كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ مَنْ خَرَجَ لِمَا ذُكِرَ ( تَجْدِيدُ النِّيَّةِ ) بَعْدَ عَوْدِهِ ( إنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ) وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ ( كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْغُسْلِ ) الْوَاجِبِ وَالْأَذَانِ إذَا جَوَّزْنَا الْخُرُوجَ لَهُ ( وَكَذَا لَوْ خَرَجَ لِمَا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ ) وَكَانَ مِنْهُ بُدٌّ لِشُمُولِ النِّيَّةِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ ( وَأُلْحِقَ بِهِ الْخُرُوجُ لِغَرَضٍ اسْتَثْنَى ) أَيْ اسْتِثْنَاءُ الْمُعْتَكِفِ ( وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ فَجَامَعَ أَوْ خَرَجَ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ عَادَ لِيُتِمَّ الْبَاقِي جَدَّدَ النِّيَّةَ ) لِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا مَضَى ( وَتَلْزَمُهُ ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ ( الْجُمُعَةُ ) فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ لَهَا ( وَإِنْ خَرَجَ لَهَا بَطَلَ ) تَتَابُعُهُ ( لِتَقْصِيرِهِ ) بِعَدَمِ اعْتِكَافِهِ فِي الْجَامِعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ تُقَامُ بَيْنَ أَبْنِيَةِ الْقَرْيَةِ لَا فِي جَامِعٍ لَمْ يَبْطُلْ تَتَابُعُهُ بِالْخُرُوجِ لَهَا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ صَغِيرَةً لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَهْلِهَا فَأُحْدِثَ بِهَا جَامِعٌ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَ نَذْرِهِ وَاعْتِكَافِهِ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْخُرُوجَ لَهَا وَكَانَ فِي الْبَلَدِ جَامِعَانِ فَمَرَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَذَهَبَ إلَى الْآخَرِ قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ تُصَلَّى فِيهِ أَوَّلًا لَمْ يَضُرَّهُ أَوْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ
( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَإِنْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِالْحَجِّ وَخَشِيَ فَوْتَهُ قَطَعَ الِاعْتِكَافَ وَلَمْ يَبْنِ ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ عَلَى اعْتِكَافِهِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَهُ أَتَمَّ اعْتِكَافَهُ ثُمَّ خَرَجَ لِحَجِّهِ

( وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَبَانَ أَنَّهُ انْقَضَى ) قَبْلَ نَذْرِهِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) لِأَنَّ اعْتِكَافَ شَهْرٍ قَدْ مَضَى مُحَالٌ
( قَوْلُهُ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ ) بِأَنْ قَصَدَهُ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ انْتَظَرَ مَجِيئُهُ

( وَإِنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ عَلَى أَنْ يُجَامِعَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ ) لِمُنَافَاةِ الْجِمَاعِ لَهُ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَمَهْمَا أَرَدْت جَامَعْت لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ

( كِتَابُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ) الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا ، لُغَةً : الْقَصْدُ وَشَرْعًا : قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ وَالْعُمْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ ضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ لُغَةً : الزِّيَارَةُ وَقِيلَ : الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرٍ وَشَرْعًا : قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ ( وَهُمَا ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( فَرْضٌ ) أَيْ مَفْرُوضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } وَلِقَوْلِهِ { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ وَلِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ } وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ { سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ ؟ قَالَ : لَا وَأَنْ تَعْتَمِرُوا فَهُوَ أَفْضَلُ } وَفِي رِوَايَةٍ { وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك } فَضَعِيفٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ ، وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا : وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى السَّائِلِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ قَالَ وَقَوْلُهُ وَأَنْ تَعْتَمِرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَا يُغْنِي عَنْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا وَيُفَارِقُ الْغُسْلَ حَيْثُ يُغْنِي عَنْ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الْغُسْلَ أَصْلٌ فَأَغْنَى عَنْ بَدَلِهِ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ أَصْلَانِ .

( كِتَابُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ) ( قَوْلُهُ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ ) ؛ لِأَنَّ فِي رِجَالِهِ ابْنَ أَرْطَاةَ وَابْنَ لَهِيعَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ ( قَوْلُهُ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ ) أَوْ سَأَلَ عَنْ عُمْرَةٍ ثَانِيَةٍ ( قَوْلُهُ بِأَنَّ الْغُسْلَ أَصْلٌ فَأَغْنَى عَنْ بَدَلِهِ إلَخْ ) وَجْهُهُ أَنَّ الْغُسْلَ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا حُطَّ عَنْهُ إلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ تَخْفِيفًا .

( ، وَلَمْ يُفْرَضَا فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكُلَّ عَامٍ : فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ } وَلِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { عَنْ سُرَاقَةَ قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ ؟ فَقَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ } .
( قَوْلُهُ { لَوَجَبَتْ عَلَيْكُمْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ } ) وَالْحَجُّ مُطْلَقًا إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ ، وَهُوَ هَاهُنَا أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَسَيَأْتِي فِي السِّيَرِ أَوْ تَطَوُّعٌ ، وَاسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَيْنِ لَا يَتَوَجَّهَانِ إلَيْهِمْ وَبِأَنَّ فِي حَجِّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ جِهَتَيْنِ : جِهَةُ تَطَوُّعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ ، وَجِهَةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ مِنْ حَيْثُ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ الْتِزَامُ السُّؤَالِ إذْ لَمْ يَخْلُصْ لَنَا حَجُّ تَطَوُّعٍ عَلَى حِدَتِهِ وَفِي الْأَوَّلِ الْتِزَامُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِينَ ثُمَّ إنَّهُ لَا يَبْعُدُ وُقُوعُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَرْضًا وَيَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ .
ا هـ .
يُجَابُ عَنْهُ بِتَصْوِيرِهِ فِي مُكَلَّفِينَ لَمْ يُخَاطَبُوا بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِمْ وَقَدْ أَدَّوْا فَرْضَ الْعَيْنِ ثُمَّ تَحَمَّلُوا الْمَشَقَّةَ وَأَتَوْا بِهِ .

( وَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ ( ثُمَّ أَسْلَمَ ) فَإِنَّهُ لَا يُفْرَضُ إلَّا مَرَّةً فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ ؛ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الرِّدَّةَ ( لَا تُحْبِطُ عَمَلَ مَنْ لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا ) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } وَبِهَذَا قَيَّدَ الْأَصْحَابُ بَقِيَّةَ الْآيَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ } .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُحْبِطُ عَمَلَ مَنْ لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ هَذَا ذُهُولٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى حُبُوطِ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ مُهِمَّةُ غَفَلُوا عَنْهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ مُرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : فَإِنْ قِيلَ مَا أُحْبِطَ مِنْ عَمَلِهِ قَبْلَ أَجْرِ عَمَلِهِ لَا إنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ فَرْضًا أَدَّاهُ مِنْ صَلَاةٍ ، وَلَا صَوْمٍ ، وَلَا غَيْرِهِمَا قَبْلَ أَنْ يُرِيدَ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مُسْلِمًا ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ هَذَا لَمْ يَرِدْ هَذَا النَّصُّ عَلَى قَوْلِنَا لَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْحَجِّ .
ا هـ .
عَلَى أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ مَنَعَ إحْبَاطَ الثَّوَابِ وَقَالَ : إذَا حَجَّ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا فَحَجَّهُ ثَابِتٌ ، وَفَائِدَةُ الْحَجِّ الْمَنْعُ مِنْ الْعِقَابِ ، وَلَوْ لَمْ يَحُجَّ لَعُوقِبَ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ وَلَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ ثَوَابًا فَإِنَّ دَارَ الثَّوَابِ الْجَنَّةُ ، وَهُوَ لَا يَدْخُلُهَا فَأَمَّا إذَا مَاتَ مُسْلِمًا فَالْحَجُّ قَدْ قُضِيَ عَلَى الصِّحَّةِ ، وَالْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَالثَّوَابُ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ فَلَا مَعْنَى لِلْإِحْبَاطِ فِي حَقِّهِ أَصْلًا .

وَإِنَّمَا يُفْرَضَانِ ( عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ ) فَلَا يُفْرَضَانِ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ ، وَلَا غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَيْسَ مُسْتَطِيعًا ، وَلَا فَرْضَ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ وَذَكَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَ مَرَاتِبَ : الصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ ، وَالْوُقُوعُ عَنْ النُّذُورِ وَالْوُقُوعُ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَالْوُجُوبُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ ( فَيُشْتَرَطُ ) مَعَ الْوَقْتِ ( الْإِسْلَامُ ) وَحْدَهُ ( لِلصِّحَّةِ ) الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ كَافِرٍ ، وَلَا عَنْهُ أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ مُرْتَدًّا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ وَ ( مَعَ التَّمْيِيزِ ) دُونَ مَا يَأْتِي ( لِلْمُبَاشَرَةِ ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَإِنَّمَا يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ( وَمَعَ التَّكْلِيفِ ) دُونَ مَا يَأْتِي ( لِلنَّذْرِ ) فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُمَا مِنْ كَافِرٍ ، وَلَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ( وَمَعَ الْحُرِّيَّةِ ) دُونَ الِاسْتِطَاعَةِ ( لِوُقُوعِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ الْآتِي بَيَانُهُ ( عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ) وَعُمْرَتِهِ فَلَا يَقَعُ عَنْهُمَا مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ ، وَلَا مِمَّنْ فِيهِ رِقٌّ لِخَبَرِ { أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ؛ وَلِأَنَّ النُّسُكَ عِبَادَةُ عُمْرٍ فَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ حَالَ الْكَمَالِ فَلَوْ تَكَلَّفَهُ الْفَقِيرُ وَقَعَ فَرْضُهُ لِكَمَالِ حَالِهِ بِخِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ ( وَلَا يَتَكَرَّرُ ) وُجُوبُهُمَا لِمَا مَرَّ ( إلَّا بِنَذْرِ أَوْ قَضَاءٍ ) لِتَكَرُّرِ مُقْتَضِيهِ فِيهِمَا .
.
ا هـ .
( قَوْلُهُ لِوُقُوعِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ ) شَمَلَ مَا لَوْ أَتَى بِهِمَا وَعِنْدَهُ أَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ فَبَانَ بَالِغًا حُرًّا .

( فَرْعٌ الِاسْتِطَاعَةُ تَارَةً ) تَكُونُ ( بِالنَّفْسِ وَتَارَةً ) تَكُونُ ( بِالْغَيْرِ فَالْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِخَمْسَةِ أُمُورٍ : الْأَوَّلُ وَالثَّانِي الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ ) لِتَفْسِيرِ السَّبِيلِ فِي الْآيَةِ بِهِمَا فِي خَبَرِ الْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَتُعْتَبَرُ أَوْعِيَةُ الزَّادِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِلضَّرُورَةِ إلَيْهَا ( فَمَنْ فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِ ، وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ أُمْهِلَ بِهِ ) ، وَلَوْ إلَى إيَابِهِ ( وَ ) عَنْ ( نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ اللَّائِقَةُ ) بِهِ وَبِهِمْ ذَهَابًا وَإِيَابًا ( وَكَذَا عَنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا ( لِزَمَانَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ ) أَوْ نَحْوِهِمَا ( أَوْ عَنْ ثَمَنِهِمَا مَا يَصْرِفُهُ فِي الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ وَمُؤَنِ السَّفَرِ ذَهَابًا وَإِيَابًا فَمُسْتَطِيعٌ ) فَيَلْزَمُهُ النُّسُكُ ، وَإِلَّا فَلَا كَنَظِيرِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَصَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَتْرُكَ لِمُمَوِّنِهِ نَفَقَةَ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ ، وَوَجْهُ اعْتِبَارِ كَوْنِ مَا ذُكِرَ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ أَنَّ الْحَالَّ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَالْمُؤَجَّلَ يَحِلُّ عَلَيْهِ فَإِذَا صَرَفَ مَا مَعَهُ فِي الْحَجِّ لَمْ يَجِدْ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ .
وَقَدْ يُقَالُ : الْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ مَا يَشْمَلُ مَا ذُكِرَ وَإِعْفَافَ الْأَبِ وَأُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَثَمَنَ الْأَدْوِيَةِ لِحَاجَتِهِ وَحَاجَةِ الْقَرِيبِ وَالْمَمْلُوكِ إلَيْهِمَا وَلِحَاجَةِ غَيْرِهِمَا إذَا تَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُسَمُّونَهُ نَفَقَةً كَمَا يُسَمُّونَهُ مُؤْنَةً ، وَاللَّائِقَةُ صِفَةٌ لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ لَا لِفَاعِلِ تَلْزَمُهُ فَتَأَمَّلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ الْمَكْفِيَّةَ بِإِسْكَانِ الزَّوْجِ وَإِخْدَامِهِ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ تَنْقَطِعُ فَتَحْتَاجُ إلَيْهِمَا وَكَذَا الْمَسْكَنُ لِلْمُتَفَقِّهَةِ السَّاكِنِينَ بِبُيُوتِ الْمَدَارِسِ

وَالصُّوفِيَّةِ بِالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا ا هـ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ بَلْ الْمُتَّجَهُ : أَنَّ هَؤُلَاءِ مُسْتَطِيعُونَ لِاسْتِغْنَائِهِمْ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ الْمُعْتَبَرُ وَلِهَذَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ كَانَ غَنِيًّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ ( فَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ ) مُطْلَقًا ( أَوْ دُونَهَا ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ) عَنْ الْمَشْيِ لِأَدَاءِ النُّسُكِ بِأَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ أَوْ يَنَالَهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ ( فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْضُلَ لَهُ ) عَمَّا ذَكَرَهُ ( مَا يَصْرِفُهُ فِي الرَّاحِلَةِ ) أَيْضًا فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى الْمَشْيِ بِلَا مَشَقَّةٍ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَافِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ بِزَحْفٍ أَوْ حَبْوٍ وَاعْتَبَرُوا الْمَسَافَةَ هُنَا مِنْ مَبْدَأِ سَفَرِهِ إلَى مَكَّةَ لَا إلَى الْحَرَمِ عَكْسُ مَا اعْتَبَرُوهُ فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي التَّمَتُّعِ رِعَايَةً لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِمَا ، وَفِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّاحِلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عَرَفَاتٍ أَكْثَرُ نُظِرَ .

( قَوْلُهُ وَالرَّاحِلَةُ ) الرَّاحِلَةُ مَا يُرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى قَالَ الطَّبَرِيُّ وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ حَمُولَةٍ اُعْتِيدَ الْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ مِنْ بِرْذَوْنٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِيمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرَاحِلُ يَسِيرَةٌ يُسَافِرُ فِي الْعَادَةِ عَلَى الْحُمُرِ وَنَحْوِهَا إلَيْهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الطَّرِيقِ دُونَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ مَثَلًا ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْإِبِلِ لَا يَقْوَى عَلَى الْمَسَافَاتِ الشَّاقَّةِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إلَخْ ) وَذَكَرُوا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِصَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ لَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ( قَوْلُهُ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ إلَخْ ) وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُهَذَّبِ مَسْكَنٌ بَدَّلَهُ مِنْ مِثْلِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ ) لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَوَجَدَ أُجْرَةَ رَاحِلَةٍ لَا تَفِي بِجَمِيعِ مَسَافَةٍ بَلْ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى أُجْرَةٍ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَشْيِهَا قَالَ فِي الْخَادِمِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّكُوبُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَفِي بِهِ أُجْرَتَهُ ثُمَّ يَمْشِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ بِالرُّكُوبِ يَنْتَهِي لِحَالَةٍ تَلْزَمُهُ فَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْوَاجِبِ .
ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ

( وَيُسَنُّ لِقَادِرٍ ) عَلَى الْمَشْيِ لَا يَجِدُ رَاحِلَةً بَلْ زَادًا أَوْ لَهُ صَنْعَةٌ يَكْتَسِبُ بِهَا مُؤْنَتَهُ ، وَهُوَ ( لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ أَنْ يَحُجَّ ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بِمَشَقَّةٍ لَا يُكْرَهُ تَحَمُّلُهَا كَالْمُسَافِرِ إذَا قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَخَرَجَا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زَادًا وَلَيْسَ لَهُ صَنْعَةٌ وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ كُرِهَ ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ مَكْرُوهٌ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحَمُّلَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الْأُمِّ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ إلَّا أَنَّهُ لِلرَّجُلِ آكَدُ نَعَمْ فِي التَّقْرِيبِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْعَهَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلِيَّ هُنَا الْعَصَبَةُ وَيَتَّجِهُ إلْحَاقُ الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ بِهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ عِنْدَ التُّهْمَةِ ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ التُّهْمَةُ فِي الْفَرْضِ .

( وَالْحَجُّ ) لِوَاجِدِ الرَّاحِلَةِ ( رَاكِبًا أَفْضَلُ ) مِنْهُ مَاشِيًا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَلِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى مُهِمَّاتِ الْعِبَادَةِ مَعَ الرُّكُوبِ أَيْسَرُ .

( وَيُشْتَرَطُ لِلْمَرْأَةِ وَمَنْ يَتَضَرَّرُ بِالرَّاحِلَةِ ) أَيْ بِرُكُوبِهَا بِأَنْ تَلْحَقَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ بِأَنْ يَخْشَى مِنْهُ الْمَرَضَ ( شِقٌّ ) أَيْ وِجْدَانُ شِقٍّ ( مَحْمِلٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَبِالْعَكْسِ خَشَبَةٌ يَكُونُ الرَّاكِبُ فِيهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ ( إنْ وَجَدَ شَرِيكًا ) الْأَوْلَى وَشَرِيكٌ أَيْ وَوِجْدَانُ شَرِيكٍ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مُؤْنَةِ الْمَحْمِلِ بِتَمَامِهِ قَالَ فِي الْوَسِيطِ ؛ لِأَنَّ بَذْلَ الزَّائِدِ خَسْرَانٌ لَا مُقَابِلَ لَهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ زَادٍ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَتْ الْمُعَادَلَةُ بِهِ يَقُومُ مَقَامَ الشَّرِيكِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الشَّرِيكِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ ، وَهُوَ الْوَجْهُ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ نَقْلًا عَنْ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ اعْتِبَارَ الْمَحْمِلِ لِلْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا رُكُوبُهَا بِدُونِهِ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا ، أَمَّا غَيْرُهَا فَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ ، وَحَيْثُ اُعْتُبِرَتْ الرَّاحِلَةُ وَشِقُّ الْمَحْمِلِ فَالْمُرَادُ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْهُمَا ، وَلَوْ ( بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ بِثَمَنِ ) الْمِثْلِ فِي الْأَوَّلِ ( أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ) فِي الثَّانِي قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لَهَا يُوجِبَانِ الْحَجَّ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ وَلَوْ وُقِفَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ وَقَبِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ وَصَحَّحْنَاهُ فَلَا شَكَّ فِي الْوُجُوبِ نَعَمْ لَوْ حَمَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَأَهْلِ وَظَائِفِ الرَّكْبِ مِنْ الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَفِي الْوُجُوبِ نَظَرٌ .
ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِمَعْنًى آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَدَبَ أَحَدًا لِمُهِمٍّ يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ

الْمُسْلِمِينَ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا مَرَّ ( ذَهَابًا وَإِيَابًا ) إلَى وَطَنِهِ ( ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ) بِهِ ( أَهْلٌ ) ، وَلَا عَشِيرَةٌ لِمَا فِي الْغُرْبَةِ مِنْ الْوَحْشَةِ وَلِنَزْعِ النُّفُوسِ لِلْأَوْطَانِ ( فَإِنْ تَضَرَّرَ ) مَنْ ذُكِرَ بِالْمَحْمِلِ أَيْ بِالرُّكُوبِ فِيهِ ( فَكَنِيسَةٌ ) تُشْتَرَطُ لَهُ ، وَهُوَ أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ بِجَوَانِبِ الْمَحْمِلِ عَلَيْهَا سِتْرٌ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَيُسَمَّى فِي الْعُرْفِ مَجْمُوعُ ذَلِكَ مَحَارَةٌ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكَنْسِ وَهُوَ السَّتْرُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { الْجَوَارِ الْكُنَّسِ } أَيْ الْمَحْجُوبَاتِ .

قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَرْأَةِ إلَخْ ) يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهَا أَوْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا فِي الْأَسْفَارِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَسَكَتُوا عَنْ الْخُنْثَى ، وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ ( قَوْلُهُ إنْ وَجَدَ شَرِيكًا ) إطْلَاقُهُ الشَّرِيكَ يَشْمَلُ اللَّائِقَ بِمُجَالَسَتِهِ وَغَيْرَهُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِمُجَالَسَتِهِ أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْوَلِيمَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ نَصًّا فِيمَا يَعْتَادُهُ عُظَمَاءُ الدُّنْيَا مِنْ بَيْتٍ صَغِيرٍ يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ يُسَمُّونَهُ الْمُحَفَّةُ يُحْمَلُ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَقَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَوْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رُكُوبُهُ لِعِظَمِ الْمُؤْنَةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ وُجُودَ شَرِيكٍ يَجْلِسُ فِي شِقِّ الْمَحْمِلِ الْآخَرِ ، وَقَدْ يُتَخَيَّلُ اغْتِفَارُ ذَلِكَ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ لَا بُعْدِهَا .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ إلَّا فِيهِ لِشِدَّةِ الضَّنَى وَالْهَرَمِ وَالْفَالِجِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْوُجُوبُ عِنْدَ الْمُكْنَةِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ فِي الْمَحْمِلِ بِلَا ضَرَرٍ وَكَانَ وَاجِدًا لَهُ وَالْمُرْكِبُ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَرْكَبَ الْمَحْمِلَ أَوْ مَا أَمْكَنَهُ الثُّبُوتُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُرْكِبِ .
ا هـ .
وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَهْلًا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَخْ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي إلَخْ ) وَهُوَ الْمُتَّجَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ بِالزَّادِ وَنَحْوِهِ لَا تَقُومُ فِي السُّهُولَةِ مَقَامَ الشَّرِيكِ عِنْدَ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ت ( قَوْلُهُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْخُنْثَى إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ

أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الثَّانِي ) أَوْ شِرَائِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلَا شَكَّ فِي الْوُجُوبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِمَا فِي الْغُرْبَةِ مِنْ الْوَحْشَةِ إلَخْ ) وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ عُقُوبَةً فِي حَقِّ الزَّانِي .
( قَوْلُهُ وَلِنَزْعِ النُّفُوسِ لِلْأَوْطَانِ ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَهُ بَلَدٌ نَشَأَ فِيهِ وَاسْتَوْطَنَهُ وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ نَفَقَةِ الْإِيَابِ كَذَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَحُكْمُ الرَّاحِلَةِ لِلْإِيَابِ حُكْمُ النَّفَقَةِ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ لِلرُّجُوعِ بِمَنْ لَهُ بِالْحِجَازِ حِرْفَةٌ أَوْ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِمُؤْنَتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَوْلُهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ نَفَقَةِ الْإِيَابِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْقَوْلِ إلَخْ ( قَوْلُهُ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِالْمَحْمِلِ إلَخْ ) الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بَيْنَ الْمَحْمِلِ وَالرَّاحِلَةِ مَا يَلْحَقُهُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ

( وَيُصْرَفُ ) لُزُومًا ( لَهُمَا ) أَيْ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوْ لِلزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَعَ مَا ذُكِرَ ( رَأْسُ مَالِهِ ) فِي التِّجَارَةِ ( وَضَيْعَتُهُ ) أَيْ وَثَمَنُ ضَيْعَتِهِ الَّتِي يَسْتَغِلُّهَا وَإِنْ بَطَلَتْ تِجَارَتُهُ وَمُسْتَغَلَّاتُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ مَصْرِفُهُمَا فِي دَيْنِهِ وَفَارَقَا الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ يَتَّخِذُهُ ذَخِيرَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ ( وَلَوْ كَانَ دَارٌ وَعَبْدٌ نَفِيسَانِ لَا يَلِيقَانِ بِهِ لَزِمَهُ ) إبْدَالُهُمَا بِمَا يَلِيقَانِ بِهِ ( وَإِنْ كَفَاهُ الزَّائِدُ عَلَى اللَّائِقِ ) بِهِ لِمُؤْنَةِ النُّسُكِ وَمِثْلُهَا الثَّوْبُ النَّفِيسُ كَنَظِيرِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الْمَأْلُوفِينَ ، وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْكَفَّارَةِ بِمَا قَدَّمْتُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَلَوْ أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِ الدَّارِ وَلَوْ غَيْرَ نَفِيسَةٍ وَوَفَّى ثَمَنُهُ بِمُؤْنَةِ النُّسُكِ لَزِمَهُ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْجَارِيَةُ النَّفِيسَةُ الْمَأْلُوفَةُ كَالْعَبْدِ إنْ كَانَتْ لِلْخِدْمَةِ فَإِنْ كَانَتْ لِلتَّمَتُّعِ لَمْ يُكَلَّفْ بَيْعَهَا قَالَ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَمْ أَرَهُ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهَا كَالْعَبْدِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْعَلَقَةَ فِيهَا كَالْعَلَقَةِ فِيهِ قُلْت ، وَقَدْ يُؤَيَّدُ بِمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي حَاجَةِ النِّكَاحِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْفَقِيهَ بَيْعُ كُتُبِهِ لِلْحَجِّ فِي الْأَصَحِّ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ كُلِّ كِتَابٍ نُسْخَتَانِ فَيَلْزَمُهُ بَيْعُ إحْدَاهُمَا لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا .
( قَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهَا كَالْعَبْدِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْفَقِيهَ بَيْعُ كُتُبِهِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ سِلَاحُ الْجُنْدِيِّ وَخَيْلُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا لِلْقِتَالِ وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ حَاجَةُ ) الشَّخْصِ ( إلَى النِّكَاحِ وَلَوْ خَافَ الْعَنَتَ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمَلَاذِّ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ ( لَكِنَّ تَقْدِيمَ النِّكَاحِ لِخَائِفِهِ ) أَيْ الْعَنَتِ ( أَفْضَلُ ) ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ النِّكَاحِ نَاجِزَةٌ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَتَقْدِيمُ الْحَجِّ أَفْضَلُ لِغَيْرِ خَائِفِ الْعَنَتِ
( قَوْلُهُ لَكِنَّ تَقْدِيمَ النِّكَاحِ لِخَائِفِهِ أَفْضَلُ ) قَالَ شَيْخُنَا فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ قُضِيَ مِنْ تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَلَكِنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ وَذَلِكَ كَافٍ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إذَا الشَّيْءُ لَا يَكُونُ مَطْلُوبَ الْفِعْلِ مَطْلُوبَ التَّرْكِ كَاتَبَهُ ( قَوْلُهُ وَتَقْدِيمُ الْحَجِّ أَفْضَلُ لِغَيْرِ خَائِفِ الْعَنَتِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَمْ أَرَ لِلنَّاسِ كَلَامًا فِيمَا لَوْ كَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْ الْجِمَاعِ لِغِلْمَةٍ هَلْ يُشْتَرَطُ لِلْوُجُوبِ الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِصْحَابِ مَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْقَوْلُ بَعْدُ مُسْتَبْعَدٌ مَعَ اتِّجَاهِهِ .
انْتَهَى وَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ كَلَامُهُمْ شَامِلٌ لَهُ .

( فَرْعٌ لَوْ ادَّخَرَ ) أَيْ وَجَدَ ( الْمُكْتَسِبُ كِفَايَةَ أَهْلِهِ ) ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يَصْرِفُهُ إلَى الزَّادِ ( وَكَانَ يَكْتَسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ وَالسَّفَرُ قَصِيرٌ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ ) لِلنُّسُكِ لِاسْتِغْنَائِهِ بِكَسْبِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ يَكْتَسِبُ كِفَايَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ أَوْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا ( فَلَا ) يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ لِانْقِطَاعِهِ عَنْ الْكَسْبِ أَيَّامَ الْحَجِّ فِي الْأَوَّلِ وَلِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِي الثَّانِي ، وَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ فِي الْحَضَرِ عَلَى أَنْ يَكْتَسِبَ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِ لَهُ وَلِلْحَجِّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَفَقُّهًا إنْ كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا لَزِمَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أُلْزِمُوا بِهِ فِي السَّفَرِ فَفِي الْحَضَرِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا فَكَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ .
ا هـ .
وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ فِي الطَّوِيلِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ الِاكْتِسَابُ لِإِيفَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلِإِيجَابِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لِإِيفَائِهِ أَوْلَى ، الْوَاجِبُ فِي الْقَصِيرِ إنَّمَا هُوَ الْحَجُّ لَا الِاكْتِسَابُ ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ فِي الطَّوِيلِ ذَلِكَ فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي الْقَصِيرِ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ غَالِبًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ .
( قَوْلُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِكَسْبِهِ ) يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ اعْتِبَارُ تَيَسُّرِ الْكَسْبِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ خُرُوجِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَفَقُّهًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

وَأَيَّامُ الْحَجِّ سَبْعَةٌ أَوَّلُهَا بَعْدَ زَوَالِ سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ وَآخِرُهَا بَعْدَ زَوَالِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْهُ وَقَضِيَّةُ تَحْدِيدِهَا بِالزَّوَالَيْنِ أَنَّهَا سِتَّةٌ لَكِنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهَا تَمَامَ الطَّرَفَيْنِ تَغْلِيبًا فَعَدَّهَا سَبْعَةً وَاسْتَنْبَطَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ التَّعْلِيلِ بِانْقِطَاعِهِ عَنْ الْكَسْبِ فِيهَا أَنَّهَا سِتَّةٌ قَالَ : وَهِيَ أَيَّامُ الْحَجِّ مِنْ خُرُوجِ النَّاسِ غَالِبًا ، وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ الثَّامِنِ إلَى آخِرِ الثَّالِثَ عَشَرَ ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَنْفِرْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ .
( قَوْلُهُ ، وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ الثَّامِنِ إلَخْ ) قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَإِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ كَانَ مَكِّيًّا وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَكْتَسِبَ يَوْمًا مَا يَكْفِيهِ لِأَيَّامِ الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ

( وَالدَّيْنُ الْحَالُّ عَلَى ) مَلِيءٍ ( مُقِرٍّ أَوْ مُنْكِرٍ ) وَ ( عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ) بِهِ ( كَالْحَاصِلِ ) مَعَهُ فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمِنْ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ لِلْحَقِّ الظَّفَرُ بِشَرْطٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْحَاصِلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالظَّفَرِ ( وَ ) الدَّيْنُ ( الْمُؤَجَّلُ وَنَحْوُهُ ) كَالْحَالِّ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ مُنْكِرٍ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ ( وَالْمَالُ الْمَوْجُودُ بَعْدَ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ كَالْمَعْدُومِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ ، وَقَدْ يُجْعَلُ الْأَوَّلُ وَسِيلَةً إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَيَبِيعُ مَالَهُ مُؤَجَّلًا قَبْلَ وَقْتِ الْخُرُوجِ إذْ الْمَالُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ .

( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ : وَيُسَنُّ لِقَاصِدِ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا فِي طَرِيقِهِ فَإِنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَالتِّجَارَةِ فَحَجَّ وَاتَّجَرَ صَحَّ حَجُّهُ ، وَسَقَطَ بِهِ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ وَلَكِنَّ ثَوَابَهُ دُونَ الْمُتَخَلِّي عَنْ التِّجَارَةِ

( الْأَمْرُ الثَّالِثُ الطَّرِيقُ فَيُشْتَرَطُ أَمْنٌ ) فِيهِ ، وَلَوْ ظَنًّا ( لَائِقٌ ) بِالسَّفَرِ ، وَإِنْ لَمْ يَلِقْ بِالْحَضَرِ ( عَلَى النَّفْسِ وَالْبُضْعِ وَالْمَالِ ) وَلَوْ يَسِيرًا فَلَوْ خَافَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ نُسُكٌ لِتَضَرُّرِهِ وَلِهَذَا جَازَ التَّحَلُّلُ بِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ الْخَوْفُ الْعَامُّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي حَقِّهِ وَحْدَهُ قُضِيَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَالزَّمِنِ بِخِلَافِ مَنْ حَجَّ أَوَّلَ مَا تَمَكَّنَ فَأُحْصِرَ مِنْ الْقَوْمِ - ثُمَّ تَحَلَّلَ وَمَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجِّ إذْ لَا يَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلًا بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ غَيْرَهُ مِثْلُهُ فِي خَوْفِ الْعَدُوِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَالِ بِالْمَالِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لِلْمُؤَنِ أَمَّا لَوْ أَرَادَ اسْتِصْحَابَ مَالٍ خَطِيرٍ لِلتِّجَارَةِ وَكَانَ الْخَوْفُ لِأَجْلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْأَمْنُ ( بِأَبْعَدِ الطَّرِيقِينَ ) إلَى مَكَّةَ ( إنْ اسْتَطَاعَهُ ) بِأَنْ وَجَدَ مَا يَقْطَعُهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ النُّسُكُ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا سِوَاهُ .

( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي حَقِّهِ وَحْدَهُ إلَخْ ) نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَجَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ هُنَا فَقَالَ مَنْ حَبَسَهُ سُلْطَانٌ أَوْ عَدُوٌّ أَوْ غَيْرُهُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْحَجُّ وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ لَازِمٌ لَهُ يُقْضَى عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْمَرِيضِ ، وَيَسْتَنِيبُ إنْ أَيِسَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ الْوُجُوبُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَقْضِي عَنْهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنُ هُوَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ نَصَّ عَلَيْهِ .
انْتَهَى ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ أَنَّهُ يُسْتَنْبَطُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ كَوْنِ الزَّوْجَةِ لَا تُحْرِمُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَخَّرَتْ لِمَنْعِ الزَّوْجِ وَمَاتَتْ قُضِيَ مِنْ تَرِكَتِهَا ، وَلَا تَعْصِي لِلْمَنْعِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَمَكَّنَتْ قَبْلَ الزَّوْجِ فَتَعْصِي قَالَ : وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا .
انْتَهَى ، وَعَبَّرَ الْأَذْرَعِيُّ هُنَا بِنَظِيرِ مَا عَبَّرَ بِهِ السُّبْكِيُّ هُنَا وَقَالَ صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ .
انْتَهَى ، وَفِي الْخَادِمِ قِيلَ : إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ إذْنُ الزَّوْجِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ وَإِنْ مَنَعَهَا الزَّوْجُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا فِي الْأُمِّ وَمَا يَشْهَدُ لَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَالَ بَعْضُهُمْ لَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ فِي الْحَصْرِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْفَرْضُ مُسْتَقِرًّا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الِاسْتِطَاعَةُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَصْرِ وَإِنْ كَانَ الْحَصْرُ خَاصًّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْخَادِمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ إنَّ الزَّوْجَةَ إنْ لَمْ تَسْتَطِعْ إلَّا بَعْدَ التَّزْوِيجِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا

يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ كَمَا نَقُولُ شَرْطُ اسْتِطَاعَتِهَا وُجُودُ الْمَحْرَمِ .
انْتَهَى وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ عَنْهُ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ حُبِسَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَنْ الْحَجِّ أَوَّلُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ لَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُهُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ حُبِسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ، فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا .
انْتَهَى فَعُلِمَ أَنَّ النَّصَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَجَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَإِنَّ الْأَصَحَّ مُقَابِلُهُ لَكِنْ فِي مَنَاسِكِ ابْنِ جَمَاعَةَ حِكَايَةُ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَنَّ الْأَصَحَّ اسْتِقْرَارُهُ عَلَيْهِ .
انْتَهَى ، ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَيَجِبُ ) النُّسُكُ ( وَلَوْ عَلَى امْرَأَةٍ بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ فِي الْبَحْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ مَسْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْبَرَّ وَسَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ بَيَانُ حُكْمِ إرْكَابِ الصَّبِيِّ وَمَالِهِ وَالْبَهِيمَةِ وَالرَّقِيقِ وَرُكُوبِ الْحَامِلِ الْبَحْرَ .

( وَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ إنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ ) لِخُصُوصِ ذَلِكَ الْبَحْرِ أَوْ لِهَيَجَانِ الْأَمْوَاجِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ( وَكَذَا لَوْ تَسَاوَيَا ) أَيْ السَّلَامَةُ وَالْهَلَاكُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ ( فَإِنْ رَكِبَهُ وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَكْثَرُ ) مِمَّا قَطَعَهُ ( فَلَهُ الرُّجُوعُ ) إلَى وَطَنِهِ ( أَوْ ) مَا بَيْنَ يَدَيْهِ ( أَقَلُّ أَوْ تَسَاوَيَا فَلَا ) رُجُوعَ لَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ التَّمَادِي لِقُرْبِهِ مِنْ مَقْصِدِهِ فِي الْأَوَّلِ وَاسْتِوَاءِ الْجِهَتَيْنِ فِي حَقِّهِ فِي الثَّانِي ، وَهَذَا بِخِلَافِ جَوَازِ تَحَلُّلِ الْمُحْرِمِ فِيمَا إذَا أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ مَحْبُوسٌ وَعَلَيْهِ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَشَقَّةٌ بِخِلَافِ رَاكِبِ الْبَحْرِ نَعَمْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا كَانَ كَالْمُحْصَرِ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ خَشِيَ الْعَضَبَ أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَضَاقَ وَقْتُهُ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ تِلْكَ السَّنَةَ أَوْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِذَلِكَ اسْتِقْرَارُ الْوُجُوبِ هُنَا ( إنْ وَجَدَ بَعْدَ الْحَجِّ طَرِيقًا آخَرَ ) فِي الْبَرِّ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ لِئَلَّا يَتَحَمَّلَ زِيَادَةَ الْخَطَرِ بِرُكُوبِ الْبَحْرِ فِي رُجُوعِهِ ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ زِيَادَتِهِ فِي صُورَةِ الْأَقَلِّ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ ( وَلَا خَطَرَ فِي الْأَنْهَارِ الْعَظِيمَةِ كَجَيْحُونَ ) وَسَيُحَوُّنَّ وَالدِّجْلَةِ فَيَجِبُ رُكُوبُهَا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ فِيهَا لَا يَطُولُ وَخَطَرُهَا لَا يَعْظُمُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي قَطْعِهَا عَرْضًا أَوْ قَطْعِهَا طُولًا فَفِيهِ نَظَرٌ ؛ إذْ هِيَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَشَدُّ خَطَرًا مِنْ الْبَحْرِ وَيُرَدُّ النَّظَرُ بِأَنَّ جَانِبَهَا قَرِيبٌ يُمْكِنُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ سَرِيعًا بِخِلَافِهِ فِي الْبَحْرِ .

( قَوْلُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ التَّمَادِي لِقُرْبِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَثْرَةِ وَالتَّسَاوِي الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ النَّظَرُ إلَى الْمَسَافَةِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْخَوْفِ فِي جَمِيعِ الْمَسَافَةِ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَا أَمَامَهُ أَقَلَّ مَسَافَةً لَكِنَّهُ أَخْوَفُ أَوْ هُوَ الْمَخُوفُ لَا يَلْزَمُهُ التَّمَادِي وَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ مَسَافَةً وَلَكِنَّهُ سَلِيمٌ وَخَلَفَ الْمَخُوفُ وَرَآهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا إلَخْ ) هَذَا مَرْدُودٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ حُكْمِ الْمُحْصَر .

( فَإِنْ كَانَ ) مَنْ يُرِيدُ النُّسُكَ ( امْرَأَةً اُشْتُرِطَ ) أَنْ يَخْرُجَ ( مَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ ) بِنَسَبٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ } وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِمَا { : لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ } وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ فِي أَبِي دَاوُد بَدَلَ الْيَوْمَيْنِ بَرِيدًا ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ كَوْنُهُمَا ثِقَتَيْنِ ، وَهُوَ فِي الزَّوْجِ وَاضِحٌ ، وَأَمَّا فِي الْمَحْرَمِ فَسَبَبُهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ وَكَالْمَحْرَمِ عَبْدُهَا الْأَمِينُ صَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وَابْنُ أَبِي الصَّيْفِ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ الْأَمْنُ عَلَى نَفْسِهَا إلَّا فِي مُرَاهِقٍ ذِي وَجَاهَةٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مَعَهُ الْأَمْنُ لِاحْتِرَامِهِ وَشَرَطَ الْعَبَّادِيُّ فِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ ( أَوْ نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ وَلَا يُشْتَرَطُ ) أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُنَّ ( مَحْرَمٌ ) أَوْ زَوْجٌ ( لِإِحْدَاهُنَّ ) لِانْقِطَاعِ الْأَطْمَاعِ بِاجْتِمَاعِهِنَّ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِغَيْرِ الثِّقَاتِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمَحَارِمِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بُلُوغُهُنَّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِخَطَرِ السَّفَرِ إلَّا أَنْ تَكُنَّ مُرَاهِقَاتٍ ، فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهِنَّ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ ثَلَاثٌ غَيْرُهَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَلَا مَعْنَى لَهُ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِاجْتِمَاعِ أَقَلِّ الْجَمْعِ ، وَهُوَ ثَلَاثٌ بِهَا .
ا هـ .
وَاعْتِبَارُ الْعَدَدِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْوُجُوبِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ ، وَإِلَّا فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ الْوَاحِدَةِ لِفَرْضِ الْحَجِّ عَلَى الصَّحِيحِ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ وَكَذَا وَحْدَهَا إذَا أَمِنَتْ ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ مَا دَلَّ مِنْ الْأَخْبَارِ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ وَحْدَهَا .

S

( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً اُشْتُرِطَ مَعَهَا زَوْجٌ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَوْ اسْتَطَاعَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا نُكِحَتْ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا الْحَجُّ حَتَّى يَأْذَنَ لَهَا الزَّوْجُ فِي السَّفَرِ ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَهُ مَنْعُهَا فَإِنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ، وَلَوْ وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى بَالِغَةٍ بِكْرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا ؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا الْمُبَادَرَةَ إلَى أَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ وَلَهَا غَرَضٌ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهُ وَهَذِهِ بِكْرٌ لَا يُجْبِرُهَا الْأَبُ إلَّا بِإِذْنِهَا .
انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَشَرَطَ الْعَبَّادِيُّ فِي الْمُحْرِمِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بُلُوغُهُنَّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَخْ ) وَصَوَّبَ ابْنُ الْعِمَادِ اعْتِبَارَ ثَلَاثٍ غَيْرَهَا وَاسْتَوْضَحَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى فِي اسْتِحْبَابِ كَوْنِ الرُّفْقَةِ أَرْبَعَةً أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ اثْنَانِ لِحَاجَةٍ بَقِيَ اثْنَانِ فَيَسْتَأْنِسَانِ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ الذَّاهِبَ وَحْدَهُ أَوْ الْمُتَخَلِّفَ إنْ ذَهَبَ اثْنَانِ يَسْتَوْحِشُ فَالنِّسْوَةُ أَوْلَى إذْ الذَّاهِبَةُ مِنْ الثَّلَاثِ لِلْحَاجَةِ وَحْدَهَا أَوْ الْمُتَخَلِّفَةُ عِنْدَ الْمَتَاعِ يُخْشَى عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْأَرْبَعِ .
انْتَهَى .
وَفِي الْخَادِمِ أَنَّ الْأَشْبَهَ اعْتِبَارُ ثَلَاثٍ غَيْرَهَا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَمَاتَ لَزِمَهَا إتْمَامُهُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَفِي مَعْنَاهُ مَنْ أُقِيمَ مَقَامَهُ وَفِي مَعْنَى مَوْتِهِ انْقِطَاعُهُ بِمَرَضٍ أَوْ أَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( قَوْلُهُ وَاعْتِبَارُ الْعَدَدِ إلَخْ ) هَذَا ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي

الْوُجُوبِ امْرَأَةٌ وَحْدَهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الْعَدَدِ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ نِسَاءٌ ثِقَاتٌ فَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْجِهَةَ لَا الْعَدَدَ ، ثُمَّ رَدَّ الْجَمْعَ السَّابِقَ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِهِ صَرَّحَ فِيهِ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهَا مَعَ الْوَاحِدَةِ وَبِأَنَّ الْجَوَازَ هُنَا لَازِمٌ لِلْوُجُوبِ فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ ، وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْأُمِّ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ ، وَقَدْ حَكَاهُ الْأَصْلُ وَالْكَلَامُ الْأَخِيرُ لَيْسَ كُلِّيًّا بَلْ أَكْثَرِيٌّ

( وَلَوْ سَافَرَتْ لِغَيْرِ فَرْضِ الْحَجِّ ) كَزِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ ( لَمْ يَجُزْ مَعَ النِّسْوَةِ ) لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ سَفَرٌ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ الْحَجِّ كَانَ أَوْلَى فَقَدْ حَمَلَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَخْبَارَ السَّابِقَةَ عَلَى الْأَسْفَارِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ قَالَ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ بِبَلَدٍ لَا قَاضِيَ بِهِ ، وَادُّعِيَ عَلَيْهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَيَّامٍ لَزِمَهَا الْحُضُورُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ مَعَهَا امْرَأَةٌ وَيَلْزَمُهَا أَيْضًا الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ كَانَتْ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّ خَوْفَهَا ثَمَّ أَكْثَرُ مِنْ خَوْفِ الطَّرِيقِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْمَحْرَمِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِسْوَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ كَأَخَوَاتِهِ وَعَمَّاتِهِ جَازَ وَإِنْ كُنَّ أَجْنَبِيَّاتٍ فَلَا ؛ لِأَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهِنَّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ .
ا هـ .
وَقَالَ قَبْلَ هَذَا بِيَسِيرٍ : الْمَشْهُورُ جَوَازُ خَلْوَةِ رَجُلٍ بِنِسْوَةٍ لَا مَحْرَمَ لَهُ فِيهِنَّ لِعَدَمِ الْمَفْسَدَةِ غَالِبًا ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَحْيِينَ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا فِي ذَلِكَ مُعْتَرِضًا بِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ عَنْ مِثْلِهِ فِي الْخُنْثَى الْمُلْحَقِ بِالرَّجُلِ احْتِيَاطًا .

( قَوْلُهُ كَزِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ ) أَيْ وَحَجِّ تَطَوُّعٍ ، وَلَوْ تَطَوَّعَتْ بِحَجٍّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَلَهَا إتْمَامُهُ ( قَوْلُهُ لَزِمَهَا الْحُضُورُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ ) قَالَ شَيْخُنَا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ ، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْإِحْصَارَ عِنْدَ الِاسْتِعْدَاءِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَهَا ، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا سَمِعَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ الْحَقُّ ثُمَّ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ لِوَفَائِهِ ( قَوْلُهُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ خَافَ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِي حَقِّهِ مَنْ يَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَقَوْلُهُ فَيَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَإِنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ رُصَدِي ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِهَا ، وَهُوَ مَنْ يَرْقُبُ النَّاسَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَالًا عَلَى الْمَرَاصِدِ ( لَمْ يَجِبْ ) نُسُكٌ ( وَإِنْ رَضِيَ بِالْيَسِيرِ ) لِمَا مَرَّ ، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُعْطِي لَهُ هُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَجَبَ ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَسَكَتَ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِلْمِنَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ بَلْ الْقِيَاسُ الْوُجُوبُ كَمَا يَجُوزُ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِهِ لِلْمِنَّةِ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَالْمَدْفُوعُ عَنْهُ هُنَا لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ وَإِنَّمَا سَبِيلُ هَذَا سَبِيلُ دَفْعِ الصَّائِلِ فِيهِ نَظَرٌ ( وَيُكْرَهُ إعْطَاؤُهُ ) أَيْ الرَّصَدَيْ مَالًا إذْ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الطَّلَبِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ كَرَاهَةُ الْإِعْطَاءِ لِلرَّصَدِيِّ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي فِي بَابِ مَوَانِعِ إتْمَامِ الْحَجِّ مِنْ تَخْصِيصِهَا بِالْكَافِرِ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِعْطَاءُ الْمَالِ أَسْهَلُ مِنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهَذَا قَبْلَهُ فَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ لِارْتِكَابِ الذُّلِّ .
( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُعْطَى لَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَإِنْ خَافُوا ) أَيْ مُرِيدُو الْخُرُوجِ لِلنُّسُكِ ( قِتَالَ كُفَّارٍ يُطِيقُونَهُمْ اُسْتُحِبَّ ) لَهُمْ ( الْخُرُوجُ ) لِذَلِكَ وَيُقَاتِلُونَهُمْ لِيَنَالُوا ثَوَابَ النُّسُكِ وَالْجِهَادِ ( أَوْ ) خَافُوا قِتَالَ ( مُسْلِمِينَ فَلَا ) يُسْتَحَبُّ لَهُمْ ذَلِكَ ( وَلَوْ وَجَدُوا خَفِيرًا ) أَيْ مُجِيرًا ( يَأْمَنُونَ مَعَهُ أَوْ ) وَجَدَتْ ( الْمَرْأَةُ وَلِيًّا ) أَوْ نَحْوَهُ ( بِأُجْرَةٍ ) أَيْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ( لَزِمَهُمْ ) إخْرَاجُهَا ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُهَبِ النُّسُكِ فَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا أَنْ طُلِبَتْ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخَفَارَةِ بِتَثْلِيثِ الْخَاءِ هُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَصَحَّحَاهُ ، وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ لُزُومِ أُجْرَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا خُسْرَانٌ لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَلِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَتُهُ فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَلَا يَجِبُ النُّسُكُ مَعَ طَلَبِهَا ، وَنَقَلَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ ثُمَّ قَالَ : فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْخَفَارَةِ مَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيُّ فِي الْمَرَاصِدِ وَهَذَا لَا يَجِبُ الْحَجُّ مَعَهُ بِلَا خِلَافٍ فَلَا يَكُونُونَ مُتَعَرِّضِينَ لِمَسْأَلَةِ الْإِمَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونُ خِلَافَ مَا قَالَهُ لَكِنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ فِي الدَّلِيلِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ وُجُوبَ الْحَجِّ وَقَدْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ مَعَ اطِّلَاعِهِمَا عَلَى عِبَارَةِ الْأَصْحَابِ الَّتِي ذَكَرْتهَا وَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ : ظَاهِرٌ فِي الدَّلِيلِ وَإِنْ أَشْعَرَتْ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ بِخِلَافِهِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَقَدْ أَجَابَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ فِي التَّصْحِيحِ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ النَّصِّ .

( قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلِيًّا أَوْ نَحْوَهُ بِأُجْرَةٍ إلَخْ ) أُجْرَةُ الزَّوْجِ كَالْمَحْرَمِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَفِي تَهْذِيبِ ابْنِ النَّقِيبِ وَجَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّ النِّسْوَةَ الثِّقَاتِ كَالْمَحْرَمِ فِي الْأُجْرَةِ ، وَفِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ الْمُتَّجَهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِرْشَادُ حَيْثُ أَخَّرَ قَوْلَهُ ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ عَنْ ذِكْرِ النِّسْوَةِ خِلَافًا لِأَصْلِهِ وَقَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ إنَّهُ الْمُتَّجَهُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ الْأَقْرَبُ مَنْعُ لُزُومِهَا لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْمَحْرَمِ بَعِيدٌ س وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ أُجْرَةِ الزَّوْجِ مَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ بَلْ لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ عَنْهَا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الدَّلِيلِ إلَخْ ) وَكَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .

( فَرْعٌ وَلَيْسَ غَلَاءُ الْأَسْعَارِ فِي الطَّرِيقِ عُذْرًا ) فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ ( إنْ بَاعُوا بِثَمَنِ الْمِثْلِ اللَّائِقِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبُوا زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لِعِظَمِ الْمُؤْنَةِ

( وَيَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَفَازَةِ الْمُعْتَادَةِ ) أَيْ الْمُعْتَادِ حَمْلُهَا فِيهَا ( لَا ) حَمْلُ ( عَلَفِ الدَّابَّةِ ) فَلَا يَجِبُ بَلْ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ لِعِظَمِ تَحَمُّلِ الْمُؤْنَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْعَادَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ سُلَيْمٌ وَغَيْرُهُ ( فَإِنْ عَدِمَ ) ذَلِكَ ( فِي ) بَعْضِ ( الْمَرَاحِلِ ) الَّتِي يُعْتَادُ حَمْلُهُ مِنْهَا ( رَجَعَ ) إلَى وَطَنِهِ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ وُجُوبِ النُّسُكِ فَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهِ وُجُودُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ جَهِلَ الْمَانِعَ ) لِلْوُجُوبِ مِنْ وُجُودِ عَدُوٍّ أَوْ عَدَمِ زَادٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ( وَثَمَّ أَصْلٌ اُسْتُصْحِبَ ) فَيَعْمَلُ بِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَصْلٌ ( وَجَبَ الْخُرُوجُ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَانِعِ ( وَيَتَبَيَّنُ اللُّزُومُ ) لِلْخُرُوجِ ( بِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْمَانِعِ ) فَلَوْ ظَنَّ كَوْنَ الطَّرِيقِ فِيهِ مَانِعٌ فَتَرَكَ الْخُرُوجَ ثُمَّ بَان أَنْ لَا مَانِعَ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ
قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي إلَخْ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ ، وَلَا شَكَّ فِيهِ وَعِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي إيضَاحِهِ وَوُجُودُ الْعَلَفِ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ

( فَرْعٌ يُشْتَرَطُ ) لِلْوُجُوبِ ( خُرُوجُ رُفْقَةٍ ) مَعَهُ ( وَقْتَ الْعَادَةِ ) أَيْ عَادَةِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ ( لَا ) إنْ خَرَجَتْ ( قَبْلَهَا ) أَيْ قَبْلَ وَقْتِ الْعَادَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَعْظُمُ وَكَذَا إنْ خَرَجَتْ بَعْدَهُ بِأَنْ أَخَّرَتْ الْخُرُوجَ بِحَيْثُ لَا تَبْلُغُ مَكَّةَ إلَّا بِأَنْ تَقْطَعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَكْثَرُ مِنْ مَرْحَلَةٍ لِتَضَرُّرِهِ ، وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ مَفْهُومَانِ مِنْ قَوْلِهِ وَقْتَ الْعَادَةِ يُعْتَبَرُ فِي اللُّزُومِ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا مَعَهُ ( بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ ) فَلَوْ كَانَتْ تَسِيرُ فَوْقَ الْعَادَةِ لَمْ يَلْزَمُهُ لِتَضَرُّرِهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ خُرُوجُهَا مَعَهُ ( إنْ اُحْتِيجَتْ ) أَيْ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِدَفْعِ الْخَوْفِ ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ لَا يَخَافُ الْوَاحِدُ فِيهَا لَزِمَهُ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الرُّفْقَةِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْوَحْشَةِ بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فِي التَّمِيمِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِمَا هُنَا بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ النَّظَرِ إلَيْهَا هُنَا أَيْضًا كَمَا اعْتَبَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِخِلَافِ كَلَامِ أَصْلِهِ .
( قَوْلُهُ بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ وَغَيْرِهِ إلَخْ ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُ الْحَجِّ بِالْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ كَالْجُمُعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَرْكَ الْوُضُوءِ لِخَشْيَةِ الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ وَتَرْكَ الْجُمُعَةِ لِذَلِكَ لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَالْإِتْيَانُ بِالظُّهْرِ وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَا بَدَلَ لَهُ ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ ، وَهُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَالْحَجِّ فِي بَيْعِ الْمَسْكَنِ قَالَ فِي التَّوَسُّطِ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ إلَخْ ) كَلَامُهُ لَا يَقْتَضِيهِ .

الْأَمْرُ ( الرَّابِعُ الْبَدَنُ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْمَرْكُوبِ ) ، وَلَوْ فِي مَحْمِلٍ أَوْ كَنِيسَةٍ ( بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ) فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فِي مَحْمِلٍ أَوْ كَنِيسَةٍ عَلَى مَا مَرَّ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ النُّسُكُ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ انْتَفَتْ عَنْهُ الْمَشَقَّةُ فِيمَا ذَكَرَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ النُّسُكُ كَمَا مَرَّ .

( ثُمَّ الْقَائِدُ لِلْأَعْمَى وَحَافِظُ النَّفَقَةِ لِلسَّفِيهِ ) فِي الطَّرِيقِ ( كَالْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ ) فَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ النُّسُكِ الْقُدْرَةُ عَلَى أُجْرَتِهِمَا إنْ طَلَبَتْ وَقَوْلُهُ لِلسَّفِيهِ أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ حُكْمَ حَافِظِ نَفَقَتِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ تَفَقُّهًا
( قَوْلُهُ ثُمَّ الْقَائِدُ لِلْأَعْمَى إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لِيَنْظُرَ فِي الْأَعْمَى الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ يَمْشِي بِالْعَصَا وَحْدَهُ هَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا سَبَقَ فِيهِ فِي الْجُمُعَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ عَنْ مَكَانِ الْجُمُعَةِ فِي الْغَالِبِ هُنَا أَوَّلًا لِعَدَمِ التَّكَرُّرِ ، وَمِنْ الْعُمْيَانِ مَنْ يُسَافِرُ الْمَرَاحِلَ الْكَثِيرَةَ فِي أَغْرَاضِهِ بِلَا قَائِدٍ ( قَوْلُهُ وَحَافِظُ النَّفَقَةِ لِلسَّفِيهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ذَكَرَا فِي الْوَصَايَا وَغَيْرِهَا أَنَّ الْوَلِيَّ يَدْفَعُ إلَى السَّفِيهِ نَفَقَةَ أُسْبُوعٍ فَأُسْبُوعٍ إذَا كَانَ لَا يُتْلِفُهَا فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ مُدَّةُ حَجِّهِ أُسْبُوعًا فَأَقَلَّ دَفَعَ نَفَقَتَهُ إلَيْهِ إذَا كَانَ لَا يُتْلِفُهَا ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى مَنْصُوبٍ ، وَلَا خُرُوجٍ مَعَهُ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ نَعَمْ إنْ كَانَ أَمْرَدَ وَضِيئًا خَرَجَ مَعَهُ .

( وَلَا يُحْلِلْ الْوَلِيُّ السَّفِيهَ مِنْ الْفَرْضِ ) حَجًّا أَوْ عُمْرَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ إلَى فَرَاغِهِ ( وَلَا ) يُحْلِلْهُ ( مِنْ تَطَوُّعٍ أَحْرَمَ بِهِ أَوْ ) مِنْ ( نَذْرٍ ) أَيْ نُسُكٍ مَنْذُورٍ ( نَذَرَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ ) عَلَيْهِ فِيهِمَا وَإِنْ أَحْرَمَ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَهُ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ فِيهَا وَكَوْنُهُ فِي حُكْمِ الرَّشِيدِ حَالَ الْإِحْرَامِ فِي الْأُولَى ( لَا ) إنْ أَحْرَمَ فِي الْأُولَى أَوْ نَذَرَ فِي الثَّانِيَةِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْحَجْرِ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ بِأَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْإِتْمَامِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْإِحْرَامِ ( إلَّا إنْ كَفَتْهُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ أَوْ تَمَّمَهَا بِكَسْبِهِ ) فِي طَرِيقِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِلْمَالِ مُمْكِنٌ قَالَ فِي الْمَطَالِبِ وَفِيهِ فِي مَسْأَلَةِ كَسْبِهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ عَمَلُهُ مَقْصُودًا بِالْأُجْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِهِ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إتْلَافًا لِمَنَافِعِهِ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ حَاصِلًا ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهُ مَعَ غِنَاهُ بِخِلَافِ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِ الْوَلِيِّ ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَعْدُ فَقَالَ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ فَلَا يُعَدُّ مِنْ الْأَمْوَالِ كَمَا لَوْ أَصْدَقَ الْأَبُ عَنْ ابْنِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْلُ ، وَلَا غَيْرُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ التَّطَوُّعِ فَذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ قِيَاسًا عَلَى تِلْكَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ ، وَلَا تَمَّمَهَا بِكَسْبِهِ ( مَنَعَهُ ) صِيَانَةً لِمَالِهِ ، وَهَذَا مُكَرَّرٌ لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ لَا بَعْدَهُ ( وَتَحَلَّلَ ) السَّفِيهُ جَوَازًا ( بِالصَّوْمِ ) إذَا مَنَعَهُ الْوَلِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَالِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ؛

لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ كَمَا سَيَأْتِي .
( قَوْلُهُ ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَعْدُ إلَخْ ) كَلَامُهُمَا عَجَبٌ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ يَكْسِبُ فِي طَرِيقِهِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ ع

( فَإِنْ أَفْسَدَ فَرْضَهُ فَهَلْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ) الْوَلِيُّ ( فِي الْقَضَاءِ ) أَوْ لَا ( قَوْلَانِ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْحَجْرِ وَجْهَانِ : وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ فَرْضٌ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ إفْسَادُهُ وَرَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ لِمَا مَرَّ مَعَ كَوْنِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ .
( قَوْلُهُ وَرَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ ) هُوَ الْأَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ

الْأَمْرُ ( الْخَامِسُ إمْكَانُ السَّيْرِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى ) مِنْ الزَّمَانِ بَعْدَ وُجُودِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَسَائِرِ مَا مَرَّ ( زَمَانٌ يَسَعُ الْمُعْتَادَ إلَى الْحَجِّ ) فَلَوْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَقْطَعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَكْثَرُ مِنْ مَرْحَلَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ فَإِمْكَانُ السَّيْرِ شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَصَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ - لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ لِيَجِبَ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ

وَيُشْتَرَطُ أَمْرٌ سَادِسٌ صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِيجَابِ فِي الْوَقْتِ فَلَوْ اسْتَطَاعَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ افْتَقَرَ قَبْلَ شَوَّالٍ فَلَا اسْتِطَاعَةَ وَكَذَا لَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ حَجِّهِمْ وَقَبْلَ الرُّجُوعِ لِمَنْ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الذَّهَابُ وَالْإِيَابُ كَمَا سَيَأْتِي .

( وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ بِالْغَيْرِ فَالْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ ) أَوْ الْعُمْرَةِ ، وَلَوْ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا أَوْ تَطَوُّعًا ( بِالْمَوْتِ أَوْ عَنْ الرُّكُوبِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لِكِبَرٍ أَوْ زَمَانَةٍ يَحُجُّ عَنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ كَمَا تَكُونُ بِالنَّفْسِ تَكُونُ بِبَذْلِ الْمَالِ وَطَاعَةِ الرِّجَالِ ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْبِنَاءَ إنَّكَ مُسْتَطِيعٌ لِبِنَاءِ دَارِكَ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ يَزِيدَ { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ ، وَلَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ : حُجِّي عَنْهَا } وَرَوَى الشَّيْخَانِ { أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ نَعَمْ } وَذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ { أَنَّ أَبَا رَزِينٍ الْعُقَيْلِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ ، وَلَا الْعُمْرَةَ ، وَلَا الظَّعْنَ قَالَ حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ } ( وَإِنْ بَرِئَ الزَّمِنُ ) مِنْ عِلَّتِهِ بَعْدَ حَجِّ النَّائِبِ عَنْهُ ( لَمْ يُجْزِهِ ) اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( وَيَقَعُ ) الْحَجُّ ( لِلْأَجِيرِ ) تَطَوُّعًا وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَا أُجْرَةَ لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ ( وَلَا تَصِحُّ اسْتِنَابَةٌ عَمَّنْ لَزِمَهُ ) الْحَجُّ ( ثُمَّ جُنَّ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفِيقُ فَيَحُجُّ بِنَفْسِهِ فَلَوْ اسْتَنَابَ عَنْهُ وَلِيَّهُ ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ عَضْبٌ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِفَاقَةِ لَمْ يُجْزِهِ ( وَلَا عَنْ مَرِيضٍ ) يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ ( وَإِنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ بِالْمَوْتِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ مُبَاشَرَتُهُ لَهُ ( وَيَصِحُّ كَوْنُ الْأَجِيرِ ) فِيمَا ذَكَرَ ( عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا لَا فِي الْفَرْضِ ، وَلَوْ نَذْرًا ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ فِي ذَاكَ دُونَ هَذَا .

قَوْلُهُ وَإِنْ بَرِئَ الزَّمِنُ إلَخْ ) أَوْ حَضَرَ عَرَفَةَ وَمَكَّةَ فِي سَنَةِ حَجِّ أَجِيرِهِ

( فَرْعٌ لَا يُحَجُّ عَنْ الْمَعْضُوبِ ) أَيْ الْمَأْيُوسِ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الْعَضْبِ ، وَهُوَ الْقَطْعُ كَأَنَّهُ قُطِعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ وَيُقَالُ بِالْمُهْمَلَةِ كَأَنَّهُ قُطِعَ عَصَبُهُ أَوْ ضُرِبَ ( بِغَيْرِ إذْنِهِ ) بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ ، وَهُوَ أَهْلٌ لَهَا وَلِلْإِذْنِ ، وَيَصِحُّ الِاسْتِنَابَةُ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ ( لَا فِي تَطَوُّعٍ لَمْ يُوصِ بِهِ ) إذْ لَا اضْطِرَارَ إلَى الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ وَقِيلَ تَصِحُّ مِنْ الْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ فِي الْوَصِيَّةِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ الْمَنْعَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ( وَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ دَيْنِهِ ) مِنْ وَارِثٍ وَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ إذَا خَلَّفَ الْمَيِّتُ تَرِكَةً ( أَنْ يَسْتَنِيبَ عَنْهُ ) فِي الْحَجِّ ( عِنْدَ اسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ ) وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟ فَقَالَ : لَوْ كَانَ عَلَى أُخْتِك دَيْنٌ أَكُنْت قَاضِيهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ فَاقْضُوا حَقَّ اللَّهِ فَهُوَ أَحَقُّ الْقَضَاءِ } .
فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً اُسْتُحِبَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَإِنْ حَجَّ هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِاسْتِئْجَارٍ سَقَطَ الْحَجُّ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمَيِّتِ الْمُرْتَدُّ فَلَا يُنَابُ عَنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَذَكَرَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ احْتِمَالَيْنِ : أَحَدُهُمَا يُنَابُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا تَخْرُجُ مِنْهَا الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالثَّانِي لَا ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَوْ صَحَّتْ لَوَقَعَتْ عَنْ الْمَنُوبِ عَنْهُ ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ هُنَا

( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ جَازَتْ النِّيَابَةُ فِي فَرْضِهَا جَازَتْ النِّيَابَةُ فِي نَفْلِهَا كَالصَّدَقَةِ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَصِحُّ مِنْ الْوَارِثِ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخَانِ وَفِي إيرَادِهِ تَجْوِيزُ الْإِنَابَةِ لَهُ وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ بِلَا وَصِيَّةٍ وَنُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ الِاتِّفَاقُ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ حِينَئِذٍ قَالَا ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَجَّ ، وَلَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ فَفِي الْإِحْجَاجِ عَنْهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ كَالتَّطَوُّعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِوُقُوعِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ .
ا هـ وَالْمُرَجَّحُ جَوَازُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ .

( وَعَلَى الْمَعْضُوبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ) مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ لِمَا مَرَّ نَعَمْ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ ( وَلَوْ ) كَانَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِالْإِجَارَةِ ( أَجِيرًا مَاشِيًا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِ الْأَجِيرِ ( فَاضِلَةً عَنْ الدَّيْنِ وَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ وَكَذَا الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ ) لَهُ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ كِسْوَتُهُمْ وَنَفَقَتُهُمْ ( لَكِنْ يَوْمَ الِاسْتِئْجَارِ فَقَطْ ) لَا ذَهَابًا وَإِيَابًا كَمَا فِي الْفِطْرَةِ بِخِلَافِ مَنْ يَحُجُّ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفَارِقْ أَهْلَهُ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُ نَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ ( وَلَوْ وَجَدَ دُونَ الْأُجْرَةِ وَرَضِيَ بِهِ ) الْأَجِيرُ ( لَزِمَهُ ) الِاسْتِئْجَارُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ ، وَالْمِنَّةُ فِيهِ لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ فِي الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِمَالِ الْغَيْرِ وَلَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِبَدَنِهِ فِي اشْتِغَالِهِ ( وَلَوْ لَمْ يَجِدْ ) أُجْرَةً ( وَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يَلْزَمُهُ ) قَبُولُهَا ( وَلَوْ مِنْ وَلَدٍ ) لِعِظَمِ الْمِنَّةِ لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ الْمُطِيعُ عَاجِزًا عَنْ الْحَجِّ أَيْضًا وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَبَذَلَ لَهُ ذَلِكَ وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْمَبْذُولِ لَهُ وَجْهًا وَاحِدًا .
وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُطِيعُ إنْسَانًا لِيَحُجَّ عَنْ الْمَعْضُوبِ فَالْمَذْهَبُ لُزُومُهُ إنْ كَانَ وَلَدًا لِتَمَكُّنِهِ فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَوَجْهَانِ .
ا هـ .
وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لُزُومُهُ وَكَلَامُ الْبَغَوِيّ عَدَمُ لُزُومِهِ وَاعْتَمَدَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَالْوَلَدِ فِي هَذَا الْوَالِدُ ( وَإِنْ أَطَاعَهُ ) فِي الْحَجِّ عَنْهُ ( فَرْعُهُ وَكَذَا أَصْلُهُ وَالْأَجْنَبِيُّ وَوَثِقَ بِهِمْ ) ، وَلَمْ يَكُنْ

عَلَيْهِمْ حَجٌّ وَكَانُوا مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُمْ فَرْضُ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعْضُوبِينَ ( لَزِمَهُ ) الْقَبُولُ بِالْإِذْنِ لَهُمْ فِيهِ لِحُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ ( وَعَلَيْهِ أَمْرُ وَلَدٍ تَوَسَّمَ ) مِنْهُ ( طَاعَتَهُ ) بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ لِذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْوَلَدَ وَالْأَجْنَبِيَّ لَيْسَا كَذَلِكَ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُمَا كَذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ ( فَلَوْ كَانَ الِابْنُ ) وَإِنْ سَفَلَ ( أَوْ الْأَبُ ) وَإِنْ عَلَا ( مَاشِيًا أَوْ مُعَوِّلًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ السُّؤَالِ ) ، وَلَوْ رَاكِبًا ( أَوْ ) كَانَ ( الْأَجْنَبِيُّ ) وَلَوْ رَاكِبًا ( مُغَرِّرًا بِنَفْسِهِ ) بِأَنْ كَانَ يَرْكَبُ مَفَازَةً وَلَيْسَ بِهَا كَسْبٌ ، وَلَا سُؤَالٌ ( لَمْ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ ) لِمَشَقَّةِ مَشْيِ مَنْ ذُكِرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَشْيِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَالْكَسْبُ قَدْ يَنْقَطِعُ وَالسَّائِلُ قَدْ يُرَدُّ وَالتَّغْرِيرُ بِالنَّفْسِ حَرَامٌ وَشُمُولُ الْمُعَوِّلِ وَالْمُغَرِّرِ بِنَفْسِهِ لِلرَّاكِبِ وَالتَّرْجِيحُ بِحُكْمِ التَّعْوِيلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَتَخْصِيصُ حُكْمِ التَّعْوِيلِ بِالِابْنِ وَالْأَبِ وَالتَّقْرِيرِ بِالْأَجْنَبِيِّ مِنْ تَصَرُّفِهِ .
وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِهِ وَكَالِابْنِ وَالْأَبِ الْبِنْتُ وَالْأُمُّ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَمِثْلُهُمَا مُولِيَتُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْأَبْعَاضِ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الْمِرْأَةَ الْقَادِرَةَ عَلَى الْمَشْيِ لَوْ أَرَادَتْ الْحَجَّ مَاشِيَةً كَانَ لِوَلِيِّهَا مَنْعُهَا مِنْ الْمَشْيِ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْمَشْيِ وَالْكَسْبِ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لَا يُعْذَرُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ الْقَبُولِ فِي الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ ( وَلَوْ رَجَعَ الْمُطِيعُ ) عَنْ طَاعَتِهِ ( قَبْلَ الْإِحْرَامِ ) أَيْ إحْرَامِهِ ( جَازَ ) ، وَلَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الشُّرُوعُ ( لَا بَعْدَهُ ) لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ رُجُوعُهُ الْجَائِزُ

قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَهْلُ بَلَدِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُطَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .

( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ إلَخْ ) مَنْ انْتَهَى حَالُهُ لِشِدَّةِ الضَّنَى إلَى حَالَةٍ لَا يُحْتَمَلُ مَعَهَا الْحَرَكَةُ بِحَالٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ وَقَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَجِدُ أُجْرَةً وَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا ) قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بَذْلَ الْأُجْرَةِ غَيْرُ لَازِمِ قَبُولُهَا مُطْلَقًا ، وَلَوْ مِنْ مَعْضُوبٍ وَاسْتِدْرَاكُ الْكِفَايَةِ اُسْتُفِيدَ بِهِ أَنَّ بَذْلَ الْوَلَدِ الْمَعْضُوبِ الطَّاعَةَ فِي الِاسْتِئْجَارِ يَقْتَضِي اللُّزُومَ لَا أَنَّهُ يَدْفَعُ الْأُجْرَةَ لِلْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ يَعْقِدُهُ بِإِذْنِهِ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ بَعْدَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَضْبَ فِي الْبَاذِلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَوْ كَانَ قَوِيًّا فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَجَبَ عَلَى الْمَبْذُولِ لَهُ إلَخْ ) الْقَبُولُ أَيْ الْإِذْنُ فِي الْحَجِّ قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْبَغَوِيّ لُزُومُهُ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ حَجٌّ ) شَمَلَ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ وَحَجَّ النَّذْرِ ( قَوْلُهُ وَكَانُوا مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُمْ فَرْضُ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا مَوْثُوقًا بِهِ بِأَنْ يَثِقَ هُوَ بِوِفَائِهِ ( قَوْلُهُ ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعْضُوبِينَ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْضُوبٍ تَابَعَهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ فَقِيرًا فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا يُمْكِنُهُ الِاسْتِئْجَارُ عَنْهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ إذَا كَانَ ابْنًا ، ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَحَكَى فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ نَحْوَهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَزَادَ فَحَكَى فِي الْأَجْنَبِيِّ وَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَعَلَّلَ عَدَمَ اللُّزُومِ بِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ بَذْلُ الْمَالِ .
انْتَهَى وَاعْتَرَضَ فِي التَّوَسُّطِ عَلَى قَوْلِهِ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ فَقِيرًا إلَى آخِرِهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَذْلِهِ الطَّاعَةَ لِيَحُجَّ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا اسْتِئْجَارُهُ مَنْ يَحُجُّ عَنْ أَبِيهِ

فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ بَذْلَ الطَّاعَةِ أَعَمُّ مِنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَاسْتِئْجَارِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ( قَوْلُهُ وَتَخْصِيصُ حُكْمِ التَّعْوِيلِ بِالِابْنِ إلَخْ ) وَنِعْمَ التَّصَرُّفُ فَأَفَادَ أَنَّ تَعْوِيلَ الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ السُّؤَالِ أَوْ كَوْنِهِ مَاشِيًا مَانِعٌ مِنْ لُزُومِ الْقَبُولِ وَأَنَّ التَّغْرِيرَ بِالنَّفْسِ مَانِعٌ ، وَلَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ .

( وَلَوْ امْتَنَعَ ) الْمَعْضُوبُ ( مِنْ الِاسْتِئْجَارِ ) لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ( أَوْ ) مِنْ ( اسْتِنَابَةِ الْمُطِيعِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَاكِمُ ) بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ وَالِاسْتِنَابَةُ وَاجِبَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ فِي حَقِّ مَنْ عَضَبَ مُطْلَقًا فِي الْإِنَابَةِ وَبَعْدَ يَسَارِهِ فِي الِاسْتِئْجَارِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْإِنَابَةِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُهُ بِهَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَهُوَ لَا يَسْتَقِيمُ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهِ وَالْمُدْرَكُ فِي الْإِنَابَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَاحِدٌ ( وَإِنْ مَاتَ الْمُطِيعُ ) أَوْ الْمُطَاعُ ( أَوْ رَجَعَ ) الْمُطِيعُ ( عَنْ الطَّاعَةِ ) فَإِنْ كَانَ ( بَعْدَ إمْكَانِ الْحَجِّ ) سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْمُطَاعُ أَمْ لَا كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ ( اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ ) فِي ذِمَّةِ الْمُطَاعِ ، وَإِلَّا فَلَا فَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ الِاسْتِقْرَارَ بِقَبْلِ الْإِذْنِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَوَجْهُ الِاسْتِقْرَارِ أَنَّ الْمَوْتَ وَالرُّجُوعَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ كَتَلَفِ الْمَالِ بَعْدَهُ وَفِي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِقْرَارَ إنَّمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُطِيعِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ كَيْفَ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ جَوَازِ الرُّجُوعِ كَمَا مَرَّ وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الرُّجُوعِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ ( وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ مُطِيعٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُطِيعُ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِطَاعَتِهِ ( وَجَبَ ) عَلَيْهِ الْحَجُّ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا يَجِبُ بِحَالٍ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ ، وَلَا اسْتِطَاعَةَ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَالِ وَالطَّاعَةِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الرَّوْضَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ بَذَلَ لِأَبَوَيْهِ فَقَبِلَا لَزِمَهُ وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ

لَا يَجُوزُ لِلْمُطِيعِ الرُّجُوعُ قَبْلَ إحْرَامِهِ ، وَقَدْ مَرَّ خِلَافُهُ وَفَرَّعَ الدَّارِمِيُّ عَلَى مَا قَالَهُ فَقَالَ وَإِذَا حَجَّ الِابْنُ عَنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ مَاتَ فَفِي وُجُوبِ حَجِّهِ عَنْ الْآخَرِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَحُجُّ عَنْهُ وَجْهًا وَاحِدًا .
( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَهُوَ لَا يَسْتَقِيمُ إلَخْ ) اعْتِرَاضُهُ فِي الْخَادِمِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَرَادَ هُنَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الِاسْتِئْجَارِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ اسْتَأْجَرَ عَنْهُ فَمُرَادُهُ التَّرْتِيبُ لَا التَّخْيِيرُ إذْ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَنُوبُ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَالِامْتِنَاعِ ثَانِيهِمَا قَوْلُهُ وَإِنَّ كَلَامَ النَّوَوِيِّ لَا يَسْتَقِيمُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَاكَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَلَامُ النَّوَوِيِّ هُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ بَذَلَ لِأَبَوَيْهِ فَقَبِلَا لَزِمَهُ إلَخْ ) قَالَ وَإِذَا قَبِلَ الْأَبُ الْبَذْلَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ انْتَهَى قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الرُّجُوعِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ صَفْحَةٍ وَصَحَّحَ جَوَازَ الرُّجُوعِ قَالَ فِي التَّوَسُّطِ إنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا قَبِلَ الْأَبُ الْبَذْلَ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ .

( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا طَلَبَ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ إنْ يَحُجَّ عَنْهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ إجَابَتُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ إعْفَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَا عَلَى الْوَالِدِ بِامْتِنَاعِ وَلَدِهِ مِنْ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلشَّرْعِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ لَا يَأْثَمُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ لِحَقِّ الْوَلَدِ وَضَرَرُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ .

( فَصْلٌ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ ) وَهِيَ قَدْرُ الْكِفَايَةِ كَمَا يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ وَذَلِكَ بِأَنَّ يَقُولَ حُجَّ عَنِّي وَأُعْطِيك النَّفَقَةَ أَوْ وَأَنَا أُنْفِقُ عَلَيْك وَاغْتُفِرَ فِيهِ جَهَالَتُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إجَارَةً ، وَلَا جَعَالَةً وَإِنَّمَا هُوَ إرْزَاقٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَرْزُقُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْأَذَانِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْقُرَبِ فَهُوَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ذَاكَ بِالْعَمَلِ ، وَهَذَا بِالرِّزْقِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ ( فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ بِهَا ) أَيْ بِالنَّفَقَةِ كَأَنْ قَالَ : اسْتَأْجَرْتُك لِلْحَجِّ بِنَفَقَتِك أَوْ حُجَّ عَنِّي بِهَا ( لَمْ يَصِحَّ ) لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ ( وَالِاسْتِئْجَارِ ) فِيمَا ذَكَرَ ( ضَرْبَانِ اسْتِئْجَارُ عَيْنٍ وَاسْتِئْجَارُ ذِمَّةٍ فَالْأَوَّلُ كاستأجرتك لِتَحُجَّ عَنِّي أَوْ عَنْ مَيِّتِي هَذِهِ السَّنَةَ ) ، وَلَوْ قَالَ لِتَحُجَّ بِنَفْسِك كَانَ تَأْكِيدًا ( فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهَا ) أَيْ غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى ( لَمْ يَصِحَّ ) الْعَقْدُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلشَّهْرِ الْقَابِلِ ( وَإِنْ أَطْلَقَ ) الْعَقْدَ عَنْ تَقْيِيدِهِ بِالسَّنَةِ الْأُولَى صَحَّ وَ ( حُمِلَ عَلَى ) السَّنَةِ ( الْحَاضِرَةِ ) فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ لِلتَّعْيِينِ وَالْحَمْلِ إذَا كَانَ يَصِلُ إلَى مَكَّةَ فِيهَا ( فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ مَكَّةَ إلَّا لِسَنَتَيْنِ ) فَأَكْثَرَ وَفِي نُسْخَةٍ لِسِنِينَ بِالْجَمْعِ ( فَمِنْ الْأُولَى ) يَعْنِي فَالْأُولَى مِنْ سِنِي إمْكَانِ الْوُصُولِ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ لِذَلِكَ .
( وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قُدْرَةُ الْأَجِيرِ عَلَى الشُّرُوعِ ) فِي الْعَمَلِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مَنْ لَمْ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لِمَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لِلْعَجْزِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ ( وَيُشْتَرَطُ ) لَهَا ( اتِّسَاعُ الْمُدَّةِ ) لِلْعَمَلِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ إذَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا لَا يَسَعُ إدْرَاكَ الْحَجِّ لِذَلِكَ ( وَلَوْ انْتَظَرُوا خُرُوجَ الْقَافِلَةِ ) الَّتِي يَخْرُجُونَ مَعَهَا مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الِاسْتِئْجَارِ حَالَ الْخُرُوجِ الْمُعْتَادِ ( لَمْ يَضُرَّ )

لِضَرُورَةِ السَّفَرِ مَعَهَا ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ جَرَى هُنَا عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بَعْدُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ الِاسْتِئْجَارُ حَالَةَ الْخُرُوجِ ( وَالْمَكِّيُّ ) وَنَحْوُهُ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ فِي سَنَتِهِ إذَا أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِهِ ( يُسْتَأْجَرُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ) ، وَلَوْ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهَا إذَا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى شَرْطِ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ ( وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ أَلْزَمْت ذِمَّتَك تَحْصِيلَ حِجَّةٍ وَيَجُوزُ ) الِاسْتِئْجَارُ فِي الذِّمَّةِ ( عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ ) مِنْ الْأَعْوَامِ كَسَائِرِ إجَارَاتِ الذِّمَّةِ ( فَلَوْ عَجَّلَهُ ) عَنْ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ ( زَادَ خَيْرًا ) بِتَعْجِيلِهِ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ .
( وَإِنْ أَطْلَقَ الِاسْتِئْجَارَ حُمِلَ عَلَى ) السَّنَةِ ( الْحَاضِرَةِ ) كَمَا مَرَّ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ ( فَيَبْطُلُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا يُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ عَلَى السَّفَرِ ) فَلَا يَقْدَحُ عَجْزُهُ لِمَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ ( لِإِمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَإِنْ قَالَ أَلْزَمْت ذِمَّتَك لِتَحُجَّ بِنَفْسِك فَفِي الصِّحَّةِ ) لِلْإِجَارَةِ ( تَرَدُّدٌ ) وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْأَصْلِ هُنَا عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَصِحُّ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَنِيبُ فَتَكُونُ إجَارَةَ عَيْنٍ ، وَقَالَ الْإِمَامُ بِبُطْلَانِهَا وَتَبِعَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الدِّينِيَّةَ مَعَ الرَّابِطِ بِمُعَيَّنٍ يَتَنَاقَضَانِ كَمَنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَجَّ قُرْبَةٌ وَأَغْرَاضُ النَّاسِ فِي عَيْنِ مَنْ يُحَصِّلُهَا مُتَفَاوِتَةٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَأْجِرُ فَاسِقًا وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ شَرْعًا وَالسَّلَمُ إذَا أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى الْجَيِّدِ وَفِي الْجَوَابِ نَظَرٌ .

( قَوْلُهُ كَانَ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِلْحَجِّ بِنَفَقَتِك أَوْ حُجَّ عَنِّي بِهَا ) قَالَ شَيْخُنَا هَذِهِ جِعَالَةٌ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ عِوَضِهَا وَهِيَ غَيْرُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ إذْ فِيهَا وَأُعْطِيك النَّفَقَةَ فَهُوَ وَعْدٌ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْزَاقِ فَخَرَجَ عَنْ الْإِجَارَةِ الْجِعَالَةُ ( قَوْلُهُ اسْتِئْجَارُ عَيْنٍ ) فَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ عَيْنٍ مَنْ وَقَعَتْ إجَارَةُ الْعِلْمِ عَلَى عَيْنِهِ ( قَوْلُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ فِي الْحَالِ ) وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَجُوزُ عَقْدُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لِإِمْكَانِ الْإِحْرَامِ فِي الْحَالِ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ بِبُطْلَانِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَتَبِعَهُ الْأَصْلُ ) وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ .

( فَرْعٌ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ أَعْمَالَ الْحَجِّ ) فَلَوْ جَهِلَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ ، وَأَعْمَالُهُ أَرْكَانُهُ وَوَاجِبَاتُهُ وَسُنَنُهُ فَيُحْتَمَلُ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ حَتَّى يُحَطَّ التَّفَاوُتُ لِمَا فَوَّتَهُ مِنْ السُّنَنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِمَعْرِفَةِ مَا عَدَا السُّنَنَ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً كَمَا نَقُولُ فِي بَيْعِ الْحَامِلِ : الْوَلَدُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عِنْدَ الْعَقْدِ لِدُخُولِهِ تَبَعًا ( وَلَا يَجِبُ ) فِي الْعَقْدِ ( ذِكْرُ الْمِيقَاتِ ) الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الْأَجِيرُ ( فَيُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى ) الْمِيقَاتِ ( الشَّرْعِيِّ ) لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقَعُ عَلَى حَجٍّ شَرْعِيٍّ ، وَالْحَجُّ الشَّرْعِيُّ لَهُ مِيقَاتٌ مَعْهُودٌ شَرْعًا وَعُرْفًا فَانْصَرَفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمِيقَاتِ وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ مِيقَاتٌ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا عَدَلَ عَنْ الْمِيقَاتِ الْمُتَعَيِّنِ إلَى غَيْرِهِ جَازَ إنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَطْوَلَ مِنْهُ ( وَلْيُبَيِّنْ ) وُجُوبًا فِي الْإِجَارَةِ لِلنُّسُكِ ( أَنَّهُ إفْرَادٌ أَوْ تَمَتُّعٌ أَوْ قِرَانٌ ) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهَا .
( قَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْجَمِيعِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلِيُبَيِّنَ أَنَّهُ إفْرَادٌ إلَخْ ) فَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ عَلَى الْإِبْهَامِ بَطَلَ وَوَقَعَ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ، وَلَوْ قَالَ حُجَّ عَنِّي فَإِنْ قَرَنْت أَوْ تَمَتَّعْت فَقَدْ أَحْسَنْت فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَقَعَا لِلْمُسْتَأْجِرِ .

( فَرْعٌ لَوْ قَالَ الْمَعْضُوبُ : مَنْ حَجَّ عَنِّي ) أَوْ : أَوَّلُ مَنْ يَحُجُّ عَنِّي ( فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَمَنْ حَجَّ عَنْهُ ) مِمَّنْ سَمِعَهُ أَوْ سَمِعَ مَنْ أَخْبَرَهُ عَنْهُ ( اسْتَحَقَّهَا ) ؛ لِأَنَّهُ جِعَالَةٌ لَا إجَارَةٌ ، وَالْجِعَالَةُ تَجُوزُ عَلَى الْعَمَلِ الْمَجْهُولِ فَعَلَى الْمَعْلُومِ أَوْلَى ( فَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُ اثْنَانِ ) مُرَتَّبًا ( اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ ) الْمِائَةَ ( فَإِنْ أَحْرَمَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ ) مِنْهُمَا مَعَ جَهْلِ سَبْقِهِ أَوْ بِدُونِهِ ( وَقَعَ ) حَجُّهُمَا ( عَنْهُمَا ، وَلَا شَيْءَ لَهُمَا ) عَلَى الْقَائِلِ إذَا لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَصَارَ كَمَنْ عَقَدَ نِكَاحَ أُخْتَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَسَكَتُوا عَمَّا لَوْ عَلِمَ سَبْقَ أَحَدِهِمَا ، ثُمَّ نَسِيَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَيُحْتَمَلُ الْوَقْفُ حَتَّى يَتَذَكَّرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كَاللَّتَيْنِ قَبْلَهَا .
انْتَهَى وَقِيَاسُ نَظَائِرِ تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا كَأَنْ قَالَ : مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ عَبْدٌ أَوْ ثَوْبٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ .
( قَوْلُهُ فَيَحْتَمِلُ الْوَقْفَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ يُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ أَنْ تَكُونَ ) أَيْ تُوجَدَ ( حَالَ الْخُرُوجِ ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلِ الْحَجِّ عَقِبَ الْعَقْدِ ، وَالِاشْتِغَالُ بِشِرَاءِ الزَّادِ وَنَحْوِهِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْخُرُوجِ ( فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ ) أَيْ الْأَجِيرُ فِي الْحَجِّ ( مِنْ عَامِهِ ) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( انْفَسَخَتْ ) أَيْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فَلَوْ حَجَّ عَنْهُ فِي الْعَامِ الثَّانِي قَالَ الْقَاضِي مَرَّةً لَا يَقَعُ عَنْهُ وَقَالَ أُخْرَى يَقَعُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَقَدْ حَجَّ عَنْهُ أَيْ ، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ وَذَكَرَ نَحْوَ الثَّانِي الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ ( وَمَتَى أَخَّرَ أَجِيرٌ ذِمَّةٍ ) الشُّرُوعَ فِي الْحَجِّ عَنْ الْعَامِ الَّذِي تَعَيَّنَ لَهُ ( أَثِمَ ) لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِثْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَثَبَتَ الْخِيَارُ ) فِي الْفَسْخِ عَلَى التَّرَاخِي ( لِلْمَعْضُوبِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِالِاسْتِئْجَارِ عَنْ الْمَيِّتِ ) لِتَأَخُّرِ الْمَقْصُودِ فَإِنْ شَاءَا فَسَخَا الْإِجَارَةِ ، وَإِنْ شَاءَا أَخَّرَا لِيَحُجَّ الْأَجِيرُ فِي الْعَامِ الثَّانِي أَوْ غَيْرِهِ ( أَمَّا مَنْ اسْتَأْجَرَ بِمَالِ الْمَيِّتِ ) فَأَخَّرَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ عَنْ الْعَامِ ( فَيَعْمَلُ فِي الْفَسْخِ ) وَعَدَمِهِ ( بِالْمَصْلَحَةِ ) فَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْفَسْخِ لِخَوْفِ إفْلَاسِ الْأَجِيرِ أَوْ هَرَبِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ ( وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ ) مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ( وَمَاتَ أَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِاسْتِئْجَارِ رَجُلٍ وَاسْتُؤْجِرَ ) عَنْهُ الرَّجُلُ ( فِي الذِّمَّةِ فَأَخَّرَ ) الْأَجِيرُ الْحَجَّ فِيهِمَا ( عَنْ عَامِهِ لَمْ يُفْسَخْ ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ إذْ لَا مِيرَاثَ لِلْوَارِثِ فِي الْأُجْرَةِ فِي الْأُولَى وَبِهِ فَارَقَ ثُبُوتَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ لَهُ ، وَالْوَصِيَّةُ مُسْتَحِقَّةُ الصَّرْفِ إلَى الْأَجِيرِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ أَجِيرُ الذِّمَّةَ يَأْثَمُ نَبَّهَ هُنَا عَلَى أَنَّ الْبَغَوِيّ قَائِلٌ بِخِلَافِهِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ فَقَالَ ( نَعَمْ لَوْ أَطْلَقَ

أَجِيرُ الذِّمَّةِ ) بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ عَامَ حَجِّهِ ( وَقُلْنَا بِتَعَيُّنِ السَّنَةِ ) الْأُولَى كَمَا مَرَّ ( قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ ) عَنْهَا لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ ، وَلَوْ تَرَكَ هَذَا كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَمَدُ مَا قَدَّمَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَكَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ .

قَوْلُهُ وَقَالَ أُخْرَى يَقَعُ عَنْهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ عَنْ الْعَامِ الَّذِي تَعَيَّنَ لَهُ ) بِأَنْ عَيَّنَّاهُ فِي عَقْدِهَا ( قَوْلُهُ أَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِاسْتِئْجَارِ رَجُلٍ إلَخْ ) لَوْ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي مَنْ يَرْضَاهُ فُلَانٌ فَعَيَّنَ وَاحِدًا فَهُوَ كَمُعَيَّنِ الْمُوصِي أَوْ مَنْ يَشَاءُ زَيْدٌ فَشَاءَ زَيْدٌ وَاحِدًا فَامْتَنَعَ فَهَلْ لَهُ تَعْيِينُ آخَرَ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ لَهُ التَّعْيِينَ ( قَوْلُهُ بَلْ الْمُعْتَمَدُ مَا قَدَّمَهُ إلَخْ ) مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا عَيَّنَّا فِيهَا ذَلِكَ الْعَامَّ وَكَلَامُ الْبَغَوِيّ فِيمَا إذَا أَطْلَقَا وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَامِ فَلَا مُخَالَفَةَ .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ اكْتَرَى مَنْ يَحُجُّ عَنْ أَبِيهِ مَثَلًا فَقَالَ الْأَجِيرُ حَجَجْت قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ ، وَلَا بَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُمْكِنُ فَرَجَعَ إلَى الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَتْ تَزَوَّجْت بِزَوْجٍ وَدَخَلَ بِي وَطَلَّقَنِي وَاعْتَدَدْتُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا ، وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهَا فَلَوْ قَالَ لِلْأَجِيرِ قَدْ جَامَعْت فِي إحْرَامِك وَأَفْسَدْته لَمْ يَحْلِفْ أَيْضًا ، وَلَا تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى فَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ جَامَعَهَا مُحْرِمًا فِي عَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ كُنْت نَاسِيًا قُبِلَ قَوْلُهُ ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَصَحَّ حَجُّهُ وَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا فِي إحْرَامِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَلَوْ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ حَقُّ آدَمِيٍّ سُمِعَتْ الدَّعْوَى ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْوَصَايَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَأَنْت حُرٌّ فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ كَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِالْكُوفَةِ سُمِعَتْ وَعَتَقَ ، وَلَوْ مَاتَ الْأَجِيرُ لِلْحَجِّ فَقَالَ وَارِثُهُ مَاتَ بَعْدَ أَنْ حَجَّ قُبِلَ قَوْلُهُ كَقَوْلِ الْأَجِيرِ ، وَلَوْ قَالَ إنْ حَجَجْت

عَنْ أَبِي هَذِهِ السَّنَةَ فَلَكَ كَذَا فَقَالَ بَعْدَهَا حَجَجْت لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ هَذِهِ السَّنَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقْبَلْ مِنْ الْحَاجِّ الْحَجُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَزِمَنَا الْمُنْكِرُ الْيَمِينَ وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ بِالْبَيِّنَةِ هُنَا أَنَّهُ رُوِيَ هُنَاكَ فِي مَوَاطِنِ النُّسُكِ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ إلَّا أَنَّهُ حَجَّ

( فَرْعٌ إذَا انْتَهَى الْأَجِيرُ ) لِلْحَجِّ ( إلَى الْمِيقَاتِ ) الْمُتَعَيِّنِ ( فَأَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ بِعُمْرَةٍ وَأَتَمَّهَا ، ثُمَّ أَحْرَمَ لِلْمُسْتَأْجِرِ ) بِالْحَجِّ ( وَلَمْ يَعُدْ ) إلَى الْمِيقَاتِ صَحَّ حَجُّهُ عَنْهُ لِلْإِذْنِ وَ ( لَزِمَهُ دَمٌ ) لِإِسَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ( وَلَا يَنْجَبِرُ ) الْحَطُّ لِمَا فَوَّتَهُ ( بِهِ ) أَيْ بِالدَّمِ ( بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَحُطَّ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ حِجَّتَيْنِ أُنْشِئَتَا مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ أَحْرَمَ بِأَحَدَيْهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْأُخْرَى مِنْ مَكَّةَ ) ؛ لِأَنَّ الدَّمَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْجَبِرُ بِهِ الْحَطُّ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ كَمَا فِي التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ فَلَوْ كَانَتْ أُجْرَةُ الْحِجَّةِ الْأُولَى مِائَةً وَالثَّانِيَةُ تِسْعِينَ حَطَّ عُشْرَ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بِالْعُشْرِ وَمَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ مِنْ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ إشْكَالٌ سَأَذْكُرُهُ مَعَ جَوَابِهِ بِمَا فِيهِ فِي فَرْعٍ ، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْإِفْرَادِ فَقَرَنَ ( وَمَتَى عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ ) مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا وَأَحْرَمَ مِنْهُ ( لَمْ يُحَطَّ مِنْ الْأُجْرَةِ شَيْئًا ) إذَا لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقَطْعِهِ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَائِهِ الْمَنَاسِكَ بَعْدَهُ ، وَشُمُولُ كَلَامِهِ مَسْأَلَةَ عَوْدِهِ مُحْرِمًا مِنْ زِيَادَتِهِ

( فَرْعٌ ) .
لَوْ ( جَاوَزَ ) الْأَجِيرُ ( الْمِيقَاتَ ) الْمُتَعَيِّنَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ( ثُمَّ أَحْرَمَ ) لِلْمُسْتَأْجِرِ ( وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَيُحَطُّ التَّفَاوُتُ كَمَا سَبَقَ ) فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمُهُ دَمٌ ، وَلَمْ يُحَطَّ شَيْءٌ كَمَا سَبَقَ أَيْضًا ثَمَّ ( وَيُعْتَبَرُ ) فِي قَدْرِ التَّفَاوُتِ مَعَ الْفَرَاسِخِ وَأَعْمَالِ النُّسُكِ الْمَعْلُومَيْنِ مِمَّا يَأْتِي وَمِمَّا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أُنْشِئَتَا مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ ( تَفَاوُتُ الْفَرَاسِخِ فِي الْحُزُونَةِ ) أَيْ الْخُشُونَةِ ( وَالسُّهُولَةِ ) لِتَفَاوُتِ السَّيْرِ بِهِمَا فَالْأُجْرَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْجَمِيعِ ، وَلَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ الْفَرَاسِخِ صَرْفُ الْعَمَلِ فِيهَا لِغَرَضِهِ كَانَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِعُمْرَةٍ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ تَحْصِيلَ نُسُكِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ رِبْحَ عُمْرَةٍ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ ( وَلَوْ عَدَلَ عَنْ ) الْمِيقَاتِ الْمُتَعَيِّنِ ( إلَى مِيقَاتٍ مِثْلِهِ فِي الْمَسَافَةِ ) أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ فِيهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( جَازَ ) فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ ، وَلَا حَطٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ لَكِنْ فِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّتِمَّةِ وَالشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهَا الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِ لُزُومِ شَيْءٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ بَعْضَ الْمَوَاقِيتِ مَقَامَ بَعْضٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ مُنَافٍ لِلتَّعْيِينِ الَّذِي نَحْنُ نُفَرِّعُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ كَلَامًا نَقَلَهُ عَنْ الطَّبَرِيِّ شَارِحِ التَّنْبِيهِ .
( قَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحه .

( وَإِنْ اسْتَأْجَرَ ) شَخْصٌ ( الْآفَاقِيَّ ) مَنْسُوبٌ إلَى الْآفَاقِ وَهِيَ النَّوَاحِي وَيُقَالُ الْأُفُقِيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ وَفَتْحِهِمَا ، وَهُوَ مَنْ مَسْكَنُهُ فَوْقَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ أَيْ أَوْ فِيهِ ( لِيُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ ) أَوْ مِنْ مَكَان أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ ( لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِحُرْمَةِ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ ) بِلَا إحْرَامٍ عَلَى مُرِيدِ النُّسُكِ لَكِنْ لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ صَحَّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ، وَتَخْصِيصُهُ الْأَجِيرَ بِالْآفَاقِيِّ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْمَكِّيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمِيقَاتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ آفَاقِيٌّ مَكِّيًّا لِلتَّمَتُّعِ لَزِمَهُ دَمٌ ، وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِ الْآتِي مَكِّيًّا نَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ ( أَوْ ) اسْتَأْجَرَهُ ( لِيُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ مَاشِيًا فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ فِي ) ذِي ( الْحِجَّةِ ) فِي الثَّانِيَةِ ( أَوْ رَكِبَ ) فِي إحْرَامِهِ مِنْهُ وَالْأَوْلَى أَوْ رَاكِبًا فِي الثَّالِثَةِ ( أَوْ ) اسْتَأْجَرَهُ لِيَأْتِيَ عَنْهُ بِنُسُكٍ فَأَتَى بِهِ لَكِنْ ( تَرَكَ مَأْمُورًا يُوجِبُ دَمًا ) كَتَرْكِ الرَّمْيِ أَوْ الْمَبِيتِ أَوْ طَوَافِ الْوَدَاعِ ( لَزِمَهُ دَمٌ وَحَطُّ التَّفَاوُتِ ) لِتَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَشْيِ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافَهُ ، وَلَوْ تَرَكَ مَأْمُورًا لَا يُوجِبُ دَمًا كَطَوَافِ الْقُدُومِ حُطَّ بِقِسْطِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا ، وَالْحِجَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا ( وَلَا يَحُطُّ ) الْأَجِيرُ تَفَاوُتًا ( إنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا ) كَلُبُسٍ وَقَلْمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ شَيْئًا مِنْ الْعَمَلِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَلَوْ قَالَ لَهُ : حُجَّ عَنِّي وَتَطَيَّبْ وَالْبَسْ فَفَعَلَ فَالدَّمُ عَلَى الْأَجِيرِ ، وَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ ، وَقِيَاسُ مَا

مَرَّ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِيهَا فَسَدَتْ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ .
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ الْآفَاقِيَّ إلَخْ ) لَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْوَلِيُّ لِيُحْرِمَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَعَ لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْ لِيُحْرِمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ أَوْ مِنْ شَوَّالٍ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَبَعْدَ شَوَّالٍ لَزِمَهُ الدَّمُ وَالْحَطُّ

( فَرْعٌ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِرَانِ ) فَامْتَثَلَ ( فَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ) كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي شَرَطَ الْقِرَانَ ( فَلَوْ شَرَطَهُ عَلَى الْأَجِيرِ بَطَلَتْ ) أَيْ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إجَارَةٍ وَبَيْعِ مَجْهُولٍ ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ ( وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ) لِلْقِرَانِ ( مُعْسِرًا فَالصَّوْمُ ) الَّذِي هُوَ بَدَلُ الدَّمِ ( عَلَى الْأَجِيرِ ) ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ ، وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ وَاَلَّذِي فِي الْحَجِّ مِنْهُمَا هُوَ الْأَجِيرُ قَالَ فِي الْأَصْلِ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَفِي التَّتِمَّةِ هُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ وَالْهَدْيِ أَيْ فَيَبْقَى الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ ( وَلَا يُحَطُّ شَيْءٌ ) مِنْ الْأُجْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ ( فَإِنْ خَالَفَ ) مَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِرَانِ ( فَأَفْرَدَ وَهِيَ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ ) إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَمَلِ فِيهَا عَنْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَيُحَطُّ مَا يَخُصُّ الْعُمْرَةَ مِنْ الْأُجْرَةِ ( أَوْ ) وَهِيَ ( إجَارَةُ ذِمَّةٍ فَلَا ) تُفْسَخُ فِي شَيْءٍ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرٍ أَوَّلًا عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرِنْ ( لَكِنْ إنْ لَمْ يَعُدْ لِلْعُمْرَةِ إلَى الْمِيقَاتِ لِزْمَةُ دَمٌ وَالْحَطُّ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ تَمَتَّعَ ) بَدَلَ الْقِرَانِ ( وَهِيَ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَ ) الْعَقْدُ ( فِي الْحَجِّ ) لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَيُحَطُّ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ ( وَلَوْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَمْ يَعُدْ ) لِلْحَجِّ ( إلَى الْمِيقَاتِ فَالدَّمُ ) الْوَاجِبُ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ ( وَالْحَطُّ كَمَا سَبَقَ ) فَيَجِبَانِ عَلَيْهِ وَأَمَّا دَمُ التَّمَتُّعِ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِتَضَمُّنِ أَمْرِهِ بِالْقِرَانِ الدَّمَ ، نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ، ثُمَّ قَالَ : وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى .
وَيُجَابُ عَنْ الِاسْتِبْعَادِ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الدَّمِ الثَّانِي غَيْرُ سَبَبِ

وُجُوبِ الْأَوَّلِ كَمَا عَرَفْت أَمَّا إذَا أَعَادَ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ مِنْ انْفِسَاخِهَا فِي الْحَجِّ هُوَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ إشَارَةِ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ : إنَّهُ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ وَمَنَعَ الزَّرْكَشِيُّ الْقِيَاسَ وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ انْقَضَى وَقْتُ الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَتَّعَ فَإِنَّ وَقْتَ الْحَجِّ بَاقٍ وَإِنَّمَا مَضَى بَعْضُهُ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ بِهِ وَأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا ؛ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ الْعَمَلَيْنِ ، لَكِنْ عَلَيْهِ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَمُ التَّمَتُّعِ بَدَلَ دَمِ الْقِرَانِ كَمَا لَوْ قَرَنَ ، قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ .

( فَرْعٌ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلتَّمَتُّعِ ) فَامْتَثَلَ ( فَالدَّمُ ) الْوَاجِبُ بِالتَّمَتُّعِ ( عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ) لِمَا مَرَّ فِي اسْتِئْجَارِهِ لِلْقِرَانِ وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ ثَمَّ ( وَإِنْ أَفْرَدَ ) بَدَلَ التَّمَتُّعِ ( وَهِيَ ) أَيْ الْإِجَارَةُ ( إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ ) لِفَوَاتِ وَقْتِهِمَا الْمُعَيَّنِ ( أَوْ ) وَهِيَ إجَارَةُ ( ذِمَّةٍ فَكَمَا سَبَقَ ) أَيْ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ، لَكِنْ إنْ لَمْ يَعُدْ لِلْعُمْرَةِ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ الدَّمُ وَالْحَطُّ ( وَإِنْ قَرَنَ وَعَدَّدَ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَكَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ حُطَّ ) التَّفَاوُتُ ( وَعَلَيْهِ دَمٌ ) لِنُقْصَانِ الْأَفْعَالِ وَقِيلَ لَا حَطَّ ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَعَدُّدِ الْأَفْعَالِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ تَجْدِيدُ الْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الدَّمَ عَنْ الْقَارِنِ عَلَى الصَّحِيحِ مَرْدُودٌ ؛ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ فِي سُقُوطِ الدَّمِ بِعَوْدِ الْقَارِنِ خِلَافًا ، وَالْمَذْهَبُ سُقُوطُهُ عَنْهُ وَمَا هُنَا لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِهِ عَنْ الْأَجِيرِ فَالْوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ وَلَكِنْ إنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَ الْمُسْتَأْجَرَ دَمٌ ؛ لِأَنَّ مَا شَرَطَهُ يَقْتَضِيهِ .

( فَرْعٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْإِفْرَادِ فَقَرَنَ ، وَهِيَ إجَارَةُ عَيْنٍ وَقَعَا ) أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ( لَهُ ) أَيْ لِلْأَجِيرِ ( وَانْفَسَخَتْ فِيهِمَا ) مَعًا ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ ، وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَحَلُّ وُقُوعِهِمَا لِلْأَجِيرِ مَا إذَا كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَقَعَا لَهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَالُوا : لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ الْأَجْنَبِيُّ فَيَعْتَمِرَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ ، وَلَا إذْنِ وَارِثٍ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَقْضِي دَيْنَهُ ( وَلَوْ كَانَتْ ) أَيْ الْإِجَارَةُ ( فِي الذِّمَّةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ ) يَقَعَانِ لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ ( وَالدَّمُ وَالْحَطُّ كَمَا سَبَقَ ) فَيَجِبَانِ عَلَى الْأَجِيرِ إلَّا أَنْ يُعَدِّدَ الْأَفْعَالَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا .
( وَإِنْ تَمَتَّعَ ) بَدَلَ الْإِفْرَادِ ( فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ ، وَقَدْ أُمِرَ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ انْفَسَخَتْ ) أَيْ الْإِجَارَةُ ( فِيهِمَا ) الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ وَغَيْرِهِ فِيهَا أَيْ الْعُمْرَةِ لِوُقُوعِهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَيَحُطُّ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الْأُجْرَةِ ، نَعَمْ أَنْ أَتَى بِهَا عَنْهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ فَلَا انْفِسَاخَ فَلْيُحْمَلْ الِانْفِسَاخُ فِيهَا عَلَى الِانْفِسَاخِ ظَاهِرًا أَوْ عَلَى الِانْفِسَاخِ فِي الْعُمْرَةِ الَّتِي قَدَّمَهَا وَمَا قَالَهُ قَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا قَيَّدَ بِهِ مَسْأَلَةَ الْقِرَانِ السَّابِقَةِ ( وَإِنْ أُمِرَ بِتَقْدِيمِهَا أَوْ كَانَتْ ) أَيْ الْإِجَارَةُ ( فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَنْفَسِخْ وَ ) لَكِنْ ( إنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ فَالدَّمُ وَالْحَطُّ كَمَا سَبَقَ ) فَيَجِبَانِ عَلَيْهِ وَتَسَمَّحُوا فِي قَوْلِهِمْ وَأُمِرَ بِتَقْدِيمِهَا ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا لَا يَأْتِي فِي الْإِفْرَادِ ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ ، ثُمَّ قَالَ فَلْيَؤُلْ أَمْرُهُ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى تَقْدِيمِهَا عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَيْ لِيَكُونَ ذَلِكَ إفْرَادًا عَلَى وَجْهٍ ، وَتَكُونُ صُورَتُهَا

أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الْأَجِيرُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِيَتَصَوَّرَ لُزُومَ الدَّمِ ، وَبِمَا تَقَرَّرَ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ عُلِمَ أَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْجِهَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا إلَى غَيْرِهَا لَا يَقْدَحُ فِي وُقُوعِ النُّسُكِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا مَرَّ وَأُورِدَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذَا خَالَفَ لَمْ يَقَعْ الْمَأْتِيُّ بِهِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْإِذْنِ لَهُ كَمَا فِي مُخَالَفَةِ الْوَكِيلِ مُوَكِّلَهُ ، وَأَجَابَ الْإِمَامُ بِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْمُسْتَأْجَرِ فِي ذَلِكَ كَمُخَالَفَةِ الشَّرْعِ فِيمَا لَا يَفْسُدُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَصِّلُ النُّسُكَ لِنَفْسِهِ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُحَصِّلُهُ لِنَفْسِهِ بَلْ يُحَصِّلُهُ لِيُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَالْمُخْرَجُ مُخْتَلِفُ الْفَضَائِلِ فَلْيُرَاعِ غَرَضَهُ فِيهِ .
ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الشَّرْعِ فِيمَا لَا يَفْسُدُ بِهَا يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ مَعَهَا لِغَيْرِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ أَتَى بِهِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَأْجَرِ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا إلَى وُقُوعِهِ عَنْهُ مَعَهَا بَلْ يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي نَظَائِرِهِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَحْصِيلَهُ لِغَرَضِ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ إنَّمَا يُعَدُّ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ امْتِثَالَ أَمْرِ الشَّارِعِ عَاجِلًا بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مِثْلَ هَذِهِ الِانْتِفَاعَاتِ قَسِيمًا لِلِانْتِفَاعَاتِ الْعَاجِلَةِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ { إنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ } وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ نَفْسَهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ الْكُوفَةَ لِإِحْرَامِ الْأَجِيرِ فَجَاوَزَهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمٌ إلْحَاقًا لِلْمِيقَاتِ الشَّرْطِيِّ بِالْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ .
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْإِفْرَادِ فَقَرَنَ إلَخْ ) لَوْ أَحْرَمَ أَجِيرٌ مَوْقُوفًا ثُمَّ صَرَفَهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْعَمَلِ فَهَلْ يَقَعُ لَهُ أَوْ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا

( فَرْعٌ جِمَاعُ الْأَجِيرِ ) قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ ( مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ وَتَنْفَسِخُ بِهِ إجَارَةُ الْعَيْنِ لَا إجَارَةُ الذِّمَّةِ ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ بِخِلَافِ إجَارَةِ الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ ( لَكِنْ يَنْقَلِبُ ) فِيهِمَا الْحَجُّ ( لِلْأَجِيرِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْمَطْلُوبَ لَا يَحْصُلُ بِالْحَجِّ الْفَاسِدِ فَانْقَلَبَ لَهُ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِصِفَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِغَيْرِهَا يَقَعُ لِلْمَأْمُورِ بِخِلَافِ مَنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا غَيْرَ مُفْسِدٍ ( كَمُطِيعِ الْمَعْضُوبِ ) إذَا جَامَعَ فَسَدَ حَجُّهُ وَانْقَلَبَ لَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَكَذَا قَضَاؤُهُ ) أَيْ الْحَجِّ الَّذِي أَفْسَدَهُ يَلْزَمُهُ وَيَقَعُ لَهُ كَحَجِّهِ الْفَاسِدِ ( وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِي فَاسِدِهِ وَ ) عَلَيْهِ ( الْكَفَّارَةُ ) وَعَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَنْ نَفْسِهِ بِحَجٍّ آخَرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي عَامٍ آخَرَ أَوْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ أَوْ غَيْرَهُ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ عَنْ حَجِّ الْمُسْتَأْجِرِ ( وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا الْخِيَارُ ) فِي الْفَسْخِ عَلَى التَّرَاخِي لِتَأَخُّرِ الْمَقْصُودِ هَذَا إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ مَعْضُوبٍ أَوْ مِنْ مُتَطَوِّعٍ بِالِاسْتِئْجَارِ عَنْ مَيِّتٍ ( فَإِنْ كَانَتْ ) مِنْ مُسْتَأْجِرٍ ( عَنْ مَيِّتٍ ) مِنْ مَالِهِ ( رُوعِيَتْ الْمَصْلَحَةُ ) فِي الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ ( كَمَا سَبَقَ ) نَظِيرُهُ .

( فَرْعٌ إذَا صَرَفَ الْأَجِيرُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ) عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ( الْحَجَّ إلَى نَفْسِهِ وَظَنَّ انْصِرَافَهُ ) إلَيْهِ ( لَمْ يَنْصَرِفْ ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَإِذَا انْعَقَدَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ ( وَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى ) لِبَقَاءِ الْعَقْدِ ( وَإِذَا مَاتَ الْحَاجُّ ) عَنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ تَحَلَّلَ لِإِحْصَارٍ فِي أَثْنَاءِ الْأَرْكَانِ ) فِيهِمَا ( لَمْ يَبْطُلْ ثَوَابُهُ ) إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَفْسَدَهُ بِجِمَاعٍ ( لَكِنْ لَا يَبْنِي عَلَيْهِ ) كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَلْ يَجِبُ الْإِحْجَاجُ مِنْ مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِعَدَمِ بُطْلَانِ الثَّوَابِ بِمَوْتِ الْحَاجِّ عَنْ غَيْرِهِ وَبِحُكْمِ التَّحَلُّلِ الْمَذْكُورِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ ( فَإِنْ كَانَ ) الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ ( أَجِيرَ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ ) أَيْ الْإِجَارَةُ ( أَوْ أَجِيرَ ذِمَّةٍ فَلَا ) تَنْفَسِخُ ( بَلْ لِوَرَثَتِهِ ) أَيْ الْأَجِيرِ الْمَيِّتِ ( وَ ) لِلْأَجِيرِ ( الْمَحْصُورِ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا مَنْ يَسْتَأْنِفُ ) الْحَجَّ ( مِنْ عَامِهِمْ ) عَنْ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ ( إنْ أَمْكَنَ ) فِي ذَلِكَ الْعَامِ لِبَقَاءِ الْوَقْتِ ( وَإِلَّا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ ) كَمَا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْأَجِيرِ الْمَحْصُورِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَمَتَى انْفَسَخَتْ ) أَيْ الْإِجَارَةُ ( بِمَوْتِهِ أَوْ إحْصَارِهِ فَإِنْ كَانَ ) ذَلِكَ ( بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَا قَبْلَهُ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ ) مِنْ الْمُسَمَّى ( مِنْ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بَعْضَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ مَعَ تَحْصِيلِهِ بَعْضَ الْمَقْصُودِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا مِنْ الْمَقْصُودِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَرَّبَ الْأَجِيرُ عَلَى الْبِنَاءِ الْآلَاتِ مِنْ مَوْضِعِ الْبِنَاءِ ، وَلَمْ يَبْنِ ( وَوَقَعَ مَا أَتَى بِهِ ) الْأَجِيرُ ( لِلْمُسْتَأْجِرِ ) إذَا لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ ( وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَرْكَانِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْأَعْمَالِ لَمْ تَبْطُلْ ) أَيْ

الْإِجَارَةُ ( بَلْ يَحُطُّ قِسْطَهَا ) أَيْ بَقِيَّةَ الْأَعْمَالِ أَيْ يَحُطُّهُ الْأَجِيرُ كَمَا لَوْ أُحْصِرَ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْأَعْمَالِ ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ ( وَتُجْبَرُ ) الْبَقِيَّةُ ( بِدَمٍ عَلَى الْأَجِيرِ ) كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَصَوَّبَهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي قَوْلِهِ ( وَدَمُ ) التَّحَلُّلِ مِنْ ( الْإِحْصَارِ ) الْوَاقِعُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ ( عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ) لِوُقُوعِ النُّسُكِ لَهُ مَعَ عَدَمِ إسَاءَةِ الْأَجِيرِ ( وَإِنْ حَصَلَ الْفَوَاتُ ) لِلْحَجِّ ( مَعَ الْإِحْصَارِ أَوْ بِلَا إحْصَارٍ ) كَأَنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْقَافِلَةِ ( انْقَلَبَ ) الْحَجُّ ( لِلْأَجِيرِ ) كَمَا فِي الْإِفْسَادِ بِجَامِعِ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ ( وَلَا شَيْءَ لَهُ ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا فَعَلَهُ .

( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصِحَّ ، وَأَمَّا الْجِعَالَةُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُجَرَّدِ الْوُقُوفِ عِنْدَ قَبْرِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ أَوْ عَلَى الدُّعَاءِ عِنْدَهُ صَحَّتْ ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ ، وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ بِهِ

( فَصْلٌ ) .
( وُجُوبُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ) وَمِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ ( عَلَى التَّرَاخِي ) فَلِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ سَنَةِ الْإِمْكَانِ ، لِأَنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا أَوْ سَنَةَ سِتٍّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي السِّيَرِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ { وَأَخَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى سَنَةِ عَشْرٍ بِلَا مَانِعٍ } وَقِيسَ بِهِ الْعُمْرَةُ وَتَضْيِيقُهُمَا بِنَذْرٍ أَوْ خَوْفِ عَضْبٍ أَوْ قَضَاءٍ كَمَا سَيَأْتِي عَارِضٌ ، ثُمَّ التَّأْخِيرُ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الصَّلَاةِ ( فَلَوْ خَشِيَ ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ ( الْعَضْبَ حَرُمَ ) عَلَيْهِ ( التَّأْخِيرُ ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ إنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ السَّلَامَةُ إلَى وَقْتِ فِعْلِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَمِثْلُهُ .
وَمَنْ خَشِيَ هَلَاكَ مَالِهِ ( وَلَوْ مَاتَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ ) الْحَجُّ ( بَعْدَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَ ) مُضِيِّ ( إمْكَانِ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ ) وَالسَّعْيِ إنْ دَخَلَ الْحَاجُّ بَعْدَ الْوُقُوفِ ( صَارَ ) يَعْنِي مَاتَ ( عَاصِيًا ) ، وَلَوْ شَابًّا ، وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ الْقَافِلَةُ ( لِاسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ ) عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا جُوِّزَ لَهُ التَّأْخِيرُ لَا التَّفْوِيتُ فَيَلْزَمُ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ نَظِيرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ آخَرَ وَقْتِهَا مَعْلُومٌ فَلَا تَقْصِيرَ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ عَنْهُ ، وَالْإِبَاحَةُ فِي الْحَجِّ بِشَرْطِ الْمُبَادَرَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ قَبْلَهُ أَشْعَرَ الْحَالُ بِالتَّقْصِيرِ ، وَاعْتِبَارُ إمْكَانِ الرَّمْيِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ التَّهْذِيبِ وَأَقَرَّهُ ، وَرَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا ، وَلَهُ دَخْلٌ فِي التَّحَلُّلِ اُعْتُبِرَ إمْكَانُ فِعْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ

رُكْنًا لِبُعْدِ الْعِصْيَانِ بِدُونِهِ قَالَ : وَلَا بُدَّ مِنْ زَمَنٍ يَسَعُ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ ، وَيُعْتَبَرُ الْأَمْنُ فِي السَّيْرِ إلَى مَكَّةَ لِلطَّوَافِ لَيْلًا انْتَهَى .
أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا عِصْيَانَ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ بَانَ أَنْ لَا إمْكَانَ ( وَلَوْ تَلِفَ مَالُ الْحَيِّ قَبْلَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ ) أَيْ رُجُوعِ الْقَافِلَةِ ( لَمْ يَسْتَقِرَّ ) الْوُجُوبُ ؛ لِأَنَّ مُؤَنَهُ الرُّجُوعِ لَا بُدَّ مِنْهَا بِخِلَافِ تَلَفِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ لِتَبَيُّنِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ مُؤْنَةِ الرُّجُوعِ ( وَإِنْ حُصِرَتْ الْقَافِلَةُ ) الَّتِي أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مَعَهَا فَتَحَلَّلَتْ أَوْ صَابَرَتْ الْإِحْرَامَ وَفَاتَ الْوَقْتُ ( لَمْ يَسْتَقِرَّ ) الْوُجُوبُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا عَدَمَ اسْتِطَاعَتِهِ هَذِهِ السَّنَةَ ( فَإِنْ ) سَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ أَوْ ( أَطْلَقُوا ) وَمَنْ حَصَرَهُمْ ( فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ) أَوْ غَيْرِهَا ( وَحَجُّوا ) ، وَهُوَ حَيٌّ ( وَمَالُهُ بَاقٍ اسْتَقَرَّ ) الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِهِ ( وَلَوْ تَمَكَّنَ ) مِنْ الْحَجِّ ( سِنِينَ ) فَلَمْ يَحُجَّ ( ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُضِبَ فَعِصْيَانُهُ مِنْ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ ) مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا ( فَتَبَيَّنَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ عَضْبِهِ فِسْقُهُ فِيهَا ) أَيْ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ بَلْ ، وَفِيمَا بَعْدَهَا فِي الْمَغْصُوبِ إلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ ( فَلَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِنَقْضِ مَا شَهِدَ بِهِ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ ) بَلْ وَفِيمَا بَعْدَ بَعْدَهَا فِي الْمَعْضُوبِ إلَى مَا ذُكِرَ ( كَمَا فِي نَقْضِ الْحُكْمِ بِشُهُودٍ بَانَ فِسْقُهُمْ وَعَلَيْهِ ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الْمَيِّتِ أَيْ وَارِثِهِ وَالْمَعْضُوبِ ( أَنْ يَسْتَنِيبَ فَوْرًا ) لِلتَّقْصِيرِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الِاسْتِنَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوْ عُضِبَ مَا لَوْ بَلَغَ مَعْضُوبًا فَإِنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الِاسْتِنَابَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ

قَوْلُهُ أَوْ سَنَةُ سِتٍّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي السِّيَرِ إلَخْ ) جَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ الْفَرِيضَةَ قَدْ تَنْزِلُ وَيَتَأَخَّرُ الْإِيجَابُ عَلَى الْأُمَّةِ ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } فَإِنَّهَا آيَةٌ مَكِّيَّةٌ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مَدَنِيَّةٌ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ ( قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ مَنْ خَشِيَ هَلَاكَ مَالِهِ ) مِثْلُهُ مَا إذَا أَفْسَدَ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَا إذَا اجْتَمَعَ الْقَضَاءُ وَحِجَّةُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ أَفْسَدَ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ حَجَّهُ ثُمَّ كَمُلَ وَاسْتَطَاعَ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ وَالْفَرْضُ الْأَصْلِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَمَا إذَا نَذَرَ تَعْجِيلًا وَمَا إذَا خَشِيَ الْمَوْتَ ، وَمَا إذَا عُضِبَ بَعْد مَا اسْتَطَاعَ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَضِيقُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ بِالِاسْتِنَابَةِ ( قَوْلُهُ وَمُضِيِّ إمْكَانُ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ إلَخْ ) لَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِهِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ إذْ الْمَقْصُودُ مُضِيُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ إيقَاعُ حَجٍّ مُجْزِئٍ ( ا ب ) ( قَوْلُهُ قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ زَمَنٍ يَسَعُ الْحَلْقَ إلَخْ ) ، وَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى زَمَنٍ يَخُصُّهُ ؛ لِأَنَّ تَقْصِيرَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ حَلْقَهَا أَوْ نَتْفَهَا كَافٍ وَيُمْكِنُ فِعْلُهُ ، وَهُوَ سَائِرٌ إلَى مَكَّةَ فَيَنْدَرِجُ زَمَنُهُ فِي زَمَنِ السَّيْرِ إلَيْهَا ( ا ب ) .

( فَصْلٌ ) .
( الْعَبْدُ الْمُفْسِدُ لِلْحَجِّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ ( فَإِنْ أُعْتِقَ ) بَعْدَ الْإِفْسَادِ ( ثُمَّ نَذَرَ حَجًّا قَدَّمَ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ ) لِأَصَالَتِهَا وَلِأَهَمِّيَّتِهَا الْمَفْهُومَةِ مِنْ خَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ لَبَّى عَنْ شُبْرُمَةَ أَخٍ أَوْ قَرِيبٍ لَهُ : حُجَّ عَنْ نَفْسِك ، ثُمَّ عَنْ شُبْرُمَةَ } ( ثُمَّ الْقَضَاءُ ) لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ ، وَلَا يُجْزِئُ الْقَضَاءُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ لِكَوْنِهِ تَدَارُكًا لِغَيْرِهَا ( ثُمَّ النَّذْرُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ مِنْ النَّفْلِ ( فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِهَا ) أَيْ بِغَيْرِ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ( مَنْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْ اسْتَنَابَهُ فِيهَا انْصَرَفَ إلَيْهَا ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَدَّمَ مُؤَخَّرًا لَغَا وَوَقَعَ الْمُقَدَّمُ ) وَلِمَنْ حَجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ أَنْ يُقَدِّمَ حِجَّةَ التَّطَوُّعِ عَلَى الْعُمْرَةِ ، وَلِمَنْ اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْإِسْلَامِ ، وَلَمْ يَحُجَّ أَنْ يُقَدِّمَ عُمْرَةَ التَّطَوُّعِ عَلَى الْحَجِّ ( وَإِنْ نَذَرَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ أَنْ يَحُجَّ هَذِهِ السَّنَةِ فَحَجَّ خَرَجَ عَنْ فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ ) إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَعْجِيلُ مَا كَانَ لَهُ تَأْخِيرُهُ فَيَقَعُ أَصْلُ الْفِعْلِ عَنْ فَرْضِهِ وَتَعْجِيلُهُ عَنْ نَذْرِهِ .

قَوْلُهُ وَلِأَهَمِّيَّتِهَا الْمَفْهُومَةُ مِنْ خَبَرِ أَبِي دَاوُد إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ فَلَمْ تُؤَدَّ عَنْ الْغَيْرِ مَعَ تَوَجُّهِ فَرْضِهَا كَالْجِهَادِ ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ وَعَلَيْهِ فَرْضٌ انْصَرَفَ إلَى الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ فَلَا يَتَطَوَّعُ بِهِ قَبْلَ الْمَفْرُوضِ بَلْ يَنْقَلِبُ إلَى الْمَفْرُوضِ كَمَنْ طَافَ بِنِيَّةِ الْوَدَاعِ ، وَعَلَيْهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِفَاضَةِ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا وَقَعَ لِلْفَرْضِ فَلَوْ جَازَ أَنْ يَسْبِقَ النَّفَلُ الْفَرْضَ لَانْصَرَفَ مُطْلَقُهُ إلَى النَّفْلِ كَالصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ النَّذْرُ ) ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ مَا حَجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ تَطَوَّعَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ وَالرَّاجِحُ مِنْهُ الْجَوَازُ ( قَوْلُهُ أَوْ عَلَى مَنْ اسْتَنَابَهَا فِيهَا إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ ، وَقَدْ أَحْرَمَ بِغَيْرِهَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَلَوْ بِنَفْلٍ وَكَانَ عَلَى النَّائِبِ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ .

( وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ لِلْحَجِّ فِي الذِّمَّةِ ) فَيَحُجُّ عَنْ نَفْسِهِ ، ثُمَّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى ( لَا ) فِي إجَارَةِ ( الْعَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ لِلسَّنَةِ الْأُولَى فَمَنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ ) فِيمَا ذَكَرَ ( وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْحَجِّ مَنْ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ ) أَيْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْعُمْرَةِ مَنْ عَلَيْهِ حَجٌّ ( جَازَ ) إذْ لَا مَانِعَ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالْجَوَازِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ قَرَنَ هَذَا ) أَيْ الْأَجِيرُ فِي الصُّورَتَيْنِ ( لِلْمُسْتَأْجِرِ وَقَعَ عَنْ الْأَجِيرِ ) ؛ لِأَنَّ نُسُكَيْ الْقِرَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ ، وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا قَيَّدَ بِهِ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْإِفْرَادِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ ( وَمِنْ ) الْأَوْلَى وَإِنْ ( قَرَنَ ) أَيْ هَذَا ( لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِنَفْسِهِ ) بِأَنْ أَحْرَمَ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَبِالْآخِرِ لِنَفْسِهِ ( أَوْ أَحْرَمَ ) بِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ ( عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَنْ نَفْسِهِ وَقَعَا ) أَيْ مَا أَتَى بِهِ فِي الْأُولَى وَمَا أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ ( جَمِيعًا عَنْ نَفْسِهِ ) لِمَا مَرَّ آنِفًا ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ عَنْ اثْنَيْنِ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَانْعَقَدَ لِنَفْسِهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَذَا بِقَوْلِهِ ( وَلَا أُجْرَةَ لَهُ ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا فَعَلَهُ ( وَكَذَا وَمَنْ أَحْرَمَ ) بِالنِّسْكَانِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا ( عَنْ اثْنَيْنِ ) اسْتَأْجَرَاهُ لِذَلِكَ أَوْ أَمَرَاهُ بِهِ يَقَعُ ذَلِكَ لَهُ ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ ، وَمِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِرَجُلَيْنِ اسْتَأْجَرَاهُ لِيَحُجَّ عَنْ أَحَدِهِمَا وَيَعْتَمِرَ عَنْ الْآخَرِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ اثْنَانِ فِي الذِّمَّةِ لِلْحَجِّ عَنْهُمَا أَوْ أَمَرَاهُ بِهِ بِلَا إجَارَةٍ وَأَحْرَمَ عَنْ

أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا صَرَفَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ
( قَوْلُهُ فَيَحُجُّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ كَذَا قَالَاهُ ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْأَجِيرَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِئْجَارُ مَنْ يَقُومُ بِهَذَا الْحَجِّ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ جَوَازُهُ كَاسْتِئْجَارِ الْوَارِثِ عَنْ مُوَرِّثَهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ .
انْتَهَى وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ امْتِنَاعُهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ هَذَا الْأَجِيرُ الْمَخْصُوصُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُحِبًّا فِيهِ فَيَدْعُو لَهُ بِإِخْلَاصٍ وَنَظِيرُ ذَلِكَ لَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ اسْتِئْجَارُ غَيْرِهِ لِتَنْصِيصِهِ عَلَيْهِ وَإِذَا امْتَنَعَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ لِلْحَجِّ عَمَّنْ اُسْتُؤْجِرَ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةُ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ

( وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ لِفَرْضِهِ ) أَدَاءً أَوْ قَضَاءً ( وَنَذَرَهُ رَجُلَيْنِ ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُمَا لِيَحُجَّا عَنْهُ ( فِي سَنَةٍ ) وَاحِدَةٍ : أَحَدُهُمَا حِجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ حِجَّةَ قَضَاءٍ وَالْآخَرُ حِجَّةَ نَذْرٍ ، أَوْ أَحَدُهُمَا حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ حِجَّةَ قَضَاءٍ ( جَازَ ) لِمَا - فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ الْحَجِّ ؛ وَلِأَنَّ غَيْرَ حِجَّةِ الْإِسْلَامَ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا وَحِجَّةَ النَّذْرِ لَمْ تَتَقَدَّمْ حِجَّةَ الْقَضَاءِ .

( فَرْعٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَصْلٌ ( لَوْ أَحْرَمَ الْمُتَطَوِّعُ ) بِأَنْ أَحْرَمَ شَخْصٌ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ ( أَوْ ) أَحْرَمَ ( الْأَجِيرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ) بِحَجِّ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ ( ثُمَّ نَذَرَ حَجًّا قَبْلَ الْوُقُوفِ لَا بَعْدَهُ انْصَرَفَ الْحَجُّ إلَى النَّذْرِ ) لِتَقَدُّمِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ وَفَرْضِ الشَّخْصِ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ نَذْرِهِ لَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ لِإِتْيَانِهِ بِمُعْظَمِ أَرْكَانِ مَا نَوَاهُ نَعَمْ إنْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ وَعَادَ فَالظَّاهِرُ انْصِرَافُهُ إلَى النَّذْرِ كَمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ فِيمَا لَوْ كَمَّلَ الْمُحْرِمُ بَعْدَ الْوُقُوفِ ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَعَادَ إلَيْهِ ( وَلَوْ أَحْرَمَ ) عَنْ نَفْسِهِ ( أَجِيرِ الْعَيْنِ ) أَوْ أَجِيرِ الذِّمَّةِ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى ( بِتَطَوُّعٍ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ ) لِأَنَّا إنَّمَا نُقَدِّمُ وَاجِبَ الْحَجِّ عَلَى نَفْلِهِ لِوُجُوبِهِ ، وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى الْأَجِيرِ فَلَيْسَ لِوُجُوبِهِ

( وَيَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ ) كَمَغْصُوبٍ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي مَغْصُوبٍ أَوْ ثَوْبِ حَرِيرٍ .

( بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ) زَمَانًا وَمَكَانًا ( الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ مِنْ شَوَّالٍ إلَى فَجْرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ ) كَمَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ قَوْله تَعَالَى { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } أَيْ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِهِ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ إذَا فَعَلَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَشْهُرٍ وَأَطْلَقَ الْأَشْهُرَ عَلَى شَهْرَيْنِ وَبَعْضَ شَهْرٍ تَنْزِيلًا لِلْبَعْضِ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ أَوْ إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } أَيْ عَائِشَةُ وَصَفْوَانُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ إذَا ضَاقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ عَنْ إدْرَاكِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ قَالَ : وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْجُمُعَةِ لِبَقَاءِ الْحَجِّ حَجًّا بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ .

كِتَابُ الْمَوَاقِيتِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ) ( قَوْلُهُ الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ إلَخْ ) الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا وَقْتُ الْحَجِّ مَعَ إمْكَانِهِ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ لَا يَنْعَقِدُ الْحَجُّ بِلَا شَكٍّ قَالَهُ فِي الْخَادِمِ قَالَ وَفِي انْعِقَادِهِ عُمْرَةً تَرَدُّدٌ وَالْأَرْجَحُ نَعَمْ ( قَوْلُهُ وَمِنْ شَوَّالٍ إلَى فَجْرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ ) عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَى الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ دَاوُد بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْأَيَّامَ فَلْيَقُلْ وَتِسْعَةٌ أَوْ اللَّيَالِي فَهِيَ عَشْرٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي جَمِيعًا وَغَلَبَ التَّأْنِيثُ فِي الْعَدَدِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ ، وَهُوَ إخْرَاجُ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ ، وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِإِرَادَةِ الْأَيَّامِ ، وَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِ التَّأْنِيثِ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَعَ ذِكْرِ الْمَعْدُودِ فَمَعَ حَذْفِهِ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالسُّؤَالُ مَعَهُ بَاقٍ فِي إخْرَاجِ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ .
ا هـ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فَفِي جَوَابِ السُّؤَالِ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ جَوَابٌ عَنْهُ ثَانٍ وَأَمَّا اللَّيْلَةُ الْعَاشِرَةُ فَقَدْ أَفَادَهَا قَوْلُهُ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَخْ .
( فَرْعٌ ) مَنْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ الْحَجَّ إنْ كَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ ، وَإِلَّا فَالْعُمْرَةُ فَبَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ فَحَجٌّ ، وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ يَعْتَقِدُ تَقَدُّمَهُ عَلَى وَقْتِهِ فَبَانَ فِيهِ أَجْزَأَهُ ، وَلَوْ أَخْطَأَ الْوَقْتَ كُلُّ الْحَجِيجِ فَهَلْ يُغْتَفَرُ كَخَطَأِ الْوُقُوفِ أَوْ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً وَجْهَانِ الْأَوْفَقُ الثَّانِي ( قَوْلُهُ { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } ) الْحَجُّ هُوَ الْفِعْلُ فَلَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ

أَشْهُرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ ، وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ وَقْتِ فِعْلِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ فِي أَشْهُرٍ بَلْ يُفْعَلُ فِي أَيَّامٍ ، وَلَا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرُ كَمَا قَالَ الزَّجَّاجُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَشْهُرٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } أَيْ عَقَدَ ، وَأَوْجَبَ أَيْ أَحْرَمَ ( قَوْلُهُ إذَا ضَاقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ عَنْ إدْرَاكِهِ ) كَأَنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ ، وَلَمْ يَبْقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يَصِحُّ مَعَهُ إدْرَاكُهُ

( وَ ) الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ ( لِلْعُمْرَةِ جَمِيعُ السَّنَةِ ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فِي ذِي الْقِعْدَةِ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ عُمْرَةً فِي رَجَبٍ } كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَإِنْ أَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَأَنَّهُ قَالَ { عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا { حَجَّةً مَعِي } وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ } وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ } ( لَا لِحَاجٍّ ) فَيَمْتَنِعُ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ ( قَبْلَ نَفْرِهِ ) أَمَّا قَبْلَ تَحَلُّلِهِ فَلِامْتِنَاعِ إدْخَالِهَا عَلَى الْحَجِّ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ التَّشَاغُلِ بِعِلْمِهَا ؛ وَلِأَنَّ بَقَاءَ حُكْمِ الْإِحْرَامِ كَبَقَائِهِ وَفِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعُ حِجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ إذَا قَصَدَ تَرْكَ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا إحْرَامُهُ بِهَا بَعْدَ نَفْرِهِ فَصَحِيحٌ ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الرَّمْيِ بَعْدَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بَاقِيًا ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّفْرِ خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَصَارَ كَمَا لَوْ مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَا خِلَافَ فِيهِ .
( قَوْلُهُ لَا لِحَاجٍّ قَبْلَ نَفْرِهِ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى

( وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ ، وَلَوْ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ فَلَا تُكْرَهُ فِي وَقْتٍ ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْرِيرُهَا فَقَدْ { أَعْمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ وَاعْتَمَرَتْ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ } أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَفِي رِوَايَةِ { ثَلَاثَ عُمَرَ } وَاعْتَمَرَ ابْنُ عُمَرَ أَعْوَامًا مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا : وَيُنْدَبُ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِي رَمَضَانَ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي بَاقِي السَّنَةِ لِخَبَرِ { عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي } قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِعْلُهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَيْسَ بِفَاضِلٍ كَفَضْلِهِ فِي غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ الْحَجِّ فِيهَا
( قَوْلُهُ ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْرِيرُهَا ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَجَازَ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ كَالصَّلَاةِ .

( فَرْعٌ مَتَى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ) فِيهِمَا ( انْعَقَدَ عُمْرَةً مُجْزِئَةً عَنْ الْفَرْضِ ) أَيْ فَرْضِهَا وَإِنْ كَانَ عَالِمًا لِشِدَّةِ لُزُومِ الْإِحْرَامِ لِانْعِقَادِهِ مَعَ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا سَيَأْتِي فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَقْتُ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى مَا يَقْبَلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ قَصْدُ الْحَجِّ بَقِيَ مُطْلَقُ الْإِحْرَامِ ، وَالْعُمْرَةُ تَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ هَذَا فِي الْحَلَالِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ، ثُمَّ بِحَجٍّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ عُمْرَةً ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ عَلَى الْعُمْرَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَهُوَ عُمْرَةٌ ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي أَشْهُرِهِ أَوْ قَبْلَهَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ كَانَ حَجًّا ؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ إحْرَامَهُ الْآنَ وَيَشُكُّ فِي تَقَدُّمِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قِيلَ : وَالْأَوْلَى الِاحْتِيَاطُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ، ثُمَّ نَسِيَهُ ( وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا ) أَيْ الْعُمْرَةُ ( عَنْ سَنَتِهِ ) أَيْ الْحَجِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ .
( قَوْلُهُ انْعَقَدَ عُمْرَةً مُجْزِئَةً إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ مُتَضَمِّنَةٌ لِنِيَّةِ الْعُمْرَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَفْعَالِهَا كَمَا أَنَّ نِيَّةَ الظُّهْرِ تَتَضَمَّنُ النَّفَلَ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَسَيُصْبِحُ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْعَالِمِ التَّلَاعُبِ - وَهُوَ فِي الْحَجِّ - لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَجٌّ وَأَحْرَمَ بِغَيْرِهِ عَامِدًا انْصَرَفَ إلَى مَا عَلَيْهِ .

( فَصْلٌ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ ) أَيْ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ( مَكَّةُ لَا سَائِرُ الْحَرَمِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَرِ الْآتِي حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ وَقِيسَ بِأَهْلِهَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ هُوَ بِهَا ( فَإِنْ فَارَقَ بُنْيَانَهَا وَأَحْرَمَ ) خَارِجَهَا ، وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ ( أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ ) كَمُجَاوِزِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ نَعَمْ إنْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إسَاءَةَ ، وَلَا دَمَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ ، ثُمَّ رَأَيْت الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ نَبَّهَ عَلَيْهِ بَحْثًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْإِسَاءَةِ فِيمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى مِيقَاتٍ ، وَإِلَّا فَلَا إسَاءَةَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي سُقُوطِ دَمِ التَّمَتُّعِ بِذَلِكَ ( فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا ) قَبْلَ الْوُقُوفِ ( سَقَطَ ) الدَّمُ نَعَمْ إنْ وَصَلَ فِي خُرُوجِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ بِذَلِكَ بَلْ بِوُصُولِهِ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي لِلْآفَاقِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ .
قَوْلُهُ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ إلَخْ ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ عَشْرَةٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ نَبَّهَ عَلَيْهِ ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَصَحُّ كَبَقِيَّةِ الْمَوَاقِيتِ .

( وَإِحْرَامُهُ ) أَيْ الْمَكِّيِّ ( مِنْ بَابِ دَارِهِ أَفْضَلُ ) مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْآتِي { وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ } ( فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ ) الْحَرَامَ ( مُحْرِمًا ) وَإِحْرَامُهُ مِنْ بَابِهِ يَكُونُ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إذْ الْإِحْرَامُ لَا يُسَنُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ بَلْ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ مُحْرِمًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ لَا لِلصَّلَاةِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ : إنَّهُ إذَا اُسْتُحِبَّ لَهُ فِعْلُ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ أَشْكَلَ ذَلِكَ بِتَصْحِيحِ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ بَابِ دَارِهِ ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ لِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ قِيلَ : وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ مِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أَوْ حِلَّتُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ لِيَقْطَعَ الْبَاقِي مُحْرِمًا إنَّ الْمَكِّيَّ يُحْرِمُ مِنْ طَرَفِهَا الْأَبْعَدِ عَنْ مَقْصِدِهِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ قَاصِدٌ لِمَكَانٍ أَشْرَفَ مِمَّا هُوَ فِيهِ ، وَهَذَا بِعَكْسِهِ .
( قَوْلُهُ إنَّ الْمَكِّيَّ يُحْرِمُ مِنْ طَرَفِهَا الْأَبْعَدِ إلَخْ ) لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ قَصْدِ الْمَشْيِ إلَيْهَا ( قَوْلُهُ وَهَذَا بِعَكْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَاتٍ كَانَ قَاصِدًا لِلْمَحَلِّ فَهُوَ مُنْتَقِلٌ مِنْ الْأَفْضَلِ إلَى غَيْرِ الْأَفْضَلِ فَكَيْفَ يُقَاسَ الْحِلُّ بِالْحَرَمِ حَتَّى يُسْتَحَبَّ قَصْدُهُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ .

( وَالْمُتَمَتِّعُ الْآفَاقِيُّ إنْ أَحْرَمَ ) بِالْحَجِّ ( خَارِجَ مَكَّةَ ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ ) أَوْ إلَى مِثْلِهِ مَسَافَةً ( أَوْ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمَانِ ) : دَمُ الْإِسَاءَةِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ ، وَلَوْ قَالَ : وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا أَوْ إلَى الْمِيقَاتِ كَانَ أَخْصَرَ وَخَرَجَ بِالْآفَاقِيِّ الْمَكِّيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمُ الْإِسَاءَةِ ( وَمَنْ كَانَ ) مَسْكَنُهُ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ مَكَّةَ ( وَبَيْنَ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أَوْ حِلَّتُهُ ) أَوْ مَنْزِلُهُ الْمُنْفَرِدُ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْآتِي { فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ } ( وَأَمَّا الْآفَاقِيُّ ) فَلَهُ مَوَاقِيتُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النَّوَاحِي ( فَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ ) وَهِيَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ : أَبْيَارُ عَلِيٍّ قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَهُوَ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ عَلَى سَبْعَةٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ تَزِيدُ قَلِيلًا .
قَالَ الشَّيْخَانِ وَهِيَ عَلَى نَحْوِ عَشْرَةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ فَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ ( وَلِلشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ ) أَيْ لِأَهْلِهَا ( الْجُحْفَةُ ) وَيُقَالُ لَهَا مَهْيَعَةُ بِوَزْنِ مَرْتَبَةٍ وَمَهْيَعَةُ بِوَزْنِ مَعِيشَةُ ، وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، وَقَدْ خَرِبَتْ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهِيَ عَلَى نَحْوِ خَمْسِينَ فَرْسَخًا مِنْ مَكَّةَ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ الْمَرْحَلَةَ ثَمَانِيَةُ فَرَاسِخَ فَيَكُونُ جُمْلَةُ الْمَرَاحِلِ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا ، وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ وَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَسُمِّيَتْ جُحْفَةً ؛ لِأَنَّ السَّيْلَ اجْتَحَفَهَا وَحَمَلَ أَهْلَهَا ( وَلِلْيَمَنِ ) أَيْ لِأَهْلِ تِهَامَةَ ( يَلَمْلَمُ )

وَيُقَالُ أَلَمْلَمُ ، وَهُوَ أَصْلُهُ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً وَيَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ ، وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ ( وَلِنَجْدِيٍّ الْحِجَازُ وَالْيَمَنُ ) أَيْ لِأَهْلِهِمَا ( قَرْنُ ) بِسُكُونِ الرَّاءِ وَيُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ ، وَهُوَ جَبَلٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَوَهَمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَحْرِيكِ الرَّاءِ وَفِي قَوْلِهِ : إنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَرْنٍ قَبِيلَةٌ مِنْ مُرَادٍ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ ( وَلِلْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ ) أَيْ لِأَهْلِهِمَا ( ذَاتُ عِرْقٍ ) وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ ، وَقَدْ خَرِبَتْ .
( وَالْعَقِيقُ ) ، وَهُوَ وَادٍ فَوْقَ ذَاتِ عِرْقٍ ( لَهُمْ ) أَيْ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ ( أَفْضَلُ ) مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَقَالَ : هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ } خَبَرُ الشَّافِعِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ } وَخَبَرُ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ } ( وَالطَّرَفُ الْأَبْعَدُ عَنْ مَكَّةَ مِنْ كُلِّ مِيقَاتٍ ) أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ ( أَفْضَلُ ) مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ وَسَطِهِ وَآخِرِهِ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ

مُحْرِمًا قَالَ السُّبْكِيُّ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ ( وَهِيَ ) أَيْ الْمَوَاقِيتُ الْمَذْكُورَةُ ( لِأَهْلِهِمَا وَلِمَنْ سَلَكَهَا ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ إلَّا النَّائِبُ فَيُحْرِمُ كَمَا مَرَّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِ مُنِيبِهِ ( وَالْعِبْرَةُ ) فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ ( بِالْبُقْعَةِ لَا مَا بُنِيَ ) ، وَلَوْ ( قَرِيبًا مِنْهَا ) ، وَلَوْ بِنَقْضِهَا وَإِنْ سُمِّيَ بِاسْمِهَا .

( قَوْلُهُ فَمِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أَوْ حِلَّتُهُ ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مِيقَاتَيْنِ كَمَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَا فَإِنْ كَانَ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَمَامَهُ وَالْآخَرُ وَرَاءَهُ كَذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْحُجْفَةِ فَمَنْ كَانَ عَلَى جَادَّةِ الْمَغْرِبِ وَالشَّامِ كَأَهْلِ بَدْرٍ وَالصَّفْرَاءِ فَمِيقَاتُهُمْ الْجُحْفَةُ أَمَامَهُمْ وَمَنْ كَانَ عَلَى جَادَّةِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى طَرِيقِ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَأَهْلِ الْأَبْوَاءِ وَالْعَرَجِ فَمِيقَاتُهُمْ مَوْضِعُهُمْ اعْتِبَارًا بِذِي الْحُلَيْفَةِ لِكَوْنِهِمْ عَلَى جَادَّتِهَا وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الْجَادَّتَيْنِ فَإِنْ كَانُوا إلَى جَادَّةِ الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ أَحْرَمُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ وَإِنْ كَانُوا إلَى جَادَّةِ الشَّامِ أَقْرَبَ أَحْرَمُوا مِنْ الْجُحْفَةِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُحْرِمُونَ مِنْ مَوْضِعِهِمْ وَالثَّانِي مِنْهُ أَوْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَإِنْ شَاءُوا .
ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا ضَابِطُ مُجَاوَزَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِلدَّمِ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ وَلَا عِبْرَةَ بِمُجَاوَزَتِهِ وَمَا دُونَهُ مِنْ الْقَرْيَةِ أَوْ الْحِلَّةِ .
قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَذَا حَقٌّ قَالَ فِي الْخَادِمِ ، وَلَا يَخْتَصُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَقَدْ قَالُوا : إنَّهُ إذَا كَانَ بِالْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَفِيهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَفْضَلَ إحْرَامُهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَهُوَ جَالِسٌ ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَسْجِدُ فِي وَسَطِ الْمِيقَاتِ أَوْ طَرَفِهِ الْآخَرِ إلَى مَكَّةَ

( وَمَنْ سَلَكَ ) طَرِيقًا ( غَيْرَ ) طَرِيقِ ( الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ بِمُحَاذَاتِهِ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُسَامَتَتِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْبَرِّ أَمْ فِي الْبَحْرِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا وَإِنَّا إنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ : فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ عُمَرُ ذَاتِ عِرْقٍ } ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ ( فَإِنْ أَشْكَلَ ) عَلَيْهِ الْمِيقَاتُ أَوْ مَوْضُوعُ مُحَاذَاتِهِ ( احْتَاطَ ) ، الَّذِي فِي الْأَصْلِ تَحَرَّى ، وَطَرِيقُ الِاحْتِيَاطِ لَا يَخْفَى ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ اجْتَهَدَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِظْهَارَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَحَيَّرَ فِي اجْتِهَادِهِ تَعَيَّنَ الِاسْتِظْهَارُ جَزْمًا إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَوْ كَانَ قَدْ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ ( وَلَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ ) وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ إلَى مَكَّةَ إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ ( فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ ) إلَيْهِ ( فَأَبْعَدُهُمَا مِنْ مَكَّةَ ) يُحْرِمُ مِنْهُ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا كَأَنْ كَانَ الْأَبْعَدُ مُنْحَرِفًا أَوْ وَعْرًا ( فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ ) إلَيْهِ ( فَكِلَاهُمَا مِيقَاتُهُ قُلْنَا : لَا بَلْ مِيقَاتُهُ الْأَبْعَدُ إلَى مَكَّةَ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْأَبْعَدِ أَوْ إلَى ) مِثْلِ ( مَسَافَتِهِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ لَا ) إنْ رَجَعَ ( إلَى الْآخَرِ ) فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِمَا وَإِلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِمَا إنْ لَمْ يُحَاذِ أَحَدَهُمَا

قَبْلَ الْآخَرِ ، وَإِلَّا فَمِنْ مُحَاذَاةِ الْأَوَّلِ يَنْتَظِرُ مُحَاذَاةَ الْآخَرَ كَمَا لَيْسَ لِلْمَارِّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ ( فَإِنْ لَمْ يُحَاذِ شَيْئًا ) مِنْ الْمَوَاقِيتِ ( أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَقَلُّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ .
( قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ اجْتَهَدَ ) أَيْ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ ، وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي الِاجْتِهَادِ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ كَالْأَعْمَى ( قَوْلُهُ وَلَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ ) أَحْرَمَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مَعًا .

( فَرْعٌ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ ) إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ ( غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ ، ثُمَّ عَنَّ ) أَيْ عَرَضَ ( لَهُ ) قَصْدُ النُّسُكِ ( فَذَلِكَ ) أَيْ مَحَلُّ عُرُوضِ ذَلِكَ لَهُ ( مِيقَاتُهُ ) ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا شَمَلَ ذَلِكَ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ { وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ } وَأَشَارَ إلَيْهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ .
( قَوْلُهُ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ ) أَيْ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ أَمَّا إذَا جَاوَزَهُ إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَأَحْرَمَ مِنْ مِثْلِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يُجَاوِزَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ عَرَفَةَ ثُمَّ يُحْرِمَ مُحَاذِيًا لِمَكَّةَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الطَّبَرِيُّ وَعَنْ الْبَيَانِ أَنَّ ظَاهِرَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّا حَيْثُ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الدَّمَ بِالْعَوْدِ لَا تَكُونُ الْمُجَاوَزَةُ حَرَامًا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ شَرْطُ انْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ إذَا أَخَذَ عَنْ يَمِينِ الْمِيقَاتِ أَوْ يَسَارِهِ لَمْ نَقُلْ جَاوَزَهُ وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ

( فَصْلٌ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غَيْرَ مُحْرِمٍ ) ، وَلَمْ يَنْوِ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ ( أَسَاءَ ) لِلْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ( وَلَزِمَهُ الْعَوْدُ ) إلَيْهِ مُحْرِمًا أَوْ لِيُحْرِمَ مِنْهُ تَدَارُكًا لِمَا فَوَّتَهُ ( وَأَثِمَ بِتَرْكِهِ ) أَيْ الْعَوْدِ ( إلَّا لِعُذْرٍ ) كَضِيقِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ وَسَهْوِهِ وَجَهْلِهِ فَلَا عَوْدَ عَلَيْهِ ، وَلَا إثْمَ لِعُذْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إذَا كَانَ مَاشِيًا ، وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِالْمَشْيِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا قُلْنَا فِي الْحَجِّ مَاشِيًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : وَلِوَجْهِ لُزُومِ الْعَوْدِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِمَا تَعَدَّى فِيهِ فَأَشْبَهَ وُجُوبَ قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ ( فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْعَوْدِ ) ، الْأَوْلَى وَلَمْ يَعُدْ ( وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا ) فِي ذَلِكَ ( لَزِمَهُ دَمٌ ) لِإِسَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِهِ صَحِيحٍ وَشَرْطُ لُزُومِهِ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَنْ يُحْرِمَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ إنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ النُّسُكِ لَا بَدَلَ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ دُونَهُ يَكُنْ كَالْمُسْلِمِ فِيمَا ذُكِرَ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ حَجِّ الصَّبِيِّ ( وَيَسْقُطُ ) عَنْهُ الدَّمُ ( مَتَى عَادَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا

بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ سَوَاءٌ أَكَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا ( لَا ) إنْ عَادَ ( بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ وَلَوْ طَوَافَ الْقُدُومِ ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ .

( قَوْلُهُ أَوْ الِانْقِطَاعُ عَنْ الرُّفْقَةِ ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ عُذْرٌ مَعَ الْأَمْنِ لِمَشَقَّةِ الِاسْتِيحَاشِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ ( قَوْلُهُ لَزِمَهُ دَمٌ ) أَيْ الْبَالِغُ الْحُرُّ أَمَّا الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَمُلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ كَذَلِكَ لِافْتِقَارِ إحْرَامِهَا إذْنَ الْغَيْرِ فَلَوْ جَاوَزَتْ الْمِيقَاتَ مُرِيدَةً لِلنُّسُكِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَلَا دَمَ عَلَيْهَا هَكَذَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ وَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ .
( قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى إلَخْ ) فَإِنْ كَانَ النُّسُكُ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ عُمْرَةً لَزِمَهُ الدَّمُ سَوَاءٌ اعْتَمَرَ فِي سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ أَمْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ ( قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ مَتَى عَادَ ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الدَّمَ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ بِالْعَوْدِ ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْحَاوِي وَصَحَّحَ أَعْنِي الْمَاوَرْدِيَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِفَوَاتِ الْعَوْدِ كَمَا لَوْ جَاوَزَ ، وَلَمْ يُحْرِمْ فَإِنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَجِبُ بِفَوَاتِ الْعَوْدِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسَاءَةَ هُنَا تَأَكَّدَتْ بِالْإِحْرَامِ ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَعُهُ الْعَوْدُ عَلَى وَجْهٍ وَقِيلَ إنَّهُ يُرَاعَى إنْ لَمْ يَعُدْ تَبَيَّنَ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ عَدَمُهُ وَإِذَا سَقَطَ بِالدَّمِ عَنْ الْمُجَاوِزِ بِالْعَوْدِ بَانَ أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ لَمْ تَكُنْ حَرَامًا جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَحَلِّيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ شَرْطُ انْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ بَعِيدٌ وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ لَهُ الْمُجَاوَزَةَ ثُمَّ يَعُودُ وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ

الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُجَاوَزَةِ فَالصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ مُسِيءٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْإِسَاءَةِ ارْتَفَعَ بِرُجُوعِهِ وَتَوْبَتِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ خِلَافٌ

( ، وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ) خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ عَكْسَهُ { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِحَجَّتِهِ وَبِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ } رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ ؛ وَلِأَنَّ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ بِالتَّقْدِيمِ عُسْرًا ، وَتَغْرِيرًا بِالْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا ، وَإِنَّمَا جَازَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ لَا قَبْلَ الزَّمَانِيِّ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ مِنْهُ بِالْمَكَانِ ، وَلِأَنَّ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ .
( قَوْلُهُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ) لَكِنْ لَوْ نَذَرَهُ مِنْهَا لَزِمَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَكَمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ .

( فَصْلٌ مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ مِيقَاتُ الْحَجِّ ) لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ { مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ } ( إلَّا لِمَنْ فِي الْحَرَمِ ) مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( فَمِيقَاتُهُ الْوَاجِبُ أَدْنَى الْحِلِّ ) فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ ، وَلَوْ بِقَلِيلٍ مِنْ أَيْ جَانِبٍ شَاءَ لِلْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْجَمْعِ فِي الْحَجِّ بَيْنَهُمَا بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَائِشَةَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْخُرُوجُ لَأَحْرَمَتْ مِنْ مَكَانِهَا لِضِيقِ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَحِيلِ الْحَاجِّ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " الْوَاجِبُ " مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَالْأَفْضَلُ ) مِنْ بِقَاعُ الْحِلِّ لِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ ( الْجِعْرَانَةُ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِ الْعَيْنِ وَتَثْقِيلِ الرَّاءِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهِيَ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ ( ثُمَّ التَّنْعِيمُ ) لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهُ ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نُعَيْمٌ وَعَلَى شِمَالِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ ( ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنْ تَثْقِيلِهَا وَهِيَ اسْمٌ لِبِئْرٍ هُنَاكَ بَيْنَ طَرِيقِ جُدَّةَ وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ وَذَلِكَ { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا فَصَدَّهُ الْكُفَّارُ فَقَدَّمَ فِعْلَهُ ، ثُمَّ أَمْرَهُ ، ثُمَّ هَمَّهُ } كَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ : إنَّهُ هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي

الْحُلَيْفَةِ إلَّا أَنَّهُ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ { وَإِنَّمَا أَعْمَرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ } وَمَعَ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ لِضِيقِ الْوَقْتِ ، أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَلَيْسَ التَّفْضِيلُ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّ الْجِعْرَانَةَ وَالْحُدَيْبِيَةَ مَسَافَتُهُمَا إلَى مَكَّةَ وَاحِدَةٌ : سِتَّةُ فَرَاسِخَ وَالتَّنْعِيمُ مَسَافَتُهُ إلَيْهَا فَرْسَخٌ كَمَا مَرَّ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ نُدِبَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ بَطْنَ وَادٍ ، ثُمَّ يُحْرِمَ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَحَكَاهُ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( وَإِذَا أَحْرَمَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ وَتَمَّمَ ) أَفْعَالَهَا ( وَلَمْ يَخْرُجْ ) إلَى الْحِلِّ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ مِنْهَا ( أَجْزَأَهُ ) مَا أَحْرَمَ بِهِ ( وَلَزِمَهُ الدَّمُ ) لِأَنَّ الْإِسَاءَةَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ إنَّمَا تَقْتَضِي لُزُومَ الدَّمِ لَا عَدَمَ الْإِجْزَاءِ ( وَمَتَى عَادَ ) يَعْنِي خَرَجَ إلَى الْحِلِّ ( قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِفَرْضٍ سَقَطَ ) عَنْهُ الدَّمُ لِمَا مَرَّ .
( قَوْلُهُ فَمِيقَاتُهُ الْوَاجِبُ أَدْنَى الْحِلِّ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ خَطَا بِإِحْدَى قَدَمَيْهِ إلَى الْحِلِّ وَبَاقِيهِ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْبَاقِي فِي الْحَرَمِ أَوْ عَلَى الْقَدَمَيْنِ مَعًا فَلَيْسَ بِخَارِجٍ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدَمِ الْخَارِجِ فَقَطْ فَفِيهِ احْتِمَالٌ ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا انْتَهَى وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ خَارِجٌ ( قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ الْجِعْرَانَةُ إلَخْ ) قَالَ يُوسُفُ بْنَ وَأَسْحُتٌ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ إلَخْ ) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ هَمَّ أَوَّلًا بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا ثُمَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ هَمَّ بِالدُّخُولِ مِنْهَا .

( بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِهَا ( الْإِفْرَادُ ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ ، ثُمَّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ ) عَلَى الْأَصَحِّ مَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ } وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَرَوَيَا { عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا } وَرَوَيَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ وَبِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَهُ أَوَّلًا كَمَا سَيَأْتِي وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَبِأَنَّ الْمُفْرِدَ لَمْ يَرْبَحْ مَا رَبِحَهُ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورَاتِ ، وَلَا مَا رَبِحَهُ مِنْ انْدِرَاجِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ تَحْتَ الْحَجِّ فَهُوَ أَشَقُّ عَمَلًا ، وَبِأَنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ يَجِبُ فِيهِمَا الدَّمُ بِخِلَافِ الْإِفْرَادِ ، وَالْجَبْرُ دَلِيلُ النُّقْصَانِ وَأَمَّا تَمَنِّيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمَتُّعَ بِقَوْلِهِ { لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرَتْ مَا أَهْدَيْت وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً } فَلِتَطْيِيبِ قُلُوبِ الصَّحَابَةِ حَيْثُ حَزِنُوا عَلَى عَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالِاعْتِمَارِ لِعَدَمِ الْهَدْيِ قَالَ الْقَاضِي ؛ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ مِنْ أَنَّ الْإِهْدَاءَ يَمْنَعُ الِاعْتِمَارَ غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ .
وَالصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ } وَخُصَّ بِجَوَازِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ { لَبَّيْكَ عُمْرَةً فِي حِجَّةٍ } وَبِهَذَا يَسْهُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْإِفْرَادِ وَهُمْ الْأَكْثَرُ أَوَّلُ

الْإِحْرَامِ وَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْقِرَانِ آخِرُهُ ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ ، وَقَدْ انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً وَلَوْ جُعِلَتْ حِجَّةً مُفْرَدَةً لَكَانَ غَيْرَ مُعْتَمِرٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي حِجَّتِهِ فِي نَفْسِهِ ، وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ وَقِسْمٌ بِعُمْرَةٍ فَفَرَغُوا مِنْهَا ، ثُمَّ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَقِسْمٌ بِحَجٍّ ، وَلَا هَدْيَ مَعَهُمْ فَأَمَرَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْلِبُوهُ عُمْرَةً ، وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ أَمَرَهُمْ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ إيقَاعَهَا فِيهِ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ كَمَا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ } لِذَلِكَ وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ خَبَرُ أَبِي دَاوُد { عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً فَقَالَ : بَلْ لَكُمْ خَاصَّةً } فَانْتَظَمَتْ الرَّاوِيَاتُ فِي إحْرَامِهِمْ أَيْضًا فَمَنْ رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَارِنِينَ أَوْ مُتَمَتِّعِينَ أَوْ مُفْرِدِينَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ وَهُمْ الَّذِينَ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَظُنَّ أَنَّ الْبَقِيَّةَ مِثْلُهُمْ .
وَأَمَّا تَفْضِيلُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ، ثُمَّ الْقِرَانُ أَيْ أَفْضَلُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ ، ثُمَّ الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ .

( بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ إلَخْ ) ( قَوْلُهُ الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ ) قَالَ الْبَارِزِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقِرَانُ أَفْضَلُ إنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ أَوْ أَرَادَ الِاعْتِمَارَ بَعْدُ لِتَحْصُلَ لَهُ عُمْرَتَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى عُمْرَةِ الْقِرَانِ قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ وَنَظِيرُهُ مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ إذَا ظَنَّ الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ فَصَلَّى أَوَّلًا بِالتَّيَمُّمِ عَلَى قَصْدِ إعَادَتِهَا بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَوْ تَمَتَّعَ وَلَكِنْ اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ يَظْهَرُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَاد لِتَحْصُلَ صُورَةُ الْإِفْرَادِ مَعَ اعْتِمَارِ عُمْرَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ : إنَّمَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ هَذَا التَّفْصِيلَ عِنْدَ تَأْدِيَةِ نُسُكَيْنِ فَقَطْ وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قَدْ أَدَّى ثَلَاثَةَ نُسُكٍ .

( فَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَيَفْرُغُ مِنْهُ ، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ) وَمَحَلُّ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَنْ يَعْتَمِرَ ( مِنْ سَنَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْتَمِرْ فِيهَا فَهُمَا أَفْضَلُ مِنْهُ ) لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الِاعْتِمَارِ عَنْهَا كَمَا مَرَّ ( وَأَمَّا الْقِرَانُ فَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا أَوْ بِالْعُمْرَةِ ، وَلَوْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ ) أَيْ الْحَجَّ ( عَلَيْهَا فِي أَشْهُرِهِ قَبْلَ ) الشُّرُوعِ فِي ( الطَّوَافِ ) دَلِيلُ الصُّورَةِ الْأُولَى الْإِجْمَاعُ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِهِمَا } وَدَلِيلُ الثَّانِيَةِ خَبَرُ مُسْلِمٍ { أَنَّ عَائِشَةَ أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهَا تَبْكِي فَقَالَ مَا شَأْنُك قَالَتْ حِضْت ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ ، وَلَمْ أَحْلُلْ ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَالَ لَهَا قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا } .
( وَلَا يَجُوزُ ) إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ ( بَعْدَهُ ) بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ لِاتِّصَالِ إحْرَامِهَا بِمَقْصُودِهِ ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَيَقَعُ عَنْهَا وَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهَا ؛ وَلِأَنَّهُ أَخَذَ فِي التَّحَلُّلِ الْمُقْتَضِي لِنُقْصَانِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ إدْخَالُ الْإِحْرَامِ الْمُقْتَضِي لِقُوَّتِهِ فَلَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِنِيَّةِ الطَّوَافِ فَفِي صِحَّةِ الْإِدْخَالِ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمَتُهُ لَا بَعْضُهُ قَالَ وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا : صَحَّ إحْرَامُهُ ؛

لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ حَتَّى يَتَّقِينَ الْمَنْعَ فَصَارَ كَمَنْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ ، وَلَمْ يَدْرِ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ قَبْلَ تَزَوُّجِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ وَإِذَا أَحْرَمَ بِهِمَا أَوْ بِالْعُمْرَةِ ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ ( فَتَنْدَرِجُ فِيهِ ) فَيَكْفِيهِ عَمَلُ الْحَجِّ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ الَّذِينَ قَرَنُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعَوْا سَعْيًا وَاحِدًا } ( وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ ) يَعْنِي إدْخَالَ ( الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ إدْخَالِهِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْوُقُوفَ وَالرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إدْخَالُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ كَفِرَاشِ النِّكَاحِ مَعَ فِرَاشِ الْمِلْكِ لِقُوَّتِهِ عَلَيْهِ جَازَ إدْخَالُهُ عَلَيْهِ دُونَ الْعَكْسِ حَتَّى لَوْ نَكَحَ أُخْتَ أَمَتِهِ جَازَ وَطْؤُهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ ( وَلَوْ قَرَنَ بِمَكَّةَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ ) تَغْلِيبًا لِلْحَجِّ لِانْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِحْرَامِ بِهَا مِنْ الْحِلِّ مَعَ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ ( وَعَلَى الْقَارِنِ ) إذَا كَانَ مِنْ ( غَيْرِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دَمٌ كَالتَّمَتُّعِ ) أَيْ كَالدَّمِ اللَّازِمِ فِي صِفَتِهِ وَبَدَلُهُ عَنْ الْعَجْزِ عَنْهُ لِتَرَفُّهِهِ بِتَرْكِ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ فَهُوَ أَشَدُّ تَرَفُّهًا مِنْ الْمُتَمَتِّعِ التَّارِكِ لِأَحَدِ الْمِيقَاتَيْنِ وَلِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ وَكُنَّ قَارِنَاتٍ } أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ فَرْعُ دَمِ التَّمَتُّعِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَاضِرِ فَفَرْعُهُ أَوْلَى .

( قَوْلُهُ فَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ إلَخْ ) اسْمُ الْإِفْرَادِ صَادِقٌ عَلَى صُوَرٍ إحْدَاهَا مَا ذَكَرَهُ ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مُفْرِدٌ بِلَا خِلَافٍ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ ، الثَّالِثَةُ إذَا اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ الْمِيقَاتِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَأَمَّا الْإِفْرَادُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَالَ شَيْخُنَا : هُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ الْمَشْهُورِ وَمِنْ الْقِرَانِ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ التَّمَتُّعِ أَيْضًا وَهُوَ مَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِصُورَةِ الْإِفْرَادِ الْأَصْلِيَّةِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يُدْخِلُهُ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّوَافِ ) شَمَلَ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ .

( فَرْعٌ ) لَوْ أَحْرَمَ آفَاقِيٌّ بِالْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا ، ثُمَّ قَرَنَ مِنْ عَامِهِ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِتَمَتُّعِهِ وَدَمٌ لِقِرَانِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ فَأَجَابَ بِأَنَّ الصَّوَابَ لُزُومُ دَمٍ وَاحِدٍ لِلتَّمَتُّعِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْقِرَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِمْ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ ، وَدَمُهُمَا مُتَجَانِسٌ فَيَتَدَاخَلَانِ وَمَا قَالَاهُ يُتَلَقَّى مَأْخَذُهُ ، وَتَحْرِيرَهُ مِمَّا يَأْتِي فِيمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ ، ثُمَّ أَحْرَمَ .

( فَصْلٌ وَالتَّمَتُّعُ ) الْمُطْلَقُ ( وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ ) الشَّخْصُ ( بِالْعُمْرَةِ ) وَيُتِمَّهَا ، ثُمَّ يَحُجَّ وَأَمَّا التَّمَتُّعُ الْمُوجِبُ لِلدَّمِ فَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغُ مِنْهَا ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي عَامِهِ ، وَلَوْ كَانَ أَجِيرًا فِيهِمَا لِشَخْصَيْنِ ) لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَسُمِّيَ تَمَتَّعَا لِتَمَتُّعِ صَاحِبِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَهُمَا أَوْ لِتَمَتُّعِهِ لِسُقُوطِ الْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْحَجِّ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } ، التَّقْدِيرُ تَمَتَّعَ بِالْإِحْلَالِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا مِنْ مِيقَاتِهِ لَاحْتَاجَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ إلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَإِذَا تَمَتَّعَ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَخَرَجَ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَنْ يُسَمَّى تَمَتُّعًا مُوجِبًا لِلدَّمِ أَشْيَاءُ سَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ .
( أَمَّا حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وَالْقَرِيبُ مِنْ الشَّيْءِ يُقَالُ : إنَّهُ حَاضِرُهُ قَالَ تَعَالَى { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ } أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا أَيْ عَامًّا لِأَهْلِهِ ، وَمَنْ مَرَّ بِهِ فَلَا يَشْكُلُ بِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إذَا عَنَّ لَهُ النُّسُكُ ، ثُمَّ فَاتَهُ ، وَإِنْ رَبِحَ مِيقَاتًا بِتَمَتُّعِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِيقَاتًا عَامًّا ، وَلَا يَشْكُلُ أَيْضًا بِأَنَّهُمْ

جَعَلُوا مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ فِي هَذَا ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِسَاءَةِ ، وَهُوَ إذَا كَانَ مَسْكَنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ وَجَاوَزَهُ وَأَحْرَمَ كَالْمَوْضُوعِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ كَالْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِ مَكَّةَ بَلْ أَلْزَمُوهُ الدَّمَ وَجَعَلُوهُ مُسِيئًا كَالْآفَاقِيِّ ؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ مِمَّا ذُكِرَ تَابِعٌ لَهَا وَالتَّابِعُ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمَتْبُوعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَلِأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَهُنَا لَا يَلْزَمُ دَمٌ لِعَدَمِ إسَاءَتِهِ بِعَدَمِ عَوْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ .
وَهُنَاكَ يَلْزَمُهُ دَمُ لِإِسَاءَتِهِ بِمُجَاوَزَتِهِ مَا عُيِّنَ لَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ { وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ } وَعَلَى أَنَّ الْمَسْكَنَ الْمَذْكُورَةَ كَالْقَرْيَةِ بِمَنْزِلَةِ مَكَّةَ فِي جَوَازِ الْإِحْرَامِ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِهِ وَعَدَمِ جَوَازِ مُجَاوَزَتِهِ بِلَا إحْرَامٍ لِمُرِيدِ النُّسُكِ وَاعْتَبَرُوا الْمَسَافَةَ مِنْ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ الْحَرَمُ إلَّا قَوْلَهُ { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } فَهُوَ نَفْسُ الْكَعْبَةِ وَاعْتَبَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ مَكَّةَ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ فِيمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ فَصْلِ دَمِ التَّمَتُّعِ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى فَقَدْ نَقَلَهُ فِي التَّقْرِيبِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَيَّدَهُ بِأَنَّ اعْتِبَارَهَا مِنْ الْحَرَمِ يُؤَدِّي إلَى إدْخَالِ الْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ وَإِخْرَاجِ الْقَرِيبِ لِاخْتِلَافِ الْمَوَاقِيتِ يَعْنِي حُدُودَ الْحَرَمِ قُلْت وَإِلَى أَنَّ مَنْ بِذَاتِ عِرْقٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ ؛ لِأَنَّهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا أَحَدٌ مِنْ حُكْمِ الْمَوَاقِيتِ ( فَإِنْ كَانَ لَهُ ) أَيْ لِلْمُتَمَتِّعِ (

مَسْكَنَانِ أَحَدُهُمَا بَعِيدٌ ) وَالْآخَرُ قَرِيبٌ ( اُعْتُبِرَ ) فِي كَوْنِهِ مِنْ الْحَاضِرِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ ( كَثْرَةُ إقَامَتِهِ ) بِأَحَدِهِمَا .
( ثُمَّ ) إنْ اسْتَوَتْ إقَامَتُهُ بِهِمَا اُعْتُبِرَ ( بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ ) أَيْ بِوُجُودِهِمَا دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ بِأَحَدِهِمَا وَمَالُهُ بِالْآخِرِ اُعْتُبِرَ بِمَكَانِ الْأَهْلِ ، ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قَالَ : وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ تَحْتَ حِجْرِهِ دُونَ الْآبَاءِ وَالْإِخْوَةِ ( ثُمَّ ) إنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ اُعْتُبِرَ ( بِعَزْمِ الرُّجُوعِ ) إلَى أَحَدِهِمَا لِلْإِقَامَةِ فِيهِ ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ اُعْتُبِرَ ( بِإِنْشَاءِ الْخُرُوجِ ) أَيْ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَزَمَ أَوْ اسْتَوَى عَزْمُهُ وَاسْتَوَيَا فِي كُلِّ شَيْءٍ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَغَيْرُهُ اُعْتُبِرَ بِمَوْضِعِ إحْرَامِهِ .
قَوْلُهُ وَالتَّمَتُّعُ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَيُتِمَّهَا ثُمَّ يَحُجَّ ) شَمَلَ مَا إذَا اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ ، وَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ أَنَّهَا إفْرَادٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَنَذْكُرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَوْلَى ( قَوْلُهُ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي عَامِهِ ) إذَا أَحْرَمَ الْآفَاقِيُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ قَرَنَ مِنْ عَامِهِ هَلْ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ أَمْ دَمَانِ كَمَا فِي تَجْرِيدِ الْمَحَامِلِيِّ عَنْ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ د وَقَوْلُهُ أَمْ دَمَانِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلِلْغَرِيبِ الْمُسْتَوْطِنِ ) فِي الْحَرَمِ أَوْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( حُكْمُ أَهْلِ الْبَلَدِ ) الَّذِي فِيهِ ( وَيَلْزَمُ الدَّمُ آفَاقِيًّا تَمَتَّعَ نَاوِيًا الِاسْتِيطَانَ بِهَا ) أَيْ بِمَكَّةَ ، وَلَوْ ( بَعْدَ الْعُمْرَةِ ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخَائِرِ بِأَنَّهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ أَمَّا الْعَوْدُ أَوْ الدَّمُ فِي إحْرَامِ سَنَتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَتَبِعَ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْآفَاقِيِّ الْغَزَالِيَّ وَغَيْرَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ مُنْكَرٌ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إذَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بَلْ إلَى وَاحِدِهِ بِأَنْ يُقَالَ هُنَا أَفَقِيٌّ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى إذَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُ كَافٍ فِي الِاحْتِجَاجِ بَلْ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ مَعَهُ ، وَلَمْ يُغَلَّبْ كَالْأَنْصَارِ ، وَلَمْ يُهْمَلْ وَاحِدُهُ كَعَبَادِيدَ فَإِنْ صَحَّ جَعْلُ الْآفَاقِ كَالْأَنْصَارِ فِي الْغَلَبَةِ انْدَفَعَ الْأَنْكَارُ ( وَكَذَا لَوْ جَاوَزَهُ ) أَيْ الْمِيقَاتُ ( غَيْرُ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ ، ثُمَّ اعْتَمَرَ ) حِينَ عَنَّ لَهُ بِمَكَّةَ أَوْ بِقُرْبِهَا لَزِمَهُ دَمٌ عَلَى الْمُخْتَارِ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فِي الْأُولَى ، وَعَلَى الْأَصَحّ فِيهِمَا تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَاضِرِينَ لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ وَنَقَلَ فِيهِمَا كَالرَّافِعِيِّ عَنْ الْغَزَالِيِّ عَدَمَ لُزُومِهِ فِي الْأُولَى وَاسْتَغْرَبَاهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْإِمَامُ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ وَالدَّارِمِيِّ فَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ هُوَ الرَّاجِحُ ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ أَوْ فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِتَمَتُّعِهِ رِبْحَ سَفَرٍ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ جَزَمَ ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ فِيهَا بِعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ أَيْضًا ، وَهُوَ أَقْرَبُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا جَاوَزَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ، ثُمَّ

أَحْرَمَ .
ا هـ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا وَمَا أَيَّدَ بِهِ ، وَقَدْ يُحْمَلُ مَا هُنَا فِي الصُّورَتَيْنِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَوْطِنْ وَفِيمَا سَيَأْتِي عَلَى مَا إذَا اسْتَوْطَنَ ، وَعَلَيْهِ فَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى بُعْدِ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْأُولَى عَلَى الثَّانِي ، وَمَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى الْأَوَّلِ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ .

( وَإِذَا جَاوَزَهُ مُحْرِمًا بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَأَتَمَّهَا ) وَلَوْ ( فِي أَشْهُرِهِ ) ، ثُمَّ حَجَّ ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) الدَّمُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْحَجِّ فَأَشْبَهَ الْمُفْرِدَ وَذَكَرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ مَنُوطٌ بِرِبْحِ الْمِيقَاتِ وَبِوَقْعِ الْعُمْرَةِ بِتَمَامِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا يَزْحَمُونَ بِهَا الْحَجَّ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ وَيَسْتَنْكِرُونَ ذَلِكَ فَوَرَدَ التَّمَتُّعُ رُخْصَةً لِلْآفَاقِيِّ إذَا قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتِهِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مُجَاوَزَتِهِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَجُوِّزَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَتَحَلَّلَ مَعَ الدَّمِ ( وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ) الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ ( لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) لِانْتِفَاءِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُزَاحَمَةِ وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذَا لَمْ يَحُجُّوا مِنْ عَامِهِمْ ذَلِكَ لَمْ يُهْدُوا ( ، وَلَا عَلَى مَنْ ) حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَكِنْ ( عَادَ إلَى مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ أَوْ ) إلَى ( مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَكَذَا إلَى مِيقَاتٍ دُونَهَا ) أَيْ دُونَ مَسَافَةِ مِيقَاتِهِ كَأَنْ كَانَ مِيقَاتُهُ الْجُحْفَةَ فَعَادَ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ ( وَأَحْرَمَ ) بِالْحَجِّ مِمَّا عَادَ إلَيْهِ فِي الْكُلِّ ( وَكَذَا لَوْ عَادَ إلَيْهِ مُحْرِمًا ) بِهِ ( قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ مُحْرِمًا وَلِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِإِيجَابِ الدَّمِ ، وَهُوَ رِبْحُ الْمِيقَاتِ - كَمَا مَرَّ - قَدْ زَالَ وَبِعَوْدِهِ إلَيْهِ وَاكْتَفِي هُنَا بِالْمِيقَاتِ الْأَقْرَبِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فِي عَوْدِهِ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ، ثُمَّ ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ قَضَاءٌ لِمَا فَوَّتَهُ بِإِسَاءَتِهِ لِأَنَّهُ دَمُ إسَاءَةٍ بِخِلَافِهِ هُنَا

قَوْلُهُ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ ) أَوْ عَادَ لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ

( فَرْعٌ عَوْدُ الْقَارِنِ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الْوُقُوفِ ) بِعَرَفَةَ وَقَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ آخَرَ ( يُسْقِطُ الدَّمَ ) عَنْهُ كَمَا فِي الْمُتَمَتِّعِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ الْحَاضِرِينَ .

( فَرْعٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ شَخْصٌ لِحَجٍّ وَآخَرُ لِعُمْرَةٍ ) فَتَمَتَّعَ عَنْهُمَا ( أَوْ اعْتَمَرَ ) أَجِيرٌ حَجَّ ( عَنْ نَفْسِهِ ) ، ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ( فَتَمَتَّعَ ) يَعْنِي فَإِنْ كَانَ قَدْ تَمَتَّعَ ( بِالْإِذْنِ ) مِنْ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الْأُولَى ، وَمِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الثَّانِيَةِ ( فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْ الْآذِنَيْنِ أَوْ الْآذِنِ وَالْأَجِيرِ ( نِصْفُ الدَّمِ ) إنْ أَيْسَرَا ( وَإِنْ أَعْسَرَا ) أَوْ أَحَدُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ ( فَالصَّوْمُ عَلَى الْأَجِيرِ ) ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ فِي الْحَجِّ ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ ( أَوْ ) تَمَتَّعَ ( بِلَا إذْنٍ ) مِمَّنْ ذُكِرَ ( لَزِمَهُ دَمَانِ ) دَمٌ ( لِلتَّمَتُّعِ وَ ) دَمٌ لِأَجْلِ ( الْإِسَاءَةِ ) بِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ ، وَتُرِكَ مِنْ الْأَصْلِ مَا لَوْ حَجَّ أَجِيرٌ عُمْرَةً عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ اعْتِمَارِهِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْإِسَاءَةِ لَا يَأْتِي فِيهِ وَإِنْ أَتَى فِيهِ مَا مَرَّ فِي حَالِهِ الْإِذْنِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَصْلُ .

( ، وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي وُجُوبِ الدَّمِ ( نِيَّةُ التَّمَتُّعِ ) كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ الْقِرَانِ ( فَلَوْ جَاوَزَ مِيقَاتًا ) وَفِي نُسْخَةٍ الْمِيقَاتَ ( مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مُتَمَتِّعًا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ لَزِمَهُ دَمَانِ ) دَمٌ لِلتَّمَتُّعِ وَدَمٌ لِلْإِسَاءَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التَّمَتُّعَ ( أَوْ ) بَيْنَهُمَا ( دُونَهُمَا فَدَمٌ ) يَلْزَمُهُ لِلْإِسَاءَةِ لَا لِلتَّمَتُّعِ ( لِفَقْدِ التَّمَتُّعِ ) الْمُوجِبِ لِلدَّمِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ) كَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ ( وَفِيهِ إشْكَالٌ ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيمَا ذَكَرَ بِالْقُرْبِ مِنْ الْحَرَمِ لَا مِنْ مَكَّةَ وَقَدَّمْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ ثَمَّ وَمِنْ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ فَاعْتَمَرَ بِقُرْبِ مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَمَعَ عَدَمِ عِصْيَانِهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ الْحَاضِرِينَ مَعَ عِصْيَانِهِ وَلَا يُجْعَلُ كَذَلِكَ مَعَ عَدَمِ عِصْيَانِهِ وَقَدَّمْتُ جَوَابَهُ ثَمَّ ( فَإِنْ خَرَجَ ) الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي لَزِمَهُ دَمَانِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا ( لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ) وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ خَارِجَهَا ( وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ ) وَلَا إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ ( وَلَا إلَيْهَا ) أَيْ إلَى مَكَّةَ ( لَزِمَهُ دَمٌ ثَالِثٌ ) لِلْإِسَاءَةِ الْحَاصِلَةِ بِخُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ مَعَ عَدَمِ عَوْدِهِ .

قَوْلُهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ) قَدْ تَأَمَّلْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَوَجَدْت النَّصَّ الْمَذْكُورَ قَدِيمًا وَلِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ يُعَارِضُهُ ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ قَدِيمٌ أَوْ جَدِيدٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهَا أَنَا أَذْكُرُ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ وَالنَّصَّ الْمَذْكُورَ ثُمَّ أَذْكُرُ مَا يُعَارِضُهُ قَالَ الْقَاضِي فِي شُرُوطِ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ جَاوَزَهُ ثُمَّ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ يَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ وَإِنْ بَقِيَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ وَحُمِلَ النَّصُّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ هَذَا النَّصَّ وَقَالَا : إنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا بِظَاهِرِهِ وَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ وَصَاحِبَ الشَّامِلِ ذَكَرَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ حَكَى عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ إذَا مَرَّ بِالْمِيقَاتِ فَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
ا هـ .
وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ حَمَلَ النَّصَّ عَلَى مَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ حَتَّى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى النُّسُكِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَا تَمَتُّعَ لَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ ؛ لِأَنَّهُ بَانَ لَنَا أَنَّهُ مُرِيدٌ لِلنُّسُكِ فِي الِانْتِهَاءِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مُوَافَقَتُهُ لِغَيْرِهِ فِي جَعْلِهِ بِمَنْزِلَةِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

وَالرُّويَانِيُّ نَقَلَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَنْ الْقَدِيمِ وَأَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ قَدْ ذَكَرَ هَذَا شَرْطًا آخَرَ فِي التَّمَتُّعِ قَالَ الرُّويَانِيُّ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ آخَرُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ مَنْ أَرَادَ التَّمَتُّعَ فَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْهَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَلَيْسَ بِتَمَتُّعٍ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دَمَانِ : دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَمُ الْإِسَاءَةِ بِتَرْكِ الْمِيقَاتِ .
ا هـ .
كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَالْعِمْرَانِيُّ حَكَى فِي الزَّوَائِدِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ عَنْ الْقَفَّالِ عَنْ الشَّافِعِيِّ النَّصَّ الْمَذْكُورَ الَّذِي حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَيْضًا وَعَقَّبَهُ بِمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْقَدِيمِ وَقَالَ إنَّهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ قَالَ ذَكَرَ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِنْ جَاوَزَ وَأَحْرَمَ فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ ، وَلَا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَيَجِبُ دَمُ الْإِسَاءَةِ مَعَهُ إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ ، وَلَا يَجِبُ دَمُ الْإِسَاءَةِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ بَيَّنَ لَنَا أَنَّ النَّصَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَوَّلُونَ قَدِيمٌ ضَعِيفٌ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِظَاهِرِهِ كَمَا أَخَذَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَبِتَأْوِيلِهِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ م ( قَوْلُهُ وَفِيهِ إشْكَالٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَصْلٌ دَمُ التَّمَتُّعِ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ ) فِي صِفَتِهِ وَالِاكْتِفَاءُ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ ( وَيَجِبُ ) دَمُهُ ( بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ غَايَةً لِلْوُجُوبِ فِي آيَةِ { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ } وَمَا جُعِلَ غَايَةً لِحُكْمٍ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَوَّلِهِ كَمَا لَوْ أُجِّلَ إلَى رَمَضَانَ ( وَإِذَا أَرَاقَهُ بَعْدَ ) الْفَرَاغِ مِنْ ( الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ فَرَاغُ الْعُمْرَةِ ، وَالشُّرُوعِ فِي الْحَجِّ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالزَّكَاةِ ( لَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ ) لِنَقْصِ السَّبَبِ كَالنِّصَابِ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ ، وَلَا تَتَأَقَّتُ إرَاقَتُهُ بِوَقْتٍ كَسَائِرِ دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ ( وَ ) لَكِنَّ ( الْأَفْضَلَ ) إرَاقَتُهُ ( يَوْمَ النَّحْرِ ) لِلِاتِّبَاعِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافٍ ، وَمَنْ أَوْجَبَهَا فِيهِ ، وَلَوْلَا هَذَانِ لَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ كَالزَّكَاةِ .
( قَوْلُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ إلَخْ ) إذَا كَرَّرَ الْمُتَمَتِّعُ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ هَلْ يَتَكَرَّرُ الدَّمُ أَمْ لَا أَفْتَى الرِّيمِيُّ صَاحِبُ التَّفْقِيهِ الَّذِي هُوَ شَرْحُ التَّنْبِيهِ بِالتَّكْرَارِ وَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِعَدَمِهِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ .

( فَرْعٌ وَإِنْ عَدِمَ ) الْمُتَمَتِّعُ الدَّمَ بِمَوْضِعِهِ كَأَنْ لَمْ يَجِدْهُ أَوْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ( أَوْ غَابَ ) عَنْهُ ( مَالُهُ ) بِبَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( صَامَ ) وُجُوبًا ( ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ تَعَالَى { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ } وَرَوَى الشَّيْخَانِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُتَمَتِّعِينَ : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْدِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ } وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْعَدَمِ فِي مَوْضُوعِ الذَّبْحِ يُفَارِقُ الْكَفَّارَةَ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَمُ مُطْلَقًا بِأَنَّ فِي بَدَلِ الدَّمِ تَأْقِيتًا بِكَوْنِهِ فِي الْحَجِّ ، وَلَا تَأْقِيتَ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَبِأَنَّ - الْهَدْيَ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ يَجِدُهُ قَبْلَ فَرَاغِ الصَّوْمِ لَمْ يَجِبْ انْتِظَارُهُ وَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ مُضَيَّقٌ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلَ التَّأْخِيرَ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ ( وَوَقْتُهَا ) أَيْ الثَّلَاثَةِ أَيْ صَوْمُهَا ( مِنْ الْإِحْرَامِ ) بِالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهِ كَالصَّلَاةِ ( إلَى ) يَوْمِ ( النَّحْرِ ) فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ كَمَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا ( لَا إلَى آخَرِ التَّشْرِيقِ ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ( ثُمَّ ) إنْ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ الْمَذْكُورِ ( يَكُونُ ) فِعْلُهُ ( قَضَاءً ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ ( وَإِنْ تَأَخَّرَ الطَّوَافُ ) عَنْهُ وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ تَأَخُّرَهُ بَعِيدٌ عَادَةً فَلَا يُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى { ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي

الْحَجِّ } .
( قَوْلُهُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) هَذَا الصَّوْمُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ ، وَلَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ ، وَلَا فِي الْفَوَاتِ فَيَجِبُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي الرَّمْيِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِمْكَانِ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ مُضَيَّقٌ ) قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ لِيُمْكِنَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عَدَمُ وُجُوبِهِ .

( وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ ) بِالْحَجِّ ( قَبْلَ السَّادِسِ ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ( لِيُتِمَّهُ ) أَيْ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ ( قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُهُ كَمَا مَرَّ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِزَمَنٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إذْ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُ سَبَبِ الْوُجُوبِ ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ ( ، وَالْمُوسِرُ بِالدَّمِ ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ ( يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ) ، وَهُوَ ثَامِنُ ذِي الْحِجَّةِ لِلِاتِّبَاعِ ، وَلِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِتَرَوِّيهِمْ فِيهِ الْمَاءَ وَيُسَمَّى يَوْمَ النَّقْلَةِ لِانْتِقَالِهِمْ فِيهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى ، وَتَرَكَ قَوْلَ الْأَصْلِ : وَيَتَوَجَّهُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى مِنًى لِكَوْنِهِ خِلَافَ الْمَشْهُورِ فِيهِ فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ثَمَّ .
( قَوْلُهُ وَتَرْكُ قَوْلِ الْأَصْلِ وَيَتَوَجَّهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ كَوْنِهِ يَتَوَجَّهُ إلَى مِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ قَدْ ذَكَرُوا فِي أَوَائِلِ الْفَصْلِ الْمَعْقُودِ لِلْوُقُوفِ مَا يُخَالِفُهُ فَقَالَا إنَّ الْمَشْهُورَ اسْتِحْبَابُ الْخُرُوجِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِحَيْثُ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِمِنًى وَالْفَتْوَى عَلَى مَا قَالَاهُ هُنَاكَ لِتَصْرِيحِهِمَا بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ا هـ .
وَاعْتُرِضَ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا ذِكْرَاهُ هُنَا فِي حَقِّ وَاجِدِ الْهَدْيِ وَهُنَاكَ أَطْلَقَا الْمَسْأَلَةَ فَتُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ وَاجِدِهِ وَيَمْتَنِعُ التَّنَاقُضُ الثَّانِي مَا ذُكِرَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّ الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ حَكَى الْخُرُوجَ بَعْدَ الزَّوَالِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ .

( فَصْلٌ وَيَصُومُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ ) وَفِي نُسْخَةٍ إلَى مَوْطِنِهِ ( لَا فِي الطَّرِيقِ ) لِمَا مَرَّ ( فَإِنْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ ) أَيْ أَقَامَ بِهَا ، وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ ( صَامَ بِهَا ، وَإِلَّا فَلَا )
( قَوْلُهُ أَيْ أَقَامَ بِهَا إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ أَقَامَ بِهَا عَلَى الْإِقَامَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِيطَانِ مَا فِي الْجُمُعَةِ .

( فَرْعٌ : وَمَنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ لَزِمَهُ صَوْمُ الْعَشَرَةِ ) الثَّلَاثَةِ قَضَاءً كَمَا مَرَّ وَالسَّبْعَةِ أَدَاءً ( وَ ) لَزِمَهُ ( التَّفْرِيقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ) يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ( وَمُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ ) كَمَا فِي الْأَدَاءِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّفْرِيقُ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَوَاتِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَعَلَّقَتْ بِالْوَقْتِ ، وَقَدْ فَاتَ ، وَهَذَا بِالْفِعْلِ ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَالْجُوعُ فَكَانَ كَتَرْتِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ( فَلَوْ صَامَ عَشَرَةً وَلَاءً حَصَلَتْ الثَّلَاثَةُ ) ، وَلَا يَعْتَدُّ بِالْبَقِيَّةِ لِعَدَمِ التَّفْرِيقِ ( وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ ) فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ ( أَدَاءُ وَقَضَاءً ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُبَادَرَةً لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ نَعَمْ إنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ سَادِسَ ذِي الْحِجَّةِ لَزِمَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ مُتَتَابِعَةً لِضِيقِ الْوَقْتِ لَا لِلتَّتَابُعِ نَفْسِهِ .
( قَوْلُهُ فَلَوْ صَامَ عَشَرَةً وَلَاءً إلَخْ ) لَوْ قَدَّمَ صَوْمَ السَّبْعَةِ فَفِي وُقُوعِ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا عَنْ الثَّلَاثَةِ تَرَدُّدٌ وَالرَّاجِحُ مِنْهُ وُقُوعُهَا عَنْهَا ( قَوْلُهُ وَقَضَاءً ) قَالَ شَيْخُنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْمُوعِ إذْ السَّبْعَةُ لَا قَضَاءَ فِيهَا وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا أَخَّرَهَا حَتَّى مَاتَ وَصَامَهَا عَنْهُ قَرِيبُهُ عَلَى الْقَدِيمِ الْمُخْتَارِ

( فَرْعٌ لَوْ وَجَدَ ) الْمُتَمَتِّعُ الْعَادِمُ لِلْهَدْيِ ( الْهَدْيَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ ) بِالْحَجِّ ( وَالصَّوْمِ لَزِمَهُ ) الْهَدْيُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْكَفَّارَةِ حَالَةَ الْأَدَاءِ ( لَا ) إنْ وَجَدَهُ ( بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ ( بَلْ يُسْتَحَبُّ ) كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ ( وَإِذَا مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ ) ، وَلَوْ ( قَبْلَ فَرَاغِ الْحَجِّ ، وَالْوَاجِبُ ) عَلَيْهِ ( هَدْيٌ ) لِكَوْنِهِ مُوسِرًا بِهِ ( لَمْ يَسْقُطْ ) عَنْهُ بَلْ يُخْرَجُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِوُجُوبِ سَبَبِ وُجُوبِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ ( أَوْ صَوْمٌ ) لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا بِذَلِكَ ( سَقَطَ ) عَنْهُ ( إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ ) مِنْ فِعْلِهِ كَمَا فِي صُوَرِ رَمَضَانَ ( وَإِلَّا فَكَرَمَضَانَ فَيُصَامُ عَنْهُ أَوْ يُطْعِمُ ) عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ فَإِنْ كَانَ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ فَعَشَرَةُ أَمْدَادٍ ، وَإِلَّا فَبِالْقِسْطِ ، وَعِبَارَتُهُ تَشْمَلُ مَا إذَا خَلَّفَ تَرِكَةً وَمَا إذَا لَمْ يُخَلِّفْهَا ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّ الصَّوْمَ أَوْ الْإِطْعَامَ عَنْهُ لَازِمٌ فِيهِمَا إذَا خَلَّفَ دُونَ مَا إذَا لَمْ يُخَلِّفْ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ قَاصِرَةٌ عَلَى مَا إذَا خَلَّفَ ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ صَوْمٌ فَكَرَمَضَانَ لَوَفَّى بِمَا قَالَهُ مَعَ الِاخْتِصَارِ ( ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ) صَرْفُهُ ( لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ ) الشَّامِلِينَ لِمَسَاكِينِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَطْعَامَ بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ فَكَذَا بَدَلُهُ .

( وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَيْلَةَ السَّابِعِ ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ( وَلَيْسَ بِهِ عَارِضٌ ) مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ ( فَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ ) صَوْمِ ( الثَّلَاثَةِ ) فِي الْحَجِّ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَوْمِهَا بِدُونِ ذَلِكَ ( وَلَيْسَ السَّفَرُ عُذْرًا ) فِي تَأْخِيرِ صَوْمِهَا ؛ لِأَنَّ صَوْمَهَا يَتَعَيَّنُ إيقَاعُهُ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَكُونُ السَّفَرُ عُذْرًا فِيهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ ( إلَّا فِي ) صَوْمِ ( السَّبْعَةِ إنْ أَوْجَبْنَاهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ ) مِنْ الْحَجِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّجُوعِ فِي الْآيَةِ الْفَرَاغُ مِنْهُ لَا الْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فَلَوْ تَرَكَ هَذَا كَانَ أَوْلَى ، وَمَعَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى مَا قَرَّرْتُ مُنْقَطِعٌ بَلْ ظَاهِرُهُ وَإِنْ جُعِلَ مُتَّصِلًا أَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ السَّبْعَةِ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ .

( بَابُ الْإِحْرَامِ ) بِمَعْنَى الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِاقْتِضَائِهِ دُخُولَ الْحَرَمِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ كَأَنْجَدَ إذَا دَخَلَ نَجْدًا أَوْ لِاقْتِضَائِهِ تَحْرِيمَ الْأَنْوَاعِ الْآتِيَةِ ( وَلْيَنْوِ ) مُرِيدُ النُّسُكِ ( الْإِحْرَامَ بِمَا يُرِيدُ ) مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ كِلَيْهِمَا أَوْ مَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْهَا ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ الْمُطْلَقُ أَمَّا غَيْرُ الْمُطْلَقِ فَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ } وَأَمَّا الْمُطْلَقُ فَلِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ أَيْ نُزُولَ الْوَحْيِ فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً ، وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا } وَيُفَارِقُ الصَّلَاةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِهَا مُطْلَقًا بِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ النُّسُكِ وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِنُسُكِ نَفْلٍ وَعَلَيْهِ نُسُكُ فَرْضٍ انْصَرَفَ إلَى الْفَرْضِ وَبِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَافَظُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً كَمَا مَرَّ ذَلِكَ ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِنِصْفِ حِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ انْعَقَدَ حِجَّةً أَوْ عُمْرَةً كَمَا سَيَأْتِي ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ يَنْوِي الدُّخُولَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ فِيهِمَا ( وَالتَّلَفُّظُ بِهِ ) أَيْ بِمَا يُرِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ ( مُسْتَحَبٌّ ) لِيُؤَكِّدَ مَا فِي الْقَلْبِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ ( وَيُلَبِّي ) نَدْبًا فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ : نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَخْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا تَوَجَّهْتُمْ إلَى مِنًى فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ } ،

وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَحْرَمَ لَك شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ التَّلْبِيَةُ فِي الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجِبُ فِي أَثْنَائِهَا وَآخِرِهَا نُطْقٌ فَكَذَا فِي أَوَّلِهَا كَالطُّهْرِ وَالصَّوْمِ ( وَيَنْعَقِدُ ) الْإِحْرَامُ ( بِالنِّيَّةِ لَا بِالتَّلْبِيَةِ ) لِخَبَرِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } وَكَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ ( وَإِنْ نَوَى حَجًّا وَلَبَّى بِعُمْرَةٍ انْعَقَدَ حَجًّا ) أَوْ بِالْعَكْسِ انْعَقَدَ عُمْرَةً وَلَوْ تَلَفَّظَ بِأَحَدِهِمَا وَنَوَى الْقِرَانَ فَقَارِنٌ أَوْ بِالْقِرَانِ وَنَوَى أَحَدَهُمَا فَهُوَ لِمَا نَوَى صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ .
( بَابُ الْإِحْرَامِ ) ( قَوْلُهُ بِمَعْنَى الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ ) وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الْإِحْرَامُ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ مَعْنَاهُ أَنَّ بِهَا يَحْصُلُ الدُّخُولُ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ } أَيْ بِهِ يَحْصُلُ التَّحْرِيمُ .

( فَرْعٌ ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِحِجَّةٍ أَوْ حِجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ عُمْرَتَيْنِ أَوْ نِصْفِ حِجَّةٍ أَوْ ) نِصْفِ ( عُمْرَةٍ انْعَقَدَ حِجَّةً ) فِي صُوَرِ الْحَجِّ ( أَوْ عُمْرَةً ) فِي صُوَرِ الْعُمْرَةِ عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِحِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ وَهُمَا مَعْلُومَتَانِ مِمَّا مَرَّ وَقِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ فِي مَسْأَلَتَيْ النِّصْفِ وَإِلْغَاءً لِلْإِضَافَةِ إلَى اثْنَتَيْنِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِحِجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ فَصَحَّ فِي وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ نَوَى بِتَيَمُّمِ فَرْضَيْنِ لَا يَسْتَبِيحُ بِهِ إلَّا وَاحِدًا كَمَا مَرَّ وَفَارَقَ عَدَمُ الِانْعِقَادِ فِي نَظِيرِهِمَا مِنْ الصَّلَاةِ بِمَا مَرَّ فِي الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ ( أَوْ ) أَحْرَمَ ( بِهِمَا ) أَيْ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ أَوْ بِنِصْفَيْهِمَا مَثَلًا ( انْعَقَدَتَا ، وَإِنْ وَقَّتَ ) الْإِحْرَامَ ( يَوْمَيْنِ مَثَلًا انْعَقَدَ أَبَدًا ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَقِيَاسُ هَذِهِ وَمَسْأَلَتَيْ النِّصْفِ عَلَى الطَّلَاقِ نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَفِيمَا نَقَلَهُ نَظَرٌ ، زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ ، وَالنِّيَّةُ الْجَازِمَةُ شَرْطٌ فِيهَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ ، وَيَقْبَلُ الْأَخْطَارَ وَيَدْخُلُهُ التَّعْلِيقُ .

( وَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ ) قَبْلَ الْعَمَلِ ( بِالنِّيَّةِ ) لَا بِاللَّفْظِ ( إلَى مَا شَاءَ ) مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَقِرَانٍ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالنِّيَّةِ لَا بِاللَّفْظِ لَكِنْ لَوْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ قَالَ الرُّويَانِيُّ صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ وَالْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عُمْرَةً وَأَنْ يَبْقَى مُبْهَمًا فَإِنْ عَيَّنَهُ لِعُمْرَةٍ فَذَاكَ أَوْ لِحَجٍّ فَكَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ قُلْت قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يُوَافِقُهُ لَكِنَّهُ يُوهِمُ الِاحْتِيَاجَ إلَى الصَّرْفِ ، وَلَوْ ضَاقَ وَقْتُهُ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ إلَى مَا شَاءَ وَيَكُونُ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ( وَلَا يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ قَبْلَ النِّيَّةِ ) الصَّارِفَةِ لَكِنْ فِي الْبَيَانِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ ثُمَّ صَرَفَهُ لِلْحَجِّ وَقَعَ طَوَافُهُ عَنْ الْقُدُومِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ الْحَضْرَمِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمَعَ أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ ، وَقَدْ فَعَلَ قَبْلَ الصَّرْفِ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَعَلَيْهِ لَوْ سَعَى بَعْدَهُ يَحْتَمِلُ الْإِجْزَاءَ لِوُقُوعِهِ تَبَعًا وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَمَّا إذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ قَالَ الْقَاضِي ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ قَبْلَ التَّعْيِينِ فَأَيُّهُمَا عَيَّنَهُ كَانَ مُفْسِدًا لَهُ ( وَالتَّعْيِينُ ) لِمَا يُحْرِمُ بِهِ ( أَفْضَلُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْإِطْلَاقِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَعْرِفَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِخْلَاصِ .
( قَوْلُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَلَا يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ فِي التَّلْبِيَةِ ) ؛ لِأَنَّ إخْفَاءَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ نَافِعٍ - قَالَ سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ أَيُسَمِّي أَحَدُنَا حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَقَالَ : أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا فِي قُلُوبِكُمْ إنَّمَا هِيَ نِيَّةُ أَحَدِكُمْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ هَذَا فِي غَيْرِ التَّلْبِيَةِ الْأُولَى أَمَّا الْأُولَى فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا ذَلِكَ قَطْعًا وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ مِثْلَهُ وَنَقَلَهُ فِي مَنَاسِكِهِ وَمَجْمُوعِهِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لَكِنْ فِي التَّقْرِيبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِي الْأُولَى قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِهَذِهِ التَّلْبِيَةِ بَلْ يُسْمِعُهَا نَفْسَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا وَخَرَجَ بِالتَّلْبِيَةِ النِّيَّةُ فَيُسْتَحَبُّ ذِكْرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ فِيهَا كَمَا مَرَّ .
قَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا ذَلِكَ قَطْعًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ ) ( وَإِنْ أَحْرَمَ عَمْرٌو بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ جَازَ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا أَوْ بَانَ مَوْتُهُ لِجَزْمِهِ بِالْإِحْرَامِ ، وَلِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ { عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي : بِمَ أَهْلَلْت ؟ فَقُلْت لَبَّيْتُ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ أَحْسَنْت طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ } ( وَكَانَ مِثْلَهُ ) فِي أَوَّلِ إحْرَامِهِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا ، إنْ حَاجًّا فَحَاجٌّ وَإِنْ مُعْتَمِرًا فَمُعْتَمِرٌ وَإِنْ قَارِنًا فَقَارِنٌ وَإِنْ مُطْلِقًا فَمُطْلِقٌ ( فَلَوْ أَحْرَمَ زَيْدٌ مُطْلَقًا وَصَرَفَهُ لِحَجٍّ ، ثُمَّ أَحْرَمَ عَمْرُو ) كَإِحْرَامِهِ ( انْعَقَدَ لَهُ مُطْلَقًا ) نَظَرًا إلَى أَوَّلِ الْإِحْرَامِ ( وَالْخِيرَةُ إلَيْهِ ) فِيمَا يَصْرِفُهُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ لِمَا صَرَفَهُ لَهُ ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ بِنِيَّةِ التَّمَتُّعِ كَانَ عَمْرٌو مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّمَتُّعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ( وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ زَيْدٌ بِعُمْرَةٍ ، ثُمَّ أَدْخَلَ ) عَلَيْهَا ( الْحَجَّ انْعَقَدَ لِعَمْرٍو عُمْرَةً لَا قِرَانًا ) فَلَا يَلْزَمُهُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ ( إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّشْبِيهَ بِهِ فِي الْحَالِ ) فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونُ فِي الْأُولَى حَاجًّا وَفِي الثَّانِيَةِ قَارِنًا ، وَلَوْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِهِ قَبْلَ صَرْفِهِ فِي الْأُولَى وَقَبْلَ إدْخَالِهِ الْحَجَّ فِي الثَّانِيَةِ وَقَصَدَ التَّشْبِيهَ بِهِ حَالَ تَلَبُّسِهِ بِإِحْرَامِهِ الْحَاضِرِ وَالْآتِي فَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِمُسْتَقْبَلٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ جَازِمٌ فِي الْحَالِ أَوْ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ فِي الْكَيْفِيَّةِ لَا فِي الْأَصْلِ .
( فَإِنْ أَخْبَرَهُ ) زَيْدٌ ( أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ عَمِلَ بِهِ وَلَوْ ظَنَّ خِلَافَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ( فَإِنْ بَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَإِحْرَامُ عَمْرٍو بِحَجٍّ ) تَبَعًا

لَهُ ( فَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ الْوَقْتُ ) أَيْ وَقْتُ الْحَجِّ ( تَحَلَّلَ ) مِنْ إحْرَامِهِ لِلْفَوَاتِ ( وَأَرَاقَ دَمًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى زَيْدٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَهُ ، وَلَا نَظَرَ لِتَغْرِيرِ زَيْدٍ ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِنُسُكٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ خِلَافَهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ لَمْ يَعْمَلْ بِخَبَرِهِ الثَّانِي لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَيَعْمَلُ بِهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَوَاتِ وَجَبَ الْقَضَاءُ ( وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ لَمْ يُحْرِمْ أَوْ أَحْرَمَ بِفَاسِدٍ ) كَمَا سَيَأْتِي تَصْوِيرُهُ فِي الْفَرْعِ الْآتِي ( أَوْ كَافِرًا ) بِأَنْ أَتَى بِصُورَةِ الْإِحْرَامِ ، وَلَوْ مُفَصَّلًا ( انْعَقَدَ لِعَمْرٍو ) إحْرَامُهُ ( مُطْلَقًا ، وَإِنْ عَلِمَ ) حَالَ زَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْإِحْرَامَ بِصِفَةٍ فَإِذَا بَطَلَتْ بَقِيَ أَصْلُ الْإِحْرَامِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ اثْنَانِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فَأَحْرَمَ عَنْهُمَا أَوْ اسْتَأْجَرَهُ وَاحِدٌ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَأَحْرَمَ عَنْهُ وَعَنْ نَفْسِهِ لَغَتْ الْإِضَافَتَانِ وَوَقَعَ الْإِحْرَامُ لَهُ كَمَا مَرَّ وَلِأَنَّ أَصْلَ إحْرَامِهِ مَجْزُومٌ وَبِهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت ، وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا كَمَا سَيَأْتِي .
( وَمَتَى تَعَذَّرَ سُؤَالُ زَيْدٍ ) عَنْ كَيْفِيَّةِ إحْرَامِهِ ( بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ ) أَوْ غَيْرِهِمَا كَغَيْبَةٍ بَعِيدَةٍ ( لَمْ يَتَحَرَّ ، وَكَذَا لَوْ نَسِيَ الْمُحْرِمُ مَا أَحْرَمَ بِهِ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَلَبَّسَ بِالْإِحْرَامِ يَقِينًا فَلَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِيَقِينِ الْإِتْيَانِ بِالْمَشْرُوعِ فِيهِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لَا يَتَحَرَّى ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ أَنَّ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ ثَمَّ لَا يَحْصُلُ بِيَقِينٍ إلَّا بَعْدَ فِعْلِ مَحْظُورٍ ، وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ يَسْتَعْمِلَ نَجِسًا فَلِذَلِكَ جَازَ التَّحَرِّي وَهُنَا يَحْصُلُ الْأَدَاءُ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ مَحْظُورٍ ( بَلْ إنْ عَرَضَ ذَلِكَ ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعَذُّرِ وَالنِّسْيَانِ ( قَبْلَ ) الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ (

الْعَمَلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ ) لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ ( فَتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الْحَجِّ ) بَعْدَ إتْيَانِهِ بِأَعْمَالِهِ لِأَنَّهُ إمَّا مُحْرِمٌ بِهِ أَوْ مُدْخِلٌ لَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ ( وَلَا تَبْرَأُ ) ذِمَّتُهُ ( مِنْ الْعُمْرَةِ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ ( وَلَا دَمَ عَلَيْهِ ) إذَا الْحَاصِلُ بِهِ الْحَجُّ فَقَطْ وَاحْتِمَالُ حُصُولِ الْعُمْرَةِ لَا يُوجِبُهُ إذَا لَا وُجُوبَ بِالشَّكِّ نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَيَكُونُ قَارِنًا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي .
( قَوْلُهُ فَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ لَمْ يُعْمَلْ بِخَبَرِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَمَتَى تَعَذَّرَ سُؤَالُ زَيْدٍ إلَخْ ) عَبَّرَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ كَالْوَجِيزِ بِالْعُسْرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالصَّوَابُ التَّعْبِيرُ بِالتَّعَذُّرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَفَادُ بِمُرَاجَعَتِهِ ، وَإِنْ قَرَنَ بَيَانَ حُكْمِ الدَّمِ الْمَشْكُوكِ فِي وُجُوبِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَيَلْزَمُ الْبَحْثُ عَنْهُ وَيُسْتَفَادُ بِهَا أَيْضًا شَرْطُ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ عَنْهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْبَحْثُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ عَبَّرَ فِي الْحَاوِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ الْحَجِّ ) ، وَأَتَى بِأَعْمَالِهِ ( أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَجِّ ) فَقَطْ ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ ( أَيْضًا ) فَالْوَاجِبُ لِتَحْصِيلِ الْحَجِّ نِيَّتُهُ أَوْ نِيَّةُ الْقِرَانِ وَهُوَ أَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا مَرَّ لِتَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْضًا عَلَى وَجْهٍ ( أَوْ ) اقْتَصَرَ ( عَلَى أَعْمَالِهِ ) أَيْ الْحَجِّ ( مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْعُمْرَةِ ) وَغَيْرِهَا ( حَصَلَ التَّحَلُّلُ لَا الْبَرَاءَةُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُمَا ) لِشَكِّهِ فِيمَا أَتَى بِهِ ( أَوْ ) اقْتَصَرَ ( عَلَى ) عَمَلِ ( الْعُمْرَةِ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ أَيْضًا ) وَإِنْ نَوَاهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ، وَلَمْ يُتِمَّ أَعْمَالَهُ مَعَ أَنَّ وَقْتَهُ بَاقٍ ( وَإِنْ عَرَضَ مَا ذُكِرَ بَعْدَ ) الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ ( الْعَمَلِ - فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ نَظَرْت فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ) أَيْ وَقْتُ الْوُقُوفِ ( بَاقِيًا فَقَرَنَ وَوَقَفَ ) ثَانِيًا وَأَتَى بِبَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ ( أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَجِّ ) لِأَنَّهُ إمَّا مُحْرِمٌ أَوْ مُدْخِلٌ لَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ ( لَا ) عَنْ ( الْعُمْرَةِ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ أَوْ لَمْ يَفُتْ وَقَرَنَ ، وَلَمْ يَقِفْ أَوْ وَقَفَ ، وَلَمْ يَقْرِنْ ( فَلَا يُجْزِئُهُ ) ذَلِكَ عَنْ الْحَجِّ كَمَا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْوُقُوفُ عَنْ الْحَجِّ ، وَكَالْقِرَانِ نِيَّةُ الْحَجِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .
( أَوْ ) كَانَ ذَلِكَ ( بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الْوَقْفِ ) فَنَوَى الْحَجَّ أَوْ قَرَنَ وَوَقَفَ ( وَلَمْ يُجْزِهِ ) ذَلِكَ ( عَنْ الْحَجِّ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ، وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ الطَّوَافِ ( وَلَا عَنْ الْعُمْرَةِ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ ( فَإِنْ أَتَمَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ ) مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ ( وَأَحْرَمَ ) بَعْدَ

ذَلِكَ ( بِالْحَجِّ ) أَوْ بِهِمَا ، وَأَتَى بِأَعْمَالِهِ ( أَجْزَأَهُ الْحَجُّ ) لِأَنَّهُ حَاجٌّ أَوْ مُمْتَنِعٌ وَلَا تُجْزِئُهُ الْعُمْرَةُ لِمَا مَرَّ ( لَكِنْ لَا نُفْتِيهِ بِفِعْلِهِ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَيَقَعُ الْحَلْقُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ ، وَهَذَا كَمَا لَا نُفْتِي صَاحِبَ جَوْهَرَةٍ ابْتَلَعَتْهَا دَجَاجَةُ غَيْرِهِ بِذَبْحِهَا ، وَلَا صَاحِبَ دَابَّةٍ تَقَابَلَتْ هِيَ وَدَابَّةُ آخَرَ عَلَى شَاهِقٍ ، وَتَعَذَّرَ مُرُورُهُمَا بِإِتْلَافِ دَابَّةِ الْآخَرِ لَكِنَّهُمَا إنْ فَعَلَا ذَلِكَ لَزِمَ الْأَوَّلُ مَا بَيْنَ قِيمَتَيْ الدَّجَاجَةِ حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً وَالثَّانِي قِيمَةُ دَابَّةِ الْآخَرِ ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ ، وَاخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ أَنَّا نُفْتِيهِ بِذَلِكَ تَرْخِيصًا ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ يُبَاحُ بِالْعُذْرِ وَضَرَرُ الِاشْتِبَاهِ أَكْثَرُ إذْ يَفُوتُ بِهِ الْحَجُّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَمَّنْ ذَكَرَ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَآخَرِينَ ، ثُمَّ قَالَ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّا نَقُولُ لَهُ : إنْ فَعَلْت كَذَا لَزِمَك كَذَا وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ كَانَ الْأَمْرُ فِي حَقِّك كَذَا أَخْذًا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَكَانَ الْمُولِي مُحْرِمًا نَقُولُ لَهُ : إنْ وَطِئْت فَسَدَ إحْرَامُك وَإِنْ لَمْ تَطَأْ فَطَلِّقْ وَإِلَّا طُلِّقَ عَلَيْك قَالَ ، وَلَا يَسْتَفِيدُ بِهَذَا الْحَلْقِ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى التَّحَلُّلِ .
وَلَوْ جَامَعَ ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ لِجَوَازِ كَوْنِ إحْرَامِهِ السَّابِقِ حَجًّا ، وَقَدْ جَامَعَ فِيهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهُ وَمَا أَتَى بِهِ لَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ ، وَلَا نُسَلِّمُ لِابْنِ الْحَدَّادِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الْحَلْقِ بَلْ يَتَعَيَّنُ التَّقْصِيرُ بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ لِأَنَّ بِهِ تَزُولُ الضَّرُورَةِ ( فَإِنْ كَانَ آفَاقِيًّا لَزِمَهُ دَمٌ إمَّا لِلتَّمَتُّعِ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعَمْرَةٍ ( أَوْ )

وَفِي نُسْخَةٍ وَإِمَّا ( لِلْحَلْقِ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَوَقَعَ الْحَلْقُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ ( فَلَا يُعَيِّنُهُ ) عَنْ جِهَةٍ بَلْ يُرِيقُهُ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ فَنَوَى بِالْعِتْقِ مَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْكَفَّارَاتِ ( فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ) بِالدَّمِ ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الطَّعَامِ ( صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ) ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ كَمَا مَرَّ لِلِاحْتِيَاطِ فَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَجْزَأَتْهُ ، وَإِلَّا فَثَلَاثَةٌ لِلْحَلْقِ وَالْبَاقِي نَفْلٌ ( وَلَا يُعَيِّنُ الثَّلَاثَةَ مِنْهَا ) لِجِهَةٍ ( احْتِيَاطًا ) وَيَجُوزُ تَعْيِينُ التَّمَتُّعِ فِي السَّبْعَةِ ( وَإِنْ أَطْعَمَ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ) صَوْمِ ( ثَلَاثَةٍ ) وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ ( فَفِي الْبَرَاءَةِ تَرَدُّدٌ ) فَقِيلَ لَا يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ شَغْلَ الذِّمَّةِ بِالدَّمِ مَعْلُومٌ فَلَا بُدَّ مِنْ يَقِينِ الْبَرَاءَةِ ، وَقِيلَ يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالشَّغْلُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ قَالَ الْإِمَامُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْرَأَ وَعَبَّرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْهُمَا بِوَجْهَيْنِ .
انْتَهَتْ .
وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ فَأَطْعَمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ بَرِئَ لِأَنَّهُ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمُ خَلْقٍ فَذَاكَ أَوْ دَمُ تَمَتُّعٍ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا بِزِيَادَةِ مُدَّيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ آصُعَ ، وَهِيَ الْوَاجِبَةُ فِي الْحَلْقِ وَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ مَعَ وُجُودِ الطَّعَامِ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ قَرِيبًا وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ فِي التَّمَتُّعِ ، وَفِدْيَةُ الْحَلْقِ عَلَى التَّخْيِيرِ .
قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ قَالَ ، وَلَا يَسْتَفِيدُ بِهَذَا الْحَقِّ إلَخْ ) ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ ) هُوَ الْأَصَحُّ .

( وَالْمَكِّيُّ ) وَنَحْوُهُ ( لَا دَمَ عَلَيْهِ ) لِفَقْدِ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ دَمِ الْحَلْقِ ( وَإِنْ أَمْكَنَ ) أَيْ جَوَازُ الْآفَاقِيِّ ( أَنْ يَكُونَ قَارِنًا ) بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ ( لَزِمَهُ الدَّمُ الْمَذْكُورُ فَقَطْ ) أَيْ لَا دَمَ آخَرَ لِلشَّكِّ فِي لُزُومِهِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ ) الْحَاصِلُ بِالتَّعَذُّرِ أَوْ النِّسْيَانِ ( بَعْدَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَأَتَى بِبَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْحَجِّ ) لِجَوَازِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَلَا يَنْفَعُهُ الْوُقُوفُ ( وَلَا مِنْ الْعُمْرَةِ ، وَلَوْ قَرَنَ ) لِمَا مَرَّ ( فَإِنْ أَتَمَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( بِالْحَجِّ كَمَا سَبَقَ أَوْ عَكْسُهُ ) أَيْ أَتَمَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ( أَجْزَأَهُ ) مَا أَحْرَمَ بِهِ آخِرًا أَوْ يَلْزَمُهُ فِي الْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَقَوْلُهُ كَمَا سَبَقَ مَحَلُّهُ بَعْدَ أَجْزَأَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَتَمَّ الْمُتَمَتِّعُ حَجَّهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ طَافَ لِلْعُمْرَةِ مُحْدِثًا بَانَ قَارِنًا ) بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ صِحَّةِ طَوَافِهِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ( وَعَلَيْهِ دَمَانِ ) دَمٌ ( لِلْقِرَانِ وَ ) دَمٌ - لِأَجْلِ ( الْحَلْقِ ) قَبْلَ أَوَانِهِ ( وَإِنْ تَذَكَّرَهُ ) أَيْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا ( فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ ) أَيْ طَوَافِ الْحَجِّ ( أَعَادَ ) وُجُوبًا - بَعْدَ تَطَهُّرِهِ - ( الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ التَّمَتُّعِ بِشَرْطِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَكَذَا إنْ أَشْكَلَ ) عَلَيْهِ فِي أَيِّ الطَّوَافَيْنِ كَانَ حَدَثُهُ لَزِمَهُ أَعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَبَرِئَ مِنْ النُّسُكَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ صَارَ قَارِنًا فَيُجْزِئُهُ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ الْمُعَادَانِ عَنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ فِي طَوَافِ الْحَجِّ فَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ ، وَكَذَا عَمَلُ الْحَجِّ سِوَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ، وَقَدْ أَعَادَهُمَا ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ قَارِنٌ أَوْ مُتَمَتِّعٌ وَيُرِيقُهُ عَنْ وَاجِبِهِ وَلَا يُعَيِّنُ جِهَةً كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( لَكِنَّ الدَّمَ هُنَا لَا يَنْوِي تَعْيِينَهُ ، وَلَا تَعْيِينَ بَدَلِهِ ) ، وَهُوَ الصَّوْمُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُرِيقَ دَمًا آخَرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَلَقَ قَبْلَ الْوَقْتِ .
( وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ ) عَمَلِ ( الْعُمْرَةِ ) ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ( وَذَكَرَ أَنَّ حَدَثَهُ ) كَانَ ( فِي طَوَافِهَا فَهُوَ كَجِمَاعِ النَّاسِي ) عَلَى وَجْهٍ حَتَّى ( لَا يُفْسِدَهَا فَيَصِيرَ قَارِنًا ) بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ ( وَيَلْزَمُهُ دَمَانِ ) دَمٌ ( لِلْقِرَانِ وَ ) دَمٌ لِأَجْلِ ( الْحَلْقِ ) قَبْلَ أَوَانِهِ ( وَإِنْ تَذَكَّرَهُ ) أَيْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا ( فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ ) فَقَطْ ( وَإِعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ) وَبَرِئَ مِنْ النُّسُكَيْنِ ( كَمَا سَبَقَ وَإِنْ أَشْكَلَ ) عَلَيْهِ فِي أَيِّ الطَّوَافَيْنِ كَانَ حَدَثُهُ ( احْتَاطَ ) بِأَنْ يَأْخُذَ

فِي كُلِّ حُكْمٍ بِالْيَقِينِ ( وَلَمْ يَتَحَلَّلْ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَلَا يَتَحَلَّلُ ( حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى ) الِاحْتِمَالُ أَنَّ حَدَثَهُ كَانَ فِي طَوَافِ الزِّيَادَةِ ( وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ) إنْ كَانَا وَاجِبَيْنِ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَتَأْثِيرِ الْجِمَاعِ فِي إفْسَادِ النُّسُكَيْنِ فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالشَّكِّ ، وَهَذَا لَا يَأْتِي عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْجِمَاعَ الْمَذْكُورَ كَجِمَاعِ النَّاسِي وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى مُقَابِلَهُ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَامَعَ ظَانًّا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ( وَلَا قَضَاءَ ) عَلَيْهِ ( إنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا ) لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا فَسَادَ ( وَيَلْزَمُهُ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( دَمُ تَمَتُّعٍ ) أَوْ حَلْقٍ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَعَلَيْهِ دَمٌ إمَّا لِلتَّمَتُّعِ إنْ كَانَ الْحَدَثُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ وَإِمَّا لِلْحَلْقِ إنْ كَانَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ ( وَالِاحْتِيَاطُ بَدَنَةٌ ) أَيْ ذَبْحُهَا لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ وَذَبْحُ شَاةٍ أُخْرَى لِاحْتِمَالِ الْقِرَانِ بِإِدْخَالِ الْحَجِّ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْبَدَنَةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ الْعُمْرَةَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ .
قَوْلُهُ ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا قَدَّمَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحَهُ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى مُقَابِلِهِ إلَخْ ) قَالَ الْفَتَى فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ أَشْكَلَ فَكَأَنْ لَمْ يُجَامِعْ

( وَمَنْ جَامَعَ مُعْتَمِرًا ، ثُمَّ قَرَنَ ) بِأَنْ نَوَى الْحَجَّ ( انْعَقَدَ حَجُّهُ ) لِإِحْرَامِهِ بِهِ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فَأَشْبَهَ الصَّحِيحَةَ لَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِإِدْخَالِهِ عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ قَالَ أَحْرَمْت كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَكَانَ مُحْرِمًا بِفَاسِدٍ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الْإِحْرَامَ الْوَاحِدَ لَا يُؤَدَّى بِهِ نُسُكٌ صَحِيحٌ وَنُسُكٌ فَاسِدٌ ( وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ ) لِلْإِفْسَادِ ( وَدَمُ قِرَانٍ ) بِشَرْطِهِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا .

( فَرْعٌ لَوْ قَالَ إذَا ) أَوْ نَحْوَهَا كَمَتَى أَوْ إنْ ( أَحْرَمَ زَيْدٌ فَأَنَا مُحْرِمٌ لَمْ يَنْعَقِدْ ) إحْرَامُهُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنَا مُحْرِمٌ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تُعَلَّقُ بِالْأَخْطَارِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَقِيَاسُ تَجْوِيزِ تَعْلِيقِ أَصْلِ الْإِحْرَامِ بِإِحْرَامِ الْغَيْرِ تَجْوِيزُ هَذَا ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِمُسْتَقْبَلٍ وَذَاكَ تَعْلِيقٌ بِحَاضِرٍ وَمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ مِنْ الْعُقُودِ يَقْبَلُهُمَا جَمِيعًا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِحَاضِرٍ أَقَلُّ غَرَرًا لِوُجُودِهِ فِي الْوَاقِعِ فَكَانَ قَرِيبًا مِنْ أَحْرَمْت كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ بِمُسْتَقْبَلٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ ، وَقَدْ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ هَذَا مَعَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَالَ لَوْ قَالَ أَنَا مُحْرِمٌ غَدًا أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ جَازَ كَمَا يَجُوزُ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ يَصِيرُ مُحْرِمًا كَمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَكَمَا إذَا قَالَ أَنَا صَائِمٌ غَدًا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ .
ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ ( أَوْ ) قَالَ ( إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَأَنَا مُحْرِمٌ وَكَانَ ) زَيْدٌ ( مُحْرِمًا انْعَقَدَ ) إحْرَامُهُ ( وَإِلَّا فَلَا ) تَبَعًا لَهُ ، وَلَوْ قَالَ أَنَا مُحْرِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كَالصَّوْمِ ( وَإِنْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو صَارَ مِثْلَهُمَا ) فِي إحْرَامِهِمَا ( إنْ اتَّفَقَا ) فِيمَا أَحْرَمَا بِهِ ( وَإِلَّا صَارَ قَارِنًا ) لِيَأْتِيَ بِمَا يَأْتِيَانِ بِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ إحْرَامُهُمَا فَاسِدًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوْ إحْرَامُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَالْقِيَاسُ أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي

الصَّحِيحِ وَمُطْلَقًا فِي الْفَاسِدِ .
( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَقِيَاسُ تَجْوِيزِ أَصْلِ الْإِحْرَامِ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ أَصْلِ الْإِحْرَامِ ، وَالصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ أَصْلُ الْإِحْرَامِ انْعَقَدَ وَإِنَّمَا عَلَّقَ صِفَتَهُ عَلَى شَرْطٍ يُوجَدُ فِي بَاقِي الْحَالِ فَلَمْ يَضُرَّهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ جَزْمُهُمْ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا بِانْعِقَادِ أَصْلِ الْإِحْرَامِ فَظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقُ صِفَةِ إحْرَامِهِ بِصِفَةِ إحْرَامِ زَيْدٍ لَا تَعْلِيقَ أَصْلِ إحْرَامِهِ بِإِحْرَامِهِ ( قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ إلَخْ ) وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْعِبَادَاتِ مُمْتَنِعٌ لَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِجَوَازِ تَعْلِيقِ الْإِحْرَامِ بِإِحْرَامِ الْحَاضِرِ فَجَوَّزَ فِيهِ وَبَقِيَ التَّعْلِيقُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَنْعِ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ تَعَبُّدٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَقَدْ أَحْرَمْت أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ مَعَ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِحَاضِرٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا وَنَحْوُهُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ .

( فَصْلٌ يُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَمْ بِعُمْرَةٍ أَمْ بِهِمَا أَمْ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِأَنَّهُ غُسْلٌ لِمُسْتَقْبَلٍ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَإِحْرَامُهُ جُنُبًا وَنَقَلَ فِي الرَّوْضَةِ الْأُولَى - عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَيُسَنُّ ذَلِكَ لِكُلِّ أَحَدٍ ( حَتَّى الْحَائِضِ ) وَالنُّفَسَاءِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْظِيفُ وَفِي مُسْلِمٍ { أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي وَأَحْرِمِي } وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ خَبَرَ { أَنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ } قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا اغْتَسَلَتَا نَوَتَا ( وَ ) حَتَّى ( غَيْرُ الْمُمَيِّزِ ) فَيَغْسِلُهُ وَلِيُّهُ ( وَالْأَوْلَى أَنْ تُؤَخِّرَهُ ) أَيْ الْإِحْرَامَ ( الْحَائِضُ ) وَالنُّفَسَاءُ حَتَّى تَطْهُرَا ( إنْ أَمْكَنَ ) تَأْخِيرُهُ بِأَنْ أَمْكَنَهُمَا الْمَقَامَ بِالْمِيقَاتِ حَتَّى تَطْهُرَا لِيَقَعَ إحْرَامُهُمَا فِي أَكْمَلِ أَحْوَالِهِمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِي كَلَامِ الْأُمِّ أَشْعَارٌ بِأَنَّهُمَا إذَا أَحْرَمَتَا مِنْ وَرَاءِ الْمِيقَاتِ لَا يُسَنُّ لَهُمَا تَقْدِيمُ الْغُسْلِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ .
قَوْلُهُ فَيُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ ) وَيَنْوِي ( قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ تُؤَخِّرَهُ الْحَائِضُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ هَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمِيقَاتِ وَوَسِعَ الْوَقْتُ ، وَقَدْ حَكَاهُ فِي الشَّامِلِ عَنْ النَّصِّ

( وَالْعَاجِزُ عَنْهُ ) لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ ( يَتَيَمَّمُ ) نَدْبًا ؛ لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْوَاجِبَ فَالْمَسْنُونُ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ الْغُسْلَ يُرَادُ لِلْقُرْبَةِ وَالنَّظَافَةِ فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ ( مَعَ الْوُضُوءِ أَوْ ) مَعَ ( بَعْضِهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ) وَفِي نُسْخَةٍ مَعَ الْوُضُوءِ إنْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ فَالْأُولَى أَكْثَرُ فَائِدَةٍ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِقَوْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهَا كَالرَّافِعِيِّ عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِلْغُسْلِ تَوَضَّأَ قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ أَيْ عَنْ الْغُسْلِ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوُضُوءِ فَلَيْسَ بِحَيِّدٍ ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الْغُسْلُ ، وَالتَّيَمُّمُ يَقُومُ مَقَامَهُ دُونَ الْوُضُوءِ .
ا هـ .
وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَلَعَلَّ الْبَغَوِيّ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْوُضُوءِ كَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً يَكْفِي غُسْلَهُ تَوَضَّأَ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً بِحَالٍ تَيَمَّمَ فَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَوْلَى بِالْغُسْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ كَامِلَةٌ وَسُنَّةٌ قَبْلَ الْغُسْلِ الْقَائِمِ مَقَامَهُ التَّيَمُّمُ وَقَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْوُضُوءِ بَعْضَهُ إذَا عَجَزَ عَنْ تَمَامِهِ ، وَعَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَنْ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ ثَانِيًا عَنْ الْغُسْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا عَنْ الْغُسْلِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ الْمَاءِ الْغُسْلَ ، وَإِلَّا فَالثَّانِي ، وَلَوْ ذَكَرَ حُكْمَ الْحَائِضِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْعَاجِزِ بَعْدَ بَقِيَّةِ الْأَغْسَالِ كَانَ أَوْلَى ، وَقَدْ خَلَصَ مِنْهُ الْأَصْلُ بِإِعَادَتِهِ بَعْدَهَا لَكِنَّهُ لَمْ يُعِدْ حُكْمَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ .
( قَوْلُهُ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَ ) يُسَنُّ الْغُسْلُ ( لِدُخُولِ مَكَّةَ ) ، وَلَوْ غَيْرَ حَاجٍّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَشُمُولُ كَلَامِهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ مِنْ زِيَادَتِهِ وَيُسْتَثْنَى مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ كَالتَّنْعِيمِ وَاغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ فَلَا يُسَنُّ لَهُ الْغُسْلُ لِدُخُولِهَا لِحُصُولِ النَّظَافَةِ بِالْغُسْلِ السَّابِقِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ كَالْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ فِي الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ التَّنْعِيمِ وَنَحْوِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ إلَّا ذَلِكَ الْوَقْتُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَطَرَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونَ آثِمًا وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَيُسَنُّ الْغُسْلُ أَيْضًا لِدُخُولِ الْحَرَمِ وَلِدُخُولِ الْمَدِينَةِ ( وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ) سُمِّيَتْ عَرَفَةَ قِيلِ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا ، ثَمَّ وَقِيلَ ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَ فِيهَا إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنَاسِكَهُ وَقِيلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ ( وَمُزْدَلِفَةَ ) أَيْ وَلِلْوُقُوفِ بِهَا عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ( صَحَّ يَوْمُ النَّحْرِ وَلِلرَّمْيِ ) لِلْجِمَارِ ( فِي كُلِّ يَوْمٍ ) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا قَيَّدَ بِهَا الْأَصْلُ لِآثَارٍ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ هَذِهِ مَوَاضِعُ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ فَأَشْبَهَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَنَحْوَهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَيَّامِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالزَّوَالِ كَالرَّمْيِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ كَمَا فِي الْغُسْلِ لِلْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ ، وَلَا يُسَنُّ الْغُسْلُ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَلَا الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةُ ، وَلَا لِطَوَافِ الْقُدُومِ اكْتِفَاءً بِمَا قَبْلَهُ فِي الثَّلَاثَةِ وَلِاتِّسَاعِ وَقْتِ الْأَوَّلِ وَعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ فِي الثَّانِي ، وَلَا لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ وَالْحَلْقِ لِاتِّسَاعِ أَوْقَاتِهَا فَتَقِلُّ الزَّحْمَةُ خِلَافًا لِمَا فِي

الْقَدِيمِ فِي الثَّلَاثَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَزَادَ فِي الْقَدِيمِ طَوَافَيْ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ وَالْحَلْقِ ) أَيْ الْغُسْلَ لَهَا وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ لَهَا .
( تَنْبِيهٌ ) كَلَامُ الرَّافِعِيّ يُشْعِرُ هُنَا بِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَجِيجِ صَلَاةُ الْعِيدِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى فِعْلِهَا فُرَادَى صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فَقَالَ وَالْحَجِيجُ وَإِنْ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ الْعِيدَ جَمَاعَةً فَعِنْدَنَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا فُرَادَى فَيَغْتَسِلُونَ لَهَا
( قَوْلُهُ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ ) إنَّمَا لَمْ يَجِبْ ؛ لِأَنَّهُ غُسْلُ الْمُسْتَقْبَلِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ ( قَوْلُهُ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ) ، وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ سَارَ إلَى الْمَوْقِفِ وَاغْتَسَلَ لِلْوُقُوفِ وَأَقَامَ بِنَمِرَةَ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ خَطَبَ الْإِمَامُ .

( فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ ) لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ ( أَنْ يَغْسِلَ ) قَبْلَ الْغُسْلِ ( رَأْسَهُ لِلْإِحْرَامِ بِسِدْرٍ ) أَوْ نَحْوِهِ لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ غَسَلَ رَأْسَهُ بِأُشْنَانٍ وَخِطْمِيٍّ } ( وَأَنْ يُلَبِّدَهُ ) بَعْدَ الْغُسْلِ بِأَنْ يَعْقِصَهُ وَيَضْرِبَ عَلَيْهِ الْخِطْمِيَّ أَوْ الصَّمْغَ أَوْ غَيْرَهُمَا ( لِدَفْعِ الْقَمْلِ ) وَغَيْرِهِ مُدَّةَ الْإِحْرَامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِمَنْ لَا يُجْنِبُ إلَّا نَادِرًا أَوْ تَقْصُرُ مُدَّةُ إحْرَامِهِ وَإِلَّا فَفِي الِاسْتِحْبَابِ بَلْ الْجَوَازِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْغُسْلِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِحَلْقِ رَأْسِهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا اعْتَادَتْ الْحَيْضَ فِي إحْرَامِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا لِقِصَرِ مُدَّةِ الْإِحْرَامِ غَالِبًا ، وَعِنْدَ حُصُولِ الْعَارِضِ يُمْكِنُ نَقْضُهُ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِحَلْقِ رَأْسِهِ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُضِيفُونَ إلَيْهِ مَا يَسْهُلُ بِهِ نَزْعُهُ قَالَ : وَهَذَا يَتَأَتَّى أَيْضًا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ إذَا دَخَلَ يَوْمُهَا وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ .

( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يَقُصَّ الشَّارِبَ وَ ) أَنْ ( يَأْخُذَ شَعْرَ الْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالظُّفْرِ ) قَبْلَ الْغُسْلِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَنْظِيفٌ فَسُنَّ كَالْغُسْلِ إلَّا فِي الْعَشْرِ لِمُرِيدِ التَّضْحِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ ( وَ ) أَنْ ( يَتَطَيَّبَ ) بَعْدَ الْغُسْلِ فِي بَدَنِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ رَجُلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلنِّسَاءِ التَّطَيُّبُ عِنْدَ خُرُوجِهِنَّ لِلْجُمُعَةِ لِضِيقِ مَكَانِهَا وَزَمَانِهَا فَلَا يُمْكِنُهُنَّ اجْتِنَابُ الرِّجَالِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي النُّسُكِ ( وَجَازَ ) أَنْ يَتَطَيَّبَ ( فِي ثَوْبِهِ ) مِنْ إزَارِ الْإِحْرَامِ وَرِدَائِهِ كَمَا فِي بَدَنِهِ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَأَغْرَبَ الْمُتَوَلِّي فَحَكَى فِيهِ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَجَرَى فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَيْسَ بِغَرِيبٍ كَمَا زَعَمَهُ النَّوَوِيُّ فَقَدْ حَكَاهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْبَارِزِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجِيلِيُّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ يُكْرَهُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَيَتَطَيَّبُ فِيمَا ذُكِرَ ( وَ ) لَوْ ( بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ ) بَعْدَ الْإِحْرَامِ { قَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ أَيْ بِرِيقِهِ مِنْ مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( وَلَهُ اسْتَدَامَتُهُ ) بَعْدَ إحْرَامِهِ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ وَسَوَاءٌ اسْتَدَامَهُ فِي بَدَنِهِ أَمْ ثَوْبِهِ ( لَا شَدَّهُ فِي ثَوْبِهِ ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ وَنَقَلَ فِيهِ الِاتِّفَاقَ ( وَلَوْ أَخَذَهُ ) قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ ( مِنْ بَدَنِهِ ) أَوْ ثَوْبِهِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى ( ثُمَّ أَعَادَهُ ) إلَيْهِ ( بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ ) الْمُطَيَّبَ ( ثُمَّ لَبِسَهُ فَدَى ) أَيْ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ لُبْسَ ثَوْبٍ

مُطَيَّبٍ ، وَلَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَيَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِلطِّيبِ ابْتِدَاءً ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَلَوْ انْتَقَلَ بِالْعَرَقِ ) مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ إلَيْهِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ ( لَمْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ) لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُبَاحٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ وَلِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادِ حَسَنٍ { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْهَانَا } قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِاسْتِحْبَابِ الْجِمَاعِ إنْ أَمْكَنَهُ ، وَلَا يَبْعُدُ اسْتِحْبَابُهُ ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ دَوَاعِيهِ .
قَوْلُهُ وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ ) هُوَ الْأَصَحُّ

( فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ لِلْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا ) عَجُوزًا أَوْ شَابَّةً ( مَسْحُ وَجْهِهَا بِالْحِنَّاءِ ) بِالْمَدِّ ( لِلْإِحْرَامِ وَخَضْبُ كَفَّيْهِمَا بِهِ ) لَهُ لِتَسْتُرَ بِهِ مَا يَبْرُزُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِكَشْفِ الْوَجْهِ ، وَقَدْ يَنْكَشِفُ الْكَفَّانِ ؛ وَلِأَنَّ الْحِنَّاءَ مِنْ زِينَتِهَا فَنُدِبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ كَالطِّيبِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ ( تَعْمِيمًا ) لِلْكَفَّيْنِ ( لَا نَقْشًا وَتَسْوِيدًا أَوْ تَطْرِيفًا ) فَلَا يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ وَإِزَالَةِ الشُّعْثِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْإِحْرَامِ بَلْ إنْ كَانَتْ خَلِيَّةً ، أَوْ لَمْ يَأْذَنْ حَلِيلُهَا حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ ( وَيُكْرَهُ ) لَهَا الْخَضْبُ ( بَعْدَ الْإِحْرَامِ ) لِمَا مَرَّ آنِفًا ( وَفِي بَاقِي الْأَحْوَالِ ) أَيْ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ ( يُسْتَحَبُّ لِلْمُزَوَّجَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ مِنْهَا لِزَوْجِهَا كُلَّ وَقْتٍ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ ( وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا ) بِلَا عُذْرٍ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ ( ، وَلَا يَخْتَضِبُ الْخُنْثَى ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ لِلِاحْتِيَاطِ ( كَالرَّجُلِ ) لِلنَّهْيِ عَنْ تَشْبِيهِهِ بِالْمَرْأَةِ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ .

( فَرْعٌ وَيَنْزِعُ الرَّجُلُ الْمَخِيطَ ) قَبْلَ الْإِحْرَامِ وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ كَالرَّافِعِيِّ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ لُبْسُهُ فِي الْإِحْرَامِ الَّذِي هُوَ مُحْرِمٌ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُتَّجَهُ اسْتِحْبَابُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ لَمْ يُوجَدْ ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ وَإِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَإِنَّمَا يَجِبُ النَّزْعُ عَقِبَهُ ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَيْنِ ذَكَرَا فِي الصَّيْدِ عَدَمَ وُجُوبِ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مَعَ أَنَّ الْمُدْرَكَ فِيهِمَا وَاحِدٌ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَطْءَ يَقَعُ فِي النِّكَاحِ فَلَا يَحْرُمُ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ النَّزْعُ عَقِبَهُ ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ ، وَلِأَنَّ مُوجِبَهُ لَيْسَ الْوَطْءُ بَلْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ الْإِحْرَامِ بِالْوَطْءِ ، وَأَمَّا الصَّيْدُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالْإِحْرَامِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ نَزْعِ الثَّوْبِ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَيَجِبُ قَبْلَهُ كَمَا يَجِبُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ قَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ أَخْذًا مِمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا ، وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ وَمِمَّا لَوْ وَطِئَ أَوْ أَكَلَ لَيْلًا مَنْ أَرَادَ الصَّوْمَ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَرْكُهُمَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ طُلِبَ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْمُحْرِمُ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا نَزَعَ قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْحَلِفِ وَتَرْكِ الْمُفْطِرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَاحْتِيطَ لَهُ مَا لَمْ يُحْتَطْ لَهُمَا ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ النَّزْعُ بَعْدَ التَّطَيُّبِ .

( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْخَادِمِ إنَّهُ الظَّاهِرُ نَقْلًا وَدَلِيلًا أَمَّا النَّقْلُ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ فِي كِتَابِ الْخَنَاثَى التَّجَرُّدُ مِنْ الْمَخِيطِ وَاجِبٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَأَمَّا الدَّلِيلُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يُحْرِمُ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ } فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّجَرُّدِ عَنْ غَيْرِهِمَا إذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ يُصَلِّي ( قَوْلُهُ كَالرَّافِعِيِّ ) قَالَ فِي الْعَزِيزِ الْمَعْدُودُ مِنْ السُّنَنِ التَّجَرُّدُ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَمَّا مُجَرَّدُ التَّجَرُّدِ فَلَا يُمْكِنُ عَدُّهُ مِنْ السُّنَنِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ لُبْسِ الْمَخِيطِ فِي الْإِحْرَامِ لَازِمٌ وَمِنْ صُوَرِ لُزُومِهِ لُزُومُ التَّجَرُّدِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ ) مُقْتَضَى ضَبْطِ مُصَنِّفِهِ قَوْلُهُ وَيَتَجَرَّدُ بِالضَّمِّ وُجُوبُهُ .

( وَيَلْبَسُ ) الرَّجُلُ نَدْبًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ ( إزَارًا وَرِدَاءً ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( أَبْيَضَيْنِ ) لِخَبَرِ { الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ } ( جَدِيدَيْنِ أَوْ نَظِيفَيْنِ ) كَذَا عَبَّرَ الْبُوَيْطِيُّ وَالتَّنْبِيهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ جَدِيدَيْنِ ، وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ وَاعْتَرَضَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى عِبَارَةِ التَّنْبِيهِ ، ثُمَّ قَالَ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ جَدِيدَيْنِ ، وَإِلَّا فَنَظِيفَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَغْسِلَ الْجَدِيدَ الْمَقْصُورَ لِنَشْرِ الْقَصَّارِينَ لَهُ عَلَى الْأَرْضِ ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ غَسْلَ حَصَى الْجِمَارِ احْتِيَاطًا ، وَهَذَا أَوْلَى بِهِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ أَنَّ غَيْرَ الْمَقْصُورِ كَذَلِكَ ( وَنَعْلَيْنِ ) لِخَبَرِ { لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ } رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى إذْ لَا نَزْعَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ الْوَجْهِ .

( وَيُكْرَهُ ) لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ ( الْمَصْبُوغُ ) وَلَوْ بِنِيلَةٍ أَوْ مَغْرَةٍ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ مَالِكٌ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمَحَلُّهُ فِيمَا صُبِغَ بِغَيْرِ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرَةٍ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ لُبْسُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُ الْمَصْبُوغِ بِهِمَا ، وَإِنَّمَا كُرِهَ هُنَا الْمَصْبُوغُ بِغَيْرِهِمَا خِلَافَ مَا قَالُوهُ ثَمَّ ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ فَلَا يُنَاسِبُهُ الْمَصْبُوغُ مُطْلَقًا لَكِنْ قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِمَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ وَيُوَافِقُهُ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ ( ثُمَّ يُصَلِّي ) نَدْبًا ( الرَّكْعَتَيْنِ ) أَيْ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ قَبْلَهُ وَرَوَى الشَّيْخَانِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلِّي بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَحْرَمَ } ( إلَّا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ ) فَلَا يُصَلِّيهِمَا فِيهِ بَلْ يَحْرُمَانِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَمَحْمَلُهُ كَمَا مَرَّ ثَمَّ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ ( وَيُجْزِئُ الْفَرِيضَةُ ) وَكَذَا النَّافِلَةُ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ( عَنْهُمَا ) كَالتَّحِيَّةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ فَلَا تَنْدَرِجُ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا أَثْبَتْنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِلْإِحْرَامِ خَاصَّةً وَبِمَ يَثْبُتُ ، بَلْ الَّذِي ثَبَتَ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وُقُوعُ الْإِحْرَامِ إثْرَ صَلَاةٍ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ رَكِبَ } وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ ، ثُمَّ رَكِبَ } وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَأُحِبُّ لَهُمَا يَعْنِي لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يُهِلَّا خَلْفَ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ ( وَيَقْرَأُ فِيهِمَا ) نَدْبًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ( سُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ ، وَصَلَّى ) نَدْبًا ( فِي مَسْجِدِ

الْمِيقَاتِ إنْ كَانَ ) ثَمَّ ( مَسْجِدٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ .
قَوْلُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُ الْمَصْبُوغِ بِهِمَا ) تَقَدَّمَ ثَمَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ تَحْرِيمِ الثَّانِي ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهَذَا إلَخْ ) أَيْ كَالسُّبْكِيِّ وَغَيْرِهِ

( فَرْعٌ ثُمَّ ) إذَا صَلَّى ( يَنْوِي الْإِحْرَامَ وَيُلَبِّي ) لِمَا مَرَّ ( مُسْتَقْبِلًا ) الْقِبْلَةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ نَدْبًا لِخَبَرٍ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ؛ وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ ( وَالْأَفْضَلُ ) أَنْ يُحْرِمَ ( إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ) يَعْنِي دَابَّتَهُ بِأَنْ اسْتَوَتْ قَائِمَةً لِطَرِيقِ مَكَّةَ ( أَوْ تَوَجَّهَ الْمَاشِي لِلطَّرِيقِ ) أَيْ طَرِيقَ مَكَّةَ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَوَّلِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقِيَاسًا عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرًا { إذَا رُحْتُمْ إلَى مِنًى مُتَوَجِّهِينَ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ } وَسَيَأْتِي أَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَأَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّ سَيْرَهُ لِلنُّسُكِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ ( وَيُكْثِرُ ) نَدْبًا ( الْمُحْرِمُ مِنْ التَّلْبِيَةِ كُلَّ حِينٍ الْحَائِضُ وَالطَّاهِرُ ) قَائِمَيْنِ وَقَاعِدَيْنِ وَرَاكِبَيْنِ وَمَاشِيَيْنِ فِي ذَلِكَ ( سَوَاءٌ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهَا شِعَارُ النُّسُكِ ( وَ ) الْإِكْثَارُ مِنْهَا ( عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ مِنْ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاجْتِمَاعٍ ) بِرُفْقَةٍ أَوْ نَحْوِهِمْ ( وَافْتِرَاقٍ وَنَحْوِهِ ) كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَفَرَاغٍ مِنْ صَلَاةٍ وَإِقْبَالِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ( آكَدُ ) مِنْ غَيْرِهِ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ فِي ذَلِكَ وَالصُّعُودُ وَالْهُبُوطُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا اسْمٌ لِمَكَانِ الْفِعْلِ مِنْهُمَا وَبِضَمِّهِ مَصْدَرٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ هُنَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَتُكْرَهُ التَّلْبِيَةُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ ( وَتُسْتَحَبُّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْخَيْفِ ) بِمِنًى ( وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِعَرَفَةَ ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَإِنَّهَا مَوَاضِعُ نُسُكٍ ( وَكَذَا سَائِرُ الْمَسَاجِدِ ) اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ فِي ذَلِكَ ( لَا فِي الطَّوَافِ ) ، وَلَوْ طَوَافَ الْقُدُومِ ( وَالسَّعْيِ ) بَعْدَهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ فِيهِمَا التَّلْبِيَةُ ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا أَذْكَارًا خَاصَّةً ( تَنْبِيهٌ )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70