبْلَ انْدِمَالِهِ حَتَّى يُلْزِمَهُ دِيَتَهُ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ قَتَلَهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَلْزَمَهُ دِيَةٌ وَنِصْفٌ ( حَلَفَ ) الْجَانِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْدِمَالِ .

( وَيُصَدَّقُ مُنْكِرُ إمْكَانِ الِانْدِمَالِ ) فَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ فِي قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِانْدِمَالُ فِيهَا ، وَقَالَ الْجَانِي لَمْ تَمْضِ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُدَّةِ ، وَلَوْ قَالَ الْجَانِي فِي قَطْعِ الْيَدِ مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِانْدِمَالُ فِيهَا ، وَقَالَ الْوَلِيُّ لَمْ تَمْضِ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ لِذَلِكَ ( وَ ) يُصَدَّقُ مُنْكِرُ ( وُجُودِ الْعُضْوِ ) بِيَمِينِهِ كَأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ قَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ ، وَقَالَ لَمْ أَقْطَعْ إلَّا أَحَدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ كَفَّهُ وَاخْتَلَفَا فِي نَقْصِ أُصْبُعٍ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ مَا جَنَى عَلَيْهِ ( وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْرُوحِ أَنَّ التَّآكُلَ مِنْ الْجُرْحِ لَا مِنْ الدَّوَاءِ ) فَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَدَاوَى جُرْحَهُ وَسَقَطَتْ الْكَفُّ فَقَالَ الْجَارِحُ تَآكَلَ بِالدَّوَاءِ ، وَقَالَ الْمَجْرُوحُ بَلْ بِسَبَبِ الْجُرْحِ صُدِّقَ الْمَجْرُوحُ بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ( إلَّا إنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّهُ يَتَآكَلُ بِهِ ) أَيْ بِالدَّوَاءِ بِأَنْ قَالُوا إنَّهُ يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ ، أَوْ الْمَيِّتَ وَالْحَيَّ فَيُصَدَّقُ الْجَارِحُ بِيَمِينِهِ فَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ قَالُوا لَا يَأْكُلُ الْحَيَّ مَا إذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ .

( بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ) ( وَهُوَ مَوْرُوثٌ كَالْمَالِ ) فَيَرِثُهُ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ ، وَإِنْ وَرِثُوا بِسَبَبٍ كَالزَّوْجَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَوْرُوثٌ فَكَانَ كَالْمَالِ الْمَوْرُوثِ ( وَإِذَا عُدِمَ الْوَارِثُ الْخَاصُّ اقْتَصَّ الْإِمَامُ ) مِنْ الْقَاتِلِ ( وَيُحْبَسُ الْجَانِي ) وُجُوبًا ( لِصَبِيٍّ فِيهِمْ ) أَيْ فِي الْوَرَثَةِ حَتَّى يَبْلُغَ ( وَمَجْنُونٍ ) حَتَّى يُفِيقَ ( وَكَذَا الْغَائِبُ ) حَتَّى يَحْضُرَ ، أَوْ يَأْذَنَ ، وَلَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ فِي حَبْسِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ عِنْدَهُ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ وَالْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَلَوْ ) كَانَ الْقِصَاصُ ( فِي طَرَفٍ ) ضَبْطًا لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ ، وَلَا لِلْحَاكِمِ اسْتِيفَاؤُهُ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلتَّشَفِّي فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِمْ نَعَمْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ أَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي قَطْعِ الطَّرَفِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَعُلِمَ بِقَوْلِهِ يُحْبَسُ أَنَّهُ لَا يُخَلَّى بِكَفِيلٍ فَقَدْ يَهْرُبُ فَيَفُوتُ الْحَقُّ ( ، وَلَا يَسْتَوْفِي الْقَتْلَ إنْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ إلَّا وَاحِدٌ ) مِنْهُمْ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ ( بِتَرَاضٍ ، أَوْ قُرْعَةٍ ) أَيْ ، أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِقُرْعَةٍ ( بَعْدَهَا إذْنٌ ) فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ لَا يَتَوَلَّاهُ إلَّا بِإِذْنِ الْبَاقِينَ وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي التَّزْوِيجِ بِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الدَّرْءِ وَيَجُوزُ لِجَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلِبَعْضِهِمْ تَأْخِيرُهُ كَإِسْقَاطِهِ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى مُبَاشَرَةِ اسْتِيفَائِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ لِلْجَانِي وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْقِصَاصُ نَحْوَ إغْرَاقٍ ، أَوْ تَحْرِيقٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ ( وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقُرْعَةِ عَاجِزٌ ) عَنْ الِاسْتِيفَاءِ ( كَشَيْخٍ ، أَوْ امْرَأَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لِلِاسْتِيفَاءِ فَتَخْتَصُّ بِأَهْلِهِ ، وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ دُخُولِهِ فِيهَا ، وَأَنَّهُ يُنِيبُ

إذَا خَرَجَتْ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ كَالْقَادِرِ ( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( لَوْ خَرَجَتْ لِقَوِيٍّ فَعَجَزَ ) قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ ( أُعِيدَتْ ) لِلْبَاقِينَ ( فَإِنْ خَلَفَ ) الْقَتِيلَ ( امْرَأَةٌ ) لَا تَسْتَغْرِقُ كَبِنْتٍ ، أَوْ جَدَّةٍ ( اسْتَوْفَاهُ السُّلْطَانُ مَعَهَا ) كَالْمَالِ ، وَقِيَاسُ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ أَنْ يُقَالَ بِهِ فِيهِ أَيْضًا .

بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ) .
( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَوْرُوثٌ كَالْمَالِ فَيَرِثُهُ إلَخْ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ تَقْتُلَ أَوْ تَأْخُذَ } قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الْأَهْلَ عِبَارَةٌ عَنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَابِ وَالْأَسْبَابِ ؛ وَلِأَنَّهُ خَيَّرَهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ ، وَالدِّيَةُ تَثَبَّتَتْ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا الْقِصَاصُ .
( قَوْلُهُ : وَيُحْبَسُ الْجَانِي وُجُوبًا إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حَبْسِ الْقَاتِلِ بَيْنَ كَوْنِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي عَمَلِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا يُحْبَسُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ الْغَائِبُ رَشِيدًا أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ فِي بَلَدٍ فَالْوِلَايَةُ فِي مَالِهِ لِقَاضِي بَلَدِ إقَامَتِهِ عَلَى الْأَشْبَهِ دُونَ قَاضِي بَلَدِ مَالِهِ قَالَ النَّاشِرِيُّ : التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ، وَأَمَّا فِي حِفْظِهِ فَلِحَاكِمِ بَلَدِ الْمَالِ حِفْظُهُ جَزْمًا وَجَعْلُ الْقَاتِلِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لَا مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ يُظْهِرُ أَنْ لَا وَقْفَةَ فِي ذَلِكَ ، وَأَمَّا قَتْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجِمٍ قَاتِلَ عَلِيٍّ ، وَكَانَ لَهُ أَوْلِيَاءٌ غَيْرُهُ صِغَارًا فَلِأَنَّ قَتْلَ الْإِمَامِ مِنْ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ ، وَلَيْسَ كَقَتْلِ غَيْرِهِ وَلِهَذَا حَكَى فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْبُغَاةِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ قَاتِلَ الْإِمَامِ يُقْتَلُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا حَتَّى يَتَحَتَّمَ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ .
( قَوْلُهُ : لِصَبِيٍّ فِيهِمْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ هَذَا إذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ لِلطِّفْلِ بِإِرْثٍ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الطِّفْلِ فِي طَرَفٍ ثَبَتَ لَهُ الْقِصَاصُ ، وَكَانَ لِلْوَلِيِّ اسْتِيفَاؤُهُ ، وَكَذَلِكَ مِنْ

الْمَجْنُونِ ، وَقَالَ الْقَفَّالُ : لِلسُّلْطَانِ اسْتِيفَاؤُهُ .
ا هـ .
وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَالتَّعْلِيلُ وَعِبَارَةُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ إذَا انْفَرَدَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ بِاسْتِحْقَاقِ الْقِصَاصِ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَلِيُّهُ سَوَاءٌ فِيهِ قِصَاصُ النَّفْسِ وَالطَّرَفِ ( قَوْلُهُ : وَمَجْنُونٌ ) لِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْفَقِيرِ أَخْذُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لَهُ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْوَصِيُّ كَمَا نَقَلَاهُ ، وَأَقَرَّاهُ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا الْغَائِبُ ) قَالَ فِي الْبَيَانِ فَإِنْ قِيلَ هَلَّا قُلْتُمْ لَا يُحْبَسُ لِلْغَائِبِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْحَاكِمِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُحْبَسُ غَاصِبُ مَالِهِ ، وَيَنْزِعُهُ مِنْهُ قِيلَ الْقَوَدُ يَثْبُتُ لِلْمَيِّتِ وَلِلْحَاكِمِ عَلَى الْمَيِّتِ وِلَايَةٌ ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ ، وَهُوَ رَشِيدٌ فَوِزَانُهُ أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ ، وَيُخَلِّفَ مَالًا وَوَارِثُهُ غَائِبٌ فَيَغْصِبُ الْمَالَ رَجُلٌ فَلِلْإِمَامِ حَبْسُ الْغَاصِبِ إلَى أَنْ يَقْدُمَ الْغَائِبُ ، وَفِي الشَّامِلِ نَحْوُ مَا فِي الْبَيَانِ قَالَ وَوِزَانُ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ لِلْغَائِبِ ، وَأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ .
ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي كَلَامِهِمَا فَوَائِدُ ، وَيُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدَ الْغَائِبِ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْبِسُ الْقَاتِلَ إلَى قُدُومِ سَيِّدِهِ ، وَكَلَامُ الشَّامِلِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِلْغَائِبِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِيمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ، وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يُحْبَسُ فِي قِصَاصِ الطَّرَفِ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْحَبْسَ فِي الْقِصَاصِ خَاصَّةً ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ ، وَكَلَامُهُمْ سَاكِتٌ عَنْ الْحَبْسِ فِي قِصَاصِ الطَّرَفِ ( قَوْلُهُ : نَعَمْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ أَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ ) إذْ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْ قَتْلِهِ حَدًّا ( قَوْلُهُ : مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ ) شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ

مُسْلِمًا إنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْقِصَاصِ إنْ كَانَ فِي طَرَفٍ أَوْ فِي نَفْسٍ بِوَاسِطَةِ قَطْعِ الطَّرَفِ قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ دُخُولِهِ فِيهَا إلَخْ ) قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ : إنَّهُ غَلَطٌ ( قَوْلُهُ : وَقِيَاسُ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَتَلَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا فَقِصَاصُهُ لِوَرَثَتِهِ ) لَا لِمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي ، وَوَرَثَتُهُ هُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهِ ( وَكَذَا لَهُمْ دِيَتُهُ ) الْوَاجِبَةُ بِعَفْوِهِمْ عَلَيْهَا ، أَوْ بِغَيْرِهِ ( وَإِنْ قَتَلَهُ أَحَدُ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ ) مُبَادَرَةً ( بِلَا إذْنٍ ) ، وَلَا عَفْوٍ مِنْ الْبَقِيَّةِ ، أَوْ بَعْضِهِمْ ، وَلَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ ( سَقَطَ عَنْهُ ) يَعْنِي لَمْ يَلْزَمْهُ ( الْقِصَاصُ ) إنْ لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِمَنْعِهِ مِنْ الْقَتْلِ ( لِلشُّبْهَةِ ) مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ حَقًّا فِي قَتْلِهِ كَمَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، وَقِيلَ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ الِانْفِرَادَ بِقَتْلِهِ ( وَلَزِمَهُ ) لِوَرَثَةِ الْجَانِي ( مَا زَادَ ) مِنْ دِيَتِهِ عَنْ ( نَصِيبِهِ مِنْ الدِّيَةِ ) أَيْ دِيَةِ مُوَرِّثِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الزَّائِدِ لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ بِقَتْلِهِ الْجَانِي كَمَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنَّهُ الْحَقُّ ، أَوْ يَسْقُطُ عَنْهُ تَقَاصًّا بِمَا لَهُ عَلَى تَرِكَةِ الْجَانِي عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَإِذَا ) جَهِلَ الْقَاتِلُ ( تَحْرِيمَ الْمُبَادَرَةِ فَهَلْ تَحْمِلُهُ ) أَيْ بَدَلَ الْقَتْلِ ، وَهُوَ الدِّيَةُ ( عَاقِلَتُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ كَالْخَطَأِ ، أَوْ فِي مَالِهِ لِقَصْدِهِ الْقَتْلَ ( قَوْلَانِ ) ، أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ ( وَ ) أَمَّا ( حَقُّ وَرَثَةِ ) الْمَقْتُولِ ( الْأَوَّلِ ) فَهُوَ فِي ( تَرِكَةِ قَاتِلِ أَبِيهِمْ ) الْأَنْسَبُ قَاتِلِ مُوَرِّثِهِمْ ، أَوْ قَاتِلِهِ أَيْ الْأَوَّلِ أَيْ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي لَا فِي ذِمَّةِ الْمُبَادِرِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَادِرَ فِيمَا وَرَاءَ حَقِّهِ كَالْأَجْنَبِيِّ .
وَفَارَقَ مَا لَوْ أَوْدَعَ غَيْرَهُ وَدِيعَةً وَمَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ فَإِتْلَافُهَا أَحَدَهُمَا حَيْثُ يَرْجِعُ الْآخَرُ بِضَمَانِ نَصِيبِهِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُودَعِ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُودَعِ حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِآفَةٍ لَمْ

يَضْمَنْهَا ، وَلَوْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ ، وَنَفْسُ الْجَانِي مَضْمُونَةٌ حَتَّى لَوْ مَاتَ ، أَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ ( وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ عَفْوِ أَحَدِهِمْ وَعَلِمَ ) بِعَفْوِهِ ( لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ) ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْجَانِي إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقَتْلِ بَعْدَ الْعَفْوِ فَكَانَ كَقَتْلِ مَنْ ظَنَّهُ مُرْتَدًّا ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِهِ ( فَوَجْهَانِ ) صَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيُّ وَجْهَانِ ، أَوْ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي قَتْلِ مَنْ ظَنَّهُ مُرْتَدًّا فَبَانَ خِلَافُهُ ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ اللُّزُومِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ ( فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ ) لِلْجَانِي ( فَنَصِيبُهُ ) مِنْ دِيَةِ مُوَرِّثِهِ ( لِوَرَثَتِهِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي فَإِنْ عَفَا ) عَنْهُ ( وَارِثُ الْجَانِي ) كَمَا عَفَا عَنْ الْجَانِي بَعْضُ وَرَثَةِ قَتِيلِهِ ( عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْعَفْوَيْنِ ) مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ .

( قَوْلُهُ : سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ ) شَمِلَ مَا لَوْ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ ظَنَّهُ غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ عَامِدًا ( قَوْلُهُ : إنْ لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقَتْلِ ) ، وَكَذَا إنْ حَكَمَ بِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرُهُ ، وَلَعَلَّهُمْ بَنَوْهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا الْأَصَحُّ خِلَافُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ صَاحِب الْحَاوِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَاكِمِ حُكْمٌ لَا بِالتَّمْكِينِ ، وَلَا بِالْمَنْعِ فَإِنْ حُكِمَ بِمَنْعِ الِانْفِرَادِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ قَوْلًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ ارْتَفَعَتْ بِحُكْمِهِ بِالْمَنْعِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُصَيِّرُ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إجْمَاعًا ( قَوْلُهُ : مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ حَقًّا فِي قَتْلِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطْئِهِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ) مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِمَنْعِهِ أَوْ لَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : كَمَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْحَقُّ ) هُوَ كَمَا قَالَ ( قَوْلُهُ : عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ ) أَيْ بِنَاءً عَلَى جَرَيَانِ التَّقَاصِّ فِي غَيْرِ النَّقْدَيْنِ ، وَهُوَ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا عُدِمَتْ الْإِبِلُ وَوَجَبَتْ قِيمَتُهَا ( قَوْلُهُ : فَهَلْ تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ ) قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ ) لِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ الْقَوَدِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالْعَفْوِ أَمْ لَا .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَتَلَ رَجُلٌ جَمَاعَةً ) ، أَوْ قَطَعَ أَطْرَافَهُمْ ( مُرَتَّبًا فَالْقِصَاصُ ) عَلَيْهِ ( بِالْأَوَّلِ مِنْهُمْ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ ، وَإِنْ طَلَبُوا الِاشْتِرَاكَ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لَمْ يُجَابُوا ) إلَيْهِ ( وَيُحْبَسُ ) الْقَاتِلُ فِيمَا لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ صَبِيًّا ، أَوْ مَجْنُونًا ، أَوْ غَائِبًا ( لِبُلُوغِ وَلِيِّهِ ) ، وَإِفَاقَتِهِ ( وَقُدُومِهِ فَإِنْ عَفَا ) الْأَوَّلُ أَيْ وَلِيُّهُ ( فَلِمَنْ ) أَيْ فَالْقِصَاصُ لِوَلِيِّ مَنْ ( بَعْدَهُ لَا إنْ أَمْهَلَ ) وَلِيُّ الْأَوَّلِ بِأَنْ لَمْ يَعْفُ ، وَلَمْ يَقْتَصَّ فَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْمُتَأَخِّرِ قَتْلُ الْقَاتِلِ ( فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُتَأَخِّرُ عُزِّرَ ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا ، وَلَا كَفَّارَةَ ( وَ ) قَدْ ( اسْتَوْفَى ) بِذَلِكَ قِصَاصَهُ الْمُسْتَحَقَّ لَهُ ( ثُمَّ لِكُلٍّ ) مِنْ الْبَاقِينَ ( دِيَةٌ فَإِنْ طَالَبَ ) وَلِيُّ ( الثَّانِي دُونَ ) وَلِيِّ ( الْأَوَّلِ ) بِالْقِصَاصِ مِنْ الْقَاتِلِ ( فَقَتَلَهُ بِهِ ) أَيْ بِالثَّانِي ( الْإِمَامُ ، وَلَمْ يَبْعَثْ لِلْأَوَّلِ ) لِيَعْرِفَ أَهُوَ طَالِبٌ أَمْ عَافٍ ( كُرِهَ تَحْرِيمًا ) ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّهِمْ عَلَيْهِ حَقَّ الْقَوَدِ ( وَلَوْ قَتَلَهُمْ مَعًا ، أَوْ أَشْكَلَ السَّابِقُ ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَقَتَلَهُمْ دَفْعَةً أَمْ مُرَتَّبًا ، أَوْ عُلِمَ سَبْقٌ ، وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ السَّابِقِ ( فَالتَّقَدُّمُ بِالْقُرْعَةِ ) بَيْنَهُمْ ( وَاجِبٌ ) الْمُرَادُ مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ لِيُقَدَّمَ بِهِ ( فَيَنْتَظِرُ لِصَبِيٍّ ) وَمَجْنُونٍ أَيْ لِكَمَالِهِمَا ( وَغَائِبٍ ) أَيْ حُضُورَهُ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْضُ أَوْلِيَاءِ الْقَتْلَى صَبِيًّا ، أَوْ مَجْنُونًا ، أَوْ غَائِبًا ( وَ ) التَّقَدُّمُ ( بِالتَّرَاضِي ) بِلَا قُرْعَةٍ ( جَائِزٌ فَإِنْ بَدَا لَهُمْ ) الْإِقْرَاعُ ( أَقْرَعَ ) بَيْنَهُمْ ( وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ ) أَيْ الْقَاتِلِ ( لِأَحَدِهِمْ بِالسَّبْقِ ) لِقَتْلِ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقٍّ ( وَلِلْبَاقِينَ تَحْلِيفُهُ ) إنْ كَذَّبُوهُ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ

بِأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ فَالنُّكُولُ مَعَ يَمِينِ الْخَصْمِ إنْ قُلْنَا كَالْإِقْرَارِ لَمْ يُسْمَعْ كَمَا لَوْ أَقَرَّ صَرِيحًا بِمَا يُخَالِفُ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا ، وَإِنْ قُلْنَا كَالْبَيِّنَةِ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّا لَا نُعَدِّيهَا لِثَالِثٍ عَلَى الصَّحِيحِ ( وَلَوْ قَتَلَهُمْ كُلُّهُمْ أَسَاءُوا وَوَقَعَ ) الْقَتْلُ ( مُوَزَّعًا ) عَلَيْهِمْ ( وَرَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْبَاقِي ) لَهُ ( مِنْ الدِّيَةِ ) وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِسَاءَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ بِالْأَوَّلِ ) لَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فَقِيلَ دِيَتُهُ لِوَلِيِّ الْأَوَّلِ وَالْمَذْهَبُ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهَا لِلْكُلِّ ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ عَفَا الْأَوَّلُ ) أَيْ وَلِيُّهُ عَفْوُ الْوَلِيِّ بِلَا مَالٍ بَاطِلٌ وَعَلَى مَالٍ فَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْفَقِيرِ غَيْرِ الْوَصِيِّ قَوْلُهُ : وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ إلَخْ ) فَائِدَتُهُ أَنَّهُ إنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي وَصَدَّقَهُ وَارِثُ الْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا أَنَّهُ يُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَارَضَ إقْرَارُهُ الثَّانِي إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ فَيَعْدِلُ إلَى الْإِقْرَارِ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ أَقَرَّ صَرِيحًا بِمَا يُخَالِفُ إقْرَارَهُ أَوَّلًا ، وَإِنْ قُلْنَا إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا هُنَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُثْبِتُ لِلْحَقِّ هُوَ الْإِقْرَارَ ، وَمَا هُنَا بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ هُنَا إلَّا تَقْدِيمُ وَرَثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ بِالسَّبْقِ بِالِاسْتِيفَاءِ إذْ اسْتِحْقَاقُ وَرَثَةِ كُلِّ قَتِيلٍ دَمَ قَاتِلِهِ ثَابِتٌ مَعَ الْإِقْرَارِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ نَكَلَ الْمُقِرُّ عَنْ الْحَقِّ أَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ انْتَفَى مَا يَقْتَضِي التَّقْدِيمَ

( وَإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ جَمَاعَةً قُتِلُوا بِالْأَوَّلِ ) مِنْ الْقَتْلَى إنْ قَتَلُوهُمْ مُرَتَّبًا ، وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ قُتِلُوا بِهِ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ فِي تَرِكَاتِ الْقَاتِلِينَ ( كَالْوَاحِدِ ) أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا ( وَالْعَبْدُ ) فِيمَا ذُكِرَ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ ( فَإِنْ قُتِلَ بِالْأَوَّلِ ) مِنْ الْقَتْلَى ( فَدِيَاتُ الْبَاقِينَ فِي ذِمَّتِهِ ) يَلْقَى اللَّهَ بِهَا ( وَإِنْ عَفَا ) وَلِيُّ الْأَوَّلِ ( بِمَالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَلِلثَّانِي قَتْلُهُ ، وَإِنْ بَطَلَ حَقُّ الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَالِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ كَجِنَايَةِ الْمَرْهُونِ ( فَإِنْ عَفَا ) الثَّانِي أَيْضًا بِمَالٍ ( شَارَكَهُ ) فَيَتَعَلَّقُ الْمَالَانِ بِرَقَبَتِهِ ، وَلَا يُرَجَّحُ بِالتَّقْدِيمِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ أَمْوَالًا لِجَمَاعَةٍ فِي أَزْمِنَةٍ ( وَهَكَذَا ) إنْ عَفَا الثَّالِثُ ، وَمَنْ بَعْدَهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .

( وَمَنْ لَزِمَهُ قَتْلٌ ، وَقَطْعٌ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ ) سَوَاءٌ أَتَقَدَّم قَتْلُهُ أَمْ قَطْعُهُ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ( وَمَنْ قَطَعَ يَمِينًا ) مِنْ شَخْصٍ ( ثُمَّ أُصْبُعَهَا مِنْ آخَرَ قُطِعَ ) مِنْهُ يَمِينُهُ ( وَوَدَى الْأُصْبُعَ ) أَيْ أَعْطَى دِيَتَهُ ( أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ الْيَمِينِ مِنْ شَخْصٍ ثُمَّ الْيَمِينَ مِنْ آخَرَ ( قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ ) لِلْأَوَّلِ ( وَ ) يَجُوزُ ( لِلْآخَرِ الْقَطْعُ ) لِبَاقِي الْيَمِينِ ( مَعَ ) أَخْذِ ( الْأَرْشِ ) لِلْأُصْبُعِ ( ، أَوْ الدِّيَةِ ) لِلْيَمِينِ ( وَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعًا ) ، أَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ ( أَقْرَعَ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ ) الْقُرْعَةُ ( فَكَأَنَّهُ السَّابِقُ ) بِالْقَطْعِ .

( فَصْلٌ : مَنْ اقْتَصَّ ) فِي نَفْسٍ ، أَوْ طَرَفٍ ( بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ عُزِّرَ ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ وَتَعَدِّيهِ إذْ أَمْرُ الدِّمَاءِ خَطَرٌ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فَلَا يَسْتَوْفِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ إلَّا السَّيِّدَ فَيُقِيمُهُ عَلَى رَقِيقِهِ ، وَالْمُسْتَحِقُّ الْمُضْطَرُّ فَيُقِيمُهُ عَلَى الْجَانِي لِيَأْكُلَهُ وَالْقَاتِلُ فِي الْحِرَابَةِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُنْفَرِدُ بِحَيْثُ لَا يُرَى فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ مَنْ وَجَبَ لَهُ عَلَى شَخْصٍ حَدُّ قَذْفٍ ، أَوْ تَعْزِيرٌ ، وَكَانَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ ( وَأَجْزَأَهُ ) فِي وُقُوعِهِ قِصَاصًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ( وَيُؤْمَرُ الْعَاجِزُ ) عَنْ الِاسْتِيفَاءِ كَشَيْخٍ وَزَمِنٍ وَامْرَأَةٍ ( بِالتَّوْكِيلِ فِي الْقَتْلِ ) لِمَا فِي اسْتِيفَائِهِ لَهُ مِنْ التَّعْذِيبِ ( وَكَذَا ) يُؤْمَرُ ( الْقَوِيُّ ) عَلَى الِاسْتِيفَاءِ كَالْعَاجِزِ بِالتَّوْكِيلِ ( فِي ) قَطْعِ ( الطَّرَفِ ) فَلَا يَسْتَوْفِي بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْإِيلَامِ بِتَرْدِيدِ الْآلَةِ فَيَسْرِي بِخِلَافِهِ فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهَا مَضْبُوطَةٌ ( وَلَوْ حُدَّ الْمَقْذُوفُ ، أَوْ عُزِّرَ ) مَنْ لَزِمَهُ لَهُ الْحَدُّ ، أَوْ التَّعْزِيرُ ( لِنَفْسِهِ ) بِإِذْنِهِ ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( أَسَاءَ ) لِتَعَدِّيهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِسَاءَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَلَمْ يُجِزْهُ ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَنْضَبِطُ وَلِإِمْكَانِ تَدَارُكِهِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ فَيُتْرَكُ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ يُحَدُّ ، وَقِيلَ بِجُزْئِهِ كَالْقِصَاصِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَلَوْ مَاتَ مَعَهُ فَالْقَوَدُ ) ، أَوْ بَدَلُهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَوْفِي ( لَا إنْ أَذِنَ ) لَهُ فِي ذَلِكَ ( وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْآلَةَ ) لِئَلَّا تَكُونَ كَالَّةً إذْ لَا يَجُوزُ الْقَتْلُ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَتَلَ بِهَا كَمَا يَأْتِي لِمَا

فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ الْمُحَرَّمِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ } ، وَالتَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ التَّفَقُّدِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ ( وَيُسْتَحَبُّ ) لَهُ ( أَنْ يُشْهِدَ ) عَلَى الِاسْتِيفَاءِ ( عَدْلَيْنِ ) لِيَشْهَدَا عَلَى الْمُقْتَصِّ إنْ أَنْكَرَ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ إنْ كَانَ التَّرَافُعُ إلَيْهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لِيَنْتَشِرَ الْخَبَرُ فَيَحْصُلُ الزَّجْرُ ، وَأَقَلُّ مَنْ يَحْضُرُهُ عَدْلَانِ .

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : مَنْ اقْتَصَّ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ عُزِّرَ ) إذْ نَائِبُهُ كَإِذْنِهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِإِلْحَاقِ الْقَاضِي بِالْإِمَامِ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَسْتَوْفِي فِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ ) ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حُكِمَ لِلْمُسْتَحِقِّ بِالْقِصَاصِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي خَوْفَ الْفِتْنَةِ ( قَوْلُهُ : إلَّا السَّيِّدَ فَيُقِيمُهُ عَلَى رَقِيقِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَوْفِي مُجْتَهِدًا فَرَآهُ أَوْ كَانَ مُقَلِّدًا لِمَنْ يَرَاهُ ، وَهَلْ يُعَذَّرُ الْجَاهِلُ بِالْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا يُعَذَّرُ ، فِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : إذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا كَانَ فِي مَكَان لَا إمَامَ لَهُ ( قَوْلُهُ : إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةَ أ ب ( قَوْلُهُ : وَأَجْزَأَهُ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَوْفِيهِ رَجُلًا ، وَأَنْ يَكُونَ ثَابِتَ النَّفْسِ عِنْدَ مُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ ، وَأَنْ يَعْرِفَ الْقَوَدَ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهُ مُنِعَ ، وَأَنْ يَكُونَ قَوِيَّ الْيَدِ نَافِذَ الضَّرْبَةِ فَإِنْ ضَعُفَتْ بِشَلَلٍ أَوْ مَرَضٍ مُنِعَ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَسْتَوْفِي بِنَفْسِهِ ) شَمِلَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ وَوَارِثَهُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْإِيلَامِ إلَخْ ) وَالْقَطْعُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ قَطْعِهِ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِهِ فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهَا مَضْبُوطَةٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِتَمْكِينِهِ مِنْ إيضَاحِ مَنْ أَوْضَحَهُ مَعَ أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ هُنَا ، وَهِيَ خَوْفُ أَنْ يَحْمِلَهُ الْحَيْفُ عَلَى الْمُجَاوَزَةِ وَالتَّعَدِّي مَوْجُودَةٌ هُنَا فَمَا الْفَرْقُ ؟ .
وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الطَّرَفِ فَإِذَا قَلَعَ عَيْنَهُ لَمْ يُمْكِنْ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ

بِالْقَلْعِ بَلْ يُؤْمَرْ بِالتَّوْكِيلِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ ، وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ فِي التَّصْحِيحِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا قُلِعَتْ عَيْنَاهُ أَمَّا إذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَانَ يُبْصِرُ بِالْأُخْرَى بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ حَيْفٌ إذَا قُلِعَ فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْآلَةَ ) قَالَ فِي الْحَاوِي إنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي اسْتِيفَائِهِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ أَنْ يَحْضُرَهُ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ لَهُ بِهِ أَوْ نَائِبُهُ لِيَكُونَ حُضُورُهُ تَنْفِيذًا لِحُكْمِهِ ، وَأَنْ يَحْضُرَهُ شَاهِدَانِ لِيَكُونَا بَيِّنَةً فِي الِاسْتِيفَاءِ أَوْ التَّعَدِّي وَأَنْ يُحْضِرَ مَعَهُ عَوْنًا فَرُبَّمَا حَدَثَ مَا يَحْتَاجُ إلَى كَفٍّ أَوْ رَدْعٍ ، وَأَنْ يَأْمُرَ الْمُقْتَصَّ مِنْهُ بِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ يَوْمِهِ ، وَأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْوَصِيَّةِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ ، وَأَنْ يُؤْمَرَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِهِ ، وَأَنْ يُسَاقَ إلَى مَوْضِعِ الْقِصَاصِ بِرِفْقٍ ، وَأَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ ، وَأَنْ يَشُدَّ عَيْنَاهُ بِعِصَابَةٍ ، وَيُتْرَكَ مَمْدُودَ الْعُنُقِ لِئَلَّا يَعْدِلَ السَّيْفُ عَنْهُ وَالْعَاشِرُ أَنْ يَكُونَ السَّيْفُ صَارِمًا لَيْسَ بِكَالٍّ ، وَلَا مَسْمُومٍ ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الشُّرُوطَ وَالْأَوْصَافَ إحْسَانًا فِي الِاسْتِيفَاءِ وَمَنْعًا مِنْ التَّعْذِيبِ لِحَدِيثِ { فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ } وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْبَهَائِمِ فَالْآدَمِيُّ أَحَقُّ .
ا هـ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَأَكْثَرُ مَا ذَكَرَهُ عَدُّوهُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ

( فَإِنْ قَتَلَهُ بِكَالٍّ ، وَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِمِثْلِهِ ، أَوْ ) قَتَلَهُ بِشَيْءٍ ( مَسْمُومٍ ) كَذَلِكَ ( عُزِّرَ ) لِتَعَدِّيهِ ( وَالْوَلِيُّ إنْ تَعَمَّدَ غَيْرَ الرَّقَبَةِ ) فِي اقْتِصَاصِهِ بِضَرْبِهَا ( عُزِّرَ ) لِذَلِكَ ( وَلَمْ يُعْزَلْ ) لِأَهْلِيَّتِهِ وَإِنْ تَعَدَّى بِفِعْلِهِ ( كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لَا يُمْنَعُ الِاسْتِيفَاءُ ، وَإِنْ أَخْطَأَ ، وَأَمْكَنَ ) خَطَؤُهُ عَادَةً بِأَنْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ فَضَرَبَ كَتِفَهُ ، أَوْ رَأْسَهُ مِمَّا يَلِيهَا ( فَعَكْسُهُ ) أَيْ فَلَا يُعَزَّرُ إذَا حَلَفَ وَيُعْزَلُ ؛ لِأَنَّ يُشْعِرُ بِعَجْزِهِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُخْطِئَ ثَانِيًا ( وَلَا يُعْزَلُ مَاهِرٌ ) فِي ضَرْبِ الرِّقَابِ ( اتَّفَقَ خَطَؤُهُ ) فَإِنْ ادَّعَى الْخَطَأَ فِيمَا لَا يُمَكَّنُ فِيهِ كَأَنْ ضَرَبَ رِجْلَهُ ، أَوْ وَسَطَهُ فَهُوَ كَتَعَمُّدِهِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ ( وَإِنْ اسْتَوْفَى طَرَفًا بِمَسْمُومٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ ( فِي مَالِهِ ) لِتَعَمُّدِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ( فَإِنْ كَانَ ) السُّمُّ ( مُوحِيًا فَالْقِصَاصُ ) وَاجِبٌ عَلَيْهِ .

( فَرْعٌ : وَلْيُنَصِّبْ الْإِمَامُ مَنْ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ وَرِزْقُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ ) أَيْ مِنْ خُمُسِ خُمُسِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ شَيْءٌ ، أَوْ كَانَ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِأَهَمَّ مِنْهُ ( فَالْأُجْرَةُ ) لِلْمَنْصُوبِ ( عَلَى الْجَانِي وَالْمَحْدُودِ ) ؛ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ حَقٍّ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ فَلَزِمَتْهُمَا كَأُجْرَةِ كَيَّالِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ وَوَزَّانِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ( فَلَوْ قَالَ ) الْجَانِي ( أَنَا أَقْتَصُّ مِنْ نَفْسِي ) ، وَلَا أُؤَدِّي الْأُجْرَةَ ( مُنِعَ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي ، وَهُوَ لَا يَتِمُّ بِفِعْلِ الْجَانِي ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا مَسَّتْهُ الْحَدِيدَةُ فَتَرَتْ يَدُهُ ، وَلَا يَحْصُلُ الزَّهُوقُ إلَّا بِأَنْ يُعَذِّبَ نَفْسَهُ تَعْذِيبًا شَدِيدًا ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ( فَإِنْ أُجِيبَ ) لِمَا قَالَهُ وَاقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ ( فَهَلْ يُجْزِئُ ) عَنْ الْقِصَاصِ ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا لَا كَمَا لَوْ جَلَدَ نَفْسَهُ فِي الزِّنَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَفِي الْقَذْفِ بِإِذْنِ الْمَقْذُوفِ كَمَا يَأْتِي ، وَكَمَا لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي .
وَالثَّانِي نَعَمْ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ لِحُصُولِ الزَّهُوقِ ، وَإِزَالَةُ الطَّرَفِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُؤْلِمُ نَفْسَهُ وَيُوهِمُ الْإِيلَامُ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَبِخِلَافِ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ يَدِ الْبَائِعِ ، وَلَمْ تَزُلْ ( وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلسَّارِقِ ) فِي قَطْعِ يَدِهِ ( فَقَطَعَ يَدَهُ جَازَ وَيُجْزِئُ ) عَنْ الْحَدِّ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّنْكِيلُ ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَمِنْ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ فَمَنَعَ الْإِجْزَاءَ عَلَى وَجْهٍ كَمَا مَرَّ .
وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ الْجَوَازِ نَاقِضُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ ( بِخِلَافِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ ) لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ ، وَلَا يُجْزِئُ لِمَا مَرَّ .

S( قَوْلُهُ : أَحَدُهُمَا لَا ) وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ( قَوْلُهُ : وَالثَّانِي نَعَمْ ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ ( قَوْلُهُ : وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ الْجَوَازِ نَاقِضُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَا قَالَ هُنَا أَنَّهُ الْأَقْرَبُ لَا يُخَالِفُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ مَنْعِ التَّوْكِيلِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْكِينٌ يَكُونُ فِيهِ مُسْتَقِلًّا وَذَاكَ تَوْكِيلٌ وَالتَّوْكِيلُ يَسْتَدْعِي عَدَمَ الِاتِّحَادِ بِخِلَافِ التَّمْكِينِ ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالصِّيغَةِ أَوْ الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ قَوْلُهُ : بِعْتُك بِلَا ثَمَنٍ هِبَةً ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَعْنَى الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ بِعْت تَسْتَدْعِي مُقَابِلًا .
ا هـ .

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي وَقْتِ الْقِصَاصِ وَيَجِبُ ) الْقِصَاصُ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ ( عَلَى الْفَوْرِ إنْ أَمْكَنَ ) ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْإِتْلَافِ فَيَتَعَجَّلُ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ ( فَيَقْتَصُّ فِي الْحَرَمِ ) ، وَلَوْ فِي النَّفْسِ ، أَوْ مَعَ الِالْتِجَاءِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَوْ وَقَعَ فِي الْحَرَمِ لَمْ يُوجِبْ ضَمَانًا فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وقَوْله تَعَالَى { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي ( لَا فِي مَسْجِدٍ ) وَمِنْهُ الْكَعْبَةُ ( وَ ) لَا فِي ( مِلْكِ إنْسَانٍ بَلْ يَخْرُجُ ) مِنْهُمَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَيُسْتَوْفَى خَارِجَهُمَا لِلنَّهْيِ عَنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ مِلْكِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَعَ أَنَّ التَّأْخِيرَ الْمَذْكُورَ يَسِيرٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ ، وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُهُ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ كَرَاهَةُ إقَامَةِ الْحَدِّ فِي الْمَسْجِدِ .
( وَلَا يُؤَخَّرُ ) الْقِصَاصُ ( لِحَرٍّ وَبَرْدٍ وَمَرَضٍ ، وَلَوْ ) كَانَ الْقِصَاصُ ( فِي الْأَطْرَافِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَكَذَا لَا يُؤَخَّرُ لِذَلِكَ الْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ بِخِلَافِ قَطْعِ السَّرِقَةِ وَالْجَلْدِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ ، وَحُقُوقَ الْعِبَادِ عَلَى الْمُضَايَقَةِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا .
وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلرُّويَانِيِّ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُؤَخَّرُ قِصَاصُ الطَّرَفِ لِذَلِكَ أَيْضًا .
انْتَهَى .
وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ .
( وَيَقْطَعُهَا ) أَيْ وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ قَطَعَ الْأَطْرَافَ ( مُتَوَالِيَةً ، وَلَوْ فُرِّقَتْ ) مِنْ الْجَانِي ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ : لَا فِي مَسْجِدٍ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَكَذَا مَقَابِرُ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهُ إلَّا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ : وَلَا يُؤَخَّرُ لِحَرٍّ وَبَرْدٍ وَمَرَضٍ ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرْجَى زَوَالُهُ أَمْ لَا ، وَهُوَ قِيَاسُ حَدِّ الْقَذْفِ ( قَوْلُهُ : وَيَقْطَعُهَا مُتَوَالِيَةً ، وَلَوْ فُرِّقَتْ مِنْ الْجَانِي إلَخْ ) أَمَّا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ لِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُوَالِي ، وَلَوْ كَانَ مَعًا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ خَطَرُ الْقَطْعَيْنِ عَلَى وَاحِدٍ حَتَّى يُقَابَلَ بِمِثْلِهِ .

( وَيُؤَخَّرُ ) الِاسْتِيفَاءُ فِي الْقِصَاصِ ، وَلَوْ فِي الطَّرَفِ مِنْ الْحَامِلِ ، وَلَوْ مِنْ زِنًا ( لِلْحَمْلِ ) أَيْ لِوَضْعِهِ ( وَإِنْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً ) وَيُؤَخَّرُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا أَيْضًا ( فِي سَائِرِ الْحُدُودِ كَحَدِّ الْقَذْفِ ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَلَاكِ الْجَنِينِ ، أَوْ الْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ بَرَاءَتِهِ ( وَتُحْبَسُ ) مَنْ بِهَا حَمْلٌ وَعَلَيْهَا قِصَاصٌ ( إلَى وَضْعِهِ ، وَإِرْضَاعِهِ اللِّبَأَ وَوُجُودِ مُرْضِعَةٍ ) مِنْ امْرَأَةٍ ، أَوْ بَهِيمَةٍ يَحِلُّ شُرْبُ لَبَنِهَا احْتِيَاطًا لِلْوَلَدِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّأْخِيرُ إلَى مَا ذُكِرَ خَوْفًا عَلَى الْجَنِينِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْلِكُ بِالِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ وَضْعِهِ كَمَا مَرَّ ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِدُونِ اللِّبَأِ مَعَ أَنَّهُ تَأْخِيرٌ يَسِيرٌ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ التَّأْخِيرُ لِوَضْعِهِ فَوُجُوبُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ أَوْلَى ( وَيُسْتَحَبُّ صَبْرُ الْوَلِيِّ ) بِالِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ وُجُودِ مُرْضِعَاتٍ يَتَنَاوَبْنَهُ ، أَوْ لَبَنِ شَاةٍ ، أَوْ نَحْوِهِ ( حَتَّى تُوجَدَ امْرَأَةٌ رَاتِبَةٌ ) مُرْضِعَةٌ لِئَلَّا يَفْسُدَ خُلُقُهُ ، وَنَشْؤُهُ بِالْأَلْبَانِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَلَبَنِ الْبَهِيمَةِ ( وَتُجْبَرُ الْمُرْضِعَةُ بِالْأُجْرَةِ ) فَلَوْ وُجِدَ مَرَاضِعُ وَامْتَنَعْنَ أَجْبَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَرَى مِنْهُنَّ بِالْأُجْرَةِ وَعَطَفَ عَلَى وُجُودِ مُرْضِعَةٍ قَوْلَهُ ( أَوْ وُجُودُ شَاةٍ تُغْنِيهِ ) مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ كَانَ أَوْلَى .
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ يَجِبُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ تُوجَدَ مُرْضِعَةٌ ، أَوْ مَا يَعِيشُ بِهِ ، أَوْ تُرْضِعُهُ هِيَ حَوْلَيْنِ وَتَفْطِمُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْأَخِيرِ إذَا تَضَرَّرَ بِفَطْمِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ، وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ عِنْدَهُمَا .
( فَلَوْ بَادَرَ ) الْمُسْتَحِقُّ ( وَقَتَلَهَا ) بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ ( قَبْلَ وُجُودِ مَا يُغْنِيهِ فَمَاتَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ فِيهِ ) كَمَا لَوْ حَبَسَ رَجُلًا بِبَيْتٍ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ ( وَلَا تُحْبَسُ ) هِيَ ( فِي حَقِّ اللَّهِ

) تَعَالَى كَرَجْمٍ ( بَلْ تُمْهَلُ حَتَّى يَتِمَّ ) لِلْوَلَدِ ( حَوْلَانِ ، وَنَجِدُ ) بَعْدَهُمَا ( مَنْ يَكْفُلُهُ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ ( وَلَوْ ادَّعَتْ ) جَانِيَةٌ ( حَمْلًا صُدِّقَتْ ) ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مَخَايِلُهُ ، وَلَمْ تَشْهَدْ بِهِ الْقَوَابِلُ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَمَارَاتِهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْحَامِلِ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهَا تُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهَا ، وَهُوَ الْجَنِينُ ( وَيَصِيرُ ) الْمُسْتَحِقُّ ( إلَى وَقْتِ الظُّهُورِ ) لِلْحَمْلِ لَا إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ فَإِنَّ التَّأْخِيرَ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ ثَبْتٍ بَعِيدٌ وَمَحَلُّ تَصْدِيقِهَا إذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَادَةً فَلَوْ كَانَتْ آيِسَةً لَمْ تُصَدَّقْ ( فَإِنْ بَادَرَ ، وَقَتَلَهَا حَامِلًا ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ ) حَمْلُهَا ( أَوْ انْفَصَلَ سَالِمًا ) ثُمَّ مَاتَ ( فَلَا ضَمَانَ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْجِنَايَةِ ( أَوْ مَيِّتًا فَغُرَّةٌ ، وَكَفَّارَةٌ ) فِيهِ ( أَوْ مُتَأَلِّمًا فَمَاتَ فَدِيَةٌ ، وَكَفَّارَةٌ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَأَلُّمَهُ وَمَوْتَهُ مِنْ مَوْتِهَا ( وَالدِّيَةُ وَالْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يُبَاشَرُ بِالْجِنَايَةِ ، وَلَا تُتَيَقَّنُ حَيَاتُهُ فَيَكُونُ هَلَاكُهُ خَطَأً ، أَوْ شَبَهَ عَمْدٍ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا فِي مَالِهِ ( وَإِنْ كَانَ ) قَتَلَهَا ( بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ عَلِمَا بِالْحَمْلِ ، أَوْ جَهِلَا ) ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْآمِرُ بِهِ وَالْمُبَاشِرُ كَآلَةٍ لَهُ لِصُدُورِ فِعْلِهِ عَنْ رَأْيِهِ وَبَحْثِهِ ( لَا إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ دُونَهُ ) فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ لِاجْتِمَاعِ الْعِلْمِ وَالْمُبَاشَرَةِ ، وَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ دُونَ الْوَلِيِّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ كَمَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى ( وَلَوْ قَتَلَهَا جَلَّادُ الْإِمَامِ فَكَالْوَلِيِّ ) فِي أَنَّهُ ( يَضْمَنُ إنْ عَلِمَ دُونَ الْإِمَامِ ) - وَقِيلَ لَا وَيَضْمَنُ الْإِمَامُ إنْ عَلِمَ دُونَهُ ،

أَوْ عَلِمَا مَعًا ، أَوْ جَهِلَا وَالتَّرْجِيحُ فِيمَا قَالَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ قَوْلَهُ ( لَكِنْ مِنْ مَالِهِ ) مِنْ تَصَرُّفِهِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ السَّابِقَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ( وَلَوْ عَلِمَ الْوَلِيُّ وَالْجَلَّادُ وَالْإِمَامُ ) بِالْحَمْلِ ( ضَمِنُوا أَثْلَاثًا وَالْقِيَاسُ ) عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْإِمَامِ فِيمَا إذَا عَلِمَ هُوَ وَالْوَلِيُّ ( أَنَّهُ عَلَى الْإِمَامِ ) هُنَا أَيْضًا ( كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَحَيْثُ ضَمِنَ الْإِمَامُ ) الْغُرَّةَ ( فَفِي مَالِهِ إنْ عَلِمَ ) بِالْحَمْلِ ( وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ ) ، وَقَوْلُهُ كَالرَّوْضَةِ أَنَّهَا فِي مَالِهِ إنْ عَلِمَ سَهْوٌ عَلَى عَكْسِ مَا فِي الرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ الْمَأْخَذُ السَّابِقُ ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا ظَنٌّ مُؤَكَّدٌ بِمَخَايِلِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْحَدِّ ) ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ ( بِأَلَمِ الضَّرْبِ ) فَلَا ضَمَانَ ) ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِحَدٍّ ، أَوْ عُقُوبَةٍ عَلَيْهَا ( أَوْ ) مَاتَتْ ( بِأَلَمِ الْوِلَادَةِ فَالدِّيَةُ ) مَضْمُونَةٌ ( أَوْ بِهِمَا فَنِصْفُهَا وَاقْتِصَاصُ الْوَلِيِّ ) مِنْهَا ( جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْإِمَامِ ) عَنْ إذْنِهِ لَهُ فِي قَتْلِهَا ( كَوَكِيلٍ جَهِلَ الْعَزْلَ ) أَيْ عَزْلَ مُوَكِّلِهِ لَهُ ، أَوْ عَفْوَهُ عَنْ الْقِصَاصِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ .

( قَوْلُهُ : مِنْ الْحَامِلِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا حَقَّانِ حَقُّ الطِّفْلِ وَحَقُّ الْوَلِيِّ فِي التَّعْجِيلِ وَمَعَ الصَّبْرِ يَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ الْحَقَّيْنِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِ أَحَدِهِمَا ، وَلِذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِصَاصُ النَّفْسِ وَالطَّرَفِ يُقَدَّمُ الطَّرَفُ ( قَوْلُهُ : لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَلَاكِ الْجَنِينِ ) رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِرَجْمِ حَامِلٍ فِي الزِّنَا فَقَالَ عَلِيٌّ لَا سَبِيلَ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَ عُمَرُ لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ ( قَوْلُهُ : وَتُحْبَسُ مَنْ بِهَا حَمْلٌ إلَخْ ) أَيْ إذَا طَلَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ فَلَوْ كَانَ غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلِلسُّلْطَانِ الْحَبْسُ إلَى الْحُضُورِ وَالْكَمَالِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهَا قِصَاصٌ ) أَيْ أَوْ حَدُّ قَذْفٍ ( قَوْلُهُ : وَوُجُودِ مُرْضِعَةٍ ) لَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْمُرْضِعَةُ فِي الْحَالِ ، وَلَا تَسَلَّمَتْهُ لَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيُوجِدُ عَنْ قُرْبٍ مُرْضِعَةً تَتَرَتَّبُ لِرَضَاعِهِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَعْجِيلِ قَتْلِهَا ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِانْتِفَاءِ تَلَفِ الْمَوْلُودِ ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
( قَوْلُهُ : أَجْبَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَرَى مِنْهُنَّ بِالْأُجْرَةِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكْتَفُوا بِلَبَنِ الْبَهِيمَةِ أَوْ الْفَرْضِ حَيْثُ لَا بَهِيمَةَ لَبُونَ ، وَهَذَا أَقْرَبُ وَلْيَنْظُرْ فِيمَا لَوْ وُجِدَتْ مُرْضِعَةٌ ، وَلَكِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْوَلَدُ ثَدْيَهَا هَلْ يُؤَخَّرُ قَتْلُ أُمِّهِ لِذَلِكَ أَوْ لَا ، وَيُحْلَبُ فِي إنَاءٍ ، وَيُؤْجَرُهُ كَلَبَنِ الْبَهِيمَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَالثَّانِي أَقْرَبُ إذْ لَا تَكُونُ دُونَ الْبَهِيمَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ وُجُودِ شَاةٍ ) أَيْ مَثَلًا ( قَوْلُهُ : مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ) هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِعَدَمِ إطْلَاقِ الْمُرْضِعَةِ عَلَى الشَّاةِ ، وَكَتَبَ أَيْضًا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ مُرْضِعَةٌ إذْ هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَرْضَعَ .
( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْأَخِيرِ إلَخْ ) فَالتَّقْيِيدُ بِالْحَوْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ (

قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مَخَايِلُهُ ) الْمُرَادُ بِالْمَخِيلَةِ شَهَادَةُ النِّسْوَةِ بِهِ أَوْ إقْرَارُ الْمُسْتَحِقِّ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيِّ إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَّا بِيَمِينٍ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّعٍ لِتَرْتِيبِ الْيَمِينِ لَهَا بِطَلَبِ الْمُسْتَحَقِّ قَطْعًا أَوْ بِدُونِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فِيمَا تَعْلَمُ ، وَلَوْ قِيلَ بِهِ لَمْ يَبْعُدْ .
وَقَالَ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونٍ : وَتَحْلِفُ مُدَّعِيَةُ الْحَمْلِ بِلَا مَخِيلَةٍ ، وَقَوْلُهُ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يُقْبَلُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا : يُحْمَلُ الْقَوْلُ بِالْيَمِينِ عَلَى عَدَمِ الْمَخِيلَةِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ عَلَى الْمَخِيلَةِ .
قَوْلُ كَاتِبِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَصِيرُ الْمُسْتَحَقُّ إلَى وَقْتِ الظُّهُورِ ) وَذَلِكَ بِمُضِيِّ حَيْضَةٍ عَلَى مُقْتَضَى مَا صَحَّحُوهُ فِي الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ قُلْت لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ الْمُسْتَفْرِشُ لَهَا حَمْلًا ، وَقَالَتْ لَا أَدْرِي هَلْ يُلْتَفَتُ إلَى دَعْوَاهُ قُلْت إنْ ارْتَابَتْ فَنَعَمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فِي دَعْوَاهَا الرِّيبَةَ ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ فَإِنْ قُلْت لَوْ مَرِضَتْ مُدَّعِيَةُ الْحَمْلِ قَبْلَ ظُهُورِهِ أَوْ مَنْ شَهِدَ الْقَوَابِلُ بِإِمَارَاتِهِ قَبْلَ أَوَانِ نَفْخِ الرُّوحِ مَرَضًا مَخُوفًا ، وَقَالَ الْأَطِبَّاءُ إنَّهَا تَمُوتُ فِيهِ عَنْ قُرْبٍ لَا مَحَالَةَ قُلْت لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ احْتِيَاطًا ( قَوْلُهُ : وَمَحِلُّ تَصْدِيقِهَا إذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَادَةً ) كَلَامُ الْإِمَامِ يَقْتَضِي مَنْعَ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا لِئَلَّا يَقَعَ حَمْلٌ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ حَقِّ وَلِيِّ الدَّمِ فَإِنَّهُ مَا دَامَ يَغْشَاهَا فَاحْتِمَالُ الْحَمْلِ مَوْجُودٌ ، وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجَهُ

أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى مَنْعِ الْقِصَاصِ أَيْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ ، وَقَوْلُهُ : وَالْمُتَّجَهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَالْوَجْهُ إلَخْ ) إيجَابٌ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ أَوْ لَمْ تُصَدِّقْهُ ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ عَلَى الْإِمَامِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ مَاتَتْ بِأَلَمِ الْوِلَادَةِ إلَخْ ) الْمُرَادُ مَا إذَا ضَرَبَهَا فِي الْحَدِّ فَأَفْضَى إلَى الْإِجْهَاضِ وَالْوِلَادَةِ فَمَاتَتْ مِنْ الْأَلَمَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا .

( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي الْمُمَاثَلَةِ فَلِلْوَلِيِّ قَتْلُهُ بِالسَّيْفِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ ، وَأَسْرَعُ قَالَ الْبَغَوِيّ ، وَهُوَ الْأَوْلَى ( وَبِمَا قَتَلَ بِهِ ) رِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ وَلِآيَةِ { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } وَلِآيَةِ { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ } ( لَا بِالسِّحْرِ ) ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ حَرَامٌ ، وَلَا يَنْضَبِطُ ( وَكَذَا اللِّوَاطُ ) وَالْوَطْءُ لِطِفْلَةٍ فِي قُبُلِهَا ( وَالْخَمْرُ وَالْبَوْلُ ) ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ كَالْقَتْلِ بِالسِّحْرِ ، وَلَوْ أَوْجَرَ مَاءً نَجِسًا ، أَوْجَرَ مَاءً طَاهِرًا ، ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِمَسْمُومٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ بِمِثْلِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُهْرِيًّا يَمْنَعُ الْغُسْلَ ( فَإِنْ قَتَلَهُ بِجُوعٍ ، أَوْ خَنْقٍ ، أَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ ، أَوْ نَارٍ ، أَوْ مِنْ شَاهِقٍ ) أَيْ مُرْتَفِعٍ ( أَوْ بِمُثْقَلٍ ) كَخَشَبَةٍ ( جُوِّعَ مِثْلَ مُدَّتِهِ ) وَخُنِقَ ، وَأُلْقِيَ فِيمَا ذُكِرَ مِثْلَ فِعْلِهِ فَيُعْتَبَرُ صَلَابَةُ الْمَوْضِعِ ( وَيَقْتُلُ بِمِثْلِ الْمُثْقَلِ ، وَ ) بِمِثْلِ ( عَدَدِ ضَرَبَاتِهِ فَلَوْ أَشْكَلَ ) مَعْرِفَةُ قَدْرِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ أُخِذَ بِالْيَقِينِ ، وَإِذَا لَمْ يَمُتْ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَالْعَدَدِ ( فَالْأَهْوَنُ مِنْ السَّيْفِ وَالزِّيَادَةِ ) مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِ يُفْعَلُ بِهِ .

( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي الْمُمَاثَلَةِ ) ( قَوْلُهُ : فَلِلْوَلِيِّ قَتْلُهُ بِالسَّيْفِ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ كَالْبَهِيمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ الْحُرْمَةِ بَلْ يَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ مِنْ جِهَةِ الْقَفَا ، وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَإِنْ جَوَّزَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ كَانَ الْجَانِي قَدْ حَزَّ رَقَبَتَهُ ، وَأَبَانَ رَأْسَهُ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبَانَ رَأْسَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِينَ رَأْسَهُ ؛ لِأَنَّ لِلْآدَمِيِّ حُرْمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَوْ ضَرَبَ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ ، وَأَبَانَ رَأْسَهُ لَمْ يُعَزَّرْ ؛ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي قَدْرِ مَا يَقْطَعُهُ السَّيْفُ بَعْدَ الضَّرْبِ ( قَوْلُهُ : وَلِآيَةِ { ، وَإِنْ عَاقَبْتُمْ } ) { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } { ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضَّ رَأْسَ يَهُودِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ، وَكَانَ قَتَلَ جَارِيَةً كَذَلِكَ } ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي وَدَرْكُ الثَّأْرِ ، وَلَا اخْتِصَاصَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ إلَّا بِهَذِهِ الْجِهَةِ ( قَوْلُهُ : وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِمَسْمُومٍ إلَخْ ) أَمَّا لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ مَثَلًا بِهِ ، وَلَمْ يَمُتْ فَلَا يَقْتَصُّ بِهِ ( قَوْلُهُ : وَأُلْقِيَ فِيمَا ذُكِرَ مِثْلُ فِعْلِهِ ) فَيُلْقَى مِنْ ذَلِكَ الشَّاهِقِ إنْ أَمْكَنَ فَإِنْ تَعَذَّرَ أُلْقِيَ مِنْ مِثْلِهِ ، وَيُلْقَى فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ مِثْلَهُ أَوْ أَعْظَمَ لَا أَهْوَنَ ، وَيُتْرَكُ فِيهِمَا مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، وَتُشَدُّ قَوَائِمُ مَنْ يَعْرِفُ السِّبَاحَةَ فَإِنْ غَرَّقَهُ بِمَالِحٍ غَرَّقَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِعَذْبٍ لَا عَكْسِهِ أَوْ بِمَا فِيهِ حِيتَانٌ تَقْتُلُهُ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِهَا بَلْ بِالْمَاءِ لَمْ يَجِبْ إلْقَاؤُهُ فِيهِ ، وَإِنْ مَاتَ بِهَا أَوْ كَانَتْ تَأْكُلُهُ فَهَلْ يُلْقَى فِيهِ لِتَفْعَلَ بِهِ الْحِيتَانُ كَالْأَوَّلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا إلْقَاؤُهُ فِيهِ رِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ ، وَلَا تُلْقَى النَّارُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ فَعَلَ بِالْأَوَّلِ كَذَلِكَ ، وَيُخْرَجُ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ

يُشْوَى جِلْدُهُ لِيُمْكِنَ تَجْهِيزُهُ ، وَإِنْ أَكَلَتْ جَسَدَ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ قُتِلَ بِإِنْهَاشِ أَفْعَى فَهَلْ يَتَعَيَّنُ السَّيْفُ أَوْ يُقْتَلُ بِالنَّهْشِ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا ثَانِيهِمَا وَعَلَى هَذَا تَتَعَيَّنُ تِلْكَ الْأَفْعَى فَإِنْ فُقِدَتْ فَمِثْلُهَا .
( تَنْبِيهٌ ) الْمُمَاثَلَةُ مَرْعِيَّةٌ فِي الطَّرَفِ كَالنَّفْسِ بِشَرْطِ إمْكَانِ رِعَايَتِهَا فَلَوْ أَبَانَ طَرَفًا بِمُثْقَلٍ لَمْ يُقْتَصَّ إلَّا بِالسَّيْفِ ، وَلَوْ أَوْضَحَ بِسَيْفٍ لَمْ يُوضَحْ إلَّا بِحَدِيدَةٍ خَفِيفَةٍ ( قَوْلُهُ : وَبِمِثْلِ عَدَدِ ضَرَبَاتِهِ ) أَهْمَلَ مَوْضِعَ الضَّرْبِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاعْتِبَارِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ نَعَمْ إنْ عَدَلَ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَوْتُ فِيهِ أَسْرَعَ جَازَ .

( فَرْعٌ : لَوْ عَلِمَ عَدَمَ تَأْثِيرِ الْمِثْلِ فِيهِ لِقُوَّتِهِ فَالسَّيْفُ ) فَلَوْ قَتَلَ نَحِيفًا بِضَرَبَاتٍ تَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا وَعَلِمْنَا ، أَوْ ظَنَنَّا أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَمُوتُ بِهَا لِقُوَّةِ جُثَّتِهِ تَعَيَّنَ السَّيْفُ ( فَإِنْ قَتَلَهُ بِجُرْحٍ ذِي قِصَاصٍ ) كَقَطْعِ يَدِهِ ( وَكَذَا غَيْرُهُ كَالْجَائِفَةِ جَرَحَهُ مِثْلَهُ ) رِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ ( ثُمَّ حَزَّهُ ) حَالًا لِلسِّرَايَةِ ( أَوْ انْتَظَرَ ) بَعْدَ الْجُرْحِ ( السِّرَايَةَ ) لِتَكْمُلَ الْمُمَاثَلَةُ ( وَلَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ ) بَلْ لَهُ حَزُّهُ تَسْهِيلًا عَلَيْهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الْجَانِي لَوْ قَالَ فِي الشَّقِّ الْأَوَّلِ أَمْهِلُونِي مُدَّةَ بَقَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ جِنَايَتِي ، أَوْ قَالَ فِي الثَّانِي أَرِيحُونِي بِالْقَتْلِ ، أَوْ الْعَفْوِ ( وَيُمْنَعُ مِنْ إجَافَةٍ ، وَ ) مِنْ ( كُلِّ مَا لَا يُقْتَصُّ بِهِ ) أَيْ بِسَبَبِهِ كَكَسْرِ عَضُدٍ ( وَقَصْدُهُ ) أَيْ وَالْحَالَةُ أَنَّ قَصْدَهُ ( الْعَفْوَ لَا الْحَزَّ بَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ الْإِجَافَةِ ، أَوْ نَحْوِهَا بَلْ يَعْدِلُ إلَى الْحَزِّ أَمَّا إذَا قَصَدَ الْحَزَّ بَعْدَ ذَلِكَ ، أَوْ أَطْلَقَ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَفِعْلِ الْجَانِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَوْ لَمْ يَسْرِ قِصَاصٌ ، وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعُدُولُ إلَى الْحَزِّ ( فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ) مَعَ قَصْدِ الْعَفْوِ ( ثُمَّ عَفَا ) عَنْهُ بَلْ ، أَوْ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ ( عُزِّرَ ) لِتَعَدِّيهِ ( وَيُقْتَصُّ فِي إبَانَةِ الْعَيْنِ بِالْأُصْبُعِ بِمِثْلِهِ ) ؛ لِأَنَّ إبَانَتَهَا بِهِ مَضْبُوطَةٌ ( لَا ) فِي إبَانَةِ ( طَرَفٍ بِمُثْقَلٍ أُبِينَ بِهِ ) إذْ لَا يُمْكِنُ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ بِهِ بَلْ يَعْدِلُ إلَى السَّيْفِ ( وَإِذَا قَطَعَ السَّلِيمُ مَرْفِقَ مَقْطُوعِ كَفٍّ ) انْدَمَلَ قَطْعُهَا ( وَلَمْ يَنْدَمِلْ ) قَطْعُ الْمَرْفِقِ ( فَمَاتَ ) سِرَايَةً ( قُطِعَ مَرْفِقُهُ ، وَقُتِلَ ) بَعْدَهُ لِيَرُدَّ الْحَدِيدَةَ عَلَى مُورِدِهَا فِي الْجِنَايَةِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ الْكَفِّ الْهَالِكَةِ بِهَلَاكِ النَّفْسِ ( فَإِنْ قَطَعَهُ ) أَيْ مَرْفِقَهُ ( وَعَفَا

) عَنْهُ وَلِيُّ الْمَقْطُوعِ ( بِمَالٍ فَنِصْفُ دِيَةٍ ) تَجِبُ لِلْعَافِي ( إلَّا أَرْشَ سَاعِدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى كَفًّا وَسَاعِدًا ، وَصَوَّرَ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةَ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِمَا يَلِيقُ بِالتَّصْوِيرِ ، وَالْكُلُّ صَحِيحٌ .
( وَإِنْ مَاتَ مَقْطُوعُ يَدٍ ) سِرَايَةً ، وَقَدْ ( اقْتَصَّ ) هُوَ مِنْ الْجَانِي ( فَلِوَلِيِّهِ حَزُّ الْجَانِي ، أَوْ نِصْفُ دِيَةٍ إنْ عَفَا ) عَنْ النَّفْسِ بِالْبَدَلِ ، وَالْيَدُ الْمُسْتَوْفَاةُ مُقَابَلَةٌ بِالنِّصْفِ ( فَإِنْ عَفَا وَالْمَقْطُوعُ ) مِنْهُ ( يَدَانِ فَلَا شَيْءَ ) لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ الدِّيَةَ بِقِصَاصِ الْيَدَيْنِ ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ التَّسَاوِي دِيَةً كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ .
فَلَوْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ مُسْلِمٍ ، أَوْ يَدَيْهِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ وَمَاتَ الْمُسْلِمُ سِرَايَةً وَعَفَا وَلِيُّهُ عَنْ النَّفْسِ بِالْبَدَلِ فَلَهُ فِي الْأُولَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ دِيَةِ مُسْلِمٍ وَفِي الثَّانِيَةِ ثُلُثَاهَا ( وَلَوْ مَاتَا ) بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ سِرَايَةً ( مَعًا ، أَوْ سَبَقَ الْمُقْتَصُّ ) الْجَانِي فَقَدْ ( اسْتَوْفَى ) حَقَّهُ مِنْ الْجَانِي بِالْقَطْعِ وَالسِّرَايَةِ ( وَلَوْ سَبَقَهُ الْجَانِي ، وَالْمَقْطُوعَةُ يَدٌ النِّصْفَ الدِّيَةَ ) يَجِبُ لَهُ ( فِي تَرِكَةِ الْجَانِي ) ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْبِقُ الْجِنَايَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى السَّلَمِ فِي الْقِصَاصِ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ .
قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُوضِحَةِ وَجَبَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ ، وَنِصْفُ عُشْرِهَا ، وَقَدْ أُخِذَ بِقِصَاصِ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ .

( قَوْلُهُ : لَا الْحَزَّ بَعْدَهَا إلَخْ ) كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَصَّ بِحَزِّ الرَّقَبَةِ فَإِنَّا نُمَكِّنَهُ مِنْهُ إذَا كَانَ عَازِمًا عَلَى الضَّرْبِ إلَى أَنْ تُفَارِقَهُ الرُّوحُ فَأَمَّا إنْ قَالَ أَنَا أَضْرِبُهُ ضَرْبَةً فَإِنْ لَمْ يَمُتْ مِنْهَا عَفَوْت عَنْهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ ، وَالْعِلَّةُ أَنَّهُ فِعْلٌ لَا يَسْتَحِقُّ جِنْسُهُ قِصَاصًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ عَاقَبَهُ بِتِلْكَ فَلَمْ يَمُتْ فَعَفَا عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ : اقْتَصَّ هُوَ ) أَيْ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ عَفَا وَالْمَقْطُوعُ مِنْهُ يُدَانِ فَلَا شَيْءَ ) ، وَلَوْ قَطَعَ الْوَلِيُّ يَدَ الْجَانِي وَعَفَا عَنْ الْبَاقِي بِالدِّيَةِ فَلَهُ نِصْفُهَا فَقَطْ ، وَلَوْ انْدَمَلَ قَطْعُ الْيَدَيْنِ فَاقْتَصَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِوَاحِدَةٍ فَأَهْلَكَ الْجَانِي فَلَهُ دِيَةُ الْأُخْرَى فِي تَرِكَتِهِ ، وَإِنْ اقْتَصَّ بِوَاحِدَةٍ ، وَأَخَذَ دِيَةَ الْأُخْرَى وَمَاتَ بِنَقْضِ الْجِرَاحَةِ بَرِئَ الْجَانِي ، وَإِنْ زَادَ الْأَرْشُ عَلَى الدِّيَةِ كَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَعَفَا عَنْ الْبَاقِي بِالدِّيَةِ لَمْ تَجِبْ أَوْ بِغَيْرِهَا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُهُ إنْ قَبِلَ الْجَانِي ( قَوْلُهُ : فَلَوْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ مُسْلِمٍ إلَخْ ) أَوْ بِقَطْعِ امْرَأَةٍ يَدَ رَجُلٍ وَعَفَا الْوَلِيُّ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَةِ قَتِيلِهِ أَوْ بِقَطْعِهَا يَدَيْهِ فَلِوَلِيِّهِ بِالْعَفْوِ نِصْفُ دِيَةٍ أَوْ بِقَطْعِ عَبْدٍ يَدَ حُرٍّ فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَسْقُطُ مِنْ دِيَتِهِ نِصْفُهَا ، وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِهَا وَجَمِيعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَالثَّانِي يَسْقُطُ قَدْرُ نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ ، وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ بَاقِي الدِّيَةِ وَجَمِيعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ .
وَقَوْلُهُ : فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَةِ قَتِيلِهِ كَتَبَ عَلَيْهِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي نَظَائِرِ هَذَا الْمِثَالِ ، وَالْقِيَاسُ جَرَيَانُهُ فِي عَكْسِهَا كَمَا بَحَثَهُ

ابْنُ النَّقِيبِ ، وَقَالَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَسْطُورًا .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَتَلَ ) شَخْصٌ ( قَاطِعَ يَدِهِ وَمَاتَ ) بِالسِّرَايَةِ ( حَصَلَ التَّقَاصُّ ) هَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ أَنَّ التَّقَاصَّ إنَّمَا يَجْرِي فِي النُّقُودِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ أَوَائِلَ الْبَابِ مَعَ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِهِ ، وَلَيْتَهُ بَعْدَ أَنْ عَبَّرَ بِهِ عَبَّرَ بِالتَّقَاصِّ بِالْإِدْغَامِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْقِصَاصِ فَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَوَافَقَ قَوْلَ الْأَصْلِ صَارَ قِصَاصًا ( وَإِنْ انْدَمَلَ ) الْقَطْعُ ( قُتِلَ ) قِصَاصًا ( وَلَهُ دِيَةُ يَدِهِ ) فِي تَرِكَةِ الْجَانِي .
( قَوْلُهُ : حَصَلَ التَّقَاصُّ ) لِمَوْتِ الْقَاتِلِ بَعْدَ مَوْتِ مَقْتُولِهِ سِرَايَةً قَطَعَهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِالتَّقَاصِّ إلَخْ ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ، وَقَتَلَ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ بِالسِّرَايَةِ قُطِعَ ) الْجَانِي بِالْمَقْطُوعِ ( ثُمَّ قُتِلَ بِالْآخَرِ وَبَقِيَ لِلْمَقْطُوعِ نِصْفُ الدِّيَةِ ) فِي تَرِكَةِ الْجَانِي ، وَإِنَّمَا قُتِلَ بِالْآخَرِ دُونَ الْمَقْطُوعِ مَعَ أَنَّهُ مَاتَ أَيْضًا بِالسِّرَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلْمَقْطُوعِ وَجَبَ بِالسِّرَايَةِ ، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وُجُوبِهِ لِلْمَقْتُولِ ( فَإِنْ مَاتَ ) الْجَانِي ( بِسِرَايَةٍ الْقَطْعِ ) فَقَدْ ( اسْتَوْفَى ) قَاطِعُهُ حَقَّهُ ( وَلِلْمَقْتُولِ ) فِي تَرِكَتِهِ ( الدِّيَةُ ) .

( فَصْلٌ : التَّرَاضِي ) مِنْ الْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ ( بِقَطْعِ ) عُضْوٍ عَنْ آخَرَ كَقَطْعِ ( الْيَسَارِ عَنْ الْيَمِينِ فَاسِدٌ فَيَأْثَمَانِ ) بِذَلِكَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِفَسَادِهِ لَكِنْ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ لِشُبْهَةِ الْبَدَلِ ( وَيَضْمَنُ الْقَاطِعُ ) لَهَا دِيَتَهَا ( وَيَسْقُطُ قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَى الدِّيَةِ ) بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِهِ عَفْوٌ عَنْ قَطْعِهَا بِخِلَافِ الصُّلْحِ الْفَاسِدِ عَنْ الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقُّ ؛ لِأَنَّ مَا جَعَلَهُ عِوَضًا هُنَا ، وَهُوَ قَطْعُ الْيَسَارِ قَدْ حَصَلَ ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَدَلًا فِي الْحُكْمِ بِخِلَافِ عِوَضِ الصُّلْحِ ( وَيُعَزَّرُ ) كُلٌّ مِنْ قَاطِعِ الْيَسَارِ وَمُخْرَجِهَا عِنْدَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ ( وَإِنْ طَلَبَ الْمُقْتَصُّ يَمِينَهُ فَأَخْرَجَ ) لَهُ ( يَسَارَهُ عَالِمًا ) ، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ فِيمَا يَظْهَرُ ( أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ ) عَنْ الْيَمِينِ ( بِنِيَّةِ الْإِبَاحَةِ ) لَهَا ( أُهْدِرَتْ وَأُهْدِرَ إنْ مَاتَ ) سِرَايَةً ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَهَا مَجَّانًا ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْإِبَاحَةِ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ فِعْلُ الْإِخْرَاجِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ فَكَانَ كَالنُّطْقِ ، وَهَذَا ( كَمَنْ قَالَ أَعْطِنِي مَالِك لِأُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ ، أَوْ طَعَامَك لِآكُلَهُ فَنَاوَلَهُ ) لَهُ ، وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ ، أَوْ أَكَلَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ( وَلَيْسَ عَدَمُ الدَّفْعِ ) ، وَلَوْ ( مِنْ الْقَادِرِ إبَاحَةً ) فَلَوْ قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ ظُلْمًا فَلَمْ يَدْفَعْهُ وَسَكَتَ حَتَّى قَطَعَهَا وَجَبَ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ لَفْظٌ ، وَلَا فِعْلٌ فَصَارَ كَسُكُوتِهِ عَنْ إتْلَافِ مَالِهِ ( وَلَا يَسْقُطُ ) بِقَطْعِ الْيَسَارِ مَعَ نِيَّةِ الْإِبَاحَةِ ( قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إنْ مَاتَ ) الْمُبِيحُ ( أَوْ قَالَ الْقَاطِعُ ) لِلْيَسَارِ ( ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ ) عَنْ الْيَمِينِ ، أَوْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْهَا لَكِنْ جَعَلْتهَا عِوَضًا عَنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ ( فَتَجِبُ دِيَتُهَا ) فِيهِمَا ( لَا دِيَةُ الْيَسَارِ ) ؛ لِأَنَّهَا ، وَقَعَتْ هَدَرًا ، وَإِنَّمَا سَقَطَ قِصَاصُ الْيُمْنَى فِي

الْأُولَى لِتَعَذُّرِهِ بِالْمَوْتِ وَفِي الثَّانِيَةِ لِرِضَا الْمُقْتَصِّ بِسُقُوطِهِ اكْتِفَاءً بِالْيَسَارِ ( وَعَلَى الْمُبِيحِ الْكَفَّارَةُ ) إنْ مَاتَ سِرَايَةً ( كَقَاتِلِ نَفْسِهِ ) ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمُبَاشِرِ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَصَلَتْ بِقَطْعٍ يُسْتَحَقُّ مِثْلُهُ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا سَيَأْتِي فِي الطَّرَفِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الْآتِي - ( فَإِنْ أَخْرَجَ الْيَسَارَ ، وَقَالَ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ ) عَنْ الْيَمِينِ فَجَعَلْتهَا بَدَلًا عَنْهَا ( فَلَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ عَلَى الْقَاطِعِ ) لَهَا ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا ، أَوْ أَنَّهَا الْيَمِينُ ، أَوْ عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ أَمْ قَطَعْتهَا عَنْ الْيُمْنَى وَظَنَنْت أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا لِشُبْهَةِ بَذْلِهَا ( فَإِنْ قَالَ قَطَعْتهَا عِوَضًا ) عَنْ الْيَمِينِ ( وَعَلِمْت ) أَيْ ، أَوْ عَلِمْت ( أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ ) عَنْهَا ، أَوْ ظَنَنْته أَبَاحَهَا ( وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي الْيَسَارِ ) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَبْذُلْهَا مَجَّانًا ، وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ : وَحَيْثُ سَقَطَ فِي الْيَسَارِ وَجَبَتْ دِيَتُهَا .
( فَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ دَهَشْت ) فَظَنَنْتهَا الْيَمِينَ ( أَوْ ظَنَنْته قَالَ أَخْرِجْ يَسَارَك فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْيَسَارِ ، وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلَا قِصَاصَ ( إنْ قَالَ الْقَاطِعُ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ ) عَنْهَا ( أَوْ أَنَّهَا الْيَمِينُ ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاشْتِبَاهَ قَرِيبٌ ( فَإِنْ قَالَ ظَنَنْته أَبَاحَهَا ، أَوْ دَهَشْت ) أَيْضًا ( أَوْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ ) عَنْهَا ( لَزِمَهُ الْقِصَاصُ فِي الْيَسَارِ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَكَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا ، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ وَيُفَارِقُ عَدَمَ لُزُومِهِ فِيمَا لَوْ ظَنَّ إبَاحَتَهَا مَعَ قَصْدِ الْمُخْرِجِ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ بِأَنَّ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ تَسْلِيطٌ بِخِلَافِ إخْرَاجِهَا دَهْشَةً ، أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَخْرِجْ يَسَارَك ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ

فَلِأَنَّ الدَّهْشَةَ لَا تَلِيقُ بِحَالِ الْقَاطِعِ ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُخْرِجِ تَسْلِيطٌ ( ثُمَّ ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ ( لَا يَسْقُطُ قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إنْ قَالَ ) الْقَاطِعُ ( ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ ) عَنْ الْيَمِينِ ، أَوْ جَعَلْتهَا عِوَضًا عَنْهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى .
( وَحَيْثُ سَقَطَ ) الْقِصَاصُ ( فِي الْيَسَارِ ) بِغَيْرِ الْإِبَاحَةِ ( وَجَبَتْ دِيَتُهَا ، وَإِنْ قَالَ ) لَهُ الْجَانِي ( خُذْ الدِّيَةَ عِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ فَأَخَذَهَا ، وَلَوْ سَاكِنًا سَقَطَ الْقِصَاصُ ) وَجُعِلَ الْأَخْذُ عَفْوًا ( فَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مَجْنُونًا فَكَمَنْ قَالَ ) بَعْدَ إخْرَاجِهِ الْيَسَارَ ( دَهَشْت ، أَوْ ) كَانَ ( الْمُسْتَحِقُّ ) لِلْقِصَاصِ ( مَجْنُونًا ، وَقَالَ ) لِلْجَانِي ( أَخْرِجْ يَسَارَك ، أَوْ يَمِينَك فَأَخْرَجَهَا ) لَهُ ، وَقَطَعَهَا ( أُهْدِرَتْ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِتَسْلِيطِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاؤُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ ( وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا لَهُ ، وَقَطَعَ يَمِينَهُ لَمْ يَصِحَّ اسْتِيفَاؤُهُ ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ .
( وَوَجَبَ لِكُلٍّ ) مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ( دِيَةٌ وَتَقَاصَّا ) وَفِيهِ مَا قَدَّمْته أَوَّلَ الْفَصْلِ ( وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا قِصَاصَ الْيَمِينِ فَوَقْتُهُ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ ) لِمَا فِي تَوَالِي الْقَطْعَيْنِ مِنْ خَطَرِ الْهَلَاكِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ التَّوَالِيَ فِيمَا إذَا كَانَ الْجَانِي مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ كَالْقَتْلِ فِي الْحِرَابَةِ ( وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا دِيَةَ الْيَسَارِ فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ فِي مَالِهِ ) لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ مُتَعَمِّدًا ( وَكَذَا مَنْ قَطَعَ أُنْمُلَتَيْنِ بِأُنْمُلَةٍ وَادَّعَى الْخَطَأَ ) كَأَنْ قَالَ أَخْطَأْت وَتَوَهَّمْت أَنِّي أَقْطَعُ أُنْمُلَةً وَاحِدَةً تَجِبُ دِيَةٌ لِأُنْمُلَةِ الزَّائِدَةِ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي عَلَيْهَا ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِتَعَمُّدِهِ قُطِعَتْ مِنْهُ الْأُنْمُلَةُ الزَّائِدَةُ ( وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ ) فِي أَنَّهُ أَخْطَأَ ؛

لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِفِعْلِهِ ( وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُخْرِجِ يَدَهُ فِيمَا نَوَى ) فَلَوْ قَالَ قَصَدْت بِالْإِخْرَاجِ إيقَاعَهَا عَنْ الْيَمِينِ ، وَقَالَ الْقَاطِعُ بَلْ قَصَدْت الْإِبَاحَةَ صُدِّقَ الْمُخْرِجُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ .

( قَوْلُهُ : أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ فِيمَا يَظْهَرُ ) هُوَ كَمَا قَالَ ( قَوْلُهُ : أُهْدِرَتْ ) قَدْ مَرَّ أَنَّ قَصْدَ الرَّقِيقِ الْإِبَاحَةَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي سُقُوطِ الْمَالِ ( قَوْلُهُ : أَوْ قَالَ الْقَاطِعُ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ إلَخْ ) كَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّ التَّصْوِيرَ بِمُبَاشَرَةِ الْمُسْتَحِقِّ لَكِنْ تَقَدَّمَ عَدَمُ تَمْكِينِهِ فِي الطَّرَفِ ، وَقَدْ صَوَّرَهَا فِي التَّتِمَّةِ بِمَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِنَفْسِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ) ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْأَوْلَى قَوْلُهُ : أَيْ سَوَاءٌ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا ) بَقِيَ قِصَاصُهَا ، وَلَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ ( قَوْلُهُ : وَظَنَنْت أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا ) أَوْ قَالَ لَهُ لَمْ تَظُنَّ إجْزَاءَهَا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ دَهَشْت أَوْ ظَنَنْته قَالَ أَخْرِجْ يَسَارَك فَكَذَلِكَ ) قَالَ الشَّيْخَانِ لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُطَابِقَ لِلسُّؤَالِ كَالْإِذْنِ لَفْظًا أَنْ يَلْحَقَ ذَلِكَ بِصُوَرِ الْإِبَاحَةِ .
ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُخْرِجَ لَمْ يَقْصِدْ الْإِبَاحَةَ هُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَالْفِعْلُ الْمُطَابِقُ ، وَإِنْ اقْتَضَى الْإِذْنَ لَكِنْ لَا يَقْتَضِيهِ عَلَى جِهَةِ الْإِبَاحَةِ بِخُصُوصِهَا بَلْ الْقَرِينَةُ تَصْرِفُهُ إلَى جِهَةِ الْقِصَاصِ ، وَإِنَّمَا صَرَفْنَاهُ إلَى الْإِبَاحَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِقَصْدِ الْمُخْرِجِ الْإِبَاحَةَ كَمَا سَبَقَ ( قَوْلُهُ : إنْ قَالَ الْقَاطِعُ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ عَنْهَا ) أَوْ أَخَذْتهَا عِوَضًا عَنْهَا ، وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَفِي جَمِيعِ الصُّوَرِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ ظَنَنْته أَبَاحَهَا قَالَا فَقِيَاسُ مَا مَرَّ انْتِفَاءُ قِصَاصِ الْيَسَارِ ) ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ : يَجِبُ كَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا ، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ أَذِنَ لِي ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِاحْتِمَالِ الْإِمَامِ ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
ا هـ .
قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْكِنَانِيُّ كَيْفَ يُوَافِقُهُ ، وَلَمْ يُوجَدْ

هُنَا بَدَلٌ ، وَلَا رَضِيَ بِقَطْعِ الْيَسَارِ وَثَمَّ بَدَلٌ ، وَوَافَقَ الْبَدَلُ ظَنَّ الْإِبَاحَةِ فَالْمَعْنَى هُنَا مُفَارِقٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ بَلْ هُوَ مُتَوَجِّهٌ هُنَا وَغَيْرُ مُتَوَجِّهٍ ثَمَّ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ .
( قَوْلُهُ : وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ دِيَةٌ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ فَدِيَةُ الْيَسَارِ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ وَهْمٌ سَبَقَ إلَيْهِ الْقَلَمُ ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ فِدْيَةُ الْيَمِينِ عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُقْتَصَّ الْمَجْنُونَ قُطِعَ بِيَمِينِ الْعَاقِلِ مُكْرَهًا ( قَوْلُهُ : وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ التَّوَالِيَ إلَخْ ) ، وَهُوَ وَاضِحٌ أَيْ إنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ لِلَقْطِهِ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلنَّفْسِ أَوْ غَيْرَهُ وَعَفَا عَنْ النَّفْسِ ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ التَّوَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ التَّشَفِّي عَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ بِتَقْدِيرِ السِّرَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا دِيَةَ الْيَسَارِ فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ) وَعَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ تَفْصِيلًا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَلْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى الْعَاقِلَةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ بِأَنَّهَا الْيَسَارُ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ بِأَنَّهَا تُجْزِئُ فَيُتَّجَهُ أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي قَتْلِهِ قَاتِلُ أَبِيهِ بَعْدَ عَفْوِ أَخِيهِ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ .

( بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ) ( وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رُفِعَ إلَيْهِ قِصَاصٌ قَطُّ إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ } ( وَيَسْرِي ) الْعَفْوُ ( إنْ تَبَعَّضَ ) فَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ سَقَطَ الْقِصَاصُ ، وَإِنْ كَرِهَ الْبَاقُونَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ، أَوْ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ السُّقُوطِ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ ، وَلَوْ عَفَا عَنْ عُضْوٍ مِنْ الْجَانِي سَقَطَ الْقِصَاصُ كُلُّهُ كَمَا أَنَّ تَطْلِيقَ بَعْضِ الْمَرْأَةِ تَطْلِيقٌ لِكُلِّهَا ( فَإِنْ وَقَتَّ ) الْعَفْوَ ( تَأَبَّدَ ) كَالطَّلَاقِ ( وَفِيهِ طَرَفَانِ أَحَدُهُمَا فِي حُكْمِ الْعَفْوِ ) ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ مَاذَا ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ( وَمُوجَبُ الْعَمْدِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ( الْقِصَاصُ فَقَطْ وَلِذَا يَتَبَدَّلُ ) عَنْهُ ( لَا أَحَدُهُمَا ) مُبْهَمًا ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ الرُّبَيِّعِ { كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ } ، وَقَوْلِهِ { مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ ؛ وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ مُتْلِفٌ فَتَعَيَّنَ جِنْسُهُ كَالْمُتْلَفَاتِ الْمِثْلِيَّةِ ، وَمَا ذَكَرْته تَبَعًا لِلْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ الْقِصَاصِ لَا يُنَافِي قَوْلَ الْمَاوَرْدِيِّ إنَّمَا هِيَ بَدَلٌ عَنْ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ قَتَلَتْ رَجُلًا لَزِمَهَا دِيَةُ رَجُلٍ ، وَلَوْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الْقِصَاصِ لَزِمَهَا دِيَةُ الْمَرْأَةِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مَعَ أَنَّهَا عَنْ الْقِصَاصِ بَدَلٌ عَنْ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ بَدَلٌ عَنْ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَبَدَلُ الْبَدَلِ بَدَلٌ ( وَإِنْ عَفَا ) عَنْهُ ( عَلَى غَيْرِ مَالٍ ) بِأَنْ قَالَ عَفَوْت عَنْهُ ، أَوْ عَفَوْت عَنْهُ بِلَا

مَالٍ ( سَقَطَتْ الدِّيَةُ ) يَعْنِي لَمْ تَجِبْ إذْ الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا كَمَا مَرَّ ، وَالْعَفْوُ إسْقَاطٌ ثَابِتٌ لَا إثْبَاتُ مَعْدُومٍ .
( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) الْعَافِي ( حَائِزًا ) لِلْمِيرَاثِ ( فَلِلْبَاقِينَ حِصَّتُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ ) عَلَى الْجَانِي ( وَإِنْ عَفَا ) عَنْهُ ( مُطْلَقًا ) بِأَنْ قَالَ عَفَوْت عَنْهُ ( وَاخْتَارَهَا ) أَيْ الدِّيَةَ ( عَقِيبَ الْعَفْوِ وَجَبَتْ ، وَإِنْ كَرِهَ الْجَانِي ) الْعَفْوَ تَنْزِيلًا لِاخْتِيَارِهَا حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ الْعَفْوِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَاخَى اخْتِيَارُهُ لَهَا عَنْ الْعَفْوِ فَلَا تَجِبُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ ، وَإِنْ كَرِهَ الْجَانِي مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَكَذَا بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ عَفَا ) عَنْهُ ( عَلَى بَعْضِهَا جَازَ ) كَالْعَفْوِ عَلَى كُلِّهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي ( وَلَوْ صَالَحَ هُوَ ، أَوْ غَيْرُهُ عَلَى غَيْرِهَا ) أَيْ الدِّيَةِ أَيْ غَيْرِ جِنْسِهَا ( أَوْ عَلَى دِيَتَيْنِ ) ، أَوْ أَكْثَرَ ( جَازَ إنْ قَبِلَ الْجَانِي ) ، وَإِلَّا فَلَا كَالْخُلْعِ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ فَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَمْ يَحْصُلْ ، وَلَيْسَ كَالصُّلْحِ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ حَيْثُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ ثَمَّ قَدْ رَضِيَ وَالْتَزَمَ فَرَجَعْنَا إلَى بَدَلِ الدَّمِ ، وَقَوْلُهُ ، أَوْ غَيْرِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَالَحَ الْجَانِيَ ، وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَالَحَ الْمُسْتَحِقَّ فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِ جَوَازِهِ بِقَبُولِ الْمُسْتَحِقِّ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ قَبِلَ الْجَانِي قَيْدٌ فِي الْأُولَى خَاصَّةً .
( وَلِلْمُفْلِسِ وَالْمَرِيضِ وَوَارِثِ الْمَدْيُونِ ، وَكَذَا السَّفِيهُ الْقِصَاصُ ، وَ ) لَهُمْ ( الْعَفْوُ عَنْهُ بِلَا مَالٍ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ عَيْنًا ، وَلَيْسَ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ تَضْيِيعُ مَالٍ ( لَا ) الْعَفْوُ ( عَنْ مَالٍ ثَبَتَ ) ؛ لِأَنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ .

( بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ) يُشْتَرَطُ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ مَعْرِفَةُ الْعَافِي عَيْنَ الْمَقْطُوعِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَقِلُّ ، وَقَدْ تَكْثُرُ ، وَقَدْ تَكُونُ عَلَى أَطْرَافٍ وَمَعَانٍ ، وَفِيهَا مِثْلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ ( قَوْلُهُ : وَيَسْرِي إنْ تَبَعَّضَ ) كَقَوْلِهِ عَفَوْت عَنْ بَعْضِ دَمِك أَوْ رَأْسِك أَوْ يَدِك أَوْ عَفَوْت عَنْ نِصْفِ الْجِرَاحَةِ قَوْلُهُ : فَإِنْ وَقَّتَ الْعَفْوَ تَأَبَّدَ ) كَأَنْ قَالَ عَفَوْت عَنْك إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرًا ( قَوْلُهُ : وَالدِّيَةُ بَدَلٌ عَنْهُ ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ كُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الْقَوَدُ ، وَلَا دِيَةَ فِيهِ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ مِثْلَهُ ، وَقَطْعِ يَدَيْ الْجَانِي ، وَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ ابْتِدَاءً فِي قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ أَوْ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : إنَّمَا هِيَ بَدَلٌ عَنْ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ) هُوَ الْوَجْهُ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ قَالَ عَفَوْت عَنْهُ ) الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفُ هَذَا الْمِثَالِ ( قَوْلُهُ : صَالَحَ هُوَ ) أَيْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ أَيْ وَارِثُهُ عَلَى غَيْرِهَا أَيْ دِيَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي الْأُولَى وَدِيَتِهَا فِي الثَّانِيَةِ .
( قَوْلُهُ : جَازَ إنْ قَبِلَ الْجَانِي ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى الْجَانِي الْتِزَامُهُ ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَ الرُّوحِ بِالْمَالِ وَاجِبٌ أَوْ عَلَى دِيَتَيْنِ فَأَكْثَرَ جَازَ إنْ قَبِلَ الْجَانِي قَالَ الْمُتَوَلِّي : يَلْزَمُ الْجَانِيَ الْتِزَامُ الْمَالِ كَالْمُضْطَرِّ إذَا لَمْ يَبِعْ مِنْهُ الطَّعَامَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ عِوَضِ مِثْلِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ ) بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ إذْ مَعْنَاهُ ، وَلَوْ صَالَحَ هُوَ أَيْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إذْ لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا أَوْ غَيْرُهُ أَيْ وَارِثُهُ فَقَوْلُهُ : إنْ قَبِلَ الْجَانِي قَيْدٌ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا .

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي صَحِيحِ الْعَفْوِ وَفَاسِدِهِ ) وَأَلْفَاظِهِ .
( إذَا قَطَعَهُ بِإِذْنِهِ ، وَهُوَ رَشِيدٌ فَمَاتَ ) سِرَايَةً ( فَلَا ضَمَانَ ) لِلْإِذْنِ وَتَبِعَ فِي تَعْبِيرِهِ بِالرَّشِيدِ الْمِنْهَاجَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِهِ إخْرَاجُ السَّفِيهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لَا فِي نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْقِصَاصِ قَطْعًا ، وَلَمْ يُعَبِّرْ الْأَصْلُ وَالْمُحَرَّرُ بِالرَّشِيدِ بَلْ بِمَالِكِ أَمْرِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ( وَتَجِبُ ) عَلَيْهِ ( الْكَفَّارَةُ ) ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِبَاحَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا ( وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ) مَثَلًا ( فَعَفَا ) عَنْ مُوجِبِ قَطْعِهَا فَإِنْ لَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ فَلَا ضَمَانَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ ( لَمْ يَبْرَأْ مِنْ السِّرَايَةِ ، وَلَوْ قَالَ ) مَعَ عَفْوِهِ عَنْ ذَلِكَ ( وَ ) عَفَوْت ( عَمَّا يَحْدُثُ ) مِنْ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ ( لَكِنْ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ ) ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَوَلَّدَتْ مِنْ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فَانْتَهَضَتْ شُبْهَةٌ لِدَرْءِ الْقِصَاصِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ النَّفْسِ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الطَّرَفِ ، وَقَدْ عَفَا عَنْهُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ السِّرَايَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( إنْ مَاتَ ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ( فَإِنْ ، أَوْصَى لَهُ ) بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْ الْقِصَاصِ ( بِدِيَةِ الْيَدِ فَوَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَتَصِحُّ ) الْوَصِيَّةُ ( فِيمَا يَحْدُثُ ) مِنْ الْقَطْعِ ( أَيْضًا ) كَأَنْ قَالَ : أَوْصَيْت لَهُ بِأَرْشِ الْقَطْعِ ، وَأَرْشِ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَتَسْقُطُ دِيَةُ كُلٍّ مِنْ الْقَطْعِ وَالسِّرَايَةِ ( إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ ) ، وَإِلَّا سَقَطَ مِنْهَا قَدْرُ الثُّلُثِ .
( وَإِنْ عَفَا عَنْ عَبْدٍ لَزِمَهُ ) أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ ( قِصَاصٌ ) لَهُ ثُمَّ مَاتَ

سِرَايَةً ( صَحَّ ) الْعَفْوُ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ ( أَوْ ) تَعَلَّقَ بِهِ ( مَالٌ ) لَهُ بِجِنَايَةٍ ( وَأَطْلَقَ الْعَفْوَ ، أَوْ أَضَافَهُ إلَى السَّيِّدِ فَكَذَلِكَ ) أَيْ يَصِحُّ الْعَفْوُ ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ حَقٍّ لَزِمَ السَّيِّدَ فِي عَيْنِ مَالِهِ ( أَوْ إلَى الْعَبْدِ لَغَا ) الْعَفْوُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ عَلَيْهِ ( فَإِنْ عَفَا ) الْمَقْطُوعُ ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً ( أَوْ عَفَا الْوَارِثُ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ عَنْ الدِّيَةِ ، أَوْ عَنْ الْعَاقِلَةِ ) ، أَوْ مُطْلَقًا ( صَحَّ ) الْعَفْوُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ ، وَذِكْرُ عَفْوِ الْوَارِثِ عَنْ الدِّيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ عَنْ الْجَانِي فَلَا ) يَصِحُّ الْعَفْوُ ( لَا إنْ لَزِمَتْهُ دُونَهُمْ بِأَنْ ) الْأَوْلَى كَأَنْ ( كَانَ ذِمِّيًّا وَعَاقِلَتُهُ مُسْلِمِينَ ) ، أَوْ حَرْبِيِّينَ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ لِمُصَادَفَتِهِ الْجَانِيَ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ بِخِلَافٍ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ تَنْتَقِلُ عَنْهُ فَيُصَادِفُهُ الْعَفْوُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هَذَا إذَا ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ ، أَوْ بِاعْتِرَافِ الْعَاقِلَةِ ( فَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ الْجِنَايَةَ ، وَلَا بَيِّنَةَ فَهِيَ ) أَيْ الدِّيَةُ ( عَلَى الْقَاتِلِ ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ بِاعْتِرَافِهِ ، وَيَكُونُ الْعَفْوُ تَبَرُّعًا عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَتَبِعَ فِي تَعْبِيرِهِ بِالرُّشْدِ الْمِنْهَاجِ ) عَبَّرَ بِالرَّشِيدِ لِيَعُودَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ قَطْعٌ ؛ لِأَنَّهُ قَيْدٌ فِيهِ ( قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ : مِنْ زِيَادَتِهِ إنْ مَاتَ ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِشُمُولِ السِّرَايَةِ لِلسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ ، وَإِلَى غَيْرِهَا ( قَوْلُهُ : أَوْ عَفَا الْوَارِثُ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ ) أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ

( وَإِنْ جَرَحَهُ جُرْحًا لَا قِصَاصَ فِيهِ ) كَالْجَائِفَةُ ، وَكَسْرِ الذِّرَاعِ ( فَعَفَا عَنْ الْقِصَاصِ لَغَا ) الْعَفْوُ لِعَدَمِ الْقِصَاصِ ( فَإِنْ مَاتَ ) الْمَجْرُوحُ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْجُرْحِ ( اُقْتُصَّ ) مِنْ الْجَارِحِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ أَخَذَ الدِّيَةَ ( وَكَذَا ) يُقْتَصُّ مِنْهُ ( إنْ أَخَذَ ) الْمَجْرُوحُ ( أَرْشَهُ ) قَبْلَ مَوْتِهِ لِذَلِكَ ( وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ ) مَثَلًا ( فَعَفَا ) عَنْهُ ( بِمَالٍ ) ثُمَّ عَادَ الْقَاطِعُ ( فَحَزَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ) فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ الزُّهُوقَ لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ ( ثُمَّ لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ ) عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى بَاقِي الدِّيَةِ ( اسْتَحَقَّ بَاقِي الدِّيَةِ لَا الْكُلَّ ) وَالْأَطْرَافُ تَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْقِصَاصِ ( أَوْ ) حَزَّهُ ( بَعْدَ الِانْدِمَالِ ) لَزِمَهُ ( الْقِصَاصُ ) فِي النَّفْسِ ( وَدِيَةُ يَدٍ ) فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ اسْتَحَقَّهَا وَدِيَةَ الْيَدِ .

( وَلِوَارِثِ الْقِصَاصِ الْعَفْوُ ) عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ ( فَلَوْ اسْتَحَقَّ ) وَاحِدٌ ( طَرَفَ إنْسَانٍ ، وَنَفْسَهُ ) أَيْ قِصَاصَهَا بِأَنْ قَطَعَ طَرَفَهُ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ ، وَلَوْ قَبْلَ الْبُرْءِ ( فَعَفَا ) وَلِيُّهُ ( عَنْ الطَّرَفِ طَالَبَ بِالنَّفْسِ ، أَوْ عَنْ النَّفْسِ طَالَبَ بِالطَّرَفِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ ثَبَتَا لَهُ فَالْعَفْوُ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْآخَرَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ( لَا إنْ ذَهَبَتْ ) أَيْ النَّفْسُ ( بِسِرَايَتِهِ ) أَيْ قَطْعِ الطَّرَفِ فَلَا يُطَالِبُ الْعَافِي عَنْهَا بِالطَّرَفِ ؛ لِأَنَّ مُسْتَحَقَّهُ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ طَرِيقُهُ ، وَقَدْ عَفَا عَنْ الْمُسْتَحَقِّ فَلَيْسَ لَهُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَفَا عَنْ الطَّرَفِ لَا يَسْقُطُ قِصَاصُ النَّفْسِ كَمَا شَمِلَهُ أَوَّلُ كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْعُدُولِ إلَى حَزِّ الرَّقَبَةِ فَرُبَّمَا قَصَدَهُ بِالْعَفْوِ ؛ وَلِأَنَّ لَهُ الْقَطْعَ ثُمَّ الْحَزَّ فَفِي الْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ تَسْهِيلُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ ( وَإِنْ اسْتَحَقَّهُمَا اثْنَانِ لَمْ يُسْقِطْ عَفْوُ أَحَدِهِمَا حَقَّ الْآخَرِ كَأَنْ قُطِعَتْ يَدُ عَبْدٍ فَأُعْتِقَ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ فَقِصَاصُ النَّفْسِ لِلْوَرَثَةِ ) ، وَقِصَاصُ الْيَدِ لِلسَّيِّدِ ( وَإِنْ اسْتَحَقَّ قَتْلَهُ ) شَخْصٌ ( فَقَطَعَهُ ) بِأَنْ قَطَعَ طَرَفَهُ ( عُدْوَانًا ، أَوْ بِحَقٍّ بِأَنْ كَانَ الْقَتْلُ بِالْقَطْعِ ) السَّارِي مَثَلًا ( وَعَفَا ) بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ النَّفْسِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمٌ ) لِقَطْعِ الطَّرَفِ ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ طَرَفَ مَنْ يُبَاحُ لَهُ دَمُهُ فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ ، وَالْعَفْوُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا بَقِيَ لَا فِيمَا اسْتَوْفَى هَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ بِالسِّرَايَةِ ( فَإِنْ مَاتَ ) بِهَا ( بَانَ بُطْلَانُ الْعَفْوِ ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ قَبْلَهُ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْعَفْوُ ، وَفَائِدَةُ بُطْلَانِهِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ عَفَا بِمَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ .
( فَإِنْ رَمَى ) الْمُسْتَحِقُّ إلَى الْجَانِي ( فَعَفَا عَنْهُ فَأَصَابَ صَحَّ الْعَفْوُ ،

وَوَجَبَ عَلَى الْعَافِي الدِّيَةُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَرَتُّبِ صِحَّةِ الْعَفْوِ عَلَى الْإِصَابَةِ عَكْسُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ تَرَتُّبِهَا عَلَى عَدَمِهَا لَكِنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْإِسْنَوِيَّ حَيْثُ قَالَ تَصْحِيحُ إيجَابِ الدِّيَةِ بَعْدَ الْجَزْمِ بِبُطْلَانِ الْعَفْوِ غَلَطٌ وَاضِحٌ فَإِنَّهُ إذَا بَطَلَ الْعَفْوُ اسْتَحَقَّ الْعَافِي الدَّمَ فَلَا يَضْمَنُ دِيَةَ الْجَانِي نَعَمْ حَكَى الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ وَجْهًا أَنَّ عَفْوَهُ صَحِيحٌ مَعَ الْإِصَابَةِ وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ ، وَكَلَامُ الْقَاضِي صَرِيحٌ فِيهِ .
انْتَهَى .
وَيُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ بُطْلَانَ الْعَفْوِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَدَلِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْعَافِي .
قَوْلُهُ : ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَكَمَا لَوْ تَعَدَّدَ الْمُسْتَحَقُّ .

( فَإِنْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا ) فَاقْتَصَّ مِنْهُ ( أَوْ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ بَعْدَمَا اقْتَصَّ ) مِنْ قَاطِعِهِ ( ثُمَّ مَاتَ ) الْمَقْطُوعُ ( بِالسِّرَايَةِ وَجَبَ الْقِصَاصُ ) فِي النَّفْسِ ( وَلَوْ عَفَا ) عَنْهُ ( عَلَى مَالٍ فَعَلَى الذِّمِّيِّ ) الْقَاطِعِ ( خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الدِّيَةِ ) أَيْ دِيَةِ مُسْلِمٍ وَيَسْقُطُ سُدُسُهَا بِالْيَدِ الَّتِي اُسْتُوْفِيَتْ ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ جُمْلَةِ الذِّمِّيِّ الَّتِي هِيَ ثُلُثُ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِ بِالنَّظَرِ إلَى الدِّيَةِ ( وَعَلَى الْمَرْأَةِ ) فِيمَا لَوْ قَطَعَتْ يَدَ رَجُلٍ فَاقْتَصَّ مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَعَفَا الْوَلِيُّ عَلَى مَالٍ ( ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا ) أَيْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ رُبُعَهَا ( فَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي ) قَطْعِ ( الْيَدَيْنِ ) لِكَوْنِ الذِّمِّيِّ ، أَوْ الْمَرْأَةِ قَطَعَ يَدَيْ مَنْ ذُكِرَ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الذِّمِّيُّ ( ثُلُثَا دِيَةٍ ) أَيْ دِيَةِ مُسْلِمٍ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ ثُلُثَهَا ( وَلَزِمَهَا ) أَيْ الْمَرْأَةَ ( نِصْفُهَا ) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ مُسْلِمٍ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ نِصْفَهَا .
( قَوْلُهُ : وَلَزِمَهَا نِصْفُهَا ) وَالْقِيَاسُ جَرَيَانُهُ فِي عَكْسِهَا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ النَّقِيبِ ، وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَسْطُورًا ، وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ امْرَأَةٍ فَاقْتَصَّتْ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَتْ بِالسِّرَايَةِ وَعَفَا وَلِيُّهَا عَلَى مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ .

( وَلَوْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ فَاقْتَصَّ ) مِنْهُ ( ثُمَّ عَتَقَ فَمَاتَ الْحُرُّ ) بِالسِّرَايَةِ ( سَقَطَ مِنْ دِيَتِهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ ، وَلَزِمَ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَبَاقِي الدِّيَةِ إذْ عِتْقُهُ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ ) ، وَقِيلَ يَسْقُطُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَنِصْفِ الدِّيَةِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ اقْتَصَّ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَفْوِ الْمُوَكِّلِ ، أَوْ عَزْلِهِ إيَّاهُ عَالِمًا ) بِذَلِكَ ( اقْتَصَّ مِنْهُ ) كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ ( أَوْ جَاهِلًا ) بِهِ ( فَلَا ) يُقْتَصُّ مِنْهُ لِعُذْرِهِ ، وَلَا مِنْ مُوَكِّلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا لَوْ قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا ، أَوْ حَرْبِيًّا ، وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَوَدِ فِيهِ فَبَانَ خِلَافُهُ بِأَنَّ الْقَتْلَ ثَمَّ يَقْصُرُ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُخَلَّى بَلْ يُحْبَسُ ، وَالْحَرْبِيُّ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى دُخُولِ دَارِنَا بِلَا أَمَانٍ ، وَلَا يَخْلُو مِنْ عَلَامَةٍ فَكَانَ حَقُّهُ التَّثَبُّتَ ، وَالْوَكِيلُ مَعْذُورٌ هُنَا .
( وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) بِيَمِينِهِ فِي ( أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ ، وَاسْتَحَقَّ الْقِصَاصَ ، وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْعَزْلِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ ) إنْ عَلِمَ أَنَّ قِصَاصَهُ وَقَعَ بَعْدَ الْعَفْوِ ، أَوْ الْعَزْلِ ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ ، وَقَتَلَهُ اقْتَصَّ مِنْهُ فَإِذَا جَهِلَهُ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا فَبَانَ خِلَافُهُ ( مُغَلَّظَةً وَحَالَّةً فِي مَالِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ لِشُبْهَةِ الْإِذْنِ ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ يُمْكِنُ إعْلَامُ الْوَكِيلِ بِالْعَفْوِ فِيهَا فَلَوْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَعَفَا الْوَكِيلُ قَبْلَ الْقِصَاصِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ نَحْوَهُ ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ :

وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ الدِّيَةُ قَطْعًا وَتَعْلِيلُهُمْ قَدْ يُرْشِدُ إلَيْهِ .
انْتَهَى .
وَحَيْثُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْوَكِيلِ فَهِيَ ( لِوَرَثَةِ الْجَانِي لَا لِلْمُوَكِّلِ ) كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَلِسُقُوطِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْقَتْلِ ( وَلَا رُجُوعَ لِلْوَكِيلِ ) بِالدِّيَةِ ( عَلَى الْمُوَكِّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إلَّا أَنْ يُنْسَبَ الْمُوَكِّلُ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الْإِعْلَامِ فَالْأَرْجَحُ أَنَّ الْوَكِيلَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْمَغْرُورِ لَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ فِي الْأَظْهَرِ لِانْتِفَاعِهِ بِالْوَطْءِ .

قَوْلُهُ : وَإِنْ اقْتَصَّ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَفْوِ الْمُوَكِّلِ إلَخْ ) أَوْ قَالَ قَتَلْته بِشَهْوَتِي لَا عَنْ الْمُوَكِّلِ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ لِشُبْهَةِ الْإِذْنِ ) فَهُوَ مَعْذُورٌ ، وَيُخَالِفُ مَا إذَا قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا فَبَانَ مُسْلِمًا حَيْثُ يَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ هُنَاكَ مُقَصِّرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ عَلَامَةٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَسْتَصْحِبُ لِأَصْلٍ يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ نَحْوَهُ ) هُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَقَضِيَّتُهُ إلَخْ ) لَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا وُجُوبَ الضَّمَانِ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَلَيْسَ فِيهِ إرْشَادٌ لِذَلِكَ .
ش مَا ذَكَرَاهُ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ ضَعَّفَهُ الشَّيْخَانِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ .
وَهِيَ مَا لَوْ رَمَى الْمُسْتَحِقُّ إلَى الْجَانِي ثُمَّ عَفَا عَنْهُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَحَكَيَا فِيهَا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ لِخُرُوجِ الْأَمْرِ عَنْ اخْتِيَارِهِ ، وَأَصَحُّهُمَا صِحَّتُهُ سَوَاءٌ أَصَابَهُ السَّهْمُ أَمْ لَا كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ ) وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ جَارٍ سَوَاءٌ أَنَسَبَ الْمُوَكِّلَ إلَى تَقْصِيرٍ أَمْ لَا فَلَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْوَكِيلِ ، وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى مُوَكِّلِهِ إذْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ بِأَنْ يَقْتَصَّ بِحَضْرَةِ مُوَكِّلِهِ بَعْدَ إذْنِهِ .

( بَابٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ ) .
لَوْ ( قَطَعَ عَبْدٌ حُرًّا فَاشْتَرَاهُ ) بِغَيْرِ الْأَرْشِ ( لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ ) كَمَا لَوْ قَطَعَهُ ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ ( فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِالْأَرْشِ ، وَهُوَ الْوَاجِبُ لَمْ يَصِحَّ ) الشِّرَاءُ ( لِلْجَهْلِ بِوَصْفِ الْإِبِلِ ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ وَالْوَاجِبُ الْقِصَاصُ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِلْمَالِ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ ) ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ ( وَإِنْ صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى عَيْنٍ فَاسْتُحِقَّتْ ، أَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ ) ، أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا ( وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ لِاخْتِيَارِهِ لِلْفِدَاءِ ) بِالصُّلْحِ ( الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ ( وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ ) كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ .
بَابٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( جَنَى حُرٌّ عَلَى حُرٍّ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ ( فَصَالَحَهُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْقِصَاصِ ( عَلَى مَالٍ صَحَّ ) ، وَإِنْ كَانَتْ الدِّيَةُ مَجْهُولَةً ( فَإِنْ خَرَجَ ) الْمَالُ ( مُسْتَحَقًّا ، أَوْ مَعِيبًا ) ، أَوْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ ( رَجَعَ إلَى الْأَرْشِ ) لَا إلَى قِيمَةِ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ لَا ضَمَانَ يَدٍ ( وَإِنْ أَوْجَبَتْ ) الْجِنَايَةُ ( الْمَالَ ) فَصَالَحَ مِنْهُ عَلَى عَيْنٍ ( لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَنْهَا ) أَيْ عَنْ الْجِنَايَةِ أَيْ أَرْشِهَا لِمَا مَرَّ فَلَوْ قَالَ عَنْهُ كَانَ أَوْلَى ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ عَيْنًا مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ أَيْ ، أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ ، أَوْ مِنْ الْجَانِي فِي الْعَمْدِ ، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( وَجَبَ عَلَى امْرَأَةٍ قِصَاصٌ فَتَزَوَّجَهَا بِهِ مُسْتَحِقُّهُ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَقْصُودٌ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْعَفْوَ عَنْهُ ، وَإِطْلَاقُهُ الْمَرْأَةَ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ أَصْلِهِ لَهَا بِالْحُرَّةِ إذْ لَا فَرْقَ ( فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ بِنِصْفِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا ، وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ فَعَلَّمَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ ( وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِالدِّيَةِ ) الْوَاجِبَةِ لَهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ( فَالصَّدَاقُ فَاسِدٌ ) لِلْجَهْلِ بِالدِّيَةِ ( وَإِنْ قَتَلَ حُرٌّ عَبْدًا فَصَالَحَ عَنْ قِيمَتِهِ ) الْمَعْلُومَةِ ( عَلَى عَيْنٍ وَاسْتُحِقَّتْ ) ، أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ ، أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ( رَجَعَ ) السَّيِّدُ ( بِالْأَرْشِ قَطْعًا ) وَذِكْرُ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَالْأَصْلُ إنَّمَا ذَكَرَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالتَّلَفِ ( فَإِنْ كَانَ الْجَانِي ) فِيمَا ذُكِرَ ( عَبْدًا فَالسَّيِّدُ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ بِالصُّلْحِ ، وَلَيْسَ بِمُخْتَارٍ ) لَهُ ( إنْ صَالَحَ عَلَى رَقَبَتِهِ ) وَاسْتُحِقَّتْ ، أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ ، أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ( وَيَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ حِينَئِذٍ بِهَا ) كَمَا كَانَ حَتَّى لَوْ مَاتَ سَقَطَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ فَقَطَعَ الْوَلِيُّ يَدَيْهِ وَعَفَا ) عَنْ الْبَاقِي ( عَلَى الدِّيَةِ ) وَلَمْ يَقْبَلْ الْجَانِي ( لَمْ تَجِبْ ) أَيْ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُهَا ( أَوْ ) عَلَى ( غَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ جِنْسِهَا ، وَقَبِلَ الْجَانِي ( فَوَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ كَالدِّيَةِ وَالثَّانِي ، وَهُوَ أَوْجَهُ يَجِبُ وَيَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْقِصَاصِ الَّذِي تَرَكَهُ ( وَإِنْ اقْتَصَّ ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ ) قَتَلَ مُوَرِّثَهُ ( بِغَيْرِ ) حُكْمِ ( حَاكِمٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ ) بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَّ مِنْهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ بِذَلِكَ لَا يُنْقَضُ .
قَوْلُهُ : وَلَمْ يَقْبَلْ الْجَانِي ) قَالَ شَيْخُنَا أَمَّا إذَا قَبِلَ لَزِمَهُ مَا عَفَا عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى الْمُسْتَحِقُّ مَا يُقَابِلُ دِيَةً لِبَقَاءِ النَّفْسِ فَصَارَ كَعَفْوِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بِغَيْرِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ فَيَصِحُّ بِتَرَاضِيهِمَا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُهَا ) مِثْلُهُ مَا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ : ظَاهِر أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ النَّفْسِ عَلَى الدِّيَةِ بِخِلَافِ السِّرَايَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّدَاخُلِ فَإِنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي السِّرَايَةِ مَا يُقَابِلُ الدِّيَةَ وَالتَّدَاخُلُ حَاصِلٌ ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى عَدَمِ التَّدَاخُلِ ، وَهُوَ قَوْلٌ اخْتَارَهُ الْإِمَامُ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا فَوَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا نَعَمْ وَبَنَاهُمَا الْمُتَوَلِّي عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَا إذَا إنْ قُلْنَا الْقَوَدُ عَيْنًا صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا مُخْتَصَرُ الْكِفَايَةِ ( قَوْلُهُ : كَالدِّيَةِ ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ عَفَا عَلَى الدِّيَةِ ، وَقَبِلَ الْجَانِي لَمْ يَجِبْ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِهَذَا قَيَّدَهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ قَبُولِ الْجَانِي ( قَوْلُهُ : وَالثَّانِي ، وَهُوَ أَوْجَهُ إلَخْ ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبَنَاهُمَا الْمُتَوَلِّي عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَا إذَا أَنْ قُلْنَا الْقَوَدُ عَيْنًا وَجَبَ ، وَإِلَّا فَلَا .

( وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ ) فَرَمَاهُ ( فَقَتَلَ إنْسَانًا ) فَهُمَا قَاتِلَانِ خَطَأً ( فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتَيْهِمَا ) نِصْفَيْنِ ( وَيُكَفِّرَانِ ) أَيْ وَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْ الْقَاتِلَيْنِ كَفَّارَةٌ ( ، وَهَلْ لِعَاقِلَةِ الْمَأْمُورِ ) بِالرَّمْيِ ( الرُّجُوعُ ) بِمَا يَغْرَمُونَهُ ( عَلَى الْمُكْرَهِ وَعَاقِلَتِهِ ؟ .
فِيهِ تَرَدُّدٌ ) أَيْ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَرْجِعُوا ، وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ مُتَعَدِّيًا كَمَا لَا يَرْجِعُونَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْقَاتِلِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِمَا ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْمُكْرَهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ عَنْهُ الدِّيَةَ ، وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْجَهُ .
( وَإِنْ اقْتَصَّ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ بِإِحْدَاهُمَا ) أَيْ بِقَطْعِ إحْدَى يَدَيْ قَاطِعِهِ ( بَعْدَ الِانْدِمَالِ ) لِقَطْعِ يَدَيْهِ ( فَأَهْلَكَتْ ) يَدُ الْجَانِي أَيْ قَطْعُهَا ( الْجَانِيَ أُخِذَتْ دِيَةُ ) الْيَدِ ( لِأُخْرَى مِنْ تَرِكَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ قِصَاصَهَا ، وَقَدْ فَاتَ بِمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ فَأَشْبَهَ سُقُوطَهَا بِآفَةٍ .
( وَإِنْ اقْتَصَّ بِإِحْدَاهُمَا وَأُخِذَتْ دِيَةُ الْأُخْرَى ) بِالْعَفْوِ عَنْ قِصَاصِهَا ( وَمَاتَ بِنَقْضِ الْجِرَاحَةِ بَرِئَ الْجَانِي ) فَلَا قِصَاصَ لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِرَاحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَعْفُوٌّ عَنْهَا ، وَلَا شَيْءَ لَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نِصْفَهَا ، وَالْيَدُ الْمُقَابَلَةُ بِالنِّصْفِ .
( قَوْلُهُ : وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْجَهُ ) الرَّاجِحُ هُوَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ فِي الطَّرَفِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ

( وَإِنْ مَاتَ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ بِالسِّرَايَةِ بِقَطْعِ وَارِثِهِ يَدَ الْجَانِي فَمَاتَ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ قَطْعِهَا قَبْلَ قَطْعِ الْأُخْرَى ( لَمْ يَسْتَحِقَّ ) الْوَارِثُ شَيْئًا فِي تَرِكَتِهِ أَيْ الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَرَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى النَّفْسِ سَقَطَ حُكْمُ الْأَطْرَافِ وَصَارَتْ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَقَدْ قَتَلَهُ بِالْقَطْعِ فَصَارَ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ ( وَيَقْتَصُّ ) السَّيِّدُ ( لِعَبْدِهِ مِنْ عَبْدِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ الْجَانِيَ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ( الْمَالُ ) إذْ لَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ ( إلَّا إنْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَفَا عَلَى مَالٍ ) فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَقْتَضِيهِ .

( وَإِنْ قَتَلَهُ ) أَيْ قَتَلَ إنْسَانٌ آخَرَ ( بِقَطْعِ يَدٍ ) لَهُ ( عَمْدًا وَرِجْلٍ خَطَأً ) فَمَاتَ مِنْهُمَا ( فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ ) لِاخْتِلَاطِ الْعَمْدِ بِالْخَطَأِ ( وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي ) لِتَعَمُّدِهِ قَطْعَ الْيَدِ ( وَنِصْفٌ ) آخَرُ ( عَلَى عَاقِلَتِهِ ) لِخَطَأِ الْجَانِي فِي قَطْعِهِ الرِّجْلَ ( فَإِنْ قَطَعَ الْوَلِيُّ يَدَهُ ) أَيْ يَدَ الْجَانِي عَنْ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ ( فَمَاتَ ) مِنْهُ فَقَدْ ( اسْتَوْفَى ) حَقَّهُ ، وَلَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ خَطَأً فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ .
( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ خَطَأً إلَخْ ) كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَرَأَى الْإِمَامُ فِي بَابِ الشِّجَاجِ الْقَطْعَ بِهِ ، وَأَنَّ تَعْلِيلَ الْأَصْحَابِ الْمَنْعُ

( وَإِنْ ارْتَدَّ الْقَاتِلُ ، أَوْ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ الْمُشْتَرِي ) فِي الثَّانِيَة ( بِالرِّدَّةِ وَقَعَ قِصَاصًا ) فِي الْأُولَى ( وَقَبْضًا ) فِي الثَّانِيَةِ ( إلَّا إنْ كَانَ الْقَاتِلُ ) بِالرِّدَّةِ فِيهِمَا ( إمَامًا ) فَلَا يَقَعُ قَتْلُهُ قِصَاصًا ، وَلَا قَبْضًا بَلْ لَهُ الدِّيَةُ فِي الْأُولَى فِي تَرِكَةِ الْمُرْتَدِّ ، وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ لَهُ قَتْلَهُ بِالرِّدَّةِ ، وَغَيْرُهُ لَا يَمْلِك قَتْلَهُ بِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ لَا بِرِدَّتِهِ .
وَالْمُصَنِّفُ صَوَّرَ ذَلِكَ بِحُدُوثِ الرِّدَّةِ بَعْدَ الْقَتْلِ وَالْبَيْعِ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ تَصْوِيرُهُ بِحُدُوثِهَا قَبْلَهُمَا ، وَالْكُلُّ صَحِيحٌ .

( وَإِنْ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ ضَرْبًا قَاتِلًا فَمَاتَتْ ) مِنْهُ ( لَزِمَهُ الْقَوَدُ إلَّا إنْ أَدَّبَهَا بِسَوْطَيْنِ ) ، أَوْ ثَلَاثَةٍ كَمَا فِي الْأَصْلِ ، أَوْ نَحْوِهِمَا ( ثُمَّ بَدَا لَهُ فَضَرَبَهَا الضَّرْبَ الْقَاتِلَ ) فَمَاتَتْ فَلَا يَلْزَمُهُ قَوَدٌ لِاخْتِلَاطِ الْعَمْدِ بِشِبْهِهِ .

( وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ ) فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ( قَتَلْته بِشَهْوَتِي ) لَا عَنْ الْمُوَكِّلِ ( لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَلِلْمُوَكِّلِ الدِّيَةُ ) فِي تَرِكَةِ الْجَانِي .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ قَتَلْته بِشَهْوَتِي إلَخْ ) نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي الطَّلَاقِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ ، وَأَقَرَّهُ أَنَّ وَكِيلَ الطَّلَاقِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ إيقَاعِهِ عَنْ مُوَكِّلِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَفِي الْمُهِمَّاتِ هُنَاكَ أَنَّ مُقْتَضَاهُ الْوُقُوعُ إذَا أَوْقَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيّ الْمَنْقُولَ هُنَا عَدَمُهُ لِلصَّارِفِ .
ا هـ .
إنَّمَا مُقْتَضَى كَلَامِ الرُّويَانِيِّ الْوُقُوعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْبَغَوِيّ

( وَإِنْ ضَرَبَ سِنًّا فَتَزَلْزَلَتْ ، أَوْ يَدًا فَتَوَرَّمَتْ ) ، أَوْ اضْطَرَبَتْ كَمَا فِي الْأَصْلِ ( ثُمَّ سَقَطَتْ بَعْدَ أَيَّامٍ وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( الْقِصَاصُ ) ؛ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ بِجِنَايَتِهِ .

( وَلَوْ تَوَقَّفَ الْقَاضِي فِي الْحُكْمِ ) فِي حَادِثَةٍ ( لِإِشْكَالِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ فِيهَا ( فَجَرَّأَهُ رَجُلٌ بِحَدِيثٍ نَبَوِيٍّ ) رَوَاهُ لَهُ فِيهَا حَتَّى قَتَلَ بِهِ رَجُلًا ( ثُمَّ رَجَعَ ) الْمُجَرِّئُ ( عَنْهُ ) ، وَقَالَ كَذَبْت وَتَعَمَّدْت ( فَلَيْسَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ ) عَنْ شَهَادَتِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَخْتَصُّ بِالْحَادِثَةِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ ( وَإِنْ حَبَسَهُ فِي ) مَحَلِّ ( دُخَانٍ ، أَوْ مَنَعَهُ عَصْبَ فَصَادَتِهِ ) عَلَى مَحَلِّ الْفَصْدِ ( فَمَاتَ ) مِنْ ذَلِكَ ( فَالْقَوَدُ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا سَوَاءٌ مَنَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْعَصَبِ ابْتِدَاءً أَمْ إعَادَةً كَأَنْ عَصَبَهُ الْمُفْتَصِدُ فَحَلَّهُ رَجُلٌ وَمَنَعَهُ آخَرُ مِنْ إعَادَةِ الْعَصْبِ حَتَّى مَاتَ .

( وَلَوْ رَمَى ) شَخْصٌ ( أَحَدَ الْجَمَاعَةِ ) مُبْهِمًا فَجَرَحَ وَاحِدًا مِنْهُمْ جِرَاحَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ ( لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ) هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ لُزُومِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْجَنِيقِ .
قَوْلُهُ : وَلَوْ رَمَى شَخْصٌ أَحَدَ الْجَمَاعَةِ مُبْهِمًا ) بِأَنْ رَمَى إلَى شَخْصَيْنِ أَوْ جَمَاعَةٍ ، وَقَصَدَ إصَابَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ إصَابَةَ أَيْ وَاحِدٍ كَانَ مِنْهُمْ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْجَنِيقِ ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ ثَمَّ ، وَكَذَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى جَمَاعَةٍ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَهُمْ .
ا هـ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّخْصَيْنِ أَوْ الْجَمَاعَةِ مَقْصُودٌ فِي هَذِهِ لِتَعْيِينٍ فِيهَا بِكُلِّ وَاحِدٍ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَيِّ وَاحِدٍ وَمَدْلُولُ الْعَامِّ كُلِّيَّةٌ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ إذْ لَا عُمُومَ فِيهَا ، وَكَتَبَ أَيْضًا أَلَّا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْجَمَاعَةِ قَدْ قَصَدَهُ هُنَا الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إصَابَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَأَيُّ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَاكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ إصَابَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ

( وَيُقْطَعُ الثَّدْيُ بِالثَّدْيِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَدَلَّ ( وَالْحَلَمَةُ بِالْحَلَمَةِ ) كَمَا فِي سَائِرِ الْأَطْرَافِ ( لَا حَلَمَةُ امْرَأَةٍ بِحَلَمَةِ رَجُلٍ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ حَلَمَةَ الرَّجُلِ لَا تَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ .
.

( كِتَابُ الدِّيَاتِ ) جَمْعُ دِيَةٍ وَهِيَ الْمَالُ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا ، وَأَصْلُهَا وَدِيَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْيِ ، وَهُوَ دَفْعُ الدِّيَةِ كَالْعِدَّةِ مِنْ الْوَعْدِ وَالزِّنَةِ مِنْ الْوَزْنِ تَقُولُ وَدَيْت الْقَتِيلَ أَدِيهِ وَدْيًا وَدِيَةً إذَا أَدَّيْت دِيَتَهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ } وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي ( وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ .
الْأَوَّلُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ ) الذَّكَرِ غَيْرِ الْجَنِينِ ( مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مُخَمَّسَةٌ فِي الْخَطَأِ ) عِشْرُونَ ( مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ ، وَ ) عِشْرُونَ ( مِنْ بَنَاتِ لَبُونٍ ، وَ ) عِشْرُونَ مِنْ بَنِي ( لَبُونٍ ، وَ ) عِشْرُونَ مِنْ ( حِقَاقٍ ) وَعِشْرُونَ مِنْ ( جِذَاعٍ ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالُوا ، وَأَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا قِيلَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْحِقَاقِ وَالْجِذَاعِ الْإِنَاثُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الْأَصْلِ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً ( وَالْمُغَلَّظَةُ فِي الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ مُثَلَّثَةٌ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً ، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً ) أَيْ حَامِلًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ فِي الْعَمْدِ وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد فِي شِبْهِهِ بِذَلِكَ وَالْخَلِفَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَلَا جَمْعَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَلْ جَمْعُهَا مَخَاضٌ كَامْرَأَةٍ وَنِسَاءٍ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُهَا خَلِفٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وَابْنُ سِيدَهْ خِلْفَاتٌ .

( كِتَابُ الدِّيَاتِ ) .
لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْقِصَاصِ شَرَعَ فِي الدِّيَةِ وَأَخَّرَهَا ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَجَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ ( قَوْلُهُ : دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إلَخْ ) نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ( قَوْلُهُ : الذَّكَرُ ) أَيْ الْمَحْقُونُ الدَّمِ فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ بِقَتْلِ زَانٍ مُحْصَنٍ وَتَارِكِ صَلَاةٍ عَلَى مَنْ يُهْدَرَانِ فِي حَقِّهِ ( قَوْلُهُ : مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَاتِلِ رِقٌّ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لِغَيْرِ الْمَقْتُولِ أَوْ مُكَاتَبًا ، وَلَوْ لَهُ فَالْوَاجِبُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالدِّيَةُ أَوْ مُبَعَّضًا لَزِمَهُ بِجِهَةِ الْحُرِّيَّةِ الْقَدْرُ الَّذِي يُنَاسِبُهَا مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَدْرِ الرَّقِيقُ الْأَقَلُّ مِنْ حِصَّةِ الدِّيَةِ وَحِصَّةِ الْقِيمَةِ ( قَوْلُهُ : لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ إلَخْ ) { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي دِيَةِ الْخَطَأِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ } فَذَكَرُوهُ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا وَعِشْرِينَ بَنِي مَخَاضٍ ذَكَرٍ بَدَلَ بَنِي لَبُونٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ .
( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ مِنْ الْحِقَاقِ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ إجْزَاءَ عِشْرِينَ حِقًّا وَعِشْرِينَ جَذَعًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْحِقَاقُ وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَالْجِذَاعُ مُخْتَصَّةٌ بِالذُّكُورِ ، وَجَمْعُ الْجَذَعَةِ جَذَعَاتٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمُغَلَّظَةُ فِي الْعَمْدِ إلَخْ ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا مُمَيِّزًا ( قَوْلُهُ : مُثَلَّثَةٌ ) ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ أَحَدِ الْأَقْسَامِ أَكْثَرَ .

( وَتُغَلَّظُ بِالْخَطَأِ ) فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ( فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ) ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ لِعِظَمِ حُرْمَتِهَا وَلَا يُلْتَحَقُ بِهَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ سَيِّدَ الشُّهُورِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي ذَلِكَ التَّوْقِيفُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } وَالظُّلْمُ فِي غَيْرِهِنَّ مُحَرَّمٌ أَيْضًا ، وَقَالَ تَعَالَى { يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } وَلَا يُشْكَلُ ذَلِكَ بِنَسْخِ حُرْمَةِ الْقِتَالِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْحُرْمَةِ بَاقٍ كَمَا أَنَّ دِينَ الْيَهُودِ نُسِخَ وَبَقِيَتْ حُرْمَتُهُ ( وَ ) فِي ( حَرَمِ مَكَّةَ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي الْأَمْنِ بِدَلِيلِ إيجَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِيهِ أَمْ أَحَدُهُمَا ، وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ غَيْرُ دَائِمَةٍ ، وَبِمَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِهِ ( أَوْ فِي ) قَتْلِ ( ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ) لِعِظَمِ حُرْمَةِ الرَّحِمِ لِمَا وَرَدَ فِيهِ ، وَخَرَجَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمُ بِمُصَاهَرَةٍ أَوْ رَضَاعٍ ، وَبِالْمَحْرَمِ ذُو الرَّحِمِ غَيْرُ الْمَحْرَمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يُغَلَّظُ بِالْخَطَأِ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ ( فَقَطْ ) وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ مِنْ الرَّحِمِ لِيَخْرُجَ ابْنُ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ ، وَبِنْتُ عَمٍّ هِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ مَعَ أَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الرَّحِمِ .

( قَوْلُهُ : وَيُغَلَّظُ بِالْخَطَأِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا ( قَوْلُهُ : ذِي الْقَعْدَةِ إلَخْ ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي عَدِّهَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ إنَّ الْأَخْبَارَ تَظَافَرَتْ بَعْدَهَا كَذَلِكَ وَالْقَافُ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ مَفْتُوحَةٌ وَالْحَاءُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَكْسُورَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا وَالْمُحَرَّمُ اخْتَصَّ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ دُونَ سَائِرِ الشُّهُورِ ( قَوْلُهُ : سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِيهِ أُمَّ أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَوْ الْمَجْرُوحَ فِي الْحَرَمِ فَخَرَجَ إلَى الْحِلِّ ، وَمَاتَ فِيهِ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقَاتِلِ أَوْ الْمَقْتُولِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ قَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ هَوَاءَ الْحَرَمِ وَهُمَا فِي الْحِلِّ كَمَا فِي الصَّيْدِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ بَلْ أَوْلَى مِنْهُ بِالضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ ، وَذَاكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ، وَلَا تَغْلِيظَ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ فِيهِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التَّغْلِيظِ ثُبُوتُ زِيَادَةِ الْأَمْنِ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ غَيْرُ مُمَكَّنٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ ، وَلَا يَخْتَصُّ التَّغْلِيظُ بِالْقَتْلِ فَالْجِرَاحُ فِي الْحَرَمِ مُغَلَّظَةٌ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ مِنْهَا ( قَوْلُهُ : وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ إلَخْ ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا

( وَلَوْ رَمَى حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ ) ثُمَّ أَصَابَهُ ، وَمَاتَ ( فَدِيَةُ خَطَأٍ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا عِنْدَ الرَّمْيِ .
قَوْلُهُ : وَلَوْ رَمَى حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ إلَخْ ) مِثْلُهُمَا مَا إذَا رَمَى رَقِيقَ نَفْسِهِ فَعَتَقَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ ، وَمَاتَ

( فَصْلٌ : دِيَةُ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ حَالَةَ تَخُصُّ الْجَانِيَ ) فَلَا يَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ عَلَى قِيَاسِ إبْدَالِ الْمُتْلَفَاتِ وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِذَلِكَ ( سَوَاءٌ أَوْجَبَتْ ) الْجِنَايَةُ ( الْقِصَاصَ ) فَعُفِيَ عَلَى الدِّيَةِ ( أَمْ لَا كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَدِيَةُ الْخَطَأِ ، وَإِنْ تَغَلَّظَتْ ، وَ ) دِيَةُ ( شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةً ) فَدِيَةُ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ كَوْنُهَا مُعَجَّلَةً لَا مُؤَجَّلَةً ، وَكَوْنُهَا مُثَلَّثَةً لَا مُخَمَّسَةً ، وَكَوْنُهَا عَلَى الْجَانِي لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَدِيَةُ الْخَطَأِ فِي غَيْرِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ ، وَدِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مَعَ دِيَةِ الْخَطَأِ فِي الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ مُغَلَّظَةٌ مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي مُخَفَّفَةٌ مِنْ الْآخَرَيْنِ ( ، وَيَدْخُلُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ فِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالذِّمِّيِّ ) وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ عِصْمَةٌ .
( وَ ) فِي دِيَةِ ( الْجُرُوحِ بِالنِّسْبَةِ ) لِدِيَةِ النَّفْسِ فَفِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ خَطَأً عَشْرُ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَعَشْرُ بَنَاتِ لَبُونٍ ، وَهَكَذَا ، وَفِي قَتْلِهَا عَمْدًا أَوْ شِبْهِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ حِقَّةً ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ خَلِفَةً ، وَفِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ خَطَأً سِتُّ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَثُلُثَانِ وَسِتُّ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثُلُثَانِ ، وَهَكَذَا وَفِي قَتْلِهِ عَمْدًا أَوْ شِبْهِهِ عَشْرُ حِقَاقٍ وَعَشْرُ جِذَاعٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلِفَةً وَثُلُثٌ ( لَا ) قِيمَةَ ( الْعَبْدِ ) فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا تَغْلِيظٌ وَلَا تَخْفِيفٌ ( بَلْ فِيهِ قِيمَتُهُ ) يَوْمَ التَّلَفِ عَلَى قِيَاسِ قِيَمِ سَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ .

( وَ ) يَجِبُ ( فِي ) قَتْلِ ( الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَجُرُوحِهِمَا نِصْفُ مَا ) يَجِبُ ( فِي الرَّجُلِ ) كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ { دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ } ، وَأَلْحَقَ بِهَا الْخُنْثَى لِلشَّكِّ فِي الزَّائِدِ نَعَمْ يُخَالِفُهَا فِي الْحَلَمَتَيْنِ وَالشُّفْرَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ .

( وَفِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ) اللَّذَيْنِ يُعْقَدُ لَهُمَا الذِّمَّةُ ( ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ) أَخْذًا مِنْ خَبَرِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ } رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ ، وَقَالَ بِهِ عُمَرَ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَقِيسَ فِي الْخَبَرِ بِالدَّرَاهِمِ الْإِبِلُ ، وَبِالْمُسْلِمِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ ( وَالسَّامِرَةُ كَالْيَهُودِ ) فِي حُكْمِهِمْ ( وَالصَّابِئُونَ كَالنَّصَارَى ) كَذَلِكَ ( إنْ لَمْ يُكَفِّرُوهُمْ ، وَإِلَّا ) بِأَنْ كَفَّرُوهُمْ ( فَكَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ ) مِنْ الْكُفَّارِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ ( ، وَفِي الْمَجُوسِيِّ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ مُسْلِمٍ ) الْأَوْلَى الْمُوَافِقُ لِطَرِيقَةِ الْحِسَابِ ثُلُثُ خُمُسِ هَذَا كُلِّهِ ( إنْ كَانُوا ) أَيْ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ ( ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُعَاهَدَيْنِ أَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ ) كَمَا قَالَ بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِخُمُسِ دِيَةِ الذِّمِّيِّ ، وَهُوَ لَهُ كِتَابٌ ، وَدِينٌ كَانَ حَقًّا وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ، وَمُنَاكَحَتُهُ ، وَيُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ ، وَلَيْسَ لِلْمَجُوسِيِّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ إلَّا الْخَامِسُ فَكَانَتْ دِيَتُهُ خُمُسَ دِيَتِهِ ، وَهِيَ أَخَسُّ الدِّيَاتِ ، وَخَرَجَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ ، وَلَا عَهْدَ ، وَلَا أَمَانَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ .
( فَإِنْ دَخَلَ ) دَارَنَا ( وَثَنِيٌّ ، وَمَنْ ) أَيْ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ( لَا كِتَابَ لَهُ ) ، وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَابِدِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ( وَكَذَا زِنْدِيقٌ ) ، وَهُوَ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا ( لَا مُرْتَدٌّ بِأَمَانٍ فَكَالْمَجُوسِيِّ ) فِيمَا ذُكِرَ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَتُهُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ ، وَمَنْ لَا أَمَانَ لَهُ فَإِنَّهُمَا مَقْتُولَانِ بِكُلِّ حَالٍ ، وَدِيَةُ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ كِتَابِيٍّ ، وَمَجُوسِيٍّ كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ اعْتِبَارًا

بِالْأَكْثَرِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَبًا أَمْ أُمًّا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْجِزْيَةِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا وَالضَّمَانُ يُغَلَّبُ فِيهِ جَانِبُ التَّغْلِيظِ ( وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ ) أَيْ قَتْلُ مَنْ لَهُ أَمَانٌ لِأَمَانِهِ ( ، وَقَتْلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ ) أَيْ دَعْوَةُ نَبِيٍّ لِعُذْرِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ ( كَالْمُسْتَأْمَنِ ) فِي أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ الْمُسْلِمِ ( وَلَهُ دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ، وَكَذَا مُتَمَسِّكٌ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَا يُخَالِفُهُ ) فَإِنَّهُ كَالْمُسْتَأْمَنِ فِيمَا ذُكِرَ ( ، وَدِيَتُهُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ ) فَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا فَدِيَةُ كِتَابِيٍّ أَوْ مَجُوسِيًّا فَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ بِمَا ذُكِرَ ثَبَتَ لَهُ نَوْعُ عِصْمَةٍ فَأُلْحِقَ بِالْمُؤْمِنِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ دِيَةِ أَهْلِ دِينِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : يَجِبُ أَخَسُّ الدِّيَاتِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ قَالَ ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ النَّاسَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ أَوْ الْكُفْرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ أَنْ لَا ضَمَانَ إذْ لَا وُجُوبَ بِالِاحْتِمَالِ قُلْت بَلْ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَخَسُّ الدِّيَاتِ ( وَإِنْ تَمَسَّكَ بِمُبَدَّلٍ ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَا يُخَالِفُهُ فَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ ، وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ ) أَيْ قَتْلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيِّنَا ( قَبْلَ الدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ ) ، وَهَذَا شَامِلٌ لِقَوْلِهِ قَبْلُ : وَقَتْلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ ( وَفِيهِ ) أَيْ فِي قَتْلِهِ ( الْكَفَّارَةُ ، وَيُقْتَصُّ بِمُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ إسْلَامِهِ ، وَإِنْ تَمَكَّنَ ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ .

( قَوْلُهُ : اللَّذَيْنِ تُعْقَدُ لَهُمَا الذِّمَّةُ ) الْمُرَادُ مِنْ تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ فَمَنْ لَا يَعْرِفُ دُخُولَ أَوَّلِ أُصُولِهِ فِي ذَلِكَ لِدِينٍ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَ التَّحْرِيفِ أَوْ بَعْدَهُ لَا يُنَاكَحُ وَيُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ وَتَجِبُ فِيهِ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ .
عِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا مُتَمَسِّكٌ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ ) بِأَنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِمَا لَمْ يُبَدَّلْ مِنْ الدِّينِ الْمُبَدَّلِ وَقَوْلُهُ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ يُفْهِمُ نَفْيَ التَّبْدِيلِ جُمْلَةً فِيهِ ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ دِيَةِ أَهْلِ دِينِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا بِأَنْ عُلِمَ عِصْمَتُهُ ، وَتَمَسَّكَ بِكِتَابٍ ، وَجُهِلَ عَيْنُ مَا تَمَسَّكَ بِهِ ( قَوْلُهُ : فَفِي ضَمَانٍ ، وَجْهَانِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّاسَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ أَيْ حَتَّى آمَنُوا بِالرُّسُلِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي .
وَكَتَبَ أَيْضًا هَذَا الْبِنَاءُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى طَرِيقَةِ الْأَشْعَرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ فَلَا تَكْلِيفَ بِإِيمَانٍ ، وَلَا كُفْرٍ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ أب ( قَوْلُهُ : أَوْ الْكُفْرِ ) أَيْ حَتَّى كَفَرُوا بِالرُّسُلِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : إذْ لَا وُجُوبَ بِالِاحْتِمَالِ ) ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِدِينٍ مُهْدَرٌ ، وَعَدَمُ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ أَمْرٌ نَادِرٌ وَاحْتِمَالُ صِدْقِ مَنْ ادَّعَاهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ لَا نُوجِبُ الضَّمَانَ بِمِثْلِهِ .

( فَصْلٌ : لَا يُجْبَرُ ) مُسْتَحِقُّ الدِّيَةِ ( عَلَى أَخْذِ مَعِيبٍ ) مِنْ الْإِبِلِ ( يُرَدُّ فِي بَيْعٍ ، وَ ) لَا أَخْذِ ( مَرِيضٍ ) كَالْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَتْ إبِلُ مَنْ لَزِمَتْهُ كُلُّهَا مَعِيبَةً بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنِ الْمَالِ وَالْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ لِتَسْتَقِلَّ فَاعْتُبِرَ فِيهَا السَّلَامَةُ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ وَالِاسْتِقْلَالِ وَذِكْرُ الْمَرِيضِ بَعْدَ الْمَعِيبِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَيْبٌ ( وَيَجُوزُ ) أَخْذُ ذَلِكَ ( بِالتَّرَاضِي ) ؛ لِأَنَّ لَهُ إسْقَاطَ الْأَصْلِ فَكَذَا الْوَصْفُ .
( قَوْلُهُ : لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ مَعِيبٍ ) فِي مَعْنَى الْمَعِيبَةِ الْمَهْزُولَةُ هُزَالًا فَاحِشًا ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ لَهُ إسْقَاطَ الْأَصْلِ إلَخْ ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ }

( وَإِذَا حَمَلَتْ جَذَعَةٌ ) فَمَا دُونَهَا ( عُدَّتْ خَلِفَةً ) ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّ النَّاقَةَ لَا تَحْمِلُ حَتَّى تَكُونَ ثَنِيَّةً لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهَا ( وَيُعْرَفُ الْحَمْلُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ ) إلْحَاقًا لَهُ بِالتَّقْوِيمِ ( فَإِنْ مَاتَتْ مَقْبُوضَةً ) لِلْمُسْتَحِقِّ بِقَوْلِ الْعَدْلَيْنِ أَوْ بِتَصْدِيقِهِ ( وَشُقَّ بَطْنُهَا فَبَانَتْ حَامِلًا غَرِمَهَا ، وَأَخَذَ ) بَدَلَهَا ( حَامِلًا ) كَمَا لَوْ خَرَجَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْحَمْلِ قَبْلَ الشَّقِّ شُقَّ جَوْفُهَا لِيَعْرِفَ فَيُرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ( فَإِنْ ادَّعَى الدَّافِعُ الْإِسْقَاطَ ) لِلْحَمْلِ بِأَنْ صَادَفْنَا النَّاقَةَ الْمَأْخُوذَةَ حَائِلًا فَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ ، وَقَالَ الدَّافِع أَسْقَطَتْ عِنْدَك ( وَأَمْكَنَ الْإِسْقَاطُ صُدِّقَ ) الدَّافِعُ ( إنْ أَخَذَهَا ) الْمُسْتَحِقُّ ( بِقَوْلِ خَبِيرَيْنِ ) لَتَأَيَّدَ قَوْلُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ أَوْ أَمْكَنَ ، وَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ الدَّافِعِ مَعَ تَصْدِيقِهِ لَهُ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأُولَى ، وَبِيَمِينٍ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ .
( قَوْلُهُ : وَيُعْرَفُ الْحَمْلُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ ) إنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُسْتَحِقُّ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ

( فَرْعٌ : تَجِبُ الدِّيَةُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الدَّافِعِ ) مِنْ جَانٍ ، وَعَاقِلَةٍ فَيَدْفَعُ مِنْهَا ( إنْ شَاءَ ، وَإِنْ خَالَفَتْ إبِلَ الْبَلَدِ ) فِي نَوْعِهَا ( وَإِنْ شَاءَ ) دَفَعَهَا ( مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ ) لِذِي الْحَاضِرَةِ ( أَوْ الْقَبِيلَةِ الَّذِي الْبَادِيَةُ ، وَإِنْ تَفَرَّقُوا ) أَيْ مَنْ لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ فَتُؤْخَذُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ ( ثُمَّ إنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِهِ أُخِذَ مِنْ الْأَكْثَرِ ) فَإِنْ اسْتَوَيَا فَمِمَّا شَاءَ الدَّافِعُ ، وَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْأَشْرَفِ فَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى أَخْذِهِ ، وَالتَّصْحِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَصَحَّحَ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ الثَّانِيَ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حَيْثُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى نَظِيرِهِ فِي الزَّكَاةِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِنَظِيرِهِ فِي اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ إبِلِ الْبَلَدِ .
( أَوْ ) اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ ( إبِلِ الْبَلَدِ ) أَوْ الْقَبِيلَةِ ( وَلَا غَالِبَ ) فِيهَا ( فَمِمَّا شَاءَ الدَّافِعُ ) أَخَذَ ( فَإِنْ عُدِمَتْ ) هِيَ ( أَوْ بَعْضُهَا ) فِي بَلَدِهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ ( أَوْ وُجِدَتْ ) فِيهَا لَا بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ أَوْ بِصِفَتِهِ لَكِنْ ( بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ نُقِلَ ) الْوَاجِبُ مِنْهَا ( مِنْ أَقْرَبِ الْبِلَادِ ) أَوْ الْقَبَائِلِ ( فَالْأَقْرَبِ ) إلَى مَحَلِّ الدَّافِعِ كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ( مَا لَمْ تَبْلُغْ الْمُؤْنَةُ ) أَيْ مُؤْنَةُ نَقْلِهَا مَعَ قِيمَتِهَا ( أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِبَلَدٍ ) أَوْ قَبِيلَةِ ( الْعِزَّةِ ) أَيْ الْعَدَمِ ، وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ إشَارَةِ بَعْضِهِمْ الضَّبْطَ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الرَّاجِحُ الضَّبْطُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ السَّلَمِ ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْإِمَامُ ثُمَّ أَيْضًا عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ ( ثُمَّ ) إنْ عُدِمَتْ مِنْ أَقْرَبَ مَا

ذُكِرَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَجَبَتْ ( الْقِيمَةُ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ بَلَدِ الْإِعْوَازِ يَوْمَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ ) فِيهِ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفِ هَذَا ( إنْ لَمْ يُمْهَلْ ) أَيْ الدَّافِعُ فَإِنْ أُمْهِلَ بِأَنْ قَالَ لَهُ الْمُسْتَحِقُّ : أَنَا أَصْبِرُ حَتَّى تُوجَدَ الْإِبِلُ لَزِمَهُ امْتِثَالُهُ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ .
( فَإِنْ أُخِذَتْ الْقِيمَةَ فَوُجِدَتْ الْإِبِلُ لَمْ تُرَدَّ ) لِتُسْتَرَدَّ الْإِبِلُ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ ( وَمَعَ وُجُودِهَا ) أَيْ الْإِبِلِ ( لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهَا ) مِنْ نَوْعٍ أَوْ قِيمَةٍ ( إلَّا بِالتَّرَاضِي ) فَيُؤْخَذُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا وَتَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ وَتَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا بِالتَّرَاضِي لِجَهَالَتِهَا ، وَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَتَهَا .

( قَوْلُهُ : تَجِبُ الدِّيَةُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الدَّافِعِ ) قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُرَادَ نَوْعُ إبِلِهِ لَا عَيْنُهَا فَيَكُونُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الدَّافِعِ أَيْ مِنْ نَوْعِهَا ( تَنْبِيهٌ ) ذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَ بِأَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِبِلِ فَإِذَا كَانَ الْأَقَلُّ الْقِيمَةَ دَفَعَهَا مِنْ النَّقْدِ أَوْ الْأَرْشِ فَالْخِيَارُ لَهُ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْأَرْشَ إبِلًا ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى بِقَدْرِ الْأَرْشِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ نَقْدًا قَالَ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ شَاءَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ ، أَوْ الْقَبِيلَةِ ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَتْ إبِلُ الْجَانِي أَعْلَى مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ أَوْ الْقَبِيلَةِ ( قَوْلُهُ : فَمَا شَاءَ الدَّافِعُ أُخِذَتْ ) فَإِنْ غَلَبَ نَوْعٌ مِنْهَا تَعَيَّنَ ( قَوْلُهُ : فَالْأَقْرَبُ ) فَإِنْ اسْتَوَى بَلَدَانِ فِي الْقُرْبِ ، وَاخْتَلَفَ الْغَالِبُ فِيهِمَا تَخَيَّرَ .
( قَوْلُهُ : وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحه وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَإِجْرَاءُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ مُتَعَذِّرٌ ، وَلَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْبَاءِ عَلَى مُؤْنَةٍ لِيَسْتَقِيمَ وَنَبَّهَ فِي الْمُهِمَّاتِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ لَمَّا لَخَّصَ كَلَامَ إمَامِهِ فَقَالَ ، وَمَعْنَى الْعَجْزِ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ النَّظَرِ بُعْدًا تَزِيدُ قِيمَتُهُ مَعَ مُؤْنَةِ النَّقْلِ عَلَى مَا يُشْتَرَى بِهِ فِي الْمَحَلِّ الْمَطْلُوبِ ، وَهُوَ مَحَلُّ الْعِزَّةِ زِيَادَةً تُعَدُّ غَبِينَةً فِي نَقْلِ الْإِبِلِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ الْقِيمَةُ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ بَلَدِ الْإِعْوَازِ ) ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ فَكَمَا تُقَوَّمُ سَلِيمَةً حَالَ عَيْبِهَا كَذَلِكَ تُقَوَّمُ حَالَ عَدَمِهَا ، وَتُرَاعَى صِفَتُهَا فِي التَّغْلِيظِ فَإِنْ غَلَبَ نَقْدٌ إنْ تَخَيَّرَ الْجَانِي وَكَتَبَ أَيْضًا تَخَيَّرَ الدَّافِعُ (

قَوْلُهُ : وَمَعَ وُجُودِهَا لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهَا إلَّا بِالتَّرَاضِي ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَلْيَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ إبِلِ الدِّيَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ ، وَمَا فِي الْبَيَانِ تَفَقُّهًا مِنْ الْبِنَاءِ صَرَّحَ بِهِ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ ( قَوْلُهُ : وَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَتُهَا فَلَهُ يَجُوزُ جَزْمًا ) وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْوَسِيطِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَالْمُرَادُ مَا إذَا ضُبِطَتْ بِصِفَاتِ السَّلَمِ الَّتِي يَجُوزُ مَعَهَا بَيْعُ الْمَوْصُوفِ ، وَمَحَلُّ مَنْعِ الصُّلْحِ عَلَيْهَا أَمَّا إذَا عُلِمَ سِنُّهَا وَعَدَدُهَا ، وَجُهِلَ وَصْفُهَا وَكُتِبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَتُهَا أَيْ بِأَنْ تَعَيَّنَتْ ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ تَعْيِينَهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقِيمَةَ مَأْخُوذَةٌ عَنْ أَعْيَانِهَا ، وَإِنْ عُلِمَتْ صِفَاتُهَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْيِينِ لِيَكُونَ أَخْذُ الْقِيمَةِ عِوَضًا عَنْهَا إنَّمَا الْقِيمَةُ مَأْخُوذَةٌ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ ، وَهُوَ مَجْهُولُ الصِّفَاتِ ، وَأَمَّا مَا فِي الْبَيَانِ فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِمَا حَاصِلُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّلْحِ عَنْ إبِلِ الدِّيَةِ وَبَيْنَ التَّرَاضِي بِالْقِيمَةِ بَدَلَهَا بِأَنَّ الصُّلْحَ عَقْدُ اعْتِيَاضٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالتَّرَاضِي بِقِيمَةِ الْإِبِلِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومَةِ الَّتِي يُرْجَعُ إلَى قِيمَتِهَا بَدَلَهَا عَلَى الْجَدِيدِ دُونَ تَعَاقُدٍ ، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ هَذَا الْفَرْقُ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي دِيَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ ) ( وَهِيَ ) أَيْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ ( ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ) جُرْحٌ ، وَإِبَانَةُ طَرَفٍ ، وَإِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ ( الْأَوَّلُ الْجُرُوحُ ، وَفِي الْمُوضِحَةِ لِلرَّأْسِ ) ، وَلَوْ لِلْعَظْمِ النَّاتِئِ خَلْفَ الْأُذُنِ ( وَالْوَجْهِ ، وَلَوْ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَلِلْكَامِلِ ) ، وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الذَّكَرُ غَيْرُ الْجَنِينِ ( خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَحَسَّنَهُ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ( وَفِي الْهَاشِمَةِ ) إنْ لَمْ تُوضِحْ ، وَلَمْ تَحَوُّجُ إلَيْهِ ، وَلَمْ تَسْرِ ( مِثْلُهَا ) أَيْ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مَعَ مَا يَأْتِي ( فَإِنْ أَوْضَحَتْ أَوْ أَحْوَجَتْ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْإِيضَاحِ ( بِشَقٍّ ) لِإِخْرَاجِ الْعَظْمِ أَوْ تَقْوِيمِهِ ( أَوْ سَرَتْ ) إلَيْهِ ( فَعَشْرٌ ) مِنْ الْإِبِلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَوْجَبَ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ } وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى زَيْدٍ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أَوْ سَرَتْ مِنْ زِيَادَتِهِ ( ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ ) الْهَاشِمَةُ إنْ لَمْ تُوضِحْ ، وَلَمْ تَحَوُّج إلَيْهِ بِشَقٍّ ، وَلَمْ تَسْرِ ( عَشْرٌ ) مِنْ الْإِبِلِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مَعَ مَا يَأْتِي ( فَإِنْ أَوْضَحَتْ ) أَوْ أَحْوَجَتْ إلَيْهِ بِشَقٍّ أَوْ سَرَتْ إلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ ( فَخَمْسَةَ عَشْرَ ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشْرَ مِنْ الْإِبِلِ ( ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ) لِخَبَرِ عَمْرٍو بِذَلِكَ أَيْضًا ( وَكَذَا الدَّامِغَةُ ) يَجِبُ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ قِيَاسًا عَلَى الْمَأْمُومَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ هَذَا ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ ، وَحُكُومَةٌ .
انْتَهَى .
وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي خَرْقِ الْأَمْعَاءِ فِي الْجَائِفَةِ .
( فَرْعٌ : لَوْ أَوْضَحَ وَاحِدٌ وَهَشَّمَ ) فِي مَحَلِّ

الْإِيضَاحِ ( آخَرَ وَنَقَّلَ ) فِيهِ ( ثَالِثٌ ، وَأَمَّ ) فِيهِ ( رَابِعٌ فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْ الثَّلَاثَةِ ( خَمْسٌ ) مِنْ الْإِبِلِ ( وَعَلَى الْآمِّ تَكْمِلَةُ الثُّلُثِ ) أَيْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثُ بَعِيرٍ ( وَيَجِبُ فِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الشِّجَاجِ ) كَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ ( الْأَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ وَالْقِسْطُ مِنْ الْمُوضِحَةِ ) إنْ عُلِمَ الْقِسْطُ بِأَنْ عُرِفَتْ نِسْبَةُ الْجِرَاحَةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فِي عُمْقِ اللَّحْمِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ لِوُجُودِ سَبَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا وَجَبَ أَحَدُهُمَا ، وَاعْتِبَارُ الْأَوَّلِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَإِنْ شَكَكْنَا فِي قَدْرِهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ أَوْجَبْنَا الْيَقِينَ ( فَإِنْ جُهِلَ ) الْقِسْطُ ( فَحُكُومَةٌ ) أَيْ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ ( لَا تَبْلُغُ أَرْشَ مُوضِحَةٍ .
وَلَا تَقْدِيرَ لِأَرْشِ شِجَاجِ الْبَدَنِ ) ، وَهُوَ مَا عَدَا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ مَا مَرَّ فِي الْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ لَمْ تَشْمَلْهُ لِاخْتِصَاصِ أَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ بِجِرَاحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ ، وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا لِزِيَادَةِ الْخَطَرِ وَالْقُبْحِ فِيهِمَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ مُقَدَّرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبَدَنِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْخَذَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعُضْوِ أَكْثَرُ مِمَّا يُؤْخَذُ فِي الْعُضْوِ نَفْسِهِ كَالْأُنْمُلَةِ مَثَلًا ( وَلَا ) تَقْدِيرَ ( لِمُوضِحَتِهِ ) أَيْ الْبَدَنِ ( كَالْقَفَا ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ إيهَامِ أَنَّ الْهَاشِمَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ تُخَالِفَانِ الْمُوضِحَةَ فِي ذَلِكَ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ كَالْقَفَا كَانَ أَوْلَى ، وَأَخْصَرَ .
( وَيُقْتَصُّ فِيهَا ) أَيْ فِي الْمُوضِحَةِ فِي الْبَدَنِ لِتَيَسُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ يَنْتَهِي فِيهَا إلَى عَظْمٍ يُؤْمَنُ مَعَهُ الْحَيْفُ كَالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالتَّصْرِيحِ بِهَذَا هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( ثُمَّ ) يَجِبُ ( فِي الْجَائِفَةِ ، وَلَوْ بِإِبْرَةِ ثُلُثِ الدِّيَةِ )

كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَإِنْ خَرَقَتْ الْأَمْعَاءَ وَجَبَ مَعَ ذَلِكَ حُكُومَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَهِيَ ) أَيْ الْجَائِفَةُ الْجِرَاحَةُ ( النَّافِذَةُ إلَى جَوْفٍ مِنْ الصَّدْرِ وَالْبَطْنِ وَالْجَبِينِ وَالْوَرِكِ وَالْعِجَانِ وَالْحَلْقِ ) وَثُغْرَةِ النَّحْرِ وَالْخَاصِرَةِ وَنَحْوِهَا ( لَا إلَى بَاطِنِ فَمٍ وَذَكَرٍ ، وَأَنْفٍ وَجَفْنٍ ، وَإِنْ ثُقِبَ ) النَّافِذُ ( فِي الْعَيْنِ ) إذْ لَا يَعْظُمُ فِيهَا الْخَطَرُ كَالْأُمُورِ السَّابِقَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْ الْأَجْوَافِ ، وَلَيْسَ فِيهَا قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ وَالدَّوَاءَ فَلَا تَكُونُ جَائِفَةً فَلَا يَجِبُ فِيهَا ثُلُثُ دِيَةٍ ( بَلْ حُكُومَةٌ .
وَإِنْ وَصَلَتْ ) أَيْ الْجِرَاحَةُ ( إلَى الْفَمِ أَوْ دَاخِلَ الْأَنْفِ بِإِيضَاحٍ مِنْ الْوَجْهِ أَوْ ) بِكَسْرِ الـ ( قَصَبَةِ ) مِنْ الْأَنْفِ ( فَأَرْشُ مُوضِحَةٍ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ ) أَرْشُ ( هَاشِمَةٍ ) فِي الثَّانِيَةِ ( مَعَ حُكُومَةٍ ) فِيهِمَا ( لِلنُّفُوذِ ) إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أُخْرَى وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْإِيضَاحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ ( إنْ كَانَتْ ) أَيْ الْجِرَاحَةُ وَصَلَتْ إلَى مَا ذُكِرَ لَكِنَّ هَذَا الثَّانِي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ تَرْكُهُ أَوْلَى ، وَأَخْصَرُ ( وَإِنْ حَزَّ بِالسِّكِّينِ مِنْ كَتِفٍ أَوْ فَخِذٍ إلَى الْبَطْنِ ، وَأَجَافَهُ ) الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ فَجَافَهُ ( فَأَرْشٌ ) أَيْ فَوَاجِبُهُ أَرْشُ ( جَائِفَةٍ ، وَحُكُومَةٌ ) لِجِرَاحَةِ الْكَتِفِ أَوْ الْفَخِذِ ؛ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجَائِفَةِ ( أَوْ ) حَزَّ بِهَا ( مِنْ الصَّدْرِ إلَى الْبَطْنِ أَوْ النَّحْرِ فَأَرْشُ جَائِفَةٍ فَقَطْ ) أَيْ بِلَا حُكُومَةٍ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَحَلُّ الْجَائِفَةِ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي دِيَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ ) .
قَالَ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ دِيَةً فِي شَخْصٍ مَعَ بَقَائِهِ .
ا هـ .
وَفِي التَّلْخِيصِ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي الرَّجُلِ تِسْعَ عَشْرَةَ ، وَمَا يَجْتَمِعُ فِي الْمَرْأَةِ فَكَالرَّجُلِ إذَا قُلْنَا فِي حَلَمَتَيْ الرَّجُلِ الدِّيَةُ ، وَفِي مُقَابَلَةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لَهَا الشُّفْرَانِ وَالْإِفْضَاءُ ، وَإِنْ قُلْنَا فِي حَلَمَتَيْ الرَّجُلِ الْحُكُومَةُ فَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ بِوَاحِدَةٍ ، وَهِيَ الْحَلَمَةُ ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي الرَّجُلِ ، وَهُوَ حَيٌّ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ دِيَةً وَسِتَّةٌ وَعِشْرُونَ فِي الْمَرْأَةِ تَسَمُّحٌ ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ لِلْعَظْمِ النَّاتِئِ خَلْفَ الْأُذُنِ ) أَوْ الْعَظْمِ الَّذِي تَحْتَهَا ( قَوْلُهُ : وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ إلَخْ ) ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْمُنَقِّلَةَ لَا بُدَّ مِنْ إيضَاحِهَا لِتَنَقُّلِ الْعَظْمِ الَّذِي فِيهَا فَصَارَ الْإِيضَاحُ عَامِدًا إلَى جَانِبِهَا ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةٌ ) أَيْ لِخَرْقِ الْخَرِيطَةِ ، وَقِيلَ فِيهَا الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهَا تُذَفِّفُ ، وَمُنِعَ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ) ، وَعَلَى الْأُمِّ تَكْمِلَةُ الثُّلُثِ هَذَا إنْ لَمْ يَمُتْ فَإِنْ مَاتَ مِنْ جَمِيعِهَا ، وَجَبَتْ دِيَتُهُ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْجُرْحِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ قَالَهُ الْفَارِقِيُّ فِي فَوَائِدِهِ فَلَوْ خَرَقَ آخِرُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ فَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّ عَلَيْهِ دِيَةَ النَّفْسِ كَالْحَزِّ بَعْدَ قَطْعِ غَيْرِهِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ جَعَلَ الدَّامِغَةَ مُذَفِّفَةً قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَحَكَاهُ ابْنُ سُرَيْجٍ قَالَ شَيْخُنَا قَدْ جَزَمَ فِي الْعُبَابِ بِوُجُوبِ حُكُومَةٍ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ أَوْ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَإِنْ

مَاتَ بِفِعْلِهِمْ ، وَجَبَتْ دِيَتُهُ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَحْضُ تَكْرَارٍ إلَخْ ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَيُقْتَصُّ فِيهَا وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِيهَا أَنَّ فِيهَا أَرْشًا مُقَدَّرًا قَوْلُهُ : وَالْجَبِينُ ) بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ ثُمَّ نُونٍ كَذَا فِي الْمِنْهَاجِ أَيْضًا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ تَصْحِيفٌ ، وَاَلَّذِي فِي نَصِّ الْأُمِّ جَنْبٌ فَثَنَّاهُ بَعْضُهُمْ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ جَنِينٌ فَتَصَحَّفَ بِجَبِينٍ ، وَلَا جَائِفَةَ فِي الْجَبِينِ بِلَا خِلَافٍ إنَّمَا الْوَاصِلَةُ إلَى جَوْفِ الدِّمَاغِ تُعْطَى حُكْمَ الْجَائِفَةِ ، وَلَيْسَتْ جَائِفَةً ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ انْتِقَادٌ فَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فَإِنَّ الْجُرْحَ النَّافِذَ إلَى جَوْفِ الدِّمَاغِ مِنْ الْجَبِينِ جَائِفَةٌ بَلْ التَّمْثِيلُ بِجَبِينٍ أَحْسَنُ فَإِنَّ النَّافِذَةَ مِنْ الْجَنِينِ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَبَطْنٍ ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْجَوَائِفِ ، وَالْخَاصِرَةُ وَنَحْوُهَا كَالْجَبِينِ فَإِنَّ الْجُرْحَ النَّافِذَ مِنْهُ إلَى جَوْفِ الدِّمَاغِ جَائِفَةٌ .

( فَصْلٌ : تَتَعَدَّدُ مُوضِحَاتُ الضَّرْبَةِ ، وَإِنْ صَغُرَتْ ) أَيْ الْمُوضِحَاتُ ( إنْ حَالَ ) بَيْنَ كُلِّ ثِنْتَيْنِ ( جِلْدٌ وَلَحْمٌ لَا أَحَدُهُمَا ) فَقَطْ فَلَا تَعَدُّدَ بَلْ يَكُونُ الْمَجْمُوعُ مُوضِحَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَتَتْ عَلَى الْمَوْضِعِ كُلِّهِ بِاسْتِيعَابِهِ بِالْإِيضَاحِ ، وَلَوْ أَوْضَحَ بِمَوْضِعَيْنِ أَوْغَلَ الْحَدِيدَةَ وَنَفَذَهَا مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى فِي الدَّاخِلِ ثُمَّ سَلَّهَا فَفِي تَعَدُّدِ الْمُوضِحَةِ وَجْهَانِ فِي الْأَصْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ أَقَرَّ بِهِمَا عَدَمَ التَّعَدُّدِ ( وَلَوْ تَآكَلَ الْحَاجِزُ ) بَيْنَهُمَا ( أَوْ رَفَعَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ أَوْ وَسَّعَ الْمُوضِحَةَ هُوَ فَمُوضِحَةٌ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْحَاصِلَ بِسِرَايَةِ فِعْلِهِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَكَمَا لَوْ أَوْضَحَ ابْتِدَاءً ، وَهَذَا كَتَدَاخُلِ الدِّيَاتِ إذَا قَطَعَ الْأَطْرَافَ ثُمَّ حَزَّ لِرَقَبَةٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ الْحَاجِزَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ ( أَوْ ) رَفَعَهُ أَوْ وَسَّعَ الْمُوضِحَةَ ( غَيْرُهُ تَعَدَّدَتْ ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ لَا يُبْنَى عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ ( وَإِنْ رَفَعَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ الْحَاجِزَ ) بَيْنَ الْمُوضِحَتَيْنِ ( اتَّحَدَتْ ) أَيْ الْمُوضِحَةُ ( فِي حَقِّهِ ، وَلَزِمَهُ نِصْفُ أَرْشٍ ، وَ ) لَزِمَ ( صَاحِبَهُ أَرْشٌ كَامِلٌ وَرَفْعُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ) الْحَاجِزَ ( هَدَرٌ ) فَلَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا وَجَبَ عَلَى الْجَانِي ( وَلَوْ أَوْضَحَ مُتَلَاحِمَةً غَيْرُهُ فَعَلَى كُلٍّ حُكُومَةٌ ) فَلَا يَلْزَمُهُمَا أَرْشُ مُوضِحَةٍ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ لَا يُبْنَى عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ .

( قَوْلُهُ : تَعَدَّدَ مُوضِحَاتُ الضَّرْبَةِ إلَخْ ) مَا ذَكَرَهُ فِي تَعَدُّدِ الْمُوضِحَةِ يَجْرِي فِي تَعَدُّدِ الْهَاشِمَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا لَوْ هَشَّمَهُ هَاشِمَتَيْنِ عَلَيْهِمَا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَجَزَمَ فِيهِمَا بِتَعَدُّدِ أَرْشِ الْهَاشِمَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَادَهُ إيضَاحًا بِالْهَشْمِ تَحْتَهُ .
ر ( قَوْلُهُ : أَقَرَّ بِهِمَا عَدَمُ التَّعَدُّدِ ) وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ وَسَّعَ الْمُوضِحَةَ هُوَ فَمُوضِحَةٌ ) هَذَا إذَا كَانَتْ عَمْدًا فَوَسَّعَهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَوَسَّعَهَا خَطَأً أَمَّا لَوْ كَانَتْ عَمْدًا فَوَسَّعَهَا خَطَأً أَوْ بِالْعَكْسِ فَثِنْتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَوْ لَوْ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً فَثِنْتَانِ ( قَوْلُهُ : أَوْ رَفَعَهُ أَوْ وَسَّعَ الْمُوضِحَةَ غَيْرُهُ تَعَدَّدَتْ ) تَفَطَّنَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُوَسِّعُ مَأْمُورًا لِلْمُوضِحِ مَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَعْجَمِيِّ الَّذِي يَرَى طَاعَةَ آمِرِهِ حَتْمًا وَغَيْرِهِ ، وَاعْتَبَرَهُ هُنَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا وَجْهَ لِلتَّعَدُّدِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ هُنَا لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَزِمَهُ نِصْفُ أَرْشٍ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ عَلَى مَا إذَا أَوْضَحَ شَخْصٌ مُوضِحَةً ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَوَسَّعَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الثَّانِي أَرْشُ مُوضِحَةٍ كَامِلَةٍ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الَّذِي جَاءَ أَحْدَثَ فِعْلًا يَقْتَضِي إيجَابَ أَرْشٍ كَامِلٍ لَوْ فَعَلَهُ ابْتِدَاءً ، وَالْعَائِدُ هُنَا لَوْ فَعَلَ هَذَا ابْتِدَاءً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سِوَى نِصْفِ الْأَرْشِ ، وَكَتَبَ أَيْضًا هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْقَائِلِ بِأَنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفَاعِلِ أَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ الْقَائِلِ بِتَعَدُّدِهَا بِهِ فَيَلْزَمُ الرَّافِعَ أَرْشٌ ، وَالْآخَرَ أَرْشَانِ إذْ صُورَتُهُمَا أَنَّهُمَا

اشْتَرَكَا فِي الْمُوضِحَتَيْنِ وَكَتَبَ أَيْضًا هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ ، وَرَجَّحَهُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهُوَ تَوْزِيعُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ فِيهَا وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلًّا أَرْشٌ كَامِلٌ فَعَلَيْهِ يَلْزَمُ الرَّافِعَ أَرْشُ مُوضِحَةٍ وَيَلْزَمُ صَاحِبَهُ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ .

( وَتَسْقُطُ حُكُومَةُ جُرْحٍ أُوضِحَ بَعْضُهُ تَبَعًا لِلْأَرْشِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّهُ مُوضِحَةً لَمْ يَجِبْ إلَّا أَرْشٌ فَهُنَا أَوْلَى ( وَإِنْ اقْتَصَّ ) فِيمَا فِيهِ مِنْ الْمُوضِحَةِ ( فَوَجْهَانِ ) فِي سُقُوطِ الْحُكُومَةِ ، وَعَدَمِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ نِصْفِ الْكَفِّ فَاقْتُصَّ مِنْ الْأَصَابِعِ هَلْ لَهُ حُكُومَةُ نِصْفِ الْكَفِّ وَجْهَانِ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَالْمُرَجَّحُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لُزُومُ الْحُكُومَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ سُقُوطِهَا هُنَا ( ، وَلَوْ اتَّصَلَتْ مُوضِحَةُ الْجَبْهَةِ بِالْوَجْنَةِ فَأَرْشٌ ) وَاحِدٌ تَنْزِيلًا لِأَجْزَاءِ الْوَجْهِ مَنْزِلَةَ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ ( أَوْ ) اتَّصَلَتْ ( مُوضِحَةُ الرَّأْسِ بِالْجَبْهَةِ فَأَرَشَانِ ، وَلَوْ ) كَانَ ( بَيْنَهُمَا جِرَاحَةٌ دُونَ الْمُوضِحَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ فَإِنْ لَمْ يُوضِحْ ) الْمُوضِحُ لِلرَّأْسِ ( الْجَبْهَةَ بَلْ جَرَحَهَا فَأَرْشٌ ) لِمُوضِحَةِ الرَّأْسِ ( وَحُكُومَةٌ ) لِجُرْحِ الْجَبْهَةِ .
( قَوْلُهُ : فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ سُقُوطِ أَرْشِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : بِالْوَجْنَةِ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا كَمَا ضَبَطَهُ بِقَلَمِهِ كَتَبَ أَيْضًا الْوَجْنَةُ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْخَدَّيْنِ

( وَلَوْ هَشَّمَ بَعْضَ مَا أَوْضَحَ فَهَاشِمَةٌ بِمُوضِحَةٍ ) أَيْ مَعَهَا ( وَلَوْ أَوْضَحَ ، وَهَشَّمَ فِي مَوْضِعَيْنِ وَاتَّصَلَ الْهَشْمُ ) بَيْنَهُمَا ( بَاطِنًا فَهَاشِمَتَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْهَاشِمَةَ تَتْبَعُ الْمُوضِحَةَ ، وَقَدْ وُجِدَتْ الْمُوضِحَتَانِ فَيَتَعَدَّدُ الْهَشْمُ بِتَعَدُّدِهِمَا ( وَلَوْ تَبَعَّضَتْ الْمُوضِحَةُ قِصَاصًا ، وَعُدْوَانًا أَوْ عَمْدًا ، وَخَطَأً فَمُوضِحَتَانِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ لَكِنْ لَوْ رَفَعَ حَاجِزَ مُوضِحَتَيْ الْعَمْدِ خَطَأً ) فِيمَا لَوْ أَوْضَحَ مُوضِحَتَيْنِ عَمْدًا ( اتَّحَدَتَا ) كَذَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَجِيبٌ فَإِنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ مُصَرِّحٌ بِتَرْجِيحِ التَّعَدُّدِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ وَجْهَانِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُؤَثِّرًا فَعَلَيْهِ أَرْشٌ ثَالِثٌ ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَرْشٌ وَاحِدٌ .
( قَوْلُهُ : وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) كَالْأَذْرَعِيِّ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُؤَثِّرًا ) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ : فَعَلَيْهِ أَرْشٌ ثَالِثٌ ) ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ

( فَصْلٌ : الْجَائِفَةُ كَالْمُوضِحَةِ فِي الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ ) ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ ( فَلَوْ طَعَنَ فِي جَائِفَةٍ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَقْطَعْ ) شَيْئًا ( عُزِّرَ ) لِتَعَدِّيهِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ( وَإِنْ زَادَ غَوْرًا ) فِيهَا ( أَوْ قَطَعَ ظَاهِرًا فَقَطْ أَوْ عَكْسُهُ ) أَيْ بَاطِنًا فَقَطْ ( فَحُكُومَةٌ ) تَلْزَمُهُ ( أَوْ ) قَطَعَ ( ظَاهِرًا فِي جَانِبٍ ، وَبَاطِنًا فِي جَانِبٍ ) آخَرَ ( فَأَرْشٌ ) آخَرُ يَلْزَمُ الْقَاطِعَ ( إنْ أَكْمَلَا ) أَيْ الْقَطْعَانِ ( جَائِفَةً ) كَأَنْ قَطَعَ الثَّانِي نِصْفَ الظَّاهِرِ مِنْ جَانِبٍ وَنِصْفَ الْبَاطِنِ مِنْ جَانِبٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلَاهَا ( فَبِالْقِسْطِ ) يُعْتَبَرُ الْأَرْشُ بِأَنْ يُنْظَرَ فِي ثَخَانَةِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ ، وَيُقَسَّطَ أَرْشُ الْجَائِفَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ( وَلَوْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ مِنْ ) أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ إلَى ( الْجَانِبِ الْآخَرِ أَوْ طَعَنَهُ بِحَدِيدَةٍ لَهَا رَأْسَانِ وَالْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا سَلِيمٌ فَجَائِفَتَانِ ) ؛ لِأَنَّهُ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ نَافِذَيْنِ إلَى الْجَوْفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سَلِيمٌ فَجَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ صَدْرِ الْفَصْلِ ( فَإِنْ جَرَحَتْ ) أَيْ الْحَدِيدَةُ ( عُضْوًا بَاطِنًا كَالْكَبِدِ زَادَ ) مَعَ الْأَرْشِ اللَّازِمِ ( حُكُومَةً ) ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا جَائِفَةُ غَيْرِهِ مَا لَوْ عَادَ الْجَانِي فَوَسَّعَ جَائِفَتَهُ أَوْ زَادَ فِي غَوْرِهَا ، وَلَا يَزِيدُ الْوَاجِبَ ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ أَجَافَ ابْتِدَاءً كَذَلِكَ ( وَلَوْ أَدْخَلَ فِي دُبُرِهِ مَا خَرَقَ ) بِهِ ( جَائِفَةٌ فِي الْبَاطِنِ فَهَلْ هُوَ حَاجِزٌ ) أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ خَرْقَ الْحَاجِزِ بَيْنَ الْمُوضِحَتَيْنِ فِي الْبَاطِنِ هَلْ يَكُونُ كَخَرْقِ الظَّاهِرِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ إلَّا أَرْشُ مُوضِحَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ تَصْحِيحُ وُجُوبِ أَرْشِ الْجَائِفَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُوضِحَتَيْنِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِبَقَاءِ الظَّاهِرِ حَتَّى

تَرْجِعَ الْمُوضِحَتَانِ إلَى مُوضِحَةٍ .
( قَوْلُهُ : الْجَائِفَةُ كَالْمُوضِحَةِ فِي الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَضَى عَلَى رَجُلٍ رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَأَنْفَذَهُ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ) بِأَنْ نَفَذَتْ فِي بَطْنِهِ وَخَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ مَعَ أَنَّ الْخَارِجَةَ لَيْسَتْ دَاخِلَةً إلَى الْجَوْفِ بَلْ نَفَذَتْ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ ( قَوْلُهُ : كَخَرْقِ الظَّاهِرِ ) أَيْ مَعَ الْبَاطِنِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْبِنَاءِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونٍ فِي تَصْحِيحِهِ وَكَانَ الْإِسْنَوِيُّ حَمَلَ مَسْأَلَةَ الْمُوضِحَتَيْنِ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمِنْهَاجِ لَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَةِ فَتَأَمَّلْهُ .
ا هـ .
مَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ صَحِيحٌ فَإِنَّ النَّوَوِيَّ صَحَّحَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ الِاتِّحَادَ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( خِيطَتْ جَائِفَةٌ فَنَزَعَ رَجُلٌ الْخَيْطَ ) الَّذِي خِيطَتْ بِهِ ( قَبْلَ الِالْتِحَامِ عُزِّرَ وَضَمِنَ الْخَيْطَ ) إنْ تَلِفَ ( وَالْخِيَاطَةُ ) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا ، وَلَا أَرْشَ ، وَلَا حُكُومَةَ ( أَوْ ) نَزَعَهُ ( بَعْدَ الِالْتِحَامِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَانْفَتَحَتْ ) ، وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ مِنْهَا ( فَجَائِفَةٌ جَدِيدَةٌ أَوْ بَعْدَ الْتِحَامِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ أَوْ عَكْسُهُ ( فَحُكُومَةٌ ) تَلْزَمُهُ دُونَ الْأَرْشِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّقْسِيطُ ( وَيَضْمَنُ مَعَهَا الْخَيْطَ ) إنْ تَلِفَ ( لَا الْخِيَاطَةَ ) لِدُخُولِهَا فِي الْحُكُومَةِ .

( الْقِسْمُ الثَّانِي إبَانَةُ الْأَطْرَافِ ، وَمُقَدَّرُ الْبَدَلِ ) مِنْ الْأَعْضَاءِ ( سِتَّةَ عَشَرَ ) عُضْوًا ( فَمَا وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ ) مِنْهَا ( وَهُوَ ثُنَائِيٌّ ) كَالْيَدَيْنِ ( فَفِي الْوَاحِدَةِ ) مِنْهُ الْأَوْلَى الْوَاحِدُ ( نِصْفُهَا أَوْ ثُلَاثِيٌّ ) كَالْأَنْفِ ( فَثُلُثُهَا أَوْ رُبَاعِيٌّ ) كَالْأَجْفَانِ ( فَرُبُعُهَا ، وَفِي الْبَعْضِ ) مِنْ كُلٍّ مِنْهَا ( الْقِسْطُ ) ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ ( الْأَوَّلُ ) مِنْ السِّتَّةَ عَشَرَ ( الْأُذُنَانِ فَفِيهِمَا ) قَطْعًا أَوْ قَلْعًا ( الدِّيَةُ لِلسَّمِيعِ وَالْأَصَمِّ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّمْعَ لَا يَحِلُّهُمَا وَذَلِكَ لِمَا فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ { ، وَفِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ } ، وَعَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ { فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ } ؛ وَلِأَنَّ فِيهِمَا مَعَ الْجَمَالِ مَنْفَعَتَيْنِ جَمْعُ الصَّوْتِ لِيَتَأَدَّى إلَى مَحَلِّ السَّمَاعِ ، وَدَفْعُ الْهَوَامِّ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُمَا يَحُسُّ بِسَبَبِ مَعَاطِفِهِمَا بِدَبِيبِ الْهَوَامِّ فَيَطْرُدَهَا ، وَهَذِهِ هِيَ الْمَنْفَعَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ ( وَكَذَا ) تَجِبُ الدِّيَةُ ( إذَا أَحْشَفَهُمَا ) أَيْ أَيْبَسَهُمَا كَمَا لَوْ أَشَلَّ يَدَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْإِحْسَاسَ الَّذِي يَدْفَعُ بِهِ الْهَوَامَّ .
( وَإِذَا قَطَعَ أُذُنًا مُسْتَحْشِفَةً فَحُكُومَةٌ ) تَلْزَمُهُ كَمَنْ قَطَعَ يَدًا شَلَّاءَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا قِصَاصَ بِقَطْعِهَا لَكِنْ مَرَّ أَنَّ الْأُذُنَ الصَّحِيحَةَ تُقْطَعُ بِالْمُسْتَحْشِفَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِيهَا ، وَعَدَمِ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ فَالرَّاجِحُ وُجُوبُ الدِّيَةِ ، وَهُوَ مَا عَزَاهُ الْمَرْوَزِيِّ إلَى الْجَدِيدِ .
انْتَهَى .
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ ( وَإِنْ قَطَعَهُمَا بِإِيضَاحِ ) الْعَظْمِ ( فَدِيَةٌ ، وَمُوضِحَتَانِ ) أَيْ أَرْشُهُمَا ، وَلَا يَتْبَعَانِ الدِّيَةَ إذْ لَا يَتْبَعُ مُقَدَّرٌ مُقَدَّرًا .

( قَوْلُهُ : جَمْعِ الصَّوْتِ ) أَيْ ، وَمَنْعِ دُخُولِ الْمَاءِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ

( الْعُضْوُ الثَّانِي الْعَيْنَانِ فَفِيهِمَا ) أَيْ فِي فَقْئِهِمَا ( الدِّيَةُ ، وَإِنْ كَانَ أَعْمَشَ أَوْ أَخْفَشَ أَوْ أَعْشَى كَالْقِصَاصِ ) ؛ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بَاقِيَةٌ فِي أَعْيُنِ هَؤُلَاءِ ، وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ ، وَفِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ { فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ } رَوَاهُ مَالِكٌ وَرَوَى النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ { فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ } ؛ وَلِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ الْجَوَارِحِ نَفْعًا ، وَأَجَلُّ الْحَوَاسِّ قَدْرًا وَالْأَعْمَشُ ضَعِيفُ الرُّؤْيَةِ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمْعِ غَالِبًا وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْأَخْفَشِ وَالْأَعْشَى فِي بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ ( وَكَذَا بَيَاضٌ لَا يُنْقِصُ الضَّوْءَ ) فَتَجِبُ مَعَهُ الدِّيَةُ كَمَا تَجِبُ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَعَ الثَّآلِيلِ ( فَإِنْ نَقَصَ ) الضَّوْءُ ( وَانْضَبَطَ ) النَّقْصُ بِالِاعْتِبَارِ بِالصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا بَيَاضَ فِيهَا ( فَقِسْطٌ ) مِنْ الدِّيَةِ يَلْزَمُ ( وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ ) ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ عَيْنِ الْأَعْمَشِ بِأَنَّ الْبَيَاضَ نَقْصُ الضَّوْءِ الَّذِي كَانَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ ، وَعَيْنُ الْأَعْمَشِ لَمْ يَنْقُصْ ضَوْءُهَا عَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْعُمْشَ لَوْ تَوَلَّدَ مِنْ آفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تَكْمُلُ فِيهِ الدِّيَةُ .
( قَوْلُهُ : وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ ) كَمَا لَا نَظَرَ لِقُوَّةِ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ وَضَعْفِهِمَا

( الْعُضْوُ الثَّالِثُ : الْأَجْفَانُ فَفِي قَطْعِهِمَا أَوْ إحْشَافِهِمَا ) الْأَوْلَى فَفِي قَطْعِهَا ، وَإِحْشَافِهَا ( الدِّيَةُ ) ، وَلَوْ كَانَتْ لِأَعْمَى ؛ لِأَنَّ فِيهَا جَمَالًا ، وَمَنْفَعَةً ( وَ ) فِي قَطْعِهَا أَوْ إحْشَافِهَا ( مَعَ ) فَقْءِ ( الْعَيْنَيْنِ دِيَتَانِ ، وَفِي ) قَطْعِ الْجَفْنِ ( الْمُسْتَحْشِفِ حُكُومَةٌ ، وَكَذَا الْأَهْدَابُ ، وَ ) سَائِرُ ( الشُّعُورِ ) كَشَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ تَجِبُ فِي قَطْعِهَا حُكُومَةٌ ( إنْ فَسَدَ الْمَنْبَتُ ) لَا دِيَةٌ ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِقَطْعِهَا الزِّينَةُ وَالْجَمَالُ دُونَ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ ( وَإِلَّا فَالتَّعْزِيرُ وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْأَهْدَابِ فِي دِيَةِ الْأَجْفَانِ ) كَمَا تَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ ، وَكَمَا أَنَّ شَعْرَ السَّاعِدِ وَالسَّاقِ ، وَمَحَلُّ الْمُوضِحَةِ لَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةِ الْعُضْوِ .

( الرَّابِعُ : الْأَنْفُ فَفِي ) قَطْعِ ( الْمَارِنِ ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ ( الدِّيَةُ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا ، وَمَنْفَعَةً ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَارِنُ ( الْمَنْخِرَانِ وَالْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا وَالْأَخْشَمُ ) فِي ذَلِكَ ( كَغَيْرِهِ ) ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِي الْأَنْفِ ( ، وَفِي ) قَطْعِ ( بَاقِي الْمَقْطُوعِ ) مِنْ الْمَارِنِ بِجِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( وَلَوْ بِجُذَامٍ قِسْطُهُ ) مِنْ الدِّيَةِ بِالْمِسَاحَةِ ، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ صَدْرِ هَذَا الْقِسْمِ ( وَإِحْشَافُهَا ) أَيْ الْمَنْخِرَيْنِ وَالْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا ( كَالْأُذُنِ ) أَيْ كَإِحْشَافِهَا فَفِيهَا الدِّيَةُ لِإِبْطَالِ مَنْفَعَتِهَا ( وَفِي الشَّقِّ ) لِلْمَارِنِ إذَا لَمْ يَذْهَبْ مِنْهُ شَيْءٌ ( حُكُومَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَئِمْ فَإِنْ تَآكَلَ ) بِالشَّقِّ بِأَنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ ( فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ ) وَاجِبٌ ( ، وَقَاطِعُ الْقَصَبَةِ مُنَقِّلٌ ) فَفِي قَطْعِهَا وَحْدَهَا دِيَةُ مُنَقِّلَةٍ ( فَلَوْ قَطَعَهَا مَعَ الْمَارِنِ تَبِعَتْهُ فِي الدِّيَةِ ) كَذَا رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَهُ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الْأُمِّ مِنْ وُجُوبِ الْحُكُومَةِ مَعَ الدِّيَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
( وَفِي قَصَبَةٍ كُسِرَتْ وَانْجَبَرَتْ ) بَعْدَ كَسْرِهَا بِلَا تَعَوُّجٍ ( حُكُومَةٌ ، وَمَعَ التَّعَوُّجِ تَكْثُرُ ) الْحُكُومَةُ .

( قَوْلُهُ : فَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ ) قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي ، وَلَوْ قَطَعَ مَارِنَهُ وَبَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَرَدَّهُ فَالْتَصَقَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لَمْ تُوجَدْ وَالرَّدُّ مُبَاحٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَانَهُ فَرَدَّهُ فِي الْأَمْرَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَتَحْرِيمُ الرَّدِّ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ الْعُضْوِ الْمُنْفَصِلِ كَمَا هُوَ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ ، وَلَوْ أَلْصَقَهُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ حَتَّى الْتَحَمَ أُخِذَ بِقَطْعِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : فَلَوْ قَطَعَهَا مَعَ الْمَارِنِ تَبِعَتْهُ فِي الدِّيَةِ ) كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ وَالْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ

( الْعُضْوُ الْخَامِسُ : الشَّفَتَانِ فَفِي قَطْعِهِمَا ، وَإِشْلَالِهِمَا الدِّيَةُ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا ، وَمَنْفَعَةً سَوَاءٌ أَكَانَتَا غَلِيظَتَيْنِ أَمْ رَقِيقَتَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ أَمْ صَغِيرَتَيْنِ ( وَهُمَا السَّاتِرَانِ لِلِّثَةِ وَلِلْأَسْنَانِ فِي جَانِبَيْ الْفَمِ ) وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُمَا فِي عَرْضِ الْوَجْهِ إلَى الشِّدْقَيْنِ ، وَفِي طُولِهِ إلَى مَا يَسْتُرُ اللِّثَةَ ، وَهِيَ اللَّحْمُ حَوْلَ الْأَسْنَانِ ( وَهَلْ يَسْقُطُ مَعَهُمَا ) أَيْ مَعَ قَطْعِهِمَا ( حُكُومَةُ الشَّارِبِ ) أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْأَهْدَابِ مَعَ الْأَجْفَانِ ( ، وَفِي شَقِّهِمَا بِلَا إبَانَةٍ حُكُومَةُ ) ، وَكَذَا فِي الشَّفَةِ الشَّلَّاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَلَوْ قَطَعَ ) شَفَةً ( مَشْقُوقَةً فَدِيَتُهَا ) وَاجِبَةٌ ( لَا حُكُومَةُ الشَّقِّ ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهُمَا فَتَقَلَّصَا ) أَيْ الْبَعْضَانِ الْبَاقِيَانِ ( وَبَقِيَا كَمَقْطُوعِ الْجَمِيعِ فَهَلْ تَكْمُلُ الدِّيَةُ ) أَوْ يَتَوَزَّعُ عَلَى الْمَقْطُوعِ وَالْبَاقِي ( وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي وَنَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِيهِ ، وَكَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَلَى قَطْعِ الْأَجْفَانِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْأَنْوَارِ .
( قَوْلُهُ : وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُمَا فِي عَرْضِ الْوَجْهِ إلَى الشِّدْقَيْنِ إلَخْ ) وَكَذَا عَبَّرَ بِهِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِنْهَاجِ وَكَذَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَعَنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ ذَكَرَهَا ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ : أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

الْعُضْوُ ( السَّادِسُ اللِّسَانُ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ ) لِمَا مَرَّ وَ ( الْأَلْكَنُ وَالْأَرَتُّ وَالْأَلْثَغُ وَالْمَوْلُودُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمْ ( كَغَيْرِهِ ) كَضَعِيفِ الْبَطْشِ ( فَإِنْ بَلَغَ الْمَوْلُودُ النُّطْقَ وَالتَّحْرِيكَ ) أَيْ أَوَانَهُمَا ( وَلَمْ يُوجَدَا ) مِنْهُ ( فَحُكُومَةٌ ) لَا دِيَةٌ لِإِشْعَارِ الْحَالِ بِعَجْزِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ ) يَعْنِي أَوَانَ النُّطْقِ ( فَدِيَةٌ ) أَخْذًا بِظَاهِرِ السَّلَامَةِ كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي رِجْلِهِ ، وَيَدِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ مَشْيٌ ، وَلَا بَطْشٌ ، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمَوْلُودُ كَغَيْرِهِ ( فَإِنْ أُخِذَتْ الْحُكُومَةُ لِقَطْعِ بَعْضِهِ ) أَيْ بَعْضِ لِسَانِهِ لِأَمْرٍ اقْتَضَى إيجَابَهَا ( ثُمَّ نَطَقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ ) ، وَعَرَفْنَا سَلَامَةَ لِسَانِهِ ( وَجَبَ تَمَامُ قِسْطِ دِيَتِهِ ، وَفِي ) قَطْعِ لِسَانٍ ( الْأَخْرَسِ ) ، وَلَوْ كَانَ خَرَسُهُ عَارِضًا ( حُكُومَةٌ ، وَإِنْ فَقَدَ ) الْأَخْرَسُ ( الذَّوْقَ ) بِقَطْعِ لِسَانِهِ ( فَدِيَةٌ ) تَجِبُ لَا حُكُومَةٌ ( وَ ) اللِّسَانُ ( ذُو الطَّرَفَيْنِ إنْ اسْتَوَيَا ) خِلْقَةً ( فَلِسَانٌ ) مَشْقُوقٌ فَيَجِبُ بِقَطْعِهِمَا الدِّيَةُ ، وَبِقَطْعِ أَحَدِهِمَا قِسْطُهُ مِنْهَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا ( فَلِلزَّائِدِ ) أَيْ لِقَطْعِهِ ( حُكُومَةٌ دُونَ قِسْطِ قَدْرِهِ مِنْ ) لِسَانٍ ( أَصْلِيٍّ ) مِنْ ثُلُثٍ وَرُبُعٍ وَنَحْوِهِمَا وَلِقَطْعِ الْأَصْلِيِّ دِيَةٌ ( وَفِي ) قَطْعِ ( اللِّهَاتِ ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ ، وَهِيَ الْهَنَةُ الْمُطْبَقَةُ فِي أَقْصَى سَقْفِ الْفَمِ ( حُكُومَةٌ ) .

( قَوْلُهُ : السَّادِسُ اللِّسَانُ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ نَاطِقًا فَاقِدَ الذَّوْقِ ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنَّ فِيهِ الْحُكُومَةَ كَالْأَخْرَسِ ، وَلَوْ قُطِعَ لِسَانُهُ فَذَهَبَ كَلَامُهُ ، وَذَوْقُهُ لَزِمَهُ دِيَتَانِ ( قَوْلُهُ : أَيْ أَوَانَهُمَا ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَقْتَ التَّحْرِيكِ هُوَ مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فِي الزَّمَنِ الْقَرِيبِ مِنْهَا الَّذِي يُحَرِّكُ الْمَوْلُودُ فِيهِ لِسَانَهُ لِبُكَاءٍ ، وَمَصٍّ وَنَحْوِهِمَا ( قَوْلُهُ : وَهَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَالْمَوْلُودُ كَغَيْرِهِ ) ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ كَالْوَجِيزِ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ مُطْلَقًا وَحَكَى الْإِمَامُ قَطْعَ الْأَصْحَابِ بِهِ قَوْلُهُ : وَفِي قَطْعِ لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ : لَوْ تَعَذَّرَ النُّطْقُ لَا لِخَلَلٍ فِي اللِّسَانِ ، وَلَكِنَّهُ وُلِدَ أَصَمَّ فَلَمْ يُحْسِنْ الْكَلَامَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ شَيْئًا فَهَلْ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ أَوْ الْحُكُومَةُ فِيهِ ، وَجْهَانِ يَجِيءُ ذِكْرُهُمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ لَمْ أَرَهُمَا ذَكَرَا شَيْئًا ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي .
ا هـ .
أَيْ ؛ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي اللِّسَانِ النُّطْقُ ، وَهُوَ مَيْئُوسٌ مِنْ الْأَصَمِّ ، وَالصَّبِيُّ إنَّمَا يَنْطِقُ بِمَا يَسْمَعُهُ فَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ ، وَلَمْ يَنْطِقْ ، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْأَوَّلِ وَكَتَبَ أَيْضًا شَمِلَ مَنْ تَعَذَّرَ نُطْقُهُ لَا لِخَلَلٍ فِي لِسَانِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ وُلِدَ أَصَمَّ فَلَمْ يُحْسِنْ الْكَلَامَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ شَيْئًا ، وَهُوَ أَحَدُ ، وَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلِهَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ بِمُقَابِلِهِ ، وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ .

الْعُضْوُ ( السَّابِعُ الْأَسْنَانُ ، وَفِي كُلِّ سِنٍّ أَصْلِيَّةٍ تَامَّةٍ مَثْغُورَةٍ غَيْرِ مُتَقَلْقِلَةٍ ) صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ ( لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الضِّرْسِ وَالثَّنِيَّةِ لِدُخُولِهِمَا فِي لَفْظِ السِّنِّ ، وَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ كَالْخِنْصَرِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فِي الْأَصَابِعِ ( فَفِي الشَّاغِيَةِ ) أَيْ الزَّائِدَةِ الَّتِي يُخَالِفُ نَبْتَتُهَا نَبْتَةَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَسْنَانِ ( حُكُومَةٌ ) لَا دِيَةٌ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ ( ، وَيُعَزَّرُ قَالِعُ ) سِنٍّ ( مُتَّخَذَةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، وَعَظْمٍ ) وَغَيْرِهِمَا مِنْ غَيْرِ دِيَةٍ ، وَلَا حُكُومَةٍ ( وَإِنْ تَشَبَّثَتْ بِاللَّحْمِ ) وَاسْتَعَدَّتْ لِلْمَضْغِ وَالْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ ، وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ الشَّخْصِ ( وَتَكْمُلُ الدِّيَةُ ) لِلسِّنِّ ( بِكَسْرِ الظَّاهِرِ ) مِنْهَا ( خِلْقَةً ) ، وَإِنْ بَقِيَ السِّنْخُ بِحَالِهِ ؛ لِأَنَّ السِّنَّ اسْمٌ لِلظَّاهِرِ وَالْمُسْتَتِرِ بِاللَّحْمِ يُسَمَّى سِنْخًا ؛ وَلِأَنَّ الْجَمَالَ وَالْمَنْفَعَةَ مِنْ الْعَضِّ وَالْمَضْغِ وَجَمْعِ الرِّيقِ يَتَعَلَّقَانِ بِالظَّاهِرِ ، وَمَنْفَعَةُ الْمُسْتَتِرِ حَمْلُ الظَّاهِرِ ، وَحِفْظُهُ ، وَهُوَ مَعَ الظَّاهِرِ كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الظَّاهِرِ ( التَّوْزِيعُ ) ؛ لِأَنَّا نُوجِبُ فِيهِ تَمَامَ الْأَرْشِ فَلَوْ قُطِعَ بَعْضُهُ فَعَلَيْهِ قِسْطُهُ مِنْ الْأَرْشِ ، وَيُنْسَبُ الْمَقْطُوعُ إلَى الظَّاهِرِ دُونَ السِّنْخِ ( وَكَذَا ) يُوَزَّعُ ( عَلَى الْحَشَفَةِ وَالْحَلَمَةِ وَالْمَارِنِ ) فِيمَا إذَا قُطِعَ بَعْضُهَا لَا عَلَى جَمِيعِ الذَّكَرِ وَالثَّدْيِ وَالْأَنْفِ .
( وَأَمَّا السِّنْخُ ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ ، وَإِعْجَامِ الْخَاءِ ، وَيُقَالُ بِالْجِيمِ ، وَهُوَ أَصْلُ السِّنِّ الْمُسْتَتِرُ بِاللَّحْمِ كَمَا مَرَّ ( فَتَابِعٌ ) لَهَا ( إنْ قُلِعَتْ ) فَتَنْدَرِجُ حُكُومَةٌ فِي دِيَتِهَا كَمَا تَنْدَرِجُ حُكُومَةُ الْكَفِّ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ ( وَإِنْ بَرَزَ بَعْضُهُ ) أَيْ السِّنْخِ ( لِحَفْرٍ ) أَصَابَ اللِّثَةَ

؛ لِأَنَّ بُرُوزَهُ عَارِضٌ ( فَإِنْ كَسَرَهَا ) أَيْ السِّنَّ ( ثُمَّ قَلَعَهُ ) أَيْ السِّنْخَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ ( وَلَوْ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَدِيَةٌ ، وَحُكُومَةٌ ) لِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ ( وَإِنْ كَسَرَ نِصْفَهَا الظَّاهِرَ عَرْضًا ثُمَّ قَلَعَ ) شَخْصٌ ( آخَرُ الْبَاقِيَ مَعَ السِّنْخِ دَخَلَتْ الْحُكُومَةُ ) لِلسِّنْخِ ( فِي الْأَرْشِ ) لِلْبَاقِي مِنْ السِّنِّ ( أَوْ ) كَسَرَهُ ( طُولًا ) ثُمَّ قَلَعَ آخَرُ الْبَاقِيَ مَعَ السِّنْخِ ( لَزِمَهُ حُكُومَةُ سِنْخِ ) الْمَكْسُورِ كَمَا مَرَّ فِيمَا إذَا قَطَعَ كَفًّا عَلَيْهَا بَعْضُ الْأَصَابِعِ دُونَ بَعْضٍ وَسِنْخُ الْبَاقِي يَدْخُلُ فِي أَرْشِهِ ( وَإِنْ قَلَعَهَا فَتَعَلَّقَتْ بِعِرْقٍ فَأَعَادَهَا ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ ثُمَّ عَادَتْ ( وَثَبَتَتْ فَحُكُومَةٌ ) تَلْزَمُهُ لَا دِيَةٌ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالْإِبَانَةِ ، وَلَمْ تُوجَدْ .
( وَإِنْ كَسَرَ سِنًّا مَكْسُورَةً ) وَاخْتَلَفَ هُوَ وَصَاحِبُهَا فِي قَدْرِ الْفَائِتِ ( صُدِّقَ صَاحِبُهَا فِي قَدْرِ الْفَائِتِ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَوَاتِ الزَّائِدِ ( لَوْ ) كَسَرَ سِنًّا ( صَحِيحَةً ) وَاخْتَلَفَ هُوَ وَصَاحِبُهَا فِي قَدْرِ مَا كُسِرَ مِنْهَا ( صُدِّقَ الْجَانِي فِي قَدْرِ مَا كُسِرَ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ( وَتَنْقُصُ ) الدِّيَةُ ( لِصِغَرٍ شَائِنٍ فِي بَعْضِ الْأَسْنَانِ ) بِحَسَبِ نُقْصَانِ السِّنِّ ( كَمُسَاوَاةِ الثَّنِيَّتَيْنِ لِلرُّبَاعِيَّتَيْنِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ ( أَوْ نَقْصِهِمَا عَنْهُمَا ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الثَّنَايَا أَطْوَلُ مِنْ الرَّبَاعِيَاتِ ، وَقِيلَ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي الثَّنِيَّتَيْنِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِالشَّاهِدَيْنِ ، وَبِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَلَا دِيَةَ فِي ) سِنٍّ ( غَيْرِ مَثْغُورَةٍ قَبْلَ الْعِلْمِ بِفَسَادِ الْمَنْبَتِ ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَوْدُهَا فَهِيَ كَالشَّعْرِ يُحْلَقُ ( وَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ ( أَوْ قَبْلَ تَمَامِ نَبَاتِهَا فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْنٌ لِمَا حَصَلَ مِنْ الْأَلَمِ ، وَكَمَا يَجِبُ بِتَقْدِيرِ الْعَوْدِ ، وَإِنْ

لَمْ يَبْقَ شَيْنٌ بِأَنْ تُقَدَّرَ الْجِنَايَةُ فِي حَالِ كَوْنِهَا دَامِيَةً كَمَا سَيَأْتِي أَمَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْفَسَادِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ كَمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ( وَإِنْ قَلَعَهَا قَبْلَ التَّمَامِ ) لِنَبَاتِهَا ( آخَرُ اُنْتُظِرَتْ فَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ فَالدِّيَةُ عَلَى الْآخَرِ ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ الْأُولَى ، وَإِنْ أَفْسَدَ مَنْبَتَ غَيْرِ الْمَثْغُورَةِ آخَرُ ) بَعْدَ قَلْعِ غَيْرِهِ لَهَا ( فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ ، وَفِي إلْزَامِ الْأَوَّلِ الْأَرْشَ تَرَدُّدٌ ) أَيْ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْبَسِيطِ الْمَنْعُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى حُكُومَةٍ ( فَإِنْ سَقَطَتْ بِلَا جِنَايَةٍ ) ثُمَّ أَفْسَدَ شَخْصٌ مَنْبَتَهَا ( فَفِي إلْزَامِ الْمُفْسِدِ الْأَرْشَ تَرَدُّدٌ ) وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ لِمَا مَرَّ آنِفًا ( وَإِذَا نَبَتَتْ سِنُّ الْمَثْغُورِ ) بَعْدَ قَلْعِهَا بِجِنَايَةٍ ، وَأَخْذِ أَرْشِهَا ( لَمْ يَسْتَرِدَّ الْأَرْشَ ) ؛ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ ( كَمُوضِحَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ الْتَحَمَتْ ) بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالْتِحَامِهَا الْقِصَاصُ ( وَيَسْتَتِرُ ) الْأَرْشُ ( فِي سَائِرِ ) أَيْ جَمِيعِ ( الْمَعَانِي كَبَطْشِ الْيَدِ ) أَيْ عَوْدِهِ ( وَعَوْدِ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ ) لِظُهُورِ عَدَمِ زَوَالِهَا بِخِلَافِ الْأَجْسَامِ غَيْرِ الْإِفْضَاءِ وَسِنِّ غَيْرِ الْمَثْغُورِ فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ فِيهَا الْإِبَانَةَ ، وَلَا يُعْتَادُ فِيهَا الْعَوْدُ ( وَتَجِبُ حُكُومَةٌ لَا أَرْشٌ فِي سِنٍّ مُتَزَلْزِلَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ بَطَلَ نَفْعُهُمَا ، وَلَا يَضُرُّ نَقْصُهُ ) أَيْ نَقْصُ نَفْعِهَا فِي إيجَابِ الْأَرْشِ فَيَجِبُ الْأَرْشُ مَعَ نَقْصِ نَفْعِهِمَا لِتَعَلُّقِ الْجَمَالِ ، وَأَصْلِ الْمَنْفَعَةِ بِهِمَا فِي الْمَضْغِ ، وَحِفْظِ الطَّعَامِ وَرَدِّ الرِّيقِ ، وَلَا أَثَرَ لِضَعْفِهَا كَضَعْفِ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ .
( وَإِنْ تَزَلْزَلَتْ ) سِنٌّ ( صَحِيحَةٌ بِجِنَايَةٍ ثُمَّ سَقَطَتْ بَعْدُ لَزِمَهُ الْأَرْشُ ، وَإِنْ بَقِيَتْ ، وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ فَحُكُومَةٌ ) تَلْزَمُهُ كَمَا لَمْ يَبْقَ فِي الْجِرَاحَةِ نَقْصٌ ، وَلَا شَيْنٌ ( أَوْ

) عَادَتْ ( نَاقِصَةَ الْمَنْفَعَةِ فَالْأَرْشُ ) وَاجِبٌ كَذَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ الْأَصْلُ وَاَلَّذِي فِي الْأَنْوَارِ لَزِمَتْهُ الْحُكُومَةُ لَا الْأَرْشُ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِقَلْعِهَا كَمَا مَرَّ قَالَ ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَزِلَّةُ الْقَدَمِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( فَإِذَا قَلَعَهَا آخَرُ لَزِمَتْهُ حُكُومَةٌ ) دُونَ حُكُومَةِ سِنٍّ تَحَرَّكَتْ بِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ الَّذِي فِيهَا قَدْ غَرِمَهُ الْجَانِي الْأَوَّلُ بِخِلَافِهِ فِي الْهَرَمِ وَالْمَرَضِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ، وَأَقَرَّهُ ( وَلَا أَثَرَ ) فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ ( لِلسَّوَادِ الْأَصْلِيِّ ) فَلَوْ قَلَعَ سِنًّا سَوْدَاءَ قَبْلَ أَنْ تُثْغِرَ ، وَبَعْدَهُ لَزِمَهُ الْأَرْشُ ؛ لِأَنَّ سَوَادَهَا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَهُوَ كَعُمْشِ الْعَيْنِ خِلْقَةً ( فَإِنْ ثُغِرَ ) الشَّخْصُ بِضَمِّ الثَّاءِ ، وَكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ قُلِعَتْ سِنُّهُ ( فَنَبَتَتْ سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ ) ثُمَّ ( اسْوَدَّتْ ، وَقَالُوا ) أَيْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ ( لِعِلَّةٍ ) فِيهَا ( فَفِيهَا حُكُومَةٌ ، وَإِلَّا ) بِأَنْ قَالُوا لَمْ يَكُنْ لِعِلَّةٍ أَوْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِعِلَّةٍ ، وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهَا ( فَالْأَرْشُ ) وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى الْحُكُومَةِ مَعَ كَمَالِ الْمَنْفَعَةِ ، وَعَدَمِ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ خِلَافُ الْقِيَاسِ ( وَمَتَى ضَرَبَهَا فَاسْوَدَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ ) مَثَلًا ( وَمَنْفَعَتُهَا بَاقِيَةٌ فَحُكُومَةٌ ) تَلْزَمُهُ ، وَحُكُومَةُ الِاخْضِرَارِ أَقَلُّ مِنْ حُكُومَةِ الِاسْوِدَادِ ، وَحُكُومَةُ الِاصْفِرَارِ أَقَلُّ مِنْ الِاخْضِرَارِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَإِنْ فَاتَتْ مَنْفَعَتُهَا فَالْأَرْشُ .

( قَوْلُهُ : وَفِي كُلِّ سِنٍّ أَصْلِيَّةٍ إلَخْ ) فَفِيهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا شَمِلَ مَا لَوْ ذَهَبَتْ حِدَّتُهَا حَتَّى كَلَّتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ ( قَوْلُهُ : وَتَنْقُصُ الدِّيَةُ لِصِغَرِ سِنٍّ فِي بَعْضِ الْأَسْنَانِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْبَيَانِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَضْرَاسِ طِوَالًا وَبَعْضُهَا قِصَارًا أَوْ بَعْضُ الرَّبَاعِيَاتِ طِوَالًا وَبَعْضُهَا قِصَارًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ قَرِيبًا فَفِي كُلِّ سِنٍّ دِيَتُهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ خِلْقَةِ الْأَصْلِ ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ كَثِيرًا فَفِيهَا بِقِسْطِهَا مِنْ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْقَصِيرَةُ نِصْفَ الطَّوِيلَةِ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ ثُلُثَيْهَا فَفِيهَا ثُلُثَا الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّقْصَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ سَبَبِ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ نَقْصِهِمَا عَنْهُمَا ) وَنَقْصِ إحْدَى الثِّنْتَيْنِ عَنْ أُخْتِهَا ( قَوْلُهُ : وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِالشَّائِنِ إلَخْ ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهَا بَاقِيَةً فَإِنَّ دِيَتَهَا كَدِيَةِ غَيْرِهَا ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْبَسِيطِ إلَخْ ) الْمَنْعُ هُوَ الرَّاجِحُ إذْ لَمْ يُقْلِعْ سِنًّا بِمُجَرَّدِ الْإِفْسَادِ ، وَلَا عَلَيْهِمَا إذْ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ جِنَايَتَيْهِمَا ( قَوْلُهُ : وَالِاقْتِصَارُ عَلَى حُكُومَةٍ ) هُوَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : بَطَلَ نَفْعُهُمَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) كَانَ الْمُرَادُ مَنْفَعَةَ الْمَضْغِ لَا كُلَّ مَنْفَعَةٍ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْجَمَالِ وَحَبْسِ الطَّعَامِ وَالرِّيقِ مَوْجُودَةٌ مَعَ بَقَائِهَا وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ ، وَمَتَى انْتَهَى صِغَرُ السِّنِّ إلَى أَنْ لَا تَصْلُحَ لِلْمَضْغِ فَوَاجِبُهَا الْحُكُومَةُ كَالشَّلَّاءِ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَادَتْ نَاقِصَةَ الْمَنْفَعَةِ ) أَيْ بَقِيَتْ السِّنُّ نَاقِصَةَ الْمَنْفَعَةِ بِمَعْنَى ذَاهِبَتِهَا ( قَوْلُهُ : وَحُكُومَةُ الِاصْفِرَارِ أَقَلُّ مِنْ الِاخْضِرَارِ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَحُكُومَةُ الِاخْضِرَارِ أَقَلُّ مِنْ الِاصْفِرَارِ ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ

أَيْضًا قَالَ بَعْضُهُمْ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ .

( فَصْلٌ : الْأَسْنَانُ ) فِي غَالِبِ الْفِطْرَةِ ( اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ) أَرْبَعٌ ثَنَايَا ، وَهِيَ الْوَاقِعَةُ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ ثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلَ ثُمَّ أَرْبَعٌ رَبَاعِيَاتٌ ثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلَ ثُمَّ أَرْبَعٌ ضَوَاحِكُ ثُمَّ أَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ ، وَأَرْبَعَةُ نَوَاجِذَ وَاثْنَا عَشَرَ ضِرْسًا وَتُسَمَّى الطَّوَاحِينَ قَالَهُ فِي الْأَصْلِ لَا يُقَالُ قَضِيَّتُهُ أَنَّ النَّوَاجِذَ فِي الْإِثْنَاءِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ آخِرُ الْأَضْرَاسِ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ قَضِيَّتَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِثُمَّ ثُمَّ عَطَفَ النَّوَاجِذَ وَالْأَضْرَاسَ بِالْوَاوِ ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا ، وَأَمَّا خَبَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ } فَالْمُرَادُ ضَوَاحِكُهُ ؛ لِأَنَّ ضَحِكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَبَسُّمًا ( فَإِذَا قَلَعَهَا مَعًا ) أَوْ مُرَتَّبًا ( لَزِمَهُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا ) لِمَا مَرَّ أَنَّ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ وَلِكَوْنِهَا يَخْتَلِفُ نَبَاتُهَا تَقَدُّمًا وَتَأَخُّرًا اُعْتُبِرَتْ فِي نَفْسِهَا فَزَادَ أَرْشُهَا عَلَى أَرْشِ النَّفْسِ بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ وَنَحْوِهَا ( فَإِنْ زَادَتْ ) عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ، وَكَانَ الزَّائِدُ عَلَى سُنَنِهَا ( فَهَلْ لِلزَّائِدِ أَرْشٌ ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ( أَوْ حُكُومَةٌ ) لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْغَالِبِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ ( وَجْهَانِ ) صَحَّحَ مِنْهُمَا الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ ، وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الثَّانِيَ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ .

( فَصْلٌ : الْأَسْنَانُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ) ( قَوْلُهُ : فَإِذَا قَلَعَهَا لَزِمَهُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا ) لَوْ كَانَتْ أَسْنَانُ شَخْصٍ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْأَعْلَى ، وَقِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْأَسْفَلِ وَأُزِيلَتْ بِجِنَايَةٍ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي دِيَةُ كَامِلِ الْأَسْنَانِ ، وَهِيَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا أَوْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ حَمْلًا عَلَى النَّاقِصِ أَوْ لَا يُزَادُ فِيهِ عَلَى دِيَةٍ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا وَاحِدَةٌ ، وَقَدْ أُزِيلَتْ فِيهِ نَظَرٌ ، وَالْأَقْرَبُ الْأَخِيرُ د ، وَقَوْلُهُ ، وَالْأَقْرَبُ الْأَخِيرُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَهَلْ لِلزَّائِدَةِ أَرْشٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ) ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخَبَرِ وَالْجُمْهُورِ ، وَقَالَ الْغَزِّيِّ : وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ ، وَإِلَّا فَلَكَ أَنْ تَقُولَ أَيُّ أَسْنَانِهِ الزَّائِدُ

الْعُضْوُ ( الثَّامِنُ اللَّحْيَانِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ( وَهُمَا مَنْبَتُ الْأَسْنَانِ السُّفْلَى ) ، وَمُلْتَقَاهُمَا الذَّقَنُ ( وَفِيهِمَا الدِّيَةُ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا ، وَمَنْفَعَةً ظَاهِرَةً ( وَلَا يَتْبَعُهُمَا الْأَسْنَانُ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِرَأْسِهِ ، وَلَهُ بَدَلٌ مُقَدَّرٌ وَاسْمٌ يَخُصُّهُ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ بِخِلَافِ الْيَدِ مَعَ الْأَصَابِعِ ، وَلَوْ فَكَّهُمَا أَوْ ضَرَبَهُمَا فَيَبِسَا لَزِمَهُ دِيَتُهُمَا فَإِنْ تَعَطَّلَ بِذَلِكَ مَنْفَعَةُ الْأَسْنَانِ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى اللَّحْيَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ .

الْعُضْوُ ( التَّاسِعُ الْيَدَانِ ، وَفِيهِمَا الدِّيَةُ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ( وَتَكْمُلُ ) الدِّيَةُ ( بِلَقْطِ الْأَصَابِعِ ) لِمَا ثَبَتَ أَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشَرًا مِنْ الْإِبِلِ ( وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ فِي دِيَتِهَا ) أَيْ الْأَصَابِعِ كَمَا فِي الْمَارِنِ مَعَ قَصَبَتِهِ ( بِخِلَافِ مَا قُطِعَ مِنْ السَّاعِدِ ، وَ ) مِنْ ( الْمَرْفِقِ ، وَ ) مِنْ ( الْعَضُدِ ) فَلَا تَدْخُلُ حُكُومَتُهَا فِي دِيَةِ الْيَدِ ( بَلْ تَجِبُ حُكُومَتُهَا مَعَ الْيَدِ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مَعَ الْيَدِ عُضْوَانِ بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَطْعِهِمَا فِي السَّرِقَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } ( ثُمَّ ) بَعْدَ لَقْطِهِ الْأَصَابِعَ ( إنْ قَطَعَ الْكَفَّيْنِ ) أَوْ أَحَدَهُمَا ( بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ ( كَمَا فِي السِّنْخِ ) مَعَ السِّنِّ لِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ ( وَفِي الْأُصْبُعِ ) أَيْ فِي قَطْعِ كُلِّ أُصْبُعٍ ( عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ( وَ ) فِي قَطْعِ ( أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُهَا ) أَيْ الْعَشَرَةِ ( وَ ) أُنْمُلَةِ ( غَيْرِهَا ثُلُثُهَا ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أُصْبُعٍ ثَلَاثَ أَنَامِلَ إلَّا الْإِبْهَامَ فَلَهَا أُنْمُلَتَانِ فَلَوْ انْقَسَمَتْ أُصْبُعٌ بِأَرْبَعِ أَنَامِلَ مُتَسَاوِيَةٍ فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبُعُ الْعُشْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
وَيُقَاسُ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّاقِصَةِ عَنْ الثَّلَاثِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَقْسِمُوا دِيَةَ الْأَصَابِعِ عَلَيْهَا إنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ كَمَا فِي الْأَنَامِلِ بَلْ أَوْجَبُوا فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةً قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ الزَّائِدَةَ مِنْ الْأَصَابِعِ مُتَمَيِّزَةٌ ، وَمِنْ الْأَنَامِلِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ ( ، وَمَنْ لَهُ يَمِينَانِ أَوْ شِمَالَانِ أَوْ كَفَّانِ ) مَعَ الْأَصَابِعِ ( عَلَى مَنْكِبٍ فِي ) الْأُولَيَيْنِ ( أَوْ مِعْصَمٌ ) فِي الثَّالِثَةِ ( وَإِحْدَاهُمَا أَكْمَلُ ) مِنْ

الْأُخْرَى ( فَهِيَ الْيَدُ ) الْأَصْلِيَّةُ ( فَفِيهَا ) أَيْ فِي قَطْعِهَا ( الْقِصَاصُ ، وَفِي الْأُخْرَى الْحُكُومَةُ ، وَيُعْرَفُ الْكَمَالُ بِالْبَطْشِ أَوْ قُوَّتِهِ ) ، وَإِنْ كَانَتْ الْبَاطِشَةُ أَوْ الْقَوِيَّةُ مُنْحَرِفَةً عَنْ الذِّرَاعِ أَوْ نَاقِصَةَ أُصْبُعٍ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْيَدَ خُلِقَتْ لِلْبَطْشِ فَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا عَلَى كَمَالِهَا أَيْ أَصَالَتِهَا ( فَإِنْ كَانَتْ ) إحْدَاهُمَا ( مُعْتَدِلَةً وَالْأُخْرَى مُنْحَرِفَةً فَالْيَدُ ) الْأَصْلِيَّةُ هِيَ ( الْمُعْتَدِلَةُ لَا إنْ كَانَتْ الْمُنْحَرِفَةُ أَقْوَى بَطْشًا ) فَإِنَّهَا الْأَصْلِيَّةُ لِمَا مَرَّ ، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُعْتَدِلَةً وَالْأُخْرَى زَائِدَةَ أُصْبُعٍ فَلَا تَمْيِيزَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْأَصْلِيَّةَ كَثِيرًا مَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَإِنْ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( اسْتَوَيَا ) بَطْشًا ( وَإِحْدَاهُمَا ) مُسْتَوِيَةٌ لَكِنَّهَا ( نَاقِصَةُ أُصْبُعٍ وَالْأُخْرَى مُنْحَرِفَةٌ ) كَامِلَةٌ ( فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ ) .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُنْحَرِفَةَ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الْبَطْشِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُمَا إذَا اسْتَوَيَا بَطْشًا ، وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْأُخْرَى فَالْكَبِيرَةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ ( فَإِنْ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( اسْتَوَيَا ) بَطْشًا وَغَيْرُهُ ( فَهُمَا كَيَدٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَى قَاطِعِهِمَا الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ ، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ حُكُومَةٌ لِزِيَادَةِ الصُّورَةِ ، وَفِي ) قَطْعِ ( إحْدَاهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ ، وَحُكُومَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا نِصْفٌ فِي صُورَةِ الْكُلِّ ( وَلَا قِصَاصَ ) فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْقَاطِعِ مِثْلُهَا ( ، وَفِي ) قَطْعِ ( الْأُصْبُعِ وَالْأُنْمُلَةِ ) مِنْهَا ( نِصْفُ دِيَتِهِمَا ، وَحُكُومَةٌ ) لِمَا مَرَّ آنِفًا ( فَلَوْ عَادَ ) الْقَاطِعُ إحْدَاهُمَا بَعْدَ أَخْذِ الْأَرْشِ وَالْحُكُومَةِ مِنْهُ ( وَقَطَعَ ) الْيَدَ ( الثَّانِيَةَ فَهَلْ لَهُ ) أَيْ لِلْمَقْطُوعِ ( رَدُّ الْأَرْشِ ) الَّذِي أَخَذَهُ ( غَيْرَ قَدْرِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70