كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

الْبَهْجَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ .
قَوْلُهُ : لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إلَخْ ) لَعَلَّهُمَا بَنَيَاهُ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِالْعِلْمِ .

( فَرْعٌ وَتَنْفَسِخُ ) الْجَعَالَةُ ( بِالْمَوْتِ ) وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ لِأَحَدِ الْمُتَعَامِلَيْنِ ( فَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ ) فِي الْعَمَلِ ( فَرَدَّهُ إلَى وَرَثَتِهِ ) وَفِي نُسْخَةٍ " وَارِثِهِ " ( وَجَبَ قِسْطُهُ ) أَيْ قِسْطُ مَا عَمِلَهُ فِي الْحَيَاةِ ( مِنْ الْمُسَمَّى ) وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ فَرَدَّهُ وَارِثُهُ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ أَيْضًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
( قَوْلُهُ : اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ) وَأَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَلْ يَسْتَحِقُّ تَمَامَ الْمُسَمَّى .
ا هـ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ أَنَّ وَارِثَ الْعَامِلِ إذَا رَدَّهُ اسْتَحَقَّ تَمَامَ الْجُعْلِ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ مَاتَ وَقَدْ جَاءَ بِهِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَهَرَبَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ رَدَّهُ وَرَثَتُهُ اسْتَحَقُّوا

( فَرْعٌ وَإِنْ زَادَ ) الْمَالِكُ ( أَوْ نَقَصَ ) فِي الْجُعْلِ أَوْ غَيَّرَ جِنْسَهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ وَسَمِعَهُ الْعَامِلُ ( اُعْتُبِرَ النِّدَاءُ الْأَخِيرُ ) فَلِلْعَامِلِ مَا ذُكِرَ فِيهِ وَجَازَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الثَّمَنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ( فَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ ) الْعَامِلُ ( أَوْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ ) فِي الْعَمَلِ وَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَتَمَّمَ الْعَمَلَ وَقَدْ سَمِعَ الْأَوَّلَ أَيْضًا ( وَجَبَ ) لَهُ ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) لِأَنَّ النِّدَاءَ الثَّانِيَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ ، وَالْفَسْخُ مِنْ الْمَالِكِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلَوْ عَمِلَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الْأَوَّلَ خَاصَّةً وَمَنْ سَمِعَ الثَّانِيَ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ، وَالثَّانِي نِصْفَ الْمُسَمَّى الثَّانِي وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاعِ الْعِلْمُ ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا قَالَهُ فِي الْأُولَى لِجَمِيعِ الْعَمَلِ وَفِي الثَّانِيَةِ لِعَمَلِهِ قَبْلَ النِّدَاءِ الثَّانِي أَمَّا عَمَلُهُ بَعْدَهُ فَفِيهِ قِسْطُهُ مِنْ مُسَمَّاهُ لَا لِلْمَاضِي خَاصَّةً وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ شَيْئًا بَعْدَ الْفَسْخِ لَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا فَسَخَ بِلَا بَدَلٍ بِخِلَافِ هَذَا ( وَإِنْ رَدَّ آبِقًا لَمْ يَحْبِسْهُ لِلِاسْتِيفَاءِ ) لِلْجُعْلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالتَّسْلِيمِ وَكَذَا لَا يَحْبِسُهُ لِاسْتِيفَاءِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَعِبَارَتُهُ شَامِلَةٌ لَهُ بِخِلَافِ عِبَارَةِ أَصْلِهِ ( وَإِنْ هَرَبَ ) مِنْهُ ( فِي الطَّرِيقِ ) بَلْ أَوْ فِي دَارِ الْمَالِكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَهُ ( أَوْ مَاتَ ) أَوْ غُصِبَ أَوْ تَرَكَهُ الْعَامِلُ ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) وَإِنْ حَضَرَ الْآبِقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اكْتَرَى مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَأَتَى بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ وَمَاتَ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجِّ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ

مِنْ الْمَقْصُودِ ، وَبِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِيهَا بِالْعَقْدِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَالْجَعَالَةَ جَائِزَةٌ لَا يَثْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ ( وَإِنْ خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ فَاحْتَرَقَ ) أَوْ تَرَكَهُ أَوْ بَنَى بَعْضَ الْحَائِطِ فَانْهَدَمَ أَوْ تَرَكَهُ ( أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ الصَّبِيُّ لِبَلَادَتِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ ) كَمَا لَوْ طَلَبَ الْآبِقَ فَلَمْ يَجِدْهُ وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ إذَا لَمْ يَقَعْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمُسَمَّى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ( أَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيمِ وَجَبَ ) لِلْعَامِلِ ( الْقِسْطُ ) مِنْ الْمُسَمَّى ( لِوُقُوعِهِ مُسَلَّمًا ) بِالتَّعْلِيمِ مَعَ ظُهُورِ أَثَرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمَحَلِّ بِخِلَافِ رَدِّ الْآبِقِ ( وَإِنْ مَنَعَهُ أَبُوهُ ) مِنْ تَمَامِ التَّعْلِيمِ ( أَوْ الْمَالِكُ ) لِلْمَالِ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ ( وَجَبَ ) لَهُ عَلَيْهِ ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) لِمَا عَمِلَهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ فَسْخٌ أَوْ كَالْفَسْخِ ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ زِيَادَتِهِ .

( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالتَّسْلِيمِ ) لَوْ لَمْ يَجِدْ الْعَامِلُ الْمَالِكَ سَلَّمَ الْمَرْدُودَ إلَى الْحَاكِمِ وَاسْتَحَقَّ الْجُعْلَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ أَشْهَدَ وَاسْتَحَقَّ ( قَوْلُهُ : أَوْ بَنَى بَعْضَ الْحَائِطِ ) وَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِالْيَدِ ( قَوْلُهُ : أَوْ مَاتَ الصَّغِيرُ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيمِ إلَخْ ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ حُرًّا كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ لِلسَّيِّدِ أَوْ حَصَلَ التَّعْلِيمُ بِحَضْرَتِهِ ، أَوْ فِي مِلْكِهِ وَتَلِفَ الْجُعْلُ الْمُعَيَّنُ بِيَدِ الْمُلْتَزِمِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَعَلِمَ بِهِ الْعَامِلُ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الرَّدِّ وَإِنْ جَهِلَهُ ، أَوْ تَلِفَ بَعْدَ الرَّدِّ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْآبِقِ ) وَقَوْلُ الْقَمُولِيِّ لَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ الَّذِي خَاطَ بَعْضَهُ ، أَوْ الْجِدَارُ الَّذِي بَنَى بَعْضَهُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ مَا عَمِلَ أَيْ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمُسَمَّى كَمَا قَدَّرَ مِثْلَهُ فِيمَا قَبْلَهَا لِيُوَافِقَ قَوْلَ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي فِي مَسْأَلَةِ الْقَمُولِيِّ اسْتَحَقَّ مِنْ الْمُسَمَّى بِقَدْرِ مَا عَمِلَ وَقَوْلَ الشَّيْخَيْنِ لَوْ قَطَعَ الْعَامِلُ بَعْضَ الْمَسَافَةِ لِرَدِّ الْآبِقِ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَالِكُ فَرَدَّهُ إلَى الْوَارِثِ اسْتَحَقَّ مِنْ الْمُسَمَّى بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي الْحَيَاةِ وَقَوْلَهُمَا فِي الْإِجَارَةِ فِي مَوْضِعٍ لَوْ خَاطَ بَعْضَ الثَّوْبِ وَاحْتَرَقَ وَكَانَ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ ، أَوْ فِي مِلْكِهِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ مَا عَمِلَ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمُسَمَّى لِوُقُوعِ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ اكْتَرَاهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ فَخَاطَ بَعْضَهُ وَاحْتَرَقَ وَقُلْنَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَإِلَّا فَقِسْطُهُ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ لِحَمْلِ جَرَّةٍ فَزَلِقَ فِي الطَّرِيقِ فَانْكَسَرَتْ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخِيَاطَةَ تَظْهَرُ عَلَى الثَّوْبِ فَوَقَعَ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا لِظُهُورِ أَثَرِهِ وَالْحَمْلَ لَا يَظْهَرُ عَلَى الْجَرَّةِ وَبِمَا

قَالَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِسْطِ فِي الْإِجَارَةِ وُقُوعُ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا وَظُهُورُ أَثَرِهِ عَلَى الْمَحَلِّ ، وَمِثْلُهَا الْجَعَالَةُ ش .

( فَصْلٌ : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِ الْجُعْلِ ) فَقَالَ الْعَامِلُ شَرَطْت لِي جَعْلًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ أَوْ قَالَ شَرَطْته عَلَى عَبْدٍ آخَرَ ( أَوْ ) فِي ( الرَّدِّ ) فَقَالَ أَنَا رَدَدْته وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ جَاءَ بِنَفْسِهِ أَوْ رَدَّهُ غَيْرُك ( صُدِّقَ الْمَالِكُ ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَعَدَمُ الشَّرْطِ ( أَوْ فِي قَدْرِ الْمَشْرُوطِ ) كَكَوْنِهِ دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ ( أَوْ فِي كَوْنِهِ عَلَى ) رَدِّ ( عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ ) وَقَدْ رَدَّ أَحَدَهُمَا ( تَحَالَفَا ) وَفُسِخَ الْعَقْدُ ( وَوَجَبَ ) لِلْعَامِلِ ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ وَالتَّسْلِيمِ نَعَمْ يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْفَرَاغِ فِيمَا إذَا وَجَبَ لِلْعَامِلِ قِسْطُ مَا عَمِلَهُ .
( قَوْلُهُ : لَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِ الْجُعْلِ إلَخْ ) أَوْ فِي سَمَاعِ النِّدَاءِ صُدِّقَ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ بِعْهُ بِكَذَا أَوْ اعْمَلْ كَذَا وَلَك عَشَرَةٌ ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَأَتَيَا بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إجَارَةً وَجَعَالَةً ( فَإِنْ ضَبَطَ الْعَمَلَ فَإِجَارَةٌ وَإِلَّا فَجَعَالَةٌ ) كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ .
عَنْ بَعْضِ التَّصَانِيفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ الْإِمَامِ تَفْرِيعٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجَعَالَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا لَكِنْ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ خِلَافَهُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ ضَبَطَ الْعَمَلَ فَإِجَارَةٌ وَإِلَّا فَجَعَالَةٌ ) الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي .

( فَرْعٌ يَدُ الْعَامِلِ ) عَلَى مَا يَقَعُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ ( يَدُ أَمَانَةٍ فَإِنْ خَلَّاهُ بِتَفْرِيطٍ ) كَأَنْ خَلَّاهُ بِمَضْيَعَةٍ ( ضَمِنَ ) لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ خَلَّاهُ بِلَا تَفْرِيطٍ كَأَنْ خَلَّاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَضْمَنْ ( وَإِنْ أَنْفَقَ ) عَلَيْهِ مُدَّةَ الرَّدِّ ( فَمُتَبَرِّعٌ ) إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ يَشْهَدَ عِنْدَ فَقْدِهِ لِيَرْجِعَ ( وَمَنْ وَجَدَ مَرِيضًا ) عَاجِزًا عَنْ السَّيْرِ ( بِبَادِيَةٍ ) أَوْ نَحْوِهَا ( لَزِمَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ لَا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ ) أَوْ نَحْوِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ( وَإِذَا أَقَامَ ) مَعَهُ ( فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَلَوْ مَاتَ ) الْمَرِيضُ ( أَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ إنْ كَانَ أَمِينًا حَمْلُ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَمْلُ وَإِنْ جَازَ لَهُ ( وَلَا يَضْمَنُهُ ) فِي الْحَالَيْنِ وَلَيْسَ حُكْمُ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَيِّتِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِوَرَثَتِهِ فِي حَيَاتِهِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ .
قَوْلُهُ : وَإِنْ أَنْفَقَ فَمُتَبَرِّعٌ ) لَوْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْآبِقِ إلَّا بِبَيْعِ بَعْضِهِ وَلِإِنْفَاقٍ عَلَيْهِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ رُكُوبُ الْبَعِيرِ الْمَرْدُودِ فَإِنْ رَكِبَهُ ضَمِنَ .

( وَالْحَاكِمُ يَحْبِسُ الْآبِقَ ) إذْ وَجَدَهُ انْتِظَارًا ( لِسَيِّدِهِ فَإِنْ أَبْطَأَ ) سَيِّدُهُ ( بَاعَهُ ) الْحَاكِمُ ( وَحَفِظَ ثَمَنَهُ ) فَإِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ ( وَإِنْ سَرَقَ الْآبِقُ قُطِعَ كَغَيْرِهِ ) .

( خَاتِمَةٌ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَوْ تَوَلَّى وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا أَفْتَى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ .

( كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ) وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ ، الْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِهِ { مَنْ عَمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَخَبَرِ { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( هُوَ مُسْتَحَبٌّ ) لِخَبَرِ { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِي مِنْهَا فَهُوَ صَدَقَةٌ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْمَوَاتُ الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُعْمَرْ أَوْ عُمِرَتْ جَاهِلِيَّةً وَلَا هِيَ حَرِيمٌ لِمَعْمُورٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي وَلَا يُشْتَرَطُ فِي نَفْيِ الْعِمَارَةِ التَّحَقُّقُ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ تَحَقُّقِهَا بِأَنْ لَا يُرَى أَثَرُهَا وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مِنْ أُصُولِ شَجَرٍ وَنَهْرٍ وَجُدُرٍ وَآثَارِ أَوْتَادٍ وَنَحْوِهَا ( وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ ) وَنَحْوِهَا ( فَإِنْ كَانَتْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ فَلِلْمُسْلِمِ ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ ( تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ ) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ الْإِمَامُ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ( وَلَوْ كَانَ بِالْأَرْضِ أَثَرُ عِمَارَةِ جَاهِلِيَّةٍ لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهَا فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوَاتًا كَالرِّكَازِ وَلِخَبَرِ { عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي } أَيْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ( أَوْ ) كَانَ بِهَا أَثَرُ عِمَارَةٍ ( إسْلَامِيَّةٍ فَأَمْرُهَا إلَى الْإِمَامِ ) فِي حِفْظِهَا أَوْ بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا إلَى ظُهُورِ مَالِكِهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ بِبِلَادِ الْكُفْرِ فَإِنَّهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ أَمَّا إذَا عُرِفَ مَالِكُهَا فَهِيَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ وَلَا تُمَلَّكُ بِالْإِحْيَاءِ نَعَمْ إنْ أَعْرَضَ عَنْهَا الْكَافِرُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مُلِّكَتْ بِالْإِحْيَاءِ قَالَهُ

ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ ( وَإِنْ أَحْيَا ذِمِّيٌّ أَرْضًا مَيْتَةً ) بِدَارِنَا وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ ( نُزِعَتْ مِنْهُ ) فَلَا يَمْلِكُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِعْلَاءِ وَلِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ السَّابِقِ ( وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ مِلْكَ أَحَدٍ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي دَارِنَا بِالْأُجْرَةِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَلَوْ نَزَعَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ وَأَحْيَاهَا ) وَلَوْ ( بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهَا ) إذْ لَا أَثَرَ لِفِعْلِ الذِّمِّيِّ فَإِنْ بَقِيَ لَهُ فِيهَا عَيْنٌ نَقَلَهَا وَلَا يَضُرُّ بَعْدَ نَقْلِهَا بَقَاءُ أَثَرِ عِمَارَةٍ ( فَلَوْ زَرَعَهَا الذِّمِّيُّ وَزَهِدَ فِيهَا ) أَيْ تَرَكَهَا تَبَرُّعًا ( صَرَفَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ فِي الْمَصَالِحِ ) أَيْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ( وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهَا ) أَيْ الْغَلَّةِ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ .

( كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ) ( قَوْلُهُ : { وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ } ) الْعِرْقُ أَرْبَعَةٌ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ وَالْبِئْرُ وَالنَّهْرُ وَاعْلَمْ أَنَّ بِقَاعَ الْأَرْضِ إمَّا مَمْلُوكَةٌ أَوْ مَحْبُوسَةٌ عَلَى الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ ، وَإِمَّا مُنْفَكَّةٌ عَنْ الْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَهِيَ الْمَوَاتُ وَرُوِيَ عِرْقٌ مُضَافًا وَمُنَوَّنًا وَصَوَّبَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ ) أَوْ رَقِيقًا ( قَوْلُهُ : تَمَلَّكَهَا بِالْإِحْيَاءِ ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ مَوَاتًا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ حَتَّى فُتِحَ وَوُقِفَ ثُمَّ أَحْيَاهُ مُحْيٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّمَلُّكِ يُفْهَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يَمْلِكَانِ وَلَا يَمْتَلِكَانِ لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اصْطِيَادُهُ وَاحْتِطَابُهُ أَوْ وَجَدَ رِكَازًا أَوْ اسْتَخْرَجَ مَعْدِنًا كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت الْمُتَوَلِّيَ صَرَّحَ بِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ ) نَعَمْ لَوْ حَمَى الْإِمَامُ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ مَوْضِعًا ثُمَّ نَقَضَهُ وَقُلْنَا بِجَوَازِ نَقْضِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ إحْيَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَصَرُّفِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) الْقَصْدُ إلَى الْإِحْيَاءِ هَلْ يُعْتَبَرُ لِحُصُولِ الْمِلْكِ قَالَ الْإِمَامُ مَا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْعَادَةِ إلَّا لِلتَّمْلِيكِ كَبِنَاءِ دَارٍ وَاِتِّخَاذِ بُسْتَانٍ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَصْدٌ وَمَا يَفْعَلُهُ لِلتَّمْلِيكِ وَغَيْرِهِ كَحَفْرِ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ وَزِرَاعَةِ بُقْعَةٍ مِنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَاءِ السَّمَاءِ إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدٌ أَفَادَ الْمِلْكَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ .
ا هـ .
أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ ) زِيَادَةُ { أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ } رَوَاهَا الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا

تُعْرَفُ لَكِنْ يُعَضِّدُهَا رِوَايَةُ النَّسَائِيّ عَنْ جَابِرٍ { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ } ( قَوْلُهُ : أَوْ بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا ) أَوْ اسْتِقْرَاضِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ إقْطَاعِهَا مِنْ أَهْلِ الْمَصَالِحِ ، وَالْإِقْطَاعُ شَرْطٌ فِي إحْيَائِهَا وَقَاضِي الْبُقْعَةِ كَالْإِمَامِ ( قَوْلُهُ : إلَى ظُهُورِ مَالِكِهَا ) نَقَلَ فِي الْخَادِمِ عَنْ قَوَاعِدِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مَحَلَّ حِفْظِهِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ مَا إذَا تَوَقَّعَ وَإِلَّا صَارَ مَصْرُوفًا إلَى مَصَارِيفِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي التَّلْقِينِ وَلَوْ خَرِبَتْ قَرْيَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَتَعَطَّلَتْ وَلَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهَا فَهَلْ لِلْإِمَامِ إعْطَاؤُهَا لِمَنْ يَعْمُرُهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَكُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ وَلَا يُرْجَى ظُهُورُهُ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ كَسَائِرِ بَيْتِ الْمَالِ وَهَلْ يَجُوزُ إقْطَاعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ جَوَازَهُ ( قَوْلُهُ : قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْكَافِرِ ( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) فَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ هَلْ هِيَ إسْلَامِيَّةٌ أَوْ جَاهِلِيَّةٌ قَالَ الكوهكيلوني فَظَاهِرُ لَفْظِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الْإِحْيَاءُ وَظَنِّي أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ صَرِيحَ نَقْلٍ فِيهِ .
ا هـ .
إذَا شَكَكْنَا فِي مَعْمُورٍ هَلْ هُوَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمَطْلَبِ عَنْ ابْنِ دَاوُد ثُمَّ قَالَ وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي الرِّكَازِ الَّذِي جُهِلَ حَالُهُ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهَا إسْلَامِيَّةٌ أَوْ جَاهِلِيَّةٌ فَكَالْإِسْلَامِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ كُلُّ مَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً كَخَيْبَرِ وَسَوَادِ

الْعِرَاقِ أَوْ صُلْحًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ لَنَا وَهُمْ يَسْكُنُونَهَا بِجِزْيَةٍ وَإِنْ فُتِحَ عَلَى أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ لَهُمْ فَمَوَاتُهَا كَمَوَاتِ دَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ غَلَبَ الْكُفَّارُ عَلَى بَلْدَةٍ يَسْكُنُهَا الْمُسْلِمُونَ لَا تَصِيرُ دَارَ حَرْبٍ ( قَوْلُهُ : لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِعْلَاءِ ) وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَمَلُّكٍ يُنَافِيهِ كُفْرُ الْحَرْبِيِّ فَنَافَاهُ كُفْرُ الذِّمِّيِّ كَالْإِرْثِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَمِثْلُ الذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ

( فَرْعٌ لِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ ) الشَّامِلِ لِلْمُعَاهَدِ ( الِاصْطِيَادُ وَالِاحْتِشَاشُ ) وَالِاحْتِطَابُ بِدَارِنَا ( وَنَقْلُ تُرَابٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ ) عَلَيْنَا ( مِنْ مَوَاتٍ ) بِدَارِنَا لِأَنَّهَا تُخَلَّفُ وَلَا نَتَضَرَّرُ بِهَا وَلِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ الْمُسْلِمُ بِخِلَافِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَلَا يَفُوتُ عَلَيْنَا وَلِأَنَّهُمَا بِالْإِحْيَاءِ يَصِيرَانِ مَالِكَيْنِ لِأَصْلِ دَارِنَا وَهُمَا لَيْسَا بِأَصْلِيَّيْنِ فِيهَا بِخِلَافِهِمَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ ( وَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ الْأَرْضُ الْمَوَاتُ ( بِبَلَدِ الْكُفَّارِ فَلِلْكَافِرِ إحْيَاؤُهَا ) لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ دَارِهِمْ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْنَا فِي إحْيَائِهَا فَمَلَكُوهَا بِهِ كَالِاصْطِيَادِ ( وَكَذَا لِلْمُسْلِمِ ) إحْيَاؤُهَا ( إنْ لَمْ يَذِبُّوا ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا أَيْ يَدْفَعُونَا ( عَنْهَا ) كَمَوَاتِ دَارِنَا وَلَا يَمْلِكُهَا بِالِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ حَتَّى تُمَلَّكَ عَلَيْهِمْ ( فَإِنْ ذَبُّوا ) عَنْهَا لَمْ يَمْلِكْهَا بِالْإِحْيَاءِ كَالْمَعْمُورِ مِنْ بِلَادِهِمْ وَكَمَا لَا يَمْلِكُهَا بِالِاسْتِيلَاءِ لِمَا مَرَّ لَكِنَّهُ يَصِيرُ بِهِ أَحَقَّ كَالْمُتَحَجِّرِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَ ) إذَا ( اسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهَا ) وَهُمْ يَذِبُّونَ عَنْهَا ( فَالْغَانِمُونَ أَحَقُّ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا ) أَيْ بِإِحْيَائِهَا ( وَأَهْلُ الْخُمُسِ بِالْخُمُسِ ) أَيْ بِإِحْيَائِهِ ( وَكَذَا بَعْضُ كُلٍّ ) مِنْ الْغَانِمِينَ وَأَهْلِ الْخُمُسِ أَحَقُّ بِالْبَاقِي ( إنْ أَعْرَضَ ) عَنْهُ ( بَعْضٌ ) أَيْ الْبَعْضُ الْآخَرُونَ ، كَرُّ حُكْمِ بَعْضِ أَهْلِ الْخُمُسِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ أَعْرَضَ كُلُّ الْغَانِمِينَ ) عَنْ إحْيَاءِ مَا يَخُصُّهُمْ ( فَأَهْلُ الْخُمُسِ أَحَقُّ ) بِهِ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ فَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ اخْتِصَاصًا ( كَالْمُتَحَجِّرِ ) وَإِنْ تَرَكَ الْإِحْيَاءَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَلَكَهُ مَنْ أَحْيَاهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي

تَصَوُّرِ إعْرَاضِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ أَشْكَالٌ فَيُتَصَوَّرُ فِي الْيَتَامَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ لَمْ يَرَوْا لَهُمْ حَظًّا فِي الْإِحْيَاءِ ، وَنَحْوُهُ فِي الْبَاقِينَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَانَ مُرَادُهُ بِالْبَاقِينَ الْمَحْجُورِينَ مِنْهُمْ أَوْ أَنَّ الْإِمَامَ يَنُوبُ مَنَابَهُمْ فِي ذَلِكَ وَهُوَ بَعِيدٌ فِي مُطْلَقِي التَّصَرُّفِ أَوْ تُصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا كَانُوا مَحْصُورِينَ يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُرَ مُنَّهُمْ الْإِعْرَاضُ كَالْغَانِمِينَ انْتَهَى ( فَإِنْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْبَلَدَ لَنَا ) وَهُمْ يَسْكُنُونَ بِجِزْيَةٍ ( فَالْمُتَحَجِّرُ عَلَى الْمَوَاتِ أَهْلُ الْفَيْءِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَالْمَعْمُورُ مِنْهَا فَيْءٌ وَمَوَاتُهَا الَّذِي كَانُوا يَذِبُّونَ عَنْهُ مُتَحَجَّرٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَيَحْبِسُهُ ) أَيْ يَحْفَظُهُ ( الْإِمَامُ لَهُمْ ) فَلَا يَكُونُ فَيْئًا فِي الْحَالِ ( أَوْ ) صَالَحْنَاهُمْ ( عَلَى أَنَّ الْبَلَدَ لَهُمْ فَالْمُتَحَجَّرُ فِي ذَلِكَ الْمَوَاتِ لَهُمْ ) تَبَعًا لِلْمَعْمُورِ كَمَا أَنَّ تَحَجُّرَ مَوَاتِ دَارِنَا لَنَا تَبَعًا لِلْمَعْمُورِ ( وَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ ( فَنِيَ الذِّمِّيُّونَ فَكَنَائِسُهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيْءٌ ) كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي فَنُوا عَنْهَا وَلَا وَارِثَ لَهُمْ .

( قَوْلُهُ : فَإِنْ ذَبُّوا عَنْهَا إلَخْ ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي أَرْضٍ صُولِحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ أَوْ فِي أَرْضِ الْهُدْنَةِ أَمَّا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَعُمْرَانُهَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَمَوَاتُهَا بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ يَصِيرُ كَالْمُتَحَجَّرِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ لَكِنْ فِي الْوَسِيطِ شَرَطَ فِيهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِقَامَةِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّصْوِيرِ .
ا هـ .
وَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ لَا بُدَّ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهَا إلَخْ ) لَوْ اسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهَا لِجَلَائِهِمْ كَانَ الْإِمَامُ أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِمْ لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ سَبَبُهُ يَضَعُهَا الْإِمَامُ فِيمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى النَّظَرِ لَهُمْ .
( فَرْعٌ ) الْأَرَاضِي الْعَامِرَةُ إذَا لَبَسَهَا رَمْلٌ أَوْ غَرَّقَهَا مَاءٌ فَصَارَتْ بَحْرًا ثُمَّ زُلِّلَ الرَّمَلُ أَوْ الْبَحْرُ فَإِنْ عُرِفَ عَلَيْهَا مِلْكُ الْإِسْلَامِ فَهِيَ كَالْعَامِرَةِ وَمَا ظَهَرَ مِنْ بَاطِنِهَا يَكُونُ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ وَلَوْ لَبَسَهَا الْوَادِي بِتُرَابٍ آخَرَ فَهِيَ بِذَلِكَ التُّرَابِ لَهُ قَالَهُ فِي الْكَافِي

( فَصْلٌ يَمْلِكُ الْمُحْيِي وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ الْحَرِيمَ ) أَيْ حَرِيمَ الْمَعْمُورِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إحْيَاءٌ تَبَعًا لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِهِ كَمَا يَمْلِكُ عَرْصَةَ الدَّارِ بِبِنَاءِ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْعَرْصَةِ إحْيَاءٌ فَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُمَا بِالْإِحْيَاءِ ( لَكِنْ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ ) كَشِرْبِ الْأَرْضِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ بَيْعِ مَا يَنْقُصُ قِيمَةَ غَيْرِهِ ( فَإِنْ حَفَرَا ) أَيْ اثْنَانِ ( بِئْرًا لِتَكُونَ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخِرِ الْحَرِيمُ ) لَمْ يَجُزْ ( فَالْحَرِيمُ ) يَكُونُ ( لِصَاحِبِ الْبِئْرِ وَلِلْآخَرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) لِمَا عَمِلَ .

( فَرْعٌ ) فِي بَيَانِ الْحَرِيمِ ( الْحَرِيمُ مَا يَتِمُّ بِهِ الِانْتِفَاعُ ) وَإِنْ حَصَلَ أَصْلُ الِانْتِفَاعِ بِدُونِهِ ( فَحَرِيمُ الْقَرْيَةِ مُرْتَكَضُ الْخَيْلِ ) وَنَحْوِهَا ( وَمَلْعَبُ الصِّبْيَانِ ) التَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَالنَّادِي ) وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْقَوْمِ لِلْحَدِيثِ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ مُجْتَمَعُ النَّادِي فَلَفْظُ النَّادِي يُطْلَقُ عَلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ يَنْدُونَ أَيْ يَتَحَدَّثُونَ وَعَلَى أَهْلِهِ الْمُجْتَمَعِينَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ تَعْبِيرُ الرَّوْضَةِ بِمُجْتَمَعِ أَهْلِ النَّادِي ( وَمُنَاخُ الْإِبِلِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ مَوْضِعُ إنَاخَتِهَا ( وَمُطَّرَحُ الْكُنَاسَاتِ وَالْمَرْعَى الْمُسْتَقِلُّ وَالْمُحْتَطَبُ ) أَعْنِي ( الْقَرِيبَيْنِ ) مِنْ الْقَرْيَةِ بِخِلَافِ الْبَعِيدَيْنِ عَنْهَا عِنْدَ الْإِمَامِ دُونَ الْبَغَوِيّ كَمَا حَكَى الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ .
( وَفِي الْبَعِيدِ ) مِنْهُمَا ( تَرَدُّدٌ ) وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ قَوْلَ الْبَغَوِيّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَفْحُشْ بُعْدُهُ عَنْ الْقَرْيَةِ وَكَانَ بِحَيْثُ يُعَدُّ مِنْ مَرَافِقِهَا وَالِاسْتِقْلَالُ مُعْتَبَرٌ فِي الْمُحْتَطَبِ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ مِنْ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَكِنْ كَانَ يُرْعَى فِيهِ أَوْ يُحْتَطَبُ مِنْهُ عِنْدَ خَوْفِ الْبُعْدِ فَلَيْسَ بِحَرِيمٍ وَمِنْ حَرِيمِ الْقَرْيَةِ مُرَاحُ الْغَنَمِ وَالطَّرِيقُ وَمَسِيلُ الْمَاءِ ( وَحَرِيمُ الدَّارِ ) الْمَبْنِيَّةِ ( فِي الْمَوَاتِ مُطَّرَحُ الْكُنَاسَاتِ وَنَحْوِهَا ) كَالتُّرَابِ وَالرَّمَادِ وَالثَّلْجِ بِبَلَدٍ يَكْثُرُ فِيهِ ( وَالْمَمَرُّ صَوْبَ الْبَابِ وَإِنْ انْعَطَفَ ) فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِحْقَاقَهُ قُبَالَةَ الْبَابِ عَلَى امْتِدَادِ الْمَوَاتِ بَلْ لِغَيْرِهِ إحْيَاءُ مَا فِي قُبَالَةِ الْبَابِ إذَا أَبْقَى لَهُ مَمَرًّا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَخَرَجَ بِالْمَوَاتِ الدَّارُ الْمُلَاصِقَةُ لِلدُّورِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا .
( وَهَلْ فِنَاءُ الْجُدْرَانِ ) أَيْ جُدْرَانِ

الدَّارِ وَهُوَ مَا حَوَالَيْهَا مِنْ الْخَلَاءِ الْمُتَّصِلِ بِهَا ( حَرِيمٌ ) لَهَا أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) كَلَامُ الْأَصْلِ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ النَّصِّ وَالزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَعَلَى الثَّانِي لَوْ أَرَادَ مُحْيٍ أَنْ يَبْنِيَ بِجَنْبِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُبْعِدَ عَنْ فِنَائِهَا ( لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ حَفْرِ بِئْرٍ بِقُرْبِهَا و ) مِنْ سَائِرِ ( مَا يَضُرُّ بِهَا ) كَإِلْصَاقِ جِدَارِهِ أَوْ زِبْلِهِ بِهَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِمَا يَضُرُّ مِلْكَ غَيْرِهِ .
( وَحَرِيمُ الْبِئْرِ ) الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ ( مُطَّرَحُ تُرَابِهَا ) وَسَائِرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ( وَمُتَرَدَّدُ النَّواَزِحِ ) مِنْهَا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ ( وَمُجْتَمَعُ ) الْمَاءِ لِسَقْيِ ( الْمَاشِيَةِ ) وَالزَّرْعِ مِنْ حَوْضٍ وَنَحْوِهِ ( وَالتَّقْدِيرُ ) فِي كُلِّ ذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودٍ بَلْ ( بِالْحَاجَةِ ) أَيْ بِحَسْبِهَا وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتِلَافَ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي التَّحْدِيدِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ بِذَلِكَ يُقَاسُ حَرِيمُ النَّهْرِ الْمَحْفُورِ فِي الْمَوَاتِ ( وَحَرِيمُ ) بِئْرِ ( الْقَنَاةِ مَا يَنْقُصُ مَاؤُهَا أَوْ يَنْهَارُ ) أَيْ يَسْقُطُ ( تُرَابُهَا بِحَفْرٍ ) فِي جَانِبِهَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ الْآتِي فِيمَا لَوْ حَفَرَ بِمِلْكِهِ بِئْرًا لِسَبْقِ مِلْكِهِ عَلَى الْحَفْرِ بِخِلَافِ الْمَوَاتِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ بِفَرَاغِ الْعَمَلِ ثُمَّ مَا عُدَّ حَرِيمًا مَحِلُّهُ إذَا انْتَهَى الْمَوَاتُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مِلْكٌ قَبْلَ تَمَامِ حَدِّ الْحَرِيمِ فَالْحَرِيمُ إلَى انْتِهَاءِ الْمَوَاتِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَمَا لَا مَوَاتَ حَوْلَهُ لَا حَرِيمَ لَهُ كَالدُّورِ الْمُتَلَاصِقَةِ ) إذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ أَمَّا الْمُتَلَاصِقُ بَعْضُهَا بِأَنْ تَكُونَ طَرَفَ الدُّورِ فَلَهَا حَرِيمٌ مِنْ خَارِجِ الْقَرْيَةِ

( قَوْلُهُ : مُرْتَكَضُ الْخَيْلِ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهَا خَيَّالَةً وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِمَا إذَا كَانُوا خَيَّالَةً وَهُوَ بِشَبَهِ تَخْصِيصِ اقْتِنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ بِمَنْ حِرْفَتُهُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : فَلَفْظُ النَّادِي يُطْلَقُ عَلَى الْمَجْلِسِ إلَخْ ) لَا يُسَمَّى الْمَجْلِسُ نَادِيًا إلَّا وَالْقَوْمُ فِيهِ ( قَوْلُهُ : وَمُنَاخُ الْإِبِلِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهَا أَصْحَابَ إبِلٍ قَوْلُهُ : وَفِي الْبَعِيدِ تَرَدُّدٌ ) عِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَالْمَرْعَى الْقَرِيبُ دُونَ الْبَعِيدِ وَالْمُحْتَطَبُ كَالْمَرْعَى ( قَوْلُهُ : وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : عِنْدَ خَوْفِ الْبُعْدِ ) أَيْ عَنْ الْقَرْيَةِ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَوَاتِ ) صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ الْمَبْنِيَّةُ أَوْ حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُضَافَ كَجُزْءٍ مِنْهُ كَقَوْلِهِ { مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } ( قَوْلُهُ : مَطْرَحُ الْكُنَاسَاتِ إلَخْ ) عَدَّ الْغَزَالِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيّ مِنْ الْحَرِيمِ مَاءَ الْمِيزَابِ أَيْ حَيْثُ يَكْثُرُ الْمَطَرُ .
( قَوْلُهُ : وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا ) هَذَا فِي الْقُرَى أَمَّا سُكَّانُ الصَّحَارِي فَعَادَتُهُمْ تَنْقِيَةُ الْمَنْزِلِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالشَّوْكِ وَبِنَاءُ الْمَعْلَفِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّمَلُّكَ مَلَكَ وَإِلَّا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَرْتَحِلَ ( قَوْلُهُ : وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ لِلدَّارِ وَالْحِيطَانِ حَرِيمًا وَهُوَ مَا تَطَرَّقَ إلَيْهِ الْأَذَى بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ أَنْ يُلْصِقَ حَائِطَهُ بِحَائِطِهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَرِيمِهِ فَإِنْ جَعَلَ بَيْنَهُمَا فَاصِلًا وَإِنْ قَلَّ جَازَ ( قَوْلُهُ : وَالزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ) قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
( قَوْلُهُ : وَمُتَرَدَّدُ النَّوَازِحِ ) قَيَّدَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ كَوْنَ مَوْضِعِ الدُّولَابِ وَمُتَرَدَّدِ الدَّابَّةِ مِنْ حَرِيمِ

الْبِئْرِ بِكَوْنِ الِاسْتِقَاءِ بِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمَّا مَا يُتَّخَذُ لِمَا شُرِبَ فَقَطْ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مَوْضِعُ وُقُوفِ الْمُسْتَقِي ، وَزَادَا مَلْقَى مَا يَخْرُجُ مِنْ حَوْضِهَا مِنْ طِينٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّ مَلْقَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَيْضًا كَذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ وَمِنْ حَرِيمِهَا أَيْضًا مَا لَوْ حُفِرَ فِيهِ بِئْرٌ نَقَصَ مَاءَ الْأُولَى وَعَنْ الرُّويَانِيِّ تَقْيِيدُ مَوْضِعِ النَّازِحِ بِمَا إذَا كَانَ يَنْزَحُ بِآلَةٍ لَا بِيَدِهِ فَإِنَّ الَّتِي تُنْزَحُ بِالدَّابَّةِ حَرِيمُهَا قَدْرُ عُمْقِهَا ( قَوْلُهُ : وَحَرِيمُ بِئْرِ الْقَنَاةِ ) الْمُرَادُ بِبِئْرِ الْقَنَاةِ الَّتِي يَعْلُو الْمَاءُ بِنَفْسِهِ مِنْهَا وَيَجْرِي فِي السَّاقِيَةِ إلَى الْأَرْضِ ( قَوْلُهُ : بِحَفْرٍ فِي جَانِبِهَا ) قَالَ فِي الْكَافِي قَنَاةٌ فِي مَوَاتٍ جَاءَ آخَرُ وَحَفَرَ قَنَاةً بِجَنْبِهَا فَانْتَقَصَ مَاؤُهَا مِنْهُ .
ا هـ .
فَأَفْهَمَ قَوْلُهُ : بِجَنْبِهَا أَنَّ الْبَعِيدَةَ بِخِلَافِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخَائِرِ إنْ أَحْيَا بِئْرًا فَجَاءَ آخَرُ وَتَبَاعَدَ عَنْ حَرِيمِهِ وَحَفَرَ بِئْرًا فَنَقَصَ مَاءُ الْأُولَى لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَوَاتٍ لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ حَفَرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ فَإِنَّ الْحَرِيمَ فِي حُكْمِ الْوِقَايَةِ لِلْمِلْكِ فَيَحْرُمُ التَّصَرُّفُ فِيهِ سِيَّمَا إذَا أَدَّى إلَى نَقْصِ الْمَاءِ أَوْ هَدْمِ الْبِئْرِ .
وَكَذَا إذَا تَوَقَّعَ نَقْصَ الْمَاءِ فِي ثَانِي الْحَالِ يُمْنَعُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ إذَا أَحْيَا سَاقِيَةً تُقَلِّلُ مَاءَ الْأُولَى أَوْ تَهْدِمُهَا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ .
ا هـ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ ( قَوْلُهُ : كَالدُّورِ الْمُلَاصِقَةِ ) وَالدَّارِ إذَا كَانَتْ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ

.
( فَرْعٌ لَوْ اتَّخَذَ دَارِهِ ) الْمُتَلَاصِقَةَ بِالْمَسَاكِنِ ( حَمَّامًا أَوْ طَاحُونَةً أَوْ حَانُوتَ حَدَّادٍ وَأَحْكَمَ جُدْرَانَهُ ) بِحَيْثُ تَلِيقُ بِمَا يَقْصِدُهُ ( أَوْ ) اتَّخَذَهَا ( مَدْبَغَةً جَازَ ) وَإِنْ تَضَرَّرَ جَارُهُ بِالرَّائِحَةِ وَانْزِعَاجِ السَّمْعِ وَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى تَلَفٍ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَفِي مَنْعِهِ إضْرَارٌ بِهِ ( فَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ بِأَنْ أَضَرَّتْ النَّدَاوَةُ وَالدَّقُّ ) الْحَاصِلَانِ بِمُخَالَفَتِهِ ( بِجِدَارِ الْجَارِ مُنِعَ ) وَضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ لِتَعَدِّيهِ وَبِذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا يَضُرُّ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِمَّا ذُكِرَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا مَسْجِدًا وَلَا حَمَّامًا وَلَا خَانًا وَلَا سَبِيلًا إلَّا بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ ( وَلَوْ حَفَرَ بِمِلْكِهِ بَالُوعَةً تُفْسِدُ بِئْرَ جَارِهِ جَازَ ) لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ ( وَكُرِهَ ) لَتَضَرُّرِ جَارِهِ بِهِ ( أَوْ ) حَفَرَ بِمِلْكِهِ ( بِئْرًا يَنْقُصُ مَاءَ بِئْرِ جَارِهِ جَازَ ) لِمَا مَرَّ .
( وَإِنْ كَانَ لِدَارِهِ حَرِيمٌ فَلَهُ الْمَنْعُ ) لِغَيْرِهِ ( مِنْ الْحَفْرِ فِيهِ ) كَمَا يَمْنَعُهُ الْحَفْرَ فِي دَارِهِ .

( قَوْلُهُ : فَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَحَلَّ رِعَايَةِ ضَرَرِ الْجِدَارِ عِنْدَ تَصَرُّفِ الشَّخْصِ عَلَى خِلَافِ مَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ أَمَّا لَوْ تَصَرَّفَ عَلَى وَفْقِهَا لَمْ يُمْنَعْ وَإِنْ ضَرَّ ( قَوْلُهُ : وَبِذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا يَضُرُّ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ ) يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ يَلْزَمُ مِنْ حَفْرِهِ سُقُوطُ جِدَارِ جَارِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ دَقَّ فَاهْتَزَّ الْجِدَارُ فَانْكَسَرَ مَا كَانَ مُعَلَّقًا فِيهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إنْ سَقَطَ حَالَةَ الضَّرْبِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا ( قَوْلُهُ : وَفِيهِ نَظَرٌ ) بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ مِلْكَ غَيْرِهِ .

( فَرْعٌ مَوَاتُ الْحَرِيمِ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ ) كَمَا أَنَّ مَعْمُورَهُ يُمْلَكُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ ( لَا عَرَفَاتٌ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةُ ) فَلَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَضِقْ بِهِ الْمَوْقِفُ وَالْمَرْمَى وَالْمَبِيتُ كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حُقُوقُ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا كَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْبِنَاءِ بِمُزْدَلِفَةُ وَلَوْ قُلْنَا بِمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْمَبِيتِ بِهَا لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَصَّبُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَجِيجِ إذَا نَفَرُوا أَنْ يَبِيتُوا بِهِ .
( قَوْلُهُ : كَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ ) أَيْ وَمُصَلَّى الْعِيدِ بِالصَّحْرَاءِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَبْنِي لَك بَيْتًا لِيُظِلَّك قَالَ لَا ، مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ } وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ( قَوْلُهُ : فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَصَّبُ كَذَلِكَ ) فَرَّقَ الْعِرَاقِيُّ وَالْغَزِّيُّ بِأَنَّ الْمَبِيتَ بِالْمُحَصَّبِ اسْتِحْبَابُهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ بِخِلَافِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ .
ا هـ .
وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَنْعَ فِي الْمُحَصَّبِ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ كَوْنُهُ طَرِيقَ الْمَارَّةِ وَلَا يَجُوزُ تَضْيِيقُ الطُّرُقِ بِالْإِحْيَاءِ وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَصَّبِ تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُحَصَّبُ مِنْ مَرَافِقِ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ قَطْعًا

( فَصْلٌ مَنْ شَرَعَ فِي الْإِحْيَاءِ ) لِمَوَاتٍ مِنْ حَفْرِ أَسَاسٍ وَجَمْعِ تُرَابٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَمْ يُتِمَّهُ ( أَوْ نَصَبَ ) عَلَيْهِ ( عَلَامَةً ) لِلْإِحْيَاءِ مِنْ نَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ غَرْزِ خَشَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ جَمْعِ تُرَابٍ أَوْ نَحْوِهَا ( صَارَ مُتَحَجِّرًا لَا مَالِكًا فَوَارِثُهُ وَمَنْ نَقَلَهُ إلَيْهِ أَحَقُّ بِهِ ) أَيْ مُسْتَحِقٌّ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ كَهُوَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ } وَلِأَنَّ الْإِحْيَاءَ إذَا أَفَادَ الْمِلْكَ وَجَبَ أَنْ يُفِيدَ الشُّرُوعُ فِيهِ الْأَحَقِّيَّةَ كَالسَّوْمِ مَعَ الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهُ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الْإِحْيَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ ( وَلَوْ تَحَجَّرَ فَوْقَ كِفَايَتِهِ أَوْ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ إحْيَائِهِ ( فَلِغَيْرِهِ إحْيَاءُ الزَّائِدِ ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِمَارَةِ عَقِبَ التَّحَجُّرِ ( فَإِنْ تَحَجَّرَ وَلَمْ يَعْمُرْ بِلَا عُذْرٍ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ ) بِالْإِحْيَاءِ أَوْ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي شَارِعٍ ( وَأَمْهَلَهُ ) مُدَّةً قَرِيبَةً يَسْتَعِدُّ فِيهَا لِلْعِمَارَةِ بِحَسَبِ ( مَا يَرَاهُ إنْ امْتَهَلَ ) أَيْ إنْ اسْتَمْهَلَهُ بِعُذْرٍ ( فَإِنْ مَضَتْ الْمُهْلَةُ ) أَيْ مُدَّتُهَا وَلَمْ يَعْمُرْ ( بَطَلَ حَقُّهُ ) وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِلَا مُهْلَةٍ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَنْقُولِهِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِذَلِكَ لِأَنَّ التَّحَجُّرَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْعِمَارَةِ وَهِيَ لَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ إلَّا بِقَدْرِ تَهْيِئَةِ أَسْبَابِهَا وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَحَجُّرُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَهْيِئَةِ الْأَسْبَابِ كَمَنْ تَحَجَّرَ لِيَعْمُرَ فِي قَابِلٍ وَكَفَقِيرٍ تَحَجَّرَ لِيَعْمُرَ إذَا قَدَرَ فَوَجَبَ إذَا أَخَّرَ وَطَالَ الزَّمَانُ أَنْ يَعُودَ مَوَاتًا كَمَا كَانَ وَقَالَ السُّبْكِيُّ يَنْبَغِي إذَا عَرَفَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي الْمُدَّةِ

انْتَزَعَهَا مِنْهُ فِي الْحَالِ وَكَذَا إنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الْعِمَارَةِ ( وَلَوْ بَادَرَ أَجْنَبِيٌّ فَأَحْيَا مُتَحَجَّرًا ) لِآخَرَ وَلَوْ قَبْلَ بُطْلَانِ حَقِّهِ أَوْ مَعَ إقْطَاعِ السُّلْطَانِ لَهُ أَوْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْعِمَارَةِ ( مَلَكَهُ ) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السُّلْطَانُ لِأَنَّهُ حَقَّقَ سَبَبَ الْمِلْكِ ( وَ ) إنْ ( أَثِمَ ) بِذَلِكَ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي سَوْمِ أَخِيهِ اشْتَرَطَ وَكَمَا لَوْ عَشَّشَ الطَّائِرُ فِي مِلْكِهِ وَأَخَذَ الْفَرْخَ غَيْرُهُ أَوْ تَوَحَّلَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِهِ أَوْ وَقَعَ الثَّلْجُ فِيهَا وَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ لِلْأَوَّلِ بِنَاءٌ وَآلَاتٌ لَمْ يَجُزْ لِلثَّانِي التَّصَرُّفُ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ( وَلَوْ بَاعَهَا ) أَيْ الْأَرْضَ الْمُتَحَجِّرَةَ ( الْمُتَحَجِّرُ ) لَهَا ( لَمْ يَصِحَّ ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ لَهَا وَحَقُّ التَّمَلُّكِ لَا يُبَاعُ كَحَقِّ الشَّفِيعِ ( فَإِنْ أَحْيَاهَا الْمُشْتَرِي ) وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ ( مَلَكَهَا ) كَغَيْرِ الْمُشْتَرِي ( وَلَا يَصِحُّ تَحَجُّرُ عَاجِزٍ ) عَنْ الْإِحْيَاءِ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ .

( قَوْلُهُ : صَارَ مُتَحَجِّرًا ) يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِمَارَةِ عَقِبَ التَّحَجُّرِ فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ - وَالرُّجُوعُ فِي طُولِهَا إلَى الْعَادَةِ - وَلَمْ يُحْيِ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهُ الْحَاكِمُ ( قَوْلُهُ : أَيْ مُسْتَحِقٌّ لَهُ ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَحَقُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا اسْتِيعَابُ الْحَقِّ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ أَحَقُّ بِمَالِهِ أَيْ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالثَّانِي التَّرْجِيحُ وَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ فِيهِ نَصِيبٌ كَخَبَرِ { الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا } .
( قَوْلُهُ : فَلِغَيْرِهِ إحْيَاءُ الزَّائِدِ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ الْمُحْيِي : مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ تَخْتَارُ مَا تَقَدَّمَ عَلَى إحْيَائِهِ لِيُحْيِيَ الزَّائِدَ غَيْرُهُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَبْقَى خِلَافٌ كَمَا يُفْهِمُهُ تَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ لِلْمَنْعِ ( قَوْلُهُ : وَأَمْهَلَهُ مُدَّةً قَرِيبَةً إلَخْ ) قَالَ السُّبْكِيُّ يَنْبَغِي إذَا عَرَفَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي الْمُدَّةِ انْتَزَعَهَا مِنْهُ فِي الْحَالِ وَكَذَا إذَا لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ وَعَلِمَ مِنْهُ الْإِعْرَاضَ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْخَادِمِ هَلْ الْمُرَادُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ مَا يَحْتَاجُهُ لِسَكَنِهِ أَوْ الِارْتِفَاقِ بِغَلَّتِهِ فَقَطْ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُحْيِيَ مَوَاتًا مُتَّسِعًا يَفْضُلُ عَنْ كِفَايَتِهِ بِكَثِيرٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ الْأَشْبَهُ بِكَلَامِهِمْ الثَّانِي فَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ قَرْيَةً عَظِيمَةً يُمْكِنُهُ إحْيَاؤُهَا لِتَمَوُّلِ غَلَّاتِهَا وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا وَإِنْ اتَّسَعَتْ خُطَّتُهَا ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ) هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَطَالَ الزَّمَانُ ) الْمَرْجِعُ فِي طُولِهِ إلَى الْعَادَةِ وَفِي قَدْرِ مُدَّةِ الْإِمْهَالِ إذَا اسْتَمْهَلَهُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَلَا تُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْأَصَحِّ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ

يَشْتَغِلْ بِعِمَارَةٍ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الرَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ .
( قَوْلُهُ : قَالَ السُّبْكِيُّ يَنْبَغِي إذَا عَرَفَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي الْمُدَّةِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ كَذَا قَيَّدَ الْإِمْهَالَ بِمَا إذَا ذَكَرَ عُذْرًا وَمَثَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْعُذْرَ بِمَا إذَا ذَكَرَ غَيْبَةَ مَالِهِ أَوْ غِلْمَانِهِ أَوْ الْآلَةِ ، أَوْ عَدَمَهَا وَصَرَّحَ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّ الْعُذْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَقَالَ فَإِنْ ذَكَرَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ إبَاقِ الْعَبِيدِ أَوْ إصْلَاحِ الْآلَةِ أَمْهَلَهُ الْإِمَامُ حَتَّى يَزُولَ الْعُذْرُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا وَلَكِنْ اسْتَمْهَلَهُ أَمْهَلَهُ إمْهَالًا أَكْثَرُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَالَ وَالْمُرَادُ الْأَخْذُ فِي الْإِحْيَاءِ وَالِابْتِدَاءِ بِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَمْهَلَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ إلَى شَهْرَيْنِ وَهَذَا أَجْوَدُ .
ا هـ .
هُنَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ

( فَرْعٌ إقْطَاعُ الْإِمَامِ ) الْمَوَاتَ لَا لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ ( كَالتَّحَجُّرِ فَلَا يُقْطِعُهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ ) وَيَصِيرُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِمَا أَقْطَعَهُ لَهُ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ الْإِقْطَاعِ وَيَأْتِي فِيهِ سَائِرُ أَحْكَامِ التَّحَجُّرِ نَعَمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى هُنَا مَا أَقْطَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَمْلِكُهُ الْغَيْرُ بِإِحْيَائِهِ قِيَاسًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مَا حَمَاهُ أَمَّا إذَا أَقْطَعَهُ لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ فَيَمْلِكُهُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ الرِّكَازِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِقْطَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ } وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ } وَهَلْ يَلْتَحِقُ الْمُنْدَرِسُ الضَّائِعُ بِالْمَوَاتِ فِي جَوَازِ الْإِقْطَاعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الْبَحْرِ نَعَمْ بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ جَعْلِهِ كَالْمَالِ الضَّائِعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا مُقَيِّدٌ لِذَاكَ .

( فَصْلٌ الْإِحْيَاءُ يَخْتَلِفُ ) بِحَسَبِ الْغَرَضِ مِنْهُ وَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ( فَالزَّرِيبَةُ ) أَيْ فَالْإِحْيَاءُ لِزَرِيبَةِ الدَّوَابِّ ، أَوْ الْحَطَبِ أَوْ غَيْرِهِمَا يَحْصُلُ ( بِالتَّحْوِيطِ ) بِالْبِنَاءِ بِآجُرٍّ ، أَوْ لَبِنٍ ، أَوْ طِينٍ أَوْ قَصَبٍ ، أَوْ خَشَبٍ ، أَوْ غَيْرِهَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ ( وَنَصْبِ الْبَابِ ) فَلَا حَاجَةَ إلَى تَسْقِيفٍ وَلَا يَكْفِي نَصْبُ سَعَفٍ ، أَوْ أَحْجَارٍ بِغَيْرِ بِنَاءٍ نَعَمْ لَوْ حَوَّطَ بِذَلِكَ إلَّا طَرْفًا فَبِالْبِنَاءِ فَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَكْفِي ، وَعَنْ شَيْخِهِ الْمَنْعَ فِيمَا عَدَا مَحَلَّ الْبِنَاءِ قَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا بِذَلِكَ ( وَ ) الْإِحْيَاءُ ( لِلسُّكْنَى ) يَحْصُلُ ( بِذَلِكَ وَتَسْقِيفِ شَيْءٍ ) مِنْ الْمُحْيَا لِيَتَهَيَّأَ لِلسُّكْنَى وَلِيَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْكَنِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ حَفَرَ قَبْرًا فِي مَوَاتٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إحْيَاءٌ لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ ، وَتَمَلَّكَهُ كَمَا لَوْ بَنَى فِيهَا وَلَمْ يَسْكُنْ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَفَرَ قَبْرًا فِي أَرْضٍ سُبِّلَتْ مَقْبَرَةً فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ إذْ السَّبْقُ فِيهَا بِالدَّفْنِ لَا بِالْحَفْرِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِحْيَاءُ .
قَالَ وَيَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَسْجِدِ مَا مَرَّ بِخِلَافِ مُصَلَّى الْعِيدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسْقِيفُ ( وَ ) الْإِحْيَاءُ ( لِلزِّرَاعَةِ ) يَحْصُلُ ( بِجَمْعِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ ) كَنَصْبِ قَصَبٍ وَحَجَرٍ وَشَوْكٍ ( حَوْلَهَا ) أَيْ الْمَزْرَعَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الزِّرَاعَةِ لِيَتَمَيَّزَ الْمُحْيَا عَنْ غَيْرِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحْوِيطِ بِالْبِنَاءِ فَإِنَّ مُعْظَمَ الْمَزَارِعِ بَارِزَةٌ ( وَتَسْوِيَتِهَا ) بِطَمِّ الْمُنْخَفِضِ وَكَسْحِ الْمُسْتَعْلِي ( وَحَرْثِهَا ) إنْ لَمْ تُزْرَعْ إلَّا بِهِ وَتَلْيِينِ تُرَابِهَا وَلَوْ بِمَاءٍ يُسَاقُ إلَيْهَا لِتَتَهَيَّأَ لِلزِّرَاعَةِ ( وَتَرْتِيبِ الْمَاءِ ) لَهَا بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ ، أَوْ قَنَاةٍ ، أَوْ بِلَا حَفْرٍ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الصَّغِيرِ ( حَيْثُ لَمْ يَكْفِهَا مَاءُ السَّمَاءِ

) إذْ لَا تَتَهَيَّأُ الْأَرْضُ لِلزِّرَاعَةِ بِدُونِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَاهَا ( وَلَوْ لَمْ تُزْرَعْ ) فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِي ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ .
وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ حَدِّ الْإِحْيَاءِ وَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي إحْيَاءِ الْمَسْكَنِ أَنْ يَسْكُنَهُ ( فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْتِيبُهُ ) أَيْ الْمَاءِ ( كَأَرْضٍ بِجَبَلٍ ) لَا يُمْكِنُ سَوْقُ الْمَاءِ إلَيْهَا وَلَا يُصِيبُهَا إلَّا مَاءُ السَّمَاءِ ( فَفِي تَمَلُّكِهَا بِدُونِهِ وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا لَا إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْإِحْيَاءِ فِيهَا وَثَانِيهِمَا نَعَمْ فَيَحْصُلُ بِالْحَرْثِ وَجَمْعِ التُّرَابِ عَلَى الْأَطْرَافِ كَسَائِرِ الْمَزَارِعِ الَّتِي تُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ وَهَذَا مَا اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ وَنَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ وَاسْتَثْنَى مَعَ ذَلِكَ أَرَاضِيَ الْبَطَائِحِ وَهِيَ بِنَاحِيَةِ الْعِرَاقِ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَلَا يُشْتَرَطُ لِإِحْيَائِهَا تَرْتِيبُ الْمَاءِ بَلْ يُشْتَرَطُ حَبْسُهُ عَنْهَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا .
( وَيُشْتَرَطُ ) فِي إحْيَاءِ الْبُسْتَانِ ( غَرْسُ الْبُسْتَانِ ) لِيَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُهُ وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الزَّرْعِ فِي إحْيَاءِ الْمَزْرَعَةِ وَيُفَارِقُهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْغَرْسَ يَدُومُ فَأَشْبَهَ بِنَاءَ الدَّارِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ وَبِأَنَّ الزَّرْعَ يَسْبِقُهُ تَقْلِيبُ الْأَرْضِ وَحَرْثُهَا فَجَازَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ ، وَالْغَرْسَ لَا يَسْبِقُهُ شَيْءٌ يَقُومُ مَقَامَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَيَكْفِي غَرْسُ بَعْضِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَسِيطِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَالْوَجْهُ اشْتِرَاطُ غَرْسِ مَا يُسَمَّى بِهِ بُسْتَانًا ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( تَحْوِيطُهُ وَتَهْيِئَتُهُ ) أَيْ تَهْيِئَةُ مَائِهِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ ( كَالْعَادَةِ ) فِيهِمَا وَنَصْبِ الْبَابِ ، وَيُشْتَرَطُ ( فِي ) إحْيَاءِ ( الْبِئْرِ خُرُوجُ الْمَاءِ وَطَيُّ ) الْبِئْرِ ( الرَّخْوَةِ ) أَرْضُهَا بِخِلَافِ الصُّلْبَةِ ( وَفِي ) إحْيَاءِ بِئْرِ ( الْقَنَاةِ إجْرَاءُ الْمَاءِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ خُرُوجُ الْمَاءِ وَجَرَيَانُهُ وَهِيَ أَوْضَحُ

( وَإِنْ حَفَرَ نَهْرًا ) مُمْتَدًّا ( إلَى النَّهْرِ الْقَدِيمِ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ لِيُجْرِيَ فِيهِ الْمَاءَ مَلَكَهُ وَلَوْ لَمْ يُجْرِهِ ) كَمَا لَا يُشْتَرَطُ السُّكْنَى فِي إحْيَاءِ الْمَسْكَنِ .
( وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِحْيَاءِ لِنَوْعٍ فَأَحْيَاهُ لِنَوْعٍ آخَرَ ) بِأَنْ أَتَى بِمَا يُقْصَدُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ ( مَلَكَهُ ) حَتَّى لَوْ حَوَّطَ الْبُقْعَةَ مَلَكَهَا ، وَإِنْ قَصَدَ الْمَسْكَنَ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْلَكُ بِهِ الزَّرِيبَةُ لَوْ قَصَدَهَا وَهَذَا احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ، ثُمَّ قَالَ وَمُخَالَفَتُهُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ صَرِيحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِأَدْنَى الْعِمَارَاتِ أَبَدًا فَمَا لَا يَفْعَلُهُ عَادَةً إلَّا الْمُتَمَلِّكُ كَبِنَاءِ الدَّارِ وَاِتِّخَاذِ الْبُسْتَانِ يُفِيدُ الْمِلْكَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَمَلِّكُ وَغَيْرُهُ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَوَاتٍ وَكَزَرْعِ قِطْعَةٍ مِنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَاءِ السَّمَاءِ إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدًا أَفَادَ الْمِلْكَ ، وَإِلَّا فَلَا .

قَوْلُهُ : وَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ) كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ فَإِنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَهُ وَلَا حَدَّ لَهُ فِي اللُّغَةِ وَالضَّابِطُ التَّهْيِئَةُ لِلْمَقْصُودِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَكْفِي نَصْبُ سَعَفٍ أَوْ أَحْجَارٍ بِغَيْرِ بِنَاءٍ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ الْمُجْتَازُونَ لَا الْمُتَمَلِّكُونَ .
( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا بِذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ فَلَا يَكْفِي التَّحْوِيطُ فِي طَرَفٍ وَنَصْبُ الْأَحْجَارِ أَوْ السَّعَفِ فِي طَرَفٍ وَالسَّعَفُ قُضْبَانُ النَّخْلِ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْهَا الْمِكْنَسَةُ ( قَوْلُهُ : وَتَسْقِيفِ شَيْءٍ ) قَدْ يَبْنِي مَوْضِعًا لِلنُّزْهَةِ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ وَالْعَادَةُ فِيهِ عَدَمُ السَّقْفِ فَلَا يُشْتَرَطُ السَّقْفُ هُنَا ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إحْيَاءٌ لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ بِلَا حَفْرٍ ) أَيْ لِطَرِيقِهِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَاهَا ) وَلَا بُدَّ مِنْ حَرْثِ الْأَرْضِ أَنْ لَمْ تُزْرَعْ إلَّا بِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ حَرْثُهَا إلَّا بِسَوْقِ مَاءٍ إلَيْهَا تَعَيَّنَ ( قَوْلُهُ : وَثَانِيهِمَا نَعَمْ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ) أَيْ وَالنَّوَوِيِّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ ( قَوْلُهُ : وَنَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ ) وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ فِي التَّعْلِيقِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْوَجْهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : مَا يُسَمَّى بُسْتَانًا ) بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ وَالشَّجَرَتَيْنِ فِي الْمَكَانِ الْوَاسِعِ .
قَوْلُهُ : وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِحْيَاءِ لِنَوْعٍ فَأَحْيَاهُ لِنَوْعٍ آخَرَ ) كَأَنْ قَصَدَ إحْيَاءَهُ لِلْمُزَارَعَةِ بَعْدَ أَنْ قَصَدَهُ لِلسُّكْنَى وَقَوْلُهُ مَلَكَهُ اعْتِبَارًا بِالْقَصْدِ الطَّارِئِ وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَهُ مَا إذَا قَصَدَ نَوْعًا وَأَتَى بِمَا يُقْصَدُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ كَأَنْ حَوَّطَ الْبُقْعَةَ بِحَيْثُ تَصْلُحُ زَرِيبَةً

بِقَصْدِ السُّكْنَى لَمْ يَمْلِكْهَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَقَدْ عُلِمَ بِهَذَا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْإِمَامِ وَمُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ

( فَصْلٌ ) فِي الْحِمَى ( لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( أَنْ يَحْمِيَ لِخَيْلِ الْجِهَادِ ) وَالضَّوَالِّ ( وَمَوَاشِي الصَّدَقَةِ وَالضُّعَفَاءِ ) الْعَاجِزِينَ عَنْ النُّجْعَةِ ( مَوَاتًا ) لِتَرْعَى فِيهِ بِأَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الرَّعْيِ فِيهِ حَيْثُ ( لَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ ) بِأَنْ يَكُونَ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ بِحَيْثُ يَكْفِي بَقِيَّةَ النَّاسِ { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ حَمَاهُ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ وَخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ ، وَالْأَوَّلَانِ مُدْرَجَانِ فِي الْخَبَرِ وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَيْ فِي الْحِمَى غَيْرُهُمَا وَلَوْ كَانَ عَامِلًا لِلزَّكَاةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ وَبِمَا بَعْدَهُ مَا إذَا حَمَى لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ { لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ } وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ ( وَحِمَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُغَيَّرُ وَلَوْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ ) لِأَنَّهُ نَصٌّ وَهُوَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ ( فَمَنْ بَنَى فِيهِ ، أَوْ زَرَعَ ) أَوْ غَرَسَ ( قُلِعَ وَيُغَيَّرُ حِمَى غَيْرِهِ ) مِنْ الْأَئِمَّةِ رِعَايَةً ( لِلْمَصْلَحَةِ ) بِأَنْ ظَهَرَتْ فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِهَا فِي الْحِمَى وَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ ( لَكِنْ لَا يَحْيَى بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَصَرُّفِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ فَإِنْ أُحْيِيَ بِإِذْنِهِ مَلَكَهُ الْمُحْيِي وَكَانَ الْإِذْنُ فِي الْإِحْيَاءِ نَقْضًا ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا ( وَلْيَنْصِبْ ) عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ( أَمِينًا يُدْخِلُ فِيهِ دَوَابَّ الضُّعَفَاءِ لَا ) دَوَابَّ ( الْإِمَامِ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ ) وَالْقَوِيُّ يُمْنَعُ مِنْ إدْخَالِ دَوَابِّهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ رَعَاهُ قَوِيٌّ مُنِعَ مِنْهُ وَلَمْ يَغْرَمْ ) شَيْئًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ هَذَا

مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَجِّ أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ النَّقِيعِ ضَمِنَهُ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَلَا يُعَزَّرُ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ ، وَإِلَّا فَلَا رَيْبَ فِي التَّعْزِيرِ ( وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ الْمَاءَ ) الْمُعَدَّ لِشُرْبِ الْخَيْلِ ، وَالْمَوَاشِي الْمَذْكُورَةِ ( أَوْ يَعْتَاضَ عَنْ رَعْيِ الْحِمَى ، وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الرَّعْيِ فِي الْحِمَى ، أَوْ الْمَوَاتِ .

( قَوْلُهُ : يَحْمِي ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُ عَلَى أَنَّهُ رُبَاعِيٌّ فَإِنَّهُ يُقَالُ حَمَيْت الْمَكَانَ مَنَعْته وَأَحْمَيْته جَعَلْته حِمًى ( قَوْلُهُ : وَمَوَاشِي الصَّدَقَةِ ) الْمُرَادُ بِهَا الْفَاضِلَةُ عَنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ ( قَوْلُهُ : وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ ) الَّتِي تُؤْخَذُ بَدَلًا عَنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الْجِزْيَةِ ( قَوْلُهُ : وَحِمَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُغَيَّرُ ) اسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ حِمَى عُمَرَ أَيْضًا وَاسْتَثْنَى فِي الرَّوْنَقِ حِمَى الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَاسْتُحْسِنَ ( قَوْلُهُ : إنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ النَّقِيعِ ضَمِنَهُ ) قَالَ شَيْخُنَا لِتَعَدِّيهِ بِإِتْلَافِهِ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي أَذِنَ فِيهَا الشَّارِعُ وَهِيَ الرَّعْيُ فَأَشْبَهَ إتْلَافَ شَجَرِهِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ مِنْهُ فِي إتْلَافِهَا كَاتِبُهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُعَزَّرُ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ أَحَدُ مُسْتَحِقِّيهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ جَهِلَ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ جَهِلَهُ وَنَهَاهُ الْإِمَامُ فَأَصَرَّ فَلَا رَيْبَ فِي تَعْزِيرِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ يَعْتَاضَ عَنْ رَعْيِ الْحِمَى وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ ) بَيْعُ بَعْضِ وُكَلَاءِ بَيْتِ الْمَالِ فِي زَمَانِنَا مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْمِلْكِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ لِلْإِمَامِ بَيْعُ الْمَوَاتِ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ قَالَ بِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا أَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَى اللَّهَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي مَعْنَى الشَّوَارِعِ الرِّحَابُ الْوَاسِعَةُ بَيْنَ الدُّورِ فِي الْمُدُنِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ نَقَلَ فِي الشَّامِلِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ إقْطَاعِ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ ، وَالْبَيْعُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِالْبِلَادِ الْحَلَبِيَّةِ وَمَا وَالَاهَا بِبَيْعِ وُكَلَاءِ بَيْتِ الْمَالِ الْمَوَاتَ الْعَارِيَ عَلَى حَافَّاتِ الْأَنْهَارِ الْقَدِيمَةِ الْعِظَامِ وَغَيْرِهِمَا

لِعَمَلِ الطَّوَاحِينِ وَغَيْرِهَا وَيَسْتَشْهِدُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا دِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي مِلْكِ بَيْتِ الْمَالِ وَيُثْبِتُ ذَلِكَ أَمْثَالُهُمْ مِنْ الْحُكَّامِ وَيَحْكُمُونَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَلَا عَقْلٍ ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ .
ا هـ .
وَإِذَا رَأَيْنَا عِمَارَةً عَلَى حَافَّةِ نَهْرٍ لَا نُغَيِّرُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ ) ( مَنْ جَلَسَ لِلْمُعَامَلَةِ ) مَثَلًا ( فِي شَارِعٍ وَلَمْ يُضَيِّقْ ) عَلَى الْمَارَّةِ ( لَمْ يُمْنَعْ ) وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِحْيَاءِ لِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ ( وَفِي ) مَنْعِ ( الذِّمِّيِّ ) مِنْ ذَلِكَ ( وَجْهَانِ ) رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ عَدَمَ الْمَنْعِ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَتَأَبَّدُ ( وَلَهُ ) أَيْ الْجَالِسِ لِلْمُعَامَلَةِ ( التَّظْلِيلُ ) عَلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ مِنْ ثَوْبٍ وَبَارِيَة وَنَحْوِهِمَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ ( لَا الْبِنَاءُ ) لِدَكَّةٍ أَوْ لِمَا يُظَلَّلُ بِهِ ، أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْأَصْلِ عَلَى بِنَاءِ الدَّكَّةِ قَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَهَلْ لَهُ وَضْعُ سَرِيرٍ فِيهِ احْتِمَالَانِ ( وَيَخْتَصُّ الْجَالِسُ بِمَكَانِهِ وَمَكَانِ مَتَاعِهِ وَآلَتِهِ وَمُعَامِلِيهِ ) وَقَوْلُهُ " وَآلَتِهِ " مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي مَتَاعِهِ ( وَلَا يُضَيَّقُ عَلَيْهِ ) أَيْ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَكَانِ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِ فِي الْكَيْلِ ، وَالْوَزْنِ وَالْأَخْذِ ، وَالْعَطَاءِ ( فَيَمْنَعَ ) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ ( وَاقِفًا ) بِقُرْبِهِ ( إنْ مَنَعَ رُؤْيَةَ مَتَاعِهِ أَوْ وُصُولَ الْوَاصِلِينَ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ " الْمُعَامِلِينَ " ( إلَيْهِ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَنْ قَعَدَ لِبَيْعِ مِثْلِ مَتَاعِهِ إذَا لَمْ يُزَاحِمْهُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ ( وَلَوْ أَقْطَعَهُ إيَّاهُ الْإِمَامُ ) ارْتِفَاقًا ( جَازَ ) أَيْ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ بُقْعَةً مِنْ الشَّارِعِ لِمَنْ يَرْتَفِقُ فِيهَا بِالْمُعَامَلَةِ ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا وَاجْتِهَادًا فِي أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهِ مُضِرٌّ ، أَوْ لَا وَلِهَذَا يُزْعِجُ مَنْ رَأَى جُلُوسَهُ مُضِرًّا ( لَا ) إنْ أَقْطَعَهُ ( بِعِوَضٍ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ : وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ

مِمَّنْ يَرْتَفِقُ بِالْجُلُوسِ ، وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فِي الشَّوَارِعِ عِوَضًا بِلَا خِلَافٍ ( وَلَا ) إنْ أَقْطَعَهُ ( تَمْلِيكًا ) وَإِنْ فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الطُّرُوقِ وَمِنْ هُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ وَمَا يَفْعَلُهُ وُكَلَاءُ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ بَيْعِ مَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَيْعُ الْمَوَاتِ وَلَا قَائِلَ بِهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ ( وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ ) إلَى مَكَان مِنْهُ ( أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ) لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا فَهُوَ أَحَقُّ قَطْعًا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ .
( فَرْعٌ لَوْ قَامَ الْمُعَيَّنُ ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ مِنْ مَكَانِهِ ( لِيَعُودَ ) إلَيْهِ ( فَهُوَ أَحَقُّ بِمَكَانِهِ مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يَنْقَطِعُ فِيهِ عَنْهُ إلَافُهُ ) لِلْمُعَامَلَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ تَعَيُّنِ الْمَكَانِ أَنْ يُعْرَفَ فَيُعَامَلَ فَإِنْ مَضَى ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُ ، وَإِنْ تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ ، أَوْ كَانَ جُلُوسُهُ فِيهِ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَكَذَا الْمَجَالِسُ ) الْمُعَيَّنَةُ ( بِأَسْوَاقٍ يُجْتَمَعُ لَهَا فِي وَقْتٍ ) مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ ، أَوْ كُلِّ شَهْرٍ ، أَوْ كُلِّ سَنَةٍ يَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ ، وَإِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّهُ بِقِيَامِهِ مِنْهُ ( فَإِنْ جَلَسَ غَيْرُهُ ) فِيهِ ( مُدَّةَ غَيْبَتِهِ الْقَصِيرَةِ ) وَهِيَ الَّتِي غَابَ عَنْهُ زَمَنًا لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ فِيهِ إلَافُهُ ( وَلَوْ مُعَامِلًا ) إلَى أَنْ يَعُودَ ( جَازَ ) لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَةُ الْمَوْضِعِ فِي الْحَالِ ( وَمَنْ ضَيَّقَ الشَّارِعَ بِآلَةِ بِنَاءٍ وَنَحْوِهَا ) مِمَّا وَضَعَهُ ارْتِفَاقًا لِيَنْقُلَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَكَانَ ( يَضُرُّ ) الْمَارَّةَ ( ضَرَرًا ظَاهِرًا مُنِعَ ) وَإِلَّا فَلَا ( وَإِلَّا انْتَقَلَ ) مِنْهُ ( إلَى مَكَان آخَرَ ) أَوْ تَرَكَ الْمُعَامَلَةَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ

بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ كَانَ جُلُوسُهُ ) فِيهِ ( لِلِاسْتِرَاحَةِ ) أَوْ نَحْوِهَا وَانْتَقَلَ مِنْهُ وَلَوْ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ إلَيْهِ ( بَطَلَ حَقُّهُ بِقِيَامِهِ ) .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ ) ( قَوْلُهُ : مَنْ جَلَسَ لِلْمُعَامَلَةِ فِي شَارِعٍ ) عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الصُّلْحِ عَنْ الشَّارِعِ بِالطَّرِيقِ النَّافِذِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَالشَّارِعِ اجْتِمَاعٌ وَافْتِرَاقٌ إذْ الطَّرِيقُ تَكُونُ فِي الصَّحَارِي ، وَالْبُنْيَانُ وَالشَّارِعُ يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ ، وَالشَّارِعُ لَا يَكُونُ إلَّا نَافِذًا وَالطَّرِيقُ قَدْ يَكُونُ نَافِذًا وَقَدْ لَا يَكُونُ .
ا هـ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الشَّارِعُ الطَّرِيقُ الَّتِي يَأْتِيهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الطَّرِيقِ النَّافِذِ إذْ رُبَّ طَرِيقٍ نَافِذٍ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ ( قَوْلُهُ : رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُمَا عَدَمَ الْمَنْعِ وَهُوَ الرَّاجِحُ قَوْلُهُ : احْتِمَالَانِ ) أَوْجَهُهُمَا جَوَازُهُ عِنْدَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَوْضِعُهُ إذَا لَمْ يَبْنِ دَكَّةً أَوْ نَحْوَهَا فَإِنْ بَنَى لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ كَمَا سَبَقَ فِي الصُّلْحِ وَفِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّارِعِ مَضْمُونَةٌ بِالتَّفْوِيتِ لَكِنَّ ذَاكَ فِي الْمُتَعَدِّي وَالْكَلَامُ هُنَا فِي غَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ : لَوْ قَامَ الْمُعَامِلُ لِيَعُودَ إلَخْ ) لَوْ فَارَقَهُ لِيَعُودَ وَلَكِنْ جَعَلَ يَقْعُدُ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ السُّوقِ انْقَطَعَ حَقُّهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِيَعُودَ إلَيْهِ مَا لَوْ فَارَقَهُ تَارِكًا لِحِرْفَتِهِ أَوْ بَاذِلًا حَقَّهُ لِآخَرَ فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ وَلَوْ اعْتَدَلَ ظَنُّ الْإِعْرَاضِ وَعَدَمِهِ لَمْ يَبْطُلْ .

( فَصْلٌ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ لِتَدْرِيسٍ ) لِعُلُومٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالشَّرِيعَةِ ( وَإِفْتَاءٍ ) فِيهَا ( وَإِقْرَاءٍ ) لِقُرْآنٍ ، أَوْ حَدِيثٍ ( وَ ) سَمَاعِ ( دَرْسٍ بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ فَكَجَالِسٍ بِمَقْعَدِ سُوقٍ ) فِيمَا مَرَّ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ الْمَوْضِعَ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي مُلَازَمَتِهِ لِيَأْلَفَهُ النَّاسُ وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَقَالَ : إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَأْخَذِ الْبَابِ وَنُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } زَادَ النَّوَوِيُّ قُلْت وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَقُّ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ مِنْ الْجُمْهُورِ - زَادَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ - يَعْنِي الْمَاوَرْدِيَّ - : إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ أَحَقُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ غَلَطٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْقُولُ وَهُوَ مَا ارْتَضَاهُ الْإِمَامُ كَأَبِيهِ قَالَ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا : إنَّهُ أَحَقُّ بِهِ ، وَإِذَا حَضَرَ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِ ؛ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مُسَلَّمًا ، وَالْمَنْقُولُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ وَالْغَزَالِيُّ تَفَقُّهٌ لَا نَقْلٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَزَالِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا وَعَلَى مَا قَالَاهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الْجَوَامِعِ الْعِظَامِ انْتَهَى وَالْمَاوَرْدِيُّ مُخَالِفٌ فِي مَجَالِسِ الْأَسْوَاقِ أَيْضًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ ( أَوْ ) جَلَسَ فِيهِ ( لِلصَّلَاةِ وَاسْتِمَاعٍ ) لِحَدِيثٍ أَوْ وَعْظٍ ( وَقَامَ ) مِنْ مَوْضِعِهِ أَيْ فَارَقَهُ ( بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ حَقُّهُ ) فَمَا لَمْ

يُفَارِقْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى لَوْ اسْتَمَرَّ إلَى وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى فَحَقُّهُ بَاقٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ } .
وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَمِرَّ حَقُّهُ مَعَ الْمُفَارَقَةِ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُعَامَلَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاعِدِ ، وَالصَّلَاةَ بِبِقَاعِ الْمَسْجِدِ لَا تَخْتَلِفُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَمْنَعَهُ بِأَنَّ ثَوَابَ الصَّلَاةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ لَهُ مَوْضِعَهُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لَزِمَ عَدَمُ اتِّصَالِ الصَّفِّ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى نُقْصَانِهَا فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِهَا وَلَوْ أَمْكَنَ مَجِيئُهُ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ يَجْبُرْ ذَلِكَ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ فِي أَوَّلِهَا ( أَوْ ) قَامَ مِنْهُ ( لِعُذْرٍ كَقَضَاءِ حَاجَةٍ ، أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ وَاجَابَةِ دَاعٍ ) وَرُعَافٍ ( وَعَادَ ) إلَيْهِ ( فَهُوَ أَحَقُّ ) بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إزَارَهُ ، أَوْ نَحْوَهُ فِيهِ ( حَتَّى تُقْضَى صَلَاتُهُ ، أَوْ مَجْلِسُهُ ) الَّذِي يَسْتَمِعُ فِيهِ لِعُمُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } .
نَعَمْ إنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فِي غَيْبَتِهِ وَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ فَالْوَجْهُ سَدُّ الصَّفِّ مَكَانَهُ لِمَصْلَحَةِ تَمَامِ الصُّفُوفِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ حَقِّ السَّبْقِ فِي الصَّلَاةِ مَا لَوْ قَعَدَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِخْلَافِ ، أَوْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ فَيُؤَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ الْأَحَقُّ مَوْضِعَهُ لِخَبَرِ { لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى } انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ ( وَلَوْ نَوَى اعْتِكَافَ أَيَّامٍ ) فِي الْمَسْجِدِ ( فَخَرَجَ لِمَا يَجُوزُ ) الْخُرُوجُ لَهُ فِي الِاعْتِكَافِ ( عَادَ لِمَوْضِعِهِ ) وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنْ خُرُوجَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ نَاسِيًا كَذَلِكَ وَإِنْ نَوَى اعْتِكَافًا مُطْلَقًا فَهُوَ أَحَقُّ

بِمَوْضِعِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ .

( قَوْلُهُ : مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ ) لَا مَدْخَلَ لِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ فِيهِ وَفِي رَحْبَتِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِقْرَاءٍ لِقُرْآنٍ ) قَالَ وَالِدُ النَّاشِرِيِّ : سُئِلْت عَنْ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِي جَنَاحِ الْمَسْجِدِ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ أَمْرٌ حَسَنٌ وَالصِّبْيَانُ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْآنَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ دُخُولِ الصِّبْيَانِ الْمَسْجِدَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يَخْتَصُّ بِمَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَبِحَالِهِ لَا طَاعَةَ فِيهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَأَجْرُ التَّعْلِيمِ قَدْ يَزِيدُ عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ بِكَرَاهَةِ الدُّخُولِ أَلَيْسَ أَنَّ الضَّبَّةَ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ لِزِينَةٍ كُرِهَتْ وَإِنْ كَانَتْ لِحَاجَةٍ ارْتَفَعَتْ الْكَرَاهَةُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الْمَكْرُوهَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ .
( قَوْلُهُ : فَكَالْجَالِسِ بِمَقْعَدِ سُوقٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ الِاخْتِصَاصِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْجُلُوسِ فِيهِ أَمَّا لَوْ كَانَ لَا يُفِيدُ وَلَا يَسْتَفِيدُ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَلَوْ سَبَقَ اثْنَانِ إلَى مَكَان وَاحِدٍ وَتَنَازَعَاهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الَّذِي يَظْهَرُ تَعَيُّنُ الْقُرْعَةِ لِحَدِيثِ { الِاسْتِهَامِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ } قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يُقَدِّمُ الْمُدَرِّسُ مَنْ رَآهُ أَوْلَى بِالْمَجْلِسِ لِفَضْلِهِ وَعِلْمِهِ وَإِفَادَتِهِ وَاسْتِفَادَتِهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُزَاحِمُهُ غَيْرَ مَرْجُوِّ الْفَلَاحِ .
وَقَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ إلَخْ ) وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : وَنُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ بَطَلَ حَقُّهُ بِذَلِكَ ) يُوهِمُ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ لَا يَجْعَلُهُ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُخَالِفُ أَيْضًا فِي مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَيَقُولُ فِيهَا : إنَّهُ إذَا قَامَ بَطَلَ حَقُّهُ

فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُمَا عَلَى أَنَّهُ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَيُخَالِفُهُمَا فِي الْمَقَاعِدِ أَيْضًا قَوْلُهُ : وَالْمَنْقُولُ مَا قَدَّمْنَاهُ ) لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ لِحَمْلِ نَقْلِ الْمَاوَرْدِيِّ عَلَى أَنَّهُ أَيَّدَ قَوْلَهُ الْمَرْجُوحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِمُوَافَقَتِهِ لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ ؛ إذْ الْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ اتَّخَذَ الْمَسْجِدَ دُكَّانًا يَحْتَرِفُ فِيهِ حَرُمَ ذَلِكَ وَمُنِعَ فَإِنَّ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَا يُبَاحُ بِشَرْطِ الْقِلَّةِ فَإِنْ كَثُرَ صَارَ صَغِيرَةً ا هـ .
الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ( قَوْلُهُ : فَمَا لَمْ يُفَارِقْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ) .
شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ غَرَضَ الْمُعَامِلِ يَخْتَلِفُ إلَخْ ) وَلِأَنَّ لُزُومَ بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِلصَّلَاةِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَمْنَعَهُ إلَخْ ) أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْحَصِرُ فِي بُقْعَةٍ بِعَيْنِهَا وَرُدَّ بِأَفْضَلِيَّةِ الْقُرْبِ مِنْ الْإِمَامِ وَجَانِبِ الْيَمِينِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ طُرُقًا إلَى تَحْصِيلِ السَّبْقِ الَّذِي طَلَبَهُ الشَّارِعُ ( قَوْلُهُ : لَمْ يَجْبُرْ ذَلِكَ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ فِي أَوَّلِهَا ) وَالْإِضْرَارُ بِتَخَطِّي الرِّقَابِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إزَارَهُ ) أَوْ نَحْوَهُ فِيهِ أَوْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ تِلْكَ الصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ : لِعُمُومِ خَبَرِ { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ } ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : أَرَادَ فِي الْمَسْجِدِ ( قَوْلُهُ : فَالْوَجْهُ سَدُّ الصَّفِّ مَكَانَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَكَانَ يَجِدُ مَوْقِفًا غَيْرَهُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي إلَخْ ) أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ نَاسِيًا كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ وَيُمْنَعُ ) نَدْبًا ( مِنْ الْجُلُوسِ لِمُبَايَعَةٍ وَحِرْفَةٍ فِي الْمَسْجِدِ ) إذْ حُرْمَتُهُ تَأْبَى اتِّخَاذَهُ حَانُوتًا وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ فِيهِ مَكْرُوهٌ ( وَ ) يُمْنَعُ مِنْ ( ارْتِفَاقٍ بِحَرِيمِهِ ضَارٍّ بِأَهْلِهِ ) وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْإِذْنُ فِيهِ ( فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ ) بِأَهْلِهِ ( جَازَ ) الِارْتِفَاقُ الْمَذْكُورُ ، وَالْإِذْنُ فِيهِ ( وَهَلْ يُشْتَرَطُ ) فِيهِ ( إذْنُ الْإِمَامِ ) أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا الْمَنْعُ ( وَيُمْنَعُ اسْتِطْرَاقُ حِلَقِ الْفُقَهَاءِ ، وَالْقُرَّاءِ ) تَوْقِيرًا لَهَا وَإِطْلَاقُهُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الْأَصْلِ لَهُ بِالْمَسْجِدِ ( وَهَلْ يَتَرَتَّبُ ) أَيْ يَجْلِسُ ( الْمُدَرِّسُ ، وَالْمُفْتِي فِي كِبَارِ الْمَسَاجِدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ) فِيهِ ( وَالْإِذْنُ ) فِيهِ ( مُعْتَادٌ ) أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ لَا وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ بِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَثَانِيهمَا نَعَمْ إذْ الْمَسَاجِدُ لِلَّهِ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ : أَوْجَهُهُمَا الْمَنْعُ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَثَانِيهِمَا نَعَمْ ) هُوَ الْأَصَحُّ .

( فَصْلٌ مَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان مِنْ رِبَاطٍ ) مُسَبَّلٍ وَنَحْوِهِ كَخَانِقَاهْ وَفِيهِ شُرِطَ مَنْ يَدْخُلُهُ ( وَخَرَجَ ) مِنْهُ ( لِحَاجَةٍ ) كَشِرَاءِ طَعَامٍ ( فَهُوَ ) بَاقٍ ( عَلَى حَقِّهِ ) سَوَاءٌ أَخَلَّفَ فِيهِ غَيْرَهُ ، أَوْ مَتَاعَهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَدَخَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مَنْ سَبَقَ إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي الدُّخُولِ إلَى إذْنِ النَّاظِرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلْعُرْفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُسْكِنَ مَنْ شَاءَ وَيَمْنَعَ مَنْ شَاءَ ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى إذْنِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ سَبَقَ إلَى السُّكْنَى فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ مَنْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَفِيمَا قَالَهُ وَقْفَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى النَّاظِرِ ( وَإِنْ سَكَنَ بَيْتًا مِنْهُ وَغَابَ وَلَمْ تَطُلْ غَيْبَتُهُ عُرْفًا ) ثُمَّ عَادَ ( فَهُوَ ) بَاقٍ ( عَلَى حَقِّهِ ، وَإِنْ سَكَنَهُ غَيْرُهُ ) لِأَنَّهُ أَلِفَهُ مَعَ سَبْقِهِ إلَيْهِ وَلَا يُمْنَعُ غَيْرُهُ مِنْ سُكْنَاهُ فِيهِ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ عَلَى أَنْ يُفَارِقَهُ إذَا حَضَرَ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ بَطَلَ حَقُّهُ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ غَيْرِ سُكَّانِ الْمَدَارِسِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْعَوَامِّ ( دُخُولُ الْمَدَارِسِ وَالْأَكْلُ ) وَالشُّرْبُ ( وَالنَّوْمُ فِيهَا ) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِهِ ( لَا السُّكْنَى ) فَلَيْسَتْ لَهُمْ ( إلَّا لِفَقِيهٍ ) مِنْهُمْ فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا مُطْلَقًا لِلْعُرْفِ ( أَوْ ) لِغَيْرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ ( بِشَرْطِ الْوَاقِفِ ) لَا بِدُونِ شَرْطِهِ .

( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا الَّذِي قَالَهُ الْقَمُولِيُّ إنَّهُ سَوَاءٌ سَكَنَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطُ الْوَاقِفِ أَنْ لَا يَسْكُنَ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَمَنْ لَهُ النَّظَرُ فَمَنْ سَكَنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَرِطَ حَيْثُ لَا شَرْطَ لِلْوَاقِفِ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ طَالَ مُقَامُ رَجُلٍ فِي بُقْعَةٍ مَوْقُوفَةٍ وَخِيفَ مِنْ مُقَامِهِ اشْتِهَارُهَا بِهِ وَانْدِرَاسُ الْوَقْفِ فَلِلْإِمَامِ نَقْلُهُ مِنْهَا وَلِلسُّلْطَانِ مَنْعُ مَنْ تَصَدَّى لِمَا لَيْسَ أَهْلًا لَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَالْفُقَهَاءِ وَإِذَا تَنَازَعَ أَهْلُ الْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ فِيمَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ لَمْ يُمْنَعْ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ تَنَافُرٌ وَإِذَا تَظَاهَرَ بِالصَّلَاحِ مَنْ اسْتَبْطَنَ مَا سِوَاهُ تُرِكَ وَإِنْ تَظَاهَرَ بِالْعِلْمِ هُتِكَ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ تَطُلْ غَيْبَتُهُ عُرْفًا ) هَلْ الْمُرَادُ عُرْفُ زَمَنِ الْوَاقِفِ ، أَوْ زَمَنِ الْغَيْبَةِ ، وَالْأَوَّلُ .
أَشْبَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطَالِبِ قَالَ وَلِهَذَا كَانَ أَكَابِرُ عُلَمَاءِ وَقْتِنَا يَقُولُونَ تَسْتَحِقُّ الْفُقَهَاءُ الْجَامِكِيَّةِ إذَا بَطَلُوا فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي زَمَنٍ عُهِدَتْ فِيهِ الْبِطَالَةُ فِيهَا فَأَمَّا الْمَدَارِسُ الْقَدِيمَةُ الْمَوْقُوفَةُ فِي زَمَنٍ لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا فِيهَا ، وَقَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : تَسْتَحِقُّ الْفُقَهَاءُ الْجَامِكِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ لِدُخُولِ سِقَايَاتِهَا ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ الْحَالُ فِي بُيُوتِ سِقَايَاتِهَا بَيْنَ قِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا الْمَاءُ الْجَارِي فِيهَا كَمَا فِي مَدَارِسِ الشَّامِ لَا الْمَنْقُولُ إلَيْهَا كَمَا فِي مَدَارِسِ

مِصْرَ قَالَ وَكَانَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ الْمُتَوَرِّعِينَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَلِيقُ مِنْهُ دَوَاتُهُ كَمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مَاءً مُسَبَّلًا بِالطَّرِيقِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَيَتَيَمَّمُ .
ا هـ .
مَا اسْتَظْهَرَهُ مَرْدُودٌ نَظَرًا لِلْعُرْفِ .

( فَرْعٌ النَّازِلُونَ ) بِمَوْضِعٍ ( فِي الْبَادِيَةِ فِي غَيْرِ مَرْعَى الْبَلَدِ لَا يُمْنَعُونَ ) مِنْهُ بَلْ هُمْ أَحَقُّ بِهِ وَبِمَا حَوَالَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِمَرَافِقِهِمْ ( وَلَمْ يُزَاحَمُوا ) بِفَتْحِ الْحَاءِ ( عَلَى الْمَرَاعِي وَالْمَرَافِقِ إنْ ضَاقَتْ ) بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّسَعَتْ لِانْتِفَاءِ الْإِضْرَارِ بِهِمْ ، وَإِذَا رَحَلُوا بَطَلَ اخْتِصَاصُهُمْ وَإِنْ بَقِيَ أَثَرُ الْخِيَامِ وَنَحْوِهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ فِي غَيْرِ مَرْعَى الْبَلَدِ مَرْعَاهُ فَيُمْنَعُونَ مِنْ النُّزُولِ فِيهِ ( فَإِنْ اسْتَأْذَنُوا الْإِمَامَ فِي اسْتِيطَانِهَا ) أَيْ الْبَادِيَةِ ( وَلَمْ يَضُرَّ نُزُولُهُمْ بِالسَّابِلَةِ ) أَيْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ ( رَاعَى الْأَصْلَحَ ) فِي نُزُولِهِمْ بِهَا وَمَنْعِهِمْ وَنَقْلِ غَيْرِهِمْ إلَيْهَا ( وَإِنْ نَزَلُوا ) بِهَا ( بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُمْ غَيْرُ مُضِرِّينَ ) بِالسَّابِلَةِ ( لَمْ يَمْنَعْهُمْ ) مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَا يَمْنَعُ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ ظَهَرَ فِي مَنْعِهِمْ مَصْلَحَةٌ فَلَهُ مَنْعُهُمْ وَلَيْسَ كَالْإِحْيَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمُحْيِيَ مَلَكَ بِهِ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ ، وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْهُمْ دَبَّرَهُمْ بِمَا يَرَاهُ صَلَاحًا لَهُمْ ( وَنَهَاهُمْ عَنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ ( إحْدَاثِ زِيَادَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِ ) أَمَّا إذَا ضَرَّ نُزُولُهُمْ بِالسَّابِلَةِ فَيَمْنَعُهُمْ قَبْلَ النُّزُولِ وَبَعْدَهُ .

( فَصْلٌ لَوْ طَالَ مُقَامُ الْمُرْتَفِقِ فِي شَارِعٍ وَنَحْوِهِ ) كَمَسْجِدٍ ( لَمْ يُزْعَجْ ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْمُرْتَفِقِينَ وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ الْيَدُ بِالسَّبْقِ فَلَا تُزَالُ ( إلَّا فِي الرُّبُطِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْمُسَافِرِينَ فَلَا يُزَادُونَ عَلَى مُدَّةِ السَّفَرِ ) وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا سَوَاءٌ أَعَيَّنَهَا الْوَاقِفُ أَمْ أَطْلَقَ ( إلَّا لِخَوْفٍ ، أَوْ مَطَرٍ ) فَيُزَادُونَ إلَى زَوَالِ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِمَّا سَيَأْتِي عَنْ الْأَصْلِ وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ ( وَلَا ) يُزَادُونَ ( عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ ) مِنْ الْوَاقِفِ ( لِلْجَمِيعِ ) أَيْ لِلْمُسَافِرِينَ وَغَيْرِهِمْ ( وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ ) عَنْ التَّقَيُّدِ بِالْمُدَّةِ وَبِالْمُسَافِرِينَ ( يُعْمَلُ بِالْعُرْفِ ) فِيمَا وَقَفَهُ ( فَيُقِيمُ الطَّالِبُ فِي الْمَدْرَسَةِ ) الْمَوْقُوفَةِ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ ( حَتَّى يَنْقَضِيَ غَرَضُهُ ، أَوْ يَتْرُكَ التَّعَلُّمَ وَالتَّحْصِيلَ فَيُزْعَجَ ) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ أَشْخَاصٌ لِلِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَحُضُورِ الدَّرْسِ وَقُرِّرَ لَهُمْ مِنْ الْجَامِكِيَّةِ مَا يَسْتَوْعِبُ قَدْرَ ارْتِفَاعِ وَقْفِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ زِيَادَةً عَلَيْهِمْ بِمَا يَنْقُصُ مَا قُرِّرَ لَهُمْ مِنْ الْمَعْلُومِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي رُبُطِ الْمَارَّةِ إلَّا لِمَصْلَحَتِهَا أَوْ لِخَوْفٍ يَعْرِضُ ، أَوْ أَمْطَارٍ تَتَوَاتَرُ ( وَلِلْخَانِقَاهْ حُكْمُ الشَّارِعِ ) فِيمَا مَرَّ إذْ لَا يُمْكِنُ فِيهَا الضَّبْطُ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ ، وَقَافُ الْخَانْقَاهْ مُبْدَلَةٌ مِنْ الْكَافِ لِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الدَّمِيرِيِّ الْخَانِكَاهْ بِالْكَافِ وَهِيَ بِالْعَجَمِيَّةِ دِيَارُ الصُّوفِيَّةِ .

( قَوْلُهُ : لَوْ طَالَ مُقَامٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ إقَامَتُهُ ، وَالْمَقَامُ بِالْفَتْحِ مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ إنَّهُ لَوْ شَرَطَ وَاقِفُ الْمَدْرَسَةِ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ الْمُعِيدُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مُعِيدٌ غَيْرُهُ جَازَ اسْتِمْرَارُهُ وَأَخْذُهُ الْمَعْلُومَ ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ شُغُورَ مَدْرَسَتِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ هَذَا مُدَّةً وَغَيْرُهُ مُدَّةً قَالَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرْطٍ شَهِدَ الْعُرْفُ بِتَخْصِيصِهِ .
ا هـ .
وَقَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ كَابْنِ الرِّفْعَةِ ) قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ كَمَا قَالَ .

( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْأَعْيَانِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْأَرْضِ وَفِيهِ طَرَفَانِ ) ( الْأَوَّلُ فِي الْمَعَادِنِ ) وَهِيَ الْبِقَاعُ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمَطْلُوبَةِ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْجَوَاهِرِ الَّتِي فِيهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ ( وَهِيَ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ ) الْمَعَادِنُ ( الظَّاهِرَةُ ) وَهِيَ مَا خَرَجَ بِلَا عِلَاجٍ ، وَإِنَّمَا الْعِلَاجُ فِي تَحْصِيلِهِ ( كَالنِّفْطِ ) بِكَسْرِ النُّونِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا وَهُوَ مَا يُرْمَى بِهِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ دُهْنٌ ( وَأَحْجَارِ الرَّحَى ، وَالْبِرَامِ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ جَمْعُ بُرْمَةٍ وَهُوَ حَجَرٌ تُعْمَلُ مِنْهُ الْقُدُورُ ( وَالْكِبْرِيتِ ) وَهُوَ عَيْنٌ تُجْرِي مَاءً فَإِذَا جَمَدَ صَارَ كِبْرِيتًا ( وَالْقَارِ ) وَهُوَ الزِّفْتُ وَيُقَالُ لَهُ الْقِيرُ ( وَالْمِلْحِ الْمَائِيِّ ، وَكَذَا الْجَبَلِيُّ إنْ لَمْ يُحْوِجُ إلَى حَفْرٍ وَتَعَبٍ ) وَالْجِصُّ ، وَالْمَدَرُ وَأَحْجَارُ النُّورَةِ ( الثَّانِي ) الْمَعَادِنُ ( الْبَاطِنَةُ وَهِيَ الْمَبْثُوثَةُ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ الْمُحْتَاجَةُ إلَى عِلَاجٍ كَالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ ، وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ ، وَلِقِطْعَةِ ذَهَبٍ أَبْرَزَهَا السَّيْلُ ، أَوْ أَتَى بِهَا حُكْمُ الْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ وَلَا يُمْلَكَانِ بِالْإِحْيَاءِ ) لَهُمَا وَإِنْ زَادَ بِهِ النِّيلُ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِمَا اخْتِصَاصٌ بِالتَّحَجُّرِ بَلْ هُمَا مُشْتَرَكَانِ بَيْنَ النَّاسِ كَالْمَاءِ الْجَارِي ، وَالْكَلَأِ ، وَالْحَطَبِ ( وَإِذَا أَقْطَعَ الْإِمَامُ مِنْ ) الْمَعَادِنِ ( الْبَاطِنَةِ رَجُلًا مَا ) أَيْ شَيْئًا ( يَقْدِرُ عَلَيْهِ جَازَ ) كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ إقْطَاعَ مِلْحِ مَأْرِبٍ أَوْ أَقْطَعَهُ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ إنَّهُ كَالْمَاءِ لِمَعْدٍ امْتَنَعَ مِنْهُ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَاطِنَ يَجُوزُ إقْطَاعُهُ ، وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ ( لَا ) الْمَعَادِنِ ( الظَّاهِرَةِ ) لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ وَكَالْمَاءِ الْجَارِي وَنَحْوِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي إقْطَاعِ التَّمْلِيكِ أَمَّا إقْطَاعُ الْإِرْفَاقِ فَيَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى غَيْرِهِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ .
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْأَعْيَانِ الْخَارِجَةِ ) ( قَوْلُهُ : الْأَوَّلُ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ ) أَطْلَقُوا امْتِنَاعَ إقْطَاعِ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَتَعْلِيلُهُمْ يُرْشِدُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي إقْطَاعِ التَّمْلِيكِ ، أَمَّا إقْطَاعُ الْإِرْفَاقِ فَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : لَمْ يُحْوِجُ إلَى حَفْرٍ ) فَإِنْ احْتَاجَ إظْهَارُهَا إلَى حَفْرٍ وَتَنْحِيَةِ تُرَابٍ فَهِيَ بَاطِنَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْيَاقُوتِ ) عَدَّهُ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّمِيرِيِّ قَالَ شَيْخُنَا قَدْ جَزَمَ الدَّمِيرِيِّ بِكَوْنِهِ مِنْ الْبَاطِنِ وَعَدَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي جُمْلَةِ الْمَعْدِنِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِكَوْنِهِ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا قَوْلُهُ : وَكَالْمَاءِ الْجَارِي وَنَحْوِهِ ) الْمُمْتَنِعُ إقْطَاعُ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ ع ( قَوْلُهُ : فَيَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ أَرْضًا لِيَأْخُذَ حَطَبَهَا ، أَوْ حَشِيشَهَا أَوْ صَيْدَهَا ، وَلَا بِرْكَةً لِيَأْخُذَ سَمَكَهَا وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحَجُّرٌ كَمَا لَا يَدْخُلُ إقْطَاعٌ .

( فَرْعٌ أَمَّا الْبِقَاعُ الَّتِي تُحْفَرُ بِقُرْبِ السَّاحِلِ وَيُسَاقُ الْمَاءُ إلَيْهَا فَيَنْعَقِدُ ) فِيهَا ( مِلْحًا فَيَجُوزُ إحْيَاؤُهَا وَإِقْطَاعُهَا ) كَمَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ، وَإِقْطَاعِهِ ، وَإِذَا مَلَكَهَا رَجُلٌ بِذَلِكَ مَلَكَ مَا فِيهَا .
( فَرْعٌ يُقَدَّمُ فِي الْمَعْدِنَيْنِ ) الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ( بِالسَّبْقِ إنْ لَمْ يَتَّسِعْ ) مَكَانُهُمَا ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَكُنْ سَبْقٌ قُدِّمَ عِنْد التَّشَاحِّ ( بِالْقُرْعَةِ ) وَإِنْ كَانَ أَحَدُ مُتَشَاحَّيْنِ يَأْخُذُ لِلتِّجَارَةِ ، وَالْآخَرُ لِلْحَاجَةِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كَتَظْهِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ ( وَيَأْخُذُ ) الْمُقَدَّمُ ( قَدْرَ حَاجَتِهِ عُرْفًا ) بِالنِّسْبَةِ لِأَمْثَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ كَالْمَاءِ الْجَارِي وَنَحْوِهِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَدَّمِ بِالْقُرْعَةِ ( فَلَوْ زَادَ ) عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ ( أُزْعِجَ إنْ زُوحِمَ ) لِأَنَّ عُكُوفَهُ عَلَيْهِ كَالْمُتَحَجِّرِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَخْذِ وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ بِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى نَيْلِ الْمَعَادِنِ فَإِنْ لَمْ يُزَاحَمْ لَمْ يُزْعَجْ أَمَّا إذَا اتَّسَعَ مَكَانُهُمَا فَكُلٌّ مِنْ جَانِبِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُقَدَّمُ أَحَقَّ بِذَلِكَ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَإِنْ انْصَرَفَ فَغَيْرُهُ مِمَّنْ سَبَقَ أَوْلَى مَا لَمْ يَنْصَرِفْ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَأْخُذُ قَدْرَ حَاجَتِهِ عُرْفًا ) فَإِنْ وَجَدَ النَّيْلَ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ ، أَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَنَلْ شَيْئًا فَفِي إزْعَاجِهِ تَرَدُّدٌ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ إزْعَاجِهِ لِعَدَمِ حُصُولِ قَدْرِ حَاجَتِهِ .

( فَرْعٌ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا وَفِيهَا مَعْدِنٌ بَاطِنٌ ) لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ( مَلَكَهُ ) لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَقَدْ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ ( وَإِنْ عَلِمَ بِهِ حَالَ الْإِحْيَاءِ ) فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ أَيْضًا كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ لِفَسَادِ الْقَصْدِ وَفِي نُسْخَةٍ لَا إنْ عَلِمَ بِهِ حَالَ الْإِحْيَاءِ فَيُوَافِقُ الثَّانِيَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَرَجَّحَ فِي الْكِفَايَةِ الْأَوَّلَ وَأَقَرَّ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ صَاحِبَ التَّنْبِيهِ وَخَرَجَ بِالْبَاطِنِ الظَّاهِرُ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَهُ لِظُهُورِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى عِلَاجٍ أَمَّا بُقْعَةُ الْمَعْدِنَيْنِ فَلَا يَمْلِكُهَا بِإِحْيَائِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِهِمَا لِفَسَادِ قَصْدِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا وَلَا بُسْتَانًا وَلَا مَزْرَعَةً ، أَوْ نَحْوَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَلَيْسَ لِمَالِكِهِ ) أَيْ الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ ( بَيْعُهُ ) لِأَنَّ مَقْصُودَهُ النَّيْلُ وَهُوَ مُتَفَرِّقٌ فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَهُوَ كَبَيْعِ قَدْرٍ مَجْمُوعٍ مِنْ تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَفِيهِ النَّيْلُ ، وَكَالْبَيْعِ الْهِبَةُ ، قَالَ فِي الْبَحْرِ لَكِنْ تَرْتَفِعُ يَدُهُ بِهَا لَا بِهِ ؛ لِأَنَّ رَفْعَ يَدِهِ بِهِ كَانَ مَشْرُوطًا بِعِوَضٍ وَلَمْ يَحْصُلْ بِخِلَافِ رَفْعِ يَدِهِ بِهَا انْتَهَى ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ ( فَإِنْ قَالَ ) مَالِكُهُ ( لِرَجُلٍ مَا اسْتَخْرَجْتَهُ ) مِنْهُ ( فَهُوَ لِي ) فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا ( فَلَا أُجْرَةَ لَهُ ) كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : اغْسِلْ ثَوْبِي فَغَسَلَهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ مَا اسْتَخْرَجْتَهُ مِنْهُ فَهُوَ ( بَيْنَنَا ) فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا ( فَلَهُ أُجْرَةُ النِّصْفِ ) لِأَنَّ نِصْفَ عَمَلِهِ وَقَعَ لِلْمَالِكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بِهِ ( أَوْ ) قَالَ مَا اسْتَخْرَجْتَهُ ( لَك مِنْهُ كَذَا ، أَوْ ) لَك ( الْكُلُّ فَلَهُ أُجْرَتُهُ ) لِأَنَّ عَمَلَهُ وَقَعَ لِلْمَالِكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بِهِ ( وَالْحَاصِلُ ) مِمَّا اسْتَخْرَجَهُ ( فِي الْجَمِيعِ ) أَيْ

جَمِيعِ الصُّوَرِ ( لِلْمَالِكِ ) لِأَنَّهُ هِبَةُ مَجْهُولٍ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَيَّنَ كَأَنْ قَالَ إنْ اسْتَخْرَجْت مِنْهُ كَذَا فَقَدْ جَعَلْت لَك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ صَحِيحَةٌ .

( قَوْلُهُ : مَنْ أَحْيَا أَرْضًا وَفِيهَا مَعْدِنٌ بَاطِنٌ مَلَكَهُ ) إنَّمَا خَصَّ الْمَعْدِنَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِهِ وَإِلَّا فَمَنْ مَلَكَ أَرْضًا بِالْإِحْيَاءِ مَلَكَ تَضَاعِيفَهَا وَطَبَقَاتِهَا ، وَالْكَلَأَ ، وَالْعُشْبَ الَّذِي يَنْبُتُ فِيهَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ فِي تَصْحِيحِهِ وَعَزَاهُ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلشَّافِعِيِّ ( قَوْلُهُ : وَفِي نُسْخَةٍ لَا إنْ عَلِمَ بِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ عِبَارَةَ إرْشَادِهِ بِمَعْدِنٍ مَجْهُولٍ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْدِنُ مَعْلُومًا لَمْ يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ إذَا كَانَ ظَاهِرًا قَطْعًا وَكَذَا إنْ كَانَ بَاطِنًا عَلَى الْأَصَحِّ .
ا هـ .
وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَإِنْ لَمْ فَلَا يَمْلِكُهُ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَهُ ) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ مَلَكَهُ لِإِجْمَاعِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا يَمْلِكُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ الْمَعَادِنِ وَصَرَّحَ كَثِيرُونَ بِمِلْكِهِ النَّوْعَيْنِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ وَإِذَا أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا وَحَكَمْنَا لَهُ بِالْمِلْكِ فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ ظَاهِرٌ كَالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِهِ مَلَكَهُ الْمُحْيِي إجْمَاعًا فَلَا يُزَاحَمُ فِيهِ وَبِهَذَا صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ؛ إذْ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ لَك الْكُلُّ فَلَهُ أُجْرَتُهُ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَيَقْرُبُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَعْدِنِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ دَفْعِ الْأَوْلَادِ الْأَحْرَارِ إلَى الْمَرَاضِعِ لِلتَّعَهُّدِ بِالْإِرْضَاعِ ، وَالْحَضَانَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لَهُنَّ فِي اسْتِحْقَاقِهِنَّ الْأُجْرَةَ وَعَدَمِهِ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الْمَقْبُوضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَفِي آخِرِ الْإِجَارَةِ أَنَّهُنَّ لَا يَرْجِعْنَ بِمَا أَنْفَقْنَ عَلَيْهِمْ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ غَيْرُ مُتَبَرَّعٍ بِهِ ) يُفْهِمُ أَنَّ شَرْطَ

وُجُوبِ الْأُجْرَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَقِيهًا يَعْلَمُ عِلَّةَ الْوُجُوبِ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بِمَهْرِهَا وَقَدْ بَرِئَ مِنْهُ فَإِنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَيَّدَ قَوْلَ مَنْ قَالَ يَقَعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّهُ بَرِئَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ طَامِعٍ فِي عِوَضٍ

( الطَّرَفُ الثَّانِي الْمِيَاهُ وَهِيَ قِسْمَانِ : مُخْتَصَّةٌ ) بِبَعْضِ النَّاسِ ( وَغَيْرُهَا فَغَيْرُ الْمُخْتَصَّةِ كَالْأَوْدِيَةِ ، وَالْأَنْهَارِ ) وَالسُّيُولِ ( فَالنَّاسُ فِيهَا سَوَاءٌ ) لِخَبَرِ { النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي الْمَاءِ ، وَالْكَلَأِ ، وَالنَّارِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ( وَإِنْ ضَاقَ الْمُشْرِعُ ) عَلَى اثْنَيْنِ مَثَلًا ( وَقَدْ جَاءَا مَعًا قُدِّمَ الْعَطْشَانُ ) لِحُرْمَةِ الرُّوحِ ثُمَّ إنْ اسْتَوَيَا فِي الْعَطَشِ ، أَوْ فِي غَيْرِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلَيْسَ لِلْقَارِعِ أَنْ يُقَدِّمَ دَوَابَّهُ عَلَى الْآدَمِيِّينَ بَلْ إذَا ارْتَوَوْا اُسْتُؤْنِفَتْ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الدَّوَابِّ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْقُرْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ ( ثُمَّ ) إنْ جَاءَا مُتَرَتِّبِينَ قُدِّمَ ( السَّابِقُ ) بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِيًا لِدَوَابِّهِ ، وَالْمَسْبُوقُ عَطْشَانًا فَيُقَدَّمُ الْمَسْبُوقُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ ( وَمَنْ حَازَ مِنْهُ شَيْئًا فِي إنَاءٍ ، أَوْ حَوْضٍ مَلَكَهُ ) فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مُزَاحَمَتُهُ فِيهِ كَمَا لَوْ احْتَطَبَ فَلَوْ أَعَادَ مَا حَازَهُ مِنْهُ إلَيْهِ لَمْ يَصِرْ شَرِيكًا فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ نَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ ( وَإِنْ دَخَلَ الْمَاءُ ) أَيْ شَيْءٌ مِنْهُ ( مِلْكَهُ لَمْ يَجُزْ ) لِغَيْرِهِ ( الدُّخُولُ إلَيْهِ بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ لِامْتِنَاعِ دُخُولِ مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( فَلَوْ أَخَذَهُ رَجُلٌ ) وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ مِلْكَهُ ( بِلَا إذْنٍ مَلَكَهُ ) وَإِذَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ أَخَذَهُ مَنْ شَاءَ نَعَمْ إنْ حَوَّطَ عَلَيْهِ الْمَالِكُ كَأَنْ كَانَ فِي دَارٍ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ قَالَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ إلَى مِلْكِهِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَيَانِ .

قَوْلُهُ : وَمَنْ حَازَ مِنْهُ شَيْئًا فِي إنَاءٍ ، أَوْ حَوْضٍ ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ كَبِرْكَةٍ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ الدُّولَابُ الَّذِي يُدِيرُهُ الْمَاءُ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي كِيزَانِهِ مَلَكَهُ صَاحِبُ الدُّولَابِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَقَاهُ بِنَفْسِهِ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ وَلَوْ تَزَاحَمُوا عَلَى سَقْيِ الْأَرْضِ ) الَّتِي لَهُمْ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمَاءِ غَيْرِ الْمُخْتَصِّ وَضَاقَ عَنْهُمْ وَبَعْضُهُمْ أَوَّلٌ ( سَقَى الْأَوَّلُ ) فَالْأَوَّلُ فَيَحْبِسُ كُلُّ وَاحِدٍ الْمَاءَ ( إلَى ) أَنْ يَبْلُغَ ( الْكَعْبَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ( وَالْأَوْلَى التَّقْدِيرُ بِالْحَاجَةِ فِي الْعَادَةِ ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ وَبِاخْتِلَافِ مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرٍ وَبِوَقْتِ الزِّرَاعَةِ وَوَقْتِ السَّقْيِ وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا قَبْلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ ( ثُمَّ يُرْسِلُهُ ) الْأَوَّلُ إلَى ( الثَّانِي وَهَكَذَا ) وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْمُحْيِي قَبْلَ الثَّانِي وَهَكَذَا لَا الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ وَعَبَّرُوا بِذَلِكَ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْيَا بُقْعَةً يَحْرِصُ عَلَى قُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ مَا أَمْكَنَ لِمَا فِيهِ مِنْ سُهُولَةِ السَّقْيِ وَخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ وَقُرْبِ عُرُوقِ الْغِرَاسِ مِنْ الْمَاءِ وَمِنْ هُنَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ إنْ أَحْيَوْا دُفْعَةً أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِالْإِقْرَاعِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( فَإِنْ انْخَفَضَ بَعْضٌ ) مِنْ أَرْضِ الْأَعْلَى ( بِحَيْثُ يَأْخُذُ فَوْقَ الْحَاجَةِ قَبْلَ سَقْيِ الْمُرْتَفِعِ ) مِنْهَا ( أَفْرَدَ كُلًّا ) مِنْهُمَا ( بِسَقْيٍ ) بِأَنْ يَسْقِيَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ يَسُدَّهُ ، ثُمَّ يَسْقِيَ الْآخَرُ ( فَإِنْ احْتَاجَ الْأَوَّلُ ) إلَى السَّقْيِ ( مَرَّةً أُخْرَى قُدِّمَ ) أَمَّا إذَا اتَّسَعَ الْمَاءُ فَيَسْقِي كُلٌّ مِنْهُمْ مَتَى شَاءَ ( وَلَوْ تَنَازَعَ مُتَحَاذِيَانِ ) بِأَنْ تَحَاذَتْ أَرْضَاهُمَا ، أَوْ أَرَادَ شَقَّ النَّهْرِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ مُتَحَاذِيَيْنِ ( فَالْقُرْعَةُ ) مُعْتَبَرَةٌ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَانَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَحْيَيَا دَفْعَةً ، أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا ( وَإِنْ أَرَادَ ) شَخْصٌ ( إحْيَاءَ أَرْضٍ ) مَوَاتٍ ( أَقْرَبَ إلَى رَأْسِ النَّهْرِ فَإِنْ ضَيَّقَ

عَلَى السَّابِقِ مُنِعَ ) مِنْ الْإِحْيَاءِ ( وَإِلَّا فَلَا ) التَّقْيِيدُ بِالْأَقْرَبِيَّةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ أَرَادَ إحْيَاءَ مَوَاتٍ وَسَقْيَهُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ فَإِنْ ضَيَّقَ عَلَى السَّابِقِينَ مُنِعَ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا أَرْضَهُمْ بِمَرَافِقِهَا ، وَالْمَاءُ مِنْ أَعْظَمِ مَرَافِقِهَا ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ وَقَضِيَّتُهَا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَقْرَبِيَّةِ وَأَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِإِرَادَةِ سَقْيِ ذَلِكَ مِنْ النَّهْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ لِئَلَّا يَصِيرَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى اسْتِحْقَاقِهِ السَّقْيَ قَبْلَهُمْ ، أَوْ مَعَهُمْ .

( قَوْلُهُ : سَقَى الْأَوَّلُ ) حَتَّى لَوْ كَانَ زَرْعُ الْأَسْفَلِ يَهْلِكُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمَاءُ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ فَوْقَهُ إرْسَالُهُ إلَيْهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ ) بَعْدَ نَقْلِهِ مَا قَبْلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ ، كَلَامُ الْجُمْهُورِ مَحْمُولٌ عَلَى أَرْضٍ يَكْفِيهَا ذَلِكَ أَمَّا الْأَرْضُ الَّتِي لَا تَكْفِيهَا إلَّا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَغَالِبِ مَزَارِعِ الْيَمَنِ فَتُسْقَى إلَى حَدِّ كِفَايَتِهَا عَادَةً مَكَانًا وَزَمَانًا وَقَدْ اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ قَوِيٌّ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَلَوْلَا هَيْبَةُ الْأَحَادِيثِ لَقُلْت إنَّهُ الصَّحِيحُ وَأَوَّلْتهَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ عَادَةَ الْحِجَازِ وَهَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَبْلُغَ الْحَبْسُ الْأَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ ، أَوْ الْأَعْلَى كَمَا قَالُوا فِي آيَةِ الْوُضُوءِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ، وَالْمَرْجِعُ إلَى الْقَدْرِ الْمُعْتَدِلِ ، أَوْ الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَرْفَعُ كَعْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْخَفِضُ وَيَدْنُو مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي ) وَهَكَذَا فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ عَظِيمًا بَقِيَ بِالْجَمِيعِ سَقَى مَنْ شَاءَ مَتَى شَاءَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَذَا أَطْلَقَاهُ وَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ سَاقِيَةٌ يُرْسِلُهَا مِنْهُ إلَى أَرْضِهِ مَتَى شَاءَ أَمَّا إذَا كَانَ مَخْرَجُ الْمَاءِ مِنْهُ وَاحِدًا لَا يُمْكِنُ السَّقْيُ مِنْهُ إلَّا مُرَتَّبًا فَلَا بَلْ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُسْتَحِقُّ التَّقْدِيمِ تَتَأَخَّرُ نَوْبَتُهُ .
( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْمُحْيِي قَبْلَ الثَّانِي إلَخْ ) صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَمَا أَوْهَمَ خِلَافَهُ مُؤَوَّلٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا أَحْسِبُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِالْإِقْرَاعِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (

قَوْلُهُ : بِأَنْ يَسْقِيَ أَحَدُهُمَا ، ثُمَّ يَسُدَّهُ ، ثُمَّ يَسْقِيَ الْآخَرُ ) قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَتَبِعَهُ الْقَمُولِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ سَقْيُ الْعَالِيَةِ أَوَّلًا حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَ ، ثُمَّ يَسُدَّ عَنْهَا وَيُرْسِلَ إلَى السَّافِلَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ فِعْلُهُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْبُدَاءَةُ بِالْأَسْفَلِ بَلْ لَوْ عُكِسَ جَازَ وَمُرَادُهُمْ أَنْ لَا تَزِيدَ فِي الْمُنْسَفِلَةِ عَلَى الْكَعْبَيْنِ .
وَصَرَّحَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكُلُّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَحْيَيَا دَفْعَةً ، أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهَا ) أَيْ عِبَارَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَقْرَبِيَّةِ إلَخْ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ فَإِنْ ضَيَّقَ عَلَى السَّابِقِينَ إلَخْ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِ النَّهْرِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا .

( فَرْعٌ وَعِمَارَةُ هَذِهِ الْأَنْهَارِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلِكُلٍّ ) مِنْ النَّاسِ ( بِنَاءُ قَنْطَرَةٍ ) عَلَيْهَا يَمُرُّونَ عَلَيْهَا ( وَ ) بِنَاءُ ( رَحًى عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ ) أَيْ الْأَنْهَارُ ( فِي مَوَاتٍ ، أَوْ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ الْعُمْرَانِ فَالْقَنْطَرَةُ ) أَيْ بِنَاؤُهَا فِيهِ ( كَحَفْرِ الْبِئْرِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الشَّارِعِ ) فَيَجُوزُ مُطْلَقًا إنْ كَانَ الْعُمْرَانُ وَاسِعًا وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ ضَيِّقًا ( وَالرَّحَى يَجُوزُ بِنَاؤُهَا ) فِيهِ أَيْضًا ( إنْ لَمْ تَضُرَّ بِالْمُلَّاكِ ) وَإِلَّا فَلَا كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ فِي الشَّارِعِ فِيهِمَا .

( فَصْلٌ ) فِي حُكْمِ مَاءِ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَاقِي الْمَمْلُوكَةِ ( وَمَنْ أَخَذَ مِنْ الْوَادِي مَاءً فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْمَاءِ مَا دَامَ فِيهِ ) فِي تَعْبِيرِهِ بِالْأَخْذِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ بِأَخْذِهِ يَمْلِكُهُ ، وَالْمُرَادُ مَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ أَنْ يَحْفِرَ نَهْرًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْوَادِي فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ( وَلِغَيْرِهِ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِعْمَالُ مِنْهُ وَلَوْ بِدَلْوٍ وَمَنْ حَفَرَ نَهْرًا فَوْقَهُ ) أَيْ فَوْقَ نَهْرِهِ فَإِنْ كَانَ ( يُضَيِّقُ عَلَيْهِ مُنِعَ ) وَإِلَّا فَلَا ( وَإِنْ حَفَرَ النَّهْرَ جَمَاعَةٌ اشْتَرَكُوا فِيهِ ) أَيْ فِي مِلْكِهِ ( بِقَدْرٍ عَمَلِهِمْ ) وَفِي نُسْخَةٍ أَعْمَالِهِمْ ( فَإِنْ شَرَطُوهَا ) أَيْ شَرِكَةَ النَّهْرِ بَيْنَهُمْ ( عَلَى ) قَدْرِ ( مِلْكِهِمْ ) مِنْ الْأَرْضِ ( فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ كَذَلِكَ ) أَيْ عَمَلُ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرْضِهِ ( فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا ) فِي الْعَمَلِ ( فَمُتَبَرِّعٌ إلَّا إنْ أُكْرِهَ ) أَيْ أَكْرَهَهُ الْبَاقُونَ عَلَى زِيَادَةِ الْعَمَلِ ( أَوْ شَرَطُوا لَهُ عِوَضًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ ) عَلَيْهِمْ ( بِأُجْرَةِ الزَّائِدِ ) وَفِي نُسْخَةٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ ( وَلَا يُقَدَّمُ الْأَعْلَى هَاهُنَا ) عَلَى الْأَسْفَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ النَّهْرُ مَمْلُوكًا كَمَا مَرَّ لِاسْتِوَائِهِمْ هُنَا فِي الْمِلْكِيَّةِ ( فَإِنْ اقْتَسَمُوهُ ) أَيْ الْمَاءَ ( مُيَاوَمَةً ) أَوْ نَحْوَهَا ( جَازَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } ( وَلِكُلٍّ ) مِنْهُمْ ( الرُّجُوعُ ) مَتَى شَاءَ ( فَإِنْ رَجَعَ وَقَدْ أَخَذَ نَوْبَتَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ ) نَوْبَتَهُ ( فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا ) أَيْ أُجْرَةُ نَوْبَتِهِ مِنْ النَّهْرِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي أَخَذَ هُوَ فِيهَا نَوْبَتَهُ ( وَسَنَذْكُرُ قِسْمَةَ الْمَاءِ ) نَفْسِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنْ اقْتَسَمُوا النَّهْرَ وَكَانَ عَرِيضًا جَازَ وَلَا إجْبَارَ فِيهِ كَمَا فِي الْجِدَارِ الْحَائِلِ ( وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمْ

مِنْ تَوْسِيعِ ) فَمِ ( النَّهْرِ وَ ) مِنْ ( تَضْيِيقِهِ وَ ) مِنْ ( تَقْدِيمِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ ) الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ إلَى أَرْضِهِ وَمِنْ تَأْخِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَ ) مِنْ ( إجْرَاءِ مَا يَمْلِكُهُ فِيهِ ) أَيْ فِي النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ ( وَمِنْ بِنَاءِ قَنْطَرَةٍ وَرَحًى عَلَيْهِ وَ ) مِنْ ( غَرْسِ شَجَرٍ عَلَى حَافَّتِهِ إلَّا بِرِضَاهُمْ ) أَيْ الْبَاقِينَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ بَابَ دَارِهِ إلَى رَأْسِ السُّدَّةِ الْمُنْسَدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ يَتَصَرَّفُ فِي جِدَارِهِ وَهُنَا فِي الْحَافَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ ( وَعِمَارَتُهُ ) أَيْ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ تَنْقِيَةً وَغَيْرَهَا يَقُومُ بِهَا الشُّرَكَاءُ ( بِحَسَبِ الْمِلْكِ ) وَلَوْ كَانَ الْمُحْتَاجُ مِنْهُ إلَى الْعِمَارَةِ مُسْتَقِلًّا عَنْ بَعْضِهِمْ لِاشْتِرَاكِهِمْ وَانْتِفَاعِهِمْ بِهِ وَكَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقِيلَ لَا تَلْزَمْهُ الْعِمَارَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْبَاقِينَ وَالتَّرَجُّحُ فِيهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ .
( فَرْعٌ : كُلُّ أَرْضٍ وُجِدَ فِي يَدِ أَهْلِهَا نَهْرٌ لَا تُسْقَى ) أَيْ الْأَرْضُ ( إلَّا مِنْهُ ) وَلَمْ يُدْرَ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ ( حُكِمَ لَهُمْ بِمِلْكِهِ ) لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ فَلَا يُقَدَّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَلَوْ رَأَيْنَا لَهَا سَاقِيَةً مِنْهُ وَلَمْ نَجِدْ لَهَا شِرْبًا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ حَكَمْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لَهَا شِرْبًا مِنْهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَلَوْ تَنَازَعُوا فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ ) مِنْهُ ( جَعَلْنَاهُ عَلَى قَدْرِ ) أَنْصِبَائِهِمْ مِنْ ( الْأَرْضِ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَقِيلَ يُجْعَلُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْأَوَّلَ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ الْأَصَحُّ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الثَّانِي وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ .

قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الْعِمَارَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَنْهُ ) إنَّمَا تَعَرَّضَا هُنَا لِكَيْفِيَّةِ الْعِمَارَةِ لَا لِإِيجَابِ الْعِمَارَةِ قَالَ شَيْخُنَا أَشَارَ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْكَلَامِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ عَلَيْهِ الْعِمَارَةُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مِنْ وَظِيفَتِهِ لَا أَنَّ الشَّرِيكَ يُجْبِرُ شَرِيكَهُ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ وَأَفْهَمَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ خِلَافَهُ ( قَوْلُهُ : حُكِمَ لَهُمْ بِمِلْكِهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مَنْبَعُهُ مِنْ أَرَاضِيهِمْ الْمَمْلُوكَةِ لَهُمْ أَمَّا إذَا كَانَ مَنْبَعُهُ بِمَوَاتٍ ، أَوْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ نَهْرٍ عَامٍّ كَدِجْلَةَ وَنَحْوِهَا فَلَا بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا وَبِهَذَا الْكَلَامِ الْحَسَنِ يُجَابُ عَمَّا قَدَحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ الْأَصَحُّ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الثَّانِي ) لِأَنَّ الْقَرَائِنَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي عَبْدَيْنِ خَسِيسٍ وَنَفِيسٍ مُكَاتَبَيْنِ عَلَى نُجُومٍ مُتَفَاوِتَةٍ بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا وَأَحْضَرَا مَالًا وَادَّعَى الْخَسِيسُ أَنَّهُ سَوَاءٌ بَيْنَهُمَا وَادَّعَى النَّفِيسُ أَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ عَلَى قَدْرِ النُّجُومِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ الْخَسِيسُ عَمَلًا بِالْيَدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا لِصُورَتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْجِدَارِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ إلَيْهِ الدَّوَاخِلُ وَالْخَوَارِجُ وَلَا أَنْصَافُ اللَّبِنِ وَلَا مَعَاقِدُ الْقُمُطِ وَنَصَّ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الزَّوْجَانِ عَلَى إنَّهُ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أَنَّهُمَا يُحَلَّفَانِ وَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ عَادَةً وَلَا مَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ قَالَ شَيْخُنَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ

بِعَدَمِ وُرُودِهِ عَلَى مَسْأَلَتِنَا ؛ لِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ بِمَا ذُكِرَ هُنَا فِي شَيْءٍ تَابِعٍ لِغَيْرِهِ ، وَالْيَدُ عَلَى النَّصِيبِ مُحَقَّقَةٌ فَكَانَ الْمُتَنَازِعُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِ الْيَدِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَا كَذَلِكَ الْأَمْتِعَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُمَا اسْتِقْلَالًا ، وَصَلَاحِيَةُ أَحَدِهِمَا لِأَحَدِهَا لَا تُرَجِّحُ فَعُمِلَ بِالْمِلْكِ لَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ ، كَاتِبُهُ .

الْقِسْمُ ( الثَّانِي ) الْمِيَاهُ ( الْمُخْتَصَّةُ ) بِبَعْضِ النَّاسِ وَهِيَ مِيَاهُ الْآبَارِ ، وَالْقَنَوَاتِ ( فَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ ) أَوْ فِي مِلْكِهِ ، أَوْ انْفَجَرَ فِيهِ عَيْنٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ ( مَلَكَهَا وَ ) مَلَكَ ( مَاءَهَا إذْ الْمَاءُ يُمْلَكُ ) وَهُوَ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ ( لَكِنْ يَجِبُ ) عَلَيْهِ ( بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ ) مِنْ الْآدَمِيِّينَ ( وَعَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ أَقَامَ ) غَيْرُهُ ، ثَمَّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ } أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَاشِيَةَ إنَّمَا تَرْعَى بِقُرْبِ الْمَاءِ فَإِذَا مَنَعَ مِنْ الْمَاءِ فَقَدْ مَنَعَ مِنْ الْكَلَأِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَاشِيَةِ هُنَا الْحَيَوَانَاتُ الْمُحْتَرَمَةُ هَذَا ( إنْ كَانَ هُنَاكَ كَلَأٌ ) مُبَاحٌ يُرْعَى ( وَلَمْ يَجِدْ مَاءً مَبْذُولًا ) لَهُ هُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ " مَاءً مُبَاحًا " ( وَلَمْ يُحْرِزْهُ فِي إنَاءٍ ) أَوْ نَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَذْلُهُ وَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِ الْكَلَأِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَخْلَفُ فِي الْحَالِ وَيُتَمَوَّلُ فِي الْعَادَةِ وَزَمَنُ رَعْيِهِ يَطُولُ فَيَطُولُ الْمُكْثُ فِي أَرْضِهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَحَيْثُ لَزِمَهُ بَذْلُ الْمَاءِ لِلْمَاشِيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ وُرُودِ الْبِئْرِ إنْ لَمْ يُضَرَّ بِهِ ( فَإِنْ أَضَرَّ بِهِ وُرُودُهَا ) لَمْ يَلْزَمْهُ تَمْكِينُهَا وَ ( اسْتَقَى لَهَا ) أَيْ جَازَ لِلرُّعَاةِ اسْتِقَاءُ فَضْلِ الْمَاءِ لَهَا وَقَوْلُهُ ( وَحَمَلَ ) لَهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ( وَلَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِزَرْعِ الْغَيْرِ ) كَسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ كَمَا مَرَّ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ ( وَإِنْ حَفَرَهَا ) فِي مَوَاتٍ ( لِلِارْتِفَاقِ ) أَيْ لِارْتِفَاقِهِ بِهَا ( اُخْتُصَّ بِهَا ) وَبِمَائِهَا ( كَالْمَالِكِ مَا لَمْ يَرْتَحِلْ ) لِخَبَرِ { مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ } فَإِذَا ارْتَحَلَ صَارَتْ الْبِئْرُ كَالْمَحْفُورَةِ لِلْمَارَّةِ فَإِنْ

عَادَ فَكَغَيْرِهِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ كَالْمَالِكِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ بَذْلُ الْفَاضِلِ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ وَعَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ لَا زَرْعِهِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ ( أَوْ ) حَفَرَهَا ( لِلْمَارَّةِ فَهُوَ كَأَحَدِهِمْ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا ، أَوْ لَا يَصِحَّ بَيْعُ مَا وَجَبَ بَذْلُهُ ) وَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَلَا يَجِبُ ) عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَذْلُ ( إعَارَةُ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ ) مِنْ دَلْوٍ وَحَبْلٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْحَبْلِ ( وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَاءِ التَّقْدِيرُ ) بِكَيْلٍ ، أَوْ وَزْنٍ لَا بِرِيِّ الْمَاشِيَةِ ، أَوْ الزَّرْعِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي شُرْبِ الْآدَمِيِّ أَهْوَنُ مِنْهُ فِي شُرْبِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ .
( فَرْعٌ ) الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ مِنْ الْجَدَاوِلِ ، وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ - إذَا كَانَ السَّقْيُ لَا يَضُرُّ بِمَالِكِهَا - جَائِزٌ إقَامَةً لِلْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ اللَّفْظِيِّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .

( قَوْلُهُ : لَكِنْ يَجِبُ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ ) الْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ بَذْلِ فَضْلِ الْمَاءِ وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ فَاضِلِ الْكَلَأِ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ الْمَاءَ إذَا أُخِذَ اُسْتُخْلِفَ فِي الْحَالِ ، وَالثَّانِي أَنَّ الْكَلَأَ يُتَمَوَّلُ فِي الْعَادَةِ ، وَالثَّالِثُ أَنَّ رَعْيَ الْمَاشِيَةِ يَطُولُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَمْكِينُهَا مِنْ دُخُولِهَا مِلْكَهُ لِأَجْلِهِ ، وَالْمَاءُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَوْ أَرَادَ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا طَمَّهَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِمَا تَعَلَّقَ بِفَضْلِ مَائِهَا مِنْ حُقُوقِ الْمَارِّ فِي الطَّرِيقِ ، وَالْبَهَائِمِ وَكَذَا لَوْ حَفَرَ نَهْرًا ، أَوْ انْبَسَطَ عَيْنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَلَمْ يُخَالِفْهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَلْقَى مُعَايَاةً فَيُقَالُ : شَخْصٌ حَفَرَ بِئْرًا ، وَهِيَ وَمَاؤُهَا عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِمَنْ يَمْلِكُهَا مِنْ جِهَتِهِ طَمُّهَا ( قَوْلُهُ : إنْ كَانَ هُنَاكَ كَلَأٌ مُبَاحٌ يُرْعَى ) أَيْ تَحْتَاجُهُ الْمَاشِيَةُ فَإِنْ لَمْ تَحْتَجْهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : فَإِنْ عَادَ فَكَغَيْرِهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَكَذَا أَطْلَقَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا ارْتَحَلَ مُعْرِضًا أَمَّا لَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ فَلَا إلَّا أَنْ تَطُولَ غَيْبَتُهُ وَإِعْرَاضُهُ عَنْهَا كَارْتِحَالِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَلَوْ حَفَرَهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ سَدَّهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَاشِيَةِ بِظُهُورِ مَائِهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُهَا .

( فَصْلٌ الْقَنَاةُ كَالْبِئْرِ ) فِي مِلْكِ مَاءَهَا وَفِي وُجُوبِ الْبَذْلِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّ حَفْرَهَا لِمُجَرَّدِ الِارْتِفَاقِ لَا يَكَادُ يَقَعُ ( فَإِنْ مَلَكَهَا جَمَاعَةٌ وَأَرَادُوا قِسْمَةَ الْمَاءِ عُرِّضَتْ فِيهِ ) وَأَرْضُهُ مُسْتَوِيَةٌ ( خَشَبَةٌ مُسْتَوِيَةٌ ) عُلُوًّا وَسُفْلًا ( فِيهَا ثُقْبٌ ) مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ ( بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ ) فَيَجُوزُ تَسَاوِيهَا مَعَ تَفَاوُتِ الْحُقُوقِ لَكِنْ لِذِي الثُّلُثِ مَثَلًا ثُقْبَةٌ وَلِذِي الثُّلُثَيْنِ ثُقْبَتَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى اسْتِيفَاءِ كُلِّ أَحَدٍ حَقَّهُ ( وَيَصْنَعُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَائِهِ مَا شَاءَ ) كَأَنْ يَسُوقَهُ فِي سِيَاقِهِ إلَى أَرْضِهِ أَوْ يُدِيرَ رَحًى فِي أَرْضِهِ بِمَا صَارَ لَهُ ( لَكِنْ لَا يَسُوقُهُ لِأَرْضٍ أَجْنَبِيَّةٍ ) أَيْ لَيْسَ لَهَا شِرْبٌ مِنْ النَّهْرِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لَهَا شِرْبًا لَمْ يَكُنْ وَاعْلَمْ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى الْقِسْمَةِ بِتَعْرِيضِ الْخَشَبَةِ الْمَذْكُورَةِ مَحَلُّهُ عِنْدَ ضِيقِ الْمَاءِ ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا ( وَلَا يَتَصَرَّفُ ) فِي الْمَاءِ ( قَبْلَ الْقِسْمَةِ ) بِسَوْقِهِ فِي سَاقِيَةٍ ، أَوْ نَصْبِ رَحًى عَلَيْهِ ، أَوْ غَيْرِهِمَا ( وَلِكُلٍّ ) مِنْهُمْ ( الرُّجُوعُ ) بَعْدَ الْقِسْمَةِ ( مَتَى شَاءَ ) كَمَا مَرَّ فِي النَّهْرِ ( إنْ اقْتَسَمُوا مُهَايَأَةً ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَاَلَّذِينَ يَسْقُونَ أَرَاضِيَهُمْ مِنْ أَوْدِيَةٍ مُبَاحَةٍ وَلَوْ تَرَاضَوْا بِمُهَايَأَةٍ فَهِيَ مُسَامَحَةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ بِتَقْدِيمِ الْآخِرِينَ وَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فَمَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ سَقْيِ أَرْضِهِ .
( قَوْلُهُ : فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ سَقْيِ أَرْضِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ مَاءُ الْبِئْرِ ، وَالْقَنَاةِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ) مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا ( لِأَنَّهُ يَزِيدُ ) شَيْئًا فَشَيْئًا ( وَيَخْتَلِطُ ) الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ نَعَمْ إنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَخْذِهِ الْآنَ صَحَّ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَاقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ ( فَلَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ مَاءٍ بِئْرٍ ) أَوْ قَنَاةٍ ( رَاكِدٍ لَا جَارٍ صَحَّ لِقِلَّةِ زِيَادَتِهِ ) فَلَا تَضُرُّ ( كَالرَّطْبَةِ ) أَيْ كَبَيْعِ الْقَتِّ فِي الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْجَارِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَبْطُ الْعَقْدِ بِمِقْدَارٍ مَضْبُوطٍ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ ( فَإِنْ اشْتَرَى الْبِئْرَ وَمَاءَهَا الظَّاهِرَ أَوْ جُزْأَهَا ) الْأَوْلَى ، أَوْ جُزْأَهُمَا ( الشَّائِعَ وَقَدْ عَرَفَ عُمْقَهَا ) فِيهِمَا ( صَحَّ ) وَمَا يَنْبُعُ فِي الثَّانِيَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَالظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهَا ، أَوْ جُزْأَهَا الشَّائِعَ دُونَ الْمَاءِ ، أَوْ أَطْلَقَ لَا يَصِحُّ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ ( وَلَوْ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَمَتَى ( بَاعَ مَاءَ الْقَنَاةِ مَعَ قَرَارِهِ ، وَالْمَاءُ جَارٍ بَطَلَ ) الْبَيْعُ ( فِي الْجَمِيعِ ) لَا فِي الْمَاءِ فَقَطْ ( لِلْجَهَالَةِ وَفِي الرَّوْضَةِ ) كَأَصْلِهَا ( خِلَافُهُ ) عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، وَرُدَّ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَبِيعَ مَعَ غَيْرِهِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ ، وَالتَّقْسِيطُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ ( أَوْ ) وَهُوَ ( وَاقِفٌ ) وَعَرَفَ الْعُمْقَ ( صَحَّ ) الْبَيْعُ ؛ إذْ لَا مَانِعَ .

( قَوْلُهُ : وَفِي الرَّوْضَةِ خِلَافُهُ ) عِبَارَتُهَا لَوْ بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ جَارِيًا فَقَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الْقَنَاةَ مَعَ مَاءَهَا ، أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَقُلْنَا الْمَاءُ لَا يُمْلَكُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاءِ ، وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ مَا ذَكَرَاهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ تَخْرِيجِهَا عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ مَجْهُولٌ وَقَدْ سَبَقَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ .
ا هـ .
، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي النَّهْرِ مَجْهُولٌ حَتَّى لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي أَرْضِ النَّهْرِ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الرَّاكِدَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ ، وَالرُّؤْيَةُ تُحِيطُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ عُمْقِهِ مِمَّا يَسْهُلُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا فَمَا ذَكَرَهُ لَا اتِّجَاهَ لَهُ .
ا هـ .
وَنُقِلَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَفْرَدَ مَاءَ عَيْنٍ ، أَوْ بِئْرٍ ، أَوْ نَهْرٍ بِالْبَيْعِ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ بِأَنْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ ، أَوْ وَادٍ صَحَّ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ مُرَادُهُ بِالشِّرْبِ الْمَاءُ الرَّاكِدُ عَلَيْهَا ، أَوْ جَمِيعُ الْمَاءِ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ الْوَادِي أَوْ النَّهْرُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَاءُ النَّهْرِ جَارِيًا .

( فَرْعٌ وَإِنْ سَقَى زَرْعَهُ بِمَغْصُوبٍ ضَمِنَ الْمَاءَ ) الْمَغْصُوبَ بِبَدَلِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ " بِقِيمَتِهِ " لِأَنَّ الْمَاءَ مِثْلِيٌّ ، وَإِنْ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فِي حَالَةٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي التَّيَمُّمِ وَيُمْكِنُ مَجِيئُهَا هُنَا ( وَالْغَلَّةُ لَهُ ) لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْبَذْرِ ( فَإِنْ تَحَلَّلَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ ) مَعَ غُرْمِ بَدَلِهِ ( كَانَ الطَّعَامُ ) أَيْ الْغَلَّةُ ( أَطْيَبَ ) لَهُ مِمَّا لَوْ غَرِمَ الْبَدَلَ فَقَطْ ( وَإِنْ أَضْرَمَ ) أَيْ أَشْعَلَ ( نَارَهُ فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ لَمْ يَمْنَعْ ) أَحَدًا ( النَّفْعَ ) أَيْ الِانْتِفَاعَ ( بِهَا فَإِنْ مَلَكَهُ ) أَيْ الْحَطَبَ الْمَذْكُورَ ( فَلَهُ الْمَنْعُ ) مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا أَيْ بِالْأَخْذِ مِنْهَا وَنَحْوِهِ ، أَمَّا الِاصْطِلَاءُ ، أَوْ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا أَوْ مِنْهَا فَلَا مَنْعَ مِنْهُ .

( قَوْلُهُ : وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ بِقِيمَتِهِ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ هُوَ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ إيجَابُ مِثْلِهِ وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ عَلَى الصَّوَابِ قَالَ النَّاشِرِيُّ قَالَ وَالِدِي الَّذِي يَظْهَرُ لِي وُجُوبُ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْمَاءَ فِي النَّهْرِ لَا تَنْتَفِعُ بِهِ الْأَرَاضِي فِي كُلِّ وَقْتٍ فَتَسْلِيمُ الْمِثْلِ فِي وَقْتٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَتَسْلِيمِ مِثْلِ الْمَاءِ فِي الْبَلَدِ عِوَضًا عَنْ الْمَغْصُوبِ فِي مَفَازَةٍ ، فَإِنْ فُرِضَتْ حَالَةٌ يُمْكِنُ فِيهَا نَقْلُ مِثْلِ الْمَاءِ مِنْ قِرَبٍ - وَسَهُلَ سُهُولَةَ أَخْذِ الْمَاءِ الْمَغْصُوبِ لِلسَّقْيِ أَوَّلًا ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ الْمَاءِ كَانْتِفَاعِهِ بِمَائِهِ الَّذِي غُصِبَ حَالَةَ غَصْبِهِ - تَعَيَّنَ الْمِثْلُ وَكَتَبَ أَيْضًا أَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي سَقَى بِهِ الْأَرْضَ لَا يُتَصَوَّرُ رَدُّ مِثْلِهِ إمَّا لِكَثْرَتِهِ ، أَوْ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ أَوْ لِعِزَّةِ وُجُودِهِ فِي سَقْيِ أَرْضٍ أُخْرَى تَكُونُ لِمَالِكِ الْمَاءِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ عَدِمَ الْمِثْلَ فَيَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يَجِبُ مِثْلُهُ مُحَصَّلًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ مِنْ قَنَاةٍ ، أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ غَصَبَهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَى السَّقْيِ بِهِ ، ثُمَّ طَالَبَهُ فِي وَقْتٍ لَا قِيمَةَ لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ ع .

( كِتَابُ الْوَقْفِ ) هُوَ - لُغَةً - الْحَبْسُ يُقَالُ : وَقَفْت كَذَا أَيْ حَبَسْته ، وَيُقَالُ : أَوْقَفْته فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَشَرْعًا حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ ، وَجَمْعُهُ وُقُوفٌ وَأَوْقَافٌ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ } .
وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَا عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لِنُدْرَتِهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ شِئْت حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ } وَهُوَ أَوَّلُ وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ ( وَفِيهِ بَابَانِ : الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ ، وَفِيهِ طَرَفَانِ : الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : الْأَوَّلُ الْوَاقِفُ ، وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ ) فَيَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ قُرْبَةً اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا وَمِنْ مُبَعَّضٍ لَا مِنْ مُكَاتَبٍ وَمُفْلِسٍ وَمُوَلًّى عَلَيْهِ وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْإِمَامَ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مُعَيَّنٍ وَجِهَةٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ تَبَعًا لِجَمْعٍ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَا عَلَى طَوَائِفَ مَخْصُوصَةٍ ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .

( كِتَابُ الْوَقْفِ ) ( قَوْلُهُ : عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ ) مَوْجُودٍ ( قَوْلُهُ : أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ ) أَيْ النَّاجِزُ وَالِاخْتِيَارُ ( قَوْلُهُ : وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْإِمَامَ إلَخْ ) وَمَا لَوْ كَانَ الْحَاكِمُ نَاظِرًا عَلَى الْوَقْفِ وَشَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ مَا يَصِحُّ وَقْفُهُ يُوقَفُ وَمِثْلُهُ مَا يَقِفُهُ مَنْ شُرِطَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ نَاظِرٍ أَوْ وَصِيٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا .
( 29 ) ( قَوْلُهُ : وَيَحْصُلُ مِنْهَا فَائِدَةٌ أَوْ مَنْفَعَةٌ ) الْمُرَادُ بِالْفَائِدَةِ اللَّبَنُ وَالثَّمَرَةُ وَنَحْوُهُمَا وَبِالْمَنْفَعَةِ السُّكْنَى وَاللُّبْسُ وَنَحْوُهُمَا ( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَتَجِبُ الْقِسْمَةُ ) لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ مَنْعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ مِنْ الْمُطْلَقِ لِلضَّرُورَةِ ( قَوْلُهُ : وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِجَوَازِ الْمُكْثِ فِيهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ ) فِي إطْلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ كَمَا فِي الْخَادِمِ أَنَّهُ إنْ وَقَفَ الْأَكْثَرَ مَسْجِدًا حَرُمَ مُكْثُ الْجُنُبِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ كَمَا فِي حَمْلِ التَّفْسِيرِ إنْ كَانَ الْقُرْآنُ فِيهِ أَكْثَرَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا وَكَلُبْسِ الْمُرَكَّبِ مِنْ إبْرَيْسَمٍ وَغَيْرِهِ ، أ ث : الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَاضِحٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ حُكْمِ الْأُولَى مِنْهُمَا .
( تَنْبِيهٌ ) أَمَّا جَعْلُ الْفُرُشِ وَالثِّيَابِ مَسْجِدًا فَمَوْضِعُ تَوَقُّفٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ مِثْلُهُ ، وَكُتُبُ الْأَصْحَابِ عَنْ التَّنْصِيصِ عَلَى الْجَوَازِ ، أَوْ عَدَمِهِ سَاكِتَةٌ وَإِنْ ظُنَّ الْجَوَازُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ ، وَالْأَحْوَطُ الْمَنْعُ كوهكيلوني ، وَقَوْلُهُ : وَالْأَحْوَطُ الْمَنْعُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : وَيَصِحُّ وَقْفُ الْأَشْجَارِ ) لَوْ وَقَفَ شَجَرَةً أَوْ جِدَارًا فَفِي دُخُولِ مَقَرِّهِمَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ دُخُولِهِ ( قَوْلُهُ : كَعَبِيدٍ وَثِيَابٍ ) اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ فِي الْأَعْصَارِ عَلَى وَقْفِ الْحُصُرِ ، وَالْقَنَادِيلِ وَالزَّلَالِيّ فِي

الْمَسَاجِدِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ( قَوْلُهُ : أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا وَقْفَهُمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَأَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَزْرُوعَةِ لِلشَّمِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِتَقَدُّمِ سَبَبِ عِتْقِهِمَا عَلَى وَقْفِهِمَا ) وَلِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ حَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى فَقُدِّمَ أَقْوَاهُمَا وَهُوَ الْعِتْقُ وَيُشْكِلُ ذَلِكَ بِأَنَّ تَنْفِيذَ الْعِتْقِ - وَقَدْ زَالَ مِلْكُ الْمُعْتِقِ - خِلَافُ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ .
أ ث : جَوَابُهُ مَنْعُ مُخَالَفَتِهِ لِلْقَوَاعِدِ ؛ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ وُجُودُهُ فِي مِلْكِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ صِفَتِهِ فِي مِلْكِهِ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ إذَا مِتّ وَمَضَى شَهْرٌ فَأَنْت حُرٌّ عَتَقَ بِمُضِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّ الصِّفَةَ تَزُولُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ لَكِنَّ جَوَابَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَنْعُ الزَّوَالِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا تَبْطُلُ الصِّفَةُ إذَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الصِّفَةِ وَهَاهُنَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى مَنْ لَهُ حَقُّ الْعِتْقِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ عَتَقَ تَقْدِيمًا لِأَقْوَى السَّبَبَيْنِ وَهُوَ الْعِتْقُ فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْوَقْفِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْرِي بِخِلَافِ الْوَقْفِ .
الثَّانِي أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ سَبَقَ عَلَى حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا إلَى وَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي نُفُوذَ الْعِتْقِ فِي الرَّقَبَةِ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهِ يَصِحُّ عِتْقُهُ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ إلَخْ ) لَا تَخَالُفَ بَيْنَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ هُنَا وَأَقَرَّاهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمَا فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ : إنَّهُ إذَا وَطِئَ الْوَاقِفُ الْجَارِيَةَ الْمَوْقُوفَةَ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ جَعَلْنَا الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ

الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعِتْقِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْطُلْ فِي الْوَقْفِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِتْقِ ، وَالْوَقْفِ فَأَبْطَلْنَا الْوَقْفَ لِتَأَخُّرِهِ وَضَعْفِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنْ سَبَبَ الْعِتْقِ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْوَقْفِ فَلَمْ يَثْبُتْ لِعَدَمِ وُقُوعِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ لِانْتِقَالِهِ عَنْهُ بِالْوَقْفِ ( قَوْلُهُ : فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ ) أَمَّا إذَا قُلْنَا الْمِلْكُ لِلَّهِ لَمْ يَعْتِقْ كَمَا لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ بِالْبَيْعِ ، ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ هُنَا أَفْقَهُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ مَقْصُودَ كُلٍّ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالصِّفَةِ ، وَالْوَقْفِ هُوَ إخْرَاجُ الرَّقِيقِ عَنْ الْمِلْكِ لِيَكُونَ الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى ؛ فَلَمْ يَكُنْ الْإِخْرَاجُ بِالْوَقْفِ مَانِعًا مِنْ تَرَتُّبِ أَثَرِ التَّعْلِيقِ الَّذِي تَشَوَّفَ الشَّارِعُ إلَى مَقْصُودِهِ أَرْجَحُ لِأَنَّ كَوْنَ الْمِلْكِ لِلَّهِ فِي الْوَقْفِ لَا يَقْطَعُ تَعَلُّقَ الْوَاقِفِ اتِّبَاعَ شَرْطِهِ فَفَارَقَ إخْرَاجَ الرَّقِيقِ عَنْ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ أ ب .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ وَقَفَ مَا لَمْ يَرَهُ إلَخْ ) لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرَ السَّوَادَ فَيَصِحُّ وَقْفُ الْأَعْمَى ( قَوْلُهُ : وَالْمُؤَجِّرُ أَرْضَهُ ) وَلَوْ مَسْجِدًا ( قَوْلُهُ : وَالْمُسْتَأْجِرُ لِأَرْضٍ بِنَاءَهُ وَلَوْ مَسْجِدًا ) وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ لِلسُّكْنَى لَمْ يَجُزْ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَبْنِيَ الْعَرْصَةَ بِالْآجُرِّ وَالنُّورَةِ فَيَصِيرُ مَسْجِدًا إذَا وَقَفَهُ قِيَاسًا عَلَى الْعُلُوِّ دُونَ السُّفْلِ ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ .
قَوْلُهُ : كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ ) وَالْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ كَالصَّحِيحَةِ وَإِجَارَةُ الْمَقْطَعِ كَغَيْرِهِ ، وَذِكْرُ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِثَالٌ فَإِنَّ الْمُسْتَعَارَةَ ، وَالْمُوصَى لَهُ

بِمَنْفَعَتِهَا كَذَلِكَ وَتَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِالْمُسْتَأْجَرَةِ يُفْهِمُ تَصْوِيرَهَا فِي الْمَوْضُوعَةِ بِحَقٍّ أَمَّا لَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ ، ثُمَّ وَقَفَهُ لَمْ يَصِحَّ فَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ صَرْفَ أُجْرَةِ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : تَكَلَّمَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي عَصْرِنَا فِيهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْوَقْفُ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ ، وَوَقْفُ الْبِنَاءِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ أُجْرَةِ الْقَرَارِ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ فَإِذَا شَرَطَ صَرْفَ الْأُجْرَةِ مِنْ رِيعِهِ فَقَدْ شَرَطَ مَا يُوَافِقُ مُقْتَضَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الَّتِي قَالَهَا ابْنُ الْأُسْتَاذِ غَيْرُ الصُّورَةِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا بِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ بَلْ تِلْكَ فِي إجَارَةٍ اسْتَأْجَرَهَا الْوَاقِفُ قَبْلَ الْوَقْفِ فَلَزِمَتْ الْأُجْرَةُ ذِمَّتَهُ ، وَمَسْأَلَةُ ابْنِ الْأُسْتَاذِ وَبَحْثُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا بَقِيَ الْمُوقَفُ بِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ ، فش وَقَوْلُهُ : وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ إلَخْ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ غَيْرُهُمَا إلَخْ ) كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الشِّرَاءُ الْمَذْكُورُ وَالرَّاجِحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ كَوْنُهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ .

الرُّكْنُ ( الثَّانِي الْمَوْقُوفُ وَهُوَ كُلُّ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ مَمْلُوكَةٍ تَقْبَلُ النَّقْلَ ) مِنْ مِلْكِ شَخْصٍ إلَى مِلْكِ آخَرَ ( وَيَحْصُلُ مِنْهَا ) مَعَ بَقَاءِ عَيْنهَا ( فَائِدَةٌ ) حَالًا وَمَآلًا كَثَمَرَةٍ ، أَوْ مَنْفَعَةٍ تُسْتَأْجَرُ لَهَا غَالِبًا كَسُكْنَى وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ - مِنْ زِيَادَتِهِ - " غَالِبًا " عَنْ الرَّيَاحِينِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهَا تُسْتَأْجَرُ ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَهَا نَادِرٌ وَلَا غَالِبٌ ( فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَطْعُومٍ ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي اسْتِهْلَاكِهِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ ( وَيَصِحُّ وَقْفُ الْعَقَارِ ) بِالْإِجْمَاعِ ( وَالْمُشَاعِ ) كَنِصْفِ دَارٍ وَنِصْفِ عَبْدٍ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَقَفَ مِائَةَ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ مُشَاعًا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ .
( وَلَا يَسْرِي ) الْوَقْفُ مِنْ جُزْءٍ إلَى جُزْءٍ ( كَمَا لَا يَسْرِي إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْجُزْءِ الْمَوْقُوفِ ( الْعِتْقُ ) وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْجُزْءِ الْمَرْهُونِ حَيْثُ يَسْرِي إلَيْهِ الْعِتْقُ بِأَنَّ الْمَرْهُونَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ صِحَّةُ وَقْفِ الْمُشَاعِ مَسْجِدًا وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ يَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ تَغْلِيبًا لِلْمَنْعِ وَتَجِبُ الْقِسْمَةُ لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا قَالَ .
السُّبْكِيُّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخُصُوصِهِ وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِجَوَازِ الْمُكْثِ فِيهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ وَقَدَّمْت فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ ( وَ ) يَصِحُّ وَقْفُ ( الْأَشْجَارِ وَالْمَنْقُولَاتِ ) كَعَبِيدٍ وَثِيَابٍ وَدَوَابَّ ( لِرِيعِهَا ) مِنْ ثَمَرَةٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَكَسْبٍ وَلُبْسٍ وَرُكُوبٍ وَغَيْرِهَا .
( وَ ) يَصِحُّ ( وَقْفُ عَبْدٍ وَجَحْشٍ صَغِيرَيْنِ وَزَمِنٍ يُرْجَى ) زَوَالُ زَمَانَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَوْجُودَةً فِي الْحَالِ كَمَا يَجُوزُ نِكَاحُ رَضِيعَةٍ ( وَ ) وَقْفُ ( حُلِيٍّ لِلُبْسٍ لَا ) وَقْفُ ( النَّقْدَيْنِ ) كَمَا لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمَا

قَالَ فِي الْأَصْلِ وَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا وَقْفَهُمَا لِيُصَاغَ مِنْهُمَا الْحُلِيُّ بِوَقْفِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَتَرَدَّدَ هُوَ فِيهِ ( وَ ) لَا ( الرَّيَاحِينِ ) الْمَشْمُومَةِ لِسُرْعَةِ فَسَادِهَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الرَّيَاحِينِ الْمَحْصُودَةِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَزْرُوعَةِ لِلشَّمِّ ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُدَّةً وَنَبَّهَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ فَقَالَ الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فِي الْمَزْرُوعَةِ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَابْنُ الصَّلَاحِ يَصِحُّ وَقْفُ الْمَشْمُومِ الدَّائِمِ نَفْعُهُ كَالْعَنْبَرِ ، وَالْمِسْكِ ( وَلَا أُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ حَلَّهُمَا حُرْمَةُ الْعِتْقِ فَالْتَحَقَا بِالْحُرِّ .
( وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُدَبَّرِ ، وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ) كَمَا فِي بَيْعِهِمَا ( لَكِنْ يَعْتِقَانِ لَوْ وُجِدَتْ ) أَيْ الصِّفَةُ وَيَبْطُلُ وَقْفُهُمَا لِتَقَدُّمِ سَبَبِ عِتْقِهِمَا عَلَى وَقْفِهِمَا وَهَذَا مَا فِي الْأَصْلِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَقْفِ لِلْوَاقِفِ ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَاقِفِ فَقَطْ وَقَدْ نَسَبَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْبَغَوِيّ إلَى انْفِرَادِهِ بِمَا ذَكَرَهُ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ ( وَلَا يَصِحُّ ) مِنْ الْحُرِّ ( وَقْفُ نَفْسِهِ ) لِأَنَّ رَقَبَتَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ ( وَ ) لَا وَقْفُ ( الْمَلَاهِي ) لِحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ ( وَلَا ) وَقْفُ ( كَلْبِ صَيْدٍ ) أَوْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ( وَلَا ) وَقْفُ ( أَحَدِ عَبْدَيْهِ ) لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَفَارَقَ الْعِتْقَ بِأَنَّهُ أَنْفَذُ بِدَلِيلِ سِرَايَتِهِ وَتَعْلِيقِهِ ( وَلَا ) وَقْفُ ( مَنْفَعَةٍ دُونَ عَيْنٍ ) سَوَاءٌ أَمَلَكَهَا مُؤَقَّتًا كَالْمُسْتَأْجِرِ أَمْ مُؤَبَّدًا كَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لِانْتِفَاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ .
وَحِكْمَتُهُ

أَنَّ الْوَقْفَ يَسْتَدْعِي أَصْلًا يُحْبَسُ لِتُسْتَوْفَى مَنْفَعَتُهُ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ يُشْبِهُ التَّحْرِيرَ ، وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ لَا يُفِيدُ وِلَايَةَ التَّحْرِيرِ .
( وَلَا ) وَقْفُ ( عَبْدٍ ) مَثَلًا ( فِي الذِّمَّةِ ) أَيْ ذِمَّتِهِ ، أَوْ ذِمَّةِ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ وَلِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْحَمْلِ ، وَإِنْ صَحَّ عِتْقُهُ ، نَعَمْ إنْ وَقَفَ الْحَامِلَ صَحَّ فِيهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ ( وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمَغْصُوبِ ) إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْعَجْزُ عَنْ صَرْفِ مَنْفَعَتِهِ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ فِي الْحَالِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ ( وَ ) يَصِحُّ وَقْفُ ( الْعُلُوِّ وَحْدَهُ ) مِنْ دَارٍ ، أَوْ نَحْوِهَا وَلَوْ مَسْجِدًا ( وَ ) وَقْفُ ( الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ ) بِخِلَافِ إجَارَتِهِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ قُرْبَةٌ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ ( وَلَوْ وَقَفَ مَا لَمْ يَرَهُ ، أَوْ ) وَقَفَ ( الْمُؤَجِّرُ أَرْضُهُ ) الَّتِي أَجَّرَهَا ( أَوْ الْوَارِثُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ ) لِأَرْضٍ ( بِنَاءَهُ ) أَوْ غِرَاسَهُ الَّذِي بَنَاهُ ، أَوْ غَرَسَهُ فِيهَا ( صَحَّ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْلُوكٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَقْفُ فِي الْأَخِيرَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَمْ بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ .
وَمَا ذَكَرَ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ مَا لَمْ يَرَهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ وَقْفِ الْأَعْمَى وَمَسْأَلَةُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهَا الرَّافِعِيُّ وَخَرَجَ بِهَا وَقْفُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا أَوْ مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ إذْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُوصَى لَهُ .
( فَإِنْ قَلَعَ ) الْبِنَاءَ أَوْ الْغِرَاسَ ( بَقِيَ وَقْفًا ) كَمَا كَانَ إنْ نَفَعَ ( فَلَوْ لَمْ يَنْفَعْ فَهَلْ يَصِيرُ ) مِلْكًا ( لِلْوَاقِفِ أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؟ وَجْهَانِ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ غَيْرُهُمَا وَهُوَ شِرَاءُ عَقَارٍ ، أَوْ جُزْءٍ مِنْ عَقَارٍ وَهُوَ قِيَاسُ النَّظَائِرِ

الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ نَحْوَهُ فَقَالَ يَقْرُبُ أَنْ يُقَالَ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ مِنْ جِنْسِهِ مَا يُوقَفُ مَكَانَهُ ( وَأَرْشُ ) النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِقَلْعِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ ( الْمَوْقُوفِ كَالْوَقْفِ ) أَيْ يُسْلَكُ لَهُ مَسْلَكُهُ فَيُشْتَرَى بِهِ شَيْءٌ وَيُوقَفُ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ .

( الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ قِسْمَانِ : مُعَيَّنٌ ، وَغَيْرُهُ ، فَالْأَوَّلُ الْمُعَيَّنُ ) مِنْ شَخْصٍ أَوْ جَمَاعَةٍ ( وَيُشْتَرَطُ صِحَّةُ تَمَلُّكِهِ ) بِأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَقْفِ أَهْلًا لِتَمَلُّكِ الْمَوْقُوفِ مِنْ الْوَاقِفِ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ - إنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ - ، وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ إنْ لَمْ نَقُلْ بِهِ ، وَاعْتَبَرُوا إمْكَانَ تَمْلِيكِ الْمَوْقُوفِ لَا مَنْفَعَتِهِ لِيَدْخُلَ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ وَقْفُ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ ، وَالْمُصْحَفِ عَلَى الْكَافِرِ ( فَيَصِحُّ ) الْوَقْفُ ( عَلَى ذِمِّيٍّ ) كَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَالتَّصَدُّقُ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالذِّمِّيِّ إنْ حَلَّ بِدَارِنَا مَا دَامَ فِيهَا فَإِذَا رَجَعَ صُرِفَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ ( لَا ) عَلَى ( مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ ) لِأَنَّهُمَا لَا دَوَامَ لَهُمَا ، وَالْوَقْفُ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ فَكَمَا لَا يُوقَفُ مَا لَا دَوَامَ لَهُ لَا يُوقَفُ عَلَى مَنْ لَا دَوَامَ لَهُ وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَيَانِ بِالزَّانِي الْمُحْصَنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ وَفِي الْكِفَايَةِ بِأَنَّ وَقْفَ مَا لَا دَوَامَ لَهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ بَعْدَ فَوَاتِهِ ، وَإِذَا مَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوَّلًا انْتَقَلَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ فَمَقْصُودُ الْوَقْفِ مِنْ الدَّوَامِ حَاصِلٌ وَلَمَّا كَانَ الِاعْتِرَاضَانِ قَوِيَّيْنِ عَلَّلَ السُّبْكِيُّ بِانْتِفَاءِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ فِيمَنْ هُوَ مَقْتُولٌ لِكُفْرِهِ ( وَ ) لَا عَلَى ( جَنِينٍ ) لِعَدَمِ صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِقْبَالِ ، وَالْوَقْفُ تَسْلِيطٌ فِي الْحَالِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَ ) لَا عَلَى ( عَبْدِهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَأَمَّا صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى الْأَرِقَّاءِ الْمَوْقُوفِينَ عَلَى خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي فَلِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ الْجِهَةُ فَهُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى عَلْفِ الدَّوَابِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ،

وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ ( وَلَا ) عَلَى ( عَبْدِ غَيْرِهِ إنْ قَصَدَهُ ) لِمَا مَرَّ ( وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ ) الْوَقْفُ ( وَوَقَعَ لِسَيِّدِهِ ، وَإِنْ اسْتَقَلَّ ) هُوَ ( بِالْقَبُولِ ) عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ ، وَالْوَصِيَّةِ وَفَارَقَ نَظِيرَهُ الْآتِيَ فِي الْبَهِيمَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لَهُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلٍ ، أَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً وَصَدَرَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَكَالْحُرِّ ، أَوْ يَوْمَ نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَكَالْعَبْدِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً وُزِّعَ عَلَى الرِّقِّ ، وَالْحُرِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ ابْنِ خَيْرَانَ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْبَعْضِ أَنْ يَقِفَ نِصْفَهُ الرَّقِيقَ عَلَى نِصْفِهِ الْحُرِّ فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِنِصْفِهِ الْحُرِّ .

( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْغَزِّيِّ : إنَّهُ الْأَقْوَى وَجَزَمَ الدَّمِيرِيِّ بِأَنَّهُمَا كَالْحَرْبِيِّ وَلَوْ لَحِقَ الذِّمِّيُّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مَاذَا يُفْعَلُ بِغَلَّةِ الْمَوْقُوفِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ ، وَالْوَسَطِ ( قَوْلُهُ : وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَيَانِ بِالزَّانِي الْمُحْصَنِ ) مِثْلُهُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ الَّذِي تَحَتَّمَ قَتْلُهُ وَمَنْ اُسْتُحِقَّ قَتْلُهُ بِتَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ ) وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا مُسْلِمٌ يُتَقَرَّبُ بِإِطْعَامِهِ إلَى أَنْ يَقْتُلَ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَحَاصِلُهُ اعْتِبَارُ وَصْفِ كَوْنِهِ بِحَيْثُ يُتَقَرَّبُ بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ أ ث ( قَوْلُهُ : وَلَا عَلَى جَنِينٍ ) وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ كَمَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُ وَلَدٌ مُجْتَنٌّ نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ دَخَلَ مَعَهُمْ قَطْعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ قَدْ سَمَّى الْمَوْجُودِينَ أَوْ ذَكَرَ عَدَدَهُمْ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَقَلَّ هُوَ بِالْقَبُولِ ) شَمِلَ مَا لَوْ نَهَاهُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ : عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِهِ ) وَهُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ : فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى مُكَاتَبِ غَيْرِهِ صَحَّ ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ ( فَإِنْ عَجَزَ بَانَ ) الْوَقْفُ ( مُنْقَطِعَ الِابْتِدَاءِ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ ( وَإِنْ عَتَقَ ) الْمُكَاتَبُ ( وَقَدْ قَيَّدَهُ ) أَيْ الْوَقْفَ عَلَيْهِ ( بِمُدَّةِ الْكِتَابَةِ بَانَ مُنْقَطِعَ الِانْتِهَاءِ ) فَيَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِذَلِكَ بَلْ أَطْلَقَهُ دَامَ اسْتِحْقَاقُهُ وَفِي مَعْنَى التَّقْيِيدِ مَا لَوْ عَبَّرَ بِمُكَاتَبِ فُلَانٍ وَمَا ذَكَرَ مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمُتَوَلِّي بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ خِلَافَهُ كَالْوَقْفِ عَلَى الْقِنِّ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَخَرَجَ بِغَيْرِهِ الْمَزِيدِ عَلَى أَصْلِهِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مُكَاتَبِ نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لَهُ ( وَلَا يَصِحُّ ) الْوَقْفُ ( عَلَى بَهِيمَةٍ وَلَوْ أَطْلَقَ ) أَوْ وَقَفَ عَلَى عَلْفِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلْمِلْكِ كَمَا فِي الْهِبَةِ ، وَالْوَصِيَّةِ لَهَا فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَالِكَهَا فَهُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَوْقُوفَةِ أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عَلْفِهَا كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الْغَزَالِيُّ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى حَمَامِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْوُحُوشِ وَلَا عَلَى الطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ .

( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمُتَوَلِّي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : وَلَا يَصِحُّ عَلَى بَهِيمَةٍ ) عَنْ جَمْعٍ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى الْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ فِي وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَفِي الْوَصِيَّةِ لَهَا أَوْ صَوَّبَهُ ( قَوْلُهُ : أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْغَزَالِيُّ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ إطْعَامُ حَمَامِ مَكَّةَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ الْإِطْعَامُ قَالَ شَيْخُنَا قَالَ الكوهكيلوني قُلْت : وَمَا عُمِرَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى إطْعَامِ الْكِلَابِ وَالسَّنَانِيرِ وَالطُّيُورِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ وَقَفَ عَلَى عِمَارَةِ دَارِ زَيْدٍ صَحَّ إنْ كَانَتْ وَقْفًا وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ فِي الْحَاوِي وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الصِّحَّةِ نَظَرٌ لِأَنَّ عِمَارَتَهَا مِنْ وَقْفِهَا فَيَتَعَطَّلُ مَا اقْتَضَاهُ الْوَقْفُ الْأَوَّلُ نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عِنْدَ الْوَقْفِ رِيعٌ فَلَا إشْكَالَ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ كَانَ فَفَائِدَتُهُ تَوْفِيرَ مَا كَانَ لِعِمَارَتِهَا عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَذَا أَظْهَرُ وَقَوْلُهُ : وَهَذَا أَظْهَرُ هُوَ الرَّاجِحُ .

( فَرْعٌ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُمْ ) مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ ( لَمْ يَصِحَّ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ وَيَمْتَنِعُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَقْفِهِ بِئْرَ رُومَةَ دَلْوِي فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ بَلْ إخْبَارٌ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِوَقْفِهِ الْعَامِّ كَالصَّلَاةِ بِمَسْجِدٍ وَقَفَهُ وَالشُّرْبِ مِنْ بِئْرٍ وَقَفَهَا وَالِانْتِفَاعِ بِكِتَابٍ وَقَفَهُ لِلْقِرَاءَةِ ( فَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ ) عَلَى ( الْفُقَرَاءِ فَافْتَقَرَ فَلَهُ التَّنَاوُلُ ) مَعَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَفْسَهُ وَإِنَّمَا وُجِدَتْ فِيهِ الْجِهَةُ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا وَكَالْفُقَرَاءِ الْعُلَمَاءُ وَنَحْوُهُمْ إذَا اتَّصَفَ بِصِفَتِهِمْ وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ كَغَيْرِهِ بِالْفَاءِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَقِيرًا حَالَةَ الْوَقْفِ لَا يَأْخُذْ مِنْهُ لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْخُوَارِزْمِيَّ أَنَّهُ يَأْخُذُ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَلَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ النَّظَرَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ صَحَّ ) لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَهَا مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ فَإِنْ شَرَطَ النَّظَرَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلَوْ وَقَفَ وَقْفًا لِيُحَجَّ عَنْهُ مِنْهُ جَازَ وَلَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ غَلَّتِهِ فَإِنْ ارْتَدَّ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ فِي الْحَجِّ وَصُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أُعِيدَ الْوَقْفُ إلَى الْحَجِّ عَنْهُ ( وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ لَمْ يَصِحَّ ) لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ : وَلَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ إلَخْ ) شَمِلَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ غَيْرُهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ قَبُولِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا الْحِيلَةُ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَهَبَ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِهِ وَيُقْبِضَهُ إيَّاهُ ، أَوْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ مَا وَيَقْبِضَهُ ، ثُمَّ يَقِفَهُ الْمُتَّهِبُ أَوْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ، ثُمَّ عَلَى جِهَاتٍ مُتَّصِلَةٍ وَأَقَرَّ بِأَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ أَفْتَى بُرْهَانُ الدِّينِ الْمَرَاغِيَّ بِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِالْإِقْرَارِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ نَقْضُ الْوَقْفِ فِي غَيْرِهِ وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ الْفِرْكَاحِ وَقَالَ إقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مَقْبُولٌ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَتَلَقَّى مِنْهُ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ هَذَا وَقْفٌ عَلَيَّ كَانَ ذَلِكَ مَقْبُولًا عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَتَلَقَّى مِنْهُ وَهُوَ أَوْجَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ الْمَوْصُوفِينَ بِكَذَا وَذَكَرَ صِفَاتِ نَفْسِهِ كَصِفَةِ الْفِقْهِ وَلَيْسَ فِيهِمْ فَقِيهٌ سِوَاهُ فَعَنْ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفَعَلَهُ ، وَهُوَ الرَّاجِحُ وَعَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ وَلَوْ أَجَّرَ مِلْكَهُ مُدَّةً يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا بِأُجْرَةٍ مُنَجَّمَةٍ ، ثُمَّ وَقَفَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَصَرَّفُ هُوَ فِي الْأُجْرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ .
وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بَعْدَ الْوَقْفِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِيَنْفَرِدَ بِالْيَدِ وَيَأْمَنَ خَطَرَ الدَّيْنِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ( قَوْلُهُ : وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ كَغَيْرِهِ بِالْفَاءِ إلَخْ ) قَالَ السُّبْكِيُّ لَمْ أَرَهَا مَنْقُولَةً وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَفِي الْكَافِي لِلْخُوَارِزْمِيِّ لَوْ وَقَفَ حَائِطًا عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرَتِهِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَصِحُّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ

وَلَمْ يَقُلْ هَذَا وَهُوَ فَقِيرٌ يَأْكُلُ مَعَهُمْ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيَدْخُلُ فِي الْعَامِّ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْخَاصِّ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ السُّبْكِيُّ وَعُمُومُ هَذَا اللَّفْظِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَشْمَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ .
ا هـ .
، كَلَامُ الْخُوَارِزْمِيَّ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا وَحَكَى الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ، ثُمَّ عَلَى وَرَثَةِ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ ، وَالْأَبُ وَارِثُهُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَجْهَانِ .
ا هـ .
أَصَحُّهُمَا نَعَمْ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْخُوَارِزْمِيَّ أَنَّهُ يَأْخُذُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ النَّظَرَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ صَحَّ ) وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ إلَّا لَهُ فَقَطْ وَلَكِنَّهُ جَعَلَهُ لِصِفَةِ النَّظَرِ .
( قَوْلُهُ : وَصُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ ) قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ غَيْرُ مُفَرَّعٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ يُصْرَفُ لَهُ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ وَلَعَلَّ وَجْهَ مَا هُنَا أَنَّهُ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ أَقْرَبِ النَّاسِ وَلِلْوَاقِفِ لِأَنَّا رَاعَيْنَا فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِرْثِ ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَيْضًا فَمُنْقَطِعُ الْآخِرِ مَثَلًا لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُ مَا انْقَطَعَ وَهُنَا الْمَنْعُ لِعَارِضٍ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ .

( الْقِسْمُ الثَّانِي : غَيْرُ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الْجِهَةُ الْعَامَّةُ ) كَالْفُقَرَاءِ ، وَالْمَسَاكِينِ ( فَإِنْ كَانَ ) أَيْ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ ( مَعْصِيَةً كَالسِّلَاحِ لِلْقُطَّاعِ ) أَيْ كَوَقْفِ السِّلَاحِ عَلَى قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَوَقْفِ كُتُبِ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ ( وَالْوَقْفِ عَلَى الْكَنَائِسِ ) الَّتِي لِلتَّعَبُّدِ ( لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ ) كَانَ الْوَقْفُ ( مِنْ ذِمِّيٍّ ) لِأَنَّهُ أَعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إنْشَاءُ الْكَنَائِسِ وَتَرْمِيمُهَا ، مَنَعْنَا التَّرْمِيمَ ، أَوْ لَمْ نَمْنَعْهُ وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَنْعِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ فَاحِشٌ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَإِذَا لَمْ نُصَحِّحْ الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَعَلَى قَنَادِيلِهَا وَحُصُرِهَا فَكَيْفَ نُصَحِّحُهُ عَلَى تَرْمِيمِهَا ( فَنُبْطِلُهُ ) أَيْ الْوَقْفَ عَلَى كَنَائِسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ( إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا ) وَإِنْ أَنْفَذَهُ حَاكِمُهُمْ ( لَا مَا وَقَفُوهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ ) عَلَى كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ فَلَا نُبْطِلُهُ بَلْ نُقِرُّهُ حَيْثُ نُقِرُّهَا ( أَوْ ) كَانَ ( قُرْبَةً ) أَيْ جِهَةً يَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ ( كَالْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَحَّ ) لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْوَقْفِ ( وَيَصِحُّ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ ) وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ قُرْبَةٌ ( كَالْأَغْنِيَاءِ ) لِأَنَّ الْمَرْعِيَّ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ التَّمْلِيكُ كَمَا فِي الْمُعَيَّنِ وَالْوَصِيَّةِ لَا جِهَةُ الْقُرْبَةِ ( إلَّا أَنْ تَضْمَنَ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ كَالْيَهُودِ وَ ) سَائِرِ ( الْفُسَّاقِ ) كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مَا قَالَ الْأَصْلُ فِيهِ : إنَّهُ الْأَحْسَنُ بَعْدَ قَوْلِهِ : الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ كَالْأَغْنِيَاءِ .

( قَوْلُهُ : وَالْوَقْفُ عَلَى الْكَنَائِسِ لَمْ يَصِحَّ ) لَوْ وَقَفَ عَلَى كَنِيسَةٍ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ فَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْجَوَازَ كَالْوَصِيَّةِ ( قَوْلُهُ : مَنَعْنَا التَّرْمِيمَ أَوْ لَمْ نَمْنَعْهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِنَا : إنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ مِنْ - بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ - التَّرْمِيمِ أَنَّا لَا نَمْنَعُهُمْ لَا أَنَّهُ جَائِزٌ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا وَيُقَرُّونَ عَلَيْهَا كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ صَحَّ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ ( قَوْلُهُ : كَالْيَهُودِ وَسَائِرِ الْفُسَّاقِ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُسَّاقِ ، وَالْقُطَّاعِ وَالسُّرَّاقِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَطَلَ نَعَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى الْفُسَّاقِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ ، أَوْ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهُمْ فُسَّاقٌ فَإِنَّ الْأَوَّلَ فَاسِدٌ وَالثَّانِيَ صَحِيحٌ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا قَالَ الْأَصْلُ فِيهِ إنَّهُ الْأَحْسَنُ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُوَ صَحِيحٌ بِبَادِئِ الرَّأْيِ وَلَكِنَّهُ نَاظِرٌ فِي الْأَغْنِيَاءِ لِقَصْدِ التَّمْلِيكِ وَفِي أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَصْدِ الْقُرْبَةِ وَلِحَاظِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ كَافَّةً وَهُوَ كَإِحْدَاثِ قَوْلٍ بَعْدَ إجْمَاعِ الْأَوَّلِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ الْغِنَى الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ قَالَ وَفِيهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَلَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ وَيَبْعُدُ أَنْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ مَنْ اسْتَغْنَى عَنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَكَانَ رِزْقُهُ وَمَالُهُ وَفْقَ كِفَايَتِهِ ، أَوْ أَزْيَدَ بِقَلِيلٍ وَفِي الْمُسْكِتِ لِلزُّبَيْرِيِّ ضَبْطُهُ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إمَّا لِمَالِهِ ، أَوْ لِقُوتِهِ وَكَسْبِهِ أَوْ كِفَايَتِهِ بِنَفَقَةِ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ :

الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِشَرْطِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ خَرَجَ عَنْ الْوَقْفِ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ لِأَنَّهُ جِهَةُ مَعْصِيَةٍ مَقْصُودَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تُقْصَدْ فَيُحْمَلُ عَلَى جِهَةِ الْقُرْبَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَدْ وَقَعَ لِي فِي الْمُحَاكَمَاتِ هَذَا الشَّرْطُ فَأَبْطَلْته وَأَثْبَتُّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ مَعَ الْإِسْلَامِ .
ا هـ .
، وَالْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْوَقْفِ .

( فَصْلٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ أَوْ الْخَيْرِ ، أَوْ الثَّوَابِ فَلْيُعْطَ أَقْرِبَاءُ الْوَاقِفِ ، ثُمَّ ) إنْ لَمْ يُوجَدْ فَلْيُعْطَ ( أَهْلُ الزَّكَاةِ ) غَيْرُ الْعَامِلِينَ ، وَالْمُؤَلَّفَةِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي ( أَوْ ) وَقَفَ ( عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ فَالْغُزَاةُ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الزَّكَاةِ ) يُعْطَوْنَ ( فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ سَبِيلِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْبِرِّ ) أَوْ سَبِيلِ الثَّوَابِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَسَبِيلِ الْخَيْرِ فَثُلُثٌ ) يُعْطَى ( لِلْغُزَاةِ وَثُلُثٌ لِأَقَارِبِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ ( وَثُلُثٌ لِبَاقِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ غَيْرِ الْعَامِلِينَ ، وَالْمُؤَلَّفَةِ ) وَخَالَفَ هَذَا مَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَقَارِبِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمْ أَشْعَرَ بِتَغَايُرِهِمَا فَحُمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَمَا فِي لَفْظَيْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَكْفَانِ الْمَوْتَى وَمُؤْنَةِ الْغَالِّينَ وَالْحَفَّارِينَ وَعَلَى شِرَاءِ الْأَوَانِي لِمَنْ تَكَسَّرَتْ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ لِمَنْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ ( أَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَمَنْ حَصَّلَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ شَيْئًا ) يَهْتَدِي بِهِ إلَى الْبَاقِي ( وَإِنْ قَلَّ ) يُعْطَى ( أَوْ ) عَلَى ( الْمُتَفَقِّهَةِ فَالْمُشْتَغِلُ بِهِ ) أَيْ بِالْفِقْهِ مُبْتَدِئُهُ وَمُنْتَهِيهِ يُعْطَى ( أَوْ ) عَلَى ( الصُّوفِيَّةِ فَالنُّسَّاكُ الزَّاهِدُونَ ) أَيْ فَيُعْطَى الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا ( وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُهُمْ دُونَ النِّصَابِ وَلَا ) عِبَارَةُ أَكْثَرِ نُسَخِ الْأَصْلِ أَوْ لَا ( يَفِي دَخْلُهُ بِخُرْجِهِ وَلَوْ خَاطَ وَنَسَجَ أَحْيَانًا فِي غَيْرِ حَانُوتٍ وَكَذَا إنْ دَرَسَ ، أَوْ وَعَظَ ) أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ ( أَوْ لَمْ يُلْبِسْهُ الْخِرْقَةَ شَيْخٌ ) فَلَا يَقْدَحُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي كَوْنِهِ صُوفِيًّا بِخِلَافِ الثَّرْوَةِ

الظَّاهِرَةِ ( وَيَكْفِي ) فِيهِ مَعَ مَا مَرَّ ( التَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ ، أَوْ الْمُخَالَطَةُ وَيَصِحُّ ) الْوَقْفُ ( عَلَى الْأَرِقَّاءِ الْمَوْقُوفِينَ لِخِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا ) كَقَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ ( كَالْوَقْفِ عَلَى عَلْفِ الدَّوَابِّ ) الْمُرْصَدَةِ ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) هَذَا النَّظِيرُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ ( وَلَا يَصِحُّ ) الْوَقْفُ ( عَلَى الدَّارِ ) وَإِنْ قَالَ عَلَى عِمَارَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ ( إلَّا إنْ قَالَ ) وَقَفْتُ هَذَا عَلَى هَذِهِ الدَّارِ ( لِطَارِقِيهَا ) لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً طَارِقُوهَا وَهُمْ يَمْلِكُونَ ، وَإِلَّا إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً ؛ لِأَنَّ حِفْظَ عِمَارَتِهَا قُرْبَةٌ فَهُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى مَسْجِدٍ ، أَوْ رِبَاطٍ ( وَيَصِحُّ ) الْوَقْفُ ( عَلَى الْمُؤَنِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْبَلَدِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ ) أَوْ غَيْرِهِ ( لَا ) عَلَى ( عِمَارَةِ الْقُبُورِ ) لِأَنَّ الْمَوْتَى صَائِرُونَ إلَى الْبِلَى فَلَا يَلِيقُ بِهِمْ الْعِمَارَةُ نَعَمْ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ ذَكَرَهُ .
الْإِسْنَوِيُّ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ ثَمَّ مِنْ عِمَارَتِهَا بِبِنَاءِ الْقِبَابِ ، وَالْقَنَاطِرِ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَأْتِي ، ثُمَّ لَا بِبِنَائِهَا نَفْسِهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ ( وَإِنْ وَقَفَ بَقَرَةً فِي ) بِمَعْنَى " عَلَى " ( الرِّبَاطِ ) وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ ( لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا مَنْ نَزَلَهُ ، أَوْ لِيُبَاعَ نَسْلُهَا ) وَيُصْرَفَ ثَمَنُهُ ( فِي مَصَالِحِهِ صَحَّ وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا ) يَصِحُّ ، وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا عَنْ الْقَفَّالِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ أَوَاخِرَ الْبَابِ مَعَ نَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَسْجِدٍ كَذَا وَلَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ مَصْرِفِهِ لَكِنَّهُ قَالَ عَقِبَهُمَا : وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ صِحَّةُ الْوَقْفِ زَادَ النَّوَوِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ

الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ بِخِلَافِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ بَنَاهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَسْجِدٍ كَذَا لَا يَصِحُّ حَتَّى يُبَيِّنَ جِهَةَ مَصْرِفِهِ ، وَطَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ تُخَالِفُهُ انْتَهَى وَقَدْ جَرَى الْمُصَنِّفُ فِيهِ عَلَى الصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فَالْمُعْتَمَدُ هُنَا الصِّحَّةُ أَيْضًا .

( قَوْلُهُ : أَوْ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ فَالْغُزَاةُ إلَخْ ) وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْغُزَاةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ : تُصْرَفُ مَنْفَعَتُهُ إلَى اللَّهِ وَلَوْ قَالَ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ جَوَازُ صَرْفِهِ إلَى الْغُزَاةِ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الدِّيوَانِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُزَاةِ وَبَيْنَ صَرْفِ الْمَنْفَعَةِ إلَى اللَّهِ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ ( قَوْلُهُ : وَالْمُؤَلَّفَةِ ) وَهُمْ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ ( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِمَنْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ ( قَوْلُهُ : فَمَنْ حَصَّلَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ ) قَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ جَمْعُ فَقِيهٍ وَهُوَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فَقُهَ بِضَمِّ الْقَافِ إذَا صَارَ الْفِقْهُ سَجِيَّتَهُ وَمَنْ حَصَّلَ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ فَاقِهٌ لِأَنَّهُ مِنْ فَقَهَ بِفَتْحِ الْقَافِ إذَا فَهِمَ .
ا هـ .
وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُتَّبَعَ فِيهِ الْعُرْفُ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ عَلَى عِمَارَتِهَا ) قَالَ شَيْخُنَا مَا لَمْ تَكُنْ وَقْفًا كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الْحَاوِي وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ ، ثُمَّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَالْمُعْتَمَدُ هُنَا الصِّحَّةُ أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْعِمَارَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَعَلَى كُلِّ مَسْجِدٍ يُبْنَى فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ صَحَّ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يُبْنَى بَعْدَهُ تَبَعًا وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى هَذِهِ الْعَرْصَةِ وَهِيَ مَسْجِدٌ فَإِنْ بُنِيَ عَلَيْهَا مَسْجِدٌ فَهُوَ وَقْفٌ

عَلَيْهِ صَحَّ وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَسْجِدَ بَطَلَ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ قَالَ وَقَفْت دَارِي عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سُكْنَاهَا صَحَّ وَلَوْ قَالَ وَقَفْتهَا عَلَى النَّاسِ أَوْ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ بَطَلَ .
ا هـ .
تَبِعَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيَّ وَالرُّويَانِيَّ وَالرَّاجِحُ صِحَّتُهُ وَلَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى قَيِّمِ الْمَسْجِدِ لِيَصْرِفَهُ فِي عِمَارَتِهِ جَازَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ وَلَوْ قَالَ إذَا مِتّ أَخْرِجُوا مِنْ مَالِي كَذَا وَأَعْمِرُوا بِهِ مَسْجِدَ كَذَا لَزِمَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فِي الْمَرَضِ فَالنِّصْفُ الَّذِي وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَقْفٌ صَحِيحٌ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ وَصِيَّةٌ لِلْوَارِثِ .

( الرُّكْنُ الرَّابِعُ الصِّيغَةُ وَيُشْتَرَطُ ) لِصِحَّةِ الْوَقْفِ ( اللَّفْظُ ) كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى وَكَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ وَفِي مَعْنَاهُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةُ وَكِتَابَتُهُ مَعَ نِيَّتِهِ بَلْ وَكِتَابَةُ النَّاطِقِ مَعَ نِيَّتِهِ كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى ( وَصَرِيحُهُ : الْوَقْفُ وَالتَّحْبِيسُ وَالتَّسْبِيلُ ) أَيْ الْمُشْتَقُّ مِنْهَا كَ وَقَفْتُ كَذَا ، أَوْ حَبَّسْتُهُ ، أَوْ سَبَّلْتُهُ أَوْ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ ، أَوْ مُحَبَّسَةٌ أَوْ مُسَبَّلَةٌ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا وَاشْتِهَارِهَا فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا ( وَقَوْلُهُ حَرَّمْتُ وَأَبَّدْتُ دَارِي لِلْمَسَاكِينِ ) أَوْ دَارِي مُحَرَّمَةٌ أَوْ مُؤَبَّدَةٌ ( كِنَايَةٌ ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّأْبِيدَ لَا يُسْتَعْمَلَانِ مُسْتَقِلَّيْنِ ، وَإِنَّمَا يُؤَكَّدُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ .
( وَالصَّدَقَةُ ) أَيْ اللَّفْظُ الْمُشْتَقُّ مِنْهَا ( صَرِيحٌ إنْ وُصِفَتْ بِلَفْظٍ مِمَّا سَبَقَ ) كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْت بِهَذَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً ، أَوْ مُحَبَّسَةً أَوْ مُسَبَّلَةً ، أَوْ مُحَرَّمَةً ، أَوْ مُؤَبَّدَةً ( أَوْ ) وُصِفَتْ ( بِحُكْمٍ ) مِنْ أَحْكَامِ الْوَقْفِ ( كَلَا ) أَيْ كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْت بِهَذَا صَدَقَةً لَا ( تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ ) لِانْصِرَافِهِ إلَى ذَلِكَ عَنْ التَّمْلِيكِ الْمَحْضِ الذِّمِّيِّ اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَتَعْبِيرُهُ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ بِالْوَاوِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ بِقَرِينَةِ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَأَحَدُ الْوَصْفَيْنِ كَانَ كَمَا رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ لَا يُورَثُ ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ ذَلِكَ بِالصَّرِيحِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُلْحِقُوا الْكِنَايَةَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ آخَرَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ تَصَدَّقْت وَحْدَهُ صَرِيحٌ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ تَطَوُّعًا ، أَوْ وَقْفًا مَعَ إطْلَاقِ الشَّارِعِ الصَّدَقَةَ عَلَى الْوَقْفِ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ( أَوْ كَانَتْ )

أَيْ الصَّدَقَةُ ( عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ ) كَتَصَدَّقْتُ بِهَذَا عَلَى الْفُقَرَاءِ ( وَنَوَى ) الْوَقْفَ وَيُؤْخَذُ مِنْ اعْتِبَارِهِ النِّيَّةَ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ كِنَايَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْجِهَةِ الْعَامَّةِ يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ لَكِنَّ عَطْفَهُ لَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا صَرِيحٌ وَلَيْسَ مُرَادًا أَمَّا إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي التَّمْلِيكِ الْمَحْضِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَقْفِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِ وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَصِيرُ وَقْفًا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ ( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ جَعَلْت هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا صَارَ ) بِهِ ( مَسْجِدًا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ ) وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِإِشْعَارِهِ بِالْمَقْصُودِ وَاشْتِهَارِهِ فِيهِ ( وَوَقَفْته لِلصَّلَاةِ كِنَايَةٌ ) فِي وَقْفِهِ مَسْجِدًا فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ جَعْلِهِ مَسْجِدًا وَأَمَّا كَوْنُهُ وَقْفًا بِذَلِكَ فَصَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ ( لَا ) إنْ بَنَى بِنَاءً وَلَوْ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ ( أَذِنْت فِي الصَّلَاةِ فِيهِ ) فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَسْجِدًا ، وَإِنْ صَلَّى فِيهِ وَنَوَى جَعْلَهُ مَسْجِدًا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ بِمَوَاتٍ فَيَصِيرَ مَسْجِدًا بِالْبِنَاءِ وَالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَعَ النِّيَّةِ يُغْنِي عَنْ الْقَوْلِ أَيْ فِيمَا بَنَى فِي مَوَاتٍ قَالَ السُّبْكِيُّ الْمَوَاتُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ مَنْ أَحْيَاهُ مَسْجِدًا ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِلَّفْظِ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ عَنْهُ وَصَارَ لِلْبِنَاءِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ تَبَعًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُ ذَلِكَ إجْرَاؤُهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَيْضًا مِنْ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَغَيْرِهِمَا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ يَدُلُّ لَهُ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَذِنْت فِي الِاعْتِكَافِ فِيهِ صَارَ بِذَلِكَ

مَسْجِدًا لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ .

( قَوْلُهُ : قَالَ السُّبْكِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَدْ شَمِلَ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِحُكْمٍ وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ لَوْ قَالَ : صَدَقَةٌ لَمْ يَتِمَّ الْوَقْفُ حَتَّى يُضِيفَ إلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ إحْدَى عَشْرَةَ لَفْظَةً بِأَنْ يَقُولَ هَذِهِ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ ، أَوْ صَدَقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ لَا تُوهَبُ ، أَوْ صَدَقَةٌ لَا تُورَثُ ، أَوْ صَدَقَةٌ غَيْرُ مَوْرُوثَةٍ أَوْ صَدَقَةٌ مُسَبَّلَةٌ ، أَوْ صَدَقَةُ حَبْسٍ أَوْ يَقُولَ حَبْسٌ مُحَرَّمٌ ، أَوْ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ ، أَوْ صَدَقَةٌ ثَابِتَةٌ ، أَوْ صَدَقَةٌ بَتْلَةٌ .
( فَرْعٌ ) لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذَا صَدَقَةً جَارِيَةً عَلَى كَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَفِي كَوْنِهِ صَرِيحًا احْتِمَالٌ عِنْدِي ؛ إذْ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ الْوَقْفُ كَمَا فُسِّرَ بِهِ الْحَدِيثُ ( قَوْلُهُ : كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي آخِرِ الطَّلَاقِ ) كَقَوْلِهِ أَنْت بَائِنٌ بَيْنُونَةً مُحَرِّمَةً لَا تُحِلُّ لِي أَبَدًا لَا تَخْرُجُ عَنْ الْكِنَايَةِ فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالطَّلَاقِ وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثَةِ فُرُوقٍ : الْأَوَّلُ أَنَّ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ مَحْصُورَةٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ بَيْنُونَةً مُحَرِّمَةً لَا تَحِلُّ لِي أَبَدًا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالطَّلَاقِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْفُسُوخُ وَالزَّائِدُ فِي أَلْفَاظِ الْوَقْفِ مُخْتَصٌّ بِالْوَقْفِ الثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ تَصَدَّقْت زَوَالُ الْمِلْكِ وَلَهُ مُحْمَلَانِ مَحْمَلُ الصَّدَقَةِ الَّتِي تُفِيدُ الْمِلْكَ وَمَحْمَلُ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ الْوَقْفُ وَالزَّائِدُ يُعَيِّنُ الْمَحْمَلَ الثَّانِيَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ .
ا هـ .
وَأَشَارَ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ إلَى الْفَرْقِ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ : صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُ الْوَقْفِ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَقْفِ ) وَهَذَا مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ الصَّرِيحَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ

: وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ إلَخْ ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَكُونُ إلَّا وَقْفًا فَأَغْنَى لَفْظُهُ عَنْ لَفْظِ الْوَقْفِ قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَهِيَ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ قَوْلًا أَنَّهَا لِلْمَسْجِدِ فَتَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُهُ جَرَيَانُهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَغَيْرِهَا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فِي مَسْأَلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ فِي الْمَوَاتِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي قَوْلِهِ تَخْرُجُ الْآلَةُ عَنْ مِلْكِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي تَوَقُّفُهُ عَلَى قَبُولِ مَنْ لَهُ النَّظَرُ فِيهِ وَقَبْضِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنِينَ لَا ) عَلَى ( جِهَةٍ عَامَّةٍ وَمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ ) كَرِبَاطٍ ( اُشْتُرِطَ قَبُولٌ ) لِلْوَقْفِ ( مُتَّصِلٌ ) بِالْإِيجَابِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ ، كَائِنٌ ( مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَآخَرِينَ وَمُقَابِلُهُ عَنْ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فِي السَّرِقَةِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَعَلَّلَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَزُولُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِتْقِ يَعْنِي يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْبَطْنِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ ( وَأَمَّا الثَّانِي ) وَمَا بَعْدَهُ ( فَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا عَدَمُ رَدِّهِمْ ) لَا قَبُولُهُمْ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ لَا يَتَّصِلُ بِالْإِيجَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ الْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي ؛ بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَى كَيْفِيَّةِ تَلَقِّيهِمْ الْوَقْفَ فَإِنْ قُلْنَا يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ الْوَاقِفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اُشْتُرِطَ قَبُولُهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ اسْتِحْقَاقُهُمْ بِالْإِيجَابِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ ، أَوْ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَلَا كَالْمِيرَاثِ قَالَ السُّبْكِيُّ : الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ، وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ ، وَإِنْ شَرَطْنَا قَبُولَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ كَمَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ ( فَإِنْ رَدُّوا فَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ بَطَلَ ) الْوَقْفُ قَطْعًا كَالْوَصِيَّةِ ، وَالْوَكَالَةِ فَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ يَعُدْ لَهُ وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ يَعُودُ لَهُ إنْ رَجَعَ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ

لِغَيْرِهِ مَرْدُودٌ كَمَا بَيَّنَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا لَوْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ مَسْجِدٍ ، أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ لِتَعَذُّرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَجْعَلُوا الْحَاكِمَ نَائِبًا فِي الْقَبُولِ كَمَا جَعَلُوهُ نَائِبًا عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ وَالْأَمْوَالِ وَلَوْ صَارُوا إلَيْهِ لَكَانَ قَرِيبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ نِيَابَةٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ ، وَالْحِفْظِ وَلِلْإِمَامِ وِلَايَةٌ عَلَى أَهْلِ الرُّشْدِ فِيهِ وَهُنَا فِي التَّمَلُّكِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِمْ وَبِأَنَّ اسْتِيفَاءَ مَا ذُكِرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُبَاشِرٍ فَلِذَلِكَ جُعِلَ نَائِبًا فِيهِ بِخِلَافِ هَذَا ( وَقَوْلُهُ جَعَلْته لِلْمَسْجِدِ كِنَايَةُ تَمْلِيكٍ ) لَا وَقْفٍ ، وَلَفْظُ " كِنَايَةُ " مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْهِبَةِ ( فَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْقَيِّمِ وَقَبْضُهُ ) كَمَا لَوْ وُهِبَ شَيْءٌ لِصَبِيٍّ وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَوْقُوفِ .

( قَوْلُهُ : اُشْتُرِطَ قَبُولٌ ) لِأَنَّهُ يَبْعُدُ دُخُولُ عَيْنٍ ، أَوْ مَنْفَعَةٍ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا فَلَوْ سَكَتَ وَلَمْ يَقْبَلْ أَوْ رَدَّهُ بَطَلَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْقَبُولِ لِلصِّغَرِ ، أَوْ الْجُنُونِ قَبِلَ وَلِيُّهُ وَإِنْ وَقَفَ هُوَ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ وَقَالَ النَّاشِرِيُّ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ الْأَبَ ، أَوْ الْجَدَّ فَالْحُكْمُ فِي الْقَبُولِ كَالْحُكْمِ فِي قَبُولِ الْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ فَلَوْ بَلَغَ بَعْدَ قَبُولِ الْوَلِيِّ وَرَدَّ لَمْ يَرْتَدَّ بِرَدِّهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى ابْنِهِ الْحَائِزِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَنَظَائِرُهَا فَإِنَّ كَلَامَهُمْ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا يَقْتَضِي لُزُومَ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فَقَالَ إذَا وَقَفَ عَلَى ابْنِهِ الدَّارَ وَهِيَ قَدْرُ الثُّلُثِ لَزِمَ الْوَقْفُ فِي حَقِّهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَنْفِيذِهِ وَإِجَازَتِهِ وَإِذَا رَدَّ الْوَقْفَ لَمْ يَجِدْ إلَيْهِ سَبِيلًا .
ا هـ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ سَكَتُوا عَمَّا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ كَالْأَرْشَدِ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الْقَبُولُ قَطْعًا كَالْجِهَةِ الْعَامَّةِ ( قَوْلُهُ : وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ قَالَ : وَقَفْت عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ .
قَالَ فِي التَّوَسُّطِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ " فَلَوْ وَقَفْت " بِحَذْفِ لَفْظَة " قَالَ " وَهُوَ الصَّوَابُ ( قَوْلُهُ : قَالَ السُّبْكِيُّ لَكِنَّ الَّذِي يَتَحَصَّلُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ ) وَأَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَجَّحَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّلَقِّي مِنْ الْوَاقِفِ ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاءُ عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوَّلًا وَقَدْ تَمَّ الْوَقْفُ أَوَّلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولٍ

ثَانٍ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَالْوَصِيَّةِ ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ بَعْدَ قَبُولِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ فُلَانٍ وَمَنْ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَلَدُ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ( قَوْلُهُ : كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَجِيبٌ ، وَالْكَلَامُ مُلَفَّقٌ مِنْ طَرِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُ يَرَوْنَ تَرْجِيحَ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى قَبُولِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ وَأَمَّا الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فَجَزَمُوا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَأَنَّ الرَّدَّ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ الْعِلَّةِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْوَقْفُ .

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي شُرُوطِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ التَّأْبِيدُ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ ) وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يَنْقَرِضُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ ( أَوْ عَلَى مَنْ يَنْقَرِضُ ) كَأَوْلَادِ زَيْدٍ ( ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ ، وَالْعُلَمَاءِ ) وَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ ، وَالْقَنَاطِرِ ( كَالْفُقَرَاءِ ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ ) أَيْ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يَنْقَرِضُ ( بَلْ يَكْفِي مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ثَلَاثَةٌ ) كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ وَقَفَ ) شَيْئًا ( سَنَةً بَطَلَ ) كَالْهِبَةِ نَعَمْ إنْ عَقَّبَهُ بِمَصْرِفٍ آخَرَ كَأَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ سَنَةً ، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ صَحَّ وَرُوعِيَ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْخُوَارِزْمِيَّ ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَقَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا سَنَةً فَيَصِحُّ مُؤَبَّدًا كَمَا لَوْ ذَكَرَ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ ( وَمُنْقَطِعُ الْآخِرِ كَالْوَقْفِ عَلَى عَقِبِهِ صَحِيحٌ ) وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَقَارًا لِمُصَادَفَتِهِ مَصْرِفًا صَحِيحًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ ( وَيَكُونُ بَعْدَهُمْ ) وَقْفًا ( لِلْأَقْرَبِ رَحِمًا إلَى الْوَاقِفِ ) يَوْمَ انْقِرَاضِهِمْ وَمِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَرْبَابُ الْوَقْفِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ مِلْكًا ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْوَقْفِ عَلَى الدَّوَامِ ، وَلِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَهُ إلَى جِهَةِ قُرْبَةٍ فَلَا يَرْجِعُ مِلْكًا كَمَا لَوْ نَذَرَ هَدْيًا إلَى مَكَّةَ فَرَدَّهُ فُقَرَاؤُهَا ( وَيَخْتَصُّ بِهِ ) وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وَغَيْرُهُ ( فُقَرَاؤُهُمْ ) لِأَنَّ الْقَصْدَ الْقُرْبَةُ وَالثَّوَابُ ( وَسَنُوَضِّحُ الْأَقْرَبَ ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ ) فَإِنْ عُدِمَتْ أَقَارِبُهُ ، أَوْ كَانَ الْوَاقِفُ الْإِمَامَ وَوَقَفَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صُرِفَ الرِّيعُ إلَى مَصَالِحِ

الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ نَصُّ الْبُوَيْطِيِّ فِي الْأَوْلَى وَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ فِيهَا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ ، وَالْمَسَاكِينِ وَقِيَاسُ اعْتِبَارِ بَلَدِ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْوَقْفِ حَتَّى يَخْتَصَّ بِفُقَرَائِهِ وَمَسَاكِينِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ .

قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ عَقَّبَهُ بِمَصْرِفٍ آخَرَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ ) عَنْ الْخُوَارِزْمِيَّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طَوِيلِ الْمُدَّةِ وَقَصِيرِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا لَوْ قَالَ وَقَفْته عَلَى الْفُقَرَاءِ أَلْفَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَبْعُدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يَكُونُ الْمُرَادُ حِينَئِذٍ تَأْبِيدَ الْوَقْفُ بِمُدَّةِ بَقَاءِ الدُّنْيَا فَلَا يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِهِمْ وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ ) أَيْ كَالْمَسْجِدِ ، وَالْمَقْبَرَةِ وَالرِّبَاطِ ( قَوْلُهُ : وَيَكُونُ بَعْدَهُمْ لِلْأَقْرَبِ رَحِمًا إلَى الْوَاقِفِ ) اُسْتُشْكِلَ بِالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الْمَصَارِفِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا وَلَا الصَّرْفُ مِنْهَا إلَى الْأَقَارِبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهَا مَصْرِفًا مُعَيَّنًا فَلَمْ تَتَعَيَّنْ الْأَقَارِبُ وَهُنَا لَيْسَ مَعَنَا مَصْرِفٌ ، وَالْمَصْرِفُ إلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ فَعَيَّنَّاهُ .
( قَوْلُهُ : كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وَغَيْرُهُ ) وَقَالَ الرُّويَانِيِّ فِي التَّجْرِبَةِ : وَغَلِطَ مَنْ قَالَ غَيْرَهُ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي التَّوْشِيحِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ أَقَارِبُ فُقَرَاءُ وَأَغْنِيَاءُ أَمَّا إذَا تَمَحَّضَ أَقَارِبُهُ أَغْنِيَاءَ تَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدِي هَذَا فِي الْمُحَاكَمَاتِ وَحَكَمْت بِهِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَمَا قَالَهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فَقَدْ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ لَوْ كَانَ الْكُلُّ أَغْنِيَاءَ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ

وَانْقَرَضُوا وَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي ذَلِكَ إنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ ، وَالْمَسَاكِينِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْعَلُهَا حَبْسًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ تُصْرَفُ غَلَّتُهَا فِي مَصَالِحِهِمْ قَالَ فِي الْبَحْرِ إذَا رَجَعَ الْوَقْفُ إلَى أَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ بِسَبَبِ الِانْقِطَاعِ وَلَهُ أَقْرِبَاءُ فُقَرَاءُ فِي دَرَجَةٍ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفَضَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ وَالِدِي الْإِمَامُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فِي الْمَحْصُورِينَ كَالْإِضَافَةِ مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيِّينَ فِي اقْتِضَاءِ التَّسْوِيَةِ .
وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ بِاجْتِهَادٍ وَهُوَ أَنَّهُ أَوْلَى الْقُرُبَاتِ ( قَوْلُهُ : يَخْتَصُّ بِفُقَرَائِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا صَرَّحَ فِي الْأَنْوَارِ بِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِهِمْ .

( الشَّرْطُ الثَّانِي التَّنْجِيزُ فَإِنْ عَلَّقَهُ ) كَوَقَفْتُ دَارِي إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ ، أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ ( بَطَلَ ) كَالْهِبَةِ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَيَنْبَغِي صِحَّتُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ( وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ ) لَهُ مَثَلًا ( أَوْ ) عَلَى ( مَسْجِدٍ سَيُبْنَى ، أَوْ عَلَى وَارِثِهِ فِي الْمَرَضِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ) وَقْفَهُ ( أَوْ عَلَى زَيْدٍ ، وَرَدَّهُ ، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ " عَلَى زَيْدٍ ، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَرَدَّهُ زَيْدٌ " ( فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَاطِلٌ ) لِانْقِطَاعِ أَوَّلِهِ وَصَحَّحَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ الصِّحَّةَ فِيمَا عَدَا الرَّدَّ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، وَالْمَعْرُوفُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلُ ( وَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ كَ وَقَفْتُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى الْعَبْدِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ جَائِزٌ ) كَمُنْقَطِعِ الْآخِرِ ( فَيُصْرَفُ فِي الْوَسَطِ ) أَيْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْأَوَّلِ ( لِأَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ ) مِثْلُ مَا مَرَّ فِي مُنْقَطِعِ الْآخِرِ ( فَإِنْ قَالَ ) وَقَفْته ( عَلَى زَيْدٍ ، ثُمَّ عَلَى رَجُلٍ ، ثُمَّ ) عَلَى ( الْفُقَرَاءِ فَهُوَ بَعْدَ زَيْدٍ لِلْفُقَرَاءِ ) لَا لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ أَمَدِ الِانْقِطَاعِ وَهَذَا أَخَذَهُ مِنْ تَفْرِيعِ الْأَصْلِ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ .
( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْإِلْزَامُ ) لِلْوَقْفِ ( فَمَتَى شَرَطَ الْخِيَارَ فِيهِ ) لِنَفْسِهِ ، أَوْ لِغَيْرِهِ ( أَوْ ) شَرَطَ ( عَوْدَهُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مَا ) كَأَنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ ( بَطَلَ ) كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ لَكِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَصْلُ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ بُطْلَانِ الْعِتْقِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ ( وَكَذَا ) يَبْطُلُ ( لَوْ شَرَطَ ) لِنَفْسِهِ ( أَنْ يَزِيدَ ) فِيهِ ( أَوْ يَنْقُصَ ) مِنْهُ ( مَنْ شَاءَ ، أَوْ يُقَدِّمَ وَيُؤَخِّرَ ) مَنْ شَاءَ إذَا وَضَعَ الْوَقْفَ عَلَى اللُّزُومِ .
( قَوْلُهُ : لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ) أَمَّا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَبْطُلُ ( قَوْلُهُ : أَوْ شَرَطَ عَوْدَهُ إلَيْهِ إلَخْ ) مُقْتَضَى كَلَامِ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَا لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ شَرَطَ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ ، أَوْ نَقْضَهُ ، أَوْ الِاسْتِبْدَالَ بِهِ وَمَا شَاءَ مِنْهُ بَطَلَ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ يَجُوزُ حُكْمُهُ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ لَوْ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ شَرْطًا لَا يَصِحُّ مَعَهُ الْوَقْفُ فَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ الشَّرْطُ بَاطِلٌ ، وَالْوَقْفُ صَحِيحٌ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا الْوَقْفُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ إنَّهُ قَدْ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ فَأَمْضَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ وَأَلْزَمَهُ ذَلِكَ صَحَّ الْوَقْفُ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ سَبِيلٌ إلَى نَقْضِ الْوَقْفِ ا هـ وَقَالَ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ( قَوْلُهُ : لَكِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَصْلُ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ ) وَغَيْرِهِ الْقَطْعَ بِهِ

( فَصْلٌ : لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ الْوَقْفُ ) أَصْلًا ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ مَثَلًا ( صَحَّ ) الْوَقْفُ ( وَلَزِمَ الشَّرْطُ ) كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْمَصْلَحَةِ وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ جَوَازُ الْإِعَارَةِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلَا يُورَدَ عَقْدٌ عَلَى عَقْدٍ فَخَرِبَ وَلَمْ تُمْكِنْ عِمَارَتُهُ إلَّا بِإِيجَارِهِ سِنِينَ يَصِحُّ إيجَارُهُ سِنِينَ بِعُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ حِينَئِذٍ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ وَوَافَقَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ إلَّا فِي اعْتِبَارِ التَّقْيِيدِ بِعُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَرَدَّاهُ عَلَيْهِ وَقَالَا يَنْبَغِي الْجَوَازُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ قُلْت بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا ( وَلَوْ وَقَفَ مَسْجِدًا ، أَوْ مَقْبَرَةً عَلَى الشَّافِعِيَّةِ ، أَوْ الْحَنَفِيَّةِ ) مَثَلًا ( صَحَّ وَتَخَصَّصَ ) بِهِمْ ( كَالْمَدَارِسِ ) وَالرُّبُطِ رِعَايَةً لِلشَّرْطِ وَقَطْعًا لِلنِّزَاعِ فِي إقَامَةِ الشَّعَائِرِ .

قَوْلُهُ : لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ أَصْلًا ) أَوْ أَنْ لَا يُؤَجِّرَهُ مِنْ مُتَّجِرِهِ ( قَوْلُهُ : صَحَّ وَلَزِمَ الشَّرْطُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِلَا إجَارَةٍ وَإِلَّا كَأَنْ يَكُونَ سُوقًا ، أَوْ مَزْرَعَةً وَمَنَعْنَا الْمُزَارَعَةَ فَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الشَّرْطِ وَهَلْ يَلْغُو فَقَطْ ، أَوْ يَفْسُدُ الْوَقْفُ احْتِمَالَانِ أَقْرَبُهُمَا الثَّانِي ا هـ وَقَوْلُهُ : إنَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ يُعِيرُهَا لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهَا فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْإِعَارَةَ حَيْثُ مَنَعَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَمْنَعْ الْوَاقِفُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةً مَلَكَ إعَارَتَهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَزْرَعَ فِي الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا يَنْبُتُ فِيهَا مِنْ الْكَلَأِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فس قَالَ شَيْخُنَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ النَّظَرِ فِيهِ نَظَرٌ ؛ إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا لَا يَتَأَتَّى الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِالْإِجَارَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ سِتَّ سِنِينَ فِي عَقْدَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ إجَارَةِ الزَّمَانِ الْقَابِلِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ اتِّبَاعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنَّ مُدْرِكَ الصِّحَّةِ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ جَعَلَ الْمُدَّتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ فِي الْعَقْدَيْنِ كَالْمُدَّةِ الْوَاحِدَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ عَنَّا وَخَالَفَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَجَزَمَ بِهَذَا فِي الْأَنْوَارِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ لَوْ شَرَطَ وَاقِفُ الْمَدْرَسَةِ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ الْمُعِيدُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مُعِيدٌ غَيْرُهُ جَازَ

اسْتِمْرَارُهُ وَأَخْذُهُ الْمَعْلُومَ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ شُغُورَ مَدْرَسَتِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ هَذَا مُدَّةً وَغَيْرُهُ أُخْرَى قَالَ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرْطٍ يَشْهَدُ الْعُرْفُ بِتَخْصِيصِهِ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ إلَخْ ( قَوْلُهُ : يَصِحُّ إيجَارُهُ سِنِينَ ) تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا شَرَطَهُ إلَى حَدٍّ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ ابْنُ رَزِينٍ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا يَنْبَغِي الْجَوَازُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ) وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ رَزِينٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِذَلِكَ .

( الشَّرْطُ الرَّابِعُ بَيَانُ الْمَصْرِفِ ، وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْهُ ) كَأَنْ قَالَ وَقَفْت هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ( بَطَلَ ) الْوَقْفُ كَقَوْلِهِ بِعْت دَارِي بِعَشَرَةٍ أَوْ وَهَبْتُهَا وَلَمْ يَقُلْ لِمَنْ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى جَمَاعَةٍ لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْمَصْرِفِ فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَصْرِفَ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ وَيُفَارِقُ مَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي حَيْثُ يَصِحُّ وَيُصْرَفُ لِلْمَسَاكِينِ بِأَنَّ غَالِبَ الْوَصَايَا لَهُمْ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ وَبِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ حَيْثُ تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَالنَّجِسِ وَغَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الْوَقْفِ فِيهِمَا وَكَالْوَصِيَّةِ مَا لَوْ نَذَرَ هَدْيًا أَوْ صَدَقَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ إذَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ هِيَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ .
( قَوْلُهُ : الشَّرْطُ الرَّابِعُ بَيَانُ الْمَصْرِفِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لِيُنْظَرْ فِيمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَقَفْت لَفْظًا وَنَوَى بِقَلْبِهِ تَعْيِينَ شَخْصٍ ، أَوْ جَمَاعَةٍ أَوْ جِهَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِالصِّحَّةِ .
ا هـ .
الرَّاجِحُ عَدَمُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ تَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا ، أَوْ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا ؛ إذْ لَا تُغْنِي نِيَّتُهُ عَنْ ذِكْرِهِ .

( فَصْلٌ فِيهِ مَسَائِلُ ) تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ ( لَوْ وَقَفَ عَلَى اثْنَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ، ثُمَّ ) عَلَى ( الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ الْآخَرُ ) لَا الْفُقَرَاءُ ( الْجَمِيعَ ) إذْ شَرْطُ الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ انْقِرَاضُهَا جَمِيعًا وَلَمْ يُوجَدْ وَالصَّرْفُ إلَى مَنْ ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ أَوْلَى وَذَكَرَ الْأَصْلُ احْتِمَالًا فَقَالَ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْوَقْفَ فِي نَصِيبِ الْمَيِّتِ صَارَ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ فَيُصْرَفُ مَصْرِفَهُ ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَفْصِلْ فَإِنْ فَصَلَ فَقَالَ وَقَفْت عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَ هَذَا فَهُوَ وَقْفَانِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ أَيْ فَلَا يَكُونُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بَلْ يَحْتَمِلُ انْتِقَالَهُ لِلْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إنْ قَالَ : ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنْ قَالَ : ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ( أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمَا وَسَكَتَ ) عَمَّنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ بَعْدَهُمَا ( ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَهَلْ نَصِيبُهُ لِلْآخَرِ أَمْ لِأَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ ؟ وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ لِلْآخَرِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ ، ثُمَّ عَمْرٍو ، ثُمَّ بَكْرٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ عَمْرٌو قَبْلَ زَيْدٍ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : لَا شَيْءَ لِبَكْرٍ وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ مِنْ زَيْدٍ إلَى الْفُقَرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ رَتَّبَهُ بَعْدَ عَمْرٍو ، وَعَمْرٌو بِمَوْتِهِ أَوَّلًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَمَلَّكَ بَكْرٌ عَنْهُ شَيْئًا وَقَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى بَكْرٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفُقَرَاءِ مَشْرُوطٌ بِانْقِرَاضِهِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ، ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ وَلَدُ الْوَلَدِ ثُمَّ الْوَلَدُ يَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَيُوَافِقُهُ فَتْوَى الْبَغَوِيّ فِي مَسْأَلَةٍ طَوِيلَةٍ حَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ فِي وَقْفِ التَّرْتِيبِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْوَقْفِ

لِحَجْبِهِ بِمَنْ فَوْقَهُ يُشَارِكُ وَلَدُهُ مَنْ بَعْدَهُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ ، وَالْأَشْرَافِ الْمُقِيمِينَ بِبَلَدِ كَذَا فَأَقَامَ زَيْدٌ بِتِلْكَ الْبَلَدِ وَكَانَ شَرِيفًا اسْتَحَقَّ مَعَهُمْ جُزْءًا مُضَافًا لِمَا مَعَهُ أَفْتَى بِهِ ابْنُ رَزِينٍ قَالَ : لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ الْمُقِيمِينَ يَقْتَضِي اسْتِيعَابَهُمْ قَالَ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ وَلِلْفُقَرَاءِ بِشَيْءٍ آخَرَ وَكَانَ زَيْدٌ فَقِيرًا حَيْثُ لَا يَأْخُذُ مَعَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ تَثْبُتْ لِزَيْدٍ اسْتِحْقَاقًا خَاصًّا وَلِلْوَصِيِّ حِرْمَانُهُ وَإِعْطَاءُ غَيْرِهِ .

( قَوْلُهُ : وَقَفَ عَلَى اثْنَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ) كَأَنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى هَذَيْنِ ، أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ( قَوْلُهُ : فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ أَنْ يُعِيدَ حَرْفَ الْجَرِّ فَيَقُولَ عَلَى زَيْدٍ وَعَلَى عَمْرٍو فَيَكُونَ وَقْفَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا النِّصْفُ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ لِلْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ يَكُونُ جِهَةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ فِي مَرَرْت بِزَيْدٍ وَبِعَمْرٍو إنَّهُمَا مروران بِخِلَافِ مَرَرْت بِزَيْدٍ وَعَمْرٍو ، وَكَلَامُهُمْ يُفْهِمُ التَّصْوِيرَ بِمَا إذَا لَاقَاهُمَا الْوَقْفُ ثُمَّ مَاتَ وَاحِدٌ فَإِنْ لَمْ يُلَاقِهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِثُلُثِ مَالِهِ عَقَارٌ وَيُوقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْوَقْفِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ فِي النِّصْفِ الْمُخْتَصِّ بِهِ بَلْ يُصْرَفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْأَقْرَبُ إنْ قَالَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ لِلْآخَرِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : وَقَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَرْعٌ ) لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَلِأُمِّهِ سُكْنَاهَا مُدَّةَ حَيَاتِهَا فَهَلْ يَصِحُّ وَيَلْغُو الشَّرْطُ أَوْ يَبْطُلُ الْوَقْفُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا .

( وَيَجُوزُ ) الْوَقْفُ ( عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى ) أَيْ أَقَارِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَقَوْلُهُ : دَارِي وَقْفٌ ) أَوْ وَقَفْت دَارِي ( عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَوْتِي وَصِيَّةٌ ) الْمُرَادُ أَنَّهُ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِهِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْوَصِيَّةِ ( فَلَهُ الرُّجُوعُ ) وَلِلْإِمَامِ فِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته مَعَ مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ( وَإِنْ قَالَ وَقَفْتهَا لِيُصْرَفَ مِنْ غَلَّتِهَا كُلَّ شَهْرٍ إلَى فُلَانٍ كَذَا وَلَمْ يَرُدَّ ) عَلَيْهِ ( فَوَجْهَانِ ) فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ وَعَدَمِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ ( فَإِنْ صَحَّحْنَا ) ( صَرْفَ الْفَاضِلِ إلَى الْوَاقِفِ ، أَوْ ) إلَى ( قَرَابَتِهِ أَوْ ) إلَى ( الْمَسَاكِينِ ) فِيهِ ( ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ) أَقْرَبُهَا الثَّانِي ( وَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى زَيْدٍ ، وَالْفُقَرَاءِ فَهُوَ كَأَحَدِهِمْ ) فِي جَوَازِ إعْطَائِهِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ لَكِنْ لَا يُحْرَمُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ ( وَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى الْمَسْجِدِ ) أَوْ نَحْوِهِ كَالرِّبَاطِ ( صَحَّ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ ) مِنْ عِمَارَتِهِ ، أَوْ دُهْنِ سِرَاجِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا ( وَكَانَ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَصَالِحِهِ ، وَإِنْ قَالَ جَعَلْت دَارِي خَانْقَاهْ ) لِلْغُزَاةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ آخِرَهُ ( لَمْ يَصِحَّ ) كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي فِيهَا وَقَفْت ، قَالَ : وَعَدَمُ الصِّحَّةِ بِنَاءٌ عَلَى طَرِيقَتِهِ أَيْ مِنْ اشْتِرَاطِ بَيَانِ آخِرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِيَتَأَبَّدَ الْوَقْفُ ، وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ خِلَافًا لَهُ وَأَمَّا صِيغَةُ جَعَلْت فَلَمْ أَرَهَا فِي فَتَاوِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا كِنَايَةٌ .

( قَوْلُهُ : وَلِلْإِمَامِ فِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته مَعَ مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ) عِبَارَتُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ هَذَا تَعْلِيقٌ بَلْ زَائِدٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعُ تَصَرُّفٍ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ صِحَّةُ الْوَقْفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْأُسْتَاذُ قَالَ وَقَوْلُ الْإِمَامِ إنَّهُ تَعْلِيقٌ صَحِيحٌ لَكِنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَوْتِ فِي التَّمْلِيكَاتِ يَصِحُّ وَصِيَّةً فَالْوَقْفُ أَوْلَى وَقَوْلُهُ : بَلْ زَائِدٌ عَلَيْهِ إلَخْ يُقَالُ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَالتَّدْبِيرُ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ إيقَاعَ تَصَرُّفٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهَذَا مِثْلُهُ ، أَوْ قَبْلَهُ وَهُوَ الْحَقُّ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عِنْدَنَا تَصَرُّفٌ نَاجِزٌ وَأَثَرُهُ يَقَعُ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ بَلْ قَالَ وَالْأَظْهَرُ صِحَّتُهُ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ إذَا مِتّ فَدَارِي وَقْفٌ أَوْ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي ؛ إذْ الْمَعْنَى فَاعْلَمُوا أَنِّي قَدْ وَقَفْتهَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إذَا مِتّ وَقَفْتهَا ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ إنْشَاءُ تَعْلِيقٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَالثَّانِيَ تَعْلِيقُ إنْشَاءٍ وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ وَعْدٌ مَحْضٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَقْرَبُهُمَا الثَّانِي ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْقَفَّالِ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَالَ جَعَلْت دَارِي مَسْجِدًا صَارَتْ مَسْجِدًا عَلَى الْأَصَحِّ فَلْيَكُنْ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ جَوَابًا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ .
ا هـ .
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ " جَعَلْتُ " صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيرِ ( قَوْلُهُ : وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ وَفِيهِ طَرَفَانِ ) ( الْأَوَّلُ فِي أَحْكَامِهِ اللَّفْظِيَّةِ ) وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ مَرْعِيَّةٌ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُنَافِي الْوَقْفَ ( فَقَوْلُهُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ ) بَيْنَهُمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ فَمَنْ دُونَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ أَبَدًا ، أَوْ مَا تَنَاسَلُوا ، أَوْ نَحْوَهُ ( وَلَوْ قَالَ ) مَعَ ذَلِكَ ( بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا لِمَزِيدِ التَّعْمِيمِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ قَالَ وَعَلَيْهِ هُوَ لِلتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْبَطْنَيْنِ فَقَطْ فَيَنْتَقِلُ بِانْقِرَاضِ الثَّانِي لِمَصْرِفٍ آخَرَ إنْ ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ ، وَإِلَّا فَمُنْقَطِعُ الْآخِرِ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَبَحْثًا ( فَإِنْ قَالَ ) بَدَلَ " بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ " ( الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى ، أَوْ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ ، أَوْ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ) أَوْ نَحْوِهَا بِالْجَرِّ بَدَلًا مِمَّا قَبْلَهَا ( أَوْ قَالَ ) وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ( ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي مَا تَنَاسَلُوا تَرَتَّبُوا ) لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ ( فَلَا يَأْخُذُ بَطْنٌ وَهُنَاكَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ ) أَيْ مِنْ بَطْنٍ أَقْرَبَ مِنْهُ ( أَحَدٌ ) وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ مَا تَنَاسَلُوا بِالْأَخِيرَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِيهَا بَلْ إنْ ذَكَرَهُ فِيهَا وَفِي الْبَقِيَّةِ لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ وَالتَّرْتِيبُ خَاصَّيْنِ بِالطَّبَقَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، وَإِلَّا اخْتَصَّا بِهِمَا ( فَإِنْ جَاءَ بِثُمَّ لِلْبَطْنِ الثَّانِي ، وَالْوَاوِ فِيمَا بَعْدَهُ ) مِنْ الْبُطُونِ كَأَنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ، ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِي ( فَالتَّرْتِيبُ لَهُ دُونَهُمْ ) عَمَلًا

بِثُمَّ فِيهِ وَبِالْوَاوِ فِيهِمْ ( وَإِنْ عَكَسَ ) بِأَنْ جَاءَ بِالْوَاوِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي وَبِثُمَّ فِيمَا بَعْدَهُ كَأَنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِي ( انْعَكَسَ الْحُكْمُ ) أَيْ كَانَ التَّرْتِيبُ لَهُمْ دُونَهُ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ ) ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ) أَيْ أَوْ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ ) أَيْ وَالْعَبَّادِيِّ وَالْفُورَانِيِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ .
( تَنْبِيهٌ ) مَعْنَى الْبَعْدِيَّةِ هُنَا الدَّلَالَةُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْبَطْنِ الْكَائِنِ بَعْدَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَلَوْ لَمْ يَنْقَرِضْ الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ تَعْمِيمُ اسْتِحْقَاقِ مَنْ وُجِدَ بَعْدُ لَا تَقْيِيدُ اسْتِحْقَاقِهِ بِوُجُودِهِ مُنْفَرِدًا بَعْدَ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِنَّ كَلِمَةَ " بَعْدَ " لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي التَّرْتِيبِ فَهِيَ بِمَعْنَى " مَعَ " نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } أَيْ مَعَ ذَلِكَ زَنِيمٍ وقَوْله تَعَالَى { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } عَلَى قَوْلِ ع أَمَّا لَوْ قَالَ مَا تَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَقَالَ السُّبْكِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ .
ا هـ .
مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ جَارٍ فِيهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ نَحْوِهَا ) كَانَ لَاحِقٌ وَثَمَّ مَنْ فَوْقَهُمْ أَوْ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى ( قَوْلُهُ : وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ مَا تَنَاسَلُوا بِالْأَخِيرَةِ ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالصُّوَرِ الْأَرْبَعِ قَبْلَهُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُمْ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَدَثَتْ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا فَأَفْتَيْت بِأَنَّ الْوَقْفَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ حَتَّى يَنْقَرِضَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ ، ثُمَّ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْأُمِّ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ لَهُمْ شَيْئًا وَإِنَّمَا شَرَطَ انْقِرَاضَهُمْ لِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِمْ .

( فَرْعٌ : وَإِنْ جَمَعَهُمْ بِالْوَاوِ ) كَأَنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي ( ثُمَّ قَالَ وَمَنْ مَاتَ ) مِنْهُمْ ( فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ اخْتَصَّ وَلَدُهُ بِنَصِيبِهِ وَشَارَكَ الْبَاقِينَ ) فِيمَا عَدَاهُ ( وَلَوْ قَالَ ) وَقَفْت ( عَلَى أَوْلَادِي أَوْ بَنِيَّ ، أَوْ بَنَاتِي لَمْ يَدْخُلْ ) مَعَهُمْ ( أَوْلَادُهُمْ ) لِعَدَمِ صِدْقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِمْ حَقِيقَةً إذْ يُقَالُ فِيهِمْ لَيْسُوا أَوْلَادَهُ بَلْ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ فَإِنْ قُلْت هَلَّا قِيلَ بِدُخُولِهِمْ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي اسْتِعْمَالِهِ اللَّفْظَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ قُلْنَا شَرْطُهُ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ وَكَلَامُنَا هُنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) لِلْوَاقِفِ ( غَيْرُهُمْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِمْ ) لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ وَصِيَانَةً لِكَلَامِ الْمُكَلَّفِ عَنْ الْإِلْغَاءِ فَلَوْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ فَالظَّاهِرُ الصَّرْفُ لَهُ لِوُجُودِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّهُ يُصْرَفُ لَهُمْ مَعَهُ كَالْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ ( وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْبَنِينَ ، وَالْبَنَاتِ دَخَلَ ) مَعَهُمْ ( الْخُنْثَى ) لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ وَالِاشْتِبَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى الْمُتَيَقَّنُ فِيمَا إذَا فُوضِلَ بَيْنَ الْبَنِينَ ، وَالْبَنَاتِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى الْبَيَانِ لَا إنْ وَقَفَ ( عَلَى أَحَدِهِمَا ) فَلَا يَدْخُلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الصِّنْفِ الْآخَرِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْمَالَ يُصْرَفُ إلَى مَنْ عَيَّنَهُ مِنْ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِنَصِيبِ الْخُنْثَى بَلْ يُوقَفُ نَصِيبُهُ إلَى الْبَيَانِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُسْلِمِ ( وَلَوْ قَالَ ) وَقَفْت ( عَلَى بَنِي تَمِيمٍ دَخَلَ نِسَاؤُهُمْ ) أَيْ بَنَاتُ تَمِيمٍ ؛ لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْقَبِيلَةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ( وَلَا يَدْخُلُ ) مَعَ الْمَذْكُورِينَ الْوَلَدُ ( الْمَنْفِيُّ ) لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ وَلَدًا ( حَتَّى يُسْتَلْحَقَ )

فَيَدْخُلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ الرِّيعِ الْحَاصِلِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يَرْجِعَ بِمَا يَخُصُّهُ فِي مُدَّةِ النَّفْيِ ( وَالنَّسْلُ وَالْعَقِبُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهَا ( يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْبَنِينَ ، وَالْبَنَاتِ ) وَإِنْ بَعُدُوا فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ لِصِدْقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِمْ قَالَ تَعَالَى { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُد } إلَى أَنْ ذَكَرَ عِيسَى وَلَيْسَ هُوَ إلَّا وَلَدُ الْبِنْتِ .
( وَكَذَا الْحَمْلُ ) مَشْمُولٌ لِكُلٍّ مِنْهَا لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ فَيُوقَفُ نَصِيبُهُ ( إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ ) وَهِيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فَلَا يَشْمَلُهُ ( لِأَنَّهُ ) قَبْلَ انْفِصَالِهِ ( لَا يُسَمَّى وَلَدًا لَكِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ثَمَرَةٍ خَرَجَتْ بَعْدَ الِانْفِصَالِ ) كَمَا فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ عُلُوقُهُ بَعْدَ الْوَقْفِ ( وَإِنْ قَالَ ) وَقَفْت ( عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِي لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ) لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بَلْ إلَى آبَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } وَأَمَّا خَبَرُ { إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ } فِي حَقِّ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ مِنْ الْخَصَائِصِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي النِّكَاحِ بِدَلِيلِ { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ دُخُولُ أَوْلَادِ الْبَنِينَ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً وَهُوَ فِي الْمَرْأَةِ مُشْكِلٌ بِقَوْلِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ : إنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالِابْنِ فِي النَّسَبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ : ذُكِرَ الِانْتِسَابُ فِي الْمَرْأَةِ هُنَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلْإِخْرَاجِ فَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ أَيْضًا ، وَإِلَّا يَلْزَمُ إلْغَاءُ الْوَقْفِ أَصْلًا فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ وَيَكُونُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ مَحْمُولًا عَلَى وَقْفِ الرَّجُلِ .
( وَالْعَشِيرَةُ كَالْقَرَابَةِ ) فِي حُكْمِ الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ ( وَمُطْلَقُ الْقَرَابَةِ يَأْتِي ذِكْرُهَا فِي الْوَصِيَّةِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْعِتْرَةُ الْعَشِيرَةُ

عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ : أَكْثَرُ مَنْ جَعَلَهُمْ عَشِيرَةً خَصَّهُمْ بِالْأَقْرَبِينَ وَنَقَلَ فِيهِ عِبَارَاتِ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ، ثُمَّ قَالَ وَمُقْتَضَى مَا قَالُوهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُ وَعَشِيرَتُهُ الْأَدْنَوْنَ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ وَتَوَقَّفَ فِيمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ بَلْ الْأَظْهَرُ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الْعُرْفِ ( وَالْحَادِثُونَ ) بَعْدَ الْوَقْفِ ( يُشَارِكُونَ الْمَوْجُودِينَ ) عِنْدَهُ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِمْ ( وَالْمَوْلَى اسْمٌ لِلْأَعْلَى ) وَهُوَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ ( وَالْأَسْفَلِ ) وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ ( فَلَوْ اجْتَمَعُوا اشْتَرَكُوا ) لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُمْ وَلَوْ قَالَ فَلَوْ اجْتَمَعَا اشْتَرَكَا كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَحَدُهُمَا اخْتَصَّ الْوَقْفُ بِهِ فَلَوْ طَرَأَ الْآخَرُ بَعْدُ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فَيَظْهَرُ عِنْدَ مَنْ يُشْرِكُ أَنْ يَدْخُلَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْإِخْوَةِ ثُمَّ حَدَثَ آخَرُ وَرُدَّ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْمَوْلَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَقَدْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ وَهِيَ الِانْحِصَارُ فِي الْوُجُودِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ فَصَارَ الْمَعْنَى الْآخَرُ غَيْرَ مُرَادٍ وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا أَوْ عُمُومًا عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ مُقَرَّرٍ فِي الْأُصُولِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْإِخْوَةِ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ وَاحِدَةٌ وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَيِّزِ الْمُتَوَاطِئِ فَمَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ اسْتَحَقَّ مِنْ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ الْوَاقِفُ بِالْمَوْجُودِينَ حَالَ الْوَقْفِ فَيُتَّبَعَ تَقْيِيدُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَوْلَى ، وَالْمَوَالِي وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ لَا يُتَّجَهُ التَّشْرِيكُ فِي الْإِفْرَادِ وَيَنْقَدِحُ مُرَاجَعَةُ الْوَاقِفِ .

( قَوْلُهُ : لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُهُمْ ) لَوْ وَقَفَ عَلَى أُمَّهَاتِهِ ، أَوْ أُمِّهِ لَمْ تَدْخُلْ الْجَدَّةُ ، أَوْ عَلَى أَبِيهِ لَمْ يَدْخُلْ الْجَدُّ ( قَوْلُهُ : إذْ يُقَالُ فِيهِمْ لَيْسُوا أَوْلَادَهُ بَلْ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ ) فَلَوْ قَالَ بَنُو آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَمْ يَعْتِقْ عَبِيدُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَبِيدُ الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ ( قَوْلُهُ : فَالظَّاهِرُ الصَّرْفُ لَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : وَإِنَّهُ يُصْرَفُ لَهُمْ مَعَهُ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُسْلِمِ ) كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ هُوَ الْمُسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ فِيمَنْ عَدَاهُ مَوْجُودٌ وَشَكَكْنَا فِي مُزَاحَمَةِ الْخُنْثَى لَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَاسْتِحْقَاقُ الْخُنْثَى لَمْ نَتَحَقَّقْهُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى ثَمَانِ كِتَابِيَّاتٍ فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ أَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ وَأَرْبَعُ وَثَنِيَّاتٍ فَأَسْلَمَ مَعَهُ الْوَثَنِيَّاتُ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِبَارِ ، أَوْ طَلَّقَ الْمُسْلِمُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لَا يُوقَفُ شَيْءٌ لِلزَّوْجَاتِ بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ التَّرِكَةِ بَيْنَ بَاقِي الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّوْجَاتِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُنَّ الْكِتَابِيَّاتُ ؛ إذْ سَبَبُ الْإِرْثِ فِي سَائِرِ الْوَرَثَةِ مَوْجُودٌ وَشَكَكْنَا فِي الْمُزَاحَمَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَإِرْثُ الزَّوْجَاتِ لَمْ نَتَحَقَّقْهُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .
وَالثَّانِي يُوقَفُ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ قَدْرَ نَصِيبِ الزَّوْجَاتِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ مُوَافِقٌ لِلْأَصَحِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَلَامُ ابْنِ الْمُسْلِمِ مُوَافِقٌ لِمُقَابِلِهِ قَالَ شَيْخُنَا لَكِنَّهُ قَدْ يُنَازَعُ فِي الْجَوَابِ بِأَنَّ الْخُنْثَى لَمْ يَحْصُلْ يَأْسٌ مِنْ اتِّضَاحِ حَالِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجَاتِ ( قَوْلُهُ : إلَّا فِي الْأَخِيرِ ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَدًا فَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ،

ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَعَلَى أَخِي الْوَاقِفِ فَمَاتَ وَلَدُهُ وَلَهُ حَمْلٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْحَمْلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَدًا ، وَالْقِيَاسُ اسْتِحْقَاقُ الْأَخِ فَإِذَا وُلِدَ الْوَلَدُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْوَلَدُ وَيَنْقَطِعَ اسْتِحْقَاقُ الْأَخِ قَالَهُ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ الْغَزِّيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّهُ يُوقَفُ الرِّيعُ حَتَّى يَنْفَصِلَ الْوَلَدُ وَقَوْلُهُ : قَالَهُ السُّبْكِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ثَمَرَةٍ خَرَجَتْ بَعْدَ الِانْفِصَالِ ) قَالَ السُّبْكِيُّ هَذَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ ، وَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّا لَيْسَ عَلَى عَمَلٍ ، أَوْ لَا شَرَطَ الْوَاقِفُ فِيهِ صَرْفَهُ مُسَانَاةً أَوْ مُشَاهَرَةً ، أَوْ مُيَاوَمَةً أَمَّا مَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَلٍ كَأَوْقَافِ الْمَدَارِسِ أَوْ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمْ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْسِيطَهُ عَلَى الْمُدَّةِ .
وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَّةُ لَا يَأْتِي مُغَلُّهَا إلَّا مَرَّةً فِي السَّنَةِ وَالْبُسْتَانُ لَا يَأْتِي ثَمَرُهُ إلَّا كَذَلِكَ وَأُجْرَةُ الْمَنَافِعِ تَخْتَلِفُ فَفِي بَعْضِ السَّنَةِ كَثِيرَةٌ وَفِي بَعْضِهَا قَلِيلَةٌ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُغَلِّ وَالثَّمَرَةِ وَنَحْوِهِمَا أَنْ تُقَسَّطَ عَلَى الْمُدَّةِ وَيُعْطَى مِنْهُ الْوَرَثَةُ مَنْ مَاتَ عَنْ الْمُدَّةِ الَّتِي بَاشَرَهَا وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ ، أَوْ الْغَلَّةُ مَا حَدَثَتْ إلَّا بَعْدَهُ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ خِلَافَ ذَلِكَ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ دُخُولُ أَوْلَادِ الْبَنِينَ إلَخْ ) لَوْ قَالَ عَلَى الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إلَيَّ بِأُمَّهَاتِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِأَوْلَادِ الْبَنِينَ فِيهِ شَيْءٌ .
( قَوْلُهُ : فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ اللُّغَوِيَّةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَسْفَلِ وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ ) لِأَنَّ أَوْلَادَ الْعَتِيقِ يُسَمَّوْنَ مَوَالِيَ نِعْمَةٍ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْهُمْ بِاعْتِبَارِ

تَخْلِيصِهِمْ مِنْ الرِّقِّ وَكَتَبَ أَيْضًا إذَا اقْتَضَى الصَّرْفَ إلَى الْمَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ بِصَرِيحٍ ، أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ كَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْوَصَايَا مِنْ الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْمَوَالِي لَا حَالَ الْوَصِيَّةِ وَلَا حَالَ الْمَوْتِ .
( قَوْلُهُ : فَلَوْ اجْتَمَعُوا اشْتَرَكُوا ) هَلْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُعْتَمَدِ لِلْبَنْدَنِيجِيِّ ، أَوْ عَلَى الْجِهَتَيْنِ مُنَاصَفَةً ؟ احْتِمَالَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ الْمَعْنَى الْآخَرُ غَيْرَ مُرَادٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ بِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَخْ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ إذْ الْمُفْرَدُ الْمُضَافُ يَعُمُّ لِلْعُمُومِ .

( فَصْلٌ يُرَاعَى شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي ) مَا شَرَطَ مِنْ ( التَّسْوِيَةِ وَالتَّفَاضُلِ وَالتَّخْصِيصِ بِوَصْفٍ وَزَمَانٍ ) وَمَكَانٍ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَصْفِ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ( فَإِنْ قَالَ ) وَقَفْت ( عَلَى فُقَرَاءِ الْأَبْنَاءِ وَأَرَامِلِ الْبَنَاتِ أُعْطِيَ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ افْتَقَرَ ) مِنْ الْأَبْنَاءِ بَعْدَ غِنَاهُ ( وَالْأَرْمَلَةُ ) مِنْ الْبَنَاتِ ( وَمَنْ تَطَلَّقَتْ ) مِنْهُنَّ ، أَوْ فَارَقَتْ بِفَسْخٍ ، أَوْ وَفَاةٍ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ مَنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ أَصْلًا أَرْمَلَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا الَّتِي فَارَقَهَا زَوْجُهَا وَفِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَشَرْطُهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فِي الْوَصِيَّةِ الْفَقْرُ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَإِنْ تَوَقَّفَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الِاقْتِضَاءِ الْمَذْكُورِ ( لَا الرَّجْعِيَّةُ ) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ فَلَيْسَتْ أَرْمَلَةً ( أَوْ ) قَالَ وَقَفْت ( عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ إلَّا مَنْ تَزَوَّجَتْ ) أَوْ اسْتَغْنَتْ مِنْهُنَّ فَتَزَوَّجَتْ ، أَوْ اسْتَغْنَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ خَرَجَتْ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَ ( لَمْ يَعُدْ اسْتِحْقَاقُهَا بِالطَّلَاقِ ) وَالْفَقْرِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ بِهِ عَنْ كَوْنِهَا تَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَغْنَتْ وَلِأَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ أَنْ تَفِيَ لَهُ أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا يَخْلُفَهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَمَنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ تَفِ وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ هَذِهِ مَا قَبْلَهَا ( وَلَوْ خَصَّصَ ) الْوَاقِفُ ( كُلَّ وَاحِدٍ ) مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ( بِغَلَّةِ سَنَةٍ جَازَ ) وَاتُّبِعَ عَمَلًا بِشَرْطِهِ .

( قَوْلُهُ : يُرَاعَى شَرْطُ الْوَاقِفِ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ : الْعُرْفُ الْمُطَّرِدُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَيُنَزَّلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْمُدَرِّسِ ، وَالْمُعِيدِ ، وَالْفُقَهَاءِ بِالْمَدْرَسَةِ كَذَا نُزِّلَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفَقِيهِ ، وَالْأَفْقَهِ وَكَذَا يُنَزَّلُ عَلَى إلْقَاءِ الدُّرُوسِ فِي الْغَدَوَاتِ فَلَا يَكْفِي إلْقَاؤُهَا لَيْلًا .
( تَنْبِيهٌ ) وَقَفَ دَارًا عَلَى زَيْدٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّ لِزَيْدٍ مِنْهَا النِّصْفَ وَلِعَمْرٍو مِنْهَا الثُّلُثَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَقْسُومَةً عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَيَرْجِعُ السُّدُسُ الْفَاضِلُ عَلَيْهِمَا بِالرَّدِّ فَيَكُونُ لِزَيْدٍ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا وَلِعَمْرٍو خُمُسَاهَا وَلَوْ وَقَفَهَا هَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْهِمَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا سَمَّى وَكَانَ السُّدُسُ الْفَاضِلُ إذَا صَحَّحْنَا الْوَقْفَ فِيهِ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى أَنَّ لِزَيْدٍ جَمِيعَهَا وَلِعَمْرٍ ثُلُثَهَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ لِزَيْدٍ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِعَمْرٍو سَهْمٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَعَ السُّؤَالُ قَدِيمًا عَمَّا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ مِنْ قَوْلِهِمْ صُرِفَ ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْوَقْفِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ الْمُتَنَاوِلُونَ مِنْهُ حِينَئِذٍ فَالْمَحْجُوبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ أَصَحُّ ) وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ ( قَوْلُهُ : وَشَرْطُهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فِي الْوَصِيَّةِ الْفَقْرُ ) وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا يَظْهَرُ أَنَّ صُورَةَ الصَّرْفِ إلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ أَوْ بِلَفْظِ الْوَقْفِ وَوَقَفَ عَلَى مَصْرِفٍ صَحِيحٍ وَشَرَطَ صَرْفَ كَذَا مِنْهُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ بَعْدَ كَمَالِهِنَّ وَإِلَّا فَتَقَدَّمَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْعَبْدِ نَفْسِهِ بَاطِلٌ ، وَأُمُّ

الْوَلَدِ دَاخِلَةٌ فِي الرَّقِيقِ ، كَاتِبُهُ .

( فَرْعٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ) ثُمَّ قَالَ ( فَإِنْ انْقَرَضُوا هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ فَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ ) وَحُكْمُهُ مَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا شَرَطَ انْقِرَاضَهُمْ لِاسْتِحْقَاقِ الْفُقَرَاءِ .

( فَرْعٌ ) وَلَوْ ( وَقَفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ أَنَّ مَنْ مَاتَ ) مِنْهُمْ وَلَهُ أَوْلَادٌ ( فَنَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ وَإِلَّا فَلِأَهْلِ الْوَقْفِ فَمَاتَ ) مِنْهُمْ ( ثَلَاثَةٌ أَعْقَبَ مِنْهُمْ اثْنَانِ ) فَقَطْ ( فَنَصِيبُ الثَّالِثِ بَيْنَ الرَّابِعِ وَبَيْنَ عَقِبِهِمَا ) أَيْ الِاثْنَيْنِ ( عَلَى الرُّءُوسِ ، وَإِنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَمَنْ سَيُولَدُ لِي عَلَى مَا أُفَصِّلُهُ فَفَصَّلَهُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ وَجَعَلَ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِلَا عَقِبٍ لِمَنْ سَيُولَدُ لَهُ جَازَ وَأُعْطِيَ ) مَنْ وُلِدَ لَهُ ( نَصِيبَ مَنْ مَاتَ ) مِنْهُمْ ( بِلَا عَقِبٍ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ شَيْءٍ آخَرَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ قَوْلُهُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَمَنْ سَيُولَدُ ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَهُ بَيَانٌ لَهُ .
قَوْلُهُ : فَنَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ صِيغَةُ الْجَمْعِ فِي الْأَوْلَادِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى لَوْ قَالَ وَقَفْت هَذَا عَلَى زَيْدٍ ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ فَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ صُرِفَ رِيعُ الْوَقْفِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْجِهَةُ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدٌ صُرِفَ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الْفَتْوَى .
وَيَظْهَرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنْ الْإِخْوَةِ إلَّا أُنْثَى فَإِنَّهَا تَأْخُذُ نَصِيبَهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَاهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَةِ زَيْدٍ لَا تَدْخُلُ أَخَوَاتِهِ فَلَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَقْفَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَيُنَزَّلُ عَلَى الْجِهَاتِ ، وَالْوَصِيَّةُ وَالْمَوَارِيثُ لَيْسَ الْأَمْرُ فِيهِمَا كَذَلِكَ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْأَشْخَاصُ لَا الْجِهَاتُ إلَّا فِي مِيرَاثِ بَيْتِ الْمَالِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ الصِّيغَةِ جَمْعًا وَتَذْكِيرًا .

( فَرْعٌ : وَإِنْ وَقَفَ عَلَى سُكَّانِ بَلَدٍ فَغَابَ أَحَدُهُمْ سَنَةً ) مَثَلًا ( وَلَمْ يَبِعْ دَارِهِ وَلَا اسْتَبْدَلَ ) بِهَا ( أُخْرَى أُعْطِيَ ) حَقَّهُ مِنْ الْوَقْفِ وَلَا يَبْطُلُ بِغَيْبَتِهِ فَإِنْ بَاعَهَا أَوْ اسْتَبْدَلَ بِهَا أُخْرَى بَطَلَ حَقُّهُ نَعَمْ إنْ اسْتَمَرَّ سَاكِنًا فِي دَارِهِ بَعْدَ بَيْعِهَا ، أَوْ اسْتِبْدَالِهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَاكِنٌ بِالْبَلَدِ ( وَقَوْلُهُ وَقَفْت عَلَيْهِ إنْ سَكَنَ هُنَا ) أَيْ مَكَانًا مُعَيَّنًا ( ثُمَّ ) بَعْدَهُ ( عَلَى الْفُقَرَاءِ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ ) لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ بَعْدَ انْقِرَاضِهِ وَاسْتِحْقَاقُهُ مَشْرُوطٌ بِشَرْطٍ قَدْ يَتَخَلَّفُ وَلَفْظُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَاحْتِمَالُ الِانْقِطَاعِ لَيْسَ كَتَحَقُّقِهِ وَعُرُوضُ إعْرَاضِهِ عَنْ السَّكَنِ كَرَدِّ الْمُسْتَحِقِّ غَلَّةَ الْوَقْفِ بَعْدَ صِحَّتِهِ .
( قَوْلُهُ : فَغَابَ أَحَدُهُمْ إلَخْ ) وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغَيْبَةِ حَالَ الْوَقْفِ أَوْ بَعْدَهَا وَيَظْهَرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالسَّنَةِ مِثَالٌ لَا لِلتَّحْدِيدِ حَتَّى لَوْ غَابَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَلَمْ يَسْتَوْطِنْ غَيْرَهَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ .
( قَوْلُهُ : قَالَ السُّبْكِيُّ : الَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ .

( فَصْلٌ الِاسْتِثْنَاءُ وَالصِّفَةُ يَلْحَقَانِ الْجَمِيعَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ ) وَقَفْت ( عَلَى أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي ، وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ ، أَوْ إلَّا الْأَغْنِيَاءَ مِنْهُمْ ، أَوْ إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ ) فَتُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ أَوْ عَدَمُ الْغِنَى ، أَوْ الْفِسْقُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اشْتِرَاكُ الْمُتَعَاطِفَاتِ فِي جَمِيعِ الْمُتَعَلِّقَاتِ ، وَالْحَاجَةُ هُنَا مُعْتَبَرَةٌ بِجَوَازِ أَخْذِ الزَّكَاةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَتَنْقَدِحُ مُرَاجَعَةُ الْوَاقِفِ إنْ أَمْكَنَتْ ( فَإِنْ عَطَفَ جُمَلًا ) أَوْ مُفْرَدَاتٍ ( بِثُمَّ ) كَ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ حَبَسَتْ ضَيْعَتِي عَلَى أَقَارِبِي ، ثُمَّ سَبَّلْت بُسْتَانِي عَلَى عُتَقَائِي الْمُحْتَاجِينَ أَوْ إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ ( أَوْ فَرَّقَ ) بَيْنَهُمَا ( بِكَلَامٍ طَوِيلٍ ) كَ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ فَنَصِيبُهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَإِلَّا فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا صُرِفَ إلَى إخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ ، أَوْ إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ ( اخْتَصَّتْ بِهِمَا ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ الْجُمْلَةُ ( الْأَخِيرَةُ ) فَالشَّرْطُ - فِي عَوْدِهِمَا لِلْجَمِيعِ - الْعَطْفُ بِالْوَاوِ ، وَأَنْ لَا يَتَخَلَّلَ كَلَامٌ طَوِيلٌ وَنَقَلَهَا الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ بِأَوَّلِهِمَا لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ لَهُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الْعَوْدُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ بِثُمَّ قَالَ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْوَاوِ بَلْ الضَّابِطُ وُجُودُ عَاطِفٍ جَامِعٍ بِالْوَضْعِ كَالْوَاوِ ، وَالْفَاءِ ، وَثُمَّ بِخِلَافِ بَلْ وَلَكِنْ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي الْأُصُولِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَثُمَّ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ عَوْدَ

الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْحَمْلِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْعَطْفِ فَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهَا بِلَا عَطْفٍ حَيْثُ قَالَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ ، عَبْدِي حُرٌّ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يَعْتِقْ ( وَتَقْدِيمُ الصِّفَةِ ) عَلَى الْمُتَعَاطِفَاتِ ( كَتَأْخِيرِهَا ) عَنْهَا فِي عَوْدِهَا إلَى الْجَمِيعِ كَ وَقَفْتُ عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي وَإِخْوَتِي وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ كَ وَقَفْتُ لَا عَلَى مَنْ فَسَقَ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَكَتُوا عَنْ حُكْمِ الصِّفَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ انْتَهَى ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا ، وَمِثْلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ .
( فَرْعٌ الْبَطْنُ الثَّانِي ) وَمَنْ بَعْدَهُ ( يَتَلَقَّوْنَ ) الْوَقْفَ ( مِنْ الْوَاقِفِ ) لَا مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ .

( قَوْلُهُ : الِاسْتِثْنَاءُ وَالصِّفَةُ ) أَيْ وَالشَّرْطُ أَوْ الضَّمِيرُ إذَا كَانَ صَالِحًا لِلْجَمِيعِ ( قَوْلُهُ : كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : وَنَقَلَهُمَا الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ ) وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقَفَّالِ فِي فَتَاوِيهِ إذَا وَقَفَ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِ ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْمَسَاكِينِ يُعْتَبَرُ الذُّكُورَةُ فِي أَوْلَادِهِ دُونَ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى مَحَاوِيجِ أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ فَالْمُقَيَّدُ عَلَى التَّقْيِيدِ ، وَالْمُطْلَقُ عَلَى الْإِطْلَاقِ ( قَوْلُهُ : بَلْ الضَّابِطُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ السُّبْكِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ ) وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِمَا يُوَافِقُهُ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ هُوَ الْحَقُّ وَذَكَرَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الشَّرْطَ يَعُودُ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ إذَا كَانَ الْعَطْفُ بِثُمَّ وَالشَّرْطُ قِسْمٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ ( قَوْلُهُ : قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَكَتُوا إلَخْ ) وَيَدُلُّ لَهُ مَا نَقَلَاهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَنَوَى صَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِمَا صَحَّ فَافْهَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا وَإِذَا كَانَ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ فَالصِّفَةُ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ : وَحُكْمُ الْوَقْفِ اللُّزُومُ ) فِي الْحَالِ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ سَوَاءٌ أَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَسَلَّمَهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَالْعِتْقِ ( وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ) بِأَنْ قَالَ دَارِي وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنَّهُ لَازِمٌ حَالَ كَوْنِهِ وَقْفًا وَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَصَوَّرَ الْإِسْنَوِيُّ ذَلِكَ أَيْضًا بِأَنْ يُنَجِّزَ الْوَقْفَ وَيُعَلِّقَ الْإِعْطَاءَ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ جَوَازُهُ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ انْتَهَى ، وَعَلَيْهِ فَرِيعُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ يَنْبَغِي صَرْفُهُ لِصَالِحِ الْوَقْفِ خَاصَّةً ( وَيَنْتَقِلُ مِلْكُهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ( إلَى اللَّهِ تَعَالَى ) وَلَوْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَيْ يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّ كَالْعِتْقِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْوَاقِفُ وَلَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ امْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمَا فِيهِ .
( وَجَعْلُ الْبُقْعَةِ مَسْجِدًا ، أَوْ مَقْبَرَةً تَحْرِيرٌ لَهَا ) كَتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا انْتَقَلَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ ، وَفِي أَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ كَالْحُرِّ ، وَفِي أَنَّهُ لَوْ مُنِعَ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمَا بِغَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِمَا لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ ، وَالْأَمْرُ أَنَّ الْأَخِيرَانِ ذَكَرُوهُمَا فِي الْمَسْجِدِ ، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ الْمَقْبَرَةُ ، وَالرِّبَاطُ ، وَالْمَدْرَسَةُ ، وَنَحْوُهَا ، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالتَّحْرِيرِ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأُمُورِ ، وَإِلَّا فَالْأَمْرُ الْأَوَّلُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ .

قَوْلُهُ : وَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ ) قَالَ الشَّيْخَانِ وَكَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ الدَّارَ لِلْبَيْعِ صَارَ رَاجِعًا ( قَوْلُهُ : وَصَوَّرَ الْإِسْنَوِيُّ ذَلِكَ أَيْضًا إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا مِنْ صُوَرِ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْته عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى أَنْ لَا يُصْرَفَ إلَيْهِمْ مِنْ رِيعِ السَّنَةِ الْأُولَى وَمَا نُقِلَ عَنْ الْبَيَانِ غَلَطٌ لَيْسَ فِيهِ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَيَنْتَقِلُ مِلْكُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ) قَدْ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُمْ فِي الشَّهَادَاتِ إنَّ الْوَقْفَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَإِنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالثُّبُوتِ هُوَ الرِّيعُ وَهُوَ حَقُّ آدَمِيٍّ .
( قَوْلُهُ : أَوْ مَقْبَرَةً ) أَوْ خَانْقَاهْ ( قَوْلُهُ : وَمِثْلُهُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ الْمَقْبَرَةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ لَوْ وَقَفَ ذِمِّيٌّ مَقْبَرَةً فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا أَهْلُ مِلَّتِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَهُمْ أَمْ لَا ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْمَنْعُ .

( فَصْلٌ الْفَوَائِدُ ) مِلْكٌ ( لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ) فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَقْفِ وَهِيَ ( كَالدَّرِّ وَالصُّوفِ وَالثَّمَرَةِ لَا الْأَغْصَانِ ) فَلَيْسَتْ لَهُ ( إلَّا ) الْأَغْصَانَ ( مِنْ ) شَجَرِ ( خِلَافٍ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا يُعْتَادُ قَطْعُهُ ؛ لِأَنَّهَا كَالثَّمَرَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ مِنْ فَوَائِدِ الْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا هُوَ الِانْتِفَاعُ لَا الْمَنْفَعَةُ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْهُ ( وَالْحَمْلُ الْمُقَارِنُ ) لِلْوَقْفِ ( كَالْأُمِّ ) فِي كَوْنِهِ وَقْفًا مِثْلَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ الصُّوفُ وَنَحْوُهُ ( وَ ) الْحَمْلُ ( الْحَادِثُ كَالدَّرِّ ) فَيَكُونُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ( وَلَوْ وَقَفَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ فَفَوَائِدُهَا ) مِنْ دَرٍّ وَنَحْوِهِ ( لِلْوَاقِفِ ) لَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَقْفِ .
( قَوْلُهُ : مِمَّا يُعْتَادُ قَطْعُهُ ) بِخِلَافِ مَا لَا يُعْتَادُ قَطْعُهُ نَعَمْ إنْ شَرَطَ قَطْعَ الْأَغْصَانِ الَّتِي لَا يُعْتَادُ قَطْعُهَا مَعَ ثِمَارِهَا كَانَتْ لَهُ قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّ هَذَا فِيمَا لَا يَمُوتُ بِقَطْعِ غُصْنِهِ .
( قَوْلُهُ : وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ الصُّوفُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ : وَنَحْوُهُ أَيْ كَالشَّعْرِ ، وَالْوَبَرِ وَالرِّيشِ وَكَتَبَ أَيْضًا كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ أَمَّا الْمُؤَبَّرَةُ فَلِلْوَاقِفِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْكَسْبَ الْمُعْتَادَ وَالنَّادِرَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَيَأْتِي فِي مَهْرِ الْمَوْطُوءَةِ لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الْمُوصِي بِمَنْفَعَةٍ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُعْتَادَ خَاصَّةً قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَانَ الْفَرْقُ قُوَّةَ الْمِلْكِ هُنَا .

( فَرْعٌ ) الْحَيَوَانُ ( الْمَوْقُوفُ لِلْإِنْزَاءِ لَا يُحْرَثُ عَلَيْهِ ) أَيْ لَا يَحْرُثُ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ وَلَا غَيْرُهُ ، وَالْمُرَادُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْإِنْزَاءِ مِمَّا يَنْقُصُ مَنْفَعَتَهُ الْمَوْقُوفَ لَهَا نَعَمْ لَوْ عَجَزَ عَنْ الْإِنْزَاءِ فَالظَّاهِرُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْوَاقِفِ لَهُ فِي غَيْرِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالثَّوْرِ الْمَوْقُوفِ لِلْإِنْزَاءِ ( وَإِنْ قُطِعَ بِمَوْتِ ) الدَّابَّةِ ( الْمَوْقُوفَةِ الْمَأْكُولَةِ ذُبِحَتْ ) جَوَازًا لِلضَّرُورَةِ ( وَفَعَلَ الْحَاكِمُ بِلَحْمِهَا مَا رَآهُ مَصْلَحَةً ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ دَابَّةٌ مِنْ جِنْسِهَا وَتُوقَفُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَنْوَارِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ الثَّانِي وَجَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ بِمَوْتِهَا لَمْ يَجُزْ ذَبْحُهَا ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ الِانْتِفَاعِ كَمَا لَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا حَيَّةً وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ لَكِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْجَوَازِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ ( فَإِنْ مَاتَتْ فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِجِلْدِهَا ) نَعَمْ إنْ خَصَّهُ الْوَاقِفُ بِبَعْضِ مَنَافِعِهَا كَدَرِّهَا ، أَوْ صُوفِهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي جِلْدِهَا ( فَلَوْ دَبَغَهُ ) هُوَ ، أَوْ غَيْرُهُ أَوْ انْدَبَغَ بِنَفْسِهِ فِيمَا يَظْهَرُ عَادَ وَقْفًا .

( قَوْلُهُ : نَعَمْ لَوْ عَجَزَ عَنْ الْإِنْزَاءِ فَالظَّاهِرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَنْوَارِ ) وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ؛ إذْ لَيْسَ تَخْيِيرُ الْحَاكِمِ تَشَهٍّ وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ الْأَوَّلُ بِالتَّرْجِيحِ .
( قَوْلُهُ : وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ ) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا إذَا اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ ( قَوْلُهُ : فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي جِلْدِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ انْدَبَغَ بِنَفْسِهِ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ : مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ ) الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ ( بِالْوَقْفِ الْمُطْلَقِ يَسْتَوْفِيهَا بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ بِإِجَارَةٍ ، وَإِعَارَةٍ ) مِنْ نَاظِرٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَقْصُودُ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ نَفْيَ شَيْءٍ فَيُتَّبَعُ ( نَعَمْ لِلنَّاظِرِ مَنْعُهُ مِنْ السُّكْنَى ) لِلدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ ( لِيُؤَجِّرَهَا لِلْعِمَارَةِ ) إنْ اقْتَضَاهَا الْحَالُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْنَعْهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الْخَرَابِ ( أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ لِيُعْطَى الْمُؤَذِّنُ ) مَثَلًا ( أُجْرَتَهَا فَلَا يَسْكُنُهَا ، أَوْ لِيَسْكُنَهَا ) فَ ( لَا يُؤَجِّرُهَا ) عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُعِيرُهَا وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ وَعَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ لَمَّا وَلِيَ دَارَ الْحَدِيثِ وَبِهَا قَاعَةٌ لِلشَّيْخِ لَمْ يَسْكُنْهَا وَأَسْكَنَهَا غَيْرَهُ لَكِنَّ قَوْلَ الْأَصْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ بِأُجْرَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
( قَوْلُهُ : صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ مَهْرُ ) الْأَمَةِ ( الْمَوْقُوفَةِ ) إذَا وُطِئَتْ مُكْرَهَةً ، أَوْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحَ مِلْكٍ ( لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ) كَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْفَوَائِدِ ( وَوَطْؤُهَا ) مِنْ الْوَاقِفِ ، وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالْأَجْنَبِيِّ ( حَرَامٌ ) لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ ، أَوْ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَوَّلَيْنِ نَاقِصٌ لَمْ يَحْدُثْ نُقْصَانُهُ بِوَطْءٍ سَابِقٍ وَخَرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ وَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ وَمَا ذَكَرَهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْوَطْءُ ( مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، وَالْوَاقِفِ ، وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَوَطْءِ أَمَةِ الْغَيْرِ ) فِي أَحْكَامِهِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِبَعْضِهَا ( لَكِنْ لَا مَهْرَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ) بِحَالٍ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ ( وَلَا قِيمَةَ وَلَدِهَا ) الْحَادِثِ بِتَلَفِهِ أَوْ بِانْعِقَادِهِ حُرًّا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ وَلَدَ الْمَوْقُوفَةِ مِلْكٌ ( لَهُ وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ كَالْوَاقِفِ ، وَالْأَجْنَبِيِّ ) وَلَا أَثَرَ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ كَمَا لَوْ وَطِئَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ الْأَمَةَ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ وَمَا ذُكِرَ مِنْ لُزُومِ الْحَدِّ لَهُ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ الْأَمَةِ فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ .
قَوْلُهُ : مَهْرُ الْمَوْقُوفَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ) فَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ فَقَطْ وَخَصَّهُ بِبَعْضِ مَنَافِعِهَا فَمَهْرُهَا لِلْوَاقِفِ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ وَطِئَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ الْأَمَةَ ) حَذَفَ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ أَصْلِهِ هَذَا التَّشْبِيهَ ؛ لِأَنَّهُ جَزَمَ فِي الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا سَيَأْتِي .

( فَرْعٌ يَجُوزُ تَزْوِيجُ ) الْأَمَةِ ( الْمَوْقُوفَةِ ) تَحْصِينًا لَهَا وَقِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ ( وَوَلِيُّهَا السُّلْطَانُ ) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى ( وَإِذْنُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ) لَهُ ( شَرْطٌ ) فِي صِحَّةِ تَزْوِيجِهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) الْأُذُنُ فِي تَزْوِيجِهَا ، وَإِنْ طَلَبَتْهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إجْبَارُهَا عَلَيْهِ أَيْضًا كَالْعَتِيقَةِ ( وَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا ) وَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى احْتِيَاطًا ( بَلْ لَوْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ ) إنْ قَبِلَ الْوَقْفَ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ لَوْ رَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ اتَّجَهَ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْفَسْخِ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يَحِلُّ لِلْوَاقِفِ نِكَاحُهَا أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : وَوَلِيُّهَا الْحَاكِمُ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَغَيْرُهُ وَوَهِمَ فِي الْمُهِمَّاتِ فَقَالَ يُزَوِّجُهَا النَّاظِرُ الْخَاصُّ فَإِنَّهَا مَقَالَةٌ ضَعِيفَةٌ اخْتَارَهَا الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ السَّفِيهَةَ يُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَإِنْ كَانَ وَلِيُّ مَالِهَا الْحَاكِمَ وَكَتَبَ أَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَفِي تَزْوِيجِهَا يَسْتَأْذِنُ الْحَاكِمُ كُلًّا مِنْ الْوَاقِفِ ، وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ إنَّهُ الظَّاهِرُ ، وَقَوْلُهُ : إنَّهُ الظَّاهِرُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : إنْ قَبِلَ الْوَقْفَ عَلَى الْقَوْلِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ ) قَالَ شَيْخُنَا : رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ " وَإِلَّا " ( قَوْلُهُ : مِنْ نَفْسِهِ ، أَوْ غَيْرِهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ فِي الْمَدْرَسَةِ أَوْ غَيْرِهَا إلَّا عِنْدَ فَقْدِ النَّاظِرِ الْخَاصِّ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لَهُ مَعَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَلَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ .

( فَصْلٌ : النَّظَرُ فِي الْوَقْفِ لِمَنْ شَرَطَهُ ) ( الْوَاقِفُ ) لَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَفَوَّضَهُ فِي الْحَيَاةِ أَمْ أَوْصَى بِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَقَرِّبُ بِصَدَقَتِهِ فَيُتَّبَعُ شَرْطُهُ فِيهِ كَمَا يُتَّبَعُ فِي مَصَارِفِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لِأَحَدٍ ( فَلِلْحَاكِمِ ) لَا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ النَّاظِرُ الْعَامُّ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَقْفِ لِلَّهِ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَلِلْحَاكِمِ ) قَالَ فِي الْعُبَابِ يَظْهَرُ أَنَّهُ قَاضِي بَلَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا بَلَدِ الْوَاقِفِ كَمَالِ الْيَتِيمِ وَقَوْلُهُ : قَالَ فِي الْعُبَابِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْأَمَانَةُ ، وَالْكِفَايَةُ ) فِي التَّصَرُّفِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ رُشَدَاءَ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ وِلَايَةٌ كَمَا فِي الْوَصِيِّ ، وَالْقَيِّمِ وَعَبَّرَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بَدَلَ الْأَمَانَةِ بِالْعَدَالَةِ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي اللَّقِيطِ حَيْثُ قَالَ لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّيْخُ الْعَدَالَةَ بَلْ الْأَمَانَةَ قَالَ السُّبْكِيُّ وَيُعْتَبَرُ فِي مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ بِالظَّاهِرَةِ كَمَا فِي الْأَبِ ، وَإِنْ افْتَرَقَا فِي وُفُورِ شَفَقَةِ الْأَبِ وَخَالَفَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَاعْتَبَرَ فِيهِ الْبَاطِنَةَ أَيْضًا ( فَإِنْ اخْتَلَّتْ إحْدَاهُمَا نُزِعَ ) الْوَقْفُ مِنْهُ أَيْ نَزَعَهُ مِنْهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ زَالَ الِاخْتِلَالُ عَادَ نَظَرُهُ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَفِي فَتَاوِيهِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ ( وَإِنْ كَانَ هُوَ ) أَيْ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ ( الْوَاقِفَ ) فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمَانَةُ ، وَالْكِفَايَةُ وَيُنْزَعُ الْوَقْفُ مِنْهُ إنْ اخْتَلَّتْ إحْدَاهُمَا .
( وَلِقَبُولِهِ ) أَيْ الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ ( حُكْمُ قَبُولِ الْوَكِيلِ ) بِجَامِعِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ وَفِي جَوَازِ الِامْتِنَاعِ مِنْهُمَا بَعْدَ قَبُولِهِمَا فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لَفْظًا .

( قَوْلُهُ : وَخَالَفَ الْأَذْرَعِيُّ ) عِبَارَتُهُ الْوَجْهُ اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ : فَاعْتَبَرَ فِيهِ الْبَاطِنَةَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَيْ نَزَعَهُ مِنْهُ الْحَاكِمُ ) قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ بَعْدَهُ كَمَوْتِهِ وَاسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ وَقَالَ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ النَّظَرُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْأَوَّلِ وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ النَّظَرُ أَوَّلًا لَوْ رَغِبَ عَنْهُ نَظَرَ الْحَاكِمُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ انْتَقَلَ لِلْمَشْرُوطِ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ قَالَ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ إلَخْ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَلِقَبُولِهِ حُكْمُ قَبُولِ الْوَكِيلِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِي قَبُولِ الْمُتَوَلِّي النَّظَرَ مَا فِي قَبُولِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْوَقْفَ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ أَيْ أَنَّ النَّاظِرَ إنْ شُرِطَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ كَانَ فِي قَبُولِهِ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ الْأَصَحُّ اشْتِرَاطَ قَبُولِهِ كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ كَانَ فِي قَبُولِهِ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ الْوَكِيلِ بِغَيْرِ جُعْلٍ حَتَّى يَكُونَ الْأَصَحُّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ قَبُولِهِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70